ج25 - أقسام الطلاق
المقصد الثاني
وينقسم إلى بدعي وسني ، والسني ينقسم إلى بائن ورجعي ،
والرجعي ينقسم إلى عدي وغيره ، فهنا أقسام أربعة :
الأول : الطلاق
البدعي ، منسوب إلى البدعة وهو المحرم إيقاعه ، والمراد بالسني الذي يقابله هنا هو
السني بالمعني الأعم ، وهو الجائز شرعا سواء كان واجبا أو مندوبا أو مكروها (2).
__________________
(2) قالوا : والمراد بالواجب طلاق المولى والمظاهر ، فإنه يؤمر بعد المدة بأن يغير أو يطلق ، فالطلاق واجب تخييرا.
والمراد
بالمندوب الطلاق مع النزاع والشقاق وعدم رجاء الائتلاف والوفاق ، وإذا لم تكن
عفيفة يخاف منها إفساد الفراش.
والمراد
بالمكروه الطلاق عند التئام الأخلاق وسلامة الحال ، وقد تقدمت جملة من الاخبار في
صدر الكتاب دالة على الكراهة في الصورة المذكورة. (منه ـ قدسسره ـ).
وللبدعي أسباب ثلاثة : (أحدها) الحيض ، فلا يجوز طلاق
الحائض بعد الدخول مع حضور الزوج أو ما في حكمه من غيبته دون المدة المشروطة على
ما تقدم تحقيقه مع كونها حائلا ، وكذا النفساء.
(وثانيها) عدم استبرائها بطهر آخر غير ما مسها فيه بأن
يطلقها في الطهر الذي مسها فيه. وهذان السببان متفق عليهما بين الخاصة والعامة.
(وثالثها) طلاقها أزيد من واحدة بغير رجعة مخللة بين
الطلقات ، والتحريم في هذه الصورة من خصوصيات مذهب الشيعة ، ووافقهم أبو حنيفة
ومالك في بدعية الجمع بين الطلقات بلفظ واحد ، واتفق الجمهور على صحة طلاق البدعة
مع الإثم ، وأصحابنا على بطلانه (1) إلا فيما زاد على الواحد ، فإنه مع
وقوعه مترتبا يقع واحدا إجماعا ، ومع وقوعه بلفظ واحد يقع واحدا أيضا على الخلاف
المتقدم.
وأورد على ما ذكر من التخصيص بهذه الأسباب الثلاثة
الطلاق بالكتابة ، وبدون الإشهاد فإنه باطل ، وكذا الطلاق أزيد من مرة مرتبا إذا
لم يتخلل بينها رجعة.
ويمكن الجواب باختصاص البدعة بالثلاثة المتقدمة ، وأن ما
زاد يكون باطلا ويكون الطلاق الباطل أعم من البدعي فإنه مجرد اصطلاح لا مشاحة فيه
، لكن على هذا لا يكون القسمة حاصرة ، فإن المقسم مطلق الطلاق الذي هو أعم من
الصحيح والفاسد ، وكيف كان فالأمر في ذلك سهل بعد وضوح الحكم في كل من هذه
الأفراد.
الثاني : الطلاق السني البائن ، وهو ما لا يصح للزوج
الرجعة معه ، وهو
__________________
(1) حاصل المعنى أن أصحابنا على بطلان البدعي بجميع أفراده إلا
في صورة ما إذا طلق ثلاثا مترتبة أو مرسلة ، فإن الطلاق يقع واحدا في الصورة
الأولى إجماعا ، وفي الثانية على الخلاف ، والبطلان في البدعية انما يتوجه إلى
الزائد.
(منه ـ قدسسره ـ).
سنة : طلاق التي لم يدخل بها ،
واليائسة ، ومن لم تبلغ المحيض ، والمختلعة ، والمبارأة ما لم ترجعا في البذل ،
والمطلقة ثلاثا بينها رجعتان إذا كان حرة ، وإلا فاثنتان.
قالوا : والمراد بالدخول الموجب للعدة القدر الموجب
للغسل ، وهو غيبوبة الحشفة أو قدرها في قبل أو دبر.
أقول : وتدل عليه جملة من الأخبار تقدم نقلها في فصل
المهور ، إلا أن في دخول الموطوءة في الدبر في ذلك إشكال تقدم التنبيه عليه.
والمراد بمن لم تبلغ المحيض ، أي لم تبلغ التسع ، فلو بلغتها لزمتها العدة مع
الوطء ، وإن لم تكن ممن تحيض عادة ، وتقييد المختلعة والمبارأة بما لم ترجعا في
البذل يقتضي أن الطلاق يكون رجعيا مع الرجوع فيه ، فالعدة هنا قد تكون بائنة
ورجعية بالاعتبارين المذكورين.
الثالث : الطلاق
الرجعي العدي ، وهو الذي يصح معه الرجعة وإن لم يرجع ويكون ذلك فيما عدا الأقسام
الستة المتقدمة في البائن ، وعلى هذا وما تقدم في سابق هذا القسم يكون طلاق
المختلعة تارة من أقسام البائن ، وهو فيما إذا لم ترجع في البذل ، وتارة من أقسام
الرجعي ، وهو في صورة الرجوع ، وإطلاق الرجعي على هذا القسم يكون بسبب جواز الرجوع
فيه وإمكانه ، ويعبر عن بعض أفراده بطلاق العدة (1) وهو أن يطلق
على الشرائط ، ثم يراجع قبل الخروج من العدة ويواقع ، ثم يطلقها في غير طهر
المواقعة ، ثم يراجعها ويواقعها ، ثم يطلقها في طهر آخر ، وهذه تحرم في الثالثة
حتى تنكح زوجا غيره ، وفي التاسعة مؤبدا كما ذكروه من غير خلاف يعرف ، وفيه كلام
يأتي التنبيه عليه إن شاء الله تعالى في المقام ، ولو طلق بعد المراجعة قبل
المواقعة صح ، إلا أنه لا يسمى طلاق العدة ، لاختلال أحد
__________________
(1) إشارة الى أن ما يفهم من كلامهم من حصر الرجعي في العدي
والسني ليس في محله ، فان من راجع في العدة ولم يواقع فطلاقه رجعي ، وليس من طلاق
السنة ، ولا من طلاق الرجعة. (منه ـ قدسسره ـ).
شروطه وهو المواقعة ، ويكون طلاق
السنة بالمعنى الأعم.
الرابع : الطلاق السني
بالمعنى الأخص ، وهو المشار إليه آنفا بأنه غير العدي ، وهو عبارة أن يطلقها
ويتركها حتى تخرج من العدة ، رجعية كانت العدة أو بائنة ، ثم يتزوجها إن شاء ثم
يطلقها ويتركها حتى تخرج من العدة ثم يتزوجها ، وهذه تحرم في كل ثالثة حتى تنكح
زوجا غيره على المشهور ، ولا تحرم مؤبدا وإن بلغ تسعا ، وفيه أيضا ما سيأتي
التنبيه عليه إن شاء الله تعالى ، وهو يشارك طلاق العدة في الحكم الأول ، ويفارقه
في الثاني ، والثاني منهما محل وفاق عندهم.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام هنا يقع في مواضع :
الأول : قال السيد
السند في شرح النافع : قد نقل جمع من الأصحاب الإجماع على أن المطلقة تسعا للعدة
تحرم مؤبدا ، ولم ينقلوا على ذلك دليلا. والذي وقفت عليه في ذلك ما رواه الكليني (1) عن زرارة بن
أعين وداود بن سرحان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «الملاعنة
إذا لاعنها زوجها لم تحل له أبدا ، والذي يتزوج المرأة في عدتها وهو يعلم لا تحل
له أبدا ، والذي يطلق الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات لا تحل
له أبدا ، والمحرم إذا تزوج وهو يعلم أنه حرام عليه لا تحل له أبدا».
وفي الصحيح عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليهالسلام ، وإبراهيم بن
عبد الحميد (2) عن أبي عبد
الله وأبي الحسن عليهماالسلام قال : «إذا
طلق الرجل المرأة فتزوجت ، ثم طلقها زوجها فتزوجها الأول ، ثم طلقها فتزوجت رجلا
آخر ، ثم طلقها فتزوجها الأول ، فطلقها هكذا ثلاثا لم تحل له أبدا».
وإطلاق الرواية الاولى وخصوص الثانية يقتضي حصول التحريم
بالطلقات
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 426 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 358 ب 4 ح 4 وفيهما
اختلاف يسير.
(2) الكافي ج 5 ص 428 ح 7 وفيه «ثم طلقها الزوج الأول» بدل «فطلقها».
التسع التي ليست للعدة ، لكن لا أعلم
بمضمونه قائلا ، انتهى.
أقول : قد تقدم تحقيق الكلام في المقام في المطلب الرابع
في استيفاء العدد من الفصل الثاني في أسباب التحريم من كتاب النكاح ، وذكرنا ما
يدل على كلام الأصحاب ، إلا أن المسألة بقيت في قالب الاشكال لعدم حضور ما يحصل به
الجمع بين أخبارها ، وإلى ما ذكرنا من هذا الكلام أشرنا فيما قدمنا في القسم
الثالث والرابع بقولنا فيه ما ينبغي التنبيه عليه ، فإن مقتضى ما ذكره السيد السند
من الأخبار المذكورة التحريم بالتسع مؤبدا في الطلاق العدي والسني بالمعنى الأخص
جميعا ، والأصحاب إنما أثبتوا التحريم بذلك في العدي خاصة وصرحوا بنفيه في السني.
وثانيها : قد تكاثرت الأخبار بتقسيم الطلاق إلى طلاق
العدة وطلاق السنة ، وبذلك صرح الشيخ في النهاية وجمع من الأصحاب.
فروى الكليني (1) في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام «أنه قال : كل
طلاق لا يكون عن السنة أو على العدة ليس بشيء ، قال زرارة : قلت لأبي جعفر عليهالسلام : فسر لي طلاق
السنة وطلاق العدة ، فقال : أما طلاق السنة فإذا أراد الرجل أن يطلق امرأته فلينتظر
بها حتى تطمث وتطهر ، فإذا خرجت من طمثها طلقها تطليقة من غير جماع ، ويشهد شاهدين
على ذلك ، ثم يدعها حتى تطمث طمثتين فتنقضي عدتها بثلاث حيض وقد بانت منه ، ويكون
خاطبا من الخطاب ، إن شاءت زوجته وإن شاءت لم تزوجه ، وعليه نفقتها والسكنى ما
دامت في عدتها ، وهما يتوارثان حتى تنقضي العدة ، قال : وأما طلاق العدة الذي قال
الله تعالى «فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ» (2) فإذا أراد الرجل منكم أن يطلق امرأته
طلاق العدة فلينتظر بها حتى تحيض وتخرج من حيضها. ثم يطلقها تطليقة من غير جماع ،
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 65 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 344 ب 1 ح 1 وفيهما
اختلاف يسير.
(2) سورة الطلاق ـ آية 1.
ويشهد شاهدين عدلين ويراجعها من يومه
ذلك إن أحب ، أو بعد ذلك بأيام قبل أن تحيض ، ويشهد على رجعتها ويواقعها حتى تحيض
، فإذا حاضت وخرجت من حيضها طلقها تطليقة أخرى من غير جماع ، ويشهد على ذلك ، ثم
يراجعها أيضا متى شاء قبل أن تحيض ، ويشهد على رجعتها ويواقعها ، وتكون معه إلى أن
تحيض الحيضة الثالثة ، فإذا خرجت من حيضتها الثالثة طلقها التطليقة الثالثة بغير
جماع ويشهد على ذلك ، فإذا فعل ذلك فقد بانت منه ، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره
، قيل له : فإن كانت ممن لا تحيض؟ فقال : مثل هذه تطلق طلاق السنة».
وعن محمد بن مسلم (1) في الصحيح عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «طلاق
السنة يطلقها تطليقة على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين ثم يدعها حتى تمضي أقراؤها
، فإذا مضت أقراؤها فقد بانت منه ، وهو خاطب من الخطاب إن شاءت نكحته وإن شاءت فلا
، وإن أراد أن يراجعها أشهد على رجعتها قبل أن تمضى أقراؤها فتكون عنده على
التطليقة الماضية».
وعن أبي بصير (2) في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن طلاق السنة ، قال : طلاق السنة إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته يدعها إن كان قد
دخل بها حتى تحيض ثم تطهر ، فإذا طهرت طلقها واحدة بشهادة شاهدين ، ثم يتركها حتى
تعد ثلاثة قروء ، فإذا مضت ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة ، وكان زوجها خاطبا من
الخطاب ، إن شاءت تزوجته وإن شاءت لم تفعل ، فإن تزوجها بمهر جديد كانت عنده على
ثنتين باقيتين وقد مضت الواحدة ، فإن هو طلقها واحدة أخرى على طهر من غير جماع
بشهادة شاهدين ثم تركها حتى تمضي أقراؤها ، فإذا مضت أقراؤها من قبل أن يراجعها
فقد بانت منه باثنتين وملكت أمرها ، وحلت للأزواج ، وكان زوجها خاطبا من الخطاب ،
إن شاءت تزوجته وإن شاءت لم تفعل ، فإن هو تزوجها
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 64 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 344 ب 1 ح 2 وفيهما
اختلاف يسير.
(2) الكافي ج 6 ص 66 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 27 ح 3 ، الوسائل ج
15 ص 345 ب 1 ح 3 وعبارة «وأما طلاق الرجعة. إلخ» لم يذكرها صاحب الوسائل.
تزويجا جديدا بمهر جديد كانت معه
بواحدة باقية وقد مضت اثنتان ، فإن أراد أن يطلقها طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا
غيره تركها ، حتى إذا حاضت وطهرت أشهد على طلاقها تطليقة واحدة ، ثم لا تحل له حتى
تنكح زوجا غيره. وأما طلاق الرجعة فأن يدعها حتى تحيض وتطهر ، ثم يطلقها بشهادة
شاهدين ثم يراجعها ويواقعها ، ثم ينتظر بها الطهر ، فإذا حاضت وطهرت أشهد شاهدين
على التطليقة أخرى ثم يراجعها ويواقعها ، ثم ينتظر بها الطهر ، فإذا حاضت وطهرت
أشهد شاهدين على التطليقة الثالثة ، ثم لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وعليها أن
تعتد ثلاثة قروء من يوم طلقها التطليقة الثالثة» الحديث.
قال في الكافي : ويستفاد من كلام بعضهم أن المعتبر في
طلاق العدة الطلاق ثانيا بعد المراجعة والمواقعة ، وبعضهم لم يعتبر الطلاق ثانيا.
قيل : وربما لاح من كلام الشيخ في النهاية وجماعة أن
الطلاق الواقع بعد المراجعة والمواقعة يوصف بكونه عديا وإن لم يقع بعده رجوع ووقاع
، لكن الطلاق الثالث لا يوصف بكونه عديا إلا إذا وقع بعد الرجوع والوقاع ، وفي بعض
الروايات دلالة عليه.
أقول : ظاهر القول الأول والثاني هو اتصاف الطلاق الأول
والثاني بكونه عديا دون الثالث ، لأن الأول جعل شرط الاتصاف بكونه عديا هو الطلاق
ثانيا بعد المراجعة والمواقعة ، والقول الثاني اقتصر على المراجعة والمواقعة ، وكل
منها حاصل في التطليقة الاولى والثانية ، أما الثالثة فلا ، ومقتضى ما نقل عن
النهاية والجماعة المذكورين هو عدم اتصاف الطلاق الأول بكونه عديا ، وإنما يتصف
بذلك الطلاق الثاني والثالث.
والذي وقفت عليه في تفسير الطلاق العدي من الأخبار
المروية في كتب الأخبار هو ما نقله من الخبرين المذكورين ، ولم أقف على غيرهما.
والمفهوم منهما أن الطلاق العدي عبارة عن هذه الطلقات الثلاث الواقعة على هذه
الكيفية من غير
تخصيص بالأولى أو الثانية أو غيرهما.
وفي معنى الخبرين المذكورين قول الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي (1) ـ بعد أن ذكر
طلاق السنة على نحو ما قدمناه في الأخبار المذكورة ـ : «وأما طلاق العدة فهو أن
يطلق الرجل امرأته على طهر من غير جماع بشاهدين عدلين ثم يراجعها من يومه أو من غد
أو متى ما يريد من قبل أن تستوفي قروءها. فإذا أراد أن يطلقها ثانية لم يجز ذلك
إلا بعد الدخول بها ، وإذا أراد طلاقها يتربص بها حتى تحيض وتطهر ، ثم طلقها في
قبل عدتها بشاهدين عدلين ، فإن أراد مراجعتها راجعها. فإن طلقها الثالثة فقد بانت
منه ساعة طلقها ، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، فإذا انقضت عدتها منه وتزوجها
رجل آخر وطلقها أو مات عنها وأراد الأول أن يتزوجها فعل ، وإن طلقها ثلاثا واحدة
بعد واحدة على ما وصفناه لك فقد بانت منه ، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، فإن
تزوجها وطلقها أو مات عنها وأراد الأول أن يتزوجها فعل ، فإن طلقها ثلاث تطليقات
على ما وصفته واحدة بعد واحدة فقد بانت منه ، ولا تحل له بعد تسع تطليقات أبدا».
وربما أشعر صدر كلامه عليهالسلام بأن طلاق
العدة ليس إلا عبارة عن الطلاق على الشروط ، ثم الرجوع في العدة خاصة حيث إنه بعد
أن فسره بذلك قال : «فإذا أراد أن يطلقها ثانية لم يجز ذلك إلا بعد الدخول بها»
فجعل الدخول بها شرطا في صحة الطلاق ثانيا. وظاهره أن طلاق العدة يتحقق بدون
المواقعة.
وكيف كان فتوقف صحة الطلاق ثانيا على المواقعة محل كلام
يأتي التنبيه عليه إن شاء الله تعالى ، وقد تضمن ذلك عجز صحيحة أبي بصير المتقدمة
مما لم ننقله منها ، وهو موافق لما ذهب إليه ابن أبي عقيل في تلك المسألة الآتي
تحقيقها إن شاء الله تعالى في محله.
وقال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك : واعلم أن تعريف
المصنف وغيره لطلاق
__________________
(1) فقه الرضا ص 242 مع اختلاف يسير.
السنة بالمعنى الأخص يقتضي اختصاصه
بذات العدة ، وأنه يشمل العدة البائنة والرجعية ، وفي كثير من الأخبار كالذي
أسلفناه ما يدل على اختصاصه بالعدة الرجعية ثم لا يراجع فيها ، والوجه لحوق أحكامه
بكل طلاق لا يلحقه رجعة ، سواء كان ذلك لعدم العدة أم لكونها بائنة ، أم لكونها
رجعية ولم يرجع ، فإنها لا تحرم به في التاسعة مؤبدا ، لاختصاص ذلك الحكم بطلاق
العدة ، ولصدق عدم الرجعية في جميع ما ذكرناه ، انتهى.
أقول : ما ذكره ـ رحمهالله ـ من دلالة
الأخبار على اختصاص طلاق السنة بذات العدة الرجعية التي لم يرجع فيها جيد كما لا
يخفى على من تأمل الأخبار التي قدمناها ، فتعريفه بما يدخل فيه غير هذا الفرد من
العدة البائنة أو غير ذات العدة غير جيد.
نعم لما كان التحريم في التاسعة مقصورا في الأخبار على
طلاق العدة ومشروطا فيه المراجعة في العدة والمواقعة بعد الرجعة كان ما عداه من
الأقسام المذكورة لا تحرم بها المرأة في التاسعة ، فهو حكم ثابت لطلاق السنة وغيره
من الأفراد المذكورة.
وثالثها : المشهور بين الأصحاب أنه إذا طلق زوجته طلاق
السنة المتقدم شرحه فإنها بعد الثالثة لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وهذا الطلاق
يفارق طلاق العدة في أن المطلقة به لا تحرم مؤبدا ، بخلاف طلاق العدة فإنها تحرم
بعد التاسعة مؤبدا ، وهو محل وفاق على ما نقله في المسالك ، ويشاركه بناء على
المشهور في عدم الحل بعد الثالثة حتى تنكح زوجا غيره.
ونقل عن عبد الله بن بكير أن هذا الطلاق ـ أعني طلاق
السنة ـ لا يحتاج إلى محلل بعد الثلاثة (1) بل استيفاء العدة الثالثة بهدم
التحريم ، وهو ظاهر الصدوق
__________________
(1) والظاهر أنه لا خلاف فيما عدا طلاق السنة من أنواع الطلاق
في أنه بعد الثالثة يتوقف على المحلل ، وانما محل الخلاف المنقول عن ابن بكير هو
طلاق السنة خاصة ، ومحل الاختلاف في الاخبار أيضا انما هو طلاق السنة خاصة. (منه ـ
قدسسره ـ).
في الفقيه (1) أيضا ، حيث
قال بعد أن أورد طلاق السنة : فجائز له أن يتزوجها بعد ذلك ، وسمي طلاق السنة طلاق
الهدم ، لأنه متى استوفت قروءها وتزوجها ثانية هدم الطلاق الأول. وهو كما ترى ظاهر
فيما ذهب اليه ابن بكير ، والمشهور في كلام الأصحاب تخصيص الخلاف في هذا المقام
بابن بكير ، حتى أن شيخنا الشهيد الثاني في الروضة اعترض المصنف في قوله في اللمعة
«وقد قال بعض الأصحاب أن هذا الطلاق لا يحتاج إلى محلل بعد الثلاث» ـ بعد تفسيره
البعض المذكور بابن بكير وذكر رواياته ـ بأن عبد الله بن بكير ليس من أصحابنا
الإمامية ، ولقد كان ترك حكاية قوله في هذا المختصر أولى.
وفيه أنه يجوز أن يكون المصنف إنما أراد بذلك البعض
الصدوق لما عرفت ثم إنه لا يخفى عليك أن الظاهر أن عبارة الصدوق هنا مأخوذة من
كتاب الفقه الرضوي (2) حيث قال عليهالسلام بعد شرح طلاق
السنة : «وسمي طلاق السنة طلاق الهدم ، لأنه متى استوفت قروءها وتزوجها الثانية
هدم الطالق الأول ـ وهي كما ترى عين عبارة الصدوق ، ثم قال عليهالسلام : ـ وروي أن
طلاق الهدم لا يكون إلا بزوج ثان». انتهى ، وهو إشارة إلى القول المشهور ، وفي
نسبة ذلك إلى الرواية إيذان بأن الأول هو الذي يختاره ويفتي به عليهالسلام ، ولهذا أفتى
به الصدوق ـ رحمة الله عليه.
والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من أخبار المسألة ، ثم
الكلام بما يسر الله سبحانه فهمه منها ، فمما يدل على القول المشهور صحيحة أبي
بصير (3) المتقدمة في
سابق هذا الموضع.
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 320 ضمن ح 1.
(2) فقه الرضا ص 242.
(3) الكافي ج 6 ص 66 ح 4.
وما رواه في التهذيب (1) في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله
عليهالسلام «في رجل طلق
امرأته ، ثم تركها حتى انقضت عدتها ، ثم تزوجها ، ثم طلقها من غير أن يدخل بها ،
حتى فعل ذلك ثلاثا ، قال : لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره».
وعن الحسن بن زياد (2) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن طلاق السنة كيف يطلق الرجل امرأته؟ فقال : يطلقها في طهر قبل عدتها من غير جماع
بشهود فإن طلقها واحدة ثم تركها حتى يخلو أجلها فقد بانت منه ، وهو خاطب من الخطاب
، وإن راجعها فهي عنده على تطليقة ماضية ، وبقي تطليقتان ، وإن طلقها الثانية ثم
تركها حتى يخلو أجلها فقد بانت منه ، وإن هو أشهد على رجعتها قبل أن يخلو أجلها
فهي عنده على تطليقتين ماضيتين وبقيت واحدة ، فإن طلقها الثالثة فقد بانت منه ،
ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وهي ترث وتورث ما كان له عليها رجعة من
التطليقتين الأولتين».
وما رواه الشيخ (3) في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال
أمير المؤمنين عليهالسلام : إذا أراد
الرجل الطلاق طلقها قبل عدتها في غير جماع فإنه إذا طلقها واحدة ثم تركها حتى يخلو
أجلها إن شاء أن يخطب مع الخطاب فعل ، فإن راجعها قبل أن يخلو أجلها أو بعده كانت
عنده على تطليقة ، فإن طلقها الثانية أيضا فشاء أن يخطبها مع الخطاب إن كان تركها (4) حتى يخلو
أجلها ، فإن شاء راجعها قبل أن ينقضي وإن فعل فهي عنده على تطليقتين ، فإن طلقها
الثالثة
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 65 ح 133 ، الوسائل ج 15 ص 351 ب 3 ح 4.
(2) الكافي ج 6 ص 67 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 346 ب 1 ح 4 وفيهما
اختلاف يسير.
(3) الكافي ج 6 ص 69 ح 9 ، التهذيب ج 8 ص 29 ح 5 ، الوسائل ج
15 ص 347 ب 1 ح 7 وما في المصادر اختلاف يسير.
(4) قوله «ان كان تركها» قيد للمشية في قوله «فشاء أن يخطبها»
وجواب الشرط محذوف أى فعل ، كما تقدم التصريح به في سابق هذا الكلام من الخبر. (منه
ـ قدسسره ـ).
فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وهي
ترث وتورث ما كانت في الدم من التطليقتين الأولتين».
وما رواه الشيخ (1) في الصحيح عن ابن أذينة وزرارة وبكير
ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية والفضيل بن يسار وإسماعيل الأزرق ومعمر بن يحيى بن
بسام كلهم سمعه عن أبي جعفر عليهالسلام وعن ابنه أبي
عبد الله عليهالسلام بصورة ما
قالوا وإن لم أحفظ حروفه غير أنه لم يسقط جمل معناه : إن الطلاق الذي أمر الله به
في كتابه وسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم أن المرأة إذا
حاضت وطهرت من حيضها أشهد رجلين عدلين قبل أن يجامعها على تطليقه ، ثم هو أحق
برجعتها ما لم تمض لها ثلاثة قروء ، فإن راجعها كانت عنده على تطليقتين وإن مضت
ثلاثة قروء قبل أن يراجعها فهي أملك بنفسها ، فإن أراد أن يخطبها مع الخطاب خطبها
، فإن تزوجها كانت عنده على تطليقتين ، وما خلا هذا فليس بطلاق.
ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب (2) عن زرارة عن
أبي جعفر عليهالسلام «في الرجل يطلق
امرأته تطليقة ثم يراجعها بعد انقضاء عدتها ، فإذا طلقها الثالثة لم تحل له حتى
تنكح زوجا غيره» الحديث.
وما رواه في الكافي (3) عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي بصير
عن أبي عبد الله عليهالسلام في المطلقة
التطليقة الثالثة لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ويذوق عسيلتها».
ونحو هذه الرواية مما دل بإطلاقه على ما ذكرناه ما رواه الشيخ
(4) في
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 69 ح 7 ، التهذيب ج 8 ص 28 ح 4 ، الوسائل ج
15 ص 351 ب 3 ح 7 وما في المصادر اختلاف يسير.
(2) الكافي ج 6 ص 76 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 33 ح 18 ، الوسائل ج
15 ص 352 ب 3 ح 9.
(3) الكافي ج 6 ص 76 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 33 ح 17 ، الوسائل ج
15 ص 353 ب 3 ح 10 وما في المصادر «عسيلتها».
(4) التهذيب ج 8 ص 66 ح 136 ، الوسائل ج 15 ص 350 ب 3 ح 1.
الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن
الرضا عليهالسلام قال : «البكر
إذا طلقت ثلاثة مرات وتزوجت من غير نكاح فقد بانت منه ، ولا تحل لزوجها حتى تنكح
زوجا غيره».
ونحوها رواية طربال (1) عن أبي عبد الله عليهالسلام.
وعن عبد الله بن سنان (2) عن أبي عبد
الله عليهالسلام «في امرأة
طلقها زوجها ثلاثا قبل أن يدخل بها ، قال : لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره».
وأما ما يدل على ما ذهب إليه ابن بكير من أن استيفاء
العدة يهدم الطلاق المتقدم ، ولا تحتاج المطلقة كذلك إلى محلل بعد الثالثة ، فهو
ما رواه
الشيخ (3) عن ابن بكير عن زرارة قال : «سمعت
أبا جعفر عليهالسلام يقول : الطلاق
الذي يحبه الله والذي يطلقه الفقيه وهو العدل بين المرأة والرجل أن يطلقها في
استقبال الطهر بشهادة شاهدين وإرادة من القلب ثم يتركها حتى تمضي ثلاثة قروء ،
فإذا رأت الدم في أول قطرة من الثالثة وهو آخر القروء ـ لأن الأقراء هي الأطهار ـ فقد
بانت منه ، وهي أملك بنفسها ، فإن شاءت تزوجته وحلت له بلا زوج ، فإن فعل هذا بها
مائة مرة هدم ما قبله وحلت بلا زوج ، وإن راجعها قبل أن تملك نفسها ثم طلقها ثلاث
مرات يراجعها ويطلقها لم تحل له إلا بزوج».
وما رواه في الكافي (4) عن حميد بن زياد ، عن عبد الله بن
أحمد عن ابن أبي عمير عن ابن المغيرة عن شعيب الحداد ، عن المعلى بن خنيس عن أبي
عبد الله عليهالسلام «في الرجل يطلق
امرأته ثم لم يراجعها حتى حاضت ثلاث حيض ، ثم تزوجها ثم طلقها فتركها حتى حاضت
ثلاث حيض ، ثم تزوجها ، ثم طلقها من غير أن يراجع ، ثم تركها حتى حاضت ثلاث حيض ،
قال : له أن يتزوجها أبدا ما لم
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 8 ص 65 ح 135 و 132 ، الوسائل ج 15 ص 350 ب
3 ح 2 و 3.
(3) التهذيب ج 8 ص 35 ح 26 ، الوسائل ج 15 ص 355 ب 3 ح 16
وفيهما اختلاف يسير.
(4) الكافي ج 6 ص 77 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 354 ب 3 ح 13 وفيهما
اختلاف يسير.
يراجع ويمس. وكان ابن بكير وأصحابه
يقولون هذا ما أخبرني ابن المغيرة ، قال : قلت له : من أين قلت هذا؟ قال : قلته من
قبل رواية رفاعة ، روى عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه يهدم ما
مضى ، قال : قلت له : فإن رفاعة إنما قال : طلقها ، ثم نزوجها رجل ثم طلقها ، ثم
تزوجها الأول ، إن ذلك يهدم الطلاق الأول».
وعن حميد بن زياد عن ابن سماعة عن محمد بن زياد وصفوان
عن رفاعة (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل طلق امرأة حتى بانت منه وانقضت عدتها ، ثم تزوجت زوجا آخر فطلقها أيضا ، ثم
تزوجها زوجها الأول ، أيهدم ذلك الطلاق الأول؟ قال : نعم. قال ابن سماعة : وكان
ابن بكير يقول : المطلقة إذا طلقها زوجها ثم تركها حتى تبين ثم تزوجها فإنما هي
عنده على طلاق مستأنف قال : وذكر الحسين بن هاشم أنه سأل ابن بكير عنها ، فأجابه
بهذا الجواب ، فقال له : سمعت في هذا شيئا؟ فقال : رواية رفاعة ، فقال : إن رفاعة
روى إذا دخل بينهما زوج ، فقال : زوج وغير زوج عندي سواء ، فقلت : سمعت في هذا
شيئا؟ فقال : لا ، هذا ما رزق الله عزوجل من الرأي ،
قال ابن سماعة : وليس نأخذ بقول ابن بكير ، فإن الرواية إذا كان بينهما زوج».
وعن محمد بن أبي عبد الله عن معاوية بن حكيم عن ابن
المغيرة (2) قال : «سألت
عبد الله بن بكير عن رجل طلق امرأته واحدة ثم تركها حتى بانت منه ثم تزوجها ، قال
: هي معه كما كانت في التزويج ، قال : قلت له : فإن رواية رفاعة إذا كان بينها زوج
، فقال لي عبد الله : هذا زوج وهذا مما رزق الله من الرأي ومتى ما طلقها واحدة
فبانت منه ثم تزوجها زوج آخر ثم طلقها زوجها
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 77 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 353 ب 3 ح 11 وفيهما
اختلاف يسير.
(2) الكافي ج 6 ص 78 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 30 ح 8 ، الوسائل ج
15 ص 353 ب 3 ح 12 وما في المصادر اختلاف يسير ، وعبارة «قال معاوية بن حكيم.» غير
موجودة في التهذيب والوسائل.
فتزوجها الأول فهي عنده مستقبلة كما
كانت ، فقلت لعبد الله : هذا برواية من؟ فقال : هذا مما رزق الله تعالى. قال
معاوية بن حكيم : روى أصحابنا عن رفاعة ابن موسى أن الزوج يهدم الطلاق الأول ، فإن
تزوجها فهي عنده مستقبلة. قال أبو عبد الله عليهالسلام : يهدم الثلاث
ولا يهدم الواحدة والثنتين. ورواية رفاعة عن أبي عبد الله عليهالسلام هو الذي احتج
به ابن بكير» انتهى ما ذكره في الكافي.
وقد تقدم نقل كلام الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي (1) كما عبر به
الصدوق في الفقيه.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الشيخ بعد نقل الرواية الأولى
التي رواها ابن بكير عن زرارة أجاب عنها فقال (2) : فهذه الرواية أوكد شبهة من جميع ما
تقدم من الروايات ، لأنها لا تحتمل شيئا مما قلناه ، لكونها مصرحة خالية من وجوه
الإضمار إلا أن في طريقها عبد الله بن بكير ، وقد بينا من الأخبار ما تضمن أنه قال
حين سئل عن هذه المسألة «هذا مما رزق الله من الرأي ـ ثم قال : ـ ومن هذه صورته
فيجوز أن يكون أسند ذلك إلى رواية زرارة نصرة لمذهبه الذي كان أفتى به ، وأنه لما
رأى أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه أسنده إلى من رواه عن أبي جعفر عليهالسلام ، وليس عبد
الله بن بكير معصوما لا يجوز عليه هذا ، بل وقع عنه من العدول عن اعتقاد مذهب الحق
إلى اعتقاد مذهب الفطحية ما هو معروف من مذهبه ، والغلط في ذلك أعظم من إسناده
فيما يعتقد صحته بشبهة إلى بعض أصحاب الأئمة عليهمالسلام ، وإذا كان
الأمر على ما قلناه لم يعرض هذه الرواية ما قدمناه ، انتهى.
واعترضه جملة من أفاضل المتأخرين ومتأخريهم ، بأن هذا
القدح العظيم في ابن بكير ينافي ما صرح به في فهرسته من توثيقه ، وما رواه الكشي
من الإجماع على تصحيح ما يصح عنه ، ويوجب عدم جواز العمل بروايته مع أنهم متفقون
على
__________________
(1) فقه الرضا ص 242 قوله «سمى طلاق السنة. إلخ».
(2) التهذيب ج 8 ص 35 بعد ذكر حديث 26 وفيه اختلاف يسير.
العمل بها ، بل ترجيحها بما تقدم من
الإجماع المذكور على غيرها.
وأنت خبير بأنه لا يخفى على المعترض ـ فيما قدمناه من
الروايات عن الكافي المتضمنة لمحاجة الأصحاب لعبد الله المذكور فيما تفرد به وذهب
إليه ، وجوابه تارة بالأخذ برواية رفاعة ، مع أن رواية رفاعة إنما تضمنت الهدم
بالزوج الثاني ، لا بمجرد استيفاء العدة كما ادعاه ، وجوابه تارة بأن هذا مما رزقه
الله من الرأي ، ـ أنه لو كان لهذه الرواية التي نقلها عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام أصل يومئذ
لكانت هي الأولى لاحتجاجه وإلجام ألسنة المعترضين عليه ، وحيث لم يحتج بها ولم
يذكرها علم أنها مخترعة بعد ذلك ، وأنه لما رأى عدم قبول قوله وما احتج به في تلك
الأخبار عدل إلى هذه الرواية لما ذكره الشيخ من الشبهة التي عرضت له.
ومنه يعلم الجواب عما اعترضوا به الشيخ من أن ذلك موجب
لعدم جواز العمل برواية عبد الله المذكور ، لأن الشيخ لم يطعن عليه بأنه يعتقد
المخالفة في الحكم الشرعي ، وإنما أسند إليه عروض الشبهة في ذلك وأنه بسبب عروض
هذه الشبهة وتوهم أنها حق روى عن زرارة هذه الرواية.
والأقرب عندي هو حمل ما ذكره ابن بكير من هذه الأقوال
وكذا رواية صحيحة زرارة على التقية وأن ابن بكير كان عالما بالحكم المذكور في كلام
الأصحاب ، ولكنه عدل عن القول به وإظهار الإفتاء به تقية ، وعلى هذا يحمل صدر
رواية معلى بن خنيس المتقدمة.
وبالجملة فإن شهرة الحكم بين متقدمي الأصحاب ومتأخريهم
مع اعتضادها بما قدمناه من الأخبار المتكاثرة ظاهرة في أن ذلك هو مذهبهم عليهمالسلام ، وأن القول
بخلاف ذلك ضعيف.
ومن الأخبار الدالة على مذهب ابن بكير أيضا ما رواه الشيخ
(1) في الصحيح
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 30 ح 9 ، الوسائل ج 15 ص 355 ب 3 ح 15.
عن عبد الله بن سنان قال : «إذا طلق
الرجل امرأته فليطلق على طهر بغير جماع بشهود ، فإن تزوجها بعد ذلك فهي عنده على
ثلاث وبطلت التطليقة الاولى ، وإن طلقها اثنتين ثم كف عنها حتى تمضي الحيضة
الثالثة بانت منه بثنتين ، وهو خاطب من الخطاب ، فإن تزوجها بعد ذلك فهي عنده على
ثلاث تطليقات وبطلت الاثنتان ، فإن طلقها ثلاث تطليقات على العدة لم تحل له حتى
تنكح زوجا غيره».
وحمله الشيخ على أنه تزوجها بعد العدة وبعد أن تزوجها
زوج آخر ، ولا يخفى بعده ، والأظهر حمله على ما حملنا عليه أمثاله ، على أن
الرواية المذكورة مقطوعة ، وإنما هي فتوى عبد الله بن سنان فلا تقوم به حجة.
مسائل
الاولى : في طلاق
الحامل لا خلاف بين الأصحاب في جواز طلاقها مرة ، وعليه تدل جملة من الأخبار مثل قول
أبي عبد الله عليهالسلام في صحيحة
الحلبي (1) «لا بأس بطلاق
خمس على كل حال : الغائب عنها زوجها ، والتي لم تحض ، والتي لم يدخل بها ، والحبلى
، والتي يئست من المحيض».
وقول أبي جعفر عليهالسلام في رواية
إسماعيل بن جابر الجعفي (2) «خمس يطلقن على
كل حال : الحامل المتيقن حملها» الحديث ، وبهذا المضمون أخبار عديدة ، وإنما يجوز
تطليق هؤلاء على كل حال ، لأنهن مأمونات من العلوق.
إنما الخلاف بين الأصحاب فيما زاد على المرة ، فقال
الصدوقان في الرسالة والمقنع : وإن راجعها ـ يعني الحبلى ـ قبل أن تضع ما في بطنها
، أو يمضي لها ثلاثة أشهر ، ثم أراد طلاقها فليس له ذلك حتى تضع ما في بطنها وتطهر
ثم يطلقها. وهو ظاهر في المنع من الطلاق ثانيا ما دامت حاملا ، أو يمضي ثلاثة
__________________
(1 و 2) الكافي ج 6 ص 79 ح 2 و 1، الوسائل ج 15 ص 306 ب 25 ح 3
وص 305 ح 1 وفيهما اختلاف يسير.
أشهر أعم من أن يكون للعدة وغيره.
وقال الشيخ في النهاية : وإن أراد أن يطلق امرأته وهي
حبلى يستبين حملها فيطلقها أي وقت شاء ، وإذا طلقها واحدة كان أملك برجعتها ما لم
تضع ما في بطنها ، فإذا راجعها وأراد طلاقها للسنة لم يجز له ذلك حتى تضع ما في
بطنها ، فإذا راجعها أراد طلاقها للعدة واقعها ثم طلقها بعد المواقعة ، فإذا فعل
ذلك فقد بانت منه بطلقتين ، وهو أملك برجعتها ، فإن راجعها وأراد طلاقها ثالثة
واقعها ، ثم يطلقها ، فإذا طلقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجها غيره. وتبعه
ابن البراج وابن حمزة.
وذهب ابن الجنيد إلى المنع من طلاق العدة إلا بعد شهر ،
ولم يتعرض لغيره قال على ما نقله في المختلف : والحبلى إذا طلقها زوجها وقع عليها
الطلاق ، وله أن يرتجعها ، فإن أراد طلاقها تركها شهرا من حال جماعة في الرجعة ثم
طلقها فإن ارتجعها الثانية وأراد طلاقها طلقها كذلك ، فإذا ارتجعها ثم طلقها كذلك
لم تحل له حتى تنكح زوجها غيره.
وذهب ابن إدريس والمحقق وجماعة إلى جواز طلاقها مطلقا
كغيرها ، وأنه يجوز طلاقها للسنة كما يجوز للعدة ، إذ لا مانع من إجماع ولا كتاب
ولا سنة متواترة ، والأصل الصحة مع عموم «فإن طلقها».
أقول : والأصل في هذا الاختلاف اختلاف أخبار المسألة ،
فالواجب أولا نقل ما وصل إلينا من أخبار المسألة ثم الكلام فيها بما رزقه الله
تعالى فهمه منها.
فمنها ما رواه الشيخ في التهذيب (1) عن الحلبي في
الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «طلاق
الحامل واحدة ، وإن شاءت راجعها قبل أن تضع ، فإن وضعت قبل أن يراجعها فقد بانت
منه وهو خاطب من الخطاب».
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 71 ح 155 ، الوسائل ج 15 ص 380 ب 20 ح 2
وفيهما «وان شاء».
وعن إسماعيل الجعفي (1) في الصحيح عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «طلاق
الحامل واحدة ، فإذا وضعت ما في بطنها فقد بانت منه». ورواه الكليني نحوه.
وما رواه في الكافي والتهذيب (2) عن الكناني عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «طلاق
الحامل واحدة وعدتها أقرب الأجلين».
وعن أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «الحبلى
تطلق تطليقة واحدة».
وما رواه في الكافي (4) بأسانيد عديدة فيها الصحيح عن
إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «طلاق
الحامل واحدة فإذا وضعت ما في بطنها فقد بانت منه».
وما رواه الصدوق في الفقيه (5) عن زرارة عن
أبي جعفر عليهالسلام مثله ، وطريقه
إلى زرارة صحيح في المشيخة.
وما رواه في التهذيب (6) عن سماعة في الموثق قال : «سألته عن
طلاق الحبلى ، فقال : واحدة ، وأجلها أن تضع حملها».
وما رواه في الكافي والتهذيب (7) عن الحلبي في
الصحيح قال : «طلاق الحبلى واحدة وأجلها أن تضع حملها وهي أقرب الأجلين».
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 81 ح 5 ، التهذيب ج 8 ص 70 ح 153 وفيه «طلاق
الحامل واحدة ولأجلها أن تضع حملها.» ، الوسائل ج 15 ص 380 ب 20 ح 1.
(2) الكافي ج 6 ص 81 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 70 ح 151 ، الوسائل ج
15 ص 380 ب 20 ح 3.
(3 و 4) الكافي ج 6 ص 81 ح 1 و 5، التهذيب ج 8 ص 70 ح 152 ، الوسائل
ج 15 ص 381 ب 20 ح 4 و 1.
(5) الفقيه ج 3 ص 329 ح 1.
(6) التهذيب ج 8 ص 71 ح 154 ، الوسائل ج 15 ص 381 ب 20 ح 5.
(7) الكافي ج 6 ص 82 ح 8 ، التهذيب ج 8 ص 71 ح 155 ، الوسائل ج
15 ص 419 ب 9 ح 6 ، وما في المصادر «وهو أقرب.».
وما رواه في الفقيه والتهذيب (1) عن محمد بن
منصور الصيقل عن أبيه عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل يطلق
امرأته وهي حبلى ، قال : يطلقها. قلت : فيراجعها؟ قال : نعم يراجعها ، قلت : فإنه
بدا له بعد ما راجعها أن يطلقها ، قال : لا ، حتى تضع».
وما رواه في الكافي (2) في الصحيح عن بريد الكناسي وهو مجهول
قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن طلاق
الحبلى فقال : يطلقها واحدة للعدة بالشهور والشهود ، قلت : فله أن يراجعها؟ قال :
نعم وهي امرأته ، قلت : فإن راجعها ومسها ثم أراد أن يطلقها تطليقة أخرى ، قال :
لا يطلقها حتى يمضي لها بعد ما مسها شهر ، قلت : فإن طلقها ثانية وأشهد على طلاقها
ثم راجعها وأشهد على رجعتها ومسها ، ثم طلقها التطليقة الثالثة وأشهد على طلاقها
لكل عدة شهر ، هل تبين منه كما تبين المطلقة على العدة التي لا تحل لزوجها حتى
تنكح زوجا غيره؟ قال : نعم ، قلت : فما عدتها؟ قال : عدتها أن تضع ما في بطنها ،
ثم قد حلت للأزواج».
وما رواه في التهذيب (3) عن إسحاق بن عمار في الموثق قال : «قلت
لأبي إبراهيم عليهالسلام : الحامل
يطلقها زوجها ثم يراجعها ثم يطلقها ثم يراجعها ثم يطلقها الثالثة ، قال : تبين منه
، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره».
وعن إسحاق بن عمار (4) في الموثق عن أبي الحسن عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل طلق امرأته وهي حامل ، ثم راجعها ثم طلقها ثم راجعها ثم طلقها الثالثة ،
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 331 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 71 ح 157 ، الوسائل
ج 15 ص 381 ب 20 ح 7.
(2) الكافي ج 6 ص 82 ح 12 ، الوسائل ج 15 ص 382 ب 20 ح 11
والصحيح «يزيد الكناسي» مع اختلاف يسير.
(3) التهذيب ج 8 ص 71 ح 156 ، الوسائل ج 15 ص 381 ب 20 ح 6.
(4) التهذيب ج 8 ص 73 ح 161 ، الوسائل ج 15 ص 382 ب 20 ح 10.
في يوم واحد ، تبين منه؟ قال : نعم».
وما رواه في التهذيب (1) عن ابن بكير عن بعضهم قال : «في
الرجل تكون له المرأة الحامل وهو يريد أن يطلقها قال : يطلقها إذا أراد الطلاق
بعينه يطلقها بشهادة الشهود ، فإن بدا له في يومه أو من بعد ذلك أن يراجعها يريد
الرجعة بعينها فليراجع ويواقع ثم يبدو له فيطلق أيضا ثم يبدو له فيراجع كما راجع أولا
، ثم يبدو له فيطلق فهي التي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره إذا كان إذا راجع يريد
المواقعة والإمساك ويواقع».
وعن إسحاق بن عمار (2) في الموثق عن أبي الحسن الأول عليهالسلام قال : «سألته
عن الحبلى تطلق الطلاق التي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره؟ قال : نعم ، قلت : ألست
قلت لي إذا جامع لم يكن له أن يطلق؟ قال : إن الطلاق لا يكون إلا على طهر قد بان ،
أو حمل قد بان ، وهذه قد بان حملها».
أقول : لما توهم السائل عدم جواز الطلاق بعد الجماع قبل
الاستبراء أجابه عليهالسلام بأن هذا في
غير الحامل المستبين حملها لتكاثر الأخبار كما عرفت بأنها من اللواتي يطلقن على كل
حال.
وقال الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي (3) : «وأما طلاق
الحامل فهو واحد ، وأجلها أن تضع ما في بطنها ، وهو أقرب الأجلين ، فإذا وضعت أو
سقطت يوم طلقها أو بعده متى كان فقد بانت منه وحلت للأزواج ، فإن مضى لها ثلاثة
أشهر من قبل أن تضع فقد بانت منه ، وتحل للأزواج حتى تضع ، فإن راجعها من قبل أن
تضع ما في بطنها أو يمضي لها ثلاثة أشهر ثم أراد طلاقها فليس له ذلك حتى تضع ما في
بطنها وتطهر ثم يطلقها».
هذا ما حضرني من الأخبار في المقام ، والشيخ قد حمل
الأخبار الأولة الدالة
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 8 ص 72 ح 160 وص 71 ح 158 ، الوسائل ج 15 ص
382 ب 20 ح 9 و 8 مع اختلاف يسير في الحديثين الأخيرين.
(3) فقه الرضا ص 244 مع اختلاف يسير.
بظاهرها على انحصار طلاق الحامل في
الواحدة على طلاق السنة جمعا بين الأخبار المذكورة وما قابلها ، وهو جيد كما يظهر
لك إن شاء الله تعالى.
والسيد السند في شرح النافع لما كان مطمح نظره متعلقا
بالأسانيد ، فهو يدور مدار الأسانيد الصحيحة ، رجح العمل بالأخبار الدالة على
انحصار طلاقها في الواحدة لكثرة الأخبار الصحاح فيها ، فقال بعد البحث في المسألة
: والذي يقتضيه الوقوف مع الأخبار الصحيحة المستفيضة الحكم بأن طلاق الحامل واحد ،
لكن المصنف في الشرائع ادعى الإجماع على جواز طلاق الحامل ثانيا للعدة ، ثم نقل
الخلاف في طلاقها للسنة ، ونقل عنه أنه قال في بعض تحقيقاته : الوجه الاعراض عن
أخبار الآحاد والالتفات إلى ما دل عليه القرآن من جواز طلاقها مطلقا ، ويشكل بأن
الأخبار المتضمنة ـ لأن (1) طلاق الحامل
واحدة ـ مستفيضة كما عرفت وأسانيدها معتبرة ، وليس لها ما يصلح للمعارضة ،
فإطراحها مشكل ، انتهى وهو جيد.
بناء على هذا الاصطلاح المحدث الذي هو عليه فإن الأخبار
في هذه المسألة ظاهرة التعارض لدلالة ظاهر أخبار الواحدة على انحصار طلاق الحامل
فيها ، وإنها لا تطلق إلا واحدة ، فلو راجعها قبل خروج العدة فليس له أن يطلقها
إلا بعد وضع الحمل كما دلت عليه رواية الصيقل وكلام الرضا عليهالسلام في كتاب فقه
الرضوي ودلالة الأخبار الباقية على أنها تطلق ثانية وثالثة وهي حامل بعد المراجعة
والمواقعة أو مع عدمها ، ومن قاعدة أرباب هذا الاصطلاح أنهم لا يجمعون بين الأخبار
إلا بعد التكافي في الأسانيد ، وأخبار الزيادة على واحدة قاصرة عن المعارضة لضعف
أسانيدها ، فيتعين العمل بأخبار الواحدة.
هذا حاصل كلامه ـ رحمهالله ـ وهذا هو
مذهب الصدوقين ، فإن ما نقله الأصحاب عنهما مما قدمنا ذكره في صدر المسألة لم ينقل
على وجهه ، ورسالة الشيخ علي بن الحسين بن بابويه ، وإن كانت لا تحضرني الآن لكن
المقنع عندي
__________________
(1) والصحيح «بأن» كما يظهر من سياق العبارة.
موجود ، والذي فيه عين ما ذكر الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي ، وإن فرق بعض ألفاظه عن بعض إلا أن المرجع إلى أمر واحد ، وهذه صورة ما
فيه :
واعلم أن أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ، وهو أقرب
الأجلين ، وإذا وضعت أو أسقطت يوم طلقها أو بعده متى كان فقد بانت منه فلا تحل
للأزواج حتى تضع ، فإن راجعها قبل أن تضع ما في بطنها أو يمضي لها ثلاثة أشهر ثم
أراد طلاقها فليس له حتى تضع ما في بطنها ثم تطهر ويطلقها ، وسئل الصادق عليهالسلام عن المرأة
الحامل يطلقها زوجها ثم يراجعها ثم يطلقها الثالثة ، فقال : قد بانت منه ، ولا تحل
له حتى تنكح زوجا غيره ، وطلاق الحامل واحدة وعدتها أقرب الأجلين ، انتهى.
وأنت خبير بأن المفهوم منه هو ما نقلناه عن كتاب الفقه ،
فإنه أفتى فيه بكون طلاق الحامل واحدة وعدتها أقرب الأجلين ، وهو وضع الحمل كما هو
مذهبه في المسألة ، وأفتى بناء على ذلك بأنه لو راجعها قبل مضي العدة وهي ثلاثة
أشهر أو وضع الحمل فإنه ليس طلاقها إلا بعد وضع الحمل ، وهو ظاهر بل صريح في أنه
لا يجوز له طلاقها ثانيا ما دامت حاملا ، ثم نقل عن الصادق عليهالسلام مضمون ما دلت
عليه موثقتا عمار المتقدمتان من جواز الزيادة على طلقة واحدة ، وفي نسبة ذلك إلى
الرواية مع إفتائه بخلافه ما يدل على اختلاف الرواية يومئذ عندهم ، ولكن الراجح
عنده ما أفتى به اعتمادا على الكتاب الذي أفتى بعبارته ، ومثله كثير قد قدمنا
التنبيه عليه ، سيما في كتب العبادات من اعتماد الصدوقين على الكتاب المذكور
والإفتاء بعبائره في مقابلة الأخبار الصحيحة الصريحة المتكاثرة الدالة على خلاف
ذلك.
ومما شرحناه يظهر لك أن مستند الصدوقين فيما ذهبا إليه
إنما هو كتاب الفقه الرضوي كما عرفته في غير موضع مما تقدم من الكتب السابقة ، وأن
مذهب الصدوقين هو ما يظهر من السيد السند التعويل عليه ، وليته كان حيا فأهديه
إليه.
نعم يبقى الإشكال في الروايات الأخر وما دلت عليه من
جواز التعدد ، والشيخ قد جمع بين أخبار المسألة كملا بحمل ما دل على أن طلاق
الحامل واحدة ولا يجوز ما زاد عليها على طلاق السنة بالمعنى الأخص ، وحمل الأخبار
الدالة على جواز الزيادة على واحدة على طلاق العدة.
واعترضه الشهيد الثاني (أولا) بأن محل الخلاف إنما هو
الطلاق الثاني لا الأول للاتفاق على صحة الأول كما تقدم ، واستفاضة الأخبار به
سنيا كان أو عديا ، والطلاق السني بالمعني الأخص لا يقع ثانيا بالنسبة إلى الحامل
لأنها بعد الطلاق الأول للسنة ـ الذي شرطه الخروج من العدة ـ لا يجوز العقد عليها
إلا بعد وضع الحمل ، وحينئذ لا يكون حاملا ، فلو طلقها والحال هذه لم يدخل في محل
البحث.
نعم الطلاق الأول يصدق عليه أنه للسنة متى تركها حتى
وضعت حملها ، لكنه ليس محل خلاف ، إنما محله الطلاق الثاني كما عرفت ، وهو لا يتم
في الحامل بالكلية.
و (ثانيا) بأن تخصيصه الجواز بالعدي ، فيه أن الأخبار قد
دلت على جواز التعدد ، وإن لم يكن عديا كموثقتي إسحاق بن عمار الأولتين من موثقاته
الثلاث المتقدمة ، فإن ظاهرهما المراجعة من غير مواقعة ، وهو ليس بعدي ولا سني
بالمعني الأخص ، نعم هو سني بالمعنى الأعم.
أقول : يمكن الجواب عما ذكره ـ رحمهالله ـ أما عن (الأول)
فبأنه وإن كان محل الخلاف إنما هو الطلاق الثاني للحامل كما ذكر ـ رحمهالله ـ إلا أن
الشيخ لم يلحظ ذلك ، لأن مطمح نظره إلى الجمع بين أخبار المسألة ، وجملة منها قد
صرحت بالانحصار في الطلقة الواحدة ، فلا يجوز طلاقها ثانيا ، وجملة منها صرحت
بالزيادة على الواحدة ، والشيخ حمل الواحدة في هذه الأخبار وهي التي لم يقع قبلها
طلقة على طلاق السنة ، بمعنى أنه إذا أراد أن يطلق الحامل
طلاق السنة طلقها طلقة واحدة ، وتركها
حتى تضع حملها ، ولا يجوز أن يراجعها ويطلقها قبل الوضع طلاقا سنيا ، لأنه مشروط
بالخروج من العدة التي هي هنا وضع الحمل ، فطلاق السنة طلاقا ثانيا لا يكون للحامل
بالكلية ، فإنها بعد وضع الحمل لو طلقت لم يكن طلاق حامل فيخرج عن محل البحث.
وأما عن (الثاني) فبأن يقال : إنه لا ريب أن أخبار
الزيادة على واحدة منها ما هو صريح في طلاق العدة كرواية بريد الكناسي (1) ، وإن اشتملت
على الشهر هنا زيادة على ما شرط في طلاق العدة في غير هذا الموضع ، ورواية ابن
بكير عن بعضهم.
ومنها ما هو مطلق كموثقتي إسحاق بن عمار الأولتين من
الثلاث المتقدمات وطريق الجمع بينها تقييد إطلاق هاتين الروايتين بما دلت عليه
الروايتان الأخريان ، والظاهر أن هذا هو الذي قصده الشيخ ـ رحمة الله عليه ـ وإلى
ما ذكرناه يشير كلام العلامة في المختلف ، حيث قال بعد البحث في المسألة ما لفظه :
والتحقيق في هذا الباب أن يقول : طلاق العدة والسنة واحد
وإنما يصير للسنة بترك المراجعة وترك المواقعة ، وللعدة بالرجعة في العدة
والمواقعة ، فإن طلقها لم يظهر أنه للسنة أو للعدة إلا بعد وضع الحمل ، لأنه إن
راجع قبله كان طلاق العدة ، وإن تركها حتى تضع كان طلاق السنة ، فإن قصد الشيخ ذلك
فهو حق ، وتحمل الأخبار عليه ، انتهى.
أقول : لا ريب أن هذا هو الذي قصده الشيخ ـ رحمهالله ـ وإن خرج فيه
عن محل البحث ، حيث إن مراده الجمع بين أخبار المسألة وكلام العلامة كما ترى إنما
هو بالنسبة إلى الطلاق الأول فهو الذي حمل عليه كلام الشيخ ، وبذلك يعلم اندفاع ما
أورده شيخنا المتقدم ذكره على الشيخ ـ رحمة الله عليه.
__________________
(1) والصحيح كما سبق ذكره «يزيد الكناسي».
نعم يبقى الكلام فيما دلت عليه رواية بريد من اعتبار
الشهر في طلاق العدة هنا ، والواجب تقييد ما أطلق من الأخبار بها إذ لا معارض لها
ـ مع قوة سندها ، فإن رواتها غير الراوي المذكور من الثقات الإمامية ـ إلا إطلاق
الأخبار المذكورة ، وهي قابلة للتقييد بها ، وحينئذ فمتى راجع وواقع لم يجز له
الطلاق إلا بعد مضي شهر من يوم المواقعة ، ويحتمل بالنسبة إلى موثقتي إسحاق بن
عمار العمل بظاهرهما من جواز الطلاق ثانيا بعد المراجعة من غير مواقعة ، وإن لم
يكن عديا ولا سنيا بالمعنى الأخص بل بالمعنى الأعم ، ولعله أظهر ، وقد تلخص مما
ذكرنا أنه متى أراد الطلاق للسنة وليس له أن يطلقها إلا طلقة واحدة ويتركها حتى
تضع حملها وإن أراد الطلاق للعدة ، فإن رجع وواقع فليس له الطلاق ثانيا إلا بعد
مضي الشهر ، فإن لم يواقع بناء على ما ذكرنا من الاحتمال فله أن يطلقها متى شاء ،
وحينئذ فيثبت للحامل طلاق السنة بالمعنى الأخص وطلاق العدة خاصة بناء على كلام
الشيخ ومن تبعه ، وطلاق السنة بالمعنى الأعم بناء على ما ذكرناه من الاحتمال عملا
بإطلاق الموثقتين المذكورتين.
ومن ذلك يعلم أنه متى كان محل الخلاف هو الطلاق الثاني ـ
كما هو ظاهر كلام الأصحاب وبه صرح في المسالك وغيره ـ في غيره ـ فإنه لا يجري ذلك
في طلاق السنة لما عرفت آنفا ، وإنما تطلق للعدة خاصة بقاء على كلام الشيخ ،
وللسنة بالمعنى الأعم على ما ذكرناه من الاحتمال ، فما ذكره ابن إدريس ومن تبعه من
المتأخرين ـ ومنهم شيخنا في المسالك من جواز تطليقها مطلقا كغيرها ـ لا أعرف له
وجها.
قال في المسالك بعد البحث في المسألة ما صورته : والحق
الاعراض عن هذه التكلفات التي لم يدل عليها دليل ، والرجوع إلى حكم الأصل من جواز
طلاق الحامل كغيرها مطلقا ، بشرائطه وعدم الالتفات إلى هذه الأخبار الضعيفة
الاسناد المتناقضة الدلالة ، وما فيها من الصحيح ليس فيه ما ينافي الجواز وحمل
أخبار النهي
عن الزائد على الكراهة ، وجعله قبل
شهر آكد ، من غير أن يفرق بين كون الواقع طلاق عدة أو سنة بمعنييه ، وقد ظهر بذلك
أن القول بجواز طلاقها مطلقا هو الأقوى. واعلم أنه قد ظهر أن القول بجواز طلاقها
ثانيا للعدة وفاقي في الجملة لأن المتأخرين جوزوه مطلقا ، والشيخ خص الجواز به ،
وابن الجنيد قيده بعد شهر ، وابنا بابويه أطلقا جوازه بعد ثلاثة أشهر ، وبذلك ظهر
صحة ما ادعاه المصنف من جوازه إجماعا ، وإن كان بعضهم يشترط في صحته شرطا زائدا ،
لأن ذلك لا ينافي الحكم بجوازه في الجملة. إلى آخر كلامه ـ رحمهالله.
وفيه نظر ، أما (أولا) فإنه مع تسليم الاعراض عن
الروايات الضعيفة باصطلاحهم فإنه لا يتم ما ذكره من الجواز مطلقا ، قوله «وما فيها
من الصحيح ليس فيه ما ينافي الجواز ممنوع ، لما عرفت من أن ظاهرها انحصار صحة طلاق
الحامل في الواحدة ، فلا يجوز غيرها ، وهو ظاهر كلام سبطه في شرح النافع كما
قدمناه ، ويؤيده تصريح رواية الصيقل وكلام الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه
، وكذا عبارة المقنع بأنه ليس له أن يطلق بعد المراجعة حتى تضع.
وأما (ثانيا) فما ادعاه من جواز طلاقها للسنة بالمعنى
الأخص فإنه غير مستقيم كما شرحناه آنفا ، وبذلك اعترف أيضا فيما تقدم من كلامه ،
حيث قال في الاعتراض على عبارة الشيخ في النهاية : والسني بالمعنى الأخص لا يتحقق
في الحامل ، لأنه لا يصير كذلك إلا بعد الوضع والعقد عليها ثانيا ، وحينئذ فلا
يكون حاملا ، والكلام في الطلاق الواقع بالحامل. انتهى ، فكيف يدعي هنا جوازه ، ما
هذا إلا عجب عجيب من هذا النحرير ، وسهو ظاهر في هذا التحرير.
وأما (ثالثا) فإن ما ادعاه في تشييد دعوى الوفاق على
جواز الطلاق العدي ثانيا من أن الصدوقين أطلقا جوازه بعد ثلاثة أشهر ، أشد عجبا
مما تقدم ، فإن عبارتهما المنقولة في كلامهم كما قدمنا ذكرها في صدر المسألة صريحة
في أن ذكر الثلاثة أشهر إنما هو لصحة الرجعة لا للطلاق ، وهذه صورتها : وإن راجعها
قبل أن تضع ما في بطنها أو يمضي لها
ثلاثة أشهر ثم أراد طلاقها فليس له ذلك حتى تضع ما في بطنها وتطهر ثم يطلقها. وهي
صريحة في أن الطلاق ثانيا لا يجوز إلا بعد الوضع والطهارة من النفاس ، والثلاثة
الأشهر إنما هي بالنسبة إلى صحة الرجوع ، وذلك لأن الحامل تبين بأقرب الأجلين ،
أما الثلاثة الأشهر أو الوضع.
والغرض بيان أن الرجعة وقعت في العدة قبل مضي واحد من
الأمرين المذكورين فتكون الرجعة صحيحة ، أما لو أراد الطلاق ثانيا بعد هذه الرجعة
فإنه لا يجوز له إلا بعد أن تضع ، ويؤكده ما شرحناه سابقا من بيان مذهب الصدوقين
في هذه المسألة. فانظر إلى ما في هذا الكلام من الخلل الظاهر لذوي الأفهام ،
والغرض من التنبيه على ما في أمثال هذا المقال من السهو الواضح الناشئ من
الاستعجال هو وجوب التأمل وتحقيق الحال ، وعدم الركون إلى من قال ، وإن كان من
مجلي حلبة الرهان في ذلك المجال ، وفي المشهور «اعرف الرجال بالحق ، ولا تعرف الحق
بالرجال» وبالجملة فالظاهر عندي هو العمل بجملة الأخبار المذكورة ، والجمع بينها
ما قدمنا ذكره.
المسألة الثانية : لا خلاف بين
الأصحاب في أنه إذا طلق الحامل المدخول بها ثم راجعها وواقعها كما هو طلاق العدة
المتقدم فإنه يجوز أن يطلقها ثانيا ، إنما الخلاف فيما إذا طلقها بعد المراجعة
الخالية من المواقعة ، سواء كان في طهر الطلاق الأول أو الطهر الذي بعده ،
والمشهور بين الأصحاب صحة الطلاق.
ونقل عن ابن أبي عقيل أنه خالف في ذلك وحكم بعدم وقوع
الطلاق على هذا الوجه ، سواء كان في طهر الطلاق الأول أو الطهر الذي بعده ، وهذه
صورة عبارته على ما نقله عنه غير واحد منهم العلامة في المختلف وغيره.
قال ـ رحمهالله ـ : لو طلقها
من غير جماع قبل تيسر المواقعة بعد الرجعة لم يجز ذلك ، لأنه طلقها من غيره أن
ينقضي الطهر الأول ، ولا ينقضي الطهر الأول
إلا بتدليس المواقعة بعد المراجعة ،
فإذا جاز أن يطلق التطليقة الثانية بلا طهر جاز أن يطلق كل تطليقة بلا طهر ، ولو
جاز ذلك لما وضع الله الطهر ، انتهى.
واعترضه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد نقل عبارته
بما هذا لفظه : وإنما ذكرنا عبارته لاشتمالها على الاستدلال على حكمه ، وبه يظهر
ضعف قوله مع شذوذه ، فإنا لا نسلم أن الطهر لا ينقضي بدون المواقعة ، للقطع بأن
تخلل الحيض بين الطهرين يوجب انقضاء الطهر السابق ، سواء واقع فيه أم لا.
ثم لا نسلم اشتراط انقضاء الطهر في صحة الطلاق مطلقا.
وإنما الشرط انقضاء الطهر الذي واقعها فيه ، وهو منتف هنا لأن الطلاق الأول وقع
بعده في طهر آخر ، لأنه الغرض فلا يشترط أمر آخر ، انتهى.
أقول : وتحقيق المقام على وجه لا يعتريه النقض والإبرام
بما لم يسبق إليه سابق من علمائنا الأعلام ـ رفع الله تعالى أقدارهم في دار السلام
ـ قد سبق لي في بعض أجوبة مسائل بعض الطلبة الكرام ، وهو يتوقف على نقل ما ورد من
الأخبار في هذا المجال ، ليتضح بذلك حقيقة الحال ، ويظهر ما في كلام جملة من
الأصحاب من الاختلال ، فنقول :
من الأخبار الدالة على ما هو المشهور موثقة إسحاق بن
عمار (1) عن أبي الحسن عليهالسلام قال : «قلت له
: رجل طلق امرأته ثم راجعها بشهود ، ثم طلقها ثم بدا له فيراجعها بشهود ، تبين منه؟
قال : نعم ، قلت : كل ذلك في طهر واحد ، قال : تبين منه».
وهي كما ترى صريحة في أن مجرد الرجعة كاف في صحة الطلاق
ثانيا وإن كان في طهر الطلاق الأول.
وصحيحة عبد الحميد بن عواض ومحمد بن مسلم (2) «قالا : سألنا
أبا عبد الله
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 92 ح 236 ، الوسائل ج 15 ص 379 ب 19 ح 5
وفيهما اختلاف يسير.
(2) التهذيب ج 8 ص 45 ح 58 ، الوسائل ج 15 ص 378 ب 19 ح 1
وفيهما اختلاف يسير.
عليهالسلام عن رجل طلق
امرأته وأشهد على الرجعة ولم يجامع ، ثم طلق في طهر آخر على السنة أتثبت التطليقة
الثانية من غير جماع؟ قال : نعم ، إذا هو أشهد على الرجعة ولم يجامع كانت التطليقة
ثانية». وهي صريحة أيضا في المدعى ، والطلاق الثاني هنا وقع في طهر آخر غير طهر
الطلاق الأول.
وصحيحة البزنطي (1) قال : «سألت الرضا عليهالسلام عن رجل طلق
امرأته بشاهدين ، ثم راجعها ولم يجامعها بعد الرجعة حتى طهرت من حيضها ، ثم طلقها
على طهرت بشاهدين ، أتقع عليها التطليقة الثانية وقد راجعها ولم يجامعها؟ قال :
نعم».
وحسنة أبي علي بن راشد (2) قال : «سألته
مشافهة عن رجل طلق امرأته بشاهدين على طهر ، ثم سافر وأشهد على رجعتها ، فلما قدم
طلقها من غير جماع ، أيجوز ذلك له؟ قال : نعم ، قد جاز طلاقها». وهما صريحتان أيضا
في المدعى.
واستدل جملة من الأصحاب على ذلك أيضا بما ورد من الأخبار
دالا على تحقق الرجعة مع عدم الجماع كصحيحة عبد الحميد الطائي (3) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قلت له
: الرجعة بغير جماع تكون رجعة؟ قال : نعم».
وظني أن هذا الاستدلال ليس في محله ، فإنه لا يفهم من
كلام ابن أبي عقيل منع حصول الرجعة إلا بالجماع معها ، بل ظاهر عبارته أن مراده
إنما هو كون الجماع شرط في صحة الطلاق الواقع بعد الرجعة ، فالرجعة تقع وإن لم يكن
ثمة جماع ، ولكن لو طلقها والحال هذه لم تحسب له إلا بالتطليقة الأولى دون هذه.
والذي يدل على ما ذهب إليه ابن أبي عقيل صحيحة عبد
الرحمن بن
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 8 ص 45 ح 59 و 60، الوسائل ج 15 ص 379 ب 19
ح 2 و 4.
(3) التهذيب ج 8 ص 44 ح 56 ، الوسائل ج 15 ص 378 ب 18 ح 1.
الحجاج (1) قال : «قال
أبو عبد الله عليهالسلام في الرجل يطلق
امرأته ، له أن يراجع؟ قال : لا يطلقن التطليقة الأخرى حتى يمسها».
ورواية المعلى بن خنيس (2) عن أبي عبد
الله «في الرجل يطلق امرأته تطليقة ، ثم يطلقها الثانية قبل أن يراجع ، فقال أبو
عبد الله عليهالسلام : لا يقع
الطلاق الثاني حتى يراجع ويجامع».
وموثقة إسحاق بن عمار (3) عن أبي
إبراهيم عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل يطلق امرأته في طهر من غير جماع ، ثم راجعها من يومه ذلك ثم يطلقها ، أتبين
منه بثلاث طلقات في طهر واحد؟ فقال : خالف السنة ، قلت : فليس ينبغي له إذا هو
راجعها أن يطلقها إلا في طهر آخر؟ قال : نعم ، قلت : حتى يجامع؟ قال : نعم».
هذه الروايات الثلاث صريحة فيما ذهب إليه ابن أبي عقيل ،
مع أنه لم ينقلها ، وإنما نقلها الأصحاب له في كتب الاستدلال ، واستدل له في
المختلف وتبعه عليه جملة من المتأخرين عنه برواية أبي بصير (4) عن أبي عبد
الله قال : «المراجعة هي الجماع وإلا فإنما هي واحدة».
وفي هذا الاستدلال ما عرفت آنفا ، والظاهر أنهم فهموا من
منع ابن أبي عقيل من الطلاق ثانيا بعد الرجعة بدون جماع أن الوجه فيه عدم حصول
الرجعة بالكلية ، فيصير الطلاق لاغيا. وأنت خبير بأنه لا دلالة في كلامه على ذلك
إذ أقصى ما يدل عليه عدم صحة ذلك الطلاق الأخير خاصة ، وأما أن العلة فيه عدم
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 44 ح 53 ، الوسائل ج 15 ص 376 ب 17 ح 2
وفيهما اختلاف يسير.
(2) التهذيب ج 8 ص 46 ح 62 ، الوسائل ج 15 ص 377 ب 17 ح 5
وفيهما اختلاف يسير.
(3) الكافي ج 6 ص 60 ح 12 ، الوسائل ج 15 ص 377 ب 17 ح 3
وفيهما اختلاف يسير.
(4) التهذيب ج 8 ص 44 ح 54 ، الوسائل ج 15 ص 376 ب 17 ح 1
وفيهما اختلاف يسير.
حصول الرجعة ، فلا دلالة فيه عليه.
ويدل على هذا القول أيضا صحيحة زرارة (1) عن أبي جعفر عليهالسلام «أنه قال : كل
طلاق لا يكون على السنة أو على العدة فليس بشيء». ثم فسر عليهالسلام طلاق السنة
وطلاق العدة بما تقدم ذكره في سابق هذه المسألة ، والتقريب فيها أنه من الظاهر أن
الطلاق بعد المراجعة بدون المواقعة غير داخل في شيء من ذينك الفردين فيثبت بموجب
الخبر أنه ليس بشيء.
وأجاب السيد السند في شرح النافع بأن قوله «ليس بشيء»
يعتد به في الأدلة كما في هذين النوعين ، وفيه من البعد ما لا يخفى.
ويدل على هذا القول أيضا بأوضح دلالة وأفصح مقالة وإن لم
ينبه عليه أحد من علمائنا الأعلام صحيحة أبي بصير (2) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «سألته
عن طلاق السنة ، قال : طلاق السنة إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته يدعها إن كان دخل
بها حتى تحيض ثم تطهر ، فإذا طهرت طلقها واحدة بشهادة شاهدين ، ثم تركها حتى تعتد
ثلاثة قروء ، فإذا مضت ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة وكان زوجها خاطبا من الخطاب
ـ إلى أن قال : ـ وأما طلاق الرجعة ، فإن يدعها حتى تحيض وتطهر ، ثم يطلقها بشهادة
شاهدين ، ثم يراجعها ويواقعها ، ثم ينتظر بها الطهر ، فإذا حاضت وطهرت أشهد شاهدين
على تطليقة أخرى ، ثم يراجعها ويواقعها ، ثم ينتظر بها الطهر فإذا حاضت وطهرت أشهد
شاهدين على التطليقة الثالثة ، فإن طلقها واحدة على طهر بشهود ثم انتظر بها حتى
تحيض وتطهر ثم طلقها قبل أن يراجعها لم يكن طلاقه الثانية طلاقا لأنه طلق
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 65 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 26 ح 2 ، الوسائل ج
15 ص 344 ب 1 صدر ح 1 ، وما في المصادر اختلاف يسير.
(2) الكافي ج 6 ص 66 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 27 ح 49 ، الوسائل ج
15 ص 345 ب 1 ح 3 وص 349 ب 2 ح 2 وما في المصادر اختلاف يسير.
طالقا ، لأنه إذا كانت المرأة مطلقة
من زوجها كانت خارجة عن ملكه حتى يراجعها ، فإذا راجعها صارت في ملكه ما لم تطلق
التطليقة الثالثة ، فإذا طلقها التطليقة الثالثة فقد خرج ملك الرجعة من يده ، فإن
طلقها على طهر ثم راجعها فانتظر بها الطهر من غير مواقعة فحاضت وطهرت ، ثم طلقها
قبل أن يدنسها بمواقعة بعد الرجعة لم يكن طلاقه لها طلاقا لأنه طلقها التطليقة
الثانية في طهر الاولى ، ولا ينقض الطهر إلا مواقعة بعد الرجعة ، وكذلك لا تكون
التطليقة الثالثة إلا بمراجعة ومواقعة بعد المراجعة ، ثم حيض وطهر بعد الحيض ، ثم
طلاق بشهود حتى يكون لكل تطليقة طهر من تدنيس المواقعة بشهود».
أقول : ويقرب بالبال العليل والفكر الكليل أن هذا الخبر
هو معتمد ابن أبي عقيل فيما ذهب إليه ، وإن دلت تلك الأخبار الأخر أيضا عليه ، حيث
إن كلامه في التحقيق راجع إلى نقل هذا الخبر بالمعنى في بعض ، وبألفاظه في آخر
وحاصل معنى الخبر المذكور أنه لو طلق ثم راجع من غير مواقعة ثم طلقها في طهر آخر
لم يكن ذلك طلاقا ، لأنه وقع في طهر الطلقة الاولى ، وقوله «ولا ينقض الطهر. إلخ»
في مقام التعليل لذلك ، بمعنى أن الطهر الآخر الذي تصير به الطلقة الواقعة فيه
ثانية وتكون صحيحة هو ما وقع بعد الرجعة المشتملة على المواقعة ، ثم الحيض بعدها
والطهر منه.
ثم ذكر عليهالسلام أنه لا تكون
التطليقة الثالثة ولا تصح إلا بمراجعة قبلها ومواقعة. إلخ ، والطهر المعتبر في
كلامه عليهالسلام هو الطهر من
تدنيس المواقعة الذي هو الجماع ، فكأنه أراد به الطهر من الجنابة ، فإنه ما لم
يواقعها مرة أخرى فهي على ذلك الطهر ، ولا يزول ذلك الطهر إلا بمواقعة أخرى ، وهو
خلاف ما هو المعروف بين الأصحاب في هذا الباب من كون الطهر عن النقاء من الحيض على
الوجوه المقررة ثمة.
ولهذا اعترض شيخنا الشهيد الثاني فيما قدمنا من كلامه
على عبارة ابن
أبي عقيل التي هي كما عرفت إنما أخذت
من هذا الخبر ، ولم يدر كلام ابن أبي عقيل إنما هو مأخوذ من هو الخبر ، فإن
الإشكال الذي في عبارته إنما نشأ من هنا ، وإن الاعتراض على كلام ابن أبي عقيل
اعتراض على هذا الخبر ، فإن الطهر بالمعنى المذكور في كلام ابن أبي عقيل كما هو في
هذا الخبر ليس هو المعروف بينهم. (1) وعلى هذا يتم ما ذكره ابن أبي عقيل
في عبارته من قوله «وإذا جاز أن يطلق التطليقة الثانية. إلخ».
ويندفع عنه ما أورده عليه شيخنا الشهيد الثاني أيضا هنا
، لأنه إذ فسر الطهر في عبارته بالمعنى المذكور في الخبر فالاعتراض عليه اعتراض
على الخبر المذكور ، ولا أراك ترتاب بعد التأمل في مضمون الخبر في صحة ما ذكرناه
من كون عبارة ابن أبي عقيل مأخوذة من هذا الخبر وملخصة منه ، ولا تشك بعد معلومية
ما شرحناه من معنى الخبر وكلام ابن أبي عقيل في صحة ما قدمنا ذكره من أن ابن أبي
عقيل لم يذهب الى اشتراط المواقعة في صحة الرجعة كما توهموه حسبما ينادي به هذا
الخبر الذي منه أخذت عبارته ، فإنه عليهالسلام صرح بأنه لو
طلق قبل المراجعة لم يكن طلاقه الثاني طلاقا ، لأنه طلق طالقا ، وعلله بأن المطلقة
تخرج عن ملك الزوج ولا تدخل في ملكه إلا بالرجعة ، ثم صرح عليهالسلام بأنه إذا
طلقها ثم راجعها من غير مواقعة ثم طلقها لم يكن طلاقه ذلك طلاقا ، وعلله من حيث
وقوع الطلاق في طهر الطلقة الاولى ، مع أن شرط صحة تعدد الطلاق تعدد الأطهار ،
وحينئذ فلو كانت الرجعة التي حصلت منه بعد الطلاق من غير جماع غير صحيحة كما
يدعونه ـ من أن المرأة باقية على مقتضى الطلاق الأول ـ
__________________
(1) وهو ما كان مشتملا على المواقعة بعد الرجعة ، وحينئذ فلو
طلق بعد مراجعات عديدة من غير مواقعة في شيء منها وطلق بعد كل مراجعة وان كان
الطلاق بعد النقاء من الحيض فإنها كلها تكون في طهر واحد ، فلو اعتبر هذه الطلقات
وصحت لم يكن لاعتبار الشارع الطهر ووضعه مزيد فائدة. (منه ـ قدسسره ـ).
لعلله عليهالسلام بما علل به
سابقه من كونه طلق طالقا ، فإنه أوضح في التعليل وأظهر كما لا يخفى.
وبالجملة فالظاهر أن ما ادعوه من ذلك مجرد توهم نشأ من
حكم ابن أبي عقيل ببطلان الطلاق الأخير ، ولا وجه له ظاهرا عندهم إلا ذلك ، حيث إن
هذا الوجه الذي علل به الابطال كما في الرواية غريب على قواعدهم ، ولم يقفوا على
هذه الرواية بالكلية ، ولم يتعرضوا لها في الكتب الاستدلالية.
وأما قوله عليهالسلام في رواية أبي
بصير السابقة «المراجعة هي الجماع» فالظاهر أن المعنى فيها أن المراجعة الموجبة
لصحة الطلاق بعدها هي ما اشتملت على الجماع كما يدل عليه قوله «وإلا فهي واحدة»
كما لا يخفى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الجمع بين هذه الأخبار لا يخلو عن
أحد وجوه :
الأول : ما ذكره شيخنا في كتابي الأخبار من حمل الأخبار
الواردة بالنهي عن تكرار الطلاق بعد الرجعة بدون وطء ، فإن ذلك الطلاق لا يقع على
كون ذلك الطلاق للعدة ، لأنه كما تقدم في سابق هذه المسألة مشروط بالرجعة والوطء
بعدها عندهم ، وحمل أخبار الجواز على طلاق السنة بالمعنى الأعم ، ونسبه المحقق في
الشرائع بعد نقل ذلك عنه إلى التحكم ، وهو القول بغير دليل.
قال في المسالك : ووجهه أن كلا من الأخبار ورد في الرجل
يطلق على الوجه المذكور ، ويجيب الامام عليهالسلام بالجواز أو
النهي من غير استفصال ، فيفيد العموم من الطرفين ، ولأن شرط العدي الوطء بعده وبعد
الرجعة منه في العدة ، وها هنا شرط في جواز الطلاق ثانيا سبق الوطء ، وسبقه ليس
بشرط في طلاق العدة ، وإنما الشرط تأخره ، فيلزم الشيخ أخذ غير الشرط مكانه. ثم
قال ـ رحمة الله عليه : ـ وللشيخ أن يجيب بأن الباعث على الجمع التعارض ، فلا يضره
عمومها من الطرفين على تقدير تسليمه ، لأن تخصيص العام لأجل الجمع جائز ، خير من
إطراح أحد الجانبين ، والوطء الذي جعل معتبرا في الطلاق ثانيا يجعل الطلاق السابق
عديا
وليس الحكم مختصا بالطلاق الثاني بل
بهما معا ، بمعنى أن من أراد طلاق المرأة للعدة أزيد من مرة فليس له ذلك ، ولا
يتحقق إلا بالمراجعة والوطء ليصير الثاني عديا أيضا ، وليصير الثالث بحكمها لتحرم
في الثالثة عليه قطعا بخلاف ما لو طلقها على غير هذا الوجه ، فإن فيه أخبارا تؤذن
بعدم التحريم لعدم نقضها ، انتهى.
هذا ، وعندي فيما ذهب إليه الشيخ ـ رحمهالله ـ من الجمع
المذكور نظر من وجوه : (أحدها) ما ذكره في المسالك في بيان أحد وجهي التحكم الذي
نسبه المحقق إلى الشيخ من أن الحمل على الطلاق العدي يوجب اشتراطه بسبق الوطء مع
أن الشرط فيه إنما هو تأخر الوطء.
وما أجاب به شيخنا الشهيد الثاني عنه ـ من أن الوطء الذي
جعل معتبرا في الطلاق ثانيا يجعل الطلاق السابق عديا. إلى آخره ـ ينافي ما صرح به
الشيخ من أن مراده بالطلاق العدي هو الثاني لا الأول. فإنه قال في كتاب الاستبصار (1) ـ بعد أن نقل
في حيز «أما» صحيحة عبد الحميد الطائي المتقدمة وصحيحة محمد بن مسلم الدالتين على
أن الرجعة بغير جماع رجعة ـ ما صورته : فالوجه في هذين الخبرين أنه يكون رجعة بغير
جماع ، بمعنى أنه يعود إلى ما كان عليه من أنه يملك مواقعتها ، ولو لا الرجعة لم
يجز ذلك ، وليس في الخبر أنه يجوز له أن يطلقها تطليقة أخرى للعدة وإن لم يواقع ،
ونحن إنما اعتبرنا المواقعة فيمن أراد ذلك ، فأما من لا يريد ذلك فليس الوطء شرطا
له. انتهى ، وهو صريح في أن مراده بالطلاق العدي هو الثاني المسبوق بالمواقعة كما
لا يخفى.
وقال أيضا ـ بعد إيراد صحيحة البزنطي وحسنة أبي علي بن
راشد المتقدمتين الدالتين على وقوع الطلقة الثانية وجوازها بعد المراجعة من غير
جماع ـ ما لفظه : لأنه ليس في هذه الأخبار أن له أن يطلقها طلاق العدة ، ونحن إنما
نمنع أن يجوز له أن يطلقها طلاق العدة ، فأما طلاق السنة فلا بأس أن يطلقها بعد
ذلك
__________________
(1) الاستبصار ج 3 ص 281 بعد الحديث 3 و 4.
... إلخ. فإنه كما ترى قد حمل قوله في
صحيحة البزنطي «أيقع عليها التطليقة الثانية» وقوله في حسنة أبي علي «أيجوز له ذلك»
على كون ذلك الطلاق الثاني سنيا يعني بالمعنى الأعم لا عديا ، وهو مشعر بأنه لو
حصلت المواقعة بعد تلك الرجعة لكان الطلاق الواقع بعد عديا لأن حكمه بكونه سنيا لا
عديا إنما هو من حيث عدم تقدم المواقعة وحصول الرجعة خالية عن المواقعة.
وبالجملة فحيث كان محل الاختلاف في الأخبار إنما هو
بالنسبة إلى وقوع التطليقة الثانية الواقعة بعد الرجعة بغير مواقعة وصحتها ، بل
عدم الوقوع والصحة ، فبعض الأخبار دل على صحة ذلك الطلاق وبعضها دل على العدم ،
جمع الشيخ بينها بحمل أخبار عدم الصحة على ما إذا قصد بذلك الطلاق العدي فإنه لا
يجوز له بذلك ولا يصح منه ، ولا يقع للعدة لعدم المواقعة قبله ، وإنما يقع للسنة
خاصة. هذا حاصل مراد الشيخ ـ رحمة الله عليه ـ وصريح عبائره كما لا يخفى وحينئذ
فيتوجه عليه ما تقدم إيراده ، ولا يندفع بما اعتذر عنه به في المسالك ، فتأمل
وأنصف.
(وثانيها) أن الشيخ قد استند في وجه الجمع الذي ذكره إلى
رواية المعلى ابن خنيس (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «الذي
يطلق ثم يراجع ثم يطلق فلا يكون بين الطلاق والطلاق جماع ، فتلك تحل له قبل أن
تزوج زوجا غيره ، والتي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره هي التي تجامع بين الطلاق
والطلاق».
وأورد عليه بأنه لا دلالة في هذه الرواية إلا على أن
الجماع بين الطلاقين شرط في التحريم الموجب المحوج إلى المحلل ، وأما التفصيل
بالسني والعدي واشتراط الجماع بعد الرجوع في العدة خاصة فلا دلالة في الخبر عليه ،
على أن في هذا الخبر من الإشكال أيضا ما يمنع من العمل به والاعتماد عليه لدلالته
على أن غير الطلاق العدي لا تبين منه في الثالثة. وهو خلاف ما عليه الأصحاب
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 46 ح 61 ، الوسائل ج 15 ص 379 ب 19 ح 3
وفيهما اختلاف يسير.
ومنهم الشيخ أيضا ، فهي مخالفة
لقواعدهم. نعم ربما أمكن انطباقها على مذهب ابن أبي عقيل.
(وثالثها) أن مقتضى ما ذكره الشيخ من الحمل هو أنه متى
راجع ثم طلق من غير مواقعة فإنه يكون الطلاق صحيحا وإن لم يقع للعدة بزعمه وإنما
يقع للسنة ، مع أن المفهوم من الأخبار المانعة هو الإبطال رأسا وعدم وقوع الطلاق
مطلقا كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) الدالة على النهي عنه ، ورواية
المعلى بن خنيس (2) المصرحة بأنه
لا يقع الطلاق الثاني حتى يراجع ويجامع ، ونحوها موثقة إسحاق بن عمار (3) وحمل هذه
الأخبار على الطلاق العدي كما زعمه ، بمعنى أنه لا يقع عديا ، وإن وقع سنيا قد
عرفت فساده من الوجه الأول ، فيبقى التعارض بين أخبار الطرفين على حاله كما لا
يخفى.
الثاني : ما اختاره جملة من أصحابنا منهم شيخنا الشهيد
الثاني في المسالك وسبطه السيد السند في شرح النافع من حمل النهي على الكراهة ،
وأخبار الجواز على أصل الإباحة.
قال في المسالك : ووجه أولوية الجماع البعد عن مذهب
المخالفين المجوزين لتعدد الطلاق كيف اتفق ، ليصير الأمران على طرف النقيض ، حيث
إن ذلك معدود عند أصحابنا من طلاق البدعة كما سلف ، ثم لو لم يظهر الوجه في الجمع
لكان متعينا حذرا من إطراح أحدهما رأسا ، أو الجمع بما لا يقتضيه أصول المذهب كما
جمع به الشيخ ، والحمل على الجواز والاستحباب سالم من ذلك وموجب لإعمال الجميع.
وفيه أن ذلك وإن أمكن في بعض الأخبار ، إلا أنه لا يجري
في جميعها ،
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 44 ح 53.
(2) التهذيب ج 8 ص 46 ح 62.
(3) الكافي ج 6 ص 60 ح 12.
مثل رواية المعلى الدالة على أنه لا
يقع ، فإنه صريح في الإبطال رأسا ، ومثل صحيحة زرارة (1) وصحيحة أبي
بصير (2) فإنها صريحتان
في الابطال ، ولكن العذر لمثل شيخنا المشار إليه في ذلك واضح ، حيث إنهم لم
يتعرضوا لنقل الروايات المذكورة ولم يقفوا عليها.
الثالث : ما ذهب إليه المحدث الكاشاني في كتاب الوافي
والمفاتيح من أنه إن كان غرضه من الرجعة أن يطلقها تطليقة أخرى حتى تبين منه فلا
يتم مراجعتها ولا يصح طلاقها بعد المراجعة ولا يحسب من الثلاث حتى يمسها ، وإن كان
غرضه من الرجعة أن تكون في حبالته وله فيها حاجة ، ثم بدا له أن يطلقها ، فلا حاجة
إلى المس ويصح طلاقها ويحسب من الثلاث ، قال : وإنما جاز هذا التأويل لأنه كان
أكثر ما يكون غرض الناس من المراجعة الطلاق والبينونة كما يستفاد من الأخبار ،
ويشار إليه بقوله عليهالسلام وإلا فإنها
واحدة ، حتى أنه ربما صدر ذلك عن الأئمة عليهمالسلام كما مضى في
حديث أبي جعفر عليهالسلام أنه قال «إنما
فعلت ذلك بها لأنه لم يكن لي بها حاجة» ، انتهى كلامه زيد مقامه.
وأشار بحديث أبي جعفر عليهالسلام إلى رواية أبي
بصير (3) قال : «سألت
أبا جعفر عليهالسلام عن الطلاق
الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، فقال : أخبرك بما صنعت أنا بامرأة كانت عندي
فأردت أن أطلقها فتركتها حتى إذا طمثت وطهرت طلقتها من غير جماع وأشهدت على ذلك
شاهدين ، ثم تركتها حتى إذا كادت أن تنقضي عدتها راجعتها ودخلت بها وتركتها حتى
إذا طمثت وطهرت ثم طلقتها على طهر من غير جماع بشاهدين ، ثم تركتها حتى إذا كان
قبل أن تنقضي عدتها
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 65 ح 2.
(2) التهذيب ج 8 ص 44 ح 54.
(3) التهذيب ج 8 ص 41 ح 44 ، الوسائل ج 15 ص 358 ب 4 ح 3
وفيهما اختلاف يسير.
راجعتها ودخلت بها ، حتى إذا طمثت
وطهرت ثم طلقتها على طهر بغير جماع بشهود ، وإنما فعلت ذلك بها لأنه لم يكن لي بها
حاجة».
وما ذكره ـ رحمة الله عليه ـ من الجمع لا يخلو عندي من
قرب ، ويؤيده ما ورد في تفسير قوله سبحانه «وَلا
تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا» (1) من رواية الحلبي (2) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «سألته
عن قول الله عزوجل «وَلا
تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا» قال : الرجل
يطلق حتى إذا كادت أن يخلو أجلها راجعها ثم طلقها يفعل ذلك ثلاث مرات ، فنهى الله عزوجل عن ذلك».
ورواية الحسن بن زياد (3) عنه عليهالسلام قال : «لا
ينبغي للرجل أن يطلق امرأته ثم يراجعها وليس له فيها حاجة ثم يطلقها ، فهذا الضرار
الذي نهى الله تعالى عزوجل عنه إلا أن
يطلق ثم يراجع وهو ينوي الإمساك».
فإن هاتين الروايتين صريحتان في أنه متى كان قصد من
المراجعة مجرد البينونة فلا يجوز له ذلك ، ولا يصح طلاقه الثاني لما فيه من
الإضرار بها في مدة العدد الثلاث بعدم الجماع ونحوه ، وقد تكون العدة تسعة أشهر مع
أن غاية ما رخص به الشارع في ترك الجماع إذا كانت زوجة أربعة أشهر ، فالزيادة على
ذلك إضرار محض ، فنهى الله سبحانه عنه ، والظاهر أنه من أجل هذا النهي الموجب
للتحريم وبطلان الطلاق كان الامام عليهالسلام يجامع بعد كل
رجعة مع أن قصده البينونة.
وبالجملة فهذا الوجه عندي لما عرفت في غاية القوة ،
وعليه يجتمع أكثر أخبار المسألة ، ولعل في قوله في موثقة إسحاق بن عمار الاولى «ثم
بدا له فراجعها» إشارة إلى ذلك بمعنى بدا له وظهر إرادة المعاشرة فراجع ، وعلى هذا
الوجه يمكن تطبيق الروايات الثلاث الأول التي ذكرناها في أدلة ابن أبي عقيل ،
__________________
(1) سورة البقرة ـ آية 231.
(2) الفقيه ج 3 ص 323 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 402 ب 34 ح 2.
(3) الفقيه ج 3 ص 323 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 402 ب 34 ح 1.
فإنها وإن كانت مطلقة بالنسبة إلى ما
ذكر من التفصيل ، إلا أنها بالتأمل في مضامينها والتعمق في معانيها يظهر أنها إنما
خرجت من ذلك القبيل.
أما صحيحة عبد الرحمن (1) فإنه إنما سئل
عن الرجل إذا طلق فهل له أن يراجع أم لا؟ فأجاب عليهالسلام «لا يطلق
التطليقة الأخرى حتى يمسها». وأنت خبير بأن هذا الجواب بحسب الظاهر غير منطبق على
السؤال ، والظاهر أنه عليهالسلام فهم من السائل
بقرينة حالية ، وإن لم ينقل في الخبر أن مراده السؤال عن الرجعة بمجرد إيقاع
الطلاق بعدها ، فأجاب عليهالسلام بالنهي عن هذا
الطلاق على هذا النحو ، إلا أن يمسها كما فعل الباقر عليهالسلام فيما تقدم من
حديث أبي بصير ، ومعناها يرجع إلى معنى رواية أبي بصير كما أوضحناه سابقا.
وأما رواية المعلى (2) فالظاهر أن غرض السائل أنه هل يصح
الطلاق من غير رجعة ، بمعنى أنه يترتب عليه ما يترتب على المواقع بعد الرجعة من
البينونة ونحوها؟ وغرضه من ذلك استعلام ما لو قصد البينونة بالطلاق على هذا النحو
، فإنه لا ثمرة للطلقة الثانية لو صحت إلا قصد ذلك وحصوله ، فأجاب عليهالسلام بأنه لا يقع
الطلاق الثاني على هذا الوجه إلا مع الجماع بعد المراجعة.
وأما موثقة إسحاق بن عمار (3) فهي صريحة في
ذلك ، فإن إيقاع ذلك في يوم أو في طهر دليل على كون الباعث على تلك الرجعة هو مجرد
قصد البينونة ، فلذا نسبه إلى مخالفة السنة.
بقي هنا شيء وهو أن هذا الوجه وإن اجتمعت عليه أدلة
القول المشهور وكذا هذه الروايات الثلاث بالتقريب الذي عرفته ، لكن يبقى الإشكال
في كلامه ـ رحمة الله عليه ـ من وجهين :
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 44 ح 53.
(2) التهذيب ج 8 ص 46 ح 62.
(3) الكافي ج 6 ص 60 ح 12.
(الأول) قوله «فلا يتم مراجعتها» فإن فيه دلالة على أن
المراجعة بدون النكاح بعدها إذا كان قصده مجرد البينونة لا يقع ، وهو موافق لما
صرح به غيره من الأصحاب كما قدمنا ذكره ، حيث أوردوا في الاستدلال صحيحة عبد
الحميد الطائي (1) ورواية أبي
بصير (2) وقد أوضحنا لك
أنه لا دليل على عدم وقوع الرجعة ، وإنما غاية ما يستفاد من الأخبار عدم صحة
الطلاق خاصة ، وحينئذ فتبقى بعد الرجعة على حكم الزوجية إذا طلقها ضرارا بغير جماع
فيجب لها ما يجب للزوجة.
(الثاني) من جهة صحيحة أبي بصير التي هي كما عرفت معتمد
ابن أبي عقيل وصريح عبارته ، فإنها لا تندرج تحت هذا التأويل ، حيث إنه عليهالسلام قد علل فساد
الطلاق الواقع على ذلك الوجه فيها بوجه آخر من كونه لم يقع في طهر الطلقة الاولى ،
وعلى هذا فيبقى الإشكال بحاله في المسألة ، لأن الظاهر أنه معتمد ابن أبي عقيل في
الاستدلال على ما ذهب إليه إنما هو هذه الرواية كما أوضحناه آنفا ، وهي غير منطبقة
على شيء من هذه الوجوه الثلاثة التي نقلناها في الجمع بين أخبار المسألة وما
عداها من الأخبار وإن دل بحسب الظاهر على مذهب ابن أبي عقيل ، إلا أنه لم يستند
إليه في الاستدلال ولم يصرح به ، ومع هذا فإنه يمكن تطبيقه كما ذكرناه ، وأما هذه
الصحيحة فهي صريحة في مدعاه غير قابلة لذلك ، مع كونها مشتملة على ما عرفت من
إطلاق الطهر على خلاف ما هو المعهود من معناه في الأخبار وكلام الأصحاب ، ولم أقف
على ما تعرض للكلام فيها من المحدثين الذين نقلوها في كتب الأخبار ، ولم ينقلها
أحد في كتب الفروع الاستدلالية ، بل لم يستوفوا الأخبار فيها بالكلية ، ولا يحضرني
الآن وجه تحمل عليه سوى الرد والتسليم لقائلها ، وإرجاع الحكم فيها لعالم من آل
محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 8 ص 44 ح 56 و 54.
المسألة الثالثة : في حكمين
مما يتعلق بطلاق الغائب : (إحداهما) لو طلق غائبا ثم حضر ودخل بها ولم يعلمها ثم
بعد ذلك ادعى الطلاق ، فإنه لا تقبل دعواه ، ولو أقام البينة بالطلاق لم تقبل
بينته ، ولو أولدها والحال هذه الحق به الولد للحكم في ظاهر الشرع بثبوت الزوجية.
ويدل على ذلك ما رواه ثقة الإسلام (1) عن سليمان بن
خالد قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل طلق
امرأته وهو غائب وأشهد على طلاقها ، ثم قدم فأقام مع المرأة أشهرا لم يعلمها
بطلاقها ، ثم إن المرأة ادعت الحبل ، فقال الرجل : قد طلقتك وأشهدت على طلاقك ،
قال : يلزم الولد ولا يقبل قوله».
وأيده بعضهم بأن تصرف المسلم مبني على الصحة ، فإذا ادعى
بعد ذلك ما يخالفه لا يزول ما قد ثبت سابقا.
وأورد عليه بأن تصرفه إنما يحمل على المشروع حيث لا
يعترف بما ينافيه ، ولهذا لو وجدناه يجامع امرأة واشتبه حالها فإنا لا نحكم عليه
بالزنا ، لكن إذا أقر أنه زان حكم عليه به ، وعلل أيضا بأن الوجه في عدم قبول
بينته أنه قد كذبها بفعله.
وأورد عليه أنه إنما يتم إذا كان هو الذي أقامها ، فلو
قامت الشهادة حسبة ، وورخت بما ينافي فعله ، قبلت وحكم بالبينونة.
نعم يبقى الكلام في إلحاق الولد بهما أو بأحدهما ، وهو
مبني على ما تقدم في الكلام في الأولاد من اعتبار العلم بالحال وعدمه ، والظاهر هو
العمل بالخبر المذكور ، والمفهوم منه أنه لا يقبل قوله وإن أقام البينة. ويمكن
الفرق بين ما نحن فيه وبين الاعتراف بالزنا ، بأن الاعتراف بالطلاق مستلزم لدفع
أحكام الزوجية الواجبة عليه بظاهر الشرع ، فهو في معنى الاعتراف في حق غيره ، فلا
يقبل بخلاف الزنا ، فإنه حق لله سبحانه محضا أو مشتركة في بعض الوجوه.
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 80 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 374 ب 15 ح 4.
هذا كله إذا كان الطلاق بائنا أو
رجعيا وانقضت المدة قبل فعله المكذب لدعواه ، وإلا قبل ، وكان الوطء رجعة بلا
إشكال.
(وثانيهما) ما لو كان غائبا وله أربع نسوة ثم طلق إحداهن
، فإنه قد صرح الأصحاب بأنه لا يجوز أن يتزوج عوضها في حال غيبته إلا بعد مضي تسعة
أشهر.
والأصل في هذا الحكم ما رواه ثقة الإسلام (1) عن حماد بن
عثمان في الحسن أو الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : ما تقول في
رجل له أربع نسوة طلق واحدة منهن وهو غائب عنهن متى يجوز له أن يتزوج؟ قال : بعد
تسعة أشهر ، وفيها أجلان (2) : فساد الحيض
وفساد الحمل».
وجملة من الأصحاب كالمحقق والعلامة وغيرهما قد ألحقوا
بذلك الحكم تزويج الأخت ، فصرحوا بأنه إذا طلق الغائب وأراد العقد على أختها في
حال غيبته فإنه لا يجوز له إلا بعد تسعة أشهر.
والشيخ في النهاية خص الحكم بتزويج الخامسة تبعا للنص ،
واقتفاه ابن إدريس في ذلك فقال : فأما إن كانت واحدة فطلقها طلاقا شرعيا وأراد أن
يعقد على أختها في حال سفره ، فإذا انقضت عدتها على ما يعلمه من عادتها فله العقد
على أختها ولا يلزمه أن يصبر تسعة أشهر ، لأن القياس عندنا باطل ، وكذا التعليل ،
فليلحظ الفرق بين المسألتين.
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 80 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 479 ب 47 ح 1.
(2) قوله «وفيها أجلان. إلخ» لا يخلو من غموض ، ويمكن أن يقال
: إن مراده عليهالسلام أن الاعتداد بالتسعة جامع للعدتين ،
لأنه ان كان انقطاع الدم لفساد في الحيض فالحكم هو الثلاثة الأشهر ، وهي حاصلة في
ضمن التسعة ، وان كان انقطاع الدم لأجل الحمل فهو يعلم بمضي التسعة التي هي أقصى
مدة الحمل على المشهور ، وبمضي التسعة خالية من الحمل يعلم فساد الحمل ، فلذا جعل
التسعة متضمنة للاجلين ، وعبر عنهما بفساد الحيض الموجب للثلاثة الأشهر ، وفساد
الحمل بمضي المدة التي يعلم فيها ذلك وهي التسعة ، والله العالم. (منه ـ قدسسره ـ).
واعترضه العلامة في المختلف فقال بعد ذلك عنه : وهو خطأ
، إذ لا فرق بين الأمرين ، وكما تحرم الخامسة كذا تحرم الأخت في العدة ، وكما
أوجبنا الصبر تسعة أشهر في الخامسة استظهارا كذا يجب في الأخت ، وقوله «فإذا انقضت
عدتها على ما يعلمه من عادتها فله العقد على أختها» يوهم أنه مع علمه بخروج العدة
لا يجوز في الخامسة ، وليس بجيد ، بل الصبر إنما يجب في الخامسة مع الاشتباه ،
انتهى.
وأورد عليه السيد السند في شرح النافع بأن ما ذكره أولا
ـ في توجيه إلحاق الأخت بالخامسة ـ لا يخرج عن القياس ، وما ذكره ثانيا ـ من إيهام
كلام ابن إدريس عدم جواز تزويج الخامسة مع العلم بخروج المطلقة من العدة ـ غير
واضح ، فإن المراد بالعلم هنا الظن المستفاد من معرفة العادة كما سبق في طلاق
الغائب ، وهذا القدر يكفي في جواز تزويج الخامسة ، نعم لو حصل العلم القطعي بخروج
المطلقة من العدة جاز له العقد على أختها وعلى الخامسة من غير إشكال ، إلا أن ذلك
خلاف ما أراده ابن إدريس.
أقول : لا يخفى أن المفهوم من الأخبار وكلام الأصحاب أن
الاعتداد بتسعة أشهر إنما هو فيما لو كانت المرأة مسترابة الحمل ، وإلا فالعدة
إنما هي ثلاثة أشهر خاصة مع عدم إمكان الاعتداد بالأقراء.
ومما يدل على الأمرين المذكورين موثقة محمد بن حكيم (1) عن أبي الحسن عليهالسلام قال : «قلت له
: المرأة الشابة التي تحيض مثلها يطلقها زوجها ويرتفع حيضها كم عدتها؟ قال : ثلاثة
أشهر ، قلت : فإن ادعت الحبل بعد ثلاثة أشهر؟ قال : عدتها تسعة أشهر ، قلت : فإن
ادعت الحبل بعد تسعة أشهر؟ قال : إنما الحبل
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 101 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 442 ب 25 ح 2.
تسعة أشهر» الحديث ، وبمضمونها أخبار (1) عديدة (2).
ومما يدل على الثاني الأخبار المستفيضة ، ومنها في خصوص
الغائب صحيحة محمد بن مسلم (3) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قال :
إذا طلق الرجل امرأته وهو غائب فليشهد على ذلك ، فإذا مضى ثلاثة أشهر فقد انقضت
عدتها».
ومقتضى هذه الرواية أنه بعد انقضاء الثلاثة يجوز تزويج
الأخت وتزويج الخامسة ، وأنت خبير بأن ما دلت عليه الرواية المتقدمة من وجوب
التربص تسعة أشهر مناف لما دلت عليه هذه الرواية ، من أن العدة إنما هي ثلاثة أشهر
لأن موردهما من طلق امرأته وهو غائب ، وكم عدتها ، وإن كان السؤال في الأولى عن
طلاق إحدى الأربع وفي هذه الرواية مطلق ، وقد ورد الجواب بالتسعة في الاولى ،
والثلاثة في الثانية ، ولا يعلم هنا وجه خصوصية لإحدى الأربع فيستثنى من هذه
القاعدة المستفادة من النصوص كما أشرنا إليه ، ولا وجه للجمع إلا حمل الرواية
الأولى على المسترابة ، وبذلك يظهر لك قوة ما ذكره العلامة في اعتراضه على ابن
إدريس وضعف ما أورده عليه السيد السند ، فإنه إذا كان مقتضى القاعدة المتفق عليها
نصا وفتوى أن العدة (4) فيمن انقطع
عنها الحيض إنما هو الاعتداد
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 101 باب المسترابة بالحبل ، الوسائل ج 15 ص
410 ب 4 وص 441 ب 25.
(2) ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «أمران أيهما سبق بانت منه
المطلقة المسترابة : إن مرت بها ثلاثة أشهر بيض ليس فيها دم بانت به ، وان مرت بها
ثلاثة حيض ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض» الحديث ، ونحوها غيرها. (منه
ـ قدسسره ـ).
(3) التهذيب ج 8 ص 61 ح 118 ، الوسائل ج 15 ص 448 ب 28 ح 11
وفيهما اختلاف يسير.
(4) واليه يشير كلام العلامة ـ قدسسره ـ بقوله استظهارا ، وقوله عليهالسلام ثانيا مع الاشتباه ، فان جميع ذلك من
لوازم الاسترابة بالحمل ، ومع عدم ذلك فالعدة انما هي ثلاثة أشهر كما هو مقتضى
الروايات المستفيضة. (منه ـ قدسسره ـ).
بثلاثة أشهر ، والاعتداد بالتسعة إنما
هو مع الاسترابة بالحمل من غير فرق في ذلك بين طلاق الغائب والحاضر كما هو مقتضى
إطلاق النصوص المشار إليها ، فلا وجه لما اشتملت عليه رواية حماد (1) من التسعة إلا
الحمل على المسترابة ، وإلا فاستثناؤها من هذه القاعدة الكلية والضابطة الجلية مع
عدم خصوصية تدل على ذلك مشكل ، وحينئذ فلا فرق بين الخامسة والأخت في الحكم
المذكور.
وقال السيد السند المذكور في الكتاب المشار إليه : ولو
علم انتفاء الحمل صبر مقدار ما يمضي فيه ثلاثة قروء على حسب ما يعلمه من عادتها ،
أو ثلاثة أشهر ، ويدل على ذلك صحيحة محمد بن مسلم (2) ـ ثم أورد
الرواية المذكورة ثم قال : ـ حكم عليهالسلام بانقضاء عدتها
بذلك بناء على الغائب من أن كل شهر تحصل فيه حيضة للمرأة ومتى انقضت العدة جاز
التزويج بالأخت ، والخامسة ، خرج من ذلك ما إذا كان الحمل ممكنا ، فإنه يجب التربص
بالرواية المتقدمة ، فيبقى ما عداها مندرجا في هذا الإطلاق ، انتهى.
أقول : لا يخفى أنما ذكره إنما يتم لو دلت الروايتان على
ما ادعاه في صحيحة محمد بن مسلم من العلم بانتفاء الحمل ، وفي صحيحة حماد بن عثمان
أو حسنته من كون الحمل ممكنا مع أن الروايتين لا دلالة لهما على شيء من الأمرين
المذكورين ، وإنما هما بالنسبة إلى ما ذكره مطلقتان ، إذ غاية ما دلتا على أن كلا
من الرجلين المذكورين طلق امرأته وهو غائب ، غاية الأمر أن رواية حماد دلت على كون
المطلقة رابعة ، وأما أن المرأة مما علم انتفاء الحمل عنها ، أو أن الحمل ممكن
فتكون مسترابة فلا دلالة عليه بالكلية كما هو ظاهر ، فلم يبق إلا أن يحمل إطلاق كل
منهما على ما ذكره متى كان ذلك ، فلا خصوصية للرابعة بالاعتداد تسعة أشهر كما دلت
عليه رواية حماد ، بل ذلك يجري في كل
__________________
(1) الوسائل ج 15 ص 479 ب 47 ح 1.
(2) الوسائل ج 15 ص 410 ب 4 ح 1.
مسترابة إذ العلة في التسعة إنما هي
الاسترابة لا خصوصية الرابعة. وبذلك يظهر لك ما في قوله ، فيبقى ما عداها مندرجا
في هذا الإطلاق.
وأما صحيحة محمد بن مسلم فهي جارية على ما دلت عليه
الأخبار المتكاثرة (1) ـ من أنه متى
لم يمكن العدة بالأقراء فإنها تعتد بالشهور الثلاثة ـ لا يحتاج إلى حمل ولا تأويل
، وبذلك يتضح لك ما قدمنا ذكره من أنه بذلك يظهر لك قوة ما ذكره العلامة.
المسألة الرابعة : قد صرح
الأصحاب بأنه يكره للمريض أن يطلق ، ولو طلق كان طلاقه صحيحا ، وأنه يرث زوجته إذا
ماتت في العدة الرجعية ، ولا يرثها في البائن ولا بعد العدة ، وترثه هي سواء طلقها
بائنا أو رجعيا ما بين الطلاق وبين السنة ما لم تتزوج أو يبرأ من المرض الذي طلقها
فيه.
أقول : تحقيق الكلام في هذا المقام يقع في مقامات :
الأول
: ما ذكر من كراهة الطلاق للمريض زيادة على ما ورد من
كراهته الطلاق مطلقا مما تكاثرت به الأخبار ، بل ربما دل بعضها بظاهره على التحريم
، ولهذا نقل القول بالتحريم عن ظاهر عبارة الشيخ المفيد في المقنعة ، والمشهور
الكراهة.
ومن الأخبار الواردة في المقام ما رواه في الكافي (2) عن عبيد بن
زرارة في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا
يجوز طلاق المريض ، ويجوز نكاحه».
وما رواه في الكافي (3) وفيه عن زرارة في الموثق عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «ليس
للمريض أن يطلق وله أن ينكح».
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 89 باب عدة المطلقة وأين تعتد.
(2 و 3) الكافي ج 6 ص 122 ح 4 و 8، التهذيب ج 8 ص 77 ح 177 و 179
، الوسائل ج 15 ص 384 ب 21 ح 3 و 4.
وعن عبيد بن زرارة (1) في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المريض ،
إله أن يطلق امرأته في تلك الحال؟ قال : لا ، ولكن له أن يتزوج إن شاء ، فإن دخل
بها ورثته ، وإن لم يدخل بها فنكاحه باطل».
وما رواه في الكافي والتهذيب (2) عن زرارة في
الصحيح عن أحدهما عليهمالسلام قال : «ليس
للمريض أن يطلق وله أن يتزوج ، فإن هو تزوج ودخل بها فهو جائز ، وإن لم يدخل بها
حتى مات في مرضه فنكاحه باطل ولا مهر لها ولا ميراث».
وإنما حملت هذه الأخبار على الكراهة مع ظهورها في
التحريم لما سيأتي إن شاء الله من الأخبار الدالة على صحة طلاقه لو طلق في هذه
الحال ، وسيأتي أيضا إن شاء الله تعالى ما هو الوجه في الكراهة.
الثاني : ما ذكر أنه يرث زوجته إذا ماتت في العدة
الرجعية ، وهو مجمع عليه بين الأصحاب كما نقله في المسالك.
وأما أنه لا يرثها في البائن ولا بعد العدة الرجعية
فلانقطاع العصمة بينهما خرج ميراثها منه بالنصوص الآتية وبقي ما عداه على مقتضى
القاعدة ، ويعضده بعده النصوص الدالة على ذلك أن المطلقة رجعية بمنزلة الزوجة ،
فتثبت لها أحكام الزوجة التي من جملتها الحكم المذكور ما دامت في العدة ، وينتفي
إذا بانت بأحد الوجهين المذكورين.
ومن الأخبار الدالة على الحكمين المذكورين ما رواه في
الكافي (3) عن زرارة
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 121 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 77 ح 178 ، الوسائل
ج 15 ص 383 ب 21 ح 2.
(2) الكافي ج 6 ص 123 ح 12 ، التهذيب ج 8 ص 77 ح 180 ، الوسائل
ج 15 ص 383 ب 21 ح 1.
(3) الكافي ج 7 ص 134 ح 2 ، الوسائل ج 17 ص 530 ب 13 ح 4.
في الموثق قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن الرجل يطلق
المرأة ، قال : ترثه ويرثها ما دام له عليها رجعة».
وما رواه في الفقيه (1) في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن ابن
رئاب عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «إذا
طلق الرجل امرأته توارثا ما كانت في العدة ، فإذا طلقها التطليقة الثالثة فليس له
عليها رجعة ، ولا ميراث بينهما». إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة (2) الدالة على
ثبوت التوارث في العدة الرجعية ، وانتفائه مع البينونة.
وبذلك يظهر ما في كلام صاحب الكفاية تبعا للسيد السند في
شرح النافع من المناقشة في الحكم الأول. قال في الكفاية : ويرث زوجته في العدة
الرجعية عند الأصحاب ، ونقل غير واحد منهم الإجماع عليه لكن إطلاق الصحيحة
المذكورة ينافيه ، وأشار بالصحيحة المذكورة إلى ما قدمه من صحيحة الحلبي (3) عن أبي عبد
الله عليهالسلام «أنه سئل عن
الرجل يحضره الموت فيطلق امرأته ، هل يجوز طلاقها؟ قال : نعم ، وإن مات ورثته ،
وإن ماتت لم يرثها».
والسيد السند بعد أن ذكر الحكم المذكور في كلام الأصحاب
اعترضه بأن مقتضى صحيحة الحلبي المتقدمة أن الزوج لا يرثها مطلقا ، وحمل الروايات
على الطلاق البائن ينافيه قوله عليهالسلام قبل ذلك «فإن
مات ورثته» والمسألة محل إشكال.
أقول ـ وبالله التوفيق ـ : لا إشكال بحمد الملك المتعال
فإن إطلاق الصحيحة المذكورة يجب تقييده بالروايات المستفيضة الدالة على التوارث في
العدة الرجعية مطلقا صحيحا كان أو مريضا ، وقد عرفت بعضها ، وأما الصحيحة المذكورة
فالمراد منها إنما هو ما لو طلق المريض زوجته وخرجت عن العدة ، فإن مات ورثته ،
__________________
(1) الفقيه ج 4 ص 228 ح 1 ، الوسائل ج 17 ص 532 ب 23 ح 10
وفيهما اختلاف يسير.
(2) التهذيب ج 9 ص 383 ، الوسائل ج 17 ص 530 ب 13.
(3) الكافي ج 6 ص 123 ح 11 ، الوسائل ج 17 ص 534 ب 14 ح 6 وفيه
اختلاف يسير.
وإن ماتت لم يرثها على التفصيل الاتي
إن شاء الله تعالى ، وما ذكر من أن الزوج لا يرثها في البائن هو المشهور بين
الأصحاب خصوصا المتأخرين ، وبه قطع الشيخ في الخلاف محتجا بإجماع الفرقة وأخبارهم
، إلا أنه قال في النهاية وتبعه فيه جملة من أتباعه : إذا طلق الرجل امرأته وهو
مريض فإنهما يتوارثان ما دامت في العدة ـ ثم قال : ـ ولا فرق في جميع هذه الأحكام
بين أن تكون التطليقة هي الأولى أو الثانية أو الثالثة ، وسواء كان له عليهما رجعة
أم لم يكن ، انتهى (1).
ومرجعه إلى ثبوت التوارث بينهما في العدة مطلقا رجعية
كانت أو بائنة. واختصاص الإرث بعد العدة بالمرأة ، دون العكس إلى مدة السنة كما
سيأتي ، ولا ريب في ضعفه ، لأن الطلاق البائن موجب لانقطاع العصمة بين الزوجين
الموجب سقوط التوارث ، استثني من ذلك إرثها منه بالنص والإجماع ـ كما ستقف عليه إن
شاء الله تعالى ـ وبقي الباقي.
ومن الأخبار الدالة على القول المشهور إطلاق موثقة زرارة
وصحيحته (2) المتقدمتين
ونحوهما غيرهما ، والتقريب فيهما أنهما خصا التوارث من الجانبين بما إذا كانت في
العدة الرجعية ، ومتى خرجت من العدة أو كانت العدة بائنة فلا توارث خرج منه بالنص
والإجماع إرث المرأة من الزوج إذا طلقها وهو مريض ، فإنها ترثه في العدة البائنة
وبعد العدة الرجعية إلى سنة كما سيأتي إن شاء الله تعالى وسيأتي في الأخبار الآتية
ما يدل على ذلك.
__________________
(1) أقول : هذا القول الذي ذهب إليه في النهاية على طرف النقيض
من القول الذي ذهب اليه صاحب الكفاية وشرح النافع ، فإنهما ذهبا الى عدم التوارث
في العدة الرجعية مع بقاء الزوجية ، والشيخ ذهب الى ثبوته في العدة البائنة مع
انقطاع العصمة بالكلية فيها على طرفي الإفراط والتفريط. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) الكافي ج 7 ص 134 ح 2 وج 6 ص 123 ح 12 ، الوسائل ج 17 ص
530 ب 13 ح 4 وج 15 ص 383 ب 21 ح 1.
ومن أظهر الأدلة (1) أيضا ما سيظهر لك إن شاء الله من أن
المقتضي لإرث الزوجة في صورتي العدة البائن وبعد الخروج من العدة الرجعية إنما هو
التهمة بمنعها من الإرث ، وهذه العلة منتفية من جانب الزوج كما لا يخفى.
واعلم أنه قد احتج في المسالك للقول المشهور بموثقة
زرارة المتقدمة ، ثم قال في تقريب الاستدلال بها : وقيد الرجعة لا يصلح في ميراثها
إجماعا لثبوته مطلقا فيبقى في ميراثه وللقرب ، وإذا انتفى القيد انتفى الحكم
تحقيقا لفائدته. ثم استدل له بحسنة الحلبي التي تقدم وصفها بصحيحة الحلبي (2) ، ثم قال :
وليس ذلك في الرجعي لاتفاقهما في الحكم فهو في البائن ، ثم قال : وحجة الشيخ
وأتباعه روايات تدل بظاهرها على ثبوت التوارث بينهما من غير تفصيل ، والأخبار من
الجانبين غير نقية ، والأولى الرجوع إلى حكم الأصل ، والوقوف على موضع الوفاق ،
وهو دال على الأول ، انتهى.
أقول : أما تقريب الاستدلال بموثقة زرارة كما ذكره فهو
إنما يتم لو كان موردها طلاق المريض ليترتب عليه صحة قوله ، وقيد الرجعة لا يصلح
في ميراثها إجماعا لثبوته مطلقا ، مع أن الرواية كما عرفت مطلقة شاملة للصحيح
والمريض ، فلا يتم ما ذكره ، وكذا التعليل بالقرب إنما يتجه على كون موردها المريض
، وإلا فهو لغو ، فالحق أن الاستدلال بها إنما هو بالتقريب الذي قدمناه ، وأما
استدلاله بحسنة الحلبي ، ففيه أنه لو حمل قوله «وإن ماتت لم يرثها على الطلاق
البائن» لنافى قوله «وإن ماتت ورثته» كما تقدمت الإشارة إليه في كلام سبطه
__________________
(1) واستدل في شرح النافع على ذلك أيضا بصحيحة الحلبي المتقدمة
بحملها على الطلاق البائن ، مع أنه قد اعترض ذلك في صدر كلامه بأنه ينافيه قوله
فيها «فان مات ورثته» والأظهر انما هو حمل الصحيحة المذكورة على الخروج من العدة
كما ذكرناه في الأصل ، فلا يكون من محل الاستدلال في شيء. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) الكافي ج 6 ص 123 ح 11.
السيد السند ، بل الأظهر في معنى
الخبر إنما هو ما قدمنا ذكره.
وأما قوله «إن حجة الشيخ وأتباعه روايات تدل بظاهرها على
ثبوت التوارث بينهما من غير تفصيل» ففيه : إنا لم نقف على شيء من هذه الأخبار في
طلاق المريض بالكلية ، وستمر بك إن شاء الله مذيلة ببيان ما اشتملت عليه من
الأحكام.
الثالث : ما ذكره بقوله «وترثه سواء طلقها بائنا أو
رجعيا. إلى آخر الكلام» والوجه فيه أنه لا خلاف نصا وفتوى في أن مطلقه المريض ترثه
في العدة البائنة بعد انقضاء العدة الرجعية إلى سنة ما لم يبرأ من مرضه ذلك أو
تتزوج هي قبل انقضاء السنة.
وإنما الخلاف في أن وجوب الإرث لها في هاتين الصورتين
الخارجتين من القواعد المقررة هل هو لمجرد إطلاق النصوص الدالة على ذلك أعم من أن
يكون السبب الداعي إلى الطلاق من جهته أو من جهتها؟ أو أن العلة إنما هي التهمة
بالإضرار بها ومنعها من الميراث ، فقوبل حينئذ بنقيض مطلوبه من توريثها في المدة
المذكورة ما لم تتزوج أو يبرأ أو تزيد على السنة؟ أو يكون السبب من جهتها ، ويكون
الحكم هنا كما في القاتل وحرمانه من الإرث ، مقابلة له بضد مطلوبه؟ المشهور الأول
، وإلى الثاني ذهب الشيخ في الاستبصار والعلامة في المختلف وجملة من متأخري
المتأخرين كالمحدث الكاشاني والمحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي وغيرهما ،
وهو الأظهر.
وها أنا أتلو عليك أخبار المسألة زيادة على ما تقدم منها
بحيث لا يشذ منها شيء إن شاء الله.
ومنها ما رواه في الكافي (1) عن أبي العباس
في الصحيح أو الحسن عن أبي
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 122 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 363 ب 6 ح 1.
عبد الله عليهالسلام قال : «إذا
طلق الرجل المرأة في مرضه ورثته ما دام في مرضه ذلك ، وإن انقضت عدتها إلا أن يصح
منه ، قال : قلت : فإن طال به المرض؟ فقال : ما بينه وبين سنة». دلت هذه الرواية
على تحديد المدة بالسنة ، فلا ميراث بعدها ، وعلى الإرث في السنة مع استمرار المرض
وإن كان الطلاق بائنا أو بعد العدة الرجعية.
وما رواه في الكافي والفقيه (1) عن الحذاء
وأبي الورد كلاهما عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «إذا
طلق الرجل امرأته تطليقة في مرضه ثم مكث في مرضه حتى انقضت عدتها فإنها ترثه ما لم
تتزوج ، فإن كانت تزوجت بعد انقضاء العدة فإنها لا ترثه».
وما رواه في الكافي (2) عن عبد الرحمن بن الحجاج في الموثق
عمن حدثه عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل طلق
امرأته وهو مريض ، قال : إن مات في مرضه ولم تتزوج ورثته ، وإن كانت قد تزوجت فقد
رضيت بالذي صنع ، فلا ميراث لها». وهما دالان على أنه بالتزويج يزول الإرث.
وعن عبيد بن زرارة (3) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل طلق امرأته وهو مريض حتى مضى لذلك سنة ، قال : ترثه إذا كان في مرضه الذي
طلقها فيه لم يصح من ذلك». ومفهومه دال على ما ذكره الأصحاب من أنه لو صح لم ترثه.
وما رواه في الكافي والتهذيب (4) عن أبي العباس
في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له
: رجل طلق امرأته وهو مريض تطليقة وقد كان طلقها قبل ذلك
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 121 ح 2 ، الفقيه ج 3 ص 353 ح 3 وفيه اختلاف
يسير ، التهذيب ج 8 ص 77 ح 181 ، الوسائل ج 15 ص 386 ب 22 ح 5.
(2 و 3 و 4) الكافي ج 6 ص 122 ح 3 و 5 و 6 ، التهذيب ج 8 ص 78
ح 182 و 183 و 184 ، الوسائل ج 15 ص 386 ب 22 ح 6 و 7 و 8 مع اختلاف يسير.
تطليقتين؟ قال : فإنها ترثه إذا كان
في مرضه ، قال : قلت : وما حد المرض؟ قال : لا يزال مريضا حتى يموت وإن طال ذلك
إلى سنة».
وعن أبي العباس في الصحيح برواية المشايخ الثلاثة (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «إذا
طلق الرجل المرأة في مرضه ورثته ما دام في مرضه ذلك وإن انقضت عدتها إلا أن يصح
منه ، قال : قلت : فإن طال به المرض؟ قال : ما بينه وبين سنة».
وعن سماعة برواية الثلاثة (2) في الموثقة
قال : «سألته عليهالسلام عن رجل طلق
امرأته ، قال : ترثه ما دامت في عدتها ، وإن طلقها في حال إضرار فهي ترثه إلى سنة
، فإن زاد على السنة يوما واحدا لم ترثه» وزاد في الكافي والتهذيب «وتعتد منه
أربعة أشهر وعشرا ، عدة المتوفى عنها زوجها». وبهذه الرواية استدل الشيخ على ما
قدمنا نقله عنه ، وردها المتأخرون بضعف السند ، وهو غير مرضي ولا معتمد.
وما رواه في الكافي والفقيه (3) عن أبان عن
رجل عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه قال في
رجل طلق امرأته تطليقتين في صحته ، ثم طلق التطليقة الثالثة وهو مريض : إنما ترثه
ما دام في مرضه وإن كان إلى سنة». وهذه الرواية مع رواية أبي العباس الثانية ظاهرة
الدلالة في أنها ترثه في عدة الطلاق البائن كما قدمنا ذكره ونحوهما ما يأتي في
موثقة عبيد بن زرارة.
وما رواه في الكافي والتهذيب (4) عن الحلبي
وأبي بصير وأبي العباس جميعا
__________________
(1 و 2) الكافي ج 6 ص 122 ح 7 و 9 ، الفقيه ج 4 ص 228 ح 2 وج 3
ص 354 ح 7 و 5 ، التهذيب ج 9 ص 385 ح 9 وج 8 ص 78 ح 186 ، الوسائل ج 15 ص 384 ب 22
ح 1 و 4 ، وفي بعضها اختلاف يسير.
(3) الكافي ج 7 ص 134 ح 6 ، الفقيه ج 3 ص 353 ح 5 ، الوسائل ج
15 ص 385 ب 22 ح 3 ، وما في المصادر اختلاف يسير.
(4) الكافي ج 7 ص 134 ح 6 ، التهذيب ج 9 ص 386 ح 10 ، الوسائل
ج 15 ص 387 ب 22 ح 9.
عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه قال :
ترثه ولا يرثها إذا انقضت العدة».
وما رواه في التهذيب (1) عن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل يطلق
امرأته في مرضه ، قال : ترثه ما دام في مرضه وإن انقضت عدتها».
وعن عبيد بن زرارة (2) في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل يطلق
امرأته تطليقتين ثم يطلقها الثالثة وهو مريض فهي ترثه».
وما رواه في الفقيه والتهذيب (3) عن ابن مسكان
عن البقباق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل طلق
امرأته وهو مريض ، قال : ترثه في مرضه ما بينه وبين سنة إن مات من مرضه ذلك ،
وتعتد من يوم طلقها عدة المطلقة ، ثم تتزوج إذا انقضت عدتها ، وترثه ما بينها وبين
سنة إن مات في مرضه ذلك وإن مات بعد ما تمضي سنة فليس لها ميراث».
ولا منافاة بين هذا الخبر وبين ما تقدم في موثقة سماعة (4) من أنها تعتد
عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ، فإن المراد من هذا الخبر أنها تعتد بعد
طلاقه لها عدة المطلقة ، وهما يتوارثان في العدة كما تقدم ، فإذا انقضت العدة
امتنع ميراثه منها لو ماتت ، وبقي ميراثها منه لو مات ، فلو مات قبل السنة ورثته ،
واعتدت منه عدة المتوفى عنها زوجها ما لم تتزوج قبل ذلك ، وعلى هذا تحمل موثقة
سماعة.
وما رواه في كتاب من لا يحضره الفقيه (5) عن صالح بن
سعيد عن يونس
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 78 ح 185 ، الوسائل ج 15 ص 387 ب 22 ح 10.
(2) التهذيب ج 8 ص 80 ح 193 ، الوسائل ج 15 ص 388 ب 22 ح 15.
(3) الفقيه ج 3 ص 353 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 79 ح 190 ، الوسائل
ج 15 ص 387 ب 22 ح 11 وما في المصادر اختلاف يسير.
(4) الكافي ج 6 ص 122 ح 9 ، الوسائل ج 15 ص 385 ب 22 ح 4.
(5) الفقيه ج 4 ص 228 ح 4 ، الوسائل ج 17 ص 534 ب 14 ح 7.
عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
ما العلة التي من أجلها إذا طلق الرجل امرأته وهو مريض في حال الإضرار ورثته ولم
يرثها؟ فقال : هو الإضرار ومعنى الإضرار منعه إياها ميراثها منه ، فألزم الميراث
عقوبة».
وهذا الخبر صريح فيما ذهب إليه الشيخ مما تقدم نقله عنه
، وهو ظاهر الصدوق بناء على قاعدته المذكورة في صدر كتابه.
وما رواه في التهذيب (1) عن محمد بن القاسم الهاشمي قال : «سمعت
أبا عبد الله عليهالسلام يقول : لا ترث
المختلعة والمبارأة والمستأمرة في طلاقها من الزوج شيئا إذا كان ذلك منهن في مرض
الزوج وإن مات في مرضه ، لأن العصمة قد انقطعت منهن ومنه».
أقول : وفي هذا الخبر ما يشير إلى ذلك ، فإن الأخبار
المتقدمة كلها قد اتفقت على ميراثها منه إلى سنة وإن خرجت من العدة ، وهؤلاء إنما
خرجوا من الحكم المذكور لأن العلة في الطلاق من جهتهن بالمطالبة بالطلاق دون
المطلقة التي لا تطلب ذلك ، بل ربما تكون كارهة له وإن بانت كما ذكره في
الاستبصار.
هذا ما حضرني من أخبار المسألة ، وأنت خبير بأنه إذا ضم
بعضها إلى بعض ما تقدم وما تأخر من غير رد لشيء منها كما هو قاعدتنا في الكتاب ،
فإن الناتج من ذلك هو أنه لا ينبغي للمريض أن يطلق زوجته إضرارا بها ، وهذا هو
العلة في المنع الوارد في الأخبار المتقدمة في صدر المسألة.
ثم إنه إن فعل ذلك وخالف فإن طلاقة يكون صحيحا ، فيجوز
للمرأة التزويج بعد الخروج من العدة ، فإن تزوجت بعد العدة أو بريء المريض من
مرضه أو جاز المرض السنة فلا ميراث بينهما ، وإلا فهي ترثه وإن بانت منه بطلاق
بائن أو خروج من العدة الرجعية عقوبة ومقابلة له بضد ما قصده من منعها من الميراث
بالطلاق ، وتعتد عدة المتوفى عنها زوجها متى ورثته.
وأما ما ادعاه في المسالك من ورود أخبار دالة على ما ذهب
إليه الشيخ من أنه
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 100 ح 14 ، الوسائل ج 15 ص 496 ب 5 ح 4.
يرثها كما ترثه في العدة البائنة ،
فليس في الأخبار المذكورة ما يدل عليه وليس غيرها في الباب.
نعم هنا بعض الأخبار الموهمة لذلك ، إلا أنه ليس فيها
تصريح بالمرض ، بل ظاهرها إنما هو الصحيح.
ومنها ما رواه في التهذيب (1) عن عبد الرحمن
عن موسى بن جعفر عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل طلق امرأته آخر طلاقها ، قال : نعم يتوارثان في العدة».
وعن يحيى الأزرق (2) عن أبي الحسن عليهالسلام قال : «المطلقة
ثلاثا ترث وتورث ما دامت في عدتها». والشيخ قد حملها تارة على ما إذا وقعت الثلاث
في مجلس واحد فتحسب بواحدة يملك معها الرجعة ، واخرى على ما إذا وقعت الثالثة في
حال مرض الزوج ، فإنه يوجب الإرث وإن انقطعت العصمة.
وأنت خبير بما في هذا الاستدلال مع تعدد الاحتمال من
الضعف والقصور ، وبه يظهر قوة القول المشهور كما تقدم ذكره ، والتأويل الثاني إنما
يتم لو قام الدليل من خارج على ميراثه منها كما قام على ميراثها منه ، وإلا
فإتيانه بمجرد هذه الرواية لا يخفى ما فيه.
تنبيهات:
الأول : المشهور أنه كما لا يلحق بالطلاق غيره من أنواع
الفسخ اتفاقا كذلك لا يلحق بالمرض غيره مما يشبهه من الأحوال المخوفة ، وقوفا فيما
خالف الأصل على موضع اليقين ، ونقل عن ابن الجنيد أنه ألحق الأسير الغير الآمن على
نفسه غالبا ، والمأخوذ للقود بحد يخاف عليه ، مثل ما يخاف عليه بالمرض.
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 80 ح 191 ، الوسائل ج 15 ص 388 ب 22 ح 12
وفيهما اختلاف يسير.
(2) التهذيب ج 8 ص 94 ح 239 ، الوسائل ج 15 ص 388 ب 22 ح 13.
ونفى عنه العلامة ـ رحمهالله عليه ـ البأس
، ولا يخفى أنه مجرد قياس لا يخرج عن ظلمة الالتباس.
الثاني : اختلف الأصحاب فيما لو طلق الأمة مريضا طلاقا
رجعيا ، أو الكتابية ، ثم أعتقت الأمة وأسلمت الكتابية في العدة ومات في مرضه ،
فقيل بأنهما ترثان في العدة ولا ترثان بعدها ، لانتفاء التهمة ، لأن الأمة
والكتابية لا ترثان وقت الطلاق.
وقيل : إنهما ترثان مطلقا ولو بعد العدة ، لوجود المقتضي
للإرث ـ وهو الطلاق في المرض ـ وانتفاء المانع ، إذ ليس هنا إلا كونهما غير وارثين
وقت الطلاق ، وهو لا يصلح للمانعية ، لأن المعتبر استحقاق الإرث حال الحكم به ،
والمفروض أنهما حال الموت حرة مسلمة.
وأنت خبير بأن القولين المذكورين متفرعان على الخلاف
المتقدم ذكره من أن الموجب للميراث بعد العدة أو كون الطلاق بائنا هل هو مجرد
إطلاق الأخبار الدالة على أن المريض إذا طلق امرأته في حال مرضه ورثته إلى سنة؟ أو
أن الموجب إنما هو حصول التهمة بكون طلاقه لها لقصد حرمانها من الميراث؟ فالقول
الثاني وهو القول بميراثها مطلقا يتفرع على الأول ، والأول على الثاني.
وقيل في المسألة أيضا قول ثالث ، وهو أنها لا ترث (1) وإن انتفت
التهمة وعلل بأنه طلقهما في حال لم يكن لهما أهلية الإرث ، والمفروض كون الطلاق
بائنا ، فلم يصادف وقت الإرث أهليتهما له للبينونة ولا وقت الطلاق لوجود المانع
وهو الرق والكفر.
ونقل عن فخر المحققين أنه استدل على هذا القول بأن
النكاح الحقيقي لم يوجب لهما الميراث فكيف الطلاق. واعترضه في المسالك بمنع أن
النكاح لا يوجب الميراث ، قال : بل هو موجب له مطلقا ، ولكن الكفر والرق مانعان من
الإرث إذ الإسلام والحرية شرط فيه ، وتخلف الحكم عن السبب لوجود مانع
__________________
(1) الظاهر «أنهما لا ترثان» هو الصحيح.
أو فقد شرط لا يقدح في سببيته ، فإذا
فقد المانع أو وجد الشرط عمل السبب عمله كما حقق في الأصول والأمر هنا كذلك ،
انتهى.
أقول : والظاهر بالنظر إلى ما قدمنا اختياره من أن
الموجب للإرث إنما هو التهمة بقصده الإضرار بها هو القول الأول من الأقوال الثلاثة
المذكورة ، وهو اختيار العلامة في المختلف ، ونقله فيه عن ابن الجنيد أيضا وشيخنا
الشهيد الثاني في المسالك بناء على ترجيحه القول بإطلاق الأخبار المتقدمة وعدم
صلاحية المخصص للتخصيص لضعف الاسناد اختار الثاني.
الثالث : إذا ادعت المطلقة المريض أن المريض طلقها قبل
موته في حال المرض ، وأنكر الوارث ذلك وزعم أنه طلقها في حال الصحة قالوا : إن
القول هنا قول الوارث لتساوي الاحتمالين المذكورين ، والأصل عدم التوارث إلا مع
وجود سببه.
توضيحه : أن إرث المطلقة هنا لما كان جاريا على خلاف
الأصل ومتوقفا على شرط ـ وهو وقوع الطلاق في حال مرض الموت ـ فلا بد في ثبوت
الميراث من العلم بوجود الشرط المذكور ، وإلا فالأصل عدم الإرث.
الرابع : قالوا : لو طلق أربعا في مرضه وتزوج أربعا ودخل بهن ثم مات فيه كان الربع أو الثمن بينهن بالسوية ، وإنما قيد تزويج الأربع الجديدات بالدخول لما سيأتي إن شاء الله من أن صحة نكاح المريض مشروط بالدخول. فلو مات قبله فلا ميراث ، وحينئذ فإذا دخل بالأربع الجديدات ورثته بالدخول والزوجية المقتضية لذلك ، وورثته الأربع الأول أيضا لوجود سببه ، وهو الطلاق في مرض الموت المقتضي للإرث وإن خرجن عن الزوجية. وحينئذ فتشترك الجميع في الربع أو الثمن بالسوية كاشتراك الأربع فيه ولا ميراث لما زاد عن الأربع بالزوجية إلا في هذه الصورة ، والله العالم.