ج12 - زكاة الفطرة

الباب الثاني

في زكاة الفطرة

قيل : المراد بالفطرة أما الخلقة أو الدين أو الفطر من الصوم ، والمعنى على الأول زكاة الخلقة أي البدن ، وعلى الثاني زكاة الدين والإسلام ، وعلى الثالث


زكاة الفطر من الصوم.

أقول : ويمكن إن يؤيد الأول بقول الصادق عليه‌السلام (1) لمعتب : «اذهب فأعط عن عيالنا الفطرة وعن الرقيق وأجمعهم ولا تدع منهم أحدا فإنك إن تركت منهم إنسانا تخوفت عليه الفوت. قلت : وما الفوت؟ قال الموت». فإن فيه إشارة إلى أن الزكاة موجبة لبقائه وحفظه من الموت فيكون الغرض منها حفظ البدن وبقاءه ، ووجه المناسبة ظاهر.

وأن يؤيد الثاني بما ورد في صحيحة أبي بصير وزرارة (2) من أن من تمام الصوم إعطاء الزكاة لأنه من صام ولم يؤد الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمدا.

ثم إنه يجب أن يعلم أنه حيث كان وجوبها مشروطا بشرائط مخصوصة والمخرج منها مخصوص بأجناس مقدرة بوزن خاص وهي أيضا مخصوصة بوقت لا تقدم عليه ولا تؤخر عنه ومصرفها مخصوص بأفراد مخصوصة فالبحث عنها يجب أن يجعل في فصول أربعة :

الفصل الأول ـ في شروط وجوبها وهي ثلاثة : الأول ـ التكليف فلا تجب على الصبي والمجنون إجماعا كما نقله الفاضلان في المعتبر والمنتهى.

ويدل عليه عدم توجه الخطاب إليهما ورفع القلم عنهما (3) وخطاب الولي يحتاج إلى دليل وليس فليس ، فيكون ساقطا بالأصل.

ويدل على ذلك أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن القاسم بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (4) قال : «كتبت إليه : الوصي يزكي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ فكتب : لا زكاة على يتيم».

__________________

(1) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة.

(2) الوسائل الباب 1 من زكاة الفطرة.

(3) ارجع إلى التعليقة 1 ص 17.

(4) الوسائل الباب 1 ممن تجب عليه الزكاة والباب 4 من زكاة الفطرة.


وروى الشيخ المفيد في المقنعة عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «تجب الفطرة على كل من تجب عليه الزكاة».

ثم اعلم أنه قد ذكر جملة من المتأخرين هنا تفريعا على هذا الشرط سقوط الفطرة عن من أهل عليه شوال وهو مغمى عليه ولم ينقلوا عليه دليلا.

واعترضهم بعض متأخري المتأخرين بأنه على إطلاقه لا يخلو من إشكال نعم لو كان الإغماء مستوعبا لوقت الوجوب اتجه ذلك.

الثاني ـ الحرية فلا تجب على المملوك ولو قيل بملكه مدبرا كان أو أم ولد أو مكاتبا مشروطا أو مطلقا لم يتحرر منه شي‌ء ، وظاهرهم الاتفاق على ذلك.

ولا أعلم فيه مخالفا سوى الصدوق (قدس‌سره) في من لا يحضره الفقيه بالنسبة إلى المكاتب حيث روى فيه صحيحة علي بن جعفر (2) «أنه سأل أخاه موسى عليه‌السلام عن المكاتب هل عليه فطرة شهر رمضان أو على من كاتبه وتجوز شهادته؟ قال الفطرة عليه ولا تجوز شهادته». ثم قال (قدس‌سره) قال مصنف هذا الكتاب : وهذا على الإنكار لا على الإخبار ، يريد بذلك أنه كيف تجب عليه الفطرة ولا تجوز شهادته؟ أي أن شهادته جائزة كما أن الفطرة عليه واجبة. انتهى.

ومقتضى ذلك وجوب الفطرة عليه وهو جيد لدلالة الصحيحة على ذلك سواء حملت على الإنكار كما ذكره (قدس‌سره) أو على الإخبار. ويمكن مع حملها على الإخبار خروجها مخرج التقية بالنسبة إلى الشهادة (3) والظاهر أنه أقرب من ما ذكره (قدس‌سره).

والأصحاب (رضوان الله عليهم) قد احتجوا على انتفاء الوجوب عن المملوك بالأصل والأخبار المستفيضة المتضمنة لوجوب فطرة المملوك على مولاه من غير

__________________

(1) الوسائل الباب 4 من زكاة الفطرة.

(2) الوسائل الباب 17 من زكاة الفطرة.

(3) في المهذب ج 2 ص 331 ، والمبسوط ج 16 ص 124 لا تقبل شهادة العبد.


تفصيل كما سيأتي إن شاء الله تعالى نقل شطر منها في المقام ، وفي قيام الدليل بها نظر إذ ظاهر سياقها كما سيظهر لك أن وجوب ذلك على المولى إنما هو من حيث العيلولة ووجوب الإنفاق كسائر تلك الأفراد المعدودة معه ، ويؤيد ذلك دلالة صحيحة علي ابن جعفر المتقدمة على وجوب الفطرة على المكاتب.

وأما ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد رفعه عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) ـ قال : «يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه». ـ فيمكن حملها على العيلولة جمعا.

ومن ما يؤيد ذلك ما قدمناه أيضا في أول الكتاب (2) من دلالة ظاهر بعض الأخبار على وجوب الزكاة عليه في ما يملكه متى أذن له المولى ، والتقريب أنه متى وجبت عليه الزكاة المالية وجبت عليه زكاة الفطرة لما تقدم في الرواية المنقولة عن المقنعة من قوله عليه‌السلام «تجب الفطرة على كل من تجب عليه الزكاة».

وبالجملة فإني لم أقف لهم على دليل صريح يدفع الإيراد مع ما عرفت من ظهور ما ذكرناه في المراد.

ثم إنه ينبغي أن يعلم أن وجوب الزكاة على المملوك مبني على القول بملكه وإلا فإنه لا وجه للقول بذلك كما قدمنا ذكره أيضا في الزكاة المالية.

وظاهر الأصحاب أنه لو تحرر منه شي‌ء وجبت الزكاة بالنسبة إلا أن يعوله المولى فإن العيلولة كافية في الوجوب وإن كانت تبرعا كما ستأتي الأخبار به إن شاء الله تعالى.

واستدل في المنتهى على وجوب الزكاة عليهما بالنسبة بأن النصيب المملوك تجب نفقته على مالكه فتكون فطرته لازمة له ، وأما النصيب الحر فلا يجب على السيد أداء الزكاة عنه لأنه لا تتعلق به الرقية بل تكون زكاته واجبة عليه إذا ملك لجزئه

__________________

(1) الوسائل الباب 17 من زكاة الفطرة.

(2) ص 28.


الحر ما تجب به الزكاة عملا بالعموم.

وقوى الشيخ في المبسوط سقوط الزكاة عنه وعن المولى إذا لم يعله المولى ، لأنه ليس بحر فيلزمه حكم نفسه ولا هو مملوك فتجب زكاته على مالكه لأنه قد تحرر بعضه ، ولا هو في عيلولة مولاه فتلزمه فطرته لمكان العيلولة. انتهى.

وأنت خبير بأن المسألة لما كانت عارية عن النص فهي محل إشكال.

والظاهر أن مستند الأصحاب في ما ذكروه هو عمومات ما دل على وجوب زكاة المملوك على سيده (1) فإنه أعمّ من أن يكون المملوك رأسا كاملا أو بعضها وعموم ما دل على وجوب الزكاة على الحر المستكمل لباقي الشروط (2) فإنه أعمّ من أن يكون رأسا كاملا أو بعضا.

وفيه ما قدمنا ذكره في كتاب الزكاة من أن إطلاق الأخبار إنما يحمل على الأفراد الشائعة الكثيرة فإنها هي التي يتبادر إليها الإطلاق دون الفروض النادرة ، ولعل الشيخ لحظ ما ذكرناه فأسقط الزكاة عنه وعن المولى لذلك.

ثم إن ظاهر هذا الكلام في المسألة يشعر بوجوب الزكاة بمجرد الملك ، لأن هذا الخلاف إنما يجري على هذا التقدير فإنه مع عيلولة المالك أو غيره متبرعا لا مجرى لهذا الخلاف ، وحينئذ ففي المسألة إشكال آخر كما سيأتي بيانه حيث إن مفاد الأخبار الآتية هو إناطة وجوب الفطرة بالعيلولة بالفعل لا بوجوب العيلولة والإنفاق.

الثالث ـ الغنى على الأشهر الأظهر وقد وقع الخلاف هنا في مقامين : أحدهما ـ في اشتراط الغنى ، فذهب الأكثر إلى اشتراطه حتى قال العلامة في المنتهى إنه قول علمائنا أجمع إلا ابن الجنيد ، فإنه ذهب إلى وجوب الفطرة على من فضل عن مئونته ومئونة عياله ليوم وليلة صاع. وهذا القول نقله في الخلاف عن الشافعي

__________________

(1) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة.

(2) الوسائل الباب 1 و 2 و 4 و 5 من زكاة الفطرة.


وجماعة من العامة (1) ونقله في الخلاف أيضا عن أكثر أصحابنا.

والقول المشهور هو المعتمد ، وعليه تدل الأخبار ومنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «سئل عن رجل يأخذ من الزكاة عليه صدقة الفطرة؟ قال لا».

ورواية إسحاق بن المبارك (3) قال : «قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام على الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ قال ليس عليه فطرة».

ورواية يزيد بن فرقد النهدي (4) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يقبل الزكاة هل عليه صدقة الفطرة؟ قال لا».

ورواية إسحاق بن عمار (5) قال : «قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام على الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ قال ليس عليه فطرة».

ورواية يزيد بن فرقد أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام (6) «أنه سمعه يقول من أخذ من الزكاة فليس عليه فطرة.

قال وقال ابن عمار إن أبا عبد الله عليه‌السلام قال لا فطرة على من أخذ الزكاة».

ورواية الفضيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (7) قال : «قلت له لمن تحل الفطرة؟ قال لمن لا يجد ، ومن حلت له لم تحل عليه ومن حلت عليه لم تحل له».

وروى الشيخ المفيد في المقنعة عن يونس بن عمار (8) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة وتجب الفطرة على من عنده قوت السنة».

__________________

(1) في نيل الأوطار ج 4 ص 257 نقل عن مالك والشافعي وعطاء وأحمد وإسحاق أنه يعتبر أن يكون مخرج الفطرة مالكا لقوت يوم وليلة ، وفي المغني ج 3 ص 73 اعتبر فيه أن يكون عنده فضلة عن قوت يومه وليله ، وفي المجموع شرح المهذب ج 6 ص 113 الشافعي شرط أن يملك مخرج الفطرة فاضلا عن قوته وقوت من يلزمه نفقته ليلة العيد ويومه.

(2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.


والتقريب في ما عدا رواية المقنعة أنها قد دلت على أن الفقير ومن يأخذ الزكاة لفقره لا فطرة عليه ، ومتى ضم إلى ذلك الأخبار المستفيضة بوجوب زكاة الفطرة وأنه يجب إخراجها عن نفسه وعن عياله ينتج من ذلك تخصيص الوجوب بمن لم يكن فقيرا يجوز له أخذ الزكاة وليس إلا الغني المالك لمئونة سنة فعلا أو قوة. ويفصح عن ذلك قوله في رواية الفضيل «ومن حلت له لم تحل عليه ومن حلت عليه لم تحل له» وأما رواية المقنعة فهي ظاهرة الدلالة في المراد غير محتاجة إلى ضم ضميمة لدفع الإيراد.

وأما ما رواه في الكافي عن زرارة (1) ـ قال : «قلت الفقير الذي يتصدق عليه هل عليه صدقة الفطرة؟ قال نعم يعطي من ما يتصدق به عليه».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (2) قال : «زكاة الفطرة صاع من تمر. إلى أن قال وليس على من لا يجد ما يتصدق به حرج».

وفي الموثق عن زرارة (3) قال : «قلت له هل على من قبل الزكاة زكاة؟ فقال أما من قبل زكاة المال فإن عليه زكاة الفطرة وليس على من قبل الفطرة فطرة». ونحوه عن الفضيل (4) ـ

فقد أجاب عنها الأصحاب بالحمل على الاستحباب ، ولا يخفى أن صحيحة القداح المذكورة غير ظاهرة في المخالفة إلا باعتبار مفهوم اللقب وهو ضعيف غير معمول عليه عندنا.

ومن ما يؤكد الحمل على الاستحباب ما ورد أيضا في موثق إسحاق بن عمار (5) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل لا يكون عنده شي‌ء من الفطرة إلا ما يؤدي

__________________

(1 و 5) الوسائل الباب 3 من زكاة الفطرة.

(2) الوسائل الباب 5 و 2 من زكاة الفطرة.

(3 و 4) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.


عن نفسه وحدها أيعطيه غريبا أو يأكل هو وعياله؟ قال يعطي بعض عياله ثم يعطي الآخر عن نفسه يرددونها بينهم فيكون عنهم جميعا فطرة واحدة».

وثانيهما ـ ما يتحقق به الغنى المقتضي لوجوب الزكاة ، والأشهر الأظهر أنه الغنى بالمعنى الذي تقدم في الزكاة المالية وهو ملك مئونة السنة فعلا أو قوة كما تدل عليه رواية يونس بن عمار المتقدم نقلها عن كتاب المقنعة ، والتقريب فيها أنها دلت على كون الموجب لتحريم أخذ الزكاة والموجب للفطرة هو ملك قوت السنة وهذا هو معنى الغنى المدعى في المقام.

وأما ما استدل به في المدارك على ذلك ـ حيث قال في بيان معنى الغنى المقتضي للوجوب : والأصح أنه ملك قوت السنة فعلا أو قوة ، لأن من لم يملك ذلك تحل له الزكاة على ما بيناه في ما سبق فلا تجب عليه الفطرة كما دلت عليه صحيحة الحلبي المتقدمة وغيرها. انتهى ـ

ففيه أن هذا الدليل قاصر عن إفادة المدعى لأن حاصله أن من لم يملك مئونة السنة لا تجب عليه الفطرة ، وأين هذا من المدعى وهو أن الغنى المقتضي للوجوب عبارة عن ملك مئونة السنة فعلا أو قوة. نعم اللازم من هذا الدليل رد القول الآتي في المسألة وأما إثبات المدعى فلا. نعم إذا ضم إلى ذلك ما أشرنا إليه آنفا من الأخبار الدالة على وجوب الزكاة وإخراج المكلف لها عن نفسه ومن يعوله ينتج من الجميع وجوب الزكاة على من لم يكن فقيرا يجوز له أخذ الزكاة لفقره وليس إلا الغني المالك لقوت سنته فعلا أو قوة لعدم ثالث لهذين الفردين ، فأخبار وجوب الزكاة المشار إليها لا يجوز أن تكون شاملة لما ذكره ابن الجنيد أولا من الوجوب على من فضل عن مئونته ومئونة عياله ليومه وليلته صاع ، ولا لما ذكره الشيخ وابن إدريس كما يأتي وهو وجوب الزكاة على من يملك نصابا تجب فيه الزكاة ، لدخول هذين الفردين في الفقير الذي دلت تلك الأخبار على أنه لا تجب عليه الفطرة.

وبالجملة فالأظهر هو الاستدلال على القول المذكور برواية يونس المذكورة


فإنها وافية بالمراد عارية عن الإيراد.

ومقتضى ما ذكرنا في معنى الغنى أنه لا يعتبر ملك مقدار زكاة الفطرة زيادة على قوت السنة وبه قطع شيخنا الشهيد الثاني ، وجزم المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى باعتبار ذلك ، قال في المدارك : ولا بأس به. وأنت خبير بأن ظاهر رواية يونس بن عمار التي ذكرناها مستندا للقول المذكور ظاهر في القول الأول فيكون هو الذي عليه المعول ، ولا أعرف لهم مستندا على هذا القول إلا أن كان لزوم صيرورته فقيرا بإخراج زكاة الفطرة لقصور قوت السنة بذلك فيلزم أن يكون فقيرا يجوز له أخذ الزكاة فلا معنى لوجوبها عليه ثم جواز أخذه لها ، بخلاف ما إذا اشترط ملك مقدار زكاة الفطرة زيادة على قوت السنة. وقد تقدم لهم نظير هذه المسألة وبسطنا الكلام معهم فيها في شرحنا على المدارك.

ونقل عن الشيخ في الخلاف أنه قال تجب زكاة الفطرة على من يملك نصابا تجب فيه الزكاة أو قيمة نصاب. واعتبر ابن إدريس ملك عين النصاب دون قيمته ولله در المحقق في المعتبر حيث قال بعد نقل ذلك عنهما ـ ونعم ما قال ـ وما ذكره الشيخ لا أعرف به حجة ولا قائلا من قدماء الأصحاب ، فإن كان تعويله على ما احتج به أبو حنيفة (1) فقد بينا ضعفه ، وبالجملة فإنا نطالبه من أين قاله؟ وبعض المتأخرين ادعى عليه الإجماع وخص الوجوب بمن معه أحد النصب الزكاتية ومنع القيمة وادعى اتفاق الإمامية على قوله. ولا ريب أنه وهم ، ولو احتج بأن مع ملك النصاب تجب الزكاة بالإجماع منعنا ذلك ، فإن من ملك النصاب ولا يكفيه لمئونة عياله يجوز له أن يأخذ الزكاة وإذا أخذ الزكاة لم تجب عليه الفطرة ، لما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في عدة روايات : منها رواية الحلبي ويزيد بن فرقد ومعاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) «أنه سئل عن الرجل يأخذ من الزكاة عليه صدقة الفطرة؟ قال لا. انتهى.

__________________

(1) ارجع إلى الصفحة 160.

(2) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.


ومتى تكاملت هذه الشروط وجب على المكلف إخراجها عن نفسه وعن جميع من يعوله فرضا أو نفلا مسلما أو كافرا ، وعلى ذلك دلت الأخبار المستفيضة المعتضدة باتفاق الأصحاب في هذا الباب :

ومنها ـ ما رواه في الفقيه في الصحيح عن هشام بن الحكم عن الصادق عليه‌السلام (1) قال : «نزلت الزكاة وليس للناس أموال وإنما كانت الفطرة».

أقول : هذا الخبر يدل على دخول زكاة الفطرة تحت آية الزكاة وهي قوله عزوجل : «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ... الآية» (2).

وما رواه في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر يؤدي عنه الفطرة؟ فقال نعم الفطرة واجبة على كل من يعول من ذكر أو أنثى صغير أو كبير حر أو مملوك».

أقول : المراد بوجوب الفطرة هنا وجوب إخراجها عنه لا وجوب إخراجها عليه ، والعبارة خرجت مخرج التجوز كما يدل عليه الخبر الآتي.

وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (4) قال : «سألته عن ما يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة؟ قال تصدق عن جميع من تعول من حر أو عبد أو صغير أو كبير».

وما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (5) قال : «كل من ضممت إلى عيالك من حر أو مملوك فعليك أن تؤدي الفطرة عنه».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن صفوان الجمال (6) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفطرة؟ فقال على الصغير والكبير والحر والعبد عن كل إنسان

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من زكاة الفطرة.

(2) سورة التوبة الآية 105.

(3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة.


صاع من حنطة أو صاع من تمر أو صاع من زبيب».

ورواية معتب عن أبي عبد الله عليه‌السلام وقد تقدمت في أول الباب.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «صدقة الفطرة على كل رأس من أهلك : الصغير والكبير والحر والمملوك والغني والفقير».

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «الواجب عليك أن تعطي عن نفسك وأبيك وأمك وولدك وامرأتك وخادمك».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (3) «في صدقة الفطرة؟ فقال تصدق عن جميع من تعول من صغير أو كبير أو حر أو مملوك. الحديث».

وما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد رفعه عن أبي عبد الله عليه‌السلام (4) قال : «يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه ورقيق امرأته وعبده النصراني والمجوسي وما أغلق عليه بابه». قال في المعتبر بعد إيراد هذا الخبر : وهذا وإن كان مرسلا إلا أن فضلاء الأصحاب أفتوا بمضمونه.

والمستفاد من هذه الأخبار هو وجوب إخراج الفطرة عن كل من يعول من حر وعبد وذكر وأنثى وكبير وصغير ومسلم وكافر واجب النفقة أو غير واجب النفقة.

وأما ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن صفوان عن عبد الرحمن بن الحجاج (5) ـ قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلا أنه يتكلف له نفقته وكسوته أتكون عليه فطرته؟ قال لا إنما تكون فطرته على عياله صدقة دونه. وقال : العيال الولد والمملوك والزوجة وأم الولد». ـ فما تضمنه من حصر

__________________

(1 و 2 و 4 و 5) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة.

(3) التهذيب ج 1 ص 371 وفي الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.


العيال في الأفراد المذكورة يجب حمله على الخروج مخرج التمثيل ، بمعنى أن تكلف الإنفاق والكسوة لا يكفي في وجوب الفطرة بل لا بد من صدق العيلولة كما في هذه الأفراد الأربعة ، وعلى ذلك ينبغي أن تحمل رواية إسحاق بن عمار المتقدمة.

وتنقيح البحث في المقام يتوقف على رسم مسائل الأولى ـ لا خلاف في وجوب إخراج الفطرة عن واجبي النفقة كالأبوين والأولاد والزوجة والمملوك متى كانوا في عياله وإنما الخلاف لو لم يكونوا كذلك.

وقد وقع الخلاف هنا في مواضع أحدها ـ الزوجة لو لم تكن واجبة النفقة على الزوج كالناشز والصغيرة وغير المدخول بها مع عدم التمكين ، فالمشهور عدم الوجوب إلا مع العيلولة تبرعا ، وذهب ابن إدريس إلى الوجوب مطلقا سواء كانت ناشزة أم لا وجبت نفقتها أم لا دخل بها أو لم يدخل دائمة ومنقطعة.

واحتج على ذلك بالإجماع والعموم من غير تفصيل ، ولا ريب في ضعفه لما عرفت من الأخبار المتقدمة الدالة صريحا على أن ذلك منوط بالعيلولة وبموجب ذلك تنتفي عند عدمها.

قال المحقق في المعتبر : قال بعض المتأخرين الزوجية سبب لإيجاب الفطرة لا باعتبار وجوب مئونتها ثم تخرج فقال يخرج عن الناشز والصغيرة التي لا يمكن الاستمتاع بها ، ولم يبد حجة عدا دعوى الإجماع من الإمامية على ذلك. وما عرفنا أحدا من فقهاء الإسلام فضلا عن الإمامية أوجب الفطرة على الزوجة من حيث هي زوجة بل ليس تجب فطرة إلا عن من تجب مئونته أو يتبرع بها عليه ، فدعواه إذا غريبة عن الفتوى والأخبار. انتهى. وهو جيد.

وثانيها ـ أنه لو كانت الزوجة واجبة النفقة ولكن لم يعلها الزوج ولا غيره فالمشهور وجوب فطرتها على الزوج لأنها تابعة لوجوب النفقة ، ونقل في الشرائع قولا بعدم وجوبها إلا مع العيلولة وإليه مال السيد السند في المدارك ، وهو الذي دلت عليه الأخبار المتقدمة.

والمحقق في الشرائع بعد نقل القولين المذكورين قال : وفيه تردد. قال شيخنا


الشهيد الثاني في المسالك في بيان التردد : إن منشأه الشك في كون السبب هو العيلولة أو الزوجية والمملوكية ، وظاهر النصوص الثاني فيجب عنهما وإن لم يعلمها كما مر. انتهى.

وأنت خبير بما فيه فإن النصوص المتقدمة ظاهرة بل صريحة في إناطة الوجوب بالعيلولة زوجة كانت أو غيرها من تلك الأفراد المعدودة في الأخبار وليس فيها ما ربما يتوهم منه ما ذكره إلا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ورواية إسحاق بن عمار وقد عرفت الجواب عنهما.

وثالثها ـ المملوك وقد قطع الأصحاب (رضوان الله عليهم) بوجوب زكاته على المولى مطلقا ، قال في المعتبر : تجب الفطرة عن العبد الغائب الذي يعلم حياته والآبق والمرهون والمغصوب ، وبه قال الشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم ، وقال أبو حنيفة لا تلزمه زكاته لسقوط نفقته كما تسقط عن الناشز (1) لنا أن الفطرة تجب على من يجب أن يعوله وبالرق تلزم العيلولة فتجب الفطرة. وحجته ضعيفة لأنا لا نسلم أن نفقته تسقط عن المالك مع الغيبة وإن اكتفى بغير المالك كما لو كان حاضرا واستغنى بكسبه. ونحوه كلام العلامة في المنتهى ، وفي الشرائع تردد في المسألة كما قدمنا نقله عنه في الزوجة ، وقد عرفت وجه التردد من ما نقلناه عن شيخنا الشهيد الثاني آنفا.

وأنت خبير بأن الظاهر من النصوص المتقدمة كما أشرنا إليه آنفا هو حصول العيلولة بالفعل لا مجرد وجوب العيلولة ، وإلى ذلك مال السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة وهو الحق الحقيق بالاتباع.

وينبغي أن يعلم أنه لو عال الزوجة أو المملوك غير الزوج والسيد تعلقت الزكاة به وسقطت عنهما بغير إشكال ولا خلاف.

ورابعها ـ الأبوان والأولاد ، قال الشيخ في المبسوط على ما نقل في المختلف :

الأبوان والأجداد والأولاد الكبار إذا كانوا معسرين كانت نفقتهم وفطرتهم

__________________

(1) المغني ج 3 ص 71.


عليه. ثم قال (قدس‌سره) : والأقرب أن نفقتهم عليه ، أما الفطرة فإن عالهم وجبت الفطرة وإلا فلا وإن وجبت النفقة ، لنا ـ أن الفطرة منوطة بالعيلولة وقد انتفت فينتفي الوجوب. احتج الشيخ بأنهم واجبو النفقة فتجب الفطرة لأنها تابعة لها. والجواب أنها تابعة للنفقة لا لوجوبها. انتهى.

وفيه أن ما ذكره في مقام الرد على الشيخ وإن كان هو الظاهر من الأخبار والذي عليه العمل إلا أنه مخالف لما صرح به هو وغيره كما قدمنا نقل ذلك عنهم في مسألة الزوجة والمملوك ، فإنهم جعلوا الفطرة تابعة لوجوب النفقة دون حصولها بالفعل ، وسؤال الفرق متجه كما لا يخفى.

الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في العبد الغائب الذي لا تعلم حياته هل تجب فطرته على المولى أم لا؟ فذهب جماعة : منهم ـ الشيخ في الخلاف والمحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى إلى عدم الوجوب ، وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : الغائب إن علم مولاه حياته وجبت عليه فطرته وإن لم يعلم لم تجب.

وقال في المعتبر : لو كان له مملوك لا يعلم حياته قال الشيخ لا تلزمه فطرته. ثم نقل عن الشيخ أنه احتج بأنه لا يعلم أن له مملوكا فلا تجب عليه زكاته. ثم قال وما ذكره الشيخ حسن.

والخلاف في هذه المسألة منقول عن ابن إدريس ، فإنه أوجب فطرته في هذه الصورة على المولى محتجا بأن الأصل البقاء ، وبأنه يصح عتقه في الكفارة إذا لم يعلم بموته وهو إنما يتحقق مع الحكم ببقائه فتجب فطرته. ويظهر من شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الميل إلى هذا القول أيضا.

احتج الشيخ ومن تبعه على ما ذكروه بما تقدم نقله أولا ، وبأن الإيجاب شغل الذمة فيقف على ثبوت المقتضي وهو الحياة وهي غير معلومة ، وبأن الأصل عصمة مال الغير فيقف انتزاعه على العلم بالسبب ولم يعلم.

وأما ما ذكره ابن إدريس من الأصل فهو معارض بهذا الأصل المذكور.


وما ذكره من القياس على عتقه في الكفارة ـ إشارة إلى صحيحة أبي هاشم الجعفري الواردة بذلك (1) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل قد أبق عنه مملوكه أيجوز أن يعتقه في كفارة الظهار؟ قال لا بأس به ما لم يعرف منه موتا». ففيه (أولا) أن التسوية بين صحة العتق ووجوب الفطرة لا دليل عليه إذ لا ملازمة بينهما ولا ترتب للثاني على الأول. و (ثانيا) بإمكان الفرق بين الأمرين ، فإن العتق إسقاط ما في الذمة من حقوق الله تعالى وهي مبنية على التخفيف بخلاف الفطرة فإنها إيجاب مال على مكلف لم يثبت سبب وجوبه عليه.

أقول : والتحقيق في الاحتجاج للقول المشهور والرد على ابن إدريس هو أن يقال إن وجوب الفطرة تابع للعيلولة كما اخترناه وذكرنا أنه مدلول الأخبار المتقدمة ، أو لوجوبها كما قدمنا نقله عنهم ، وانتفاء الأصل على ما ذكرنا ظاهر ، وعلى ما ذكروه هو عدم معلومية الوجود فكيف يخاطب بوجوب الإنفاق عليه وهو لا يعلم حياته؟.

ولا يخفى أن الظاهر من كلامهم كما قدمنا لك من كلام الشيخ والمحقق أن محل الخلاف في المسألة هو مفقود الخبر الذي لا يعلم حياته ولا موته ، وهو الذي اختلف الأصحاب في حكمه بالنسبة إلى ميراثه وزوجته وأوجبوا في ميراثه وزوجته طلب أربع سنين ، وهو الذي تضمنته صحيحة الجعفري المتقدمة التي استند إليها ابن إدريس ورتب حكم الفطرة عليها ، فما ذكره في المدارك ـ من أن محل الخلاف في هذه المسألة غير محرر حتى أنه احتمل أن يكون محل الخلاف مطلق المملوك الغائب الذي لا يعلم حياته ـ ليس بجيد.

وبالجملة فهنا أمران : أحدهما ـ ما ذكرناه من مفقود الخبر الذي لا يعلم له حياة ولا موت. وثانيهما ـ من كان غائبا وأخباره تأتي في أغلب الأوقات فإنه يحكم بوجوده وقت الفطرة مثلا وإن كان ذلك غير معلوم قطعا لغيبته وبعده عملا

__________________

(1) الوسائل الباب 48 من كتاب العتق.


باستصحاب الحياة ، ولذا ورد في صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «لا بأس بأن يعطي الرجل عن عياله وهم غيب عنه ويأمرهم فيعطون عنه وهو غائب عنهم». ومحل الخلاف إنما هو الفرد الأول كما لا يخفى على المتأمل ، وكيف يحتمل أن يجعل هذا الفرد الأخير مطرح الخلاف في هذه المسألة مع قولهم بمضمون صحيحة جميل المذكورة من غير خلاف يعرف.

الثالثة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو كان العبد بين شريكين فالزكاة عليهما فإن عاله أحدهما فالزكاة على العائل ، ونقل في الدروس قولا بأنه لا زكاة فيه ، ولعله إشارة إلى ما نقل عن ابن بابويه من أنه قال لا فطرة عليهم إلا أن يكمل لكل واحد منهم رأس تام. كذا نقله عنه في المدارك والظاهر أنه من غير الفقيه.

نعم روى في الفقيه ما يدل على ذلك رواه عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «قلت عبد بين قوم عليهم فيه زكاة الفطرة؟ قال إذا كان لكل إنسان رأس فعليه أن يؤدي عنه فطرته ، وإذا كان عدة العبيد وعدة الموالي سواء وكانوا جميعا فيهم سواء أدوا زكاتهم لكل واحد منهم على قدر حصته ، وإن كان لكل إنسان منهم أقل من رأس فلا شي‌ء عليهم».

قال في المدارك : وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة السند إلا أنه لا يبعد المصير إلى ما تضمنته ، لمطابقته لمقتضى الأصل وسلامتها من المعارض. انتهى.

أقول : فيه (أولا) ـ أن ظاهر الخبر المذكور هو وجوب الزكاة بمجرد الملك ، وهو لا يقول به لما تقدم منه في غير موضع من إناطة ذلك بالعيلولة كما قدمنا ذكره.

و (ثانيا) ما علم من طريقته وتصلبه في الوقوف على الاصطلاح المشهور

__________________

(1) الوسائل الباب 19 من زكاة الفطرة.

(2) الوسائل الباب 18 من زكاة الفطرة وفي الفقيه ج 2 ص 119 «رقيق» بدل «عبد».


من رد الأخبار الضعيفة فكيف يتلقى هذا الخبر هنا بالقبول؟

و (ثالثا) أن تستره هنا بمطابقته لمقتضى الأصل مردود بأن الأخبار المتقدمة قد دلت على وجوب إخراج الزكاة عن المملوك أعمّ من أن يكون رأسا تاما أو أقل ، وإلا لانتقض عليه بما ذكره هو وغيره في المكاتب المطلق إذا تحرر منه بعض ، فإنه استند ـ في الوجوب عليه وعلى المولى بالنسبة ـ إلى ما نقله في تلك المسألة عن العلامة في المنتهى من ما يؤذن بوجوب الزكاة على كل منهما بالنسبة. ولو أجاب هنا ـ بأن تلك الأخبار التي ادعيتم دلالتها على وجوب إخراج الزكاة عن المملوك إنما هي مع العيلولة فلا دلالة فيها ـ قلنا يلزم إذا طرح هذا الخبر من البين لخروجه عن ما دلت عليه تلك الأخبار المتكاثرة من إناطة الوجوب بالعيلولة فلا معنى لاستناده إليه هنا مع قوله بمضمون تلك الأخبار.

الرابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) سقوط الفطرة عن الزوجة الموسرة والضيف الغني بالإخراج عنهما ، ونقل عن ظاهر ابن إدريس إيجاب الفطرة على الضيف والمضيف ، ولا ريب في ضعفه لما تقدم من الأخبار الدالة على وجوب الزكاة على المعيل ولا ريب في سقوطها بعد ذلك عن المعال ، وإيجابها على الضيف أو غيره بعد ذلك يحتاج إلى دليل وليس فليس.

والعجب من صاحب الذخيرة حيث إنه بعد نقل ذلك عن ابن إدريس قال وهو أحوط. وما أدري ما وجه هذا الاحتياط مع عدم معارض بل ولا شبهة توجب خلاف ما ذكرناه؟

نعم لو علم بعدم إخراج المعيل لها عنه ففيه احتمال وإن كان ظواهر الأخبار المشار إليها ـ من حيث دلالتها على تعلق الخطاب بالمعيل ـ سقوط ذلك عن المعال ضيفا أو غيره علم بعدم الإخراج أو لم يعلم ، إلا أن الاحتياط هنا هو إخراج الضيف عن نفسه وكذا غيره ممن تجب عليه لو لم يكن عيالا على غيره.

الخامسة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الزوجة الموسرة إذا


كان الزوج معسرا هل تجب الفطرة عليها أم لا؟ فقال الشيخ في المبسوط لا فطرة عليها ولا على الزوج ، لأن الفطرة على الزوج فإذا كان معسرا لا تجب عليه الفطرة ولا تلزم الزوجة لأنه لا دليل عليه. وقواه فخر المحققين في الإيضاح. وقيل بوجوبها على الزوجة وبه قطع ابن إدريس وقواه المحقق في المعتبر ، لأنها ممن يصح أن يزكي والشرط المعتبر موجود فيها وإنما تسقط عنها لوجوبها على الزوج فإذا لم تجب عليه وجبت عليها ، واختار هذا القول الشهيد في الدروس.

وفصل العلامة في المختلف فقال : والأقرب أن نقول إن بلغ الإعسار بالزوج إلى حد تسقط عنه نفقة الزوجة بأن لا يفضل معه شي‌ء البتة فالحق ما قاله ابن إدريس وإن لم ينته الحال إلى ذلك بأن كان الزوج ينفق عليها مع إعساره فلا فطرة هنا. والحق ما قاله الشيخ. ثم استدل على الأول بعموم الأدلة الدالة على وجوب الفطرة على كل مكلف غني خرج منه الزوجة الموسرة لمكان العيلولة فيبقى الباقي مندرجا في العموم. وعلى الثاني بأنها في عيلولة الزوج فسقطت فطرتها عن نفسها وعن زوجها لفقره.

واعترضه هنا الشهيد في البيان فقال : ويضعف بأن النفقة لا تسقط فطرة الغني إلا إذا تحملها المنفق. قال في المدارك بعد نقل ذلك عن الشهيد : وهو جيد.

ثم إن شيخنا العلامة في المختلف أيضا رجع في تتمة الكلام السابق إلى بناء المسألة على وجوبها على الزوج بالأصالة أو عليها بالأصالة فقال : والتحقيق أن الفطرة إن كانت بالأصالة على الزوج سقطت لإعساره عنه وعنها ، وإن كانت بالأصالة على الزوجة وإنما يتحملها الزوج سقطت عنه لفقره ووجبت عليها عملا بالأصل. انتهى وأورد عليه بأن ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب وإن اقتضى وجوب الفطرة بالأصالة على الزوج مع يساره إلا أن ذلك لا يقتضي سقوطها عن الزوجة الموسرة مع إعساره. ومرجع هذا الكلام إلى تخصيص الأصالة على الزوج بصورة اليسار.

أقول : والتحقيق عندي في هذا المقام أن يقال لا ريب أنه قد اتفقت


الأخبار وكلمة الأصحاب على وجوب زكاة الفطرة على المكلف الحر الغني كما تقدم تحقيقه كائنا من كان ، خرج من ذلك بالأخبار المتقدمة من وجبت فطرته على غيره بالعيلولة كائنا من كان ، ولا ريب أن الزوج المعسر لا تجب عليه فطرته ولا فطرة زوجته في الصورة المفروضة ، فيبقى وجوب إخراج الفطرة على الزوجة بمقتضى الأخبار وكلام الأصحاب خاليا من المعارض. ومن ما ذكرنا يعلم توجه المنع إلى كلام الشيخ المتقدم في موضعين : (أحدهما) قوله : «لأن الفطرة على الزوج» فإنه على إطلاقه ممنوع فإنها إنما تكون عليه مع يساره. و (ثانيهما) قوله : «ولا تلزم الزوجة لأنه لا دليل عليه» وكيف لا دليل عليه وهي داخلة في عموم الأخبار وكلمة الأصحاب الدالة على وجوب الفطرة على كل مكلف حر غني.

السادسة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في قدر الضيافة المقتضية لوجوب إخراج الفطرة عن الضيف ، فنقل عن الشيخ والمرتضى اشتراط الضيافة طول الشهر ، واكتفى الشيخ المفيد بالنصف الأخير ، وعن ابن إدريس أنه اجتزأ بليلتين في آخره واختاره في المختلف ، واجتزأ في المنتهى والتذكرة بالليلة الواحدة ونقل في المعتبر والتذكرة عن جماعة من الأصحاب الاكتفاء بالعشر الأواخر ونقل في المعتبر عن جماعة من الأصحاب الاكتفاء بآخر جزء من الشهر بحيث يهل الهلال وهو في ضيافته ، قال وهذا هو الأولى. وقال في الدروس : ويكفي في الضيف أن يكون عنده في آخر جزء من شهر رمضان متصلا بشوال سمعناه مذاكرة ، والأقرب أنه لا بد من الإفطار عنده في شهر رمضان ولو ليلة. وفي البيان فيمكن الاكتفاء بمسمى الضيافة في جزء من الشهر بحيث يدخل شوال وهو عنده كما قال في المعتبر ، إلا أن مخالفة قدماء الأصحاب مشكل. وهو مؤذن بالتوقف في المسألة ، واختار هذا القول أيضا المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ولكن صرح بوجوب الأكل عند المضيف كما لو ساغ له الإفطار لسفر أو مرض لتصدق العيلولة بذلك ، وظاهر من عداه ممن ذهب إلى ذلك الإطلاق وإن لم يأكل عنده ، ومنهم شيخنا الشهيد الثاني حيث إنه اختار ذلك فقال : إن المتبادر من معنى الضيافة لغة


وعرفا هو النزول للقرى وإن لم يكن قد أكل عنده. وكأنه (قدس‌سره) غفل عن ملاحظة ما اشتملت عليه الروايات من ذكر العيلولة ، ولا سيما رواية عمر بن يزيد (1) التي تضمنت ذكر الضيف حيث قال فيها : «نعم الفطرة واجبة على كل من يعول».

ونقل في المدارك أنه استدل على هذا القول الأخير بتعلق الحكم في رواية عمر بن يزيد المتقدمة على حضور يوم الفطر ويكون عند الرجل الضيف من إخوانه ، فإن ذلك تحقيق لمسمى الضيافة في جزء من الشهر. ثم اعترضه فقال : وهو منظور فيه أيضا لأن مقتضى قوله عليه‌السلام : «نعم الفطرة واجبة على كل من يعول» اعتبار صدق العيلولة عرفا في الضيف كغيره. انتهى. وهو جيد.

والظاهر من ما ذكرناه أن هذا القول الأخير وإن اختاره جملة من هؤلاء الفضلاء إلا أنه أضعف أقوال المسألة. وبالجملة فالمسألة عندي محل إشكال والاحتياط فيها مطلوب على كل حال.

بقي الكلام هنا في موضعين أحدهما ـ أنه لا ريب أن وجوب الزكاة على المضيف إنما هو مع الغنى الذي هو أحد شروط الوجوب المتقدمة فمع عدم ذلك لا تجب عليه ، وحينئذ فلو كان الضيف موسرا هل تجب عليه أم لا؟ قيل بالوجوب وبه صرح شيخنا العلامة في المختلف والشهيد في البيان وغيرهما والظاهر أنه هو المشهور لأن العيلولة لا تسقط فطرة الغني إلا إذا تحملها المعيل. واحتمل بعضهم السقوط هنا مطلقا أما عن المضيف فلإعساره وأما عن الضيف فلمكان العيلولة. وضعفه يظهر من ما قدمناه من التحقيق في سابق هذه المسألة.

وثانيهما ـ لو كان المضيف معسرا وتبرع بالإخراج عن ضيفه الموسر فهل يسقط الوجوب عن الضيف أم لا؟ جزم الشهيد في البيان بعدم الإجزاء ، واحتمل في المختلف الإجزاء لأن الشارع قد ندب إليها. ورده في البيان بعدم ثبوت الندب

__________________

(1) ص 266.


في هذه الصورة والمنصوص استحباب إخراج الفقير لها عن نفسه وعياله وليس هذا منه. وفصل شيخنا الشهيد الثاني بالفرق بين إذن الضيف وعدمه فقال إن عدم الإجزاء على الثاني حسن والإجزاء على الأول أحسن ، وقال لو تبرع المضيف بإخراجها عن الموسر توقف الإجزاء على إذنه ، وكذا القول في الزوجة وغيرها. انتهى.

أقول : لا يخفى أن براءة الذمة من ما علم اشتغالها به بفعل الغير خارج عن مقتضى القواعد الشرعية والضوابط المرعية بإذن كان أو بغير إذن فيقتصر فيه على موارد الرخصة ، وقد قام الدليل على ذلك في الدين وقضاء بعض العبادات عن الميّت وتبرع المقرض بدفع الزكاة عن المقترض فيجب القول بذلك وقوفا على موضع النص ، ولا نص في هذا المقام على ما ذكروه.

السابعة ـ الظاهر أنه لا خلاف في أن من بلغ قبل الهلال أو أسلم أو زال جنونه أو ملك ما يحصل به الغنى فإنه تجب عليه زكاة الفطرة ، وكذا من ولد له مولود أو ملك مملوكا ، أما لو كان بعد ذلك فإنه لا تجب وإن استحب له الإخراج إلى الزوال.

ويدل على عدم الوجوب ما رواه في الفقيه عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) «في المولود يولد ليلة الفطر واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر؟ قال ليس عليهم فطرة ، ليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر».

وما رواه الشيخ في التهذيب والكليني في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مولود ولد ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال : لا قد خرج الشهر. وسألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال لا».

واستدلوا على الاستحباب بما رواه الشيخ مرسلا (3) قال : وقد روي أنه إن ولد له قبل الزوال يخرج عنه الفطرة وكذلك من أسلم قبل الزوال. وحمله الشيخ

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 11 من زكاة الفطرة.


ومن تبعه على الاستحباب. وفيه ما عرفت في غير موضع من هذا الكتاب.

واستدل عليه أيضا بما رواه ابن بابويه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن ما يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة؟ قال تصدق عن جميع من تعول من حر أو عبد صغير أو كبير من أدرك منهم الصلاة». بناء على أن الظاهر من الصلاة صلاة العيد ، والمراد بإدراكها إدراك وقتها بمعنى دخوله في عيلولته قبل وقت الصلاة.

وحكى العلامة في المختلف عن ابن بابويه في المقنع أنه قال : وإن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه ، وكذا إذا أسلم الرجل قبل الزوال وبعده.

وظاهر هذه العبارة الوجوب ، وهي عين عبارة كتاب الفقه الرضوي ، وبها عبر أبوه في رسالته أيضا كما نقله في المختلف ، والأصحاب بهذه العبارة نسبوا إليهما القول بامتداد وقت الوجوب إلى الزوال كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى ، إلا أنه في كتاب من لا يحضره الفقيه صرح هنا بالاستحباب فقال : وإن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة استحبابا وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه ، وكذلك الرجل إذا أسلم قبل الزوال أو بعده فعلى هذا ، وهذا على الاستحباب والأخذ بالأفضل فأما الواجب فليست الفطرة إلا على من أدرك الشهر ، روى ذلك علي بن أبي حمزة عن معاوية بن عمار. وساق الرواية المتقدم نقلها عنه ، وحينئذ فيحتمل حمل عبارة المقنع على ذلك وإن كان الأقرب إبقاء تلك العبارة على ظاهرها فيكون قولا آخر له في المسألة.

الفصل الثاني ـ في بيان ما يجب إخراجه من الأجناس وبيان مقداره ، والكلام في هذا الفصل يقع في مقامين :

الأول ـ في الجنس الواجب إخراجه وقد اختلفت فيه كلمة الأصحاب (رضوان الله عليهم) فنقل عن علي بن بابويه في رسالته وولده في مقنعه وهدايته وابن

__________________

(1) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة.


أبي عقيل في متمسكه أن صدقة الفطرة صاع من حنطة أو صاع من شعير أو صاع من تمر أو صاع من زبيب. وظاهر هذا الكلام وجوب الاقتصار على هذه الأربعة وقال الشيخ في الخلاف : يجوز إخراج صاع من الأجناس السبعة : التمر والزبيب والحنطة والشعير والأرز والأقط واللبن ، للإجماع على إجزاء هذه وما عداها ليس على جوازه دليل. وفي المبسوط الفطرة صاع من التمر أو الزبيب أو الحنطة والشعير أو الأرز أو الأقط أو اللبن. وهذا يشعر بوجوب الاقتصار على هذه السبعة. وقال الشيخ المفيد في المقنعة : باب ماهية زكاة الفطرة وهي فضلة أقوات أهل الأمصار على اختلاف أقواتهم في النوع من التمر والزبيب والحنطة والشعير والأرز والأقط واللبن فيخرج أهل كل مصر فطرتهم من قوتهم. وبمثل هذه العبارة عبر السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) إلا أنه لم يذكر الأرز. وقال ابن الجنيد يخرجها من وجبت عليه من أغلب الأشياء على قوته حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا أو سلتا أو ذرة. وبه قال أبو الصلاح وابن إدريس. وقال المحقق في المعتبر : والضابط إخراج ما كان قوتا غالبا كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط واللبن وهو مذهب علمائنا. ونحو ذلك كلام العلامة في المنتهى والشهيد وهو المشهور بين المتأخرين ، وهو يرجع إلى كلام الشيخ في الخلاف والمبسوط من التخصيص بالأجناس السبعة من حيث إنها هي القوت الغالب كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى وقال السيد السند في المدارك : والمعتمد وجوب إخراج الحنطة والشعير والتمر والزبيب والأقط خاصة. وهذا القول يرجع إلى القول الأول في الأجناس الأربعة ويزيد عليه بالأقط خاصة.

ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف الأخبار بحسب الظاهر وها أنا أتلوها عليك :

فمنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان الجمال (1) قال : «سألت أبا عبد الله

__________________

(1) التهذيب ج 1 ص 371 وفي الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة ، والشيخ يرويه عن الكليني.


عليه‌السلام عن الفطرة؟ فقال على الصغير والكبير والحر والعبد ، عن كل إنسان صاع من بر أو صاع من تمر أو صاع من زبيب».

وفي الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن الفطرة كم يدفع عن كل رأس من الحنطة والشعير والتمر والزبيب؟ قال صاع بصاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وفي الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «صدقة الفطرة على كل رأس من أهلك : الصغير والكبير والحر والمملوك والغني والفقير ، عن كل إنسان نصف صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين».

وفي الصحيح عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (3) قال : «زكاة الفطرة صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من أقط عن كل إنسان حر أو عبد صغير أو كبير ، وليس على من لا يجد ما يتصدق به حرج».

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (4) قال : «يعطي أصحاب الإبل والبقر والغنم في الفطرة من الأقط صاعا».

أقول : وعلى هذه الروايات اعتمد صاحب المدارك لصحة أسانيدها حيث إنه يدور مدار الأسانيد صحة وضعفا ولكن فيه ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن يونس عن من ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام (5) قال : «قلت له جعلت فداك هل على أهل البوادي الفطرة؟ قال فقال الفطرة على كل من اقتات قوتا فعليه أن يؤدي من ذلك القوت».

وما رواه في التهذيب عن زرارة وابن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (6) قال

__________________

(1 و 4) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.

(2) الوسائل الباب 3 و 6 من زكاة الفطرة.

(3) الوسائل الباب 5 و 2 من زكاة الفطرة.

(5 و 6) الوسائل الباب 8 من زكاة الفطرة.


«الفطرة على كل قوم من ما يغذون عيالاتهم من لبن أو زبيب أو غيره».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن إبراهيم بن محمد الهمداني (1) قال : «اختلفت الروايات في الفطرة فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه‌السلام أسأله عن ذلك فكتب إن الفطرة صاع من قوت بلدك : على أهل مكة ـ واليمن والطائف وأطراف الشام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والأهواز وكرمان ـ تمر ، وعلى أهل أوساط الشام زبيب ، وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلها بر أو شعير ، وعلى أهل طبرستان الأرز ، وعلى أهل خراسان البر إلا أهل مرو والري فعليهم الزبيب ، وعلى أهل مصر البر ، ومن سوى ذلك فعليهم ما غلب قوتهم ، ومن سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط. والفطرة عليك وعلى سائر الناس. الحديث».

وزاد شيخنا المفيد في المقنعة في الخبر بعد قوله «فعليهم الأقط» : «ومن عدم الأقط من الأعراب ووجد اللبن فعليه الفطرة منه» ويحتمل أن تكون هذه الزيادة من كلامه (قدس‌سره).

أقول : وبهذه الأخبار الأخيرة أخذ من قال بالقول المشهور وضم إليها الأخبار الأول بحمل ما ذكر فيها على جهة التمثيل لا الحصر كما توهمه من خالف في المسألة ، وصاحب المدارك لما كان اختياره يدور مدار صحة الأسانيد اختار ما دلت عليه تلك الأخبار الأولة وأجاب عن ما عداها بضعف الإسناد وعدم صلاحيته لمعارضة تلك الأخبار.

وأنت خبير بأن من لا يعتمد على هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح فالظاهر عنده هو حمل ما ذكره من الأخبار على ما ذكره ، ولهذا اختلفت الأخبار في ذكر هذه الأجناس بالزيادة والنقصان والتبديل والتغيير ، فنقص من صحيحة صفوان الشعير ومن صحيحة عبد الله بن ميمون البر وزيد الأقط

وفي صحيحة أبي عبد الرحمن الحذاء وهو أيوب بن عطية عن أبي عبد الله

__________________

(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الفطرة.


عليه‌السلام (1) «أنه ذكر صدقة الفطرة أنها تجب. إلى أن قال صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من ذرة». فنقص من هذه الرواية البر وزيد الذرة ، وكان الواجب عليه أن يعد الذرة أيضا لصحة الخبر ولعله لم يقف عليه.

وفي صحيحة معاوية بن وهب (2) «جرت السنة بصاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير». وقد ترك الحنطة مع أنه في مقام البيان لما جرت به السنة.

وفي رواية عبد الله بن المغيرة (3) قال : «يعطى من الحنطة صاع ومن الشعير صاع ومن الأقط صاع». وفي صحيحة الحلبي (4) «صاع من تمر أو نصف صاع من بر». وفي صحيحة عبد الله بن سنان (5) «صاع من حنطة أو صاع من شعير». إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع.

ولو لا الحمل على ما ذكرناه من مجرد التمثيل وذكر الأفراد في الجملة لكانت هذه الأخبار مختلفة متضادة ، إذ كل منها ورد في مقام البيان لما يجب إخراج الفطرة منه ، وحينئذ فتحمل تلك الأخبار على ما حملنا عليه هذه لاختلافها كما عرفت بالزيادة والنقصان والتغيير والتبديل ، على أن صحيحة سعد بن سعد ليست واضحة الدلالة على ما ادعاه فإن الأجناس المذكورة إنما ذكرت في السؤال ، وصحيحة معاوية بن عمار بالدلالة على القول المشهور أشبه ، لأن تخصيص أصحاب الإبل والغنم بالأقط مشعر بأن ذلك من حيث كونه هو القوت الغالب عندهم كما تضمنه آخر رواية الهمداني.

وبذلك يظهر قوة القول المشهور بين المتقدمين والمتأخرين وانطباق الأخبار عليه ، ويضعف ما اعتمد عليه وصار إليه وإن تبعه فيه من تبعه من غير تأمل ولا تدبر في المقام. ومنه يظهر أن جميع الأخبار كلها متفقة الدلالة على القول المشهور بحمل مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها. والله العالم.

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.

(5) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة.


ثم إن في هذا المقام فوائد الأولى ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا يجوز إخراج ما عدا الأجناس المتقدم ذكرها من كونها أربعة أو سبعة أو خمسة أو القوت الغالب إلا بالقيمة ، إلا أن كلامهم في هذا المقام مع اختيارهم القول المشهور لا يخلو من اضطراب.

قال المحقق في المعتبر : الركن الثاني في جنسها وقدرها ، والضابط إخراج ما كان قوتا غالبا كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط واللبن وهو مذهب علمائنا. ثم قال بعد ذلك قال الشيخ في الخلاف : لا يجزئ الدقيق والسويق من الحنطة والشعير على أنهما أصل ويجزئان بالقيمة. ثم نقل عن بعض فقهائنا قولا بجواز إخراجهما أصالة وقال : الوجه ما ذكره الشيخ في الخلاف ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نص على الأجناس المذكورة فيجب الاقتصار عليها أو على قيمتها. ثم قال بعد ذلك : ولا يجزئ الخبز على أنه أصل ويجزئ بالقيمة وقال شاذ منا يجزئ لأن نفعه معجل ، وليس بوجه لاقتصار النص على الأجناس المعينة فلا يصار إلى غيرها إلا بالقيمة. انتهى. أقول : ومراده بالبعض المخالف في كل من الموضعين هو ابن إدريس.

ونحوه قال العلامة في المنتهى حيث قال : البحث الثالث في قدرها وجنسها ، ثم قال : الجنس ما كان قوتا غالبا كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط واللبن ذهب إليه علماؤنا أجمع. ثم استدل على كل من هذه الأجناس بما تقدم من الروايات إلى أن قال : قال الشيخ في الخلاف لا يخرج الدقيق. إلى آخر ما تقدم نقله في عبارة المعتبر. ثم نقل عن أبي حنيفة وأحمد جواز إخراج هذه الأشياء أصلا لا قيمة (1) قال وبه قال ابن إدريس منا. ثم قال : والأقرب ما قاله الشيخ ، لنا أن المنصوص الأجناس المعدودة فيقتصر عليها. إلى أن قال أيضا : وفي إجزاء الخبز على أنه أصل لا قيمة تردد أقربه عدم الإجزاء خلافا لابن إدريس. إلى أن قال

__________________

(1) المغني ج 3 ص 63 وبدائع الصنائع ج 2 ص 72.


لنا أن النص يتناول الأجناس المعينة فلا يصار إلى غيرها إلا بدليل ولم يقع على المتنازع فيه دليل ، والقياس على الطعام ضعيف. ونحوه كلامه في المختلف أيضا.

وأنت خبير بأن الظاهر من هذا الكلام ـ ونحوه أيضا من ما تقدم من عبارة الشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ في كتابي الخلاف والمبسوط حيث اختاروا القول بوجوب الزكاة من القوت الغالب وفسروه بهذه السبعة ـ أنه ليس المراد بالقوت الغالب مطلقا بل ما كان غالبا من هذه الأفراد المنصوصة ، وكأنه بناء منهم على أن غالب الأقوات هي هذه السبعة وأن النصوص إنما وردت بها من حيث كونها كذلك ، وهو يرجع إلى ما حققناه سابقا من أن ما اشتمل من النصوص على فردين أو ثلاثة أو أربعة زيادة ونقصانا وتغييرا وتبديلا إنما خرجت مخرج التمثيل وهو وجه الجمع بين روايات المسألة ، وحيث كانت هذه الأشياء المذكورة ليست مذكورة في النصوص فلا يجوز إخراجها أصلا بل قيمة ، إلا أن المحقق في الشرائع قد نص على كون الدقيق والخبز من ما يخرج أصلا لا قيمة حيث قال : والضابط إخراج ما كان قوتا غالبا كالحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما والتمر والزبيب والأرز واللبن ومن غير ذلك يخرج بالقيمة السوقية. ومثله العلامة في القواعد أيضا حيث قال : المطلب الثالث في الواجب وهو صاع من ما يقتات به غالبا كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز واللبن والأقط والدقيق والخبز أصلا ويخرج من غيرها بالقيمة السوقية.

ثم إن هنا روايات أخر غير ما تقدم مشتملة على زيادة على السبعة المذكورة مثل صحيحة محمد بن مسلم (1) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول الصدقة لمن لا يجد الحنطة والشعير يجزئ عنه القمح والعدس والذرة نصف صاع من ذلك كله. الحديث».

وما رواه في الفقيه (2) مرسلا قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام من لم يجد الحنطة

__________________

(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.

(2) ج 2 ص 115 وفي الوسائل الباب 8 من زكاة الفطرة.


والشعير أجزأ عنه القمح والسلت والعلس والذرة».

ورواية الفضلاء عن الباقر والصادق (عليهما‌السلام) (1) قالوا : «سألناهما عن زكاة الفطرة قالا صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو نصف ذلك كله حنطة أو دقيق أو سويق أو ذرة أو سلت. الحديث».

وظاهر الأصحاب الجواب عن هذه الأفراد الزائدة إما بالحمل على القيمة أو الحمل على عدم إمكان الإخراج من تلك الأجناس ، ويؤيد الثاني صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة ومرسلة الفقيه ، وأما الأول فمحل إشكال كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى قالوا : والسلت إن كان نوعا من الشعير فلا بأس بإخراجه أصالة وإلا تعين أن يكون بالقيمة. والظاهر أن منشأ هذه التأويلات التعويل على الإجماع المدعى على السبعة المذكورة كما عرفت.

بقي الكلام في ما لو كان غالب القوت غير هذه السبعة المذكورة ، وظاهر كلامهم المتقدم عدم الإجزاء لخروجه عن المنصوص من تلك الأفراد كما ردوا به كلام ابن إدريس في الدقيق والخبز ، إلا أن الأقرب الإجزاء عملا بعموم الأخبار المتقدمة من قوله عليه‌السلام في رواية زرارة وابن مسكان (2) «الفطرة على كل قوم من ما يغذون عيالاتهم من لبن أو زبيب أو غيره». وقوله في مرسلة يونس (3) «الفطرة على كل من اقتات قوتا فعليه أن يؤدي من ذلك القوت». وقوله في رواية الهمداني «ومن سوى ذلك فعليهم ما غلب قوتهم». وحينئذ فتحمل أخبار السبعة على ما إذا كانت هي القوت الغالب.

نعم يبقى الكلام في الدليل على ما ذكروه من جواز جعل ما عدا هذه الأجناس قيمة عن الواجب وسيأتي الكلام فيه.

ثم إنه ينبغي أن يعلم أنه ليس مرادهم بالقوت الغالب من هذه السبعة يعني

__________________

(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.

(2 و 3) الوسائل الباب 8 من زكاة الفطرة.


باعتبار كل بلدة وما غلب على قوتها بل مرادهم هذه الأجناس مطلقا ، فلو كان غالب قوت أهل بلد التمر مثلا لم يتعين عليهم التمر بل يجوز لهم إخراج غيره من هذه الأفراد المتقدمة ، وبذلك صرح العلامة في المنتهى والمحقق في المعتبر.

ومن ما حققناه في المقام يتضح لك ما في اعتراض السيد السند في المدارك على كلام المحقق المتقدم نقله عن المعتبر حيث نقله (قدس‌سره) كما نقلناه وقال بعد نقله : هذا كلامه (قدس‌سره) وهو جيد لكنه رجوع عن ما أفهمه ظاهر كلامه في الضابط الذي ذكره أولا ، اللهمّ إلا أن يقال بانحصار القوت الغالب في هذه الأنواع السبعة وهو بعيد. انتهى. فإن فيه أنه لا بعد فيه بل هو الظاهر كما لا يخفى على من لاحظ البلدان في كل قطر ومكان ، وهذا الكلام كما عرفت ليس مختصا بالمحقق المذكور بل هو ظاهر جملة من المتقدمين والمتأخرين كما عرفت ، ومنهم شيخه المحقق الأردبيلي أيضا في شرح الإرشاد حيث قال : أما الجنس فهو ما كان قوتا غالبا كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط واللبن. وقد عرفت نقل العلامة في المنتهى والمحقق في المعتبر الإجماع على ذلك ، ومثلهما عبارة الشيخ في الخلاف ، وحينئذ فلا معنى لاستبعاده ذلك إلا أن يكون غفلة عن مراجعة كلامهم في المقام.

وكيف كان فالأحوط الاقتصار على الحنطة والشعير في البلدان التي يكون مدار أهلها عليهما والتمر في البلدان التي يكون مدار أهلها عليه وهكذا غيرها من الأجناس المنصوصة التي يكون مدار أهل تلك البلاد عليها.

الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أفضل ما يخرج في الزكاة فقال ابنا بابويه والشيخان وابن أبي عقيل إن أفضل ما يخرج التمر قال الشيخ ثم الزبيب ، وهو قول ابن البراج في كامله والمحقق في شرائعه ، وفي الشرائع : ويليه أن يخرج كل إنسان ما يغلب على قوته. وقال ابن البراج في المهذب : التمر والزبيب هو أفضل ما يخرج في الفطرة. وقال سلار : فأما ما يخرج في الفطرة فأفضله أقوات أهل البلاد من التمر والزبيب والحنطة والشعير والأرز والأقط واللبن ، إلا أنه


إن اتفق أن يكون في بلد بعض هذه الأشياء أغلى سعرا وهو موجود فإخراجه أفضل ما لم يجحف ، وروي أن التمر أفضل. وقال الشيخ في المبسوط : الأفضل أن يخرج من قوته أو ما هو أغلى منه ، وأفضل ما يخرجه التمر. وقال الشيخ في الخلاف : المستحب ما يكون غالبا على قوت البلد ، وهو ظاهر اختيار المحقق في المعتبر حيث قال بعد أن اختار في صدر المسألة إن الأفضل التمر ثم ساق الأقوال. إلى أن قال : وقال آخرون ما يغلب على قوت البلد ولعل هذا أجود لرواية العسكري عليه‌السلام المتضمنة لتمييز الفطرة وما يستحب أن يخرجه أهل كل إقليم.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «التمر في الفطرة أفضل من غيره لأنه أسرع منفعة وذلك أنه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه».

وما رواه عن زيد الشحام (2) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام لأن أعطي صاعا من تمر أحب إلي من أن أعطي صاعا من ذهب في الفطرة».

وما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا (3) قال : «قال الصادق عليه‌السلام لأن أعطي في الفطرة صاعا من تمر أحب إلي من أعطي صاعا من تبر».

وما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (4) قال : «سألته عن صدقة الفطرة؟ قال عن كل رأس من أهلك صاع» وقد تقدم إلى أن قال في آخره : «وقال التمر أحب إلي فإن لك بكل تمرة نخلة في الجنة».

وما رواه عن منصور بن خارجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (5) قال : «سألته عن صدقة الفطرة؟ قال صاع من تمر أو نصف صاع من حنطة أو صاع من شعير والتمر أحب إلي».

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 10 من زكاة الفطرة.

(4) الوسائل الباب 5 و 10 من زكاة الفطرة.

(5) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.


وما رواه في الموثق عن إسحاق بن عمار (1) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن صدقة الفطرة؟ قال التمر أفضل».

وما رواه في الصحيح عن الحلبي (2) في حديث في صدقة الفطرة بعد ذكر الحنطة والشعير والتمر والزبيب قال : «وقال التمر أحب ذلك إلي».

وما رواه عن إسحاق بن المبارك عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (3) في حديث في الفطرة قال : «صدقة التمر أحب إلي لأن أبي عليه‌السلام كان يتصدق بالتمر. ثم قال : ولا بأس أن يجعلها فضة والتمر أحب إلي».

وما رواه الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا (4) قال : «سئل الصادق عليه‌السلام عن الأنواع أيها أحب إليك في الفطرة؟ فقال أما أنا فلا أعدل عن التمر للسنة شيئا».

وأنت خبير بأنه لا معدل بعد هذه الأخبار عن القول الأول ولعل من أضاف الزبيب إلى التمر أو جعله بعده في المرتبة اعتمد على التعليل الذي في صحيحة هشام المتقدمة فإنه يقتضي مساواة الزبيب للتمر في ذلك ، وفيه ما فيه. وأما من ذهب إلى القوت الغالب فالظاهر أنه اعتمد على رواية الهمداني المتقدمة كما يدل عليه كلام المحقق في المعتبر ، ومثلها في ذلك رواية يونس المتقدمة أيضا ورواية ابن مسكان المتقدمة أيضا. والجمع بين الأخبار يقتضي حمل ما اشتملت عليه هذه الروايات من القوت الذي يقتاتون به على المرتبة الثانية في الفضل بعد التمر كما دلت عليه عبارة الشرائع المتقدمة.

الثالثة ـ الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز إخراج القيمة السوقية عن ما وجب من الفطرة سواء وجدت الأنواع المنصوصة أم لم توجد.

وعلى ذلك دلت الأخبار المستفيضة : ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح

__________________

(1 و 3 و 4) الوسائل الباب 10 من زكاة الفطرة.

(2) الوسائل الباب 6 و 10 من زكاة الفطرة.


عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (1) قال : «بعثت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام بدراهم لي ولغيري وكتبت إليه أخبره أنها من فطرة العيال فكتب عليه‌السلام إلي بخطه : قبضت».

وما رواه الكليني في الصحيح عن أيوب بن نوح (2) قال : «كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام إن قوما سألوني عن الفطرة ويسألوني أن يحملوا قيمتها إليك وقد بعثت إليك هذا الرجل عام أول وسألني أن أسألك فأنسيت ذلك وقد بعثت إليك العام عن كل رأس من عيالي بدرهم على قيمة تسعة أرطال بدرهم فرأيك جعلني الله فداك في ذلك؟ فكتب عليه‌السلام الفطرة قد كثر السؤال عنها وأنا أكره كل ما أدى إلى الشهرة فاقطعوا ذكر ذلك واقبض ممن دفع لها وأمسك عن من لم يدفع».

وما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد في الصحيح (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون عنده الضيف. إلى أن قال : وسألته يعطي الرجل الفطرة دراهم ثمن التمر والحنطة فيكون أنفع لأهل بيت المؤمن؟ قال لا بأس».

وموثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (4) قال : «لا بأس بالقيمة في الفطرة».

وموثقته الأخرى (5) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الفطرة؟ قال الجيران أحق بها ولا بأس أن تعطي قيمة ذلك فضة».

وموثقته الأخرى أيضا (6) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن تعجيل الفطرة بيوم؟ فقال لا بأس به. قلت فما ترى أن نجمعها ونجعل قيمتها ورقا ونعطيها رجلا واحدا مسلما؟ قال لا بأس به».

ورواية إسحاق بن عمار الصيرفي (7) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك ما تقول في الفطرة يجوز أن أؤديها فضة بقيمة هذه الأشياء التي سميتها؟

__________________

(1 و 2 و 4 و 5 و 7) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة.

(3) الوسائل الباب 5 و 9 من زكاة الفطرة.

(6) الوسائل الباب 12 و 9 من زكاة الفطرة.


قال نعم إن ذلك أنفع له يشتري ما يريد».

ورواية سليمان بن حفص المروزي (1) قال : «سمعته يقول إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة. والصدقة بصاع من تمر أو قيمته في تلك البلاد دراهم».

ورواية أبي علي بن راشد (2) قال : «سألته عن الفطرة لمن هي؟ قال للإمام. قال قلت له فأخبر أصحابي؟ قال : نعم من أردت أن تطهره منهم. وقال : لا بأس بأن تعطي وتحمل ثمن ذلك ورقا».

إذا عرفت ذلك فاعلم أن ظاهر كلام الأصحاب وبه صرح الشيخ (قدس‌سره) هو جواز إخراج القيمة نقدا كانت أو جنسا كما ينادي به كلامهم في المسألة المتقدمة من أنه يجوز إخراج ما عدا الأجناس المنصوصة بالقيمة ، قال الشيخ في المبسوط : يجوز إخراج القيمة عن أحد الأجناس التي قدرناها سواء كان الثمن سلعة أو حبا أو خبزا أو ثيابا أو دراهم أو شيئا له ثمن بقيمة الوقت. ولا يخفى أن الأخبار التي قدمناها كلها متفقة الدلالة في كون القيمة المرخص فيها إنما هي من النقد خاصة ، نعم موثقة إسحاق بن عمار الأولى مطلقة وحملها على غيرها من الأخبار متعين ، ويؤيده أن المتبادر من لفظ القيمة إنما هو النقد سيما مع وجود التعليل الدال على ذلك في بعضها. وإلى التخصيص بالنقد يميل كلام ابن إدريس كما نقله عنه في المختلف ، وإليه يميل كلام المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد ، وهو الظاهر والعلامة في المختلف ـ بعد أن نقل كلام الشيخ المتقدم وكلام ابن إدريس عليه ونزاعه للشيخ ـ اختار كلام الشيخ (قدس‌سره) واستدل عليه بأدلة أظهرها موثقة إسحاق بن عمار المشار إليها وقد عرفت ما فيها.

وبالجملة فإني لا أعرف لهذا القول دليلا سوى الشهرة ، نعم ربما يمكن الاستدلال على ذلك بصحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «سألته

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة.


تعطى الفطرة دقيقا مكان الحنطة؟ قال : لا بأس يكون أجر طحنه بقدر ما بين الحنطة والدقيق».

وظاهر المحقق في المعتبر الاستدلال بهذه الرواية على ذلك حيث أنه ـ بعد أن نقل عن الشيخ في الخلاف أنه لا يجزئ الدقيق والسويق من الحنطة والشعير على أنهما أصل ويجزئان بالقيمة ـ قال روى عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام. ثم ساق الرواية. ويظهر ذلك من العلامة في المنتهى حيث إنه نقل هذه الرواية دليلا لابن إدريس في جواز إخراج الدقيق أصلا ثم أجاب عنها بأن فيها تنبيها على اعتبار القيمة لأنه عليه‌السلام ذكر المساواة بين أجرة الطحن والتفاوت.

أقول : الظاهر أن معنى الرواية المذكورة هو أن السائل سأل عن إعطاء الدقيق الذي يحصل من صاع الحنطة بعد طحنه هل يجزئ عن صاع الحنطة أم لا؟ فأجاب عليه‌السلام أنه يجزئ لأنه تكون أجرة الطحن في مقابلة التفاوت الذي بين الحنطة والدقيق ، ولا دلالة في الرواية على كونه قيمة عن الحنطة إن كان إلا من حيث قوله «مكان الحنطة» أي عوضا عنها ، وهو غير ظاهر في ذلك إذ يجوز أن يكون السائل توهم انحصار جواز الإعطاء في الحنطة دون دقيقها فأجابه عليه‌السلام بأنه لا ينحصر فيها بل يجزئ إعطاء الدقيق ، وكونه أقل من الصاع بعد الطحن يكون في مقابلة أجرة الطحن التي دفعها المالك ، وحينئذ فلا دلالة في الخبر المذكور.

ومن ما ذكرنا يعلم أن ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) في المسألة المتقدمة من جواز إخراج بعض الأجناس قيمة عن الأجناس الواجبة في الفطرة من ما لا دليل عليه سوى مجرد الشهرة بينهم.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن المشهور بين الأصحاب هو إخراج القيمة بسعر الوقت ، ونقل في المعتبر أن بعض الأصحاب قدرها بدرهم وآخرون بأربعة دوانيق

وقال الشيخ المفيد في المقنعة (1) «وسئل ـ يعني الصادق عليه‌السلام ـ عن القيمة مع وجود النوع فقال لا بأس بها. وسئل عن مقدار القيمة فقال درهم في الغلاء

__________________

(1) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة.


والرخص. وروى إن أقل القيمة في الرخص ثلثا درهم. وذلك متعلق بقيمة الصاع في وقت المسألة عنه ، والأصل إخراج القيمة عنها بسعر الوقت الذي تجب فيه. انتهى

وقد ورد بالدرهم خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) وفيه «لا بأس أن يعطيه قيمتها درهما». والظاهر حمله على قيمة الوقت وأنه يومئذ كان كذلك كما يدل عليه خبر أيوب بن نوح المتقدم.

الرابعة ـ قد صرح جمع من الأصحاب بأنه لا يجزئ إخراج صاع واحد من جنسين وقيده بعضهم بما إذا كان أصالة أما بالقيمة فيجوز ، واستقرب العلامة في المختلف الجواز أصالة ، والأظهر هو القول الأول لما مر في غير خبر من الأخبار المتقدمة (2) من قولهم : «صاع من حنطة أو صاع من شعير أو صاع من تمر أو من زبيب». ونحو ذلك ، وهي صريحة في وجوب إخراج الصاع من جنس معين فلا يحصل الامتثال بدونه.

احتج العلامة بأن المطلوب شرعا إخراج الصاع وليس تعيين الصاع معتبرا في نظر الشرع وإلا لما جاز التخيير ، ولأنه يجوز إخراج الأصواع المختلفة من الشخص الواحد عن جماعة فكذا الصاع الواحد. إلى آخر كلامه الذي من هذا القبيل من ما لا يشفي العليل ولا يبرد الغليل.

المقام الثاني ـ في المقدار ، الظاهر أنه لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) في أن القدر الواجب في زكاة الفطرة صاع وهو قول أكثر العامة أيضا (3) ويدل على ذلك أخبار كثيرة مستفيضة قد تقدم كثير منها لا ضرورة إلى إعادته ولا التطويل بنقل غيرها.

نعم قد ورد بإزائها ما يدل على خلافها مثل ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (4) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صدقة الفطرة؟ فقال على كل من يعول الرجل. إلى أن قال : صاع من تمر أو نصف صاع من بر ، والصاع أربعة أمداد».

__________________

(1) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة.

(2) ص 279 و 280.

(3) المغني ج 3 ص 57.

(4) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.


وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) «في صدقة الفطرة؟ فقال : تصدق عن جميع من تعول. إلى أن قال : على كل إنسان نصف صاع من حنطة أو صاع من تمر أو صاع من شعير ، والصاع أربعة أمداد».

وفي صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) (2) «أنهما قالا : على الرجل أن يعطي عن كل من يعول. إلى أن قالا : فإن أعطى تمرا فصاع لكل رأس وإن لم يعط تمرا فنصف صاع لكل رأس من حنطة أو شعير والحنطة والشعير سواء ما أجزأ عنه الحنطة فالشعير يجزئ عنه».

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «صدقة الفطرة على كل رأس من أهلك. إلى أن قال : عن كل إنسان نصف صاع من حنطة أو شعير والحنطة والشعير سواء ما أجزأ عنه الحنطة فالشعير يجزئ».

قال الشيخ (قدس‌سره) في كتابي الأخبار : هذه الأخبار وما يجري مجراها خرجت مخرج التقية ووجه التقية فيها أن السنة كانت جارية في إخراج الفطرة بصاع من كل شي‌ء فلما كان زمن عثمان وبعده في أيام معاوية جعل نصف صاع من حنطة بإزاء صاع من تمر وتابعهم الناس على ذلك (4) فخرجت هذه الأخبار وفاقا لهم على جهة التقية انتهى. وهو جيد.

ويدل عليه ما رواه في التهذيب عن سلمة أبي حفص عن أبي عبد الله عليه‌السلام (5) قال : «صدقة الفطرة على كل صغير وكبير. إلى أن قال : صاع من تمر أو صاع

__________________

(1 و 5) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.

(2) الوسائل الباب 12 و 6 من زكاة الفطرة.

(3) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة. وليس قوله : «والحنطة والشعير. إلى آخره» جزء من هذه الصحيحة وإنما هو جزء من الصحيحة المتقدمة فقط كما في التهذيب ج 1 ص 369 والإستبصار ج 2 ص 42 والوافي ـ باب من تجب عنه الفطرة ومن لا تجب ـ والوسائل.

(4) سنن البيهقي ج 4 ص 165 ونيل الأوطار ج 4 ص 190 والمغني ج 3 ص 58.


من شعير أو صاع من زبيب ، فلما كان زمن عثمان حوله مدين من قمح».

أقول : القمح بالقاف والحاء المهملة الحنطة كما هو المعروف من اللغة والعرف إلا إن صحيحة محمد بن مسلم وكذا مرسلة الفقيه المتقدمتين في الفائدة الأولى من الفوائد الملحقة بالمقام الأول (1) يشعران بخلاف ذلك ، ومثلهما في روايات العامة (2) إلا أن روايات العامة قابلة للتأويل.

وما رواه في الصحيح عن أبي عبد الرحمن الحذاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام (3) «أنه ذكر صدقة الفطرة. إلى أن قال صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من ذرة ، فلما كان زمن معاوية وخصب الناس عدل الناس ذلك إلى نصف صاع من حنطة».

وعن إبراهيم بن أبي يحيى عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (4) «أن أول من جعل مدين من الزكاة عدل صاع من تمر عثمان».

وعن معاوية بن وهب في الصحيح (5) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في الفطرة : جرت السنة بصاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير فلما كان زمن عثمان وكثرت الحنطة قومه الناس فقال نصف صاع من بر بصاع من شعير».

وعن ياسر القمي عن الرضا عليه‌السلام (6) قال : «الفطرة صاع من حنطة وصاع من شعير وصاع من تمر وصاع من زبيب وإنما خفف الحنطة معاوية».

والمفهوم من هذه الأخبار أن الحنطة كانت في الصدر الأول قليلة وأنهم إنما يخرجون الزكاة من التمر أو الزبيب أو الشعير ، ولما كان زمان عثمان وكثرت الحنطة فأرادوا إعطاء الزكاة منها وكان قيمتها ضعف قيمة الشعير قوموها ووازنوا قيمة الصاع من الشعير بنصف الصاع من الحنطة فأعطوا من الحنطة نصف صاع ، وبعد

__________________

(1) ص 284.

(2) سنن البيهقي ج 4 ص 167 ونيل الأوطار ج 4 ص 193.

(3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.


موت عثمان ورجوع الخلافة إلى مقرها ومستقرها انتسخت تلك البدعة ، ولما انتقلت إلى معاوية أحيى سنة عثمان ، ومن أجل ذلك نسب ذلك في بعض الأخبار إلى عثمان وفي بعض إلى معاوية ، ووجه الجمع ما ذكرناه.

وروى المحقق في المعتبر مرسلا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (1) «أنه سئل عن الفطرة فقال : صاع من طعام. فقيل أو نصف صاع؟ فقال (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ)» (2).

بقي الكلام في أنه قد ورد النصف في غير الحنطة أيضا في الأخبار المتقدمة وهو غير قابل لهذا التأويل لإطباق الكل على خلافه ، والشيخ قد أورد الأخبار المتضمنة لذلك فقال إنها محمولة على التقية (3) واستدل بالأخبار الواردة في الحنطة خاصة ، ولم أر من تعرض للجواب عن ذلك بوجه.

وأما قدر الصاع فقد تقدم بيانه في الزكاة المالية.

ثم إن الشيخ وجماعة من الأصحاب قد ذكروا أنه يجزئ من اللبن أربعة أرطال ، ومستندهم في ذلك إلى ما رواه الشيخ عن القاسم بن الحسن رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام (4) قال : «سئل عن الرجل في البادية لا يمكنه الفطرة؟ قال يتصدق بأربعة أرطال من لبن». ورواه الكليني في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه رفعه عن أبي عبد الله عليه‌السلام (5).

ولا يخفى أن الخروج عن تلك الأخبار المستفيضة بوجوب الصاع بمثل هذا الخبر الضعيف السند المجمل القابل للتأويل مشكل ، فإن الأرطال فيه غير معلومة بأنها من الأرطال المدنية أو العراقية والصاع كما تقدم ستة بالمدني وتسعة بالعراقي ، وظاهر الخبر عدم التمكن من الفطرة فيمكن حمله على الاستحباب. واحتمل بعض الأصحاب

__________________

(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.

(2) سورة الحجرات الآية 12.

(3) المغني ج 3 ص 57 ونيل الأوطار ج 4 ص 193.

(4 و 5) الوسائل الباب 7 من زكاة الفطرة.


أن وضع الأرطال هنا موضع الأمداد وقع سهوا من الراوي ، ولا يخلو عن قرب بأن يكون معنى قوله : «لا يمكنه الفطرة» يعني من الغلات.

والشيخ قد فسر الأرطال هنا بالمدنية استنادا إلى ما رواه عن محمد بن أحمد عن محمد بن عيسى عن محمد بن الريان (1) قال : «كتبت إلى الرجل عليه‌السلام أسأله عن الفطرة وزكاتها كم تؤدى؟ فكتب أربعة أرطال بالمدني». مع أنه بعد ذكر هذه الرواية احتمل فيها وجهين : أحدهما أن يكون أربعة أمداد فصحف الراوي ، والثاني أنه أراد أربعة أرطال من اللبن والأقط لأن من كان قوته ذلك يجب عليه منه القدر المذكور أقول : ويحتمل أيضا تبديل الستة بالأربعة وهو الأوفق بتقييده بالمدني.

وبالجملة فالخروج عن تلك الأخبار بمثل هذين الخبرين المجملين مشكل ، ولذا قال في المعتبر : والرواية في الضعف على ما ترى.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عن المعتبر : وكأن الوجه في ذلك إطباق الأصحاب على ترك العمل بظاهرها وإلا فهي معتبرة الإسناد. انتهى.

أقول : فيه أولا ـ أن الصحة على الوجه الصحيح والنهج الصريح إنما هو عبارة عن مطابقة مضمون الرواية لمقتضى الأصول والقواعد والكتاب والسنة المستفيضة واتفاق الأصحاب ونحو ذلك صح سندها باصطلاحه أو ضعف ، والصحة باعتبار الأسانيد كما عليه أصحاب هذا الاصطلاح إنما هي صحة مجازية وإلا فالواجب عليه القول بمضمون هذه الرواية لصحة سندها واعتباره عنده وإن أطبق الأصحاب على ترك العمل بها ولا أراه يتفوه به ، ومثل ذلك في الأخبار من ما صح سنده وأعرض الأصحاب عنه كثير كما لا يخفى على المتتبع.

وثانيا ـ أنه لا يخفى أن محمد بن عيسى في سند الخبر مشترك بين العبيدي والأشعري وهو دائما يعد حديث العبيدي في الضعيف ويرد حديثه كما عليه أكثر أصحاب هذا الاصطلاح فكيف يدعي إن الرواية معتبرة الإسناد؟

__________________

(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الفطرة.


الفصل الثالث ـ في وقت وجوبها والبحث في هذا الفصل يقع في مواضع :

الأول ـ في مبدأ وقت الوجوب ، وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك ، فقيل إنها تجب بغروب شمس آخر يوم من شهر رمضان ، وهو المنقول عن الشيخ في الجمل والاقتصاد وهو اختيار ابن حمزة وابن إدريس وبه صرح المحقق في المعتبر والشرائع والعلامة في المنتهى والمختلف وسائر كتبه واختاره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، والظاهر أنه هو المشهور بين المتأخرين ، وقيل إن أول وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم الفطر ، كذا قاله ابن الجنيد واختاره المفيد في المقنعة والرسالة الغرية والسيد المرتضى وأبو الصلاح وابن البراج وسلار وابن زهرة ، كذا نقله عنهم في المختلف ، وإلى هذا القول مال السيد السند في المدارك. ونقل في المختلف أيضا عن ابني بابويه أنهما قالا : وإن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه ، وكذا إذا أسلم الرجل قبل الزوال أو بعده. وهذه العبارة مشعرة بامتداد وقت الوجوب إلى الزوال كما فهمه الأصحاب منها ونسبوه إليهما ، قال شيخنا الشهيد في البيان : ويظهر من ابني بابويه أن تجدد الشرائط ما بين طلوع الفجر إلى الزوال مقتضية للوجوب كما لو أسلم الكافر أو تجدد الولد. أقول : والعبارة المنقولة عنهما عبارة كتاب الفقه الرضوي (1).

والظاهر عندي هو القول الأول ، ويدل عليه ما رواه في الفقيه عن علي بن أبي حمزة عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) «في المولود يولد ليلة الفطر واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر؟ قال ليس عليهم فطرة. ليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر».

وما رواه الشيخ في التهذيب والكليني في الصحيح عن معاوية بن عمار أيضا (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مولود ولد ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال لا قد

__________________

(1) ص 25.

(2 و 3) الوسائل الباب 11 من زكاة الفطرة.


خرج الشهر. وسألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال لا».

احتج في المدارك على القول الثاني حيث إنه هو المعتمد عنده فقال : لنا ـ أن الوجوب في هذا الوقت متحقق وقبله مشكوك فيه فيجب الاقتصار على المتيقن.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفطرة متى هي؟ فقال قبل الصلاة يوم الفطر. قلت فإن بقي منه شي‌ء بعد الصلاة؟ قال لا بأس نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى فنقسمه».

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن إبراهيم بن ميمون (2) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام الفطرة إن أعطيت قبل أن تخرج إلى العيد فهي فطرة وإن كانت بعد ما تخرج إلى العيد فهي صدقة».

والجواب : أما عن الأول فبأن ما ادعاه ـ من أن الوجوب قبل الوقت الذي ذكره مشكوك فيه ـ محل منع فإنه بعد قيام الدليل الصحيح الصريح عليه لا شك فيه ولا مرية تعتريه.

وأما عن الروايتين المذكورتين فإن موردهما إنما هو وقت الإخراج لا وقت الوجوب ، وهاهنا شيئان وقت وجوب الفطرة وتعلقها بالذمة واشتغالها بها ووقت وجوب إخراجها ومحل البحث هو الوقت الأول ، وقد دل الخبران الأولان على أن وجوبها منوط بمن يمضي عليه جزء من شهر رمضان ويهل عليه هلال شوال مستكملا لشروط الوجوب ، كالمولود يولد والكافر يسلم والعبد يشترى والفقير يصير غنيا والصغير يبلغ والمعال يبقى في العيلولة ونحو ذلك من الفروع التي يتفرع على ذلك ، ولو لم يتجدد شي‌ء من هذه المذكورات إلا بعد الهلال فإنه لا يتعلق به الوجوب بنص الخبرين المذكورين. وأما وقت وجوب الإخراج فالمفهوم من الأخبار كالخبرين المذكورين أنه قبل الصلاة ، وقيل قبل الزوال بناء على حمل الصلاة

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة.


في الأخبار على وقت الصلاة وأن وقتها ممتد إلى الزوال. وفيه ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

ومن العجب أنه مع تصلبه في اصطلاحه ورده الأخبار الضعيفة والطعن فيها يستدل هنا برواية إبراهيم بن ميمون ويصفها بالصحة باعتبار صحة السند إليه حيث إنه أراد الاستدلال بها مع رده لها في ثالث هذه المقالة ـ في مسألة انتهاء وقت الفطرة ـ بجهالة الراوي (1).

وأما ما أجاب به عن صحيحة معاوية بن عمار لما نقلها دليلا للقول الأول ـ حيث قال : وعن الرواية أنها إنما تدل على وجوب الإخراج عن من أدرك الشهر لا على أن أول وقت الإخراج الغروب وأحدهما غير الآخر. انتهى ـ

فلا يخفى ما فيه على المتأمل فإن محل النزاع ومحط البحث كما عرفت إنما هو في بيان وقت وجوب الفطرة وتعلقها بالمكلف وإخراجها عن نفسه ومن يعوله وقد اعترف بدلالة الرواية عليه ، وليس محل النزاع وقت وجوب الإخراج كما يعطيه كلامه حتى إنه بمنع دلالة الرواية على ذلك يسقط الاستدلال بها.

وهذا ظاهر كتب الأصحاب كالمعتبر والمنتهى والمختلف وغيرها فإن خلاف ابن الجنيد ومن معه في المسألة إنما هو في أصل تعلق الوجوب بالمكلف عن نفسه أو غيره ، ولهذا إن العلامة في المختلف قد استدل لهم بصحيحة العيص بن القاسم بالتقريب الذي ذكره العامة في روايتهم المطابقة للصحيحة المذكورة.

وبيانه أن المحقق (قدس‌سره) في المعتبر ـ بعد أن ذكر أنه تجب الفطرة بغروب الشمس آخر يوم من شهر رمضان ـ قال : وقال ابن الجنيد وجماعة من الأصحاب تجب بطلوع الفجر يوم العيد وبه قال أبو حنيفة لما رواه ابن عمر (2)

__________________

(1) سيأتي نقل ذلك عنه في الموضع الثاني ص 302.

(2) سنن البيهقي ج 4 ص 174 ونيل الأوطار ج 4 ص 191 والمغني ج 3 ص 67.


«أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأمرنا أن نخرج الفطرة قبل الخروج إلى المصلى». وهو لا يأمر بتأخير الواجب عن وقته. ثم إن المحقق استدل على ما قدمه بما ذكره الشارح هنا من الدليل العقلي ثم صحيحة معاوية بن عمار ، ثم قال : وحجة أبي حنيفة ضعيفة لاحتمال أن يكون الأفضل إخراجها قبل الصلاة. وقوله : «لا يأمر بالتأخير عن وقت الوجوب» قلنا : متى إذا لم يشتمل التأخير على مصلحة أم إذا اشتمل؟ وهنا التأخير مشتمل على مصلحة لأنه يجمع فيه بين إيتاء الزكاة والصلاة كما تؤخر المغرب لمن أفاض من عرفة إلى المشعر ليجمع بينها وبين العشاء وإن كان التقديم جائزا ، ولأن حاجة الفقير إليها نهارا فكان دفعها في وقت الحاجة أفضل من دفعها ليلا. وقوله : «كان يأمر بإخراج الزكاة قبل الخروج» لا يدل على أن ذلك الوقت وقت الوجوب بإجماع الناس لأن الصلاة لا تكون إلا بعد طلوع الشمس وانبساطها والوجوب عنده يتحقق مع طلوع الفجر فقد صارت حجته غير دالة على موضع النزاع. انتهى.

ولم ينقل في المقام دليل لمذهب ابن الجنيد من طرق الأصحاب ، وفي المختلف استدل لهم بصحيحة العيص بهذا التقريب ورده بما ذكره في المعتبر وإن كان بطريق أخصر.

وحينئذ فقد علم من ذلك أن مدلول الرواية وموردها إنما هو بيان وقت الإخراج ، ولكنهم إنما استدلوا بها على تعلق أصل الوجوب من حيث قبح التأخير عن وقت الوجوب ، فهو إنما أمر بالإخراج في هذا الوقت لأنه هو الوقت الذي تعلق فيه الوجوب بالمكلف.

وبذلك يظهر لك صحة ما قلناه وهو أن أصل المسألة ومحل البحث والخلاف إنما هو في وقت تعلق الوجوب لا وقت الإخراج كما يعطيه كلامه.

ولهذا إن الشيخ وكذلك المحقق في المعتبر والشرائع والعلامة في كتبه فرعوا على ما اختاروه من تعلق الوجوب بغروب شمس آخر نهار يوم من شهر رمضان فروعا : منها ـ لو وهبه عبدا قبل الهلال ولم يقبض ، ومنها ـ لو أوصى له بعبد


ومات الموصي فإن قبل قبل الهلال فعليه فطرته وإن قبل بعده قال الشيخ لم يلزم أحدا فطرته لأنه ليس ملكا لأحد ، ومنها ـ لو مات وعليه دين وله عبد ففطرته في تركته ، ولو مات قبل الهلال لم يلزم أحدا فطرته لأنه ليس ملكا لأحد. وهذا كما ترى كله ظاهر في أن محل البحث إنما هو أصل تعلق الوجوب لا وجوب الإخراج وبالجملة فكلامه هنا وقع على سبيل الاستعجال وعدم التأمل في المقام.

الموضع الثاني ـ في آخر وقت وجوب الإخراج ، وقد اختلف فيه كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) فذهب الأكثر ومنهم الشيخ المفيد وابنا بابويه والسيد المرتضى وسلار وأبو الصلاح والمحقق في المعتبر إلى التحديد بصلاة العيد ، ونسب في التذكرة إلى علمائنا أنه يأثم بالتأخير عن صلاة العيد ، وقال في المنتهى : لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد اختيارا فإن أخرها أثم وبه قال علماؤنا أجمع. إلا أنه قال بعد ذلك بأسطر قليلة : الأقرب عندي هو جواز تأخيرها عن الصلاة وتحريم التأخير عن يوم العيد. وظاهره امتداد وقتها إلى آخر النهار ، قال في المدارك : ولا يخلو من قوة. واستقربه أيضا الفاضل الخراساني في الذخيرة وقيل بالتحديد إلى الزوال ، ونقل عن ابن الجنيد حيث قال أول وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم الفطر وآخره زوال الشمس منه ، واستقربه في المختلف واختاره في البيان والدروس.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمسألة : منها ـ رواية إبراهيم بن ميمون المتقدمة (1) الدالة على أنه إن أعطيت قبل أن يخرج إلى العيد فهي فطرة وإن كان بعد ما يخرج إلى العيد فهي صدقة.

وما رواه الكليني بسند ليس فيه من ما ربما يطعن به إلا رواية محمد بن عيسى عن يونس عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) في حديث قال فيه : «وإعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل وبعد الصلاة صدقة».

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة.


وما رواه الشيخ في صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) (1) أنهما قالا : «على الرجل أن يعطي عن كل من يعول من حر وعبد وصغير وكبير يعطي يوم الفطر قبل الصلاة فهو أفضل ، وهو في سعة أن يعطيها من أول يوم يدخل من شهر رمضان إلى آخره».

وما رواه السيد رضي الدين بن طاوس في كتاب الإقبال (2) قال : «روينا بإسنادنا إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ينبغي أن يؤدي الفطرة قبل أن يخرج الناس إلى الجبانة فإذا أداها بعد ما يرجع فإنما هي صدقة وليست فطرة».

وما رواه العياشي في تفسيره عن سالم بن مكرم الجمال عن أبي عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «أعط الفطرة قبل الصلاة وهو قول الله عزوجل (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) (4) وإن لم يعطها حتى ينصرف من صلاته فلا تعد له فطرة». وما ذكره عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (5) قال : «وهي زكاة إلى أن تصلي صلاة العيد فإن أخرجتها بعد الصلاة فهي صدقة».

وما رواه الشيخ عن سليمان بن حفص المروزي (6) قال : «سمعته يقول إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة. الحديث».

وهذه الأخبار كما ترى ظاهرة الدلالة واضحة المقالة في القول الأول ، وصاحب المدارك إنما استدل لهذا القول برواية إبراهيم بن ميمون ثم طعن فيها بجهالة الراوي مع استدلاله في المسألة السابقة بها ووصفه لها بالصحة إلى الراوي المذكور تنويها بشأنها وجبرا لنقصانها.

أقول : ولفظ «ينبغي» في رواية الإقبال بمعنى الوجوب كما هو شائع في الأخبار ، ويدل عليه قوله : «فإذا أداها بعد ما يرجع فهي صدقة» ولفظ «أفضل» في صحيحة الفضلاء ليس على بابه بل هو من قبيل لفظ «أفضل» أيضا في رواية عبد الله

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة.

(4) سورة البقرة الآية 41 و 78 و 105.

(5) ص 25.

(6) الوسائل الباب 9 و 13 من زكاة الفطرة.


ابن سنان المصرحة بأنها بعد الصلاة صدقة ، غاية الأمر أنها دلت على جواز التقديم من أول الشهر رخصة أو قرضا على الخلاف الآتي بيانه إن شاء الله تعالى.

احتج العلامة في المنتهى على ما اختاره من جواز تأخيرها بعد الصلاة وتحريم التأخير عن يوم العيد بصحيحة العيص بن القاسم (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفطرة متى هي؟ فقال قبل الصلاة يوم الفطر. قلت فإن بقي منه شي‌ء بعد الصلاة؟ فقال لا بأس نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى فنقسمه».

قال في المدارك بعد نقل هذه الرواية : ويدل عليه أيضا إطلاق قول الصادقين (عليهما‌السلام) في صحيحة الفضلاء «يعطي يوم الفطر فهو أفضل».

أقول : أما ما ذكره من الاستدلال بصحيحة الفضلاء فقد عرفت الجواب عنه ، وأما صحيحة العيص فصدرها ظاهر الدلالة في القول الأول ، وأما عجزها فهو محمول على العزل جمعا كما سيأتي في الأخبار (2) أنك إذا عزلتها لا يضرك متى أخرجتها. وبذلك تجتمع مع الأخبار السابقة.

ولا يخفى أنه مع العمل على ما يدعى من ظاهر هذه الرواية وهو الامتداد إلى آخر النهار يلزم منه طرح الأخبار الأولة مع كثرتها وصراحة أكثرها في المدعى والعمل بالدليلين مهما أمكن أولى من طرح أحدهما ، إلا أن الأصحاب لم ينقلوا في المسألة ما نقلناه من هذه الأخبار وإنما الدائر في كلامهم الاستدلال لهذا القول برواية إبراهيم بن ميمون خاصة.

وأما ما اختاره في المختلف من الامتداد إلى الزوال فإنما استند فيه إلى صحيحة العيص بن القاسم وقوله فيها : «قبل الصلاة يوم الفطر» فحمل الصلاة على معنى وقت الصلاة ، ووقت الصلاة عندهم ممتد إلى الزوال.

وفيه أولا ـ أنه وإن كان المشهور بينهم امتداد وقت صلاة العيد إلى الزوال إلا أنا لم نقف لهم على دليل يدل عليه غير مجرد ما يدعونه من اتفاقهم على ذلك ،

__________________

(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة.

(2) ص 307.


والروايات كلها إنما دلت على أن وقتها بعد طلوع الشمس ولم نطلع على ما يدل على الامتداد إلى الزوال كما يدعونه.

وثانيا ـ أن هذا التجوز وإن تم له في هذه الرواية إلا أنه لا يتم له في الروايات التي قدمناها المشتملة على التفصيل قبل الخروج إلى الصلاة وبعد الرجوع من الصلاة فإنه لا مجال لهذا التجوز بل يتعين حمل الصلاة على معناها الحقيقي.

إلا أنه قد روى السيد رضي الدين بن طاوس (عطر الله مرقده) في كتاب الإقبال نقلا من كتاب عبد الله بن حماد الأنصاري عن أبي الحسن الأحمسي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «أد الفطرة عن كل حر ومملوك. إلى أن قال : قلت أقبل الصلاة أو بعدها؟ قال : إن أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة وإن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة ولا تجزئك. قلت فأصلي الفجر وأعزلها فأمكث يوما أو بعض يوم ثم أتصدق بها؟ قال لا بأس هي فطرة إذا أخرجتها قبل الصلاة. الحديث».

والأقرب عندي أن لفظ «الظهر» في الخبر وقع سهوا من الراوي أو غلطا في النسخ وإنما هو «الصلاة» ويؤيده مفهوم قوله في آخر الخبر «هي فطرة إذا أخرجتها قبل الصلاة» الدال على أنها بعد الصلاة ليست بفطرة ، وبذلك يجمع بينه وبين الأخبار المتقدمة. وبذلك يظهر لك بطلان ما عدا القول الأول الذي عليه من بينها المعول. هكذا حقق المقام ولا تصغ إلى ما زلت به أقدام أقلام أولئك الأعلام.

الموضع الثالث ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز تقديم الفطرة ، والمشهور بين الأصحاب أنه لا يجوز التقديم إلا على جهة القرض ثم احتساب ذلك عن الفطرة في وقت وجوبها ، ذهب إليه الشيخ المفيد في المقنعة والشيخ في الاقتصاد وأبو الصلاح وابن إدريس والعلامة في بعض كتبه وغيرهم ، وقيل بالجواز وهو قول الشيخ في المبسوط والخلاف وابني بابويه ، قال في المختلف :

__________________

(1) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة.


وقال ابنا بابويه : لا بأس بإخراج الفطرة في أول يوم من شهر رمضان إلى آخره وأفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان ، ذكره علي بن بابويه في رسالته وابنه محمد في مقنعه وهدايته ، قالا : وإن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه ، وكذا إذا أسلم الرجل قبل الزوال أو بعده. وإلى القول بالجواز في المسألة مال المحقق في المعتبر أيضا والعلامة في التذكرة والمختلف وغيرهم.

أقول : لم أقف في كتب الأخبار على ما يتعلق بهذه المسألة إلا على صحيحة الفضلاء المتقدمة قريبا (1) وقوله عليه‌السلام فيها «وهو في سعة أن يعطيها من أول يوم يدخل من شهر رمضان إلى آخره».

وأما ما نقله في المختلف عن ابني بابويه هنا فهو مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي على عادتهما الجارية من نقلهما عبارات الكتاب المذكور والإفتاء بها على وجه يظن الناظر أنها من كلامهما.

قال عليه‌السلام في الكتاب المذكور (2) وإن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه ، وكذا إذا أسلم الرجل قبل الزوال أو بعده فعلى هذا. ولا بأس بإخراج الفطرة في أول يوم من شهر رمضان إلى آخره ، وهي زكاة إلى أن يصلي صلاة العيد فإن أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة ، وأفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان. انتهى كلامه عليه‌السلام.

وظاهر الخبرين المذكورين الدلالة على الجواز ، وأصحاب القول الأول قد حملوا صحيحة الفضلاء على القرض.

ولم أقف على حجة للقول الأول إلا ما نقله في المختلف حيث قال : احتج المانع بأنها عبادة موقتة فلا يجوز فعلها قبل وقتها ، ولأنها زكاة منوطة بوقت فلا يجوز قبله إلا على وجه القرض كزكاة المال ، ولأنه لو جاز تقديمها في شهر

__________________

(1) ص 302.

(2) ص 25.


رمضان لجاز قبله لاشتراكهما في المصالح المطلوبة من التقديم بل هنا أولى ، وما رواه العيص في الصحيح (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفطرة متى هي؟ فقال قبل الصلاة يوم الفطر». ثم قال : والجواب عن الأولين بأنا نقول بموجبه ونقول إن وقتها شهر رمضان كما تلوناه من حديث محمد بن مسلم وغيره. وعن الثالث بالفرق فإن سبب الفطرة الصوم والفطر منه فجاز فعلها عند أحد السببين وهو دخول الصوم كما جاز عند حصول النصاب وإن لم يحصل السبب الثاني وهو الحول ، بخلاف تقديمها على رمضان فإنه يكون تقديما على السببين معا وهو غير جائز ، والرواية لا تدل على منعها في غيره. انتهى.

أقول : أما الاحتجاج بأنها عبادة موقتة فهو احتجاج صحيح والوقت المشار إليه هنا هو ما دلت عليه الأخبار التي قدمناها من كون وقتها قبل الصلاة وبعدها تصير صدقة ، لأنها قد اتفقت على أن وقت إخراجها ذلك وأن التأخير إلى بعد الصلاة موجب لخروج الوقت ، وإذا ثبت توقيتها بذلك امتنع تقديمها عليه لما تقدم في صحيحة عمر بن يزيد أو حسنته بإبراهيم المتقدمة في الزكاة وعدم جواز تقديمها (2) أنه ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها وكذلك لا يصومن أحد شهر رمضان إلا في شهره إلا قضاء ، وكل فريضة إنما تؤدى إذا حلت. ونحوها صحيحة زرارة (3) وقول العلامة (قدس‌سره) هنا في الجواب ـ أن وقتها شهر رمضان استنادا إلى صحيحة الفضلاء ـ ليس في محله إذ لا دلالة فيها على أزيد من أنه موسع له في التقديم بعد أن ذكر أن وقتها قبل الصلاة كما قدمنا ذكره سابقا ، وهذا التوسيع إما على سبيل الرخصة كما هو الأقرب أو التقديم قرضا كما ذكروه. وكذلك قوله عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي : «ولا بأس بإخراج الفطرة في أول يوم من شهر رمضان إلى آخره» مع قوله : «إنها زكاة إلى أن يصلي صلاة العيد فإن أخرجها

__________________

(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الفطرة.

(2 و 3) ص 233.


بعد الصلاة فهي صدقة» فإن ظاهره أن وقتها هو قبل الصلاة وأنه لا بأس بالتقديم والظاهر حمله على الرخصة.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال وإن كان الأقرب هو القول الأول وحمل الخبرين المذكورين على الرخصة. والاحتياط لا يخفى.

الموضع الرابع ـ الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه متى عزل الفطرة أي عينها في مال مخصوص قبل الصلاة فإنه يجوز إخراجها حينئذ بعد ذلك وإن خرج وقتها.

ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الصدوق في الحسن بإبراهيم ابن هاشم عن صفوان عن إسحاق بن عمار (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفطرة؟ قال : إذا عزلتها فلا يضرك متى أعطيتها قبل الصلاة أو بعدها. الحديث».

وما رواه الشيخ في الموثق عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) «في الفطرة إذا عزلتها وأنت تطلب بها الموضع أو تنتظر بها رجلا فلا بأس به».

وعن إسحاق بن عمار وغيره (3) قال «سألته عن الفطرة؟ قال إذا عزلتها فلا يضرك متى أعطيتها قبل الصلاة أو بعد الصلاة».

ورواية سليمان بن حفص المروزي (4) قال : «سمعته يقول إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة. الحديث».

وفي الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (5) «في رجل أخرج فطرته فعزلها حتى يجد لها أهلا؟ فقال إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ وإلا فهو ضامن لها حتى يؤديها إلى أربابها».

قال بعض الفضلاء بعد ذكر صحيحة زرارة المذكورة : ولعل المراد أنه إذا أخرج الفطرة التي عزلها إلى مستحقها فقد برئ وإلا فهو ضامن لها حتى يؤديها ،

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 13 من زكاة الفطرة.


بمعنى أنه مكلف بإيصالها إلى مستحقها لا كونه بحيث يضمن المثل أو القيمة مع التلف ، لأنها بعد العزل تصير أمانة في يد المالك. ويحتمل إرجاع الضمير في قوله «أخرجها» إلى مطلق الزكاة ويكون المراد بإخراجها عن ضمانه عزلها ، والمراد أنه إذا عزلها فقد برئ من ما عليه من التكليف بالعزل وإلا فهو ضامن لها مكلف بأدائها إلى أن يوصلها إلى أربابها. وكأن المعنى الأول أقرب. انتهى.

أقول : ويحتمل أن يكون المراد بإخراجها من ضمانه إنما هو العزل ، فكأنه قال : إذا عزلها فقد برئ يعني برئت ذمته لأنها خرجت من ذمته وصارت في يده من قبيل الأمانة إلى أن يدفعها إلى أهلها. والضمان عبارة عن شغل الذمة بها فإذا عزلها فقد برئت الذمة منها وإن لم يعزلها فالذمة مشغولة بها حتى يؤديها ، غاية الأمر أنه لو خرج الوقت سقط الأداء وبقي شغل الذمة. ولعل ما ذكرناه هو الأقرب في معنى الخبر لأنه أقل تكلفا من المعنيين الأولين.

وظاهر إطلاق كلام الأصحاب يقتضي جواز العزل وإن وجد المستحق وهو الظاهر من إطلاق الرواية الأولى والثالثة ، ولا منافاة في الخبرين الأخيرين لذلك لأنهما دلا على جواز العزل في هذه الصورة ولا دلالة فيهما على الحصر وعدم جوازه في غير ذلك. وأما اختلافهم في كون الإخراج بعد الوقت مع العزل أداء أو قضاء فلا ثمرة مهمة تتعلق به عندنا.

هذا كله على تقدير العزل وأما لو لم يعزلها وخرج الوقت الموظف لها فهل تسقط بالكلية أم لا؟ وعلى الثاني تعطى أداء أو قضاء؟ أقوال : أولها منقول عن الشيخ المفيد وابني بابويه وأبي الصلاح وابن البراج وابن زهرة وادعى ابن زهرة الإجماع عليه واختاره المحقق ، والقول الثاني لجملة من الأصحاب : منهم ـ الشيخ والعلامة وابن إدريس وغيرهم ، والمشهور بينهم أنها قضاء ونقل عن ابن إدريس أنها أداء.

احتج الأولون بما تقدم في رواية إبراهيم بن ميمون الدالة على أنها قبل الصلاة


زكاة وبعد الصلاة صدقة ، قالوا : والتفصيل قاطع للشركة.

والعلامة حيث ذهب في المختلف إلى وجوب الإخراج وأنها تكون قضاء قال : فهنا مقامان : المقام الأول ـ وجوب الإخراج والخلاف فيه مع المفيد وابني بابويه وأبي الصلاح وابن البراج ، لنا ـ أنه لم يأت بالمأمور به فيبقى في عهدة التكليف إلى أن يأتي به ، ولأن المقتضي للوجوب قائم والمانع لا يصلح للمانعية ، أما الأول فللعموم الدال على وجوب إخراج الفطرة عن كل رأس صاع ، وأما الثاني فلأن المانع ليس إلا خروج وقت الأداء لكنه لا يصلح للمعارضة إذ خروج الوقت لا يسقط الحق كالدين وزكاة المال والخمس وغيرها ، وما رواه زرارة في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام (1) «في رجل أخرج فطرته فعزلها حتى يجد لها حتى يجد لها أهلا؟ فقال إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ وإلا فهو ضامن لها حتى يؤديها إلى أربابها». إلى أن قال : المقام الثاني ـ أنها تكون قضاء والخلاف فيه مع ابن إدريس ، لنا ـ أنها عبادة موقتة بوقت وقد خرج وقتها فتكون قضاء إذ المراد بالقضاء ذلك. احتج ابن إدريس بأن الزكاة المالية والرأسية تجب بدخول وقتها فإذا دخل وجب الأداء ولا يزال الإنسان مؤديا لها لأن بعد دخول وقتها هو وقت الأداء في جميعه. والجواب المنع لأن لوقتها طرفين أولا وآخرا بخلاف زكاة المال ولو لا ضبط أولها وآخرها لما تضيقت عند الصلاة ، لأن بعد الصلاة يكون الوقت باقيا في زعمه ، ولأنه لو كان الوقت باقيا لوجبت الفطرة على من بلغ بعد الزوال كما تجب الصلاة لو بلغ والوقت باق. انتهى كلامه زيد إكرامه.

أقول : ما ذكره من الدليل في المقام الأول منظور فيه من وجوه :

أحدها ـ دعوى العموم الدال على وجوب إخراج الفطرة فإنه ممنوع بما اعترف به في رده على ابن إدريس من التقييد بالوقت ، فوجوب إخراج الفطرة مقيد بذلك الوقت المخصوص. وبذلك يظهر بطلان قوله «لأن المقتضي للوجوب قائم».

__________________

(1) الوسائل الباب 13 من زكاة الفطرة.


وثانيها ـ قوله : «المانع لا يصلح للمانعية» فإن فيه أنه قد صرح جملة من المحققين بأن الأمر بالأداء لا يتناول القضاء بل يحتاج القضاء إلى أمر جديد. وبه يظهر ما في قوله : «إذ خروج الوقت لا يسقط الحق».

وثالثها ـ قياسه ذلك على الدين والزكاة المالية والخمس فإنه قياس محض ، مع كونه قياسا مع الفارق فإن هذه الأشياء التي ذكرها ليست من قبيل الواجب الموقت بخلاف الفطرة كما عرفت.

ورابعها ـ أن الرواية على ما قدمناه من الاحتمالات فيها إنما تدل على وجوب الإخراج مع العزل وهو غير محل النزاع.

وأما ما ذكره في الرد على ابن إدريس فهو جيد ، قال المحقق في المعتبر بعد نقل كلام ابن إدريس : وهذا ليس بشي‌ء لأن وجوبها موقت فلا يتحقق وجوبها بعد الوقت.

وبما ذكرناه يظهر أن القول بالسقوط هو الذي عليه العمل كما استفاضت به الأخبار التي قدمناها.

ثم إنه قد ذكر الأصحاب أنه لو عزلها وأخر دفعها مع الإمكان فإنه يكون ضامنا ولا معه لا يضمن ، وهو من ما لا ريب فيه لأنها بعد العزل تكون أمانة في يده فلا يضمنها إلا بالتعدي أو التفريط المتحقق بتأخير الدفع إلى المستحق مع إمكانه.

وأما جواز الحمل إلى بلد آخر فهو مبني على عدم وجود المستحق في البلد فلو حمل مع وجوده كان ضامنا ولا معه لا ضمان كما تقدم في الزكاة المالية.

الفصل الرابع ـ في مصرفها والمشهور في كلام الأصحاب أن مصرفها مصرف الزكاة المالية من الأصناف الثمانية.

واستدل عليه في المنتهى بأنها زكاة فتصرف إلى ما يصرف إليه سائر الزكوات وبأنها صدقة فتدخل تحت قوله تعالى «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ... الآية (1)»

__________________

(1) سورة التوبة الآية 61.


وظاهرهم سقوط سهم المؤلفة والعاملين من هذه الصدقة والتخصيص بالستة الباقية ، قال في المعتبر : وهي لستة أصناف : الفقراء والمساكين والرقاب والغارمون وسبيل الله وابن السبيل. وقال الشيخ المفيد (قدس‌سره) في المقنعة : ومستحق الفطرة هو من كان على صفات مستحق الزكاة من الفقر أولا ثم المعرفة والإيمان. وظاهر هذا الكلام اختصاصها بفقراء المؤمنين ومساكينهم.

ويدل عليه ظواهر جملة من الأخبار كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) في حديث قال : «عن كل إنسان نصف صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين».

ورواية الفضيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «قلت له لمن تحل الفطرة؟

قال لمن لا يجد».

وفي رواية زرارة (3) «قلت له هل على من قبل الزكاة زكاة؟ قال أما من قبل زكاة المال فإن عليه الفطرة وليس على من قبل الفطرة فطرة».

وفي رواية يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (4) قال : «سألته عن الفطرة من أهلها الذين تجب لهم؟ قال من لا يجد شيئا».

وكيف كان فلا ريب أن الوقوف مع ظواهر هذه الأخبار هو الأحوط.

مسائل

الأولى ـ المشهور بين الأصحاب أنه لا يجوز أن يعطى الفقير أقل من صاع صرح به الشيخ المفيد وابنا بابويه والشيخ والسيد المرتضى وابن إدريس وابن حمزة وسلار وابن زهرة والعلامة وغيرهم ، بل قال المرتضى في الإنتصار : من ما انفردت به الإمامية القول بأنه لا يجوز أن يعطى الفقير الواحد أقل من صاع ، وباقي الفقهاء

__________________

(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.

(2 و 3) الوسائل الباب 2 من زكاة الفطرة.

(4) الوسائل الباب 14 من زكاة الفطرة.


يخالفون في ذلك (1).

واستدل الأصحاب على ذلك بما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسين بن سعيد في الصحيح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «لا تعط أحد أقل من رأس».

قال المحقق في المعتبر ـ بعد نقل مذهب الأصحاب ونقله إطباق الجمهور على خلافه وذكر حجة الجمهور على جواز تفريق الصاع الواحد ـ ما صورته : فإن احتج المانعون منا بما رواه أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «لا يعطى أحد أقل من رأس». قلت : الرواية مرسلة فلا تقوى أن تكون حجة ، والأولى أن يحمل ذلك على الاستحباب تفصيا من خلاف الأصحاب ويدل على جواز الشركة ما رواه إسحاق بن المبارك (4) قال : «سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن صدقة الفطرة قلت أجعلها فضة وأعطيها رجلا واحدا أو اثنين؟ قال تفريقها أحب إلي». فأطلق استحباب التفرقة من غير تفصيل. انتهى. وتبعه في القول بالاستحباب جمع من متأخري المتأخرين : منهم ـ السيد السند في المدارك بل الظاهر أنه أولهم ، وتبعه الفاضل الخراساني في الذخيرة.

أقول : العجب من هذا المحقق (قدس‌سره) وعدم وقوفه على قاعدة ، فإنه في كتابه المشار إليه في غير موضع كما لا يخفى على من راجعه كثيرا ما يذكر الأخبار الضعيفة ويعمل بها مستندا إلى فتوى الأصحاب بها وقولهم بمضمونها فكيف خالف نفسه هنا؟ والحال أنه لا مخالف في الحكم قبله كما هو صريح كلام العلامة في المختلف حيث قال ـ بعد أن نقل عن ظاهر الشيخ في التهذيب الاستحباب ـ ما صورته : لنا ـ أنه قول فقهائنا ولم نقف لهم على مخالف فوجب المصير إليه ، وما رواه أحمد بن محمد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تعط أحدا أقل من رأس»

__________________

(1) المغني ج 3 ص 79.

(2 و 3) الوسائل الباب 16 من زكاة الفطرة.

(4) التهذيب ج 1 ص 373 وفي الوسائل الباب 9 و 16 من زكاة الفطرة باختلاف في اللفظ.


(لا يقال) هذا الحديث مرسل فلا نعمل عليه (لأنا نقول) الحجة في قول الفقهاء فإنه يجري مجرى الإجماع ، وإذا تلقت الأمة الخبر بالقبول لم يحتج إلى سند. ثم نقل احتجاج الشيخ برواية إسحاق بن المبارك المذكورة في كلام المحقق وأنه عليه‌السلام أطلق استحباب التفرقة من غير تفصيل. ثم قال : والجوب أنه ليس دالا على المطلوب إذ لا تقدير فيه لإعطاء الفقير ، وترك التفصيل لا يدل على صورة النزاع بالخصوص إذا قام هناك معارض.

قال الشيخ في الإستبصار : يحتمل هذا الحديث أشياء : منها ـ أن جواز التفريق في حال التقية لأن مذهب جميع العامة يوافق ذلك ولا يوافقنا على وجوب إعطاء رأس لرأس واحد. ومنها ـ أنه ليس في الخبر تجويز تفريق رأس واحد فيجوز أن يكون إشارة إلى من وجبت عليه عدة أصواع. ومنها ـ أن عند اجتماع المحتاجين وأن لا يكون هناك ما يفرق عليهم يجوز تفريق الرأس الواحد. وكلامه (قدس‌سره) هنا يدل على وجوب إعطاء رأس الرأس ولم يتعرض للتأويل بالاستحباب كما ذكره في التهذيب. وما ذكره من المحامل الثلاثة جيد ولا سيما المحملين الأولين.

ثم العجب أيضا من المحقق ومن تبعه في المقام أنه مع ثبوت تعارض الخبرين المذكورين واعترافهم بإطباق العامة على جواز التشريك في صاع كيف عملوا بخبر التشريك الموافق للعامة واطرحوا ما قابله ردا على أئمتهم في ما وضعوه لهم من القواعد عند اختلاف الأخبار وهو عرض الخبرين على مذهب العامة والأخذ بما خالفهم كما استفاضت به نصوصهم (1) فليت شعري لمن أخرجت هذه الأخبار ومن خوطب بها غيرهم وهم قد ألقوها وراء ظهورهم؟ فتراهم في جميع أحكام الفقه لا يلمون بشي‌ء من تلك القواعد بل مهدوا لأنفسهم قاعدة الجمع بين الأخبار بالكراهة والاستحباب التي لم يرد بها سنة ولا كتاب ، نسأل الله تعالى المسامحة لنا ولهم من هفوات الأقلام وزلات الأقدام.

__________________

(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز إن يقضي به.


هذا. وما علل به مصيره إلى الاستحباب من التفصي من خلاف الأصحاب فهو أوهن من بيت العنكبوت وأنه لأوهن البيوت ، وأي مخرج له في القول بالاستحباب عن مخالفة الأصحاب إذا كان القول بالاستحباب مؤذنا بجواز التشريك في صاع والأصحاب قائلون بتحريم التشريك فأي تفص هنا من خلافهم؟ ما هذا إلا عجيب منه وممن تبعه في هذا الباب.

قال الصدوق (قدس‌سره) في كتاب من لا يحضره الفقيه ـ بعد نقل رواية إسحاق بن عمار الدالة على أنه لا بأس أن يعطي الرجل الرجل عن رأسين وثلاثة وأربعة يعني في الفطرة ـ ما صورته : وفي خبر آخر «لا بأس بأن تدفع عن نفسك وعن من تعول إلى واحد ولا يجوز أن تدفع ما يلزم واحدا إلى نفسين» وهذه العبارة كملا نقلها في الوسائل على أنها من الخبر المشار إليه ، وصاحب الوافي نقلها إلى ما قبل قوله «ولا يجوز» بناء على أن «ولا يجوز» من كلام المصنف وهو الظاهر إلا أن هذه العبارة إنما أخذها المصنف من كتاب الفقه الرضوي وأفتى بها كما عرفت في غير موضع منه ومن أبيه في رسالته إليه ، حيث قال عليه‌السلام (1) «ولا يجوز إن تدفع ما يلزم واحدا إلى نفسين». وأما العبارة التي قبلها في الفقيه فلم يتعرض لها عليه‌السلام في الكتاب ، وحينئذ فتكون هذه الرواية عاضدة لمرسلة الحسين بن سعيد المتقدمة صريحة في التحريم. وبذلك يظهر أن الأصح هو القول المشهور وأن من خالف في ذلك فهو مجرد اجتهاد في مقابلة النصوص.

الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز دفع الفطرة إلى غير المؤمن من المستضعفين ، فقيل بعدم الجواز وهو مذهب الشيخ المفيد والمرتضى وابن الجنيد وابن إدريس وجمع من الأصحاب ، وقيل بالجواز ذهب إليه الشيخ وأتباعه.

والذي يدل على الأول صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا

__________________

(1) ص 25.


عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن الزكاة هل توضع في من لا يعرف؟ قال لا ولا زكاة الفطرة».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن عيسى (2) قال : «كتب إليه إبراهيم ابن عقبة يسأله عن الفطرة كم هي برطل بغداد عن كل رأس؟ وهل يجوز إعطاؤها غير مؤمن؟ فكتب عليه‌السلام. إلى أن قال : ولا ينبغي لك أن تعطي زكاتك إلا مؤمنا».

وما رواه الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا بأسانيده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام (3) : «أنه كتب إلى المأمون : وزكاة الفطرة فريضة. إلى أن قال : ولا يجوز دفعها إلا إلى أهل الولاية».

ويدل على الثاني ما رواه الصدوق في الصحيح عن علي بن يقطين (4) «أنه سأل أبا الحسن الأول عليه‌السلام عن زكاة الفطرة أيصلح أن تعطى الجيران والظئورة ممن لا يعرف ولا ينصب؟ قال لا بأس إذا كان محتاجا».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن عيسى (5) قال : «حدثني علي بن بلال ـ وأراني قد سمعته من علي بن بلال ـ قال : كتبت إليه هل يجوز أن يكون الرجل في بلدة ورجل من إخوانه في بلدة أخرى محتاج أن يوجه له فطرة أم لا؟ فكتب يقسم الفطرة على من حضر ولا يوجه ذلك إلى بلدة أخرى وإن لم يجد موافقا».

وعن الفضيل في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام (6) قال : «كان جدي عليه‌السلام يعطي فطرته الضعفة ومن لا يجد ومن لا يتولى. قال وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : هي لأهلها إلا أن لا تجدهم فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب ، ولا تنقل من أرض إلى أرض. وقال : الإمام أعلم يضعها حيث يشاء ويصنع فيها ما يرى».

وعن إسحاق بن عمار في الموثق عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (7) قال : «سألته عن

__________________

(1) الوسائل الباب 5 من المستحقين للزكاة.

(2) الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.

(3) الوسائل الباب 14 من زكاة الفطرة.

(4 و 5 و 6 و 7) الوسائل الباب 15 من زكاة الفطرة.


صدقة الفطرة أعطيها غير أهل ولايتي من فقراء جيراني؟ قال : نعم الجيران أحق بها لمكان الشهرة».

ورواية مالك الجهني (1) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن زكاة الفطرة فقال : تعطيها المسلمين فإن لم تجد مسلما فمستضعفا».

أقول : هذا ما وقفت عليه من أخبار المسألة من ما يتعلق بكل من القولين ، والجمع بينها ممكن بأحد وجهين : أما حمل الأخبار الأخيرة على التقية كما يشير إليه قوله عليه‌السلام في موثق إسحاق بن عمار «الجيران أحق بها لمكان الشهرة» أي خوف أن يشهروه ويطعنوا عليه بالرفض إذا لم يعطهم ، وأما حملها على ما إذا لم يجد المؤمن كما يشعر به قوله عليه‌السلام في رواية الفضيل «هي لأهلها إلا أن لا تجدهم».

ويمكن أن يقال إن موثقة إسحاق بن عمار ليس فيها تصريح بكون الدفع إلى المستضعف وإنما تضمنت غير أهل الولاية ، فيمكن حملها على النصاب وأنه يجوز الدفع تقية سيما من حيث كونهم جيرانا وخوف الشهرة ، وحينئذ فتخرج هذه الرواية عن محل البحث وينحصر الجمع بين أخبار المسألة في الوجه الثاني وهو إذا لم يجد المؤمن.

قال في المعتبر بعد نقل أخبار الطرفين : والرواية المانعة أشبه بالمذهب لما قررته الإمامية من تضليل مخالفيها في الاعتقاد وذلك يمنع الاستحقاق. انتهى

أقول : ينبغي أن يعلم أن المراد بالمستضعف هنا هو الجاهل بالإمامة وهؤلاء في وقت الأئمّة (عليهم‌السلام) أكثر الناس لاستفاضة الأخبار عنهم (عليهم‌السلام) بتقسيم الناس يومئذ إلى مؤمن وكافر ومستضعف (2) والمراد بالمؤمن هو المقر بإمامة الأئمّة (عليهم‌السلام) والكافر هو المنكر لها وهم المرادون بالنصاب ، والأولان من أهل الوعدين بالجنة والنار والثالث من المرجئين لأمر

__________________

(1) الوسائل الباب 15 من زكاة الفطرة.

(2) الأصول ج 2 ص 401 إلى 408.


الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ، وهؤلاء مسلمون يجوز مناكحتهم وموارثتهم ويحكم بطهارتهم وحقن أموالهم ودمائهم ، ويفهم من بعض الأخبار أنهم يدخلون الجنة بعفو الله من حيث عدم إنكارهم الإمامة ونصبهم ، فلا استبعاد في ما دلت عليه هذه الأخبار من جواز إعطائهم من الفطرة مع عدم المؤمن. إلا أن هذا الفرد من الناس في هذه الأوقات الأخيرة بعد عصرهم (عليهم‌السلام) وما قاربه من ما لا يكاد يوجد لاشتهار صيت الإمامة والخلاف فيها بين الأمة. ولتحقيق هذا المقام محل آخر وقد أودعناه كتابنا الموسوم بالشهاب الثاقب في معرفة الناصب وما يترتب عليه من المطالب.

الثالثة ـ قد تقدم في الباب الأول تحريم الصدقة الواجبة على بني هاشم إلا في حال الضرورة أو صدقة بعضهم على بعض ، والحكم في الفطرة كذلك أيضا لدخولها في عموم تلك الأخبار من غير خلاف يعرف.

نعم يبقى الكلام هنا في شي‌ء لم أقف على من تعرض للتنبيه عليه وهو أنه لو كانت الفطرة واجبة على عامي لعيلولته جماعة من السادة أو سيد لعيلولته جماعة من غير السادة فهل الاعتبار هنا في جواز دفع الزكاة للسيد بناء على جواز أخذه زكاة مثله بالمعيل أو المعال؟ فعلى الأول يجوز في الصورة الثانية دون الأولى وعلى الثاني يجوز في الأولى دون الثانية.

والذي يقرب عندي هو أن الاعتبار بالمعال لأنه هو الذي تضاف إليه الزكاة فيقال فطرة فلان وإن وجب إخراجها عنه على غيره لمكان العيلولة وأضيفت إليه أيضا من هذه الجهة وإلا فهي أولا وبالذات إنما تضاف إلى المعال.

ومن ما يؤيد ما قلناه قول الصادق عليه‌السلام (1) لمعتب «اذهب فأعط عن عيالنا الفطرة وأعط عن الرقيق واجمعهم ولا تدع منهم أحدا فإنك إن تركت منهم إنسانا تخوفت عليه الفوت». فإنه ظاهر كما ترى في كون الزكاة الواجب عليه عليه‌السلام

__________________

(1) الوسائل الباب 5 من زكاة الفطرة.


إخراجها إنما هي زكاة الغير وفطرته وهم عياله وإنما وجبت عليه من حيث العيلولة فهي منسوبة إليهم ومتعلقة بهم ولهذا خاف عليهم الفوت مع عدم إخراجها عنهم.

ونحو ذلك صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (1) قال : «بعثت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام بدراهم لي ولغيري وكتبت إليه أخبره أنها من فطرة العيال فكتب بخطه : قبضت وقبلت».

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «صدقة الفطرة على كل رأس من أهلك : الصغير والكبير والحر والمملوك والغني والفقير ، عن كل إنسان نصف صاع. الحديث». ومعنى قوله : «على كل رأس» إما بمعنى عن كل رأس أو بمعنى ثبوتها على كل رأس وإن كان وجوب الإخراج على المعيل من حيث العيلولة لا من حيث إن أصل الوجوب متعلق به.

وبالجملة فالمفهوم من هذه الأخبار أن هذه الزكاة التي وجب على المعيل دفعها إنما هي زكاة المعال وإن تعلقت به من حيث العيلولة ، ولهذا لو سئل عن تفصيلها لقال هذه زكاتي وهذه زكاة زوجتي وهذه زكاة ابني وهذه زكاة خادمي ونحو ذلك.

ومن ما يؤيد ما قلناه ما ورد من العلة في تحريم الزكاة على بني هاشم من إن الزكاة أوساخ الناس (3). إشارة إلى قوله عزوجل «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها» (4) فكأنها مثل الماء الذي يغسل به الثوب الوسخ فينتقل الوسخ إلى الماء ، وهذا المعنى إنما يناسب المعال من جهة حديث معتب الدال على أن من لم يخرج عنه الزكاة يخاف عليه الموت ، فهي في قوة المطهرة له والدافعة للبلاء عنه ولا مدخل للمعيل في ذلك.

__________________

(1) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة.

(2) الوسائل الباب 5 و 6 من زكاة الفطرة.

(3) الوسائل الباب 29 من المستحقين للزكاة ، والمحلى ج 6 ص 146 وبدائع الصنائع ج 2 ص 49 والمغني ج 2 ص 655 والمجموع ج 6 ص 227 ونيل الأوطار ج 4 ص 182.

(4) سورة التوبة الآية 105.


ونظير هذه المسألة ما تقدم في دفع المقرض زكاة مال القرض عن المقترض بشرط كان أو تبرعا ، وكذا شرط دفع زكاة قيمة المبيع كما في حديثي الباقر عليه‌السلام مع هشام بن عبد الملك (1) فإن الاعتبار بمن وجبت عليه وهو المقترض والبائع لا بمن وجب عليه إعطاؤها بالشرط أو التبرع ، ولا فرق بين ما نحن فيه وبين صورة الشرط إلا من حيث إن وجوب الدفع هنا من حيث العيلولة وثمة من حيث الشرط وإلا فأصل الزكاة إنما تعلق بالمعال في ما نحن فيه وبالمشترط ثمة.

(لا يقال) إن في المعال من لا يجب عليه الإخراج مثل الصغير والعبد والفقير (لأنا نقول) الوجوب في ما نحن فيه نوع آخر غير وجوب الإخراج على من استكمل الشرائط المقررة في محلها ، ولا يلزم في من وجب الإخراج عنه أن يكون ممن يجب الإخراج عليه لو لا العيلولة ، وذلك فإنه بالعيلولة حصل هنا أمران : أحدهما تعلق الزكاة بالمعال ، والآخر وجوب الإخراج على المعيل ، إذ لا يعقل وجوب الإخراج عن أحد ما لم يستقر على المخرج عنه ويثبت عليه.

وكيف كان فالمسألة لخلوها عن النص الصريح من ما ينبغي أن لا يترك فيها الاحتياط. والله العالم.

الرابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) استحباب حملها إلى الإمام عليه‌السلام مع وجوده ومع عدمه فإلى فقهاء الإمامية المستكملين لشروط النيابة عنه عليه‌السلام وظاهر كلام الشيخ المفيد (قدس‌سره) في المقنعة الوجوب ، واستدل الأصحاب على ما ذكروه بأنهم أبصر بمواقعها ، ولأن في ذلك جمعا بين براءة الذمة وأداء الحق. والأظهر في الاستدلال على ذلك ما تقدم في رواية علي بن أبي راشد (2) قال : «سألته عن الفطرة لمن هي؟ قال للإمام. قال : فقلت فأخبر أصحابي؟ قال نعم من أردت تطهيره منهم. الحديث». وقوله عليه‌السلام : «من أردت

__________________

(1) ص 42 ، والثاني مع سليمان بن عبد الملك.

(2) الوسائل الباب 9 من زكاة الفطرة. واللفظ «من أردت أن تطهره منهم».


تطهيره منهم» إشارة إلى الآية «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها» (1) وما تقدم في سابق هذه المسألة من قوله عليه‌السلام في رواية الفضيل : «الإمام أعلم يضعها حيث يشاء ويصنع فيها ما يرى» وأما ما ذكره شيخنا المفيد فترده الأخبار الدالة على تولي المالك صرفها بنفسه أو نائبه.

__________________

(1) سورة التوبة الآية 105.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *