ج7 - ما يجب ستره

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

المقدمة الخامسة

في لباس المصلي

وفيه مطالب (الأول) ـ في ما يجب ستره وما يتعلق به من الأحكام في المقام وفيه مسائل :

(الأولى) ـ أجمع العلماء كافة على وجوب ستر العورة في الصلاة ، ويدل عليه مضافا الى الإجماع المذكور جملة من الاخبار تصريحا في بعض وتلويحا في آخر :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلي؟ قال ان أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته بالركوع والسجود وان لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة (2) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلي فيه؟ فقال يصلي إيماء فإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها وان كان رجلا وضع يده على سوأته ثم يجلسان

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 50 من لباس المصلي.



فيومئان إيماء ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما ، تكون صلاتهما إيماء برءوسهما. الحديث». ونحوهما من أحاديث العراة واخبار صلاتهم جماعة وان الامام يجلس وسط الصف ويتقدم بركبتيه.

والتقريب فيها انه لو لم يكن الستر واجبا فيها وشرطا في صحتها لما سقط لأجل فقده جملة من أركان الصلاة المتفق نصا وفتوى بل ضرورة من الدين على وجوبها في الصلاة وهي القيام والركوع والسجود كما عرفت من الخبر المذكور وأمثاله.

وبالجملة فإنه لا اشكال ولا خلاف في الحكم المذكور وانما الخلاف هنا وقع في مقامين آخرين :

(أحدهما) ـ انه هل الستر شرط مع الذكر خاصة أو مطلقا؟ صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم ـ المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى بالأول ، قال في المعتبر : لو انكشفت العورة ولم يعلم سترها ولم تبطل صلاته تطاولت المدة قبل علمه أو لم تطل كثيرا كان المنكشف أو قليلا ، لسقوط التكليف مع عدم العلم. انتهى. وقال في المنتهى. لو انكشفت عورته في أثناء الصلاة ولم ، يعلم صحت صلاته لانه مع عدم العلم غير مكلف. والى ذلك مال السيد السند في المدارك ، وهو الظاهر لما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (1) «في الرجل يصلي وفرجه خارج لا يعلم به هل عليه اعادة؟ قال لا اعادة عليه وقد تمت صلاته». ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب (2).

وقال ابن الجنيد على ما نقله عنه في المختلف : لو صلى وعورتاه مكشوفتان غير عامد أعاد ما كان في الوقت فقط. ونقل عنه الاحتجاج بما حاصله ان الستر شرط للصحة وقد انتفى فوجبت الإعادة لعدم حصول الامتثال ، واما القضاء فغير واجب لأنه بأمر جديد ولم يثبت. واعترض عليه بان الستر شرط للصحة مع التذكر لا مطلقا. وهو

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب ـ 27 من لباس المصلي.


جيد للصحيحة المتقدمة إذ مفهومها ذلك ولولاها لكان قوله جيدا لان الخطاب في الوقت متوجه حتى يأتي بصلاة مستكملة الشروط والقضاء يحتاج إلى أمر جديد.

ونقل عن الشيخ في المبسوط انه قال فان انكشفت عورتاه في الصلاة وجب سترهما عليه ولا تبطل صلاته سواء كان ما انكشف عنه قليلا أو كثيرا بعضه أو كله. وكلام الشيخ هنا مطلق ، وقد اختلف كلام العلامة في التذكرة والمختلف في المراد منه فحمله في الأول على إطلاقه وشموله صورة العلم والعمد وحمله في المختلف على الانكشاف بدون العلم والعمد ، وهو الأقرب المنساق الى الذهن منها.

وقال شيخنا الشهيد في الذكرى ـ بعد نقل عبارات الشيخ في المبسوط وابن الجنيد والمحقق في المعتبر وذكر رواية على بن جعفر المتقدمة ونقل احتجاج العلامة في المختلف لابن الجنيد وجوابه عنه ـ ما هذا لفظه : وكلام الشيخ والمحقق ليس فيهما تصريح بأن الإخلال بالستر غير مبطل مع النسيان على الإطلاق لأنه يتضمن ان الستر حصل في بعض الصلاة فلو انتفى في جميع الصلاة لم يتعرضا له بخلاف كلام ابن الجنيد فإنه صريح في الأمرين ، والرواية تضمنت الفرج وجاز كونه للجنس فيشمل الفرجين وللوحدة ، فإن كان للجنس ففيه مخالفة في الظاهر لكلام ابن الجنيد وان كان للوحدة ففيه موافقة في الظاهر لكلام الجماعة ، وليس بين الصحة مع عدم الستر بالكلية وبينها مع عدمه بعض الاعتبارات تلازم بل جاز ان يكون المقتضى للبطلان انكشاف جميع العورة في جميع الصلاة فلا يحصل البطلان بدونه وجاز ان يكون المقتضي للصحة ستر جميعها في جميعها فتبطل بدونه. واما تخصيص ابن الجنيد بالإعادة في الوقت فوجهه ان القضاء انما يجب بأمر جديد ولم يوجد هنا. ولقائل أن يقول إذا كان الستر شرطا على الإطلاق فهو كالطهارة التي لا يفترق الحال فيها بين الوقت وخارجه. ولو قيل بأن المصلي عاريا مع التمكن من الساتر يعيد مطلقا والمصلي مستورا ويعرض له التكشف في الأثناء بغير قصد لا يعيد مطلقا كان قويا ، نعم يجب عليه عند التذكر الستر قطعا فلو أخل به بطلت


حينئذ لا قبله. انتهى. وبمثل ما اختاره هنا صرح في الدروس والبيان.

وكلامه في الذكرى يحتمل أمرين (أحدهما) الفرق بين الانكشاف في جميع الصلاة وبين الانكشاف في البعض. و (ثانيهما) ـ الفرق بين النسيان ابتداء والتكشف في الأثناء. والمعنى الثاني هو الذي فهمه صاحب المدارك فقال : واستقرب الشهيد في الذكرى والبيان الفرق بين نسيان الستر ابتداء وعروض التكشف في الأثناء والصحة في الثاني دون الأول. وهو حسن. انتهى وهو ظاهر عبارة البيان حيث قال : لو تعمد كشف العورة بطلت صلاته ولو نسي فالأقرب ذلك ، ولو انكشفت في الأثناء من غير قصد ولما يعلم صحت وان علم استتر. وقيل تبطل لان الشرط قد فات والوجه عدمه. ونحو ذلك عبارته في الدروس. ورجح بعض الأصحاب حمل كلامه على المعنى الأول استنادا الى قوله كما قدمنا : وليس بين الصحة مع عدم الستر بالكلية. إلى آخر العبارة. والحق ان هذا كلام في البين للرد على كلام من ذكره.

وبالجملة فقد تلخص مما ذكرنا من كلامهم (رضوان الله عليهم) انه لا خلاف ولا إشكال في شرطية الستر مع الإمكان والذكر فلو أخل به والحال كذلك ولو لحظة في أثناء صلاته بطلت ، وانما الخلاف في وقوع ذلك سهوا فظاهر كلام الأكثر انه غير مبطل وقع في جميع الصلاة أو بعضها لما عللوه به من سقوط التكليف مع عدم العلم كما ذكره في المعتبر ونحوه عبارة المنتهى. وما ذكره في الذكرى من ان المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى لم يتعرضا الى الانكشاف في جميع الصلاة مردود بان ذلك وان ظهر من عبارتيهما إلا ان التعليل مؤذن بالعموم. وصحيحة علي بن جعفر التي هي الأصل في هذا الحكم مطلقة في الانكشاف أعم من ان يكون في جميع الصلاة أو بعضها لإطلاق الجواب من غير استفصال وهو قرينة العموم في المقال كما ذكروه في أمثال هذا المجال ، فالاحتجاج بها على القول المذكور متجه سواء حمل الفرج فيها على الجنس أو الوحدة ، وحينئذ فما ذكره شيخنا الشهيد من التفصيل ـ وان تبعه فيه صاحب المدارك كما عرفت ـ


لا اعرف له وجها. واما ما ذهب اليه ابن الجنيد فقد عرفت ما فيه. واما كلام الشيخ في المبسوط فهو موافق لما ذكرنا ايضا بناء على ما فسرناه به. والله العالم.

و (ثانيهما) ـ في العورة التي يجب سترها في الصلاة وعن الناظر المحترم وانها عبارة عما ذا؟ والأشهر الأظهر انها عبارة عن القبل والدبر ، والمراد بالقبل الذكر والبيضتان وبالدبر حلقة الدبر التي هي نفس المخرج. ونقل عن ابن البراج انها ما بين السرة والركبة وجعله المرتضى رواية كما نقله في المنتهى. وعن ابي الصلاح انه جعلها من السرة الى نصف الساق مع ان المحقق في المعتبر نقل الإجماع على ان الركبة ليست من العورة.

ويدل على القول المشهور أخبار عديدة : منها ـ رواية أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابه عن ابي الحسن الماضي (عليه‌السلام) (1) قال : «العورة عورتان : القبل والدبر والدبر مستور بالآلتين فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة».

ورواية الميثمي عن محمد بن حكيم (2) قال : «لا أعلمه إلا قال رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) أو من رآه متجردا وعلى عورته ثوب فقال ان الفخذ ليست من العورة».

وفيه دلالة صريحة على خلاف القولين المتقدمين. وربما أمكن الاستدلال لما ذهب اليه ابن البراج برواية بشير النبال (3) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الحمام قال تريد الحمام؟ قلت نعم. فأمر بإسخان الحمام ثم دخل فاتزر بإزار وغطى ركبتيه وسرته ثم أمر صاحب الحمام فطلى جسده ما كان خارجا من الإزار ثم قال اخرج عني ثم طلى هو ما تحته بيده ، ثم قال هكذا فافعل».

وفيه انه قد روى مثل هذه الحكاية في الفقيه عنه (عليه‌السلام) (4) وفيها «انه كان يطلي عانته وما يليها ثم يلف إزاره على طرف إحليله ويدعو قيم الحمام فيطلي

__________________

(1 و 2) المروية في الوسائل الباب ـ 4 من آداب الحمام.

(3) الوسائل الباب 5 و 31 من آداب الحمام.

(4) الوسائل الباب 1 و 18 من آداب الحمام.


سائر بدنه». وبالجملة فالرواية المذكورة ليس فيها تصريح بكون ما لف عليه الإزار عورة ليمكن الاستدلال به ، وفعله (عليه‌السلام) لا يدل على ذلك لإمكان حمله على استحباب ستر هذا الموضع.

نعم روى في كتاب قرب الاسناد عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (1) انه قال : «إذا زوج الرجل أمته فلا ينظرن الى عورتها والعورة ما بين السرة إلى الركبة». وهو صريح في ذلك ، ولعل هذه الرواية هي التي أشار إليها المرتضى في ما تقدم من نسبته هذا القول إلى الرواية ، والأظهر حملها على التقية فإن القول بذلك نسبه في المنتهى الى مالك والشافعي واحمد في إحدى الروايتين وأصحاب الرأي وأكثر الفقهاء (2) ويعضده ان الراوي وهو الحسين بن علوان عامي. هذا بالنسبة الى الرجل.

واما المرأة فالمشهور في كلام الأصحاب ان بدن المرأة الحرة جميعه عورة عدا الوجه والكفين والقدمين ، ونقل في المختلف والذكرى عن ابن الجنيد انه ساوى بين الرجل والمرأة في أن العورة انما هي القبل والدبر ، وظاهر الشيخ في الاقتصاد وابي الصلاح وابن زهرة أن بدن المرأة كله عورة. قال في الاقتصاد : فأما المرأة الحرة فإن جميعها عورة يجب عليها ستره في الصلاة ولا تكشف عن غير الوجه فقط. وهذا يقتضي منع كشف غير الوجه من الكفين والقدمين باطنا وظاهرا. وقال أبو الصلاح المرأة كلها عورة وأقل ما يجزئ الحرة البالغة درع سابغ الى القدمين وخمار. وهو يرجع الى ما ذكره في الاقتصاد. وقال ابن زهرة : والعورة الواجب سترها من النساء جميع أبدانهن إلا رؤوس المماليك منهن. وقال ابن الجنيد : الذي يجب ستره من البدن العورتان وهما القبل والدبر من الرجل وللمرأة. وقال ايضا لا بأس ان تصلي المرأة الحرة وغيرها وهي مكشوفة الرأس حيث لا يراها غير ذي محرم لها وكذلك الرواية عن

__________________

(1) الوسائل الباب 44 من نكاح العبيد والإماء.

(2) المغني 1 ج ص 578.


أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) انتهى.

واحتج العلامة في المختلف على وجوب ستر البدن للحرة بما رواه زرارة في الصحيح (2) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن ادنى ما تصلي فيه المرأة قال درع وملحفة فتنشرها على رأسها وتجلل بها».

وكذا استدل بها في المنتهى وزاد التعليل بان النظر الى كل جزء منها متعلق الشهوة فأشبه العورة. وعلى استثناء هذه الثلاثة بان الوجه لا يجب ستره بإجماع علماء الإسلام ادعى ذلك في المنتهى والمختلف ، قال وكذا الكفان عندنا. وظاهره دعوى الإجماع عندنا على ذلك ، وعلل ذلك بأنهما ليستا من العورة إذ الغالب كشفهما دائما إذ الحاجة داعية الى ذلك للأخذ والعطاء وقضاء المهام وكذا الرجلان بل كشفهما أغلب في العادة. ثم احتج بما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن الباقر (عليه‌السلام) (3) قال : «والمرأة تصلي في الدرع والمقنعة». قال والدرع هو القميص والمقنعة تزاد للرأس ، والظاهر ان القميص لا يستر القدمين. انتهى.

وفي المدارك بعد ان استدل بصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة قال : وهذه الرواية كما تدل على وجوب ستر الرأس والجسد تدل على استثناء الوجه والكفين والقدمين لانه (عليه‌السلام) اجتزأ بالدرع وهو القميص والمقنعة وهي للرأس فدل على ان ما عدا ذلك غير واجب والدرع لا يستر اليدين ولا القدمين بل ولا العقبين غالبا. انتهى.

أقول : التحقيق عندي في هذا المقام على ما يظهر من اخبارهم (عليهم‌السلام) ان الوجه لا إشكال في استثنائه لا لما ذكروه بل لما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (4) قال : «سألته عن المرأة تصلي متنقبة قال إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس وان أسفرت فهو أفضل».

واما استثناء الكفين والقدمين فلا يخلو من غموض بل ربما كان الظاهر منها

__________________

(1) الوسائل الباب 29 من لباس المصلي.

(2 و 3) الوسائل الباب 28 من لباس المصلي.

(4) الوسائل الباب 33 من لباس المصلى.


العدم ، وذلك لان مبنى استدلالهم بصحيحة محمد بن مسلم المذكورة على ان الظاهر ان القميص لا يستر ذلك عادة ، وهذا انما يتم لو علم ان ثياب النساء في وقت خروج هذه الاخبار في تلك الديار كانت على ما يدعونه ، ولم لا يجوز ان دروعهن كانت مفضية إلى ستر أيديهن وأقدامهن كما هو المشاهد الآن في نساء أعراب الحجاز بل أكثر بلدان العرب؟ فإنهم يجعلون القميص واسعة الأكمام مع طول زائد فيها بحيث تكون طويلة الذيل تجر على الأرض ، ومن القريب كون ذلك جاريا على الزمان القديم في تلك البلدان فجرت الاخلاف على ما جرت عليه الاسلاف ، ويعضد ذلك ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) «في الرجل يجر ثوبه؟ قال اني لأكره أن يتشبه بالنساء». فان مورد الخبر بالنسبة إلى استحباب تشمير الثياب للرجل وظاهره كما ترى بل صريحه ان النساء يومئذ على خلاف ذلك وانهن يجررنه على الأرض ، وبذلك يظهر لك ما في استدلالهم بصحيحة محمد بن مسلم المذكورة التي هي عمدة أدلتهم المتقدمة وليس بعدها إلا تلك التعليلات العليلة التي لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية.

واما ما عدا هذه الرواية من اخبار الباب فإنه لا يأبى الانطباق على ما ذكره القائلون بشمول وجوب الستر لهذين الموضعين :

فمن الأخبار صحيحة زرارة المتقدمة الدالة على ادنى ما تصح صلاة المرأة فيه وانه درع وملحفة تنشرها على رأسها وتجلل بها ، والملحفة عبارة عن ثوب واسع سابغ شامل للبدن يلبس على الثياب ، وحينئذ فالملحفة المذكورة ان تجللت بها يعني نشرتها على رأسها وعلى جميع بدنها وضمتها على بدنها كما توضحه الأخبار الآتية حصل بذلك ستر الكفين والقدمين. هذا مضافا الى ما عرفت من حصول الستر بالدرع لما عرفت مما هو عليه من السعة طولا وعرضا.

ومنها ـ صحيحة علي بن جعفر المروية في الفقيه (2) «انه سأل أخاه موسى

__________________

(1) الوسائل الباب 23 من أحكام الملابس.

(2) الوسائل الباب 28 من لباس المصلى.


(عليه‌السلام) عن المرأة ليس عليها إلا ملحفة واحدة كيف تصلي؟ قال تلتف بها وتغطي رأسها وتصلي فإن خرجت رجلها وليست تقدر على غير ذلك فلا بأس». والتقريب ما تقدم ، وفي قوله : «فان خرجت رجلها» ما يدل على كون الملحفة شاملة في الغالب للرجلين الى آخرهما ، وانما نفى البأس هنا مع خروج الرجلين من حيث الضرورة بعدم وجود ساتر غيرها وهو مؤذن بحصول البأس مع إمكان غيرها ، وفيه إيماء إلى وجوب ستر القدمين مع الإمكان.

ومنها ـ ما رواه في الصحيح ـ ولكنه مختلف فيه ـ الى المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن المرأة تصلي في درع وملحفة ليس عليها إزار ولا مقنعة؟ قال لا بأس إذا التفت بها فان لم تكن تكفيها عرضا جعلتها طولا». والظاهر من قوله «فان لم تكن تكفيها عرضا» يعني لأجل الوصول الى القدمين وسترهما استظهارا إذا لم يسترهما الدرع وإلا فستر الرأس حاصل بها البتة.

ومنها ـ ما رواه في الكافي في الموثق عن عبد الله بن ابي يعفور (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) تصلي المرأة في ثلاثة أثواب إزار ودرع وخمار ولا يضرها ان تتقنع بالخمار ، فان لم تجد فثوبين تتزر بأحدهما وتقنع بالآخر. قلت فان كان درع وملحفة ليس عليها مقنعة؟ قال لا بأس إذا تقنعت بالملحفة فان لم تكفها فتلبسها طولا».

أقول : يحتمل ان يكون المراد بالإزار هنا ثوبا شاملا للبدن من شقة واحدة كما ورد في اجزاء الكفن. والأصحاب حملوا الثلاثة هنا على الاستحباب لحصول الستر هنا بالدرع والخمار ولا بأس به. ويمكن حمله على الاستظهار في ستر القدمين والكفين ايضا بناء على ما قلناه. واما قوله : «ولا يضرها ان تتقنع بالخمار» فالظاهر ان المراد به انه لو لم يكن ثمة إزار فإنها تختمر بأحد طرفي الخمار وتتقنع بالطرف الآخر الطويل منه لان الظاهر من الأخبار انه يستحب لها بعد تخمير الرأس وتغطيته القناع فوقه كما

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 28 من لباس المصلى.


يستحب للرجل بعد تغطية الرأس بالقلنسوة ونحوها العمامة. ثم ذكر (عليه‌السلام) انه لو لم تجد هذه الثلاثة ولا الدرع ولا الخمار فإنه يجزئها ثوبان على الوجه المذكور بان يكونا ساترين لجميع ما يجب ستره في الصلاة. وظاهر هذه الاخبار كما ترى لا يأبى الانطباق على ما ذكره الشيخ (قدس‌سره) في الاقتصاد ومن تبعه.

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل بن دراج (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة تصلي في درع وخمار؟ قال يكون عليها ملحفة تضمها عليها».

وحمل ذكر الملحفة على الاستحباب والفضل. وهو جيد للاستظهار في ستر أطرافها من اليدين والرجلين.

واما ما اعترض به في المدارك على كلام الشيخ (قدس‌سره) في الاقتصاد ـ حيث قال : واما احتجاج الشيخ في الاقتصاد على وجوب الستر بان بدن المرأة كله عورة فإن أراد بكونه عورة وجوب ستره عن الناظر المحترم فمسلم ، وان أراد وجوب ستره في الصلاة فهو مطالب بدليله. انتهى ـ ففيه ان الظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب ان وجوب الستر عن الناظر المحترم وكذا في الصلاة أمران متلازمان ، وذلك فان وجوب الستر في الموضعين دائر مدار ثبوت كونه عورة ، ولهذا كما عرفت من كلام العلامة في المنتهى والمختلف انما تمسك في عدم وجوب ستر هذه الأشياء بالخروج عن كونها عورة. ولعل وجه الفرق الذي توهمه انما بناه على ما فهمه من صحيحة محمد بن مسلم ودعوى دلالتها على خروج الكفين والقدمين وقد عرفت ما فيه. وبالجملة فإني لا اعرف لهم دليلا سوى الإجماع المدعى منهم مع وجود المخالف كما عرفت.

واما ما ذهب اليه ابن الجنيد ـ من مساواة المرأة للرجل في ان العورة انما هي القبل والدبر ـ فلم نقف له فيه على دليل ، وصاحب المختلف مع تكلفه نقل الأدلة للأقوال

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 28 من لباس المصلى.


التي ينقلها فيه لم يتعرض هنا لنقل دليل له مع نقله القول المذكور وهو أظهر ظاهر في ضعفه بعد ما عرفت.

واما ما ذهب اليه من القول الآخر فاحتج عليه واحتجوا له عليه بما رواه عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لا بأس بالمرأة المسلمة الحرة ان تصلي وهي مكشوفة الرأس». وأجاب عنها الشيخ بالحمل على الصغيرة أو على حال الضرورة. وقال في المعتبر ان هذه الرواية مطرحة لضعف عبد الله بن بكير فلا يترك لخبره الأخبار الصحيحة المتفق على مضمونها.

أقول : والأظهر عندي حمل الرواية على ان المراد بكشف الرأس يعنى من القناع الذي أشرنا سابقا إلى انه يستحب لها التقنع زيادة على ستر الرأس الواجب ، وهو ليس ببعيد في مقام التأويل والجمع بين الاخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار ، ومما ينفي عنه البعد الرواية الأخرى عن ابن بكير ايضا (2) قال : «لا بأس ان تصلي المرأة المسلمة وليس على رأسها قناع». فان من الظاهر ان القناع عرفا زيادة على الخمار الذي يلف به الرأس كما لا يخفى.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ما تقدم كله من الكلام انما هو بالنسبة إلى بدن المرأة وجسدها من وجوب ستره كملا أو ما عدا المواضع الثلاثة المتقدمة.

واما بالنسبة إلى شعرها فلم يتعرض للكلام فيه وقل من تعرض للكلام فيه من أصحابنا (رضوان الله عليهم) قال في المدارك في هذا المقام : واعلم انه ليس في العبارة كغيرها من عبارات أكثر الأصحاب تعرض لوجوب ستر شعر الرأس بل ربما ظهر منها انه غير واجب لعدم دخوله في مسمى الجسد ، ويدل عليه إطلاق الأمر بالصلاة فلا يتقيد إلا بدليل ولم يثبت إذ الاخبار لا تعطي ذلك ، واستقرب الشهيد في الذكرى الوجوب لما رواه ابن بابويه عن الفضيل عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (3) قال :

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 29 من لباس المصلي.

(3) الوسائل الباب 28 من لباس المصلى.


«صلت فاطمة (عليها‌السلام) في درع وخمار وليس عليها أكثر مما وارت به شعرها وأذنيها». وهي مع تسليم السند لا تدل على الوجوب ، نعم يمكن الاستدلال بها على عدم وجوب ستر العنق وفي رواية زرارة المتقدمة إشعار به ايضا. انتهى. أقول : فيه ان الظاهر من الأخبار المتقدمة ـ باعتبار اشتمالها على الخمار والمقنعة التي هي عبارة عن الخمار ايضا كما ذكره أهل اللغة وغيرهم والملحفة تلتف بها ـ هو ستر شعر الرأس وستر العنق بل ستر الرأس وما انحدر عنه ما عدا الوجه ، اما بالنسبة إلى الملحفة فظاهر لما عرفت من معناها وانها بعد التقنع بها تلفها وتضمها على بدنها ، واما بالنسبة إلى الخمار فان الظاهر بل المعلوم انحداره عن العنق وزيادة لا الاختصاص بالرأس كما يوهمه ظاهر كلامه (قدس‌سره) ومن أظهر الأدلة على ذلك قوله عزوجل «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ» (1) قال شيخنا أمين الإسلام الطبرسي (قدس‌سره) في تفسير مجمع البيان. والخمر المقانع جمع خمار وهو غطاء رأس المرأة المنسدل على جنبيها ، أمرن بإلقاء المقانع على صدورهن تغطية لنحورهن فقد قيل انهن كن يلقين مقانعهن على ظهورهن فتبدو صدورهن ، وكنى عن الصدور بالجيوب لأنها ملبوسة عليها. وقيل انهن أمرن بذلك ليسترن شعرهن وقرطهن وأعناقهن ، قال ابن عباس تغطي شعرها وصدرها وترائبها وسوالفها. انتهى. وهو صريح ـ كما ترى ـ في كون الخمار منسدلا الى الصدر والظهر موجبا لستر شعر الرأس والعنق كما لا يخفى ، وان حملناه على ما هو المعمول الآن والمتعارف بين نساء هذا الزمان فهو أبلغ وأظهر في ستر الأجزاء المذكورة من ان يحتاج الى بيان.

واما الرواية التي نقلها عن فاطمة (عليها‌السلام) التي هي سبب وقوعه في هذا الوهم فهي ـ مع كونها ظاهرة في كون تلك الحال حال ضرورة ـ ظاهرة في وجوب ستر الشعر فإنه لا يخفى ان شعر الرأس بمقتضى العادة منسدل على العنق والبدن من إمام

__________________

(1) سورة النور الآية 31.


وخلف وهي (صلوات الله عليها) لمكان الضرورة وعدم كون خمارها متسعا كسائر الاخمرة التي أشرنا إليها قد جمعت شعر رأسها ووارته في ذلك الخمار اليسير حيث انه ليس فيه سعة يأتي على شعرها مع انسداله ، فان ظاهر الخبر ان ذلك الخمار لصغره انما وارى ما فوق العنق خاصة فجمعت شعر رأسها فيه ، ولو كانت الصلاة جائزة مع عدم ستر الشعر كما توهمه لما كان لجمعها له في الخمار وجه البتة لما عرفت انه بمقتضى العادة منسدل الى تحت ، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه ، وبه يظهر ان ما استقر به في الذكرى من دلالة الخبر على الوجوب في محله وان كلامه عليه ومنعه الدلالة لا وجه له

واما قوله ـ : نعم يمكن الاستدلال بها على عدم وجوب ستر العنق ـ فضعيف بل عجيب من مثله (قدس‌سره) فإنه لا يخفى ان ظاهر الخبر ينادي بأن صلاتها (صلوات الله عليها) في ذلك الخمار بهذه الكيفية انما هي لمكان الضرورة وانه ليس عليها أكثر من ذلك فالحال حال ضرورة والضرورات تبيح المحظورات وانما صلت كذلك حيث لم تجد ساترا يستر ما زاد على ذلك ، فكيف يسوغ منه الاستدلال به على جواز كشف العنق مطلقا؟ وقد عرفت من ظاهر الآية ـ كما ذكره أمين الإسلام المتقدم ذكره ـ الدلالة على كون الخمار المتعارف يومئذ ساترا للجميع وان الله سبحانه قد أوجب ستر هذه المواضع عن الناظر المحترم لكونها عورة فيجب سترها في الصلاة أيضا كما تقدم ، ويجب حمل الخمار في الأخبار المتقدمة على ذلك كما عرفت ، وبه يظهر وجوب ستر العنق ونحوه ايضا.

وأعجب من ذلك قوله : «وفي رواية زرارة المتقدمة إشعار به» وكأنه توهم من نشر الملحفة على رأسها انها ترمي طرفي الملحفة على يمينها ويسارها وتصلي مكشوفة العنق مما يلي صدرها وغفل عن قوله : «وتجلل بها» فان المراد بالتجلل بها ضمها على البدن كما عرفت من الروايات الأخر ، وبه صرح أهل اللغة حيث ذكروا ان الجلال للدابة كالثوب للإنسان يقيه من البرد ونحوه وهو يقتضي ضمه على البدن من جميع جهاته وأطرافه


وبالجملة فإن كلامه في أمثال هذه المقامات لا يخلو من مجازفة وعدم تأمل ، وأعجب من جميع ذلك متابعة من تأخر عنه له في أمثال هذه المقامات من غير إعطاء النظر حقه في الأخبار وكلام علمائنا الأبرار ولا تحقيق ما هو الحق منها في المقام لحسن الظن بصاحب الكتاب واشتهاره بالفضل والتحقيق في جميع الأبواب والحال كما عرفت في غير موضع مما شرحناه وسنشرحه ان شاء الله تعالى في ما يأتي من الكتاب. والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز كشف الرأس للأمة والصبية في الصلاة وقد نقل عليه الفاضلان والشهيد الإجماع من علماء الإسلام إلا الحسن البصري فإنه أوجب على الأمة الخمار إذا تزوجت أو اتخذها الرجل لنفسه (1).

ويدل على الحكم المذكور مضافا الى الإجماع المدعى بالنسبة إلى الأمة عدة روايات : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (2) قال : «ليس على الإماء ان يتقنعن في الصلاة ولا ينبغي للمرأة أن تصلي إلا في ثوبين».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «قلت له الأمة تغطي رأسها؟ قال لا ولا على أم الولد ان تغطي رأسها إذا لم يكن لها ولد».

وعن ابي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (4) انه قال : «على الصبي إذا احتلم الصيام وعلى الجارية إذا حاضت الصيام والخمار إلا ان تكون مملوكة فإنه ليس عليها خمار إلا ان تحب ان تختمر وعليها الصيام».

وما في كتاب قرب الاسناد بسنده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (5) قال : «سألته عن الأمة هل يصلح لها ان تصلي في قميص واحد؟ قال لا بأس».

__________________

(1) المغني ج 1 ص 604.

(2) الوسائل الباب 28 من لباس المصلي.

(3 و 4 و 5) الوسائل الباب 29 من لباس المصلي.


وما رواه في الكافي والفقيه عن محمد بن مسلم في الصحيح (1) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول ليس على الأمة قناع في الصلاة ولا على المدبرة ولا على المكاتبة إذا اشترطت عليها قناع في الصلاة وهي مملوكة حتى تؤدي جميع مكاتبتها ويجري عليها ما يجري على المملوك في الحدود كلها». وزاد في الفقيه (2) قال : «وسألته عن الأمة إذا ولدت عليها الخمار؟ قال لو كان عليها لكان عليها إذا هي حاضت وليس عليها التقنع في الصلاة».

واما ما يدل على ذلك بالنسبة إلى الصبية فاستدل عليه بعضهم بأصالة عدم التكليف. وعندي ان ذكر الصبية في هذا المقام كما ذكره غير واحد منهم لا وجه له لان هذا الحكم انما ذكروه في مقام الاستثناء من القاعدة المتقدمة وهو وجوب ستر البدن كملا على المرأة وانه عورة والصبية مما لا مدخل لها في أصل القاعدة فلا حاجة الى استثنائها.

وإطلاق كلام أكثر الأصحاب وأكثر الأخبار يقتضي عدم الفرق في الأمة بين المملوكة والمدبرة والمكاتبة المشروطة والمطلقة التي لم تؤد من مكاتبتها شيئا وأم الولد سواء كان ولدها حيا أو ميتا ، ويفهم من صحيحة محمد بن مسلم الاولى ان أم الولد انما تكون كذلك بعد موت ولدها وإلا فمع وجوده فهي كالحرة في وجوب الستر ، والى ذلك يميل كلام صاحب المدارك حيث قال بعد ذكر الخبر المذكور : وهو يدل بمفهومه على وجوب تغطية الرأس على أم الولد ومفهوم الشرط حجة كما حقق في محله ، ويمكن حمله على الاستحباب إلا انه يتوقف على وجود المعارض. انتهى. وهو جيد لولا ما يدل عليه ظاهر صحيحة محمد بن مسلم الثانية على رواية الفقيه من قوله : «وسألته عن الأمة إذا ولدت عليها الخمار. الى آخره» فان الظاهر ان المعنى فيها هو ان السائل ظن ان وجوب الخمار على المرأة امة كانت أو حرة دائر مدار الولادة المؤذنة بالبلوغ

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 29 من لباس المصلي.


فأجاب (عليه‌السلام) بأنه لو كان كذلك فإنه لا اختصاص له بالولادة بل يجري في الحيض الذي هو أحد أسباب البلوغ ايضا مع انه ليس على الأمة التقنع في الصلاة مطلقا. وفيه إشارة إلى تساوي حالها قبل الولادة وبعدها في عدم التقنع قال في الوافي في ذيل هذا الخبر : كأن الراوي ظن ان حد وجوب التقنع على النساء إذا ولدن فنبه (عليه‌السلام) ان حده إذا حضن وانه ساقط عن الإماء في جميع الأحوال. انتهى وظني بعده عن سياق الخبر إلا انه دال على ما قلناه من عدم وجوب التقنع على أم الولد ولو مع وجود الولد ، وحينئذ فلا يلتفت الى دلالة المفهوم مع وجود المنطوق. واما ما ذكره في الذخيرة ـ من ان هذه الرواية لا تصلح لمعارضة الخبرين الآخرين لانه لو سلم مفهومها لم يكن واضح الدلالة على الوجوب كما لا يخفى ـ فغير متوجه وكيف لا ومفهوم الشرط لا إشكال في حجيته كما اعترف به في مواضع من كتابه وعليه المحققون من الأصوليين معتضدا ذلك بالأخبار المتقدمة في مقدمات الكتاب ، والخبران المشار إليهما في كلامه وهما صحيحتا عبد الرحمن ومحمد بن مسلم الثانية مطلقتان وهذه مقيدة بناء على حجية المفهوم المذكور فلا تعارض إذ المقيد يحكم على المطلق كما هو القاعدة ، فكلام السيد لا يخلو من قوة لو لا دلالة الصحيحة المذكورة كما أوضحناه. وبالجملة فإنك قد عرفت ان مقتضى الأخبار المتقدمة في سابق هذه المسألة ان بدن المرأة كله عورة يجب ستره في الصلاة حرة كانت أو امة استثنى من ذلك ما قام عليه الدليل من الأمة بهذه الاخبار وبقي ما عدا موضع الاستثناء على الوجوب ، وبذلك يظهر لك ضعف قوله : «انه لو سلم مفهومها لم يكن واضح الدلالة في الوجوب» فان الوجوب ثابت بتلك الاخبار المشار إليها لا بهذا الخبر غاية الأمر انه قد استثنى من الوجوب في المرأة مطلقا ما قام عليه الدليل بهذه الاخبار وهي الأمة. وهذا بحمد الله سبحانه واضح لا سترة عليه.

بقي في المقام فوائد يجب التنبيه عليها (الاولى) ـ قال في المعتبر : وهل يستحب لها القناع؟ قال به عطاء ولم يستحب الباقون لما رووه ان عمر كان ينهى الإماء عن التقنع


وقال انما القناع للحرائر وضرب امة لآل انس رآها متقنعة وقال اكشفي ولا تشبهي بالحرائر (1) وما قاله عطاء حسن لان الستر انسب بالخفر والحياء وهو مراد من الحرة والأمة ، وما ذكروه من فعل عمر جاز ان يكون رأيا رآه. انتهى.

أقول : ظاهر جملة ممن تأخر عنه خلاف ما ذكره واختاره من استحباب القناع للأمة لما رواه احمد بن محمد بن خالد البرقي في كتاب المحاسن بإسناده عن حماد اللحام (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المملوكة تقنع رأسها إذا صلت؟ قال لا قد كان ابي إذا رأى الخادم تصلي متقنعة ضربها لتعرف الحرة من المملوكة». وروى الصدوق في كتاب العلل هذا الحديث ايضا عن حماد اللحام (3) وروى فيه أيضا في الصحيح عن حماد اللحام ـ وهو مجهول ـ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «سألته عن الخادم تقنع رأسها في الصلاة؟ قال اضربوها حتى تعرف الحرة من المملوكة». وروى الشهيد في الذكرى عن البزنطي في كتابه بإسناده إلى حماد اللحام عن الصادق (عليه‌السلام) (5) «في المملوكة تقنع رأسها إذا صلت؟ قال لا. الحديث الأول الى آخره». قال وروى علي بن إسماعيل الميثمي في كتابه عن ابي خالد القماط (6) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الأمة أتقنع رأسها؟ فقال ان شائت فعلت وان شائت لم تفعل ، سمعت ابي يقول كن يضر بن فيقال لهن لا تشبهن بالحرائر». أقول : لا يخفى ما في هذه الاخبار من الدلالة على خلاف ما صار إليه في المعتبر ولعل العذر له في عدم الوقوف عليها.

وظاهر الصدوق في كتاب العلل القول بتحريم الستر على الأمة حيث قال : «باب العلة التي من أجلها لا يجوز للأمة أن تقنع رأسها» ثم ذكر الاخبار المتقدم نقلها عنه ، ولعل منشأ ذهابه الى التحريم من حيث اشتمال الاخبار على الضرب. وفيه انه

__________________

(1) المغني ج 1 ص 604.

(2 و 3 و 4 و 6) الوسائل الباب 29 من لباس المصلي.

(5) ص 140.


لا يخفى على من تأمل الاخبار انه كثيرا ما يؤكدون (عليهم‌السلام) في المنع من المكروهات بما يكاد يلحقها بالمحرمات كما يؤكدون في المستحبات بما يكاد يلحقها بالواجبات ، ويدل على حمل ذلك على الكراهة قوله (عليه‌السلام) في حديث القماط «ان شائت فعلت وان شائت لم تفعل» وقوله (عليه‌السلام) في رواية أبي بصير المتقدمة «إلا ان تحب ان تختمر» ويؤيده التعبير في كثير من الروايات بأنه ليس عليها. وبالجملة فالأظهر هو الكراهة كما هو المشهور بين الأصحاب ، ويقرب حمل اخبار الضرب الظاهرة في التحريم على التقية كما تقدم نقله عن عمر ويشير اليه قوله (عليه‌السلام) في رواية القماط بعد إفتائه بالتخيير «سمعت ابي يقول كن يضربن» إذ الظاهر كونه إشارة الى ما رواه العامة عن عمر ، ويؤيده إسناد الحكم إلى أبيه في أكثر هذه الاخبار ، وكيف كان فالأظهر الكراهة.

نعم يبقى الإشكال في العنق فان الظاهر من الاخبار المانعة من التقنع جواز كشفه ولا سيما خبر علي بن جعفر المتقدم نقله من كتاب قرب الاسناد الدال على جواز صلاتها في قميص واحد فان القميص لا يستر العنق. وبالجملة فإن إغفاله في هذه الاخبار مع اشتمالها على النهي عن التقنع ظاهر في جواز كشفه وانه من جملة الرأس المرخص في كشفه أو المكروه تغطيته. وبما قلناه من جواز كشفه صرح جملة من أصحابنا المتأخرين ومتأخريهم.

(الثانية) ـ قد صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ الشيخ (قدس‌سره) بأنه يجب على الأمة ستر ما عدا الرأس ، قال في المعتبر بعد ان حكى ذلك عن الشيخ : ويقرب عندي جواز كشف وجهها وكفيها وقدميها لما قلناه في الحرة. انتهى. واستدرك عليه الشهيد في الذكرى ذلك فقال بعد نقله عنه : قلت ليس هذا موضع التوقف لانه من باب كون المسكوت عنه اولى بالحكم من المنطوق به ولا نزاع في مثله. وهو جيد بناء على ما هو المشهور ، إلا ان فيه ما عرفت آنفا في الكفين والقدمين.

(الثالثة) ـ لو انعتق بعض الأمة وجب عليها ستر رأسها لعدم دخولها تحت الأخبار المتقدمة فإن المذكور فيها من كانت امة والمتبادر منها هي المملوكة كملا ، قال في


الذكرى بعد نقل القول المذكور عن الشيخ والفاضل ونقل صحيحة محمد بن مسلم الثانية : وهو يشعر بما قالوه للتخصيص بالمشروطة. يعني ان تخصيصه (عليه‌السلام) المكاتبة المشروطة بالذكر في هذا المقام ـ وهي التي لا تنعتق حتى تؤدي مال الكتابة كملا دون المطلقة التي ينعتق منها بنسبة ما تؤديه ـ مشعر بأن المطلقة متى أدت بعضها لم تدخل في عداد هؤلاء المذكورين بانعتاق بعضها فيغلب جانب الحرية منها ويلحقها حكم الأحرار.

(الرابعة) ـ قال في المنتهى : الخنثى المشكل يجب عليه ستر فرجيه إجماعا وان كان أحدهما زائدا. وهل يجب عليه ستر جميع جسده كالمرأة؟ فيه تردد ينشأ من أصالة براءة الذمة فيصار إليها ، ومن العمل بالاحتياط في وجوب ستر الجميع. والأقرب الثاني لأن الشرط بدون ستر الجميع لا يتيقن حصوله. والى ما ذكره من اختيار الثاني مال الشهيد في الذكرى فقال : والأقرب إلحاق الخنثى بالمرأة في وجوب الستر أخذا بالمبرئ للذمة. واعترضهما الفاضل الخراساني في الذخيرة بأن الاشتراط انما ثبت في حق المرأة لا مطلقا فههنا كان إطلاق الأمر بالصلاة باقيا على حاله من غير تقييد فمقتضى ذلك عدم الوجوب. انتهى.

أقول : لا يخفى ان اخبار هذا الباب وكلمة الأصحاب (رضوان الله عليهم) قد اتفقت على ان حكم الرجل بالنسبة الى هذه المسألة وجوب ستر العورتين خاصة وجواز كشف ما عداهما والمرأة يجب عليها ستر البدن كملا ما عدا المواضع المستثناة على ما تقدم ولا ريب ان الخنثى المشكل لا يسمى رجلا لتلحقه أحكام الرجل ولا امرأة لتلحقه أحكام المرأة ولم يرد فيه نص بخصوصه فيبقى الحكم فيه مشكلا ، وقد تكاثرت الاخبار بالتثليث (1) «حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك». ولا ريب ان حكم الخنثى هنا من القسم الثالث ، وقد ورد عنهم (عليهم‌السلام) ان الحكم في هذا القسم هو الأخذ بالاحتياط في العمل ، وهو عندنا واجب في هذه الصورة وان كان عند أصحابنا

__________________

(1) الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يقضى به.


الأصوليين مستحبا ، فما ذهب اليه الشيخان المذكوران هو الحق في المسألة وكلام هذا الفاضل عليهما لا معنى له ، وتمسكه بإطلاق الأمر بالصلاة مجازفة إذ قد علم من الشرع ضرورة ان هذا الإطلاق قد قيدته النصوص بالشروط الواجبة على جميع المكلفين بلا خلاف من وجوب الستر وطهارته وطهارة المصلى من الحدث والقبلة والوقت ونحوها فلا بد في صحة الصلاة من اي مكلف كان من الإتيان بهذه الشروط ، والخنثى المشكل من جملة المكلفين البتة فيجب عليها ستر العورة لكن حصل الشك في إلحاقها في ذلك بالرجل أو المرأة حيث لا نص عليها بالخصوص وعدم دخولها تحت شي‌ء من العنوانين المذكورين فالواجب الأخذ بالاحتياط.

(الخامسة) ـ إذا أعتقت الأمة في أثناء الصلاة وهي مكشوفة الرأس وعلمت بذلك قال الشيخ (قدس‌سره). ان قدرت على ثوب تغطي رأسها وجب عليها أخذه وتغطية الرأس ، وان لم يتم لها ذلك إلا بان تمشي خطى قليلة من غير ان تستدبر القبلة كان مثل ذلك ، وان كان بالعبد منها وخافت فوات الصلاة أو احتاجت الى استدبار القبلة صلت كما هي وليس عليها شي‌ء ولا تبطل صلاتها. انتهى. ومرجعه الى ان الواجب عليها الستر إلا ان يستلزم تحصيله فعلا كثيرا أو يستلزم استدبارا فتقطع الصلاة مع سعة الوقت وتمضي مع عدمها. والى هذا القول مال العلامة في المنتهى فقال : وما ذكره في المبسوط هو الأقرب عندي. وقال الشهيد في الذكرى : ولو أعتقت الأمة في الأثناء وجب عليها الستر فان افتقرت الى فعل كثير استأنفت مع سعة الوقت وأتمت لا معه لتعذر الشرط حينئذ فتصلي بحسب المكنة. وهو راجع الى ما اختاره في المبسوط.

وقال الشيخ في الخلاف تستمر المعتقة على صلاتها وأطلق لأن دخولها كان مشروعا والصلاة على ما افتتحت عليه. قال في الذخيرة بعد نقل هذا القول تبعا لصاحب المدارك : وهو ظاهر المحقق في المعتبر ولا يخلو من قوة لأن القدر الثابت وجوب الستر إذا توجه التكليف بذلك قبل الدخول في الصلاة والمسألة محل تردد. انتهى.


أقول : اما ما ذكره من انه ظاهر المعتبر فليس كذلك بل ظاهره انما هو ما ذكره الشيخ في المبسوط حيث قال : لو أعتقت في الصلاة وأمكنها الستر من غير إبطال وجب وان خشيت فوت الصلاة واحتاجت الى فعل كثير استمرت. واما ما عللا به قوة القول المذكور عندهما فهو مردود بان اشتراط الصلاة بهذه الشروط من طهارة الساتر والقبلة ونحوهما دائر مدار الإمكان كائنا ما كان قبل الصلاة أو في أثنائها ، ألا ترى انه لو ظهرت له القبلة بعد الاشتباه في أثناء الصلاة وجب الاستدارة إليها في بعض الصور المتقدمة وما ذاك إلا من حيث الإمكان وعدمه. وبالجملة فالظاهر هو ما ذكره في المبسوط وهو القول المشهور الذي صرح به في المعتبر والذكرى كما عرفت.

ونقل في الذخيرة أيضا قولا بأنه يجب عليها ستر رأسها وان افتقرت الى فعل كثير استأنفت. واعترضه بان الصحيح ان الاستيناف انما يثبت إذا أدركت بعد القطع ركعة في الوقت وإلا وجب الاستمرار لان وجوب الستر مشروط بالقدرة عليه. ولم أقف على هذا القول في كلامهم سوى عبارة الشرائع حيث ذكر ذلك واعترضه في المدارك بما ذكره هنا ، بل ظاهر كلامهم ان الاستيناف انما هو مع سعة الوقت بان تدرك منه ولو ركعة وإلا استمرت كما عرفت مما قدمنا من عباراتهم في ما عدا الخلاف ، وقال في الدروس : ولو أعتقت في الأثناء وعلمت استترت فان استلزم المنافي بطلت مع سعة الوقت. ونحوه عبارته في البيان ايضا. والله العالم.

(المسألة الثالثة) ـ قد عرفت مما تقدم ان الواجب على الرجل ستر العورتين : القبل والدبر ، وعلى المرأة ستر جميع بدنها ، وقد ذكر الأصحاب انه يستحب للرجل ستر جميع بدنه ويجزئه ان يصلي في ثوب واحد ، ويستحب للمرأة ان تصلي في ثلاثة أثواب : درع وخمار وملحفة.

أقول : اما ما يتعلق بالمرأة من الاخبار الدالة على الثياب التي ينبغي ان تصلي فيها فقد تقدم نقله ويأتي هنا جملة منها ايضا ان شاء الله تعالى.


واما بالنسبة الى الرجل فمن الأخبار المتعلقة بذلك ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) قال : «سألته عن الرجل يصلي في قميص واحد أو في قباء طاق أو في قباء محشو وليس عليه إزار؟ فقال إذا كان عليه قميص صفيق أو قباء ليس بطويل الفرج فلا بأس ، والثوب الواحد يتوشح به وسراويل كل ذلك لا بأس به. وقال إذا لبس السراويل فليجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا».

وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن زياد بن سوقة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «لا بأس ان يصلي أحدكم في الثوب الواحد وأزراره محلولة ان دين محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حنيف».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسن بن علي بن فضال عن رجل (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ان الناس يقولون ان الرجل إذا صلى وأزراره محلولة ويداه داخلة في القميص انما يصلي عريانا؟ قال لا بأس».

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (4) قال : «ان آخر صلاة صلاها النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالناس في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه ألا أريك الثوب قلت بلى. قال فاخرج ملحفة فذرعتها فكانت سبعة أذرع في ثمانية أشبار».

وما رواه في التهذيب عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (5) قال : «لا يصلي الرجل محلول الأزرار إذا لم يكن عليه إزار».

وعن إبراهيم الأحمري (6) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يصلي وأزراره محللة؟ قال لا ينبغي ذلك».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم (7) قال : «رأيت أبا جعفر

__________________

(1 و 4) الوسائل الباب 22 من لباس المصلي.

(2 و 3 و 5 و 6) الوسائل الباب 23 من لباس المصلي.

(7) رواه في الوسائل في الباب 22 و 28 و 29 من لباس المصلى.


(عليه‌السلام) يصلى في إزار واحد ليس بواسع قد عقده على عنقه فقلت له ما ترى للرجل يصلي في قميص واحد؟ فقال إذا كان كثيفا فلا بأس به ، والمرأة تصلي في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفا يعني إذا كان ستيرا. قلت رحمك الله الأمة تغطي رأسها إذا صلت؟ فقال ليس على الأمة قناع».

وروى في الفقيه عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «المرأة تصلي في الدرع والمقنعة إذا كان كثيفا يعني ستيرا».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل بن دراج (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة تصلي في درع وخمار؟ فقال تكون عليها ملحفة تضمها عليها».

وروى في الفقيه (3) قال : «سأل يونس بن يعقوب أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي في ثوب واحد؟ قال نعم. قال قلت فالمرأة؟ قال لا ولا يصلح للحرة إذا حاضت إلا الخمار إلا ان لا تجده».

وروى الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «لا يصلح للمرأة المسلمة ان تلبس من الخمر والدروع ما لا يوارى شيئا».

وعن علي بن محمد رفعه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) «في رجل يصلى في سراويل ليس معه غيره؟ قال يجعل التكة على عاتقه».

وروى في الفقيه والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان (6) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل ليس معه إلا سراويل؟ قال يحل التكة منه فيطرحها على عاتقه ويصلي. قال وان كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد بالسيف ويصلي قائما».

وروي في الفقيه (7) قال : «سأل علي بن جعفر أخاه موسى (عليه‌السلام)

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 28 من لباس المصلي.

(4) الوسائل الباب 21 من لباس المصلي.

(5) الوسائل الباب 53 من لباس المصلي.

(6) الوسائل الباب 53 من لباس المصلي.

(7) الوسائل الباب 22 من لباس المصلى.


عن الرجل يصلي بالقوم وعليه سراويل ورداء؟ قال لا بأس به».

وروى في التهذيب في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يؤم في سراويل وقلنسوة؟ قال لا يصلح. وسألته عن السراويل هل يجوز مكان الإزار؟ قال نعم».

وروى في الفقيه عن زرارة في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «أدنى ما يجزئك ان تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف».

وقال في الفقيه ايضا (3) «وقال أبو بصير لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ما يجزئ للرجل من الثياب ان يصلي فيه؟ فقال صلى الحسين بن علي (عليهما‌السلام) في ثوب قد قلص عن نصف ساقه وقارب ركبتيه ليس على منكبيه منه إلا قدر جناحي الخطاف وكان إذا ركع سقط عن منكبيه وكلما سجد يناله عنقه فيرده على منكبيه بيده فلم يزل ذلك دأبه ودأبه مشتغلا به حتى انصرف».

وروي في التهذيب عن جميل (4) قال «سأل مرازم أبا عبد الله (عليه‌السلام) وانا معه حاضر عن الرجل الحاضر يصلي في إزار مؤتزرا به؟ قال يجعل على رقبته منديلا أو عمامة يتردى به».

وروى في الكافي والتهذيب عن رفاعة عن من سمع أبا عبد الله (عليه‌السلام) (5) «عن الرجل يصلي في ثوب واحد يأتزر به؟ قال لا بأس به إذا رفعه الى الثديين». كذا في التهذيب وفي الكافي «إلى الثندوتين» بدل «الثديين» والثندوة بالمثلثة لحم الثديين أو أصله وفي رواية سفيان بن السمط عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (6) قال : «الرجل إذا اتزر بثوب واحد الى ثندوته صلى فيه».

__________________

(1 و 2 و 4) الوسائل الباب 53 من لباس المصلي.

(3 و 5 و 6) الوسائل الباب 22 من لباس المصلي.


وروى في كتاب الخصال بسند معتبر عن ابي بصير ومحمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) عليكم بالصفيق من الثياب فان من رق ثوبه رق دينه. وقال (عليه‌السلام) لا يقومن أحدكم بين يدي الرب جل جلاله وعليه ثوب يشف. وقال (عليه‌السلام) لا يصلي الرجل في قميص متوشحا به فإنه من أفعال قوم لوط. وقال (عليه‌السلام) تجزئ الصلاة للرجل في ثوب واحد يعقد طرفيه على عنقه وفي القميص الصفيق يزره عليه».

وروى في كتاب المكارم عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) انه قال : «ركعتان بعمامة أفضل من اربع ركعات بغير عمامة».

وفي كتاب المسائل لعلي بن جعفر رضي‌الله‌عنه عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في قميص واحد أو قباء وحده؟ قال ليطرح على ظهره شيئا. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يؤم في سراويل ورداء؟ قال لا بأس به. وسألته عن المرأة هل يصلح لها ان تصلي في ملحفة ومقنعة ولها درع؟ قال لا يصلح لها إلا ان تلبس درعها. وسألته عن المرأة هل يصلح لها ان تصلي في إزار وملحفة ومقنعة ولها درع؟ قال إذا وجدت فلا يصلح لها الصلاة إلا وعليها درع. وسألته عن المرأة هل يصلح لها ان تصلي في إزار وملحفة تقنع بها ولها درع؟ قال لا يصلح لها ان تصلي حتى تلبس درعها. وسألته عن السراويل هل يجزئ مكان الإزار؟ قال نعم. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في إزار وقلنسوة وهو يجد رداء؟ قال لا يصلح. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يؤم في سراويل وقلنسوة؟ قال لا يصلح. وسألته عن المحرم هل يصلح له ان يعقد إزاره على عنقه في صلاته؟ قال لا يصلح ان يعقده ولكن يثنيه على عنقه ولا

__________________

(1) الوسائل الباب 21 و 24 من لباس المصلي.

(2) الوسائل الباب 64 من لباس المصلى.

(3) البحار ج 4 ص 150 وفي الوسائل بالتقطيع في الباب 22 و 25 و 28 من لباس المصلى والباب 53 من تروك الإحرام.


يعقده. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يجمع طرفي ردائه على يساره؟ قال لا يصلح جمعهما على اليسار ولكن اجمعهما على يمينك أو دعهما متفرقين. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يؤم في ممطر وحده أوجبه وحدها؟ قال إذا كان تحتها قميص فلا بأس. وسألته عن الرجل هل يؤم في قباء وقميص؟ قال إذا كانا ثوبين فلا بأس».

أقول : وتحقيق البحث في هذه الأخبار يقع في مواضع (الأول) ما دل عليه قوله (عليه‌السلام) في صحيحة محمد بن مسلم ـ من اعتبار كون الثوب صفيقا وصحيحته الثانية من كون درع المرأة كثيفا يعني ستيرا ومثله في الرواية التي بعدها ـ هو مستند الأصحاب فيما ظاهرهم الاتفاق عليه من اشتراط الستر في الثوب الذي يصلى فيه. والمراد منه ان لا يحكى لون البشرة وما هي عليه من بياض أو سواد أو حمرة.

وهل يعتبر كونه ساتر الحجم أم لا؟ صرح الفاضلان بالعدم وعليه أكثر المتأخرين وروى في الكافي عن محمد بن يحيى رفعه الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لا تصل فيما شف أو سف يعني الثوب الصيقل». وروى الشيخ في التهذيب عن احمد ابن حماد رفعه الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «لا تصل في ما شف أو صف يعنى الثوب الصيقل». قال في الذكرى : معنى «شف» لاحت منه البشرة ومعنى «وصف» حكى الحجم ، قال وفي خط الشيخ ابي جعفر في التهذيب «أوصف» بواو واحدة والمعروف بواوين من الوصف. أقول : لا يخفى ان الرواية التي وصلت إلينا في كتب المحدثين نقلا عن التهذيب وفي كتاب التهذيب الذي بأيدينا انما هي بواو واحدة واما الذي في الكافي فإنما هو بالسين كما عرفت ، وعلى كلتا الروايتين فالراوي قد فسره بالصقيل فما ذكره (قدس‌سره) لا اعرف له وجها. ومما يدل على حصول الستر بمجرد خفاء اللون دون الحجم قول الصادق (عليه‌السلام) (3) في حديث النورة «إن

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 21 من لباس المصلى.

(3) ج 5 ص 531.


النورة قد سترته». ومن المعلوم ان النورة انما تستر اللون دون الحجم.

بقي الكلام في قوله (عليه‌السلام) في حديث الخصال «عليكم بالصفيق من الثياب فان من رق ثوبه رق دينه». وقوله (عليه‌السلام) «لا يقومن أحدكم بين يدي الرب وعليه ثوب يشف». ومعنى «يشف» يعني تلوح منه البشرة ويظهر لونها ، والظاهر انه من قبيل الاخبار المتقدمة الدالة على اشتراط الستر ، ويحتمل ان يكون كلامه الأول محمولا على الرقيق الذي لا يبلغ الى حد رؤية اللون فيكون النهي محمولا على الكراهة ، وبذلك صرح جملة من الأصحاب وقال الشيخ (قدس‌سره) في المبسوط : يجوز إذا كان صفيقا وينكره إذا كان رقيقا ، وقال في الذكرى : تكره الصلاة في الرقيق الذي لا يحكى تباعدا من حكاية الحجم وتحصيلا لكمال الستر نعم لو كان تحته ثوب آخر لم يكره إذا كان الأسفل ساترا للعورة. انتهى. وربما أشعر آخر كلامه بأنه لو كان الأسفل غير ساتر فان الكراهة باقية وان حصل الستر الكامل بهما ، ويفهم منه حينئذ انه لو كان كل منهما لا يستر العورة وانما يحصل الستر بهما معا فإنه لا يجزئ ايضا والظاهر انه ليس كذلك إذ اعتبار شرطية الستر في الصلاة غير مقيدة بثوب واحد بل المراد ستر العورة كيف اتفق بثوب واحد أو ثياب متعددة أو غير الثياب مطلقا.

(الثاني) ـ أكثر هذه الاخبار المتقدمة قد دلت على الصلاة في الثوب الواحد الشامل للبدن ولو إزار أو ملحفة يعقد طرفيها على عنقه ، وجملة من الأصحاب صرحوا بأن الأفضل التعدد في الثياب :

قال في الذكرى بعد ان نقل جملة من اخبار الصلاة في ثوب واحد ما لفظه : وبعض العامة الفضل في ثوبين لما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) قال : «إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما». ولا بأس به والاخبار الأولة لا تنافيه لدلالتها على الجواز ويؤيده عموم قوله تعالى «خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» (2) ودلالة

__________________

(1) المغني ج 1 ص 583.

(2) سورة الأعراف ، الآية 29.


الاخبار على ان الله تعالى أحق ان يتزين له (1) وأورد هذا في التذكرة عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وافتى به فيكون مع القميص إزار وسراويل مع الاتفاق على ان الامام يكره له ترك الرداء وقد رواه سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «لا ينبغي إلا ان يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها». والظاهر ان القائل بثوب واحد من الأصحاب انما يريد به الجواز المطلق ويريد به ايضا على البدن وإلا فالعمامة مستحبة مطلقا وكذا السراويل ، وقد روى تعدد الصلاة الواحدة بالتعمم والتسرول (3) أما المرأة فلا بد من ثوبين درع وخمار إلا ان يكون الثوب يشمل الرأس والجسد ، وعليه حمل الشيخ (قدس‌سره) رواية عبد الله بن بكير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في جواز صلاة المسلمة بغير قناع (4) ويستحب ثلاثة للمرأة لرواية جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) «درع وخمار وملحفة». انتهى.

أقول : الظاهر ان الرواية التي نقلها ونفي البأس عن القول بها عامية لعدم وجودها في أخبارنا وبه يشعر كلامه ايضا وأكثر الاخبار كما عرفت انما دل على الثوب الواحد ، ومنها ـ زيادة على ما تقدم ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبيد بن زرارة عن أبيه (6) قال : «صلى بنا أبو جعفر (عليه‌السلام) في ثوب واحد». وعن ابي مريم الأنصاري في الصحيح (7) قال : «صلى بنا أبو جعفر (عليه‌السلام) في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا اقامة فلما انصرف قلنا له عافاك الله صليت بنا في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا اقامة؟ فقال ان قميصي كثيف وهو يجزئ ان لا يكون علي إزار ولا رداء. الحديث».

__________________

(1 و 3) ص 32.

(2) الوسائل الباب 53 من لباس المصلى.

(4) ص 12.

(5) الوسائل الباب 28 من لباس المصلي.

(6) الوسائل الباب 22 من لباس المصلى.

(7) التهذيب ج 1 ص 216 وفي الوسائل بالتقطيع في الباب 22 من لباس المصلى و 30 من الأذان والإقامة.


نعم يدل على التعدد مما قدمناه قوله (عليه‌السلام) في آخر رواية علي بن جعفر الطويلة المنقولة من كتابه : «وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يؤم في ممطر وحده أوجبه وحدها. الى آخره». إلا ان مورده الإمامة لا مطلقا كما هو المدعى ، وحديث سليمان ابن خالد الذي ذكره مورده ايضا الإمامة خاصة فلا ينهض حجة في المدعى. وبالجملة فالاستحباب حكم شرعي يحتاج الى دليل واضح كالوجوب والتحريم إلا انه لما اشتهر بينهم المسامحة في أدلة السنن توسعوا في ذلك وهو خروج عن الطريق الواضح كما تقدم تحقيقه في كتاب الطهارة في البحث معهم في هذا التسامح. نعم ما ذكره بالنسبة إلى المرأة من الثلاثة الأثواب قد تقدم في ما أوردناه من الاخبار هنا وفي ما تقدم ، ولعله من حيث ان جميع بدنها عورة فينبغي ان تبالغ في ستره بتعدد الثياب واما الرجل فليس كذلك.

(الثالث) ـ قد دلت صحيحة زياد بن سوقة على جواز الصلاة في الثوب الواحد وأزراره محلولة ونحوها مرسلة ابن فضال ، ودلت رواية غياث بن إبراهيم على النهي عن ذلك إذا لم يكن عليه إزار ونحوها رواية إبراهيم الأحمري ، والأصحاب هنا قد صرحوا باستحباب زر الأزرار وكراهة حلها جمعا بين الاخبار المذكورة ، وظاهر إطلاق عبائر جملة منهم كإطلاق الأخبار المجوزة جواز ذلك وان استلزم ظهور العورة حال الركوع للمصلي وغيره. ولا يخلو من الاشكال لما علم من اشتراط صحة الصلاة بستر العورة ، قال الشيخ في الخلاف على ما نقله في الذكرى : يجوز في قميص وان لم يزره ولا يشد وسطه سواء كان واسع الجيب أو ضيقه ، ثم نقل صحيحة زياد بن سوقة على اثر هذا الكلام ثم قال ولا تعارضه رواية غياث ثم أورد الرواية وحملها على الكراهة وقال المحقق في المعتبر : ولو كان جيبه واسعا بحيث لو ركع بانت له عورته لم يجب ستر ذلك وكانت صلاته ماضية وقد روى ذلك رجل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) ثم نقل مرسلة الحسن بن علي بن فضال المتقدمة. ونسج على منواله العلامة فقال في المنتهى


ولا بأس ان يصلي الرجل في قميص واحد وأزراره محلولة واسع الجيب كان أو ضيقه رقيق الرقبة كان أو غليظها كان تحته مئزر أم لم يكن ، وقد روى حل الأزرار زياد بن سوقة ثم ساق الرواية الى ان قال : ولو كان الجيب واسعا تظهر له عورته لو ركع لم يجب ستر ذلك عن نفسه وكانت صلاته ماضية لان المقصود تحريم نظر غيره الى عورته ، ويؤيده ما رواه الشيخ (قدس‌سره) ثم أورد مرسلة ابن فضال. وإطلاق كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) وكذا الصحيحة المذكورة والمرسلة تساعد على ما ذكراه إلا انه قال في الذكرى في موضع آخر غير ما قدمنا ذكره : لا يجب زر الثوب إذا كان لا تبدو العورة منه حسبما افتى به الشيخ (قدس‌سره) وهو في رواية زياد بن سوقة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) ثم ساق الرواية ، ثم قال واشترطنا عدم بدو العورة ولو في حين ما لاختلال الشرط وفي رواية محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) «إذا كان القميص صفيقا والقباء ليس بطويل الفرج فلا بأس». ولو برزت العورة حين الركوع للناظرين بطلت الصلاة حينئذ. ولو برزت للمصلي لا لغيره فالأقرب البطلان إذا قدر رؤية الغير لو حاذى الموضع ، وأطلق في المعتبر الصحة إذا بانت له حال الركوع. والأقرب الاكتفاء بكثافة اللحية المانعة من الرؤية ، ووجه المنع انه غير معهود في الستر كما مر. (فان قلت) روى غياث ، ثم ساق الرواية ثم قال (قلت) حملها الشيخ (قدس‌سره) على الاستحباب مع إمكان حملها على ما تبدو معه العورة ، ويؤيد حمل الشيخ ما رواه إبراهيم الأحمري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) ثم ساق الرواية كما قدمناه. انتهى.

أقول : والتحقيق عندي في هذا المقام هو انه لما قام الدليل من خارج على وجوب ستر العورة في الصلاة والمتبادر في جميع واجباتها من قيام وقعود وركوع وسجود ونحو ذلك فالواجب حمل هذه الاخبار على ما تجتمع به مع تلك الأدلة ، ولا معنى لاستثناء رؤية المصلي نفسه دون غيره إذ وجوب ستر العورة ليس باعتبار وجود الناظر بالفعل

__________________

(1) الوسائل الباب 22 من لباس المصلى.


وانما هو باعتبار ان لو كان ثمة ناظر لكان يراها وإلا لكان المصلي في الظلام أو في بيت يغلق عليه تصح صلاته وليس كذلك إجماعا. فما ذكره الشهيد (قدس‌سره) من هذا الكلام الأخير هو المعتمد إلا ان اكتفاءه بستر اللحية ضعيف لا ينبغي ان يلتفت اليه كما أشار اليه ، وحينئذ فلا بد من تأويل صحيحة زياد بن سوقة وإخراجها عن ظاهرها وحمل النهي في رواية غياث على ظاهرها من التحريم ونحوها رواية إبراهيم. وما يدعونه من ان لفظ «لا ينبغي» ظاهر في الكراهة اصطلاح عرفي بين الناس وإلا فقد عرفت في غير موضع ان استعماله في التحريم في الأخبار أكثر كثير إلا انه يجب تقييد التحريم بما إذا استلزم ظهور العورة وعلى هذا فيحمل الخبران المجوزان على عدم ظهور العورة ، وعلى ذلك تجتمع الاخبار وتتفق مع تلك الأخبار الدالة على شرطية الستر في الصلاة كما لا يخفى. ويؤيد ما قلناه من المنع من حل الأزرار حال الصلاة حديث زياد بن المنذر عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) وفيه ان حل الأزرار في الصلاة من عمل قوم لوط.

(الرابع) ـ قال في الذكرى : الأفضل للرجل ستر ما بين السرة والركبة وإدخالهما في الستر ، للخروج عن الخلاف ولانه مما يستحي منه ، وستر جميع البدن أفضل والرداء أكمل والتعمم والتسرول أتم لما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) «إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فان الله أحق ان يتزين له». وروى (3) «ركعة بسراويل تعدل أربعا بغيره». وكذا روى في العمامة (4). انتهى. ولعله أشار بالرواية في العمامة الى ما قدمنا نقله عن كتاب مكارم الأخلاق ، والظاهر ان هاتين الروايتين انما هما من طرق العامة لعدم وجودهما في كتب أخبارنا ، قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) بعد نقل رواية المكارم المذكورة : الظاهر ان هذه الرواية عامية وبها استند الشهيد (قدس‌سره) وغيره ممن ذكر استحبابها في الصلاة ولم أر في أخبارنا ما يدل على ذلك

__________________

(1) الوسائل الباب 23 من لباس المصلى.

(2) المهذب ج 1 ص 64.

(3) الوسائل الباب 64 من لباس المصلي.

(4) الوسائل الباب 64 من لباس المصلى.


نعم ورد استحباب العمامة مطلقا في اخبار كثيرة (1) وحال الصلاة من جملة تلك الأحوال ، وكذا ورد استحباب كثرة الثياب في الصلاة (2) وهي منها ، وهي من الزينة فتدخل تحت الآية ، ولعل هذه الرواية مع تأيدها بما ذكرنا تكفي في إثبات الحكم الاستحبابي. ويمكن ان يقال انه انسب بالتواضع والتذلل ولذا ورد في بعض الاخبار الأمر به. ولعل الأحوط عدم قصد استحبابها في خصوص الصلاة بل يلبسها بقصد انها حال من الأحوال. انتهى.

وأقول : لا يخفى ما في كلام شيخنا المذكور من المجازفة جريا على وتيرة من تقدمه من الأصحاب ، فإن إثبات الأحكام الشرعية التي هي قول على الله تعالى ـ وقد استفاضت الآيات والروايات بالنهي عن القول عليه عزوجل بغير علم والزجر عن ذلك ـ والحكم بالاستحباب بمثل هذه الروايات العامية أو مع انضمام هذه التخريجات ـ مجازفة محضة في أحكامه سبحانه ، ومجرد كون ذلك للاستحباب لا يترتب على تركه العقاب لا يوجب التساهل إذا الكلام في انه قول عليه (عزوجل) بغير علم فيدخل تحت النواهي الشديدة المستفيضة في الباب ومن هنا يترتب عليه العقاب كما لا يخفى على اولى الألباب على ان ما ادعاه من استحباب كثرة الثياب في الصلاة لم نقف عليه في خبر من الاخبار كما تقدم القول في ذلك ، وغاية ما ربما يدعى حكاية الصلاة في ثوبين أو ثلاثة مثلا اما الأمر بذلك وانه الأفضل فالظاهر بل المقطوع به عدمه ، نعم ورد ذلك في المرأة كما تقدم. وبالجملة فالمستفاد من الأخبار المتقدمة استحباب الصلاة في الثوب الساتر لجميع البدن من القميص ونحوها ولو ستر اسافله خاصة واما الأفضل فوضع شي‌ء على أعاليه والأفضل ما يستره كملا من رداء وإزار ونحوهما ثم ما أمكن وكل ما كان أوسع فهو أفضل حتى ينتهي الأمر إلى تكة السروال والحبل ونحوهما.

(المسألة الرابعة) ـ لا خلاف في انه مع عدم إمكان الستر بالثوب فإنه يجب بما

__________________

(1) الوسائل الباب 30 من أحكام الملابس.

(2) الوسائل الباب 63 من لباس المصلي.


أمكن من حشيش ونحوه وانما الخلاف مع وجوده ، ثم على الأول فهل يفرق في ما عداه أم لا بل يتخير؟ وتفصيل الكلام في المقام انه قد اختلف الأصحاب في المسألة فالمشهور ـ واليه ذهب الشيخ وابن إدريس والفاضلان والشهيد في البيان ـ انه يتخير بين الثوب والحشيش والورق والطين وليس شي‌ء من هذه الثلاثة مقيدا بحال الضرورة ، كذا نقله شيخنا في كتاب بحار الأنوار ، وفي الذخيرة ان المشهور المنسوب إلى هؤلاء المذكورين انما هو وجوب تقديم الثوب ثم التخيير بين الثلاثة المذكورة ، ويؤيده ان الذي في البيان انما يساعد ما نقله في الذخيرة ، وعبارة العلامة في الإرشاد ظاهرة في التخيير مطلقا ، وهو ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في الروض ، وكذا في القواعد على ما نقله عنه في الذخيرة وظاهر عبارتي المعتبر والمنتهى التخيير في الأربعة المذكورة كما نقله شيخنا المجلسي ، وذهب الشهيد في الدروس الى وجوب الثوب ومع تعذره فكل ما يستر العورة ولو بالحشيش وورق الشجر ومع تعذره فبالطين ، وذهب في الذكرى الى التخيير بين الثوب والحشيش والورق فان تعذر فبالطين وقد تلخص من ذلك ان في المسألة أقوالا أربعة.

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلي؟ قال ان أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته بالركوع والسجود وان لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم».

احتج القائلون بالقول الأول وهو التخيير بين الأربعة بحصول المقصود من الستر ولرواية علي بن جعفر المذكورة وحديث «النورة سترة» كما تقدم في آخر كتاب الطهارة (2) كذا ذكره شيخنا الشهيد الثاني في الروض.

واستضعف هذا القول في المدارك لميله الى ان هذه الأشياء انما تجوز بتعذر الثوب ، والظاهر ان وجهه هو دعوى ان المتبادر من الساتر في الاخبار انما هو الثوب

__________________

(1) الوسائل الباب 50 من لباس المصلى.

(2) ج 5 ص 531.


ورواية «النورة سترة» ضعيفة ومع الإغماض عن ضعفها فالإطلاق انما يحمل على الافراد الغالبة الشائعة دون الفروض النادرة كما تقرر في غير مقام ، ورواية على بن جعفر لا دلالة لها على التخيير مع وجود الثوب إذ موردها عدمه.

ومن ذلك يعلم دليل القول بوجوب الثوب ثم التخيير بين الثلاثة الباقية مع عدمه وهو القول الثاني ، وتقريب الاستدلال ان المتبادر من الأمر بالساتر هو الثوب فلا يجوز غيره مع وجوده ، ومع فقده فوجه التخيير بين الثلاثة الصحيحة المذكورة بحمل ذكر الحشيش في أولها على التمثيل كما يشير اليه قوله في آخرها «وان لم يصب شيئا يستر به عورته» مما يدل على ما هو أعم من الحشيش ، وقد عرفت من الاخبار ان النورة سترة ، وبذلك يثبت التخيير بين الافراد الثلاثة بعد فقد الثوب.

ويمكن المناقشة في دعوى تبادر الثوب من الأمر بالساتر بان المتبادر انما هو التغطية على وجه لا يمكن النظر اليه ، والحكم بالتستر بالحشيش في الرواية وقع تابعا للسؤال وهو تعذر الثوب وذلك لا يقتضي عدم جواز الستر به عند إمكان الثوب.

ويمكن دفعه بان إنكار دعوى تبادر الثوب من الساتر مجازفة ظاهرة إذ لا ريب ان ما جرت به العادة بعد وقت التكليف بل منذ خلقت الدنيا انما هو الستر بالثياب ودعوى خلاف ذلك مباهتة لا ينبغي الإصغاء لها. واما ما ذكره بالنسبة إلى الرواية فيكفينا فيها عدم الدلالة على التخيير مع وجود الثوب فان هذا القائل إنما يستدل بها على التخيير في الثلاثة بعد فقد الثوب كما عرفت. وبذلك يظهر لك قوة القول الثاني.

واستبعد في المدارك مساواة الطين للورق والحشيش كما هو مذهب أصحاب القول الثاني ، ولم يذكر وجه البعد في ذلك مع دلالة أخبار النورة على الستر به والطين مثله ، ولا وجه لتقديم الورق والحشيش عليه كما يدعيه ، وكلامه ظاهر في اختيار ما ذهب اليه الشهيد في الدروس كما تقدم.

ويمكن توجيه الدليل لهذا القول اما بالنسبة إلى وجوب تقديم الثوب فيما عرفت


آنفا واما بالنسبة إلى تقديم الورق والحشيش على الطين فبعدم فهم الطين من الساتر على الإطلاق كما ذكره في الذكرى وبقوله تعالى «خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» (1) والطين لا يعد زينة. وفي الثاني ما لا يخفى.

واستدل الشهيد في الذكرى على ما ذهب اليه ، اما على المساواة بين الثوب والورق والحشيش فبصحيحة علي بن جعفر المذكورة ، واما على عدم جواز الطين مع وجود شي‌ء من الثلاثة المذكورة فبما عرفت من عدم انصراف اللفظ اليه.

واعترضه شيخنا الشهيد في الروض فقال : والتحقيق ان خبر علي بن جعفر ظاهر في فاقد الثوب فلا يتم الاحتجاج به على التخيير بينه وبين الثوب ، وما ذكره من الحجة على تقديمهما على الطين آت في تقديم الثوب على غيره والزينة كما لا تتناول الطين كذا لا تتناول الحشيش ونحوه. انتهى. وهو جيد.

أقول : والمسألة لا تخلو من شوب الإشكال إلا ان الأقرب بالنظر الى الصحيحة المذكورة هو وجوب تقديم الثوب لكونه هو المتبادر والفرد الشائع المتعارف من الساتر ومع تعذره فالتخيير بين كل ما يحصل به الستر ولو بالطين لاخبار النورة. والله العالم.

فروع

(الأول) ـ لو استتر بالطين مع وجود غيره فهل يصلي قائما بركوع وسجود أم يصلي إيماء؟ قال في الذكرى : وفي سقوط الإيماء هنا نظر من حيث إطلاق الستر عليه ومن إباء العرف. وأيد بعضهم ترجيح الإيماء بأن الظاهر من الأدلة تعين الإيماء عند تعذر الثياب وما يجري مجراها كالحشيش ، والأقرب عندي هو الصلاة قائما بركوع وسجود فان الشرط في صحة الصلاة كذلك هو ستر العورة والفرض حصوله بالطين استنادا الى اخبار النورة كما عرفت. وما ذكره في الذكرى من إباء العرف لا معنى له بعد دلالة

__________________

(1) سورة الأعراف الآية 29.


الاخبار على حصول الستر به وحصول الشرط بذلك. وما ذكره ذلك البعض مدخول بان المفهوم من تلك الاخبار ـ كما سيأتي قريبا ان شاء الله تعالى هو انه ينتقل إلى الإيماء ما لم يجد ساترا لعورته ـ ومنها صحيحة علي بن جعفر ـ وفيها «وان لم يجد شيئا يستر به عورته أومأ». وصحيحته المتقدمة (1) فإنها صريحة كما ترى في ان العاري ينتقل الى الحشيش ، ثم قال : «فان لم يجد شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم». وأكثر الاخبار انما تضمنت العريان وانه يصلي إيماء من غير تعرض للتعليق على عدم وجود شي‌ء ، وبالجملة فإن دعواه ظهور توقف تعين الإيماء على عدم الثياب ونحوها من الحشيش دعوى عارية عن الدليل بل هو على خلافها واضح السبيل.

ثم انه على تقدير الستر بالطين فهل يشترط فيه خفاء اللون والحجم معا أم يكفي خفاء اللون؟ ظاهر الشهيد في الذكرى الأول وقيل بالثاني وهو الأقرب إذ الظاهر من اخبار ستر النورة التي هي المستند في المقام انما هو ستر اللون خاصة.

(الثاني) ـ قد صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو وجد العاري حفيرة يمكنه الركوع والسجود فيها وجب عليه ذلك ، واستدلوا عليه بما رواه الشيخ عن أيوب بن نوح عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها وسجد فيها وركع». قال المحقق في المعتبر : فاقد الستر لو وجد حفيرة دخلها وصلى قائما وركع وسجد ، وقال الشيخ يدخلها ويصلي قائما ولم يصرح بالركوع والسجود ، وهو مبنى على قوله بوجوب القيام مع أمن المطلع ، ومنع ذلك جمع من الجمهور ممن أوجب الصلاة جالسا (3) لان الساتر لا يلتصق بجلد المصلي فجرى مجرى عدمه. لنا ـ ان الستر يحصل المنع عن المشاهدة ولا نسلم ان التصاق الساتر شرط ويؤيد ذلك ما رواه أيوب بن نوح ، ثم أورد الرواية المذكورة.

__________________

(1) ص 34.

(2) الوسائل الباب 50 من لباس المصلي.

(3) المغني ج 1 ص 592 والمهذب ج 1 ص 65.


أقول : وعندي في هذا الحكم إشكال لأن المتبادر من الاخبار ان ستر العورة الواجب في الصلاة انما هو عبارة عن وضع شي‌ء عليها بحيث يحول بين الناظر إليها وبين رؤيتها ، ويؤيده الاختلاف في ستر الحجم والاتفاق على مجرد ستر اللون ، وهذا هو المتبادر من الساتر في الاخبار وفي كلامهم ، لا انه عبارة عن وضع الإنسان نفسه في مكان متسع لا يراه أحد وان كانت عورته مكشوفة ، وإلا لصحت صلاة من صلى عاريا في دار مغلقة عليه أو بيت مظلم لا يراه أحد والظاهر انه لا خلاف في عدم جواز ذلك ، ولا ريب أن الحفيرة المشتملة على الخلأ بحيث يركع ويسجد ويجلس فيها من قبيل ما ذكرناه وان تفاوت الاتساع قلة وكثرة. واما قول المحقق (قدس‌سره) في ما تقدم من كلامه ـ : لنا ان الستر بذلك يحصل المنع عن المشاهدة ولا نسلم ان التصاق الساتر شرط ـ ففيه انه لو تم لجاز الصلاة في البيت المغلق والظلام كما ذكرناه لصدق ما ذكره على ذلك. وكأنه اعتمد على هذا التعليل الواهي لضعف الرواية عنده فجعلها مؤيدة دون ان تكون دليلا وفيه ما عرفت ، على ان من الظاهر انه لو جلس أحد على رأس هذه الحفيرة في قبلة المصلي لرأي قبله البتة للخلإ الذي يركع ويسجد فيه ، نعم لو كانت الحفيرة ضيقة على وجه تلتصق بالبدن بحيث يقف فيها ويومي إيماء أمكن ستر العورة بذلك ، ولعل ذلك مراد الشيخ (قدس‌سره) ولذا لم يذكر الركوع والسجود في الحفيرة.

وقد نقل ابن فهد في كتاب الموجز قولا بأن الصلاة في الحفيرة بالإيماء وهذا القول هو الأنسب بما ذكرنا ، ولعل قائله نظر الى ما قلناه.

إلا ان الاشكال في الخبر المذكور ، وبالجملة فإني لا اعرف للعمل بالخبر المذكور وجها مع مخالفته للقواعد المستفادة من الأخبار إلا ان يكون هذا الموضع مستثنى من وجوب ستر العورة في الصلاة. والله سبحانه وقائله أعلم بحقيقة الحال. ولم أر من تنبه لما ذكرناه من أصحابنا (رضوان الله عليهم) على ان في الخبر المذكور أيضا إشكالا آخر لم أر من تنبه له ولا نبه عليه ، فان ظاهره انه مع تعذر الثوب وحصول الحفيرة فإنه يصلي في الحفيرة على


الوجه المذكور وان وجد ساترا من حشيش ونحوه مع ان صحيحة على بن جعفر المتقدمة في صدر المسألة دلت على انه في هذه الصورة ينتقل الى الستر بالحشيش ونحوه وعلى ذلك فتوى الأصحاب (رضوان الله عليهم) كما عرفت ، وظاهر الجمع بين الخبرين يقتضي التخيير بين الأمرين وان الصلاة في الحفيرة بمنزلة الساتر من حشيش ونحوه ، وظاهر الأصحاب جعل الحفيرة مرتبة متأخرة عن الحشيش ونحوه بحمل إطلاق هذا الخبر على ما تقدم في صحيحة علي بن جعفر من الستر بالحشيش أولا. والظاهر ان ما ذكرنا من الجمع بالتخيير أقرب إلا ان يحمل صحيح علي بن جعفر على عدم وجود الحفيرة.

وظاهر المحقق في الشرائع ـ وهو ظاهر السيد السند أيضا في المدارك ـ اطراح الخبر المذكور والانتقال إلى الإيماء بعد فقد الساتر بجميع أنواعه ، وعلل ذلك في المدارك بضعف الخبر المذكور والالتفات الى عدم انصراف لفظ الساتر إلى الحفيرة. وبالجملة فالمسألة كما عرفت لا تخلو من شوب الاشكال. والله العالم.

(الثالث) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو وجد وحلا فهل يجب نزوله والاستتار به أم لا؟ قال في المعتبر : لو وجد وحلا أو ماء كدرا بحيث لو نزله ستر عورته لم يجب نزوله لان فيه ضررا ومشقة. وقال في الروض : ولو وجد وحلا أو ماء كدرا فالمشهور وجوب الاستتار بهما. وقال في الذكرى : ولو وجد وحلا ولا ضرر فيه تلطخ به ولو لم يجد إلا ماء كدرا استتر به مع إمكانه ، ثم نقل عن المعتبر انهما لا يجبان للمشقة والضرر.

والقائلون بالوجوب اختلفوا فقيل ان الوحل مقدم على الماء وان لم يستر الحجم لأنه أدخل في مسمى الساتر وأشبه بالثوب والطين المقدمين على الماء. واستظهره في الروض وقيل بتقديمهما على الحفيرة ، وقيل بتقديم الحفيرة على الماء الكدر وتأخير الطين عنه ، وقيل بتقديم الماء الكدر على الحفيرة مطلقا ، وقال ابن فهد في موجزه : ولو وجد الجميع قدم الحشيش وورق الشجر ثم الحفيرة ثم الماء الكدر ثم الطين ويومئ في الأخيرين.


وفصل شيخنا الشهيد الثاني في الروض فقال : والتحقيق ان السجود المأمور به في الحفيرة ان كان هو المعهود اختيارا فهو دال على سعة الحفيرة وحينئذ فيبعد تقديمها عليهما مع إمكان استيفاء الأفعال بهما فإنهما حينئذ ألصق بالساتر والحفيرة أشبه بالبيت الضيق الذي لا يعد ساترا فتقديمهما عليها أوضح ، بل الظاهر ان الوحل مقدم عليها مطلقا لعدم منافاته لاستيفاء الأفعال. واما الماء الكدر والحفيرة فإن تمكن من السجود فيهما ففيه ما مر وان تمكن في الماء خاصة فهو اولى بالتقديم وكذا لو لم يتمكن فيهما. ولو تمكن في الحفيرة دون الماء ففي تقديم أيهما نظر من كون الماء ألصق به وادخل في الستر ومن صدق الستر في الجملة وإمكان الأفعال وورود النص على الحفيرة دونه والاتفاق على وجوب الاستتار بها دونه فتقديمها حينئذ أوجه ، ولو لم يعتبر في الصلاة استيفاء الركوع والسجود كصلاة الخوف والجنازة سقط اعتبار هذا الترجيح ، واولى من الحفيرة الفسطاط الضيق إذا لم يمكن لبسه. انتهى. وفيه تأييد لما ذكرناه من ان المتبادر من الساتر انما هو اللاصق على البدن.

أقول : لا يخفى ان الكلام في هذه الفروع العارية عن النصوص مشكل ، والذي ورد في هذا الباب كما عرفت رواية علي بن جعفر ومرسلة أيوب بن نوح ، والاولى وان دلت على ان مرتبة الإيماء انما هي بعد عدم وجود شي‌ء يستر به عورته إلا ان انطلاق الساتر فيها الى ما ذكروه من الوحل الذي هو عبارة عن الماء والطين وكذلك الماء الكدر محل اشكال ، والأحكام الشرعية انما ترتب على الافراد المتبادرة من الإطلاق الكثيرة الدوران في الاستعمال دون الفروض النادرة. واما الثانية فقد عرفت ما فيها. والله العالم.

(المسألة الخامسة) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه متى لم يجد ساترا فإنه يصلي عريانا ولا تسقط الصلاة عنه بفقد الساتر ، وانما الخلاف في انه هل يصلي قائما مطلقا أو جالسا مطلقا أو قائما مع أمن المطلع وجالسا مع عدمه؟ أقوال أشهرها


القول الثالث ونقل عن السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) انه يصلي جالسا مومئا وان أمن المطلع ، وعن ابن إدريس انه يصلي قائما مومئا في الحالين.

والأصل في هذا الاختلاف اختلاف ظواهر الاخبار ، ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة (1) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلي فيه؟ فقال يصلى إيماء فإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها وان كان رجلا وضع يده على سوأته ثم يجلسان فيومئان إيماء ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما تكون صلاتهما برءوسهما. قال وان كانا في ماء أو بحر لجي لم يسجدا عليه وموضوع عنهما التوجه فيه يوميان في ذلك إيماء ورفعهما توجه ووضعهما». ورواه في الفقيه (2) الى قوله : «برءوسهما» وزاد «ويكون سجودهما اخفض من ركوعهما».

وروى الشيخ عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة؟ قال يتقدمهم الامام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا وهو جالس». ونحوه موثقة إسحاق بن عمار الآتية في المقام (4) والحكم بالجلوس في الجماعة يقتضي وجوبه مطلقا إذ لا يعقل ترك الركن لتحصيل فضيلة الجماعة.

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن علي بن جعفر. الحديث ، وقد تقدم في صدر سابق هذه المسألة وفيه «أومأ وهو قائم».

وروى في الفقيه مرسلا (5) قال : «وروي في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة انه يصلي عريانا قائما ان لم يره أحد فإن رآه أحد صلى جالسا».

وروى الشيخ في الصحيح عن ابن مسكان عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (6) «في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة؟ قال يصلي عريانا قائما ان

__________________

(1 و 5 و 6) الوسائل الباب 50 من لباس المصلى.

(2) ج 1 ص 296.

(3) الوسائل الباب 51 من لباس المصلى.

(4) ص 48.


لم يره أحد فإن رآه أحد صلى جالسا».

وروى احمد بن ابي عبد الله البرقي في المحاسن في الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) «في رجل عريان ليس معه ثوب؟ قال إذا كان حيث لا يراه أحد فليصل قائما».

ونقل شيخنا المجلسي روح الله روحه (2) عن نوادر الراوندي انه روى بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم‌السلام) قال : «قال علي (عليه‌السلام) في العريان ان رآه الناس صلى قاعدا وان لم يره الناس صلى قائما».

وروى في قرب الاسناد عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (3) قال : «من غرقت ثيابه فلا ينبغي له ان يصلي حتى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثيابا فان لم يجد صلى عريانا جالسا يومئ إيماء ويجعل سجوده اخفض من ركوعه ، فان كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثم صلوا كذلك فرادى».

وفي رواية سماعة (4) «عن من ليس معه إلا ثوب واحد وأجنب فيه انه يصلي عريانا قاعدا ويومئ». كذا في رواية الكافي وفي التهذيبين عوض «قاعدا» «قائما» وفي رواية محمد بن علي الحلبي (5) في من كان كذلك «يجلس مجتمعا ويصلي ويومئ إيماء». وقد تقدمتا في مسألة جواز الصلاة في النجاسة مع تعذر الساتر وعدمه من كتاب الطهارة (6).

هذا ما وقفت عليه من اخبار المسألة وهي ـ كما ترى ـ ما بين مطلق في القيام ومطلق في الجلوس ومفصل بين أمن المطلع فيقوم وعدمه فيجلس وهي أكثر أخبار المسألة فيجب تخصيص الإطلاقين المذكورين بها وبه يظهر قوة القول المشهور.

__________________

(1) الوسائل الباب 50 من لباس المصلى.

(2) البحار ج 18 الصلاة ص 95.

(3) الوسائل الباب 52 من لباس المصلي.

(4 و 5) الوسائل الباب 46 من النجاسات.

(6) ج 5 ص 350.


قال في المدارك : واحتمل المصنف في المعتبر التخيير بين الأمرين استضعافا للرواية المفصلة وهو حسن وان كان المشهور أحوط.

أقول : العجب منه (قدس‌سره) انه قدم في صدر المسألة ما يدل على اختياره القول بالتفصيل حيث انه ـ بعد نقل الأقوال الثلاثة وهي القول بالتفصيل أولا ثم قول المرتضى بالصلاة جالسا مطلقا ثم قول ابن إدريس بالصلاة قائما مطلقا ـ قال : والمعتمد الأول فإن فيه جمعا بين القولين الآخرين وهو صريح في فتواه بالقول المذكور فكيف عدل عنه هنا الى التخيير وجعل القول بالتفصيل طريق الاحتياط؟ والكلام في مقام واحد بلا فاصلة يعتد بها. وكيف كان فإن صحيحة ابن مسكان وان كانت كما ذكره وأمكن الجواب بان ابن مسكان ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه فلا يضر حديثه ما اعتراه من الضعف بعده كما صرحوا به في أمثاله الا ان رواية المحاسن كما دريت صحيحة السند بلا ريب فإنه روى الخبر فيه عن أبيه عن ابن ابي عمير عن محمد بن أبي حمزة عن عبد الله بن مسكان ، واستبعاد رواية ابن مسكان عن ابي جعفر (عليه‌السلام) بعيد فإن الطبقة لا تأباه وان كان انما عد في أصحاب الصادق (عليه‌السلام) وبالجملة فالقول بالتفصيل هو المعتمد للروايات المذكورة.

وينبغي التنبيه هنا على أمور بها يتم الكلام في المقام وتتضح المسألة بجميع ما هي عليه من الأقسام :

(الأول) ـ ظاهر الاخبار المفصلة انه يصلي قائما مع عدم المطلع حال دخوله في الصلاة وان جوز مجي‌ء أحد بعد ذلك ، لكن لو اتفق مجي‌ء أحد بعد الدخول فالظاهر انه ينتقل إلى الصلاة جالسا ، وإلا فلا وجه للتفصيل المذكور إذ مناط القيام هو عدم المطلع ومناط الجلوس وجوده ولا يعقل الفرق باعتبار الدخول وقبله وهو ظاهر ولم أقف على من تعرض لذلك والظاهر انه لا اشكال فيه.

(الثاني) ـ الظاهر من صحيحة زرارة ورواية أبي البختري أن الإيماء بالرأس


وقال في المدارك ان الواجب الإيماء في الحالين للركوع والسجود بالرأس ان أمكن والا فبالعينين. والظاهر انه مستنبط من حكم صلاة المريض وإلا فالروايات المذكورة لا اشارة فيها إليه إذ الظاهر منها انما هو ما قلناه. وأوجب الشهيد في الذكرى الانحناء فيهما بحسب الممكن بحيث لا تبدو معه العورة وان يجعل السجود اخفض محافظة على الفرق بينه وبين الركوع ، واحتمل وجوب وضع اليدين والركبتين وإبهامي الرجلين في السجود على الكيفية المعتبرة ، قال في المدارك : وكل ذلك تقييد للنص من غير دليل ، نعم لا يبعد وجوب رفع شي‌ء يسجد عليه لقوله (عليه‌السلام) في صحيحة عبد الرحمن الواردة في صلاة المريض (1) : ويضع وجهه في الفريضة على ما امكنه من شي‌ء. انتهى. أقول : اما ما اعترض به على كلام الشهيد (قدس‌سره) من انه تقييد للنص بغير دليل فجيد في ما عدا خفض الرأس للسجود فإنه قد صرح به في الفقيه في آخر صحيحة زرارة المتقدمة كما ذكرناه وفي رواية أبي البختري فلا يرد ما ذكره فيه. واما ما ذكره من انه لا يبعد وجوب رفع شي‌ء يسجد عليه ففيه انه بعيد إذ الاستناد في ذلك الى الصحيحة المذكورة قياس لا يوافق أصولنا فان أحكام المريض لا تنسحب هنا والروايات الواردة في المسألة عارية عما ذكره ، وحينئذ فيرد عليه ما أورده على الشهيد (قدس‌سره) من انه تقييد للنص بغير دليل.

(الثالث) ـ المستفاد من الاخبار وكذا من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان الإيماء في حالتي القيام والجلوس على وجه واحد بمعنى انه من قيام مع القيام ومن جلوس مع الجلوس ، ونقل شيخنا في الذكرى عن شيخه السيد عميد الدين انه كان يقوى جلوس القائم ليومي للسجود جالسا استنادا الى كونه حينئذ أقرب الى هيئة الساجد فيدخل تحت «فاتوا منه ما استطعتم» (2) ورده جملة من المتأخرين بأن الوجوب حينئذ انتقل إلى الإيماء فلا معنى للتكليف بالممكن من السجود.

__________________

(1) ج 6 ص 408.

(2) ج 4 ص 337.


أقول : ويرده صريحا قوله (عليه‌السلام) في صحيحة علي بن جعفر المتقدمة «أومأ وهو قائم».

بقي الكلام في حال التشهد لو صلى قائما هل يتشهد من قيام أو يجلس في موضع التشهد ويتشهد ثم يقوم؟ لم أقف في كلام الأصحاب على ذكر لهذا الفرع ، والاخبار المتقدمة مطلقة لا دلالة فيها على شي‌ء من أحد الأمرين ، ويمكن القول بوجوب الجلوس في موضع التشهد ثم القيام لأن الإيماء في الركوع والسجود قائما أو جالسا انما صير إليه محافظة على ستر العورة والتشهد جالسا لا ينافي ذلك ان لم يؤكده فلا وجه لسقوط الجلوس البتة. إلا ان المسألة بعد غير خالية من شوب الاشكال.

(الرابع) ـ قد صرح الأصحاب بأنه يجب شراء الساتر بثمن المثل أو أزيد مع التمكن. ولو أعير وجب عليه القبول لحصول المكنة التي هي المدار في الوجوب وعدمه ، والظاهر انه لا خلاف في ذلك. ولو وهب له فنقل عن الشيخ (قدس‌سره) وجوب القبول وضعفه العلامة في التذكرة بأنه يستلزم المنة ورده جملة ممن تأخر عنه بالضعف لحصول المكنة كما تقدم «والظاهر انه لا خلاف فيه كما تقدم» (1) والظاهر ان ما استند اليه في التذكرة قد تبع فيه العامة كما يشعر به كلامه في المنتهى حيث قال : اما لو وجد من يهبه الثوب قال الشيخ يجب عليه القبول خلافا لبعض الجمهور (2) وقول الشيخ جيد لانه متمكن فيجب كما يجب قبول العارية. احتج المخالف بأنه تلحقه المنة. وجوابه العار الذي يلحقه بسبب انكشاف عورته أعظم من المنة. انتهى. وهو جيد.

(الخامس) ـ لو ظن العاري وجود الساتر في الوقت فالظاهر وجوب التأخير وفاقا للمعتبر والمنتهى واستحسنه في المدارك ، اما إذا لم يظن ذلك فالمشهور عدم وجوب التأخير وبه صرح الشيخ واتباعه مسارعة إلى فضيلة أول الوقت وحذرا من عروض المسقط. وأوجبه المرتضى وسلار بناء على أصلهما من وجوب التأخير على ذوي الأعذار

__________________

(1) ما بين القوسين غير موجود في النسخ الخطية.

(2) المغني ج 1 ص 594.


أقول : ظاهر رواية أبي البختري المتقدمة يعطي التأخير إلا انها مع عدم صحتها ليست صريحة في الوجوب لما عرفت في ما تقدم من ان لفظ «ينبغي ولا ينبغي» في الاخبار من الألفاظ المتشابهة ، وكيف كان فهي دالة على رجحان التأخير.

(السادس) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو لم يجد إلا ثوب حرير أو ثوبا مغصوبا أو جلد ميتة أو جلد ما لا يؤكل لحمه لم يجز له الصلاة في شي‌ء من ذلك وصلى عاريا للنهي عن الصلاة في هذه الأشياء. وهو جيد بالنسبة الى ما عدا الثوب المغصوب لوجود الأخبار الدالة على ما أدعوها اما في المغصوب فسيأتي تحقيق الكلام فيه ان شاء الله تعالى واما في الثوب النجس فيبني على ما سبق من الخلاف في المسألة في كتاب الطهارة من جواز الصلاة في النجاسة مع تعذر ساتر غير النجس أو الانتقال إلى الصلاة عاريا.

(السابع) قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان الستر يراعى من الجوانب الأربعة ومن فوق ولا يراعى من تحت فلو صلى على طرف سطح بحيث ترى عورته من تحت فإشكال ينشأ من ان وجوب الستر انما يراعى من الأماكن التي جرت العادة بالنظر إليها ، ومن ان الستر من تحت انما يغتفر إذا كان الصلاة على وجه الأرض كما هو الغالب. والمسألة غير منصوصة إلا ان الظاهر هو وجوب الستر لان اغتفاره في المواضع التي جرت العادة بعدم الرؤية فيها لا يوجب اغتفاره في ما يحصل فيه الرؤية ، ويؤيده أنه الأوفق بالاحتياط الذي هو عندنا واجب في موضع اشتباه الحكم.

(الثامن) ـ لو كان في ثوبه خرق فان لم يحاذ العورة فلا اشكال ولو حاذاها بطلت صلاته للإخلال بشرطها ، ولو جمعه بيده بحيث يتحقق الستر بالثوب فلا إشكال في الصحة كما صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم) ايضا ، ولو وضع يده عليه أو يد غيره في موضع يجوز له الوضع بحيث ان الستر انما استند الى اليد فقد صرح جمع من الأصحاب بالبطلان لعدم فهم الستر ببعض البدن من إطلاق الساتر. وهو قريب إلا ان


الحكم بذلك مع عدم النص في المسألة مشكل. ويمكن ان يقال بالصحة لأن عدم فهمه من إطلاق الساتر المأمور به لا ينافي حصول الستر به والمطلوب هو الستر وعدم رؤية الناظر بأي نحو اتفق ، ويؤيده ما تقدم (1) في صحيحة زرارة «فإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها وان كان رجلا وضع يده على سوأته». وكيف كان فالاحتياط في المسألة لعدم النص مطلوب.

(التاسع) ـ قد صرح بعض الأصحاب انه لو وجد ساترا لإحدى العورتين وجب ، وزاد بعض ان الاولى صرفه الى القبل لقوله (عليه‌السلام) في بعض الاخبار التي نقلناها في أحكام الخلوة (2) :

«واما الدبر فمستور بالأليين فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة».

(العاشر) ـ لو وجد الساتر في أثناء الصلاة فإن أمكن الستر به من غير مناف وجب وإلا فهل يجب قطع الصلاة مع سعة الوقت والصلاة في الساتر أو يستمر؟

وجهان ، للثاني منهما انه دخل دخولا مشروعا والابطال يحتاج الى دليل ، وللأول ان الصلاة عاريا انما جازت لضرورة فقد الساتر وبوجوده يرتفع العذر وتزول الضرورة.

والمسألة لعدم النص غير خالية من شوب الاشكال ، والاحتياط بإتمام الصلاة ثم الإعادة في الساتر لازم على كل حال. واما لو كان الوقت بعد القطع يضيق ولو عن ركعة فظاهرهم انه لا إشكال في وجوب الاستمرار ، والظاهر انه كذلك.

(الحادي عشر) ـ الظاهر انه لا خلاف في استحباب الجماعة للعراة رجالا كانوا أو نساء كما ذكره شيخنا في الذكرى حيث قال : يستحب للمرأة الصلاة جماعة رجالا كانوا أو نساء إجماعا لعموم شرعية الجماعة وأفضليتها.

وانما الخلاف في كيفيتها فالمشهور ـ وبه صرح الشيخ المفيد والسيد المرتضى ـ انهم يجلسون جميعا صفا واحدا ويتقدمهم الامام بركبتيه ويصلون جميعا بالإيماء ، واختاره

__________________

(1) ص 41.

(2) ص 6.


ابن إدريس وادعى عليه الإجماع وعليه تدل صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (1)

وذهب الشيخ في النهاية إلى أن الامام يومئ ومن خلفه يركعون ويسجدون وعليه تدل موثقة إسحاق بن عمار (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) قوم قطع عليهم الطريق وأخذت ثيابهم فبقوا عراة وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟ قال يتقدمهم امامهم فيجلس ويجلسون خلفه فيومئ إيماء بالركوع والسجود وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم».

ويظهر من المحقق في المعتبر الميل الى هذه الرواية حيث قال ـ بعد نقل الخلاف في المسألة والاستدلال للشيخ بالرواية المذكورة ـ ما صورته : فهذه حسنة ولا يلتفت الى من يدعي الإجماع على خلافها.

واعترضه جمع : منهم ـ صاحب المدارك بل الظاهر انه أو لهم واقتفاه صاحب الذخيرة بان في سندها عبد الله بن جبلة وكان واقفيا وإسحاق بن عمار وكان فطحيا فلا يحسن وصفها بالحسن.

أقول : فيه ان الظاهر ان المحقق لم يرد بما وصفها به من الحسن ما توهموه من هذا المعنى المصطلح فان هذا الاصطلاح في تقسيم الاخبار الى الأقسام الأربعة انما حدث بعد عصر المحقق من العلامة أجزل الله تعالى إكرامه كما ذكره جملة من الأصحاب أو شيخه احمد بن طاوس كما ذكره بعضهم فهو لم يرد بوصفها بذلك من حيث السند وانما أراد من حيث المتن كما قد يصف بذلك بعض الاخبار الصحيحة السند أو الضعيفة كما لا يخفى على من تتبع كتابه ، وقد نبه على ذلك السيد المذكور في كتابه المشار إليه في مسألة الصلاة في النجاسة نسيانا حيث ان المحقق وصف صحيحة العلاء الدالة على عدم الإعادة (3) بأنها حسنة فقال السيد (قدس‌سره) ومراده بالحسن هنا خلاف المعنى المصطلح عليه بين المحدثين بل حسن المضمون فان عادته (قدس‌سره) لم تجر بالتعرض

__________________

(1) ص 41.

(2) الوسائل الباب 51 من لباس المصلى.

(3) ج 5 ص 420.


لحال الروايات وما هي عليه من الصحة والتوثيق. ويزيده تأكيدا ما صرح به شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين فقال : ان التعرض لذلك في كتب الفروع انما حديث بعده (أعلى الله مقامه) وأول من تعرض لتفصيل ذلك من أصحابنا واهتم بشأنه في الكتب الاستدلالية العلامة أحله الله دار الكرامة. انتهى.

نعم في الرواية المذكورة إشكال آخر قد نبه عليه شيخنا في الذكرى حيث قال بعد نقل القول بمضمونها عن المحقق : ويشكل بان فيه تفرقة بين المنفرد والجامع وقد نهى المنفرد عن الركوع والسجود كما تقدم لئلا تبدو العورة ، ثم نقل رواية عبد الله بن سنان التي هي مستند القول المشهور ، ثم قال : وبالجملة يلزم من العمل برواية إسحاق أحد أمرين اما اختصاص المأمومين بهذا الحكم واما وجوب الركوع والسجود على كل عار إذا أمن المطلع ، والأمر الثاني لا سبيل اليه والأمر الأول بعيد. انتهى. وهو جيد.

وبما ذكرنا يعلم ان ما دل عليه خبر أبي البختري المتقدم ـ من انهم إذا كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثم صلوا كذلك فرادى ـ يجب حمله اما على عدم امام يؤمهم أو على التقية فإنه قد نقل في الذكرى عن بعض العامة انه منع من الجماعة إلا في الظلمة حذرا من بدو العورة (1) واعترضه بانا نتكلم على تقدير عدمه. إلا ان ظاهر الصدوق في الفقيه القول بهذه الرواية صرح بذلك في آخر باب صلاة الخوف والمطاردة فقال ـ بعد ان ذكران العريان يصلي قاعدا ويضع يده على عورته وكذلك المرأة ثم يومئان إيماء ـ ما لفظه : وإذا كانوا جماعة صلوا وحدانا. ولم اطلع على من نقل خلافه في المسألة مع انه كما ترى ظاهر فيما قلناه ، وهو منه (قدس‌سره) عجيب لما عرفت من الاخبار الدالة على ذلك خصوصا مضافا الى عموم أخبار الجماعة. والله العالم.

__________________

(1) المغني ج 1 ص 596.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *