ج17 - الحلق والتقصير
الفصل الثالث
وفيه مسائل :
الأولى :
المشهور بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أن الحاج
إذا فرغ من الذبح تخير إن شاء حلق وإن شاء قصر ، والحلق أفضل ، ويتأكد في حق
الصرورة والملبد ، وهو من أخذ عسلا وصمغا وجعله في رأسه لئلا يقمل أو يتوسخ ، وبه
قال الشيخ في الجمل.
وقال في جملة من كتبه : «لا يجزئ الصرورة والملبد إلا
الحلق» وبه قال ابن حمزة ، وزاد في التهذيب المعقوص شعره.
وقال ابن الجنيد : «ولا يجزئ الصرورة ومن كان غير صرورة
ملبد الشعر أو مضفورا أو معقوصا من الرجال غير الحلق».
وقال ابن أبي عقيل : «ويحلق رأسه بعد الذبح وإن قصر أجزأ
، ومن لبد رأسه أو عقصه فعليه الحلق واجب» ولم يذكر حكم الصرورة بالنصوصية.
وقال المفيد : «لا يجزئ الصرورة غير الحلق ، ومن لم يكن
صرورة
أجزأه التقصير ، والحلق أفضل» ولم ينص
على حكم الملبد ، وكذا قال أبو الصلاح.
احتج العلامة في المختلف على ما اختاره من القول المشهور
بقوله تعالى (1) : «لَتَدْخُلُنَّ
الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ
وَمُقَصِّرِينَ» قال : «وليس المراد الجمع ، بل إما
التخيير أو التفضيل والثاني بعيد ، وإلا لزم الإجمال ، فتعين الأول» وزاد بعضهم
الاستدلال بالأصل.
واستدلوا أيضا بما رواه الشيخ في التهذيب عن حريز في
الصحيح (2) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) «قال رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) يوم الحديبية
اللهمّ اغفر للمحلقين مرتين قيل : والمقصرين يا رسول الله ، قال : وللمقصرين».
احتج الشيخ في التهذيب على وجوب الحلق على الصرورة
والملبد ومن عقص شعره بما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار (3) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «ينبغي
للصرورة أن يحلق ، وإن كان قد حج فان شاء قصر وإن شاء حلق ، وإذا لبد شعره أو عقصه
فان عليه الحلق ، وليس له التقصير».
وفي الصحيح أيضا عن معاوية بن عمار (4) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «إذا
أحرمت فعقصت رأسك أو لبدته فقد وجب عليك الحلق ، وليس لك التقصير ، وإن أنت لم
تفعل فمخير لك التقصير والحلق في الحج ،
__________________
(1) سورة الفتح : 48 ـ الآية 27.
(2 و 3 و 4) الوسائل ـ الباب ـ 7 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
6 ـ 1 ـ 8.
وليس في المتعة إلا التقصير».
وفي الصحيح عن هشام بن سالم (1) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام): إذا عقص
الرجل رأسه أو لبده في الحج أو العمرة فقد وجب عليه الحلق فيه».
وفي الصحيح عن سويد القلاء عن أبي سعيد (2) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «يجب
الحلق على ثلاثة نفر : رجل لبد ورجل حج بدوا لم يحج قبلها ، ورجل عقص رأسه».
والعلامة في المختلف بعد أن نقل الاحتجاج للشيخ ببعض هذه
الروايات أجاب بالحمل على الاستحباب عملا بالأصالة وجمعا بين الأدلة.
ولا يخفى ضعفه ، أما الأصل فيجب الخروج عنه بالدليل ،
وهذه الأدلة كما ترى واضحة في تعين الحلق على هؤلاء المعدودين ، وأما الجمع بين
الأخبار بالاستحباب فقد عرفت ما فيه في غيره موضع مما مر في الكتاب ، على أنه من
الظاهر أن صحيحة حريز التي استندوا إليها مطلقة وهذه الأخبار مقيدة ، ومن الأصول
المعتمدة عندهم حمل المطلق على المقيد.
وأما ما ذكره في المدارك من التوقف في وجوب الحلق على
الصرورة قال بعد أن ذكر نحو ما قلناه : «نعم يمكن أن يقال : هذه الروايات لا تدل
على وجوب الحلق على الصرورة ، لأن لفظ «ينبغي» الواقع في الرواية الأولى ظاهر في
الاستحباب ، ولفظ الواجب في الرواية الأخيرة محتمل لذلك ، كما بيناه مرارا» وأشار
بالرواية الأخيرة إلى رواية أبي سعيد.
ففيه ـ مع الإغماض عن المناقشة فيما ادعاه ـ أن وجوب الحلق
على الصرورة ليس منحصرا في هاتين الروايتين كما توهمه ، بل تدل عليه جملة من
الأخبار.
__________________
(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 7 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
2 ـ 3.
منها ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي (1) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «سألته
عن الرجل برأسه قروح لا يقدر على الحلق قال : إن كان قد حج قبلها فليجز شعره ، وإن
كان لم يحج فلا بد له من الحلق».
وما رواه في الكافي عن أبي بصير (2) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «على
الصرورة أن يحلق رأسه ولا يقصر ، إنما التقصير لمن حج حجة الإسلام».
وما رواه الشيخ في التهذيب عن بكر بن خالد (3) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «ليس
للصرورة أن يقصر ، وعليه أن يحلق».
وما رواه الصدوق عن سليمان بن مهران (4) في حديث : «أنه
قال لأبي عبد الله (عليهالسلام) : كيف صار
الحلق على الصرورة واجبا دون من قد حج؟ قال : ليصير بذلك موسما بسمة الآمنين ، ألا
تسمع قول الله عزوجل (لَتَدْخُلُنَّ
الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ
وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ)؟ (5)».
ومن الأخبار الدالة على ما دلت عليه الأخبار المتقدمة من
وجوب الحلق على الملبد والعاقص ما رواه ابن إدريس في الصحيح عن نوادر أحمد بن محمد
ابن أبي نصر البزنطي عن الحلبي (6) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعته
يقول : من لبد شعره أو عقصه فليس له أن يقصر ، وعليه الحلق ،
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 6) الوسائل ـ الباب ـ 7 ـ من أبواب الحلق
والتقصير ـ الحديث 4 ـ 5 ـ 10 ـ 14 ـ 15.
(5) سورة الفتح : 48 ـ الآية 27.
ومن لم يلبد إن شاء قصر وإن شاء حلق ،
والحلق أفضل».
وبذلك يظهر لك صحة ما ذهب إليه الشيخ (رحمهالله) وضعف ما سواه
، والله العالم.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن تمام القول في المسألة يتوقف على
رسم فوائد :
الأولى :
ما ذكرنا من التخيير بين الحلق والتقصير أو وجوب الحلق
في تلك الافراد حكم مختص بالرجال ، وأما النساء فالواجب في حقهن هو التقصير خاصة
بما يحصل به المسمى اتفاقا نصا وفتوى ، وحكى العلامة الإجماع في المختلف على تحريم
الحلق عليهن.
ومن الأخبار الواردة في ذلك ما رواه ثقة الإسلام في
الكافي في الصحيح عن سعيد الأعرج (1) في حديث «أنه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن النساء ،
فقال : إذا لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ويقصرن من أظفارهن».
وعن علي بن أبي حمزة (2) عن أحدهما (عليهماالسلام) في حديث قال
: «وتقصر المرأة ويحلق الرجل ، وإن شاء قصر إن كان قد حج قبل ذلك».
وعن الحلبي (3) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ليس
على
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 8 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
1 ـ 2 ـ 3.
النساء حلق ، ويجزؤهن التقصير».
وروى في الفقيه (1) في وصية النبي (صلىاللهعليهوآله) لعلي (عليهالسلام) «ليس على
النساء جمعة ـ إلى أن قال ـ : ولا استلام الحجر ولا حلق».
وفي مرسلة ابن أبي عمير (2) «تقصر المرأة
من شعرها لنفسها مقدار الأنملة».
والظاهر أن المراد بمقدار الأنملة الكناية عن المسمى ،
وهو المشهور ، ونقل في المختلف عن ابن الجنيد أنه قال : «وعليها أن تقصر مقدار
القبضة من شعر رأسها» ولم نقف على مأخذه ، بل ظاهر المرسلة المتقدمة رده.
وفي المختلف رد القول المذكور بقوله : «لنا أن الأمر
بالكلي يكفي فيه أي فرد من جزئياته وجد ، فيخرج من العهدة بأقل المسمى» انتهى.
الثانية :
نقل في المختلف عن الشيخ في التبيان أنه قال : «الحلق
والتقصير مندوب غير واجب ، وكذلك أيام منى ، ورمى الجمار» ثم قال : «والمشهور أن
ذلك كله واجب ، لنا أنه (صلىاللهعليهوآله) فعل ذلك ،
والأخبار ناطقة بالأمر بإيجاب هذه الأشياء ، وإيجاب الكفارة على تاركها» انتهى.
أقول : ولظاهر كلام الشيخ هنا في التبيان وتصريحه
بالاستحباب حكم أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان بالاستحباب في جميع هذه
__________________
(1) الوسائل ـ الباب ـ 8 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
4.
(2) الوسائل ـ الباب ـ 3 ـ من أبواب التقصير ـ الحديث 3.
الأفعال بعبارة موهمة لاتفاق الأصحاب
على ذلك ، كما قدمنا نقله عنه في المسألة الاولى من الفصل الأول في رمي جمرة
العقبة (1).
الثالثة :
اجمع العلماء كافة على أن من ليس على رأسه شعر يسقط عنه
الحلق ، حكاه في المنتهى ، قال : «لعدم ما يحلق ، ويمر الموسى على رأسه ، وهو قول
أهل العلم كافة» ثم نقل رواية زرارة (2) الآتية في حكاية الرجل الخراساني. و
(بالجملة) فالحكم المذكور لا إشكال فيه.
بقي الكلام في أن إمرار الموسى هل هو على جهة الوجوب أو
الاستحباب؟ نقل في المنتهى الخلاف في ذلك عن العامة ، حيث قال : «إذا ثبت هذا فهل
هو واجب أم لا؟ قال : أكثر الجمهور : أنه مستحب غير واجب. وقال أبو حنيفة : إنه
واجب ، احتج الأولون بأن الحلق محله الشعر ، فسقط بعدمه كما يسقط وجوب غسل العضو
بقطعه ، ولأنه إمرار لو فعله في الإحرام لم يجب عليه دم فلم يجب عليه عند التحلل ،
كامرار اليد على الشعر من غير حلق ، احتج أبو حنيفة بقوله (صلىاللهعليهوآله) (3) : «إذا أمرتكم
بأمر فاتوا منه ما استطعتم».».
ويظهر منه في المنتهى اختيار ما ذهب إليه أبو حنيفة من
الوجوب ،
__________________
(1) ص 8.
(2) الوسائل ـ الباب ـ 11 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
3.
(3) سنن البيهقي ـ ج 4 ص 326.
حيث قال : «وهذا لو كان ذا شعر لوجب
عليه إزالته وإمرار الموسى على رأسه ، فإذا سقط أحدهما لتعذر موجب الآخر ، وكلام
الصادق (عليهالسلام) (1) يعطيه ، فإن
الأجزاء يستعمل في الوجوب» انتهى.
وظاهره أن الخلاف في المسألة المذكورة إنما هو بين
العامة ، والمفهوم من شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الخلاف في المسألة من وجهين
، وهذه صورة عبارته (قدسسره) قال ـ بعد أن
ذكر أن ثبوت الإمرار في الجملة إجماعي ـ : «وإنما الخلاف في موضعين : (أحدهما) هل
هو على جهة الوجوب مطلقا أو الاستحباب مطلقا أو بالتفصيل بوجوبه على من حلق في
إحرام العمرة والاستحباب على الأقرع؟ قيل بالأول لقوله (صلىاللهعليهوآله) (2) : «إذا أمرتكم
بأمر فاتوا منه ما استطعتم». وهذا لو كان له شعر كان الواجب عليه إزالته وإمرار
الموسى على رأسه ، فلا يسقط الأخير بفوات الأول ، ولأمر الصادق (عليهالسلام) بذلك في أقرع
خراسان (3) وقيل بالثاني
، بل ادعى عليه في الخلاف الإجماع ، لأن محل الحلق الشعر ، وقد فات فسقط لفوات
محله ، وبالتفصيل رواية والعمل بها أولى. (الثاني) على تقدير الوجوب مطلقا أو على
وجه هل يجزئ عن التقصير من غيره؟ قيل : نعم ، لانتفاء الفائدة بدونه ، ولأن الأمر
يقتضي الاجزاء ، ولعدم توجه الجمع بين الحلق والتقصير ، والإمرار قائم مقام الأول
، وظاهر الخبر يدل عليه ، والأقوى وجوب التقصير ، لأنه واجب اختياري قسيم للحلق ،
والإمرار بدل اضطراري ، ولا يعقل الاجتزاء بالبدل الاضطراري مع القدرة على
__________________
(1 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 11 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
3.
(2) سنن البيهقي ـ ج 4 ص 326.
الاختياري ، ولا يمتنع وجوب الأمرين
على الحالق في إحرام العمرة المبتولة عقوبة له» انتهى.
أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة ما
رواه ثقة الإسلام (قدسسره) عن زرارة (1) قال «إن رجلا
من أهل خراسان قدم حاجا وكان أقرع الرأس لا يحسن أن يلبي ، فاستفتي له أبو عبد
الله (عليهالسلام) فأمر أن يلبى
عنه وأن يمر الموسى على رأسه ، فإن ذلك يجزئ عنه».
ما رواه الشيخ عن أبي بصير (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المتمتع
أراد أن يقصر فحلق رأسه قال : عليه دم يهريقه ، فإذا كان يوم النحر أمر الموسى على
رأسه حين يريد أن يحلق».
وعن عمار الساباطي (3) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال
: «سألته عن رجل حلق قبل أن يذبح ، قال : يذبح ويعيد الموسى ، لأن الله تعالى يقول
(لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) (4)».
هذا ما وقفت عليه من روايات المسألة ، وهي متفقة كما ترى
في الأمر بإمرار الموسى على رأسه ، أعم من أن يكون لا شعر عليه من أصله كأقرع
خراسان أو عليه شعر قد أزاله ، وظاهرها وجوب ذلك ، ولا معارض لها في البين فيتعين
وجوب العمل بها.
__________________
(1) الوسائل ـ الباب ـ 11 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
3.
(2) الوسائل ـ الباب ـ 4 ـ من أبواب التقصير ـ الحديث 3.
(3) الوسائل ـ الباب ـ 39 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 8.
(4) سورة البقرة : 2 ـ الآية 196.
وأما ما ذكروه في تعليل الوجوب ـ من أن الواجب على ذي
الشعر إزالته وإمرار الموسى على رأسه ، فلا يسقط الأخير بفوات الأول ـ فدليل شعري
لا يصلح لابتناء الأحكام الشرعية عليه ، وما ذكروه من حديث «إذا أمرتكم» إلى آخره
فلم نقف عليه في أصولنا.
بل الحق في الاستدلال على ذلك إنما هو بظاهر الأخبار
المذكورة ، على أن وجوب الإمرار غير مسلم في حد ذاته ، وإنما وجوبه من حيث توقف
الحلق عليه ، فالواجب منه ما تحقق في ضمن الحلق لا مطلقا.
وأما القول بالتفصيل فلم نقف له على دليل ، وما ادعاه
شيخنا المتقدم من ورود خبر بذلك حتى أنه بسبب ذلك مال إلى هذا القول فلم نقف عليه
، وبذلك اعترف سبطه في المدارك ، فقال : «إنا لم نقف عليها في شيء من الأصول ،
ولا نقله غيره ، وظاهر الأخبار المذكورة أيضا الاكتفاء بذلك عن التقصير ، إذ لو
كان واجبا مع الإمرار لذكر فيها ، لأن المقام مقام بيان للحكم المذكور ، وليس فليس».
وبذلك يظهر ما في كلام شيخنا المتقدم من قوله : «والأقوى
وجوب التقصير ، لأنه واجب اختياري» إلى آخره ، فإنهم إن وقفوا على العمل بهذه
الأخبار فظاهرها كما ترى إنما هو ما قلناه ، وحينئذ فهذا الكلام في مقابلتها إنما
هو من قبيل الاجتهاد في مقابلة النصوص ، وأن أطرحوها وأعرضوا عنها توجه ما ذكروه
بناء على قواعدهم في البناء على التعليلات العقلية ، وإلا وجب التوقف كما هو
المعمول عندنا ، لعدم النص في المسألة ولكن لما كانت النصوص موجودة وظاهرها ما
عرفت من غير معارض في البين فالواجب الوقوف على العمل بظاهرها.
نعم لقائل : أن يقول لما كان الحكم في غير الأفراد
المعدودة في الأخبار المتقدمة هو التخيير بين الحلق والتقصير وإن كان الحلق أفضل
فالواجب هنا حمل الأمر بإمرار الموسى الذي هو نيابة عن الحلق على الفضل والاستحباب
، إذ لا يعقل وجوب البدل مع استحباب المبدل منه ، ولا ريب أن ظاهر هذه الأخبار هو
ما ذكرناه من غير الملبد وأشباهه ، فيكون الحكم فيه التخيير بين التقصير والحلق ،
وحيث تعذر الحلق أمر بالإمرار نيابة عنه ، لقيامه مقامه في الفضل ، والله العالم.
الرابعة :
قد صرح الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) بأنه يجب أن
يحلق أو يقصر بمنى ، فلو رحل رجع فحلق أو قصر بها ، فان تعذر عليه الرجوع حلق أو
قصر مكانه وبعث شعره ليدفن بها ، وإن تعذر لم يكن عليه شيء.
فهاهنا أحكام أربعة : (الأول) : وجوب الحلق أو التقصير
بمنى ، وهو مقطوع به في كلامهم ، بل ظاهر التذكرة والمنتهى أنه موضع وفاق.
واستدل عليه الشيخ في التهذيب بما رواه في الصحيح عن
الحلبي (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي
أن يقصر من شعر رأسه أو يحلقه حتى ارتحل من منى ، قال : يرجع إلى منى حتى يلقي
شعره بها ، حلقا كان أو تقصيرا».
__________________
(1) الوسائل ـ الباب ـ 5 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
1.
وعن أبي بصير (1) قال : «سألته عن رجل جهل أن يقصر من
رأسه أو يحلق حتى ارتحل من منى ، قال : فليرجع إلى منى حتى يحلق شعره بها أو يقصر
، وعلى الصرورة أن يحلق».
ورواه الصدوق بسنده عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير (2) إلا أنه قال :
«حتى يلقى شعره بها حلقا كان أو تقصيرا ، وعلى الصرورة الحلق». ثم قال : «وروى (3) أنه يحلق بمكة
ويحمل شعره إلى منى».
وعن مسمع في الحسن (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي
أن يحلق رأسه أو يقصر حتى نفر ، قال : يحلق في الطريق أو أين كان». وحمله الشيخ
على تعذر العود إلى منى ، ولا بأس به.
وطعن في هذه الرواية في المدارك بأن راويها مسمع ، وهو
غير موثق.
وفيه أنه وإن كان غير موثق إلا أنه ممدوح ، وحديثه معدود
عند القوم في الحسن ، ولكن كلامه فيه كما عرفت في ما تقدم مضطرب ما بين أن يعده في
الصحيح تارة وفي الحسن أخرى أو يرد روايته كما هنا.
(الثاني) : أنه متى تعذر عليه الرجوع حلق أو قصر مكانه
وبعث بشعره ، أما جواز حلق الشعر أو تقصيره في مكانه فلا إشكال فيه.
إنما الكلام في أن البعث إلى منى وجوبا أو استحبابا ،
فقيل بالأول ، وهو ظاهر الشيخ في النهاية والمحقق في الشرائع ، وظاهر أبي الصلاح
أيضا. وقال الشيخ في التهذيب بالاستحباب ، وبه جزم المحقق في النافع والعلامة في
المنتهى.
__________________
(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 5 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
4.
(3 و 4) الوسائل ـ الباب ـ 5 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
5 ـ 3.
وقال في المختلف بعد أن اختار الاستحباب وأورد جملة من
روايات المسألة الآتية : «ولو قيل بوجوب الرد لو حلق عمدا بغير منى إذا لم يتمكن
من الرجوع بعد خروجه عامدا وبعدم الوجوب لو كان خروجه ناسيا كان وجها».
أقول : والذي وقفت عليه من روايات المسألة ما رواه الشيخ
في الحسن عن حفص بن البختري (1) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) «في الرجل
يحلق رأسه بمكة ، قال : يرد الشعر إلى منى».
وعن أبي بصير (2) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل زار
البيت ولم يحلق رأسه ، قال : يحلقه بمكة ، ويحمل شعره إلى منى ، وليس عليه شيء». وبهاتين
الروايتين استدل من قال بالوجوب.
ومثلهما أيضا ما رواه في الكافي عن علي بن أبي حمزة (3) عن أحدهما (عليهماالسلام) في حديث قال
: «وليحمل الشعر إذا حلق بمكة إلى منى».
وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن أبي
بصير (4) يعني المرادي
قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : الرجل يوصي
من يذبح عنه ويلقي هو شعره بمكة ، قال : ليس له أن يلقي شعره إلا بمنى».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (5) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «كان
علي بن الحسين (عليهماالسلام) يدفن
__________________
(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 6 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
1 ـ 7.
(3 و 4 و 5) الوسائل ـ الباب ـ 6 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
2 ـ 4 ـ 5.
شعره في فسطاطه بمنى ، ويقول : كانوا
يستحبون ذلك ، قال : وكان أبو عبد الله (عليهالسلام) يكره أن يخرج
الشعر من منى ، ويقول : من أخرجه فعليه أن يرده».
وما رواه الشيخ عن أبي بصير (1) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) «في رجل زار
البيت ولم يحلق رأسه ، قال : يحلق بمكة ويحمل شعره إلى منى ، وليس عليه شيء».
وروى في كتاب قرب الاسناد عن السندي بن محمد عن أبي
البختري (2) عن جعفر بن
محمد عن أبيه (عليهمالسلام) «أن الحسن
والحسين (عليهماالسلام) كانا يأمران
أن يدفن شعورهما بمنى».
وما رواه الشيخ عن أبي بصير (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
ينسى أن يحلق رأسه حتى ارتحل ، قال : ما يعجبني أن يلقى شعره إلا بمنى ، ولم يجعل
عليه شيئا».
وبهذه الرواية الأخيرة أخذ من قال بالاستحباب ، وحمل
الروايتين الأولتين على ذلك جمعا.
وفيه (أولا) ما عرفت في غير موضع مما تقدم ما في هذا
الجمع من الاشكال.
و (ثانيا) أن دليل الوجوب غير منحصر في الروايتين
المذكورتين ، بل هو مدلول جملة من الأخبار التي تلوناها ، وهي ظاهرة تمام الظهور
في الوجوب ، مثل قوله (عليهالسلام) في رواية علي
بن أبي حمزة : «وليحمل الشعر إلى منى» وفي صحيحة عبد الله بن مسكان «ليس له أن
يلقي شعره إلا
__________________
(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 6 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
7 ـ 8.
(3) الوسائل ـ الباب ـ 6 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
6.
بمنى» وفي صحيحة معاوية بن عمار «من
أخرجه فعليه أن يرده» والمراد بالكراهة فيها هو التحريم ، كما هو شائع في الأخبار
بقرينة آخرها. وأما الاستناد في الاستحباب إلى قوله (عليهالسلام) : «كانوا
يستحبون ذلك» ففيه أن ظاهر السياق أن الإشارة إنما هي إلى الدفن.
و (ثالثا) أن الرواية المذكورة مع قطع النظر عن عدم
قيامها بالمعارضة غير صريحة في عدم وجوب البعث ، كما طعن عليها به في المدارك ،
لجواز أن يرى هذه العبارة في المحرم أيضا.
(الثالث) أنه متى تعذر البعث سقط ولم يكن عليه شيء وهو
موضع إجماع.
(الرابع) استحباب الدفن في منى ، سواء كان الحلق فيها أو
خارجها ، وعليه تدل صحيحة معاوية بن عمار (1) ورواية قرب الاسناد (2).
ويؤيده أيضا ما رواه في الكافي عن أبي شبل (3) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «إن
المؤمن إذا حلق رأسه بمنى ثم دفنه جاء يوم القيامة وكل شعرة لها لسان طلق تلبي
باسم صاحبها». وعن الحلبي أنه أوجبه.
الخامسة :
روى ثقة الإسلام في الكافي عن علي بن أبي حمزة (4) عن أبي الحسن (عليهالسلام)
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 6 ـ من أبواب الحلق والتقصير
الحديث 5 ـ 6 ـ 3.
(4) الوسائل ـ الباب ـ 39 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 7.
قال : «إذا اشتريت أضحيتك ووزنت ثمنها
وصارت في رحلك فقد بلغ الهدي محله ، فإن أحببت أن تحلق فاحلق». ورواه الشيخ بلفظ «وقمطتها».
مكان «ووزنت ثمنها».
وروى في الفقيه عن علي بن أبي حمزة (1) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «إذا
اشترى الرجل هديه وقمطه في بيته فقد بلغ محله ، فان شاء فليحلق».
وظاهر الخبرين المذكورين الاكتفاء في الحلق بمجرد شراء
الهدي وربطه في بيته ، متوثقا منه بربط يديه ورجليه كما يقمط الصبي في المهد.
وبذلك صرح في المنتهى حيث قال : «لو بلغ الهدي محله ولم
يذبح قال الشيخ (رحمهالله) : يجوز له أن
يحلق ، لقوله تعالى (2) : «وَلا
تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» وقال تعالى (3) «ثُمَّ
مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» وما رواه الشيخ
عن أبي بصير (4) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «إذا
اشتريت أضحيتك وقمطتها وصارت في جانب من رحلك فقد بلغ الهدى محله ، فإن أحببت أن
تحلق فاحلق».».
أقول : ويؤيده ما تقدم مما صرحوا به في إجزاء الهدي لو
قمطه في منزله من منى ثم ضاع أو تلف فإنه يجزؤه ، ولا يجب عليه غيره ، وعليه دل
بعض الأخبار ، إلا أن له معارضا قد تقدم الكلام فيه.
وعلى هذا فيتخير في الحلق بين كونه بعد الذبح أو بعد
التوثق في منزله بمنى وإن
__________________
(1 و 4) الوسائل ـ الباب ـ 39 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 7.
(2) سورة البقرة : 2 ـ الآية 196.
(3) سورة الحج : 22 ـ الآية 33.
كان بعد الذبح أفضل.
قال في المبسوط : «لا يجوز أن يحلق رأسه ولا أن يزور
البيت الا بعد الذبح أو أن يبلغ الهدي محله ، وهو أن يحصل في رحله ، فإذا حصل في
رحله بمنى فإن أراد أن يحلق جاز له ذلك ، والأفضل أن لا يحلق حتى يذبح» انتهى.
السادسة :
قال في المنتهى : «يستحب لمن حلق أن يبدأ بالناصية من
القرن الأيمن ويحلق إلى العظمين بلا خلاف».
وقال في الدروس : «ويستحب استقبال القبلة والبدأة بالقرن
الأيمن من ناصيته ، وتسمية المحلوق والدعاء ، مثل قوله : اللهمّ أعطني بكل شعرة
نورا يوم القيامة ، والاستيعاب إلى العظمين اللذين عند منتهى الصدغين ، ودفن الشعر
في فسطاطه أو منزله بمنى ، وقلم الأظفار ، وأخذ الشارب بعده».
أقول : الذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك أما
بالنسبة إلى كيفية الحلق والدعاء فيه فهو ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن
عمار (1) عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «أمر
الحلاق أن يضع الموسى على قرنه الأيمن ، ثم أمره أن يحلق وسمى هو ، وقال : اللهم
أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة».
__________________
(1) الوسائل ـ الباب ـ 10 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
1.
وما رواه في الكافي عن غياث بن إبراهيم (1) عن جعفر عن
آبائه (عليهمالسلام) قال : «السنة
في الحلق أن يبلغ العظمين».
وأنت خبير بأن ظاهر صحيحة معاوية بن عمار وقوله : «أمر
الحلاق أن يضع الموسى على قرنه الأيمن» أن مبدأ الحلق إنما هو من أعلى الرأس من
الجانب الأيمن منه ، لأنه الظاهر من لفظ القرن وهو موضع قرن الدابة.
ويؤيده حديث ذي القرنين (2) «أنه ضرب على
أحد قرنيه فمات خمسمائة سنة ، فأحياه الله ثم ، ضرب على قرنه الآخر فمات» الحديث. وفي
تتمة الخبر (3) عن أمير
المؤمنين (عليهالسلام) «وفيكم مثله»
إشارة إلى ضربه عمرو بن عبد ود في قضية الخندق ثم ضربة ابن ملجم لعنه الله.
وهذا المعنى لا يجامع الناصية التي هي عبارة عن قصاص
الشعر مما يلي الجبهة خاصة حتى يقال إنه يبدأ بالقرن الأيمن من ناصيته ، إذ المراد
في الخبر المتقدم إنما هو قرن الرأس لا قرن الناصية.
والظاهر أن الحامل لهما (عطر الله مرقديهما) على ما
ذكراه هو ما ذكره في المنتهى ـ بعد ذكر العبارة المتقدمة ـ من الاستدلال على الحكم
المذكور بالروايتين المذكورتين وبما رواه الشيخ عن الحسن بن مسلم (4) عن بعض
الصادقين (عليهمالسلام) قال : «لما
أراد أن يقصر من شعره للعمرة أراد الحجام
__________________
(1) الوسائل ـ الباب ـ 10 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
2.
(2 و 3) تفسير البرهان سورة الكهف : ـ الآية 83 (ج 2 ص 480).
(4) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ 6 ـ من أبواب التقصير ـ الحديث
5 وذكره في التهذيب ج 5 ص 244 ـ الرقم 825.
أن يأخذ من جوانب الرأس ، فقال له :
ابدأ بالناصية ، فبدأ بها». فجمعا بين الروايتين بما ذكراه من حمل القرن على طرف
الناصية.
وفيه أن مورد هذه الرواية إنما هو التقصير ، وهو أخذ شيء
من الشعر لا الحلق ، والظاهر أنه في إحرام العمرة المتمتع بها ، وغاية ما تدل عليه
الرواية استحباب التقصير من شعر الناصية لا من جوانب الرأس.
وبالجملة فالمتبادر من الرواية الأولى أن المراد بالقرن
الأيمن إنما هو قرن الرأس وهو ما ذكرناه ، وهذه الرواية ليس من محل البحث في شيء
فكلامهما (طاب ثراهما) لا يخلو من نظر.
نعم قال في كتاب الفقه الرضوي (1) : «وإذا أردت
أن تحلق رأسك فاستقبل القبلة ، وابدأ بالناصية ، واحلق من العظمين النابتين بحذاء
الأذنين وقل : اللهمّ أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة». انتهى.
وظاهر هذه العبارة هو استحباب الحلق من الناصية ، وهو
خلاف ما دلت عليه صحيحة معاوية بن عمار (2) بالتقريب الذي قدمناه.
وأما دفن الشعر في منى فقد تقدم الكلام فيه. وأما
استحباب اضافة التقصير من هذه المواضع إلى الحلق فيدل عليه ما رواه في الكافي عن
عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري (3) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يوم النحر
يحلق رأسه ويقلم أظفاره ويأخذ من شاربه ومن أطراف لحيته».
__________________
(1) المستدرك ـ الباب ـ 9 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
1.
(2) الوسائل ـ الباب ـ 10 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
1.
(3) الوسائل ـ الباب ـ 1 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
12.
وما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد (1) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «إذا
ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك واغتسل وقلم أظفارك وخذ من شاربك».
وقال في المنتهى : «ويستحب لمن حلق رأسه أن يقصر بقلم
أظفاره والأخذ من شاربه» ثم أورد رواية عمر بن يزيد ، وقال : «ولا نعلم في ذلك
خلافا».
وأما استقبال القبلة حال الحلق فلم أقف فيه على خبر إلا
ما تقدم من كلامه (عليهالسلام) في كتاب
الفقه ، ويحتمل أن يكون قد استند فيه إلى ما اشتهر بينهم من حديث (2) «خير المجالس
ما استقبل به القبلة». كما ذكروه في الجلوس للوضوء.
المسألة الثانية :
اختلف الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في ترتيب
المناسك الثلاثة يوم النحر هل هو على جهة الوجوب : الرمي ثم الذبح ثم الحلق أو
الاستحباب ، قولان :
وبالأول قال الشيخ في المبسوط والاستبصار ، وإليه ذهب
أكثر المتأخرين ومنهم العلامة في أكثر كتبه والمحقق في الشرائع وغيرهما.
__________________
(1) الوسائل ـ الباب ـ 1 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
1.
(2) الوسائل ـ الباب ـ 76 ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث 3
من كتاب الحج.
وبالثاني قال الشيخ في الخلاف ، وابن أبي عقيل وأبو
الصلاح وابن إدريس ، واختاره في المختلف.
ويدل على الوجوب رواية عمر بن يزيد (1) المتقدمة ،
لقوله (عليهالسلام) فيها : «إذا
ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك». لدلالة ألفا على الترتيب.
ورواية جميل بن دراج (2) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «تبدأ
بمنى بالذبح قبل الحلق ، وفي العقيقة بالحلق قبل الذبح».
وصحيحة معاوية بن عمار أو حسنته (3) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «إذا
رميت الجمرة فاشتر هديك» الحديث.
وموثقة عمار الساباطي (4) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «سألته
ـ إلى أن قال ـ : وعن رجل حلق قبل أن يذبح ، قال : يذبح ويعيد الموسى ، لأن الله
تعالى (5) يقول (وَلا
تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)».
ورواية سعيد السمان (6) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : إن
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عجل النساء
ليلا من المزدلفة إلى منى ، فأمر من كان عليها منهن هدي أن ترمي ولا تبرح حتى تذبح
،
__________________
(1) الوسائل ـ الباب ـ 1 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
1.
(2 و 3 و 4) الوسائل ـ الباب ـ 39 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 3
ـ 1 ـ 8.
(5) سورة البقرة : 2 ـ الآية 166.
(6) الوسائل ـ الباب ـ 17 ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث
5.
ومن لم يكن عليها منهن هدي أن تمضي
إلى مكة حتى تزور».
وصحيحة أبي بصير (1) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعته
يقول : لا بأس أن تقدم النساء إذا زال الليل ، فيقفن عند المشعر الحرام ساعة ، ثم
ينطلق بهن إلى منى ، فيرمين الجمرة ، ثم يصبرن ساعة ، ثم ليقصرن وينطلقن إلى مكة ،
إلا أن يكون أردن أن يذبح عنهن ، فإنهن يوكلن من يذبح عنهن».
وصحيحة سعيد الأعرج (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): جعلت فداك
معنا نساء فأفيض بهن بليل ، قال : نعم ـ إلى أن قال ـ : ثم أفض بهن حتى تأتي
الجمرة العظمى فيرمين الجمرة ، فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ويقصرن»
الحديث.
ورواية موسى بن القاسم عن علي (3) قال : «لا
يحلق رأسه ولا يزور البيت حتى يضحي ، فيحلق رأسه ويزور متى شاء». إلى غير ذلك من
الأخبار التي يقف عليها المتتبع.
وظاهر آية (4) «وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى
يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» هو وجوب ترتيب
الحلق على الذبح أو التوثق من الهدي في رحله بمنى الذي هو قائم مقام الذبح ، وبه
فسرت الآية كما تقدم ، ويعضده أيضا أنه المعلوم يقينا من فعلهم (عليهمالسلام) ولا يعلم
يقين براءة الذمة إلا
__________________
(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 17 ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث
7 ـ 2.
(3) الوسائل ـ الباب ـ 39 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 9.
(4) سورة البقرة : 2 ـ الآية 196.
بمتابعتهم ، لعدم الدليل الواضح على
التخصيص المجوز للخروج عن ذلك كما ستعرفه إنشاء الله تعالى.
احتج القائلون بالاستحباب بما رواه الشيخ وابن بابويه في
الصحيح عن جميل بن دراج (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يزور البيت قبل أن يحلق قال : لا ينبغي إلا أن يكون ناسيا ، ثم قال : إن رسول الله
(صلىاللهعليهوآله) أتاه أناس
يوم النحر ، فقال بعضهم : يا رسول الله حلقت قبل أن اذبح ، وقال بعضهم حلقت قبل أن
أرمي ، فلم يتركوا شيئا ينبغي لهم أن يقدموه إلا أخروه ، ولا شيئا كان ينبغي لهم
أن يؤخروه إلا قدموه ، فقال : لا حرج».
وما رواه في الكافي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (2) قال : «قلت
لأبي جعفر الثاني (عليهالسلام) : جعلت فداك
إن رجلا من أصحابنا رمى الجمرة يوم النحر وحلق قبل أن يذبح ، قال : إن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لما كان يوم
النحر أتاه طوائف من المسلمين ، فقالوا : يا رسول الله ذبحنا من قبل أن نرمي
وحلقنا من قبل أن نذبح ، فلم يبق شيء مما ينبغي لهم أن يقدموه إلا أخروه ولا شيء
مما ينبغي لهم أن يؤخروه إلا قدموه ، فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : لا حرج لا
حرج».
وأجاب الشيخ عنهما بالحمل على حال النسيان ، والأقرب
الحمل على الجهل ، وهو عذر شرعي قد تكثرت الأخبار (3) به ولا سيما
في باب الحج.
__________________
(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 39 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4 ـ 6.
(3) الوسائل ـ الباب ـ 56 ـ من أبواب جهاد النفس من كتاب
وبذلك يظهر قوة القول بوجوب الترتيب ، لاتفاق الآية
والروايات المتقدمة على وجوب الترتيب بلا إشكال معتضدا ذلك بملازمتهم (عليهمالسلام) على ذلك
زيادة على أوامرهم ، وبأنه هو الأحوط في الدين.
وبذلك يظهر لك ما في كلام شيخنا العلامة في المختلف ،
حيث استدل على الاستحباب بصحيحة عبد الله بن سنان (1) الآتية في
المقام ، وصحيحة جميل بن دراج (2) ومثلهما رواية أحمد بن محمد بن أبي
نصر (3) ولم يحتج
للشيخ في مقابلة هذه الأخبار إلا بحديث (4) «خذوا عني
مناسككم». ورواية موسى بن القاسم عن علي (5) ثم أجاب عنهما بالحمل على الاستحباب
جمعا ، وغفل عن الآية التي هي الأصل ، مع أنه في المنتهى جعلها مبدأ الاستدلال على
الوجوب ، وغفل عما سردناه من الأخبار الظاهرة بل الصريحة كما في أكثرها ، وأن
المعارض يضعف عن المعارضة للاحتمال الذي قدمناه.
وكذا ما ذكره في المدارك. حيث إنه لم ينقل من أدلة
الوجوب إلا
__________________
الجهاد والباب ـ 45 ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث 4 والباب
ـ 31 ـ من أبواب كفارات الصيد والباب ـ 2 ـ من أبواب كفارات الاستمتاع والباب ـ 8
ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام والباب ـ 80 ـ من أبواب الطواف والباب ـ 4 ـ من أبواب
التقصير والباب ـ 23 ـ من أبواب الإحرام بالحج والوقوف بعرفة ـ الحديث 1.
(1 و 2 و 3 و 5) الوسائل ـ الباب ـ 39 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث
10 ـ 4 ـ 6 ـ 9.
(4) تيسير الوصول ج 1 ص 312.
حديث (1) «خذوا عنى
مناسككم». ورواية جميل (2) قال : «تبدأ
بمنى بالذبح». ورواية موسى بن القاسم عن علي (3) وطعن فيها بأنها لا تخلو من قصور في
دلالة أو ضعف في سند ، ثم قال : «والمسألة محل تردد ، ولعل الوجوب أرجح» وغفل عن
الروايات الصحيحة التي ذكرناها والآية الشريفة التي هي أصرح صريح ، ولا ريب في
ضعفه بعد الإحاطة بما ذكرناه.
ثم إنه على تقدير القول بالوجوب فظاهرهم الاتفاق على أنه
لو خالف وقدم بعضها على بعض عامدا كان أو ساهيا أو جاهلا فلا إعادة عليه وإن أثم ،
وهو مشكل بالنسبة إلى العامد ، سيما مع دلالة موثقة عمار (4) المتقدمة على
الإعادة ، حيث أمره بإمرار الموسى على رأسه بعد الذبح الذي هو عوض عن الحلق ،
مستدلا بالآية (5) المذكورة ،
وهي محمولة عندنا على العامد ، جمعا بينها وبين صحيحة جميل بن دراج (6) المذكورة.
وبالجملة فإنه متى كان الترتيب واجبا وأخل به عمدا فتحقق
الامتثال والحال هذه مشكل ، ومقتضى القواعد هو الإعادة على ما يحصل به الترتيب إلا
أن ظاهرهم الاتفاق على الاجزاء ، حيث أسنده في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى
الإجماع عليه.
ويمكن أن يستدل لهم بصحيحة عبد الله بن سنان (7) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام)
__________________
(1) تيسير الوصول ج 1 ص 312.
(2 و 3 و 4 و 6 و 7) الوسائل ـ الباب ـ 39 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث
3 ـ 9 ـ 8 ـ 4 ـ 10.
(5) سورة البقرة : 2 ـ الآية 96.
قال : «سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن
يضحي قال : لا بأس ، وليس عليه شيء ، ولا يعودن». والتقريب فيها أن النهي عن
العود يدل على التحريم ، مع أنه نفى البأس عما فعله المؤذن بصحته ، إلا أنه يبقى
الكلام في الجمع بينها وبين رواية عمار (1) المتقدمة ، ويمكن حمل هذه الصحيحة
على غير صورة العمد ، فإنه لا بأس اتفاقا ، والنهي إنما توجه إلى العمد بعد ذلك.
وكيف كان فالاحتياط يقتضي الإعادة في صورة العمد ، والله
العالم.
المسألة الثالثة :
ظاهر الأصحاب الاتفاق على وجوب تقديم الحلق أو التقصير
على زيارة البيت للطواف والسعي ، وهو المعهود من فعلهم (عليهمالسلام) وإليه تشير
الأخبار الآتية.
قال في المدارك : «ولا ريب في وجوب تقديم الحلق أو
التقصير على زيارة البيت للتأسي والأخبار الكثيرة».
أقول : أما التأسي ففيه ما عرفت في غير مقام ، وهو تارة
يستدل به على الوجوب وتارة يرده.
وأما الأخبار الكثيرة فلم يصل نظري القاصر إلى شيء من
الأخبار الصريحة في ما ادعاه سوى صحيحة على بن يقطين (2) الآتية ،
وقريب منها
__________________
(1) الوسائل ـ الباب ـ 39 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 8.
(2) الوسائل ـ الباب ـ 4 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
1.
صحيحة محمد بن مسلم (1) الآتية أيضا ،
نعم أخبار المسألة الآتية مشعرة بذلك.
وكيف كان فإنه متى خالف وقدم زيارة البيت على الحلق أو
التقصير فلا يخلو إما أن يكون ذلك عن عمد أو نسيان أو جهل ، فهاهنا مواضع ثلاثة :
الأول : ما إذا خالف عامدا عالما بالحكم ، والمقطوع به
في كلامهم أنه يجب عليه دم شاة ، وإنما الكلام في أنه هل يجب عليه إعادة الطواف أم
لا؟
قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك : «إن وجوب إعادة
الطواف على العامد موضع وفاق».
وفي الدروس «وإن كان عالما وتعمد فعليه شاة ، قاله الشيخ
وأتباعه ، وظاهرهم أنه لا يعيد الطواف».
أقول : لا ريب أن الأوفق بالقواعد الشرعية هو وجوب
الإعادة ، لأن الطواف الذي أتى به وقع على خلاف ما رسمه صاحب الشريعة ، ففي إجزائه
مع عدم الدليل إشكال.
ويدل على ذلك إطلاق صحيحة علي بن يقطين (2) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) عن المرأة
رمت وذبحت ولم تقصر حتى زارت البيت فطافت وسعت في الليل ما حالها؟ وما حال الرجل
إذا فعل ذلك؟ قال : لا بأس به ، يقصر ويطوف للحج ثم يطوف للزيارة ، ثم قد أحل من
كل شيء».
وأما ما يدل على وجوب الدم في الصورة المذكورة فهو ما
رواه الشيخ في
__________________
(1) الوسائل ـ الباب ـ 15 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
1.
(2) الوسائل ـ الباب ـ 4 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
1.
الصحيح عن محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر (عليهالسلام) «في رجل زار البيت
قبل أن يحلق فقال : إن كان زار البيت قبل أن يحلق وهو عالم أن ذلك لا ينبغي له ،
فان عليه دم شاة».
الثاني : أن يكون ناسيا ، وظاهر الأكثر أن عليه إعادة
الطواف خاصة بعد الحلق أو التقصير ، ويدل عليه إطلاق صحيحة علي بن يقطين (2) المتقدمة. وفي
المدارك «أنه المعروف من مذهب الأصحاب» مع أن المحقق في الشرائع قال : «ولو كان
ناسيا لم يكن عليه شيء ، وعليه إعادة الطواف على الأظهر» وهو مؤذن بوجوب الخلاف
في ذلك.
وقال في المسالك : «وفي الناسي وجهان : أجودهما الإعادة
أيضا وإن لم تجب عليه الشاة».
وربما أشعرت صحيحة جميل بن دراج (3) المتقدمة
بالعدم ، حيث قال فيها : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يزور البيت قبل أن يحلق ، قال : لا ينبغي إلا أن يكون ناسيا».
قال في الدروس : «وفي صحيح جميل بن دراج لا ينبغي زيارة
البيت قبل أن يحلق الا أن يكون ناسيا ، وظاهره عدم إعادة الطواف لو فعل».
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال ، والاحتياط
بالإعادة فيها مطلوب على كل حال.
الثالث : أن يكون جاهلا ، وقد اختلف الأصحاب في حكمه ،
فقيل : إنه كالناسي في وجوب الإعادة ، وعدم الكفارة ، وبه صرح شيخنا الشهيد
__________________
(1) الوسائل ـ الباب ـ 15 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
1.
(2) الوسائل ـ الباب ـ 4 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
1.
(3) الوسائل ـ الباب ـ 39 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4.
الثاني في المسالك ، فقال بعد ذكر
العامد : «وفي إلحاق الجاهل به قول ، وظاهر الرواية يدل على العدم ، والأجود وجوب
الإعادة عليه دون الكفارة».
وربما احتج على وجوب الإعادة بتوقف الامتثال على ذلك ،
وبإطلاق صحيحة علي بن يقطين (1) المتقدمة ،
ونقل عن ظاهر الصدوق عدم وجوب الإعادة ، والظاهر أنه الأقرب ، لما تقدم من صحيحة
جميل بن دراج ورواية أحمد بن محمد بن أبي نصر المتقدمين (2) في سابق هذه
المسألة ، مضافا إلى ما تكرر في الأخبار سيما في باب الحج من معذورية الجاهل (3).
وهل تجب إعادة السعي حيث تجب إعادة الطواف؟ صرح في
المنتهى والتذكرة بالوجوب ، لتوقف الامتثال عليه ، ولا ريب أنه الأحوط.
ولو قدم الطواف على الذبح فظاهر كلامهم أن الحكم فيه كما
إذا قدمه على الحلق أو التقصير ، وظاهر المسالك التوقف من حيث تساويهما في التوقف
، ومن عدم النص ، وهو في محله ، والله العالم.
المسألة الرابعة :
المشهور بين الأصحاب أن مواطن التحلل ثلاثة ، أحدها بعد
الحلق أو التقصير الذي هو ثالث مناسك منى ، فيحل من كل شيء إلا الطيب والنساء إن
كان متمتعا.
قال الشيخ في المبسوط : «إذا حلق رأسه أو قصر فقد حل له
كل
__________________
(1) الوسائل ـ الباب ـ 4 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
1.
(2) في ص 144.
(3) راجع التعليقة (3) من ص 144.
شيء أحرم منه إلا النساء والطيب ،
وهو التحلل الأول إن كان متمتعا ، وإن كان غير متمتع حل له الطيب أيضا ولا تحل له
النساء ، فإذا طاف المتمتع طواف الزيارة حل له الطيب ، ولا تحل له النساء ، وهو
التحلل الثاني ، فإذا طاف طواف النساء حلت له النساء ، وهو التحلل الثالث الذي لا
يبقى بعده شيء من حكم الإحرام» ونحوه قال في النهاية ، وعلى هذه المقالة جرى كلام
الأكثر.
وقال علي بن بابويه : «واعلم أنك إذا رميت جمرة العقبة
حل لك كل شيء إلا النساء والطيب ، فإذا طفت طواف الحج حل لك كل شيء إلا النساء ،
فإذا طفت طواف النساء حل لك كل شيء إلا الصيد ، فإنه حرام على المحل والمحرم».
وقال ابنه في الفقيه : «وإذا رميت جمرة العقبة حل لك كل
شيء إلا النساء والطيب».
وقال السيد المرتضى في الجمل : «فإذا طاف طواف الزيارة
وسعى بين الصفا والمروة فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلا النساء» ومثله في الانتصار.
وقال أبو الصلاح : «بالطواف الأول والسعي يحل من كل شيء
أحرم منه إلا النساء ، وبالطواف الآخر يحل منهن» وأشار بالأول إلى طواف الزيارة ،
وبالآخر إلى طواف النساء. ونحوه قال ابن البراج.
وظاهر هؤلاء أن التحلل إنما هو في هذين الموضعين.
وقال ابن أبي عقيل : «فإذا فرغ من الذبح والحلق زار
البيت ، فيطوف به سبعة أشواط ويسعى ، فإذا فعل ذلك أحل من إحرامه ، وقد قيل في
رواية (1) شاذة عنهم (عليهمالسلام) أنه إذا طاف
طواف الزيارة أحل من كل شيء أحرم منه إلا النساء حتى يرجع إلى البيت ، فيطوف به
سبعا آخر ويصلي ركعتي الطواف ، ثم يحل من كل شيء ، وكذلك إذا كانت امرأة لم تحل
للرجل حتى تطوف بالبيت سبعا آخر كما وصفت ، فإذا فعلت ذلك فقد حل لها الرجال»
انتهى.
ولا يخفى ما في هذا الكلام من الضعف ، كما سيظهر لك في
المقام إنشاء الله تعالى.
أقول : والمختار هو القول الأول ، للأخبار المتكاثرة
الدالة عليه ، كصحيحة معاوية بن عمار (2) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا
ذبح الرجل وحلق فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلا النساء والطيب ، فإذا زار البيت
وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلا النساء ، فإذا طاف
النساء فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلا الصيد». وقيل : المراد من الصيد هنا هو
الصيد الحرمي كما لا يخفى.
وصحيحة العلاء (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : إني حلقت
رأسي وذبحت وأنا متمتع أطلي رأسي بالحناء؟ قال : نعم من غير أن تمس شيئا من الطيب
، قلت : ألبس القميص وأتقنع؟ قال : نعم ،
__________________
(1) المستدرك ـ الباب ـ 11 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
4 والباب ـ 55 ـ من أبواب الطواف ـ الحديث 1.
(2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 13 ـ من أبواب الحلق والتقصير
الحديث 1.
قلت : قبل أن أطوف بالبيت ، قال : نعم».
وصحيحته الأخرى (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): تمتعت يوم
ذبحت وحلقت فألطخ رأسي بالحناء ، قال : نعم من غير أن تمس شيئا من الطيب ، قلت : أفالبس
القميص؟ قال : نعم إذا شئت. قلت : فأغطي رأسي ، قال : نعم».
وصحيحة منصور بن حازم (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل رمى
وحلق أيأكل شيئا فيه صفرة؟ قال : لا حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم قد
حل له كل شيء إلا النساء حتى يطوف بالبيت طوافا آخر ، ثم قد حل له النساء».
ورواية محمد بن حمران (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الحاج يوم
النحر ما يحل له؟ قال كل شيء إلا النساء وعن المتمتع ما يحل له يوم النحر؟ قال :
كل شيء إلا النساء والطيب».
ورواية عمر بن يزيد (4) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «اعلم
أنك إذا حلقت رأسك فقد حل لك كل شيء إلا النساء والطيب».
وهذه الروايات قد اتفقت على التحليل بعد مناسك منى من كل
شيء إلا الطيب والنساء ، كما هو القول المشهور.
إلا أنه قد ورد في جملة من الأخبار أيضا حل الطيب في
الصورة المذكورة ، وأنه لا يبقى عليه إلا النساء خاصة إلى أن يأتي بطواف النساء
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 13 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ
الحديث 3.
(3) الوسائل ـ الباب ـ 14 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
1.
وعلى هذا فليس إلا التحللان.
ومن الأخبار المشار إليها صحيحة سعيد بن يسار (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المتمتع
إذا حلق رأسه قبل أن يزور البيت يطليه بالحناء قال : نعم ، الحناء والثياب والطيب
وكل شيء إلا النساء رددها مرتين أو ثلاثا ، قال : وسألت أبا الحسن (عليهالسلام) عنها ، فقال
: نعم ، الحناء والثياب والطيب وكل شيء إلا النساء». كذا رواه في الكافي.
ورواه الشيخ (2) ولم يذكر فيه «قبل أن يزور» ولا لفظ «الطيب»
في قوله أولا : «نعم الحناء والثياب والطيب» وانما ذكره في آخر الخبر.
وصحيحة معاوية بن عمار (3) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «سئل
ابن عباس هل كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يتطيب قبل أن
يزور البيت؟ قال : رأيت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يضمد رأسه
بالسك قبل أن يزور».
ورواية أبي أيوب الخزاز (4) قال : «رأيت
أبا الحسن (عليهالسلام) بعد ما ذبح
حلق ثم صمد رأسه بسك ثم زار البيت وعليه قميص وكان متمتعا».
أقول : السك بالضم والتشديد : طيب مركب مع غيره ، قال في
النهاية : «في حديث عائشة (5) كنا نضمد
جباهنا بالسك الطيب عند
__________________
(1) الوسائل ـ الباب ـ 13 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
7.
(2) التهذيب ج 5 ص 245 ـ الرقم 832 والاستبصار ج 2 ص 287 ـ الرقم
1021 والمتروك فيهما هو لفظ «الحناء» لا «الطيب».
(3) الوسائل ـ الباب ـ 14 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
2.
(4) الوسائل ـ الباب ـ 13 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
10.
(5) سنن البيهقي ـ ج 5 ص 48.
الإحرام ، وهو طيب معروف يضاف إلى
غيره من الطيب ويستعمل».
ورواية إسحاق بن عمار (1) قال : «سألت
أبا إبراهيم (عليهالسلام) عن المتمتع إذا
حلق رأسه ما يحل له؟ فقال : كل شيء إلا النساء».
وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (2) قال : «ولد
لأبي الحسن (عليهالسلام) مولود بمنى
فأرسل إلينا يوم النحر بخبيص فيه زعفران ، وكنا قد حلقنا ، قال عبد الرحمن : فأكلت
أنا ، وأبى الكاهلي ومرازم أن يأكلا ، وقالا : لم نزر البيت ، فسمع أبو الحسن (عليهالسلام) كلامنا فقال
لمصادف ـ وكان هو الرسول الذي جاءنا به ـ : في أي شيء كانوا يتكلمون؟ قال : أكل
عبد الرحمن وأبى الآخران ، وقالا : لم نزر بعد ، فقال : أصاب عبد الرحمن ، ثم قال
: أما تذكر حين أتينا به في مثل هذا اليوم فأكلت أنا منه وأبى عبد الله أخي أن
يأكل منه ، فلما جاء أبي حرشه علي ، فقال : يا أبت إن موسى أكل خبيصا فيه زعفران
ولم يزر بعد فقال أبي : هو أفقه منك ، أليس قد حلقتم رؤوسكم؟».
وأجاب الشيخ عن صحيحة سعيد بن يسار بعد ذكره لها بالحمل
على أنه (عليهالسلام) أراد أن الحاج
متى حلق وطاف طواف الحج وسعى فقد حل له هذه الأشياء وإن لم يذكرهما في اللفظ ،
لعلمه بأن المخاطب عالم بذلك ، أو تعويلا على غيره من الأخبار.
ولا يخفى ما فيه من البعد الشديد ، سيما والرواية
المذكورة كما قدمنا نقلها عن الكافي قد اشتملت على أنه حلق رأسه قبل أن يزور ، فهي
صريحة
__________________
(1) الوسائل ـ الباب ـ 13 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
8.
(2) الوسائل ـ الباب ـ 14 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
3.
في بطلان هذا الحمل وإن كان هو (قدسسره) لم يذكر هذه
الزيادة في الخبر الذي نقله ، كما قدمنا الإشارة إليه.
ولعله لهذا قال في الدروس : «ورواية سعيد بن يسار عن
الصادق (عليهالسلام) يحل الطيب
بالحلق للتمتع متروكة ، وتطيب رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بعد الحلق
لأنه ليس بمتمتع».
وأجاب عن صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وصحيحة معاوية بن
عمار بالحمل على الحاج الغير المتمتع ، قال : «لأنه يحل له استعمال كل شيء إلا
النساء فقط ، وإنما لا يحل استعمال الطيب مع ذلك للمتمتع دون غيره». ثم استدل على
هذا التأويل برواية محمد بن حمران المتقدمة.
قال في المدارك : «وهذا الحمل غير بعيد لو صح سند هذه
الرواية المفصلة ، لكن في الطريق عبد الرحمن ، وفيه نوع التباس وإن كان الظاهر أنه
ابن أبي نجران ، فتكون الرواية صحيحة».
أقول : وقد تقدم تحقيق الكلام في أن عبد الرحمن الذي
يروي عنه موسى بن القاسم هو ابن أبي نجران بلا ريب ولا إشكال ، وهو سابقا قد رد
روايته باشتراك عبد الرحمن في المقام ، وهنا قد استظهر كونه ابن أبي نجران ،
والعجب منه (قدسسره) أنه انما
استشكل في السند من حيث عبد الرحمن ثم استظهر كونه ابن أبي نجران ، وحكم بصحة
الرواية وغفل عن الراوي وهو محمد بن حمران ، فإنه مشترك بين النهدي ـ وهو الثقة ـ وبين
محمد بن حمران بن أعين مولى بني شيبان ومحمد بن حمران مولى ابن فهر ، وهما مجهولان
، والظاهر أن محمد بن حمران المذكور في الرواية هو مولى بني شيبان ، لما في
الفهرست أن له كتابا يرويه عنه
ابن أبي عمير وابن أبي نجران ، وقد
عرفت أن عبد الرحمن الراوي عنه هو ابن أبي نجران ، فهو قرينة ظاهرة له ، فكيف حكم
بصحة الرواية والحال هذه؟!.
ثم أقول : هذا الحمل وان كان لا يخلو من تكلف إلا أنه في
مقام الجمع لا بأس به.
والأقرب عندي أن هذه الأخبار إنما خرجت مخرج التقية ،
لما صرح به في المنتهى ، حيث قال : «إنه إذا حلق وقصر حل له كل شيء إلا الطيب
والنساء والصيد ، ذهب إليه علماؤنا ، وبه قال مالك ، وقال الشافعي واحمد وأبو
حنيفة : يحل له كل شيء إلا النساء ، وبه قال ابن الزبير وعلقمة وسالم وطاوس
والنخعي وأبو ثور».
وظاهره أن المعظم منهم ـ وهم الأئمة الثلاثة ومن تبعهم ـ
قائلون بتحليل الطيب بعد الحلق ، كما دلت عليه الأخبار المذكورة.
وأما ما نقل عن الشيخ علي بن بابويه فهو مأخوذ من كتاب
الفقه الرضوي على نهج ما عرفت في غير مقام مما قدمنا ، قال (عليهالسلام) في الكتاب
المذكور (1) : «واعلم أنك
إذا رميت جمرة العقبة حل لك كل شيء إلا الطيب والنساء ، وإذا طفت طواف الحج حل لك
كل شيء إلا النساء ، فإذا طفت طواف النساء حل لك كل شيء إلا الصيد ، فإنه حرام
على المحل في الحرم وعلى المحرم في الحل والحرم». انتهى.
ولا يخفى ما فيه من الاشكال ، لما عرفت من دلالة الأخبار
المتقدمة على أن التحليل لا يحصل إلا بعد الحلق الذي هو ثالث المناسك المذكورة ولا
قائل به من العامة ولا الخاصة سوى الشيخين المذكورين ، وقائله أعلم.
__________________
(1) المستدرك ـ الباب ـ 11 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
4.
تنبيهات :
الأول :
قد صرح جملة من الأصحاب بأن تحريم الطيب في التحليل
الأول إنما هو بالنسبة إلى المتمتع ، أما القارن والمفرد فيحل لهما ، وعلى ذلك تدل
رواية محمد بن حمران (1) المتقدمة.
بقي الكلام في أن حل ذلك للقارن والمفرد هل هو مشروط
بتقديمهما الطواف والسعي أو مطلقا؟ ظاهر الشهيد في الدروس الأول وأكثر عبارات
الأصحاب على الثاني.
قال في الدروس : «أما القارن والمفرد فيحل لهما الطيب
إذا كانا قدّما الطواف والسعي ، وأطلق الأكثر إنهما يحل لهما الطيب ، وابن إدريس
قائل بذلك مع عدم تجويزه تقديم الطواف والسعي» ثم نقل عن الجعفي أنه سوى بين
المتمتع وبين الفردين الآخرين في تحريم الطيب على الجميع ، وهو محجوج بالخبر
المشار إليه.
وأما ما ذكره في الدروس من تقييد الحل بتقديم الطواف
والسعي مع إطلاق الخبر المذكور فلعل الوجه فيه هو النظر إلى إطلاق الأخبار الدالة
على أنه بالحلق يحل له كل شيء إلا الطيب والنساء ، فإنها شاملة للأفراد
__________________
(1) الوسائل ـ الباب ـ 14 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
1.
الثلاثة ، إلا أنه لما كان تقديم
الطواف والسعي للمفرد والقارن جائزا وهو المحل للطيب كما عرفت فعلى هذا متى قدماه
فإنه يحل لهما الطيب بعد الحلق لتقدم محلله ، وإنما يبقى النساء خاصة ، بخلاف
المتمتع فإنه عندهم لا يقدم طوافه ليمكن إجراء ذلك أيضا فيه ، إلا أن الخبر
المتقدم كما عرفت مطلق لا إشعار فيه بهذا الاشتراط.
الثاني :
اعلم أنه وقع في جملة من عبائر الأصحاب أنه بالحلق يتحلل
من كل شيء الا من الطيب والنساء والصيد ، وبالطواف للحج والسعي يتحلل من الطيب ،
وبطواف النساء يتحلل من النساء ، ولم يذكروا لتحليل الصيد محلا بخصوصه.
ونقل عن ظاهر العلامة في المنتهى أن التحلل إنما يقع
بطواف النساء ، لأنه استدل على عدم التحلل منه بالحلق بقوله تعالى (1) «لا
تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ» قال : «والإحرام
يتحقق بتحريم الطيب والنساء».
وحكى الشهيد في الدروس عن العلامة رحمهالله أنه قال : «إن
ذلك ـ يعني عدم التحلل من الصيد إلا بطواف النساء ـ مذهب علمائنا».
قال في المدارك بعد نقل ذلك : «ولولا ما أوردناه من
العموم الذي لم يستثن منه سوى الطيب والنساء لكان هذا القول متجها ، لظاهر الآية الشريفة»
انتهى.
أقول : فيه أن من جملة الروايات التي أشار إلى عمومها صحيحة
__________________
(1) سورة المائدة : 5 ـ الآية 95.
معاوية بن عمار (1) المتقدمة ، مع
أنه (عليهالسلام) صرح في آخرها
بأنه «إذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلا الصيد». ومثلها كلامه (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي (2) وحينئذ فيجب
أن يخصص بهما عموم غيرهما من أخبار المسألة جمعا بينها.
وبذلك يبطل ما استند إليه من العموم ، وبه يتجه كلام
العلامة المذكور.
إلا أنه ينقدح الإشكال فيه من جهة أخرى ، وهو أنه لا
يخفى أن ما قدمنا من عبارة كتاب الفقه الرضوي ظاهر في بقاء التحريم ولو بعد طواف
النساء ، وهو أيضا صريح صحيحة معاوية بن عمار (3) المتقدمة صدر الأخبار ، فإنها صريحة
أيضا في ذلك ، وهو ظاهر كلام الشيخ علي بن بابويه المتقدم أيضا.
قال في الدروس : «وروى الصدوق تحريم الصيد بعد طواف النساء
ولعله لمكان الحرم» انتهى.
وظاهر هذا الكلام ـ وبه صرح غيره أيضا ـ هو حمل ما دل من
الأخبار على أن التحلل بطواف النساء يحصل من كل شيء عدا الصيد ، يعني ما دام في
الحرم ، فإنه يحرم عليه من حيث الحرم وإن كان محلا بلا خلاف ، وأما الصيد المحرم
عليه من حيث كونه محرما فإنه لو خرج إلى الحل جاز له الصيد بعد طواف النساء البتة
، وبهذا يرتفع الخلاف من البين.
__________________
(1 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 13 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
1.
(2) المستدرك ـ الباب ـ 11 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
4.
الثالث :
لو أتى بالحلق قبل الرمي والذبح أو بينهما فالظاهر عدم
التحلل إلا بكمال الثلاثة ، فإن تعليق التحلل على الحلق إنما وقع بناء على وجوب
الترتيب كما قدمناه ووقوع الحلق أو التقصير آخر المناسك الثلاثة ، وعلى هذا بني
الإطلاق في كلام الأصحاب وبعض الأخبار.
وفي صحيحة معاوية بن عمار (1) المتقدمة قال
: «إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحل من كل شيء». إلى آخره ، ونحوها صحيحة العلاء (2) وهو مشعر بما
قلنا.
الرابع :
ظاهر كلام جملة من الأصحاب ـ منهم العلامة في المنتهى
والمحقق ـ أن التحلل الثاني يحصل بمجرد الطواف وإن لم يأت بالسعي معه.
قال في الدروس : «ولا يكفي الطواف خاصة على الأقوى» وهو
مؤذن بالخلاف في المسألة ، والأصح التوقف في الإحلال على السعي ، لقوله (عليهالسلام) في صحيحة
معاوية بن عمار (3) المتقدمة «فإذا
زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلا النساء».
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 13 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ
الحديث 1 ـ 5 ـ 1.
وفي صحيحة منصور بن حازم المتقدمة (1) قال : «لا حتى
يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم قد حل له كل شيء إلا النساء».
وفي صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار (2) «ثم اخرج إلى
الصفا فاصعد عليه ، واصنع كما صنعت يوم دخلت مكة ، ثم ائت المروة فاصعد عليها ،
وطف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة ، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل
شيء أحرمت منه إلا النساء ، ثم ارجع إلى البيت وطف أسبوعا آخر ثم تصلي ركعتين عند
مقام إبراهيم (عليهالسلام) ثم قد أحللت
من كل شيء وفرغت من حجك كله وكل شيء أحرمت منه».
وبذلك يظهر أن التحليل إنما يحصل بمجموع الطواف والسعي.
بقي الكلام في أنه لو قدم الطواف والسعي المذكورين على
أفعال الحج كما في المفرد والقارن مطلقا والمتمتع من الضرورة فهل يحصل الإحلال
بذلك؟
قال في المدارك : «الأصح عدم حله بذلك ، بل يتوقف على
الحلق المتأخر عن باقي المناسك ، تمسكا باستصحاب حكم الإحرام إلى أن يثبت المحلل ،
والتفاتا إلى مكان كون المحلل هو المركب من الطواف والسعي وما قبلهما من الأفعال ،
بمعنى كون السعي آخر العلة ، ثم نقل عن بعض الأصحاب أنه ذهب إلى حل الطيب بالطواف
وإن تقدم ـ قال ـ : واستوجهه الشارح (قدسسره) وهو ضعيف».
أقول : ظاهر كلامه يؤذن بأن القائلين بالتحليل هنا إنما
هو بالنسبة إلى الطيب لا مطلقا ، وظاهر كلام جده يؤذن بالعموم ، حيث قال : «أما
__________________
(1) الوسائل ـ الباب ـ 13 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
2.
(2) الوسائل ـ الباب ـ 4 ـ من أبواب زيارة البيت ـ الحديث 1.
لو قدمهما كالمفرد والقارن مطلقا
والمتمتع مع الاضطرار ففي حله من حين فعلهما وجهان ، أجودهما ذلك عملا بإطلاق
النصوص» انتهى.
ثم أقول : لا يخفى أنه قد تقدمت الأخبار في مسألة جواز
تقديم القارن والمفرد الطواف والسعي (1) دالة على أنهما يلبيان بعد الطواف
والسعي لئلا يحلا ، وبذلك صرح جمهور الأصحاب.
ومنها صحيحة معاوية بن عمار أو حسنته (2) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «سألته
عن المفرد للحج هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة؟ قال : نعم ما شاء ، ويجدد
التلبية بعد الركعتين ، والقارن بتلك المنزلة يعقدان ما أحلا من الطواف بالتلبية».
وقد تقدم تصريح الشيخ (رحمهالله تعالى) بأنهما
لو لم يلبيا انقلب حجهما عمرة.
قال السيد السند (قدسسره) في المدارك
في تلك المسألة بعد البحث فيها وإيراد بعض أخبارها ما صورته : «قال الشهيد في
الشرح بعد أن أورد هذه الروايات : وبالجملة فدليل التحلل ظاهر ، والفتوى مشهورة ،
والمعارض منتف وهو كذلك ، لكن ليس في الروايات دلالة على صيرورة الحجة مع التحلل
عمرة كما ذكره الشيخ وأتباعه» انتهى.
وحينئذ فإذا ثبت بما ذكرناه أنه بالطواف يحصل التحلل
وأنه يحتاج إلى التلبية لانعقاده فالخلاف في هذه المسألة كما نقلناه لا أعرف له
وجها ، فإنه لا يخلو بعد طوافه إن كان قد جدد التلبية وربط الإحرام بها فلا معنى
للقول بحل ما يحلله الطواف والسعي لو تأخرا من الطيب أو مطلقا
__________________
(1) راجع ج 14 ص 376 و 385 ـ 387.
(2) الوسائل ـ الباب ـ 16 ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث 2.
كما هو القول الثاني ، وإن لم يجدد
التلبية فقد أحل وبطل إحرامه وحجه وانقلب عمرة كما يقوله الشيخ ، فلا معنى لقول
السيد (قدسسره) في ما قدمنا
نقله عنه من أن الأصح عدم حله بذلك ، بل يتوقف على الحلق المتأخر» إلى آخر كلامه.
وبالجملة فإن هذا الخلاف إنما يتجه مع قطع النظر عن تلك
المسألة وما وقع فيها من الأقوال والأخبار ، واما مع ملاحظتها فإنها تكون مبنية
عليها وفرعا من فروعها ، كما عرفت.
الخامس :
قد عرفت أنه بالمحلل الثالث تحل له النساء ، وهو ظاهر في
الرجل ومتفق عليه نصا (1) وفتوى.
وأما الصبي فالظاهر أنه في حكمه كما صرحوا به وإن لم
يتعلق به تحريم ، حيث إنه غير مخاطب شرعا ، إلا أن الإحرام في حقه كالحدث في حال
الصغر ، فإنه موجب للطهارة وإن تخلف أثره ، لفقد شرطه كالبلوغ أو وجود مانع كالحيض
، فمتى وجد شرطه وزال مانعه عمل عمله ، فكما أنه يحرم الصلاة على الصبي بعد البلوغ
بالحدث السابق حتى يتطهر كذلك تحرم عليه النساء بعد البلوغ بالإحرام السابق حتى
يأتي بطواف النساء.
وأما المرأة فلا إشكال في تحريم الرجال عليها بالإحرام ،
لقوله
__________________
(1) الوسائل ـ الباب ـ 13 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
1.
عزوجل (1) «فَلا
رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ» والرفث الجماع
بالنصوص والأخبار المتقدمة في محرمات الإحرام (2).
والظاهر من كلام أكثر من وقفت عليه ممن صرح بالمسألة من
الأصحاب أن طواف النساء هو المحلل لها كالرجل.
قال في الدروس بعد ذكر طواف النساء : «ولا تحل له النساء
بدونه حتى العقد على الأقرب ، سواء كان المكلف به رجلا أو امرأة ، فيحرم عليها
تمكين الزوج على الأصح» انتهى.
وقد تقدم في كلام ابن أبي عقيل أنه على تقدير الرواية
الشاذة بزعمه ـ التي هي كما عرفت مستفيضة (3) ـ يجب على المرأة كما يجب على الرجل
، وأنه لا يحل لها إلا به.
وهو أيضا صريح عبارة الشيخ على بن بابويه حيث قال : «ومتى
لم يطف الرجل طواف النساء لم تحل النساء حتى يطوف ، وكذلك المرأة لا يجوز لها أن
تجامع حتى تطوف طواف النساء ، إلا أن يكونا طافا طواف الوداع ، فهو طواف النساء».
قال العلامة في المختلف بعد نقله : «وفيه منع ، فان
حملها على الرجل فقياس ، وإن استند إلى دليل فلا بد منه ، ولم نقف عليه» انتهى.
أقول : لا يخفى أن عبارة الشيخ المذكورة هنا مأخوذة من
كتاب الفقه
__________________
(1) سورة البقرة : 2 ـ الآية 197.
(2) الوسائل ـ الباب ـ 32 ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث 1 و
4 و 8 و 9.
(3) الوسائل ـ الباب ـ 84 ـ من أبواب الطواف.
الرضوي ، وهو المستند عنده وإن لم يصل
هذا الكتاب إلى نظر شيخنا العلامة ولا غيره من المتأخرين ، كما أوضحناه في غير
مقام مما تقدم.
قال (عليهالسلام) في الكتاب
المذكور (1) : «ومتى لم
يطف الرجل طواف النساء لم تحل له النساء حتى يطوف ، وكذلك المرأة لا يجوز لها أن
تجامع حتى تطوف طواف النساء». انتهى.
وظاهر العلامة في المختلف التوقف في ذلك ، حيث قال بعد
نقل كلام الشيخ علي بن بابويه كما عرفت بعد كلام ابن أبي عقيل الذي قدمناه في صدر
المسألة ما صورته : «المقام الثاني هل يحرم الرجال على النساء قبل أن يطفن طواف
النساء؟ كلام ابن أبي عقيل يقتضي إيجاب ذلك على الرواية الشاذة عنده ، وذهب علي بن
بابويه إلى ذلك أيضا ، وعندي فيه إشكال ظاهر لعدم الظفر بدليل عليه».
وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الميل إلى كلامه
في المختلف حيث قال بعد نقله ذلك عن المختلف «ووجه الاشكال ظاهر ، إذ ليس في
النصوص ما يدل على حكم غير الرجل ـ ثم قال ـ ويمكن الاستدلال عليه بأن الإحرام قد
حرم عليهن ذلك فيجب استصحابه إلى أن يثبت المزيل ، وهو غير متحقق قبل طواف النساء
، ويشكل بالأخبار (2) الدالة على حل
كل ما عدا الطيب والنساء والصيد بالحلق ، وما عدا النساء بالطواف ، فإنها متناولة
للمرأة ، ومن جملة ذلك حل الرجال ، فالمسألة موضع إشكال» انتهى.
__________________
(1) المستدرك ـ الباب ـ 55 ـ من أبواب الطواف ـ الحديث 1.
(2) الوسائل ـ الباب ـ 13 و 14 ـ من أبواب الحلق والتقصير.
واعترضه سبطه في المدارك بعد استدلاله على تحريم الرجال
على النساء بآية (1) «فَلا
رَفَثَ»
فقال بعد نقل ملخص كلامه «وأقول : إنا قد بينا الدليل
الدال بعمومه على التحريم ، مع أن أحكام النساء في مثل ذلك لا تذكر صريحا غالبا ،
وإنما تذكر بالفحوى والكنايات ، كما وقع في الروايات المتضمنة لتحريم أصل الفعل
عليهن ، وما اعتبره الشارح غير واضح ، فان الروايات المتضمنة لتلك الأحكام غير
متناولة للنساء صريحا ، بل هي مختصة بالرجال ، وأحكام النساء إنما تستفاد من أدلة
أخر ، كالإجماع على مساواتهن للرجال في ذلك» انتهى.
أقول : فيه أن ما ذكره من الدليل إشارة إلى الآية التي
قدمها ، فقد أشار إليه جده في كلامه بقوله : «ويمكن الاستدلال عليه بأن الإحرام
حرم عليهن ذلك فيجب استصحابه إلى أن يثبت المزيل» ولكنه اعترض هذا الدليل
بالروايات الدالة على حل كل ما عدا الطيب والنساء والصيد للمحرم بعد الحلق
والتقصير ، فإنها شاملة بإطلاقها أو عمومها للرجال والنساء ، ومن جملة ما يحرم على
المرأة حال الإحرام الرجال ، فيحل لها بعد التقصير بموجب إطلاق هذه الأخبار.
وقوله في الجواب عن ذلك : «إن هذه الروايات غير متناولة
للنساء صريحا» وإن كان كذلك لكنها متناولة لهن بالقرائن التي ذكرها من الإجماع
ونحوه ، فإنه لا خلاف في حل جميع المحرمات على النساء بعد التقصير إلا ما ذكره من
الصيد والطيب والنكاح على الخلاف المذكور وحينئذ فتكون هذه الروايات بمعونة ما ذكر
شاملة لتحليل الرجال عليهن
__________________
(1) سورة البقرة : 2 ـ الآية 197.
هذا ما ذكروه (نور الله مراقدهم) في
هذا المقام.
وأنت خبير بأنه قد تقدمت جملة من الأخبار في المسألة
الثانية من المسائل الملحقة بالمطلب الأول من المقدمة الرابعة (1) صريحة الدلالة
في توقف حل الرجال للمرأة على إتيانها بطواف النساء.
ومن تلك الاخبار ما رواه في الكافي عن العلاء بن صبيح
وعبد الله بن الحجاج وعلي بن رئاب وعبد الله بن صالح (2) كلهم يروونه
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «المرأة
المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها وبين التروية ، فإن طهرت طافت بالبيت
وسعت بين الصفا والمروة ، وإن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت واحتشت وسعت بين
الصفا والمروة ثم خرجت إلى منى ، فإذا قضت المناسك وزارت البيت طافت بالبيت طوافا
لعمرتها ، ثم طافت طوافا للحج ، ثم خرجت فسعت ، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شيء
يحل منه المحرم إلا فراش زوجها ، فإذا طافت أسبوعا آخر حل لها فراش زوجها». ونحوها
غيرها مما تقدم.
وبذلك يظهر صحة ما ذكره المتقدمون من الحكم المذكور ،
وقد عرفت أيضا دلالة عبارة كتاب الفقه على ذلك. والأخبار المتقدمة الدالة على أنه
بطواف النساء يحل للمحرم جميع ما حرمه الإحرام ، وهي شاملة بإطلاقها للرجال
والنساء ، فيحكم باستصحاب التحريم حتى يثبت المحلل ، والله العالم.
السادس :
قالوا : لو قدم طواف النساء حيث يسوغ ذلك ففي حل النساء
للرجل
__________________
(1) راجع ج 14 ص 342 ـ 343.
(2) الوسائل ـ الباب ـ 84 ـ من أبواب الطواف ـ الحديث 1.
وحل الرجل للنساء بفعله أو توقف ذلك
على الحلق أو التقصير ما تقدم في البحث من التنبيه عليه في الموضع الثالث (1).
أقول : وفيه ما قدمناه ذيل كلامهم في الموضع المشار إليه
، وقد تلخص مما تقدم أنه متى طاف الطوافين أعني طواف الزيارة وطواف النساء وسعى
قبل الموقفين في موضع الجواز فليس إلا تحلل واحد ، وهو عقيب الحلق أو التقصير بمنى
، ولو كان المتقدم طواف الزيارة وسعيه خاصة كان له تحللان :
أحدهما عقيب الحلق مما عدا النساء ، والثاني بعد طواف
النساء لهن ، فان قلنا إنه يتحلل من الطيب بطواف الزيارة وسعيه وإن تقدم ـ كما هو
مختار شيخنا الشهيد الثاني ـ وكذلك لو قدم طواف النساء فإنه يتحلل به من النساء
كانت المحللات ثلاثة مطلقا.
السابع :
يكره لبس المخيط بعد الحلق وتغطية الرأس حتى يطوف ويسعى
، ويكره الطيب للمتمتع حتى يطوف طواف النساء.
ويدل على الأول جملة من الأخبار : منها ما رواه الشيخ في
الصحيح عن منصور بن حازم (2) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) أنه قال «في
رجل كان متمتعا فوقف بعرفات وبالمشعر وذبح وحلق ، قال : لا يغطي رأسه حتى يطوف
بالبيت وبالصفا والمروة ، فان أبي (عليهالسلام) كان يكره ذلك
__________________
(1) راجع ج 14 ص 388.
(2) الوسائل ـ الباب ـ 18 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
1.
وينهى عنه ، فقلنا : فان كان فعل ،
قال : ما ارى عليه شيئا ، وإن لم يفعل كان أحب الي».
وعن محمد بن مسلم في الصحيح (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل تمتع
بالعمرة فوقف بعرفة ووقف بالمشعر ورمى الجمرة وذبح وحلق أيغطي رأسه؟ فقال : لا حتى
يطوف بالبيت وبالصفا والمروة ، فقيل له : فان كان فعل ، قال : ما أرى عليه شيئا».
وعن إدريس القمي في الصحيح (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : إن مولى
لنا تمتع ، فلما حلق لبس الثياب قبل أن يزور البيت ، فقال : بئس ما صنع ، قلت : أعليه
شيء؟ قال : لا ، قلت : فإني رأيت ابن أبي السماك يسعى بين الصفا والمروة وعليه
خفان وقباء ومنطقة ، فقال : بئس ما صنع ، قلت : أعليه شيء؟ قال : لا».
وما رواه الصدوق في الصحيح عن علي بن النعمان عن سعيد
الأعرج (3) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «سألته
عن رجل رمى بالجمار وذبح وحلق رأسه أيلبس قميصا وقلنسوة قبل أن يزور البيت؟ قال :
إن كان متمتعا فلا ، وإن كان مفردا للحج فنعم».
قال : «وقد روي (4) انه يجوز أن يضع الحناء على رأسه ،
إنما يكره السك وضربه ، إن الحناء ليس بطيب ، ويجوز أن يغطى رأسه ، لأن حلقه له
أعظم من تغطيته إياه».
أقول : قد مضى معنى السك ، وأنه طيب معروف وضربه هنا
بمعنى خلطه.
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل ـ الباب ـ 18 ـ من أبواب الحلق
والتقصير ـ الحديث 2 ـ 3 ـ 4 ـ 5.
وروى عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن
محمد بن خالد الطيالسي عن إسماعيل بن عبد الخالق (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : ألبس
قلنسوة إذا ذبحت وحلقت ، قال : أما المتمتع فلا ، وأما من أفرد الحج فنعم».
ويدل على الثاني ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن
إسماعيل (2) قال : «كتبت
إلى أبي الحسن الرضا (عليهالسلام) هل يجوز
للمحرم المتمتع أن يمس الطيب قبل أن يطوف طواف النساء؟ فقال : لا».
وحمله الشيخ على الكراهة. لما تقدم من حل الطيب بعد طواف
الزيارة.
وفيه ما عرفت في ما تقدم من أن الجمع بين الأخبار
بالاستحباب أو الكراهة من غير قرينة ظاهرة محل إشكال ، وقرائن الاستحباب في الحكم
الأول ظاهرة من الأخبار المذكورة وأما في هذا الخبر فليس إلا مجرد النهي الذي هو
حقيقة في التحريم ، فإخراجه عن حقيقته يحتاج إلى قرينة ، ومجرد اختلاف الأخبار ليس
من قرائن المجاز ، إذ لعل للخبر وجها آخر غير ما ذكر من تقية ونحوها ، والله
العالم.
__________________
(1) الوسائل ـ الباب ـ 18 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث
6.
(2) الوسائل ـ الباب ـ 19 ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث 1.