ج11 - صلاة الخوف

المقصد الثالث

في صلاة الخوف

وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع من علمائنا كملا وجمهور الجمهور (1)

__________________

(1) في المغني ج 2 ص 400 صلاة الخوف ثابتة بالكتاب والسنة ، وجمهور العلماء متفقون على ان حكمها باق بعد النبي (ص) وقال أبو يوسف انما تختص بالنبي (ص) وليس بصحيح فان ما ثبت في حقه ثبت في حقنا إلا ان يدل دليل على الاختصاص به. ونحو ذلك في بدائع الصنائع ج 1 ص 242.


قال عزوجل : «وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ... الآية» (1).

وتحقيق الكلام في هذا المقام يتوقف على بسطه في مسائل الأولى ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم في وجوب التقصير في صلاة الخوف إذا وقعت سفرا وانما الخلاف في ما إذا وقعت حضرا ، فنقل عن الأكثر ومنهم ـ المرتضى والشيخ في الخلاف وابن الجنيد وابن ابى عقيل وابن البراج وابن إدريس إنهم ذهبوا الى وجوب التقصير سفرا وحضرا جماعة وفرادى ، وقال الشيخ في المبسوط انها انما تقصر في الحضر بشرط الجماعة ونسبه الشهيد الى ابن إدريس وظاهر جماعة من الأصحاب ، وحكى المحقق في المعتبر وقبله ابن إدريس في السرائر قولا عن بعض الأصحاب بأنها إنما تقصر في السفر خاصة ، وحينئذ ففي المسألة أقوال ثلاثة ، والسيد السند في المدارك قد نسب القول الأول الى ابن إدريس والشهيد في الذكرى نسب اليه القول الثاني ، وظاهر الذي وقفت عليه في السرائر من عبارته في هذه المسألة انما يدل على ما ذكره في المدارك ، حيث قال : واعلم ان الخوف إذا انفرد عن السفر لزم فيه التقصير في الصلاة مثل ما يلزم في السفر إذا انفرد على الصحيح من المذهب ، وقال بعض أصحابنا لا قصر إلا في حال السفر والأول عليه العمل. وظاهره فيه الاقتصار على نقل القول الأول والثالث ، وأما الثاني فلم يتعرض له فنقل الشهيد (قدس‌سره) ذلك عنه لا يخلو من غفلة. وصاحب الذخيرة قد نقل عنه القولين تبعا للقولين وهو غير جيد لما عرفت من ظهور عبارته في ما ذكره في المدارك ، واحتمال كون ذلك في غير كتاب السرائر بعيد جدا.

واستدل على القول المشهور بقوله عزوجل «وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ» (2) قيل : والتقريب فيها ان الظاهر انه ليس المراد بالضرب سفر التقصر وإلا لم يكن في التقييد بالخوف فائدة.

وبقوله تعالى «وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ

__________________

(1) سورة النساء الآية 103.

(2) سورة النساء الآية 102.


وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ» (1) وهي مطلقة في الاقتصار على الركعتين شاملة بإطلاقها للحضر والسفر

وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (2) قال : «قلت له صلاة الخوف وصلاة السفر تقصران جميعا؟ قال نعم ، وصلاة الخوف أحق أن تقصر من صلاة السفر الذي لا خوف فيه».

وأورد على ذلك ، اما بالنسبة الى الآية الأولى فلان حمل الضرب في الأرض على غير سفر القصر عدول عن الظاهر ، مع انه غير نافع فان مجرد الخوف كاف للقصر على قولهم من غير توقف على الضرب في الأرض. والظاهر ان المراد بالضرب سفر القصر والتقييد بالخوف إما لوجود الخوف في السفر حين نزول الآية أو يكون قد خرج مخرج الأعم الأغلب في أسفارهم فإنهم كانوا يخافون الأعداء في عامتها ، وربما يدعى لزوم الخوف في السفر غالبا. وبالجملة المفهوم انما يعتبر إذا لم يكن للتقييد فائدة أخرى وههنا ليس كذلك. ويؤيد ما ذكرناه القراءة بترك «ان خفتم» وعلى قول من يقول ان التقصير في الخوف ليس كالتقصير في السفر كما سيجي‌ء فأثر التقييد واضح ، وكذا على القول بان المراد بالقصر في الآية القصر من حدود الصلاة كما يصلى في شدة الخوف.

وأما الثانية فإنها تتمة للآية السابقة ، والظاهر ان معناها «وإذا كنت يا محمد فيهم يعني في أصحابك الضاربين في الأرض الخائفين عدوهم» كما قاله الطبرسي في مجمع البيان ، وهو يقتضي اتصالها بما قبلها وسياقها مع شأن نزولها فلا عموم لها ، مع انه لا دلالة لها على القصر فرادى.

واما الرواية فيمكن المناقشة فيها بأنه يجوز أن يكون المراد بالتقصير القصر في حدود الصلاة لا في ركعاتها كما قيل في الآية لكنه بعيد.

__________________

(1) سورة النساء الآية 103.

(2) الوسائل الباب 1 من صلاة الخوف والمطاردة وفيه بدل «الذي.» «لأن فيها خوفا».


أقول : لا ريب ان ما ذكره من المناقشة في الآيتين المذكورتين لا يخلو من وجه ، وأما المناقشة في الرواية فهي ضعيفة واهية لما عرفت في غير مقام من ان الألفاظ إنما تحمل على ما هو المتكرر الشائع من الأفراد دون الفروض النادرة الوقوع ، والتقصير في الصلاة عرفا وشرعا انما يتبادر الى نقص الكمية ، وحينئذ فالاعتماد في الدلالة هنا على الرواية المذكورة وإطلاقها شامل للحضر والسفر جماعة وفرادى.

واستدل في الذكرى بعد هذه الرواية بما في حسن محمد بن عذافر عن الصادق عليه‌السلام (1) «إذا جالت الخيل تضطرب بالسيوف أجزأه تكبيرتان». قال : وهو ظاهر في الانفراد لبعد الجماعة في هذه الحال.

وأما القول بأنها لا تقصر إلا في السفر خاصة فلم أقف له على دليل إلا ما يدل عليه ظاهر كلام الذكرى من الاقتصار على موضع الوفاق وأصالة إتمام الصلاة. ثم قال في الذكرى : وجوابه انما يقتصر مع عدم الدليل وهو ظاهر الثبوت. انتهى.

وأما القول بأنها تقصر في الحضر بشرط الجماعة فعلله في الذكرى بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انما قصرها في الجماعة. ثم أجاب عنه بأنه انما كان لوقوع ذلك لا لكونه شرطا إذا عرفت ذلك فاعلم ان المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم ان هذا القصر على حسب قصر المسافر من إرجاع الرباعية إلى ركعتين ، وقال ابن الجنيد : فان كانت الحالة الثالثة وهي مصافة الحرب والموافقة والتعبئة والتهيؤ للمناوشة من غير بداية صلى الإمام بالفرقة الأولى ركعة وسجد سجدتين ثم انصرفوا وسلم القوم بعضهم على بعض في مصافهم ، وقد روى عن ابى جعفر محمد بن على عليهما‌السلام (2) ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى كذلك بعسفان ،. وروى ذلك عن

__________________

(1) الوسائل الباب 4 من صلاة الخوف والمطاردة.

(2) لم نقف عليه في كتب الحديث.


حذيفة بن اليمان وجابر وابن عباس وغيرهم (1) وقال بعض الرواة وكانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ركعتان ولكل طائفة ركعة ركعة.

وقال ابن بابويه (2) سمعت شيخنا محمد بن الحسن يقول : رويت انه سئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله عزوجل «وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا» (3) فقال هذا تقصير ثان وهو أن يرد الرجل ركعتين إلى ركعة. انتهى.

أقول : لعل ما أشار إليه من الرواية هو ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن ابى عبد الله عليه‌السلام (4) «في قول الله عزوجل (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا)؟ قال في الركعتين تنقص منهما واحدة». ونقل عن ابن الجنيد القول بذلك كما عرفت من عبارته المذكورة.

ويرد هذا القول الأخبار المتكاثرة بكيفية صلاة الخوف كما سيأتي ذكرها ان شاء الله تعالى. والظاهر حمل الرواية المذكورة على التقية (5).

قال في الذخيرة بعد ذكر هذا القول : وهو المحكي عن جماعة من الصحابة والتابعين في تفسير القصر المذكور في الآية.

وقال في الذكرى : وقال ابن الجنيد بهذا المذهب وان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى كذلك بعسفان برواية الباقر عليه‌السلام (6) وجابر وابن عباس وحذيفة ، وقال بعض الرواة فكانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ركعتان ولكل طائفة ركعة ركعة. ثم قال في الذكرى : وهذا القول نادر والرواية (7) وان كانت صحيحة إلا أنها معارضة بأشهر منها عملا ونقلا ،

__________________

(1) سنن ابى داود ج 2 ص 11 عن جابر وابن عباس ومجاهد وهشام بن عروة عن أبيه وابى موسى. وفي الصفحة 17 ذكر حديث حذيفة في كيفية صلاة الخوف وليس فيه ذكر الموضع.

(2) الفقيه ج 1 ص 295.

(3) سورة النساء الآية 102.

(4 و 7) التهذيب ج 1 ص 338 وفي الوسائل الباب 1 من صلاة الخوف والمطاردة.

(5) ارجع الى التعليقة 1 ص 269.

(6) تقدم عدم الوقوف عليها.


ثم أورد بعض الأخبار الدالة على القول المشهور.

واحتمل في الذخيرة حمل الرواية على انه لما كان كل طائفة انما تصلى مع الإمام ركعة فكأن صلاته ردت إليها.

أقول : ومن المحتمل قريبا تخصيص الرواية بحال الخوف من إتمام الركعتين بمعنى ان الحال أضيق والخوف أشد من الحالة الموجبة للركعتين فيقتصر على الركعة ، فتكون هذه المرتبة أول مراتب الانتقالات الآتية في هذه الصلاة. والأظهر هو الحمل على التقية (1).

المسألة الثانية ـ من صلاة الخوف المذكورة في كلام الأصحاب صلاة ذات الرقاع ، والنظر في شروطها وكيفيتها وأحكامها :

أما الشروط فهي على ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم أربعة : أحدها ـ كون الخصم في غير جهة القبلة بحيث لا يمكنهم مقابلته وهم يصلون إلا بالانحراف عن القبلة ، وعلى هذا لو كان العدو في جهة القبلة وأمكن أن يصلوا جميعا ويحرس بعضهم بعضا صلوا صلاة عسفان الآتية ان شاء الله تعالى.

وهذا الشرط هنا بناء على المشهور ، قال في المدارك : وهو مقطوع به في كلام أكثر الأصحاب ، واستدلوا عليه بان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما صلاها كذلك فيجب

__________________

(1) في عمدة القارئ ج 3 ص 329 : اعلم ان الخوف لا يؤثر في نقصان عدد الركعات إلا عند ابن عباس والحسن البصري وطاوس حيث قالوا إنها ركعة ، وروى مسلم من حديث مجاهد عن ابن عباس «ان الله فرض الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة» أخرجه الأربعة أيضا ، واليه ذهب عطاء وطاوس ومجاهد والحكم بن عتيبة وقتادة وإسحاق والضحاك ، وروى مثله عن زيد بن ثابت وابى هريرة وجابر ، قال جابر انما القصر ركعة عند القتال. وقال إسحاق تجزئك عند الشدة ركعة تومئ إيماء فان لم تقدر فكبر تكبيرة حيث كان وجهك. وقال القاضي لا تأثير للخوف في عدد الركعات ، وهذا قول أكثر أهل العلم منهم ابن عمر والنخعي والثوري ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه ، وسائر أهل العلم من علماء الأمصار لا يجيزون ركعة.


متابعته. واستوجه العلامة في التذكرة عدم اعتباره لعدم المانع من فعلها بدونه ، قال : وفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقع اتفاقا لا لأنه كان شرطا. ورجحه الشهيدان.

وثانيها ـ أن يكون الخصم ذا قوة يخاف هجومه على المسلمين فلو كان ضعيفا بحيث يؤمن منه الهجوم انتفى الخوف المسوغ لهذه الصلاة.

وثالثها ـ أن يكون في المسلمين كثرة تمكنهم الافتراق طائفتين تقاوم كل فرقة منهم العدو حال صلاة الأخرى.

ورابعها ـ عدم احتياجهم إلى زيادة على الفرقتين ، وهذا الاشتراط في الثنائية واضح لتعذر التوزيع بدونه ، وأما في الثلاثية فهل يجوز توزيعهم ثلاث فرق وتخصيص كل ركعة بفرقة؟ قولان واختار الشهيد الجواز ، وهو مبنى على جواز الانفراد اختيارا وإلا اتجه المنع.

وأما الكيفية فهي ان يصلى الإمام بالطائفة الأولى ركعة والثانية تحرسهم واقفه بإزاء العدو ثم يقوم الامام ومن خلفه الى الثانية ، فينفرد الجماعة الذين خلفه ويقرأون لأنفسهم ويطول الإمام في قراءته بقدر ما يتم الطائفة الذين خلفه وينصرفون الى موقف أصحابهم ، وتجي‌ء الطائفة الأخرى وتدخل مع الامام فيكبرون ثم يركع الامام بهم ويسجد ، وتقوم الجماعة فتصلي ركعة أخرى ويطيل الامام تشهده ويتمون فيسلم بهم الامام. ويتخير الإمام في الثلاثية بين ان يصلى بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين وبالعكس.

وأما الأحكام فسيأتي ان شاء الله تعالى فيها الكلام.

والواجب أو لا بسط ما وقفنا عليه من اخبار المسألة ثم الكلام بتوفيق الملك العلام في ما يدخل في حين المقام.

فنقول : منها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (1) قال «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صلاة الخوف؟ قال يقوم الامام وتجي‌ء طائفة من

__________________

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الخوف والمطاردة.


أصحابه فيقومون خلفه وطائفة بإزاء العدو فيصلي بهم الإمام ركعة ، ثم يقوم ويقومون معه فيمثل قائما ويصلون هم الركعة الثانية ثم يسلم بعضهم على بعض ، ثم ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم ويجي‌ء الآخرون فيقومون خلف الإمام فيصلي بهم الركعة الثانية ، ثم يجلس الامام فيقومون هم فيصلون ركعة أخرى ثم يسلم عليهم فينصرفون بتسليمة. قال وفي المغرب مثل ذلك يقوم الامام وتجي‌ء طائفة فيقومون خلفه ثم يصلى بهم ركعة ، ثم يقوم ويقومون فيمثل الإمام قائما فيصلون ركعتين فيتشهدون ويسلم بعضهم على بعض ، ثم ينصرفون فيقومون في موقف أصحابهم ويجي‌ء الآخرون ويقومون خلف الإمام فيصلي بهم ركعة يقرأ فيها ثم يجلس فيتشهد ثم يقوم ويقومون معه ويصلى بهم ركعة أخرى ، ثم يجلس ويقومون هم فيتمون ركعة أخرى ثم يسلم عليهم».

ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «صلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأصحابه في غزاة ذات الرقاع ففرق أصحابه فرقتين فأقام فرقة بإزاء العدو وفرقة خلفه فكبر وكبروا فقرأ وأنصتوا فركع وركعوا فسجد وسجدوا ، ثم استمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قائما فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلم بعضهم على بعض ثم خرجوا إلى أصحابهم فقاموا بإزاء العدو ، وجاء أصحابهم فقاموا خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فكبر وكبروا وقرأ فأنصتوا وركع فركعوا وسجد وسجدوا ثم جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتشهد ثم سلم عليهم فقاموا ثم قضوا لأنفسهم ركعة ثم سلم بعضهم على بعض ، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ). ثم ساق الآية في الفقيه الى قوله (كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً)» (2) ثم قال فهذه صلاة الخوف التي أمر الله عزوجل بها نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال من صلى المغرب في خوف بالقوم صلى بالطائفة الأولى ركعة وبالطائفة الثانية ركعتين».

__________________

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الخوف والمطاردة.

(2) سورة النساء الآية 103 و 104.


هذه صورة ما في الفقيه (1) وظاهر صاحب الوافي (2) ان رواية عبد الرحمن الى قوله «ثم سلم بعضهم على بعض» وان قوله «وقد قال الله لنبيه. الى آخره» إنما هو من كلام صاحب الفقيه ولهذا لم ينقله ، وظاهر صاحب الوسائل انه من الرواية حيث انه نقله في جملتها. والكل محتمل. وأما قوله «وقال من صلى المغرب. الى آخره» فالظاهر ان هذه رواية أخرى مرسلة. وصاحب الكافي (3) روى رواية عبد الرحمن المذكورة كما تقدم الى قوله «فقاموا خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال : «فصلى بهم ركعة ثم تشهد وسلم عليهم فقاموا وصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلم بعضهم على بعض».

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (4) قال : «صلاة الخوف المغرب يصلى بالأولين ركعة ويقضون ركعتين ويصلى بالآخرين ركعتين ويقضون ركعة».

ومنها ـ ما رواه في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (5) انه قال : «إذا كانت صلاة المغرب في الخوف فرقهم فرقتين ، فيصلي بفرقة ركعتين ثم جلس بهم ثم أشار إليهم بيده فقام كل انسان منهم فيصلي ركعة ثم سلموا وقاموا مقام أصحابهم وجاءت الطائفة الأخرى فكبروا ودخلوا في الصلاة وقام الامام فصلى بهم ركعة ثم سلم ثم قام كل رجل منهم فصلى ركعة فشفعها بالتي صلى مع الامام ثم قام فصلى ركعة ليس فيها قراءة ، فتمت للإمام ثلاث ركعات وللأولين ركعتان في جماعة وللآخرين وحدانا ، فصار للأولين التكبير وافتتاح الصلاة وللآخرين التسليم». ورواه العياشي في تفسيره عن زرارة ومحمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام مثله (6) وبإسناده عن الحسين بن

__________________

(1) ج 1 ص 293 و 294.

(2) باب صلاة الخائف في القتال.

(3) باب صلاة الخوف.

(4 و 5 و 6) الوسائل الباب 2 من صلاة الخوف والمطاردة.


سعيد عن محمد بن ابى عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة وفضيل ومحمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام مثل ذلك (1).

ومنها ـ ما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام (2) قال : «سألته عن صلاة الخوف كيف هي؟ فقال يقوم الإمام فيصلي ببعض أصحابه ركعة ويقوم في الثانية ويقوم أصحابه ويصلون الثانية ويخففون وينصرفون ، ويأتي أصحابهم الباقون فيصلون معه الثانية فإذا قعد في التشهد قاموا فصلوا الثانية لأنفسهم ثم يقعدون فيتشهدون معه ثم يسلم وينصرفون معه».

ومنها ـ ما رواه في الكتاب المذكور عنه عن أخيه عليه‌السلام (3) قال : «سألته عن صلاة المغرب في الخوف؟ قال يقوم الامام ببعض أصحابه فيصلي بهم ركعة ثم يقوم في الثانية ويقومون فيصلون لأنفسهم ركعتين ويخففون وينصرفون ، ويأتي أصحابه الباقون فيصلون معه الثانية ثم يقوم إلى الثالثة فيصلي بهم فتكون للإمام الثالثة وللقوم الثانية ثم يقعدون فيتشهد ويتشهدون معه ثم يقوم أصحابه والامام قاعد فيصلون الثالثة ويتشهدون معه ثم يسلم ويسلمون». ورواه على بن جعفر في كتابه وكذا الذي قبله (4).

ومنها ـ ما رواه العياشي في تفسيره عن ابان بن تغلب عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام (5) قال : «صلاة المغرب في الخوف ان يجعل أصحابه طائفتين بإزاء العدو واحدة والأخرى خلفه فيصلي بهم ثم ينتصب قائما ويصلون هم تمام ركعتين ثم يسلم بعضهم على بعض ، ثم تأتي الطائفة الأخرى خلفه فيصلي بهم ركعتين ويصلون هم ركعة ، فيكون للأولين قراءة وللآخرين قراءة».

ومنها ـ ما رواه فيه ايضا عن زرارة ومحمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (6) قال : «إذا حضرت الصلاة في الخوف فرقهم الامام فرقتين فرقة مقبلة على عدوهم

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 2 من صلاة الخوف والمطاردة.


وفرقة خلفه كما قال الله تعالى ، فيكبر بهم ثم يصلى بهم ركعة ثم يقوم بعد ما يرفع رأسه من السجود فيمثل قائما ويقوم الذين صلوا خلفه ركعة فيصلي كل انسان منهم لنفسه ركعة ثم يسلم بعضهم على بعض ، ثم يذهبون إلى أصحابهم فيقومون مقامهم ويجي‌ء الآخرون والامام قائم فيكبرون ويدخلون في الصلاة خلفه فيصلي بهم ركعة ثم يسلم ، فيكون للأولين استفتاح الصلاة بالتكبير وللآخرين التسليم من الامام ، فإذا سلم الامام قام كل انسان من الطائفة الأخيرة فيصلي لنفسه ركعة واحدة ، فتمت للإمام ركعتان ولكل انسان من القوم ركعتان واحدة في جماعة والأخرى وحدانا. الحديث».

هذه جملة ما وقفت عليه من الأخبار الواردة في المسألة.

والكلام يقع في هذا المقام في مواضع الأول ـ في سبب التسمية بذات الرقاع كما اشتمل عليه صحيح عبد الرحمن بن ابى عبد الله ، قال شيخنا الشهيد في الذكرى : اختلف في سبب التسمية بذلك ، فقيل لان القتال كان في سفح جبل فيه جدد حمر وصفر كالرقاع ، وقيل كانت الصحابة حفاة فلفوا على أرجلهم الجلود والخرق لئلا تحترق. قال صاحب المعجم : وقيل سميت برقاع كانت في ألويتهم ، وقيل الرقاع اسم شجرة كانت في موضع الغزوة ، قال وفسرها مسلم في الصحيح (1) بأن الصحابة نقبت أرجلهم من المشي فلفوا عليها الخرق ، وهي على ثلاثة أميال من المدينة عند بئر أروما. هكذا نقله صاحب معجم البلدان بالألف ، قال : وبين الهجرة وبين هذه الغزوة أربع سنين وثمانية أيام. وقيل مر بذلك الموضع ثمانية حفاة فنقبت أرجلهم وتساقطت أظفارهم فكانوا يلفون عليها الخرق. انتهى كلام شيخنا المشار اليه.

الثاني ـ قال في الذكرى : يستحب تطويل الإمام القراءة في انتظار الثانية ، ولو انتظرهم بالقراءة ليحضروها كان جائزا فحينئذ يشتغل بذكر الله تعالى الى حين حضورهم ، والأول أجود لأن فيه تخفيفا للصلاة وقراءة كافية لاقتدائهم وان لم يحضروها كغيرهم من المؤتمين. وإذا انتظرهم لفراغ ما بقي عليهم في تشهده طوله

__________________

(1) ج 2 ص 106 كتاب الغزوات غزوة ذات الرقاع.


بالأذكار والدعوات حتى يفرغوا ، ولو سكت أيضا فالأقرب جوازه. انتهى.

وهو جيد بالنسبة إلى القراءة لإطلاق الأخبار المذكورة وشمولها لكل من الأمرين مع عدم حصول ما ينافي صحة الصلاة في البين ، وأما بالنسبة إلى التشهد فان ظاهر صحيحة الحلبي أنه يجلس الامام بعد إتمام صلاته الى أن يتم المأمون صلاتهم ثم يسلم عليهم وظاهرها تأخير التسليم خاصة ، وهي وان كانت مطلقة بالنسبة إلى التشهد إلا أن صريح صحيحة عبد الرحمن انه صلى‌الله‌عليه‌وآله تشهد بعد تمام صلاته وسلم عليهم قبل تمام صلاتهم ثم قاموا فأتموا ما بقي عليهم ، وكذا ظاهر صحيحة زرارة الثانية ان الامام سلم بعد تمام صلاته ثم قام كل رجل منهم لإتمام صلاته ، وهو أيضا ظاهر صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المنقولة من تفسير العياشي. نعم ظاهر رواية قرب الاسناد الأولى ربما يفيد ما ذكره من تطويل الإمام في التشهد الى ان يدركوه فيه ، حيث قال فيها : «فإذا قعد في التشهد قاموا فصلوا الثانية لأنفسهم ثم يقعدون فيتشهدون معه ثم يسلم وينصرفون معه» وكذلك رواية قرب الاسناد الثانية التي في صلاة المغرب فان ظاهرها ذلك أيضا. ولعل الوجه في الجمع بين الأخبار هنا التخيير بين ما دلت عليه من ما فصلناه وأوضحناه ، إلا ان صحيحة الحلبي مجملة لا بد من حملها على بعض الروايات المفصلة.

وظاهر كلامه في الذكرى هو تعين تأخير التشهد الى أن تفرغ الفرقة الثانية إما بان يطول فيه بحيث يدركونه أو يسكت ، وبذلك صرح في المختلف نقلا عن الأصحاب فقال : المشهور ان الامام إذا صلى بالثانية الركعة الباقية من الثنائية طول تشهده حتى تتم الثانية ويسلم بهم. ثم نقل عن ابن الجنيد انه قال : إذا كان الامام قد سبقهم بالتسليم لم يبرح من مكانه حتى يسلموا وانصرفوا أجمعين. وقال ابن إدريس في صفة صلاة الخوف بعد دخول الفرقة الثانية وصلاتهم مع الإمام ركعة ثانية : فإذا جلس للتشهد قاموا فصلوا ركعة أخرى وهو جالس ثم جلسوا معه فيسلم بهم ثم انصرفوا بتسليمة ، وقد روى انه إذا جلس الإمام للثانية تشهد وسلم ثم قام من خلفه فصلوا


الركعة الأخرى فيصلون لأنفسهم. وما ذكرناه أولا هو الأظهر في المذهب والصحيح من الأقوال. انتهى. وفيه ما عرفت من أن أكثر الأخبار وصحاحها دالة على التسليم قبل إتمام الفرقة الثانية ، ولا دليل على ما ذهبوا اليه إلا ظاهر روايتي قرب الاسناد. وكيف كان فالظاهر كما عرفت هو التخيير بين أن يسلم قبلهم أو ينتظرهم. والله العالم.

الثالث ـ هل يجب على الفرقة الأولى نية الانفراد عند مفارقة الإمام أم لا؟ وجهان اختار أولهما الشهيد في الدروس والثاني في الذكرى.

احتج الأولون بوجوب الانفراد ، ووجوب نية كل واجب ، وما تقدم من عدم جواز مفارقة المأموم الإمام بدون نية الانفراد. وأورد على الأول منع وجوب نية كل واجب ، وعلى الوجهين معا أنهما إنما يتمان مع إطلاق نية الاقتداء ، اما إذا تعلقت النية بالركعة الأولى خاصة فلا. واحتج الآخرون بالأصل وانقضاء ما تعلق به نية الائتمام.

أقول : والتحقيق بناء على ما عرفت من معنى النية كما حققناه في غير موضع من بحث نية الوضوء ونية الصلاة ان هذا الكلام سؤالا وجوابا لا وجه له ولا أثر يتعلق به ، فان من المعلوم ان هذا المصلى مع علمه بأحكام هذه الصلاة وكيفيتها انما تعلق قصد ائتمامه بالركعة الأولى وهو في الثانية منفرد حكمه حكم المنفرد نوى الانفراد أم لم ينوه ، كما لو أدرك مع الإمام ركعة ثم قام وأتم بعد فراغ الإمام ، فإن الائتمام وأحكامه من وجوب المتابعة ونحوها إنما هو بالنسبة إلى تلك الركعة وإلا فحكمه في الثانية حكم المنفرد وان كتب له ثواب الجماعة تفضلا من الله تعالى بل لو لم يدرك ركعة. نعم يبقى الكلام في أن المأموم هنا هل يكتب له ثواب الجماعة كملا بمجرد هذه الركعة أو إنما يكتب له بالنسبة الى هذه الركعة خاصة؟ فيه اشكال لعدم تصريح الأخبار بشي‌ء من ذلك ، وقد تقدم في اخبار المسبوق ما يدل على إدراك ثواب الجماعة بإدراك الإمام في التشهد الأخير ، فلا يبعد من فضل الله سبحانه


حصول ثواب الجماعة بالمتابعة في هذه الركعة كما أنه يكتب ثواب الجماعة للفرقة الأخيرة بدخولها مع الإمام في الركعة الثانية لدخولها في اخبار المسبوق الذي قد عرفت انه يكتب له ثواب الجماعة بإدراك التشهد الأخير.

الرابع ـ قال في الذكرى : ظاهر الأصحاب بقاء اقتداء الثانية في الركعة الثانية حكما وان استقلوا بالقراءة والأفعال فيحصل لهم ثواب الائتمام ويرجعون الى الامام في السهو ، وحينئذ لا ينوون الانفراد عند القيام إلى الثانية ، وابن حمزة في الواسطة والوسيلة حكم بأن الثانية تنوي الانفراد في الركعة الثانية. وكأنه أخذه من كلام الشيخ في المبسوط حيث قال : ومتى سهت الطائفة يعني الثانية. في ما تنفرد به فإذا سلم بهم الامام سجدوا هم لسهوهم سجدتي السهو ، ومتى سهت في الركعة التي تصلى مع الامام لم يلزمها حكم ذلك السهو ولا يجب عليها شي‌ء ، فنفى الشيخ لازم الائتمام وهو وجوب سجدتي السهو ونفى اللازم يستلزم نفى الملزوم. ويدل على المشهور انهم عدوا من جملة مخالفة هذه الصلاة ائتمام القائم بالقاعد وانه في رواية زرارة الصحيحة (1) ان الباقر عليه‌السلام قال : «فصار للأولين التكبير وافتتاح الصلاة وللآخرين التسليم». ولا يحصل لهم التسليم إلا ببقاء الائتمام. وللشيخ وابن حمزة ان يمنعا كون ذلك مستلزما لبقاء الائتمام حقيقة وان كان مستلزما له في ثواب الائتمام وهما يقولان به ، على ان التسليم في الرواية مصرح به ان الامام يوقعه من غير انتظارهم كما يأتي وذلك مقتضى لانفرادهم حتما وانما قال : «للآخرين التسليم» لأنهم حضروه مع الامام. انتهى.

أقول : والكلام في هذه المسألة أيضا غير منقح ولا موجه بالنظر الى الأدلة الشرعية ، وذلك فان ما نقله عن ظاهر الأصحاب ـ من بقاء اقتداء الثانية حكما وان استقلوا بالقراءة. الى آخره ـ ان أريد بالنسبة إلى ترتب ثواب الجماعة فهو من ما لا إشكال فيه ، وقد عرفت في ما قدمناه ان ثواب الجماعة يدرك في المسبوق

__________________

(1) ص 272.


بإدراك الإمام في التشهد الأخير فكيف بمن أدرك ركعة تامة ، وان أريد غير ذلك مثل ما نقله عن الشيخ من تحمل الامام السهو عن المأموم ونحو ذلك فهو من ما لا دليل عليه وان كان في حال مصاحبة الإمام في الصلاة فضلا عن الانفراد ، فان الحق ان لكل من الامام والمأموم حكم نفسه في السهو فلو حصل موجب السهو من المأموم حال متابعة الإمام لم يتحمله عنه الامام كما هو الأظهر الأشهر. وأما بالنسبة إلى رجوع الظان الى العالم وكذلك الشاك الى الظان ونحو ذلك من ما تقدم فهذا لا يتم هنا بعد تمام صلاة الامام وقيام المأموم لما بقي عليه ، فان الأدلة الدالة على ذلك انما قامت بالنسبة إلى المشتركين في الصلاة لا بعد إتمام الامام وانفراد المأموم. وبالجملة فإن حكم المأموم في هذه الصورة حكم المسبوق الذي قد تقدمت صلاة امامه وقام لإتمام ما بقي عليه فان أوجبوا فيه نية الانفراد فكذا هنا وإلا فلا ، وكل ما يترتب من الأحكام في مسألة المسبوق فهو يجرى هنا ، وغاية ما تدل عليه الأخبار في مسألة المسبوق هو حصول ثواب الجماعة له وان انفرد في بقية صلاته سواء أدرك ركعة أو أقل كما تقدم ، وكل ما يثبت للمسبوق من الأحكام فهو ثابت هنا لأنه أحد أفراده. وأما ما ذكره من الأدلة للقول المشهور فهي مدخولة سخيفة كما أشار إليه (قدس‌سره).

وبالجملة فإنه لا دليل في كل من المسألتين على أزيد من ترتب الثواب خاصة ، فإن أريد ببقاء الاقتداء ذلك فهو مسلم وان أريد غيره فهو ممنوع.

وأما ما ذكره ابن حمزة من نية الانفراد فقد تقدم ما فيه ، فإنه بعد تمام صلاة الامام وقيام المأموم الى ما بقي عليه منفرد نوى الانفراد أو لم ينوه.

وما نقله عن الشيخ من التفريع ضعيف فإنه لم يقم لنا دليل على تحمل الامام سهو المأموم حال مصاحبته حتى يفرع ذلك على حال انفراده وبقاء الاقتداء حكما ، والظاهر انه لا خلاف عندنا في انه لو سها المسبوق في ما بقي عليه من صلاته بعد إتمام الإمام فإنه يجب عليه الإتيان بموجب السهو وان قلنا بتحمل الامام ذلك في حال


مصاحبته ، والحكم هنا كذلك فان هذا أحد أفراد المسبوق. والله العالم.

الخامس ـ قد اختلفت الروايات في الائتمام في صلاة المغرب ففي بعضها كصحيحة الحلبي «يصلى بهم الإمام ركعة وينفردون بركعتين ويصلى بالثانية ركعتين وينفردون بركعة». ونحوها مرسلة الفقيه المتقدمة وصحيحة زرارة الأولى وصحيحة على بن جعفر ، وفي بعضها بالعكس بان يصلى بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة كصحيحة زرارة الثانية بطرقها العديدة.

والظاهر ان وجه الجمع بينها هو التخيير بين الأمرين كما هو ظاهر جملة من الأصحاب أيضا ، لكن اختلفوا في الأفضل منهما فقيل ان الأول أفضل لكونه مرويا عن على عليه‌السلام فيترجح للتأسي به ، ولانه يستلزم فوز الفرقة الثانية بالقراءة والزيادة ليوازي فضيلة تكبيرة الافتتاح والتقدم ، ولتقارب الفرقتين في إدراك الأركان. ونسب هذا القول إلى الأكثر واختاره العلامة في التذكرة. وقيل ان الثاني أفضل لئلا تكلف الثانية زيادة جلوس في التشهد وهي مبنية على التخفيف.

أقول : القدر المعلوم من الأخبار من حيث ضرورة الجمع بينها التخيير بين الأمرين المذكورين ، وأما الحكم بالأفضلية فلا يظهر من شي‌ء منها ، والركون الى هذه التعليلات العلية مجازفة.

وأما كلمات الأصحاب في هذا المقام فقال الشيخ في المبسوط صلاة المغرب مخيرة بين أن يصلى بالطائفة الأولى ركعة واحدة والأخرى ثنتين وبين أن يصلى بالأولى ثنتين وبالأخرى واحدة كل ذلك جائز. ولم يرجح أحدهما على الآخر. وكذا في الجمل ، وفي النهاية ذكر الأول ولم يتعرض للثاني. وقال في الخلاف : الأفضل أن يصلى بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين ، فان صلى بالأولى ثنتين وبالأخرى ركعة واحدة كان أيضا جائزا. وفي الاقتصاد قال والأول أحوط. وأشار به الى الذي جعله في الخلاف الأفضل. والمفيد لم يذكر الثاني في المغرب ولا السيد المرتضى. وقال على بن بابويه : وان كانت المغرب فصلى بالأولى ركعة وبالثانية


ركعتين. وكذا قال ابنه في كتاب من لا يحضره الفقيه وسلار وابن البراج. وقال ابن ابى عقيل : ويصلى الإمام في المغرب خاصة بالطائفة الأولى ركعة وبالطائفة الأخرى ركعتين حتى يكون لكلتا الطائفتين قراءة ، بذلك تواترت الأخبار عنهم عليهم‌السلام وقال ابن الجنيد : فان صلى بهم المغرب فالذي اختاره ان يصلى بالطائفة الأولى ركعة واحدة فإذا قام إلى الثانية أتم من معه بركعتين أخراوين. وقال أبو الصلاح : يصلى بالأولى ركعة أو ثنتين وبالثانية ما بقي. كذا نقله عنهم العلامة في المختلف. ثم انه (قدس‌سره) اختار التخيير للأخبار التي ذكرناها والظاهر ان عبارتي ابني بابويه مأخوذتان من كتاب الفقه الرضوي حيث قال عليه‌السلام (1) «وان كانت صلاة المغرب فصل بالطائفة الأولى ركعة وبالطائفة الثانية ركعتين». فاختصراها بحذف لفظ الطائفة. وكيف كان فقد عرفت ما هو الظاهر من الأخبار في هذا المكان. والله العالم.

السادس ـ قال المرتضى وابن الجنيد : إذا صلى بالأولى في المغرب ركعة وأتموا ثم قام الإمام إلى ثالثته وهي الثانية للفرقة الثانية سبح هو وقرأت الطائفة الثانية وقال ابن إدريس بعد نقل ذلك عن المرتضى : والصحيح عند أصحابنا المصنفين والإجماع حاصل عليه انه لا قراءة عليهم.

أقول : والكلام في هذه المسألة مبنى على ما تقدم في بحث صلاة الجماعة من وجوب القراءة على المسبوق في أخيرتي الامام وأولتي المأموم وعدمه ، وقد تقدم تحقيق القول في المسألة وان القراءة واجبة على المأموم في الصورة المذكورة كما دلت عليه الأخبار المتكاثرة وان ذهب العلامة في المنتهى وتبعه في المدارك الى الاستحباب وبه يظهر ان كلام ابن إدريس ليس بشي‌ء يعتمد عليه وان الصحيح انما هو المجمع عليه في الأخبار لا في كلام الأصحاب مع خلوه من الدليل بل قيام الدليل على خلافه كما عرفت ، على ان ما ادعاه من الإجماع ممنوع كما تقدم تحقيقه في المسألة بل

__________________

(1) ص 14.


ظاهر كلام جل الأصحاب انما هو الوجوب وان عبروا عنه بعبارة مجملة وان لم يفصح بذلك إلا المرتضى (رضى الله عنه) وابن الجنيد.

السابع ـ قد صرح المحقق في الشرائع بأن هذه الصلاة تخالف صلاة الجماعة في ثلاثة أشياء : انفراد المؤتم وتوقع الإمام للمأموم حتى يتم وامامة القاعد بالقائم واعترضه في المدارك ، اما بالنسبة إلى الأول فقال : انه لا يخفى ان انفراد المؤتم إنما تحصل به المخالفة على قول الشيخ من المنع من المفارقة في حال الاختيار ، اما ان سوغناها مطلقا كما هو المشهور فلا تتحقق المخالفة بذلك لصلاة المختار ، اللهم إلا أن يقال بوجوب الانفراد هنا فتحصل المخالفة بذلك. انتهى. وهو جيد.

وأما بالنسبة الى الثاني فقال فيه على أثر الكلام الأول : وكذا الكلام في توقع الإمام المؤتم حتى يتم فإنه جائز مع الاختيار ، مع انه غير لازم في هذه الصلاة كما دلت عليه صحيحة عبد الرحمن المتقدمة حيث وقع التصريح فيها بان الامام يتشهد ويسلم على الفرقة الثانية ثم يقومون بعد ذلك ويتمون صلاتهم. انتهى.

أقول : لا يخفى انه يمكن تطرق المناقشة الى هذا الكلام ، فان ما ذكره من جواز انتظار الإمام المأموم حتى يتم مع الاختيار لا أعرف عليه دليلا ، فان ذلك لا محل له إلا في مسألة المسبوق ، واخبار المسبوق على تعددها دالة على ان الامام متى تمت صلاته سلم ولم ينتظر بسلامه إتمام المأمومين. نعم دلت على ان الأفضل له أن لا يفارق مصلاه حتى يتم المسبوق صلاته. واما قوله : «على انه غير لازم في هذه الصلاة كما دلت عليه صحيحة عبد الرحمن» فان ظاهرها انه وان لم يكن لازما إلا انه جائز ، وهو الظاهر لما عرفت من ما تقدم في الموضع الثاني من دلالة ظاهر روايتي قرب الاسناد على ما ذكره الأصحاب وان الظاهر هو القول بالتخيير جمعا بين الأخبار ، وهذا يكفي في الفرق متى قلنا بعدم جواز توقع الإمام للمأموم حتى يتم في مسألة المسبوق لعدم الدليل عليه كما عرفت ، وهنا يجوز ذلك لما ذكرنا وهو ظاهر في الفرق وبالجملة فإن كلامه هنا لا يخلو من تأمل لما عرفت.


والظاهر انهم لو ذكروا في هذا المقام في وجه الفرق ـ تمثل الإمام قائما بعد صلاة ركعة بالطائفة الأولى وإتمامها الصلاة ثم المضي إلى موقف أصحابها وإتيان الطائفة الثانية ودخولهم معه ـ لكان أظهر في الفرق ، فإنه لم يعهد في صلاة الجماعة مثله سيما على القول بسكوت الامام عن القراءة حتى تأتي الطائفة الثانية وتدخل معه كما تقدم في كلام الذكرى.

واما بالنسبة الى الثالث فإنه قال : واما إمامة القاعد بالقائم فإنما تتحقق إذا قلنا ببقاء اقتداء الفرقة الثانية في الركعة الثانية حكما وان استقلوا بالقراءة والأفعال كما صرح به العلامة في المختلف محتجا بقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة «فصار للأولين التكبير وافتتاح الصلاة وللآخرين التسليم» قال ومع الانفراد لا يحصل لهم ذلك.

وهو احتجاج ضعيف للتصريح في تلك الرواية بعينها بان الامام يوقع السلام وبعد فراغه من التشهد من غير انتظارهم ، وعلى هذا فيكون معنى قوله عليه‌السلام «وللآخرين التسليم» انهم حضروه مع الامام. والأصح انفراد الفرقة الثانية عند مفارقة الإمام كالأولى كما هو ظاهر الشيخ في المبسوط وصريح ابن حمزة في الوسيلة لقوله عليه‌السلام في صحيحة عبد الرحمن المتقدمة «ثم تشهد وسلم عليهم فقاموا فصلوا لأنفسهم ركعة وسلم بعضهم على بعض» ولأنه لا معنى للقدوة مع الاستقلال بالقراءة والأفعال إلا حصول ثواب الائتمام وسقوط السهو عنهم في الركعة الثانية ان قلنا بسقوطه عن المأموم ، وليس في الأدلة النقلية ما يدل عليه فكان منفيا بالأصل. انتهى كلامه (زيد مقامه) وهو جيد. وانما نقلناه بطوله لتأييده لما قدمنا ذكره في الموضع الرابع.

الثامن ـ في جملة من الفروع : الأول ـ نقل عن الشيخ وأكثر الأصحاب انهم صرحوا بوجوب أخذ السلاح في الصلاة استنادا الى قوله عزوجل «وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ» (1) والأمر المطلق للوجوب. وعن ابن الجنيد انه يستحب

__________________

(1) سورة النساء الآية 103.


أخذ السلاح حملا للأمر على الإرشاد لما في أخذ السلاح من الاستظهار في التحفظ من العدو. أقول : وما ذكره ابن الجنيد غير بعيد والظاهر انه لذلك تردد المحقق في النافع والمعتبر. ونقل عن ابن إدريس انه أوجب أخذ السلاح على الطائفتين ، ولا بأس به لما فيه من زيادة الاحتراس والمحافظة ، إلا ان الحكم بالوجوب لا يخلو من اشكال إلا أن تلجئ الضرورة اليه.

الثاني ـ قال الشيخ في المبسوط : يكره أن يكون السلاح ثقيلا لا يتمكن معه من الصلاة والركوع والسجود كالجوشن الثقيل والمغفر السابغ لأنه يمنع من السجود على الجبهة. وقال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : والأقرب أن نقول ان احتاج الى أخذه وجب ولم يكن مكروها وان لم يحتج اليه حرم أخذه لأنه يمنعه من استيفاء الأفعال الواجبة. انتهى. وهو جيد. ويمكن على بعد حمل الكراهة في كلامه على التحريم.

الثالث ـ لا تمنع النجاسة على السلاح من أخذه في الصلاة لما تقدم في مقدمة اللباس من ثبوت العفو عن نجاسة ما لا تتم الصلاة فيه منفردا وعدم قيام الدليل على طهارة المحمول ، ولو تعدت النجاسة الى الثوب وجب تطهيره إن أمكن.

الرابع ـ لو ترك أخذ السلاح في مقام وجوبه لم تبطل صلاته لأن أخذه ليس شرطا في الصلاة ولا جزء منها وانما هو واجب منفصل عنها. ولو منع من كمال الأفعال كزيادة الانحناء في الركوع كره أخذه.

الخامس ـ قال في الذكرى : يجوز في أثناء الصلاة الضربة والضربتان والطعنة والطعنتان والثلاث مع تباعدها اختيارا واضطرارا لأنها ليست فعلا كثيرا ولو احتاج الى الكثير فاتى به لم تبطل وتكون كصلاة الماشي. وكذا يجوز له إمساك عنان فرسه وجذبه اليه كثيرا وقليلا لأنه في محل الحاجة. انتهى.

السادس ـ قال في الذكرى : لا فرق في جواز القصر مع الخوف بين الرجال والنساء لحصول المقتضي في الجميع ، وابن الجنيد قال يقصرها كل من يحمل السلاح


من الرجال حرا كان أو عبدا دون النساء في الحرب. ولعله لعدم مخاطبتهن بالقتال والخوف انما يندفع غالبا بالرجال فلا أثر فيه للنساء قصرن أم اتممن. انتهى. ولا يخلو من تردد واشكال لعدم النص الواضح في هذا المجال.

السابع ـ قال في الكتاب المذكور ايضا : لو عرض الخوف في أثناء صلاة الا من أتمها ركعتين ، ولو عجز عن الركوع والسجود أتمها بالإيماء لمكان الضرورة ووجود المقتضى ، ولو أمن في أثناء صلاة الخوف أتمها عددا ان كان حاضرا وكيفية سواء كان حاضرا أو مسافرا ، ولا فرق بين أن يكون قد استدبر أو لم يستدبر. وقال الشيخ في المبسوط : لو صلى ركعة مع شدة الخوف ثم أمن نزل وصلى بقية صلاته على الأرض ، وان صلى على الأرض آمنا ركعة فلحقه شدة الخوف كبر وصلى بقية صلاته إيماء ما لم يستدبر القبلة في الحالين فان استدبرها بطلت صلاته ، والأقرب الصحة مع الحاجة الى الاستدبار لانه موضع ضرورة والشروط معتبرة مع الاختيار. انتهى.

المسألة الثالثة ـ من صلاة الخوف المذكورة في كلام الأصحاب صلاة بطن النخل ، قالوا ورد ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاها بأصحابه (1) قال في المبسوط : روى ذلك الحسن عن أبي بكرة عن فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (2) وصفتها أن يصلى الإمام بالفرقة الأولى مجموع الصلاة والأخرى تحرسهم ثم يسلم بهم ثم يمضون الى موقف أصحابهم ، ثم يصلى بالطائفة الأخرى نفلا له وفرضا لهم. قال في المبسوط : وهذا يدل على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل. وشرطها كون العدو فيه قوة يخاف هجومه

__________________

(1) الدر المنثور ج 2 ص 212.

(2) في عمدة القارئ ج 3 ص 342 : حديث أبي بكرة افتى به الحسن البصري ، وحكى المزني عن الشافعي انه لو صلى في الخوف بطائفة ركعتين ثم سلم وصلى بطائفة ركعتين ثم سلم كان جائزا ، قال وهكذا صلى النبي (ص) ببطن نخل ، وقال ابن عبد البر روى ان صلاته هكذا كانت يوم ذات الرقاع.


وإمكان افتراق المسلمين فرقتين لا أزيد ، وكونه في خلاف جهة القبلة.

قال في الذكرى : ويتخير بين هذه الصلاة وذات الرقاع ، وترجح هذه إذا كان في المسلمين قوة ممانعة بحيث لا تبالي الفرقة الحارسة بطول لبث المصلية ، ويختار ذات الرقاع إذا كان الأمر بالعكس.

ومنها ـ صلاة عسفان وقد نقلها الشيخ في المبسوط بهذه العبارة ، قال : ومتى كان العدو في جهة القبلة ويكونون في مستوي الأرض لا يسترهم شي‌ء ولا يمكنهم أمر يخافون منه ويكون في المسلمين كثرة لا تلزمهم صلاة الخوف ولا صلاة مرشدة الخوف ، وان صلوا كما صلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعسفان جاز ، فإنه قام مستقبل القبلة والمشركون أمامه فصف خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صف وصف بعد ذلك الصف صف آخر فركع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وركعوا جميعا ثم سجد صلى‌الله‌عليه‌وآله وسجد الصف الذين يلونه وقام الآخرون يحرسونه فلما سجد الأولون السجدتين وقاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم ، ثم تأخر الصف الذين يلونه الى مقام الآخرين وتقدم الصف الآخر الى مقام الصف الأول ثم ركع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وركعوا جميعا في حالة واحدة ثم سجد وسجد الصف الذي يليه وقام الآخرون يحرسونه فلما جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والصف الذي يليه سجد الآخرون ثم جلسوا جميعا وسلم بهم جميعا. وصلى صلى‌الله‌عليه‌وآله بهم ايضا هذه الصلاة يوم بنى سليم (1).

أقول قال في المنتهى : روى أبو عياش الزرقي (2) قال : كنا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد فصلينا الظهر فقال المشركون لقد أصبنا غرة لو حملنا عليهم في الصلاة فنزلت آية القصر بين الظهر والعصر ، فلما حضرت صلاة العصر قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مستقبل القبلة والمشركون امامه فصف خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. ثم ساق الحديث كما تقدم في عبارة المبسوط.

__________________

(1 و 2) سنن ابى داود ج 2 ص 11.


ثم قال في المنتهى : وروى جابر بن عبد الله (1) «ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى الظهر ببطن النخل : جعل أصحابه طائفتين فصلى بالأولى ركعتين ثم سلم فصلى بالأخرى ركعتين». قال الشيخ : ولو صلى كما صلى بعسفان جاز.

ثم قال في المنتهى تبعا للمحقق في المعتبر : ونحن نتوقف في هذا لعدم ثبوت النقل عندنا عن أهل البيت عليهم‌السلام بذلك. انتهى. وهو جيد متين.

وأما ما ذكره في الذكرى ـ جوابا عما ذكراه هنا حيث قال : قلت هذه صلاة مشهورة في النقل فهي كسائر المشهورات الثابتة وان لم تنقل بأسانيد صحيحة ، وقد ذكرها الشيخ مرسلا لها غير مسند ولا محيل على سند فلو لم تصح عنده لم يتعرض لها حتى ينبه على ضعفها فلا تقصر فتواه عن روايته ، ثم ليس فيها مخالفة لأفعال الصلاة غير التقدم والتأخر والتخلف بركن ، وكل ذلك غير قادح في صحة الصلاة اختيارا فكيف عند الضرورة. انتهى.

فهو كلام مزيف سخيف ، فان فيه (أولا) ان ما ذكره يرجع الى تقليد الشيخ في الفتوى بصحة هذه الصلاة وان لم يقفوا له على دليل ، مع انا نراهم لا يقفون على هذه القاعدة في مقام وجود الأدلة للشيخ على فتاويه وإلا لما اتسع الخلاف وانتشرت الأقوال في الأحكام الشرعية على ما هي عليه الآن ، إذ لا حكم إلا وقد تعددت فيه أقوالهم واختلفت فيه آراؤهم ولم يقفوا فيه على فتاوى الشيخ ونحوه من عظماء متقدميهم.

وثانيا ـ ما هو معلوم من طريقة الشيخ وتساهله في الفتاوى ودعوى الإجماعات والاحتجاج بالأخبار العامية ، وهذا ظاهر للمطلع على كتبه (قدس‌سره) والمتدبر لاقواله.

وثالثا ـ ان ما ذكره من عدم قدح التأخر بركن في القدوة ممنوع ، وقد تقدم الكلام في المسألة مستوفى وقد بينا تناقض كلامه (قدس‌سره) فيها.

__________________

(1) الدر المنثور ج 2 ص 213.


ورابعا ـ ان بلوغ التساهل في العبادات المبنية على التوقيف الى هذا الحد لا يخلو من تشريع وقول على الله سبحانه بغير علم «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً» (1) «أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ» (2) ونحوهما من الآيات المعتضدة بالروايات المستفيضة الدالة على النهى عن القول بما لم يثبت عنهم عليهم‌السلام والأمر بالوقوف والتثبت والرد إليهم في ما اشتبه منها (3) وبالجملة فان الحق هنا ما ذكره الفاضلان المذكوران. والله العالم.

المسألة الرابعة ـ في صلاة شدة الخوف بمعنى انه ينتهى الحال إلى المسايفة والمعانقة ، والضابط أن لا يتمكنوا من الصلاة على الوجه المتقدم ، فإنهم يصلون فرادى كيفما أمكنهم وقوفا أو ركبانا أو مشاة ، ويركعون ويسجدون مع الإمكان وإلا فبالإيماء ، ويستقبلون القبلة مع الإمكان في جميع الصلاة أو بعضها ولو بتكبيرة الإحرام ان أمكن وإلا سقط ايضا. وهذه الأحكام كلها مجمع عليها بينهم.

ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة وفضيل ومحمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (4) قال : «في صلاة الخوف عند المطاردة والمناوشة وتلاحم القتال فإنه يصلى كل انسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه فإذا كانت المسايفة والمعانقة وتلاحم القتال فإن أمير المؤمنين عليه‌السلام ليلة صفين وهي ليلة الهرير لم يكن صلى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء عند وقت كل صلاة إلا بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والدعاء ، فكانت تلك صلاتهم ولم يأمرهم بإعادة الصلاة».

وعن عبيد الله بن على الحلبي في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (5) قال : «صلاة الزحف على الظهر إيماء برأسك وتكبير ، والمسايفة تكبير مع إيماء ،

__________________

(1) سورة هود الآية 21.

(2) سورة الأعراف الآية 27.

(3) الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضى به.

(4 و 5) الوسائل الباب 4 من صلاة الخوف والمطاردة.


والمطاردة إيماء يصلى كل رجل على حياله».

وعن زرارة في الصحيح (1) قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام الذي يخاف اللصوص والسبع يصلى صلاة الموافقة إيماء على دابته. قال قلت أرأيت ان لم يكن المواقف على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول؟ قال يتيمم من لبد سرجه أو من معرفة دابته فان فيها غبارا ، ويصلى ويجعل السجود أخفض من الركوع ، ولا يدور إلى القبلة ولكن أينما دارت دابته غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه».

وعن عبد الرحمن بن ابى عبد الله في الصحيح (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل «فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً» (3) كيف يصلى؟ وما يقول؟ ان خاف من سبع أو لص كيف يصلى؟ قال يكبر ويومئ برأسه إيماء».

وعن ابى بصير في الموثق أو الصحيح (4) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إذا التقوا فاقتتلوا فإنما الصلاة حينئذ بالتكبير وإذا كانوا وقوفا فالصلاة إيماء».

ثم انه مع تعذر الإيماء كما تقدم فإنه ينتقل الفرض الى التسبيح بان يقول عوض كل ركعة «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» وذلك يجزئ عن جميع الأفعال والأذكار كما صرح به الأصحاب ومنهم الفاضلان في المعتبر والمنتهى والظاهر انه مجمع عليه بينهم كما جزم به في المدارك.

قال في الذكرى : ومع تعذر الإيماء يجزئ عن كل ركعة «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» فعن جميع الصلوات تسبيحتان وعن المغرب ثلاثا.

وقال في المنتهى : لو لم يتمكن من الإيماء حال المسايفة جعل عوض كل ركعة تكبيرة ، وصورتها «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» وذلك يجزئ عن القراءة والركوع والسجود لما تقدم في حديث زرارة وفضيل ومحمد بن مسلم.

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 3 من صلاة الخوف والمطاردة.

(3) سورة البقرة الآية 240.

(4) الوسائل الباب 4 من صلاة الخوف والمطاردة.


أقول : ويدل على الحكم المذكور ما تقدم في صحيحة الفضلاء من صلاة أمير المؤمنين عليه‌السلام ليلة الهرير ، ونحوها رواية أبي بصير المتقدمة.

ويدل على ذلك ايضا ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن الصادق عليه‌السلام (1) «في صلاة الزحف؟ قال تكبير وتهليل يقول الله عزوجل (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً)» (2).

ثم قال (3) وفي كتاب عبد الله بن المغيرة ان الصادق عليه‌السلام قال : «أقل ما يجزئ في حد المسايفة من التكبير تكبيرتان لكل صلاة إلا المغرب فان لها ثلاثا». وهذه الرواية قد نقلها الشيخ عن عبد الله بن المغيرة في الصحيح عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه‌السلام (4).

وما رواه الشيخ عن محمد بن عذافر عن ابى عبد الله عليه‌السلام (5) قال : «إذا جالت الخيل تضطرب بالسيوف أجزأته تكبيرتان ، فهذا تقصير آخر». وقال عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (6) : وان كنت في حرب هي لله رضى وحضرت الصلاة فصل على ما أمكنك على ظهر دابتك وإلا تومئ إيماء أو تكبر وتهلل. وروى انه فات الناس مع على عليه‌السلام يوم صفين صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء فأمر على عليه‌السلام فكبروا وهللوا وسبحوا ، ثم قرأ هذه الآية «فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً» فأمرهم على عليه‌السلام فصنعوا ذلك رجالا وركبانا. انتهى.

بقي الكلام هنا في أشياء الأول ـ ان المذكور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم ان التسبيح الذي ينتقل إليه في هذه المرتبة يجب أن يكون بهذه الكيفية التي تقدم نقلها عن المنتهى والذكرى ، والأخبار التي قدمناها ونحوها من اخبار المسألة لا تساعد على ذلك ، فإن أوضحها في هذا الحكم صحيحة الفضلاء وظاهرها الاكتفاء بهذه الأذكار كيف اتفق.

__________________

(1 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 4 من صلاة الخوف والمطاردة.

(2) سورة البقرة الآية 240.

(6) ص 14.


وقال في الذكرى : وتجب الصيغة المشار إليها أولا في التسبيح للإجماع على اجزائها ، وظاهر الرواية انه يتخير في الترتيب كيف شاء ، والأجود الأول لتحصيل يقين البراءة. انتهى. ولا ريب ان ما ذكره طريق الاحتياط.

ويمكن تأييد ما ذكرناه بالأخبار الواردة في تسبيح الأخيرتين ، فإنها من قبيل صحيحة الفضلاء المذكورة ونحوها في عدم الترتيب مع اتفاق الأصحاب على هذه الكيفية المشهورة.

الثاني ـ الأحوط أن يضاف الى التسبيح المذكور الدعاء كما دلت عليه الصحيحة المشار إليها.

الثالث ـ انه قد صرح جمع من المتأخرين : منهم ـ الشهيد في الذكرى والعلامة وغيرهما بأنه لا بد في التسبيحات من النية وتكبيرة الإحرام والتشهد والتسليم وظواهر أخبار المسألة قاصرة عن افادته ، نعم النية التي قد عرفت انها من الأمور الجبلية لا يمكن تخلفها ليحتاج الى اعتبار إيجابها. وما استندوا إليه في هذا المقام ـ من عموم الأخبار الواردة بهذه الأشياء ـ ففيه ان ما نحن فيه خاص ولا ريب في تقديمه على العام وتخصيص العام به. وبما ذكرناه صرح في المدارك ، قال : وعندي في وجوب ما عدا النية إشكال لعدم استفادته من الروايات بل ربما كانت ظاهرة في خلافه. انتهى. وهو جيد.

الرابع ـ المشهور انه إذا صلى مومئا فأمن أتم صلاته بالركوع والسجود في ما بقي منها ولا يجب عليه الاستئناف مطلقا. وقال الشيخ بذلك بشرط عدم الاستدبار في ما صلاه أولا. ورد بصدق الامتثال في ما اتى به فلا تتعقبه إعادة لأن ما اتى به من الاستدبار مأمور به في تلك الحال وامتثال الأمر يقتضي الإجزاء.

الخامس ـ قالوا : لو رأى سوادا فظنه عدوا فقصر وصلى مومئا ثم انكشف بطلان خياله لم يعد. وكذا لو أقبل العدو فصلى مومئا لشدة خوفه ثم ظهران


هناك حائلا يمنع العدو. قالوا : والوجه في ذلك ان الصلاة في الحال المذكور مأمور بها شرعا فتكون مجزئة ، نعم لو استند الخوف الى التقصير في الاطلاع وعدم التأمل أو غلبة الوهم من غير تحقيق فالظاهر وجوب الإعادة ، وبه قطع في الذكرى للتفريط. وهو جيد. والله العالم.

المسألة الخامسة ـ المشهور في كلام جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم ان الخوف بأي نحو كان من عدو أو لص أو سبع أو غرق موجب لهذه الصلاة كمية وكيفية.

قال الشهيد في الذكرى : لا فرق في لباب الخوف بين الخوف من عدو أو لص أو سبع فيجوز قصر الكمية والكيفية عند وجود سبب الخوف كائنا ما كان.

وقال المحقق في المعتبر : كل أسباب الخوف يجوز معها القصر والانتقال إلى الإيماء مع الضيق والاقتصار على التسبيح ان خشي مع الإيماء وان كان الخوف من لص أو سبع أو غرق ، وعلى ذلك فتوى علمائنا. ثم استدل بقوله تعالى «وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا» (1) قال : وهو دال بمنطوقه على خوف العدو وبفحواه على ما عداه من المخوفات. ثم قال : ومن طريق الأصحاب ما رواه. ثم نقل صحيحة عبد الرحمن ابن ابى عبد الله المتقدمة ثم صحيحة زرارة المتقدمة أيضا الواردة في اللصوص والسبع

أقول : ومن قبيل هاتين الروايتين اللتين ذكرهما ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (2) قال : «سألته عن الرجل يلقى السبع وقد حضرت الصلاة ولا يستطيع المشي مخافة السبع ، فان قام يصلى خاف في ركوعه وسجوده السبع والسبع امامه على غير القبلة ، فإن توجه إلى القبلة خاف ان يثب عليه الأسد فكيف يصنع؟ قال فقال يستقبل الأسد ويصلى ويومئ برأسه

__________________

(1) سورة النساء الآية 102.

(2) الوسائل الباب 3 من صلاة الخوف والمطاردة.


إيماء وهو قائم وان كان الأسد على غير القبلة».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن إسحاق بن عمار عن من حدثه عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) «في الذي يخاف السبع أو يخاف عدوا يثب عليه أو يخاف اللصوص يصلى ـ على دابته إيماء ـ الفريضة».

وما رواه في الفقيه عن زرارة في الصحيح (2) قال : «الذي يخاف اللصوص يصلى إيماء على دابته».

وعن عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن الصادق عليه‌السلام (3) في حديث قال : «ومن تعرض له سبع وخاف فوت الصلاة استقبل القبلة وصلى صلاته بالإيماء فإن خشي السبع وتعرض له فليدر معه كيف دار وليصل بالإيماء».

قال في المدارك ـ بعد نقل ما قدمناه عن المعتبر من كلامه وما استدل به من الآية والروايتين ثم صحيحة على بن جعفر ـ ما لفظه : وهذه الروايات انما تدل على مساواة صلاة خائف الأسد لخائف العدو في الكيفية أما قصر العدد فلا دلالة لها عليه بوجه ، وما ادعاه من دلالة الآية الشريفة عليه بالفحوى غير واضح ، ومن ثم تردد في ذلك في المنتهى وحكى عن بعض علمائنا قولا بان التقصير في عدد الركعات انما يكون في صلاة الخوف من العدو وخاصة ، والمصير اليه متعين الى أن يقوم على قصر العدد دليل يعتد به. انتهى. وهو جيد فإن غاية ما تدل عليه أخبار المسألة ما ذكره من قصر الكيفية دون الكمية.

ثم ان ظاهر هذه الأخبار ان الصلاة هنا تقصر في الكيفية وتصلى بالإيماء مع عدم إمكان الركوع والسجود وهي صلاة الخوف ، وظاهر بعض الأخبار ايضا انه مع تعذر الإيماء ينتقل إلى صلاة شدة الخوف وهي التسبيحات كما رواه في الفقيه (4) قال : «وقد رخص في صلاة الخوف من السبع إذا خشيه الرجل على نفسه ان

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 3 من صلاة الخوف والمطاردة.

(4) ج 1 ص 295 وفي الوسائل الباب 3 من صلاة الخوف والمطاردة.


يكبر ولا يومي» رواه محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام). ولفظ الرواية وان كان بالتكبير إلا ان الظاهر كما فهمه الأصحاب (رضوان الله عليهم) من روايات هذا المقام هو التسبيح كما تقدم مثله في اخبار صلاة شدة الخوف من رواية أبي بصير وصحيحة محمد بن عذافر المصرحة بأن هذا تقصير آخر ورواية عبد الله بن المغيرة المتقدم ذلك كله ، وبه عبر في المنتهى في عبارته المتقدمة في سابق هذه المسألة من قوله : «جعل عوض كل ركعة تكبيرة وصورتها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر».

وظاهر رواية عبد الرحمن بن ابى عبد الله المذكورة هنا هو تأخير الصلاة الى آخر وقتها رجاء لزوال العذر.

وبه صرح الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (1) حيث قال : «إذا كنت راكبا وحضرت الصلاة وتخاف أن تنزل من لص أو سبع أو غير ذلك فلتكن صلاتك على ظهر دابتك ، وتستقبل القبلة وتومئ إيماء إن أمكنك الوقوف وإلا استقبل القبلة بالافتتاح ثم امض في طريقك الذي تريد حيث توجهت بك راحلتك مشرقا ومغربا ، وتومئ للركوع ، والسجود اخفض من الركوع ، وليس لك أن تفعل ذلك إلا في آخر الوقت».

وقال في آخر الباب ايضا (2) : وإذا تعرض لك سبع وخفت أن تفوت الصلاة فاستقبل القبلة وصل صلاتك بالإيماء فإن خشيت السبع يعرض لك فدر معه كيفما دار وصل بالإيماء كيفما يمكنك. انتهى.

ولم أقف على من تعرض هنا لذلك من الأصحاب ، وهو مؤيد لما سلف نقله عن المرتضى (رضى الله عنه) من وجوب التأخير إلى آخر الوقت على ذوي الأعذار. والله العالم.

المسألة السادسة ـ قد صرح جملة من الأصحاب ـ بل الظاهر انه لا خلاف فيه ـ

__________________

(1 و 2) ص 14.


بان الموتحل والغريق يصليان بحسب الإمكان فيقصران في الكيفية ، وأما الكمية فلا تقصر إلا في سفر أو خوف.

اما الأول فعلل بان ما لا يتعكن منه ليس بواجب ، قال في الذخيرة بعد نقل ذلك : والمستفاد من ذلك عدم وجوب استيفاء الأفعال ، واما وجوب الإيماء بدله فيحتاج الى دليل آخر وكأنه إجماعي ، والتوصل الى اليقين بالبراءة من التكليف الثابت انما يصحل به. انتهى.

أقول : حاصل كلامه ان مقتضى التعليل المذكور سقوط ما لم يمكن الإتيان به من أفعال الصلاة ، واما انه ينتقل من ذلك الفعل الى بدل آخر فلا دلالة للتعليل عليه إلا من حيث توقف يقين البراءة على ذلك.

وفيه انه لما كان المعهود من الشرع في غير موضع هو أنه مع تعذر الأفعال المعهودة في الصلاة ينتقل منها إلى أشياء جعلها الشارع بدلا عنها مع تعذرها فالواجب هنا الجري على ذلك ، وتوضيحه ان الصلاة المأمور بها شرعا تقع على أنحاء عديدة ومراتب متفاوتة باعتبار حال المكلف قوة وضعفا ، فكل ما أمكن منها في هذه المراتب أصالة أو بدلا وجب الإتيان به وما لم يمكن يسقط ، ومن جملة ذلك الركوع والسجود فإنه مع تعذره ينتقل منه الى الإيماء والقيام ينتقل منه الى القعود ثم الى الاضطجاع على ما تقدم تفصيله في محله ، وهكذا «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ» (1).

واما الثاني فعلل بان مقتضى الأصل وجوب الإتمام قام الدليل على وجوب التقصير في الكمية حال السفر والخوف فوجب استثناؤه وبقي ما بقي ومنه محل البحث إلا ان شيخنا الشهيد في الذكرى قال بعد ذكر الحكم المذكور : نعم لو خاف من إتمام الصلاة استيلاء الغرق عليه ورجا عند قصر العدد سلامته وضاق الوقت فالظاهر انه يقصر العدد أيضا.

__________________

(1) سورة القيامة الآية 14.


واستحسنه الشهيد الثاني في الروض حيث قال بعد نقله : وهو حسن حيث انه يجوز له الترك فقصر العدد أولى ، لكن في سقوط القضاء بذلك نظر لعدم النص على جواز القصر هنا ، ووجه السقوط حصول الخوف في الجملة كما مر ، والحاصل ان علية مطلق الخوف توجب تطرق القصر الى كل خائف ووجهه غير واضح إذ لا دليل عليه والوقوف مع النصوص عليه بالقصر أوضح. انتهى.

قال في المدارك : وما ذكره (قدس‌سره) من وجوب القضاء بعيد لانه لا يلائم ما استحسنه من جواز قصر العدد ، إذ مقتضاه وجوب الإتيان بالصلاة المقصورة وإذا وجب الأداء سقط القضاء ، ومع ذلك فما استدل به على جواز القصر ضعيف جدا إذ لا يلزم من جواز ترك الصلاة للعجز جواز قصرها على هذا الوجه. وبالجملة فاللازم من ما اعترف به من انتفاء دليل القصر مساواة حكم التمكن من الركعتين لحكم التمكن من الركعة الواحدة خاصة في عدم وجوب الإتيان بها منفردة. انتهى. ونسج على منواله صاحب الذخيرة أيضا كما هي قاعدته غالبا.

أقول : ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) هنا لا يخلو من قرب وان اعترضوا عليه بما ذكروه ، فان مرجع كلامه إلى الأخذ بالاحتياط في المسألة حيث انها غير منصوصة والأدلة فيها من الطرفين متدافعة ، لاحتمال دخولها تحت مسألة الخوف فيكون الحكم فيها هو التقصير واحتمال قصر التقصير في صلاة الخوف على موارد النصوص وليس هذه منها فيجب القضاء تماما بعد زوال العذر. ولا ريب ان هذا هو الأحوط في المقام.

والظاهر انه لما ذكره في الذكرى عد المحقق في المعتبر الغرق في مسألة الخوف من السبع واللص التي حكموا فيها بوجوب التقصير كمية وكيفية كما تقدم في عبارته ثم عده في مسألة الموتحل التي قد صرح فيها بعدم قصر الكمية وإلا لزم التدافع بين كلاميه. والله العالم بحقائق أحكامه ونوابه القائمون بمعالم حلاله وحرامه.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *