ج12 - مقدمة الزكاة
بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه محمد وآله
الطاهرين.
وهي لغة تطلق على معنيين : الطهارة والزيادة والنمو ،
ومن الأول قوله عزوجل «قَدْ
أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها» (1) أي طهرها من
الأخلاق الذميمة ، ومن الثاني قوله عزوجل «ذلِكُمْ
أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ» (2) أي أنمى لكم
وأعظم بركة ، والحمل على الأول وإن أمكن إلا أنه يصير عطف الطهارة من قبيل التأكيد
والحمل على التأسيس خير من التأكيد.
وسميت به الصدقة المخصوصة لكونها مطهرة للمال من الأوساخ
المتعلقة به أو للنفوس من رذائل البخل وترك مواساة الإخوان المحتاجين من أبناء
النوع ، ولكونها تنمي الثواب وتزيده وكذلك تنمي المال وتزيده وإن ظن الجاهل البخيل
أنها تنقصه.
وقد اختلف الفقهاء في تعريفها بما لا يكاد يسلم واحد
منها من المناقشة
__________________
(1) سورة الشمس الآية 9.
(2) سورة البقرة الآية 232.
وليس في التعرض لها مزيد فائدة ،
والأمر في التعريف هين بعد وضوح المعرف في حد ذاته.
والكلام في هذا الكتاب يقع في مقدمة وبابين ، أما
المقدمة ففيها فصول :
الفصل الأول ـ في وجوبها وهي واجبة بالكتاب والسنة ، قال
الله عزوجل «وَأَقِيمُوا
الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ» (1) وقال «خُذْ
مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها» (2) وقال «وَوَيْلٌ
لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ» (3).
وأما السنة فمستفيضة جدا ، ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام
في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان (4) قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام لما نزلت آية
الزكاة «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ
بِها»
(5) وأنزلت في شهر
رمضان فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله مناديه فنادى
في الناس أن الله تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ففرض الله عليهم من
الذهب والفضة وفرض عليهم الصدقة من الإبل والبقر والغنم ومن الحنطة والشعير والتمر
والزبيب ونادى فيهم بذلك في شهر رمضان وعفا لهم عن ما سوى ذلك. قال عليهالسلام ثم لم يتعرض
لشيء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا وأفطروا فأمر مناديه فنادى
في المسلمين أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم. قال عليهالسلام ثم وجه عمال
الصدقة وعمال الطسوق». أقول : الطسق بالفتح ما يوضع من الخراج على كل جريب من
الأرض فارسي معرب.
وما رواه في الصحيح عن الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد
الله (عليهماالسلام) (6) قالا : «فرض
الله الزكاة مع الصلاة». أقول : الظاهر من المعية المقارنة
__________________
(1) سورة البقرة الآية 43.
(2 و 5) سورة التوبة الآية 103.
(3) سورة فصلت الآية 6 و 7.
(4) ج 1 ص 139 وفي الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة ونقله
فيه وفي الباب 1 من الفقيه أيضا.
(6) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة.
في الرتبة كما يشعر به الحديث الآتي.
وما رواه أيضا عن معروف بن خربوذ عن أبي جعفر عليهالسلام (1) قال «إن الله عزوجل قرن الزكاة
بالصلاة فقال «وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ» فمن أقام
الصلاة ولو يؤت الزكاة فلم يقم الصلاة».
وما رواه في الفقيه عن عبد الله بن مسكان يرفعه إلى أبي
جعفر عليهالسلام (2) قال : «بينا
رسول الله صلىاللهعليهوآله في المسجد إذ
قال قم يا فلان قم يا فلان قم يا فلان حتى أخرج خمسة نفر فقال صلىاللهعليهوآله اخرجوا من
مسجدنا لا تصلوا فيه وأنتم لا تزكون».
وما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (3) قال : «من منع
قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم وهو قوله تعالى (رَبِّ
ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ)» (4). قال : وفي
رواية أخرى (5) قال : «ولا
تقبل له صلاة».
وبهذا المضمون روايات عديدة أعرضنا عن نقلها.
وما رواه فيه أيضا عن أبي بصير (6) قال : «سمعت
أبا عبد الله عليهالسلام يقول من منع
الزكاة سأل الرجعة عند الموت وهو قول الله تعالى (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ)» (7).
وما رواه فيه عن أبي بصير أيضا عن أبي عبد الله عليهالسلام (8) قال : «من منع
قيراطا من الزكاة فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا». إلى غير ذلك من الأخبار
الكثيرة
الفصل الثاني ـ في عقاب مانعها ، روى في الكافي عن عبد
الله بن سنان (9) قال : «قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله ما من ذي زكاة
مال نخل أو زرع أو كرم يمنع زكاة ماله إلا قلده الله تعالى تربة أرضه يطوق بها من
سبع أرضين إلى يوم القيامة».
وروى في الكافي والفقيه عن أيوب بن راشد (10) قال : «سمعت
أبا عبد الله
__________________
(1 و 2 و 6 و 9 و 10) الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة.
(3 و 5 و 8) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة.
(4 و 7) سورة المؤمنون الآية 99 و 100.
عليهالسلام يقول مانع
الزكاة يطوق بحية قرعاء تأكل من دماغه وذلك قوله تعالى (سَيُطَوَّقُونَ
ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ)» (1). أقول :
القرعاء من الحيات ما سقط شعر رأسها لكثرة سمها.
وروى في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله
تعالى (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ)؟ فقال يا محمد
ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئا إلا جعل الله تعالى ذلك يوم القيامة ثعبانا من
نار مطوقا في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب ، ثم قال عليهالسلام هو قول الله
تعالى (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ). يعني ما
بخلوا به من الزكاة».
وروى في الكافي والفقيه عن حريز (3) قال : «قال
أبو عبد الله عليهالسلام ما من ذي مال
ذهب أو فضة يمنع زكاة ماله إلا حبسه الله يوم القيامة بقاع قرقر وسلط عليه شجاعا
أقرع يريده وهو يحيد عنه فإذا رأى أنه لا يتخلص منه أمكنه من يده فقضمها كما يقضم
الفحل ثم يصير طوقا في عنقه ، وذلك قول الله تعالى «سَيُطَوَّقُونَ
ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ» وما من ذي مال
إبل أو غنم أو بقر يمنع زكاة ماله إلا حبسه الله عزوجل يوم القيامة
بقاع قرقر تطؤه كل ذات ظلف بظلفها وتنهشه كل ذات ناب بنابها ، وما من ذي مال نخل
أو كرم أو زرع يمنع زكاتها إلا طوقه الله تعالى ريعة أرضه إلى سبع أرضين يوم
القيامة».
أقول : قيل القاع الأرض السهلة المطمئنة قد انفرجت عنها
الجبال ، والقرقر الأرض المستوية اللينة ، وفي بعض النسخ «قفر» وهو الخلاء من
الأرض ، وشجاع بالضم والكسر : الحية أو الذكر منها أو ضرب منها ، والحيد الميل ، والقضم
__________________
(1) سورة آل عمران الآية 180.
(2) الفروع ج 1 ص 141 وفي الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه
الزكاة عن أبي جعفر (ع) بسند آخر وهو كذلك في الفروع ج 1 ص 142.
(3) الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة.
بالمعجمة : الأكل بأطراف الأسنان ،
والفحل بالمهملة : الذكر من كل حيوان ومن الإبل خاصة وهو المراد هنا ، والريع بكسر
الراء وفتحها ثم المثناة من تحت ثم المهملة : المرتفع من الأرض واحدته بهاء.
وروى في الكافي عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليهالسلام (1) قال : «إن
الله تعالى يبعث يوم القيامة ناسا من قبورهم مشدودة أيديهم إلى أعناقهم لا
يستطيعون أن يتناولوا بها قيس أنملة معهم ملائكة يعيرونهم تعييرا شديدا يقولون :
هؤلاء الذين منعوا خيرا قليلا من خير كثير ، هؤلاء الذين أعطاهم الله تعالى فمنعوا
حق الله في أموالهم». أقول : القيس بالكسر القدر.
وروى في الكافي والفقيه عن أبان بن تغلب (2) قال : «قال
أبو عبد الله عليهالسلام دمان في
الإسلام حلال من الله تعالى لا يقضي فيهما أحد حتى يبعث الله تعالى قائمنا أهل
البيت فإذا بعث الله تعالى قائمنا أهل البيت حكم فيهما بحكم الله لا يريد عليهما
بينة : الزاني المحصن يرجمه ومانع الزكاة يضرب عنقه». ورواه الصدوق في عقاب
الأعمال والبرقي في المحاسن مثله (3).
وروى في الكافي مسندا عن إسحاق بن عمار عن من سمع أبا
عبد الله عليهالسلام وفي الفقيه
مرسلا عن أبي عبد الله عليهالسلام (4) أنه قال : «ما
ضاع مال في بر ولا بحر إلا بتضييع الزكاة ولا يصاد من الطير إلا ما ضيع تسبيحه».
وروى في الكافي عن سالم مولى أبان (5) قال : «سمعت
أبا عبد الله عليهالسلام يقول ما من
صيد يصاد إلا بتركه التسبيح وما من مال يصاب إلا بترك الزكاة». إلى غير
__________________
(1) الوسائل الباب 6 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة. وقوله «حكم فيهما
بحكم الله لا يريد عليهما بينة» ليس في الفقيه ج 2 ص 6.
(3) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة.
(4 و 5) الوسائل الباب 3 من ما تجب فيه الزكاة.
ذلك من الأخبار التي يضيق عن نشرها
المقام.
الفصل الثالث ـ في كفر منكر وجوبها ، قال العلامة في
التذكرة : أجمع المسلمون كافة على وجوبها في جميع الأعصار وهي أحد الأركان الخمسة.
إذا عرفت هذا فمن أنكر وجوبها ممن ولد على الفطرة ونشأ بين المسلمين فهو مرتد يقتل
من غير أن يستتاب ، وإن لم يكن عن فطرة بل أسلم عقيب كفر استتيب مع علمه بوجوبها
ثلاثا فإن تاب وإلا فهو مرتد وجب قتله ، وإن كان ممن يخفى وجوبها عليه لأنه نشأ
بالبادية أو كان قريب العهد بالإسلام عرف وجوبها ولم يحكم بكفره. هذا كلامه (رحمهالله).
قال في المدارك بعد نقله عنه : وهو جيد وعلى ما ذكره من
التفصيل يحمل ما رواه الكليني وابن بابويه عن أبان بن تغلب. ثم ساق الرواية
المتقدمة الدالة على أن القائم عليهالسلام بعد قيامه
يضرب عنق مانع الزكاة.
أقول : ظاهر العلامة في المنتهى حمل هذه الرواية على
المانع وإن لم يكن عن إنكار ، حيث قال : مسألة ـ ويقاتل مانع الزكاة حتى يؤديها
وهو قول العلماء ، روى الجمهور. ثم ساق روايتهم (1) ثم قال : ومن
طريق الخاصة ما رواه ابن بابويه عن أبان بن تغلب. ثم ساق الرواية المشار إليها ،
ثم قال فروع : الأول ـ القتال وإن كان مباحا إلا أنا لا نحكم بكفره. إلى أن قال :
وأما لو علم منه إنكار وجوبها فإنه يكون كافرا. انتهى. والأقرب الأول فإن مجرد
المنع لا يوجب القتل وإن أوجب المقاتلة إلى أن يؤدي أو يؤخذ من ماله ما يؤدي به
عنه.
ثم إنه من ما يدل على كفره متى كان مستحلا منكرا ما تقدم
في رواية أبي بصير من أنه يموت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا ، ويحتمل الحمل على
مجرد المنع وإن هذا لمزيد التأكيد في الزجر عن الترك كما ورد في أحاديث الحج من أن
__________________
(1) وهي قتال أبي بكر مانعي الزكاة وإنكار عمر عليه وأنه قال
رسول الله (ص) أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا «لا إله إلا الله» فإذا قالوها
عصموني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله. فقال أبو بكر الزكاة من حقها.
تيسير الوصول ج 2 ص 121.
تارك الحج كافر (1) وكذلك قوله عزوجل «وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ ... الآية» (2) وبالجملة فإن
المراد من الكفر هنا الترك كقوله عزوجل : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ ... الآية» (3).
ويدل عليه أيضا ما رواه في الكافي في الصحيح عن أبي بصير
عن أبي عبد الله عليهالسلام (4) في حديث «إن
الزكاة ليس يحمد بها صاحبها وإنما هو شيء ظاهر إنما حقن بها دمه وسمي بها مسلما».
وما رواه فيه أيضا في الموثق عن سماعة بن مهران عن أبي
عبد الله عليهالسلام (5) قال : «إن
الله عزوجل فرض للفقراء
في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون إلا بأدائها وهي الزكاة بها حقنوا دماءهم وبها
سموا مسلمين».
وروى في الفقيه بإسناده عن حماد بن عمرو وأنس بن محمد عن
أبيه جميعا عن الصادق عن آبائه (عليهمالسلام) (6) في وصية النبي
صلىاللهعليهوآله لعلي عليهالسلام «يا علي كفر
بالله العلي العظيم من هذه الأمة عشرة. وعد منهم مانع الزكاة ، ثم قال يا علي
ثمانية لا يقبل الله منهم الصلاة. وعد منهم مانع الزكاة. ثم قال يا علي من منع
قيراطا من زكاة ماله فليس بمؤمن ولا مسلم ولا كرامة ، يا علي تارك الزكاة يسأل
الله تعالى الرجعة إلى الدنيا وذلك قول الله عزوجل حَتّى
إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ... الآية» (7).
وبالجملة فإن وجوب الزكاة من الضروريات الدينية ولا خلاف
ولا إشكال في كفر من أنكر شيئا منها وارتداده.
بقي الإشكال في حديث أبان المتقدم من حيث دلالته على
اختصاص هذا الحكم مع الحكم برجم الزاني المحصن بظهور القائم عليهالسلام ولا أعرف له
وجها إلا على القول باختصاص إقامة الحدود بالإمام عليهالسلام إلا أن تخصيص
هذين الفردين من ما
__________________
(1) الوسائل الباب 7 من وجوب الحج وشرائطه.
(2) سورة آل عمران الآية 97.
(3) سورة إبراهيم الآية 7.
(4 و 5 و 6) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة.
(5) الوسائل الباب 4 من ما تجب فيه الزكاة.
(7) سورة المؤمنون الآية 99.
لا وجه له على هذا التقدير.
الفصل الرابع ـ في فضلها وفضل سائر الصدقات ، روى ثقة
الإسلام في الكافي في الصحيح عن زرارة عن سالم بن أبي حفصة عن أبي عبد الله عليهالسلام (1) قال : «إن
الله تعالى يقول ما من شيء إلا وقد وكلت به من يقبضه غيري إلا الصدقة فإني
أتلقفها بيدي تلقفا حتى أن الرجل يتصدق بالتمرة أو بشق تمرة فأربيها له كما يربي
الرجل فلوه وفصيله فيأتي يوم القيامة وهو مثل أحد أو أعظم من أحد».
وروى فيه أيضا عن حريز عن أبي عبد الله عليهالسلام (2) قال : «قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله الصدقة تدفع
ميتة السوء».
وروى فيه أيضا عن أبي بصير عن أبي جعفر عليهالسلام (3) قال : «لأن
أحج حجة أحب إلي من أن أعتق رقبة ورقبة حتى انتهى إلى عشرة ومثلها ومثلها حتى
انتهى إلى سبعين ، ولأن أعول أهل بيت من المسلمين أشبع جوعهم وأكسو عورتهم وأكف
وجوههم عن الناس أحب إلى من أن أحج حجة وحجة حتى انتهى إلى عشر وعشر ومثلها ومثلها
حتى انتهى إلى سبعين».
وروى في الكافي مسندا عن أبي عبد الله عليهالسلام وفي الفقيه
مرسلا (4) قال : «قال
الصادق عليهالسلام داووا مرضاكم
بالصدقة وادفعوا البلاء بالدعاء واستنزلوا الرزق بالصدقة فإنها تفك من بين لحيي
سبعمائة شيطان ، وليس شيء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن ، وهي تقع في يد
الرب تبارك وتعالى قبل أن تقع في يد العبد».
وروى الشيخ عن معلى بن خنيس عن الصادق عليهالسلام (5) «إن الله لم
يخلق شيئا إلا
__________________
(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الصدقة.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الصدقة ، والراوي هو السكوني.
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب الصدقة.
(4) الوسائل الباب 3 و 18 من أبواب الصدقة.
(5) الفروع ج 1 ص 164 وفي الوسائل الباب 12 من الصدقة والشيخ
يرويه عن الكليني.
وله خازن يخزنه إلا الصدقة فإن الرب
يليها بنفسه ، وكان أبي إذا تصدق بشيء وضعه في يد السائل ثم ارتده منه فقبله وشمه
ثم رده في يد السائل ، إن صدقة الليل تطفئ غضب الرب تعالى وتمحو الذنب العظيم
وتهون الحساب وصدقة النهار تنمي المال وتزيد في العمر». إلى غير ذلك من الأخبار
الكثيرة المذكورة في مظانها.
الفصل الخامس ـ في علتها روى الصدوق (قدسسره) في الفقيه في
الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام (1) قال : «إن
الله عزوجل فرض الزكاة
كما فرض الصلاة ، فلو أن رجلا حمل الزكاة فأعطاها علانية لم يكن عليه في ذلك عيب
وذلك لأن الله عزوجل فرض للفقراء
في أموال الأغنياء ما يكتفون به ، ولو علم أن الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم وإنما
يؤتى الفقراء في ما أوتوا من منع من منعهم حقوقهم لا من الفريضة».
وروى في الكافي والفقيه عن مبارك العقرقوفي (2) قال : «قال
أبو الحسن عليهالسلام إن الله تعالى
وضع الزكاة قوتا للفقراء وتوفيرا لأموالكم».
وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن عبد الله بن مسكان
وغير واحد عن أبي عبد الله عليهالسلام (3) قال «إن الله
تعالى جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم ولو لا ذلك لزادهم وإنما يؤتون من
منع من منعهم».
وروى فيه في الحسن عن الوشاء عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام (4) قال «قيل لأبي
عبد الله عليهالسلام لأي شيء جعل
الله الزكاة خمسة وعشرين في كل ألف ولم يجعلها ثلاثين؟ فقال إن الله تعالى جعلها
خمسة وعشرين أخرج من أموال الأغنياء بقدر ما يكتفي به الفقراء ولو أخرج الناس زكاة
أموالهم ما احتاج أحد».
وروى فيه أيضا عن صباح الحذاء عن قثم عن أبي عبد الله عليهالسلام (5) قال : «قلت له
جعلت فداك أخبرني عن الزكاة كيف صارت من كل ألف خمسة وعشرين لم
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة.
(4 و 5) الوسائل الباب 3 من زكاة الذهب والفضة.
تكن أقل أو أكثر ما وجهها؟ فقال إن
الله تعالى خلق الخلق كلهم فعلم صغيرهم وكبيرهم وغنيهم وفقيرهم فجعل من كل ألف
إنسان خمسة وعشرين مسكينا ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم لأنه خالقهم وهو أعلم
بهم».
وروى في الفقيه عن معتب مولى الصادق عليهالسلام (1) قال : «قال
الصادق عليهالسلام إنما وضعت
الزكاة اختبارا للأغنياء ومعونة للفقراء ، ولو أن الناس أدوا زكاة أموالهم ما بقي
مسلم فقيرا محتاجا ولاستغنى بما فرض الله تعالى له ، وإن الناس ما افتقروا ولا
احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء وحقيق على الله تعالى أن يمنع
رحمته ممن منع حق الله في ماله ، وأقسم بالذي خلق الخلق وبسط الرزق إنه ما ضاع مال
في بر ولا بحر إلا بترك الزكاة وما صيد صيد في بر ولا بحر إلا بتركه التسبيح في
ذلك اليوم ، وإن أحب الناس إلى الله أسخاهم كفا وأسخى الناس من أدى زكاة ماله ولم
يبخل على المؤمنين بما افترض الله تعالى لهم في ماله».
وروى في الفقيه مرسلا (2) قال : «كتب
علي بن موسى الرضا عليهالسلام إلى محمد ابن
سنان في ما كتب من جواب مسائله : إن علة الزكاة من أجل قوت الفقراء وتحصين أموال
الأغنياء لأن الله عزوجل كلف أهل الصحة
القيام بشأن أهل الزمانة والبلوى كما قال الله تعالى «لَتُبْلَوُنَّ
فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ» (3) في أموالكم إخراج الزكاة وفي أنفسكم
توطين النفس على الضر ، مع ما في ذلك من أداء شكر نعم الله تعالى والطمع في
الزيادة ، مع ما فيه من الزيادة والرأفة والرحمة لأهل الضعف والعطف على أهل
المسكنة والحث لهم على المواساة وتقوية الفقراء والمعونة لهم على أمر الدين وهو
عظة لأهل الغنى وعبرة لهم ليستدلوا على فقر الآخرة بهم ، وما لهم من الحث في ذلك
على الشكر لله تعالى لما خولهم وأعطاهم والدعاء والتضرع والخوف من أن يصيروا مثلهم
في أمور كثيرة في أداء الزكاة والصدقات وصلة الأرحام واصطناع
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة.
(3) سورة آل عمران الآية 186.
المعروف». إلى غير ذلك من الأخبار.
الفصل السادس ـ في أنه هل يجب في المال حق آخر سوى
الزكاة أم لا؟ المشهور الثاني ، ونقل عن الشيخ في الخلاف الأول حيث قال : يجب في
المال حق سوى الزكاة المفروضة وهو ما يخرج يوم الحصاد من الضغث بعد الضغث والحفنة
بعد الحفنة يوم الجذاذ. واحتمله السيد المرتضى في الإنتصار.
احتج الشيخ (قدسسره) بإجماع
الفرقة وأخبارهم (1) وقوله تعالى «وَآتُوا
حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ» (2).
وأجيب بمنع انعقاد الإجماع على الوجوب بل على الرجحان
المطلق الشامل للندب أيضا. وعن الأخبار بمنع دلالتها على الوجوب.
وعن الآية بوجهين : أحدهما ـ أنه يجوز أن يكون المراد
بالحق الزكاة المفروضة كما ذكره جمع من المفسرين بأن يكون المعنى فاعزموا على أداء
الحق يوم الحصاد واهتموا به حتى لا تؤخروه عن أول أوقات الإمكان. وأيد ذلك بأن
قوله تعالى «وَآتُوا حَقَّهُ» إنما يحسن إذا
كان الحق معلوما قبل ورود هذه الآية.
الثاني ـ أن الأمر محمول على الاستحباب ، ويدل عليه ما
رواه الكليني عن معاوية بن شريح (3) قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول في الزرع
حقان حق تؤخذ به وحق تعطيه. قلت : وما الذي أوخذ به وما الذي أعطيه؟ قال أما الذي
تؤخذ به فالعشر ونصف العشر ، وأما الذي تعطيه فقول الله عزوجل «وَآتُوا
حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ» يعني من حصدك الشيء بعد الشيء ، ولا
أعلمه إلا قال الضغث ثم الضغث حتى يفرغ».
وما رواه عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير ـ في الصحيح
أو الحسن على
__________________
(1) الوسائل الباب 13 من زكاة الغلات.
(2) سورة الأنعام الآية 141.
(3) الوسائل الباب 13 من زكاة الغلات.
المشهور ـ عن أبي جعفر عليهالسلام (1) «في قول الله عزوجل (وَآتُوا
حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ)؟ فقالوا جميعا
قال أبو جعفر عليهالسلام هذا من الصدقة
تعطى المساكين القبضة بعد القبضة ومن الجذاذ الحفنة بعد الحفنة حتى تفرغ. الحديث».
أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار زيادة على ما ذكر ما
نقل عن السيد المرتضى (قدسسره) في الإنتصار (2) أنه قال : «روي
عن أبي جعفر عليهالسلام في قوله تعالى
«وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ» فقال ليس ذلك
الزكاة ألا ترى أنه قال (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)؟» (3). قال المرتضى (قدسسره) وهذه نكتة
منه عليهالسلام مليحة لأن
النهي عن السرف لا يكون إلا في ما ليس بمقدر والزكاة مقدرة.
وما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره في
الصحيح عن شعيب العقرقوفي (4) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن قوله عزوجل (وَآتُوا
حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ)؟ قال الضغث من
السنبل والكف من التمر إذا خرص. قال : وسألته هل يستقيم إعطاؤه إذا أدخله؟ قال :
لا هو أسخى لنفسه قبل أن يدخله بيته».
وروى فيه في الصحيح عن سعد بن سعد عن الرضا عليهالسلام (5) قال : «قلت له
إن لم يحضر المساكين وهو يحصد كيف يصنع؟ قال ليس عليه شيء».
وظاهر هذه الأخبار المذكورة هو الاستحباب ، أما رواية
معاوية بن شريح فهي ظاهرة في ذلك لأن مقابلة الحق الذي يعطيه بالذي يؤخذ به ظاهر
في أنه لا يؤخذ بهذا الحق الذي يعطيه ، والمتبادر من الأخذ به العقاب على تركه وهو
هنا كناية عن الوجوب والإلزام به شرعا.
وأما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة ـ حيث مال إلى
الوجوب في هذه المسألة من أن المراد من قوله «تؤخذ به» يعني الأخذ في الدنيا لأن
الإمام
__________________
(1 و 4 و 5) الوسائل الباب 13 من زكاة الغلاة.
(2) ص 21.
(3) سورة الأنعام الآية 141.
يأخذ الزكاة من أصحاب الأموال بخلاف
حق الحصاد فإنه أمر بينه وبين الله وإن عصى بالترك بناء على الوجوب ـ فتعسفه ظاهر
لأنه لو كان المراد أنما هو أخذ الإمام لكان حق العبارة أن يقال «يؤخذ منه» كما لا
يخفى على الممارس لكلام البلغاء بل هذه العبارة إنما ترمى في مقام المؤاخذة بالترك
والمعاقبة ، قال في المصباح المنير وأخذه بذنبه عاقبه عليه.
وأما صحيحة الفضلاء الثلاثة فظاهر الصدقة فيها إنما هو
بمعنى الصدقة المستحبة وأما صحيحة شعيب العقرقوفي فهي ظاهرة في أنه متى أدخله بيته
سقط الحكم عنه ولو كان واجبا لم يكن كذلك. وأما صحيحة سعد بن سعد فأظهر ، فإنها
دلت على أنه لو لم يحضره أحد من المساكين وقت الحصاد فلا شيء عليه والفرض الواجب
إخراجه لا يتفاوت بين حضور مستحقه ولا غيبته.
وبذلك يظهر لك ما في كلام الفاضل المتقدم ذكره حيث إنه
مال إلى الوجوب استنادا إلى ظاهر الآية ، ولا ريب أن الآية مخصصة بالأخبار
المذكورة كما هو القاعدة الجارية في غير موضع من الأحكام.
ولا بأس بنقل بعض الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ، روى
ثقة الإسلام (قدسسره) في الحسن عن
أبي بصير المرادي عن أبي عبد الله عليهالسلام (1) قال : «لا
تصرم بالليل ولا تحصد بالليل ولا تضح بالليل ولا تبذر بالليل فإنك إن فعلت ذلك لم
يأتك القانع والمعتر. فقلت وما القانع والمعتر؟ قال القانع الذي يقنع بما أعطيته
والمعتر الذي يمر بك فيسألك. وإن حصدت بالليل لم يأتك السؤال وهو قول الله عزوجل «وَآتُوا
حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ» عند الحصاد يعني القبضة بعد القبضة
إذا حصدته وإذا خرج فالحفنة بعد الحفنة ، وكذلك عند الصرام وكذلك عند البذر ، ولا
تبذر بالليل لأنك تعطي من البذر كما تعطي في الحصاد».
وعن ابن أبي نصر في الصحيح عن أبي الحسن عليهالسلام (2) قال : «سألته
عن
__________________
(1) الوسائل الباب 14 من زكاة الغلات.
(2) الوسائل الباب 16 من زكاة الغلات.
قول الله عزوجل «وَآتُوا
حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا» قال كان أبي
يقول من الإسراف في الحصاد والجذاذ أن يصدق الرجل بكفيه جميعا ، وكان أبي إذا حضر
شيئا من هذا فرأى أحدا من غلمانه يتصدق بكفيه صاح به أعط بيد واحدة القبضة بعد
القبضة والضغث بعد الضغث من السنبل».
ومن ما يدخل في سلك هذا النظام ما رواه في الكافي عن
يونس أو غيره عن من ذكره عن أبي عبد الله عليهالسلام (1) قال : «قلت
جعلت فداك بلغني أنك كنت تفعل في غلة عين زياد شيئا وأنا أحب أن أسمعه منك قال
فقال لي نعم كنت آمر إذا أدركت الثمرة أن يثلم في حيطانها الثلم ليدخل الناس
ويأكلوا ، وكنت آمر في كل يوم أن يوضع عشر بنيات يقعد على كل بنية عشرة كلما أكل
عشرة جاء عشرة أخرى يلقى لكل نفس منهم مد من رطب ، وكنت آمر لجيران الضيعة كلهم
الشيخ والعجوز والمريض والصبي والمرأة ومن لا يقدر أن يجيء فيأكل منها لكل إنسان
منهم مدا فإذا كان الجذاذ أوفيت القوام والوكلاء والرجال أجرتهم وأحمل الباقي إلى
المدينة ففرقت في أهل البيوتات والمستحقين الراحلتين والثلاثة والأقل والأكثر على
قدر استحقاقهم ، وحصل لي بعد ذلك أربعمائة دينار وكان غلتها أربعة آلاف دينار».
الفصل السابع ـ الظاهر أنه لا يجب في المال حق زيادة على
الزكاة والخمس اتفاقا وما تقدم من حق الحصاد على القول به. إلا أن الصدوق قال في
الفقيه قال الله تعالى «وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ
مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ» (2) فالحق المعلوم غير الزكاة وهو شيء
يفرضه الرجل على نفسه أنه في ماله ونفسه ويجب أن يفرضه على قدر طاقته ووسعه. وربما
ظهر من هذه العبارة الوجوب.
ويؤيده ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة بن مهران
عن أبي عبد الله عليهالسلام (3) قال : «إن
الله عزوجل فرض للفقراء
في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون
__________________
(1) الوسائل الباب 18 من زكاة الغلات.
(2) سورة المعارج الآية 24 و 25.
(3) الوسائل الباب 4 و 7 من ما تجب فيه الزكاة.
إلا بأدائها وهي الزكاة ، بها حقنوا
دماءهم وبها سموا مسلمين ، ولكن الله عزوجل فرض في أموال
الأغنياء حقوقا غير الزكاة فقال عزوجل «وَالَّذِينَ
فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ» فالحق المعلوم
غير الزكاة وهو شيء يفرضه الرجل على نفسه في ماله يجب عليه أن يفرضه على قدر
طاقته وسعة ماله فيؤدي الذي فرض على نفسه إن شاء في كل يوم وإن شاء في كل جمعة وإن
شاء في كل شهر. الحديث».
وفي الصحيح أو الحسن عن أبي بصير (1) قال : «كنا
عند أبي عبد الله عليهالسلام ومعنا بعض
أصحاب الأموال فذكروا الزكاة فقال أبو عبد الله عليهالسلام إن الزكاة ليس
يحمد بها صاحبها وإنما هو شيء ظاهر إنما حقن بها دمه وسمي بها مسلما ولو لم يؤدها
لم تقبل له صلاة ، وإن عليكم في أموالكم غير الزكاة. فقلت أصلحك الله تعالى وما
علينا في أموالنا غير الزكاة؟ فقال سبحان الله أما تسمع الله عزوجل يقول في كتابه
«وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ
وَالْمَحْرُومِ؟» (2) قال قلت فما
ذا الحق المعلوم الذي علينا؟ قال هو الشيء يعلمه الرجل في ماله يعطيه في اليوم أو
في الجمعة أو في الشهر قل أو كثر غير أنه يدوم عليه».
وعن عامر بن جذاعة (3) قال : «جاء رجل إلى أبي عبد الله عليهالسلام فقال يا أبا
عبد الله قرض إلى ميسرة فقال له أبو عبد الله عليهالسلام إلى غلة تدرك؟
فقال الرجل لا والله. قال فإلى تجارة تئوب؟ قال لا والله. قال فإلى عقدة تباع؟ قال
لا والله. فقال أبو عبد الله عليهالسلام فأنت ممن جعل
الله له في أموالنا حقا ثم دعا بكيس فيه دراهم فأدخل يده فيه فناوله منه قبضة ثم
قال له اتق الله تعالى ولا تسرف ولا تقتر ولكن بين ذلك قواما. الحديث».
إلا أنه قد روى في الكافي أيضا عن القاسم بن عبد الرحمن
الأنصاري (4) قال : «سمعت
أبا جعفر عليهالسلام يقول إن رجلا
جاء إلى علي بن الحسين عليهالسلام فقال له
__________________
(1 و 3 و 4) الوسائل الباب 7 من ما تجب فيه الزكاة.
(2) سورة المعارج الآية 24 و 25.
أخبرني عن قول الله عزوجل «وَالَّذِينَ
فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ» ما هذا الحق
المعلوم؟ فقال له علي بن الحسين عليهالسلام الحق المعلوم
الشيء تخرجه من مالك ليس من الزكاة ولا من الصدقة المفروضتين. فقال إذا لم يكن من
الزكاة ولا من الصدقة فما هو؟ قال هو الشيء يخرجه الرجل من ماله إن شاء أكثر وإن
شاء أقل على قدر ما يملك. فقال له الرجل فما يصنع به؟ قال يصل به رحما ويقوي به
ضعيفا ويحمل به كلا ويصل به أخا له في الله أو لنائبة تنوبه. فقال الرجل الله أعلم
حيث يجعل رسالته».
والخبر كما ترى ظاهر في الاستحباب ووجه الجمع بينه وبين
ما تقدمه حمل الأخبار المتقدمة الثلاثة على تأكد الاستحباب ومثله في الأخبار غير
عزيز ، ويؤيده بعض الأخبار الدالة على أنه إذا أدى العبد زكاة ماله لم يسأله الله
تعالى عما سواها.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أنه لما كانت الزكاة منها ما يتعلق
بالمال في جميع الأعوام على الشروط الآتية في المقام ، ومنها ما يتعلق بالفطر من
الصيام على الوجوه المذكورة في أخبارهم (عليهمالسلام) فالكلام فيها
يقع في بابين :
الباب الأول ـ في الزكاة المتعلقة بالمال ، ثم إن زكاة
المال لما كان وجوبها مخصوصا ببعض المكلفين دون بعض وفي بعض الأموال دون بعض
ومصرفها مقصورا على مصارف مخصوصة فالكلام في هذا الباب يقع في مقاصد ثلاثة :
المقصد الأول ـ في من تجب عليه وهو البالغ العاقل الحر المالك
للنصاب المتمكن من التصرف فيه ، فهاهنا شروط خمسة :
الشرط الأول والثاني ـ البلوغ والعقل ، فأما اشتراطهما
بالنسبة إلى النقدين فالظاهر أنه لا خلاف فيه ، ويدل عليه حديث رفع القلم عن الصبي
حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق (1). وقد ورد في
جملة من الأخبار الصحاح الصراح أنه ليس في مال اليتيم زكاة (2) وفي بعضها ليس
في العين والصامت شيء (3)
وفي صحيحة
__________________
(1) الوسائل الباب 4 من مقدمة العبادات وسنن أبي داود ج 4 ص
141 حد الزنا.
(2) الوسائل الباب 1 و 2 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) التهذيب ج 1 ص 356 وفي الوسائل الباب 1 ممن تجب عليه
الزكاة.
عبد الرحمن بن الحجاج أو حسنته (1) في مال
المجنون «إن كان عمل به فعليه زكاة وإن لم يعمل به فلا». ونحوها أخبار أخر.
إنما الخلاف بالنسبة إلى الغلات والمواشي ، فالمشهور بين
المتأخرين عدم الوجوب ، وأوجب الشيخان وأبو الصلاح وابن البراج الزكاة في غلات
الأطفال والمجانين ومواشيهم ، وقال السيد المرتضى في المسائل الناصرية : الصحيح
عندنا أنه لا زكاة في مال الصبي من العين والورق وأما الزرع والضرع فقد ذهب أكثر
أصحابنا (رضوان الله عليهم) إلى أن الإمام يأخذ منه الصدقة. وهو مؤذن بشهرة القول
بذلك بين المتقدمين.
ويدل على الأول موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (2) قال : «سمعته
يقول ليس في مال اليتيم زكاة وليس عليه صلاة وليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو
غلة زكاة ، وإن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة ولا عليه لما يستقبل حتى يدرك فإذا
أدرك كانت عليه زكاة واحدة وكان عليه مثل ما على غيره من الناس». وأجاب الشيخ عن
هذا الخبر بالبعد.
ويدل على القول الثاني صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي
جعفر وأبي عبد الله (عليهماالسلام) (3) أنهما قالا «مال
اليتيم ليس عليه في العين والصامت شيء فأما الغلات فإن عليها الصدقة واجبة».
وأجاب عنها جملة من المتأخرين بالحمل على الاستحباب ،
وأيده بعضهم بأن لفظ الوجوب في الأخبار أعمّ من المعنى المصطلح فإنه كثيرا ما يرد
بمعنى مجرد الثبوت أو تأكد الاستحباب ، فيجب حمل هذه الصحيحة على تأكد الاستحباب
أو ثبوته جمعا بين الأدلة.
أقول : فيه (أولا) أن ما ذكروه من أن لفظ الوجوب في
الأخبار أعمّ من
__________________
(1) الوسائل الباب 3 ممن تجب عليه الزكاة.
(2 و 3) التهذيب ج 1 ص 356 وفي الوسائل الباب 1 ممن تجب عليه
الزكاة.
المعنيين المذكورين متجه ، إلا أنه
متى كان الأمر كذلك فإنه يصير لفظ الوجوب في الأخبار من قبيل اللفظ المشترك الذي
لا يحمل على أحد معنييه إلا مع القرينة ، ومجرد اختلاف الأخبار ووجود هذه الرواية
في مقابلة هذه الصحيحة لا يكون قرينة على الاستحباب. وبالجملة فإن الجمع المذكور
غير تام وإن اشتهر بينهم الجمع بين الأخبار بذلك في كل موضع وأنه قاعدة كلية في
جميع أبواب الفقه في مقام اختلاف الأخبار إلا أنه لا دليل عليه. وأيضا فإنه متى
قيل بالاستحباب وجواز التصرف في مال اليتيم فالقول بالوجوب وقوفا على ظاهر الصحيحة
المذكورة أحوط وأولى كما لا يخفى.
وثانيا ـ أن الأظهر هو حمل الصحيحة المذكورة على التقية
فإن الوجوب مذهب الجمهور كما نقله العلامة في المنتهى حيث قال : واختلف علماؤنا في
وجوب الزكاة في غلات الأطفال والمجانين فأثبته الشيخان وأتباعهما وبه قال فقهاء
الجمهور ونقلوه أيضا عن علي والحسن بن علي (عليهماالسلام) وجابر بن زيد
وابن سيرين وعطاء ومجاهد وإسحاق وأبي ثور (1) انتهى.
أقول : ومن ما يؤيد القول الأول إطلاق جملة من الأخبار
بأنه ليس في مال اليتيم زكاة ، وظاهر قوله عزوجل «خُذْ
مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها» (2) وهو كناية عن ما يوجب محو الذنوب
والآثام وهذا إنما يترتب على البالغ ومنه يظهر قوة القول المشهور.
وأنت خبير بأن ظاهر الصحيحة التي هي مستند الشيخين
وأتباعهما إنما دل على الغلات خاصة وأما المواشي فلا دلالة فيه عليها وليس غير ذلك
في الباب ،
__________________
(1) المغني ج 2 ص 602 وحكى فيه أيضا عن الحسن وسعيد بن المسيب
وسعيد بن جبير وأبي وائل والنخعي وأبي حنيفة القول بعدم وجوب الزكاة في أموالهما
كما حكي عن ابن مسعود والثوري والأوزاعي أنها تجب ولا تخرج حتى يبلغ الصبي ويفيق
المعتوه.
(2) سورة التوبة الآية 103.
ومورد النص المذكور إنما هو اليتيم
وأما المجنون فلا نص فيه مع أن المنقول عنهم القول بالوجوب في الموضعين ، ومنه
يظهر أن حكم المتأخرين بالاستحباب في الموضعين المذكورين للتفصي من خلاف الشيخين
لا معنى له ، فإن الاستحباب حكم شرعي كالوجوب والتحريم يتوقف على الدليل ومجرد
وجود الخلاف ولا سيما إذا لم يكن عن دليل لا يصلح لأن يكون مستندا ، وكذا حكمهم
بالاستحباب في غلات اليتيم ، ومتى حملنا الصحيحة المذكورة على التقية كما هو
الظاهر فإنه لا وجه للاستحباب حينئذ
وينبغي التنبيه على أمور :
الأول ـ إن ظاهر كلام جملة من المتأخرين بالنسبة إلى شرط
الكمال الذي هو عبارة عن البلوغ والعقل اعتبار استمرار الشرط المذكور طول الحول
ليترتب عليه بعد ذلك الخطاب بوجوب الزكاة بمعنى أنه يستأنف الحول من حين البلوغ.
وناقش في ذلك بعض أفاضل متأخري المتأخرين قائلا إن إثبات
ذلك بحسب الدليل لا يخلو من إشكال ، إذ المستفاد من الأدلة عدم وجوب الزكاة ما لم يبلغ
وهو غير مستلزم لعدم الوجوب حين البلوغ بسبب الحول السابق بعضه عليه إذ لا يستفاد
من أدلة اشتراط الحول كونه في زمان التكليف.
أقول : فيه (أولا) إن ظاهر قوله (عليهالسلام) في موثقة أبي
بصير المتقدمة «وإن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة» هو أنه غير مخاطب بالزكاة بالنسبة
إلى الأموال التي ملكها قبل البلوغ أعمّ من أن يكون قد حال عليها أحوال عديدة أو
مضى عليها حول إلا أياما قلائل ، فإن لفظ «ما مضى» شامل للجميع وأنه لا يتعلق بما
كان كذلك زكاة ، والظاهر أن هذا هو الذي فهمه الأصحاب وعليه بني ما ذكروه من الحكم
المذكور. وأما قوله في الخبر «ولا عليه لما يستقبل زكاة حتى يدرك» فإن جعل معطوفا
على الجزاء كما هو الظاهر فلا بد من حمل الإدراك على غير معنى البلوغ لينتظم
الكلام لأن الشرط المرتب عليه الكلام أولا هو البلوغ فلا معنى لجعله هنا غاية ، بل
يكون المعنى أنه إذا بلغ فليس عليه زكاة لما يستقبل في تلك الأموال التي ملكها
أولا حتى يدرك الحول
فإذا أدرك الحول كانت عليه زكاة
باعتبار مضي الحول عليه كذلك ، وإن جعل جملة مستقلة مع بعده يكون المعنى أنه ليس
عليه لما يستقبل من الزمان زكاة متى حال الحول عليه حتى يحول عليه وهو مدرك بالغ
فإذا حال عليه وهو كذلك وجبت زكاة واحدة.
و (ثانيا) ـ أن ما ذكره من أن أدلة الحول لا يستفاد منها
اشتراط كون الحول في زمن التكليف إن أريد به أنه لم يصرح بذلك فيها فهو مسلم لكن
المفهوم من جملة منها ذلك ، فإنه يستفاد منها صريحا في بعض وظاهرا في آخر أنه لا
بد في وجوب الزكاة على المكلف أن يحول الحول على النصاب عنده وفي يده كما في
روايات الدين وروايات المال الغائب (1) والمتبادر من كونه عنده وفي يده هو
التصرف فيه كيف شاء وهو المشار إليه في تلك الشروط بإمكان التصرف ، ولا ريب أن
المال بالنسبة إلى الطفل محجور عليه ليس عنده ولا في يده. وبالجملة فإن قيد إمكان
التصرف المشترط في وجوب الزكاة وأنه لا بد أن يحول عليه الحول متمكنا من التصرف من
ما ينفي وجوب الزكاة في الصورة المفروضة على الطفل حتى يبلغ ويحول عليه الحول في
يده.
الثاني ـ لا ريب أن الذي اشتملت عليه روايات المسألة كما
سمعت من ما نقلناه منها وكذا ما لم ننقله إنما هو التعبير باليتيم وهو لغة وشرعا
من لا أب له ، والأصحاب هنا كملا من غير خلاف يعرف أرادوا به المتولد حيا ما لم
يبلغ وإن كان بين أبويه ، وأكثرهم إنما يعبر بالصبي ، وخصوصية اليتم غير مرادة في
كلامهم والظاهر أن التعبير بهذه العبارة في الأخبار خرج مخرج الغالب من عدم الملك
للطفل إلا من جهة موت الأب. وبالجملة فإنه لا إشكال في إرادة المعنى الأعم ، لأن
المفهوم من الأخبار أن هذه العبارة وقعت في مقابلة البلوغ ، ويؤيده التعبير في بعض
أخبار التجارة بغير هذه العبارة من ما يحمل على المعنى الأعم.
الثالث ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) باستحباب
الزكاة في مال
__________________
(1) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة.
اليتيم والمجنون إذا اتجر به الولي
لهما ، وظاهر الشيخ المفيد في المقنعة الوجوب إلا أن الشيخ في التهذيب حمل كلامه على
الاستحباب محتجا بأن المال لو كان لبالغ واتجر به لما وجبت فيه الزكاة فالطفل
أولى. ونقل عن ابن إدريس نفي الوجوب والاستحباب ، وإليه مال السيد السند في
المدارك.
حجة القول المشهور على عدم الوجوب الأخبار الآتية في
زكاة التجارة المؤيدة بالأصل ، وعلى الاستحباب أخبار عديدة : منها ـ حسنة محمد بن
مسلم (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) هل على مال
اليتيم زكاة؟ قال لا إلا أن يتجر به أو يعمل به».
وما رواه في الكافي عن سعيد السمان (2) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول ليس في
مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به فإن اتجر به فالربح لليتيم وإن وضع فعلى الذي يتجر
به».
وما رواه في الموثق عن يونس بن يعقوب (3) قال : «أرسلت
إلى أبي عبد الله (عليهالسلام) إن لي إخوة
صغارا فمتى تجب على أموالهم الزكاة؟ فقال إذا وجبت عليهم الصلاة وجبت عليهم
الزكاة. قلت فما لم تجب عليهم الصلاة؟ قال إذا اتجر به فزكه».
وما رواه في التهذيب عن أحمد بن عمر بن أبي شعبة عن أبيه
عن أبي عبد الله عليهالسلام (4) «أنه سئل عن
مال اليتيم فقال لا زكاة عليه إلا أن يعمل به».
وما رواه عن محمد بن الفضيل (5) قال : «سألت
أبا الحسن الرضا عليهالسلام عن صبية صغار
لهم مال بيد أبيهم أو أخيهم هل يجب على مالهم زكاة؟ فقال لا يجب في مالهم زكاة حتى
يعمل به فإذا عمل به وجبت الزكاة فأما إذا كان موقوفا فلا زكاة عليه».
ويدل على ذلك بالنسبة إلى المجنون ما رواه الكليني في
الصحيح عن
__________________
(1 و 2 و 5) الوسائل الباب 2 ممن تجب عليه الزكاة.
(3 و 4) الوسائل الباب 1 ممن تجب عليه الزكاة.
عبد الرحمن بن الحجاج (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) امرأة من
أهلنا مختلطة أعليها زكاة؟ فقال إن كان عمل به فعليها زكاة وإن لم يعمل به فلا».
وعن موسى بن بكر (2) قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن امرأة
مصابة ولها مال في يد أخيها فهل عليه زكاة؟ فقال إن كان أخوها يتجر به فعليه زكاة».
وأنت خبير بأن ظاهر هذه الأخبار هو الوجوب كما نقل عن
الشيخ المفيد ولكن الشيخ ومن تبعه من الأصحاب كما هو المشهور لما اتفقوا على
الاستحباب في مال التجارة وهذه المسألة من أفراد تلك المسألة حكموا بالاستحباب هنا
، وسيأتي في زكاة التجارة ما في المسألة من الإشكال.
وقال بعض المحققين من متأخري المتأخرين : والظاهر أن
للولي الأجرة في الصورة المذكورة إن لم يتبرع وله المضاربة أيضا وكل ذلك مع
المصلحة. ولا إشكال في صحة ما ذكره (قدسسره).
ويدل عليه رواية أبي الربيع (3) قال : «سئل
أبو عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يكون في يده مال لأخ له يتيم وهو وصيه أيصلح له أن يعمل به؟ قال نعم كما يعمل بمال
غيره والربح بينهما. قال قلت فهل عليه ضمان؟ قال لا إذا كان ناظرا له».
ونقل عن ابن إدريس أنه أنكر جواز أخذ الولي من الربح
شيئا في هذه الصورة. وهو اجتهاد في مقابلة النص لكنه بناء على أصله الغير الأصيل
صحيح.
وأما القول الآخر وهو ما ذهب إليه ابن إدريس من نفي
الزكاة وجوبا واستحبابا فاحتج عليه بأن الروايات الواردة بالاستحباب ضعيفة شاذة
أوردها الشيخ في كتبه إيرادا لا اعتقادا.
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 3 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) الوسائل الباب 2 ممن تجب عليه الزكاة.
قال في المدارك : وهذا القول جيد على أصله بل لا يبعد
المصير إليه لأن ما استدل به على الاستحباب غير نقي الإسناد بل ولا واضح الدلالة
أيضا. انتهى.
وفيه نظر : أما ما طعن به من ضعف إسناد هذه الأخبار
فمنها حسنة محمد بن مسلم وحسنها إنما هو بإبراهيم بن هاشم الذي اتفق أصحاب هذا
الاصطلاح على قبول روايته وأنها لا تقصر عن الصحيح بل عدها في الصحيح جملة من
محققي متأخري المتأخرين ، وهو أيضا قد عدها في الصحيح في مواضع أشرنا إلى جملة
منها في كتاب الطهارة والصلاة ، ومنها موثقة يونس بن يعقوب التي ذكرها أيضا وقد
تقدم في غير موضع من شرحه عمله بالموثقات المعتضدة بالشهرة بين الأصحاب ، ومنها
أيضا زيادة على ما ذكره صحيحة زرارة المروية في الفقيه عن أبي جعفر عليهالسلام (1) قال «ليس في
الجوهر وأشباهه زكاة وإن كثر وليس في نقر الفضة زكاة ولا على مال اليتيم زكاة إلا
أن يتجر به فإن اتجر به ففيه الزكاة ، والربح لليتيم وعلى التاجر ضمان المال». ومن
ما يعضدها ما ورد في مال المجنون من الأخبار المتقدمة ورواية موسى بن بكر.
وأما ما طعن به من عدم وضوح الدلالة فهو محل العجب فإن
وضوحها في الدلالة على ذلك أوضح من أن ينكر وصراحة مقالاتها في ما هنالك ظاهر لذوي
النظر.
وبالجملة فإن رد هذه الأخبار التي ذكرناها من غير معارض
في المقام يحتاج إلى مزيد جرأة على الملك العلام وأهل الذكر (عليهمالسلام) وهذا أحد
مفاسد هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح ، ولهذا إن الفاضل
الخراساني مع اقتفائه أثر السيد المذكور في جل الأحكام والانتصار لمقالاته في غير
مقام نكص عنه هنا حيث قال بعد نقل جل هذه الأخبار ما صورته : وهذه الأخبار
__________________
(1) الوسائل الباب 12 من ما تجب فيه الزكاة و 2 ممن تجب عليه
الزكاة.
واضحة الدلالة على المدعى مع كون
أكثرها معتبرا صالحا للحجية واعتضادها بالشهرة بين الطائفة وعدم خلاف محقق ، فلا
وجه لتوقف بعض المتأخرين في الحكم المذكور نظرا إلى أن ما استدل به على الاستحباب
غير نقي السند ولا واضح الدلالة أيضا. انتهى وبالجملة فإن كلامه (قدسسره) هنا لا يخلو
من مجازفة. نعم في المسألة إشكال يأتي ذكره في زكاة التجارة إن شاء الله تعالى.
الرابع ـ إنهم صرحوا بأنه يجوز للناظر متى كان وليا مليا
أن ينقل المال إلى ذمته ويتجر به لنفسه فيكون الربح له والزكاة عليه.
ويدل عليه ما رواه الشيخ عن ربعي بن عبد الله عن أبي عبد
الله عليهالسلام (1) «في رجل عنده
مال ليتيم؟ فقال إن كان محتاجا وليس له مال فلا يمس ماله وإن هو اتجر به فالربح
لليتيم وهو ضامن».
وما رواه عن أسباط بن سالم عن أبيه (2) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام قلت أخي أمرني
أن أسألك عن مال يتيم في حجره يتجر به؟ فقال إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن
تلف أو أصابه شيء غرمه وإلا فلا يتعرض لمال اليتيم».
واستثنى الأصحاب من غير خلاف يعرف من الولي الذي يشترط
في جواز تصرفه الملاءة أن لا يكون أبا أو جدا فجوزوا لهما الاقتراض من مال الطفل
مطلقا واستشكله السيد في المدارك ، والظاهر أن ما ذكره الأصحاب هو الأقرب ولا سيما
مع اشتراط الضمان لما استفاض في الأخبار أن الولد وماله لأبيه (3).
ولو اختل أحد الشرطين المتقدمين من الولاية والملاءة فقد
ذكروا أنه يكون ضامنا والربح لليتيم أو المجنون ، وتدل عليه صحيحة ربعي المتقدمة.
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 75 من ما يكتسب به. والراوي في الحديث
أسباط بن سالم كما في الفروع ج 1 ص 365 ، وفي التهذيب ج 6 ص 341 الطبع الحديث عن
الكليني الراوي أسباط بن سالم عن أبيه كما هنا.
(3) الوسائل الباب 78 من ما يكتسب به.
ومثلها رواية منصور الصيقل عن أبي عبد الله عليهالسلام (1) قال : «سألته
عن مال اليتيم يعمل به؟ قال فقال إذا كان عندك مال وضمنته فلك الربح وأنت ضامن
للمال وإن كان لا مال لك وعملت به فالربح للغلام وأنت ضامن للمال».
وأنت خبير بأن ما اشتمل عليه الخبران من الضمان فلا
إشكال فيه ، لأن التصرف على هذا الوجه منهي عنه شرعا فيكون المتصرف غاصبا عاصيا
والغصب يستلزم الضمان ، وإنما الإشكال في ما دلا عليه من أن الربح لليتيم مطلقا
فإنه على إطلاقه مخالف لجملة من القواعد الشرعية والضوابط المرعية ، بل لا بد في
صحة انتقاله لليتيم أن يقيد بكون الشراء وقع بعين المال لا في الذمة فإنه متى كان
بعين المال اقتضى انتقال المبيع إلى الطفل والربح يتبعه ، ولا بد أيضا من تقييده
بما إذا كان المشتري وليا أو بإجازة الولي كما صرح به الشهيد وغيره وإلا كان باطلا
لأنه تصرف منهي عنه شرعا ، بل لا يبعد كما ذكره السيد السند في المدارك توقف
الشراء وإن كان من الولي أو بإجازته على الإجازة من الطفل بعد البلوغ ، لأن الشراء
لم يقع بقصد الطفل ابتداء وإنما أوقعه المتصرف لنفسه فلا ينصرف إلى الطفل بدون
الإجازة ، قال : ومع ذلك كله يمكن المناقشة في صحة مثل هذا العقد وإن قلنا بصحة
العقد الواقع من الفضولي مع الإجازة لأنه لم يقع للطفل ابتداء من غير من إليه
النظر في ماله وإنما وقع بقصد التصرف ابتداء على وجه منهي عنه. انتهى وظاهر الخبرين
المتقدمين كما ترى الحكم بانتقال الربح لليتيم مطلقا. وبالجملة فإن الخروج عن
مقتضى هذه القواعد إلى العمل بإطلاق الخبرين مشكل ومخالفته أشكل.
الخامس ـ إنه قد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في
استحباب الزكاة في الصورة المتقدمة ، فذهب المحقق والعلامة إلى نفيه ، واحتج عليه
في النهاية بأنه تجارة باطلة ، وبما رواه سماعة في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام (2) قال : «قلت له
الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتجر به أيضمنه؟ قال نعم. قلت فعليه زكاة؟
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 2 ممن تجب عليه الزكاة.
قال : لا لعمري لا أجمع عليه خصلتين
الضمان والزكاة». وأثبته الشيخ والشهيدان والمحقق الشيخ علي لعموم الأدلة السابقة.
قال بعض فضلاء متأخري المتأخرين : ويمكن الجمع بين هذه
الرواية والعمومات السابقة إما بتخصيص الأخبار السابقة بصورة يكون الاتجار لليتيم
وتخصيص هذه بغيرها وإما بحمل هذه الرواية على نفي الوجوب أو الاستحباب المؤكد.
انتهى.
أقول : الظاهر هو الأول والحمل الثاني بعيد غاية البعد ،
وذلك فإن صحيحة ربعي المتقدمة ومثلها رواية منصور الصيقل قد دلتا على أن الربح
لليتيم ومن الظاهر أن الربح تابع للأصل ، ومتى كان أصل المبيع لليتيم وربحه له فلا
وجه لجعل الزكاة على المتصرف في مال اليتيم ، هذا إن عملنا على إطلاق الخبرين
المذكورين ، وإن خصصناهما كما تقدم يرجع الكلام إلى صورة ما إذا اشترى في الذمة
حيث إن المبيع ينتقل له والربح له وإن كان تصرفه في الثمن محرما ، وفي دخول هذه الصورة
تحت تلك العمومات نظر لأن ظاهر قولهم (عليهمالسلام) «ليس في مال
اليتيم زكاة إلا أن يتجر به» لا يصدق على هذه الفروض التي اشتراها في الذمة فإنها
ليست مال اليتيم وإنما هي مال المشتري. وبالجملة فإن الاتجار بمال اليتيم إنما
يصدق في ما إذا اشترى لليتيم بعين ماله أو شرى في الذمة نيابة وولاية عنه ودفع
الثمن من ماله وما عدا ذلك فلا يدخل تحت عمومات تلك الأخبار إلا على وجه المجاز
البعيد.
السادس ـ ما تقدم من الحكم بسقوط الزكاة عن المجنون من
ما لا إشكال فيه لو كان الجنون مطبقا أما لو اعتراه أدوارا فهل يكون حكمه كذلك أو
يتعلق به الوجوب في حال الإفاقة؟ صرح العلامة في التذكرة والنهاية بالأول ، قال في
التذكرة : لو كان الجنون يعتوره أدوارا اشترط الكمال طول الحول فلو جن في أثنائه
سقط واستأنف من حين عوده. واستقرب في المدارك تعلق الوجوب به في حال الإفاقة ، قال
إذ لا مانع من توجه الخطاب إليه في تلك الحال. والمسألة
محل إشكال وإن كان الأقرب ما ذكره
العلامة (قدسسره) لما قدمناه
قريبا من أن المستفاد من أدلة الحول الدالة على أنه يشترط أن يحول عليه الحول عند
ربه وفي يد مالكه ـ كما سيأتي إن شاء الله تعالى في موضعها ـ هو إمكان التصرف مدة
الحول وفي أي وقت شاء ، وهذا لا يجري في ذي الأدوار لأنه في حال الجنون يخرج عن
مصداق هذه الأخبار كما لا يخفى على الناظر بعين التفكر والاعتبار.
الشرط الثالث ـ الحرية ولا خلاف بين الأصحاب في ذلك مع
القول بعدم ملكه ، بل الظاهر أنه لا وجه لهذا الشرط على هذا التقدير لأن اشتراط
الملك يقوم مقامه ، إنما الخلاف على تقدير ملكه كما هو الأصح وعليه دلت جملة من
الأخبار وبه صرح جملة من الأصحاب من ملكه أرش الجناية وفاضل الضريبة وما وهبه سيده
، والمشهور عدم الوجوب وقيل بالوجوب ونقل عن المعتبر والمنتهى
والمعتمد الأول لصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليهالسلام (1) قال : «ليس في
مال المملوك شيء ولو كان له ألف ألف ولو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا».
وصحيحته الأخرى عنه عليهالسلام (2) قال : «سأله
رجل وأنا حاضر عن مال المملوك أعليه زكاة؟ فقال لا ولو كان له ألف ألف درهم ، ولو
احتاج لم يكن له من الزكاة شيء».
وموثقة إسحاق بن عمار (3) قال «قلت لأبي
عبد الله عليهالسلام ما تقول في
رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر. إلى أن قال قلت : فعلى العبد أن يزكيها
إذا حال عليه الحول؟ قال لا إلا أن يعمل له فيها ، ولا يعطي العبد من الزكاة شيئا».
قيل : إن عدم الزكاة عليه في هذه الأخبار إنما هو من حيث
حجر المولى عليه فلو صرفه وأذن له وأزال عنه الحجر وجب عليه ، وهو غير بعيد لما
رواه في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام (4) قال : «ليس
على المملوك زكاة إلا بإذن مواليه».
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 4 ممن تجب عليه الزكاة.
وحمل في الوسائل هذه الرواية على الاستحباب ، والظاهر أن
الموجب لهذا الحمل إنما هو عدم وجود القائل بمضمونها مع أنك قد عرفت القول بوجوب
الزكاة على العبد مطلقا ، وهو جيد لو لا ورود هذه الأخبار التي ذكرناها عملا بعموم
الأخبار الدالة على وجوب الزكاة على من ملك النصاب (1) وحينئذ فيمكن
تخصيص هذه الأخبار الدالة على عدم وجوب الزكاة على العبد في ما يملكه بهذه الرواية
فإن ظاهرها الوجوب مع إذن السيد ، وكيف كان فلا ريب أنه الأحوط.
ثم لا يخفى أن ظاهر الأخبار المذكورة هو سقوط الزكاة عن
المملوك مطلقا مكاتبا كان أو غير مكاتب ، نعم يخرج منه المكاتب المطلق إذا تحرر
منه شيء وبلغ نصيب جزئه الحر نصابا لدخوله تحت العمومات الدالة على من ملك النصاب
مع شرط الحرية ، ولو لا الاتفاق على الحكم المذكور لأمكن المناقشة في دخوله تحت
العمومات المذكورة ، فإن تلك العمومات إنما ينصرف إطلاقها إلى الأفراد الشائعة
المتكثرة وهي من كان رقا بتمامه لا من تبعض بأن صار بعضه رقا وبعضه حرا فإنه من
الفروض النادرة.
وجملة من الأصحاب إنما استدلوا على سقوط الزكاة عن المكاتب
برواية وهب بن وهب القرشي عن جعفر عن آبائه عن علي (عليهمالسلام) (2) قال : «ليس في
مال المكاتب زكاة». ورد بضعف السند. والأظهر الاستدلال بما ذكرنا من الأخبار في
المقام.
قال في المدارك : وأما السقوط عن المكاتب المشروط
والمطلق الذي لم يؤد شيئا فهو المعروف من مذهب الأصحاب ، واستدل عليه في المعتبر
بأنه ممنوع من التصرف فيه إلا بالاكتساب فلا يكون ملكه تاما ، وبما رواه الكليني
عن أبي البختري. ثم أورد الرواية المتقدمة ثم قال : وفي الدليل الأول نظر وفي سند
__________________
(1) يستفاد ذلك من أخبار الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة من
الوسائل.
(2) الوسائل الباب 4 ممن تجب عليه الزكاة.
الرواية ضعف ، مع أن مقتضى ما نقلناه
عن المعتبر والمنتهى من وجوب الزكاة على المملوك إن قلنا بملكه الوجوب على المكاتب
بل هو أولى بالوجوب. انتهى.
أقول : ظاهر كلامه أنه باعتبار بطلان الاستدلال المذكور
لما ذكره من النظر في الدليلين المذكورين فإنه يقوي القول بالوجوب لعدم الدليل على
السقوط وأيد ذلك بما ذهب إليه في المعتبر والمنتهى من الوجوب على المملوك مطلقا
فالكاتب أولى.
وفيه (أولا) أن ما نقله عن الكتابين المذكورين في سابق
هذه المقالة قد رده بالأخبار المتقدمة فكيف يعتضد به هنا؟
و (ثانيا) ـ أن الأخبار المتقدمة قد دلت على أنه ليس في
مال المملوك شيء وهو أعمّ من المكاتب وغيره ، وهي صحيحة صريحة شاملة بعمومها لما
نحن فيه فهي الدليل على السقوط عن المكاتب ، نعم يخرج منه من تحرر بعضه بما يوجب
بلوغ نصيب الحرية نصابا لما ذكره من الأدلة المشار إليها ويبقى الباقي.
و (ثالثا) ـ أنه كيف يكون المكاتب أولى بالوجوب وأصل
القول لا دليل عليه بل الدليل كما عرفت قائم على خلافه فأي معنى لهذه الأولوية.
نعم لو كان مجرد كلام المعتبر والمنتهى حجة شرعية أو ناشئا عن دليل اتجه القول
بالأولويّة وإن كانت الأحكام الشرعية عندنا لا تبنى على مجرد الأولوية بل على
الأدلة الواضحة الجليلة وبالجملة فإن كلامه هنا جار على ما تقدم في غير موضع من
الاستعجال وعدم التأمل والتحقيق في ذلك المجال. والله العالم.
الشرط الرابع ـ الملك للنصاب وعليه اتفاق العلماء كما
نقله في المعتبر ، ولأن الأخبار الدالة على وجوب الزكاة مصرحة بالملك إذ لا يخاطب
بزكاة ما لا يملكه.
وقد فرعوا على هذا الشرط فروعا : منها ـ ما لو وهب له
نصاب لم يجر في الحول إلا بعد القبض ، وهو مبني على أن القبض شرط في صحة الهبة كما
هو أحد القولين لا في اللزوم كما هو القول الآخر ، فعلى القول الثاني لا يعتبر
حصول القبض في
جريان الموهوب في الحول بل المعتبر من
حين الهبة التي بها حصل الملك ، نعم يخرج هذا بقيد التمكن من التصرف كما سيأتي.
ومنها ـ ما لو استقرض مالا وكانت عينه باقية عند المقترض
فإنه يجري في الحول من حين القبض الذي حصل به الملك على المشهور ، وأما على مذهب
الشيخ من أن القرض لا يملك إلا بالتصرف فلا يجب فيه شيء وإن بقي أحوالا ،
والأخبار صريحة في وجوب الزكاة في مال القرض على المقترض إذا بقي بعينه بعد القرض
كما هو المشهور من ملكه بمجرد القبض إلا أن يتبرع المقرض بأداء الزكاة عنه كما دلت
عليه صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليهالسلام (1) «في رجل استقرض
مالا فحال عليه الحول وهو عنده؟ فقال إن كان الذي أقرضه يؤدي زكاته فلا زكاة عليه
وإن كان لا يؤدي أدى المستقرض». واعتبر الشهيد في الإجزاء إذن المستقرض وإطلاق
الرواية يدفعه.
ومنها ـ المبيع ذو الخيار خيار حيوان أو خيار شرط للبائع
أو المشتري ، فإن المشهور أن المبيع ينتقل إلى المشتري من حين البيع ، وحينئذ
فيجري في الحول من ذلك الوقت ، ومذهب الشيخ أنه لا ينتقل إلا بعد مضي الخيار
والحيوان لا ينتقل إلا بعد مضي الثلاثة وذو الشرط حتى ينقضي الشرط ، وعلى ذلك فلا
يدخل في الحول إلا بعد انقضاء الشرط. وقال إن الخيار إذا اختص بالمشتري ينتقل
المبيع من ملك البائع بالعقد ولا يدخل في ملك المشتري ، ومقتضى ذلك سقوط الزكاة عن
البائع والمشتري جميعا. وسيجيء تحقيق هذه المسألة إن شاء الله تعالى في محلها.
الشرط الخامس ـ التمكن من التصرف وهو أيضا من ما لا خلاف
فيه في ما أعلم ، فلا تجب الزكاة في المفقود ولا الغائب الذي ليس في يد وكيله ونحو
ذلك.
ومن ما يدل على ذلك ما رواه في الكافي عن سدير الصيرفي (2) قال : «قلت
__________________
(1) الوسائل الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 5 ممن تجب عليه الزكاة.
لأبي جعفر عليهالسلام ما تقول في
رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع فلما حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه
فاحتفر الموضع الذي ظن أن المال فيه مدفون فلم يصبه فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ثم إنه
احتفر الموضع من جوانبه كله فوقع على المال بعينه كيف يزكيه؟ قال يزكيه لسنة واحدة
لأنه كان غائبا عنه وإن كان احتبسه».
وموثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام (1) «رجل مات أبوه
وهو غائب فعزل ميراثه هل عليه زكاة؟ قال لا حتى يقدم. قلنا يزكيه حين يقدم؟ قال لا
حتى يحول عليه الحول وهو عنده».
وموثقة زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام (2) «أنه قال في
رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه؟ قال فلا زكاة عليه حتى يخرج فإذا خرج زكاه
لعام واحد ، وإن كان يدعه متعمدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر به من
السنين».
وفي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام (3) قال : «لا
صدقة على الدين ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك».
ويدل على ذلك أيضا الأخبار الدالة على أن كل ما لم يحل
عليه الحول عند ربه فلا شيء عليه (4) وستأتي في محلها إن شاء الله تعالى.
ولا يخفى أنه وإن كان كل واحد من هذه الأخبار أخص من
المدعى إلا أنه بضم بعضها إلى بعض من ما ذكرناه ومن ما لم نذكره ينتج منها الحكم
المذكور ، فإن أكثر القواعد الشرعية إنما تحصل من ضم الجزئيات بعضها إلى بعض مثل
القواعد النحوية الحاصلة من تتبع الجزئيات.
__________________
(1) لم نقف على رواية لإسحاق بهذا اللفظ عن أبي عبد الله (ع)
نعم له موثقتان بهذا المضمون عن أبي إبراهيم (ع) راجع الوسائل الباب 5 ممن تجب
عليه الزكاة.
(2 و 3) الوسائل الباب 5 ممن تجب عليه الزكاة.
(4) الوسائل الباب 8 من زكاة الأنعام.
بقي الكلام في أن الأمر في بعض هذه الأخبار بزكاة المال
لسنة واحدة هل هو على الاستحباب أو الوجوب؟ المشهور الأول بناء على اشتراط إمكان
التصرف في الوجوب طول الحول كما تضمنته موثقة إسحاق المتقدمة وروايات الحول ،
وظاهر بعض فضلاء متأخري المتأخرين الوجوب وحمل مطلق الأخبار على مقيدها. ولا ريب
أنه الأحوط.
مسائل
الأولى ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الدين
الذي يقدر صاحبه على أخذه متى شاء لو لم يأخذه هل تجب عليه فيه الزكاة بعد الحول
أم لا؟ قولان اختار أولهما الشيخ في النهاية والجمل والخلاف والمبسوط والشيخ
المفيد والسيد المرتضى ، وثانيهما ابن أبي عقيل وابن الجنيد وابن إدريس ، وهو
المشهور بين المتأخرين ومتأخريهم.
ومنشأ الاختلاف اختلاف ظواهر الأخبار ، ففي الموثق عن
الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (1) : قال : «قلت
له ليس في الدين زكاة؟ قال لا».
وفي موثقة إسحاق بن عمار (2) قال : «قلت
لأبي إبراهيم عليهالسلام الدين عليه
زكاة؟ فقال لا حتى يقبضه. قلت فإذا قبضه أيزكيه؟ قال لا حتى يحول عليه الحول في
يده».
وموثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (3) قال : «سألته
عن رجل يكون نصف ماله عينا ونصفه دينا فتحل عليه الزكاة؟ قال يزكي العين ويدع
الدين».
وصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة قريبا (4) وتؤيده
الأخبار الدالة على أن كل ما لا يحول عليه الحول عند ربه فلا شيء عليه (5) هذا ما يدل
على المشهور.
وأما ما يدل على القول الآخر فموثقة زرارة المتقدمة (6) وقوله فيها :
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة.
(4) ص 32.
(5) الوسائل الباب 8 من زكاة الأنعام.
(6) ص 32.
«وإن كان يدعه متعمدا وهو يقدر على
أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر به من السنين».
وما رواه في الكافي عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليهالسلام (1) قال : «ليس في
الدين زكاة إلا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخره ، فإذا كان لا يقدر على أخذه
فليس عليه زكاة حتى يقبضه».
وما رواه في التهذيب عن عبد العزيز (2) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يكون
له الدين أيزكيه؟ قال كل دين يدعه هو إذا أراد أخذه فعليه زكاته ، وما كان لا يقدر
على أخذه فليس عليه زكاة».
ومن قال بالقول المشهور حمل هذه الأخبار على الاستحباب
جمعا بين الأخبار ، ومن قال بالقول الآخر حمل مطلق الأخبار على مقيدها ، وهو
الأظهر فإن الجمع بين الأخبار بالحمل على الاستحباب وإن اشتهر بين الأصحاب حتى صار
هو المعول عليه في جميع الأبواب إلا أنه لا دليل عليه من سنة ولا كتاب ، مع ما في
منافرة التفصيل الذي في الروايتين الأخيرتين لذلك. وأما أخبار الحول فهي غير
منافية لأن المراد بالعندية فيها الكناية عن إمكان التصرف سواء كان في يده أو يد
وكيله أو نحو ذلك اتفاقا ، ولا يخفى أنه هو الأوفق بالاحتياط أيضا.
والظاهر أنه لا خلاف في عدم الوجوب في الدين الذي لا
يقدر صاحبه على أخذه ، ويدل عليه مضافا إلى روايتي عمر بن يزيد وعبد العزيز
المتقدمتين صحيحة إبراهيم بن أبي محمود (3) قال : «قلت لأبي الحسن الرضا عليهالسلام الرجل يكون له
الوديعة والدين فلا يصل إليهما ثم يأخذهما متى تجب عليه الزكاة؟ قال إذا أخذهما ثم
يحول عليه الحول يزكي».
وأما ما رواه في الكافي عن عبد الحميد بن سعد (4) ـ قال : «سألت
أبا الحسن عليهالسلام عن رجل باع
بيعا إلى ثلاث سنين من رجل ملي بحقه وماله في ثقة يزكي ذلك المال في كل سنة تمر به
أو يزكيه إذا أخذه؟ قال لا بل يزكيه إذا أخذه. قلت لكم
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة.
يزكيه إذا أخذه؟ قال لثلاث سنين». ـ فحمله
جملة من الأصحاب على الاستحباب والأظهر حمله على ما إذا كان تأخير القبض من صاحب
المال أو حمله على مال التجارة وعدم الوضيعة عن رأس المال.
وكذا ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة (1) قال : «سألته
عن الرجل يكون له الدين على الناس تجب فيه الزكاة؟ قال ليس عليه فيه زكاة حتى
يقبضه فإذا قبضه فعليه الزكاة ، وإن هو طال حبسه على الناس حتى يمر لذلك سنون فليس
عليه زكاة حتى يخرج فإذا خرج زكاه لعامه ذلك ، وإن كان يأخذ منه قليلا قليلا فليزك
ما خرج منه أولا فأولا ، وإن كان متاعه ودينه وماله في تجارته التي يتقلب فيها
يوما بيوم يأخذ ويعطي ويبيع ويشتري فهو شبه العين في يده فعليه الزكاة ، ولا ينبغي
له أن يغير ذلك إذا كان حال متاعه وماله على ما وصفت لك فيؤخر الزكاة». وحملت على
الاستحباب أيضا ، والظاهر هو الحمل على الوجوب لكن بتقدير حول الحول عليه بعينه.
وأما آخر الخبر فالظاهر أن المراد به زكاة التجارة وإن كان معناه لا يخلو من نوع
غموض.
تتمة
تتضمن الكلام على كلام بعض الأعلام
قال السيد في المدارك بعد اختياره القول المشهور بين
المتأخرين : لنا التمسك بمقتضى الأصل والروايات المتضمنة لسقوط الزكاة في مال
القرض عن المقرض (2) فإنه من أنواع
الدين. ثم استدل بصحيحة عبد الله بن سنان وموثقة إسحاق بن عمار وموثقة الحلبي ، ثم
نقل احتجاج الشيخ برواية درست وعبد العزيز (3) وأجاب عنهما بضعف السند ، ثم نقل عن
العلامة في المختلف حملهما على الاستحباب مع كلام له تأتي الإشارة إليه.
__________________
(1) الوسائل الباب 6 ممن تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) ص 34 ورواية درست هي رواية عمر بن يزيد إلا أن الشيخ في
التهذيب ج 1 ص 357 لم يذكر عمر بن يزيد.
أقول : فيه (أولا) أن ما اعتمده من الأصل فإنه يجب
الخروج عنه بالدليل وقد عرفته وستعرف ما يؤكده.
و (ثانيا) أن ما استند إليه من روايات القرض مردود بأن
الروايات المذكورة قد دل أكثرها على تعليل وجوب الزكاة على المقترض بأنه صار ماله
بالقرض وهو ملكه فنسبة المقرض إليه نسبة الأجنبي وما أجمل منها فهو محمول على ذلك
، فلا دلالة فيها على ما ادعاه إذ المفهوم منها أن محل السؤال فيها إنما هو عن تلك
العين التي اقترضها المقترض ومحل البحث إنما هو في الدين المستقر في ذمة المستدين
مع حلوله عليه وبذله ، ولا ريب أن إحدى المسألتين غير الأخرى كما لا يخفى على من
راجع روايات القرض الآتية في تلك المسألة ، ومنها صحيحة زرارة أو حسنته وصحيحة
منصور بن حازم الآتيتان (1) وهو إنما
استند إلى روايات القرض من حيث كونه من أنواع الدين والروايات المذكورة لم تتضمن
سقوط الزكاة من هذه الحيثية وإنما تضمنت السقوط عن تلك العين المخصوصة من حيث إنها
ليست ملكا للمقرض فلا تعلق له بروايات القرض في هذا المقام.
و (ثالثا) ما أجاب به عن حجة الشيخ بالطعن في السند فإنه
لا يقوم حجة على الشيخ وأمثاله من المتقدمين الذين لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم بل
يحكمون بصحة جميع الأخبار ، على أن الدليل غير منحصر في هاتين الروايتين :
فقد روى الكليني في الكافي في الصحيح عن أبي الصباح
الكناني عن الصادق عليهالسلام (2) «في الرجل ينسئ
أو يعين فلا يزال ماله دينا كيف يصنع في زكاته؟ فقال يزكيه ولا يزكي ما عليه من
الدين إنما الزكاة على صاحب المال». وموثقة زرارة المتقدمة.
وقال عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي (3) : وإن غاب
مالك عنك فليس عليك
__________________
(1) ص 39 و 40.
(2) الوسائل الباب 9 ممن تجب عليه الزكاة.
(3) مستدرك الوسائل الباب 5 و 6 ممن تجب عليه الزكاة.
الزكاة إلا أن يرجع إليك ويحول عليه
الحول وهو في يدك ، إلا أن يكون مالك على رجل متى ما أردت أخذت منه فعليك زكاته.
ولا يخفى أن اعتماده في الاستدلال لما ذهب إليه إنما هو
على إطلاق صحيحة عبد الله بن سنان ، حيث إن الموثق عنده من قسم الضعيف وإن أغمض
النظر عنه في وقت الاحتياج إليه كما هنا ، وإن ما عارض ذلك من روايتي درست وعبد
العزيز في حكم العدم عنده لضعفهما ، وحينئذ فمع وجود صحيحة الكناني المذكورة
وموثقة زرارة يضعف ما صار إليه لمعارضة صحيحة عبد الله بن سنان بصحيحة الكناني
وموثقتي إسحاق بن عمار والحلبي بموثقة زرارة مع بقية الأخبار المذكورة ، والجمع
بين الجميع بتقييد إطلاق تلك الأخبار التي اعتمدها بهذه الأخبار التي ذكرناها
مقتضى القاعدة المطردة في كلامهم من حمل المطلق على المقيد والعام على الخاص
والمجمل على المبين ، على أن الحمل على الاستحباب وإن اشتهر بين الأصحاب في جميع
الأبواب إلا أنه لا دليل عليه من سنة ولا كتاب وأن النظر بعين الإنصاف والاعتبار
يقتضي ضعفه وأنه ناقص العيار ، وذلك فإن الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل
الواضح كغيره من الوجوب والتحريم ونحوهما واختلاف الأخبار ليس دليلا على ذلك.
وأيضا فإن الحمل على الاستحباب مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة واختلاف الأخبار
ليس من قرائن المجاز.
و (رابعا) أن قول العلامة في المختلف في ما نقله السيد
عنه واستجوده ـ من أنه يلزم من تقييد الإطلاق في رواية الحلبي تأخير البيان عن وقت
الحاجة ـ ممنوع وإنما اللازم تأخير البيان عن وقت الخطاب وإلا لزم ذلك في جميع
الأخبار المطلقة بالنسبة إلى الأخبار المقيدة فلا يمكن تقييدها بها وهم لا
يلتزمونه ، ووقت الحاجة هنا غير معلوم ولا مدلول عليه بصريح ولا إشارة.
نعم ذكر بعض الأصحاب ممن اختار القول بعدم الوجوب أن
جمهور العامة على القول بالوجوب في الدين فإن ثبت فلا يبعد حمل هذه الأخبار على
التقية. إلا
أن فيه أيضا أن الأخبار المذكورة دلت
على التفصيل في الدين بين ما يمكن أخذه وما لا يمكن أخذه والخلاف المنقول عن
العامة كما نقله العلامة في المنتهى في الدين مطلقا ، فبعض قال فيه بالوجوب مطلقا
ونقله عن الثور وأبي ثور وأصحاب الرأي وجابر وطاوس والنخعي والحسن والزهري وقتادة
وحماد والشافعي وأحمد ، وبعض قال بعدم الوجوب مطلقا ونقله عن عكرمة وعائشة وابن
عمر والشافعي في القديم. وأما القول بالتفصيل كما دلت عليه الأخبار فلم ينقل عن
أحد منهم (1) وبذلك يظهر
ضعف الحمل على التقية كما ذكره البعض المشار إليه.
وبالجملة فالظاهر هو قوة القول بالوجوب للأخبار المذكورة
ويجب حمل مطلقها على مقيدها. والله العالم.
الثانية ـ الظاهر أنه لا خلاف في عدم الزكاة في الوقف ،
لأنها مشروطة كما تقدم بالملك والوقف غير مملوك للموقوف عليه على أحد القولين أو
مملوك له ولكنه غير مستقل بالملك لأنه حق البطون بعده ، ولأنه ممنوع من التصرف فيه
إلا بالاستنماء. نعم تجب الزكاة في نمائه إذا كان الوقف على شخص معين أو أشخاص مع
بلوغ
__________________
(1) في المغني ج 3 ص 46 : إذا كان له دين على معترف به باذل له
فعلى صاحبه زكاته إلا أنه لا يلزمه إخراجها حتى يقبضه فيؤدي لما مضى ، روى ذلك عن
علي (ع) وبه قال للثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي ، وقال عثمان وابن عمر وجابر وطاوس
والنخعي وجابر بن زيد والحسن وميمون بن مهران والزهري وقتادة وحماد بن أبي سليمان
والشافعي وإسحاق وأبو عبيد : عليه إخراج الزكاة في الحال وإن لم يقبضه لأنه قادر
على أخذه والتصرف فيه فلزمه إخراج زكاته كالوديعة ، وقال عكرمة ليس في الدين زكاة
وروى ذلك عن عائشة وابن عمر ، وقال سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وعطاء
الخراساني وأبو الزناد : يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة. وأما الدين على معسر أو مماطل
أو جاحد ففيه روايتان : إحداهما ـ لا تجب قال به قتادة وإسحاق وأبو ثور وأهل
العراق ، والثانية ـ يزكيه إذا قبضه قال به الثوري وأبو عبيد ، وللشافعي قولان
كالروايتين ، وعن عمر بن عبد العزيز والحسن والليث والأوزاعي ومالك يزكيه إذا قبضه
لعام واحد.
حصة كل منهم على تقدير التعدد النصاب
، أما لو كان الوقف على جهة عامة كالوقف على المساجد ونحوها فهو في الحقيقة وقف
على سائر المسلمين كما صرحوا به ولا زكاة فيه كما لا زكاة في بيت المال من غير
خلاف ولا إشكال لأن خطابات الزكاة لا عموم فيها بحيث تتعلق بمثل ذلك.
الثالثة ـ قد صرحوا من غير خلاف يعرف أنه لا يشترط في
وجوب الزكاة التمكن من الأداء بل تجب عليه وإن لم يتمكن من إيصالها إلى مستحقها ،
ويدل عليه ظواهر جملة من الأخبار مثل قولهم (عليهمالسلام) (1) «أيما رجل عنده
مال وحال عليه الحول فإنه يزكيه». نعم يشترط ذلك في الضمان ، والظاهر أنه متفق
عليه أيضا ، ويدل عليه ظواهر جملة من الأخبار الدالة على أن من وجد لها موضعا فلم
يدفعها فضاعت فإن عليه الضمان ومن لم يجد فليس عليه ضمان (2) وسيأتي تحقيق
ذلك إن شاء الله تعالى في موضعه اللائق به.
الرابعة ـ قد تقدم أن الأشهر الأظهر هو أن مال القرض تجب
زكاته على المقترض إذا حال الحول عليه عنده.
ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ صحيحة زرارة أو
حسنته على المشهور بإبراهيم بن هاشم (3) قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام رجل دفع إلى
رجل مالا قرضا على من زكاته على المقرض أو على المقترض؟ قال لا بل زكاتها إن كانت
موضوعة عنده حولا على المقترض. قال قلت فليس على المقرض زكاتها؟ قال لا يزكى المال
من وجهين في عام واحد ، وليس على الدافع شيء لأنه ليس في يده شيء إنما المال في
يد الآخر فمن كان المال في يده زكاه. قال قلت أفيزكي مال غيره من ماله؟ قال إنه
ماله ما دام في يده وليس ذلك المال لأحد غيره. ثم قال يا زرارة أرأيت وضيعة ذلك
__________________
(1) الوسائل الباب 10 ممن تجب عليه الزكاة و 12 من زكاة الذهب
والفضة.
(2) الوسائل الباب 29 من المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة ، واللفظ مطابق لما
في التهذيب ج 1 ص 357 عن الكليني.
المال أو ربحه لمن هو وعلى من هو؟ قلت
للمقترض. قال فله الفضل وعليه النقصان وله أن ينكح ويلبس منه ويأكل منه ، ولا
ينبغي له أن لا يزكيه بل يزكيه فإنه عليه جميعا». وبمضمونها أخبار عديدة.
وبه يظهر ضعف قول الشيخ المتقدم ذكره من أنه لا يدخل في
ملك المقترض إلا بالتصرف في عينه وأنه لا زكاة عليه حينئذ. نعم لو تبرع المقرض
بالزكاة عنه أجزأ كما سيأتي في صحيحة منصور بن حازم.
بقي الكلام هنا في أنه لو اشترط المقترض زكاته على
المقرض فهل تسقط عن المقترض وتجب على المقرض أم لا؟ المشهور الثاني ونقل عن الشيخ
الأول.
قال العلامة في المختلف : ولا زكاة على المقرض مطلقا أما
المستقرض فإن ترك المال بعينه حولا وجبت عليه الزكاة وإلا فلا ، وهو اختيار ابن
أبي عقيل والشيخ في النهاية في باب لزكاة والخلاف والمفيد في المقنعة والشيخ علي
بن بابويه في الرسالة وابن إدريس. وقال الشيخ في باب القرض من النهاية إن شرط
المقترض الزكاة على القارض وجبت عليه دون المستقرض. لنا ـ أنه ملك المقترض فالزكاة
عليه والشرط غير لازم لأنه اشتراط للعبادة على غير من وجبت عليه وإنه باطل كما لو
شرط غير الزكاة من العبادات ، وما رواه يعقوب بن شعيب في الصحيح (1) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يقرض
المال للرجل السنة والسنتين والثلاث لو ما شاء الله على من الزكاة على المقرض أو
على المستقرض؟ فقال على المستقرض لأن له نفعه وعليه زكاته». ثم ساق جملة من
الأخبار الدالة على ذلك ومنها حسنة زرارة المتقدمة ، ثم قال احتجوا بما رواه منصور
بن حازم في الصحيح عن الصادق عليهالسلام (2) «في رجل استقرض
مالا فحال عليه الحول وهو عنده؟ فقال إن كان الذي أقرضه يؤدي زكاته فلا زكاة عليه
وإن كان لا يؤدي أدى المستقرض». والجواب أنا نقول بموجبه فإن المقرض لو تبرع
بالأداء سقط عن المقترض أما الوجوب مع الشرط فممنوع
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة.
وليس في الحديث ما يدل عليه ، قال
الشيخ علي بن الحسين بن بابويه : إن بعت شيئا وقبضت ثمنه واشترطت على المشتري زكاة
سنة أو سنتين أو أكثر فإن ذلك يلزمه دونك. وفي لزوم هذا الشرط نظر. انتهى كلامه
زيد مقامه. ونسج على منواله في هذا الكلام جملة من تأخر عنه من الأعلام من المتأخرين
ومتأخريهم.
وعندي فيه نظر (أما أولا) فإن ما نقله عن أولئك الأجلاء
في صدر عبارته الظاهر أنه لا دلالة فيه على المدعى ، لأن غاية كلامهم وجوب الزكاة
على المقترض ولم يتعرضوا لحكم الشرط نفيا ولا إثباتا ، وهو من ما لا نزاع فيه ولا
إشكال يعتريه.
والذي يحضرني من كلامهم هنا عبارة الشيخ المفيد في
المقنعة حيث قال : ولا زكاة على المقرض في ما أقرضه إلا أن يشاء التطوع بزكاته ،
وعلى المستقرض زكاته ما دام في يده ولم يستهلكه لأن له نفعه. وعبارة الشيخ في
النهاية حيث قال : ومال القرض ليس فيه زكاة على صاحبه بل تجب على المستقرض الزكاة
إن تركه بحاله حتى يحول عليه الحول. والظاهر أن باقي كلام من نقل عنه من هذا
القبيل ، ومثل ذلك الأخبار التي نقلها فإن غايتها إطلاق الزكاة على المقترض ولا
تعرض فيها لحكم الشرط نفيا ولا إثباتا.
و (أما ثانيا) فإن ما ادعاه ـ من أن الشرط غير لازم لأنه
اشتراط للعبادة على غير من وجبت عليه وإنه باطل ـ مردود (أولا) بأن تعلقها
بالمقترض مشروط عندهم بعدم تبرع المقرض بها كما صرح به فلو تبرع بها سقطت عن
المقترض ، فلا يتم ما ذكره كليا من أن اشتراطها من قبيل اشتراط العبادة على غير من
وجبت عليه ، إذ مقتضاه تعين الوجوب على المقترض خاصة وعدم السقوط عنه بفعل الغير
تبرعا كان أو اشتراطا. وأيضا فإن الزكاة وإن كانت من قبيل العبادة من وجه إلا أنها
من قبيل الدين من وجه آخر.
وثانيا ـ وهو العمدة في الاستدلال الأخبار الدالة على
صحة شرط زكاة ثمن المبيع على المشتري (1) كما نقله في آخر كلامه عن الشيخ علي
بن الحسين بن بابويه وإن
__________________
(1) الوسائل الباب 18 من زكاة الذهب والفضة.
تنظر فيه بناء على ما قدمه في صدر
كلامه.
ومن الأخبار الدالة على ما قلناه ما رواه ثقة الإسلام في
الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان (1) قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول باع أبي
من هشام بن عبد الملك أرضا بكذا وكذا ألف دينار واشترط عليه زكاة ذلك المال عشر
سنين وإنما فعل ذلك لأن هشاما كان هو الوالي». ورواه الصدوق أيضا في كتاب العلل في
الصحيح مثله (2).
وروى في الكافي أيضا في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن
هاشم على المشهور عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (3) قال : «باع
أبي أرضا من سليمان بن عبد الملك بمال واشترط عليه في بيعه أن يزكي هذا المال من
عنده لست سنين».
والخبران كما ترى صحيحان صريحان في صحة الشرط المذكور
ولزومه ، وبه يظهر لك ما في كلامه (قدسسره) ـ وكذا كل من
تبعه وحكم ببطلان الشرط لما ذكره من التعليل ـ من الغفلة عن ملاحظة هذين الخبرين.
ومثلهما ما في كتاب الفقه الرضوي (4) حيث قال عليهالسلام : فإن بعت
شيئا وقبضت ثمنه واشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك فإنه يلزمه
دونك. انتهى.
وهذه عين عبارة الشيخ علي بن الحسين التي نقلها عنه في
المختلف ، ومنه يعلم أن مستنده في هذا الحكم هو الكتاب المذكور وإن كان الخبران
المتقدمان يدلان على ذلك. وبمثل هذه العبارة عبر ابنه الصدوق في الفقيه ، وهو ظاهر
في أن مذهبه ذلك.
وحينئذ فمتى ثبتت بهذه الأخبار صحة الشرط المذكور وأنه
سائغ وأن الزكاة تنتقل به إلى ذمة المشروط عليه فلا فرق بين وقوعه واشتراطه في بيع
أو قرض أو غيرهما عملا بما دل على أن المؤمنين عند شروطهم (5).
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 18 من زكاة الذهب والفضة.
(4) ص 23.
(5) الوسائل الباب 6 من أبواب الخيار من كتاب التجارة.