ج17 - النوادر والزيارات
خاتمة الكتاب
المطلب الأول : في النوادر والزيارات
وما يتعلق بذلك من
البحوث والتحقيقات وفيه فصول :
الفصل الأول : روى ثقة الإسلام عطر الله مرقده في الصحيح
عن الحلبي (3) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : سألته
عن قول الله عزوجل (مَنْ
دَخَلَهُ كانَ آمِناً) قال : إذا
أحدث العبد في غير الحرم جناية ثم فر الى الحرم لم يسع لأحد أن يأخذه في الحرم ،
ولكن يمنع من السوق ولا يبايع ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم ، فإنه إذا فعل ذلك به
يوشك أن يخرج فيؤخذ ، وإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم لانه لم
يدع للحرم حرمته.
وعن معاوية بن عمار (4) في الصحيح أو الحسن قال : «سألت أبا
عبد الله
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 533.
(2) الكافي ج 4 ص 543.
(3) الكافي ج 4 ص 226.
(4) الكافي ج 4 ص 228.
(عليهالسلام) عن رجل قتل
رجلا في الحل ثم دخل الحرم فقال : لا يقتل ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع ولا يؤوى
حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحد ، قلت : فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق
قال : يقام عليه الحد صاغرا أنه لم ير للحرم حرمة وقد قال الله عزوجل (1) «فَمَنِ
اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» فقال : هذا هو
في الحرم فقال (فَلا عُدْوانَ إِلّا عَلَى الظّالِمِينَ)».
وعن على بن أبي حمزة (2) عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته
عن قول الله عزوجل (3) «وَمَنْ
دَخَلَهُ كانَ آمِناً» قال : ان سرق سارق بغير مكة أو جنى
جناية على نفسه ففر إلى مكة لم يؤخذ ما دام بالحرم حتى يخرج منه ، ولكن يمنع من
السوق فلا يبايع ولا يجالس حتى يخرج منه فيؤخذ ، وان أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ
فيه».
وروى الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب عن ابن أبى
عمير عن هشام بن الحكم (4) عن أبى عبد
الله عليهالسلام في الرجل يجني
في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم قال : لا يقام عليه الحد ولا يطعم ولا يسقى ولا
يكلم ولا يبايع ، فإنه إذا فعل به ذلك يوشك أن يخرج فيقام عليه الحد ، وان جنى في
الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم فإنه لم ير للحرم حرمة».
أقول : ما اشتملت عليه هذه الاخبار من الأحكام المذكورة
مما لا خلاف فيه بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) ، الا أن عباراتهم في هذا المقام
ربما أشعرت بنوع منافاة للأخبار المذكورة ونحوها ، حيث قالوا : من أحدث حدثا في
غير الحرم والتجأ إلى الحرم ضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج فيقام عليه الحد
، ولفظ التضييق لم يقع في شيء من روايات المسألة ، وقد فسر التضييق بأن يطعم
ويسقى
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 227.
(2) سورة البقرة الآية ـ 190.
(3) سورة آل عمران الآية : 97.
(4) التهذيب ج 10 ص 416 الفقيه ج 4 ص 85.
ما لا يحتمله مثله عادة ، أو ما يسد
الرمق ، ولا ريب أن كلا من المعنيين مناسب للفظ التضييق ، الا ، انه كما عرفت لا
أثر له في النصوص ، وانما ظاهرها عدم إطعامه وسقيه بالكلية ، ولو مات جوعا وعطشا
ثم ان بعض الأصحاب ألحق بالحرم مسجد النبي صلىاللهعليهوآله ومشاهد الأئمة
عليهمالسلام محتجا بإطلاق
اسم الحرم عليها في بعض الاخبار ، ولا ريب في ضعفه.
وروى في الكافي عن عبد الخالق الصيقل (1) قال : سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزوجل (2) «وَمَنْ
دَخَلَهُ كانَ آمِناً» فقال : لقد سألتني عن شيء ما سألني
أحد الا من شاء الله قال : من أم هذا البيت وهو يعلم أنه البيت الذي أمره الله عزوجل به ، وعرفنا
أهل البيت حق معرفتنا كان آمنا في الدنيا والآخرة» ،. ورواه الصدوق مرسلا بدون قوله
«لقد سألتني عن شيء ما سألني الا من شاء الله ، ولا «ثم قال».
أقول : لا منافاة بين هذا التفسير وبين ما تقدم ، فان
هذا من الباطن وذلك من الظاهر ، والمراد بقوله عليهالسلام «آمنا في
الدنيا والآخرة» أى من سخط الله وعذابه
وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن وفي الفقيه عن معاوية
بن عمار (3) قال : «أتى
أبو عبد الله عليهالسلام في المسجد
فقيل له : ان سبعا من سباع الطير على الكعبة ليس يمر به شيء من حمام الحرم إلا
ضربه فقال : انصبوا له واقتلوه فإنه قد الحد».
وعن معاوية بن عمار (4) في الصحيح قال سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قوله الله عزوجل (5) «وَمَنْ
يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ» فقال : كل ظلم
إلحاد ، وضرب الخادم من غير ذنب من ذلك الإلحاد». قيل : الباء في «بإلحاد» زائدة ،
تقديره ومن يرد فيه إلحادا وفي بظلم المتعدية
وعن أبى الصباح الكناني (6) قال : سألت
أبا عبد الله عليهالسلام ، عن قول الله
عزوجل (وَمَنْ
يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ)» فقال : كل
ظلم يظلم الرجل نفسه بمكة من سرقة أو ظلم أحد أو شيء من الظلم فإني أراه إلحادا
ولذلك كان يتقى
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 545 الفقيه ج 2 ص 133.
(2) سورة آل عمران الآية : 97.
(3 و 4 و 6) الكافي ج 4 ص 227.
(5) سورة الحج الآية ـ 24.
أن يسكن الحرم». وروى الصدوق مثله ،
وزاد في آخره ولذلك كان يتقى الفقهاء أن تسكن مكة
وروى الشيخ في الصحيح عن الحلبي (1) قال : سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزوجل (2) «وَمَنْ
يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ» فقال : كل
الظلم فيه إلحاد حتى لو ضربت خادمك ظلما خشيت ان يكون إلحادا ولذلك كان الفقهاء
يكرهون سكنى مكة.
أقول : قد دلت هذه الاخبار وأمثالها على كراهة سكنى مكة
ويستنبط منها كراهة ذلك أيضا في سائر الأماكن المشرفة والمشاهد المعظمة ، والوجه
في ذلك هو أن شرف المكان كما يقتضي تضاعف أجر الطاعات فيه من حيث شرفه يقتضي أيضا
تضاعف جزاء العاصي من حيث هتك حرمته ، ألا ترى الى نساء النبي صلىاللهعليهوآله لمزيد قربهن
منه صلىاللهعليهوآله والفوز بشرف
أمومة المؤمنين قد ضاعف لهم الأجر بقوله (3) «وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلّهِ
وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها
رِزْقاً كَرِيماً» وقال (4) «لَسْتُنَّ
كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ» ثم ضاعف لهم
العذاب بالمعاصي فقال (5) «يا
نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا
الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ» وهكذا يكون الحكم في جميع الأماكن
الشريفة والأزمان المنيفة ،
والمشهور بين الأصحاب كراهة المجاورة بمكة ، وعلل ذلك
بوجوه : منها الخوف من الملالة وقلة الاحترام ، والخوف من ملابسة الذنب ، فان
الذنب فيها عظيم ، أو بأن المقام فيها يقسي القلب ، أو من سارع الى الخروج منها
يدوم شوقه إليها ، وذلك مراد الله عزوجل ، وجميع هذه
التوجيهات مروية ، وقد ورد في الاخبار ما يدل على استحباب المجاورة ، كصحيحة على
بن مهزيار (6) قال : سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) «عن المقام
بمكة أفضل أو الخروج الى بعض الأمصار؟ قال : المقام
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 420.
(2) سورة الحج الآية ـ 25.
(3 و 4 و 5) سورة الأحزاب الآية 31 و 23 و 33.
(6) التهذيب ج 5 ص 476.
عند بيت الله أفضل».
وروى ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه (1) مرسلا عن
الباقر عليهالسلام قال : من جاور
بمكة سنة غفر الله له ذنوبه ولأهل بيته ، ولكل من استغفر له ولعشيرته ولجيرانه
ذنوب تسع سنين قد مضت ، وعصموا من كل سوء أربعين ومأة سنة ، ثم قال : والانصراف
والرجوع أفضل من المجاورة». والجمع بين الاخبار ممكن لجمل ما دل على استحباب
الجوار على ما إذا أمن من نفسه وقوع الذنب فيها كما عرفت من الاخبار المتقدمة.
وروى الشيخ عن أيوب بن أعين (2) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «ان
امرأة كانت تطوف وخلفها رجل فأخرجت ذراعها فنال بيده حتى وضعها على ذراعها ، فاثبت
الله يده في ذراعها حتى قطع الطواف فأرسل الى الأمير واجتمع الناس وأرسل الى
الفقهاء وجعلوا يقولون : اقطع يده ، فهو الذي جنى الجناية فقال : هيهنا أحد من ولد
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقالوا : نعم
الحسين بن على قدم الليلة ، فأرسل إليه فدعاه فقال انظر ما لقيا ذان ، فاستقبل
القبلة ورفع يده ومكث طويلا يدعو ثم جاء إليهما حتى خلص يده من يدها ، فقال الأمير
: ألا نعاقبه بما صنع؟ فقال : لا». أول أقول : لا يبعد أن يكون الجاني من الشيعة
الإمامية ، وأنه ما لحقه من الخزي والفضيحة حصل له الندم والتوبة ، فلذلك عفى عنه
ولم يعاقبه.
وروى الحميري في قرب الاسناد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن
أحمد بن محمد بن أبى نصر (3) عن الرضا (عليهالسلام) قال : «سأله
صفوان وأنا حاضر عن الرجل يؤدب مملوكه في الحرم؟ فقال : كان أبو جعفر (عليهالسلام) يضرب فسطاطه
في حد الحرم بعض أطنابه في الحرم وبعضها في الحل ، فإذا أراد أن يؤدب بعض
__________________
(1) الفقيه ج 2 ص 146.
(2) التهذيب ج 5 ص 470.
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات الطواف.
خدمه أخرجه من الحرم وأدبه في الحل». وروى
الشيخ عن ابى الصباح الكناني (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام : ما تقول
فيمن أحدث في المسجد الحرام متعمدا؟ قال : يضرب رأسه ضربا شديدا ثم قال : ما تقول
فيمن أحدث في الكعبة متعمدا؟ قال : يقتل».
أقول : المراد بالحدث هنا البول والغائط لما ورد في خبر آخر
في الفرق بين الإسلام والايمان رواه الصدوق (2) قال : «قال الصادق عليهالسلام : في حديث
يذكر فيه الإسلام والايمان ولو أن رجلا دخل الكعبة فبال فيها معاندا خرج من الكعبة
ومن الحرم وضربت عنقه.
وعن أبى الصباح الكناني (3) قال : «قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام ، أيهما أفضل
الإيمان أو الإسلام ، فإن من قبلنا يقولون أن الإسلام أفضل من الايمان ، فقال :
الايمان ارفع من الإسلام قلت : فأوجدني ذلك قال : ما تقول فيمن أحدث في المسجد
الحرام متعمدا؟ قال : قلت : يضرب ضربا شديدا قال : أصبت قال : فما تقول فيمن أحدث
في الكعبة متعمدا؟ قال : قلت : يقتل ، قال : أصبت.
الفصل الثاني : روى ثقة الإسلام في الكافي عن الحسين بن
أبى العلاء في الحسن (4) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) : ان معاوية
أول من علق على بابه مصراعين بمكة فمنع حاج بيت الله ما قال الله عزوجل (5) «سَواءً
الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ». وكان الناس إذا قدموا مكة نزل البادي
على الحاضر حتى يقضى حجه ، وكان معاوية صاحب السلسلة التي قال الله تعالى (6) «فِي
سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 469.
(2) الفقيه ج 1 ص 193.
(3) الوسائل الباب ـ 46 من أبواب مقدمات الطواف.
(4) الكافي ج 4 ص 243.
(5) سورة الحج الآية : 25.
(6) الحاقة : الاية 31 و 32.
فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ
بِاللهِ الْعَظِيمِ» وكان فرعون هذه الأمة».
وعن يحيى بن أبى العلاء (1) «عن أبى عبد
الله عن أبيه (عليهماالسلام) قال : لم يكن
لدور مكة أبواب كان أهل البلدان يأتون بقطرانهم فيدخلون فيضربون بها فكان أول من
بوبها معاوية». (لعنه الله) قال في الوافي : القطران كأنه جمع قطار الإبل كالجدار
وأما قطوان بالواو كما يوجد في بعض النسخ فلم نجد له معنى محصلا.
وروى الشيخ في الحسن عن الحسين بن أبى العلاء (2) «قال ذكر أبو
عبد الله (عليهالسلام) هذه الآية «سَواءً
الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ...» قال : كانت
مكة ليس على شيء منها باب ، وكان أول من علق على بابه المصراعين معاوية بن أبى
سفيان وليس ينبغي لأحد ان يمنع الحاج شيئا من الدور ومنازلها».
وعن حفص بن البختري (3) في الصحيح عن أبى عبد الله عليهالسلام) قال : ليس
ينبغي لأهل مكة أن يجعلوا على دورهم أبوابا ، وذلك أن الحاج ينزلون معهم في ساحة
الدار حتى يقضوا حجهم».
وروى الصدوق في العلل مسندا في الصحيح عن عبيد الله بن
على الحلبي (4) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «سألته
عن قول الله عزوجل (5) «سَواءً
الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ» فقال : لم يكن ينبغي ان يصنع على دور
مكة أبواب ، لأن للحاج ان ينزلوا معهم في دورهم في ساحة الدار حتى يقضوا مناسكهم ،
وأن من جعل لدور مكة أبوابا معاوية» ورواه في الفقيه مرسلا قال : سئل الصادق (عليهالسلام) عن قول الله
تعالى وساق الحديث.
وروى عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن الحسين
بن علوان (6) «عن جعفر عن
أبيه عن على (عليهمالسلام) أنه نهى أهل
مكة أن يؤاجروا دورهم وأن يعلقوا أبوابا وقال «سَواءً
الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ» قال : وفعل ذلك أبو بكر وعمر
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 243.
(2) التهذيب ج 5 ص 420.
(3 و 4 و 6) الوسائل الباب ـ 32 من أبواب مقدمات الطواف.
(5) سورة الحج الآية ـ 25.
وعثمان وعلى حتى كان في زمن معاوية».
وعن السندي بن محمد عن أبي البختري (1) عن جعفر عن
أبيه عن على عليهمالسلام أنه كره اجارة
بيوت مكة وقرأ
«سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ».
وروى على بن جعفر في كتابه (2) عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «وليس
ينبغي لأهل مكة أن يمنعوا الحاج شيئا من الدور ينزلونها.
أقول : المشهور بين المتأخرين أن المنع من سكنى الحاج
بالأبواب ونحوها انما هو على جهة الكراهة ، ونقلوا عن الشيخ (رحمة الله عليه)
القول بالتحريم ، وردوه بما اشتملت عليه صحيحة حفص بن البختري ، ورواية الحسين بن
ابى العلاء ونحوهما من لفظ ليس ينبغي ، فإنه ظاهر في الكراهة ، ونقل عن الشيخ فخر
الدين في شرح القواعد أنه استدل للشيخ بأن مكة كلها مسجد لقوله تعالى (3) (سُبْحانَ
الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)» الى آخره
وكان الإسراء من دار أم هاني ، وإذا كانت كذلك فلا يجوز منع أحد منها لقوله تعالى (4) «سَواءً
الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ» ورد بأنه استدلال ضعيف ، أما أولا
فلان الإجماع القطعي منعقد على خلافه ، وأما ثانيا فلمنع كون الإسراء من بيت أم
هاني ، ثم لو سلمنا لجاز مروره بالمسجد الحرام ليتحقق الإسراء منه حقيقة :
أقول : الأظهر في الاستدلال للشيخ (رحمة الله عليه) انما
هو بظاهر الآية فان ظاهرها مساواة البادي للحاضر في الانتفاع بمساكنها ودورها حتى
يقضوا نسكهم وإذا كان حقا شرعيا لهم فمنعهم منه محرم كما ينادى به قوله (عليهالسلام) في الرواية
الأولى فمنع حاج بيت الله ما قال الله تعالى «سَواءً
الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ» بمعنى أنه منعهم حقا قد فرض الله لهم
في كتابه وأما التمسك بقوله «فليس ينبغي» فقد عرفت في غير موضع ان هذا اللفظ قد
ورد بمعنى التحريم في الاخبار بما لا يحصى كثرة ، وقد بينا أنه
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب ـ 32 من أبواب مقدمات الطواف.
(3) سورة الإسراء الآية ـ 1.
(4) سورة الحج الآية ـ 25.
من الألفاظ المتشابهة في الاخبار التي
لا تحمل على أحد المعنيين إلا بقرينة ، وان كان في العرف الظاهر بين الناس الآن
انما هو بمعنى ما ذكروه الا انه لا عبرة به.
وبالجملة فالاعتماد في الاستدلال على ظاهر الآية
بالتقريب الذي ذكرناه ، ويخرج ما ورد في رواية قرب الاسناد من نهى أمير المؤمنين عليهالسلام أهل مكة أن
يؤاجروا دورهم ، وأن يعلقوا أبوابا الذي هو حقيقة في التحريم ـ شاهدا على ما
ذكرناه وتكاثر هذه الاخبار بإنكار ذلك على معاوية وذمه بها وأنها من بدعه بالتحريم
أنسب والى الانطباق عليه أقرب.
الفصل الثالث روى الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن شعيب (1) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن اللقطة
ونحن يومئذ بمنى فقال : أما بأرضنا هذه فلا تصلح ، واما عندكم فان صاحبها الذي
يجدها يعرفها سنة في كل مجمع ، ثم هي كسبيل ماله».
وعن الفضيل بن يسار (2) في الصحيح قال
: «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن لقطة
الحرم فقال : لا تمس ابدا حتى يجيء صاحبها فيأخذها قلت : فان كان مالا كثيرا ،
قال : فان لم يأخذها إلا مثلك فليعرفها».
وعن على بن أبي حمزة (3) قال : «سألت العبد الصالح عليهالسلام عن رجل وجد
دينارا في الحرم فأخذه قال : بئس ما صنع ما كان ينبغي له ان يأخذ قلت : ابتلى بذلك
، قال : يعرفه ، قلت : فإنه قد عرفه فلم يجد له باغيا ، قال : يرجع الى بلده
فيتصدق به على أهل بيت من المسلمين ، فان جاء طالبه فهو له ضامن».
وعن إبراهيم بن عمر اليماني (4) في الصحيح عن
أبى عبد الله عليهالسلام قال : اللقطة
لقطتان : لقطة الحرم تعرف سنة ، فان وجدت صاحبها والا تصدقت بها ولقطة غيره تعرف
سنة ، فان لم تجد صاحبها وهي كسبيل مالك».
ورواه في الكافي في الصحيح أو الحسن مثله ، الا انه قال
في آخره : «فان
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 421 الوسائل الباب ـ 28 من أبواب مقدمات
الطواف.
(2 و 3 و 4) الوسائل باب 28 من أبواب مقدمات الطواف.
جاء صاحبها والا فهي كسبيل مالك».
وعن إبراهيم بن ابى البلاد عن بعض أصحابه (1) عن ابى الحسن
الماضي عليهالسلام قال : «لقطة
الحرم لا تمس بيد ولا رجل ولو ان الناس تركوها لجاء صاحبها فأخذها».
وروى في الكافي عن الفضيل بن يسار (2) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يجد
اللقطة في الحرم ، قال : لا يمسها واما أنت فلا بأس ، لأنك تعرفها».
وعن فضيل بن غزوان (3) في الصحيح قال : «كنت عند ابى عبد
الله عليهالسلام فقال له
الطيار إن حمزة ابني وجد دينارا في الطواف قد انسحق كتابته قال هو له».
وعن محمد بن رجا الخياط (4) قال : كتبت
الى الطيب (عليهالسلام) انى كنت في
المسجد الحرام فرأيت دينارا فأهويت إليه لآخذه فإذا أنا بآخر «فنحيت الحصا» (5) فإذا أنا
بثالث ، فأخذتها فعرفتها فلم يعرفها أحد فما ترى في ذلك ، فكتب : فهمت ما ذكرت من
أمر الدنانير فان كنت محتاجا فتصدق بثلثها ، وان كنت غنيا فتصدق بالكل».
أقول : الكلام في هذه الاخبار يقع في مواضع : الأول : قد
اختلفت الأصحاب (رضوان الله عليهم) في لقطة الحرم فقال الشيخ في النهاية : اللقطة
ضربان ضرب يجوز أخذه ولا يكون على من أخذه ضمانه ولا تعريفه ، وهو ما كان دون
الدرهم ، أو يكون قد وجده في موضع خربان قد باد أهله واستنكر رسمه ، وضرب لا يجوز
أخذه ، فإن أخذه لزمه حفظه وتعريفه ، وهو على ضربين ، ضرب يجده في الحرم
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 390.
(2) الكافي ج 4 ص 239.
(3) التهذيب ج 6 ص 395.
(4) الكافي ج 4 ص 239 وفيه الأرجاني.
(5) في الكافي «ثم بحثت الحصا».
فيجب تعريفه سنة ، ثم يتصدق به ، وضرب
يجده في غير الحرم فيلزمه أيضا أن يعرفه سنة ، فان جاء صاحبه رده عليه ، وان لم
يجيء كان كسبيل ماله»
قال في المختلف بعد نقل ذلك : هذا الكلام : يشعر بأن ما
يجده في الحرم مما يقل قيمته عن درهم يجوز أخذه ، وكذا عبارة ابن البراج في الكامل
وابن إدريس ، ثم نقل عن على بن بابويه قال : اللقطة لقطتان : لقطة الحرم ، ولقطة
غيره ، فأما لقطة الحرم فإنها تعرف سنة ، فان جاء صاحبها والا تصدق بها ، ولقطة
غير الحرم تعرفها سنة ، فان جاء صاحبها والا كسبيل مالك وان كانت دون الدرهم فهي
لك.
ثم قال : وهذا يشعر بأن المأخوذ في الحرم يجب تعريفه
مطلقا ، وكذا عبارة أبيه في المقنع.
ثم نقل عن الشيخ المفيد نحوا من عبارة الشيخ على بن
بابويه ، وحاصلها في الدلالة على أن لقطة الحرم يجب تعريفها مطلقا فان عرف صاحبها
، والا تصدق بها ولقطة غير الحرم يعرفها كذلك ، فان عرف صاحبها والا تصرف فيها
الذي وجدها ولا بأس أن ينتفع بما يجده مما لم يبلغ قيمته درهما واحدا ولا يعرفه ،
ثم نقل عن سلار ما يشعر بموافقة الشيخ في إباحة ما ينقص عن الدرهم في الحرم ، ثم
اختار مذهب الشيخ على بن بابويه.
أقول : وقد ظهر من ذلك أن محل الخلاف هنا في أن ما نقص
عن درهم من لقطة الحرم هل يجوز تملكه من غير تعريف أم لا؟ فظاهر الشيخ في النهاية
ومن تبعه أول ، وظاهر الشيخ على بن بابويه والشيخ المفيد الثاني.
والعجب انه في المختلف قال في صدر البحث : لا يجوز تملك
لقطة الحرم إجماعا ، بل يجب تعريفها حولا ثم يتخير بعده بين الاحتفاظ والصدقة ،
وهذا الكلام كما ترى يؤذن بدعوى الإجماع على عدم جواز تملكها ، وان كانت أقل من
درهم ، مع أنه نقل الخلاف المذكور في أثناء المبحث.
ثم ان ظاهر عبارة الشيخ المتقدمة أن ما كان درهما فما ذا
لا يجوز أخذه ولا التقاطه من الحرم كان أو غيره ، وقيل : انه لا يحل لقطة الحرم
قليلة كانت أو كثيرة ،
وبه صرح المحقق في كتاب الحج من
الشرائع ، وعزاه في المدارك الى الشيخ في النهاية ، وعبارته المتقدمة كما عرفت لا
تساعده ، إذ ظاهرها انما هو ما كان درهما فصاعدا وقيل بالكراهة ، وهو اختياره في
النافع.
وقيل يجوز التقاط القليل مطلقا ، والكثير على كراهية مع
نية التعريف ، وهو خيرة المحقق في كتاب اللقطة على ما ذكره في المدارك ، والظاهر
ان من ذهب الى التحريم مطلقا أخذ بظاهر النهى عن أخذها ، ومنها كما في صحيحة
الفضيل بن يسار ورواية إبراهيم ابن ابى البلاد ، ورواية على بن أبي حمزة وغيرها
الا انه ينافيه قوله (عليهالسلام) في صحيحة
الفضيل ، «فان لم يأخذها إلا مثلك فليعرفها» فإنه مما يؤذن بالرخصة ، وجواز الأخذ
لمثله ، ومثله قوله (عليهالسلام) في رواية
الأخرى ، «واما أنت فلا بأس».
ومن هنا قيل بالكراهة سيما مع ورود النهي أيضا في غير
لقطة الحرم ، كما في حسنة الحسين بن أبى العلاء (1) قال : «ذكرنا
لأبي عبد الله (عليهالسلام) اللقطة فقال
: لا تعرض لها فان الناس لو تركوها لجاء صاحبها حتى يأخذها».
وقول على (عليهالسلام) في رواية
مسعدة بن زياد (2) عن الصادق (عليهالسلام) «إياكم
واللقطة ، فإنها ضالة المؤمن ، وهي حريق من حريق جهنم». إلا أنك قد عرفت من ظاهر
عبارة الشيخ المتقدمة القول بالتحريم مطلقا ، وان كان من غير لقطة.
واما من قال بالتحريم في خصوص الدرهم فما زاد كما هو
ظاهر عبارة النهاية ولعله خصص عموم هذه الاخبار بأخبار جواز أخذ ما نقص عن الدرهم.
ومن فصل بين الكثير والقليل لعله نظر الى ظاهر صحيحة
الفضيل بن يسار مع ما دل على جواز التقاط ما دون الدرهم.
وكيف كان فمع أخذها وتعريفها فقيل : انه يتخير بين الحفظ
فتكون أمانة عنده وبين الصدقة ، فإن تصدق بها بعد الحول ، ففي الضمان قولان للشيخ
: أحدهما ثبوته
__________________
(1) التهذيب ج 6 ص 390 الرقم ـ 6.
(2) الفقيه ج 2 ص 176.
قال في النهاية في باب آخر من فقه الحج
، وكذا في المبسوط والخلاف ، وبه قال ابن الجنيد وابن إدريس.
والقول الثاني في باب اللقطة من النهاية أنه لا ضمان
عليه ، وهو قول المفيد وابن البراج ، وسلار ، وابن حمزة ، والمحقق في كتاب الحج من
الشرائع ، ونسبه في المختلف أيضا الى ولده ، وجعل الأقوى الأول.
أقول : ويأتي على ما قدمناه القول بجواز التقاط ما دون
الدرهم وتملكه تخصيص البحث هنا بما زاد على ذلك ، ونقل عن المحقق في كتاب اللقطة
أنه جوز تملك ما دون الدرهم دون الزائد ، فخير بين إبقائه أمانة والتصدق به ولا
ضمان
أقول : أما ما ذكره من التخيير بين الحفظ والتصدق
فالروايات المتقدمة خالية عنه ، فإنها كلها متفقة على التصدق سوى رواية الفضيل بن
غزوان ، وسيجيء الكلام فيها إنشاء الله
وأما ما قيل : من عدم الضمان على تقدير التصدق ، فلعل
منشؤه إطلاق الأمر بالتصدق في صحيحة إبراهيم بن عمر اليماني ، ورواية محمد بن رجا
الخياط ، ومتى كان مأمورا بالصدقة وقد امتثل فلا يتعقبه ضمان ، الا أن رواية على
بن أبي حمزة قد دلت على الضمان متى جاء طالبه ، فيجب تقييد إطلاق الخبرين بها ،
وبذلك تقوى القول بالضمان كما اختاره في المختلف.
الثاني قال في المختلف : كلام الشيخ يشعر بمنع أخذ ما
زاد على الدرهم من اللقطتين ، وكذا قال ابن البراج ، وقال ابن على بن بابويه أفضل
ما تستعمله في اللقطة إذا وجدتها في الحرم أو غير الحرم أن تتركها ولا تمسها ، وهو
يدل على أولوية الترك ، والأشهر الكراهة
ثم استدل للقائلين بالتحريم بعصمة مال الغير وبحسنة
الحسنين بن أبى العلاء المتقدمة ، وأجاب عنها بأنه لا منافاة بين عصمة مال الغير
والالتقاط ، فانا لا تملكه إياها بمجرده ، بل نأمره بالتعريف والالتقاط ، وذلك حفظ
لها قال : وقد روى زرارة (1)
__________________
(1) التهذيب ج 6 ص 391.
عن الباقر (عليهالسلام) قال : «سألته
عن اللقطة ، فأراني خاتما في يده من فضة ، قال : ان هذا مما جاء به السيل وانا
أريد أن أتصدق به».
وذلك يدل على التسويغ أقول : والذي يقرب عندي من الاخبار
الواردة في اللقطة مطلقا في الحرم أو غيره هو تحريم رفعها ، لأن الأخبار قد تكاثرت
بالنهي عن ذلك الذي هو حقيقة في التحريم مؤكدا بذلك بقول على عليهالسلام في رواية
مسعدة المتقدمة وهي حريق من حريق جهنم ، وقوله عليهالسلام في رواية على
بن أبي حمزة بئس ما صنع ، غاية الأمر انه رخص للثقة الأمين جواز ذلك ، كما دلت
عليه صحيحة الفضيل بن يسار ، ورواية الأخرى وبذلك يظهر قوة ما ذهب اليه الشيخ ومن
تبعه.
الثالث قال في المختلف : قال على بن بابويه : وان وجدت
في الحرم دينارا مطلقا فهو لك لا تعرفه ، وكذا قال ابنه في كتاب من لا يحضره
الفقيه ، والمشهور التحريم ، للعموم الدال على المنع من أخذ لقطة الحرم ، احتج بما
رواه الفضيل بن غزوان ثم ساق الرواية كما قدمناه ، ثم قال : والجواب المعارضة بما
تقدم من الأحاديث.
أقول : لا يخفى أن ما نقله عن الشيخ على بن بابويه في
هذا المقام من عباراته المنقولة في المواضع الثلاثة انما هو مأخوذ من كتاب الفقه
الرضوي (1) حيث قال في
الكتاب المذكور في باب اللقطة اعلم أن اللقطة لقطتان : لقطة الحرم ، ولقطة غير
الحرم فأما لقطة الحرم فإنها تعرف سنة ، فان جاء صاحبها والا تصدقت بها ، وان كنت
وجدت في الحرم دينارا مطلسا فهو لك لا تعرفه ، ولقطة غير الحرم تعرفها أيضا سنة ،
فان جاء صاحبها والا فهي كسبيل مالك ، وان كان دون درهم فهو لك حلال ـ الى أن قال عليهالسلام وأفضل ما
تستعمله في اللقطة إذا وجدتها في الحرم أو غير الحرم أن تتركها فلا تأخذها ولا
تمسها ، ولو أن الناس تركوا ما وجدوا جاء صاحبها وأخذها» ومنه يعلم أن مستند الشيخ
المذكور فيما ذكره من هذه الأحكام وغيرها مما عرفت فيما تقدم انما هو الكتاب
المذكور ، وان كانت ثمة أخبار تدل على ذلك أيضا.
__________________
(1) المستدرك ج 2 ص 144 نقل صدرها ونقل ذيلها في ج 3 ص 154.
نعم يبقى الكلام في أن الاخبار كما عرفت قد دلت على عدم
جواز تملك لقطة الحرم ، وهو وجه الفرق بين لقطة غير الحرم وغيره ، فان الحكم في
لقطة الحرم التخيير بين التملك والصدقة ، والحفظ أمانة ، وأما لقطة الحرم فقد عرفت
من كلامهم أن الحكم فيها التخيير بين الحفظ والصدقة ، والظاهر من الاخبار كما عرفت
انما هو الصدقة ، فالتملك فبها غير جائز ، وهذا الخبر قد دل على جواز التملك في
خصوص الدينار المطلس ، وقد دل الخبران المذكوران على جواز تملكه ، فالواجب هو
تخصيص الاخبار المذكورة بهما في خصوص هذا الفرد.
الرابع : ما اشتمل عليه خبر محمد بن رجا الخياط من
التصدق بالثلث ان كان محتاجا مما قال به الشيخ (رحمة الله عليه) فقال : انه إذا
كان محتاجا يجوز له تملك الثلثين والتصدق بالباقي.
وحمله العلامة على الضرورة ، وأنكر هذا القول ، وأنت
خبير بما فيه ، فإنه يجوز انه لما كان من حيث احتياجه من مصارف الصدقة جاز له تملك
الثلثين ويكون الأمر بالتصدق بالثلث محمولا على ضرب من الفضل والاستحباب ، على أنه
مع رفع الأمر للإمام (عليهالسلام) الذي هو صاحب
الاختيار في التصدق وغيره ، أمره بما راى من أخذ الثلثين صدقة عليه ، وأن يتصدق
بالثلث على غيره. فيكون الحكم مقصورا على هذه الصورة ، فلا منافاة فيه للأخبار
الدالة على عدم جواز تملك لقطة الحرم.
وربما قيل : ان تقريره (عليهالسلام) على أخذه يدل
على جواز أخذ لقطة الحرم ، كما ذهب اليه البعض.
وفيه ان الإنكار قد وقع في غيره من الاخبار فيخص به هذا
الخبر ، وانما هذا لما ابتلى بذلك جعل له المخرج لما ذكره (عليهالسلام).
الخامس : قد اتفقت الأخبار المذكورة هنا بالنسبة إلى لقطة
غير الحرم ان الحكم فيها بعد التعريف هو انها تكون كسبيل ماله.
ونحوها رواية داود بن سرحان (1) عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «أنه قال في
اللقطة : يعرفها
__________________
(1) التهذيب ج 6 ص 389.
سنة ، ثم هي كسائر ماله ،. والأصحاب
قد فهموا منها التملك واستدلوا بها على جواز تملكها بعد التعريف ، والخلاف هنا قد
وقع في أنه هل تدخل في ملكه بعد التعريف بغير اختيار أو لا بد عن اختياره ذلك ،
ظاهر كلام الشيخ في النهاية الأول ، فإنه قال : يعرفها سنة ، فان لم يجيء صاحبها
كانت كسبيل ماله ، وكذا قال ابن بابويه ، وبه جزم ابن إدريس.
وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط : إذا عرفها سنة لا تدخل
في ملكه الا باختياره ، بأن يقول قد اخترت ملكها ، وكذا قال ابن حمزة وأبو الصلاح
، وقال الشيخ المفيد وسلار ، وان كان الموجود في غير الحرم عرف سنة ، فان جاء
صاحبه والا تصرف فيه الذي وجده وهو ضامن له ، وليس فيه دلالة على شيء من القولين
، بل هو محتمل لكل منهما ، قال ابن إدريس : الصحيح أنه يملكها بغير اختياره ، وهو
مذهب أصحابنا أجمع ، وبه تواترت أخبارهم ، وقول الشيخ في الخلاف أنه يتخير بين
حفظها على صاحبها ، وبين أن يتصدق بها عنه ، ويكون ضامنا وبين أن يتملكها مذهب
الشافعي وابى حنيفة اختاره هيهنا والحق الصحيح إجماع أصحابنا على أنه بعد السنة
كسبيل ماله أو يتصدق بها بشرط الضمان ، ولم يقولوا هو بالخيار بعد السنة في حفظها
على صاحبها.
أقول : وعندي فيما ذكروه من دلالة هذه الاخبار على
التملك سيما على القول بدخولها في الملك من غير اختياره إشكال ، فإن غاية ما تدل
عليه هذه العبارة انها بعد التعريف سنة تكون كسبيل ماله ، والتشبيه لا يقتضي
المساواة من كل وجه ، فيجوز ان يكون المراد بحفظها في جملة أمواله ويجرى عليها ما
يجرى عليها.
ومما يدل على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن
مسلم (1) عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : سألته
عن اللقطة قال : لا ترفعوها فان ابتليت فعرفها سنة ، فان جاء
__________________
(1) التهذيب ج 6 ص 390.
طالبها والا فاجعلها في عرض مالك يجرى
عليها ما يجرى على مالك الى أن يجيء طالب».
وروى في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال سألته عن
اللقطة فقال : لا ترفعها فإذا ابتليت بها فعرفها سنة فان جاء طالبها والا فاجعلها
في عرض مالك يجرى عليها ما يجرى على مالك حتى يجيء لها طالب ، فان لم يجيء بها
طالب فأوص بها في وصيتك». وأنت خبير بان ظاهر الأمر بجعلها في عرض ماله حتى يجيء
لها طالب هو بقاء العين تلك المدة
وروى في من لا يحضره الفقيه في الصحيح عن على بن جعفر (2) أنه سأل أخاه
موسى بن جعفر (عليهماالسلام) عن الرجل
يصيب درهما أو ثوبا أو دابة كيف يصنع ، قال : يعرفها سنة ، فان لم يعرف جعلها في
عرض ماله حتى يجيء طالبها فيعطيها إياه ، وان مات أوصى بها ، وهو لها ضامن». وربما
أشعر قوله وهو لها ضامن وبالتملك والتصرف ، ويمكن حمله على التفريط فيها يعنى وهو
لها ضامن ان فرط في حفظها»
وروى المشايخ الثلاثة عطر الله مرقدهم عن أبى خديجة عن أبى
عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال
: «ينبغي له أن يعرفها سنة في مجمع ، فان جاء طالبها دفعها اليه والا كانت في ماله
، وان مات كان ميراثا لولده ولمن ورثه فان لم يجيء لها طالب كانت في أموالهم هي
لهم ان جاء طالبها دفعوها اليه (3).
وهذه الاخبار كلها ظاهرة في بقاء العين في يده مدة حياته
أو يد ورثته وإطلاق الميراث عليها ، وأنها للورثة تجوز باعتبار اختصاصهم بحفظها
وبالجملة فإثبات التملك بهذا اللفظ مشكل
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 139.
(2) الفقيه ج 3 ص 186.
(3) الكافي ج 5 ص 309 التهذيب ج 6 ص 397.
نعم قد روى الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه عن حنان
بن سدير (1) قال : «سأل
رجل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن اللقطة
وأنا أسمع قال تعرفها سنة فان وجدت صاحبها والا فأنت أحق بها». قال في الفقيه :
يعني لقطة غير الحرم وقال : هي كسبيل مالك وقال : خيره إذا جائك بعد سنة بين أجرها
وبين أن تغرمها له إذا كنت أكلتها ، والحديث ظاهر في جواز تملكها والتصرف فيها
وضمانها بعد ظهور صاحبها ان طلبها.
وأما ما يدل على جواز الصدقة بها مع الضمان فهو ما رواه في
التهذيب عن الحسين بن كثير (2) عن أبيه قال :
«سأل رجل أمير المؤمنين (عليهالسلام) عن اللقطة
فقال : يعرفها فان جاء صاحبها دفعها اليه والا حبسها حولا ، فان لم يجيء صاحبها
أو من يطلبها تصدق بها ، فان جاء صاحبها بعد ما تصدق بها ان شاء اغترمها الذي كانت
عنده وكان الأجر له ، وان كره ذلك احتسبها والأجر له ،.
وأما ما يدل على حفظها وجعله أمانة عنده فليس الا
الاخبار الأربعة التي ذكرنا منافاتها لاخبار الملك كما عرفت ، وحينئذ فإن عمل بهذه
الاخبار على ظاهرها لزم منه القدح في دليلهم المتقدم ، بالتقريب الذي ذكرناه ، وان
ارتكب فيها التأويل بما يرجع به الى الدلالة على الملك لزم أن يكون القول بالحفظ
خاليا إذ ليس من الدليل في الباب سوى هذه الاخبار والله العالم.
الفصل الرابع روى الشيخ (قدسسره) عن على بن
جعفر (3) عن أخيه موسى
بن جعفر (عليهماالسلام) قال : سألته
عن رجل جعل ثمن جاريته هديا للكعبة كيف يصنع فقال : مر مناديا يقوم على الحجر
فينادي ، ألا من قصرت به نفقته أو قطع به أو نفذ طعامه فليأت فلان بن فلان ، وأمره
أن يعطي أولا فأولا حتى يتصدق بثمن الجارية».
__________________
(1) التهذيب ج 6 ص 396 الفقيه ج 3 ص 588.
(2) التهذيب ج 6 ص 389.
(3) التهذيب ج 5 ص 483.
ورواه الحميري في قرب الاسناد بسنده عن على بن جعفر مثله
، الا انه قال : ثمن جاريته ، وزاد «وسألته عن رجل يقول : هو يهدى كذا وكذا ما
عليه؟ فقال : إذا لم يكن نذر فليس عليه شيء».
وروى ثقة الإسلام في الصحيح عن حريز عن ياسين (1) قال : سمعت
أبا جعفر عليهالسلام يقول : ان
قوما أقبلوا من مصر فمات رجل فأوصى بألف درهم للكعبة فلما قدم الوصي مكة سأل فدلوه
على بني شيبة فأتاهم فأخبرهم الخبر فقالوا : قد برئت ذمتك ادفعها إلينا ، فقام
الرجل فسأل الناس فدلوه على أبى جعفر محمد بن على (عليهالسلام) قال أبو جعفر
(عليهالسلام) : فأتاني
فسألني فقلت له : ان الكعبة غنية عن هذا انظر الى من أم هذا البيت فقطع به ، أو
ذهبت نفقته أو ضلت راحلته أو عجز أن يرجع الى أهله فادفعها إلى هؤلاء الذين سميت
لك ، فأتى الرجل بني شيبة فأخبرهم بقول ابى جعفر (عليهالسلام) فقالوا : هذا
ضال مبتدع ليس يؤخذ عنه ، ولا علم له ، ونحن نسألك بحق هذا البيت وبحق كذا وكذا
لما أبلغته عنا هذا الكلام قال فأتيت أبا جعفر (عليهالسلام) فقلت له :
لقيت بني شيبة فأخبرتهم فزعموا انك كذا وكذا وانك لا علم لك ثم سألوني بالعظيم الا
بلغتك ما قالوا قال : وأنا أسألك بما سألوك لما أتيتهم فقلت لهم ان من علمي أن لو
وليت شيئا من أمر المسلمين لقطعت أيديهم ثم علقتها في أستار الكعبة ثم أقمتهم على
المصطبة (2) ثم أمرت
مناديا ينادي ألا ان هؤلاء سراق الله فاعرفوهم. ورواه الصدوق في كتاب العلل مثله.
وعن على بن جعفر (3) عن أخيه أبي الحسن (عليهالسلام) قال : سألته
عن رجل جعل جاريته هديا للكعبة ، كيف يصنع؟ قال : ان ابى أتاه رجل قد جعل جاريته
هديا للكعبة فقال له : قوم الجارية أو بعها ثم مر مناديا يقوم على الحجر
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 241.
(2) المصطبة بكسر الميم وشد الباء ـ : كالدكان للجلوس عليه
ذكره الفيروزآبادي ـ مرآت.
(3) الكافي ج 4 ص 242 ـ التهذيب ج 5 ص 440.
فينادي الا من قصرت نفقته أو قطع به
طريقه أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان وأمره أن يعطي أولا فأولا حتى ينفد ثمن
الجارية».
ورواه الشيخ بإسناده عن على بن جعفر مثله الا انه قال :
جعل ثمن جاريته وترك قوله «قوم الجارية» وقال : في آخره حتى يتصدق بثمن الجارية ،
ورواه الصدوق في العلل مثله.
وروى في الفقيه عن محمد بن عبد الله بن مهران عن على بن
جعفر (1) عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : سألته
عن الرجل يقول : هو يهدى الى الكعبة كذا وكذا ما عليه إذا كان لا يقدر على ما
يهديه؟ قال : ان كان جعله نذرا ولا يملك فلا شيء عليه ، وان كان مما يملك غلاما
أو جارية أو شبههما باع واشترى بثمنه طيبا فيطيب به الكعبة ، وان كانت دابة فليس
عليه شيء».
وعن أبى الحر (2) عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال جاء رجل
الى ابى جعفر (عليهالسلام) فقال له :
انى أهديت جاريته إلى الكعبة فأعطيت بها خمس مأة دينار فما ترى؟ فقال : بعها ثم خذ
ثمنها ثم قم على حائط الحجر ثم ناد ، وأعط كل منقطع به وكل محتاج من الحاج.
ورواه في موضع آخر وقال : عن أبى الحسن عوض قوله عن أبى
الحر ورواه الصدوق في العلل عن ابى الحر عن ابى عبد الله (عليهالسلام) مثله ، ورواه
الشيخ عن ابى الحسن (3) عن أبى عبد
الله عليهالسلام مثله ،
والظاهر كما استظهره في الوافي أن لفظة أبى الحر وقع تصحيف أبى الحسن.
وعن سعيد بن عمر الجعفي (4) عن رجل من أهل
مصر قال : اوصى الى أخي بجارية كانت له مغنية فارهة ، وجعلها هديا لبيت الله
الحرام فقدمت مكة فسألت
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 235.
(2) الكافي ج 4 ص 242.
(3) التهذيب ج 5 ص 486.
(4) الكافي ج 4 ص 242.
قيل : ادفعها إلى بني شيبة ، وقيل :
الى غير ذلك من القول ، فاختلف على فيه ، فقال لي رجل من أهل المسجد : إلا أرشدك
الى من يرشدك في هذا إلى الحق؟ قلت : بلى قال : فأشار الى شيخ جالس في المسجد ،
فقال : هذا جعفر بن محمد عليهماالسلام فاسأله قال :
فأتيته (عليهالسلام) وقصصت عليه
القصة فقال : ان الكعبة لا تأكل ولا تشرب وما اهدى لها فهو لزوارها ، بع الجارية ،
وقم على الحجر فناد هل من منقطع به ، وهل من محتاج من زوارها فإذا أتوك فسل عنهم ،
وأعطهم واقسم فيهم ثمنها ، قال : فقلت له : ان بعض من سألته أمرني بدفعها إلى بني
شيبة ، فقال : اما ان قائمنا (عليهالسلام) لو قد قام
لقد أخذهم فقطع أيديهم فطاف بهم ، وقال : هؤلاء سراق الله.
ورواه الشيخ أيضا والصدوق في العلل مثله ،
وعن أبى عبد الله البرقي عن بعض أصحابنا (1) قال : دفعت
الى امرأة غزلا فقالت : ادفعه بمكة ليخاط به كسوة الكعبة فكرهت أن ادفعه الى
الحجبة ، وأنا أعرفهم فلما صرت بالمدينة دخلت على أبى جعفر (عليهالسلام) فقلت له :
جعلت فداك ان امرأة أعطتني غزلا وأمرتني أن ادفعه بمكة ليخاط به كسوة الكعبة فكرهت
أن ادفعه الى الحجبة ، فقال : اشتر به عسلا وزعفرانا وخذ طين قبر أبى عبد الله (عليهالسلام) واعجنه بما
السماء واجعل فيه شيئا من العسل والزعفران ، وفرقه على الشيعة ليداووا به مرضاهم».
قال في الفقيه (2) وروى عن الأئمة (عليهمالسلام) أن الكعبة لا
تأكل ولا تشرب ، وما جعل هديا لها فهو لزوارها ، قال : وروى (3) «انه ينادى على
الحجر ألا من انقطعت به النفقة فليحضر فيدفع اليه ،».
وروى في العلل والعيون عن عبد السلام بن صالح الهروي (4) وعن الرضا
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 243.
(2) الفقيه ج 2 ص 126.
(3) الفقيه ج 2 ص 126.
(4) الوسائل الباب 22 من أبواب مقدمات الطواف.
(عليهالسلام) في حديث قال
: «قلت له : بأي شيء يبدأ القائم منكم إذا قام ، قال : يبدأ يبني شيبة فيقطع
أيديهم لأنهم سراق بيت الله».
وروى النعماني في كتاب الغيبة بسنده عن بندار الصيرفي (1) عن رجل من أهل
الجزيرة عن أبى جعفر ، (عليهالسلام) قال : قلت له
: معي جارية جعلتها على نذر بيت الله في يمين كانت على وقد ذكرت ذلك للحجبة فقالوا
جئنا بها ، فقد وفى الله بنذرك فقال أبو جعفر (عليهالسلام) : يا عبد
الله ان البيت لا يأكل ولا يشرب ، فبع جاريتك واستقص وانظر أهل بلادك ممن حج هذا
البيت ، فمن عجز منهم عن نفقته فأعطه حتى يفيئوا إلى بلادهم» الحديث.
وروى محمد بن الحسين الرضي (رضى الله عنه) في كتاب نهج
البلاغة (2) قال روى أنه
ذكر عند عمر في أيامه حلي الكعبة وكثرته ، فقال قوم : لو أخذته فجهزت به جيوش
المسلمين كان أعظم للأجر ، وما تصنع الكعبة بالحلي ، فهم عمر بذلك ، فسأل عنه أمير
المؤمنين فقال : ان القرآن نزل على رسول الله (صلىاللهعليهوآله) والأموال
أربعة أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض ، والفيء فقسمه على مستحقيه ،
والخمس فوضعه الله حيث وضعه ، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها ، وكان حلي الكعبة
فيها يومئذ ، فتركه الله على حاله ، ولم يتركه نسيانا ، ولم يخف عليه مكانا فأقره
حيث أقر الله ورسوله ، فقال عمر : لولاك لافتضحنا ، وترك الحلي بحاله.
وروى في العلل في الصحيح عن عبد الله بن المغيرة عن
السكوني (3) عن جعفر بن
محمد عن أبيه عن على (عليهماالسلام) قال : «لو
كان لي واديان يسيلان ذهبا وفضة ما أهديت الى الكعبة شيئا ، لأنه يصير إلى الحجبة
دون المساكين».
وتحقيق القول والبيان فيما اشتملت عليه هذه الاخبار الحسان
يقع أيضا في مواضع : أحدها ـ لا يخفى أن المعروف في كلام الأصحاب هو أنه لو نذر أن
يهدى الى بيت الله سبحانه غير النعم وغير عبده وجاريته ودابته ، بأن نذر أن يهدى
ثوبا أو
__________________
(1) الوسائل الباب 22 من أبواب مقدمات الطواف.
(2 و 3) الوسائل الباب ـ 23 من أبواب مقدمات الطواف.
طعاما أو دراهم أو دنانير أو نحو ذلك
فقيل : أنه يبطل النذر ، ونسب الى ابن الجنيد وابن أبى عقيل وابن البراج معللين
ذلك بأنه لم يتعبد بالإهداء إلا في النعم ، فيكون نذر غير ما يتعبد به ، وهو باطل
، ويدل عليه رواية أبي بصير عن أبى عبد الله (عليهالسلام) وفيها «فان
قال الرجل : أنا أهدى هذا الطعام فليس بشيء إنما تهدى البدن»
وقيل : يباع ذلك ويصرف في مصالح البيت ، قال شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك بعد نقل المصنف هذا القول : وأما القول ببيعه وصرفه في
مصالح البيت فنقله المصنف عن بعضهم ، ولم يعلم قائله.
نعم صرف ما يهدى الى المشهد وينذر له الى مصالحه ومعونة
الزائرين حسن ، وعليه عمل الأصحاب ، ويبدء بمصالح المشهد أولا وعمارته ثم يصرف
الفاضل الى زواره لينفقوه في سفر الزيارة لا غير مع حاجتهم اليه انتهى.
وظاهر كلام شيخنا المشار اليه هو الفرق بين ما يهدى الى
البيت الحرام ، والى المشاهد المشرفة ، وأن ما يهدى الى المشاهد ينبغي صرفه في
مصالحها ومعاونة زوارها ، وأما ما يهدى الى الكعبة فسيأتي مذهبه فيه ، وحينئذ فمحل
الخلاف في المسألة انما هو ما عدا الانعام ، للإجماع نصا وفتوى اهداؤها ، وما عدا
الثلاثة المذكورة فإن الحكم فيها انها تباع ويصرف ثمنها في مصالح البيت أو المشهد
، ومعونة الحجاج والزائرين.
وتنظر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، وقبله الشهيد في
نكت الإرشاد في تخصيص محل النزاع بما ذكر أولا ، بل ظاهره دخول الثلاثة المذكورة
أيضا في ذلك وهو جيد ، فان مقتضى دليل المانعين ذلك لتخصيصهم الهدى بالنعم كما
عرفت ، وما عداها فلا يصلح لذلك فلا يكون نذره منعقدا وحينئذ فتدخل الثلاثة
المذكورة في محل النزاع.
وكيف كان فهذا القول منقول عنه مردود بما تلوناه من
الاخبار الدالة على إهداء الجارية والغزل ، وأما رواية أبي بصير المذكورة فإنها لا
تبلغ قوة في معارضة ما قدمناه من الاخبار ، مع أن ظاهرها تخصيص الهدى بالبدن ،
والإجماع نصا وفتوى
على خلافه ، وثانيها المفهوم من كلام
الشيخ في المبسوط أن مصرف ما يهدى الى بيت الله الحرام مساكين الحرم.
قال : إذا نذر أن يهدى انعقد نذره ويهدى الى الحرم ،
ويفرقه في مساكين الحرم ، لأنه الذي يحمل الإطلاق عليه ، والهدى المشروع ما كان
الى الحرم ، قال الله تعالى (1) «ثُمَّ
مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» وقال الله
تعالى (2) «هَدْياً
بالِغَ الْكَعْبَةِ» فإذا ثبت انعقاد نذره ، فاما أن يعين
أو يطلق ، فان عين فان كان بما ينقل ويحول كالنعم والدراهم والدنانير والثياب
وغيرها انعقد نذره ، ولزمه نقله الى الحرم وتفرقة في مساكين الحرم ، الا أن يعين
الجهة التي نذر لها كالثياب لستارة الكعبة وطيبها ونحوهما ، فيكون على ما نذر ،
وان كان مما لا ينقل ولا يحول ، مثل أن يقول : «لله على أن أهدى الهدي» لزمه ما
يجزى أضحيته من الثني من الإبل والبقر والمعز والجذع من الضأن ، لأنه المعهود وان
قال : لله على أن أهدى أو قال : «أهدى هديا» قال قوم : يلزمه ما يجزى أضحيته ،
وقال آخرون : يلزمه ما يقع عليه الاسم من تمرة أو بيضة فما فوقها ، لان اسم الهدى
يقع عليه لغة وشرعا ، يقال : أهدي بيضة وتمرة ، وقال تعالى (3) «يَحْكُمُ
بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ» وقد يحكمان
بقيمة عصفور أو جرادة وسمى النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) البيضة هديا
، فقال في التكبير إلى الجمعة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما أهدى بيضة ،
والأول أحوط ، والثاني أقوى ، لأن الأصل براءة الذمة انتهى
قال في المسالك وذهب الشيخ في المبسوط الى صرف الهدى الى
بيت الله الى مساكين الحرم ، كالهدي من النعم إذا لم بعين له في نذره مصرفا غيرهم
، ورجحه العلامة في المختلف والتحرير ، وولده والشهيد وهو الأصح ، ويدل عليه صحيحة
على بن جعفر «قال : سألته عن رجل» ثم ساق رواية على بن جعفر الثانية ، ثم قال :
__________________
(1) سورة الحج الآية ـ 33.
(2) المائدة ـ 95.
(3) المائدة ـ 95.
ولا خصوصية للجارية فيكون غيرها كذلك
لعدم الفارق ، بل الإجماع على عدمه انتهى.
أقول : وقد تحصل أن في المسألة أقوالا ثلاثة أحدها
البطلان كما تقدم ، وثانيها الصحة وبيعه وصرف ثمنه في مصالح البيت كما هو القول
المجهول القائل بينهم ، وثالثها الصحة وصرف ذلك إلى مساكين الحرم.
ثم أقول : لا يخفى ان ما اختاره هؤلاء الفضلاء الأجلاء (نور
الله تعالى مراقدهم) من صرف ذلك الى مساكين الحرم تبعا للشيخ لا أعرف له دليلا
واضحا ، بل الأخبار التي قدمناها واضحة في رده وبطلانه ، واستدلال شيخنا في مسالكه
برواية على بن جعفر المشار إليها مردود بأنها وأن أوهمت ذلك في بادى النظر ، الا
انها عند التأمل فيها وملاحظة ما عداها من أخبار المسألة ، فإن المراد بأولئك
الذين يناديهم انما هم الحجاج المنقطعون من أهل الافاق لا مساكين الحرم ، ومنها
قوله في رواية ياسين «انظر الى من أم هذا البيت» الحديث ، وقوله في رواية أبي الحر
أو أبي الحسن «أعط كل محتاج من الحاج» وقوله في رواية المصري» «وما أهدى لها فهو
لزوارها» ، وقوله «فناد هل من منقطع ومن محتاج من زوارها» ونحو ذلك رواية
النعماني.
ولا ريب أن إطلاق ما عدا هذه الاخبار محمول على هذه
الاخبار ، وقرائن عباراتها ظاهرة في ذلك.
وبالجملة فإن ما ذكروه (نور الله تعالى مراقدهم) انما
نشأ من عدم الوقوف على هذه الاخبار.
وثالثها الظاهر أن ما اشتمل عليه أكثر هذه الاخبار من
ذكر الجارية لا يوجب تخصيص الحكم بها ، بل ذلك يجري في كل ما أهدي للكعبة من
الحيوانات الأناسي وغيرها وغير الحيوانات ، وخصوص السؤال عن الجارية لا يوجب تخصيص
الحكم كما تقرر في محله ، ولانه متى كان النذر منعقدا صحيحا تعين المصرف فيما ذكر
، لعدم الخصوصية كما عليه ظاهر اتفاق كلمة القائلين بانعقاد النذر المذكور ، وقال
السيد السند صاحب المدارك في شرح النافع بعد نقل بعض أخبار الجارية : «وألحق به
المصنف إهداء الدابة أيضا ، لاشتراك
الجميع في المعنى ، وهو حسن ، بل لا يبعد مساواة غيرهما لهما في هذا الحكم من
إهداء الدراهم والدنانير والأقمشة وغير ذلك ، ويشهد له أيضا ما رواه الكليني ، ثم
أورد رواية ياسين المتقدمة» ونحوه كلام جده المتقدم ، وقوله ولا خصوصية للجارية
الى آخره.
واما ما ذكره الأصحاب من وجوب البدنة بمصالح البيت
والمشهد ، فإليه يشير قوله (عليهالسلام) في رواية
ياسين «ان الكعبة غنية عن هذا» وقوله في الروايات الآخران «الكعبة لا تأكل ولا
تشرب» فإنه كناية عن عدم الحاجة لي ذلك
وأما ما دلت عليه رواية على بن جعفر الثالثة من الفرق
بين العبد والجارية وبين الدابة أنه إذا نذر الدابة فليس عليه شيء فلا قائل به من
الأصحاب ، بل ظاهرهم الاتفاق على خلافه ، وبذلك طعن به عليها في المسالك ، مضافا
الى ضعف الراوي لها عن على بن جعفر ، وهو محمد بن عبد الله بن مهران ، فإنه ضعيف
جدا ، وزاد في الطعن عليها بتخصيص الحكم فيها بهذه الأشياء المذكورة ، وهو كذلك.
وما ذكروه في الوافي في بيان وجه الفرق حيث قال : «انما
صح إهداء الغلام والجارية وشبههما إلى الكعبة دون الدابة لأن الغلام يصلح لخدمتها
وكذا الجارية وكل ما يصلح أن يصرف إليها وهو المراد بشبهه ، بخلاف الدابة ، وانما
يباع ما يصلح لها لأن الحجبة يحولون بينه وبين الانتفاع به هناك»
فيه أولا أنه لو تم هذا التعليل لاقتضى عدم جواز إهداء
الدراهم والدنانير لها مع أن في الروايات المتقدمة ما دل على إهداء ثمن الجارية ،
والوصية بألف درهم للكعبة ونحو ذلك
وثانيا تعليلاتهم (عليهمالسلام) «بأن الكعبة
غنية عن ذلك ، وما يهدى لها فهو لزوارها» فإذا كان مصرف ذلك شرعا انما هو زوارها
فلا فرق بين إهداء ما يمكن صرفه بنفسه أو يتوقف على بيعه وصرف ثمنه كائنا ما كان
وثالثا قوله (عليهالسلام) في رواية
السكوني الأخيرة «لأنه يصير إلى الحجبة دون المساكين» فإنه ظاهر في عدم إهدائه
للكعبة انما هو من حيث أن مصرف ما يهدى
إليها للمساكين ، والحجبة يحولون
بينها وبين مصرفه ، لا أن مصرفه الخدمة كما ذكره ، وأمر ببيعه لأن الحجبة يحولون
بينه وبين الخدمة وبالجملة فالظاهر هو ما عليه الأصحاب من العموم
ورابعها ـ الظاهر أن ما اشتملت عليه هذه الاخبار من ذكر
هذا الحكم بالنسبة إلى الكعبة جار أيضا بالنسبة إلى المشاهد الشريفة ، فلو أهدى
شيئا لها أو نذر لها كان الحكم فيه ما تقدم ، وبذلك صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم)
كما تقدم من كلام شيخنا الشهيد الثاني.
بل ظاهر ابن إدريس في السرائر ، ورود الرواية بذلك في
المشاهد أيضا ، حيث قال : وروى «أنه من جعل جاريته أو عبده أو دابته هديا لبيت
الله الحرام أو لمشهد من مشاهد الأئمة (عليهمالسلام) فليبع العبد
أو الجارية أو الدابة ، ويصرف ثمنه في مصالح البيت ، أو المشهد ، أو معونة الحاج ،
أو الزائرين الذين خرجوا في السفر ويتناولهم اسم الحاج والزائرين ، ولا يجوز لأحد
أن يعطى شيئا من ذلك قبل خروجهم الى السفر انتهى.
أقول : ان كان قد وردت الرواية بما ذكره كما هو ظاهر
كلامه ، والا فمقتضى الأخبار المتقدمة أن مصرف الوجه المذكورة انما هو الحاج أو
الزائرين المتوقف رجوعهم إلى أوطانهم على ذلك ، لا مطلق من أراد السفر وابتدأ به ،
وان كان ما ذكره لا يخلو من قرب ، حملا للأخبار المذكورة على اتفاق وقوع ذلك في
مكة أيام الموسم ، وليس يومئذ إلا الرجوع.
وبالجملة فالأظهر الأحوط انما هو ما ذكرناه وممن صرح
أيضا بالعموم كما ذكرناه السيد السند في شرح النافع حيث قال «ولو نذر شيئا لأحد
المشاهد المشرفة صرف فيه على حسب ما قصده الناذر ، ومع الإطلاق يصرف في مصالح
المشهد ، ولو استغنى المشهد عنه في الحال فالظاهر جواز صرفه في معونة الزوار ،
ولان ذلك أولى من إبقاءه على حاله معرضا للتلف ، فيكون صرفه على هذا الوجه إحسانا
محضا ، وما على المحسنين من سبيل انتهى.
ويقرب بالبال العليل والفكر الكليل التفصيل في ما يهدى
أو ينذر لهم (عليهمالسلام) بأنه ان كان
متعلق النذر أو الهدية هو المشهد الشريف ، فالحكم فيه ما ذكر ، وان كان متعلقة هو
الامام (عليهالسلام) المدفون في
ذلك المشهد ، مثل أن ينذر للحسين (عليهالسلام) أو يهدي له
فينبغي صرف ذلك الى أولادهم المحتاجين أولا ، ثم شيعتهم المضطرين ثانيا ، لان ذلك
يصير من قبيل أموالهم التي قد علم أن حكمها في حال الغيبة الحل لشيعتهم ، الا ان
الأحوط تقديم أولادهم الواجبي النفقة عليهم لو كانوا أحياء ، وقد ورد في الوقف
عليهم حال حياتهم (عليهالسلام) والإهداء لهم
، والوصية لهم (عليهالسلام) والنذر لهم ،
وقبولهم ذلك روايات عديدة ، والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين حال حياتهم وموتهم في
صحة كل من الأمرين.
وخامسها ـ أكثر الأخبار المتقدمة قد اشتملت على أن مصرف
ما يهدى للكعبة أو ينذر للمنقطعون من الحجاج ، وفي رواية على بن جعفر الثالثة «أن
مصرفه أن يشترى به طيبا فيطيب به الكعبة» وفي رواية البرقي في قيمة الغزل «ان
يشترى به عسلا وزعفرانا ويضيفه طين قبر الحسين (عليهالسلام) وماء السماء
ويدفعه إلى الشيعة يتداوون به» ووجه المنافاة ظاهرة ، سيما قوله (عليهالسلام) ما أهدي
للكعبة فهو لزوارها» الدال بظاهره على اختصاص المصرف بالزوار وفي المسالك جعل
رواية على بن جعفر المذكورة مؤيدة للصرف في مصالح البيت ، بجعل الطيب من المصالح ،
وفيه توقف ، ولا يبعد حمل الخبرين المذكورين على اتفاق ذلك في غير أيام الحج ،
لعدم تيسر المصرف المذكور في تلك الاخبار سيما رواية الغزل فإنها صريحة في أن
السؤال عن ذلك انما هو بالمدينة بعد منصرفه من الحج ، ويحتمل فيه أيضا أنه لقلة
ثمن الغزل لا يبلغ لذلك المصرف المذكور ، وبالجملة فالعمل على الاخبار الكثيرة
المذكورة.
سادسها ـ ظاهر هذه الاخبار متفق الدلالة على تصديق مدعى
الفقر والحاجة ، وعدم التوقف على يمين أو بينة كما هو المشهور في كلام الأصحاب ،
خلافا لمن
نازع في ذلك كصاحب المدارك ، ومثله
الفاضل الخراساني في مسألة دفع الزكاة لمدعي الفقر ، فان هذه الاخبار كلها ظاهرة
الدلالة بالأمر بأنه ينادي على الحجر لكل محتاج منقطع به ، وانه يعطى أولا فأولا
حتى ينفد المال
وأما قوله (عليهالسلام) في رواية
الرجل المصري «فإذا أتوك فاسئل عنهم ، وأعطهم» فالظاهر أن المراد انما هو السؤال
عن كونهم من الحجاج المنقطعين ، أو من أهل البلد ،
وسابعها ـ يمكن أن يستفاد من الخبر المروي في كتاب نهج
البلاغة الدال على عدم جواز التعرض لحلى الكعبة ان صح ، جواز تحلية المشاهد
الشريفة أيضا ، وعدم جواز التعرض له ، الا انه يمكن الفرق أيضا بالنظر الى أنهم (صلوات
الله عليهم) في أيام الحياة لا يرون تحلية بيوتهم ، بل يكرهونه كما هو معلوم من
أحوالهم (صلوات الله عليهم) ولو أمكن قسمة ذلك في أولادهم المحتاجين بل شيعتهم
المضطرين لكان حسنا ، لان هذا مصرف أموالهم زمان الغيبة ، واستغنائهم عن ذلك.
الفصل الخامس : روى ثقة الإسلام في الكافي عن إسماعيل بن
جابر (1) قال : «كنت
فيما بين مكة والمدينة أنا وصاحب لي فتذاكرنا الأنصار فقال أحدنا : هم نزاع من
قبائل ، وقال أحدنا : هم من أهل اليمين ، قال : فانتهينا الى أبى عبد الله (عليهالسلام) وهو جالس في
ظل شجرة فابتدأ الحديث ولم نسأله فقال : ان تبعا لما جاء من قبل العراق وجاء معه
العلماء وأبناء الأنبياء فلما انتهى الى هذا الوادي لهذيل أتاه الناس من بعض
القبائل قالوا : انك تأتى الى أهل بلدة قد لعبوا بالناس زمانا طويلا حتى اتخذوا
بلادهم حرما وبيتهم ربا أو ربة فقال : ان كان كما تقولون قتلت مقاتليهم وسبيت
ذريتهم ، وهدمت بيتهم ، قال : فسالت عيناه حتى وقعتا على خديه قال فدعى العلماء
وأبناء العلماء فقال : انظرونى وأخبروني لما أصابني هذا ، فأبوا أن يخبروه حتى عزم
عليهم ، فقالوا : حدثنا بأي شيء حدثتك به نفسك ، قال : حدثت نفسي
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 215.
أن أقتل مقاتليهم وأسبي ذريتهم وأهدم
بيتهم ، فقالوا : انا لا نرى الذي أصابك إلا لذلك ، قال : ولم هذا؟ قالوا : لان
البلد حرم الله والبيت بيت الله وسكانه ذرية إبراهيم خليل الرحمن ، فقال صدقتم فما
مخرجي مما وقعت فيه ، قالوا : تحدث نفسك بغير ذلك فعسى الله ان يرد عليك ، قال :
فحدث نفسه بخير ، فرجعت حدقتاه وثبتتا في مكانهما قال : فدعى القوم الذين أشاروا
عليه بهدمها فقتلهم ، ثم أتى البيت فكساه وأطعم الطعام ثلاثين يوما كل يوم مأة
جزور حتى حملت الجفان الى السباع في رؤوس الجبال ونثرت الأعلاف في الأودية للوحوش
ثم انصرف من مكة إلى المدينة ، فأنزل بها قوما من أهل اليمن من غسان وهم الأنصار ،
قال في الكافي وفي رواية أخرى كساه النطاع وطيبه».
قال في الفقيه (1) : ما أراد الكعبة أحد بسوء الا غضب
الله تعالى لها ،. «ونوى يوما تبع الملك أن يقتل مقاتله أهل الكعبة ويسبى ذريتهم».
ثم ساق الحديث على اختلاف في ألفاظه وقال فيه أيضا «وروى (2) انه ذبح له
ستة آلاف بقرة بشعب ابن عامر ، وكان يقال له مطابخ تبع حتى نزلها ابن عامر ،
فأضيفت اليه فقيل شعب ابن عامر ولم يكن تبع مؤمنا ولا كافرا ولكنه ممن كان يطلب
الدين الحنيف ولم يملك المشرق الا تبع وكسرى». انتهى.
أقول : قال في كتاب مجمع البحرين : «وتبع كسكر : اسم
لملوك اليمن التبابعة ، وهم سبعون تبعا ملكوا جميع الأرض ومن فيها من العرب والعجم
، وكان تبع الأوسط مؤمنا وهو تبع الكامل بن ملكي بن كرب بن تبع الأكبر بن تبع
الأقرن ، وهو ذو القرنين الذي قال الله فيه (3) «أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ» وكان من أعظم
التبابعة ، وأفصح شعراء العرب ويقال : انه نبي مرسل الى نفسه ، لما تمكن من ملك
الأرض والدليل على ذلك أن الله تعالى ذكره عند ذكر الأنبياء ، فقال (4) «وَقَوْمُ
تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ» ولم يعلم أنه
أرسل الى قوم تبع رسول غير تبع ، وهو الذي
__________________
(1 و 2) الفقيه ج 2 ص 161.
(3) سورة الدخان الآية ـ 37.
(4) ق ـ 14.
نهى النبي (صلىاللهعليهوآله) ، عن سبه ،
لانه آمن قبل ظهوره بسبع مأة عام ، وفي بعض الاخبار تبع لم يكن مؤمنا ولا كافرا ،
ولكن يطلب الدين الحنيف ، وتبع أول من كسى البيت الأنطاع بعد آدم حيث كساه الشعر ،
وقبل إبراهيم (عليهالسلام) حيث كساه
الخصف انتهى.
ثم انه ما قد ورد في الأنصار أنهم كانوا من قوم تبع أيضا
ما رواه في الكافي (1) والعياشي في
تفسيره عن الصادق (عليهالسلام) في تفسير
قوله تعالى (2) «وَكانُوا
مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا» الاية قال (عليهالسلام) كانت اليهود
تجد في كتبها أن مهاجر محمد (صلىاللهعليهوآله) ما بين عير وأحد
، فخرجوا يطلبون الموضع ، فمروا بجبل يسمى حداد فقالوا : حداد وأحد سواء فتفرقوا
عنده ، فنزل بعضهم بتيماء ، وبعضهم بفدك ، وبعضهم بخيبر ، فاشتاق الذين بتيماء الى
بعض إخوانهم فمر بهم أعرابي من قيس فتكاروا منه ، وقال لهم : أمر بكم ما بين عير
وأحد ، فقالوا له : إذا مررت بهما فآذنا بهما فلما توسط بهم أرض المدينة قال لهم :
ذلك عير وهذا أحد فنزلوا عن ظهر ابله ، فقالوا : قد أصبنا بغيتنا فلا حاجة لنا في
إبلك ، فاذهب حيث شئت ، وكتبوا إلى إخوانهم الذين بفدك وخيبر أنا قد أصبنا الموضع
، فهلموا إلينا ، فكتبوا إليهم أنا قد استقرت بنا الدار واتخذنا الأموال ، وما
أقربنا منكم ، فإذا كان ذلك فما أسرعنا إليكم ، فاتخذوا بأرض المدينة الأموال فلما
كثرت أموالهم بلغ تبع فغزاهم فتحصنوا منه فحاصرهم ، وكانوا يرقون لضعفاء أصحاب تبع
، فيلقون إليهم بالليل التمر والشعير ، فبلغ ذلك تبع فرق لهم فآمنهم فنزلوا اليه
فقال لهم : انى قد استطبت بلادكم ، وما أراني الا مقيما فيكم فقالوا له : انه ذلك
ليس لك ، انها مهاجر نبي (صلىاللهعليهوآله) ، وليس ذلك
لأحد حتى يكون ذلك ، فقال لهم : انى مخلف فيكم من أسرتى من إذا كان ذلك ساعده
ونصره ، فخلف حيين الأوس ، والخزرج ، فلما كثروا بها كانوا يتناولون أموال اليهود
وكانت اليهود تقول لهم :
__________________
(1) الكافي ج 8 ص 308.
(2) سورة البقرة الآية ـ 89.
أما لو قد بعث محمد (صلىاللهعليهوآله) ليخرجنكم من
ديارنا وأموالنا فلما بعث الله محمدا (صلىاللهعليهوآله) آمنت به
الأنصار وكفرت به اليهود ، وهو قول الله عزوجل (1) «وَكانُوا
مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهُمْ ما
عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ».
الفصل السادس : روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن
زرارة (2) عن أبى جعفر عليهالسلام «قال حج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأقام بمنى
ثلاثا يصلى ركعتين ، ثم صنع ذلك أبو بكر ، ثم صنع ذلك عمر ، ثم صنع ذلك عثمان ستة
سنين ثم أكملها عثمان أربعا فصلى الظهر أربعا ثم تمارض ليشد بذلك بدعته ، فقال
للمؤذن : اذهب الى على (عليهالسلام) ، فقل له
فليصل بالناس العصر فأتى المؤذن عليا (عليهالسلام) فقال له ان
أمير المؤمنين عثمان يأمرك أن تصلى بالناس العصر فقال : اذن لا أصلي إلا ركعتين
كما صلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فذهب المؤذن
فأخبر عثمان بما قال على (عليهالسلام) فقال : اذهب
اليه وقل له : انك لست من هذا في شيء فصل كما تؤمر فقال (عليهالسلام) لا والله لا
أفعل فخرج عثمان فصلى بهم أربعا فلما كان خلافة معاوية واجتمع الناس عليه ، وقتل
أمير المؤمنين (عليهالسلام) ، حج معاوية
، فصلى بالناس بمنى ركعتين الظهر ثم سلم ، فنظرت بنوا أمية بعضهم الى بعض وثقيف
ومن كان من شيعة عثمان ثم قالوا : قد قضى على صاحبكم وخالف وأشمت به عدوه ، فقاموا
فدخلوا عليه فقالوا أتدري ما صنعت ما زدت على ان قضيت على صاحبنا وأشمت به عدوه
ورغبت عن صنيعه وسنته ، فقال : ويلكم أما تعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، صلى في هذه
المكان ركعتين ، وأبو بكر وعمر وصلى صاحبكم ست سنين كذلك ، فتأمروني أن ادع سنة
رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وما صنع أبو
بكر وعمر وعثمان قبل أن يحدث فقالوا : لا والله ما نرضى عنك الا بذلك قال :
فأقيلوا فانى مشفعكم وراجع الى سنة صاحبكم ، فصلى العصر أربعا فلم يزل الخلفاء
والأمراء على ذلك الى اليوم».
أقول : وما اشتمل عليه هذا الخبر من هذه البدعة التي من
عثمان مما قد رواها
__________________
(1) سورة البقرة الآية ـ 89.
(2) الكافي ج 4 ص 518.
القوم أيضا في كتبهم ، وقد نقلنا ذلك
في كتاب سلاسل الحديد في تقييد ابن ابى الحديد في بدعة ، وقد اعتذر بعض أولياءه
أنه انما صلى تماما لانه كانت له يومئذ دار بمكة
وفيه أنه كيف صلى قصرا ست سنين من صدر خلافته وأين كانت
تلك الدار وأيضا فليس الأمر مقصورا على صلاته وحده ، بل على جملة الناس كافة على
الصلاة كذلك مع أنهم من أهل الافاق كما أوضحنا ذلك بما لا مزيد عليه في الكتاب
المشار اليه.
وعن الحلبي (1) في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : ان أهل
مكة إذا خرجوا حجاجا قصروا ، وإذا زاروا ورجعوا الى منازلهم أتموا».
وعن معاوية بن عمار (2) في الصحيح أو الحسن قال : «ان أهل
مكة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم أتموا ، وإذا لم يدخلوا منازلهم قصروا».
وعن معاوية بن عمار (3) في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): ان أهل مكة
يتمون الصلاة بعرفات؟ فقال : ويلهم أو ويحهم وأى سفر أشد منه لا ، لا يتم. ورواه
الشيخ بطرق عديدة والصدوق في الفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار مثله.
وروى الشيخ في التهذيب عن إسحاق بن عمار (4) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) في كم
التقصير؟ فقال : في بريد ويحهم كأنهم لم يحجوا مع رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقصروا.
وعن معاوية بن عمار (5) في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام في كم يقصر
الصلاة؟ فقال : في بريد ألا ترى أن أهل مكة إذا خرجوا الى عرفة كان عليهم التقصير».
وروى شيخنا المفيد في المقنعة مرسلا ، قال : «قال أبو
عبد الله (عليهالسلام)
__________________
(1 و 2) الكافي ج 4 ص 518.
(3) الكافي ج 4 ص 519 التهذيب ج 5 ص 478.
(4) التهذيب ج 3 ص 209.
(5) التهذيب ج 3 ص 208.
ويل لهؤلاء الذين يتمون الصلاة بعرفات
أما يخافون الله ، فقيل له : فهو سفر فقال : وأى سفر أشد منه.
أقول : وهذه الروايات مع صحة أسانيدها واضحة الدلالة ،
صريحة المقالة في إيجاب التقصير على من قصد أربعة فراسخ ، رجع ليومه أو لغده ، ما
لم يقطع سفره بأحد القواطع المعلومة ، وفيها رد ظاهر للقول المشهور من التقييد
بالرجوع ليومه ، ورد للقول بالتخيير بين القصر والإتمام بقصد الأربعة كما ذهب إليه
في المدارك ، وما ارتكبه فيها من التأويل ضعيف لا يعول ، وسخيف لا يلتفت اليه ،
كما تقدم تحقيق القول في المسألة في كتاب الصلاة
الفصل السابع : روى في الكافي عن على بن حسان عن عمه عبد
الرحمن بن كثير (1) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «ان
آدم (عليهالسلام) لما حبط في
الأرض هبط على الصفا ، ولذلك سمى الصفا ، لان المصطفى هبط عليه ، فقطع للجبل اسم
من اسم آدم لقول الله عزوجل (2) «إِنَّ
اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى
الْعالَمِينَ»
وأهبطت حواء على المروة ، وانما سميت المروة لأن المرأة هبطت
عليها فقطعت للجبل اسم من اسم المرأة ، وهما جبلان عن يمين الكعبة ، وشمالها ،
فقال آدم حين فرق بينه وبين حواء ما فرق بيني وبين زوجتي الا وقد حرمت على ،
فاعتزلها وكان يأتيها بالنهار فيتحدث إليها ، فإذا كان الليل خشي أن تغلبه نفسه
عليها رجع فبات على الصفا ، ولذلك سمى النساء لانه لم يكن لادم أنس غيرها
فمكث آدم بذلك ما شاء الله ان يمكث ، لا يكلمه الله ولا
يرسل اليه رسولا والرب سبحانه يباهي بصبره الملائكة ، فلما بلغ الوقت الذي يريد
الله عزوجل أن يتوب على
آدم فيه أرسل إليه جبرائيل (عليهالسلام) فقال :
السلام عليك يا آدم الصابر لبليته التائب عن خطيئته ، ان الله عزوجل بعثني إليك
لأعلمك مناسك التي يريد
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 191.
(2) آل عمران الآية ـ 33.
أن يتوب عليك بها ، فأخذ جبرئيل (عليهالسلام) بيد آدم (عليهالسلام) حتى أتى به
مكان البيت فنزل غمام من السماء فأظل مكان البيت فقال جبرائيل : يا آدم خط برجلك
حيث أظل الغمام فإنه قبلة لك ولاخر عقبك من ولدك ، فخط آدم برجله حيث أظل الغمام ،
ثم انطلق به الى منى ، فأراه مسجد منى فخط برجله ، ومد خطة مسجد الحرام بعد ما خط
مكان البيت ، ثم انطلق به من منى الى عرفات ، فأقامه على المعرف ، فقال : إذا غربت
الشمس فاعترف بذنبك سبع مرات وسل الله المغفرة والتوبة سبع مرات ، ففعل ذلك آدم (عليهالسلام) ولذلك سمى
المعرف لان آدم (عليهالسلام) اعترف فيه
بذنبه وجعل سنة لولده يعترفون بذنوبهم كما اعترف آدم (عليهالسلام) ويسألون التوبة
كما سألها آدم ، ثم أمره جبرائيل فأفاض من عرفات فمر على الجبال السبعة فأمره أن
يكبر عند كل جبل أربع تكبيرات ، ففعل ذلك آدم حتى انتهى الى جمع ثلث الليل جمع فيه
بين المغرب والعشاء الآخرة تلك الليلة ثلث الليل في ذلك الموضع ثم أمره أن ينبطح
في بطحاء جمع فانبطح في بطحاء جمع حتى انفجر الصبح فأمره أن يصعد على الجبل جبل
جمع ، وأمره إذا طلعت الشمس أن يعترف بذنبه سبع مرات ، ويسأل الله التوبة والمغفرة
سبع مرات ففعل ذلك آدم كما أمره جبرائيل (عليهالسلام)
وانما جعله اعترافين ليكون سنة في ولده فمن لم يدرك منهم
عرفات وأدرك جمعا فقد وافى حجه ، ثم أفاض من جمع إلى منى ، فبلغ منى ضحى فأمره
فصلى ركعتين في مسجد منى ، ثم أمره أن يقرب لله قربانا ليقبل الله منه ويعرف أن
الله عزوجل قد تاب عليه ،
ويكون سنة في ولده القربان ، فقرب آدم قربانا فقبل الله منه ، فأرسل نارا من
السماء فقبلت قربان آدم ، فقال له جبرائيل : يا آدم ان الله قد أحسن إليك إذ علمك
المناسك التي يتوب بها عليك ، وقد قبل قربانك فأحلق رأسك تواضعا لله ، إذ قبل
قربانك فحلق آدم رأسه تواضعا لله عزوجل.
ثم أخذ جبرائيل بيد آدم عليهالسلام فانطلق به الى
البيت فعرض له إبليس لعنه الله عند الجمرة فقال له إبليس لعنه الله : يا آدم أين
تريد فقال له جبرائيل : يا آدم ارمه بسبع حصيات ، وكبر مع كل حصاة تكبيرة ، ففعل
ذلك آدم فذهب إبليس ثم عرض
له عند الجمرة الثانية فقال له : يا
آدم اين تريد؟ فقال له جبرائيل : ارمه بسبع حصيات ، وكبر مع كل حصاة تكبيرة ففعل
ذلك آدم عليهالسلام فذهب إبليس ،
ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فقال : يا آدم اين تريد؟ فقال له جبرائيل عليهالسلام ارمه بسبع
حصيات ، وكبر مع كل حصاة تكبيرة ، ففعل ذلك آدم فذهب إبليس ، فقال له جبرائيل : إنك
لن تراه بعد مقامك هذا أبدا.
ثم انطلق به الى البيت ، وأمره أن يطوف بالبيت سبع مرات
، ففعل ذلك آدم فقال له جبرائيل (عليهالسلام) ان الله قد
غفر لك ذنبك ، وقبل توبتك وأحل لك زوجتك».
وعن أبي إبراهيم (1) عن أبى عبد الله (عليهالسلام) نحوا من
الحديث المتقدم الا أن فيه زيادة على المذكور السعى بين الصفا والمروة أسبوعا يبدء
بالصفا ويختم بالمروة ، ثم يطوف بعد ذلك أسبوعا بالبيت وهو طواف النساء ، لا يحل
للمحرم أن يباضع حتى يطوف طواف النساء ففعل آدم» الحديث.
وعن جميل بن صالح (2) عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «قال لما طاف
آدم (عليهالسلام) بالبيت
وانتهى الى الملتزم قال له جبرائيل (عليهالسلام) : يا آدم أقر
لربك بذنوبك في هذا المكان ، قال : فوقف آدم (عليهالسلام) فقال : يا رب
ان لكل عامل أجرا وقد عملت فما أجري؟ فأوحى الله (عزوجل اليه) يا آدم
قد غفرت ذنبك قال : يا رب ولولدي أو لذريتي ، فأوحى الله اليه يا آدم من جاء من
ذريتك الى هذا المكان وأقر بذنوبه وتاب كما تبت ثم استغفر غفرت له».
وعن على بن محمد العلوي (3) قال : «سألت
أبا جعفر (عليهالسلام) حيث حج آدم (عليهالسلام) بما حلق رأسه
، فقال : نزل عليه جبرائيل (عليهالسلام) بياقوتة من
الجنة فأمرها على رأسه فتناثر شعره».
وعن معاوية بن عمار (4) في الصحيح أو الحسن عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال :
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 194.
(2 و 3) الكافي ج 4 ص 194.
(4) الكافي ج 4 ص 194.
لما أفاض آدم (عليهالسلام) من منى تلقته
الملائكة فقالوا : يا آدم بر حجك أما انه قد حججنا هذا البيت قبل ان تحجه بألفي
عام». وروى في الفقيه مرسلا (1) قال : «قال
أبو جعفر عليهالسلام : أتى آدم هذا
البيت ألف أتية على قدميه ، منها سبعمائة حجة ، وثلاثمأة عمرة ، وكان يأتيه من
ناحية الشام ، وكان يحج على ثور ، والمكان الذي يبيت فيه (عليهالسلام) الحطيم وهو
ما بين البيت والحجر الأسود وطاف آدم (عليهالسلام) قبل أن ينظر
الى حواء) مائة عام ، وقال له جبرائيل (عليهالسلام) : حياك الله
وبياك» يعنى أصلحك.
أقول : قيل : ان المراد من قوله كان يحج على ثور يعنى
زائدا على الألف التي يمشي فيها على قدميه ، ويحتمل على أن المراد أنه حين اشتغاله
بالمناسك كان على ثور ، كما أن موسى (عليهالسلام) كان على جمل
أحمر وكان نبينا (صلىاللهعليهوآله) على ناقته ،
وحياك الله يعني أبقاك وبياك ، يعنى أصلحك ، ولعل تفسيرهما هنا بأصلحك تفسير
باللازم
وعن أبى بصير (2) عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان
آدم هو الذي بنى البيت ووضع أساسه ، وأول من كساه الشعر وأول من حج اليه ثم كساه
تبع بعد آدم (عليهالسلام) الأنطاع ، ثم
كساه إبراهيم (عليهالسلام) الخصف ، وأول
من كساه الثياب سليمان بن داود عليهماالسلام كساه القباطي».
الفصل الثامن : روى في الكافي بسنده عن كلثوم بن عبد
المؤمن الحراني (3) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : أمر
الله عزوجل إبراهيم (عليهالسلام) أن يحج ،
ويحج إسماعيل معه ويسكنه الحرم ، فحجا على جمل أحمر وما معهما إلا جبرائيل (عليهالسلام) فلما بلغا
الحرم قال له جبرائيل (عليهالسلام) : يا إبراهيم
انزلا فاغتسلا قبل أن تدخلا الحرم فنزلا واغتسلا وأراهما كيف يتهيئان للإحرام
ففعلا ثم أمرهما
__________________
(1) الفقيه ج 2 ص 147.
(2) الفقيه ج 2 ص 152.
(3) الكافي ج 4 ص 202.
فأهلا بالحج ، وأمرهما بالتلبيات
الأربع التي لبى بها المرسلون ، ثم صار بهما الى الصفا فنزلا وقام جبرائيل (عليهالسلام) بينهما ،
واستقبل البيت فكبر الله وكبرا وهلل الله وهللا وحمد الله وحمدا ومجد الله ومجدا
وأثنى على الله ففعلا مثل ذلك وتقدم جبرئيل وتقدما يثنيان على الله عزوجل ويمجدانه حتى
انتهى بهما الحجر فاستلمه جبرائيل ، وأمرهما أن يستلما فطاف بهما أسبوعا ثم قام
بهما في موضع مقام إبراهيم (عليهالسلام) فصلى ركعتين
فصليا ثم أراهما المناسك وما يعملان به ، فلما قضيا مناسكهما أمر الله إبراهيم (عليهالسلام) بالانصراف ،
وأقام إسماعيل وحده ما معه غير أمه ، فلما كان من قابل أذن الله لإبراهيم (عليهالسلام) في الحج
وبناء الكعبة ، وكانت العرب تحج اليه وانما كان ردما الا ان قواعده معروفة
فلما صدر الناس جمع إسماعيل الحجارة وطرحها في جوف
الكعبة فلما أذن الله له في البناء قدم إبراهيم (عليهالسلام) فقال : يا
بنى قد أمرنا الله ببناء الكعبة ، فكشفا عنها ، فإذا هو حجر واحد أحمر فأوحى الله عزوجل اليه ضع
بنائها عليه وانزل الله عزوجل أربعة أملاك
يجمعون إليه الحجارة ، وكان إبراهيم وإسماعيل يضعان الحجارة والملائكة تناولهما
حتى تمت اثنى عشر ذراعا وهيأ له بابين ، بابا يدخل منه وبابا يخرج منه ، ووضعا
عليه عتبا وشرجا من حديد على أبوابه كانت الكعبة عريانة فصدر إبراهيم (عليهالسلام) وقد سوى
البيت وأقام إسماعيل فلما ورد عليه الناس نظر الى امرأة من حمير أعجبه جمالها فسأل
الله عزوجل ان يزوجها
إياه ، وكان لها بعل فقضى الله على بعلها بالموت ، وأقامت بمكة حزنا على بعلها
فأسلى الله ذلك منها وزوجها إسماعيل ، وقدم إبراهيم (عليهالسلام) للحج وكانت
امرأة موفقة وخرج إسماعيل (عليهالسلام) الى الطائف
يمتار لأهله طعاما فنظرت الى شيخ شعث فسألها عن حالهم ، فأخبرته بحسن حال فسألها
عنه خاصة فأخبرته بحسن الدين ، وسألها ممن أنت فقالت امراة من حمير فسار إبراهيم ،
ولم يلق إسماعيل ، وقد كتب إبراهيم كتابا فقال : ادفعي هذا الى بعلك إذا أتى إنشاء
الله فقدم عليها إسماعيل (عليهالسلام) فدفعت اليه
الكتاب فقرأه فقال : أتدرين من ذلك الشيخ ، فقالت لقد رأيته جميلا فيه مشابهة
منك ، فقال ذاك إبراهيم (عليهالسلام) فقالت : وا
سوأتاه منه ، فقال : ولم نظر الى شيء من محاسنك؟ فقالت : لا ولكن خفت ان أكون قد
قصرت ، فقالت له المرأة وكانت عاقلة : فهلا تعلق على هذين البابين سترين سترا من
هيهنا وسترا من هيهنا ، فقال لها : نعم فعملا لهما سترين طولهما اثنى عشر ذراعا ،
فعلقاهما على البابين فأعجبهما ذلك فقالت : فهلا أحوك للكعبة ثيابا فتسترها كلها ،
فان هذه الحجارة سمجة فقال إسماعيل : (عليهالسلام) بلى فأسرعت
في ذلك فبعثت الى قومها بصوف كثير تستغزلهم قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : وانما وقع استغزال
النساء بعضهن من بعض لذلك ، فأسرعت واستعانت في ذلك ، فكلما فرغت من شقة علقتها
فجاء الموسم ، وقد بقي وجه من وجوه الكعبة ، فقالت لإسماعيل : كيف نصنع بهذا الوجه
الذي لم تدركه الكسوة فكسوة خصفا فجاء الموسم وجاءته العرب على حال ما كانت تأتيه
فنظروا إلى أمر أعجبهم فقالوا : ينبغي لعامل هذا البيت ان يهدى اليه فمن ثم وقع
الهدي : فأتى كل فخذ من العرب بشيء يحمله من ورق ومن أشياء غير ذلك حتى اجتمع شيء
كثير فنزعوا ذلك الخصف وأتموا كسوة البيت وعلقوا عليها بابين ، وكانت الكعبة ليست
بمسقفة فوضع إسماعيل فيها أعمدة مثل هذه الأعمدة التي ترون من خشب ، فسقفها
إسماعيل بالجرائد وسواها بالطين ، فجائت العرب من الحول ، فدخلوا الكعبة ورأوا
عمارتها فقالوا : ينبغي لعامر هذا البيت ان يزاد فلما كان من قابل جاء الهدى ، فلم
يدر إسماعيل كيف يصنع به ، فأوحى الله عزوجل ان انحره
وأطعمه الحاج ، قال : وشكى إسماعيل (عليهالسلام) الى إبراهيم
صلى الله عليهما ، قلة الماء فأوحى الله عزوجل إلى إبراهيم
ان احتفر بئرا يكون منها شراب الحاج ، فنزل جبرائيل (عليهالسلام) فاحتفر
قليبهم ، يعنى زمزم حتى ظهر ماؤها ، ثم قال جبرائيل : انزل يا إبراهيم فنزل بعد
جبرائيل فقال يا إبراهيم : اضرب في أربعة زوايا البئر وقل : بسم الله قال : فضرب
إبراهيم (ع) في زاوية التي تلي البيت ، وقال : بسم الله ، فانفجرت عين ، ثم ضرب في
زاوية الثانية ، وقال : بسم الله ، فانفجرت عين ، ثم ضرب في الثالثة وقال : بسم
الله فانفجرت عين ، ثم صرف في الرابعة وقال : بسم الله ، فانفجرت عين ، فقال له
جبرائيل
اشرب يا إبراهيم وادع لولدك فيها
بالبركة ، فخرج إبراهيم وجبرائيل عليهماالسلام جميعا من
البئر ، فقال أفض عليك يا إبراهيم ، وطف حول البيت فهذه سقيا سقى الله عزوجل ولد إسماعيل (ع)
فسار إبراهيم وشيعة إسماعيل حتى خرج من الحرم فذهب إبراهيم ورجع إسماعيل إلى الحرم».
أقول : قد تقدم في صدر الكتاب في المقدمة الاولى في
الفصل الأول صحيح معاوية ابن عمار المنقول من العلل ، وفيه أن زمزم نبعت لما فحص
الصبي برجله ، وظاهره أنه في أول نزول إسماعيل مع أمه ، وهذا الخبر قد اشتمل على
حفر إبراهيم زمزم ، ويمكن الجمع بأن ما دل عليه ذلك الخبر صحيح ، الا أنه ربما قل
الماء بعد ذلك فان هذا الخبر انما اشتمل على شكاية إسماعيل لأبيه قلة الماء لا
عدمه بالكلية ، وظاهر الخبرين مضى مدة بين أول ظهورها وحفر إبراهيم (عليهالسلام) لها فان ظاهر
الخبر الأول انه حال طفولية إسماعيل ، وهذا الخبر بعد تزويجه ، فيمكن حصول القلة
في الماء حتى احتيج الى حفر والله العالم.
وعن محمد بن مسلم (1) في الصحيح قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) أين أراد
إبراهيم (عليهالسلام) أن يذبح ابنه
فقال : على الجمرة الوسطى ، وسألته عن كبش إبراهيم (عليهالسلام) ما كان لونه
وأين نزل ، فقال : أملح وكان أقرن ، ونزل من السماء على الجبل من مسجد منى ، وكان
يمشي في سواد ويأكل في سواد ، وينظر ويبعر ويبول في سواد».
وروى في الفقيه مرسلا (2) قال : «سئل
الصادق (عليهالسلام) أين أراد
إبراهيم (عليهالسلام) أن يذبح ابنه
، فقال : على الجمرة الوسطى» ولما أراد إبراهيم (عليهالسلام) أن يذبح ابنه
(صلى الله عليهما) قلب جبرائيل (عليهالسلام) المدية واجتر
الكبش من قبل ثبير ، واجتر الغلام من تحته ، ووضع الكبش مكان الغلام ، ونودي من
ميسرة مسجد الخيف (3) «أَنْ
يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ،
إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ»
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 209.
(2) الفقيه ج 2 ص 149.
(3) سورة الصافات الآية ـ 105.
يعنى بكبش أملح يمشي في سواد ، ويأكل
في سواد ، وينظر في سواد ، ويبول في سواد ، ويبول في سواد أقرن فحل ، وكان يرتع في
رياض الجنة أربعين عاما» أقول : قد تقدم الكلام في تفسير كونه يمشي في سواد الى
آخره في باب الهدى ، وعن عتيبة بن بشير (1) عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : ان
الله عزوجل أمر إبراهيم (عليهالسلام) ببناء الكعبة
وأن يرفع قواعدها ، ويرى الناس مناسكهم ، فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت كل يوم سافا
حتى انتهوا الى موضع الحجر الأسود ، وقال أبو جعفر (عليهالسلام) فنادى أبو
قبيس إبراهيم (عليهالسلام) ان لك عندي
وديعة فأعطاه الحجر الأسود ، فوضعه موضعه ، ثم ان إبراهيم أذن في الناس بالحج ،
فقال : أيها الناس إني إبراهيم خليل الله ، وان الله يأمركم أن تحجوا هذا البيت ،
فحجوه فأجابه من يحج ، الى يوم القيامة ، وكان أول من أجابه من أهل اليمن ، قال :
وحج إبراهيم هو وأهله وولده ، فمن زعم أن الذبيح هو إسحاق فمن كان هيهنا ذبحه.
وذكر عن أبى بصير (2) أنه سمع أبا جعفر (عليهالسلام) وأبا عبد
الله (عليهماالسلام) يزعمان أنه
إسحاق ، وأما زرارة فزعم أنه إسماعيل».
قال في الوافي : الساف كل عرق من الحائط ويقال بالفارسية
: چينه ، ولعل معنى قوله «فمن هيهنا كان ذبحه» أنه لما لم يكن هناك سوى إبراهيم
وأهله وولده إسماعيل الذي كان يساعده في بناء البيت دون إسحاق ، فمن كان هيهنا
ذبحه إبراهيم عليهالسلام ، يعنى لم يكن
هناك إسحاق ليذبحه ، قوله «فمن زعم الى آخره لعله من كلام بعض الرواة»
قال في الفقيه : اختلف الروايات في الذبيح ، فهنها ما
ورد بأنه إسماعيل ، ومنها ما ورد بأنه إسحاق ولا سبيل الى رد الاخبار متى صح طرقها
، وكان الذبيح إسماعيل ، لكن إسحاق لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو الذي أمره
أبوه بذبحه وكان يصبر لأمر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في
الثواب ،
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 205.
(2) الكافي ج 4 ص 205.
فعلم الله ذلك من قلبه فسماه بين
الملائكة ذبيحا لتمنيه ذلك قال : وقد ذكرت اسناد ذلك في كتاب النبوة متصلا بالصادق
عليهالسلام :
واعترضه في الوافي فقال : أقول : لا يخفى ان خبر أبى
بصير الذي مضى في قصة الذبح من الكافي لا يتحمل هذا التأويل وحمله على التقية أيضا
بعيد ، كأنهم (عليهمالسلام) كانوا يرون
المصلحة في إبهام الذبيح ، كما يظهر من بعض أدعيتهم ولذا جاء فيه الاختلاف عنهم ،
وكانا جميعا ذبيحين أحدهما بمنى والأخر بالمني انتهى.
أقول بل الوجه في اختلاف الاخبار هو التقية ، فإن الذبيح
عند العامة هو إسحاق كما صرحوا به ، واستبعاده الحمل على التقية لا أعرف له وجها.
وقد روى في الفقيه عن الصادق (عليهالسلام) مرسلا (1) قال : سئل
الصادق (عليهالسلام) عن الذبيح من
كان ، فقال : إسماعيل لأن الله تعالى ذكر قصته في كتابه ثم قال (2) «(وَبَشَّرْناهُ
بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ).
وعن الحسين بن نعمان (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عما زادوا في
المسجد الحرام ، فقال : ان إبراهيم وإسماعيل (عليهالسلام) حد المسجد
الحرام ما بين الصفا والمروة» قال في الكافي بعد ذكر هذا الخبر : وفي رواية أخرى
عن أبى عبد الله (عليهالسلام) خط إبراهيم عليهالسلام بمكة ما بين
الحزورة إلى المسعى فذلك الذي خط إبراهيم (عليهالسلام) يعنى المسجد».
وقال في الفقيه (4) «روى أن
إبراهيم (عليهالسلام) خط ما بين
الحزورة إلى المسعى».
وعن جميل بن دراج (5) في الصحيح أو الحسن قال : «قال له
الطيار وأنا
__________________
(1) الفقيه ج 2 ص 148.
(2) الصافات ـ 112.
(3) الكافي ج 4 ص 209.
(4) الفقيه ج 2 ص 149.
(5) الكافي ج 4 ص 526.
حاضر : هذا الذي زيد هو من المسجد؟ فقال
: نعم ، انهم لم يبلغوا بعد مسجد إبراهيم وإسماعيل صلى الله عليهما». وروى في
التهذيب عن الحسين بن نعيم (1) «قال سألت أبا
عبد الله (عليهالسلام) عما زادوا في
المسجد الحرام عن الصلاة فيه ، فقال ان إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام حدا المسجد
الحرام ما بين الصفا والمروة ، فكان الناس يحجون من المسجد الى الصفا» وقال في
الوافي «يحجون من مسجد الى الصفا». يحجون اما بمعنى يطوفون ، أو بمعنى يحرمون ،
يعنى كان ذلك داخلا في سعة مطافهم ، أو محل إحرامهم
وروى في الكافي عن أبى بكر الحضرمي (2) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «ان
إسماعيل دفن أمه في الحجر ، وحجر عليها لئلا يوطأ قبر أم إسماعيل في الحجر».
وعن المفضل بن عمر (3) عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «قال الحجر
بيت إسماعيل وفيه قبر هاجر وقبر إسماعيل».
وعن معاوية بن عمار (4) في الصحيح قال : سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الحجر أمن
البيت هو أو فيه شيء من البيت؟ فقال : لا ولا قلامة ظفر. ولكن إسماعيل دفن فيه
أمه فكره أن توطأ فحجر عليه حجرا وفيه قبور الأنبياء».
وعن زرارة (5) في الموثق عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته
عن الحجر هل فيه شيء من البيت؟ قال : لا ولا قلامة ظفر».
وعن معاوية بن عمار (6) قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام : دفن في
الحجر مما يلي الركن الثالث عذارى بنات إسماعيل».
وعن سعيد الأعرج (7) في الصحيح عن أبى عبد الله عليهالسلام قال : «ان
العرب
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 453.
(2 و 3 و 4) الكافي ج 4 ص 210.
(5) التهذيب ج 5 ص 469.
(6 و 7) الكافي ج 4 ص 210.
لم يزالوا على شيء من الحنيفية ،
يصلون الرحم ، ويقرون الضيف ويحجون البيت ، ويقولون اتقوا مال اليتيم ، فان مال
اليتيم عقال ، ويكفون عن أشياء من المحارم مخافة العقوبة ، وكانوا لا يملى لهم إذا
انتهكوا المحارم ، وكانوا يأخذون من لحاء شجر الحرم فيعلقونه في أعناق الإبل ، فلا
يجترئ أحد أن يأخذ من تلك الإبل حيثما ذهبت ولا يجترئ أحد أن يعلق من غير لحاء شجر
الحرم ، أيهم فعل ذلك عوقب ، وأما اليوم فأملى لهم ، ولقد جاء أهل الشام فنصبوا
المنجنيق على أبى قبيس ، فبعث الله عليهم سحابة كجناح الطير ، فأمطرت عليهم صاعقة
فأحرقت سبعين رجلا حول المنجنيق».
الفصل التاسع : روى في الكافي عن على بن عبد الله (1) عن أبى عبد
الله عليهالسلام ، قال : «كان
على بن الحسين عليهالسلام ، يقول : يا
معشر من لم يحج استبشروا بالحاج إذا قدموا ، وصافحوهم وعظموهم ، فان ذلك يجب عليكم
تشاركوهم في الأجر». وعن سليمان بن جعفر الجعفري (2) عمن رواه عن
ابى عبد الله عليهالسلام قال كان على
ابن الحسين يقول بادروا بالسلام على الحاج والمعتمر ومصافحتهم قبل ان تخالطهم
الذنوب.
وروى في الفقيه مرسلا (3) قال «قال أبو
جعفر عليهالسلام ، وقروا الحاج
والمعتمر فان ذلك واجب عليكم». وروى فيه أيضا مرسلا قال : «قال الصادق عليهالسلام : ان رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يقول
للقادم من مكة قبل الله منك وأخلف عليك نفقتك وغفر ذنبك». وروى الشيخ في التهذيب
عن عبد الوهاب بن صباح عن أبيه (4) قال : «لقي مسلم مولى أبى عبد الله عليهالسلام صدقة الاجدب
وقد قدم من مكة فقال له مسلم : الحمد لله الذي يسر سبيلك وهدى دليلك ، وأقدمك بحال
عافية وقد قضى الحج وأعان على السعة ، فقبل الله منك وأخلف عليك نفقتك ، وجعلها
حجة مبرورة ولذنوبك طهورا ،
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 264.
(2 و 3) الفقيه ج 2 ص 147.
(4) التهذيب ج 5 ص 444.
فبلغ ذلك أبا عبد الله عليهالسلام فقال له : كيف
قلت بصدقة؟ فأعاد عليه فقال : من علمك هذا؟ فقال : جعلت فداك مولاي أبو الحسن (عليهالسلام) فقال له :
نعم ما تعلمت ، إذا لقيت أخا من إخوانك فقل له هكذا : فإن الهدى بنا هدى ، وإذا
لقيت هؤلاء فقل لهم ما يقولون». قوله (عليهالسلام) «فإن الهدى
بنا هدى» الظاهر أنه في الموضعين مصدر ويكون من قبيل قوله سبحانه (1) «قُلْ
إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ»
الفصل العاشر : روى في الكافي عن على بن أبي حمزة (2) قال : «قال
أبو الحسن (عليهالسلام) : ان سفينة
نوح كانت مأمورة طافت بالبيت حيث غرقت الأرض ثم أتت منى في أيامها ثم رجعت السفينة
، وكانت مأمورة ، وطافت بالبيت طواف النساء». وعن الحسن بن صالح (3) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «سمعت
أبا جعفر (عليهالسلام) يحدث عطاء
قال : كان طول سفينة نوح (عليهالسلام) ألف ذراع
ومأتي ذراع وعرضها ثمان مأة ذراع ، وطولها في السماء مائتين ذراعا ، وطافت بالبيت
سبعة أشواط ، وسعت بين الصفا والمروة سبعة أشواط ، ثم استوت على الجودي».
«وعن أبى بصير (4) «قال : سمعت
أبا جعفر (عليهالسلام) يقول : مر
موسى بن عمران في سبعين نبيا على فجاج الروحاء عليهم العباء القطوانية ، يقول :
لبيك عبدك ، وابن عبديك لبيك». وقال في الفقيه (5)
«روى أن موسى أحرم من رملة مصر وأنه في سبعين على صفائح
الروحاء عليهم القبا القطوانية يقول : لبيك عبدك وابن عبديك لبيك». قيل : والروحاء
بالمهملتين موضع بين الحرمين على ثلاثين أو أربعين ميلا من المدينة ، والفجاج
بالجيمين : جمع فج ، وهو الطريق الواسع بين الجبلين ، والصفائح حجارة عراض رقاق ،
ويقال : أيضا صفاح كرمان ، والقطوان محركة موضع بالكوفة
__________________
(1) سورة البقرة الآية ـ 120.
(2) الكافي ج 4 ص 212.
(3 و 4) الكافي ج 4 ص 212.
(5) الفقيه ج 2 ص 151.
منه الأكسية.
قال في الفقيه (1) مر موسى النبي عليهالسلام بصفائح
الروحاء على جمل أحمر خطامه من ليف عليه عباءتان قطوانيتان وهو يقول : لبيك يا
كريم لبيك ، ومر يونس بن متى عليهالسلام بصفائح
الروحاء ، وهو يقول : لبيك كشاف الكرب العظام لبيك ، ومر عيسى بن مريم بصفائح
الروحاء ، وهو يقول : لبيك عبدك ابن أمتك لبيك ، ومر محمد (صلىاللهعليهوآله) ، بصفائح
الروحاء وهو يقول لبيك ذا المعارج لبيك».
وروى في الكافي عن جابر (2) عن أبى جعفر (عليهالسلام) ، قال : أحرم
موسى (عليهالسلام) من رملة مصر
قال : ومر بصفائح الروحاء محرما يقود ناقته بخطام من ليف عليه عباءتان قطوانيتان
يلبى وتجيبه الجبال».
قال في الفقيه : «وكان موسى (عليهالسلام) يلبى ويجيبه
الجبال وسميت التلبية اجابة ، لأنه أجاب موسى ربه ، وقال : لبيك».
وروى في الكافي عن عبد الله بن مسكان (3) عمن رواه عن
أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان
داود (عليهالسلام) لما وقف
الموقف بعرفة نظر الى الناس وكثرتهم فصعد الجبل فأقبل يدعو فلما قضى نسكه أتاه
جبرائيل (عليهالسلام) فقال له : يا
داود يقول لك ربك : لم صعدت الجبل ، ظننت أنه يخفى على صوت من صوت ، ثم مضى به الى
البحر الى جدة فرسب به في الماء مسيرة أربعين صباحا في البحر فإذا صخرة ففلقها
فإذا فيها دودة فقال له : يا داود يقول لك ربك : أنا أسمع صوت هذه في بطن هذه الصخرة
في قعر هذا البحر ، فظننت أنه يخفى على صوت من صوت».
وعن على بن عقبة (4) عن أبيه عمن رواه عن ابى جعفر (عليهالسلام) «قال ان
سليمان بن داود (عليهالسلام) حج البيت في
الجن والانس والطير والرياح وكسا البيت القباطي».
__________________
(1) الفقيه ج 2 ص 152.
(2) الكافي ج 4 ص 213.
(3 و 4) الكافي ج 4 ص 214.
«وروى في الكافي والتهذيب عن غياث بن إبراهيم (1) عن جعفر (عليهالسلام) «قال : لم
يحج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بعد قدومه
المدينة إلا واحدة ، وقد حج بمكة مع قومه حجات».
وعن عمر بن يزيد (2) عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «حج
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عشرين حجة».
وعنه (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : أحج رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) غير حجة
الوداع؟ قال : نعم عشرين حجة».
وعن ابن أبى يعفور (4) عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : حج رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) عشرين حجة
مستسرا في كلها يمر بالمأزمين فينزل ويبول».
قيل : المأزمان ويقال : المأزم مضيق بين جمع وعرفة ،
وآخر بين مكة ومنى ، ويقال : لكل مضيق بين الجبال ، قال في الوافي : وأما السبب في
استتاره أو استسراره على اختلاف الروايتين ، فلعله ما قيل : انه كان لأجل النسيء
، فان قريشا أخروا وقت الحج والقتال كما أشير إليه بقوله سبحانه (إِنَّمَا
النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) ، فلم يمكن
النبي (صلىاللهعليهوآله) أن يخالفهم
فيستر حجه أو فيستسره.
أقول : فيه ان جميع حجه الذي حجه وهو عشرون سنة كان كله
كذلك ، ومن البعيد أن يكون جميع ذلك في النسيء ، ويمكن حمل الاستتار على أنه (صلىاللهعليهوآله) كان يستتر
ببعض الأفعال التي قد غيرها أهل الجاهلية من أحكام الحج الشرعية بعقولهم وأهواءهم
، لا أن الاستتار في أصل الحج فإنهم قد أحدثوا بعقولهم وأهوائهم في الأحكام
والحلال والحرام ما هو مفصل في القرآن المجيد.
وأما البول في المأزمين فقد تقدم وجهه ، وانه لمكان
الأصنام في ذلك المكان أقول : وقد تقدم حديث حج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حجة الوداع
بطوله فلا نعيده
الفصل الحادي عشر : روى في الكافي والفقيه عن عيسى بن
يونس (5) قال : «
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) الكافي ج 4 ص 244.
(5) الكافي ج 4 ص 197 الفقيه ج 2 ص 162.
كان ابن ابى العوجاء من تلامذة الحسن
البصري فانحرف عن التوحيد ، فقيل له : تركت مذهب صاحبك ودخلت في ما لا أصل له ولا
حقيقة ، فقال : ان صاحبي كان مخلطا كان يقول طورا بالقدر ، وطورا بالجبر ، وما
أعلمه اعتقد مذهبا دام فيه ، وقدم مكة متمردا وإنكارا على من يحج ، وكان يكره
العلماء مجالسته ومسائلته لخبث لسانه وفساد ضميره ، فأتى أبا عبد الله عليهالسلام وجلس إليه في
جماعة من نظرائه ، فقال : يا أبا عبد الله ان المجالس أمانات ولا بد لكل من به
سعال أن يسعل أفتأذن لي أن أتكلم فقال : تكلم بما شئت.
فقال : الى كم تدوسون هذا البيداء وتلوذون بهذا الحجر ،
وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر ، من
فكر في هذا أو قدر ، علم أن هذا فعل أسسه غير حكيم ولا ذي نظر.
فقل : فإنك رأس هذا الأمر وسنامه وأبوك أسسه وتمامه ،
فقال. أبو عبد الله (عليهالسلام) : ان من أضله
الله وأعمى قلبه ، استوخم الحق فلم يستعذ به ، وصار الشيطان وليه وربه وقرينه ،
يورده مناهل الهلكة ، ثم لا يصدره ، وهذا بيت استعبد الله به خلقه ، ليختبر طاعتهم
في إتيانه ، فحثهم على تعظيمه وزيارته ، وجعله محل أنبياءه وقبلة للمصلين اليه ،
فهو شعبة من رضوانه ، وطريق يؤدى الى غفرانه ، منصوب على استواء الكمال ومجمع
العظمة والجلال ، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام ، فأحق من أطيع فيما أمر
وانتهى عما نهى عنه ، وزجر الله المنشئ للأرواح والصور» وزاد في الفقيه فقال : ابن
أبى العوجاء ذكرت الله يا أبا عبد الله فأحلت على غائب ، فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) : ويلك كيف
يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد وإليهم أقرب من حبل الوريد ، يسمع كلامهم ويرى
أشخاصهم ، ويعلم أسرارهم وانما المخلوق الذي إذا انتقل من مكان اشتغل به مكان ،
وخلا منه مكان ، فلا يدرى في المكان الذي صار اليه ما حدث في المكان الذي كان فيه
، فاما الله العظيم الشأن الملك الديان فإنه لا يخلو منه مكان ، ولا يشتغل به مكان
ولا يكون الى مكان
أقرب منه الى مكان ، والذي بعثه
بالآيات المحكمة والبراهين الواضحة ، وأيده بنصره واختاره لتبليغ رسالاته صدقنا
قوله بأن ربه بعثه وكلمه ، فقال ابن ابى العوجاء فقال لأصحابه : من ألقانى في بحر
هذا سألتكم أن تلتمسوا الى خمرة ، فألقيتموني على جمرة ، قالوا له : ما كنت في
مجلسه الا حقيرا فقال : انه ابن من حلق رؤس من ترون».
أقول : في كتاب الاحتجاج للطبرسي بعد قوله «ويعلم
أسرارهم» فقال ابن ابى العوجاء : فهو في كل مكان إذا كان في السماء كيف يكون في
الأرض ، وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء ، فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) «انما وصفت
المخلوق الذي إذا انتقل من مكان» الى آخره وهو الصواب ، ولعل ما بينهما سقط من قلم
صاحب الفقيه.
وفي كتاب اعلام الورى بعد قوله «أقرب منه الى مكان ،
يشهد له بذلك آثاره ويدل عليه أفعاله ، والذي بعثه بالآيات المحكمة والبراهين
الواضحة محمد (صلىاللهعليهوآله) جاءنا بهذه
العبادة» ، وهو الأنسب أيضا قيل : لعل المراد بالتماس الخمرة بالخاء المعجمة تحصيل
الظل للاستراحة فيه ، قال في النهاية : انطلقت أنا وفلان نلتمس الخمر ، الخمر
بالتحريك : كل ما سترك من شجر وبناء أو غيره ، انتهى
وأما الإلقاء على الجمرة فهو بالجيم ويحتمل ان يكون
التماس الجمرة أيضا بالجيم بمعنى اتخاذ قبس من النار ، للانتفاع بها ، ويكون
الإلقاء على الجمرة كناية عن الاحتراق بها وحلق الرأس كناية عن التذليل والرمي
بالهوان والصغار ، لان العرب كانوا يعدونه عارا لتكبرهم ونخوتهم من أن يعلى رؤسهم
، وأشار به الى النبي أو الى أمير المؤمنين صلى الله عليهما وعلى آلهما
وروى في الكافي (1) قال : وروى أن أمير المؤمنين قال في
خطبة له : ولو أراد الله عزوجل ثناءه
بأنبياءه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان ، ومعادن العقيان ومغارس الجنان ،
وأن يحشر طير السماء ووحوش الأرض معهم لفعل ، ولو فعل لسقط البلاء وبطل الجزاء ،
واضمحل الابتلاء ، ولما وجب للقائلين أجور المبتلين
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 198.
ولا لحق المؤمنين ثواب المحسنين ، ولا
لزمت الأسماء أهاليها على معنى مبين ، ولذلك لو أنزل الله من السماء آية فظلت
أعناقهم لها خاضعين ، ولو فعل لسقط البلوى عن الناس أجمعين ، ولكن الله جل ثناءه
جعل رسله أولي قوة في عزائم نياتهم ، وضعفة في ما ترى الأعين من حالاتهم من قناعة
تملأ القلوب والعيون غناؤه ، وخصاصة تملأ الأسماع والأبصار أذاؤه ، ولو كانت
الأنبياء أهل قوة لا ترام ، وعزة لا تضام ، وملك يمد نحوه أعناق الرجال ، ويشد
إليه عقد الرحال ، لكان أهون على الخلق في الاختبار ، وأبعد لهم من الاستكبار ،
ولأمنوا من رهبة قاهرة لهم ، أو رغبة مائلة بهم فكانت النيات مشتركة ، والحسنات
مقتسمة ، ولكن الله أراد أن يكون الاتباع لرسله والتصديق بكتبه ، والخشوع لوجهه ،
والاستكانة لأمره ، والاستسلام لطاعته أمورا له خاصة ، لا تشوبها من غيرها شائبة ،
وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم ، كانت المثوبة والجزاء أجزل ، ألا ترون أن الله
جل ثناؤه اختبر الأولين من لدن آدم الى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر ولا
تنفع ولا تبصر ولا تسمع.
فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياما ثم جعله بأوعر
بقاع الأرض حجرا وأقل نتائق الدنيا مدرا ، وأضيق بطون الأودية معاشا ، وأغلظ مجال
المسلمين مياها ، بين جبال خشنة ، ورمال دمثة ، وعيون وشلة ، وقرى منقطعة ، وأثر
من مواضع قطر السماء داثر ، ليس يزكو به خف ولا ظلف ولا حاضر ، ثم أمر آدم وولده
أن يثنوا أعطافهم نحوه ، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم ، وغاية لملقى رحالهم تهوى
اليه ثمار الأفئدة من مفاوز قفار متصلة ، وجزائر بحار منقطعة ، ومهاوي فجاج عميقة
، حتى يهزوا مناكبهم ذللا يهللون الله حوله ، ويرملون على أقدامهم شعثا غبرا له ،
قد نبذوا القنع والسراويل وراء ظهورهم ، وحسروا بالشعور حلقا من رؤوسهم ابتلاء
عظيما واختبارا كبيرا وامتحانا شديدا وتمحيصا بليغا وفتونا مبينا جعله الله سببا
لرحمته ووصلة وسيلة إلى جنته ، وعلة لمغفرته ، وابتلاء للخلق برحمته ، ولو كان
الله تبارك وتعالى وضع بيته الحرام ومشاعره العظام بين جنات وأنهار وسهل وقرار ،
جم الأشجار ، داني الثمار ، ملتف النبات ، متصل القرى ، من برة سمراء ، وروضة
خضراء
وأرياف محدقة ، وعراص مغدقة ، وزروع
ناضرة ، وطرق عامرة ، وحدائق كثيرة لكان قد صغر الجزاء ، على حسب ضعف البلاء ، ثم
لو كان الأساس المحمول عليها أو الأحجار المرفوع بها ما بين زمردة خضراء ، وياقوتة
حمراء ، ونور وضياء لخفف ذلك مصارعة الشك في الصدور ، ولوضع مجاهدة إبليس عن
القلوب ، ولنفى معتلج الريب من الناس ،
ولكن الله عزوجل يختبر عباده
بأنواع الشدائد ، ويتعبدهم بألوان المجاهدة ويبتليهم بضروب المكاره ، إخراجا
للتكبر من قلوبهم ، وإسكانا للتذلل في أنفسهم ، وليجعل ذلك أبوابا إلى فضله ،
وأسبابا ذللا لعفوه وفتنة ، كما قال (1) «الم أَحَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا
أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ
الْكاذِبِينَ».
أقول : هذه الخطبة التي أشار إليها في الكافي قد نقلها
بتمامها السيد الرضى (قدسسره) في كتاب نهج
البلاغة ، بيان لا بأس بإيضاح بعض ألفاظها المغلقة ، الذهبان : جمع ذهب كخرب
بالتحريك لذكر الحبارى ، وخربان والعقبان ، قال في القاموس : ذهب ينبت وقيل خالص
الذهب ، والقائلين : قيل من القيلولة ، يعني لو لم يكن ابتلاء لكانوا مسترحين ،
فلا ينالون أجور المبتلين ، ولم يكن هناك إحسان فلا يلحقهم ثواب المحسنين ، ولا
يكون مطيع ولا عاص ، ولا محسن ولا مسيىء ، بل ترتفع هذه الأسماء ، ولا يستبين لها
معنى.
وفي كتاب نهج البلاغة واضمحل الأبناء أى تلاشت وفنيت
الأخبار يعني الوعد والوعيد ، وفيه غنى وادى مكان غناه وأذاه والخصاصة الفقر ،
والحاجة ، والروم الطلب ، والضيم الظلم. ومد الأعناق نحو الملك ، كناية عن تعظيمه
يعنى يؤمله المؤملون ويرجوه الراجون وشد الرحال كناية عن مسافرة أرباب الرغبات
اليه ، بمعنى أنه لو كان الأنبياء ملوكا ذوي بأس وشوكة وقهر ، لم يكن ايمان الخلق
لهم لله سبحانه ، بل كان لرهبة لهم ، وخوف منهم ، أو لرغبة وطمع فيهم ، فتكون
النيات
__________________
(1) سورة العنكبوت الآية 1.
مشتركة ، والوعر : ضد السهل ،
والنتايق : جمع نتيقة بالنون ثم التاء المثناة من فوق ، فعلية بمعنى مفعولة ،
والنتق : الجذب.
وسميت المدن والبلدان والأماكن المرتفعة نتائق ، لارتفاع
نباتها وشهرتها وعلوها عن غيرها من الأرض كأنها جذبت ورفعت ، والدمث : اللين ،
والوشل : القليل الماء ، والأثر : بقية رسم الشيء ، والداثر : الدارس ، ليس يزكو
به : أى ينمو ، لان الزكاء النماء ، والخف : كناية عن الإبل ، والظلف عن البقر :
والغنم ، والحافر عن الدابة ، بمعنى أنها لا تسمن فيه ، لانه ليس فيه مرعى ترعاه
فتسمن ، وعطفا الرجل : جانباه وناحيتا عنقه ، والثني : العطف ، وهو كناية عن قصده
للحج ، يقال : ثنى عطفه نحوه ، أى توجه اليه ، والمثابة : المرجع ، والمنتجع : اسم
مفعول من الانتجاع ، وهو طلب الكلاء ، والماء والمراد محل الكلاء ، وانتجع فلان
فلانا : أتاه طالبا معروفه وفي قوله تهوى اليه ثمار الأفئدة استعارة لطيفة ، ونظر
الى قوله عزوجل حكاية عن
خليله عليهالسلام (1) (فَاجْعَلْ
أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ، وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ)» والقفر : من
المفاوز ما لا ماء فيه ، ولا كلاء ، والفجاج : جمع فج ، وهي الطريق الواسع بين
الجبلين ، وفي قوله «ومهاوي فجاج عميقة» إشارة إلى دفعته وعلوه ، ونظر الى قوله
سبحانه (2) «يَأْتِينَ
مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» وفي النهج من مفاوز قفار سحيقة ، ومهاوى
فجاج عميقة ، وجزائر بحار منقطعة ، والنهز بالتحريك : وهو كناية عن الشوق نحوه ،
والتوجه والسفر اليه ، وفي النهج يهلون لله من الإهلال وهو الأقرب ، والرمل محركة
: الهرولة ، والشعث : انتثار الأمر واغبرار الرأس وتلبد الشعر ، والنبذ : الإلقاء.
والمراد بالقنع والسراويل ما يستر أعالي البدن وأسافله.
وفي النهج قد نبذوا السراويل : وهي القمصان ، والحسر :
الكشف ، وبه يتعلق
__________________
(1) سورة إبراهيم الآية ـ 37.
(2) سورة الحج الآية ـ 37.
قوله «عن رؤسهم» والمصادر الأربعة
متقاربة المعاني ، والقنوت : الخضوع ، والجم : الكثير ، والدنو : القرب ، والتفاف
النبات : اشتباكه.
وفي النهج «ملتف البناء» أى مشتبك العمارة ، والبرة :
الواحدة من البر ، وهو الحنطة أو بالفتح اسم جمع ، والريف بالكسر : أرض ذات ذرع
وخصب ، وما قارب الماء من أرض العرب ، والمحدقة : المحيطة ، وعراص : جمع عرصة ،
وهي الساحة ، والمغدقة كثيرة الماء ، وفي قوله «مصارعة الشك» استعارة لطيفة ، وكذا
في قوله «معتلج الريب» ومعناهما متقاربان ، والمعتلج : اسم مفعول من الاعتلاج ،
وهو التغالب والاضطراب ، يقال : اعتلجت الأمواج ، أى تلاطمت واضطربت.
ومرجع الكلام إلى أنه كلما كان الابتلاء والامتحان أشد
كان الثواب أجزل وأعظم ، ولو أنه سبحانه جعل العبادة سهلة على المكلفين لما
استحقوا عليها الا يسيرا من الجزاء ، وهذا هو وجه الحكمة في ابتلاء خلقه بإبليس
وجنوده ، والنفس الامارة بالسوء والأمر بالجهاد ونحو ذلك ، والا فهو قادر على دفع
إبليس عنهم ، وخلق نفوسهم مطيعة ، وجمع الناس على طاعته ، ولكنه لا يظهر حينئذ وجه
استحقاقهم الثواب والجزاء ، كما لا يخفى ، والله العالم.
الفصل الثاني عشر : روى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن
معاوية بن عمار (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : أقوم أصلي
بمكة والمرأة بين يدي جالسة أو مارة؟ فقال : لا بأس إنما سميت بمكة لانه تبك فيه
الرجال والنساء». أقول : أي يزدحم من بكة إذا زحمه.
وعن معاوية بن وهب (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الحطيم؟
قال : هو ما بين الحجر الأسود وبين الباب ، وسألته لم
سمى الحطيم؟ قال : لان الناس يحطم بعضهم بعضا هناك».
وعن أبان (3) عمن أخبره عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «قلت
له : لم سمي
__________________
(1 و 2) الكافي ج 4 ص 526.
(3) الكافي ج 4 ص 198.
البيت العتيق؟ قال : هو بيت حر ، عتيق
من الناس ، لم يملكه أحد.
أقول : وفي خبر آخر ، انه أعتق من الغرق ، وروى في
الفقيه عن سليمان بن مهران (1) قال : «قلت
لجعفر بن محمد (عليهماالسلام). كم حج رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) فقال : عشرين
حجة مستسرا ، في كل حجة يمر بالمأزمين فينزل فيبول فقلت له : يا بن رسول الله ولم
كان ينزل هناك فيبول؟ قال : لانه موضع عبد فيه الأصنام ، ومنه أخذ الحجر الذي نحت
منه هبل الذي رمى به على (عليهالسلام) من ظهر
الكعبة ، لما علا ظهر رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فأمر به ودفن
عند باب بني شيبة ، فصار الدخول الى المسجد من باب بني شيبة سنة لأجل ذلك ، قال
سليمان : فقلت : فكيف صار التكبير يذهب بالضغاط هناك؟ قال : لان قول العبد الله
أكبر معناه أكبر من أن يكون مثل الأصنام المنحوتة ، والالهة المعبودة دونه ، وأن
إبليس في شياطينه يضيق على الحاج مسلكهم في ذلك الموضع ، فإذا سمع التكبير طار مع
شياطينه وتبعهم الملائكة حتى يقفوا في اللجة الخضراء ، قلت : وكيف صار الصرورة
يستحب له دخول الكعبة دون من قد حج؟ فقال : لأن الصرورة قاضي فرض مدعو الى حج بيت
الله فيجب أن يدخل البيت الذي دعى اليه ، ليكرم فيه ، فقلت : وكيف صار الحلق عليه
واجبا دون من قد حج؟ فقال : ليصير بذلك موسما بسمة الآمنين ، الا تسمع قول الله
تعالى (2) «لَتَدْخُلُنَّ
الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ
وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ» فقلت : وكيف صار وطء المشعر عليه
فريضة؟ قال : ليستوجب بذلك وطء بحبوحة الجنة».
وروى في الكافي عن السكوني (3) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : سئل
أمير المؤمنين (عليهالسلام) عن إساف
ونائلة وعبادة قريش لهما فقال : نعم كانا شابين صبيحين وكان بأحدهما تأنيث فكانا
يطوفان بالبيت فصادفا من البيت
__________________
(1) الفقيه ج 2 ص 189.
(2) سورة الآية.
(3) الكافي ج 4 ص 546.
خلوة فأراد أحدهما صاحبه ففعل فمسخهما
الله تعالى فقالت قريش : لولا أن الله رضي أن يعبد هذان معه ما حولهما من حالهما».
قال في الوافي : إساف بالكسر والفتح صنم لقريش ، وكذا نائلة وضعهما عمرو بن لحى
على الصفا والمروة ، وكان يذبح عليهما تجاه القبلة ، قيل : كانا من حزبهم إساف بن
عمرو نائلة بنت سهل ففجرا في الكعبة فمسخا حجرين ثم عبدتهما قريش.
وعن على بن أسباط (1) عن رجل من أصحابنا عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا
كان أيام الموسم بعث الله عزوجل ملائكة في
صورة الآدميين يشترون متاع الحاج والتجار ، قلت : فما يصنعون به؟ قال : يلقونه في
البحر». ورواه في الفقيه مرسلا عن أبى عبد الله (عليهالسلام).
وروى في التهذيب عن سليمان بن الحسن عن كاتب على بن
يقطين (2) قال : «أحصيت
لعلي بن يقطين من وافى عنه في عام واحد خمسمائة وخمسين رجلا ، أقل من أعطاه
سبعمائة ، وأكثر من أعطاه عشرة آلاف».
أقول : لا يبعد انه لما كان على بن يقطين من وزراء
الخليفة الرشيد المقربين فكان يلي أمر الخراج فتوصل الى دفعه للشيعة ورفدهم به
بهذه الحيلة.
وعن عبد الله بن حماد الأنصاري (3) عن جعفر بن
محمد عن أبيه (عليهالسلام) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : يأتي زمان
يكون فيه حج الملوك نزهة ، وحج الأغنياء تجارة ، وحج المساكين مسألة.
وروى في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار (4) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) في قول الله عزوجل (5) «لَيَبْلُوَنَّكُمُ
اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ» قال : ما تناله
الأيدي البيض والفراخ ، وما تناله الرماح فهو ما لا تصل الأيدي».
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 307 الفقيه ج 2 ص 148.
(2 و 3) التهذيب ج 5 ص 461.
(4) الكافي ج 4 ص 397 لكن عن احمد بن محمد رفعه.
(5) المائدة ـ 94.
وعن الشحام (1) عن أبى عبد الله (عليهالسلام) في قول الله عزوجل (2) «وَمَنْ
عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ» قال : ان رجلا
انطلق وهو محرم فأخذ ثعلبا فجعل يقرب النار الى وجهه ، وجعل الثعلب يصيح ، ويحدث
من استه ، وجعل أصحابه ينهونه عما يصنع ، ثم أرسله بعد ذلك ، فبينما الرجل نائم إذ
جائته حية فدخلت في فيه فلم تدعه حتى جعل يحدث كما أحدث الثعلب ثم خلت عنه».
وعن الحلبي (3) في الصحيح أو الحسن قال : «سئلت أبا
عبد الله (عليهالسلام) عن رجل لبى
بحجة أو عمرة وليس يريد الحج قال ليس بشيء ، ولا ينبغي له أن يفعل».
وعن إسحاق بن عمار (4) عن جعفر عن آبائه (عليهمالسلام) أن عليا (عليهالسلام) كان يكره
الحج والعمرة على الإبل الجلالات».
وفي الصحيح أو الحسن عن إسماعيل الخثعمي (5) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) ، انا إذا
قدمنا مكة ذهب بعض أصحابنا يطوفون ، ويتركوني أحفظ متاعهم ، قال : أنت أعظم أجرا».
وعن مرازم بن حكيم ـ (6) قال : «زاملت محمد بن مصادف فلما
دخلنا مكة اعتللت فكان يمضي الى المسجد ويدعني وحدي فشكوت ذلك الى مصادف فأخبر به
أبا عبد الله (عليهالسلام) فأرسل إليه
قعودك عنده أفضل من صلاتك في المسجد».
وعن ابان بن تغلب (7) في الصحيح أو الحسن قال : «كنت مع
أبى جعفر (عليهالسلام) في ناحية عن
المسجد الحرام ، وقوم يلبون حول الكعبة ، فقال أما ترى هؤلاء الذين يلبون ، والله
لأصواتهم أبغض الى الله من أصوات الحمير». وعن عبد الرحمن بن الأشل بياع الأنماط (8) عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «كانت
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 397.
(2) سورة المائدة الآية 95.
(3 و 4) الكافي ج 4 ص 541.
(5 و 6) الكافي ج 4 ص 545.
(7 و 8) الكافي ج 4 ص 541.
قريش تلطخ الأصنام التي كانت حول
الكعبة بالمسك والعنبر وكان يغوث قبال الباب ، وكان يعوق عن يمين الكعبة وكان نسر
عن يسارها ، وكانوا إذا دخلوا أخروا سجدا ليغوث ، ولا ينحنون ، ثم يستديرون
بحيالهم الى يعوق ثم يستديرون بحيالهم الى نسر ثم يلبون فيقولون : لبيك اللهم لبيك
، لبيك لا شريك الا شريك هو لك ، تملكه وما ملك ، قال فبعث الله ذبابا أخضر له
أربعة أجنحة فلم يبق من ذلك المسك والعنبر شيئا إلا أكله ، وانزل الله عزوجل (1) «يا
أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ
مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ
يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ
وَالْمَطْلُوبُ».
وعن عمر بن يزيد (2) عن ابى عبد الله عليهالسلام قال لا يلي
الموسم مكي».
وعن معاوية بن عمار (3) عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا
ينبغي لأهل مكة أن يلبسوا القميص ، وأن يتشبهوا بالمحرمين شعثا غبرا ، وقال :
ينبغي للسلطان أن يأخذهم بذلك».
قيل : وأن يتشبهوا يعنى ، وينبغي أن يتشبهوا ، ويحتمل أن
يكون في الكلام تقديم وتأخير ، تقديره ينبغي لأهل مكة أن لا يلبسوا القميص ، وأن
يتشبهوا بالحرمين
وعن هارون بن خارجة (4) قال سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول من دفن
في الحرم أمن من الفزع الأكبر ، فقلت : من بر الناس وفاجرهم ، فقال : من بر الناس
وفاجرهم». ورواه الصدوق مرسلا ، ورواه البرقي في المحاسن ، بسنده عن هارون بن
خارجة مثله
وعن على بن سليمان (5) قال : «كتبت إليه أسأله عن الميت
يموت بعرفات
__________________
(1) سورة الحج الآية ـ 37.
(2) الكافي ج 4 ص 543.
(3) التهذيب ج 5 ص 447.
(4) الفقيه ج 2 ص 147 الكافي ج 4 ص 258.
(5) التهذيب ج 5 ص 465.
بدفن بعرفات أو ينقل الى الحرم ،
فأيهما أفضل ، فكتب : يحمل الى الحرم ويدفن فهو أفضل».
وعن حفص وهشام بن الحكم (1) أنهما سألا
أبا عبد الله (عليهالسلام) أيما أفضل
الحرم أو عرفة ، فقال الحرم» الحديث.
وعن عبد الملك بن عتبة (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عما يصل
إلينا من ثياب الكعبة هل يصلح ان نلبس منها شيئا قال يصلح للصبيان والمصاحف
والمخدة تبتغي بذلك البركة إنشاء الله».
وعن مروان بن عبد الملك (3) قال : «سألت
أبا الحسن عن رجل اشترى من كسوة الكعبة شيئا فاقتضى ببعضه حاجته وبقي بعضه في يده
هل يصلح بيعه؟ قال يبيع ما أراد ويهب ما لم يرد ويستنقع به ويطلب بركته قلت : أيكفن
به الميت قال : لا. «ورواه الصدوق مرسلا عن أبى الحسن موسى عليهالسلام
وروى في الفقيه عن مسمع بن عبد الملك (4) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : لا بأس
أن تأخذ من ديباج الكعبة فتجعله غلاف مصحف أو مصلى ، تصلى عليه وروى شيخنا الشهيد
في الدروس قال : روى البزنطي عن ثعلبة بن ميسرة قال : كنا عند أبى جعفر (عليهالسلام) في الفسطاط
نحوا من خمسين رجلا فقال : أتدرون أى البقاع أفضل عند الله منزلة؟ فلم يتكلم أحد
فكان هو الراد على نفسه ، فقال تلك مكة الحرام الذي وضعها الله لنفسه حرما وجعل
نبيه فيها ثم قال : أتدرون أي بقعة في مكة أفضل حرمة؟ فلم يتكلم أحد فكان هو الراد
على نفسه فقال : ذلك المسجد الحرام ، ثم قال : أتدرون أي بقعة في المسجد أعظم عند
الله حرمة؟ فلم يتكلم أحد فكان هو الراد على نفسه فقال : ذلك بين الحجر الأسود الى
باب الكعبة ، ذلك حطيم
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 462 التهذيب ج 5 ص 478.
(2) الكافي ج 4 ص 229.
(3) الكافي ج 4 ص 148.
(4) الوسائل الباب ـ 26 من أبواب مقدمات الطواف.
إسماعيل (عليهالسلام) الذي كان يذود فيه غنيمته ، ويصلى فيه ، فوالله لو أن عبدا صف رجليه في ذلك المقام قائما بالليل مصليا حتى يجيئه النهار ، وقائما بالنهار حتى يجيئه الليل ، ولم يعرف حقنا وحرمتنا أهل البيت لم يقبل الله منه شيئا ابدا ، إلا أن أبانا إبراهيم «عليه الصلاة وعلى محمد وآله كان مما اشترط على ربه أن قال رب اجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم ، أما انه لم يعن الناس كلهم ، فأنتم أولئك ، حكم الله ونظراؤكم وانما مثلكم في الناس مثل الشعرة السوداء في الثور الأنور.
الفصل الثالث عشر
لا ريب في استحباب زيارة قبر النبي (صلىاللهعليهوآله) استحبابا مؤكدا ويتأكد ذلك زيادة في حق الحاج ويجبر الناس على ذلك لو تركوها كما يجبرون على الأذان ، ومنع ابن إدريس كما نقل عنه ضعيف ، قال في المنتهى : «لو ترك الناس زيارة النبي (صلىاللهعليهوآله) قال الشيخ (رحمهالله) : يجبرهم الامام عليها ، ومنع ابن إدريس من وجوب ذلك ، لأنها مستحبة فلا يجب إجبارهم عليها ، ونحن نقول : ان ذلك يدل على الجفاء ، وهو محرم فيجبرهم الامام عليها لذلك انتهى.
روى المشايخ الثلاثة بأسانيدهم الصحيحة المتكثرة عن حفص
بن البختري وهشام بن سالم ومعاوية بن عمار (1) وغيرهم عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : لو أن
الناس تركوا الحج لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك ، وعلى المقام عنده ، ولو
تركوا زيارة النبي (صلىاللهعليهوآله) لكان على
الوالي أن يجبرهم على ذلك ، وعلى المقام عنده ، فان لم يكن لهم أموال أنفق عليهم
من بيت مال المسلمين».
وروى في الكافي عن ابى الحجر الأسلمي (2) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : من أتى مكة
حاجا ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة ، ومن أتاني زائرا وجبت له شفاعتي ،
ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة ، ومن مات في أحد الحرمين مكة والمدينة لم يعرض
ولم يحاسب ، ومن مات مهاجرا الى الله عزوجل حشر يوم
القيامة مع أصحاب بدر».
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 272.
(2) الكافي ج 4 ص 549.
وعن زرارة (1) في الصحيح أو الحسن عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «إنما
أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيخبرونا بولايتهم ،
ويعرضوا علينا نصرتهم».
وعن جابر (2) عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «تمام
الحج لقاء الامام». ورواه في الفقيه عن جابر (3).
وروى في الفقيه بسنده الى ذريح (4) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) في قول الله عزوجل «ثُمَّ
لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ» قال : «التفث لقاء الامام». وروى في
الكافي عن عبد الله بن سنان عن ذريح (5) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) ان الله أمرني
في كتابه بأمر فأحب أن أعلمه ، قال : وما ذلك قال : قلت : قول الله عزوجل «ثُمَّ
لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ» وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ
الْعَتِيقِ» قال : يقضوا تفثهم لقاء الامام ،
وليوفوا نذورهم تلك المناسك قال عبد الله بن سنان : فأتيت أبا عبد الله (عليهالسلام) فقلت : جعلت
فداك قوله عزوجل «ثُمَّ
لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) ، قال : أخذ
الشارب وقص الأظفار وما أشبه ذلك ،. قال : قلت : جعلت فداك ان ذريح المحاربي حدثني
عنك بأنك قلت له
«لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ» لقاء الامام ، «وَلْيُوفُوا
نُذُورَهُمْ» تلك المناسك ، فقال : صدق ذريح وصدقت
ان للقرآن ظاهرا وباطنا ومن يحتمل ما يحتمل ذريح».
وروى في الفقيه عن عبد الله بن سنان (6) قال : أتيت
أبا عبد الله (عليهالسلام) فقلت جعلني
الله فداك» الحديث.
وعن يحيى بن يسار (7) قال حججنا فمررنا بأبي عبد الله (عليهالسلام) فقال : حجاج
__________________
(1 و 2) الكافي ج 4 ص 549.
(3 و 4) الفقيه ج 2 ص 345 و 291.
(5) الكافي ج 4 ص 549.
(6) الفقيه ج 2 ص 291.
(7) الكافي ج 4 ص 549.
بيت الله وزوار قبر نبيه (صلىاللهعليهوآله) وشيعة آل
محمد (صلوات الله عليهم ، هنيئا لكم».
أقول : وهذه الاخبار وان كان موردها حال حياتهم (عليهمالسلام) الا أنه لا
فرق بين الحياة والموت بالنسبة إليهم (صلوات الله عليهم) فإنهم أحياء عند ربهم
يرزقون ، يشاهدون كل من ورد الى قبورهم.
ويشهد لذلك ما رواه الشيخ في التهذيب عن يزيد بن عبد
الملك (1) عن أبيه عن
جده قال : «دخلت على فاطمة (عليهاالسلام) فبدأتني
بالسلام ، ثم قالت : ما غدا بك قلت : طلب البركة قالت : أخبرني أبى وهو ذا ، هو
أنه من سلم عليه وعلى ثلاثة أيام أوجب الله له الجنة ، قلت لها : في حياته وحياتك؟
قالت : نعم وبعد موتنا».
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد اختلفت الاخبار في استحباب
البدعة بالحج ثم زيارة النبي (صلىاللهعليهوآله) أو العكس ،
فروى في الكافي عن على بن محمد بن عبد الله البرقي (2) عن أبيه قال :
«سألت أبا جعفر (عليهالسلام) أبدأ
بالمدينة أو بمكة ، قال : ابدأ بمكة واختم بالمدينة ، فإنه أفضل». ورواه في الفقيه
مرسلا ، ورواه في التهذيب عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عليهالسلام.
وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عيص بن القاسم (3) قال سألت أبا
عبد الله عليهالسلام عن الحاج من
الكوفة يبدأ بالمدينة أفضل أو بمكة؟ قال : بالمدينة». ورواه في الفقيه عن عيص بن
القاسم مثله ، وروى الشيخ في الصحيح عن على بن يقطين (4) قال : سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) عن الممر
بالمدينة في البداية أفضل ، أو في الرجعة ، قال : لا بأس بذلك آية كان».
روى في الكافي والتهذيب في الموثق عن سدير (5) عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : ابدأ
وبمكة واختموا بنا».
__________________
(1) التهذيب ج 6 ص 9.
(2) الكافي ج 4 ص 550 الفقيه 344 التهذيب ج 5 ص 439.
(3 و 4) التهذيب ج 5 ص 439 و 440.
(5) الكافي ج 5 ص 550.
أقول الظاهر في وجه الجمع هو أن الأفضل مع الاختيار
والتمكن من الأمرين معا البدأة بالحج ، وعليه تحمل رواية البرقي ، وموثقة سدير.
وأما إذا حج على طريق المدينة فالبدأة بها أفضل ، لئلا
يخترم دون ذلك ، أو لا يتفق له رجوع على تلك الطريق الاولى ، وبهذا جمع الشيخ
وصاحب الفقيه (عطر الله مرقديهما)
وأما الاخبار الواردة في ثواب زيارتهم (صلوات الله عليهم)
في الحياة أو بعد الموت فهي أكثر من أن تحصى ، ولا بأس بنقل جملة منها تيمنا
وتبركا) فمنها ما رواه في الكافي في الصحيح عن أبان عن السدوسي (1) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : من أتاني
زائرا كنت شفيعه يوم القيامة».
وعن ابن شهاب (2) قال : قال الحسين (عليهالسلام) لرسول الله (صلىاللهعليهوآله) : يا أبتاه
ما لمن زارك؟ فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : يا بنى من
زارني حيا أو ميتا أو زار أباك أو زار أخاك كان حقا على أن أزوره يوم القيامة
وأخلصه من ذنوبه».
وروى الشيخ في التهذيب عن إبراهيم بن عبد الله بن حسين
بن عثمان بن معلى بن جعفر (3) قال : «قال
الحسن بن على (عليهمالسلام) : يا رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) ما لمن زارنا؟
قال : من زارني حيا أو ميتا أو زار أباك حيا أو ميتا أو زار أخاك حيا أو ميتا أو زارك
حيا أو ميتا كان حقا على ان استنقذه يوم القيامة».
وروى في الكافي عن محمد بن على يرفعه (4) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وفي الفقيه (5) مرسلا «قال :
قال رسول الله لعلى (عليهمالسلام) : يا على من
زارني في حياتي أو بعد مماتي أو زارك في حياتك أو بعد مماتك أو زار ابنيك في
حياتهما أو بعد موتهما ضمنت له يوم القيامة ان أخلصه من أهوالها وشدائدها حتى
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 548.
(2 و 3) التهذيب ج 6 ص 4.
(4 و 5) الكافي ج 4 ص 579.
أصيره معي في درجتي».
«وعن زيد الشحام (1) قال قلت لأبي عبد الله عليهالسلام ما لمن زار
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال كمن زار
الله فوق عرشه» قال : قلت : فما لمن زار واحدا منكم؟ قال : كمن زار رسول الله (صلىاللهعليهوآله)».
وروى الشيخ في التهذيب عن أبى الحسن موسى بن إسماعيل بن
موسى بن جعفر بن على بن الحسين (2) عليهالسلام عن أبيه عن
جده جعفر بن محمد عن أبيه عن على بن الحسين (عليهالسلام) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله): من زار قبري
بعد موتى كان كمن هاجر الى في حياتي فان لم تستطيعوا فابعثوا الى بالسلام ، فإنه
يبلغني».
وعن ابى عامر واعظ الحجاز (3) عن الصادق (عليهالسلام) عن أبيه عن
جده (عليهمالسلام) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : لعلى عليهالسلام يا أبا الحسن
ان الله عزوجل جعل قبرك
وقبور ولدك بقاعا من بقاع الجنة ، وعرصة من عرصاتها ، وان الله عزوجل جعل قلوب
نجباء من خلقه ، وصفوته من عباده ، تحن إليكم وتحتمل الأذى والمذلة فيكم ، فيعمرون
قبوركم ويكثرون زيارتها تقربا منهم الى الله ، ومودة منهم لرسول الله ، اولائك يا
على المخصوصون بشفاعتي ، والواردون حوضي ، وهم زواري غدا في الجنة ، يا على من عمر
قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داود (عليهماالسلام) على بناء بيت
المقدس ، ومن زار قبوركم عدل ذلك له ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام ، وخرج من
ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه ، فأبشر يا على وبشر أوليائك ومحبيك من
النعيم وقرة العين بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ولكن
حثالة من الناس يعيرون
__________________
(1) التهذيب ج 6 ص 4 الكافي ج 4 ص 579.
(2) التهذيب ج 6 ص 3.
(3) التهذيب ج 6 ص 22.
زوار قبوركم بزيارتكم كما تعير
الزانية بزناها ، أولائك شرار أمتي لا تنالهم شفاعتي ولا يردون حوضي». الى غير ذلك
من الاخبار التي يضيق عن نقلها المقام
الفصل الرابع عشر
يستحب لقاصدى المدينة المشرفة المرور بمسجد الغدير
ودخوله والصلاة فيه والإكثار من الدعاء ، وهو موضع الذي نص فيه رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) على امامة
أمير المؤمنين وخلافته بعده ، ووقع التكليف بها ، وان كانت النصوص قد تكاثرت بها
عنه (صلىاللهعليهوآله) قبل ذلك
اليوم ، الا ان التكليف الشرعي والإيجاب الحتمي انما وقع في ذلك اليوم ، وكان تلك
النصوص المتقدمة كانت من قبيل التوطئة لتوطن النفوس عليها ، وقبولها بعد التكليف
بها.
فروى ثقة الإسلام في الكافي والصدوق في الفقيه عن أبان (1) عن ابى عبد
الله عليهالسلام قال : يستحب
الصلاة في مسجد الغدير ، لأن النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) أقام فيه
أمير المؤمنين (عليهالسلام) وهو موضع
أظهر الله عزوجل فيه الحق».
وروى المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مضاجعهم) في
الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (2) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليهالسلام) عن الصلاة في
مسجد غدير خم وأنا مسافر ، فقال : صل فيه فان فيه فضلا كثيرا وكان أبى يأمر بذلك».
ويستحب أيضا النزول بالمعرس وصلاة ركعتين فيه ، والتعريس لغة نزول القوم في السفر
آخر الليل ، قال في القاموس : أعرس القوم نزلوا في آخر الليل للاستراحة ، كعرس
وليلة التعريس الليلة التي نام فيها النبي (صلىاللهعليهوآله) والمعرس :
بضم الميم وفتح العين وتشديد الراء المفتوحة ، ويقال : بفتح الميم وسكون العين
وتخفيف الراء ، مسجد يقرب مسجد الشجرة بازاءه مما يلي القبلة ، والمراد بالتعريس
في المسجد المذكور هو الاضطجاع فيه ، إذا مر به ليلا كان أو نهارا ، كما يدل عليه
الاخبار الاتية ، وقد أجمع الأصحاب على استحباب النزول فيه والصلاة تأسيا بالنبي
__________________
(1 و 2) الكافي ج 4 ص 567 الفقيه ج 2 ص 335.
(صلىاللهعليهوآله) ويستحب أيضا
الرجوع اليه لو تجاوزه ، ويدل على ذلك جملة من الاخبار ، ومنها ما رواه ثقة
الإسلام في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (1) قال : قال أبو عبد الله (عليهالسلام): إذا انصرفت
من مكة إلى المدينة وانتهيت إلى ذي الحليفة وأنت راجع الى المدينة من مكة ، فأت
معرس النبي (صلىاللهعليهوآله) فان كنت في
وقت صلاة مكتوبة أو نافلة فصل فيه ، وان كان في غير وقت صلاة مكتوبة فانزل فيه
قليلا ، فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يعرس فيه
، ويصلى». ورواه الصدوق أيضا في الصحيح عن معاوية بن عمار مثله.
وعن الحسن بن على بن فضل (2) قال : «قال
على بن أسباط لأبي الحسن ونحن نسمع : انا لم نكن عرسنا فأخبرنا ابن القاسم بن
الفضيل أنه لم يكن عرس وأنه سألك فأمرته بالعود الى المعرس فيعرس فيه ، فقال : نعم
، فقال له : فانا انصرفنا فعرسنا فأي شيء نصنع؟ قال : تصلى فيه وتضطجع ، وكان أبو
الحسن (عليهالسلام) يصلى بعد
العتمة فيه ، فقال له محمد : فان مر به في غير وقت صلاة مكتوبة؟ قال : بعد العصر ،
قال : سئل أبو الحسن (عليهالسلام) عن ذا فقال (عليهالسلام) : ما رخص في
هذا الا في ركعتي الطواف ، فان الحسن بن على (عليهماالسلام) فعله ، وقال
: يقيم حتى يدخل وقت الصلاة ، قال : فقلت له : جعلت فداك فمن مر به بليل أو نهار
يعرس فيه ، أو إنما التعريس في الليل؟ فقال : ان مر به بليل أو نهار فليعرس فيه».
قال في الوافي المستتر في «قال» في قوله «قال بعد العصر»
يرجع الى محمد يعنى كما إذا مر به بعد العصر ما رخص في هذا يعنى ما رخص في النافلة
بعد العصر إلا في ركعتي طواف النافلة ، وقد مر الكلام فيه في كتاب الصلاة ، وانها
موضع تقية حتى يدخل وقت الصلاة يعني الوقت الذي يجوز فيه الصلاة من غير كراهة ،
كوقت الصلاة المكتوبة.
وعن على بن أسباط عن بعض أصحابنا (3) «انه لم يعرس
فأمره الرضا (عليهالسلام) ان ينصرف
فيعرس.
وعن محمد بن القاسم (4) قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام) جعلت
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 565 الفقيه ج 2 ص 335.
(2) الكافي ج 4 ص 566.
(3 و 4) الكافي ج 4 ص 565.
فداك ان جمالنا مر بنا ولم ينزل
المعرس ، فقال : لا بد أن ترجعوا اليه فرجعت اليه.
وروى الشيخ في التهذيب عن معاوية بن عمار (1) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «قال
لي في المعرس ـ معرس النبي صلىاللهعليهوآله : ـ إذا رجعت
الى المدينة فمر به وانزل وأنخ به وصل فيه ، ان رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فعل ذلك ،
قلت : فان لم يكن وقت صلاة؟ قال : فأقم قلت : لا يقيمون أصحابي؟ قال : فصل ركعتين
وامضه ، وقال : انما المعرس إذا رجعت الى المدينة ليس إذا بدأت بها».
وعن ابن أسباط (2) قال : «قلت لعلى بن موسى (عليهالسلام) : ان الفضيل
بن يسار روى عنك وأخبرنا عنك بالرجوع الى المعرس ، ولم نكن عرسنا فرجعنا إليه فأي
شيء نصنع ، قال : تصلى وتضطجع قليلا ، فقد كان أبو الحسن (عليهالسلام) يصلى فيه : ويقعد
، فقال محمد بن على بن فضال : فان مررت به في غير وقت صلاة بعد العصر فقال : فقد
سئل أبو الحسن (عليهالسلام) عن ذلك فقال
: صل فيه ، فقال محمد بن على بن فضال : ان مررت به ليلا أو نهارا انعرس ، أو إنما
التعريس بالليل فقال. نعم ان مررت به ليلا أو نهارا فعرس فيه ، فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يفعل ذلك».
وروى في الفقيه (3) «قال سأل العيص
بن القاسم أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الغسل في
المعرس ، فقال : ليس عليك فيه غسل ،».
ويستفاد من صحيحة معاوية بن عمار التي هي أول الاخبار
ومن رواية الأخيرة ان التعريس المستحب انما هو في الرجوع من مكة إلى المدينة دون
العكس
الفصل الخامس عشر
وللمدينة المنورة حرم ، وهو من ظل عائر إلى وعير ، لا
يعضد شجره ، ولا يصاد ما بين الحرمين منه ، وهي حرة ليلى ، وحرة وأقم ، بكسر القاف
اسم لحصن هناك ، أضيفت الحرة اليه ، وهل النهى هنا على جهة الكراهة أو التحريم
قولان ،
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 6 ص 16.
(3) الفقيه ج 2 ص 336.
وتفصيل هذه الجملة أن الحرم المذكور
هو ما بين الجبلين المذكورين ، فان عائرا ووعيرا : اسمان لجبلين مكتنفين للمدينة ،
أحدهما من المشرق ، والأخر من المغرب ووعير ضبطه الشهيد في الدروس بفتح الواو ،
ونقل عن المحقق الشيخ على أنه وجده في مواضح متعددة يضم الواو ، وفتح العين
المهملة ، والحرة بالفتح والتشديد أرض ذات أحجار سود ، ومنه سميت الحرتان
المذكورتان بذلك ، وهما أدخل في المدينة ، وهذا الحرم : بريد في بريد ، ويوضح ذلك
ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى الخراز (1) عن بعض أصحابنا عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «بينا
نحن جلوس وأبى عند وال لبني أمية على المدينة إذ جاء أبى فجلس فقال : كنت عند هذا
قبيل فسألهم عن التقصير فقال قائل منهم : في ثلاث وقال قائل منهم : يوما وليلة ،
وقال قائل منهم روحة فسألني فقلت له : ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لما انزل
عليه جبرائيل (عليهالسلام) بالتقصير قال
له النبي (صلىاللهعليهوآله) في كم ذاك ،
فقال : في بريد ، قال : وأي شيء البريد : قال ما بين ظل عير إلى فيء وعير ، قال
: ثم عبرنا زمانا ثم رأى بنو أمية يعلمون أعلاما على الطريق ، وأنهم ذكروا ما تكلم
به أبو جعفر (عليهالسلام) فذرعوا ما
بين ظل عير إلى فيء وعير ثم جزؤه على اثنى عشر ميلا» الحديث.
والتقريب فيه أنه دل على أن ما بين الجبلين بريد اثنا
عشر ميلا ، واختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في صيد هذا الحرم ، وقطع شجرة فقيل
: انه لا يجوز قطع شجرة ، ولا قتل صيد ما بين الحرمين ، ونسبه في المدارك إلى
الأكثر قال : به قطع في المنتهى ، وأسنده إلى علمائنا ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه
وقيل بالكراهة ، وبه صرح المحقق في الشرائع ، وذكر في
المسالك ان هذا القول هو المشهور بين الأصحاب قال : بعد أن ذكر أن في المسألة
قولين : أحدهما التحريم ، وهو اختيار الشيخ والعلامة في المنتهى ، والثاني وهو
المشهور بين الأصحاب ، بل كثير منهم لم يذكروا فيه خلافا الكراهة الى أن قال وبعض
__________________
(1) الكافي ج 3 ص 432.
الأصحاب قطع بتحريم قطع الشجر ، وجعل
الخلاف في الصيد ، قال وظاهر الاخبار يدل عليه ، فإنه لم يرد خبر بجواز قطع الشجر
وانما تعارضت الاخبار في الصيد ، الا أن الأصحاب نقلوا الكراهة في الجميع
واختاروها انتهى.
أقول : وها أنا أسوق لك ما وقفت عليه من أخبار المسألة
وأبين ما وضح لي منها بتوفيق الله سبحانه وهدايته.
فمنها ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة بن أعين (1) عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : حرم
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) المدينة ما
بين لابتيها صيدها وحرم ما حولها بريدا في بريد ان يختلا خلاها أو يعضد شجرها إلا
عودي الناضح». قال في الفقيه : وروى ان لابتيها ما أحاطت به الحرار ، وروى في خبر
آخر أن ما بين لابتيها ما بين الصورين إلى الثنية ، والذي حرمه من شجر ما بين ظل
عائر إلى فيء وعير ، وهو الذي حرم ، وليس صيدها كصيد مكة يؤكل هذا ولا يؤكل ذاك
أقول : وقد تقدم أن الخلا مقصورة : الرطب من النبات ،
واحدته خلاه أو كل بقلة واختلاه جزه ، وروى الكليني والشيخ في الصحيح عن صفوان عن
عبد الله بن مسكان عن الحسن الصيقل (2) عن أبى عبد الله (عليهالسلام) ، قال : كنت
جالسا عند زياد بن عبد الله وعنده ربيعة الرأي فقال له زياد : ما الذي حرم رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) ، من المدينة؟
فقال له :
بريد في بريد ، فقال لربيعة : وكان على عهد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أميال فسكت
ولم يجبه فاقبل على زياد فقال : يا أبا عبد الله ما تقول أنت؟ فقلت : حرم رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) من المدينة
من الصيد» ما بين لابتيها ، قال : وما بين لابتيها؟ قلت : ما أحاطت به «الحرار» (3) قال : وما حرم
من الشجر؟ قلت : ما بين عير الى وعير» ـ وزاد في الكافي ـ قال صفوان : قال ابن
مسكان : قال الحسن فسأله إنسان وأنا جالس ، فقال له وما بين لابتيها؟
__________________
(1) الفقيه ج 2 ص 336.
(2) الكافي ج 4 ص 564 التهذيب ج 6 ص 13.
(3) وفي التهذيب «الحرتان».
قال : ما بين الصورتين إلى الثنية».
أقول : الذي في الكافي «حرم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من المدينة
ما بين لابتيها» وليس فيه من الصيد ، وانما هو في رواية التهذيب خاصة ، وفي
التهذيب ولم يحسن بدل ولم يجبه ثم ، أقول : والظاهر أن هذه الزيادة المنقولة في
الكافي هي التي أشار إليها الصدوق فيما قدمنا نقله بقوله «وروى في خبر أخر أن ما
بين لابتيها» الى آخره قيل : والصورين كأنه تثنية الصور ، وهو جماعة من النخل ،
ولا واحد له من لفظه ، ويجمع على صيران وفي الخبر أنه خرج الى صور بالمدينة.
أقول : قال في القاموس : «والصور : النخل الصغار ، أو المجتمع
، الجمع صيران» وقال : في مجمع البحرين : والصور : الجماعة من النخل ، ولا واحد له
من لفظه ، والجمع على صيران ، ومنه خرج الى صور بالمدينة ، وحديث بدر أن أبا سفيان
بعث الى رجلين من أصحابه فاحرقا صور من صيران العريض
وروى في الفقيه عن ابى بصير (1) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «حد ما
حرم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من المدينة
من ذباب الى واقم والعريض والنقب من قبل مكة.
أقول «وذباب» بضم المعجمة جبل قرب المدينة على نحو من
بريد منها ، وفي صحيحة زرارة (2) كان رسول الله
(صلىاللهعليهوآله) إذا اتى ذبابا
قصر وانما فعل ذلك لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ ، وراقم : اسم حصن
هناك من حصون المدينة ، وهو الذي أضيفت إليه الحرة ، كما تقدم ، وفي الكافي «فأقم»
مكان «وأقم» والظاهر أنه غلط وعريض كزبير واد بالمدينة ، به أموال لأهلها ، قال في
القاموس : ومرجع هذين التحديدين الى التحديد الأول والنقب بالنون : الطريق في
الجبل ، ومنه ألقاب المدينة إلى الطرق الداخلة إليها من بين الجبال ،
وروى في الكافي عن معاوية بن عمار (3) عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال : قال
رسول
__________________
(1) الفقيه ج 2 ص 337.
(2) الفقيه ج 1 ص 287.
(3) الكافي ج 4 ص 564.
الله (صلىاللهعليهوآله) : مكة حرم
الله ، حرمها إبراهيم (صلوات الله عليه) وان المدينة حرمي ما بين لابتيها ، حرم لا
يعضد شجرها ، وهو ما بين ظل عائر إلى ظل وعير ، وليس صيدها كصيد مكة يؤكل هذا ولا
يؤكل ذلك وهو بريد».
وروى في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان (1) عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال يحرم من
الصيد صيد المدينة ما بين الحرتين».
وروى في الفقيه في الصحيح عن عبد الله بن سنان (2) عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال يحرم من
صيد المدنية ما صيد بين الحرتين».
وروى المشايخ الثلاثة عن أبى العباس يعنى الفضل بن عبد
الملك البقباق (3) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : حرم رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) المدينة؟ قال
: نعم حرم بريدا في بريد غضاها قال : قلت : صيدها؟ قال : لا ، يكذب الناس».
أقول : الغضا بالمعجمتين جمع غضاة وهو شجر معروف
وروى الصدوق في كتاب معاني الاخبار في الصحيح عن معاوية
بن عمار (4) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : ما
بين لابتيى المدينة ظل عائر إلى ظل وعير حرم قلت : طائره كطائر مكة؟ قال : لا ،
ولا يعضد شجرها ـ قال : وروى ـ أنه يحرم من صيد المدينة ما صيد بين الحرتين».
وروى الصفار في بصائر الدرجات بسنده عن الفضيل بن يسار (5) قال : «سألته
الى أن قال فقال : ان الله أدب نبيه فأحسن تأديبه فلما انتدب فوض اليه ، فحرم الله
الخمر وحرم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كل مسكر ،
فأجاز الله له ذلك ، وحرم الله مكة ، وحرم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) المدينة
فأجاز الله ذلك كله الحديث.
وعن عبد الله بن سنان (6) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) في حديث قال
: «ان الله
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 6 ص 13 الفقيه ج 2 ص 337.
(3) الفقيه ج 2 ص 337 التهذيب ج 6 ص 13 الكافي ج 4 ص 563.
(4 و 5) الوسائل الباب 17 من أبواب المزار.
(6) الوسائل الباب 17 من أبواب المزار.
أدب نبيه (صلىاللهعليهوآله) انتدب ففوض
اليه ، وان الله حرم مكة ، وان رسول الله حرم المدينة فأجاز الله له ، وان الله
حرم الخمر ، وان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) حرم كل مسكر
، فأجاز الله له».
أقول : هذا ما وقفت عليه من أخبار المسألة وكلها متفقة
الدلالة في تحريم قطع الشجر ، وانما اختلفت في الصيد كما تقدمت الإشارة إليه في
كلام شيخنا الشهيد الثاني ، وأكثر الأخبار دال على التحريم خصوصا في بعض ، وعموما
في آخر ، والذي يدل على عدم التحريم ، منها رواية معاوية بن عمار المنقولة من
الكافي ، ونحوها رواية أبي العباس ، وكذا صحيحة معاوية بن عمار المنقولة من كتاب
معاني الاخبار.
والشيخ رضوان الله عليه بعد نقله الروايتين الأوليين في
التهذيب أجاب عنهما ، فقال : ما تضمن هذان الخبران من أن صيد المدينة لا يحرم ،
المراد به ما بين البريد الى البريد ، وهو ظل عائر إلى ظل وعير ، ويحرم ما بين
الحرتين ، وبهذا تميز صيد هذا الحرم من حرم مكة ، لأن صيد مكة محرم في جميع الحرم
، وليس كذلك في حرم المدينة ، لأن الذي يحرم منها هو الصيد المخصوص انتهى. ثم
استدل على ذلك برواية عبد الله بن سنان المذكورة ، نقلا من التهذيب ، ورواية الحسن
الصيقل المتقدمة أيضا.
أقول : وبذلك صرح من تأخر عنه كالعلامة في المنتهى وغيره
، ومنهم السيد السند في المدارك ، وزاد الطعن في الخبرين المذكورين بضعف السند ،
واعترضه المحدث الكاشاني في الوافي ، فقال بعد نقل كلامه المذكور : ما لفظه أقول :
ظاهر خبر ابن عمار ان التحديدين واحد ، ولا دلالة فيه على عدم تحريم الصيد ، ولا
على تحريمه ، وانما يدل على عدم تحريم أكله ، وخبر البقباق أيضا يحتمل معنيين ،
أحدهما أن لا يكون كلاما برأسه ، ويكون يكذب الناس كلاما آخر على حدة من الكذب ،
والثاني أن يكون كلاما واحدا من التكذيب على سبيل التقية ، فإن العامة روت في
التحريم رواية ، ثم الخبران الإتيان إنما يدلان على ما ذكره ، لو كانا كما رواهما
،
أما لو كانا كما رويا في الفقيه
والكافي فلا دلالة لهما على ذلك ، كما ستقف عليه إنشاء الله. نعم ما يدل على ما
ذكره روايته ، انتهى.
أقول : لا يخفى أن ظاهر صحيحة زرارة وكذا ظاهر رواية
الحسن الصيقل هو تغاير التحديدين ، وان الحد الذي يحرم فيه الصيد هو بين لابتيها ،
والذي يحرم فيه الشجر هو ما بين الجبلين ، وهو مسافة البريد ، وحينئذ فلعل ما في
رواية معاوية المذكورة وكذا صحيحة المنقولة في كتاب معاني الاخبار من الدلالة على
اتحاد الحدين خرج مخرج التجوز ، حيث أنه القدر المتفق عليه ، والا مسافة ما اشتملت
عليه الحرتان أقل من المسافة التي بين الجبلين كما لا يخفى.
وأما قوله «ولا دلالة فيه على عدم تحريم الصيد ولا على
تحريمه» ففيه أن الظاهر من عدم التحريم أكله عدم تحريم صيده ، كما ان الظاهر من
تحريم الصيد هو تحريم الأكل إذا كان مما يؤكل ، كما لا يخفى على من لاحظ الأخبار
المتقدمة في الصيد في باب محرمات الإحرام ، واتفاق كلمة الأصحاب على ذلك ، وهذا
المعنى ظاهر من صحيحة معاوية المروية في كتاب المعاني ، فإن قوله «قلت طائره كطائر
مكة» يعني في تحريم صيده ، وما يترتب عليه من تحريم أكله ، «قال : لا».
وبالجملة فالروايتان ظاهرتان في عدم تحريم الصيد ، وحمل
الشيخ في هذا المقام جيد كما عرفت ، وأما خبر البقباق فالظاهر ان إجمال متنه يمنع
من الاعتماد عليه استدلالا ، أو إيرادا أو نقضا ، فطرحه من البين قريب ، وأما قوله
ثم الخبران الإتيان الى آخره إشارة إلى صحيحة عبد الله بن سنان ، ورواية الحسن
الصيقل ، ففيه أن ما ذكره بالنسبة إلى رواية الفضيل الصيقل مسلم ، لما عرفت من
الاختلاف في الروايتين ، لكن الطعن به انما يتم لو لم يعتمد على روايات التهذيب ،
وليس كذلك ، وحينئذ فالاعتراض به لا محصل له ، وأما بالنسبة إلى صحيحة عبد الله بن
سنان فإنه لا يخفى أن ما رواه في الفقيه لا ينافي رواية التهذيب كما توهمه ، بل
مرجع الروايتين الى معنى واحد كما لا يخفى.
وبالجملة فما ذهب اليه الشيخ من التحريم في كل من الصيد والشجر هو الظاهر من الاخبار ، والله العالم.
الفصل السادس عشر :
قد اتفقت الاخبار وكلمة الأصحاب على انه يستحب لزائر
المدينة بعد الدخول إكثار الصلاة في مسجد الرسول (صلىاللهعليهوآله) ولا سيما في
الروضة ، وهي ما بين القبر والمنبر الى طرف الظلال ، وأن يأتي المنبر ويمسح مما
يليه وأن يأتي المساجد الشريفة بالمدينة ، كمسجد قبا ، ومسجد الفتح ، ومسجد
الأحزاب ومسجد الفضيح ، وهو الذي ردت فيه الشمس لأمير المؤمنين (عليهالسلام) ومشربة أم
إبراهيم (عليهالسلام) وقبور
الشهداء بأحد ولا سيما قبر حمزة (رضى الله عنه).
روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) : إذا فرغت
من الدعاء عند قبر النبي صلىاللهعليهوآله فأت المنبر
وامسحه بيدك وخذ برمانتيه ، وهما السفلاوان ، وامسح عينيك ووجهك به ، فإنه يقال : انه
شفاء العين ، وقم عنده فاحمد الله وأثن عليه ، واسأل حاجتك ، فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال : ما بين
منبري وبيتي روضة من رياض الجنة ، ومنبري على ترعة من ترع الجنة ـ والترعة هي
الباب الصغير ـ ثم تأتى مقام النبي (صلىاللهعليهوآله) فتصلي فيه ما
بدا لك ، فإذا دخلت المسجد فصل على النبي (صلىاللهعليهوآله) وإذا خرجت
فاصنع مثل ذلك ، وأكثر من الصلاة في مسجد الرسول (صلىاللهعليهوآله) ورواه في
الفقيه مقطوعا مرسلا بدون قوله وأكثر الى آخره ، وقال ما بين منبري وقبري روضة
وزاد بعد ترع الجنة وقوائم منبري ربت في الجنة».
قال في الوافي : الترعة بضم المثناة الفوقانية ثم
المهملتين في الأصل : هي الروضة على المكان المرتفع خاصة ، فإذا كان في المطمئنين
فهي روضة ، قال القتيبي في معنى الحديث ان الصلاة والذكر في هذا الموضع يؤديان إلى
الجنة ، فكأنه قطعة منها ، وقيل الترعة الدرجة ، وقيل الباب كما في هذا الحديث
وكان الوجه
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 553 الفقيه ج 2 ص 340.
فيه ان بالعبادة هناك يتيسر دخول
الجنة ، كما ان بالباب يتمكن من الدخول ، ولا تنافي بين ما في الكافي والفقيه لانه
(صلىاللهعليهوآلهوسلم) دفن في بيته
، وربت أى نمت وارتفعت انتهى.
أقول : قال بعض شراح الحديث : وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ما بين قبري
ومنبري روضة من رياض الجنة ، لأن فاطمة عليهاالسلام بين قبره
ومنبره صلىاللهعليهوآله وقبرها عليهاالسلام روضة من رياض
الجنة ، ويحتمل أن يكون ذلك على الحقيقة في المنبر والروضة بأن يكون حقيقتها كذلك
، وان لم يظهر في الصورة بذلك في الدنيا ، لأن الحقائق تظهر بالصور المختلفة
انتهى.
وعن أبى بكر الحضرمي (1) عن أبى عبد الله عليهالسلام قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله):
ما بين بيتي وقبري ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري
على ترعة من ترع الجنة ، وقوائم منبري ربت في الجنة ، قال : قلت هي روضة اليوم ،
قال : نعم لو كشف الغطاء لرأيتم.
أقول : وفي هذا الخبر ما يدل على ما ذكره ذلك البعض المتقدم
، وعن مرازم (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عما يقول
الناس في الروضة؟ «قال : قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : في ما بين
بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على ترعة من ترع الجنة ، فقلت له : جعلت
فداك فما حد الروضة؟ فقال : بعد أربع أساطين من المنبر الى الظلال : فقلت : جعلت
فداك من الصحن فيها شيء؟ قال : لا».
وعن عبد الله بن مسكان (3) في الصحيح عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «حد
الروضة في مسجد الرسول الى طرف الظلال ، وحد المسجد إلى الأسطوانتين عن يمين
المنبر الى الطريق مما يلي سوق الليل». وعن عبد الأعلى مولى آل سام (4) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : كم كان
مسجد رسول الله (صلىاللهعليهوآله)؟ قال : كان
__________________
(1 و 2) الكافي ج 4 ص 554.
(3 و 4) الكافي ج 4 ص 555.
ثلاثة آلاف وستمائة ذراع مكسرا».
قال في المغرب : الذراع المكسر ست قبضات ، وهو ذراع
العامة وانما وصفت بذلك؟ لأنها نقصت عن ذراع الملك بقبضة ، وهو بعض الأكاسرة ،
وكانت ذراعه سبع قبضات انتهى.
وعن محمد بن مسلم (1) في الصحيح قال : «سألته عن حد مسجد
رسول الله (صلىاللهعليهوآله)؟ فقال : الأسطوانة
التي عند رأس القبر إلى الأسطوانتين من وراء المنبر عن يمين القبلة ، وكان من وراء
المنبر طريق تمر فيه الشاة ويمر الرجل منحرفا وكان ساحة المسجد من البلاط الى
الصحن».
قال في الوافي : البلاط بالفتح موضع بالمدينة بين المسجد
والسوق ، مبلط اى مفروش بالحجارة التي تسمى بالبلاط ، سمى المكان به اتساعا ، وعن
معاوية بن وهب (2) في الصحيح قال
: «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : هل قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ، ما بين
بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة؟ فقال : نعم ، وقال : بيت على وفاطمة (عليهماالسلام) ما بين البيت
الذي فيه النبي (صلىاللهعليهوآله) الى الباب
الذي يحاذي الزقاق الى البقيع ، قال : فلو دخلت من ذلك الباب والحائط مكانه أصاب
منكبك الأيسر ، ثم سمى سائر البيوت ، وقال : قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : الصلاة في
مسجدي تعدل ألف صلاة في غيره الا المسجد الحرام فهو أفضل».
وعن جميل بن دراج (3) «قال سمعت أبا
عبد الله (عليهالسلام) يقول : قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : ما بين
منبري وبيوتي روضة من رياض الجنة ، ومنبري على ترعة من ترع الجنة ، وصلاة في مسجدي
تعدل ألف صلاة فيما سواه من المساجد الا المسجد الحرام ، قال جميل : قلت له : بيوت
النبي (صلىاللهعليهوآله) وبيت على (عليهالسلام) منها؟ قال : نعم
وأفضل».
وبهذا المضمون بالنسبة إلى فضل الصلاة في مسجده (صلىاللهعليهوآله) أخبار عديدة
__________________
(1 و 2) الكافي ج 4 ص 554 و 555.
(3) الكافي ج 4 ص 556.
فيها الصحيح وغيره ، وعن أبى الصامت (1) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) : صلاة في
مسجد النبي (صلىاللهعليهوآله) تعدل عشرة
آلاف صلاة».
وعن هارون بن خارجة (2) قال : الصلاة في مسجد الرسول (صلىاللهعليهوآله) تعدل عشرة
آلاف صلاة».
وعن يونس بن يعقوب (3) في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) الصلاة في
بيت فاطمة (عليهاالسلام) مثل الصلاة
في الروضة؟ قال : وأفضل».
وعن معاوية بن عمار (4) في الصحيح قال : قال أبو عبد الله (عليهالسلام): لا تدع
إتيان المشاهد كلها مسجد قباء فإنه المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ،
ومشربة أم إبراهيم (عليهالسلام) ومسجد الفضيخ
وقبور الشهداء ومسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح ، قال : وبلغنا أن النبي (صلىاللهعليهوآله) كان إذا أتى
قبور الشهداء قال : السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ، وليكن فيما تقول عند
مسجد الفتح يا صريخ المكروبين ، يا مجيب دعوة المضطرين ، اكشف همي وغمي وكربى كما
كشفت عن نبيك غمه وهمه وكربه ، وكفيته هول عدوه في هذا المكان».
وهمه وكربه ، وكفيته هول عدوه في هذا المكان» ورواه في
الفقيه مرسلا مقطوعا على اختلاف في ألفاظه.
قال في الوافي : المشربة بفتح الراء وضمها الغرفة والصفة
، يقال : هو في مشربته : أي في غرفته ، وعدها ـ في كتاب مغانم ـ المطابة : في
معالم طابة ـ : للفيروزآبادى صاحب القاموس ـ في المساجد ، قال : ومنها مسجد أم
إبراهيم (عليهالسلام) الذي يقال له
مشربة أم إبراهيم (عليهالسلام) ، وهو مسجد
بقبا شمالي مسجد بني قريظة ، قريب من الحقة الشرقية في موضع يعرف بالدشت ، قال :
وليس عليه بناء ولا جدار ، وانما هو عريصة صغيرة بين نخيل طولها نحو عشرة أذرع ،
وعرضها أقل منه ، بنحو
__________________
(1 و 2) الكافي ج 4 ص 556.
(3) الكافي ج 4 ص 556 وفيه عن جميل بن دراج.
(4) الكافي ج 4 ص 560 الفقيه ج 2 ص 343.
ذراع وقد حوط عليها برصم لطيف من
الحجارة السود.
قال : ومنها مسجد الفضيخ بفتح الفاء وكسر الضاد المعجمة
بعدها مثناة تحتية وخاء معجمة.
قال : وهذا المسجد يعرف بمسجد الشمس اليوم ، وهو شرقي
مسجد قبا على شفير الوادي مرصوم بحجارة سود ، وهو مسجد صغير.
أقول : ويأتي وجه تسميته بمسجد الشمس عن قريب ، قال :
ومنها مسجد الفتح ، وهو مسجد على قطعة من جبل سلع من جهة الغرب ، وغربية وادي
بطحان انتهى.
وعن عقبة بن خالد (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) انا نأتي
المساجد التي حول المدينة فبأيها أبدأ؟ قال : ابدء بقباء فصل فيه وأكثر ، فإنه أول
مسجد صلى فيه رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في هذه
العرصة ثم ائت مشربة أم إبراهيم (عليهالسلام) فصل فيها وهي
مسكن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ومصلاه ، ثم
تأتى مسجد الفضيخ فتصلي فيه فقد صلى فيه نبيك فإذا قضيت هذا الجانب أتيت جانب أحد
فبدأت بالمسجد الذي دون الحرة فصليت فيه ، ثم مررت بقبر حمزة بن عبد المطلب فسلمت
عليه ، ثم مررت بقبور الشهداء فقمت عندهم فقلت : السلام عليكم يا أهل الديار أنتم
لنا فرط وانا بكم لاحقون ، ثم تأتى المسجد الذي في المكان الواسع الى جنب الجبل عن
يمينك حين تدخل أحدا فتصلي فيه ، فعنده خرج النبي (صلىاللهعليهوآله) الى أحد حين
لقي المشركين فلم يبرحوا حتى حضرت الصلاة فصلى فيه ، ثم مر أيضا حتى ترجع فتصلي
عند قبور الشهداء ما كتب الله لك ، ثم امض على وجهك حتى تأتى مسجد الأحزاب فتصلي
فيه ، وتدعوا الله فيه ، فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) دعى فيه يوم
الأحزاب ، فقال : يا صريخ المكروبين ويا مجيب دعوة المضطرين ويا مغيث الملهوفين
اكشف همي وكربى وغمي ترى حالي وحال أصحابي».
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 560.
وروى في الفقيه مرسلا (1) قال قال رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) من أتى مسجدي
ومسجد قبا فصلى فيه ركعتين رجع بعمرة. وكان (عليهالسلام) يأتيه فيصلي
فيه بأذان واقامة.
وروى في الكافي في الصحيح عن الحلبي (2) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) هل أتيتم
مسجد قباء أو مسجد الفضيخ أو مشربة أم إبراهيم؟ قلت : نعم ، قال : أما انه لم يبق
آثار رسول الله (صلىاللهعليهوآله) شيء الا وقد
غير غير هذا».
وعن ليث المرادي (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن مسجد
الفضيخ لم سمى مسجد الفضيخ؟ قال : لنخل يسمى الفضيخ فلذلك سمى مسجد الفضيخ». وعن
عمار بن موسى (4) قال دخلت أنا
وأبو عبد الله (عليهالسلام) مسجد الفضيخ
فقال : يا عمار ترى هذه الوهدة؟ قلت : نعم ، قال : كانت امرأة جعفر التي خلف عليها
أمير المؤمنين (عليهالسلام) قاعدة في هذا
الموضع ، ومعها ابناها من جعفر ، فقال لها ابناها : ما يبكيك يا أمه؟ قالت : بكيت
لأمير المؤمنين (عليهالسلام) فقالا لها :
تبكين لأمير المؤمنين ولا تبكين لأبينا! قالت : ليس هذا هكذا ولكن ذكرت حديثا
حدثني به أمير المؤمنين (عليهالسلام) في هذا
الموضع ، فأبكانى ، قالا : وما هو؟ قالت : كنت أنا وأمير المؤمنين (عليهالسلام) في هذا المسجد
، فقال لي : ترين هذه الوهدة؟ قلت : نعم قال كنت : أنا ورسول الله (صلىاللهعليهوآله) قاعدين فيها
، إذ وضع رأسه في حجري ثم خفق حتى غطّ وحضرت صلاة العصر فكرهت أن أحرك رأسه عن
فخذي ، فأكون قد آذيت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ، حتى ذهب
الوقت وفاتت ، فانتبه رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فقال يا على
صليت؟ قلت : لا ، قال : ولم ذلك؟ قلت : كرهت أن أوذيك قال : فقام واستقبل القبلة
ومد يديه كلتيهما ، وقال : اللهم رد الشمس الى وقتها حتى يصلى على ، فرجعت الشمس
الى وقت الصلاة حتى صليت
__________________
(1) الفقيه ج 1 ص 148.
(2) الكافي ج 4 ص 561.
(3 و 4) الكافي ج 4 ص 561.
العصر ثم انقضت انقضاض الكواكب».
المطلب الثاني
في المزار
أقول : وقد قدمنا في المطلب الأول جملة من الاخبار
الدالة على فضل زيارة النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وزيارة
الأئمة (عليهمالسلام) ولا سيما بعد
الحج احياء وأمواتا وينبغي أن يعلم أن للزيارة آدابا وقد ذكر شيخنا الشهيد في
الدروس جملة من ذلك لا بأس بنقلها في المقام ، قال (نور الله تعالى مرقده)
وللزيارة آداب ، أحدها الغسل قبل دخول المشهد ، والكون على طهارة فلو أحدث أعاد
الغسل
قال المفيد رحمهالله : وإتيانه
بخضوع وخشوع في ثياب طاهرة جدد نظيفة وثانيها الوقوف على بابه ، والاستيذان
والدعاء بالمأثور ، فإن وجد خشوعا وخضوعا دخل ، والا فالأفضل له تحرى زمان الرقة ،
لأن الغرض الأهم حضور القلب لتلقى الرحمة النازلة من الرب ، فإذا دخل قدم رجله
اليمنى ، وإذا خرج قدم اليسرى ، وثالثها ـ الوقوف على الضريح ملاصقا له أو غير
ملاصق ، وتوهم أن البعد أدب وهم فقد نص على الاتكاء على الضريح وتقبيله.
ورابعها ـ استقبال وجه المزور واستدبار القبلة حال
الزيارة ، ثم يضع عليه خده الأيمن عند الفراغ من الزيارة ، ويدعو متضرعا ثم يضع
خده الأيسر ويدعو سائلا من الله تعالى بحقه وبحق صاحب القبر أن يجعله من أهل
شفاعته ، ويبالغ في الدعاء والإلحاح ثم ينصرف الى ما يلي الرأس ثم يستقبل القبلة
ويدعو
وخامسها ـ الزيارة بالمأثور ويكفى السلام والحضور
وسادسها ـ صلاة ركعتي الزيارة عند الفراغ ، فان كان
زائرا للنبي (صلىاللهعليهوآله) ففي الروضة ،
وان كان لأحد الأئمة (عليهمالسلام) فعند رأسه ،
ولو صلاهما بمسجد المكان جاز ، ورويت رخصة في صلاتهما الى القبر ، ولو استدبر
القبر وصلى جاز ، وان كان غير مستحسن ، الا مع البعد
أقول ما ذكره (قدسسره) من الصلاة عند الرأس هو الوارد في أكثر الأخبار المعتمدة وهو المشهور بين الأصحاب ، بل الظاهر أنه لا خلاف فيه ، وأما الصلاة خلف القبر فقيل بالتحريم ، والمشهور الكراهة ، وأما التقدم على القبر فالمشهور الجواز على الكراهة ، وقيل : بالتحريم وهو الأصح ، وقد تقدم تحقيق المسألة في كتاب الصلاة ثم قال (قدسسره) : وسابعها ـ الدعاء بعد الركعتين بما نقل ، والا فبما سنح له في أمور دينه ودنياه وليعم الدعاء فإنه أقرب الى الإجابة
وثامنها ـ تلاوة شيء من القرآن عند الضريح واهداءه الى
المزور والمنتفع بذلك الزائر وفيه تعظيم للمزور
وتاسعها ـ إحضار القلب في جميع أحواله ما استطاع ،
والتوبة من الذنب ، والاستغفار والإقلاع
وعاشرها ـ الصدقة على السدنة والحفظة للمشهد وهم القوام
وإكرامهم وإعظامهم ، فان فيه إكرام صاحب المشهد (عليه الصلاة والسلام) وينبغي
لهؤلاء أن يكونوا من أهل الخير والصلاح ، والدين والمروة ، والصبر والاحتمال ،
وكظم الغيظ خالين من الغلظة على الزائرين ، قاضين لحوائج المحتاجين ، مرشدي ضالى
الغرباء الواردين ، وليتفقد أحوالهم ، الناظر فيه ، فان وجد من أحد منهم تقصيرا
نبهه عليه ، فان أصر زجره ، فإن كان من المحرم جاز ردعه بالضرب إذا لم يجد فيه
التعفيف من باب النهى عن المنكر
وحادي عشرها ـ انه إذا انصرف من الزيارة إلى منزله استحب
له العود إليها ما دام مقيما ، فإذا حان الخروج ودع ودعا بالمأثور ، وسأل الله
تعالى العود اليه
وثاني عشرها ـ أن يكون الزائر بعد الزيارة خيرا منه
قبلها فإنها تحط الأوزار إذا صادف القبول.
وثالث عشرها ـ تعجيل الخروج عند قضاء الوطر من الزيارة ،
لتعظم الحرمة ، ويشتد الشوق ، وروى أن الخارج يمشى القهقرى حتى يتوارى
ورابع عشرها ـ الصدقة على المحاويج بتلك البقعة ، فإن
الصدقة مضاعفة هنالك وخصوصا على الذرية الطاهرة كما تقدم بالمدينة انتهى
الفصل السابع عشر
في ذكر سيدنا رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وهو أبو
القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة
بن كعب بن لوى بن غالب فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة
بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان
وروى أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال إذا بلغ
نسبي الى عدنان فأمسكوا وكان مولده بمكة في شعب أبى طالب يوم الجمعة بعد طلوع
الفجر سابع عشر شهر ربيع الأول عام الفيل ، وهذا هو المشهور بين أصحابنا (رضوان
الله عليهم) وقيل : لاثنى عشر مضت من الشهر ، وقيل اليوم العاشر منه ، وقيل الثاني
وقال شيخنا الطبرسي في كتاب اعلام الورى : وفي رواية
العامة أن مولده (صلىاللهعليهوآلهوسلم) يوم الاثنين
، ثم اختلفوا فمن قائل يقول : لعشر ليال خلون منه ، الى آخر كلامه ، وبعث (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، في اليوم
السابع والعشرين من رجب ، وله أربعون سنة ، وقبض بالمدينة يوم الاثنين لليلتين
بقيتا من صفر سنة عشر من الهجرة ، وهو ابن ثلاث وستين سنة ، ونقل في الدروس قولا
بأنه قبض لاثنتي عشرة مضت من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة ، واختاره الشيخ
محمد بن يعقوب الكليني في الكافي ، وقيل : الثامن منه عشر من الشهر ، وقيل :
الثاني منه ، وسنه ثلاث وستون سنة ، وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن
كلاب بن مرة بن كعب بن لوى بن غالب ، وتزوج خديجة بنت خويلد (رضى الله عنها) وهو
ابن خمس وعشرين سنة ، وتوفى عمه أبو طالب (عليهالسلام) وعمره ستة
وأربعون سنة وثمانية أشهر وأربعة وعشرون يوما ، وتوفيت خديجة رضى الله عنها بعده
بثلاثة أيام فسمى ذلك العام عام الحزن ، وأقام بعد المبعث بمكة ثلاث عشرة سنة ، ثم
هاجر الى المدينة بعد ان استتر في الغار ثلاثة أيام ، ودخل المدينة يوم الاثنين
الحادي عشر من شهر ربيع الأول وبقي بها عشر سنين ، وذكر جمع من أصحابنا منهم الشيخ
في التهذيب
والعلامة في المنتهى انه قبض (صلىاللهعليهوآلهوسلم) مسموما
وأما صفة زيارته (صلىاللهعليهوآله) فهو ما رواه الكليني
والشيخ في الصحيح عن معاوية ابن عمار (1) عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : إذا
دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها ، ثم تأتى قبر النبي (صلىاللهعليهوآله) فتسلم على
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ثم تقوم عند
الأسطوانة المتقدمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر عند زاوية القبر وأنت
مستقبل القبلة ومنكبك الأيسر إلى جانب القبر ومنكبك الأيمن مما يلي المنبر ، فإنه
موضع رأس رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وتقول : أشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وأشهد أنك
رسول الله ، وأشهد أنك محمد بن عبد الله ، وأشهد انك قد بلغت رسالات ربك ، ونصحت
لأمتك وجاهدت في سبيل الله ، وعبدت الله مخلصا حتى أتاك اليقين ، بالحكمة والموعظة
الحسنة ، وأديت الذي عليك من الحق ، وأنك قد رؤفت بالمؤمنين وغلظت على الكافرين ،
فبلغ الله بك فضل شرف محل المكرمين ، الحمد لله الذي استنقذنا بك من الشرك
والضلالة ، اللهم فاجعل صلواتك وصلوات ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين وأنبيائك
المرسلين وأهل السماوات والأرضين ومن سبح لك يا رب العالمين من الأولين والآخرين
على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك ونجيبك وحبيبك وصفيك وخاصتك وصفوتك وخيرتك من
خلقك ، اللهمّ أعطه الدرجة والوسيلة من الجنة ، وابعثه مقاما محمودا يغبطه الأولون
والآخرون ، اللهم انك قلت : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر
لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ، وانى أتيت نبيك تائبا مستغفرا من ذنوبي وانى
أتوجه بك الى الله ربى وربك ليغفر ذنوبي» ، وان كانت لك حاجة فاجعل قبر النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) خلف كتفيك
واستقبل القبلة وارفع يديك واسأل حاجتك فإنها أحرى ان تقضى ان شاء الله». ورواه
الصدوق مرسلا مقطوعا.
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 550 الفقيه ج 2 ص 338.
وروى في الكافي عن أحمد بن محمد بن ابى نصر البزنطي (1) قال : «قلت
لأبي الحسن (عليهالسلام) : كيف نسلم
على رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) عند قبره؟
فقال : قل السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا حبيب الله ، السلام عليك يا
صفوة الله ، السلام عليك يا أمين الله ، أشهد أنك قد نصحت لأمتك وجاهدت في سبيل
ربك وعبدته حتى أتاك اليقين ، فجزاك الله يا رسول الله أفضل ما جزى نبيا عن أمته ،
اللهم صل على محمد وآل محمد أفضل ما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد».
وعن محمد بن مسعود (2) قال : رأيت أبا عبد الله (عليهالسلام) انتهى الى
قبر النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فوضع يده
عليه ، وقال : أسأل الله الذي اجتباك واختارك وهداك وهدى بك أن يصلى عليك ، ثم قال
: (ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا
عليه وسلموا تسليما)».
وعن على بن حسان عن بعض أصحابنا (3) قال : حضرت
أبا الحسن الأول (عليهالسلام) وهارون
الخليفة وعيسى بن جعفر وجعفر بن يحيى بالمدينة قد جاءوا الى قبر النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فقال : هارون
لأبي الحسن تقدم فأبى ، فتقدم هارون فسلم ، وقام ناحية ، وقال عيسى بن جعفر لأبي
الحسن (عليهالسلام) : تقدم فأبى
فتقدم عيسى فسلم ووقف مع هارون ، فقال جعفر لأبي الحسن (عليهالسلام) : تقدم فأبى
، فتقدم جعفر فسلم ، ووقف مع هارون ، فتقدم أبو الحسن (عليهالسلام) فقال :
السلام عليك يا أبتاه اسأل الله الذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى بك أن يصلى عليك ،
فقال هارون لعيسى : سمعت ما قال : قال : نعم ، قال هارون أشهد أنه أبوه حقا».
وعن على بن جعفر (4) عن أخيه أبي الحسن موسى (عليهالسلام) عن أبيه عن
جده (عليهمالسلام) قال : «كان
أبى على بن الحسين (صلوات الله عليه) يقف على قبر
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 552.
(2 و 3) الكافي ج 4 ص 552.
(4) الكافي ج 4 ص 551.
النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فيسلم عليه ،
ويشهد له بالبلاغ ويدعو بما حضره ثم يسند ظهره إلى المروة الخضراء الدقيقة العرض
مما يلي القبر ، ويلتزق بالقبر ، ويسند ظهره الى القبر ويستقبل القبلة ويقول :
اللهم إليك ألجأت ظهري والى قبر محمد عبدك ورسولك أسندت ظهري ، والقبلة التي رضيت
لمحمد (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، استقبلت
اللهم إني أصبحت لا أملك لنفسي خير ما أرجو ، ولا ادفع عنها شر ما أحذر عليها
وأصبحت الأمور بيدك فلا فقير أفقر مني ، إني لما أنزلت الى من خير فقير ، اللهم
ارددني منك بخير ، فإنه لا راد لفضلك ، اللهم إني أعوذ بك من ان تبدل اسمي أو تغير
جسمي أو تزيل نعمتك عنى ، اللهمّ كرمني بالتقوى ، وحملني بالنعم ، واعمرني
بالعافية ، وارزقني شكر العافية».
واما وداعه (صلىاللهعليهوآلهوسلم) بعد ارادة
الخروج عن المدينة ،
فهو ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن
عمار (1) قال : قال أبو
عبد الله (عليهالسلام): إذا أردت ان
تخرج من المدينة فاغتسل ثم ائت قبر النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) بعد ما تفرغ
من حوائجك فودعه واصنع مثل ما صنعت عند دخولك ، وقل اللهمّ لا تجعله آخر العهد من
زيارة قبر نبيك (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فإن توفيتني
قبل ذلك فإني أشهد في مماتي على ما شهدت عليه في حياتي أن لا إله إلا أنت وأن
محمدا عبدك ورسولك».
وعن يونس بن يعقوب (2) قال : سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وداع قبر
النبي (صلىاللهعليهوآله) فقال : تقول
: صلى الله عليك والسلام عليك ولا جعله الله آخر تسليمي عليك». وفي الفقيه أورد ما
تضمنه الخبران مرسلا مقطوعا من دون ذكر الغسل.
الفصل الثامن عشر
في ذكر سيدتنا وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (صلوات
الله عليها) قال
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 563.
(2) الكافي ج 4 ص 563 الفقيه ج 2 ص 343.
شيخنا الطبرسي في كتاب اعلام الورى :
الأظهر في روايات أصحابنا أنها ولدت سنة خمس من المبعث بمكة في العشرين من جمادى
الآخرة ، وأن النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) قبض ولها
ثمانية عشر سنة وسبعة أشهر.
قال : وروى عن جابر بن يزيد قال : سئل الباقر (عليهالسلام) كم عاشت
فاطمة (عليهاالسلام) بعد رسول
الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم)؟ قال : أربعة
أشهر ، ولها ثلاث وعشرون سنة ، وهذا قريب مما روته العامة أنها ولدت سنة احدى
وأربعين من مولد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فيكون بعد
البعث بسنة انتهى.
وقال الكفعمي في المصباح بعد ذكر جمادى الأخرى وفي
عشرينه سنة اثنتين من البعث كان مولد فاطمة (عليهاالسلام) وقيل سنة خمس
من البعث ، وفي ثالثها كان وفاتها (صلوات الله عليها)
وفي معرفة قبرها (عليهاالسلام) على الخصوص
اشكال ، قال شيخنا الصدوق (عطر الله مرقده) في الفقيه اختلفت الروايات في موضع قبر
فاطمة سيدة نساء العالمين (عليهاالسلام) فمنهم من روى
أنها دفنت في البقيع ، ومنهم من روى أنها دفنت بين القبر والمنبر ، وأن النبي (1) (صلىاللهعليهوآله) انما قال : «ما
بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة» ، لأن قبرها بين القبر والمنبر ، ومنهم من
روى أنها دفنت في بيتها ، فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد ، وهذا هو
الصحيح عندي انتهى.
وقال الشيخ (قدسسره) في التهذيب
بعد أن نقل عن الشيخ المفيد (رحمهالله) الأمر
بزيارتها في الروضة ، لأنها مقبورة هناك : ما صورته وقد اختلفت أصحابنا في موضع
قبرها فقال : بعضهم أنها دفنت في البقيع ، وقال بعضهم : أنها دفنت بالروضة ، وقال
بعضهم : أنها دفنت في بيتها فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت من جملة المسجد ،
وهاتان الروايتان كالمتقاربتين والأفضل عنها أن يزور الإنسان في الموضعين جميعا ،
فإنه لا يضره ذلك ، ويجوز به أجرا عظيما ، فأما من قال أنها دفنت بالبقيع
__________________
(1) التهذيب ج 6 ص 7.
فبعيد من الصواب انتهى.
أقول : وروى الشيخ في التهذيب عن محمد بن أحمد بن يحيى
عن أحمد بن محمد بن أبى نصر (1) قال : سألت
أبا الحسن الرضا (عليهالسلام) عن قبر فاطمة
عليهاالسلام قال : دفنت في
بيتها ، فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد».
ورواه الكليني أيضا بسنده عن احمد بن محمد بن يحيى (2) والصدوق
بإسناده عن البزنطي (3)
وروى الصدوق طاب ثراه في كتاب معاني الاخبار عن محمد بن
موسى بن المتوكل عن السعدآبادي عن البرقي عن أبيه عن ابن أبى عمير (4) عن بعض
أصحابنا عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله): «ما بين
قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على ترعة من ترع الجنة». لأن قبر فاطمة (عليهاالسلام) بين قبره
ومنبره ، وقبرها روضة من رياض الجنة ، واليه ترعة من ترع الجنة» قال الصدوق : وقد
روى هذا الحديث هكذا والصحيح عندي في موضع قبر فاطمة (عليهاالسلام) ما رواه
البزنطي ، وذكر الحديث المتقدم ، وهو راجع الى ما اختاره في الفقيه.
وقال الشيخ (قدسسره) في التهذيب
أما القول عند زيارتها فقد روى أحمد بن محمد بن داود ثم ساق سنده إلى إبراهيم بن
محمد بن عيسى بن محمد العريضي (5) قال : حدثنا أبو جعفر (عليهالسلام) ذات يوم قال
: إذا صرت الى قبر جدتك فاطمة (عليهاالسلام) فقل يا
ممتحنة امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة ، وزعمنا أنا لك
أولياء ومصدقون وصابرون لكل ما أتانا به أبوك (صلىاللهعليهوآله) وأتانا به
وصيه (عليهالسلام) فإنا نسألك
إن كنا صدقناك إلا ألحقتنا بتصديقنا لهما بالبشرى لنبشر أنفسنا بأنا قد طهرنا
بولايتك». ثم قال (قدسسره) وهذه الزيارة
وجدتها مروية لفاطمة (عليهاالسلام).
وأما ما وجدت أصحابنا يذكرونه من القول عند زيارتها (عليهاالسلام) فهو أن تقف
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 18 من أبواب المزار.
(5) التهذيب ج 6 ص 10.
على أحد الموضعين اللذين ذكرناهما ،
وتقول : «السلام عليك يا بنت رسول الله السلام عليك يا بنت نبي الله ، السلام عليك
يا بنت حبيب الله ، السلام عليك يا بنت خليل الله ، السلام عليك يا بنت صفي الله ،
السلام عليك يا بنت أمين الله. السلام عليك يا بنت خير خلق الله ، السلام عليك يا
بنت أفضل أنبياء الله ورسله وملائكته ، السلام عليك يا بنت خير البرية ، السلام
عليك يا سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، السلام عليك يا زوجة ولي الله
وخير الخلق بعد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) السلام عليك
يا أم الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة
السلام عليك أيتها الرضية المرضية ، السلام عليك أيتها الفاضلة الزكية ، السلام
عليك أيتها الحوراء الإنسية ، السلام عليك أيتها التقية النقية ، السلام عليك
أيتها الزهراء المحدثة العليمة ، السلام عليك أيتها المظلومة المغصوبة ، السلام
عليك أيتها المضطهدة المقهورة ، السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ورحمة الله
وبركاته ، صلى الله عليك وعلى روحك وبدنك ، أشهد أنك مضيت على بينة من ربك ، وأن
من سرك فقد سر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ومن جفاك فقد
جفا رسول الله ، ومن آذاك فقد أذى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ومن وصلك فقد
وصل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ومن قطعك فقد
قطع رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لأنك بضعة
منه وروحه التي بين جنبيه ، كما قال (صلىاللهعليهوآله) أشهد الله
ورسله وملائكته أنى راض عمن رضيت عنه ، وساخط على من سخطت عليه ، ومتبرئ ممن تبرأت
منه ، موال لمن واليت معاد لمن عاديت ، مبغض لمن أبغضت محب لمن أحببت ، وكفى بالله
شهيدا وحسيبا وجازيا ومثيبا ، ثم تصلى على النبي (صلىاللهعليهوآله) والأئمة (عليهمالسلام) إنشاء الله
تعالى انتهى.
وقال شيخنا الصدوق (عطر الله مرقده) في الفقيه (1) وانى لما حججت
بيت الله الحرام كان رجوعي على المدينة بتوفيق الله تعالى ذكره ، فلما فرغت من
زيارة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ، قصدت بيت
فاطمة (عليهاالسلام) وهو من عند
الأسطوانة التي تدخل
__________________
(1) الفقيه ج 2 ص 341.
إليها من باب جبرائيل (عليهالسلام) الى مؤخر
الحفيرة التي فيها النبي (صلىاللهعليهوآله) فقمت عند
الحظيرة ويساري إليها ، وجعلت ظهري إلى القبلة واستقبلتها بوجهي وانا على غسل وقلت
: السلام عليك يا بنت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ، السلام
عليك يا بنت نبي الله ، السلام عليك يا بنت حبيب الله ، السلام عليك يا بنت خليل
الله ، ثم ساق الزيارة المتقدمة إلى آخرها ، الى ان قال : ثم قلت : اللهم صل وسلم
على عبدك ورسولك محمد بن عبد الله خاتم النبيين وخير الخلائق أجمعين ، وصل على
وصيه على بن أبى طالب أمير المؤمنين وامام المسلمين وخير الوصيين ، وصل على فاطمة
بنت محمد سيدة نساء العالمين وصل على سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين ، وصل على
زين العابدين على بن الحسين ، وصل على محمد بن على باقر العلم ، وصل على الصادق
جعفر بن محمد ، وصل على الكاظم موسى بن جعفر ، وصل على الرضا على بن موسى ، وصل
على التقى محمد بن على ، وصل على النقي على بن محمد ، وصل على الزكي الحسن بن على
، وصل على الحجة القائم بن الحسن بن على ، اللهم احى به العدل ، وأمت به الجور ،
وزين بطول بقائه الأرض وأظهر به دينك وسنة نبيك ، حتى لا يستخفى بشيء من الحق
مخافة أحد من الخلق ، واجعلنا من أعوانه وأشياعه والمقتولين في زمرة أوليائه يا رب
العالمين ، اللهم صل على محمد وآل بيته الذين أذهب عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا ، ثم
قال (قدسسره : قال مصنف
هذا الكتاب (رضى الله عنه) : لم أجد في الاخبار شيئا موظفا محدودا لزيارة الصديقة (عليهاالسلام) فرضيت لمن
نظر في كتابي هذا من زيارتها ما رضيت لنفسي ، والله الموفق للصواب انتهى.
الفصل التاسع عشر
في ذكر زيارة ائمة البقيع روى الشيخ في التهذيب بسنده عن
عمر بن يزيد (1) رفعه قال : «كان
محمد بن الحنفية يأتي قبر الحسن بن على (عليهماالسلام) فيقول :
__________________
(1) التهذيب ج 6 ص 41.
السلام عليك يا بقية المؤمنين وابن
أول المسلمين ، وكيف لا تكون كذلك ، وأنت سليل الهدى ، حليف التقى ، وخامس أصحاب
الكساء غذتك يد الرحمة ، وربيت في حجر الإسلام ، ورضعت من ثدي الايمان ، فطبت حيا
وطبت ميتا ، غير ان الأنفس غير طيبة لفراقك ، ولا شاكة في الجنان لك ، ثم يلتفت
الى الحسين (صلوات الله عليه وآله) ويقول السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى ابى
محمد السلام».
قال في الوافي : والجنان ان كان بكسر الجيم فالمعنى أنها
كانت متألمة بفراقك ، ولكنها راضية لك بأن تكون في الجنان ، وان كان بفتح الجيم
فالمعنى أنها غير طيبة بالفراق ، ولا شاكية من الله في القلب بترك الصبر وإظهار
الجزع ، وإخفاء السخط في القلب انتهى.
وقال المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) (1) : إذا أتيت
قبور الأئمة بالبقيع فاجعله بين يديك «ثم تقول : وأنت على غسل السلام عليكم يا
أئمة الهدى السلام عليكم يا أهل التقوى ، السلام عليكم يا حجج الله على أهل الدنيا
، السلام عليكم أيها القوامون في البرية بالقسط ، السلام عليكم يا أهل الصفوة ،
السلام عليكم يا أهل النجوى ، أشهد أنكم قد بلغتم ونصحتم وصبرتم في ذات الله تعالى
، وكذبتم وأسيئ إليكم فغفرتم ، وأشهد انكم الأئمة الراشدون المهديون ، وأن طاعتكم
مفترضة ، وأن قولكم الصدق ، وأنكم دعوتم فلم تجابوا وأمرتم فلم تطاعوا ، وأنكم
دعائم الدين ، وأركان الأرض ، ولم تزالوا بعين الله ينسلخكم في أصلاب المطهرين ،
وينقلكم من أرحام المطهرات لم تدنسكم الجاهلية الجهلاء ولم تشترك فيكم فتن الأهواء
، طبتم وطاب منبتكم أنتم الذين من علينا بكم ديان الدين ، فجعلكم في بيوت أذن الله
ان ترفع ويذكر فيها اسمه ، وجعل صلواتنا عليكم رحمة لنا وكفارة لذنوبنا ، إذا
اختاركم لنا ، وطيب خلقنا بما من به علينا من ولايتكم وكنا عنده مسلمين بفضلكم ،
ومعروفين بتصديقنا إياكم.
__________________
(1) التهذيب ج 6 ص 79 الفقيه ج 2 ص 344.
وفي الفقيه وكنا عندكم بفضلكم معترفين ، وبتصديقنا إياكم
مقرين وهذا مقام من أسرف وأخطأ واستكان وأقر بما جنى ، ورجا بمقامه الخلاص ، وأن
يستنقذ بكم مستنقذ الهلكى من النار ، فكونوا الى شفعاء ، فقد وفدت إليكم إذ رغب
عنكم أهل الدنيا واتخذوا آيات الله هزوا ، واستكبروا عنها ، يا من هو قائم لا يسهو
، ودائم لا يلهو ، ومحيط بكل شيء ، لك المن بما وفقتني ، وعرفتني بما ائتمنتنى
عليه ، إذ صد عنه عبادك ، وجهلوا معرفتهم ، واستخفوا بحقهم ، ومالوا الى سواهم
فكانت المنة منك على مع أقوام خصصتهم بما خصصتني به ، فلك الحمد إذ كنت عندك في
مقامي مكتوبا فلا تحرمني ما رجوت ، ولا تخيبني فيما دعوت» وادع لنفسك بما أحببت ،
ثم صل ثماني ركعات في المسجد الذي هناك ، وتقرأ فيهما بما أحببت ، وتسلم في كل
ركعتين ، ويقال أنه مكان صلت فيه فاطمة» وقال في التهذيب (1) «فإذا أردت
الانصراف فقف على قبورهم وقل : السلام عليكم أئمة الهدى ، ورحمة الله وبركاته ،
أستودعكم الله واقرأ عليكم السلام آمنا بالله وبالرسول وبما جئتم به ودللتم عليه ،
اللهمّ فاكتبنا مع الشاهدين ، ثم ادع الله كثيرا واسأله أن لا يجعله آخر العهد من
زيارتهم» أقول : الظاهر أن الثمان ركعات المذكورة لأن الأئمة (عليهمالسلام) هناك أربعة
فتجعل لكل واحد ركعتين
الفصل العشرون
في ذكر الأئمة الاثني عشر (ص) إجمالا وذكر زياراتهم قد
وكلناه الى كتب أصحابنا (رضوان الله عليهم) المصنفة في هذا الباب
الأول ـ مولانا أمير المؤمنين ووصى رسول رب العالمين ،
وسيد الخلق بعده أجمعين ، على بن ابى طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ،
ولد بمكة في البيت الحرام ، ولم يولد فيه أحد قبله ولا بعده ، وهي فضيلة خص بها (عليه
الصلاة
__________________
(1) التهذيب ج 6 ص 80.
والسلام) وكان ذلك يوم الجمعة لثلاث
عشر ليلة خلت من رجب ، وروى سابع شعبان بعد عام الفيل الذي تقدم أنه ولد فيه (رسول
الله (صلىاللهعليهوآله)) بثلاثين سنة
، وقبض (عليهالسلام) بالكوفة
قتيلا ليلة الجمعة لتسع ليال بقين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة ، وله يومئذ
ثلاث وستون سنة ، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، وهو وإخوانه أول هاشمي
ولد بين هاشميين ، وقبره بالغري من نجف بالكوفة ، والاخبار في فضل زيارته (عليهالسلام) أكثر من أن
يأتي عليها قلم الإحصاء في هذا المقام ،
الثاني
الإمام الزكي الحسن المجتبى سيد شباب أهل الجنة ولد
بالمدينة يوم الثلاثاء منتصف شهر رمضان ، سنة ثلاثين من الهجرة ، ونقل عن شيخنا
المفيد رحمهالله ثلاث ، وقبض
بها مسموما يوم الخميس سابع عشرين من شهر صفر سنة تسع وأربعين أو سنة خمسين من
الهجرة ، وله سبع أو ثمان وأربعون سنة ، وفي حديث (1) «أنه قال (عليهالسلام) : يا رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) ما لمن زارنا؟
فقال : يا بنى من زارني حيا أو ميتا أو زار أخاك حيا أو ميتا كان حقا على أن
استنقذه من النار ،». وفي الخبر (2) «أنه قيل
للصادق (عليهالسلام) ما لمن زار
واحدا منكم؟ قال : كمن زار رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم».
وعن الرضا (عليهالسلام) (3) «ان لكل امام
عهدا في عنق أولياءه وشيعته ، وأن من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم
فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا لمن رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاؤهم يوم القيامة».
الثالث
الامام الحسين سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة ولد (عليهالسلام) بالمدينة
__________________
(1) التهذيب ج 6 ص 40.
(2) الكافي ج 4 ص 579.
(3) التهذيب ج 6 ص 93.
ثالث شهر شعبان ، وقيل : آخر شهر ربيع
الأول ، سنة ثلاث من الهجرة ، وقيل : يوم الخميس ثالث عشر رمضان ، وقال الشيخ
المفيد رحمهالله : لخمس خلون
من شعبان ، سنة أربع ، وأمه وأم أخيه الحسن فاطمة سيدة نساء العالمين ، وقتل عليهالسلام بطف كربلاء
يوم السبت ، وقيل : يوم الاثنين ، وقيل : يوم الجمعة ، عاشر شهر المحرم سنة احدى
وستين من الهجرة ،
والاخبار في فضل زيارته (عليهالسلام) مستفيضة (1) والظاهر في
كثير منها الوجوب ، واليه يميل كلام بعض أصحابنا ، (رضوان الله عليهم) وليس بذلك
البعيد فمنها ما يدل على أنها فرض على كل مؤمن ، وأن من تركها ترك حقا لله ورسوله
وأن تركها عقوق لرسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ونقص في
الايمان والدين ، وأنه حق على الغنى زيارته في السنة مرتين ، والفقير في السنة مرة
، وأنه من أتى عليه حول ولم يأت قبره نقص من عمره حولا ، وأنها تطيل العمر ، وأن
أيام زيارته لا تعد من الأجل ، وتفرج الهم ، وتمحص الذنوب ، وله بكل خطوة حجة
مبرورة ، وله بزيارته أجر عتق ألف نسمة ، وحمل على ألف فرس في سبيل الله ، وله بكل
درهم أنفقه عشرة آلاف درهم ، وأن من أتى قبره عارفا بحقه غفر الله له ما تقدم من
ذنبه وما تأخر ، وأن زيارته يوم عرفة بعشرين حجة ، وعشرين عمرة مبرورة ، وعشرين
غزوة مع النبي (صلىاللهعليهوآله) والامام ، بل
روى أن مطلق زيارته خير من عشرين حجة ، وأن زيارته يوم عرفة مع المعرفة بحقه بألف
ألف حجة ، وألف ألف عمرة متقبلات ، وألف ألف غزوة مع نبي أو امام ، وزيارة أول رجب
مغفرة للذنب البتة ، ونصف شعبان يصافحه مأة ألف نبي ، وليلة القدر مغفرة الذنب ،
وأن الجمع في سنة واحدة بين زيارته ليلة عرفة والفطر وليلة النصف من شعبان بثواب
ألف حجة مبرورة ، وألف عمرة متقبلة ، وقضاء ألف حاجة للدنيا والآخرة ، وزيارته يوم
عاشوراء مع معرفة حقه كمن زار الله فوق عرشه ، وهو كناية من علو المرتبة ، وكثرة
الثواب بمنزلة من رفعه الله الى سماءه ، وأدناه من عرشه الذي هو موضع عظمته ،
وزيارته في العشرين من
__________________
(1) راجع الوسائل الباب 37 من أبواب المزار.
صفر من علامات المؤمن ، وزيارته في كل
شهر ثوابها ثواب مأة ألف شهيد من شهداء بدر ، ومن بعد عنه وصعد على سطحه ثم رفع
رأسه الى السماء ثم توجه الى قبره وقال : السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله
وبركاته ، كتب الله له زورة ، والزورة حجة وعمرة وإذا زاره (عليهالسلام) فليزر ابنه
على بن الحسين (عليهالسلام) من طرف رجله
، وقد اختلف أصحابنا في أنه الأكبر أو الأصغر ، فنقل عن الشيخ المفيد في كتاب
الإرشاد أن المقتول مع أبيه هو الأصغر ، قال ابن إدريس في السرائر : وقد ذهب شيخنا
المفيد في كتاب الإرشاد الى أن المقتول بالطف هو على الأصغر ، وهو ابن الثقفية ،
وأن على الأكبر هو الامام زين العابدين ، أمه أم ولد ، وهي شاة زنان بنت كسرى
يزدجرد قال محمد بن إدريس : والاولى الرجوع الى أهل هذه الصناعة ، وهم النسابون
وأصحاب السير ، والاخبار والتواريخ ، مثل الزبير بن بكار في كتاب أنساب قريش وأبى
الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبين ، والبلاذرى والمزني صاحب كتاب اللباب في أخبار
الخلفاء ، والعمرى النسابة حقق ذلك في كتاب المجدي ، فإنه قال : وزعم من لا بصيرة
له أن عليا الأصغر هو المقتول باللطف ، وهذا خطاء ووهم
والى هذا ذهب صاحب كتاب الزواجر والمواعظ ، وابن قتيبة
في المعارف وابن جرير الطبري المحقق لهذا الشأن وابن أبي الأزهري في تاريخه ، وأبو
حنيفة الدينوري في الاخبار الطوال ، وصاحب كتاب المفاخر مصنف من أصحابنا الإمامية
ذكره شيخنا أبو جعفر في فهرست المصنفين ، وأبو على بن همام في كتاب الأنوار في
تواريخ أهل البيت ومواليهم ، وهو من جملة من أصحابنا المصنفين المحققين ، وهؤلاء
جميعا أطبقوا على هذا القول ، وهم أبصر بهذا النوع انتهى. كلامه في السرائر أقول :
والى هذا القول مال شيخنا الشهيد في الدروس
الرابع
الإمام أبو محمد على بن الحسين (ع) زين العابدين ، ولد
بالمدينة يوم الأحد خامس شهر شعبان ، سنة ثمان وثلاثين ، وقبض بها يوم السبت ،
ثاني عشر المحرم ، سنة خمس وتسعين ، عن سبع وخمسين سنة ، وأمه شاه زنان بنت شيرويه
بن كسرى بن يزدجرد ، وقيل : ابنة
يزدجرد.
الخامس
الإمام أبو جعفر محمد بن على الباقر (ع) ولد بالمدينة
يوم الاثنين ثالث عشر شهر صفر ، سنة سبع وخمسين ، وقبض بها يوم الاثنين سابع ذي
الحجة سنة أربعة عشر ومأة ، وروى ست عشرة ، وأمه أم عبد الله بنت الحسن بن على (عليهماالسلام).
السادس
الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع) ولد
بالمدينة يوم الاثنين سابع عشر شهر ربيع الأول ، سنة ثلاث وثمانين ، وقبض بها في
شوال ، وقيل : منتصف شهر رجب ، سنة ثمان وأربعين ومأة ، عن خمس وستين سنة ، وأمه أم
فروة بنت القاسم بن محمد بن أبى بكر ، وقال الجعفي : اسمها فاطمة ، وكنيتها أم
فروة ، وقبره وقبر أبيه وجده وعمه الحسن (عليهمالسلام) بالبقيع في
مكان واحد ، وفي بعض الروايات أن جدتهم فاطمة بنت أسد معهم في تربتهم ، وعن أبى
الحسن بن على العسكري (1) (عليهالسلام) من زار جعفرا
وأباه لم يشتك عينه ، ولم يصبه سقم ، ولم يمت مبتلى ، وعن الصادق (عليهالسلام) (2) من زارني غفرت
له ذنوبه ، ولم يمت فقيرا.
السابع
الإمام أبو إبراهيم ويكنى أيضا بأبي الحسن الأول ، ويكنى
أيضا أبا على موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبي طالب (عليهمالسلام) ولد بالأبواء
بين مكة والمدينة ، سنة ثمان وعشرين ومأة ، يوم الأحد رابع صفر ، وقبض قتيلا بالسم
ببغداد ، في حبس السندي بن شاهك ، لست بقين من رجب ، سنة ثلاث وثمانين ومأة من
الهجرة ، وقيل : يوم الجمعة لخمس خلون من رجب ، سنة ثلاث وثمانين ومأة ، وسنة
يومئذ خمس وخمسون سنة ، وأمه أم ولد ، يقال لها : حميدة
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 6 ص 78.
البربرية ، فقبره بالكرخ من بغداد ، وعن
الرضا (عليهالسلام) (1) قال : من زار
قبر أبى ببغداد كان كمن زار قبر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وقبر أمير
المؤمنين (عليهالسلام). «وسأله
الحسن بن على الوشاء (2) عن زيارة أبيه
أبي الحسن (عليهالسلام) أهي مثل
زيارة الحسين (عليهالسلام)؟ قال : «نعم».
وعنه (عليهالسلام) قال : «ان
الله نجى بغداد لمكان قبره بها ، وان لمن زاره الجنة».
الثامن
الإمام أبو الحسن على بن موسى الرضا (ع) أمه أم ولد ،
ويقال لها : أم البنين ، ولد بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومأة ، وقيل : يوم الخميس
حادي عشر ذي القعدة ، وقبض بطوس في آخر صفر سنة ثلاث ومأتين ، وهو ابن خمس وخمسين
سنة ، وقيل : سابع شهر رمضان ، وقيل : ثالث عشر ذي القعدة ، وبعض الاخبار يدل على
أنه قبض مسموما سمه المأمون العباسي ، واليه ذهب الصدوق (رحمهالله) وأكثر
أصحابنا لم يذكروه ، وعن الكاظم (عليهالسلام) (3) قال : «من زار
قبر ولدي على كان عند الله كسبعين حجة مبرورة ، فقال له يحيى المازني : سبعين حجة؟
قال : نعم ، وسبعين ألف حجة». وقيل لأبي جعفر محمد بن على الجواد (4) زيارة الرضا
أفضل أم زيارة الحسين (عليهالسلام)؟ قال : زيارة
أبي أفضل لأنه لا يزوره الا الخواص من الشيعة ، وعنه (عليهالسلام) أنها أفضل من
الحج ، وأفضلها في رجب ، وروى البزنطي (5) قال : «قرأت كتاب أبى الحسن الرضا (عليهالسلام) بخطه : أبلغ
شيعتي أن زيارتي تعدل عند الله ألف حجة وألف عمرة متقلبة كلها ، قال : قلت لأبي
جعفر (عليهالسلام) ألف حجة؟ قال
: اى والله وألف ألف حجة لمن يزوره عارفا بحقه». وقال الرضا (عليهالسلام) (6) من زارني على
بعد داري ومزاري أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن ، حتى أخلصه من أهوالها إذا
تطايرت الكتب يمينا وشمالا ، وعند الصراط والميزان.
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 6 ص 82.
(3 و 4 و 5 و 6) التهذيب ج 6 ص 84 و 85.
التاسع
الامام الجواد أبو جعفر محمد بن على (ع) ولد بالمدينة في
شهر رمضان في سابق عشر أو خمس عشر منه ، أو تاسع عشر على خلاف فيه ، وقيل : كان
مولده في عاشر شهر رجب ، سنة خمسين وتسعين ومأة ، وقبض ببغداد في آخر ذي القعدة ،
وقيل : يوم الثلاثاء حادي عشر ذي القعدة ، سنة عشرين ومأتين ، وهو ابن خمس وعشرين
سنة ، ودفن في ظهر جده الكاظم (عليهالسلام) وأمه
الخيزران أم ولد ، وكانت من أهل بيت مارية القبطية أم إبراهيم (عليهالسلام) ، ابن النبي (عليهالسلام) وقيل : اسمها
سبيكة نوبية ويقال : درة لكن سماها الرضا (عليهالسلام) خيزران ، وقد
تقدم ما يدل على فضل زيارته عموما.
العاشر
الامام الهادي أبو الحسن على بن محمد (ع) ، ولد بالمدينة
منتصف ذي الحجة ، سنة اثنى عشر ومأتين ، وقيل : في السابع من الشهر ، وروى مولده
في خامس رجب ، سنة أربع ومأتين ، وقبض بسر من رأى يوم الاثنين ثالث رجب ، سنة أربع
وخمسين ومأتين ، ودفن في داره بها ، وسنه يومئذ احدى وأربعون سنة وسبعة أشهر ،
وأمه أم ولد ، يقال لها : سمانة ،
الحادي عشر
الإمام أبو محمد الحسن بن على العسكري (ع) ، ولد
بالمدينة في شهر ربيع الأول وقيل : يوم الاثنين رابعته ، سنة اثنتين وثلاثين
ومأتين ، وقبض بسر من رأى يوم الأحد ، وقال شيخنا المفيد : يوم الجمعة ، ثامن شهر
ربيع الأول ، سنة ستين ومأتين ، ودفن الى جانب أبيه (عليهالسلام) وأمه أم ولد
، يقال لها : حديثة.
أقول : وقد تقدمت الأخبار الدالة على فضل زيارته وزيارة
أبيه (عليهماالسلام) عموما ، قال
شيخنا الشهيد في الدروس : وقال المفيد رحمهالله : يزاران من
ظاهر
الشباك ، ومنع من دخول الدار ، قال
الشيخ أبو جعفر : وهو الأحوط ، لأنها ملك الغير ، فلا يجوز التصرف فيها بغير اذن
المالك ، وقال : لو أن أحدا دخلها لم يكن مأثوما ، وخاصة إذا تأول في ذلك ما روى
عنهم (عليهمالسلام) أنهم جعلوا
شيعتهم في حل من أموالهم انتهى.
واقتصار شيخنا المذكور على نقل كلام الشيخين من غير أن
يرجع شيئا في البين ربما أشعر بتوقفه ،
والظاهر عندي هو ما ذكره الشيخ أخيرا من البناء على
الاخبار المشار إليها ، ويؤيده أنه من المعلوم والمجزوم به انهم (صلوات الله عليهم)
في أيام حياتهم لا يحجبون أحدا من شيعتهم ومواليهم عن الدخول الى بيوتهم وزيارتهم
إلا إذا كان ثمة تقية ، والا فهم يسرون بقدومهم ويفرحون برؤيتهم ويثنون عليهم بذلك
، غاية الثناء وأحوالهم في الممات كذلك ، بل آكد ويزيد ذلك تأييدا ما رواه الشيخ
في كتاب الأمالي عن الفحام (1) قال : حدثني
أبو الطيب أحمد بن محمد بن بطة ، وكان لا يدخل المشهد ويزور من وراء الشباك ، فقال
: ذهبت يوم عاشوراء نصف النهار ظهيرا والشمس تعلى ، والطريق خال من أحد ، وأنا فزع
من الدعاء بين أهل البلد الجفاة ، الى ان بلغت الحائط الذي أسعى منه الى الشباك ،
فمددت عيني فإذا برجل جالس على الباب ، ظهره إلى كأنه ينظر في دفتر ، فقال لي :
إلى أين يا أبا الطيب بصوت يشبه صوت حسين بن على بن ابى جعفر بن الرضا (عليهالسلام) فقلت : هذا
حسين قد جاء يزور أخاه ، قلت : يا سيدي أمضى أزور من الشباك وأجيئك فأقضي حقك ،
قال ولم لا تدخل يا أبا الطيب ، فقلت له : الدار لها مالك ، لا أدخلها من غير اذنه
، فقال يا أبا الطيب تكون مولانا رقا وتوالينا حقا ونمنعك تدخل الدار؟ ادخل يا أبا
الطيب ، فقلت : أمضى أسلم عليه ، ولا اقبل منه فجئت الى الباب ، وليس عليه أحد
فيشعرنى فتبادرت الى عند البصري خادم الموضع ،
__________________
(1) المستدرك ج 2 ص 226.
ففتح الباب فدخلت : فكنا نقول : ا ليس
كنت لا تدخل الدار؟ فقال : أما انا أذنوا لي بقيتم أنتم.
أقول لا يخفى ان قوله (عليهالسلام) ، تكون
مولانا رقا وتوالينا حقا ونمنعك تدخل الدار ، اذن لكل من كان كذلك ، وهم جميع
شيعتهم ومواليهم القائلين بإمامتهم ، فإنهم مقرون أو مذعنون بالعبودية والرقية لهم
منها ، والكون على قبول ذلك منهم لا اختصاص له بذلك الرجل كما توهم رحمهالله
الثاني عشر
الإمام المهدي بن الحسن (ع) (عجل الله تعالى فرجه وسهل
مخرجه) وجعلنا من أنصاره وأعوانه ولد بسر من رأى قيل : ليلة الجمعة من شهر رمضان
سنة أربع وخمسين ومأتين من الهجرة ، وقتل ضحى خامس عشر من شهر شعبان سنة خمس
وخمسين ومأتين وقيل : لثمان خلون من شعبان للسنة المذكورة ، وهو الذي اختاره الشيخ
في كتاب الغيبة وأمه ريحانة ، ويقال : لها صيقل ، ويقال : سوسن ، وقيل : مريم ،
بنت زيد العلوية ، كما اختاره شيخنا المجلسي عطر الله مرقده ، أن اسمها مليكة ،
ولقبها نرجس ، بنت يشبوعا بن قيصر ملك الروم ، وأمها بنت شمعون ، الصفا وصى عيسى (عليهالسلام) ونقل حديثا
طويلا عن الشيخ الصدوق يتضمن إرسال الهادي (عليهالسلام) لبعض أصحابه
فاشتراها له ، وأعطاها ابنه الحسن (عليهالسلام) فأولدها
الإمام القائم (عليهالسلام) ثم ذكر أن
القول بكونها مريم بنت زيد العلوية في نهاية الضعف
أقول : ويؤيده تأييدا ما رواه الصدوق في كتاب عيون
الاخبار (1) في الخبر الذي
فيه اللوح ، قال فيه : ان أمه جارية اسمها نرجس ، وكان سنه عند وفاة أبيه (عليهالسلام) خمس سنين
أتاه الله العلم والحكم صبيا كما أتى يحيى وعيسى (عليهماالسلام)
وكان له غيبتان صغرى وهي التي كان فيها السفراء (رضى
الله عنهم) ويقرب من خمس وسبعين سنة ، وكان أولهم عثمان بن سعيد ، اوصى الى ابى
جعفر محمد
__________________
(1) العيون ص ط نجف الأشرف.
بن عثمان وأوصى أبو جعفر الى أبى
القاسم الحسين بن روح وأوصى أبو القاسم الى أبى الحسن على بن محمد السمري رحمهالله ، فلما حضرت
السمري الوفاة اجتمعت عنده الشيعة ، وسألوه أن يوصى الى أحد فقال : لله أمر هو
بالغه فوقعت الغيبة الكبرى.
ولنختم الكتاب بسامي أسماء هؤلاء الاعلام الذين هم نواب
الملك العلام ، وأساس الإسلام ، وأبواب دار السلام ومن بهم الملاذ والاعتصام ، في
هذه الدار وفي يوم القيامة ، ليكون ختامه بالمسك الأذفر (صلوات الله عليهم وسلامه)
ما عبد الله عابد ، وكبر وأناب اليه منيب وأستغفر وأسال الله تعالى بحقهم ، وأتوسل
إليه بفضلهم ان يكون هذا الكتاب عنده وعندهم في درجة القبول ووسيلة لنيل كل مسئول
ومأمول ، وكان الفوز بإتمامه والتوفيق لسعاده ختامه في مشهد الحسين (عليهالسلام) من أرض
كربلاء المعلى على مشرفها وآبائه وأبنائه أشرف صلوات الله ذي العلاء باليوم الثالث
والعشرين من شهر جمادى الأخرى من السنة الثامنة والسبعين بعد المأة والالف من
الهجرة النبوية على مهاجرها وآله أفضل صلاة وتحية ، وكتب مؤلفه بيمينه الداثرة ،
أعطاه الله تعالى كتابه بها في الآخرة الفقير الى ربه الكريم يوسف بن احمد بن
إبراهيم حامدا مصليا مسلما مستغفرا آمين آمين بحرمة السادة الميامين
الى هنا تم الجزء السابع عشر على حسب تجزئتنا وبه يكتمل
أحكام الحجج ويتلوه الجزء الثامن عشر بأحكام المكاسب إنشاء الله تعالى ونسأل الله
التوفيق على طبع بقية الاجزاء والله ولى التوفيق ، والحمد لله رب العالمين وصلى
الله على محمد وآله الطاهرين
|
علي الاخوندي |