ج5 - نجاسة الكلب والخنزير
الفصل الثامن والتاسع
ولا خلاف في نجاستهما عينا ، قال الشيخ في
الخلاف ان الكلب نجس العين نجس اللعاب نجس السؤر بإجماع الفرقة وان الخنزير نجس
بلا خلاف. وقال المحقق في المعتبر إذا لاقى الكلب والخنزير ثوبا أو جسدا وهو رطب
غسل موضع الملاقاة وجوبا وهو مذهب علمائنا اجمع. وقال العلامة في المنتهى والتذكرة
الكلب والخنزير نجسان عينا عند علمائنا. الى غير ذلك من كلامهم الذي على هذا
المنوال ، وقد وافقنا على ذلك أيضا أكثر العامة (1).
والأصل فيه الأخبار المستفيضة ، ومنها صحيحة محمد بن
مسلم (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الكلب
يصيب شيئا من جسد الرجل؟ قال يغسل المكان الذي اصابه». وصحيحة الفضل ابي العباس (3) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا أصاب
ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله وان مسه جافا فاصبب عليه الماء». وصحيحة على بن جعفر
عن أخيه موسى (عليهالسلام) (4) قال «سألته عن
الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر وهو في صلاته كيف يصنع به؟ قال ان كان دخل
في صلاته فليمض وان لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه إلا ان يكون فيه
اثر فيغسله. قال وسألته عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟ قال يغسل سبع مرات». قوله
في الخبر : «ان كان دخل في صلاته فليمض. الى قوله فلينضح» المراد به ما إذا كانت
الإصابة بغير رطوبة بقرينة قوله «إلا ان يكون
__________________
(1) في المغني ج 1 ص 52 «النجاسة قسمان نجاسة الكلب والخنزير
والمتولد منهما فهذا لا يختلف المذهب في أنه يجب غسلها سبعا إحداهن بالتراب» وفي
بدائع الصنائع ج 1 ص 74 «اختلف المشايخ في كون الكلب نجس العين فمنهم من قال انه
نجس العين ومنهم من قال ليس بنجس العين وهذا أقرب القولين الى الصواب» وفي الأم
للشافعي ج 1 ص 7 «جلد الكلب والخنزير لا يطهر بالدباغ لأن النجاسة فيهما وهما حيان
قائمة وانما يطهر بالدباغ ما لم يكن نجسا حيا والكلب والخنزير لا يطهران بحال ابدا».
(2 و 3) المروية في الوسائل في الباب 12 من أبواب النجاسات.
(4) المروية في الوسائل في الباب 13 من أبواب النجاسات.
فيه اثر فيغسله» وسيجيء تحقيق الكلام
فيه ان شاء الله تعالى قريبا في مسألة الصلاة في النجاسة ، وفي الصحيح عن حريز عن
من أخبره عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «إذا مس
ثوبك كلب فان كان يابسا فانضحه وان كان رطبا فاغسله». وعن الحسين ابن سعيد عن
القاسم عن علي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن الكلب يصيب الثوب؟ قال انضحه وان كان رطبا فاغسله». وعن صفوان بن يحيى عن
معاوية بن شريح (3) قال : «سأل
عذافر أبا عبد الله (عليهالسلام) وانا عنده عن
سؤر السنور الى ان قال قلت له الكلب؟ قال لا. قلت أليس هو سبع؟ قال لا والله انه
نجس لا والله انه نجس». وصحيحة أبي الفضل البقباق (4) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن فضل الهرة
والشاة ، الى ان قال حتى انتهيت الى الكلب؟ فقال رجس نجس. الحديث». وفي الصحيح عن
حريز عن محمد بن مسلم عن الصادق (عليهالسلام) (5) قال : «سألته
عن الكلب يشرب من الإناء؟ قال اغسل الإناء».
وقد ورد من الاخبار هنا ما ظاهره المنافاة في الحكم
المذكور ، ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن سعيد عن ابن سنان عن ابن
مسكان عن الصادق (عليهالسلام) (6) قال : «سألته
عن الوضوء بماء ولغ الكلب فيه والسنور أو شرب منه جمل أو دابة أو غير ذلك أيتوضأ
منه أو يغتسل؟ قال نعم إلا ان تجد غيره فتنزه عنه». وحمله الشيخ على ما إذا كان
الماء بالغا مقدار الكر واستشهد له برواية أبي بصير عن الصادق (عليهالسلام) (7) وفيها «ولا
تشرب من سؤر الكلب إلا ان يكون حوضا كبيرا يستقى منه».
أقول : ما ذكره الشيخ جيد فان ظاهر الخبر ان هذا الماء
من
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 26 من أبواب النجاسات.
(3 و 4 و 7) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأسآر.
(5) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب النجاسات.
(6) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب الأسآر.
مياه الطرق المشاعة وقد أوضحنا في بحث
الماء القليل انها لا تنقص عن كر فضلا عن كرور وما قدر الكر فإنه لا يأتي على شرب
جمل كما ذكر في الخبر ، ومنها ـ ما رواه في الصحيح عن ابن ابى عمير عن ابي زياد
النهدي عن زرارة (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن جلد
الخنزير يجعل دلوا يستقى به؟ قال لا بأس». وحمله الشيخ ايضا على قصد استعمال الماء
في سقي الدواب أو شبهه لا في نحو الوضوء والشرب وهو جيد ، وعلى هذا فيكون نفي
البأس متوجها الى الماء الذي يستقى به وانه لا ب. س باستعماله ويحمل على ما ذكره
الشيخ. ويحتمل عندي ـ والظاهر انه الأقرب ـ ان نفي البأس انما هو بالنسبة إلى
البئر وانها لا تنجس بذلك فيكون هذا الخبر من الأخبار الدالة على طهارة البئر وعدم
انفعالها بالملاقاة بوقوع جلد الخنزير فيها ، ويؤيد هذا المعنى موثقة الحسين بن
زياد عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «قلت له
جلد الخنزير يجعل دلوا يستقى به من البئر التي يشرب منها أو يتوضأ منها؟ قال لا
بأس». فإنها ظاهرة في نفي البأس عن ماء البئر لأن السؤال انما تعلق بذلك ويصير
معنى الرواية لا بأس به اي بماء البئر والشرب والوضوء منه وانها لا تنجس بذلك ،
ولا بأس بالاستفاء بجلد الخنزير على ماء البئر ، وحينئذ فلا دلالة فيه على طهارة
الجلد ان لم يكن أظهر في الدلالة على النجاسة لأن السؤال عن ماء البئر وبقائه على
الطهارة إنما يتجه مع النجاسة لا مع الطهارة.
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب الماء المطلق.
(2) لم نعثر على هذه الرواية بهذا السند والمتن في كتب الحديث
وانما الموجود فيها موثقة الحسين بن زرارة في «شعر الخنزير يعمل حبلا يستقى به»
وستأتي في الصفحة 210 وقد رواها في الوسائل في الباب 14 من الماء المطلق. وقد اثبت
المحقق الهمداني (قده) في مصباح الفقيه للحسين بن زرارة روايتين إحداهما في شعر
الخنزير والأخرى في جلده ، ويحتمل انه اعتمد في رواية الجلد على الحدائق مع ابدال
زياد بزرارة.
فروع
(الأول) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ بل
لا نعلم فيه خلافا سوى ما ذهب اليه المرتضى في المسائل الناصرية ـ نجاسة الكلب
والخنزير بجميع اجزائهما ما تحله الحياة منها وما لا تحله ، وفرق المرتضى في
الكتاب المذكور بينهما فحكم بطهارة ما لا تحله الحياة ، قال في الكتاب المشار اليه
ـ بعد قول جده الناصر : شعر الميتة طاهر وكذا شعر الكلب والخنزير ـ ما صورته : هذا
صحيح وهو مذهب أصحابنا وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه وقال الشافعي ان ذلك كله نجس (1) دليلنا على
صحة ما ذهبنا اليه بعد الإجماع المتكرر ذكره قوله تعالى : «وَمِنْ أَصْوافِها ...» (2) الى ان قال :
وأيضا فإن الشعر لا حياة فيه ألا ترى ان الحيوان لا يألم بأخذه منه ، الى ان قال :
وإذا ثبت ان الشعر والصوف والقرن لا حياة فيه لم يحله الموت ، وليس لهم ان يتعلقوا
بقوله تعالى «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ» فإن اسم
الميتة يتناول الجملة بسائر اجزائها وذلك ان الميتة اسم لما يحله الموت والشعر لا
يحله الموت كما لا تحله الحياة ويخرج عن الظاهر ، وليس لأحد ان يقول ان الشعر
والصوف من جملة الخنزير والكلب وهما نجسان ، وذلك انه لا يكون من جملة الحي إلا ما
تحله الحياة وما لا تحله الحياة ليس من جملته وان كان متصلا به. انتهى ملخصا.
وظاهره ـ كما ترى ـ دعوى الإجماع على هذه الدعوى مع انه
لم يقل بها أحد
__________________
(1) في البحر الرائق لابن نجيم الحنفي ج 1 ص 232 «المختار جلد
الكلب نجس وشعره طاهر» وفي المغني ج 1 ص 57 «لا فرق بين النجاسة من ولوغ الكلب أو
يده أو رجله أو شعره أو غير ذلك من اجزائه ، وحكم الخنزير حكم الكلب لان النص وقع
في الكلب والخنزير شر منه» وفي ص 82 «اختلفت الرواية عن أحمد في الخرز بشعر
الخنزير فروى عنه وعن ابن سيرين والحكم وحماد وإسحاق والشافعي كراهته لانه استعمال
العين النجسة ولا يسلم من التنجيس بها».
(2) سورة النحل ، الآية 80.
من الإمامية سواه. واما ما تمسك به من
الدليل فهو أوهن من بيت العنكبوت وانه لا وهن البيوت. وذلك فان ما ذكره مخالف لما
هو المعلوم لغة وعرفا وشرعا من صدق الاسم على جميع ما تركب منه ذلك الحيوان وكان
من جملته ، اما العرف واللغة فظاهر واما الشرع فلما ذكروه فيه في باب الديات من
الدية في الجناية على الشعر كالجناية على سائر أجزاء البدن من رأسه وعنقه وسائر
أعضائه فلو لم يكن الشعر جزء منه وداخلا في جملته لما ترتب على الجناية عليه دية ،
على ان الأخبار التي قدمناها في تعدي النجاسة مع الرطوبة شاملة بعمومها لما كان
الملاقاة لما تحله الحياة ولما لا تحله الحياة بل الغالب في الملاقاة أن الإصابة
انما تحصل بالشعر كما هو ظاهر.
ونقل في المدارك ان المرتضى استدل هنا بدليل آخر زيادة
على ما ذكره وهو ان ما لا تحله الحياة من نجس العين كالمأخوذ من الميتة ، ثم أجاب
عنه بأنه قياس مع الفارق فإن المقتضي للتنجيس في الميتة صفة الموت وهي غير حاصلة
فيما لا تحله الحياة بخلاف نجس العين فان نجاسته ذاتية.
وأنت خبير بان كلام المرتضى (رضياللهعنه) في هذا
المقام انما يدور على الدليل الأول وهو ان ما لا تحله الحياة ليس من جملته وان كان
متصلا به حيا أو ميتا ، واما كلامه المتقدم فإنما هو في شعر الميتة كما هو أحد
المسألتين المذكورتين في كلام جده الناصر ، والظاهر ان هذا الدليل متكلف له كما
ينبئ عنه ظاهر كلامهم حيث انهم لم يرجعوا الى الكتاب المذكور فعبروا عنه بأنه نقل
عنه القول بكذا ونقل عنه الاستدلال بكذا.
قال في المعالم : واما السيد فيعزى اليه القول بطهارة ما
لا تحله الحياة ، الى ان قال وحجة المرتضى على ما ذكره جماعة وذكر مثل ما ذكر في
المدارك من الدليلين المتقدمين ورد الأول بأن المرجع في صدق الاسم إلى اللغة
والعرف وهما متفقان على عدم اعتبار التفرقة المذكورة ، والتشبيه بعظم الميتة
وشعرها لا وجه له كما لا يخفى. انتهى.
أقول : لا يخفى ما في تخصيص الرجوع في صدق الاسم باللغة
والعرف دون الشرع مع دلالة ما قلناه عليه من الغفلة فإنه لولا صدق الاسم عليه
ودخوله في مسمى الإنسان لما كان في إيجاب الدية في الجناية على الشعر معنى مع انه
لا خلاف بينهم فيه وورود الأخبار به. ويؤيده ما رواه في الكافي عن السياري في
حكاية ابن ابي ليلى مع محمد بن مسلم في جارية ليس على عانتها شعر (1) حيث «سئل ابن
ابي ليلى عنها فلم يكن عنده فيها شيء فسأل عنها محمد بن مسلم فقال اي شيء تروون
عن ابي جعفر (عليهالسلام) في المرأة لا
يكون على ركبها شعر أيكون ذلك عيبا؟ فقال له محمد بن مسلم اما هذا نصا فلا أعرفه
ولكن حدثني أبو جعفر عن أبيه عن آبائه عن النبي (صلىاللهعليهوآله) انه قال : كل
ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب. فقال له ابن ابي ليلى حسبك ثم رجع الى
القوم فقضى لهم بالعيب». والتقريب ظاهر.
وبالجملة فما ذهب اليه المرتضى ضعيف لا يعول عليه وما
احتج به لا يلتفت اليه ، نعم روى الشيخ في الصحيح عن زرارة عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر هل يتوضأ من ذلك الماء؟ قال
لا بأس». وفي الموثق عن الحسين بن زرارة عنه (عليهالسلام) (3) قال : «قلت
فشعر الخنزير يعمل حبلا يستقى به من البئر التي يشرب منها ويتوضأ منها؟ قال لا بأس
به». وكان الاولى بالمرتضى التمسك بهذين الخبرين الموهمين لطهارة شعر الخنزير ثم
يتمسك بعدم القائل بالفرق بين الكلب والخنزير بناء على قواعدهم ، ووجه الإيهام
فيهما من حيث إطلاق نفى البأس عن استعمال الحبل في الاستقاء مع بعد الانفكاك عن
الملاقاة بالرطوبة لليد أو الماء فإنه لذلك يكون مشعرا بطهارة شعر الخنزير.
والتحقيق عندي في ذلك ان نفى البأس إنما توجه هنا الى
ماء البئر وعدم نجاستها
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من أحكام العيوب.
(2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 14 من الماء المطلق.
بالحبل مع وقوعه فيها كما هو الغالب
بقرينة ذكر الوضوء منها في الخبر الأول واضافة الشرب في الخبر الثاني فهما من أدلة
القول بعدم نجاستها بالملاقاة كما هو الأظهر في المسألة. بقي الكلام في ملاقاة
اليد بالرطوبة للحبل مثلا أو الثياب أو نحو ذلك والخبران مطلقان في ذلك وحكم ذلك
معلوم من غير هذين الخبرين مما دل على نجاسة شعر الخنزير كما سنتلوه عليك ان شاء
الله تعالى.
وبالجملة فمحل الإشكال في الخبرين انما هو من حيث ذكر
نفى البأس فيهما وتوهم توجهه الى جواز ملاقاة الحبل بالرطوبة ونحو ذلك وعلى ما
ذكرناه من توجه نفي البأس إلى ماء البئر يزول الاشكال ويبطل الاستناد إليهما في
ذلك الاستدلال ، نعم يحصل الاشكال فيهما عند من يقول بنجاسة البئر بالملاقاة ،
فالشيخ بناء على ذلك أجاب عن الخبر الأول بعدم وصول الحبل الى الماء ، والعلامة في
المنتهى تأول الخبر الثاني بعد حمله نفى البأس على ملاقاة الحبل بالحمل على ملاقاة
الحبل باليبوسة وان كان خلاف الغالب فيحمل على النادر جمعا بين الأدلة. ولا يخفى
ما في الكلامين من البعد وما ذكرناه هو الأقرب كما لا يخفى على المتأمل.
ومن الاخبار الدالة على ما أشرنا إليه من نجاسة شعر
الخنزير ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن سعيد عن ابن ابي عمير عن هشام بن
سالم عن سليمان الإسكاف (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن شعر
الخنزير يخرز به؟ قال لا بأس به ولكن يغسل يده إذا أراد ان يصلي». وفي الصحيح عن
الحسين بن سعيد عن أيوب بن نوح عن عبد الله بن المغيرة عن برد الإسكاف (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) جعلت فداك
انا نعمل بشعر الخنزير فربما نسي الرجل فصلى وفي يده شيء منه؟ فقال لا ينبغي له
ان يصلي وفي يده شيء منه ، وقال خذوه فاغسلوه فما كان له دسم فلا تعملوا به وما
لم
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 13 من النجاسات و 65 من الأطعمة
المحرمة.
(2) رواه في الوسائل في الباب 57 من ما يكتسب به و 65 من
الأطعمة المحرمة.
يكن له دسم فاعملوا به واغسلوا أيديكم
منه». وما رواه عن زرارة عن الباقر (عليهالسلام) (1) قال : «قلت له
ان رجلا من مواليك يعمل الحمائل بشعر الخنزير؟ قال إذا فرغ فليغسل يده». ورواية
برد الإسكاف (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن شعر
الخنزير يعمل به؟ قال خذ منه فأغله بالماء حتى يذهب ثلث الماء ويبقى ثلثاه ثم
اجعله في فخارة جديدة ليلة باردة فإن جمد فلا تعمل به وان لم يجحد ليس عليه دسم
فاعمل به واغسل يدك إذا مسسته عند كل صلاة. قلت ووضوء قال لا اغسل اليد كما تمس
الكلب». وحينئذ فيجب تقييد إطلاق الروايتين المتقدمتين بناء على التقريب الذي
حققناه في معناهما بهذه الاخبار. والله العالم.
(الثاني) ـ قال الشهيد الثاني في الروض بعد ذكر نجاسة
الكلب والخنزير واجزائهما وان لم تحلها الحياة حتى المتولد بينهما وان باينهما في
الاسم : اما المتولد من أحدهما وحيوان طاهر فإنه يتبع في الحكم الاسم سواء كان
لأحدهما أم لغيرهما وان لم يصدق عليه اسم أحدهما ولا غيرهما مما هو معلوم الحكم
فالأقوى فيه الطهارة والتحريم. انتهى.
أقول : اما ما ذكره من نجاسة المتولد منهما فقد صرح في
الذكرى بنحوه فقال : المتولد من الكلب والخنزير نجس في الأقوى لنجاسة أصلية.
وظاهره التبعية لهما في النجاسة وان باينهما في الاسم لانه مقتضى التعليل المذكور.
واستشكل العلامة في الحكم في صورة المباينة في المنتهى والنهاية ، قال في النهاية
المتولد منهما ـ يعني الكلب والخنزير ـ نجس لانه بعضهما وان لم يقع عليه اسم
أحدهما على اشكال منشأه الأصالة السالمة عن معارضة النص ، وتوقف في التذكرة أيضا
فقال الحيوان المتولد منهما يحتمل نجاسته مطلقا واعتبار اسم أحدهما. قال في
المعالم بعد نقل ذلك عنه ولا يخفى قوة وجه الاشكال فالتوقف في محله غير ان الخطب
في مثله سهل إذ البحث فيه لمجرد الفرض. انتهى. وجزم في المدارك بالطهارة مع المباينة
عملا بأصالة الطهارة ، قال بعد ان نقل عن الشهيدين تعليل
__________________
(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 57 من أبواب ما يكتسب به.
النجاسة ولو مع المباينة بنجاسة اصليه
ما صورته : وهو مشكل إذ النجاسة معلقة على الاسم فمتى انتفى تعين الرجوع الى ما
يقتضيه الأصل من طهارة الأشياء ، والأصح عدم نجاسته إذ لا يصدق عليه اسم نجس
العين. انتهى. وهو جيد لو ثبت الأصل الذي استند اليه إلا ان فيه ما عرفت في
المقدمة الحادية عشرة من مقدمات الكتاب ، والحكم ـ لعدم النص الذي هو المعتمد
عندنا في الأحكام الشرعية ـ محل اشكال وتوقف ، نعم لو كان المفروض في صورة
المباينة كونه مما يصدق عليه اسم أحد الحيوانات الطاهرة فالظاهر انه لا إشكال في
الحكم بالطهارة من حيث تبعيتها للاسم إنما الإشكال فيما لو لم يكن كذلك.
واما ما ذكره من المتولد بين أحدهما وطاهر وانه يتبع
الاسم فذكر في المعالم انه قاله كثير من الأصحاب ولم ينقلوا فيه خلافا وقال ربما
لاح من عبارتي المنتهى والنهاية وجود الخلاف حيث قال في أحدهما : الأقرب فيه عندي
اعتبار الاسم وفي الأخر الوجه عندي اعتبار الاسم. أقول : الظاهر انه لا إشكال في
الحكم بتبعية الاسم كما هو المذكور لما علم من الشرع من ترتب الأحكام على ما يصدق
عليه الاسم ، إنما الإشكال فيما لو لم يصدق عليه اسم بالكلية وقد حكم فيه بالطهارة
والتحريم ، وقال في الروضة في الصورة المذكورة : فإن انتفى المماثل فالأقوى طهارته
وان حرم لحمه للأصل فيهما. انتهى أقول : اما الأصل في الأول فظاهر وهو أصالة
الطهارة عندهم في جميع الأشياء حتى يقوم دليل النجاسة ، وفيه ما أشرنا إليه آنفا.
واما الأصل في الثاني فلا اعرف له وجها إلا ان بعض المحشين على الروضة ذكر ان
مراده بأصالة التحريم هو ما علله في تمهيد القواعد بان المحرم غير منحصر لكثرته
على وجه لا ينضبط. وفيه ما لا يخفى فان بناء الأحكام الشرعية على مثل هذا الأصل
الغير الأصيل مجازفة محضة. والله العالم.
(الثالث) ـ المشهور بين الأصحاب طهارة كلب الماء ، وعن
ابن إدريس المخالفة في ذلك والقول بنجاسته لصدق الاسم ، وهو ضعيف لما تقرر في غير
مقام وبه
صرح جملة من علمائنا الاعلام من ان
الإطلاق انما ينصرف الى الافراد الشائعة المتكثرة دون الأفراد النادرة ، ولا ريب
ولا اشكال بل من المتيقن الذي لا يداخله الاحتمال ان الأخبار المتقدمة كلها انما
خرجت في الكلب والخنزير البريين دون البحريين فاحتمال ارادة هذين الفردين من الاخبار
المذكورة مما يقطع بعدمه ، هذا مع تسليم كونه حقيقة في النوعين وإلا فإن قلنا انه
حقيقة في البري لا غير فإطلاقه على الآخر مجاز كما هو صريح عبارة العلامة في
النهاية والتحرير حيث قال : ان لفظ الكلب حقيقة في المعهود مجاز في غيره. وهو
ظاهره في التذكرة أيضا حيث قال بعد ان نقل عن ابن إدريس المخالفة في الحكم المذكور
: ولا يجوز حمل اللفظ على الحقيقة والمجاز بغير قرينة ووجه الدفع حينئذ ما ذكره في
التذكرة من منع كونه حقيقة في النوعين وارادة الحقيقة والمجاز تتوقف على القرينة ،
وربما ظهر من كلام المنتهى انه مشترك بين النوعين بالاشتراك اللفظي والأكثر على
الأول. وكيف كان فخلاف ابن إدريس هنا ضعيف لا يلتفت اليه.
(الفصل العاشر) ـ في جملة من المواضع قد وقع الخلاف فيها
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) زيادة على ما تقدم في تلك الأبواب :
فمنها ـ عرق الجنب من الحرام ، قال الشيخ علي بن الحسين
بن بابويه في رسالته : ان عرقت في ثوبك وأنت جنب وكانت الجنابة من حلال فحلال
الصلاة فيه وان كانت من حرام فحرام الصلاة فيه ونحوه ذكر ابنه في الفقيه ، وقال
المفيد في المقنعة : لا يجب غسل الثوب من عرق الجنب إلا ان تكون الجنابة من حرام
فيغسل ما اصابه عرق صاحبها من جسد وثوب. وقال ابن الجنيد في مختصره : وعرق الحائض
لا ينجس الثوب وكذلك عرق الجنب من حلال وان كان أجنب من حرام غسل الثوب منه. وقال
الشيخ في الخلاف : عرق الجنب إذا كانت الجنابة من حرام حرام الصلاة فيه. وفي
النهاية لا بأس بعرق الحائض والجنب في الثوب واجتنابه أفضل إلا ان تكون الجنابة من
حرام فإنه يجب غسل الثوب
إذا عرق فيه. وعزى العلامة في المختلف
الى ابن البراج موافقة الجماعة. وقال ابن زهرة ان أصحابنا ألحقوا بالنجاسات عرق
الجنب إذا أجنب من الحرام. ونحوه سلار حيث نسب إيجاب إزالة هذا العرق إلى أصحابنا
إلا انه اختار كونه على جهة الندب ، ونقل عن ابن إدريس القول بالطهارة وهو اختيار
الفاضلين وجمهور المتأخرين ، ومما ذكرنا يعلم ان المشهور بين المتقدمين هو القول
بالنجاسة.
واستند المتأخرون فيما حكموا به من القول بالطهارة الى
الأصل والروايات ، ومنها ـ ما رواه الشيخ في الحسن عن أبي أسامة (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الجنب
يعرق في ثوبه أو يغتسل فيعانق امرأته ويضاجعها وهي حائض أو جنب فيصيب جسده من
عرقها؟ قال هذا كله ليس بشيء». قبل وعدم الاستفصال في مثله يشعر بالعموم لو لم
يكن في اللفظ ما يدل عليه. وعن حمزة بن حمران عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «لا
يجنب الثوب الرجل ولا يجنب الرجل الثوب». وعن ابي بصير (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن القميص
يعرق فيه الرجل وهو جنب حتى يبتل القميص؟ فقال لا بأس وان أحب ان يرشه بالماء
فليفعل». ونحو ذلك من الروايات.
واحتج الشيخ في الخلاف بإجماع الفرقة وطريقة الاحتياط
والاخبار ولم يتعرض لنقلها بل أحالها على كتابي الحديث ، قال في المعالم ـ بعد
الكلام في المسألة ونقل الخلاف فيها واختياره الطهارة والاحتجاج على ذلك بجملة من
الاخبار التي قدمناها ـ ما هذا لفظه : وجملة ما وقفنا عليه في الكتابين من
الروايات التي تخيل فيها الدلالة على هذا المعنى حديثان : أحدهما ـ رواه عن محمد
الحلبي في الصحيح (4) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل أجنب في
ثوبه وليس معه ثوب غيره؟ قال يصلي فيه وإذا وجد الماء غسله». قال في التهذيب لا
يجوز ان يكون المراد بهذا
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب
النجاسات.
الخبر إلا من عرق في الثوب من جنابة
إذا كانت من حرام لأنا قد بينا ان نفس الجنابة لا تتعدى الى الثوب وذكرنا ايضا ان
عرق الجنب لا ينجس الثوب فلم يبق معنى يحمل عليه الخبر إلا عرق الجنابة من حرام
فحملناه عليه ، ثم قال على انه يحتمل ان يكون المعنى فيه ان يكون أصاب الثوب نجاسة
فحينئذ يصلي فيه ويعيد. وجعل هذا الاحتمال في الاستبصار أشبه. والحديث الثاني رواه
في الصحيح عن عاصم بن حميد عن ابي بصير (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الثوب
يجنب فيه الرجل ويعرق فيه؟ قال اما انا فلا أحب ان أنام فيه وإذا كان الشتاء فلا
بأس ما لم يعرق فيه». قال الشيخ الوجه في هذا الخبر ضرب من الكراهية وهو صريح فيه
، ويمكن ان يكون محمولا على انه إذا كانت الجنابة من حرام. ثم قال في المعالم :
ولا يخفى عليك ما في الاستناد الى هذين الخبرين في إثبات الحكم من التعسف ، فإن
الأول ظاهر في كون المقتضى لغسل الثوب هو اصابة المني له وقد رأيت اعتراف الشيخ في
الاستبصار بأنه أشبه. وظاهر الخبر الثاني ان المقتضى لثبوت البأس مع العرق في
الثوب هو احتمال سريان النجاسة الحاصلة بالمني ، والعجب من الشيخ (قدسسره) كيف احتمل في
هذا الحديث إرادة الجنابة من الحرام مع قول الامام (عليهالسلام) فيه : اما
انا فلا أحب ان أنام فيه. انتهى.
وقال في المدارك بعد نقل الخلاف في المسألة واختياره
القول بالطهارة والاستدلال عليه برواية أبي أسامة المتقدمة ـ ما صورته : احتج
الشيخ في التهذيب على النجاسة بما رواه في الصحيح عن محمد الحلبي ثم نقل الصحيحة
المتقدمة ثم قال : قال الشيخ ولا يجوز ان يكون المراد بهذا الخبر ثم ذكر عبارة
الشيخ المتقدمة إلى آخرها ، ثم قال ولا يخفى ما في هذا الحمل البعيد إذ لا إشعار
في الخبر بالعرق بوجه. الى آخره. أقول : لا يخفى ان مجرد إيراد الشيخ الخبر
المذكور وحمله على ذلك لا يسمى استدلالا حتى انه يطعن فيه بالبعد ثم ينفي الدلالة
، بل الوجه في ذلك ان هذا الحكم لما كان ثابتا عند
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب النجاسات.
الشيخ بالأدلة التي وصلت اليه حمل هذا
الخبر عليه وان كان بعيدا ، فبعد حمل الخبر المذكور على ذلك لا يوجب انتفاء الحكم
غاية الأمر ان الشيخ لم يورد دليلا من الأخبار ولا غيره ممن قال بذلك في هذه
المسألة.
والتحقيق في المقام بتوفيق الملك العلام ان يقال انه لما
كانت اخبار هذه المسألة الصريحة الدلالة ليست في شيء من الكتب المشهورة بين
المتأخرين عدلوا فيها عما افتى به المتقدمون من القول بالنجاسة حيث لم تصل إليهم
الأدلة في ذلك ، وما تكلفوه من الروايات في الاستدلال للقول بالنجاسة كما قدمنا
نقله عن المعالم ليس هو الدليل ولكن في روايات الكتب الأربعة ما يشير الى الحكم
المذكور ايضا وكان هو الاولى بالنقل في الاستدلال للقول المذكور مثل ما رواه في
الكافي عن علي بن الحكم عن رجل عن ابي الحسن (عليهالسلام) (1) قال : «لا تغتسل
من غسالة ماء الحمام فإنه يغتسل فيه من الزنا. الحديث». وقد تقدم قريبا في نجاسة
المخالفين ، وما رواه فيه ايضا عن محمد بن علي ابن جعفر عن ابي الحسن الرضا (عليهالسلام) (2) في حديث قال «قلت
لأبي الحسن (عليهالسلام) ان أهل
المدينة يقولون ان فيه شفاء من العين؟ فقال كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام
والزاني والناصب الذي هو شرهما ثم يكون فيه شفاء من العين. الحديث».
واما الاخبار الصريحة في الحكم بالنجاسة فمنها ـ قول
مولانا الرضا (عليهالسلام) في الفقه
الرضوي (3) «إن عرقت في
ثوبك وأنت جنب وكانت الجنابة من الحلال فتجوز الصلاة فيه وان كانت حراما فلا تجوز
الصلاة فيه حتى يغسل». ومن هذه العبارة أخذ علي بن الحسين بن بابويه عبارته
المتقدمة وكذا ابنه في الفقيه كما عرفت في غير موضع مما تقدم لكنه هنا غير تغييرا
ما.
ومنها ـ ما نقله في الذكرى قال روى محمد بن همام بإسناده
إلى إدريس بن يزداد
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 11 من الماء المضاف.
(3) ص 4.
الكفر ثوثي (1) «انه كان يقول
بالوقف فدخل سر من رأى في عهد ابي الحسن (عليهالسلام) فأراد أن
يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب أيصلى فيه؟ فبينما هو قائم في طاق باب
الانتظار إذ حركه أبو الحسن (عليهالسلام) بمقرعة وقال
مبتدئا ان كان من حلال فصل فيه وان كان من حرام فلا تصل فيه». أقول : إدريس بن
يزداد المذكور غير مذكور في كتب الرجال والموجود فيها إدريس بن زياد الكفر ثوثي
ثقة ولم ينقل فيه القول بالوقف واحتمال انه هو قريب. واما ما ذكره في المعالم بعد
نقل الخبر عن الذكرى من انه لم يقف عليه بعد التتبع بقدر الوسع في كتب الحديث
الموجودة يومئذ عنده ثم قال فحال إسناده غير واضح ولا يبعد ضعفه وإلا لذكره بكماله
أو نبه على صحته. انتهى أقول : ان الأصول السابقة كانت موجودة عند مثل شيخنا
الشهيد والمحقق والعلامة وابن إدريس وفيها أخبار عديدة قد خلت منها هذه الكتب
المشهورة كما لا يخفى على من راجع ما استطرفه ابن إدريس من الأصول التي كانت عنده
، فمن الظاهر ان شيخنا الشهيد إنما أخذ الرواية من تلك الأصول. واما طعنه وأمثاله
بضعف السند فهو باب آخر قد تقدم الكلام فيه في مقدمات الكتاب.
ومنها ـ ما نقله شيخنا المجلسي في البحار (2) من كتاب
المناقب لابن شهرآشوب نقلا من كتاب المعتمد في الأصول قال : «قال علي بن مهزيار
وردت العسكر وانا شاك في الإمامة فرأيت السلطان قد خرج الى الصيد في يوم من الربيع
إلا انه صائف والناس عليهم ثياب الصيف وعلى ابي الحسن (عليهالسلام) لباد وعلى
فرسه تجفاف لبود وقد عقد ذنب فرسه والناس يتعجبون منه ويقولون ألا ترون الى هذا
المدني وما قد فعل بنفسه؟ فقلت في نفسي لو كان هذا اماما ما فعل هذا ، فلما خرج
الناس الى الصحراء لم يلبثوا إلا ان ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق أحد إلا ابتل
حتى غرق بالمطر
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب النجاسات.
(2) ج 12 ص 139.
وعاد (عليهالسلام) وهو سالم من
جميعه ، فقلت في نفسي يوشك ان يكون هو الامام ثم قلت أريد أن أسأله عن الجنب إذا
عرق في الثوب فقلت في نفسي ان كشف وجهه فهو الامام فلما قرب مني كشف وجهه ثم قال :
ان كان عرق الجنب في الثوب وجنابته من حرام لا يجوز الصلاة فيه وان كانت جنابته من
حلال فلا بأس فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة». وقال شيخنا المشار إليه في الكتاب
المذكور ايضا وجدت في كتاب عتيق من مؤلفات قدماء أصحابنا رواه عن ابي الفتح غازي
بن محمد الطرائفي عن علي بن عبد الله الميموني عن محمد بن علي بن معمر عن علي بن
مهزيار بن موسى الأهوازي (1) عنه (عليهالسلام) مثله وقال : «ان
كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال وان كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام».
أقول : والى هذه الاخبار استند متقدمو الأصحاب فيما
ذهبوا اليه من القول بالنجاسة ولا سيما كتاب الفقه الرضوي الذي قد عرفت في غير
موضع ان كثيرا من الأحكام التي اشتهرت بين المتقدمين ولم يصل دليلها إلى المتأخرين
حتى اعترضوهم بعدم الدليل أو تكلفوا لهم دليلا قد وجدت أدلتها في هذا الكتاب وافتى
بها ابن بابويه في رسالته ، ويعضد هذه الاخبار ما عرفت ايضا من اخبار الحمام
المتقدمة ، وبذلك يظهر لك قوة ما ذهبوا اليه ، وحينئذ فما دل بعمومه على ما ادعوه
من الطهارة مخصص بهذا الاخبار
فروع
(الأول) ـ قال العلامة في المنتهى تفريعا على القول
بالنجاسة : ولا فرق بين ان يكون الجنب رجلا أو امرأة ولا بين ان تكون الجنابة من
زنا أو لواط أو وطء بهيمة أو ميتة وان كانت زوجة وسواء كان مع الجماع إنزال أم لا
، والاستمناء باليد كالزنا ، اما لو وطئ في الحيض أو الصوم فالأقرب طهارة العرق
فيه. وفي المظاهرة إشكال ، ثم قال ولو وطئ الصغير أجنبية وألحقنا به حكم الجنابة
بالوطء ففي نجاسة عرقه إشكال ينشأ من عدم التحريم في
__________________
(1) في البحار ج 12 ص 142 (على بن يقطين بن موسى الأهوازي).
حقه. انتهى. ولا يخفى ان ما قربه في
الوطء في الحيض والصوم لا يخلو من بعد بعد شمول الأخبار المتقدمة لذلك كما لا
يخفى.
(الثاني) ـ نقل في المعالم عن ابن الجنيد انه قال في
مختصره بعد ان حكم بوجوب غسل الثوب من عرق الجنب من حرام : وكذلك عندي الاحتياط ان
كان جنبا من حلم ثم عرق في ثوبه. ثم قال في المعالم بعد نقله : ولا نعرف لهذا
الكلام وجها ولا رأينا له فيه رفيقا. انتهى. وهو جيد.
(الثالث) ـ قال في المعتبر : الحائض والنفساء والمستحاضة
والجنب من الحلال إذا خلا الثوب من عين النجاسة فلا بأس بعرقهم إجماعا. ويدل على
ما ذكره مضافا الى ما ذكره من الإجماع ما تقدم في صدر المسألة من الاخبار الواردة
في الجنب ، ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الحائض
تعرق في ثيابها أتصلي فيها قبل ان تغسلها؟ قال نعم لا بأس». وما رواه في التهذيب
عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي (عليهالسلام) (2) قال : «سألت
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن الجنب
والحائض يعرقان في الثوب حتى يلصق عليهما؟ فقال ان الحيض والجنابة حيث جعلهما الله
عزوجل ليس في العرق
فلا يغسلان ثوبهما». وعن عمار الساباطي في الموثق (3) قال : «سئل
أبو عبد الله (عليهالسلام) عن الحائض
تعرق في ثوب تلبسه؟ فقال ليس عليها شيء إلا ان يصيب شيء من مائها أو غير ذلك من
القذر فتغسل ذلك الموضع الذي أصابه بعينه». وعن سورة بن كليب (4) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المرأة
الحائض أتغسل ثيابها التي تلبسها في طمثها؟ قال تغسل ما أصاب ثيابها من الدم وتدع
ما سوى ذلك. قلت له وقد عرقت فيها؟ قال ان العرق ليس من الحيض». وفي الموثق عن علي
بن يقطين عن
__________________
(1 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب النجاسات.
(2) رواه في الوسائل في الباب 37 من أبواب النجاسات.
ابي الحسن (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن الحائض تعرق في ثوبها؟ قال ان كان ثوبا تلزمه فلا أحب ان تصلي فيه حتى تغسله». واما
ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) المرأة
الحائض تعرق في ثوبها؟ فقال تغسله. قلت فان كان دون الدرع إزار وانما يصيب العرق
ما دون الإزار؟ قال لا تغسله». فالظاهر حمله على الاستحباب من حيث احتمال مباشرة
موضع الدم بالعرق كما يدل عليه عدم الغسل مع وضع الإزار تحت الثوب وان اصابه
العرق. والله العالم.
ومنها ـ عرق الإبل الجلالة وقد اختلف فيه كلام الأصحاب ،
فقال المفيد في المقنعة : يغسل الثوب من عرق الإبل الجلالة إذا اصابه كما يغسل من
سائر النجاسات. وذكر الشيخ في النهاية نحوه فقال : إذا أصاب الثوب عرق الإبل
الجلالة وجب عليه إزالته. وحكى العلامة في المختلف عن ابن البراج انه وافقهما في
ذلك ، وقال ابن زهرة ألحق أصحابنا بالنجاسات عرق الإبل الجلالة. وقال سلار : عرق
جلال الإبل أوجب أصحابنا إزالته وهو عندي ندب. وحكم العلامة في المختلف بطهارته
وادعى انه المشهور ونقله عن سلار وابن إدريس ، ونقله في المدارك عن سائر
المتأخرين.
أقول : ويدل على ما ذهب اليه الشيخان وأتباعهما صحيحة
هشام بن سالم عن الصادق (عليهالسلام) (3) قال : «لا
تأكلوا اللحوم الجلالة وان أصابك من عرقها فاغسله». وعن حفص بن البختري في الحسن
على المشهور والصحيح عندي عن الصادق (عليهالسلام) (4) قال : «لا
تشرب من ألبان الإبل الجلالة وان أصابك شيء من عرقها فاغسله».
احتج العلامة في المختلف لما ذهب اليه من الطهارة بأن
الأصل الطهارة وان الإبل الجلالة ليست نجسة فلا ينجس عرقها كغيرها من الحيوانات.
الطاهرة وكالجلال من
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب النجاسات.
(3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب النجاسات.
غيرها. وقال المحقق في المعتبر قال
الشيخان عرق الإبل الجلالة نجس يغسل منه الثوب وقال سلار غسله ندب وهو مذهب من
خالفنا ، وربما يحتج الشيخ برواية هشام بن سالم ثم ساق الرواية ، ثم قال واستناد
سلار الى الأصل وانه يجري مجرى عرق الحيوانات الطاهرة وان لم يؤكل لحمها كعرق
السنور والنمر والفهد ، وتحمل الرواية على الاستحباب. انتهى وبذلك أجاب في المختلف
عن الخبرين بالحمل على الاستحباب.
وأنت خبير بما في كلاميهما من النظر الظاهر والمجازفة
التي لا تخفى على الخبير الماهر (أما أولا) ـ فلان الأصل لا يصلح للتمسك إلا مع
عدم النص الموجب للخروج عنه وهو هنا موجود. و (اما ثانيا) ـ فلان الحمل على
الاستحباب انما يصار اليه بمقتضى قواعدهم المتفق عليها مع وجود المعارض لتصريحهم
في الأصول بأن الأمر حقيقة في الوجوب. و (اما ثالثا) ـ فلان البناء على التشبيه بهذه
الأشياء المشار إليها في كلاميهما لا يصلح لان يكون مستندا شرعيا تبنى عليه
الأحكام الشرعية ، ومع الإغماض عن ذلك فإنه لا معنى له مع وجود النص الصحيح الصريح
المقتضى للفرق والتخصيص بهذا الفرد. والظاهر انه لما ذكرنا رجع في المنتهى الى قول
الشيخين فقال بعد حكمه بالطهارة في أول المسألة واحتجاجه بالأصل وجوابه عن حجة
الشيخ بما يقرب من كلامه في المختلف ما صورته : والحديثان قويان ولأجل ذلك جزم
الشيخ في المبسوط بوجوب ازالة عرقها وعليه اعمل. انتهى.
وظاهر السيد في المدارك التوقف هنا حيث نقل الخلاف في
المسألة ونقل الخبرين المذكورين دليلا للقول بالنجاسة ونقل الجواب من طرف القائلين
بالطهارة عنهما بالحمل على الاستحباب ، ثم قال : وهو مشكل مع عدم المعارض. ولم
يجزم بشيء في البين وهو لا يخلو من غرابة عند من له انس بطريقته في الكتاب من
التمسك بالأخبار الصحيحة والأخذ بها وان خرج عما عليه الأصحاب.
والعجب ايضا من المحدث الحر في الوسائل حيث وافق المشهور
وعنون الباب
بالكراهة حملا للخبرين المذكورين على
ذلك ، وهو من جملة سقطاته لما عرفت من ان الخبرين مع صحتهما لا معارض لهما يوجب
ارتكاب التأويل فيهما مع قول جملة من فضلاء الأصحاب بمضمونهما. والله العالم.
ومنها ـ المسوخ ، والمشهور بين الأصحاب القول بطهارتها
ونقل عن الشيخ في الخلاف القول بنجاستها وعزى العلامة في المختلف موافقته الى سلار
وابن حمزة ، ونقل في المعالم عن ابن الجنيد انه استثناها مما حكم بطهارة سورة مع
حكمه بطهارة سؤر السباع وقرنها في الاستثناء بالكلب والخنزير ، وظاهر ذلك القول
بنجاستها أو نجاسة لعابها. والظاهر الأول فإن الحكم بنجاسة اللعاب مع طهارة العين
بعيد وان نقل ايضا عن بعض الأصحاب ، وعدها في قرن الكلب والخنزير مؤيد لما ذكرنا.
ويدل على القول المشهور وهو المعتمد مضافا الى أصالة
الطهارة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضل ابي العباس (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن فضل الهرة
والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع فلم اترك شيئا إلا
سألته عنه فقال لا بأس به حتى انتهيت الى الكلب فقال رجس نجس. الحديث».
وفي المختلف وغيره ان الشيخ احتج على النجاسة بتحريم
بيعها ولا مانع من البيع سوى النجاسة. وربما استدل على تحريم بيعها برواية مسمع عن
الصادق (عليهالسلام) (2) «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) نهى عن القرد
ان يشترى أو يباع». وأجيب بالمنع من تحريم البيع (أولا) ـ فإن الرواية الدالة على
ذلك مع كونها ضعيفة السند مختصة بالقرد خاصة. و (ثانيا) ـ بالمنع من كون المقتضي
لحرمة البيع هو النجاسة فلا بد من اقامة الدليل على انحصار المقتضي فيها.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان الروايات قد اختلفت في أنواع
المسوخ زيادة ونقصا ووجودا وفناء
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب النجاسات.
(2) المروية في الوسائل في الباب 36 من أبواب ما يكتسب به.
ومنها ـ ما رواه الشيخ عن الحلبي في الحسن عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «ان
الضب والفأرة والقردة والخنازير مسوخ».
وما رواه في الصحيح عن احمد بن محمد عن محمد بن الحسن
الأشعري عن ابي الحسن الرضا (عليهالسلام) (2) قال : «الفيل
مسخ كان ملكا زناء والذئب كان أعرابيا ديوثا والأرنب مسخ كانت امرأة تخون زوجها
ولا تغتسل من حيضها ، والوطواط مسخ كان يسرق تمور الناس ، والقردة والخنازير قوم
من بني إسرائيل اعتدوا في السبت ، والجريث والضب فرقة من بني إسرائيل لم يؤمنوا
حين نزلت المائدة على عيسى بن مريم فتاهوا فوقعت فرقة في البحر وفرقة في البر ،
والفأرة هي الفويسقة ، والعقرب كان نماما ، والدب والوزغ والزنبور كان لحاما يسرق
في الميزان».
وما رواه في الكافي عن الحسين بن خالد (3) قال : «قلت
لأبي الحسن (عليهالسلام) أيحل أكل لحم
الفيل؟ فقال لا فقلت لم؟ قال لانه مثلة وقد حرم الله تعالى لحوم المسوخ ولحم ما
مثل به في صورها».
وعن ابي سهل القرشي (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن لحم الكلب؟
فقال هو مسخ. قلت هو حرام؟ قال هو نجس ، أعيدها ثلاث مرات كل ذلك يقول هو نجس».
وعن سليمان الجعفري عن ابي الحسن الرضا (عليهالسلام) (5) قال : «الطاوس
مسخ كان رجلا جميلا كابر امرأة رجل مؤمن تحبه فوقع بها ثم راسلته بعد فمسخهما الله
تعالى طاوسين أنثى وذكرا فلا تأكل لحمه ولا بيضه».
وعن الكلبي النسابة (6) قال «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الجري؟
فقال ان الله تعالى مسخ طائفة من بني إسرائيل ، فما أخذ منهم بحرا فهو الجري
والزمير
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب
الأطعمة المحرمة.
والمارماهي وما سوى ذلك ، وما أخذ
منهم برا فالقردة والخنازير والوبر والورل وما سوى ذلك».
وروى في الفقيه مرسلا (1) قال : «روي ان
المسوخ لم تبق أكثر من ثلاثة أيام وان هذه مثل لها فنهى الله عزوجل عن أكلها».
وفي العلل بسند معتبر عن علي بن مغيرة عن الصادق عن أبيه
عن جده (عليهمالسلام) (2) قال : «المسوخ
من بني آدم ثلاثة عشر صنفا : منهم ـ القردة والخنازير والخفاش والضب والفيل والدب
والدعموص والجريث والعقرب وسهيل والقنفذ والزهرة والعنكبوت». قال الصدوق سهيل
والزهرة دابتان من دواب البحر المطيف بالدنيا.
وروى في الكتاب المذكور ايضا بسند قوي عن علي بن جعفر عن
أخيه موسى (عليهالسلام) (3) قال : «المسوخ
ثلاثة عشر : الفيل والدب والأرنب والعقرب والضب والعنكبوت والدعموص والجري
والوطواط والقرد والخنزير والزهرة وسهيل. فسئل يا ابن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ما كان سبب
مسخ هؤلاء؟ فقال اما الفيل فكان رجلا جبارا لوطيا لا يدع رطبا ولا يابسا ، واما
الدب فكان رجلا مؤنثا يدعو الرجال الى نفسه ، واما الأرنب فكانت امرأة قذرة لا
تغتسل من حيض ولا من جنابة ولا غير ذلك ، واما العقرب فكان رجلا همازا لا يسلم منه
أحد ، واما الضب فكان رجلا أعرابيا يسرق الحاج بمحجته ، واما العنكبوت فكانت امرأة
سحرت زوجها ، واما الدعموص فكان رجلا نماما يقطع بين الأحبة ، واما الجري فكان
رجلا ديوثا يجلب الرجال على حلائله ، واما الوطواط فكان رجلا سارقا يسرق الرطب على
رؤوس النخل ، واما القردة فاليهود اعتدوا في السبت ، واما الخنازير فالنصارى حين
سألوا المائدة فكانوا بعد نزولها أشد ما كانوا تكذيبا ، واما سهيل فكان رجلا عشارا
باليمن ، واما الزهرة فكانت امرأة تسمى ناهيد وهي التي يقول الناس انه افتتن بها
هاروت
__________________
(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 2 من الأطعمة المحرمة.
وماروت». الى غير ذلك من الأخبار
المروية في العلل ، وفيما ذكرناه كفاية لمن أحب الاطلاع على عدها وأسباب مسخها.
والله العالم.
ومنها ـ الأرنب والثعلب والفأرة والوزغة ، فأوجب الشيخ
في النهاية غسل ما يصيب الثوب أو البدن منها برطوبة وقرنها في هذا الحكم مع الكلب
والخنزير ، مع انه في باب المياه من الكتاب المذكور نفى البأس عما وقعت فيه الفأرة
من الماء الذي في الآنية إذا خرجت منه وكذا إذا شربت ، وقال ان الأفضل ترك
استعماله على كل حال. واقتصر المفيد في المقنعة على الفأرة والوزغة فجعلهما كالكلب
والخنزير في غسل الثوب إذا مساه برطوبة وأثرا فيه. وحكى في المختلف عن ابي الصلاح
أنه أفتى بنجاسة الثعلب والأرنب ، وهو قول السيد ابي المكارم ابن زهرة أيضا كما
نقله في المعالم ، وفي المعالم ايضا عن ظاهر الصدوقين القول بنجاسة الوزغ ، وحكى
في المختلف ايضا عن ابن البراج انه أوجب غسل ما اصابه الثعلب والأرنب والوزغة وكره
الفأرة ، وعن سلار انه حكم بنجاسة الفأرة والوزغة ، وعن ابن بابويه انه قال : إذا
وقعت الفأرة في الماء ثم خرجت ومشت على الثياب فاغسل ما رأيت من أثرها وما لم تره
فانضحه بالماء. وعن ابن إدريس انه حكم بطهارة ذلك اجمع ، ثم قال والوجه عندي طهارة
ذلك اجمع ، وهو اختيار والدي وشيخنا أبو القاسم بن سعيد. وعزى المحقق في المعتبر
القول بالطهارة إلى السيد المرتضى في بعض كتبه. وعلى هذا القول جمهور المتأخرين
ومتأخريهم.
أقول : ومنشأ هذا الاختلاف هنا اختلاف ظواهر الاخبار في
هذا المقام وها انا أورد ما وصل الي منها على التمام وأبين ما ظهر لي من الحكم
فيها بتوفيق الملك العلام :
فمنها ـ صحيحة الفضل ابي العباس وقد تقدمت قريبا ، ومنها
ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن العظاية والحية والوزغ تقع في الماء فلا تموت أيتوضأ منه للصلاة؟ قال لا بأس
به. وسألته عن
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 33 من أبواب النجاسات.
فأرة وقعت في حب دهن فأخرجت منه قبل
ان تموت أيبيعه من مسلم؟ قال نعم ويدهن منه».
وفي الصحيح عن سعيد الأعرج (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الفأرة
تقع في السمن والزيت ثم تخرج منه حية؟ فقال لا بأس بأكله».
وفي الصحيح عن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليهالسلام) (2) «ان أبا جعفر (عليهالسلام) كان يقول لا
بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإناء أن يشرب منه ويتوضأ منه».
ورواية هارون بن حمزة الغنوي عن الصادق (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيا هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ
منه؟ قال يسكب منه ثلاث مرات وقليله وكثيره بمنزلة واحدة ثم يشرب منه ويتوضأ منه
غير الوزغ فإنه لا ينتفع بما يقع فيه».
وروى الحميري في قرب الاسناد عن أبي البختري عن جعفر بن
محمد عن أبيه (عليهماالسلام) (4) «ان عليا (عليهالسلام) قال لا بأس
بسؤر الفأرة أن يشرب منه ويتوضأ».
وهذه الأخبار ـ كما ترى ـ ظاهرة بل صريحة في الدلالة على
الطهارة وإليها استند القائل بالطهارة في الفأرة والوزغة ، واما صحيحة أبي العباس
فعمومها صالح للدلالة على الجميع
ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه
موسى (عليهالسلام) (5) قال : «سألته
عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء تمشي على الثياب أيصلى فيها؟ قال اغسل ما رأيت
من أثرها وما لم تره فانضحه بالماء».
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 45 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(2 و 3 و 4) ـ في الوسائل في الباب 9 من أبواب الأسآر.
(5) رواه في الوسائل في الباب 33 من النجاسات.
وما رواه في الصحيح عنه ايضا عن أخيه موسى (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن الفأرة والكلب إذا أكلا من الخبز أو شماه أيؤكل؟ قال يطرح ما شماه ويؤكل ما بقي».
ورواه علي بن جعفر في كتابه أيضا (2).
وروى في قرب الاسناد بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه
موسى (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن الفأرة والكلب إذا أكلا من الخبز وشبهه أيحل اكله؟ قال يطرح منه ما أكل ويؤكل
الباقي».
وما رواه في الصحيح عن احمد بن محمد بن يحيى عن محمد بن
عيسى عن يونس ابن عبد الرحمن عن بعض أصحابه عن الصادق (عليهالسلام) (4) قال : «سألته
هل يجوز ان يمس الثعلب والأرنب أو شيئا من السباع حيا أو ميتا؟ قال لا يضره ولكن
يغسل يده».
وما رواه عن عمار الساباطي عن الصادق (عليهالسلام) (5) في حديث طويل
قال : «سئل عن الكلب والفأرة إذا أكلا من الخبز وشبهه؟ قال يطرح منه ويؤكل الباقي.
وعن العظاية تقع في اللبن؟ قال يحرم اللبن ، وقال ان فيها السم». أقول قال في القاموس
: العظاية دويبة كسام أبرص.
وما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار (6) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الفأرة
والوزغة تقع في البئر قال ينزح منها ثلاث دلاء».
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 36 من أبواب النجاسات.
(2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 45 من الأطعمة المحرمة.
(4) رواه في الوسائل في الباب 34 من أبواب النجاسات.
(5) التهذيب ج 1 ص 80 وروى صاحب الوسائل المسألة الاولى في
الباب 36 من أبواب النجاسات.
(6) رواه في الوسائل في الباب 19 من الماء المطلق.
وما في الفقه الرضوي حيث قال (عليهالسلام) (1) «ان وقع في
الماء وزغ أهريق ذلك الماء وان وقع فيه فأرة أو حية أهريق الماء وان دخلت فيه حية
وخرجت منه صب من ذلك الماء ثلاث أكف واستعمل الباقي وقليله وكثيره بمنزلة واحدة». هذا
ما وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمسألة.
وقد أجاب القائلون بالطهارة عما دل على نجاسة الفأرة
والوزغة بأنه معارض بما دل على الطهارة وطريق الجمع حمل أخبار النجاسة على التنزيه
والاستحباب فإنه مع العمل بأخبار النجاسة يلزم طرح أخبار الطهارة مع صحتها
وصراحتها وكثرتها ، قال المحقق في المعتبر ـ بعد نقل صحيحة علي بن جعفر الدالة على
غسل ما لاقته الفأرة برطوبة ومعارضتها بصحيحة سعيد الأعرج ـ ما لفظه : ومن البين
استحالة أن ينجس الجامد ولا ينجس المائع ولو ارتكب هنا مرتكب لم يكن له في الفهم
نصيب ، واما خبر يونس فقد رده بالإرسال أولا وبكون الراوي فيه محمد بن عيسى عن
يونس ، وقد حكى النجاشي عن ابي جعفر بن بابويه عن ابن الوليد انه قال ما تفرد به
محمد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه ، وقال الشيخ انه ضعيف استثناه أبو
جعفر بن بابويه من رجال نوادر الحكمة وقال لا اروي ما يختص بروايته.
وتحقيق الكلام في المقام بما ادى اليه الفهم القاصر ، اما
بالنسبة الى الأخبار المتعارضة في الفأرة فلا يخفى ان الترجيح فيها لاخبار الطهارة
لاعتضادها بأصالة الطهارة وكثرتها وصحة أكثرها وصراحتها ، وليس في الاخبار
المقابلة لها ما هو ظاهر في النجاسة سوى صحيحة علي بن جعفر الدالة على غسل أثرها
إذا مشت على الثياب برطوبة وإلا فغيرها من الروايات الدالة على الأكل من الخبز أو
شمه لا ظهور لها في النجاسة ، فإن الحكم بالنجاسة انما يكون مع تعدى رطوبة فم
الفأرة إلى الخبز والتمسك بأصالة الطهارة يدفع ذلك حتى يعلم ، ومجرد الأكل والشم
لا يستلزم وجود الرطوبة
__________________
(1) ص 5.
وتعديها ، وحينئذ لا يثبت الحكم
بالنجاسة فتعين الحمل على التنزيه والاستحباب كما ذكره الأصحاب ، واما بالنسبة إلى
الكلب فان علم ايضا تعدى لعابه اليه وإلا فالحكم فيه كذلك ، وبالجملة فالتمسك
بأصالة الطهارة أقوى متمسك حتى يظهر ما يوجب الخروج عنه ، وحينئذ فلم يبق إلا تلك
الرواية فتعين التأويل فيها البتة إما بالحمل على ما ذكره الأصحاب من الاستحباب أو
الحمل على التقية فإن القول بنجاسة الفأرة مذهب بعض العامة كما ذكره في المنتهى ،
على انه لا يشترط عندنا في الحمل على التقية وجود القائل كما تقدم تحقيقه في
مقدمات الكتاب.
واما بالنسبة إلى الوزغة فقد عرفت دلالة صحيحة علي بن
جعفر الاولى على الطهارة فيها مع اعتضادها بالأصل وان الوزغة ليست بذي نفس وميتتها
طاهرة إجماعا ، والحكم بالنجاسة في حال الحياة والطهارة بعد الموت غير معقول ولا
معهود من الشرع وانما المعهود العكس ، ومجرد النزح المذكور لا يستلزم النجاسة كما
وقع في اخبار نزح سبع دلاء لدخول الجنب واغتساله مع اتفاقهم على اعتبار طهارة بدنه
من المني وإلا لوجب له بقدر المني ، على انه يمكن حمل الخبر على رجوع ذلك الى
الفأرة بالخصوص باعتبار ان السؤال وقع عن وقوع الفأرة والوزغة معا لأكل بانفراده ،
والتأويل بذلك تفاديا من الطرح غير بعيد ومثله غير عزيز.
واما بالنسبة إلى الثعلب والأرنب كما اشتملت عليه مرسلة
يونس فهي أيضا معارضة بالأصل وبما دل من الأخبار على قبول هذه الأشياء مثل الثعلب
والسباع للتذكية ، ومن المعلوم ان نجس العين كالكلب والخنزير لا يقبل التذكية ولا
يطهر بها ، فمما ورد في الثعلب ما رواه الشيخ عن صفوان عن جميل عن الحسن بن شهاب (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن جلود
الثعالب إذا كانت ذكية أيصلى فيها؟ قال نعم». وعن عبد الرحمن بن الحجاج (2) قال : «سألته
عن اللحاف من الثعالب أو الجرز منه أيصلى
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 7 من لباس المصلى.
فيها؟ قال ان كان ذكيا فلا بأس به». وعن
جميل في الصحيح عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن الصلاة في جلود الثعالب؟ قال ان كانت ذكية فلا بأس». ولا ينافي ذلك ما دل من
الأخبار على عدم جواز الصلاة في الجلود المذكورة فإن الاختلاف في ذلك انما نشأ من
حيث اشتراط كون ما يصلى فيه لا بد ان يكون مما يؤكل لحمه أم لا ، ولهذا ان جمعا من
الأصحاب ذهبوا الى القول بجواز الصلاة فيها لهذه الاخبار وما ذاك إلا للحكم بثبوت
التذكية وطهارة الجلود ، والمانع انما يمنع من حيث الاشتراط المذكور لا من حيث
النجاسة وعدم قبول التذكية ، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر. ومما يدل على ذلك في
السباع أيضا التي قرنت في هذه الرواية بالثعلب المستلزم لنجاستها ايضا فهو ما رواه
الشيخ والصدوق عن سماعة في الموثق (2) قال : «سألته عن لحوم السباع وجلودها؟
فقال اما لحوم السباع من الطير والدواب فانا نكرهه واما الجلود فاركبوا عليها ولا
تلبسوا منها شيئا تصلون فيه». وروى في المحاسن عن علي بن أسباط عن علي بن جعفر عن
أخيه (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن ركوب جلود السباع؟ فقال لا بأس ما لم يسجد عليها». وعنه عن عثمان بن عيسى عن
سماعة (4) قال : «سئل
أبو عبد الله (عليهالسلام) عن جلود
السباع فقال اركبوها ولا تلبسون شيئا منها تصلون فيه». قال شيخنا المجلسي في
البحار بعد نقل هذين الخبرين : يدلان على كون السباع قابلة للتذكية بمعنى إفادتها
جواز الانتفاع بجلودها لطهارتها كما هو المشهور بين الأصحاب ، بل قال الشهيد انه
لم يعلم القائل بعدم وقوع التذكية عليها سوى الكلب والخنزير. واستشكال الشهيد
الثاني وبعض المتأخرين في الحكم بعد ورود النصوص المعتبرة وعمل القدماء والمتأخرين
مما لا وجه له. انتهى. على ان ظاهر الخبر المذكور بناء على ما ذكروه لا يخلو من
تدافع فان المتبادر من قوله «لا يضره» ليس إلا بمعنى لا ينجسه إذ لا معنى للضرر في
هذا المقام إلا التنجيس كما
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 7 من لباس المصلى.
(2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 5 من لباس المصلى.
لا يخفى ، وحينئذ فحمل «ولكن يغسل يده»
على النجاسة مدافع لذلك ، واما إذا أريد التنزيه والاستحباب أمكن مجامعته للعبارة
المتقدمة وتم الكلام بأحسن نظام والله العالم.
ومنها ـ لبن الجارية والمشهور طهارته. ونقل عن ابن الجنيد
القول بنجاسته لرواية السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) (1) «ان عليا (عليهالسلام) قال لبن
الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل ان تطعم لان لبنها يخرج من مثانة أمها. الحديث».
وقد تقدم الكلام في ذلك في الموضع الثاني من الفصل الأول والثاني في مسألة بول
الرضيع ، وربما ظهر من كلام الصدوق في الفقيه القول بذلك حيث ذكر الرواية فيه مع
قوله في أول كتابه انه لا يورد فيه إلا ما يفتي به ويحكم بصحته سيما مع قرب هذه
الرواية مما ذكره من الكلام المشار اليه ، ولم أر من تنبه لنسبة ذلك الى الصدوق
والحال كما ذكرناه إلا المحقق الشيخ حسن في المعالم فإنه أشار الى ذلك كما ذكرناه
، ونقل في المعالم ايضا عن والده انه ذكر الرواية في رسالته لكن لم يظهر منه
التزام ما التزمه ولده من التقييد في ذكر الأخبار بما يفتي به مع التصريح بكونه
خبرا.
أقول : قد تقدم في الموضع المشار اليه آنفا ان هذه
الرواية قد ذكرها مولانا الرضا (عليهالسلام) في كتاب
الفقه فقال بعد فتواه بمضمون صحيحة الحلبي الواردة في بول الرضيع : وقد روى عن
أمير المؤمنين (عليهالسلام) «انه قال لبن
الجارية. الحديث». والأصحاب قد أجابوا عن خبر السكوني بضعف الاسناد وهو مشكل بعد
اعتضاده بالخبر المذكور في الكتاب المشار اليه ، والأظهر كما قدمناه في الموضع
المشار اليه حمل الخير على التقية ولا سيما ان راويه من العامة ، ويعضده نقله (عليهالسلام) الخبر في
كتاب الفقه بعد إفتائه بخلاف ما تضمنه بالنسبة إلى بول الرضيع ، وجمع من الأصحاب
حملوا الرواية على الاستحباب كما هي قاعدتهم في جملة الأبواب. والله العالم.
ومنها ـ القيء قد صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ المحقق
في المعتبر بأن القيء
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 3 من النجاسات.
والقلس والنخامة وكل ما يخرج من
المعدة إلى الفم أو ينزل من الرأس طاهر عدا الدم. وقال الشيخ في المبسوط القيء
طاهر وقال بعض أصحابنا نجس ، قال والصديد والقيح حكمهما حكم القيء.
أقول : ويدل على الطهارة مضافا الى الأصل موثقة عمار
الساباطي (1) «انه سأل أبا
عبد الله (عليهالسلام) عن القيء
يصيب الثوب فلا يغسل؟ قال لا بأس به». وعن عمار ايضا (2) «انه سأل أبا
عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يتقيأ في ثوبه أيجوز ان يصلي فيه ولا يغسله؟ قال لا بأس به». فاما ما رواه الشيخ
عن عثمان بن عيسى عن ابي هلال (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) أينقض الرعاف
والقيء ونتف الإبط الوضوء؟ فقال وما تصنع بهذا؟ هذا قول المغيرة بن سعيد لعن الله
المغيرة ، ويجزيك من الرعاف والقيء أن تغسله ولا تعيد الوضوء». فإنه يمكن ان يجعل
دليلا للقول بالنجاسة بتقريب الأمر فيه بالغسل ، وفيه ان الأمر بالغسل أعم ، وطريق
الجمع بينه وبين ما تقدم حمل الغسل على ازالة الاستقذار الحاصل منه لا النجاسة فإن
الغسل مطلوب في أمثال ذلك كما ورد في جملة من المواضع من الأمر بالصب والرش في
مواضع لزوال النفرة ومظنة النجاسة ، والقيء لا يزول بمجرد الرش فأمر فيه بالغسل
لازالة عينه عن الثوب أو البدن ولم أقف على من تعرض لنقل حجة القول بالنجاسة سوى
العلامة في المختلف فإنه تكلف لذلك دليلا واهيا لا يستحق ان يسطر ولا يلتفت اليه
ولا ينظر.
ومنها ـ الحديد وان لم أقف على قائل بنجاسته إلا انه
ربما يفهم من بعض الأخبار ذلك حتى ان بعض المتورعين كان يجتنب أكل مثل البطيخ
ونحوه إذا قطع بالحديد. ومن الأخبار الدالة على ذلك موثقة عمار عن الصادق (عليهالسلام) (4)
__________________
(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 48 من أبواب النجاسات.
(3) رواه في الوسائل في الباب 7 من نواقض الوضوء.
(4) المروية في الوسائل في الباب 83 من أبواب النجاسات.
«عن الرجل إذا قص أظفاره بالحديد أو
أخذ من شعره أو حلق قفاه فان عليه ان يمسحه بالماء قبل ان يصلي. سئل فإن صلى ولم
يمسح من ذلك بالماء؟ قال يمسح بالماء ويعيد الصلاة لأن الحديد نجس ، وقال ان
الحديد لباس أهل النار والذهب لباس أهل الجنة». وعن عمار في الموثق عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال «الرجل
يقرض من شعره بأسنانه أيمسحه بالماء قبل ان يصلي؟ قال لا بأس انما ذلك في الحديد».
ويعضده ما رواه في الكافي في باب الخواتيم في حديث عن ابي بصير عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «قال
أمير المؤمنين (عليهالسلام) لا تختموا
بغير الفضة فإن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال ما طهرت
كف فيها خاتم من حديد». وفي الفقيه مرسلا (3) قال : «قال (صلىاللهعليهوآله) ما طهر الله
يدا فيها حلقة حديد».
ويدل على الطهارة مضافا الى إجماع الأصحاب على الحكم
قديما وحديثا ما رواه في الفقيه (4) عن إسماعيل بن جابر «انه سأل الصادق (عليهالسلام) عن الرجل
يأخذ من أظفاره وشاربه أيمسحه بالماء؟ فقال لا هو طهور». وما رواه في الفقيه في
الصحيح عن زرارة عن الباقر (عليهالسلام) (5) انه قال له : «الرجل
يقلم أظفاره ويجز شاربه ويأخذ من شعر لحيته ورأسه هل ينقض ذلك وضوءه؟ فقال يا
زرارة كل هذا سنة ، الى ان قال وان ذلك ليزيده تطهيرا». وما رواه الشيخ في الصحيح
عن سعيد بن عبد الله الأعرج (6) قال «قلت لأبي
عبد الله (عليهالسلام) آخذ من
أظفاري ومن شاربي واحلق رأسي فاغتسل؟ قال لا ليس عليك غسل. قلت فأتوضأ؟ قال لا ليس
عليك وضوء. قلت فامسح على أظفاري الماء؟ قال هو ظهور ليس عليك مسح». وعن وهب بن
وهب عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) (7) «ان عليا عليهالسلام) قال : السيف
بمنزلة الرداء تصلي فيه ما لم تر فيه
__________________
(1 و 5 و 6 و 7) رواه في الوسائل في الباب 83 من أبواب النجاسات.
(2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 32 من لباس المصلى.
(4) رواه في الوافي ج 4 ص 37.
دما». وما رواه في الكافي في الموثق
عن الحسن بن الجهم (1) قال : «أراني
أبو الحسن (عليهالسلام) ميلا من حديد
ومكحلة من عظام فقال كان هذا لأبي الحسن (عليهالسلام) فاكتحل به فاكتحلت».
ومن الظاهر ان الميل بالاكتحال لا يخلو من ملاقاة الرطوبة غالبا ، والاخبار في هذا
الباب كثيرة كما يأتي في كتاب الحج ان شاء الله تعالى في اخبار الحلق والتقصير ،
ومن الظاهر المعلوم اطباق كافة الناس على حلق الرأس من وقته (صلىاللهعليهوآله) الى يومنا هذا
بآلة الحديد ولم ينقل في شيء منها الأمر بالتطهير.
وبالجملة فهذه الروايات الدالة على النجاسة مطرحة بإجماع
الأصحاب وهذه الاخبار مضافا ذلك الى ان الراوي عمار المتفرد بالغرائب في رواياته
كما طعن به عليه في غير موضع المحدث الكاشاني في الوافي ، ومن الاخبار في ذلك ايضا
ما رواه الشيخ في التهذيب عن موسى بن أكيل النميري عن الصادق (عليهالسلام) (2) «في الحديد انه
حلية أهل النار والذهب حلية أهل الجنة وجعل الله تعالى الذهب في الدنيا زينة
النساء فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه وجعل الله الحديد في الدنيا زينة الجن والشياطين
فحرم على الرجل المسلم ان يلبسه في الصلاة إلا ان يكون قبال عدو فلا بأس به ، الى
ان قال وفي غير ذلك لا يجوز الصلاة في شيء من الحديد فإنه نجس ممسوخ».
ورأيت في بعض الحواشي المنسوبة إلى الأمين الأسترآبادي
ما صورته : قوله (عليهالسلام) «نجس ممسوخ»
أقول : أهل الكيمياء زعموا ان المعدنيات المنطبعة كلها في الأصل قابلة للذهب فأصاب
بعضها الجذام فصار حديدا وبعضها البرص فصار نحاسا وبعضها البهق فصار فضة وذكروا ان
حقيقة الكيمياء انما هي إزالة ما أصابها من المرض وانه كما لا يمكن معالجة جذام
الإنسان كذلك لا يمكن معالجة جذام المعدنيات بالإكسير ،
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 86 من أبواب النجاسات.
(2) رواه في الوسائل في الباب 30 من لباس المصلى.
وقوله (عليهالسلام) : «نجس ممسوخ»
إشارة الى ذلك أو الى أنه قذر ، وحمل النجس على نجس العين توهم صرف يكذبه حلق رأس
النبي (صلىاللهعليهوآله) في المروة
وقطعه (عليهالسلام) البطيخ
بالحديد ولبسه الدرع يوما وليلة في حرب أحد وهو يصلي فيه وعدم اجتنابهم (عليهمالسلام) من السيف
وأشباه ذلك من الأمور التي يعم بها البلوى ، وفي الكافي حديث صحيح صريح في صحة
الكيمياء وفيه نوع إشارة الى ما ذكرناه. انتهى.
وبالجملة فالعمل على القول بالطهارة ، بقي الكلام في روايات عمار المتقدمة والأصحاب قد حملوها على الاستحباب ولا بأس به كما يدل عليه ما رواه في الكافي عن محمد الحلبي في الصحيح (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يكون على طهر فيأخذ من أظفاره أو شعره أيعيد الوضوء؟ فقال لا ولكن يمسح رأسه وأظفاره بالماء. قلت فإنهم يزعمون ان فيه الوضوء؟ فقال ان خاصموكم فلا تخاصموهم وقولوا هكذا السنة».
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 14 من نواقض الوضوء.