أجوبة المسائل البهبهانية
أجوبة المسائل البهبهانية
لفقيه أهل البيت عليهم السلام
المحقق المدقق المحدّث
الشيخ يوسف آل عصفور البحراني
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
لك الحمد يا من ترادفت علينا آلاؤه فلا يحيط بها العدّو تواترت لدينا نعماؤه فلا نهاية لها ولا حدّ ـ والصلاة على قطب الرسالة بل الجوهر الفرد محمد وآله، الهالك من انحاز عنهم وصدّ.
أمّا بعد: فيقول الفقير المتعطش إلى الفيض الأقدس السبحاني يوسف بن أحمد بن إبراهيم البحراني بصّره الله تعالى بعيوب نفسه وجعل مستقبله خيراً من أمسه، قد وردت علىّ بعض المسائل من عالي جناب عمدة السادة الفضلاء الأشراف وزبده الأجلاء المتفرعين من درجة (عبد مناف) أخي بعقد المؤاخاة الإيمانية، وخلّى بصدق المصادقات النورانية المتسربل بسربال الفضل والتقوى، والفائز بالحظ الوافر منه والنصيب ]الأقرب الاوفا[ الصفي: مولانا السيد عبد الله بن السيد علوي ـ لا زالت أقانه معمورة بالفيوضات الربانية، وذاته مغمورة بالتوفيقات السبحانية.
طالباً سلمه الله تعالى ما ]عند ملخصه[ فيها من البيان والترجيح وما وصل إليه فهمه القاصر من التحقيق فيها والتنقيح وحيث كان أمره (دامت سلامته) واجب الامتثال على كل حال، وإجابته (زيدت كرامته) من أفضل الأعمال عند ذي الجلال.
بادرت إلى ذلك مع ما في البال من الاشتغال بعوائق الأشغال وتراكم أمواج الهموم التي يضيق عن نشرها ميدان المقال مزيلا كل مسألة على حالها بالجواب ]مغرضاً[ لها بما يرفع عنها نقاب الخفاء والارتياب سائلا من الحضرة القدسية الإعانة والإمداد والهداية إلى سبيل الرشد والسداد.
المسألة الأولى في الآذان والإقامة
قال: أدام الله أفضاله، وكثّر في الفرقة الناجية أمثاله:
ما يقول شيخنا ومولانا دام ظله العالي بمحمد وآله خيرة المتعالي صلى الله عليهم صلاة دائمة بدوام الأيام والليالي.
في أن الأذان والإقامة مستحبان مطلقاً أم لا..؟ أو في بعض الصلوات، أو في الجمعة واجبان؟
الجواب
ومنه سبحانه التوفيق للصواب ـ أن الظاهر من ملاحظة الجمع بين الأخبار الواردة في هذا المضمار: هو استحباب الأذان مطلقاً..! وأما الإقامة فالحكم فيها لا يخلو من الإشكال..!
لنا على الأول الأخبار الدالة على أن من صلى بأذان وإقامة صلى خلفه صفان من الملائكة ـ ومن صلى بإقامة بدون أذان صلى خلفه صّف واحد وهى مستفيضة دالة بإطلاقها على صحة الصلاة منفرداً بدون أذان لأي صلاة كانت.
ومثلها أيضا جملة من الأخبار دالة على إجزاء الإقامة وحدها لمن صلى في بيته: منها (صحيحة الحلبّى) وغيرها. وهى شاملة بإطلاقها لجملة الفرائض.
وحينئذ: فما ورد من أنه لابد في الصبح والمغرب من الأذان مثل (موثقة سماعة وصحيحة ابن سنان) وغيرها أيضا محمول على زيادة تأكيد الاستحباب، وبيان الأفضلية فيها زيادة على سائر الفرائض.
ويزيد ذلك بياناً (صحيحة عمر بن يزيد) قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الإقامة بغير الأذان في المغرب فقال: ليس به بأس وما أحب أن يعتاد([1])
وهذه الرواية أيضا دالة بإطلاقها على جواز ترك الأذان في المغرب جماعة كانت أو فرادى. إذ لا إشارة فيها فضلا عن التصريح ـ بكون تلك الصلاة فرادى.
وأظهر منها دلالة في ذلك ما رواه (الحميري في قرب الإسناد) في الصحيح عن (على بن رئاب) قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) قلت تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد اتجزينا إقامة بغير أذان قال نعم([2])
وما رواه (الشيخ)([3]) عن (الحسن بن زياد) قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا كان القوم لا ينتظرون أحداً اكتفوا بإقامة واحدة.
وبذلك يظهر الجواب عمّا استدل به بعض الأصحاب على وجوب الأذان في الجماعة من رواية (أبى بصير) عن أحدهما (عليهما السلام) قال سألته أيجزي أذان واحد..؟ قال: إن صلّيت جماعة لم يجز إلا أذان وإقامة وان كنت وحدك تبادر أمراً تخاف أن يفوتك يجزيك إقامة إلا الفجر والمغرب. الحديث([4])
ومقتضى الجمع بين الأخبار حمل هذه على تأكيد الاستحباب ويزيد ما ذكرناه تأكيداً ما رواه في (كتاب الفقه الرضوي) حيث قال (عليه السلام) بعد أن عدّ فصول كل من الأذان والإقامة قال والأذان والإقامة من السنن اللازمة وليستا بفريضة.
هنا بالنسبة إلى الأذان ـ وأما الإقامة فلم أقف على شيء من الأخبار بعد التتبع التام على ما يقتضى سقوطهما في شيء من الفرائض، بل الأخبار كلها متفقة على ذكرها، ولا على التصريح فيها بوجوب أو استحباب سوى ما في (كتاب الفقه الرضوي).
فالحكم فيها لا يخلو من إشكال والله العالم بحقيقة الحال.
المسألة الثانية في النية
قال دام فضله وزيد نبله: هل القربة كافية في جميع العبادات أم لا…؟.
الجواب
وبه الثقة في كل باب إنا لم نعثر على دليل يدل على قصد أمر زائد وراء قصد القربة والإخلاص في جميع العبادات، والناس في سعة ما لم يعلموا.
وقد اعترف بذلك أيضا جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم). ومن أوجب زيادة على ذلك لم يستند فيه إلى نص وبرهان من السنة النبوية أو القرآن..! وإنما علله بوجوه اعتبارية واختراعات عقلية لا تصلح أن تكون مؤسسة للإحكام الشرعية..!.
نعم لو كان الفعل المستقر في ذمة المكلف مما له أنواع يقع بحسبها واجتمعت تلك الأنواع في الذمة: فلابد ]من[ إيقاع أحدها على الخصوص من قصد زائد على مجرد إيقاع الفعل قربة له سبحانه ـ مثلا الصلاة لما كانت يقع على وجه الأداء تارة وعلى وجه القضاء أخرى، فلو اشتغلت ذمة المكلف بظهر أداء وأخرى قضاء وقلنا بالمواسعة في القضاء فانه يجب عليه قصد الأداء إن أراد إيقاع صاحبة الوقت، وإلا فقصد القضاء إن أراد إيقاع الفائتة.
وبالجملة فانه متى كان الفعل المراد إيقاعه متعيناً في الواقع ذاتاً وصفة كفى إيقاعه بقصد القربة، وان لم يتعين في نظر المكلف، ولا بأس بالإشارة هنا إلى تحقيق حررناه في بعض فوائدنا تتعلق بأصل النية وبيان أنها من قبيل الأمور الفطرية الجبليّة التي لا تحتاج إلى مزيد تكلف بالكلية وان كان ذلك خارجاً عن الجواب إلا أنه مما له مزيد يقع عند أولى الألباب في هذا الباب، ومما يستعان على التخلص من شراك الوسواس الخناس، والخروج من حيرة التيه في ذلك والالتباس.
فأقول: إنا لم نقف في أصل النية في هذا المقام على ذكر لها في أخبار أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ـ بل ولا في كلام أحد من قدماء علمائنا الأعلام فضلا عما يترتب عليها من الفروع والأحكام، وإنما أحدث البحث في ذلك (متأخروا الأصحاب) وأطنبوا في ذلك أي إطناب والظاهر أن منشأ البحث في أصل النيّة وما يتفرع عليها من تلك الأمور مأخوذ من «العامة خذلهم الله تعالى» ـ كما هو مصرح به في كتبهم جرياً على طريقتهم في بناء الأحكام الشرعية على مجرد العلل العقلية والأمور الإستحسانية: فأخذ ذلك منهم جماعة من الأصحاب وحذوا حذوهم في ذلك الباب غفلة عما اقتضته أدلة السنة والكتاب من الإبهام لما أبهم الله والسكوت عما عنه سكت الله..!!
قالوا: فالنية شرعاً هي القصد المقارن للفعل.. فلو تقدمت عليه ولم تقارنه ـ كما إذا نوى صبحاً أن يفعل الفعل عصراً مثلا سمى ذلك عرفاً لا نية، فإذا استمر حتى قارن سمى حينئذ نية.
ولهم (رضوان الله عليهم) في بيان المقارنة في نية الصلاة اختلاف زايد ]قال [(العلامة) أجزل الله تعالى إكرامه (في التذكرة) الواجب اقتران النية بالتكبير بأن يأتي بكمال النية قبله ثم يبتدأ بالتكبير بلا فصل وهذا تصح صلاته إجماعا ـ (قال): ولو ابتدأ بالنية بالقلب حال ابتداء التكبير باللسان ثم فرغ منها دفعة فالوجه الصحة ـ([5]).
ونقل (الشهيد) عن بعض الأصحاب أنه أوجب إيقاع النية ]مباشرة[ بين الألف والرآء قال: وهو مع العسر مقتضى لحصول أول التكبير بلا نية.
ونقل (السيد السند في المدارك) عن (العلامة والشهيد) أنهما اوجبا استحضار النية إلى أنها التكبير لان الدخول في الصلاة إنما يتحقق بتمام التكبير.. ورده: بلزوم العسر وان الأصل براءة الذمة من هذا التكليف، وان الدخول في الصلاة يتحقق بالشروع في التكبير لأنه أول جزء من الصلاة بإجماعنا فإذا قارنت النية أوله فقد قارنت أول الصلاة لان جزء الجزء جزء ولا ينافي ذلك توقف التحريم على انتهائه.. انتهى ـ([6]).
وفي البال انى وقفت من مدة على كلام (العلامة رضوان الله عليه) الظاهر انه في (أجوبة مسائل السيد مهنا بن المدني) في المقارنة وأنه قال حكاية عما يفعله إني أتصور الصلاة من فاتحها إلى خاتمتها ]وأحضرها ببالي[ ثم أقصد إليها وأقارن النية بها ـ والكتاب لا يحضرني الآن لا حكي صورة كلامه ولكن.. في البال أن حاصله ذلك…
وأقول:
لا يخفى عليك بعد تأمل: معنى النية وحقيقتها ان جملة هذه الأقوال بعيدة عن جادة الاعتدال فإنها مبنية على أن النية عبارة عنه بذا الحديث النفسي والتصوير الفكري.. وهو غاية جمة قول المصلى إذا صلى فرض الظهر أداء لوجوبه قربة إلى الله تعالى..!.
والمقارنة بها بان يحضر المكلف عند إرادة الدخول في الصلاة، ذلك بباله وينظر إليه بعين فكره وخياله، ثم يأتي بعد الفراغ منه بلا فصل بالتكبير كما هو المجمع على صحته (عندهم) ـ أو يبسط ذلك على لفظ التكبير ويمده بامتداده ـ كما هو القول الآخر أو يجعله بين الألف والراء، كما هو القول الثالث.
وكل ذلك محض تكلف وشطط وغفلة عن معنى النية أوقع في الغلط فانه لا يخفى على المتأمل أنه ليست النية بالنسبة إلى الصلاة إلا كغيرها من سائر أفعال المكلف في قيامة وقعوده وأكله وشربه ]وغدوه[ ومجيئه ونكاحه وصومه ونحو ذلك ولا ريب أن كل عاقل غير غافل لا يصدر عنه فعل من هذه الأفعال إلا مع قصد وإرادة سابقة عليه ناشئة عن تصور ما يترتب على ذلك الفعل من الأغراض الباعثة والأسباب الحاملة على ذلك بل: هي أمر طبيعي وخلق جبلي لو أراد الانفكاك عنه لم يتلبس له الا بعد تحول النفس عن تلك الدواعي الموجبة والأسباب الحاملة ولهذا قال بعض من عقل بذا المعنى من الأفاضل: «لو كلفنا العمل بغير نية لكان تكليفاً لما لا يطاق» ومع هذا ]لا يقوى[ المكلف في شيء من هذه الأفعال يحصل له عسر في النية ـ ولا إشكال، ولا وسوسة، ولا تفكر، ولا ملاحظة مقارنة ولا نحو ذلك مما اعتبروه في هذا المجال.
فإذا شرع في الصلاة أو نحوها من العبادات اضطرب في أمرها وحار في فكرها وربما اعتراه في ذلك الحال الجنون مع كونه في غير ذلك الوقت على غاية من الرزانة والسكون.
وهل ]هناك[ فرق بين العبادة وغيرها من الأفعال إلا بقصد القربة فيها والإخلاص الذي الجلال.
وهنا لا يوجب تشويشاً في البال ولا اضطراباً في الفكر والخيال، وان أردت مزيد إيضاح لما قلناه وإفصاح عن صحة ما ادعيناه: فانظر إلى نفسك إذا كنت جالساً في مجلسك ودخل عليك رجل عزيز ]يحق[ بالتواضع له والقيام في حال دخوله قمت له إجلالا وإعظاما ـ كما هو الجاري بين جملة من الأنام. فهل يجب عليك أن تتصور في بالك أقوم تواضعاً لفلان لاستحقاقه ]بذلك[ وإلا لكان قيامك له بغير نية فلا يسمّى تواضعاً ولا يترتب مدح ولا ثواب أم يكفى مجرد قيامك له خالياً من هذا التصور، وأنه مع عدم هذا التصور واقع بنيّة وقصد مقارن للإجلال والإعظام الموجب للمدح والثواب..!
ومن المعلوم انك لو فعلت ذلك بخيالك أو ذكرته على لسانك لكنت مسخرة لكل سامع ومضحكة في المحافل والمجامع. وهذا ]شأن[ النية في الصلاة أيضا، فان المكلف إذا دخل وقت العمل مثلا وهو عالم بوجوب ذلك الفرض عليه سابقاً وعالم بكيفيته وكميته وكان الفرض الحامل له عليه امتثال أمره سبحانه أو طلب رضاه أو نحو ذلك ثم قام من مكانه وسارع إلى الوضوء وتوجه إلى مصلاه ووقف مستقبل القبلة وأذن وأقام.. ثم قال: الله اكبر.. واستمر في صلاته.. فان صلاته صحيحة شرعية مشتملة على النية والقربة.
وبالجملة: فالنية المعتبرة في أي فعل كان عبارة عن انبعاث النفس وميلها وتوجهها إلى ما فيه غرضها ومطلبها عاجلا أو آجلا ـ وهذا الانبعاث والميل إذا لم يكن حاصلا لها قبل فلا يمكنها اختراعه واكتسابه بمجرد النطق باللسان، أو تصوير تلك المعاني في الجنان هيهات..! هيهات..! بل هذا من جملة الهذيان مثلا إذا غلب على قلب المدرس أو المصلى حب الشهرة وحسن الصيت واستمالة القلوب إليه بكونه صاحب فضيلة أو كونه ملازماً للعبادة وكان ذلك هو الحامل على تدريسه أو عبادته: فانه لا يتمكن من التدريس والصلاة بغير نية القربة أبدا وان قال بلسانه او تصور بقلبه أصلى أو أدرس قربة إلى الله.
ومادام لا يتحول عن تلك الأسباب الأولة، ولا ينقل عن تلك الدواعي السابقة… إلى غيرها مما يقتضى الإخلاص له سبحانه فلا يتمكن من نية القربة بالكلية فإذا كانت النية إنما هي عبارة عن هذا القصد البسيط الذي لا تركب فيه بوجه ولا يمكن مفارقته لصاحبه بعد تصور تلك الأسباب الحاملة الموجبة للفعل إلا بعد الدخول في الفعل ـ وكيف يتم (ما ذكروه) من معاني المقارنة المقتضى للتركيب وحصول الابتداء فيها والانتهاء وأنها تحصر بين حاصرين من الهمزة والراء إلى غير ذلك من التخريجات العارية من الدليل والخارجة عن نهج السبيل.
المسألة الثالثة في وجوب السورة
قال دامت أيامه ورفعت ]أعلامه[: هل ]أن[ السورة في الفريضة واجبة أو مستحبة..؟.
الجواب
ومنه تعالى إفاضة الحق والصواب ـ أن الحكم في هذه المسألة عندي لا يخلو من إشكال..! وللتوقف فيها مجال لتعارض الأخبار الواردة في هذا المضمار على وجه لا يمكن الحكم بما هو مراد أولئك السادة الأطهار ]سلام الله عليهم[ مع عدم الصراحة في كثير مما استدلوا به في المقام بل ولا الظهور التّام الذي يمكن الاعتماد عليه في الأحكام ـ والاحتياط عندي فيها سبيله كذلك واجب الإتباع لدخوله في الشبهات التي لا ريب في وجوب سلوك طريق الاحتياط فيها ]والارتداع[.
وتوضيح ذلك ـ أن نقول: من الأخبار التي استدل بها على الوجوب (صحيحة منصور بن حازم) قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر([7])
وقد طعن (السيد السند قدس سره في المدارك) في هذه الرواية بأن في طريقها (محمد بن عبد الحميد): وهو غير موثق مع أن المنهي فيها وقع عن قراءات الأقل من سورة والأكثر: وهو في الأكثر محمول على الكراهة على ما سنبيّنه فيكون في الأقل كذلك حزراً من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه انتهى([8]).
وفيه أو لا: ان ]منع[ توثيق (محمد بن عبد الحميد) ]ممتنع[ ولعله (قدس سره) اعتمد على عبارة (العلامة في الخلاصة)، وما كتبه (جده الشهيد الثاني نور الله ضريحهما في حواشيها) قال (العلامة) ما هذا لفظه: (محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار أبو جعفر)، روى (عبد الحميد) عن أبى الحسن موسى (عليه السلام) وكان ثقة من أصحابنا الكوفيين ـ انتهى فكتب (شيخنا الشهيد الثاني) في الحاشية: هذه عبارة النجاشي وظاهرها أن الموثق الأب لا الابن انتهى.
وأنت خبير بأن ما ذكرها في (المدارك) أحتمل بالنسبة إلى عبارة (الخلاصة) لكنه لا يتم في عبارة (النجاشي) لان العبارة بعينها من (كتاب النجاشي) وبعدها بلا فصل: له كتاب النوادر.. ]إلى آخره[.
وحينئذ فمرجع الضمير له ]هو[ مرجع ضمير كان، كما لا يخفى على العارف بأسلوب الكلام من الأعيان.
ولا معنى لرجع الضمير الأول للأب والثاني للابن للزوم التفكيك في الضمائر: وهو معيب في كلام الفصحاء..! بل من قبيل التعمية والألغاز..!
وأيضاً إن (محمداً) هو صاحب الترجمة وجميع ما يذكر فيها يرجع إليه إلا مع قرينة خلافه ولهذا قد عدّ (العلامة في الخلاصة) طريق (الصدوق) إلى (منصور بن حازم) في الصحيح. و (محمد) المشار إليه في الطريق وجزم بتوثيقه جملة من علمائنا الأعلام.. منهم: (الميرزا محمد) صاحب كتاب (الرجال) ـ و (شيخنا المجلسي في الوجيزة) ـ و (شيخنا أبو الحسن في البلغة) وغيرهم… .
]ومن[ مواضع الاشتباه في مثل ذلك ما ذكره (النجاشي) في ترجمة (الحسن بن على بن النعمان) حيث قال:
(الحسن بن على بن النعمان) مولى بنى هاشم وأبوه على بن النعمان ثقة ثبت له (كتاب النوادر) صحيح الحديث كثير الفوائد ] إلى آخره[.
(والسيد السند صاحب المدارك) كتب في حواشيه على (الخلاصة) على هذا الموضع حيث نقل (العلامة): فما هذه العبارة ]استفاد[ منه بعض مشايخنا توثيقه وعندي في ذلك توقف، و (المصنف رحمه الله) جعل حديثه من الصحيح في (المنتهى) في بحث التخيير في المواضع الأربعة. وكأنه ظهر له توثيقه.. ولا يبعد استفادته من هذه العبارة ـ انتهى.
أقول:
والذي وقفت عليه في كلام أصحابنا من علماء الرجال وغيرهم هو التوثيق. ولم يتوقف في ذلك أحد منهم، فإذا كانت الترجمة مقصودة لرجل ]فجميع[ ما يذكر فيها إنما هو يعود إليه ـ كما هو في كتب الرجال المعّول عليه، إلا مع القرينة على خلافه ـ كما أشرنا إليه آنفا..!.
فما توهمه (قدس سره) في المقام ظاهر السقوط عند علمائنا الأعلام.
وأما ثانياً: فلان ما ذكره من أن النهى محمول على الكراهة ففيه إن ما وجّه به الكراهة: وهو ]ما نبهت الإشارة[ إليه بقوله «سنبيّنه» من قيام الدليل عنده على جواز القرآن في الفريضة.. فتحمل هذه الرواية ونحوها مما دّل على النهى عن القرآن على الكراهة جمعاً مدفوع بان الظاهر من الأخبار كما اختاره جملة من العلماء الأبرار هو التحريم كما أوضحناه في (حواشينا على المدارك).
نعم يمكن توجيه ذلك بغير ما وجهه (قدس سره) وهو أن ظاهر الأخبار المستفيضة الدالة كما قلنا على تحريم القرآن هو عبارة عن الجمع بين السورتين ]في الفريضة[ بعد الحمد، لا مجرد الزيادة على السورة ولو ادعى أيضا شمول القرآن لذلك بمجرد هذه الرواية ـ كما ذهب إليه البعض فيمكن توجيه الكراهة حينئذ ما استفاضت ]به[ الأخبار، واتفاق ]عليه[ الأصحاب (رضوان الله عليهم) على جواز العدول من سورة إلى أخرى في الجملة، وان اختلفوا في تجديده فانه يدل على جواز قراءة ما زاد على سورة، فيتحتم حمل النهى هنا عما زاد على الكراهة البتة وبذلك يضعف الاعتماد عليها والركون في اختيار الوجوب اليها.
ومما يستدل به على الوجوب أيضاً (صحيحة معاوية بن عمار) عن ابى عبد الله (عليه السلام) قال من غلط في سورة فليقرأ قل هو الله أحد ثم ليركع.. حتى انه يفهم من بعضهم وجوب قراءة «قل هو الله أحد» في هذه الصورة.
وفيه: إن هذه الرواية معارضة بصحيحة (زرارة)([9]) قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) رجل قرأ سورة في ركعة فغلط، أيدع المكان الذي غلط فيه ويمضى في قراءته أو يدع تلك السورة ويتحول منها إلى غيرها…؟ فقال: كل ذلك لا بأس به، وان قرأ آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع:
]والاحتمال[ المخرج عن الاستدلال قائم من الطرفين، وجار في الروايتين..!.
ومنه أيضاً (صحيحة محمد بن إسماعيل قال: سألته قلت: أكون في طريق مكة فننزل للصلاة في مواضع فيها الأعراب أنصلى المكتوبة على الأرض فيقرأ أم الكتاب وحدها أم نصلى على الراحلة فنقرأ فاتحة الكتاب والسورة..؟ قال: إذا خفت فصلِّ على الراحلة المكتوبة وغيرها، وإذا قرأت الحمد والسورة أحب إلي، ولا أرى بالذي فعلت بأساً([10])
وهذه الرواية مما استدل بها (المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي قدس سره في كتاب الوسائل) على الوجوب ـحيث انه اختار فيه ذلك وهى بالدلالة على العدم أشبه..!؟.
قال (قدس سره) بعد نقلها: أقول لو لا وجوب السورة لما جاز لأجله ترك الواجب من قيام وغيره. انتهى([11])
وفيه: ان معنى الرواية ان السائل لما سأل أنه إذا تعارض الصلاة على الأرض مع ترك السورة للخوف مع الصلاة في المحمل وقراءة السورة.. فأيهما يختار..؟ أجاب ] [بأنك إذا خفت فالصلاة في المحمل أولى.! وليس في ذلك دلالة على انه من حيث المحافظة على السورة ـ وان كان ذلك هو مراد السائل ـ لأنهم (عليهم السلام) كثيراً ما يجيبون بما هو أعم من السؤال بل قد يخيبون بقواعد كلية عن السؤال بالأمور الجزئية.. ومن الظاهر ـ بل الأظهر هنا أن أولوية الصلاة في المحمل إنما هو من حيث الإقبال على العبادة، وفراغ البال لها الذي هو روحها.
ومؤيد الاستحباب هنا قوله (عليه السلام) «وإذا قرأت الحمد وسورة» بمعنى في صلاتك في المحمل فهو «أحب إلي» فان ]مراد[هذه العبادة هو الاستحباب ـ ومن ذلك جملة من الأخبار قد تضمنت نفى البأس عن الاقتصار على الفاتحة لمن أعجلت به الحاجة: وهو يدل بمفهومه على ثبوت البأس لمن ليس كذلك.
وفيه أولا: أن ثبوت البأس أعم من التحريم..!
ثانياً: أن ما دّل على الاستحباب كما سيأتي إنشاء الله تعالى.. صريح الدلالة على ذلك بمنطوقه والمفهوم لا يعارض المنطوق.
وربما يستدل على الوجوب بالأخبار الدالة على النهى عن القرآن في الفريضة.. ان يقال أن النهى حقيقة في التحريم ولا وجه لتحريم ذلك الا من حيث انه يلزم زيادة واجب في الصلاة عمداً: وهو مبطل لها.
وفيه أولا: ان ذلك مبنى على تحريم القرآن ـ. وثانياً: أن العبادة واجبة كانت أو مستحبة توقيفية من الشارع ـ فمن الجائز كون السورة مستحبة والنهى عن الإتيان بثانية لكونه خلاف الموظف شرعاً.. إذ كما ان التشريع يحصل بزيادة الواجب ]باعتقاد [شرعيته، ووجوبه كذلك يحصل بزيادة مستحب باعتقاد توظيفه ـ واستحبابه في ذلك المكان، وأما من حيث كونه قرآناً فلا تبطل الصلاة به سواء قلنا بوجوب السورة او استحبابها.
نعم ربما يمكن الاستدلال على ذلك بالأخبار الدالة على التحريم العدول من سورة التوحيد والجحد إلى ماعدا سورتي الجمعة والمنافقين واتفاق جمهور الأصحاب على ذلك، ومن تلك الأخبار (صحيحة الحلبي) عن أبى عبد الله (عليه السلام): قال: إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله أحد وأنت تريد أن تقرأ غيرها فامض فيها ولا ترجع إلا ان تكون في يوم الجمعة «الحديث».
و (صحيحة أبي نصر) عنه (عليه السلام) قال: ترجع من كل سورة إلا من قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون..([12]). وبمضمونهما أخبار أخر..
ووجه الاستدلال بها أنه لو لا وجوب السورة هنا لما حرّم العدول عنها وليس وجوبها ناشئ عن مجرد الشروع فيها إذ لا شيء من المستحب يجب بالشروع فيه إلا ما خرج بدليل خاص كالحج… ومتى حرم العدول عنها وجب إتمامها، ومتى ثبت الوجوب في هاتين السورتين ثبت في غيرها، إذ لا قائل بالفصل وجواز العدول في غيرها مع الإتيان بسورة كاملة بعد ذلك لا ينافى أصل الوجوب بل يؤكده.
وهذا أقوى ما يمكن أن يستدل به على الواجب وان كان بعض مقدماته لا ]تخلوا [من مناقشة..!!
وأما ما استدل به على الاستحباب فمنه (صحيحة على بن رئاب) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: أن فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة ـ ([13])
و (صحيحة الحلبى) عنه (عليه السلام) قال: ان فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة([14])
وجملة من الأخبار قد دلت على جواز التبعيض والجمع صريح في عدم الوجوب.!
وفي بعض أخبار التبعيض انه (عليه السلام) قرأ بمن خلفه آخر سورة المائدة ثم التفت اليهم بعد الفراغ فقال إنما أردت أن أعلمكم.
وأنت خبير بان هذه الأخبار أصح سنداً وأصرح دلالة ـ ومن ثم ذهب إلى العمل بها جمهور متأخري الأصحاب، لكن اتفاق «العامة» خذلهم الله تعالى على الاستحباب وعملهم بالتبعيض مما يؤمن الاعتماد عليها والحكم بمضمونها.
والظاهر أنه لذلك عدل متقدمو أصحابنا عن العمل بها مع صحتها وصراحتها.
وبالجملة فالحكم عند محل إشكال والاحتياط لازم على كل حال.
المسألة الرابعة في الجهر والإخفات
قال دامت سلامته وتمت سعادته: هل الجهر والإخفات في موضعهما واجبان أم لا..؟ فان الدليل المشهور على الوجوب غير واف بالمطلوب..!.
وعلى تقدير الوجوب هل هما حقيقتان متباينتان أم لا..؟.
وعلى تقدير الوجوب لو جهر ببعض الكلمات في موضع الإخفات هل يقدح أم لا..؟.
وهل يفرق بين الأوليتين والأخيرتين لو اختار المكلف التسبيح أم لا..؟.
ولو كان الإمام يعتقد عدم الوجوب والمأموم يعتقده بتقليد ]أيقر[ ذلك والإمام يجهر في بعض مواضع الإخفات ولم يعلم المأموم، فهل يجب إعلامه وهل يجوز له الإمامة بذلك المأموم بناء على صحة صلاته خصوصاً في نفس الأمر إذا اعتبر عليه الإخفات مع القول بأنهما حقيقتان متباينتان وجهر أقل الجهر بحيث يساوى أعلى الإخفات أو أقل أم لا..؟.
وهل يستحب الجهر في ظهر يوم الجمعة أم لا..؟ فالمأمول منكم دام علاكم كشف مسألة الجهر والإخفات بالدليل الشافي.
الجواب
فأنه سبحانه هو الهادي إلى جادة الصواب، ان هذا السؤال يشتمل على مسائل فلابد من افراد كل منها بما يخصه من البحث والدالائل.
(الأولى)
في وجوب الجهر والإخفات في مواضعهما وعدمه.
ومما يدل على الوجوب (صحيحة زرارة) عن أبى جعفر (عليه السلام) في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه؟ فقال: أي ذلك فعل متعمداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة، وان فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدرى فلا شيء عليه وقد تمت صلاته.
هذه الرواية رواها في (الفقيه) عن (حريز) وطريقه ]إليه[ في المشيخة صحيح وصحيح..! ]وهى[ المروية في طريق (الشيخ قدس سره) عن ابى جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغى الجهر فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه وترك القراءة فيما ينبغى القراءة فيه أو قرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه؟ فقال: أي ذلك فعل ناسياً أو ساهياً فلا شىء عليه([15])
وما رواه (الصدوق في من لا يحضره الفقيه) عن (الفضل بن شاذان) عن الرضا (عليه السلام) قال: ]في حديث أنه ذكر العلة التي من أجلها[ جعل الجهر في بعض الصلوات ولم يجعل في بعض: لان الصلوات التي يجهر فيها إنما هى صلوات تصلّى في أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها ليعلم المار أن هناك جماعة([16]).
وطريق (الصدوق) في المشيخة إلى (الفضل عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابورى عن على بن محمد بن قتيبة) وهما وان لم يذكرا في كتب الرجال بمدح وقدح لكن لا يخفى على الممارس ان إكثار (الصدوق) الرواية عنهما مقرونة في أكثر المواضع بالتراضي عنهما مع ما هو عليه كسائر علمائنا المحدثين، من ]التصلّف[ في نقل الحديث مما يدل على صحة ما ينقله عنه كما شهد به في صدر كتابه..!.
]و[ قال (السيد السند في المدارك) بعد نقل حديث يشتمل سنده على هذه الرجلين.. أقول أن (عبد الواحد بن ]محمد بن[ عبدوس) وان لم يوثق صريحاً لكنه من مشايخ (الصدوق) المعتبرين الذين اخذ عنهم الحديث فلا يبعد الاعتماد على روايته ـ ثم توقف في (على بن محمد بن قتيبة).
ونحن نقول لا مجال للتوقف فيه لما ذكرناه أولا ولهذا ذكره (العلامة رحمه الله) في القسم الأول من (الخلاصة) وصحح في ترجمة (يونس بن عبد الرحمن) طريقين:وهو فيهما([17]).
وقال (النجاشي) في حقّه أنه تلميذ([18]) (الفضل بن شاذان) ورواية كتبه.
وقد عدّ حديثه في (المنتقى) في «صحر» في آخر باب السفر.
وبالجملة: فجلالة شأنهما أظهر من أن يحتاج عند الممارس إلى بيان..!!
وما رواه في الكتاب المذكور: قال سأل (محمد بن عمران) أبا عبد الله (عليه السلام) قال: لاى علة يجهر في صلاة الجمعة وصلاة المغرب وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الغداة وسائر الصلوات ]مثل[ الظهر والعصر لا يجهر فيهما؟ «إلى ]ان قال[»: لان النبي(صلى الله عليه وآله) لما أسرى به إلى السماء كان أول صلاة فرض الله عليه الظهر يوم الجمعة فأضاف ]الله عز وجل[ إليه الملائكة ]تصلى خلفه[ وأمر نبيه(صلى الله عليه وآله) ان يجهر بالقراءة ليتبين لهم فضله ـ ثم فرض عليه العصر ولم يضف إليه أحد من الملائكة وأمره ان يخفى القراءة لأنه لم يكن وراءه أحد ـ ثم فرض عليه المغرب وأضاف إليه الملائكة وأمره بالإجهار وكذلك العشاء الآخرة، فلمّا كان قرب الفجر نزل ففرض الله عليه الفجر فأمره بالإجهار ليتبيّن للناس فضله كما بيّن للملائكة فلهذه العلّة يجهر فيها. الحديث([19]).
وهذه الأخبار كما ترى صريحة في الوجوب: أما الأول فلمّا تضمنه من وجوب الإعادة مع الإخلال بها عمداً: وأما الثاني لدلالته على تخصيص الاغتفار بالناسي والساهي دون العامد: وإلا لكان تارك القراءة عمداً فيما يجب فيه القراءة لا إعادة عليه ولا قائل ولفظ ينبغي ولا ينبغي في الخبرين بمعنى الوجوب والتحريم كما هو في كثير من الأخبار.
ومنه ما في الصحيح ]عن[ (زرارة) ]قال[ أخبرني عن الوجه الذي ينبغي ان يوضأ ]الذي قال الله عز وجل[ فقال(عليه السلام): الوجه الذي أمر الله عز وجل بغسله الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ]ولا ينقص منه[ الحديث([20]).
وفي صحيحة أخرى ]عنه أيضا[: فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل «إلى أن قال في ]غسل[اليدين» فعرفنا أنه ينبغي ]لهما[ أن يغسلا ]الحديث[([21])
إلى غير ذلك من المواضع التي حضرني منها الآن ما يقرب من ثلاثة عشر موضعاً.
نعم هو خلاف ]لما[ هو الشايع الآن والمتعارف في هذا الزمان..!
وأما الثالث: فللتصريح فيه بالوجوب حسبما هو المراد والمطلوب.
وأما الرابع: فلتضمنه للأمر منه سبحانه للرسول(صلى الله عليه وآله) بالجهر والإخفات في تلك الصلوات وأمره سبحانه للوجوب يتعين الا مع قيام قرينة ]على[ عدمه: لقوله سبحانه فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو تصيبهم عذاب أليم([22]).
ومحل الخلاف في الأمر وجوباً واستحباباً إنما هو في أوامر السنة المطهرة، كما حققه جملة من المحققين. وكلما ثبت في حقه(صلى الله عليه وآله) من الأحكام جرى في أمته، الا ما قام دليل باختصاصه به: لان حلاله حلال وحرامه حرام إلى يوم القيامة.
ويؤيد ذلك أيضاً الأخبار المستفيضة بملازمتهم(عليهم السلام) على ذلك فإنهم(عليهم السلام) قد يتركون المستحبات في بعض الأوقات ويفعلون بعض المكروهات إظهارا للجواز ولئلا يظن الناس بسبب ملازمتهم على الفعل، ]أو الترك[ الوجوب أو التحريم، كما لا يخفى على من تتبع الأخبار وتصفح تلك الآثار.
ويؤيده أيضاً أن يقين البراءة لا تحصل إلا به ولعدم ظهور المنافي في خلافه ـ كما ستعرف إنشاء الله تعالى.
ومما يدل على الاستحباب صحيحة (على بن جعفر) عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصلى من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة هل عليه أن لا يجهر؟ قال: ان شاء جهر وان شاء لم يفعل([23]).
وأنت خبير بان جملة من طرق الترجيح الواردة عن أصحاب العصمة صلوات الله عليهم عاضدة للأخبار الأول، فتكون هى التي عليها المعّول: لان منها الشهرة في الرواية، ومنها مخالفة العامة. ومنها الاحتياط.
وكلها مع تلك الأخبار فيتعين حمل هذه الرواية على التقية!، كما صرح به
(شيخ الطائفة رحمه الله)([24])
واعتراض (المحقق) عليه عار عن التحقيق كيف والتقية أحد طرق الترجيحات المنصوصة ـ بل لا يكاد يوجد اختلاف في أخبارنا الا ومنشؤه التقية..!.
وما ذكره بعض مشايخنا المتأخرين: من ان العامة أيضا منهم من يقول بالوجوب فيه.
ان الذي نقله (العلامة في المنتهى) عن الجمهور كافة: هو الاستحباب ولم يخالف فيه منهم الا (ابن أبي ليلى) خاصة فالحمل على التقية متعين.
وما اصطلحوا عليه من الجمع بين الأخبار بحمل الامر على الاستحباب والنهى على الكراهة. حتى رجحه بعضهم على الترجيح بمخالفة التقية وان اجمع العامة على أحد القولين، لا مستند له من النصوص بل هو خلاف الوارد عنهم (عليهم السلام) والمنصوص.
وما استدل به بعضهم على الاستحباب من الأصل: فجوابه ان قيام الدليل على خلافه يوجب الخروج عنه ـ ومن قوله سبحانه: ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا([25]) باعتبار ان الأمر بقراءة الوسط شامل للصلوات كلها ـ فليس مما يعتمد عليه ]إذ قصارى[ ما تدل عليه الآية بمعونة الأخبار الواردة في تفسيرها: هو النهى عن الجهر المفرط والإخفات الذي لا يسمع نفسه وتحريمهما والأمر بالوسط ووجوبه
فهذا الوسط مجمل في تفصيله وبيان إجماله إلى الأخبار كسائر الاجمالات الواقعة في القرآن.
وقد عرفت مما قدمنا تخصيص الجهر ببعض الصلوات والإخفات ببعض فيلزم من الآية بمعونة الأخبار المذكورة الوجوب حينئذ فيكون الآية دليلا على الوجوب كما لا يخفى، وبما أوضحناه من التحقيق يتضح لك ما في كلام (السيد السند في المدارك) من توجيه الاستحباب عملا برواية (على بن جعفر) ودعواه أوضحيتها سنداً وأظهريتها دلالة مع اعتضادها بالأصل ـ وظاهر القرآن فانه بمعونة ما شرحناه لك مجرد ]دعوى عار عن [البرهان.
(الثانية)
ان الجهر والإخفات هل هما حقيقتان متباينتان أم لا..؟.
الذي يقرب بالبال العليل، ويخطر بالخاطر الكليل أنهما حقيقتان متباينتان ـ وإلا لم يتم اختصاص بعض الفرائض بالجهر وجوباً أو استحباباً وبعض بالاخفات كذلك، وانقسام الصلاة بسببيهما إلى جهرية واخفاتية والنصوص على خلافه لكن على تقدير التباين فحقيقة كل منهما عبارة عما ذا الذي رجحه بعض متأخري أصحابنا حوالة ذلك على العرف..!
وأنت خبير بما في حوالة الأحكام الشرعية على العرف من الخفاء، بل هو من قبيل التعريف بالأخفى..! إذ ]أن[ مرادهم بالعرف: هو العرف العام وهو متعذر المعلومية، أو تعسر والرجوع إلى الخاص فرع العلم بالعام المستلزم لتتبعه والعلم باختلافه.
والأقرب عندي كما استفدته منه والذى (نور الله ضريحه وطيب ريحه) ان الفرق بينهما باعتبار اشتمال الصوت على الجرس وعدمه فمع اشتماله عليه يسمى جهراً ومع عدمه اخفاتاً، ولعل العرف يساعد على ذلك: وفي كلام أهل اللغة: الجهر بمعنى الإعلان والخفت والإخفاء بمعنى إسرار المنطق وسره ومنه قوله تعالى: يتخافتون ]بينهم[ اى يسر بعضهم إلى بعض([26])
ومن الظاهر أن الإعلان بالصوت ورفعه إنما يكن بواسطة الجرس المشتمل عليه الصوت إذ بدونه لا يمكن رفعه والإعلان به، وان تفاوت شدة وضعفاً ـ وما لم يشتمل على جرس فهو إسرار وان سمعه القريب كما يفعله المتساران بالحديث فيسر احدهما إلى الآخر كلاماً غير مشتمل على الجرس لئلا يسمعه من سواهما ـ كما عرفت من قوله سبحانه: يتخافتون بينهم، وفي الأخبار المتقدمة ما يؤيد ذلك ـ كقوله في خبر (الفضل ابن شاذان) الأمر بالجهر لأجل سماع المارّ فيعلم بالجماعة وفي الثانية: لسماع الملائكة والناس ليبين لهم فضله(صلى الله عليه وآله) فان ذلك لا يكون الا مع اشتمال الصوت على الجرس فإن الإعلان بالصوت وان تفاوت شدة وضعفاً لا يمكن بدون ذلك كما عرفت ولذا ترى من أضر ملاقاة الهوى صوته حتى بح صوته لا يمكنه الإعلان به ورفعه.
(الثالثة)
لو جهر ببعض الكلمات في موضع الإخفات أو بالعكس؟ فعلى القول بالاستحباب لا إشكال، وعلى القول بالوجوب فان كان عامداً فقد أبطل صلاته ـ كما دريت من (صحيحتي زرارة المتقدمتين) ووجهه ظاهر، وان كان سهوا فلا شيء عليه حسبما دلتا عليه أيضاً: فيمضى في صلاته مطلقاً وهذا مما استثنى بهذه الرواية من القاعدة.
من سهى في واجب ثم ذكر قبل الدخول في واجب آخر فانه يجب عليه الرجوع لما سهى فيه وتداركه، الا في هذا الموضع على أحد القولين.
(الرابعة)
لو اختار المكلف التسبيح في أخيرتي الرباعية وثالثة الثلاثية: فظاهر أن الحكم فيه بالنسبة إلى الجهر والإخفات كسائر أذكار الصلاة.
قال (السيد السند قدس سره في المدارك) ذكر جمع بين الأصحاب انه يجب الإخفات في هذا الذكر تسوية بينه وبين المبدل ونفاه ابن إدريس للأصل وفقد النص، وأجاب عنه في (الذكرى) بان عموم الإخفات في الفريضة كالنص وهو غير واضح وان كان الاحتياط يقتضى المسير إلى ما ذكره. انتهى([27])
أقول ما ادعوه من ان التسبيح بدل عن القراءة وهى اخفاتية فيجب الإخفات ايضاً.
أما أولا: فان المستقاد من الأخبار كما أوضحناه بما لا مزيد عليه في (رسالتنا ميزان الترجيح في أفضلية التسبيح) هو العكس وان الأصل هو التسبيح الذي نقل عن النبى(صلى الله عليه وآله) ثم الأئمة من بعده صلوات الله عليهم المداومة في صلاتهم جماعة وفرادى عليه وعلى ذلك أيضا دلت أخبار النهى عن القراءة والنفي لها المؤذن بمرجوحيتها ان لم ينقل بالمنع عنها.
ومن ثم ذهب بعض متأخري أصحابنا هو التخيير وكلامه (قدس سره) عندي ليس بذلك البعيد..!
وفي (صحيحة عبيد بن زرارة)([28]) ما يدل على ان الإجزاء بالفاتحة إنما هو من حيث اشتمالها على الدعاء والتحميد وهو مؤذن بفرعيتها على التسبيح كما لا يخفى.
وأما ثانياً: فمع تسليم البدلية فوجوب التساوي بين البدل والمبدل منه في جميع الأحكام تحتاج إلى دليل ومن ذلك يظهر قوة ما ذهب إليه (ابن ادريس)، ونقل عن (العلامة) أيضاً الميل إلى ذلك.
(الخامسة)
إذا اعتقد الإمام استحباب الجهر والمأموم وجوبه فلا تخلو اَما ان يجهر الإمام في موضع الإخفات وبالعكس أم لا.؟ وعلى الأول فإما أن يعلم المأموم بذلك أم لا…
فهنا صور ثلاث:.
الأولى: ان يجهر الإمام في موضع الإخفات أو بالعكس مع علم المأموم بذلك، والظاهر انه لا ريب في بطلان القدوة لاخلال الإمام ببعض الواجبات باعتقاد المأموم فيكون صلاة الإمام باطلة في اعتقاده، ومتى حكم ببطلانها امتنع الاقتداء فيها..!.
الثانية: الصورة بحالها لكن مع عدم العلم للمأموم بذلك، والظاهر هو الصحة، ولو انكشف الحال بعد الفراغ ويكون حكم هذه المسألة بالنسبة إلى هذا المأموم حكم من اقتدى بإمام ظاهر العدالة ثم انكشف له عدمها، أو صلى بصلاة إمام مستكملة لشرائط الصحة ثم ظهر بطلانها وإعادتها.
الثالثة: ان يجهر الإمام في الجهرية ويخافت في الاخفاتية وان كان يعتقد عدم الوجوب، والظاهر أيضا هنا صحة القدوة بل أولى علم المأموم به أو لم يعلم، لان الاختلاف في الفروع الناشئ عن اختلاف الأدلة لا يوجب فسقاً..! بل هذا مقتضى التكليف ولان صلاته في هذه الصورة في نظر المأموم صحيحة مستكملة للشرائط، واعتقاد عدم الوجوب فيما يعتقد المأموم وجوبه غير ]مؤيد[ في المقام الأعلى رأى بعض الأعلام من وجوب نية الوجوب في كل واجب من أفعال الصلاة ـ ولا نعرف له دليلا يعتمد عليه، ولا حجة توجب المصير إليه..!.
والذي حققه جماعة من محققي أصحابنا (رضوان الله عليهم) انه إذا صلى المكلف وآتى بجميع أفعال الصلاة على الوجه المأمور به شرعاً وان لم يعرف الواجب من الندب فصلاته صحيحة لإتيانه بالمأمور به وامتثاله المقتضى للجزاء وقصد القربة آت على جميع أفعالها ولا دليل على سواه ـ كما تقدمت الإشارة إليه.
نعم لو اشتملت الصلاة على بعض الأحكام المترددة بين الوجوب أو الاستحباب والتحريم فقصد القربة لا يأتى عليه بل لابد والحال هذه من ملاحظة الترجيح في أدلة تلك الأحكام والا فسلوك جادة الاحتياط…!
وأَما قوله (سلمه الله تعالى) وهل يجوز له الإمامة بذلك المأموم.. الخ فهذا السؤال لا مجال له الأعلى القول بوجوب نية الإمامة على الإمام. ولا أعرف به قائلا ولا عليه دليلا…
فانه لو صلى المصلى بنية الانفراد مع علمه بان من خلفه يأتم به صحت صلاته وصلاة من خلفه. لا اعرف فيه خلاف ـ بل نقل الإجماع فيه على الصحة.
نعم ذكروا أن نية الإمامة شرط في حصول الثواب على دليل ولو قلنا بوجوب النية ـ كما صرحوا به في صلاة الجمعة والعيدين فيجوز له الإمامة أيضا. ويبغى الكلام في المأموم على حسب ما ذكرنا في الصورة المتقدمة.
(السادسة)
هل الأفضل الجهر في ظهر الجمعة أم يجب الإخفات كسائر الصلوات الاخفاتية؟ الذي دلت عليه (صحيحة محمد بن مسلم) و (صحيحة الحلبي وحسنته) أيضا، ورواية (محمد بن مروان). هو الجهر.. ومورد الأولى: الجماعة..! والثانية: ظاهرها المنفرد..! والثالثة صريحة فيه..! والرابعة: مطلقة..!.
ولقائل هذه الروايات في ذلك (صحيحة جميل) و (صحيحة على بن جعفر) وحمل هذه على التقية.. كما أجازت به (الشيخ قدس سره) متجه، إذ ظاهر كلام (العلامة رحمه الله) ان ذلك مذهب الجمهور كافة([29]) وفي بعض تلك الأخبار ما يشير إلى ذلك.
الهوامش والمصادر:
[1]– في التهذيب ج 1 ص 148.
[2]– في قرب الاسناد ص 76 ـ طبع الهجرى ـ .
[3]– في التهذيب ج 1 ص 148.
[4]– الكافى الفروع ج 1 ـ ص 83 ـ .
[5]– تذكرة الفقهاء ص 112 ـ الطبع الحجرى.
[6]– مدارك الأحكام ص 159 ـ الطبع الحجرى.
[7]– الفروع ج 1 ـ 86 من الكافي. التهذيب ج 1 ـ 153. الاستبصار ج 1 ـ 160.
[8]– مدارك الأحكام ص 166.
[9]– التهذيب ج 1 ـ ص 221 و36.
[10]– مروى في الكافي ج 1 ـ من الفروع ص 128، وايضاً جاء في التهذيب ج 1 ـ ص 337 ـ وجاء منه في موضع آخر ج 3 ـ 1 و 6 من صلاة الخوف.
[11]– وسائل الشيعة ـ ج 4 ـ ص 736 ـ الحديث الاول في الباب الرابع.
[12]– الاول مروى في التهذيب ج 1 ـ ص 322. والثانى في الكافى الفروع ج 1 ـ ص 87.
[13]– مروى في التهذيب ج 1 ـ ص 154 ـ والاستبصار ج 1 ص 160.
[14]– مروى في التهذيب ج 1 ـ ص 154.
[15]– الفقيه ج 1 ـ ص 115، التهذيب ج 1 ـ ص 181، الاستبصار ج 1 ـ 159..
[16]– الفقية ج 1 ص 201، علل الشرائع ص 79، عيون الأخبار ص 552.
[17]– الخلاصة ص 185.
[18]– رجال النجاشي ص 183.
[19]– الفقيه ج 1 ـ ص 201، علل الشرائع ص 115.
[20]– الفقيه ج 1 ـ باب حدّ الوضوء 88 ص 15.
[21]– الكافي الفروع ج 1 ص 10، الفقيه ج 1 ص 30 ـ العلل ص 103 التهذيب ج 1 ـ ص 17 ـ الاستبصار ج 1 ص 33.
[22]-آية 63 من سورة النور.
[23]– قرب الاسناد ص 94 ـ الطبع الحجرى
[24]– التهذيب ج 1 ـ ص 181.
[25]– آية 110 من سورة الاسراء.
[26]– سورة طه 103.
[27]– مدارك الأحكام ص 169 الطبع الحجرى.
[28]– الكافي الفروع ج 1 ـ ص 83، التهذيب ج 1 ص 225.
[29]– تذكرة الفقهاء ص 117، الطبع الحجرى.
المسألة الخامسة في استحباب الجمعتين في الجمعتين
قال لا زال محفوفاً بالعز والإقبال: هل الجمعتان واجبتان في الجمعتين أم مستحبتان؟
الجواب
وبه تعالى الثقة واليه المرجع والمآب: أن الأظهر هو الاستحباب إذ ما اعتمدوه من أدلة الوجوب معارض بمثله مع قبول تلك الأخبار التأويل دون هذه فما استندوا إليه في الوجوب رواية (عبد الملك الأحول عن أبيه) عن أبى عبد الله (عليه السلام) قال: من لم يقرأ في الجمعة بالجمعة والمنافقين فلا جمعة له([1]).
و (صحيحة صباح بن صبيح) قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل أراد أن يصلى الجمعة فقرأ بقل هو الله أحد، قال: يتم ركعتين ثم يستأنف([2])
و (صحيحة عمر بن يزيد) قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) : من يصلى الجمعة بغير الجمعة والمنافقين أعاد الصلاة في سفر أو حضر([3]). وما عدا هذه الروايات فقصاراه الدلالة على توظيف ما تبين السورتين في الفريضتين المذكورتين كسائر السور الموظفة في الفرائض المخصوصة.
والجواب عن تلك الروايات بالمعارضة (بصحيحة على بن يقطين) قال: سألت أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمداً، قال: لا بأس ]بذلك[([4])
و (صحيحته الثانية) المروية في (كتاب من لا يحضره الفقيه) قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الجمعة في السفر ما أقرأ فيهما؟ قال: اقرأهما بقل هو الله أحد([5])
و (موثقة يحيى الأزرق) قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) قلت له: رجل صلى الجمعة فقرأ سبح أسم ربك الأعلى وقل هو الله أحد، قال: أجزأه([6]).
و (صحيحة عبد الله بن سنان) عن أبى عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول في صلاة الجمعة: لا بأس بأن تقرأ فيها بغير الجمعة والمنافقين إذا كنت مستعجلا([7])
ورواية (محمد بن سهل عن أبيه) قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمداً، قال: لا بأس([8]).
وطريق الجمع :حمل تلك الأخبار على تأكد الاستحباب وإلا لزم طرح هذه، إذ لا محمل لها تحمل عليه متى عمل على تلك الأخبار وجمع (الصدوق رضي الله عنه) بحمل هذه الأخبار على الرخصة لمن كان مريضاً أو مستعجلا أو مسافراً يأباه ذكر التعمد في (صحيحة على بن يقطين) ورواية (سهل) إذ مفاده عدم العذر، كما لا يخفى ]من قوله[ في الرواية الأولى «لا جمعة له» ليس صريح في الإبطال لوقوع التعبير به..؟! وبمثله في الأخبار في مقام التأكيد لما عبر به عنه ونقصان الفضل مع الإخلال: كقوله(عليه السلام)«من تكلم في حال الخطبة فلا جمعة له».
وقوله: «لا صلاة لجار المسجد إلا فيه»([9])
ونحو ذلك مما يقف عليه المتتبع..!
وأَما الإعادة في الروايتين الأخيرتين فانه وقع مثله في الأحكام المستحبة تبنيها على التسوية بشأنها والمحافظة عليها، كما في (صحيحة الحلبي) الدالة على أن الناسي للأذان والإقامة يرجع لهما ويعيد الصلاة ما لم يركع..([10]).
و (صحيحة على بن يقطين) الدالة على أن ناسي ]الأذان[ والإقامة إن ذكر وقد فرغ من صلاته تمت صلاته وإلا فليعد..([11]). مع ما عرفت في الأذان من دلالة الأخبار على الاستحباب واتفاق الأصحاب على الاستحباب في الإقامة في الجملة على أن القول بالوجوب فيها لا ينطبق على مدلول من الرجوع متى ذكر قبل الفراغ إذا لو أجبر المتروك سهواً متى تجاوزه المصلى إلى ركن مضى من غير رجوع..!.
وبالجملة فالقول بالاستحباب هو الأظهر في المقام والأقرب لأخبار أهل البيت(عليهم السلام) .
المسألة السادسة في تولي الأمور الحسبيّة
قال أيده الله تعالى بتأييده وأضاف ]وأفاض[ عليه من رواشح الفضل ومزيده: ثم لا يخفى عليكم أن كثيراً من أصحابنا (عطر الله مراقدهم) صرحوا بان لا يتولى صرف الخمس والزكاة إلا الفقيه الجامع لشرائط الفتوى والمطالع ]الظالع [عن نيل تلك المراتب العالية، وفي وقت الوالد أذن لنا في تولي أمور الحسبيات: فالمأمول منكم أيدكم الله أن تكتبوا لنا عن دليل أصحابنا في عدم الجواز، وأن رأيتم المصلحة (للعبد) في تولى أخذ ذلك من الزكاة والخمس فاكتبوا له إجازة بذلك لان المحتاجين كثيرون، فالاعتماد على الله وعليكم. وان كان بحسب معتقدكم الشريف عدم المصلحة في ذلك فاكتبوا لنا بذلك أيضاً، فانا لأمركم طائعون وعلى رأيكم معتمدون..؟؟.
الجواب
ومنه سبحانه الإمداد بالصواب: أن المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن صرف الزكاة إلى مستحقها، وكذلك حق الأصناف من الخمس لا يتوقف على نظر الحاكم الشرعي، بل لو صرفه من عليه أجزأ..! ولهذا انه يصدق في دعوى صرفه بغير بينة ولا يمين..!
ومن خالف من أصحابنا (كالشيخ المفيد رحمه الله) وقليل معه حيث أوجبوا حملها إلى الإمام مع حضوره أو نائبه الخاص أو العام، لم نقف له على دليل، بل الأخبار بقبول إخبار من هي عليهم تأبى ذلك وترده.. وكما يتولى ذلك المالك بنفسه يتولاه وكيله المعين لذلك عموماً وخصوصاً.
نعم يستحب للمالك دفعها للحاكم لأنه أبصر بمواقعها ويكون حينئذ من قبيل الوكيل عن المالك، فما نقله (دام ظله) عن كثير من أصحابنا من تصريحهم بأنه لا يتولى صرف الخمس والزكاة الا الفقيه الخ… ان أشار به إلى من نقلنا خلافه في المسألة فهو مع كونه قولا عارياً عن الدليل والقائل به من أصحابنا أقل القليل، وإلا فلعله غفلة منه (سلمه الله) أو أنه اطلع على نقل لم نقف عليه..؟!:
نعم لو امتنع من هي عليه من إعطائها كان للحاكم الشرعي جبره وأخذها منه قهراً فيكون الحاكم هو المتولي صرفها بعد قبضها ويكون من جملة الأمور الحسبية المناطة بنظره، ولعله (زيد علاه) أراد هذا المعنى وان قصرت العبارة عن أدائه.
وبالجملة فالذي يناط بنظر الحكم في مسألة الخمس والزكاة إنما هو أخذها قهراً من الممتنع ـ كما ذكرنا وصرفها، ومثله قبض حصة الإمام من الخمس فإنها منوطة بنظره حيث انه نائبه (عليه السلام) والقائم مقامه، بل نائب كل غائب…
وأما الكلام في تولى الأمور الحسبية لغير الفقيه الجامع للشرائط فتحقيق القول فيه أنه لا ريب ان هذا المنصب مخصوص بالأئمة (عليهم السلام) أو من عينوه خصوصاً أو عموماً مع الحضور أو الغيبة، وقد استفاضت أخبارهم (صلوات الله عليهم) بانه يرجع في ذلك الى من روى حديثهم ونظر في حلالهم وحرامهم وعرف أحكامهم مع الاتصاف بالعدالة والتقوى فانه حاكم وقاض على الأمة من جهتهم وخليفة عليهم من قبلهم والراد عليه كالراد عليهم حسبما تضمنه (مقبولة عمر بن حنظلة) ورواية (ابى خديجة) وتوقيع الصاحبي([12]) وغيرها.
وهل المراد برواية أحاديثهم ومعرفة أحكامهم يعنى جميع أحاديثهم وكذلك معرفة جميع أحكامهم أو يكفى البعض الذي يتم به الفرض..؟ الظاهر الثاني..!
فان اشتراط رواية جميع أحاديثهم والإحاطة بها ومعرفة كل أحكامهم، سواء كان في (الكتب الأربعة) أو غيرها يؤدى إلى أن لا يوجد هذا الفرد على مرور الأزمان..!!.
ولذا ترى كل من تأخر من الأصحاب يستدرك على من تقدمه من الفضلاء بسبب اطلاعه على ما لم يطلع عليه من تقدمه، وهذا عند الممارس للفن أمر ظاهر لا ينكر.
وقد استقصينا في (كتاب المسائل الشيرازية) جملة من المواضع التي غفلوا فيها عن النصوص مع أنها في (الكتب الأربعة) المتداولة ]بينهم[ فيهم على أن ما يحتاج إليه من أحاديث النكاح مثلا لو كان الواقعة المحتاج إليها فيه لا يتوقف على أحاديث الصلاة.. ونحوها وهكذا…
ويؤيد ذلك ما في رواية (أبى خديجة) من قوله (عليه السلام) «ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه.. الخ..» فما ذكره بعض الأصحاب من اشتراط الإحاطة بالجميع ليس بموجه، وقد فهم من كونه حاكماً وقاضياً من جهتهم (صلوات الله عليهم) رجوع جميع الأمور الحسبيّة عملا بحق النيابة..!.
ثم انه لو لم يوجد الفقيه المذكور أو تعذر الوصول إليه، فالظاهر انه لا خلاف في جواز تولى عدول المؤمنين العارفين فمن لم يبلغ تلك المرتبة العلية لسائر الأمور الحسبيّة ]عدا[ ما يتعلق بالحكم والقضاء والإفتاء دفعاً للحرج المنفى بالشريعة السمحة السهلة لم يلزم من الضرر والتضرر في أموال الأيتام والغيب والفروج ونحوها، كما لا يخفى على من جاس خلال تلك الديار ورأى ما يحدث في الأقطار على ممر الأدوار، ولأنه تعاون على البر والتقوى.
ويدل على ذلك أيضا ظاهر (صحيح ابن بزيع) قال مات رجل من أصحابنا ولم يوص فرفع أمره الى القاضي الكوفي فصيّر (عبد الحميد) القيم بماله وكان الرجل خلفّ ورثة صغاراً ومتاعاً وجواري فباع (عبد الحميد) المتاع فلما اراد بيع الجواري ضعف قلبه في بيعهن إذ لم يكن الميت صيّر إليه وصيته وكان قيامه هذا بأمر القاضي لأنهن فروج ـ قال فذكرت ذلك لأبي جعفر (عليه السلام) فقلت يموت الرجل من أصحابنا ولم يوّص الى أحد ويخلّف جواري فيقيم القاضي رجل منا ليبيعهنّ ]أو قال يقول بذلك رجل منا[ فيضعف قلبه لانهن فروج فما ترى في ذلك القيم؟ قال فقال: إذا كان القيم مثلك أو مثل (عبد الحميد) فلا بأس.
والظاهر كما استظهره بعض مشايخنا المتأخرين المماثلة في العدالة والضبط لأموالهم، وأما القضاء والحكم والإفتاء: فالمشهور بل ادعى عليه الإجماع غير واحد من أصحابنا اختصاص ذلك بالفقيه الجامع للشرائط.
ولكن المنقول عن (الشيخ أحمد بن فهد الحلي) و (الشيخ حسين بن مصلح الصيمري) و (الشيخ حسين بن منصور صاحب الحاوي) جواز ذلك لفاقد بعض الشرائط مع عدالته عند تعذر الفقيه الجامع، دفعاً للحرج ـ ! وجعلوا ذلك من قبيل وجوب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر، ونقل صاحب (الحاوي المذكور) انه يقتصر في الحكم على ما يحققه أمّا غيره من المسائل الاجتهادية فيعتمد فيها الصلح، فان تعذر تركه.
وحجة المانع على ما يفهم من كلام (شيخنا الشهيد الثاني) في رسالته التي في المنع من تقليد الأموات..! هو الإجماع..!.
أقول: والظاهر عندي هو القول بالمنع واختصاص ذلك بمن وردت فيه تلك الأخبار الدالة على انه القاضي والحاكم من جهتهم(عليهم السلام) لا لما ذكروه من إجماع، فانه ليس بذلك الدليل الذي ينقطع به النزاع، بل الأخبار المستفيضة عن أهل الذكر(عليهم السلام).
كقول أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه (لشريح) على ما رواه
(المشايخ الثلاثة) «جوز الله تعالى مراتبهم»: يا شريح قد جلست مجلساً لا يجلسه الا نبي أو وصى أو شقي([13]).
وما رواه في (الفقيه) ومثله أيضا في (التهذيب) عن (سليمان بن خالد) عن ابى عبد الله (عليه السلام) قال: اتقوا الحكومة فان الحكومة إنما هى للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي أو وصى نبي([14]).
والحصر في النبي والوصي إضافي بالنسبة الى من تصدر في ذلك بغير إذنهم ـ لما عرفت من الأخبار الدالة على ]أن[ من عرف أحكامهم وروى حديثهم: فهو حاكم وقاض من جهتهم.
وما رواه (المشايخ الثلاثة) عن الصادق (عليه السلام) من ان القضاة أربعة واحدة في الجنة وثلاثة في النار([15])ـ ثم عدّ ما عليه الليم إلى أن انتهى إلى الرابع فقال: ورجل قضى بالحق وهو يعلم في الجنة.
ومثلها جملة من الأخبار التي يطول بنقلها الكلام، وكلها صريحة في المنع من الحكم والإفتاء الاّ لذلك المخصوص في تلك النصوص بالاستثناء.
وكيف كان فمثل سيدنا (أدام الله تعالى سعادته وأجزل إفادته) ممن قسّم أوج الورع والتقوى في العلم والعمل وحاز النصيب الوافر الأقوى من اجتناب الخطأ والخطل ممن لا يرتاب في جواز قيامه بالأمور الحسبية وانتظامه في سلك حملة الشريعة المحمدية، وان توقف (دامت أيامه) لمزيد ورعه واحتياطه في الدخول في تلك الأمور فهو حسبما استدعى (رفعت أعلامه) من محبه مأذون ومأمور.
المسألة السابعة في تعريف الإيمان
قال لا زال مؤيداً بالتوفيق والإجلال: وما أقل ما يحصل به الإيمان من العقايد بحيث تدفع الزكاة والخمس وتصح مناكحته وغير ذلك من أحكام الإيمان فهل هو مجرد إقراره بالمعارف الخمس من التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد، وان كان لو سئل عن دليل ذلك لم يعرفه ولم يمكنه إقامة الدليل كما هو في أكثر الناس في هذا الزمان ـ تفضلوا ببيان ذلك.
الجواب
وبه الثقة في كل باب إن هذه المسألة مما طال فيها زمام الكلام بين علمائنا الأعلام، وقد حققنا هذا المقام بما لا يحوم حوله نقض ولا إبرام في كتابنا (إعلام القاصدين الى مناهج أصول الدين) ولنشير هنا إلى نبذة مما هنا لك بينة المدارك واضحة المسالك.
فنقول: الأظهر عندنا كما عليه جملة من جهابذة أصحابنا منهم (المحقق خواجة نصير الملة والحق والدين الطوسي والزاهد العابد المجاهد المولى الاردبيلي) وتلميذه (السيد السند صاحب المدارك والمحدث الكاشانى) وغيرهم..: هو الاكتفاء بمجرد اعتقاد ذلك من غير توقف على الدليل بأي معنى اعتبر من كونه على النهج الميزاني أو ما تطمئن به النفس ـ كما هو اختيار (شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني قدس سره).
لنا ان الإيمان لغة وشرعاً هو التصديق، وحقيقته الإذعان بأي طريق حصل، والتكليف بما زاد من الدليل بأي معينيه يحتاج الى الدليل. نعم لابد من حصول ذلك ولو بالتقليد على جهة الإذعان القلبي والتصديق اليقيني بحيث يكون جازماً متيقناً لذلك.
ويفهم من جملة من أخبارنا أن المعرفة بالتوحيد بل بالنبوة ونحوهما أمر بديهي لا كسبي كما نقلناه في ذلك الكتاب المشار إليه.
وهو مؤيد لما قلناه ومن الظاهر المشهور الذي هو في الظهور كالنور على الطور ان الرسول(صلى الله عليه وآله) لم يكلف الناس عند طلب الإيمان منهم بازيد من الإقرار بالشهادتين والالتزام بما جاء به من الأوامر والنواهي، فمن اقر بذلك مع إذعان وتصديق حكم بإيمانه واستوجب الجنة بذلك ومن أقر بذلك لاعن إذعان وتصديق حكم بإسلامه وأجرى عليه أحكامه من الطهارة وحفظ الدم والمال والمناكحة ونحوها أعم من ان يكون مع إنكار في الباطن كالمنافقين أو لا كالمؤلفة قلوبهم الذين تألفهم (صلى الله عليه وآله) ولم ينقل عنه طلب شيء زايد على ذلك.
ومما يؤيد ذلك استفاضة الأخبار بالنهى عن التعمق في علم الكلام والوقوف على ظاهر ما في السنة النبوية وكلام الملك العلام ـ كما روى عنه(صلى الله عليه وآله)حين خرج وراء أصحابه يخوضون في القدر فقال بعد أن غضب حتى أحمرت وجنتاه: ما بهذا أمرتم تضربون كتاب الله بعضه ببعض فما أمركم الله فافعلوا وما نهاكم عنه فانتهوا([16]).
وما روى عن (عبد العزيز بن المهتدى) قال :سألت الرضا (عليه السلام) عن التوحيد؟ فقال: كل من قرأ قل هو الله أحد وآمن بها فقد عرف التوحيد، قلت: كيف يقرأها قال: كما يقرأها الناس([17]). والظاهر ان السائل توهم من كلام الامام (عليه السلام) أن مراده بالقراءة مثل الدرس والتعلم والتفكر ونحوها حيث سئل عن كيفية القراءة فأجابه (عليه السلام) بان المراد قراءتها على وجه التلاوة كما يتلونها الناس ـ بمعنى الاكتفاء بمجرد ظواهر المعاني المتبادرة من حاق اللفظ عند من أنس اللغة..!:
وما رواه في (التوحيد) بسنده عن (عبد العظيم الحسيني) قال: دخلت على سيدي على بن محمد بن على بن موسى (عليه السلام) فلما بصرني قال: مرحباً بك يا أبا القسم، أنت ولينا حقاً ـ قال فقلت له يا بن رسول الله اني أريد ان أعرض عليك ديني، فان كان مرضياً أثبت عليه حتى ألقى الله عز وجل فقال.. هاتها يا أبا القسم فقلت: انى أقول: أن الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء، خارج عن الحدين حدّ الإبطال وحدّ التشبيه، وانه ليس بجسم ولا صورة ]ولا عرض ولا جوهر[ بل هو مجسم الأجسام، ومصور الصور، وخالق الأعراض والجوهر، ورب كل شيء ومالكه وجاعله ومحدثه، وان محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبي بعده الى يوم القيامة ـ وأقول: ان الإمام والخليفة وولى الأمر من بعده أمير المؤمنين على بن أبى طالب ثم الحسن ثم الحسين، ثم على بن الحسين، ثم محمد بن على، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم على بن موسى ثم محمد بن على، ثم أنت يا مولاي.. فقال (عليه السلام): ومن بعدى ]ابني الحسن[ فكيف للناس بالخلف من بعده ـ قال قلت: وكيف ]ذاك[ يا مولاي؟ قال: لأنه لا يرى شخصه ولا يحل ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ]قال[: فقلت أقررت ـ وأقول: ان وليّهم ولى الله وعدوهم عدو الله وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله، وأقول: ان المعراج حق، والمسألة في القبر حق، وان الجنة حق وان النار حق: والصراط حق، والميزان حق، وان الساعة آتية لا ريب فيها، وان الله يبعث من في القبور، وأقول: ان الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج والجهاد، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فقال على بن محمد (عليهما السلام) يا أبا القسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، فأثبت عليه، ثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة([18]).
فهذا الحديث كما ترى ينادى بأوضح دلالة على ان مجرد التصديق بهذه المعارف هو دين الله الذي ارتضاه لعباده ـ ولم يسأله الإمام (عليه السلام) بعد إظهاره اعتقاده بذلك عن الدليل على شيء منها: فلو كان إيمانه متوقفاً وراء ما ذكر على معرفة الدليل لما قبل منه ذلك الا بعد إقامة الدليل على كل منها، ولما حكم بأنه بمجرد ذلك دين الله الذي ارتضيه لعباده ودعي له بالثبات عليه.
وبالجملة فمتى اعتقد المكلف معنى ما دلت عليه كلمة الشهادة وصدق النبي (صلى الله عليه وآله) في كل ما علم ثبوته عنه فلا ريب في إيمانه، نعم بقى الإشكال في بعض عوام (الشيعة) الضعيفة العقول ممن لا يعرف الله تعالى الا بمجرد هذه الترجمة حتى لو سئل عنه من هو..؟ فربّما قال محمد أو على..! كما شاهدناه من بعضهم، أو لا يفرق بين النبي والإمام، أو لا يعرف الأئمة كملا، أو لا يعرف من المعارف أصلا فضلا عن التصديق بها ـ!!؟.
وظاهر أن مثل هؤلاء لا يحكم بإيمانهم بل هم بحسب الأحكام الدنيوية من جملة المسلمين، وفي الآخرة من المرجئين.
وفي إعطائهم من الزكاة المشروطة بإيمان المستحق إشكال..!؟ وليس كذلك ]في[ النكاح فان شرطه الإسلام لا الإيمان كما استفاضت به الأخبار، واشتراط الإيمان وقع غفلة من جمهور (متأخري أصحابنا) بناء على حكمهم بإسلام المخالفين مع ترادف الأخبار بالمنع من مناكحتهم!؟ وقد أوضحنا ذلك بما لا مزيد عليه في (رسالة الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب).
والأحوط أن لا يعطى من هؤلاء المستضعفين شيئاً من الزكاة أو الخمس الا بعد تلقينهم المعارف الخمس([19]) وتصديقهم بذلك.
المسألة الثامنة في حكم القاصد للمسافة
قال أيده الله تعالى بالتوفيق وسقاه رحيق([20]) التحقيق ـ وما اعتقادكم في القاصد للأربعة الفراسخ والرجوع في يومه أو في ضمن العشرة، فهل يجب عليه التقصير كما هو مذهب (الثقة الجليل) أو التخيير، كما هو مختار (الشيخ) في احد أقواله أو الإتمام كما هو المشهور؟
الجواب
ومنه سبحانه نستمد الهداية للصواب ان تفصيل القول في هذا المقال على وجه يسهل الأخذ به لجملة الأفهام: أن يقال انه لما اختلفت الأخبار الواردة في تحديد المسافة الموجبة للتقصير، فبين ما دل على انها ثمانية فراسخ، وما دل على انها أربعة.. اختلفت أنظار أصحابنا (رضوان الله عليهم) في الجمع بينهما على الأقوال..
أحدها: ما هو المشهور تقييد أخبار الأربعة بالرجوع ليومه فيتحتم التقصير عندهم مع إرادة الرجوع ليومه والإتمام فيما عداه.
وثانيها: وجوب التقصير ]عندهم[ مع إرادة الرجوع ليومه والتخيير مع عدم ذلك: وهو المنقول عن (ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه، والشيخ في النهاية) الا انه منع من التقصير في الصوم وخصّه بالصلاة فيكون هذا ثالث الأقوال.
ورابعها: حمل أخبار الأربعة على التخيير، يعنى أن قاصد الأربعة الى مادون الثمانية فيتخير بين القصر والإتمام يرجع ليومه أو يرجع بالكلية.
وهو اختيار (الشيخ في كتابي الأخبار) على ما فهمه الأكثر من كلامه.
وخامسها: التقييد بالرجوع ليومه، كما في القول الأول الا انه يتخيّر بين القصر والإتمام: نقله في (الروض) ونسبه الى (الشيخ والشهيد في الذكرى).
وكذا اشار إليه في (الروضة) ونسبه الى (الذكرى) وفهمه من كلام (الشيخ في كتابي الأخبار). لا يخلو من تأمل وفي (غيره) لم أقف عليه.
وسادسها: قصد الأربعة ما لم ينقطع سفره بأحد القواطع المقررة من نية اقامة العشرة أو مضى ثلاثين يوماً متردداً أو وصول منزله: وهو الأظهر من الأخبار، وعليه تنطبق على وجه لا يعتريه ذلل ولا غبار.
وتوضيحه: ان المسافة الموجبة للتقصير: هى ثمانية فراسخ لا غير لكنها أعم من أن يكون متصلة ذهاباً أو ملفقة من الذهاب والإياب فكما أن القاصد ثمانية متصلة لو جلس على رأس أربعة منها مثلا أياماً من غير ان ينقطع سفره بأحد القواطع المتقدمة فان حكمه التقصير لبقائه على حكم السفر فكذلك حكم من جلس على رأس الأربعة التي هى محل البحث فانه ما لم ينقطع سفره بأحد القواطع المذكورة فهو على حكم السفر، ولا فرق بين الصورتين الا التلفيق في هذه وعدمه في تلك والا فالكل مشترك في قصد ثمانية فراسخ، والى هذا القول مال جملة من (متأخري المتأخرين) من أصحابنا (رضوان الله عليهم).
ومما يدل على هذا القول ويدفع ما عداه أخبار (عرفات) حيث تضمنت الإنكار الشديد والتوبيخ الأكيد لأهل (مكة) على الإتمام في خروجهم الى عرفات مع انها على أربعة فراسخ من (مكة) والخروج للحج كما صرحت به تلك الأخبار مع القطع بعدم الرجوع ليومهم مضافاً الى نهى السائل بزيادة على ذلك عن الإتمام وأمره بالتقصير. وهذا مما يدفع القول بالتقييد بالرجوع ليومه كما عليه الأكثر في عدم رجوع أهل (مكة) ليومهم كما عرفت، ويدفع أيضاً القول بالتخيير لعدم مجامعته لما عرفت من الذم والإنكار عليهم في الإتمام ـ وقوله (عليه السلام) وأي سفر أشدّ منه لا تتم..!.
فما جنح إليه في (المدارك) من اختيار التخيير ـ وقوله: أنه لا ينافى ذلك نهى أهل (مكة) عن الإتمام ]بعرفات[ لانا نجيب عنها بالحمل على الكراهة أو على أن المنهى عنه الاتمام على وجه اللزّوم انتهى([21]).
محتمل لو لم يكن في المقام الا مجرد النهى خاصة أما مع إردافه بالأمر بالتقصير والتسجيل على مخالفة ذلك وقوله(عليه السلام): أى سفر أشدّ منه ـ فهو أصرح دلالة على تحريم الإتمام في المقام من ان يخفى على ذوى الأفهام.
وحينئذ فان كان مراد (ابن عقيل) بما نقل عنه من تلك (العبارة) هو هذا المعنى الذي ذكرناه ـ فلا ريب في حسن نسبته لال الرسول (صلى الله عليه وعليهم)، لأنه المفهوم من أخبارهم ((عليهم السلام)) الا انه لا وجه لتقييده بالرجوع لما دون العشرة إذ يجوز ان لا يرجع الا بعد عشرين يوماً ولم ينقطع سفره بنية إقامة، ولا وصول منزل، فانه يبقى على حكم السفر.
ومما يدل على هذا القول أيضاً رواية (صفوان) عن الرضا (عليه السلام) قال سألته عن رجل خرج من (بغداد) يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتى بلغ (النهروان) وهى أربعة فراسخ من (بغداد)، أيفطر إذا أراد الرجوع ويقصر؟ قال: لا يقصر ولا يفطر لأنه خرج من منزله وليس يريد السفر ثمانية فراسخ، إنما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق فتهادى به السير الى الموضع الذي بغله، ولو أنه خرج من منزله يريد (النهروان) ذهاباً وجائياً لكان عليه أن ينوى من الليل سفراً والإفطار، فان هو أصبح ولم ينو السفر فبدأ له بعد أن أصبح في السفر قصّر ولم يفطر يومه ذلك([22]).
وأنت خبير بان قوله(عليه السلام): يقصر ولا يفطر جواباً عن سؤال الحكم في رجوعه من (النهروان) الى (بغداد) وهى على أربعة فراسخ في الرد على من قال بالتخيير في قصد الأربعة كصاحب (المدارك) ومن تقدمه.
وقوله(عليه السلام): ولو أنه خرج من منزله الخ.. مع قوله سابقاً لانه خرج من منزله وليس يريد ثمانية فراسخ: دال على أن قصد الأربعة مع نية الرجوع قصد للثمانية كما حققناه سابقاً..!.
وعلى انه مجرد قصد الأربعة مع إرادة الرجوع مطلقاً كاف في التقصير إذ لا تقييد فيه بيوم، كما يدعونه..؟؟!.
وقوله(عليه السلام): لكان عليه ان ينوى من الليل الخ.. صريح في تحتم التقصير وردّ على من ]قال[ بالتخيير.
وأما قوله: وان هو أصبح الخ.. فالظاهر ان معناه انه متى أصبح يعنى متى لا ينوى السفر الا بعد مضى الزمان الذي يطلق عليه الصبح وهو بعد دخول الظهر فانه يجب عليه المضّى في صوم ذلك اليوم وان وجب عليه التقصير في الصلاة.
وكيف كان فالا حوط لمن قصد الأربعة مطلقاً الجمع بين الفريضتين قصراً وإتماما ـ والله العالم.
المسألة التاسعة في اشتراط العدالة في مستحق الزكاة
قال أدام الله تعالى توفيقه وسهل الى سبل الفضائل والفواضل طريقه: هل العدالة شرط في مستحق الزكاة أولا، وكذا الخمس..؟؟
الجواب
والله تعالى الهادي الى جادة الصواب أن الأظهر عدم اشتراط ذلك في كل من الموضعين لعدم الدليل عليه، بل عموم الأخبار وإطلاقها في كلا الموضعين ينادى بالعدم مؤيداً ذلك بدلالة الأخبار أيضاً على إعطاء الأطفال والأيتام من ذلك مع ان العدالة منتفية في حقهم.!
نعم في (مرسلة داود الصيرمي) المنع من إعطاء الزكاة لشارب الخمر، والظاهر انها مستند من منع من إعطاء الزكاة لمرتكب الكبائر..!؟!
والأحوط الوقوف على ما تضمنته «حسب».
المسألة العاشرة في مرتبة الفقاهة
قال أيده الله تعالى بتأييده وسدده بتسديده: وهل يجوز لعبدكم العمل بما يفهمه من أحاديث أهل البيت(عليهم السلام) مع تمكنه من معرفة صحة الحديث وضعفه ولو بمراجعة كتب الرجال وكذا الاطلاع غالباً على الأقوال والاحتياط مع الإمكان أم العمل موقوف على معرفة العلوم التي ذكروها أهل التقليد والاجتهاد كالأصول وغيرها وهل نجيب إذا سألنا بالمسائل الخلافية مع الأمر بالاحتياط أم لا؟؟ أفتونا بجميع ذلك مثابين مأجورين بحق محمد وآله الخيرة البررة صلوات الله عليهم أجمعين.
الجواب
ومنه سبحانه نستمد الهداية للصواب ان ما ذكروه أصحابنا الأصوليون (رضوان الله عليهم) من توقف العلم والعمل للفقيه على تلك العلوم أمر لا نعرف له مستندا بل ظاهر الأخبار ترده كأمرهم (عليهم السلام) للشيعة البعيدي الشقة عنهم بالرجوع الى جملة من رواتهم، وحملة أخبارهم.
ومن المعلوم ان ماعدا العربية واللغة من تلك العلوم غير متعارف في تلك الأزمان ولا معول عليها بين أولئك الأعيان، بل مدارهم مجرد الرواية عن أهل الذكر صلوات الله عليهم مشافهة او بوسائط ولو من تلك الأصول المتداولة بينهم.
نعم لا ريب أن ممارسة هذه العلوم مما يفيد زيادة في القوة التي بها تستنبط معاني تلك الأخبار والملكة التي عليها في ذلك المعوّل والمدار لكن العمدة التامة في ذلك زيادة على ما هنالك هو التقمص بقميص الورع والتقوى والفوز بحظ الوافر منه والنصيب الاقوى والملازمة على جملة الطاعات والعبادات، والإنزجار عن جملة المنهيات من المحرمات والمكروهات، فان ذلك في الفيض من الفياض من أعظم الأسباب لمن أخذ به وارتاض، والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا([23]).
ثم أن مثل سيدنا أدام الله تعالى إجلاله وأعلى في درجات العلا إقباله ممن لا يشك في ورعه وتقواه واحتياطه في عمله وفتواه، فإذا تبادر الى ذهنه الشريف، وانتقش بلوح فهمه المنيف شيء من معاني تلك الأخبار الحسان مع النظر في السند ولو بمراجعة الكتب المدونة في ذلك الشأن فلا بأس بالعمل بذلك، لكن الواجب مع ذلك مراجعة كتب أصحابنا الاستدلالية فإنها مما تعين أعظم الإعانة على ذلك، فإنها في الحقيقة كالشروح للأخبار في التنبيه على معانيها والجمع بين مختلفاتها، ومع ذلك فالواجب التتبع بجملة كتب الأخبار العالية المنار، وعدم الاقتصار على مجرد الكتب الأربعة المشهورة: ككتاب (عيون أخبار الرضا (عليه السلام) وكتاب الأمالي وكتاب معاني الأخبار) ونحوها من الكتب التي جمعها (شيخنا المجلسي قدس سره) في كتاب (بحار الأنوار جزاه الله تعالى أفضل الجزاء في دار القرار).
فان كثيراً من الأحكام التي شنّع جملة من (متأخري المتأخرين) من أصحابنا (رضوان الله عليهم) على من قال بها ممن تقدمهم بكونها خالية عن المستند وجدت مستنداتها في هذه الكتب المشار إليها([24]).
وما ذكره (شيخنا الشهيد الثاني في درايته) من حصر الاستدلال في هذه الكتب الأربعة خاصة لا وجه له، فان استفاضة الكتب المشار إليها وتواتر نقلها عن مصنفيها أمر لا ينكر وظاهر لا يستر، وان ]كانت[ أقل مرتبة من تلك.
وبالجملة: فالواجب على الفقيه استفراغ الوسع في تحصيل تلك الأدلة من مظانها ]و[ طلبها من معادنها، وربما وجد الخبر في هذه الكتب الأربعة مطلقاً أو مجملا أو عاماً، وله مقيد أو مفصل أو مخصص في غيرها.
ومن الواجب أيضا النظر في مختلفات الأخبار والجمع بينها بالقواعد المقررة عن أهل العصمة صلوات الله عليهم بعد إعطاء التأمل حقه في معرفة الاختلاف وكونه على وجه لا يمكن التطبيق فيه بينها والائتلاف، فان كثيراً من الأخبار ترى في بادي النظر متنافية، وإذا تأملت في معانيها وقراءتها حق التأمل وجدتها مؤتلفة متصافية.!
وأما الجواب بنقل الخلافات في المسائل، فلا ثمرة مهمة فيه للسائل نعم في أمره بالاحتياط وقوف على سواء الصراط كما قد استفاضت به الروايات عموماً وخصوصاً..
وكتبه بيمناه الداثرة أعطاه الله تعالى كتابه بها في الدار الآخرة: فقير ربه الكريم وأسير جوده العظيم يوسف بن أحمد بن إبراهيم الدرازي البحراني ـ حامداً ـ مصلياً ـ مسلماً ـ مستغفراً ـ بتاريخ سلخ شهر ربيع المولود من السنة السادسة والخمسين بعد المائة والألف من الهجرة النبوية على هاجرها وآله أفضل الصلاة والتحية ـ آمين ـ آمين آمين..
تمت بقلم الفقير إلى الله الغنى محمد بن على من خط مصنفها حفظه الله تعالى من الآفات في كربلاء المعلى بتاريخ يوم الخميس سادس عشر شهر رجب الأصب سنه 1272.
تمت أجوبة المسائل البهبهانية الذي سألها السيد عبد الله البلادي أصلا والبهبهاني موطناً ـ لعلامة الدهور وفهامة العصور الشيخ يوسف (بن عصفور) البحراني الدرازي، على يد الفاني الجاني أبو أحمد بن أحمد البحراني العصفوري ـ وفقه الله لمراضيه وجنبه معاصيه ـ بتاريخ: ليلة الجمعة الخامس من شهر ربيع المولود سنه 1405 الهجري والحمد لله أولا وآخراً، به تبتدأ الأسماء وبه تختتم الأشياء…
الهوامش والمصادر:
[1]– مروى في التهذيب ج 1 ـ ص 247.
[2]– مروى في الكافي الفروع ج 1 ـ ص 119، التهذيب ج 1 ص 247.
[3]– مروى في الكافي الفروع ج 1 ـ ص 120، التهذيب ج 1 ـ ص 247.
[4]– مروى في التهذيب ج 1 ـ ص 247.
[5]– مروى في الفقيه ج 1 ـ ص 136، الكافى الفروع ج 1 ـ 119.
[6]– مروى في التهذيب ج 1 ـ ص 322.
[7]– مروى في الفقيه ج 1 ـ ص 136، التهذيب ج 1 ـ ص 322.
[8]– مروى في التهذيب ج 1 ـ ص 247.
[9]– مروى في التهذيب ج 3 ص 249.
[10]– مروى في التهذيب ج 1 ـ ص 215، الاستبصار ج 1 ـ ص 155.
[11]– مروى في التهذيب ج 1 ـ ص 216، الاستبصار ج 1 ـ ص 155.
[12]– رواية عمر بن حنظلة: قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الى السلطان والى القضاة أيحل ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فانما تحاكم الى الطاغوت، وما يحكم له فانما يأخذ سحتاً وان كان حقاً ثابتا له ،لانه أخذه بحكم الطاغوت وما أمر الله أن يكفر به قال الله تعالى: «يريدون أن يتحاكموا الى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به» قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فانى قد جعلته عليكم حاكماً فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما استخف بحكم الله وعلينا ردّ، والراد علينا كالراد على الله، وهو على حد الشرك بالله.(الكافى ج 1 ـ ص 67).
وأما رواية ابى خديجة فعن ابى عبد الله (عليه السلام) ـ قال: بعثنى أبو عبد الله (عليه السلام) إلى أصحابنا فقال: قل لهم: اياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شىء من الأخذ والعطاء ان تحاكموا الى أحد من هؤلاء الفساق، اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا، فانى قد جعلته عليكم قاضياً، واياكم أن يخاصم بعضكم بعضاً الى السلطان الجائر. (التهذيب ج 6 ـ ص 303).
وأما توقيع الإمام صاحب الامر(عليه السلام): عن اسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لى كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علىّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان(عليه السلام): أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك… الى ان قال: وأما الحوادث الواقعة فارجعوا الى رواة حديثنا، فإنهم حجتى عليكم وانا حجة الله، وأما محمد بن عثمان العمرى فرضى الله عنه وعن أبيه من قبل فانه ثقتى وكتابه كتابى.
(إكمال الدين وإتمام النعمة ص 266، الغيبة ص 197، الاحتجاج ص 163).
[13]– رواه الكليني في الفروع ج 7 ص 406، ورواه الصدوق في الفقيه ج 3 ص 4 ورواه أيضاً في المقنع ص 132 س 9 ـ الطبع الحجرى ورواه الشيخ في التهذيب ج 6 ص 217.
[14]– رواه في الفقيه ج 3 ص 4، ورواه في التهذيب ج 6 ص 217 ورواه في الفروع أيضاً ج 7 ص 406.
[15]– رواه الكليني في الفروع ج 7 ص 407، ورواه الصدوق في الفقيه ج 3 ص 3، ورواه الشيخ في التهذيب ج 6 ص 218، ورواه أيضاً المفيد في المقنعة مرسلا ص 112 س 22 الطبع الحجرى.
[16]– راجع مقدمة كتاب البرهان.
[17]– المروى في كتاب التوحيد ص 284.
[18]– المروى في كتاب التوحيد للشيخ الصدوق(قدس سره) ص 81.
[19]– التوحيد والعدل والنبوة والامامة والمعاد.
[20]– الرحيق بمعنى الخالص الصافي الذي لا شوب فيه.
[21]– المدارك ص 345 الطبع الحجرى.
[22]– مروى في كتاب التهذيب ج 1 ص 416 ـ والاستبصار ج 1 ـ ص 115.
[23]– آية 69 ـ العنكبوت.
[24]– الكتب المشار اليها: ككتاب الخصال ـ وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) ـ واكمال الدين واتمام النعمة ـ ومعاني الأخبار ـ والتوحيد ـ وقرب الاسناد ـ والفقه الرضوى ـ دعائم الإسلام ـ وتفسير القمي ـ وتفسير العياشي ـ والكافي لأبى الصلاح الحلبي ـ وبشارة المصطفى لشيعة المرتضى ـ والوسائل، والمستدرك الخ.
[25]– مروى في كتاب الكافي الفروع ج 4 ص 391، التهذيب ج 5 ص 466 ـ الحديث 277.