ج2 - آداب الخلوة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الباب الثاني في الوضوء

والبحث في أسبابه وغايته وكيفيته وأحكامه يقع في مطالب أربعة:

المطلب الأول

في الأسباب ، وحيث جرت عادة الفقهاء (رضوان الله عليهم) بالبحث عن أحكام الخلوة امام الوضوء ، كان الأنسب تقديمها هنا ، لترتب غالب الأسباب عليها ، وليكون تقديمها ذكرا على نحو تقدمها خارجا ، وحينئذ فالكلام في هذا المطلب يقع في فصلين :

الفصل الأول

في آداب الخلوة ، ومنها ـ الواجب والمحرم والمستحب والمكروه ، والبحث فيها يقع في موارد أربعة :

المورد الأول

في الآداب الواجبة ، ومنها ـ ستر العورة على المتخلي حال جلوسه عن ناظر محترم إجماعا فتوى ورواية. ووجوب ستر العورة وان كان لا اختصاص له بالمتخلي لكن لما كان انكشاف العورة من لوازم الخلاء ذكروا هذا الحكم فيه بخصوصه.

و (منها) ـ الاستنجاء من البول بالماء خاصة إجماعا فتوى ورواية ، فلا يجزي المسح بحائط أو تراب أو يد أو غير ذلك ولو حال الاضطرار ، بل غايته منع التعدي للملاقي كما دلت عليه موثقة ابن بكير عن الصادق (عليه‌السلام) (1) «في الرجل يبول ولا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط؟ فقال : كل شي‌ء يابس ذكي».

ويدل على أصل الحكم قول أبي جعفر (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (2) : «ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار ، بذلك جرت السنة من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اما البول فإنه لا بد من غسله».

وقوله (عليه‌السلام) أيضا في رواية بريد بن معاوية (3) : «ولا يجزى من البول إلا الماء».

ويدل عليه أيضا الأخبار الدالة على وجوب غسل الذكر على من صلى قبل غسل ذكره من غير استفصال.

ومنها ـ صحيحة عمرو بن أبي نصر (4) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : أبول وأتوضأ وانسى استنجائي ثم اذكر بعد ما صليت؟ قال : اغسل ذكرك وأعد صلاتك ولا تعد وضوءك».

وصحيحة ابن أذينة (5) قال : «ذكر أبو مريم الأنصاري : ان الحكم ابن عتيبة (6) بال يوما ولم يغسل ذكره متعمدا ، فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 31 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 9 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(3) المروية في الوسائل في الباب ـ 9 و 30 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(4 و 5) المروية في الوسائل في الباب ـ 18 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(6) قال في الوافي ج 4 ص 25 : «بيان ـ ابن عتيبة بالمثناة من فوق بعد المهملة ثم المثناة من تحت ثم الموحدة. إلخ» وفي بعض حواشي التهذيب ص 14 هكذا : «في نسخة التهذيب والاستبصار عيينة باليائين أولا قبل النون. وفي كتب الرجال بالتاء قبل الياء والباء بعدها».


فقال : بأس ما صنع ، عليه أن يغسل ذكره ويعيد صلاته ، ولا يعيد وضوءه».

وبمضمونها أخبار أخر سيأتي ذكرها ان شاء الله تعالى.

واما رواية سماعة (1) قال : «قلت لأبي الحسن موسى (عليه‌السلام) : اني أبول ثم أتمسح بالأحجار فيجي‌ء مني البلل ما يفسد سراويلي؟ قال : ليس به بأس».

وموثقة حنان (2) قال : «سمعت رجلا سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقال : اني ربما بلت فلا أقدر على الماء ويشتد ذلك علي؟ فقال : إذا بلت وتمسحت فامسح ذكرك بريقك ، فان وجدت شيئا فقل هذا من ذاك».

فإنهما بحسب ظاهرهما منافيان لما قدمنا من الاخبار ، لدلالة ظاهر الاولى على الاكتفاء بالتمسح بالأحجار ، بقرينة نفي البأس عما يفسد سراويله من البلل بعد التمسح ، والثانية على الاكتفاء بالتمسح بقرينة مسح الذكر.

والجواب عنهما ـ بعد الإغماض عن المناقشة في السند بعدم المقاومة لما تقدم من الاخبار الصحاح ـ بالطعن في الدلالة.

(اما الأولى) فيما أجاب الشيخ (قدس‌سره) في الاستبصار (3) من انه ليس في الخبر انه قال : يجوز له استباحة الصلاة بذلك وان لم يغسله ، وإنما قال : ليس به بأس ، يعني بذلك البلل الذي يخرج منه بعد الاستبراء ، وذلك صحيح ، لأنه المذي ، وهو طاهر.

وأجاب بعض محققي مشايخنا من متأخري المتأخرين ـ وتبعه والدي (قدس‌سره) في بعض فوائده لكن نسبه إلى البعد ـ بان وجدان ما يفسد سراويله من البلل لكثرته ـ مع عدم القطع بخروجه من مخرج البول الباقي على النجاسة ـ لا بأس به ، لأصالة الطهارة واحتمال كونه من غير المخرج وغير متصل به.

__________________

(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب ـ 13 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(3) في الصحيفة 56.


أقول : ويحتمل ان يكون مورد الخبر بالنسبة إلى من كان فاقدا للماء وتيمم بعد الاستبراء والتجفيف بالأحجار ، فإنه لا بأس بالخارج بعد ذلك بمعنى انه لا يكون ناقضا للتيمم وان كان نجسا باعتبار ملاقاة المحل النجس إلا انه غير واجد للماء ، وربما يستأنس لذلك بالتمسح بالأحجار. وظني ان هذا الجواب أقرب مما ذكره شيخنا المتقدم.

و (اما الثانية) فالظاهر منها ان السائل شكى إليه انه ربما بال وليس معه ماء ، ويشتد ذلك عليه بسبب عرق ذكره بعد ذلك أو بلل يخرج منه ، فيلاقي مخرج البول فينجس به ثوبه وبدنه ، فعلمه (عليه‌السلام) حيلة شرعية يتخلص بها من ذلك ، وهو ان يمسح غير المخرج من الذكر اعني المواضع الطاهرة منه من بلل ريقه بعد ما ينشف المخرج بشي‌ء ، حتى لو وجد بللا بعد ذلك لقدر في نفسه انه يجوز ان يكون من بلل ريقه الذي وضعه وليس من العرق ولا من المخرج ، فلا يتيقن النجاسة من ذلك البلل حينئذ. وبالجملة الحكمة في الأمر بمسح الذكر بالريق فعل أمر يجوز العقل استناد ما يجده من البلل اليه ، ليحصل عنده الاشتباه وعدم القطع بحصوله من المخرج أو ملاقاته ، ومع الاشتباه يبنى على أصالة الطهارة. ف كل شي‌ء طاهر حتى يعلم انه قذر (1). والناس في سعة ما لم يعلموا (2).

__________________

(1) هذا مضمون موثقة عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) ونصها ـ كما في التهذيب ج 1 ص 81 والوسائل في الباب ـ 37 ـ من أبواب النجاسات ـ هكذا : «كل شي‌ء نظيف حتى تعلم انه قذر ، فإذا علمت فقد قذر ، وما لم تعلم فليس عليك» وسيتعرض لها في التنبيه الثاني من تنبيهات المسألة الثانية من البحث الأول من أحكام النجاسات.

(2) لم نقف على حديث بهذا النص بعد الفحص عنه في مظانه ، والذي وجدناه بهذا المضمون خبر السكوني عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) المروي في الكافي في الباب ـ 48 ـ من كتاب الأطعمة ، وفي الوسائل في الباب ـ 50 ـ من أبواب النجاسات. وفي الباب ـ 38 ـ من أبواب الذبائح وفي الباب ـ 23 ـ من كتاب اللقطة.


وما أبالي أبول أصابني أو ماء إذا لم أعلم (1). وهذه حكمة ربانية لدفع الوساوس الشيطانية ، ومثلها في الأخبار غير عزيز.

وأجاب في المدارك عن هذه الرواية ـ بعد الطعن في السند ـ بالحمل على التقية ، أو على ان المراد نفي كون البلل الذي يظهر على المحل ناقضا.

وفيه ان الظاهر بعد الحمل على التقية ، لأن المسح بالتراب مطهر عند العامة (2) واما الجواب الثاني فسيظهر ما فيه.

تنبيهات

(الأول) ـ تفرد المحدث الكاشاني (قدس‌سره) بمسألة ذهب إليها واستند الى هذين الخبرين في الدلالة عليها ، وهي ان المتنجس بعد ازالة عين النجاسة عنه بالتمسح لا تتعدى نجاسته إلى ما يلاقيه برطوبة. وقد أشبعنا الكلام معه في جملة

__________________

(1) هذا حديث حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عن على (عليهما‌السلام) كما في الوسائل في الباب ـ 37 ـ من أبواب النجاسات.

(2) عند الحنفية كصاحب بدائع الصنائع ج 1 ص 18 والبحر الرائق ج 1 ص 241 ومجمع الانهر ج 1 ص 65 «يسن الاستنجاء عما يخرج من السبيلين من البول والغائط والدم والمنى والوذي والودي بالحجر والتراب والمدر والطين اليابس ، ولا يسن فيه عدد» وفي البحر الرائق «غسله بالماء أحب ، ويجب بالماء ان جاوز النجس المخرج ، ولا يسن للريح الخارج» وقال الشافعي في الأم ج 1 ص 18 : «من تخلى أو بال لم يجز إلا ان يتمسح بثلاثة أحجار ثلاث مرات أو آجرات أو ما كان طاهرا نظيفا مما ينقى نقاء الحجارة إذا كان مثل التراب والحشيش والخزف وغيرها» وقال الشيرازي في المهذب ج 1 ص 26 : «يجب الاستنجاء من البول والغائط بثلاثة أحجار ، والماء أفضل والأفضل الجمع بينهما» وعند الحنابلة كابن قدامة في المغني ج 1 ص 150 «يجب الاستنجاء عما يخرج من السبيلين معتادا كالبول والغائط أو نادرا كالحصى والدود والشعر ، ويخير بين الماء والأحجار ، والماء أبلغ في التنظيف ، ويجزي الاقتصار على الحجر بغير خلاف بين أهل العلم».


من فوائدنا ، ولا سيما في رسالتنا قاطعة القال والقيل في نجاسة الماء القليل ، فانا قد أحطنا فيها بأطراف الكلام بإبرام النقض ونقض الإبرام ، ولنشر هنا إلى نبذة من ذلك كافلة بتحقيق ما هنالك.

فنقول : قال الفاضل المذكور في كتاب الوافي ـ بعد نقل موثقة حنان المذكورة (1) وذكر المعنى الذي حملنا عليه الخبر أولا ـ ما صورته : «ويحتمل الحديث معنى آخر ، وهو ان تكون شكايته من انتقاض وضوئه بالبلل الذي يجده بعد التمسح لاحتمال كونه بولا كما يستفاد من اخبار الاستبراء. وذكر العجز عن الماء على هذا التقدير يكون لتعذر ازالة البلل عن ثوبه وسائر بدنه حينئذ ، فإنه قد تعدى من المخرج إليهما وهذا كما ذكر العجز في حديث محمد السابق في الاستبراء (2). وعلى هذا لا يحتاج الى تكلف تخصيص التمسح بالريق بالمواضع الطاهرة ، ولا إلى تكلف تعدي النجاسة من المتنجس ، بل يصير الحديث دليلا على عدم التعدي منه ، فان التمسح بالريق مما يزيدها تعديا. وهذا المعنى أوفق بالأخبار الأخر. وهذان الأمران ـ أعني عدم الحكم بالنجاسة إلا بعد التيقن وعدم تعدي النجاسة من المتنجس ـ بابان من رحمة الله الواسعة فتحهما لعباده رأفة بهم ونعمة لهم ولكن أكثرهم لا يشكرون. ثم نقل خبر سماعة المتقدم (3) ، وقال بعده : لا يخفى على من فك رقبته من ربقة التقليد ان هذه الأخبار وما يجري مجراها صريحة في عدم تعدي النجاسة من المتنجس إلى شي‌ء قبل تطهيره وان كان رطبا إذا أزيل عنه عين النجاسة بالتمسح ونحوه ، وانما المنجس للشي‌ء عين النجاسة لا غير. على انا لا نحتاج إلى دليل في ذلك. فان عدم الدليل على وجوب

__________________

(1 و 3) في الصحيفة 8.

(2) وهو حسن محمد بن مسلم الآتي في الاستبراء والمروي في الوسائل في الباب ـ 11 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


الغسل دليل على عدم الوجوب ، إذ لا تكليف إلا بعد البيان» ونحوه ذكر في كتاب المفاتيح.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) في هذا المقام غير تام ، لتوجه البحث اليه من وجوه : (أحدها) ـ انه لا دلالة في خبر حنان (1) على هذا الوصف الذي بنى عليه هذه المباني المتعسفة ، وارتكب فيه هذه الاحتمالات المتكلفة.

و (ثانيها) ـ انه لو كانت شكاية السائل إنما هي من حيث خوف انتقاض وضوئه بالبلل الخارج من جهة احتمال كونه بولا ، لكان جوابه بالأمر بالاستبراء بعد البول ، فان حكمة الاستبراء هو البناء على طهارة ما يخرج بعده وعدم نقضه.

و (ثالثها) ـ انه لو كان وجه الحكمة في الأمر بوضع الريق على مخرج البول هو عدم انتقاض الطهارة ـ بمعنى ان ينسب ذلك البلل الذي يجده إلى الريق ليكون غير ناقض ، ولا ينسبه إلى الخروج من الذكر فيكون ناقضا ـ فأي فرق في ذلك بين الحكم بتعدي النجاسة من المخرج بعد مسحها وعدم تعديها؟ فان وجه الحكمة يحصل على كلا التقديرين ، فانا لو قلنا بالتعدي ومسح المخرج بريقه لقصد هذه الحكمة وكون الخارج غير ناقض أمكن وان كان نجسا. وبالجملة فإنه لا منافاة بين حصول هذه الحكمة وبين القول بتعدي النجاسة.

و (رابعها) ـ ان ما ادعاه ـ من أوفقية هذا المعنى بالاخبار ـ غير ظاهر ، فان من جملة تلك الأخبار رواية حكم بن حكيم الصيرفي (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : أبول فلا أصيب الماء ، وقد أصاب يدي شي‌ء من البول فأمسحه بالحائط

__________________

(1) المتقدم في الصحيفة 8.

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 6 ـ من أبواب النجاسات.


أو التراب ، ثم تعرق يدي فامسح وجهي أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي؟ قال : لا بأس به». وعجز صحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) حيث قال فيها : «وسألته عمن مسح ذكره بيده ثم عرقت يده فأصاب ثوبه يغسل ثوبه؟ قال : لا». ولا دلالة فيهما على كون اصابة الثوب ومسح الوجه أو بعض الجسد بذلك الموضع النجس ، ولا على كون النجاسة شاملة لليد كملا ، حتى تستلزم الإصابة ببعض منها ذلك ، بل هما أعم من ذلك. ونفي البأس فيهما إنما وقع لذلك ، لانه ما لم يعلم وصول النجاسة إلى شي‌ء ومباشرتها له برطوبة فلا يحكم بالنجاسة. وهذا بحمد الله ظاهر لا سترة عليه.

والحمل على ما ذكرنا نظيره في الأخبار غير عزيز. فان كثيرا من الأخبار ما يوهم بظاهره ما أوهمه هذان الخبران مما هو مخالف لما عليه الفرقة الناجية (أنار الله برهانها) ويحتاج في تطبيقه إلى نوع تأويل.

مثل صحيحة زرارة (2) قال : «سألته عن الرجل يجنب في ثوبه ، أيتجفف فيه من غسله؟ فقال : نعم لا بأس به إلا ان تكون النطفة فيه رطبة ، فإن كانت جافة فلا بأس».

قال الشيخ (قدس‌سره) : «ان التجفيف المذكور في هذا الخبر محمول على عدم اصابة محل المني» انتهى.

وربما أشكل ذلك بأنه لا وجه حينئذ لاستثنائه النطفة الرطبة دون الجافة ، لاشتراكهما في حصول البأس مع الإصابة لهما وانتفائه مع عدم أصابتهما. ويمكن ان يقال ان الرطوبة مظنة التعدي في الجملة.

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 6 ـ من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 27 ـ من أبواب النجاسات.


وصحيحة أبي أسامة (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : تصيبني السماء وعلى ثوب فتبله وأنا جنب ، فيصيب بعض ما أصاب جسدي من المني ، أفأصلي فيه؟ قال : نعم».

ويمكن تأويله بأن البلل جاز ان لا يعم الثوب بأسره وتكون اصابة الثوب ببعض منه ليس فيه بلل ، ويجوز ان يكون البلل قليلا بحيث لا تتعدى معه النجاسة وان كان شاملا للثوب باصرة ، كذا افاده والدي (قدس‌سره) في بعض فوائده. ومثل ذلك في الأخبار كثير يقف عليه المتتبع. والغرض التنبيه على قبول ما استدل به للتأويل كما في نظائره الواردة من هذا القبيل ، فلا يحتج به إذا على خلاف النهج الواضح السبيل الذي عليه عامة العلماء جيلا بعد جيل.

و (خامسها) ـ ان صدر صحيحة العيص (2) المتقدم نقل عجزها ـ حيث قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر وقد عرق ذكره وفخذاه. قال : يغسل ذكره وفخذيه. الحديث» ـ. واضح الدلالة في إبطال هذه المقالة ، فإن ظاهر جملة «وقد عرق ذكره. إلخ» انها معطوفة على ما تقدمها ، وحينئذ فتدل الرواية على ان العرق إنما وقع بعد البول ومسح الذكر ، وقد أمر (عليه‌السلام) بغسل الذكر والفخذين لذلك العرق المتعدي من مخرج البول بعد مسحه ، وهو دليل على تعدي النجاسة بعد المسح.

واما ما توهمه بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين ـ من ان الرواية المذكورة بطرفيها مما يمكن ان يستدل به على ما ذهب اليه المحدث الكاشاني ، بأن يقال : الفرق بين الذكر والفخذ عند عرقهما قبل التطهير الشرعي وبين الثوب عند

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 27 ـ من أبواب النجاسات.

(2) المروي في الوسائل في الباب ـ 31 ـ من أبواب أحكام الخلوة ، وفي الباب ـ 26 ـ من أبواب النجاسات.


اصابته بعرق اليد الماسحة للذكر قبله ـ بالأمر بغسلهما دونه ـ لا وجه له ظاهرا سوى الفرق بين ما يلاقي المتنجس وما يلاقي عين النجاسة ، فإن غسلهما إنما هو لملاقاتهما بالرطوبة للمحل النجس قبل زوال عين النجاسة بالمسح بالحجر ، كما ترشد اليه وأو الحال وذلك يقتضي تعديها من المحل إلى ما يجاوره ويلاصقه من بقية اجزاء الذكر والفخذ ، بخلاف الثوب ، فان ملاقاته إنما وقعت بالمتنجس وهي اليد الماسحة بعد زوال عين النجاسة من الماسح والممسوح ـ فهو ظاهر السقوط ، فان مفاد عطف مسح الذكر على البول بالفاء التي مقتضاها الترتيب بغير مهلة هو كون المسح وقع عقيب البول بلا فصل ، ولا يعقل على هذه الحال حصول العرق للذكر والفخذ على وجه يتعدى من الذكر اليه قبل المسح ، حتى يتم ما ذكره من ان غسلهما إنما هو لملاقاتهما بالرطوبة للمحل النجس قبل زوال عين النجاسة بالمسح بالحجر. إلخ ، وكذا لا يعقل انه تركه بغير مسح حتى يتردد في المغدى والمجي‌ء على وجه يعرق ذكره وفخذاه وعين البول باقية ضمن تلك المدة ، حتى انه بسبب العرق تتعدى نجاسة البول إلى فخذيه مثلا ، بل من المعلوم انه بمجرد المغدى والمجي‌ء تتعدى النجاسة مع وجود عينها من غير حصول عرق إلى سائر بدنه وثيابه ، بل الوجه الظاهر البين الظهور ـ ان تنزلنا عن دعوى القطع الذي ليس بمستبعد ولا منكور ـ ان المراد من الخبر إنما هو السؤال عن انه متى بال ولم يكن معه ماء فمسح ما بقي على طرف ذكره من البول لئلا يتعدى إلى ثوبه أو بدنه فينجسه ، ثم انه بعد ذلك حصل عرق في ذكره وفخذيه بحيث علم تعدي العرق من المحل المتنجس إلى الفخذ وملاقاة أحدهما للآخر برطوبة ، فأجاب (عليه‌السلام) بوجوب غسل ذكره وفخذيه لتعدي النجاسة على ما ذكرنا ، وحينئذ فجملة «وقد عرق» معطوفة كما ذكرنا لا حالية كما ذكره (قدس‌سره) واما قوله : «بخلاف الثوب فان ملاقاته إنما وقع بالمتنجس» ففيه ما عرفت آنفا.


و (سادسها) ـ ان ما ذكره ـ من ان عدم الدليل دليل على العدم ـ مسلم لو لم يكن ثمة دليل. والأدلة على ما ندعيه ـ بحمد الله ـ واضحة وأعلامها لائحة.

فمن ذلك ـ صحيح العيص المذكور (1) على ما أوضحناه من الوجه النير الظهور ومن ذلك ـ استفاضة الأخبار بغسل الأواني والفرش والبسط ونحوها متى تنجس شي‌ء منها ، فان من المعلوم ان الأمر بغسلها ليس إلا لمنع تعدي نجاستها إلى ما يلاقيها برطوبة مما يشترط فيه الطهارة. ولو كان مجرد زوال العين كافيا في جواز استعمال تلك الأشياء لما كان للأمر بالغسل فائدة ، بل ربما كان محض عبث ، لان تلك الأشياء بنفسها لا تستعمل فيما يشترط فيه الطهارة كالصلاة فيها ونحوه حتى يقال ان الأمر بغسلها لذلك ، فلا يظهر وجه حسن هذا التكلف. هذا مع بناء الشريعة على السهولة والتخفيف.

ومن ذلك ـ أخبار نجاسة الدهن والدبس المائعين ونحوهما بموت القارة ونحوها (2) وربما خص بعضهم موضع خلافه في هذه المسألة بالأجسام الصلبة بعد ازالة عين النجاسة عنها بالتمسح ونحوه ، كما هو مورد الموثقة التي استند إليها وعول في المقام عليها (3).

وربما أيد أيضا بقوله فيما قدمنا نقله عنه : «إذا أزيل عنه عين النجاسة بالتمسح ونحوه. وفيه ان قوله في تتمة العبارة المذكورة ـ : «وانما المنجس للشي‌ء عين النجاسة لا غير» ـ صريح في العموم.

ويدل أيضا عليه بأوضح دلالة ما صرح به في كتاب المفاتيح في مفاتيح النجاسات حيث قال بعد ذكر النجاسات العشر في مفاتيح متعددة ـ ما صورته : «مفتاح ـ

__________________

(1) في الصحيفة 14.

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 5 ـ من أبواب الماء المضاف.

(3) وهي موثقة حنان المتقدمة في الصحيفة 8.


كل شي‌ء غير ما ذكر فهو طاهر ما لم يلاق شيئا من النجاسات برطوبة ، للأصل السالم من المعارض ، وللموثق : «كل شي‌ء نظيف حتى تعلم انه قذر ... (1)» فان تخصيصه الاستثناء بما يلاقي شيئا من النجاسات خاصة يدل على ان ما لاقى المتنجس صلبا كان أو مائعا بعد ازالة عين النجاسة فهو داخل في كلية الطهارة بلا اشكال. وانما أطلنا الكلام وان كان خارجا عن المقام لسريان الشبهة في أذهان جملة من الاعلام.

(الثاني) ـ اختلف الأصحاب في أقل ما يجزئ من الماء في الاستنجاء من البول ، فنقل عن الشيخين ـ في المبسوط والنهاية والمقنعة ـ ان أقل ما يجزئ مثلا ما على رأس الحشفة ، ونقله في المختلف عن الصدوقين أيضا ، واليه ذهب المحقق في المعتبر والشرائع ، والعلامة في القواعد والتذكرة ، بل صرح بعض مشايخنا بأنه قول الأكثر. ونقل عن أبي الصلاح ان أقل ما يجزئ ما أزال العين عن رأس الفرج.

وقال ابن إدريس في السرائر أقل ما يجزئ من الماء لغسله ما يكون جاريا ويسمى غسلا. والظاهر اتحاد كلامي أبي الصلاح وابن إدريس ، كما فهمه العلامة في المختلف ومال اليه فيه أيضا وفي المنتهى ، ونقله عن ظاهر ابن البراج أيضا.

ويدل على القول الأول رواية نشيط بن صالح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته كم يجرئ من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال : مثلا ما على الحشفة من البلل».

والرواية مع ضعف السند معارضة بما رواه أيضا في هذا الباب عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (3) «قال يجزئ من البول ان يغسله بمثله».

وما رواه في الكافي (4) مرسلا مضمرا انه «يجزئ ان يغسل بمثله من الماء

__________________

(1) وهو موثق عمار المروي في الوسائل في الباب ـ 37 ـ من أبواب النجاسات.

(2 و 3) المروية في الوسائل في الباب ـ 26 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(4) ج 1 ص 7 وفي الوسائل في الباب ـ 26 ـ من أبواب أحكام الخلوة. وفي الباب ـ 1 ـ من أبواب النجاسات.


إذا كان على رأس الحشفة وغيره».

وما رواه ابن المغيرة في الحسن عن أبي الحسن (عليه‌السلام) (1) قال : «قلت له : للاستنجاء حد؟ قال : لا حتى ينقى ما ثمة».

وبإطلاق الأمر بغسله في جملة من الاخبار الحاصل امتثاله بما يحصل به النقاء ولو بالمثل ، والأصل عدم التقييد. والمقيد مع ضعف سنده معارض بما عرفت ، بل يمكن الطعن في دلالته بأن الاجزاء في المثلين لا يقتضي سلب الاجزاء عما دونه والمراد اجزاء الفرد الأكمل. وبذلك يظهر قوة القول الثاني.

إلا انه يمكن ان يقال : ان إطلاق الأخبار ـ بالغسل في بعض والصب في آخر والتحديد بالنقاء في ثالث ـ لا ينافي عند التأمل خبر المثلين ، فان الظاهر ان الغسل لا يصدق إلا بما يقهر النجاسة ويغلب عليها ، ولا يحصل ذلك بأقل من المثلين ، ومثله الصب بطريق اولى ، وأظهر من ذلك النقاء المستلزم للغلبة البتة. نعم يبقى خبرا المثل مناقضين لذلك ، وهما لا يبلغان قوة المعارضة ، سيما مع تأيد هذه الأخبار بموافقة الاحتياط.

واما ما أجاب به الشيخ (رحمه‌الله) في كتابيه عن خبر المثل ـ حيث اعتمد على خبر المثلين ، واقتفاه المحدث الحر العاملي (قدس‌سره) في كتاب الوسائل ، من احتمال رجوع ضمير «مثله» الى البول الخارج كلا ـ ففيه ان ضميري «يغسله» و «بمثله» لا مرجع لهما إلا لفظ البول المتقدم ، وتعلق الغسل بالبول الخارج كلا لا معنى له ، بل المغسول إنما هو المتخلف على المخرج ، وحينئذ فالوجه حمل البول في الرواية على المتخلف ، والمعنى انه يجزئ من ازالة البول أو من غسل البول ان يغسله بمثله.

ولو قيل : انه يمكن تصحيح ما ذهب اليه الشيخ بنوع من الاستخدام ، بجعل

__________________

(1) رواه صاحب الوسائل في الباب ـ 13 و 35 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

وفي الباب ـ 25 ـ من أبواب النجاسات.


ضمير «يغسله» للبول المتخلف ، وضمير «مثله» لمجموع الخارج.

ففيه (أولا) ـ انه لا قرينة تدل عليه ، ولا ضرورة توجب المصير اليه.

و (ثانيا) ـ ان القول بوجوب المثلين دون الأقل منه إنما نشأ من لفظ الاجزاء في الرواية المستدل بها على ذلك الذي هو عبارة عن الاكتفاء بأقل المراتب ، وحينئذ يلزم ـ بناء على ما ذكره من التأويل في الرواية الثانية ـ انه لا يكفي أقل من مثل البول الخارج كملا ، وهو بعيد جدا. والاعتذار بحمل الزائد على المثلين على الاستحباب ـ مع منافاة لفظ الاجزاء له وكون الزيادة إلى ذلك المقدار ربما تبلغ حد الإسراف ـ أبعد. على ان ذلك لا يكون حينئذ ضابطا ولا حكما منضبطا ، لزيادة البول الخارج تارة ونقصانه اخرى. فالظاهر حينئذ هو ما ذكرناه.

(الثالث) ـ هل المراد بالمثلين في الخبر مجرد الكناية عن الغسلة الواحدة ، لاشتراط الغلبة في المطهر وهي لا تحصل بالمثل كما قدمنا ذكره ، أو المراد به بيان التعدد ووجوب غسل مخرج البول مرتين ، والتعبير بالمثلين هنا لبيان أقل ما يجزئ فيه؟ قولان :

أظهرهما الأول ، ويعضده (أولا) ـ ان الرواية لا ظهور لها في كون المثلين دفعة أو دفعتين.

و (ثانيا) ـ ما قدمنا (1) من حسنة ابن المغيرة ، وإطلاق الاخبار بالغسل والصب المقتضى ذلك للغلبة والزيادة في الغسلة.

و (ثالثا) ـ ان جعل المثل غسلة ـ مع اعتبار أغلبية ماء الغسلة على النجاسة واستيلائه عليها كما عرفت ـ مما لا يرتكبه محصل.

نعم يبقى هنا شي‌ء وهو انه قد استفاضت الأخبار بوجوب المرتين في إزالة نجاسة

__________________

(1) في الصحيفة 18.


البول عن الثوب والبدن مع ان ما نحن فيه داخل تحت المسألة ، والاخبار هنا قد دلت على الاكتفاء بالمرة كما حققناه ، وحينئذ فاما ان يخصص عموم تلك الأخبار بأخبار الاستنجاء ، فيقال بوجوب المرتين في ما عدا الاستنجاء ، أو يقيد إطلاق هذه الاخبار بتلك فتجب المرتان هنا ، ولعل الترجيح للأول. ونمنع شمول أخبار المرتين لموضع النزاع بل ظهورها فيما عداه ، ولأن تقييد المطلق مجاز والأصل عدمه.

(الرابع) ـ هل الواجب على تقدير التعدد الانفصال الحقيقي ليحصل التعدد عرفا ، أو يكفي الانفصال التقديري؟ قولان :

اختار أو لهما شيخنا الشهيد في الذكرى ، مع انه اكتفى في تحقق المرتين في غير الاستنجاء بالانفصال التقديري ، واعتذر عنه المحقق الشيخ علي (رحمه‌الله) في شرح القواعد فقال : «وما اعتبره في الذكرى ـ من اشتراط تخلل الفصل بين المثلين ليتحقق تعدد الغسل ـ حق ، لا لأن التعدد لا يتحقق إلا بذلك ، بل لأن التعدد المطلوب بالمثلين لا يوجد بدون ذلك ، لان ورود المثلين دفعة واحدة غسلة واحدة» انتهى.

وتوضيحه ان التعدد التقديري لا بد في العلم بتحققه من زيادة على الغسلتين ، وهي غير متحققة في المثلين إذا وقعا دفعة ، بل إنما يعدان كذلك غسلا واحدا. وعلى كل حال فالأحوط اعتبار الغسل مرتين بل ثلاث مرات ، لما في صحيح زرارة المقطوع (1) «كان يستنجي من البول ثلاث مرات».

والأحوط مع ذلك أيضا الفصل الحقيقي بين الغسلات.

(الخامس) ـ صرح جمع ـ منهم : المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى ـ انه لو لم يجد الماء لغسل البول أو تعذر استعماله لجرح ونحوه وجب التمسح بالحجر ونحوه ، لان الواجب ازالة العين والأثر ، فلما تعذرت إزالتهما معا لم تسقط ازالة العين.

__________________

(1) المروي في الوسائل في الباب ـ 26 و 35 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


ونقل عن بعض المتأخرين انه فهم من هذا الكلام انهم يرون وجوب تجفيف مطلق النجاسة عند تعذر إزالتها ، وان ذلك بدل اضطراري للطهارة من النجاسات كبدلية التيمم للطهارة من الأحداث ، وصرح بالموافقة لهم عليه.

وفيه (أولا) ـ ان ما ذكروه من وجوب المسح بالحجر ونحوه في هذا المقام لا دليل عليه. وما استندوا إليه في الدلالة مجرد اعتبار لا دلالة عليه في الاخبار ، إذ غاية ما يستفاد منها وجوب التطهير بالغسل وصب الماء ، فعند تعذر الماء يسقط التكليف رأسا. وكون الغسل مثلا مشتملا على الأمرين المذكورين لا يستلزم التكليف بأحدهما عند فقده. ولا ريب ان ما ذكروه طريق احتياط لمنع تعدي النجاسة الى الثوب والبدن.

و (ثانيا) ـ ان هذا القائل ان أراد ـ بما فهمه من كلامهم من البدلية ـ ثبوت التطهير بالحجر في حال الضرورة ، كما يفهم من ظاهر كلامه وتمثيله ببدلية التيمم ، فهو مخالف لما عرفت آنفا من الإجماع ـ نصا وفتوى ـ على عدم التطهير في الاستنجاء من البول إلا بالماء أعم من ان يكون حال ضرورة أو سعة ، وعبائر هؤلاء الجماعة الذين قلدهم فيما فهم من كلامهم ناطقة بذلك ، وان أراد مجرد تجفيف النجاسة حذرا من التعدي ، فقد عرفت انه لا دليل عليه وان كان الاولى فعله.

(السادس) ـ الظاهر انه لا يجب الدلك ، لما روى «انه ليس بوسخ فيحتاج ان يدلك» (1). ولما في الاخبار من الأمر بالصب خاصة ، وفي بعضها (2) بعد الأمر بالصب «فإنما هو ماء». هذا إذا كان رطبا. فلو كان جافا مترا كما فلا يبعد الوجوب. لعدم تيقن

__________________

(1) كما في مرسل الكافي ج 1 ص 7 وفي الوسائل في الباب ـ 26 ـ من أبواب أحكام الخلوة وفي الباب ـ 1 ـ من أبواب النجاسات.

(2) وهو خبر البزنطي المروي في الوسائل عن السرائر في الباب ـ 26 ـ من أبواب أحكام الخلوة ، وفي الباب ـ 1 ـ من أبواب النجاسات.


الإزالة إلا به ، مع احتمال العدم وقوفا على ظاهر إطلاق الاخبار ، منضما إلى أصالة البراءة. والاحتياط يقتضي الأول البتة.

(السابع) ـ هل يجب على الأغلف في الاستنجاء من البول كشف البشرة وتطهير محل النجاسة ، أو يكتفي بغسل ما ظهر؟ قولان مبنيان على ان ما تحت الغلفة هل هو من الظواهر أو البواطن؟

وبالأول جزم المحقق الشيخ علي (قدس‌سره) في شرح القواعد ، ونقل الثاني فيه عن المنتهى والذكرى ، معللين له بإلحاقه بالبواطن فيغسل ما ظهر ، ثم قال : «وللنظر فيه مجال».

أقول : والذي وقفت عليه في الكتابين المذكورين لا يطابق ما نقل (قدس‌سره) عنهما ، فإنه صرح في الذكرى بأنه يجب كشف البشرة على الأغلف ان أمكن ، ولو كان مرتتقا سقط. ومثله في المنتهى فيما إذا كشفها وقت البول ، اما لو لم يكشفها حال البول فهل يجب كشفها لغسل المخرج؟ فإنه استقرب الوجوب هنا ايضا. ومثله في المعتبر أيضا ، فإنه تردد في هذه الصورة في الوجوب ، ثم اختاره وجعله الأشبه ، معللا له بأنه يجري مجرى الظاهر. وجزم في التذكرة والتحرير بالحكم في هذه الصورة من غير تردد. وبالجملة فإني لم أقف فيما حضرني من كتب الفقهاء علي خلاف في وجوب غسل البشرة في الصورة المذكورة إلا على ما نقله المحقق الشيخ على. وقد عرفت ما فيه. نعم ظاهر المنتهى والمعتبر التردد في ذلك إلا أنهما اختارا الوجوب كما عرفت. ومن ذلك يعلم انه لا ينبغي الركون إلى مجرد النقل والاعتماد عليه بل ينبغي مراجعة المنقول عنه حيث كان وعلى اي نحو كان.

(الثامن) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) فيمن صلى ناسيا للاستنجاء ، فالمشهور وجوب الإعادة وقتا وخارجا. وعن ابن الجنيد تخصيص وجوب


الإعادة بالوقت واختيار الاستحباب خارجه. وعن الصدوق في الفقيه وجوب الإعادة في البول دون الغائط فلا يعيد ، وزاد في البول اعادة الوضوء ايضا. وعن ابن أبي عقيل ان الاولى إعادة الوضوء ولم يقيد ببول ولا غائط. وروايات المسألة مختلفة جدا.

فمما يدل على المشهور صحيحة زرارة (1) قال : «توضأت يوما ولم اغسل ذكري ثم صليت ، فسألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن ذلك ، فقال اغسل ذكرك وأعد صلاتك». وإنما حملنا الرواية على ترك الغسل نسيانا لبعد التعمد من مثل زرارة في الصلاة بغير استنجاء.

وصحيحة عمرو بن أبي نصر المتقدمة في أول المسألة (2).

وموثقة ابن بكير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (3) «في الرجل يبول وينسى ان يغسل ذكره حتى يتوضأ ويصلي؟ قال : يغسل ذكره ويعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء».

ومورد الجميع نسيان الاستنجاء من البول. وموثقة سماعة (4) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء ، ثم توضأت ونسيت أن تستنجي ، فذكرت بعد ما صليت ، فعليك الإعادة ، وان كنت أهرقت الماء فنسيت ان تغسل ذكرك حتى صليت فعليك اعادة الوضوء والصلاة وغسل ذكرك ، لان البول مثل البراز».

وإطلاق هذه الاخبار يدل على الإعادة وقتا وخارجا.

وبإزائها ما يدل على عدم الإعادة ، كرواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (5) «في الرجل يتوضأ وينسى ان يغسل ذكره وقد بال؟ فقال : يغسل ذكره ولا يعيد الصلاة».

ورواية عمرو بن أبي نصر (6) قال : «قلت لأبي عبد الله : اني صليت

__________________

(1 و 3 و 6) المروية في الوسائل في الباب ـ 18 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(2) في الصحيفة 7.

(4 و 5) المروية في الوسائل في الباب ـ 10 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


فذكرت اني لم اغسل ذكري بعد ما صليت ، أفأعيد؟ قال : لا». ومورد الروايتين نسيان البول.

وموثقة عمار بن موسى (1) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : لو ان رجلا نسي ان يستنجى من الغائط حتى يصلي لم يعد الصلاة».

وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن رجل ذكر وهو في صلاته انه لم يستنج من الخلاء. قال : ينصرف ويستنجي من الخلاء ويعيد الصلاة ، وان ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلك ولا اعادة عليه».

ومن هذه الأخبار تعلم أدلة القولين الآخرين :

وجمع الشيخ بين هذه الأخبار بما لا يخلو من البعد.

وظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) جعل هذه المسألة خارجة عن مسألة من صلى في النجاسة ناسيا ، حيث لم ينقل الخلاف هنا في وجوب الإعادة وقتا وخارجا ، إلا عن ظاهر ابن الجنيد حيث خصص الوجوب بالوقت ، وعن الصدوق حيث نفى الإعادة في الغائط. واما هناك فأكثر المتقدمين على الإعادة مطلقا وعن الشيخ في بعض أقواله العدم مطلقا ، وفي كتاب الاستبصار ـ وتبعه عليه رجل المتأخرين ـ الإعادة في الوقت دون خارجه.

وصريح عبارة السيد السند في المدارك ان هذه المسألة من جزئيات تلك ، فإن أراد أنها كذلك عند الأصحاب ، ففيه ما عرفت. وان أراد ان مقتضى الدليل كونها كذلك ، فهو كذلك ، إلا ان اخبار تلك المسألة ايضا على غاية من الاختلاف. وسيأتي بسط الكلام عليها في محلها ان شاء الله تعالى.

نعم يبقى الكلام هنا في الجمع بين اخبار هذه المسألة ، ولعل الترجيح لأخبار

__________________

(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب ـ 10 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


العدم ، لتأيدها بالأصل ، ويحمل ما يقابلها على الاستحباب جمعا.

واحتمل بعض المتأخرين حمل أخبار الإعادة على انتقاض الوضوء السابق بخروج بلل مع عدم الاستبراء. وفيه انه لا قرينة في شي‌ء من تلك الأخبار تؤنس به. الا انه ربما يجوز ابتناء ذلك على قرينة حالية وان خفيت علينا الآن ، وله نظائر في الاخبار. ولو تم ما استندوا إليه ـ في الجمع بين أخبار الصلاة في النجاسة نسيانا بالإعادة وقتا لا خارجا ـ لأمكن الحمل عليه هنا أيضا. الا انه ـ كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى ـ غير تام. والمسألة لا تخلو عن الاشكال ، لتصادم اخبارها مع صحة الجميع وصراحته. والجمع بما ذكرناه من الوجوه لا يخلو عن بعد. فالاحتياط فيها لازم.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الصدوق (رحمه‌الله تعالى) ذهب إلى وجوب اعادة الوضوء في نسيان الاستنجاء من البول خاصة كما قدمنا ذكره.

وعليه تدل موثقة سماعة المتقدمة (1) وصحيحة سليمان بن خالد عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (2) «في الرجل يتوضأ فينسى غسل ذكره؟ قال : يغسل ذكره ثم يعيد الوضوء».

ومثلها موثقة أبي بصير (3).

وبإزائها من الأخبار في ذلك صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى (عليه‌السلام) (4) قال : «سألته عن الرجل يبول فلا يغسل ذكره حتى يتوضأ وضوء الصلاة. فقال يغسل ذكره ولا يعيد وضوءه».

وصحيحة عمرو بن أبي نصر المتقدمة (5) وصحيحة أخرى له ايضا (6) قال :

__________________

(1) في الصحيفة 23.

(2 و 3 و 4 و 6) المروية في الوسائل في الباب ـ 18 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(5) في الصحيفة 7.


«سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يبول فينسى ان يغسل ذكره ويتوضأ قال يغسل ذكره ولا يعيد وضوءه».

وموثقة ابن بكير المتقدمة (1) وحسنة ابن أذينة المتقدمة في صدر المسألة (2) وجمع الشيخ (رضى الله عنه) بينها بحمل اعادة الوضوء على ما إذا لم يتوضأ سابقا وفيه ان لفظ الإعادة في بعضها ينافيه ، مع ذكر الوضوء سابقا في بعض آخر. وجمع آخرون بحمل الإعادة على الاستحباب. ولا بأس به. إلا ان الأقرب حمل ذلك على التقية ، إذ هي الأصل التام في اختلاف الاخبار كما تقدم بيانه (3).

وكيف كان فالأحوط إعادة الوضوء في الاستنجاء من البول كما هو مورد تلك الأخبار.

و (منها) ـ الاستنجاء من الغائط. وتحقيق الكلام فيه يقع في مواضع :

(الأول) ـ الظاهر انه لا خلاف في انه مع التعدي يتعين فيه الماء ومع عدمه يتخير بينه وبين الأحجار وشبهها.

لكن بيان معنى التعدي هنا لا يخلو من إجمال واشكال ، حيث ان ما صرح به الأصحاب ـ من انه عبارة عن تجاوز الغائط المخرج وهو حواشي الدبر وان لم يبلغ الأليتين ـ لا دليل عليه في اخبار الاستنجاء بالأحجار الواردة من طرقنا بل هي مطلقة نعم روي من طرق العامة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله «يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محل العادة» (4).

__________________

(1) في الصحيفة 23.

(2) في الصحيفة 7 ، وقد وصفها هناك بالصحة.

(3) في المقدمة الأولى في الصحيفة 4 من الجزء الأول.

(4) المروي من طرق العامة هو قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): «يكفى أحدكم ثلاثة أحجار». ولم نقف على تذييله بالجملة الشرطية المذكورة بعد التتبع في مظانه. والذي يؤيد عدم ورود هذا الذيل من طرقهم هو ما ذكره ابن قدامة الحنبلي في المغني ج 1 ص 159


والظاهر ان مستند أصحابنا في ذلك إنما هو الإجماع كما صرح به جماعة منهم ، ومن ثم توقف فيه جملة من متأخري متأخريهم.

بل جزم البعض ـ كالسيد السند في المدارك ـ بأنه ينبغي أن يراد بالتعدي وصول النجاسة إلى محل لا يعتاد وصولها اليه ، ولا يصدق على إزالتها اسم الاستنجاء.

والظاهر انه الأقرب (اما أولا) ـ فلعموم الأدلة وعدم المحصص.

و (اما ثانيا) ـ فلبناء الأحكام الشرعية على ما هو المتعارف المعتاد المتكرر دون النادر القليل الوقوع ، كما لا يخفى على من تتبع مظانها. ولا يخفى ان المتكرر هو التجاوز مع عدم التفاحش.

و (اما ثالثا) ـ فلما صرحوا به في ماء الاستنجاء من الحكم بطهارته ما لم يتفاحش الخارج على وجه لا يصدق على إزالته اسم الاستنجاء ، وحينئذ فكما بنوا الحكم هناك في طهارة الماء على ما يزال به المعتاد المتكرر الذي يصدق على إزالته اسم الاستنجاء ، فلو تفاحش وخرج عن ذلك المصداق لم يحكم بطهارة غسالته ، فكذا يجب البناء عليه ههنا.

و (اما رابعا) ـ فلانه المناسب لبناء شرعية الأحجار من رفع الحرج والضيق في الشرعية. هذا. والاحتياط لا يخفى.

__________________

حيث قال : «ما عدا المخرج لا يجزئ فيه إلا الماء ، وبه قال الشافعي وإسحاق وابن المنذر ، لان الاستجمار في المحل المعتاد رخصة لأجل المشقة في غسله ، لتكرر النجاسة فيه ، فما لا تتكرر فيه للنجاسة لا يجزئ فيه إلا الغسل كساقه وفخذه. وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): «يكفى أحدكم ثلاثة أحجار». أراد به ما لم يتجاوز محل العادة» فإن ذكره بنحو التفسير لكلامه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يدل على عدم وروده وإلا لاستدل به على مدعاه ولم يكن لتنزيل إطلاق الحديث عليه وجه بعد ورود المقيد المتصل ، فالجملة الشرطية المذكورة ليست جزء من الحديث وإنما هي من تفسير الفقهاء.


(الثاني) ـ انه مع التعدي هل يجب غسل الجميع بالماء فلا يطهر بغيره ، أو الواجب غسل ما زاد على القدر الذي يجزئ فيه الأحجار ، فلو غسله كفى استعمال الأحجار في الباقي؟ لم أقف على صريح كلام لهم في ذلك إلا ان ظاهر عبارتهم الأول.

(الثالث) ـ الواجب في الغسل غسل ظاهر المخرج دون باطنه بلا خلاف.

وعليه تدل صحيحة إبراهيم بن أبي محمود عن الرضا (عليه‌السلام) (1) «قال في الاستنجاء : يغسل ما ظهر منه على الشرج ولا يدخل فيه الأنملة».

وموثقة عمار (2) «إنما عليه ان يغسل ما ظهر منها ـ يعني المقعدة ـ وليس عليه ان يغسل باطنها».

(الرابع) ـ قد صرح جمع من الأصحاب بأنه يجب في الغسل هنا ازالة العين والأثر. وغاية ما يستفاد من الأخبار الإنقاء كما في حسنة ابن المغيرة المتقدمة (3) وهو عبارة عن ازالة العين ازالة تامة وان بقيت الريح ، لقوله في تتمة الرواية المذكورة : «قلت : فإنه ينقى ما ثمة وتبقى الريح؟ قال : الريح لا ينظر إليها». وإذهاب الغائط كما في موثقة يونس بن يعقوب (4) «يغسل ذكره ويذهب الغائط ...». والغسل كما في ثالث. نعم يستحب المبالغة ، ف إنها مطهرة للحواشي ومذهبة للبواسير ، كما في صحيحة مسعدة بن زياد أو موثقته (5).

واما ما ذكروا بعد العين من الأثر فلم نقف له في الأخبار على عين ولا أثر ، مع اضطراب كلامهم في تفسيره.

__________________

(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب ـ 29 ـ من أبواب أحكام الخلوة ، وفي الباب ـ 24 ـ من أبواب النجاسات.

(3) في الصحيفة 18.

(4 و 5) المروية في الوسائل في الباب ـ 9 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


فقيل بأنه ما يتخلف على المحل بعد مسح النجاسة وتنشيفها ، وانه غير الرطوبة لأنها من العين.

واعترض عليه بان هذا المعنى غير متحقق ولا واضح ، وعلى تقدير تحققه فوجوب إزالته إنما يتم مع عدم صدق النقاء والإذهاب والغسل ، وإلا فلو صدق شي‌ء من ذلك قبله لزم الاكتفاء به حسبما دلت عليه تلك الأخبار.

وأجاب بعض محدثي متأخري المتأخرين عن أصل الاعتراض بان المحل يكتسب ملوسة من مجاورة الخارج ، وهذه الملوسة تدرك بالملامسة عند صب الماء ، فلعل مراده هذه ، فإنها غير الرطوبة المذكورة. وفيه من التمحل ما لا يخفى.

وقيل انه اللون ، لانه عرض لا يقوم بنفسه ، فلا بد له من محل جوهري يقوم به ، والانتقال على الاعراض محال ، فوجوده حينئذ دليل على وجود العين.

وفيه (أولا) ـ النقض بالرائحة ، فإنها تحصل بالمجاورة. ومما يؤيد عدم الاستلزام ايضا حدوث الحرارة في الماء بالنار والشمس.

و (ثانيا) ـ تصريح الأصحاب والاخبار بالعفو عن اللون.

و (ثالثا) ـ منع وجوب الإزالة بعد حصول الإنقاء والإذهاب والغسل كما عرفت ، إذ هو غاية ما يستفاد وجوبه من الأخبار.

(الخامس) ـ المشهور ـ بل ادعي عليه الإجماع ـ انه يكفي في الاستنجاء مع عدم التعدي كل جسم طاهر جاف قالع للنجاسة. ونقل عن سلار انه لا يجزئ في الاستجمار إلا ما كان أصله الأرض. وعن ابن الجنيد انه قال : «ان لم تحضر الأحجار تمسح بالكرسف أو ما قام مقامه. ثم قال : ولا اختار الاستطابة بالآجر والخزف إلا ما ألبسه طين أو تراب يابس» وعن المرتضى انه قال : «يجوز الاستنجاء بالأحجار أو ما قام مقامها من المدر والخزف».


أقول : والموجود في النصوص من ذلك ـ الأحجار كما في جملة من الأخبار :

(منها) ـ صحيحة زرارة (1) «ويجزئك من الاستنجاء ثلاثة أحجار ...».

والكرسف وهو القطن ، كما في صحيحة زرارة (2) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : كان الحسين (عليه‌السلام) يتمسح من الغائط بالكرسف ولا يغسل».

والمدر والخرق والخزف كما في صحيحة زرارة المضمرة (3) قال : «كان يستنجى من الغائط بالمدر والخرق والخزف». وربما وجد في بعض نسخ التهذيب بعد المدر «الخزف» بالزاي والفاء خاصة.

ويدل على التعميم ـ كما هو القول المشهور ـ حسنة ابن المغيرة (4) حيث سأله هل للاستنجاء حد؟ فأجاب (عليه‌السلام): «لا حتى ينقى ما ثمة». وجه الدلالة انه (عليه‌السلام) نفى الحد وناط ذلك بالنقاء ، واشتراط الإزالة بشي‌ء خاص نوع من التحديد زائد على الإنقاء المطلق المتحقق بأي مزيل كان إلا ما قام الدليل على استثنائه.

وموثقة يونس بن يعقوب المتقدمة (5) المتضمنة لاذهاب الغائط ، فإن ظاهرها الاكتفاء بزوال العين بأي مزيل إلا ما استثنى.

ويعضد ذلك الإجماع المدعى في المقام. وللمناقشة في الجميع مجال.

وظاهر شيخنا صاحب كتاب رياض المسائل وحياض الدلائل التوقف في الحكم

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 9 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 35 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(3) المروية في الوسائل في الباب ـ 26 و 35 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(4) المروية في الوسائل في الباب ـ 13 و 35 ـ من أبواب أحكام الخلوة ، وفي الباب ـ 25 ـ من أبواب النجاسات.

(5) في الصحيفة 28.


المذكور ، لعدم الدليل الواضح على العموم. وهو في محله ، لأن الطهارة حكم شرعي يتوقف على ما جعله الشارع مطهرا. وإطلاق الروايتين المذكورتين يمكن تقييده بخصوص الأفراد التي وردت بها النصوص. والإجماع لا يخفى ما فيه. وكيف كان فطريق الاحتياط الاقتصار على ما وردت به الأخبار.

(السادس) ـ قد اشترطوا ـ بناء على القول بالتعميم ـ في آلة الاستنجاء شروطا :

منها ـ الطهارة ، وهو المشهور بل ادعى في المنتهى عليه الإجماع ، واستدل عليه بقوله (عليه‌السلام) في مرسلة أحمد بن محمد بن عيسى (1) : «جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ويتبع بالماء». وبأنه إزالة نجاسة فلا يحصل بالنجاسة كالغسل. ولاشتماله على نقض الغرض الحاصل من زيادة النجاسة بتعدد نوعها أو شخصها المنافي للحكمة.

وأنت خبير بان جميع ما ذكروه من التعليلات في المقام إنما ينطبق على ما إذا تعدت نجاسة الحجر مثلا إلى المحل ، والمدعى أعم من ذلك. واما الخبر فهو على إطلاقه غير معمول عليه عندهم ، لجواز الاستنجاء بالأحجار المستعملة بعد تطهيرها ، كما لا خلاف فيه بينهم ، فليحمل على الاستحباب في ذلك. كما هو محمول عليه بالنسبة إلى الأتباع بالماء ، ويبقى جواز الاستنجاء بالحجر النجس إذا لم تتعد نجاسته إلى المحل داخلا تحت إطلاق الأخبار وسالما من المانع ، وهم لا يقولون به.

ثم انه بناء على ما ذهبوا اليه من المنع. لو استعمله فهل تبقى الرخصة ، أو يتحتم الماء ، أو يفرق بين ما نجاسته كنجاسة المحل وغيرها؟ أوجه بل أقوال ، ولعل الأوسط أوسط كما انه أحوط.

ومنها ـ الجفاف ، صرح به الأكثر ، فلا يجزئ الرطب عندهم ، اما انه

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 30 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


لا ينشف المحل كما ذكره العلامة في التذكرة ، أو ان البلل الذي عليه ينجس بإصابة النجاسة وتعود نجاستها على الحجر فتحصل عليه نجاسة أجنبية فيكون قد استعمل الحجر النجس ، أو ان الرطب لا يزيل النجاسة بل يزيد التلويث والانتشار كما ذكره (قدس‌سره) في النهاية.

وفي الجميع نظر (اما الأول) فلان تنشيف المحل من النجاسة سيما في المسحة الثالثة لا ينافي رطوبته بالحجر حال الاستعمال ، لجريان ذلك في الماء أيضا ، فإنه يكون مطهرا وقالعا للنجاسة مع رطوبة المحل به.

و (اما الثاني) فلان نجاسة البلة التي تعود على الحجر انما هي بنجاسة المحل ، وهي غير ضارة ، وإلا لأدى إلى عدم التطهير بالماء أيضا ، إلا ان يكون مما لا ينفعل بالملاقاة ، أو يقال بعدم انفعال قليله بها.

وبالجملة فالأخبار بالنسبة إلى هذين الشرطين مطلقة ، والأدلة التي ذكروها لا تنهض ـ كما عرفت ـ بالدلالة وان كان الاحتياط يقتضي المصير إلى ما ذكروه.

ومنها ـ كونه قالعا للنجاسة ، بمعنى ان لا يكون صقيلا يزلق عن النجاسة كالزجاج ونحوه ، ولا لزجا ولا رخوا كالفحم ، لعدم قلع النجاسة. ولا ريب في ذلك مع عدم قلع النجاسة ، اما لو فرض قلعه النجاسة فالظاهر ـ كما صرح به البعض ـ حصول التطهير به ، لصدق الامتثال بناء على ثبوت الكلية التي أدعوها خلافا لجمع : منهم ـ العلامة في النهاية.

(السابع) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في اجزاء الأحجار ونحوها مع عدم التعدي ، والأخبار به متظافرة ، بل ربما يدعى ضروريته من الدين.

ففي صحيح زرارة (1) «ويجزئك من الاستنجاء ثلاثة أحجار ، بذلك جرت السنة من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ...».

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 9 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


وفي صحيحة المضمر (1) «كان يستنجي من البول ثلاث مرات : ومن الغائط بالمدر والخرق والخزف».

وفي صحيحته الثالثة (2) «كان الحسين بن علي (عليهما‌السلام) يتمسح من الغائط بالكرسف ولا يغسل».

وفي صحيحة رابعة له أيضا (3) «جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله ...». إلى غير ذلك من الأخبار.

وحينئذ فما ورد مما يدل بظاهره على خلاف ذلك يجب ارتكاب التأويل فيه.

كموثقة عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (4) «في الرجل ينسى ان يغسل دبره بالماء حتى صلى إلا انه قد تمسح بثلاثة أحجار؟ قال : ان كان في وقت تلك الصلاة فليعد الوضوء وليعد الصلاة. وان كان قد مضى وقت تلك الصلاة التي صلى فقد جازت صلاته ، وليتوضأ لما يستقبل من الصلاة».

وحملها الشيخ على الاستحباب ، ويمكن الحمل أيضا على حالة التعدي ، ولعله (عليه‌السلام) علم ذلك فأجاب بالإعادة ، ومثله في الأخبار غير عزيز.

وكيف كان فهي قاصرة عما قدمنا من الأخبار ، مع ما في روايات عمار من التهافت ، وفي تتمة هذه الرواية ما يؤيد ما قلنا من نقض الوضوء بمس باطن الدبر وباطن الإحليل. والعجب من الصدوق (قدس‌سره) حيث افتى بمضمون صدر هذه الرواية في المقنع ، كما افتى بعجزها في الفقيه ، كما سيأتي ذكره ان شاء الله تعالى ، مع مخالفتها في الموضعين للأخبار المستفيضة.

__________________

(1) المروي في الوسائل في الباب ـ 26 و 35 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 35 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(3) المروية في الوسائل في الباب ـ 30 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(4) المروية في الوسائل في الباب ـ 10 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


ورواية عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي (عليه‌السلام) (1) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : إذا استنجى أحدكم فليوتر بها وترا إذا لم يكن الماء». وضمير بها يعود إلى أداة الاستنجاء المدلول عليها بقوله : «إذا استنجى» ومفهومه عدم اجزاء الاستنجاء بالأحجار ونحوها مع وجود الماء.

والأظهر حملها على الاستحباب وأفضلية الماء ، وعلى ذلك أيضا تحمل مرسلة أحمد المرفوعة إلى أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ويتبع بالماء».

واحتمل بعض الحمل على التعدي في الخبرين المذكورين.

(الثامن) ـ الظاهر انه لا خلاف في وجوب الزيادة على الثلاثة مع عدم النقاء بها كما نقله غير واحد ، وانما اختلفوا في وجوب التثليث مع حصول النقاء بالأقل ، فظاهر المشهور ذلك وقيل بالعدم ، وهو المنقول عن المفيد (رحمه‌الله) واختاره في المختلف.

ويدل على المشهور ما قدمنا (3) من صحاح زرارة : الاولى والثانية والرابعة : أما الاولى والرابعة فلتضمنهما للتثليث صريحا ، واما الثانية فباعتبار صيغة الجمع في المدر وما بعده الذي أقله ثلاثة. وقوله (عليه‌السلام) في رواية العجلي (4) : «يجزئ من الغائط المسح بالأحجار ...». وفي مرسلة أحمد المتقدمة (5) «جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ...». وأصالة بقاء المحل على النجاسة حتى يعلم المزيل.

ويدل على الثاني ما تقدم من حسنة ابن المغيرة (6) المتضمنة للإنقاء ، وموثقة

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 9 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(2 و 5) المروية في الوسائل في الباب ـ 30 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(3) في الصحيفة 32 و 33.

(4) المروية في الوسائل في الباب ـ 9 و 30 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(6) المتقدمة في الصحيفة 18.


يونس بن يعقوب (1) المتضمنة لاذهاب الغائط. وبهما تزول أصالة البقاء المذكورة. وعدم دلالة اجزاء عدد خاص أو ما يدل عليه على عدم اجزاء ما دونه. وحكاية الفعل في صحيحة زرارة المضمرة (2) لا يقتضي الوجوب. والسنة في صحيحة زرارة الاولى ومرسلة أحمد (3) أعم من الوجوب. والمسألة محل توقف وان كان القول المشهور لا يخلو من رجحان ، لأن الطهارة ـ كما عرفت ـ حكم شرعي يتوقف على ثبوت سببه ، والمتكرر في الاخبار التثليث وإطلاق روايتي ابن المغيرة (4) ويونس (5) يمكن تقييده بتلك الأخبار ، مع ان مورد رواية يونس الاستنجاء بالماء والأخرى لا تأبى الحمل عليه أيضا. والاحتياط لا يخفى.

(التاسع) ـ اختلف الأصحاب ـ بناء على وجوب التثليث ـ في ذي الجهات الثلاث ، هل يجزئ عن الثلاثة أم لا؟ قولان.

اختار أولهما العلامة في جملة من كتبه ، ونقله في المختلف عن ابن البراج ، وهو منقول أيضا عن الشيخ المفيد ، واختاره الشهيد والمحقق الشيخ علي.

وإلى الثاني ذهب المحقق وجماعة من المتأخرين : منهم ـ الشهيد الثاني. وكلام الشيخ في هذا المقام لا يخلو من إجمال وإبهام.

احتج العلامة في المختلف على الاجزاء ، قال : «لنا ان المراد ثلاث مسحات بحجر كما لو قيل اضربه عشرة أسواط ، فإن المراد عشر ضربات بسوط. ولأن المقصود إزالة النجاسة وقد حصل. ولأنها لو انفصلت لا جزأت فكذا مع الاتصال ، واي عاقل يفرق بين الحجر متصلا بغيره ومنفصلا؟ ولأن الثلاثة لو استجمروا بهذا الحجر لا جزأ كل واحد عن حجر واحد» انتهى.

__________________

(1 و 5) المتقدمة في الصحيفة 28.

(2) المتقدمة في الصحيفة 33.

(3) المتقدمتين في الصحيفة 32 و 34.

(4) المتقدمة في الصحيفة 18.


وزاد آخرون الاستدلال بقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): «إذا جلس أحدكم لحاجته فليمسح ثلاث مسحات» (1).

وأجيب عن الأول بأن إرادة المسحات من قولنا : «امسحه بثلاثة أحجار» مجاز البتة ، وهو موقوف على القرينة ، والتشبيه بما ذكره مردود بالفرق بين قولنا : «اضربه عشرة أسواط» و «اضربه بعشرة أسواط» فإن قرينة التجوز في الأول بإرادة عشر ضربات ظاهرة بخلافها في الثاني ، فالتشبيه غير موافق.

وعن الثاني بأنه مصادرة محضة ، فإن المقصود إزالة النجاسة على الوجه المعتبر شرعا ، لان كلا من النجاسة والطهارة حكم شرعي يجب الوقوف فيه على ما رسمه الشارع وعينه مطهرا ومنجسا.

وعن الثالث بأنه قياس مع وجود الفارق وهو النص ، فإنه دل على الجواز حال الانفصال دونه حال الاتصال ، والغالب ـ كما قيل ـ في أبواب العبادات رعاية جانب التعبد.

وعن الرابع بان الفرق ـ بين استجمار كل واحد بواحد وبين استجمار الواحد بكل واحد ـ واضح ، لحصول الامتثال في الأول دون الثاني. على ان في الاستجمار بالحجر الواحد لواحد أو أكثر لزوم محذور ما تقدم من اشتراط الطهارة في أحجار الاستجمار.

وعن الخامس بان الخبر عامي ضعيف لا يقوم حجة. على انه مطلق والخبر

__________________

(1) سيأتي منه (قده) ان هذا الخبر عامي ، ولم نقف على هذا النص من طرق العامة بعد الفحص في مظانه ، والذي وقفنا عليه من طرقهم بهذا المضمون ما في مجمع الزوائد للهيثمى ج 1 ص 211 وهو قوله (ص): «إذا تغوط أحدكم فليمسح ثلاث مرات». وقوله (ص): «إذا تغوط أحدكم فليمسح بثلاثة أحجار ، فإن ذلك كافيه». وقوله (ص): «إذا دخل أحدكم الخلاء فليمسح بثلاثة أحجار». وروى الأول والثالث في كنز العمال ج 5 ص 84 و 85.


المتضمن للأحجار مقيد ، والمقيد يحكم على المطلق.

واستند بعض فضلاء متأخري المتأخرين في الاستدلال لهذا القول أيضا بحسنة ابن المغيرة وموثقة يونس (1).

ولا يخفى ما فيه ، فان الكلام في هذه المسألة مبني على وجوب التثليث كما أشرنا إليه آنفا ، والخبران المذكوران ظاهران في عدمه كما عرفت سابقا ، فالقائل به لا بد له من ارتكاب التأويل في ذينك الخبرين على وجه يؤولان به إلى اخبار التثليث كما وجهناه سابقا ، فلا يتم الاستدلال بهما هنا. هذا. والقول بعدم الاجزاء هنا فرع ثبوت التثليث من تلك الأخبار ، وقد عرفت ما فيه. إلا ان المشهور ثمة كان لا يخلو من رجحان فهنا كذلك ، وإلى ذلك مال جملة من متأخري المتأخرين.

ثم انه هل ينسحب الحكم إلى غير الحجر؟ ظاهر المحقق في المعتبر ذلك واستظهر في المدارك القطع بعدمه تمسكا بالعموم. ولعله الأقرب قصرا للاشتراط ـ ان تم ـ على مورده.

(العاشر) ـ هل يجب إمرار كل حجر على موضع النجاسة ، أم يجزئ التوزيع ، بمعنى ان يمسح ببعض أدوات الاستنجاء بعض محل النجاسة وببعض آخر بعضا آخر وهكذا مع حصول النقاء بذلك؟ قولان : اختار أولهما المحقق في الشرائع ، وثانيهما في المعتبر ، واليه مال السيد في المدارك ، قائلا : «إذ لا دليل على وجوب استيعاب المحل كله بجميع المسحات» انتهى.

وهذا مبني على قاعدة أصولية اشتهر البناء عليها في أمثال ذلك ، وهو انه إذا تعلق الطلب بماهية كلية كفى في الامتثال الإتيان بأي فرد منها ، كما ذكروه في مواضع من أبواب الفقه ، منها ـ غسل الوجه واليدين في الوضوء وغيره. وهو ـ كما حققه

__________________

(1) المتقدمتين في الصحيفة 18 و 28.


بعض محدثي متأخري المتأخرين ـ محل نظر ، قال : «فان بعض الماهيات الكلية تحته افراد تصلح عند العقلاء لأن يتعلق غرض الشارع ببعضها دون بعض ، كحج البيت وغسل الوجه في الوضوء ومسح المخرج بثلاثة أحجار ، ويستهجن عندهم الاقدام على فرد مشكوك فيه من إفرادها من غير سؤال وينسبون فاعله إلى السفه ، وهذا نوع من الإجمال منشأه نفس المعنى لا اللفظ» انتهى كلامه زيد مقامه. وهو وجيه.

المورد الثاني

في المحرمات

و (منها) ـ استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائط على المشهور ، ولكن هل يحرم مطلقا أو في الصحراء خاصة واما في الدور فالأفضل الاجتناب؟ قولان : المشهور الأول ، ونقل الثاني عن ظاهر سلار.

واما مذهب الشيخ المفيد في هذه المسألة فقد اختلف كلام الأصحاب في نقله ، فحكى عنه في المعتبر التحريم في الصحاري والكراهة في البنيان ، وحكى عنه ـ في المنتهى والتذكرة والدروس ـ التحريم في الصحاري ولم يذكروا الكراهة. وقال في المختلف بعد نقل عبارة المقنعة : «وهذا الكلام يعطي الكراهة في الصحاري والإباحة في البنيان» انتهى. ولعل هذا الاختلاف نشأ من اختلاف الأفهام في فهم عبارة المقنعة حيث قال : «ثم ليجلس ولا يستقبل القبلة بوجهه ولا يستدبرها ، ولكن يجلس على استقبال المشرق ان شاء أو المغرب ، إلى ان قال بعد كلام خارج في البين : فان دخل الإنسان دارا قد بني فيها مقعد للغائط على استقبال القبلة أو استدبارها لم يضره الجلوس ، وإنما يكره ذلك في الصحاري والمواضع التي يتمكن فيها من الانحراف عن القبلة» انتهى. وحيث كان صدر عبارته محتملا للحمل على التحريم والكراهة ـ ولفظ الكراهة أيضا في عجز عبارته محتمل لهما ، فإنه كثيرا ما يعبر بالكراهة في مقام


التحريم كما هو شائع في الاخبار ـ وقع هذا الاختلاف في نقل مذهبه ، مع ان في انطباق النقول المذكورة مع ذلك نوع اشكال.

ونقل عن ابن الجنيد استحباب ترك الاستقبال في الصحراء ولم يذكر الاستدبار ولا الحكم في البنيان.

وذهب جملة من متأخري المتأخرين : منهم ـ السيد في المدارك إلى الكراهة مطلقا.

والذي وقفت عليه من الاخبار في المسألة رواية عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن جده عن علي (عليه‌السلام) (1) قال : «قال لي النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله): إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولكن شرقوا أو غربوا».

ومرفوعة محمد في الكافي (2) قال : «سئل أبو الحسن (عليه‌السلام) ما حد الغائط؟ قال : لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها».

ومرفوعة عبد الحميد بن أبي العلاء أو غيره رفعه (3) قال : «سئل الحسن ابن علي (عليهما‌السلام) ما حد الغائط؟ قال : لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها».

وروى في الفقيه (4) مرسلا قال : «نهى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن استقبال القبلة ببول أو غائط».

وروى في الكافي (5) عن علي مرفوعا قال : «خرج أبو حنيفة من عند ابي عبد الله (عليه‌السلام) وأبو الحسن (عليه‌السلام) قائم وهو غلام ، فقال له أبو حنيفة :

__________________

(1 و 3) المروية في الوسائل في الباب ـ 2 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(2) ج 1 ص 6 وفي الوسائل في الباب ـ 2 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(4) ج 1 ص 180 وفي الوسائل في الباب ـ 2 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(5) ج 1 ص 6 وفي الوسائل في الباب ـ 2 و 15 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال : اجتنب أفنية المساجد ، وشطوط الأنهار ، ومساقط الثمار ، ومنازل النزال ، ولا تستقبل القبلة بغائط ولا بول ، وارفع ثوبك وضع حيث شئت ...».

وروى محمد بن إسماعيل قال : «دخلت على الرضا (عليه‌السلام) وفي منزله كنيف مستقبل القبلة ...» (1).

وأنت خبير بان ما عدا الرواية الأخيرة ظاهرة الدلالة على التحريم كما هو القول الأول الذي عليه المعمول.

وطعن جملة من متأخري المتأخرين في هذه الاخبار ـ بعد التمسك بأصالة الجواز ـ بضعف السند ، فحملوها على الاستحباب لذلك ، وزاد بعض منهم الطعن أيضا بضعف الدلالة ، لاقتران ما ورد من النهي عن الاستقبال والاستدبار بجملة من النواهي المراد بها الكراهة ، وزاد آخر أيضا ـ بعد الاستدلال على عدم التحريم برواية محمد ابن إسماعيل المذكورة ـ انه مع قطع النظر عن ذلك فدلالة الأوامر الواردة في أخبارنا على الوجوب والنواهي علي التحريم ممنوع وان قلنا ان الأمر والنهي حقيقة في الوجوب والتحريم ، لشيوع استعمال الأول في الاستحباب والثاني في الكراهة على وجه لا يمكن دفعه.

ويرد على الأول انه لا دليل على التمسك بهذا الأصل من كتاب ولا سنة ، كما بسطنا لك الكلام عليه في المطلب الأول من المقام الثالث من المقدمة الثالثة (2).

ويرد على الثاني ان ضعف السند ليس من القرائن الموجبة لصرف اللفظ عن ظاهره.

__________________

(1) رواه صاحب الوسائل في الباب ـ 2 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(2) في الصحيفة 41 من الجزء الأول.


وعلى الثالث ان الاقتران بما هو محمول على الكراهة لو سلم كونه قرينة فإنما يتم فيما لو انحصر الدليل فيما هو كذلك ، وهنا قد ورد النهي عن ذلك من غير اقتران بشي‌ء في رواية الهاشمي (1) وكذا رواية الفقيه (2) ولا يخفى على المتتبع كثرة ورود الأحكام الواجبة من هذا القبيل.

وعلى الرابع ان وجود الكنيف في المنزل كذلك لا يستلزم ان يكون فعله (عليه‌السلام) لجواز كون البيت ليس له سابقا ، ولا يستلزم أيضا جلوسه عليه ، ومع تجويز جلوسه فيمكن الانحراف.

وعلى الخامس انه بمكان من الضعف الشديد ، والمخالفة لآيات الكتاب المجيد كما أوضحناه في المقدمة السابعة (3) بأتم بيان ، وشددنا منه الجوانب والأركان.

فوائد

(الأولى) ـ الظاهر ـ كما استظهره جملة من الأصحاب ـ تعلق حكم الاستقبال والاستدبار بالبدن كملا كما هو المتعارف ، دون مجرد العورة حتى لو حرفها زال المنع خلافا للبعض.

(الثانية) ـ الظاهر إلحاق حال الاستنجاء بذلك ، لرواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «قلت له : الرجل يريد ان يستنجي كيف يقعد؟ قال : كما يقعد للغائط ...».

(الثالثة) ـ انه على تقدير القول بالتحريم فهل الأمر بالتشريق والتغريب في رواية عيسى بن عبد الله الهاشمي (5) على الوجوب أو الاستحباب؟ وجهان يلتفتان

__________________

(1 و 2 و 5) المتقدمة في الصحيفة 39.

(3) في الصحيفة 115 من الجزء الأول.

(4) المروية في الوسائل في الباب ـ 37 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


إلى ان المراد بالقبلة هنا هي ما يجب التوجه عند العلم ولو في أثناء الصلاة إليها ، أو ما لا تجب إعادتها بعد التوجه إليها بناء على ظن كونها قبلة.

وبالثاني صرح بعض المحققين ، ويخدشه ان الحديث الذي اعتمده دليلا على ذلك ـ وهو قوله (عليه‌السلام) (1) : «ما بين المشرق والمغرب قبلة». ـ محمول على الناسي ، كما يفصح عنه صحيح معاوية بن عمار ، وما ورد أيضا (2) ان «من بال حذاء القبلة ثم ذكر فانحرف عنها إجلالا للقبلة. الحديث» فان ظاهره يشعر بالاكتفاء بانحراف ما يخرج به عن محاذاتها ، وحينئذ فيمكن ان يقال : المراد بالتشريق والتغريب الميل عن القبلة ذات اليمين أو ذات اليسار لا التوجه إلى جهة المشرق والمغرب الاعتداليين.

(الرابعة) ـ انه على تقدير القول بالتحريم ، لو اشتبهت القبلة قيل : وجب الاجتهاد في تحصيلها من باب المقدمة ، فإن حصل شيئا من الأمارات بنى عليه وإلا انتفى التحريم أو الكراهة. واستقرب السيد في المدارك احتمال انتفائهما مطلقا ، للشك في المقتضى والظاهر ان وجه قربه ان مقتضى صحيحة ابن سنان (3) ـ الدالة على ان «كل شي‌ء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه». ونظائرها ـ ذلك.

و (منها) ـ الاستنجاء بالروث والعظم والمطعوم والمحترم ، ومنه ـ التربة الحسينية على مشرفها أفضل التحية ، والقرآن ، وما كتب فيه شي‌ء من علوم الدين ، كالحديث والفقه ، وههنا مقامان :

__________________

(1) في صحيحي زرارة ومعاوية بن عمار المرويين في الوسائل في الباب ـ 1 ـ من أبواب القبلة ، وفي الأول اضافة «كله».

(2) في رواية محمد بن إسماعيل المروية في الوسائل في الباب ـ 2 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(3) المروية في الوسائل في الباب ـ 4 ـ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة وفي باب «حكم السمن والجبن وغيرهما إذا علم انه خلطه حرام» من أبواب الأطعمة المحرمة.


(أحدهما) ـ تحريم الاستنجاء بهذه الأشياء ، أما الثلاثة الأول منها فظاهر العلامة في المنتهى دعوى الإجماع على حرمة الاستنجاء بها ، لكنه في التذكرة احتمل الكراهة في الأولين منها ، وبذلك صرح المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتاب الوسائل ، حيث قال : «باب كراهة الاستنجاء بالعظم والروث» (1) وفي المعتبر صرح بالإجماع على التحريم فيهما.

ويدل على التحريم فيهما رواية ليث المرادي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود. فقال : اما العظم والروث فطعام الجن ، وذلك مما اشترطوا على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال : لا يصلح بشي‌ء من ذلك».

وقال في الفقيه (3) : «لا يجوز الاستنجاء بالروث والعظم ، لان وفد الجان جاؤوا إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقالوا : يا رسول الله متعنا ، فأعطاهم الروث والعظم ، فلذلك لا ينبغي ان يستنجى بهما».

واما الثالث فالذي ورد منه في الأخبار الخبز ، كما روي في عدة من كتب الاخبار : منها ـ الكافي ، وروى فيه (4) عن عمرو بن شمر قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول في حديث : ان قوما أفرعت عليهم النعمة وهم أهل الثرثار (5) فعمدوا إلى مخ الحنطة فجعلوه خبزا هجأ ، وجعلوا ينجون به صبيانهم ،

__________________

(1) وهو الباب ـ 35 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 35 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(3) ج 1 ص 20 وفي الوسائل في الباب ـ 35 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(4) ج 2 ص 165 وفي الوسائل في الباب ـ 40 ـ من أبواب أحكام الخلوة ، وفي الباب ـ 78 ـ من أبواب آداب المائدة.

(5) قال في بيان الوافي : «الثرثار اسم نهر ، وهجأ من هحأ كمنع إذا سكن جوعه وذهب ، وينجون اى يستنجون ، والأسف السخط ، قال الله تعالى : «فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ»


حتى اجتمع من ذلك جبل عظيم ، قال : فمر بهم رجل صالح وإذا امرأة وهي تفعل ذلك بصبي لها ، فقال : ويحكم اتقوا الله ولا تغيروا ما بكم من نعمة ، فقالت له : كأنك تخوفنا بالجوع ، اما ما دام ثرثارنا يجري فإنا لا نخاف الجوع. قال فأسف الله وأضعف لهم الثرثار وحبس عنهم قطر السماء ونبت الأرض ، فاحتاجوا إلى ذلك الجبل ، وانه كان ليقسم بينهم بالميزان». ويدل على ذلك الأخبار المستفيضة بإكرام الخبز والنهي عن إهانته.

واما ما عداه من المطعوم فاستدل عليه بان طعام الجن منهي عنه ، فطعام أهل الصلاح بطريق اولى. ولا يخفى ما فيه.

وظاهر بعض محدثي متأخري المتأخرين تخصيص التحريم هنا بالخبز خاصة.

نعم يدل على ذلك ما رواه في كتاب دعائم الإسلام (1) قال : «نهوا (عليهم‌السلام) عن الاستنجاء بالعظام والبعر وكل طعام ...». إلا ان الكتاب المذكور لم يثبت الاعتماد على مصنفه وان كان قد ذكره شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في كتاب البحار ونقل عنه ما تضمنه من الاخبار ، إلا انه قال ـ بعد ذكر مصنفه وبيان بعض أحواله ـ ما صورته : «واخباره تصلح للتأييد والتأكيد» انتهى.

واما المحترم كالتربة المشرفة فلا ريب في وجوب إكرامها وتحريم إهانتها من حيث كونها تربته (عليه‌السلام) بل لا يبعد ـ كما ذكره بعض أصحابنا ـ الحكم بكفر المستعمل لها من تلك الحيثية.

__________________

والأضعاف هو جعل الشي‌ء ضعيفا أو مضاعفا ، ولعل الأول أظهر إلا ان الثاني انسب بكلام المرأة وقوله (عليه‌السلام) : «لهم» دون «عليهم» وذلك لأنهم لما اعتمدوا على النهر ضاعف الله لهم النهر ، وحبس عنهم القطر والزرع ليعلموا ان النهر لا يغنيهم عن الله تعالى وان الاعتماد على الله» انتهى (منه رحمه‌الله).

(1) ج 1 ص 128.


ومما يؤيد هذا المقام ـ ويدخل في سلك هذا النظام وان طال به زمام الكلام ، إلا ان فيه ـ زيادة على ما ذكرنا ـ نشر فضيلة من فضائله (عليه‌السلام) ـ ما رواه جملة من مشايخنا عطر الله مراقدهم عن الشيخ (قدس‌سره) في كتاب الأمالي (1) بسنده فيه عن أبي موسى بن عبد العزيز ، قال : «لقيني يوحنا بن سراقيون النصراني المتطبب في شارع أبي أحمد ، فاستوقفني وقال لي : بحق نبيك ودينك من هذا الذي يزور قبره قوم منكم بناحية قصر ابن هبيرة؟ من هو من أصحاب نبيكم؟ قلت : ليس هو من أصحابه ، هو ابن بنته ، فما دعاك إلى المسألة عنه؟ فقال : له عندي حديث طريف. فقلت : حدثني به. فقال : وجه إلي سابور الكبير الخادم الرشيدي في الليل فصرت اليه ، فقال لي : تعال معي ، فمضى وانا معه حتى دخلنا على موسى بن عيسى الهاشمي ، فوجدناه زائل العقل منكبا على وسادة ، وإذا بين يديه طشت فيه حشو جوفه ، وكان الرشيد استحضره من الكوفة ، فاقبل سابور على خادم كان من خاصة موسى ، فقال له : ويحك ما خبره؟ فقال : أخبرك انه كان من ساعة جالسا وحوله ندماؤه وهو من أصح الناس جسما وأطيبهم نفسا ، إذ جرى ذكر الحسين ابن علي (عليهما‌السلام) قال يوحنا : هذا الذي سألتك عنه. فقال موسى : ان الرافضة لتغلوا فيه حتى انهم ـ فيما عرفت ـ يجعلون تربته دواء يتداوون به. فقال له رجل من بني هاشم كان حاضرا : قد كانت بي علة غليظة فتعالجت لها بكل علاج فما نفعني حتى وصف لي ان آخذ من هذه التربة ، فأخذتها فنفعني الله بها وزال عني ما كنت أجده. قال : فبقي عندك منها شي‌ء؟ قال : نعم. فوجه فجاء بقطعة منها فناولها موسى بن عيسى ، فأخذها موسى فاستدخلها دبره استهزاء بمن يتداوى بها ، واحتقارا وتصغيرا لهذا الرجل الذي هذه تربته ، يعني الحسين (عليه‌السلام) فما هو إلا ان استدخلها دبره حتى صاح : النار النار ، الطشت الطشت ، فجئناه بالطشت فاخرج فيه

__________________

(1) في الصحيفة 202.


ما ترى ، فانصرف الندماء وصار المجلس مأتما ، فاقبل علي سابور فقال : انظر هل لك فيه حيلة؟ فدعوت بشمعة فنظرت فإذا كبده وطحاله ورئته وفؤاده خرج منه في الطشت ، فنظرت إلى أمر عظيم ، فقلت : لا أجد إلى هذا صنعا إلا أن يكون عيسى الذي كان يحيى الموتى. فقال لي سابور : صدقت ولكن كن ههنا في الدار إلى ان يتبين ما يكون من امره ، فبت عندهم وهو بتلك الحال ما رفع رأسه ، فمات في وقت السحر. قال محمد بن موسى : قال لي موسى بن سريع : كان يوحنا يزور قبر الحسين (عليه‌السلام) وهو على دينه ، ثم أسلم بعد هذا وحسن إسلامه».

واما القرآن العزيز وما كتب عليه شي‌ء من أسمائه تعالى ، فلما مر من وجوب صونهما عمن ليس بطاهر ، فعن ملاقاة النجاسة بطريق اولى. ولظاهر قوله تعالى : «فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ» (1) وقوله : «يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً ...» (2).

وما كتب عليه شي‌ء من علوم الدين فلدخوله في الشعائر المأمور بتعظيمها في قوله تعالى : «وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ ...» (3) وان لا تحل ، لقوله : «لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ ...» (4) وتردد فيه بعض محققي متأخري المتأخرين وجعل التحريم احتمالا قويا.

و (ثانيهما) ـ انه مع الاستنجاء بما ثبت تحريم الاستنجاء به هل يطهر المحل وان أثم بالاستعمال ، أو لا يطهر؟ قولان ، وإلى الأول ذهب العلامة في المنتهى والمختلف والتذكرة والقواعد ، وإلى الثاني ذهب الشيخ وابن إدريس والمحقق. وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في الروض التفصيل في ذلك بين ما يوجب استعماله الحكم بكفر فاعله ، كاستعمال التربة الحسينية والمكتوب عليه شي‌ء من أسماء الله تعالى ، أو العلم كالحديث والفقه عالما وعامدا ، فلا يتصور الطهارة به حينئذ ، وبين ما لا يوجب إلا مجرد الإثم كالمطعوم والعظم والروث ، أو لا يوجب شيئا كاستعمال التربة وما عليه

__________________

(1) سورة عبس الآية 14 و 15.

(2) سورة البينة الآية 3.

(3) سورة الحج الآية 32.

(4) سورة المائدة الآية 2.


شي‌ء من أسماء الله تعالى جهلا ، فيطهر وان اثم في الأول.

احتج الشيخ (رحمه‌الله) بأن النهي يدل على الفساد. وزاد المحقق التمسك باستصحاب المنع حتى يثبت رفعه بدليل شرعي.

ورد الأول بأنه ـ على تقدير تسليمه ـ مخصوص بالعبادات. والثاني بأن الاستصحاب مرتفع بعموم ما دل على الاكتفاء بالإنقاء.

والمسألة محل توقف ، ينشأ من ان الطهارة حكم شرعي يتوقف على استعمال ما جعله الشارع مطهرا ، وهذه الأشياء مما قد نهى الشارع عن الطهارة بها ، وظاهر ذلك عدم وقوع التطهير بها. وحديث الإنقاء (1) لا عموم فيه على وجه يشمل محل النزاع ، لاحتمال بل ظهور ان يكون معنى قول السائل : «هل للاستنجاء حد؟» انه هل يتقدر بعدد مخصوص أو كيفية مخصوصة؟ فقال (عليه‌السلام) : «لا بل حده النقاء» بمعنى انه لا يتقدر بشي‌ء من ذلك ، وانما الحد نقاء المحل من النجاسة بأي عدد اتفق وعلى اي كيفية ، واما بيان المطهر فلا تعرض له فيه بوجه ، فيرجع إلى ما ثبت كونه مطهرا. ولقوله (عليه‌السلام) في رواية ليث المتقدمة (2) : «لا يصلح بشي‌ء من ذلك». ومن احتمال بل ظهور كون النهي عن استعمال هذه الأشياء إنما هو من حيث الاحترام لا من حيث عدم الصلاحية للتطهير. وحينئذ فلا ينافي حصول التطهير بها وان أثم بالاستعمال.

وتحقيقه ان النهي في غير العبادات ان توجه لشي‌ء من حيث عدم صلاحية المنهي عنه لترتب الحكم عليه ، كالنهي عن بيع الخمر ـ مثلا ـ ونجس العين ، والنهي عن نكاح المحارم ونحو ذلك ، كان موجبا للفساد والبطلان ، وان توجه من حيث أمر خارج عن ترتب الحكم على المنهي عنه مفارق من زمان مخصوص أو حال مخصوصة

__________________

(1) وهو حسن ابن المغيرة المتقدم في الصحيفة 18.

(2) في الصحيفة 43.


أو نحو ذلك ، كالنهي عن البيع وقت النداء ، فلا وجه للإبطال بل غاية النهي التأثيم خاصة. ومن الظاهر ان توجه النهي هنا إنما هو من جهة الاحترام الذي هو أمر خارج وصفة مفارقة للاستنجاء بتلك الأشياء ، كما يأتي مثله في الاستنجاء بل إزالة النجاسة مطلقا بالماء المغصوب ، فإنه لا ريب في طهارة المحل به وان اثم من حيث التصرف ، وما ذاك إلا من حيث كون صفة الغصب أمرا خارجا ، بخلاف الاستنجاء بالنجس وإزالة النجاسة بالماء النجس ، فإنه من حيث عدم صلاحية تلك الأشياء من حيث هي للإزالة فلا يطهر المحل بها. وهذا الوجه لا يخلو من قوة لو كان الوارد في النص مجرد النهي. لكن قوله في رواية ليث (1) : «لا يصلح بشي‌ء من ذلك». ظاهر في عدم الاجزاء. والرواية وان كانت ضعيفة السند إلا انها مجبورة بعمل الأصحاب ، والأمران اصطلاحيان ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر. واما عندنا فالأمر أهون من ذلك.

(فرع) لا ريب ان تحريم الاستنجاء بتلك الأشياء المحترمة إنما هو من حيث إهانتها بالإيقاع في النجاسة ، وحينئذ فيحرم تنجيسها مطلقا ، ومثل ذلك القول في الخبز لحديث أهل الثرثار ، فيحرم تنجيسه أيضا بغير الاستنجاء. ولا يبعد انسحاب ذلك في باقي المطعومات ، لاستلزام ذلك كفر النعمة وعدم شكرها ، ولفحوى أحاديث استحباب أكل المتساقط من الخوان ، واخبار استحباب لعق الأصابع بعد الأكل. لكن يبقى الكلام في مثل العظم والروث على القول بتحريم الاستنجاء بهما ، هل يحرم تنجيسهما أم لا؟ لم أقف في ذلك لأحد من أصحابنا في الكتب الاستدلالية على كلام إلا لشيخنا البهائي (قدس‌سره) في أجوبة مسائل الشيخ صالح الجزائري ، حيث قال ـ بعد قول السائل : مسألة ـ الفقهاء (رضوان الله عليهم) قالوا : لا تستجمر بالعظم والروث ، فهل يحرم أصابتهما بغير استجمار أم لا؟ ـ ما صورته : «الجواب ـ

__________________

(1) المتقدمة في الصحيفة 43.


والثقة بالله وحده ـ النهي عن الاستجمار بهما معلل بكونهما طعام الجن (1) وفي خبر آخر عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) التعليل بأنهما لا يطهران (2) وقد يتراءى من التعليل الأول تحريم تنجيسهما ولو بغير الاستنجاء ، لكن احتمال كون تحريم الاستنجاء بهما لتحقيرهما التام ـ بإمرارهما على المخرج مع التنجيس لا لأحدهما فقط ـ يعطي جواز التنجيس بغير الاستنجاء ، سيما مع انضمام أصالة براءة الذمة من المؤاخذة عليه. وأيضا فلعل النهي عن استعمالهما إنما هو لمجرد كون طعام الجن غير مطهر لا للاحترام كما يظن ، وإلى هذا يشير التعليل الثاني ، وهو يعطي جواز التنجيس بغير الاستنجاء وان النهي عن استعمالهما لعدم إفادتهما التطهير ، إلى ان قال : وقد يستفاد عدم كونهما مطهرين من رواية ليث المرادي عن الصادق (عليه‌السلام) (3) الناطقة بعدم صلاحيتهما للاستنجاء وكيف كان فالأظهر عدم التوقف في جواز تنجيسهما بغير الاستنجاء كما ان الأظهر أن الاستنجاء بهما لا يفيد طهارة المحل كما هو مذهب السيد والشيخ والمحقق وان قال مشايخنا المتأخرون بطهارة المحل بهما. ولتحقيق الكلام محل آخر» انتهى كلامه (قدس‌سره).

وأقول : ما نقله (قدس‌سره) من الخبر عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بأنهما لا يطهران لم أقف عليه بعد التتبع للاخبار. نعم نقله العلامة في التذكرة ، ولا يبعد ان يكون من طرق المخالفين (4) كما نبه عليه بعض متأخري المتأخرين.

__________________

(1) في رواية ليث المرادي ومرسلة الفقيه المتقدمتين في الصحيفة 43.

(2 و 4) رواه الدارقطني عن أبي هريرة عنه (ص) كما في منتقى الاخبار لابن تيمية على هامش نيل الأوطار ج 1 ص 85 ، ولم يرد هذا التعليل بن طرقنا.

(3) المتقدمة في الصحيفة 43.


المورد الثالث

في المستحبات

و (منها) ـ ستر البدن كملا في الغائط بان يبعد المذهب أو يدخل بيتا أو يلج حفيرة ، تأسيا بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإنه لم ير على غائط قط ، وقال (عليه‌السلام): «من اتى الغائط فليستتر». روى ذلك شيخنا الشهيد الثاني في شرح النفلية (1)وروى البرقي في المحاسن (2) عن حماد بن عثمان أو ابن عيسى عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قال لقمان لابنه : إذا سافرت مع قوم ، إلى ان قال : وإذا أردت قضاء حاجتك فابعد المذهب في الأرض».

و (منها) ـ ارتياد موضع مناسب للبول لمزيد الاحتياط في التوقي عنه بالجلوس في مكان مرتفع أو ذي تراب كثير ، فإنه من فقه الرجل ، ففي رواية عبد الله ابن مسكان عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أشد الناس توقيا للبول ، حتى انه كان إذا أراد البول عمد إلى مكان مرتفع من الأرض أو مكان يكون فيه التراب الكثير كراهية ان ينتضح عليه». وفي رواية السكوني عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : من فقه الرجل ان يرتاد موضعا لبوله». ومثل ذلك في رواية الجعفري عن الرضا (عليه‌السلام) (5).

و (منها) ـ التسمية والدعاء عند دخول المخرج والخروج منه بالمأثور ، والدعاء حال النظر إلى ما يخرج منه ، وحال الغسل.

__________________

(1) ص 17 وفي الوسائل في الباب ـ 4 ـ من أبواب أحكام الخلوة. وقوله : «ذلك» إشارة إلى الفعل والقول.

(2) في الصحيفة 375 وفي الوسائل في الباب ـ 4 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(3 و 4 و 5) المروية في الوسائل في الباب ـ 22 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


ويدل على ذلك رواية معاوية بن عمار (1) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : إذا دخلت المخرج فقل : بسم الله وبالله ، اللهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم. فإذا خرجت فقل : بسم الله والحمد لله الذي عافاني من الخبيث المخبث وأماط عني الأذى. وإذا توضأت فقل : اشهد ان لا إله إلا الله ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، والحمد لله رب العالمين».

ورواية أبي بصير عن أحدهما (عليهما‌السلام) (2) قال : «إذا دخلت الغائط فقل : أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم. وإذا فرغت فقل : الحمد لله الذي عافاني من البلاء وأماط عني الأذى».

وصحيحة القداح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (3) «انه كان إذا خرج من الخلاء قال : الحمد لله الذي رزقني لذته وأبقى قوته في جسدي واخرج عني أذاه ، يا لها نعمة : ثلاثا».

وما رواه في الفقيه مرسلا (4) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا أراد دخول المتوضأ قال : اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم ، اللهم أمط عني الأذى وأعذني من الشيطان الرجيم. وإذا استوى جالسا للوضوء قال : اللهم أذهب عني القذى والأذى واجعلني من المتطهرين. وإذا تزحر قال : اللهم كما أطعمتنيه طيبا في عافية فأخرجه مني خبيثا في عافية. وكان علي (عليه‌السلام) يقول : ما من عبد إلا وبه ملك موكل يلوي عنقه حتى ينظر

__________________

(1 و 2 و 3) المروية في الوسائل في الباب ـ 5 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(4) ج 1 ص 16 وفي الوسائل في الباب ـ 5 ـ من أبواب أحكام الخلوة ، ما عدا قوله : وكان على (عليه‌السلام) يقول ، إلى قوله : وجنبني الحرام ، فإنه رواه في الباب ـ 18 ـ من تلك الأبواب.


إلى حدثه ، ثم يقول له الملك : يا ابن آدم هذا رزقك فانظر من أين أخذته وإلى ما صار فينبغي للعبد عند ذلك ان يقول : اللهم ارزقني الحلال وجنبني الحرام ، إلى ان قال : وكان (عليه‌السلام) إذا دخل الخلاء يقول : الحمد لله الحافظ المؤدي. فإذا خرج مسح بطنه وقال : الحمد لله الذي اخرج عني أذاه وأبقى في قوته ، فيا لها من نعمة لا يقدر القادرون قدرها».

وفي رواية عبد الرحمن بن كثير في حكاية وضوء أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (1) قال : «ثم استنجى فقال : اللهم حصن فرجي وأعفه واستر عورتي وحرمني على النار».

و (منها) ـ التقنع ، لما في مرسلة البرقي عن ابن أسباط أو رجل عنه عمن رواه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) «انه كان إذا دخل الكنيف يقنع رأسه ويقول سرا في نفسه : بسم الله وبالله. الحديث». الى آخر ما تقدم في رواية معاوية بن عمار.

وروى في الفقيه مرسلا (3) قال : «وكان الصادق (عليه‌السلام) إذا دخل الخلاء يقنع رأسه ويقول في نفسه : بسم الله وبالله ولا إله إلا الله ، رب اخرج عنى الأذى سرحا بغير حساب ، واجعلني لك من الشاكرين فيما تصرفه عني من الأذى والغم الذي لو حبسته عني هلكت ، لك الحمد ، اعصمني من شر ما في هذه البقعة وأخرجني منها سالما ، وحل بيني وبين طاعة الشيطان الرجيم».

وفي كتاب مجالس الشيخ (4) وفي كتاب المكارم (5) في وصية النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لأبي ذر (رضي‌الله‌عنه) قال : «يا أبا ذر استحي من الله ، فاني ـ والذي

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 16 ـ من أبواب الوضوء.

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 3 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(3) ج 1 ص 17 وفي الوسائل في الباب ـ 5 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(4) في الصحيفة 338 وفي الوسائل في الباب ـ 3 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(5) في الصحيفة 260.


نفسي بيده ـ لا ظل حين اذهب إلى الغائط متقنعا بثوبي استحياء من الملكين الذين معي».

و (منها) ـ تغطية الرأس ، ولم أقف فيه على خصوص خبر سوي اخبار التقنع ، ومن الظاهر مغايرته له. نعم قال الشيخ المفيد : «وليغط رأسه ان كان مكشوفا ليأمن بذلك من عبث الشيطان ومن وصول الرائحة الخبيثة إلى دماغه ، وهو سنة من سنن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وفيه إظهار الحياء من الله لكثرة نعمه على العبد وقلة الشكر منه» وفيه دلالة على ورود النص به ، وليس ببعيد ان المراد به التقنع ، لمناسبة التعليل الأخير له ، دون مجرد التغطية. وقال الصدوق في الفقيه (1) : «ينبغي للرجل إذا دخل الخلاء ان يغطى رأسه إقرارا بأنه غير مبرئ نفسه من العيوب» انتهى وفيه أيضا ما احتملناه في سابقه.

و (منها) ـ تقديم الرجل اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج عكس المسجد. ولم أقف فيه على نص لكن الصدوق ذكره في الفقيه ، والظاهر ان مثله من أرباب النصوص لا يذكر ذلك إلا عن نص بلغه فيه. وربما ظهر من بعض الأصحاب اختصاص الحكم بالبنيان ، نظرا إلى ان مسمى الدخول والخروج لا يصدق في غيره لكن صرح العلامة بأن الأقرب عدم الاختصاص ، فيقدم اليسرى إذا بلغ موضع جلوسه في الصحراء وإذا فرغ قدم اليمنى. ووافقه الشهيد الثاني ، فقال : «ان الأصح عدم الاختصاص بالبنيان» قال في المعالم بعد نقل ذلك عنهما : «والتحقيق ان الترجيح هنا موقوف على اعتبار المأخذ ، فإن كان هو التوجيه الذي حكيناه فلا بأس بعدم الاختصاص» انتهى. وهو كذلك.

و (منها) ـ مسح البطن بعد الخروج ، كما تقدمت الدلالة عليه في كلام

__________________

(1) ج 1 ص 17.


الفقيه نقلا عن الأمير (صلوات الله عليه) (1).

و (منها) ـ التسمية عند التكشف للبول ، لما رواه في الفقيه (2) مرسلا عن الباقر (عليه‌السلام) وفي ثواب الأعمال (3) مسندا عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) قال : «إذا انكشف أحدكم لبول أو لغير ذلك فليقل : بسم الله ، فان الشيطان يغض بصره عنه حتى يفرغ».

و (منها) ـ ان لا يقطع في الاستجمار [إلا على وتر] بالأحجار وشبهها وان نقي المحل إلا على وتر ، لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في رواية عيسى بن عبد الله الهاشمي المتقدمة : «إذا استنجى أحدكم فليوتر بها وترا إذا لم يكن الماء» (4).

قال في المعتبر : «والرواية من المشاهير» انتهى.

و (منها) ـ الاستبراء على المشهور ، خلافا لظاهر الشيخ في الاستبصار ، مستندا إلى صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (5) «في الرجل يبول؟ قال ينتره ثلاثا ، ثم ان سال حتى يبلغ الساق فلا يبالي». وحسنة محمد بن مسلم (6) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : رجل بال ولم يكن معه ماء؟ قال : يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات وينتر طرفه ، فان خرج بعد ذلك شي‌ء فليس من البول ولكنه من الحبائل».

وأجيب بمنع الدلالة على الوجوب ، لعدم ظهور الجملة الخبرية فيه.

__________________

(1) في الصحيفة 52.

(2) ج 1 ص 18 وفي الوسائل في الباب ـ 5 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(3) في الصحيفة 9.

(4) رواه صاحب الوسائل في الباب ـ 9 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(5) المروية في الوسائل في الباب ـ 13 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(6) المروية في الوسائل في الباب ـ 11 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


وفيه نظر ، فان المستفاد من الآيات والأخبار التي قدمناها في المقدمة السابعة (1) انه لا خصوصية في ذلك بصيغة (افعل) بل كل ما دل على الطلب وارادة الفعل ـ سواء كان بالصيغة المشار إليها أم لا ـ فإنه للوجوب إلا مع قيام القرينة على خلافه.

وقال شيخنا البهائي (رحمه‌الله) في كتاب الحبل المتين بعد نقل صحيحة حفص : «وقوله (عليه‌السلام) في الحديث التاسع : ينتره ثلاثا. مما استدل به الشيخ في الاستبصار على وجوب الاستبراء ، والذي يظهر من آخر الحديث ان غرضه (عليه‌السلام) عدم انتقاض الوضوء بما يخرج من البلل بعد الاستبراء لا بيان كون الاستبراء واجبا» انتهى. لكنه (رحمه‌الله) كتب ـ في حاشية الكتاب على قوله : مما استدل به الشيخ ـ ما صورته : «وهو يتوقف على كون المضارع المطلوب به الفعل كالأمر في الوجوب ، والظاهر انه كذلك» انتهى.

وظاهر المحقق الشيخ حسن في كتاب المعالم المناقشة في اسناد الوجوب إلى الشيخ مستندا إلى استعمال الشيخ لفظ الوجوب ـ في غير موضع ـ فيما هو أعم من الواجب والمندوب ، ثم قال : «وكيف كان فالوجوب لا وجه له».

وأورد عليه ان هذا الاستعمال غير متعارف ، ولعله كان في تلك المواضع مع القرينة ، ولا قرينة هنا.

ومما يدل بظاهره على عدم الوجوب صحيحة جميل عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا انقطعت درة البول فصب الماء».

قيل : وأقله اباحة تعقيب الصب للانقطاع بغير مهلة.

وفيه ان افادة التعقيب بغير مهلة إنما هو للفاء العاطفة ، واما الفاء الجزائية فالأكثر على عدم إفادتها ذلك ، لصحة قولنا : ان يسلم زيد فهو يدخل الجنة.

__________________

(1) في الصحيفة 112 من الجزء الأول.

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 31 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


وحينئذ فلا دلالة في الرواية على التعقيب بغير مهلة.

ورواية داود الصرمي (1) قال : «رأيت أبا الحسن الثالث (عليه‌السلام) يبول غير مرة ويتناول كوزا صغيرا ويصب عليه الماء من ساعته».

ويمكن ان يقال : انه لا دلالة فيه على الفورية على وجه ينافي الاستبراء ، إذ لا مدة له ينافيها ، بل الظاهر ان مراد الراوي هو الاخبار عنه (عليه‌السلام) بأنه كان يبادر الى الاستنجاء من البول من ساعته ، ولا يتركه إلى وقت آخر كسائر الناس في تلك الأوقات ، فإنهم كانوا ينشفون المخرج بتراب ونحوه إلى وقت الصلاة ، كما يستفاد من الأسئلة المتكاثرة في الأخبار عن نسيان الاستنجاء ، كما تقدم شطر منها. نعم يظهر ذلك من رواية روح بن عبد الرحيم (2) قال : «بال أبو عبد الله (عليه‌السلام) وانا قائم على رأسه ومعي اداوة أو قال كوز ، فلما انقطع شخب البول قال بيده هكذا الي فناولته الماء فتوضأ مكانه».

ثم انه قد اختلفت عبارات القوم في بيان كيفيته ، فقال الشيخ المفيد في المقنعة «انه يمسح بإصبعه الوسطى تحت أنثييه إلى أصل القضيب مرتين أو ثلاثا ، ثم يضع مسبحته تحت القضيب وإبهامه فوقه ويمرهما عليه باعتماد قوي من أصله إلى رأس الحشفة مرتين أو ثلاثا ، ليخرج ما فيه من بقية البول».

وقال الشيخ في النهاية : «انه يمسح بإصبعه من عند مخرج النجو إلى أصل القضيب ثلاث مرات ، ثم يمر إصبعه على القضيب وينتره ثلاث مرات».

وقال في المبسوط ـ على ما نقله عنه في المعتبر ـ : «انه يمسح من عند المقعدة إلى تحت الأنثيين ثلاثا ، ويمسح القضيب وينتره ثلاثا».

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 26 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 31 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


وعن السيد المرتضى «انه ينتر الذكر من أصله إلى طرفه ثلاث مرات» وهو المنقول عن ابن الجنيد.

وقال الصدوق في الفقيه (1) : «ومن أراد الاستنجاء فليمسح بإصبعه من عند المقعدة إلى الأنثيين ثلاث مرات ، ثم ينتر ذكره ثلاث مرات» وهو المنقول عن أبيه في الرسالة.

واقتصر المحقق في المعتبر على نقل قولي الشيخين والسيد ، وقال : «ان كلام الشيخ أبلغ في الاستظهار» وقال في الشرائع : «وكيفيته ان يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثا ، ومنه إلى رأس الحشفة ثلاثا ، وينتره ثلاثا» ونسب السيد في المدارك هذه الكيفية إلى كلام الشيخ في المبسوط ، وفي فهمها منه تأمل.

وقال العلامة في المنتهى : «انه يمسح بيده من عند المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثا ثم يمسح القضيب ثلاثا ، ثم ينتره ثلاثا» ومثله في التذكرة إلا انه زاد فيه التنحنح.

وقال الشهيد في الدروس «يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثم إلى رأسه ثم عصر الحشفة ثلاثا والتنحنح ثلاثا».

والذي وقعت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك ـ زيادة على ما قدمنا نقله ـ رواية عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) «في الرجل يبول ثم يستنجي ثم يجد بعد ذلك بللا؟ قال : إذا بال فخرط ما بين المقعدة والأنثيين ثلاث مرات وغمز ما بينهما ثم استنجى ، فان سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي».

وأنت خبير بأن صحيحة حفص (3) إنما تنطبق على مذهب السيد وابن الجنيد

__________________

(1) ج 1 ص 21.

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 13 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(3) المتقدمة في الصحيفة 54.


خاصة ، واما حسنة محمد بن مسلم (1) فليس في شي‌ء من الأقوال ما ينطبق عليها ، لأنها قد تضمنت العصر من أصل الذكر إلى طرفه ثلاثا ثم النتر ولو مرة ، وليس في هذه الأقوال ما يطابق ذلك. وكذلك هذه الرواية الثالثة. ولعل من قال بالمسحات الست مع نتر طرف الذكر استند إلى العمل بمضمون الأخبار الثلاثة جميعا ، لكن تثليث النتر ـ كما ذكروا ـ ليس في شي‌ء منها.

واما التنحنح الذي ذكره العلامة والشهيد فلم نقف أيضا فيه على خبر ، بل ولا في كلام القدماء على اثر ، والعجب من اضطراب عبائرهم في ذلك مع خلو المأخذ مما هنالك.

قيل : وكيف كان فالزيادات التي ذكروها لا حرج فيها ، لما فيها من مزيد الاستظهار في إخراج ما ربما يبقى في المخرج وفيه إشكال ، إذ استعمال ذلك باعتقاد انه سنة شرعية لا يخلو من تشريع. والاستناد إلى التساهل في أدلة السنن تساهل خارج عن السنن.

تنبيهات

(الأول) ـ الظاهر من كلام أكثر الأصحاب اختصاص الاستبراء بالرجل بل صرح بذلك جملة منهم ، وقيل بثبوته للأنثى وانها تستبرئ عرضا ، واختاره العلامة في المنتهى ، وقال : «الرجل والمرأة سواء» ومورد الأخبار المتقدمة ـ كما عرفت ـ إنما هو الرجل ، فالقول بالتعدية مع عدم الدليل مشكل. ونقل عن ابن الجنيد في مختصره انه قال : «إذا بالت المرأة تنحنحت بعد بولها» انتهى.

(الثاني) ـ قد صرح غير واحد من المتأخرين ومتأخريهم بأنه لا يعرف خلافا بين علمائنا في ان البلل المتجدد بعد الاستبراء لا حكم له. وان الخارج مع عدم

__________________

(1) المتقدمة في الصحيفة 54.


الاستبراء بحكم البول في وجوب غسله ونقضه للطهارة ، ونقل عن ابن إدريس دعوى الإجماع على كل من الحكمين.

ويدل على ما ذكروه من الحكم الأول الأخبار الثلاثة المتقدمة (1).

واما الحكم الثاني فاستدلوا عليه بمفهومات الأخبار المتقدمة ، فإن تقييد عدم المبالاة ونفي كونه من البول بل انه من الحبائل بالاستبراء يدل على حصول المبالاة وكونه من البول مع عدمه.

وقد يعارض بإطلاق ما دل من الاخبار على عدم النقض بالخارج بعد البول مطلقا : كصحيحة عبد الله بن أبي يعفور (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل بال ثم توضأ وقام إلى الصلاة فوجد بللا. قال : لا يتوضأ ، إنما ذلك من الحبائل».

وصحيحة حريز (3) قال : «حدثني زيد الشحام وزرارة ومحمد بن مسلم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) انه قال : ان سال من ذكرك شي‌ء من مذي أو ودي فلا تغسله ولا تقطع له الصلاة ولا تنقض له الوضوء ، إنما ذلك بمنزلة النخامة ، وكل شي‌ء خرج منك بعد الوضوء فإنه من الحبائل».

والظاهر تقييد إطلاق هذين الخبرين بتلك الأخبار جمعا ، ولتصريحهما بكون الخارج بعد الوضوء مطلقا من الحبائل مع تقييد حسنة محمد بن مسلم (4) الحكم بكونه من الحبائل بكونه بعد الاستبراء ، والمقيد يحكم على المطلق. ولدلالة جملة من الأخبار

__________________

(1) وهي صحيحة حفص وحسنة محمد بن مسلم ورواية عبد الملك المتقدمات في الصحيفة 54 و 57.

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 13 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(3) المروية في الوسائل في الباب ـ 12 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(4) المتقدمة في الصحيفة 54.


الواردة في الجنب بالإنزال إذا بال ولم يستبرئ على الأمر بالوضوء :

كقوله (عليه‌السلام) في صحيحة محمد بن مسلم (1) : «وان كان بال ثم اغتسل ثم وجد بللا فليس ينقض غسله ولكن عليه الوضوء ...».

وقوله (عليه‌السلام) في موثقة سماعة (2) : «وان كان بال قبل ان يغتسل فلا يعيد غسله ولكن يتوضأ ويستنجي».

ومثلهما رواية معاوية بن ميسرة (3) ومقتضى الجمع حملها على عدم الاستبراء.

ويدل عليه أيضا قوله (عليه‌السلام) ـ في صحيحة ابن سنان (4) الآتية ان شاء الله في المبحث الثالث من الفصل الثاني من هذا المطلب ـ : «والودي فمنه الوضوء ، لانه يخرج من دريرة البول». بحمله على الخروج قبل الاستبراء ، كما هو ظاهر الخبر ، وللإجماع ـ نصا وفتوى ـ على عدم سببية الودي للوضوء كما يأتي بيانه ان شاء الله تعالى.

ويظهر من بعض فضلاء متأخري المتأخرين الميل ـ لو لا الإجماع المدعى في المقام ـ الى العمل بإطلاق الخبرين المذكورين (5) ، وحمل ما عارضهما من مفهوم روايات الاستبراء على الاستحباب ، استضعافا لدلالة المفهوم وعدم ظهورها في الوجوب ، وهكذا صحيحة ابن سنان أيضا حملها على الاستحباب. ولا يخفى وهنه.

والتحقيق انه قد تعارض إطلاق صحيحتي عبد الله بن أبي يعفور وحريز (6) بعدم الوضوء بذلك البلل أعم من أن يكون مع الاستبراء وعدمه ، وإطلاق صحيحة ابن مسلم وروايتي سماعة ومعاوية بوجوب الوضوء بذلك البلل مطلقا أيضا.

__________________

(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب ـ 13 ـ من أبواب نواقض الوضوء. وفي الباب ـ 36 ـ من أبواب الجنابة.

(3) المروية في الوسائل في الباب ـ 36 ـ من أبواب الجنابة.

(4) المروية في الوسائل في الباب ـ 12 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(5) في الصحيفة 59.

(6) في الصحيفة 59.


ووجه الجمع تقييد الإطلاق الأول بحاله الاستبراء ، كما هو مدلول منطوق اخبار الاستبراء ، وتقييد الإطلاق الثاني بحالة عدم الاستبراء ، كما هو مفهوم تلك الاخبار ، وعلى ذلك تجتمع الأخبار.

واما إبقاء الإطلاق الأول بحاله ـ وحمل الوضوء في الإطلاق الثاني على الاستحباب وكذلك في المفهوم استضعافا لدلالته ـ

ففيه (أولا) ـ ان قوله في صحيحة محمد بن مسلم (1) : عليه الوضوء» ظاهر في الوجوب ، وكذا قوله في خبر معاوية بن ميسرة (2) : «فليتوضأ».

و (ثانيا) ـ ان المفهوم هنا مفهوم شرط ، وهو ـ مع ذهاب الأكثر إلى حجيته ـ معضود بدلالة الأخبار عليه أيضا ، كما تقدم في المقدمة الثالثة (3) فلا ضعف في دلالته.

و (ثالثا) ـ ان ضعف الدليل ليس من قرائن الاستحباب كما تقدمت الإشارة اليه.

واما ما ورد في رواية يونس (4) ـ قال : «كتب اليه رجل : هل يجب الوضوء مما خرج من الذكر بعد الاستبراء؟ فكتب : نعم». ـ فيتعين حمله على التقية ، لموافقته لمذهب أكثر العامة (5) كما ذكره الشيخ في الاستبصار ، ومخالفته لما عليه كافة علماء الفرقة الناجية ولاخبارهم.

__________________

(1 و 2) المتقدمة في الصحيفة 60.

(3) في الصحيفة 57 من الجزء الأول.

(4) المروية في الوسائل في الباب ـ 13 ـ من أبواب نواقض الوضوء والرواية في كتب الحديث تنتهي إلى (محمد بن عيسى) ولم يذكر في سندها (يونس).

(5) لم نعثر على من حرر من العامة هذه المسألة أعني حكم الخارج بعد الاستبراء. الا انهم عدوا الودي والمذي مما يستنجى منه فلعل الشيخ أراد ذلك من الموافقة لمذهب العامة ، قال في بدائع الصنائع ج 1 ص 19 : «الاستنجاء مسنون من كل نجس


هذا. واعلم ان الظاهر ـ كما عرفت من كلامهم ـ انه كما لا خلاف في نقض هذا البلل المشتبه للوضوء ، كذلك لا خلاف في وجوب غسله ، وهو يشعر بحكمهم بنجاسته. ويشكل عليهم بمقتضى ما قرروه في مسألة الإناءين ـ كما تقدم ذكره (1) ـ بأن أقصى ما يستفاد من الأدلة المذكورة النقض خاصة ، مع اندراج هذا البلل في «كلية : كل شي‌ء طاهر حتى تعلم انه قذر (2). وما أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم اعلم ...» (3) مع عدم المخصص. وحصول النقض به لا يستلزم النجاسة. إلا ان المفهوم من الأخبار ـ كما عرفت في مسألة الإناءين (4) ـ ان الشارع قد اعطى المشتبه بالنجس إذا كان محصورا والمشتبه بالحرام كذلك حكمهما في وجوب الاجتناب وتحريم الاستعمال فيما يشترط فيه الطهارة وتعدى حكمه إلى ما يلاقيه ، كما تقدم تحقيق ذلك في مسألة الإناءين ، فالحكم هنا موافق لما حققناه ثمة ، لكنه مناف لما ذكروه (رضوان الله عليهم) في تلك المسألة ، فإن المسألتين من باب واحد.

(الثالث) ـ ذكر العلامة في التذكرة والشهيد في الذكرى انه يستحب الصبر هنيئة قبل الاستبراء ، ومستنده غير واضح. قيل : وربما كان ظاهر الأخبار

__________________

يخرج من السبيلين له عين مرئية ، كالغائط والبول والمنى والودي والمذي والدم» وقال في الوجيز ج 1 ص 9 : «وفي النجاسات النادرة قول انه يتعين الماء ، وقيل : المذي نادر» وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني ج 1 ص 171 : «المذي ما يخرج بشهوة فروي انه يوجب الوضوء وغسل الذكر والأنثيين ، وروى انه لا يجب أكثر من الاستنجاء والوضوء ، والأمر بالنضح وغسل الذكر والأنثيين محمول على الاستحباب ، والودي ما يخرج بعد البول ليس فيه إلا الوضوء» وفيه أيضا «قال حنبل سألت احمد ، قلت : أتوضأ واستبرئ واجد في نفسي انى قد أحدثت بعده؟ قال : إذا توضأت فاستبرئ ثم خذ كفا من ماء فرشه على فرجك ولا تلتفت إليه ، فإنه يذهب ان شاء الله».

(1 و 4) في الصحيفة 502 من الجزء الأول.

(2) تقدم الكلام في هذا الحديث في التعليقة 1 ص 42 ج 1 وفي التعليقة 4 ص 149 ج 1.

(3) المروية في الوسائل في الباب ـ 37 ـ من أبواب النجاسات.


خلافه ، كما في صحيحة جميل ورواية داود الصرمي المتقدمتين (1) وفي الدلالة ما عرفت آنفا ، وأظهر منهما رواية روح المتقدمة (2).

(الرابع) ـ روى شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار (3) مضمون حسنة محمد بن مسلم (4) عن كتاب السرائر نقلا من كتاب حريز قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : رجل بال. الحديث».

بأدنى تفاوت لا يخل بالمقصود ، ثم قال (قدس‌سره) في الكتاب المذكور : «والخبر يحتمل وجوها : (الأول) ـ ان يكون المراد بالطرف في الموضعين الذكر ، وفي الحديث «نقي الطرفين» (5). وفسر بالذكر واللسان ، وقال الجوهري : «قال ابن الأعرابي قولهم : «لا يدري أي طرفيه أطول ، طرفاه : لسانه وذكره» (6) فيكون إشارة إلى عصرين : العصر من المقعدة إلى الذكر ونتر أصل الذكر ، لكن لا يدل على تثليث الأخير ، ولا يبعد ان يكون التثليث على الفضل والاستحباب (الثاني) ـ ان يكون المراد بالطرف في الموضعين الجانب ويكون الضميران راجعين إلى الذكر ، اي يعصر من المقعدة إلى رأس الذكر ، فيكون العصران داخلين فيه ، والمراد بالأخير عصر رأس الذكر ، فيدل على العصرات الثلاث التي ذكرها الأصحاب (الثالث) ـ

__________________

(1) في الصحيفة 55 و 56.

(2) في الصحيفة 56.

(3) ج 18 ص 49 من كتاب الطهارة.

(4) المتقدمة في الصحيفة 54.

(5) رواه صاحب الوسائل في الباب ـ 6 ـ من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد في حديث عن الكليني بسنده عن جابر بن عبد الله قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)» : ألا أخبركم بخير رجالكم؟ قلنا : بلى يا رسول الله قال : ان خير رجالكم التقي النقي السمح الكفين النقي الطرفين. الحديث» ..

(6) وفي مقاييس اللغة لابن فارس ج 3 ص 447 «لا يدرى أي الطرفين أطول ، يراد به نسب الام والأب. وقولهم : كريم الطرفين ، يراد به هذا».


ان يكون المراد بالأول عصر الذكر وبالثاني عصر رأس الذكر. ويضعف الأخيرين ان النتر هو الجذب بقوة لا مطلق العصر ، وهو لا يناسب عصر رأس الذكر ، مع انه لا يظهر من سائر الأخبار هذا العصر ، قال في النهاية : «فيه إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث نترات (1). النتر جذب فيه قوة وجفوة» انتهى (2).

ثم اعلم ان الشيخ روى هذا الخبر نقلا من الكافي ، وفيه «يعصر أصل ذكره إلى ذكره» ويروى عن بعض مشايخنا (رحمهم‌الله) انه قرأ «ذكره» بضم الذال وسكون الكاف وفسره بطرف الذكر ، لينطبق على الوجه الثاني من الوجوه المذكورة. ويخدشه ان اللغويين قالوا : «ذكرة السيف : حدته وصرامته» والظاهر منه ان المراد به المعنى المصدري لا الناتي من طرفيه.

وبقي هنا اشكال آخر وهو انه ما الفائدة في التقييد بعدم وجدان الماء؟ والجواب انه مجرب انه مع عدم الاستنجاء بالماء يتوهم خروج البلل ساعة بعد ساعة ، بل يكون خروج دريرة البول أكثر ، كما ذكر العلامة في المنتهى ان الاستنجاء بالماء يقطع دريرة البول ، ففائدة الاستبراء هنا انه ان خرج بعده شي‌ء أو توهم خروجه لا يضره ذلك اما من حيث النجاسة فلأنه غير واجد للماء ، واما من حيث الحدث فلانه لا يحتاج الى تجديد التيمم ولا قطع الصلاة» انتهى كلامه علا في الفردوس مقامه.

و (منها) ـ تعجيل الاستنجاء ولو في المبرز خصوصا من البول ، لصحيحة جميل ورواية الصرمي ورواية روح ، وقد تقدم جميع ذلك (3).

__________________

(1) رواه في كنز العمال ج 5 ص 83 وقال ابن قدامة في المغني ج 1 ص 155 : «وقد روى يزداد اليماني قال قال رسول الله (ص) : إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث نترات» ..

(2) كلام صاحب النهاية.

(3) في الصحيفة 55 و 56.


و (منها) ـ أن يكفي على يده قبل إدخالها الإناء ان كان الاستنجاء متوقفا على إدخالها ، ويتبع ذلك بالتسمية والدعاء. لخبر عبد الرحمن بن كثير في حكاية وضوء أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) (1) حيث قال فيه : «يا محمد ائتني بإناء من ماء أتوضأ للصلاة ، فأتاه محمد بالماء فأكفأ بيده اليسرى على يده اليمنى ، ثم قال : بسم الله والحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا. قال ثم استنجى فقال. الحديث».

وان يكون ذلك مرة من حدث البول ومرتين من الغائط ، لحسنة الحلبي برواية الكافي وصحيحته برواية التهذيب عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «سئل كم يفرغ الرجل على يده قبل ان يدخلها في الإناء؟ قال : واحدة من حدث البول وثنتين من الغائط ...».

وستأتي تتمة الكلام في ذلك ان شاء الله تعالى.

و (منها) ـ البدأة في الاستنجاء بالمقعدة قبل الإحليل ، لموثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن الرجل إذا أراد ان يستنجي بأيما يبدأ : بالمقعدة أو بالإحليل؟ فقال : بالمقعدة ثم بالإحليل». وعلله بعضهم (4) بأنه لئلا تنجس اليد بالغائط عند الاستبراء.

و (منها) ـ اختيار الماء حيث تجزئ الأحجار ، ويدل عليه صحيحة جميل ابن دراج أو حسنته عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (5) : «قال في قول الله عزوجل : ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين (6). قال : كان الناس يستنجون بالكرسف

__________________

(1) المروي في الوسائل في الباب ـ 16 ـ من أبواب الوضوء.

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 27 ـ من أبواب الوضوء.

(3) المروية في الوسائل في الباب ـ 14 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(4) هو العلامة (قدس‌سره) في المنتهى كما نقله الشيخ البهائي (عطر الله مرقده) في مفتاح الفلاح (منه رحمه‌الله).

(5) المروية في الوسائل في الباب ـ 34 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(6) سورة البقرة الآية 223.


والأحجار ، ثم أحدث الوضوء وهو خلق كريم ، فأمر به رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وصنعه ، فأنزل الله تعالى في كتابه (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)».

وصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : يا معشر الأنصار ان الله قد أحسن عليكم الثناء فما ذا تصنعون؟ قالوا نستنجي بالماء».

وصحيحة مسعدة بن زياد عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (2) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال لبعض نسائه : مري نساء المؤمنين ان يستنجين بالماء ويبالغن ، فإنه مطهرة للحواشي ومذهبة للبواسير».

والجمع بين المطهرين أكمل ، لمرفوعة احمد المتقدمة عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ويتبع بالماء».

وإطلاق الرواية يدل على استحباب الجمع فيما يتعين فيه الماء كما في صورة التعدي وفيما تجزئ فيه الأحجار ، وبذلك صرح في المعتبر ، قال : «لانه جمع بين مطهرين بتقدير أن لا يتعدى ، وإكمال في الاستظهار بتقدير التعدي» وظاهر الشهيد في الذكرى التخصيص بالتعدي.

وكيف كان فالظاهر تقديم الأحجار ، للتصريح به في الرواية ، ولما فيه من تنزيه اليد عن مباشرة النجاسة.

وأورد السيد في المدارك على أصل الحكم اشكالا ، قال (قدس‌سره) : «وأورد على هذا الحكم ان الإزالة واجبة اما بالماء أو بالأحجار وجوبا تخييريا ، فكيف يكون أحدهما أفضل من الآخر ، بل قد صرحوا في مثل ذلك باستحباب

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 34 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 9 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(3) المروية في الوسائل في الباب ـ 30 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


ذلك الفرد الأفضل ، ومنافاة المستحب المواجب واضحة. وأجيب عنه بان الوجوب التخييري لا ينافي الاستحباب العيني ، لأن متعلق الوجوب في التخييري ليس امرا معينا بل الأمر الكلي. فتعلق الاستحباب بواحد منهما لا محذور فيه. وفيه نظر ، فإنه ان أريد بالاستحباب هنا المعنى العرفي ـ وهو الراجح الذي يجوز تركه لا إلى بدل ـ لم يمكن تعلقه بشي‌ء من افراد الواجب التخييري ، وان أريد به كون أحد الفردين الواجبين أكثر ثوابا من الآخر فلا امتناع فيه كما هو ظاهر» انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) من النظر يمكن الجواب عنه بالتزام الشق الأول من الترديد ، قوله : انه هو الراجح الذي يجوز تركه لا إلى بدل ، وما هنا إنما يجوز تركه مع الإتيان بمبدله ، قلنا : الاستحباب هنا إنما تعلق بالفرد الكامل من افراد ذلك الواجب المخير ، وهو من حيث اتصافه بصفة الكمال يجوز تركه لا إلى بدل ، إذ لا يقوم مقامه في الكمال غيره من تلك الافراد ، واتصاف تلك الأفراد الباقية بالبدلية عنه إنما هو من حيث أصل الوجوب ، بمعنى ان كلا منها بدل عنه في الوجوب لا في الاستحباب والكمال ، غاية الأمر ان ذلك الفرد الكامل متصف بالوجوب والاستحباب باعتبارين ، فإنه باعتبار كونه أحد أفراد الواجب المخير ولا يجوز تركه لا إلى بدل يكون متصفا بالوجوب ، وباعتبار الخصوصية الكمالية التي لا توجد إلا فيه فيجوز تركه لا إلى بدل يكون مستحبا.

ويمكن الجواب أيضا باختيار الشق الثاني وان كان فيه خروج عن المعنى المصطلح إلا انه لا محذور فيه ، فقد صرح به جملة من أجلاء الأصحاب : منهم ـ جده (قدس‌سره) في روض الجنان.

وأجاب بعض فضلاء متأخري المتأخرين بأن الوجوب هنا إنما هو صفة الطبيعة ، وكون خصوص فرد منها مستحبا لا خفاء في صحته ، قال : «وما عرض له من الشبهة ـ من انه لا يجوز تركه لا إلى بدل فكيف يكون مستحبا؟ ـ فمندفع بان التحقيق ان


الواجب ما يكون تركه سببا لاستحقاق العقاب لا تركه لا إلى بدل ، لان ما يكون له بدل ليس بواجب في الحقيقة بل الواجب أحدهما ، فزيادة هذا القيد في تعريف الواجب اما بناء على ما هو المتراءى في أول الوهلة ، أو غفلة عما هو الحق ، أو يكون المراد منه ما هو المراد بقولهم بوجه ما في تعريف الواجب لتدخل الواجبات المشروطة. وعلى هذا لا يكون الفرد واجبا بل الواجب هو الطبيعة ، لأن ترك الفرد ليس سببا لاستحقاق العقاب ، بل السبب إنما هو ترك الطبيعة ، فيمكن استحبابه».

ويشكل بان الفرد متحد بالطبيعة خارجا فيكون واجبا بوجوبها فكيف يكون مستحبا؟ بل التحقيق في الجواب هو ما قدمنا.

و (منها) ـ الاعتماد على اليسرى ، ذكره جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) ولم أقف فيه على نص ، وأسنده في الذكرى إلى رواية عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1). وقال العلامة في النهاية : «لأنه (عليه‌السلام) علم أصحابه الاتكاء على اليسار» وهما اعلم بما قالا.

و (منها) ـ إعداد الأحجار ، ولم أقف فيه على نص سوى ما نقل في الذكرى انه روي عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار ، فإنها تجزئ» (2). والظاهر ان الروايتين في هذا الموضع والذي قبله من طريق الجمهور ، فاني بعد التتبع لكتب الأخبار ـ ولا سيما البحار الجامع لما شذ عن الكتب

__________________

(1) في مجمع الزوائد للهيثمى ج 1 ص 206 عن الطبراني في الكبير عن رجل من بنى مدلج عن أبيه قال : «جاء سرافة بن مالك بن جعشم من عند النبي (ص) فقال : علمنا رسول الله كذا وكذا. فقال رجل كالمستهزئ : اما علمكم كيف تخرؤون؟ فقال : بلى والذي بعثه بالحق لقد أمرنا أن نتوكأ على اليسرى وان ننصب اليمنى» ..

(2) في سنن البيهقي ج 1 ص 103 عن عروة عن عائشة ان رسول الله (ص) قال : «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار ليستطيب بهن فإنها تجزئ عنه» ..


الأربعة من الأخبار ـ لم أقف عليهما ، وكان أصحابنا ـ لما اشتهر بينهم من التساهل في أدلة السنن ـ يعتمدون على أمثال ذلك. وهو تساهل خارج عن السنن.

المورد الرابع

في المكروهات

و (منها) ـ التخلي في أحد هذه الأماكن : شطوط الأنهار ، ومساقط الثمار ، والطرق النافذة ، ومواضع اللعن ، ومنازل النزال ، وأفنية المساجد.

ففي صحيح عاصم بن حميد عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) المروي في الكافي (1) قال : «قال رجل لعلي بن الحسين (عليهما‌السلام) : أين يتوضأ الغرباء؟ قال : تتقي شطوط الأنهار ، والطرق النافذة ، وتحت الأشجار المثمرة ، ومواضع اللعن. فقيل له : واين مواضع اللعن؟ قال : أبواب الدور».

وفي مرفوعة علي المتقدمة (2) ـ في مسألة الاستقبال والاستدبار بالتخلي ـ الأمر باجتناب أفنية المساجد وشطوط الأنهار ومساقط الثمار ومنازل النزال.

وفي رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (3) : «قال نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يتغوط على شفير بئر ماء يستعذب منها ، أو نهر يستعذب ، أو تحت شجرة فيها ثمرتها».

وفي رواية الكرخي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثلاثة ملعون من فعلهن : المتغوط في ظل النزال ،

__________________

(1) ج 1 ص 6 وفي الوسائل في الباب ـ 15 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(2) في الصحيفة 39.

(3 و 4) المروية في الوسائل في الباب ـ 15 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


والمانع الماء المنتاب (1) والساد الطريق المسلوك».

وروى الصدوق في الخصال (2) بسند معتبر عن الصادق (عليه‌السلام) عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في جملة حديث : «لا تبل على المحجة ولا تتغوط عليها».

وظاهر الأصحاب سيما المتأخرين الحكم بالكراهة في الجميع ، إلا ان الشيخ المفيد في المقنعة عبر في هذه المواضع بعدم الجواز ، وابن بابويه في الفقيه عبر بذلك في في‌ء النزال وتحت الأشجار المثمرة ، قال شيخنا صاحب كتاب رياض المسائل ـ بعد نقل ذلك عنهما ـ ما لفظه : «والجزم بالجواز ـ مع ورود النهي والأمر واللعن في البعض مع عدم المعارض سوى أصالة البراءة ـ مشكل» انتهى. وهو جيد إلا انه كثيرا ما قد تكرر منهم (صلوات الله عليهم) في المحافظة على الوظائف المسنونة من ضروب التأكيدات في الأوامر والنواهي ما يكاد يلحقها بالواجبات والمحرمات ، كما لا يخفى على من تتبع الأخبار وجاس خلال تلك الديار. على ان اللعن هو البعد من رحمة الله وهو كما يحصل بفعل المحرم يحصل بفعل المكروه ولو في الجملة.

وتقييد الطرق بالنافذة احتراز عن المرفوعة ، فإنها ملك لأربابها ، فيحرم التخلي فيها قطعا. وربما كان في ذلك إشعار بالكراهة.

وفي بعض عبائر الأصحاب ـ كالشهيد في الدروس ـ ذكر الأفنية من غير تقييد بالمساجد ، ولم نقف له على دليل وراء ما ذكرنا.

واحتمل بعض المتأخرين في معنى مواضع اللعن انه هو كل موضع يلعن المتغوط بالجلوس فيه ، وحمل تفسيره (عليه‌السلام) على التمثيل ببعض الافراد.

وفسر جماعة من المتأخرين الأشجار المثمرة في هذا المقام بما من شأنها ذلك وان لم تكن مثمرة بالفعل بل وان لم تثمر في وقت ما ، استنادا إلى صدق الاسم بناء على انه

__________________

(1) يعنى بالمنتاب المباح الذي يعتوره المارة على النوبة. بيان الوافي (منه رحمه‌الله).

(2) ص 170 وفي الوسائل في الباب ـ 15 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


لا يشترط في صدق المشتق بقاء مأخذ الاشتقاق.

وفيه (أولا) ـ ان صدق هذا المشتق إنما يقتضي جواز إطلاق المثمرة على ما أثمرت في وقت ما وان لم تكن مثمرة في الحال ، لا إطلاقها على ما من شأنها ذلك لانه لا خلاف في ان إطلاق المشتق على ما سيتصف بمبدإ الاشتقاق مجاز البتة.

و (ثانيا) ـ ان المسألة المذكورة وان كان مما طال فيها الجدال وانتشرت فيها الأقوال حتى في تحرير محل النزاع ، كما فصلنا ذلك في المقدمة التاسعة ـ إلا ان التحقيق انه ان جعل موضع النزاع ما هو أعم من المشتق أو ما جرى مجراه مع طرو الضد الوجودي وعدمه ، فالحق هو القول بالاشتراط ، كما هو قول جملة من علماء الأصول ، واختاره المحدث الأمين الأسترآبادي في تعليقاته على شرح المدارك. حيث قال : الحق عندي أنه لا بد ـ في بقاء صدق المعنى الحقيقي اللغوي للمشتق على ذات ـ من بقاء الحالة التي هي مناط حدوث صدقه ، سواء كانت الحالة المذكورة قيام مبدأ الاشتقاق أو ما يحذو حذوه ، ودليلي على ذلك (أولا) ـ انه من الأمور البينة اشتراط ذلك في كثير من الصور ، كالبارد والحار والهابط والصاعد والمتحرك والأبيض والأحمر والمملوك والموجود. ومن القواعد الظاهرة ان قاعدة الوضع اللغوي في كل صنف من أصناف المشتقات واحدة ، ولو لا البناء على القواعد الظاهرية لبطلت قواعد كثيرة من فنون العربية. و (ثانيا) ـ مقتضى النظر الدقيق ومذهب المحققين ان معنى المشتقات كالعالم أمر بسيط ، ومقتضى ظاهر النظر ما اشتهر بين اللغويين من ان معناه شي‌ء قام به العلم ، والوجدان حاكم بأنه ليس هنا بسيط يصلح سوى لا بشرط مأخذ الاشتقاق ، فلا بد في بقاء معناه من بقائه. ثم اعلم انه قد يصير بعض الألفاظ المشتقة حقيقة عرفية عامة أو خاصة أو مجازا مشهورا عند جماعة أو عاما فيما يعم معناه اللغوي وما في حكمه عرفا أو شرعا ، ومنه : المؤمن والكافر وأشباههما. ومن الأمور العجيبة انه طال التشاجر بينهم في هذه المسألة من غير فصل


يقطع دابر المنازعة. ثم انه ذكر ان الذي يظهر لي من تتبع رواياتهم (صلوات الله عليهم) ان المتبادر من الحائض والنفساء في كلامهم ذات حدث الحيض وذات حدث النفاس لا ذات الدم ، وهذا من باب ارادة ما يعم المعنى اللغوي وما في حكمه شرعا. ثم استدل بجملة من الأخبار على ذلك.

وان جعل محل النزاع ما هو أخص ـ كما صرح به المحقق التفتازاني واقتفاه جماعة فيه ـ فما نحن فيه ليس من موضع النزاع في شي‌ء ، فان المراد بالمشتق في القاعدة المذكورة هو ما جرى على ما اشتق منه في إرادة الحدوث والتجدد لا ما خرج عنه بإرادة معنى الدوام أو ذي كذا أو غير ذلك من المعاني ، ألا ترى ان الصفة المشبهة بالفعل وافعل التفضيل واسم الزمان والمكان حيث لم تجر عليه في ذلك لم تصدق إلا على من هو متصف به حالة الإطلاق ، وإلا لزم إطلاق حسن الوجه على قبيحة وبالعكس ـ باعتبار ما كان ـ إطلاقا على جهة الحقيقة ، وكذلك ما كان من صيغ اسم الفاعل مسلوكا به مسلك الصفة المشبهة ونحوها في عدم ارادة الحدوث ، سواء أريد منه الدوام والاستمرار كالخالق والرازق من أسمائه ، أو ذي كدا مجردا كالرضيع. والمؤمن والكافر والحائض أو مع الكثرة كاللابن والتامر. والظاهر ان لفظ (المثمرة) بمعنى ذات الثمرة ، من أثمرت النخلة إذا صار فيها الثمر ، كاتمرت إذا صار فيها التمر ، وأطعمت أي صار فيها ما يطعم. ويرشد إلى ما قلنا تعليق عدم الاشتراط على صفة الاشتقاق في قولهم : المشتق لا يشترط في صدقه بقاء مأخذ الاشتقاق. والتعليق على الوصف يشعر بالعلية والمعنى ان المشتق من حيث كونه مشتقا لا يشترط. إلخ ، وما نحن فيه لم يبق على حيثية الاشتقاق بل سلك به مسلك الجوامد ولم يجر مجرى ما اشتق منه.

و (ثالثا) ـ استفاضة الأخبار عنهم (صلوات الله عليهم) بان مورد النهي في هذا المقام الشجرة المثمرة بالفعل.


ومن ذلك ما رواه في الفقيه (1) مرسلا وفي كتاب العلل (2) مسندا عن الباقر (عليه‌السلام) قال : «ان لله عزوجل ملائكة وكلهم بنبات الأرض من الشجر والنخل ، فليس من شجرة ولا نخلة إلا ومعها من الله عزوجل ملك يحفظها وما كان منها. ولو لا ان معها من يمنعها لأكلتها السباع وهو أم الأرض إذا كان فيها ثمرتها ، قال : وإنما نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يضرب أحد من المسلمين خلاء تحت شجرة أو نخلة قد أثمرت لمكان الملائكة الموكلين بها. قال : ولذلك يكون الشجر والنخل أنسا إذا كان فيه حمله ، لأن الملائكة تحضره».

و (رابعا) ـ وهو الحق ـ عدم بناء الأحكام على مثل هذه القواعد المختلة النظام المنحلة الزمام ، كما تقدمت الإشارة إليه في المقدمة التاسعة (3).

و (منها) ـ استقبال جرم الشمس والقمر ، لرواية الكاهلي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يبولن أحدكم وفرجه باد للقمر يستقبل به».

ورواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (5) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه وهو يبول».

وما رواه في الفقيه في باب ذكر جمل من مناهي النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (6) عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وفيه انه «نهى ان يبول الرجل وفرجه باد للشمس أو القمر».

__________________

(1) ج 1 ص 21 ، وفي الوسائل من قوله : إنما نهى. إلخ في الباب ـ 15 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(2) في الصحيفة 102.

(3) في الصحيفة 124 من الجزء الأول.

(4 و 5) المروية في الوسائل في الباب ـ 25 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(6) في أول الجزء الرابع ، وفي الوسائل في الباب ـ 25 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


وظاهر هذه الاخبار التحريم لظاهر النهي فيها إلا ان المشهور بين الأصحاب الحكم بالكراهة. وظاهر المفيد ـ حيث عبر في المقنعة بعدم الجواز ـ التحريم. ويمكن حمل النهي المذكور على الكراهة بقرينة خلو مرفوعة علي بن إبراهيم المتقدمة (1) في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عن ذلك ، مع قوله في آخرها : «وضع حيث شئت».

وكذلك مرفوعة عبد الحميد ومرفوعة محمد المتقدمتان ثمة (2) حيث تضمنتا السؤال عن حد الغائط ولم يذكرا استقبال الجرمين فيه ، فظاهرهما الخروج من الحد المذكور وأقله عدم التحريم ثم ان ظاهر الاخبار المذكورة اختصاص الحكم المذكور بالبول دون الغائط ، وظاهر الأكثر التعميم ، وبه صرح الشهيد في الدروس والذكرى ، والعلامة في القواعد والمفيد في المقنعة. واحتمل بعض محققي متأخري المتأخرين كون الاقتصار على البول في الأخبار لكونه أعم من الغائط وجودا ، لعدم انفكاكه عنه غالبا ووجوده بدون الغائط كثيرا ، أو للتنبيه بالأضعف على الأقوى. وفيهما ما لا يخفى.

وكذا ظاهر الأخبار اختصاص ذلك بالاستقبال دون الاستدبار ، ولذلك خصه بعض الفقهاء بذلك ، بل نقل عن العلامة في النهاية انه صرح بعدم كراهية الاستدبار ، واستظهره في المدارك.

لكن روى الكليني (3) مرفوعا مضمرا : «لا تستقبل الشمس ولا القمر». وابن بابويه في الفقيه (4) كذلك : «لا تستقبل الهلال ولا تستدبره». فيمكن فهم حكم الغائط من الأولى ، لأن الظاهر انها متعلقة بحد الغائط ، ويفهم من الثانية عدم اختصاص الحكم بالقمر ، كما هو المصرح به في كلامهم ، لعدم تناوله للهلال ، إذ هو مخصوص بما قبل الاستدارة والقمر بما بعدها. واستند بعض

__________________

(1 و 2) في الصحيفة 39.

(3) ج 1 ص 6 وفي الوسائل في الباب ـ 25 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(4) ج 1 ص 18 وفي الوسائل في الباب ـ 25 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


فضلاء متأخري المتأخرين إلى استفادة حكم الاستدبار من هذه الرواية ، وعضدها بقوله سبحانه : «وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ ...» (1) وفيه ما لا يخفى.

و (منها) ـ استقبال الريح واستدبارها ، لقوله (عليه‌السلام) في مرفوعة عبد الحميد المتقدمة (2) بعد السؤال عن حد الغائط : «ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها». ومثلها مرفوعة محمد (3) أيضا. ومورد الخبرين وان كان هو الغائط إلا انه يمكن فهم حكم البول منه بناء على ان المراد منه المعنى اللغوي بالتقريب الذي ذكروه في دلالة قوله تعالى : «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ...» (4) وحينئذ فالتعميم ظاهر ، بل الظاهر ان المفسدة في استقبال الريح واستدبارها بالبول أشد ، فيندرج من باب مفهوم الموافقة على القول به والعجب من جماعة حيث خصوا الكراهة بالبول معللين له بخوف الرد ، والرواية ـ كما ترى ـ إنما وردت في الغائط خالية من التعليل. وخصوا الحكم بالاستقبال أيضا نظرا إلى التعليل ، مع تصريح الرواية بالاستدبار. والتقريب في الكراهة ما تقدم في مرفوعة علي بن إبراهيم (5).

و (منها) ـ السواك ، لما رواه الشيخ في التهذيب (6) مضمرا وفي الفقيه (7) مرسلا عن الكاظم (عليه‌السلام) قال : «السواك في الخلاء يورث البخر».

و (منها) ـ طول الجلوس على الخلاء ، لرواية محمد بن مسلم (8) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : «قال لقمان لابنه : طول الجلوس على الخلاء يورث الناسور ، قال : فكتب هذا على باب الحش». والناسور بالنون والسين المهملة والراء أخيرا : علة في حوالي المقعدة. وفي بعض النسخ بالباء الموحدة وجمعه بواسير ، وهو معروف

__________________

(1) سورة الحج. الآية 34.

(2 و 3) في الصحيفة 39.

(4) سورة النساء والمائدة. الآية 47 و 10.

(5) في الصحيفة 39.

(6) ج 1 ص 10.

(7) ج 1 ص 32 ، وفي الوسائل في الباب ـ 21 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(8) المروية في الوسائل في الباب ـ 20 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


و (منها) ـ استصحاب خاتم فيه اسم الله تعالى أو شي‌ء من القرآن.

ويدل عليه رواية أبي أيوب (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): ادخل الخلاء وفي يدي خاتم فيه اسم من أسماء الله؟ قال : لا ولا تجامع فيه».

ورواية أبي القاسم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «قلت له : الرجل يريد الخلاء وعليه خاتم فيه اسم الله تعالى؟ فقال : ما أحب ذلك. قال : فيكون اسم محمد؟ قال : لا بأس».

وموثقة عمار الساباطي الآتية (3) حيث قال فيها : «ولا يستنجي وعليه خاتم فيه اسم الله ، ولا يجامع وهو عليه ، ولا يدخل المخرج وهو عليه».

ورواية علي بن جعفر المروية في كتاب قرب الاسناد (4) عن أخيه موسى (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الرجل يجامع ويدخل الكنيف وعليه الخاتم فيه ذكر الله أو شي‌ء من القرآن ، أيصلح ذلك؟ قال : لا».

وبعض الأصحاب عبر في هذا المقام بكراهة استصحاب ما عليه اسم الله ، وهذه الروايات كلها مختصة بالخاتم ، ولم نقف على غيرها في المسألة.

وقال في الفقيه (5) : «ولا يجوز للرجل ان يدخل الخلاء ومعه خاتم عليه اسم الله أو مصحف فيه القرآن ، فان دخل وعليه خاتم عليه اسم الله فليحوله عن يده اليسرى إذا أراد الاستنجاء» وظاهر كلامه مؤذن بالتحريم كما ترى.

و (منها) ـ استصحاب دراهم بيض غير مصرورة ، لرواية غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (6) انه «كره ان يدخل الخلاء ومعه درهم أبيض إلا ان يكون مصرورا». وقيده بعض الأصحاب بما يكون عليه اسم الله تعالى. وهو حسن.

__________________

(1 و 2 و 3) المروية في الوسائل في الباب ـ 17 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(4) في الصحيفة 121 وفي الوسائل في الباب ـ 17 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(5) ج 1 ص 20.

(6) المروية في الوسائل في الباب ـ 17 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


و (منها) ـ الكلام ـ على المشهور ـ إلا ما استثنى مما سيأتي تفصيله. وقال في الفقيه (1) : «لا يجوز الكلام على الخلاء ، لنهي النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن ذلك»

ويدل على النهي عن ذلك رواية صفوان عن الرضا (عليه‌السلام) (2) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يجيب الرجل آخر وهو على الغائط أو يكلمه حتى يفرغ».

وروى الصدوق في الفقيه (3) مرسلا وفي العلل مسندا عن أبي بصير قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) : لا تتكلم على الخلاء ، فان من تكلم على الخلاء لم تقض له حاجة».

واستثني من ذلك ذكر الله تعالى وتحميده وقراءة آية الكرسي وحكاية الأذان.

ويدل على الأول صحيحة أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (4) قال : «مكتوب في التوراة التي لم تغير ان موسى (عليه‌السلام) سأل ربه فقال : الهي انه يأتي علي مجالس أعزك وأجلك أن أذكرك فيها. فقال : يا موسى ان ذكري حسن على كل حال». وبمضمونها أخبار أخر أيضا.

وعلى الثاني ما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد (5) عن مسعدة بن صدقة عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) قال : «كان أبي يقول : إذا عطس أحدكم وهو على الخلاء فليحمد الله في نفسه».

__________________

(1) ج 1 ص 21.

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 6 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(3) ج 1 ص 21 وفي العلل ص 104 وفي الوسائل في الباب ـ 6 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(4) المروية في الوسائل في الباب ـ 7 ـ من أبواب أحكام الخلوة وفي الباب ـ 1 ـ من أبواب الذكر.

(5) في الصحيفة 36 وفي الوسائل في الباب ـ 7 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


وعلى الثالث صحيحة عمر بن يزيد (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التسبيح في المخرج وقراءة القرآن. فقال : لم يرخص في الكنيف أكثر من آية الكرسي ويحمد الله أو آية الحمد لله رب العالمين» (2).

والظاهر حمل عدم الرخصة فيما زاد على ذلك على تأكد الكراهة ، لصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته أتقرأ النفساء ـ والحائض والجنب والرجل يتغوط ـ القرآن؟ قال : يقرؤون ما شاءوا». ولاخبار الذكر المتقدمة.

وعلى الرابع صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (4) انه قال : «يا ابن مسلم لا تدعن ذكر الله على كل حال ، ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عزوجل وقل كما يقول المؤذن».

رواه الصدوق في الفقيه والعلل (5) وروى في العلل (6) أيضا مثله عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام). وروى فيه (7) أيضا عن سليمان بن مقبل عن أبي الحسن موسى (عليه‌السلام) كذلك ، وذكر فيه ان ذلك مستحب ، وان العلة فيه انه يزيد في الرزق.

وبذلك يظهر لك ما في كلام جملة من المتأخرين : منهم ـ شيخنا الشهيد الثاني (رحمه‌الله) حيث لم يقفوا على النصوص المذكورة ، إذ كان نظرهم غالبا مقصورا على مراجعة التهذيب ، وهو خال عن ذلك ، فأنكروا وجود النص في المسألة ، ونسبه الشهيد الثاني في الروضة إلى المشهور إيذانا بذلك ، واستشكل في الاستدلال عليه

__________________

(1 و 3) المروية في الوسائل في الباب ـ 7 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(2) سورة الفاتحة. الآية 1.

(4) المروية في الوسائل في الباب ـ 8 ـ من أبواب أحكام الخلوة وفي الباب ـ 45 ـ من أبواب الأذان.

(5) رواه في الفقيه ج 1 ص 187 وفي العلل ص 104.

(6) في الصحيفة 104 وفي الوسائل في الباب ـ 8 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(7) في الصحيفة 104 وفي الوسائل في الباب ـ 8 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


بأحاديث الذكر ، لعدم شمولها الحيعلات إلا ان تبدل بالحولقة ، كما صرح به في الروض.

وظاهر الرواية المتقدمة (1) ـ وكذا رواية أبي بصير المشار إليها آنفا (2) حيث قال فيها : «فقل مثل ما يقول المؤذن ، ولا تدع ذكر الله عزوجل في تلك الحال ، لان ذكر الله حسن على كل حال». ـ كون مجموع فصول الأذان داخلا في الذكر من الحيعلات وغيرها ، ولعل دخولها تغليبا أو يحمل الذكر على ما يشملها.

وما اعتذر به عنه بعض فضلاء متأخري المتأخرين ـ من ان مراده من عدم النص في عبارة الروض يعني بالنسبة إلى الحيعلات ـ فتكلف بعيد.

وزاد الأصحاب الكلام لحاجة ضرورية استنادا إلى رفع الحرج ، ورد السلام ، والصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والحمد بعد العطاس. ووجه الجميع ظاهر. وكأنهم لم يقفوا على خصوص ما ورد في الأخير مما قدمنا نقله فرجعوا فيه الى الأدلة المطلقة.

و (منها) ـ الاستنجاء باليمين ، لنهي النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الوارد في مرسلة يونس عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (3) وفي رواية السكوني (4) أيضا معللا فيها بكونه من الجفاء ، وكذا رواه الصدوق (5) مرسلا ، ثم قال : «وقد روى انه لا بأس إذا كانت اليسار معتلة».

و (منها) ـ الاستنجاء باليسار وفيها خاتم عليه اسم الله ، ويدل على ذلك موثقة عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (6) قال : «لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله ، ولا يستنجي وعليه خاتم فيه اسم الله. الحديث».

__________________

(1 و 2) في الصحيفة 78.

(3 و 4) المروية في الوسائل في الباب ـ 12 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(5) في الفقيه ج 1 ص 19 وفي الوسائل في الباب ـ 12 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(6) المروية في الوسائل في الباب ـ 17 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


ورواية الحسين بن خالد عن أبي الحسن الثاني (عليه‌السلام) (1) قال : «قلت له : انا روينا في الحديث ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يستنجي وخاتمه في إصبعه ، وكذلك كان يفعل أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وكان نقش خاتم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (محمد رسول الله). قال : صدقوا. قلت : ينبغي لنا ان نفعل ذلك؟ فقال : ان أولئك كانوا يتختمون في اليد اليمنى وأنتم تتختمون في اليد اليسرى».

ومثلها روايته الأخرى المروية في العيون والمجالس (2) وفي آخرها «فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم ...».

ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) : من نقش على خاتمه اسم الله فليحوله عن اليد التي يستنجي بها في المتوضإ».

واما رواية وهب بن وهب عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «كان نقش خاتم أبي (العزة لله جميعا) وكان في يساره يستنجي بها ، وكان نقش خاتم أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (الملك لله) وكان في يده اليسرى يستنجى بها». ـ فالظاهر ردها ، لدلالة روايتي الحسين بن خالد (5) على نفي ذلك وان تختمهم (عليهم‌السلام) إنما هو في اليمين. مضافا إلى استفاضة الأخبار باستحباب التختم باليمين (6). وراوي الرواية المذكورة عامي خبيث بل من أكذب البرية على جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) كما

__________________

(1 و 3 و 4 و 5) المروية في الوسائل في الباب ـ 17 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(2) رواها في العيون في الصحيفة 217 وفي المجالس في الصحيفة 273 وفي الوسائل في الباب ـ 17 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(6) رواها صاحب الوسائل في الباب ـ 49 ـ من أبواب أحكام الملابس.


صرح به علماء الرجال (1). ومع التنزل عن ذلك فهي محمولة على التقية (2).

__________________

(1) في فهرست الشيخ الطوسي ص 173 ورجال النجاشي ص 303 ورجال الكشي ص 199 وإخلاصه ص 129 وغيرها من كتب الرجال «ان رواياته عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) كلها لا يوثق بها لانه كذاب وان أحاديثه مع الرشيد كذب» وروى الكشي عن أبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) انه كذب على الله تعالى وملائكته ورسله. وعن الفضل بن شاذان انه من أكذب البرية. وفي فهرست ابن النديم ص 146 كان ضعيفا في الحديث. وفي مقاتل الطالبيين لأبي الفرج ص 164 طبعة إيران «تحالف هو مع مصعب بن عبد الله الزبيري ورجل من بنى مخزوم وآخر من بنى زهرة على السعاية عند الرشيد بيحيى بن عبد الله بن الحسن المثنى. فجلبه الرشيد وحبسه عند مسرور في سرداب» وفي لسان العرب في مادة (لوط) «وفي حديث أبي البختري ما أزعم ان عليا أفضل من أبي بكر وعمر ولكن أجد له من اللوط ما لا أجد لا حد بعد النبي (ص). يقال لاط حبه بقلبي اى لصق به» وفي ميزان الاعتدال للذهبى ج 3 ص 278 «وهب بن وهب بن كثير بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، أبو البختري روى عن هشام بن عروة وجعفر بن محمد وعنه المسيب بن واضح والربيع بن ثعلب وجماعة. سكن بغداد وولى قضاء عسكر المهدى ثم قضاء المدينة ثم ولى حريمها وصلانها ، وكان متهما في الحديث ، قال يحيى بن معين : كان عدواته كذابا. وقال احمد : كان يضع الحديث. وقال البخاري سكتوا عنه» وفي تاريخ بغداد للخطيب ج 13 ص 452 «أراد الرشيد ان يصعد منبر رسول الله (ص) في قباء اسود ومنطقة ، وعظم عليه هذا ، فحدثه أبو البختري عن جعفر بن محمد ان جبرئيل هبط على النبي (ص) بقباء اسود ومنطقة وخنجر ، فكذبه ابن معين لما سمع بذلك. وكان الرشيد يطير الحمام فروى له أبو البختري عن عائشة ان النبي (ص) كان يطير الحمام ، فزبره وطرده ، وكان النسائي يقول انه متروك الحديث. وقال احمد بن حنبل انه كذاب وهو واضع الحديث : لا سبق إلا في خف أو حافر أو جناح» وذكر ابن حجر في لسان الميزان ج 6 ص 231 كلمات العلماء في كذبه وانه يروى المنكرات. أقول : روى في الفقيه ج 1 ص 163 حديث هبوط جبرئيل مرسلا مع زيادة.

(2) في مقتل الحسين للعلامة المقرم ص 443 من الطبعة الثانية عن المدخل لابن الحاج


واما المناقشة في عدم صراحة الخبر في كون الخاتم في اليسرى حالة الاستنجاء ـ كما ذكره في رياض المسائل ـ فظني انه بعيد. وأبعد منه حمل الرواية على الجواز بعد ما عرفت.

والعجب هنا من المولى الأردبيلي (قدس‌سره) حيث قال ـ بعد ان استدل على الجواز بهذه الرواية ـ : «ويمكن استفادة استحباب التختم باليسار ، وعدم تحريم التنجيس أيضا ، إلا ان يكون ذلك ثابتا بالإجماع ونحوه ، أو يحمل على عدم وصول النجاسة إليه» انتهى. ولا أراك في ريبة من ضعف هذا الكلام بعد التأمل في المقام.

والحق جملة من الأصحاب باسمه تعالى هنا أسماء الأنبياء والأئمة (عليهم‌السلام) والظاهر ان المستند في ذلك التعظيم. ولا بأس به. لكن رواية أبي القاسم للتقدمة (1) في حكم استصحاب الخاتم الذي عليه اسم الله في الخلاء صرحت بنفي البأس في استصحاب خاتم عليه اسم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وحينئذ فما عداه بطريق اولى ، فالقول بالإلحاق هنا دون هناك ـ مع الاشتراك في العلة المذكورة ـ مما لا وجه له ، مع ان الصدوق (رحمه‌الله) في المقنع صرح بنفي البأس عن عدم نزع الخاتم فيه اسم محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حال الاستنجاء بعد ان نهى عن الاستنجاء وعليه خاتم عليه اسم الله حتى يحوله.

وقد ذكر الأصحاب أيضا أن الكراهة إنما هو عند عدم التلوث بالنجاسة ،

__________________

ج 1 ص 46 «ان السنة وردت كل مستقذر يتناول بالشمال ، وكل طاهر يتناول باليمين ، ولأجل هذا المعنى كان المستحب التختم بالشمال ، فإنه يأخذ الخاتم بيمينه ويجعله في شماله» وفي الفتاوى الفقهية لابن حجر الهيثمي ج 1 ص 264 «كان مالك يكره التختم باليمين ، وبالغ الباجى بترجيح ما عليه مالك من التختم باليسار» وفي روح البيان للشيخ إسماعيل البروسوي ج 4 ص 142 نقلا عن عقد الدرر «ان السنة في الأصل التختم باليمين ، ولما كان ذلك شعار أهل البدعة والظلمة صارت السنة ان يجعل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا».

(1) في الصحيفة 76.


وإلا فيحرم بل يكفر فاعله لو فعله بقصد الإهانة. وهو جيد.

و (منها) ـ الاستنجاء باليسار وفيها خاتم فصه من حجر زمزم ، ويدل عليه رواية علي بن الحسين (1) ـ وهو ابن عبد ربه على الظاهر وقد صرح به في الكافي ـ قال : «قلت له : ما تقول في الفص يتخذ من حجارة زمزم؟ قال : لا بأس به ، ولكن إذا أراد الاستنجاء نزعه». وربما وجد في بعض نسخ الكافي والتهذيب «زمرد» مكان «زمزم» بل نسبه المحدث الكاشاني في الوافي إلى كثير من النسخ ، ثم قال : «وكأنه الصواب ، إذ لا تعرف حجارة يؤتى بها من زمزم» انتهى. وقال الشهيد في الذكرى بعد نقل هذه النسخة : «وسمعناه مذاكرة» وقال شيخنا المحقق في كتاب رياض المسائل بعد نقل مضمون كلام الوافي : «والظاهر ان الصواب ما عليه أكثر نسخ الكتاب وان النسخة مما أخطأت به الكتاب ، لا سيما وقد أورده كذلك في كتبهم أعاظم السلف وأكابر الخلف. وعدم معروفية فصوص تؤخذ من حجر زمزم لا يوجب الخروج عما عليه المعظم» انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.

و (منها) ـ التخلي على القبور وبينها ، لصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «من تخلى على قبر أو بال قائما أو بال في ماء ، إلى ان قال : فأصابه شي‌ء من الشيطان لم يدعه إلا ان يشاء الله. وأسرع ما يكون الشيطان إلى الإنسان وهو على بعض هذه الحالات ...».

ورواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (عليه‌السلام) (3) قال : «ثلاثة يتخوف منها الجنون ، وعد منها التغوط بين القبور».

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 36 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(2 و 3) المروية في الوسائل في الباب ـ 16 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


ومثله رواه في الخصال (1) في وصية النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعلي (عليه‌السلام)

و (منها) ـ مس الذكر باليمين وقت البول ، رواه الصدوق (قدس‌سره) في الفقيه (2) مرسلا قال : «وقال أبو جعفر (عليه‌السلام) : إذا بال الرجل فلا يمس ذكره بيمينه».

و (منها) ـ البول قائما ، لما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم (3) وغيرها أيضا ، وفي بعضها (4) انه من الجفاء.

و (منها) ـ البول مطمحا به ، لرواية السكوني عن الصادق (عليه‌السلام) (5) قال : «نهى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يطمح الرجل ببوله من السطح أو من الشي‌ء المرتفع في الهواء». ومثلها رواية مسمع عنه (عليه‌السلام) (6).

ولا ينافي ذلك ما تقدم في استحباب ارتياد مكان للبول كان يكون على مكان مرتفع من الأرض ، إذ الارتفاع المعتبر هناك هو بقدر ما يؤمن معه من الترشح.

و (منها) ـ البول في الماء جاريا وراكدا ، وان كان الأول أخف كراهة. وظاهر المفيد في المقنعة التحريم. ونقل عن ظاهر علي بن بابويه نفيها في الأول.

ومن الاخبار الواردة في ذلك صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (7) وصحيحة الفضيل (8) «لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري ، وكره ان يبول في الماء الراكد».

__________________

(1) في الصحيفة 60 في الوسائل في الباب ـ 16 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(2) ج 1 ص 19 وفي الوسائل في الباب ـ 12 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(3) في الصحيفة 83.

(4) وهو مرسل الفقيه ج 1 ص 19 وفي الوسائل في الباب ـ 33 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(5 و 6) المروية في الوسائل في الباب ـ 33 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(7) في الصحيفة 83.

(8) المروية في الوسائل في الباب ـ 5 ـ من أبواب الماء المطلق.


وفي مرسلة الفقيه (1) «ان البول في الماء الراكد يورث النسيان». ومرسلة مسمع (2) انه «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يبول الرجل في الماء الجاري إلا من ضرورة ، وقال : ان للماء أهلا». ورواية أبي بصير ومحمد بن مسلم المروية في كتاب الخصال (3) عن الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) قال : «لا يبولن الرجل من سطح في الهواء ، ولا يبولن في ماء جار ، فان فعل ذلك فأصابه شي‌ء فلا يلومن إلا نفسه ، فان للماء أهلا وللهواء أهلا». وفي رواية عنبسة بن مصعب (4) قال : «لا بأس به إذا كان الماء جاريا». وكذا في موثقة ابن بكير (5) وعلل هاتين الروايتين مع صحيحة الفضيل المتقدمة مستند علي بن بابويه فيما نقل عنه ، الا ان رواية مسمع ورواية أبي بصير ومحمد بن مسلم قد صرحتا بالنهي. والجمع بما ذكرنا من كونه أخف كراهة ومورد الروايات كلها البول خاصة والحق الأصحاب به الغائط بالطريق الاولى وفيه ما لا يخفى.

و (منها) ـ الأكل لفحوى مرسلة ابن بابويه في الفقيه (6) عن الباقر (عليه‌السلام): «دخل أبو جعفر (عليه‌السلام) الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر ، فأخذها وغسلها ودفعها إلى مملوك معه ، فقال : تكون معك لآكلها إذا خرجت ، فلما خرج (عليه‌السلام) قال للمملوك : أين اللقمة؟ فقال : أكلتها يا بن رسول الله فقال : انها ما استقرت في جوف أحد إلا وجبت له الجنة ، فأنت حر ، فإني أكره أن استخدم رجلا من أهل الجنة». وروى القصة المذكورة في كتاب عيون اخبار الرضا (7)

__________________

(1) ج 1 ص 16 وفي الوسائل في الباب ـ 24 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 24 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(3) في الصحيفة 157 وفي الوسائل في الباب ـ 33 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(4 و 5) المروية في الوسائل في الباب ـ 5 ـ من أبواب الماء المطلق.

(6) ج 1 ص 18. وفي الوسائل في الباب ـ 39 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

(7) في الصحيفة 208 وفي الوسائل في الباب ـ 39 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


بأسانيد ثلاثة عن الرضا (عليه‌السلام) عن آبائه عن الحسين بن علي (عليهم‌السلام) ولا تنافي ، لإمكان اتفاق ذلك لكل منهما (عليهما‌السلام) والتقريب ان تأخيرهما (عليهما‌السلام) أكل اللقمة إلى بعد الخروج ـ مع علمهما بأنها ما استقرت في جوف أحد إلا وجبت له الجنة وعتقهما المملوك لذلك ـ اشعار بمرجوحية الأكل في الموضع المذكور. والحق الأصحاب الشرب. ولم أقف له على دليل.

و (منها) ـ مباشرة الحرة ذلك من زوجها ، لموثقة يونس بن يعقوب (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المرأة تغسل فرج زوجها؟ فقال : ولم من سقم؟ قلت : لا. قال : ما أحب للحرة ان تفعل ، فأما الأمة فلا يضره».

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 38 ـ من أبواب أحكام الخلوة.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *