ج4 - مسوغات التيمم

الباب الرابع

في التيمم

ولنبدأ هنا بتحقيق قد سبق لنا في معنى الآية الشريفة التي هي الأصل في فرض التيمم اعني قوله عزوجل : «وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» (1) أقول : صدر هذه الآية هكذا : «(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى ... الى آخر ما تقدم» ولما قدم سبحانه بيان حكم واجد الماء في الطهارتين من الحدث الأصغر والأكبر عطف عليه بيان حكم من لم يجد ماء أو لم يتمكن من استعماله بالنسبة إليهما أيضا فقال : «وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى» ـ اي مرضا يضر معه استعمال الماء أو يوجب العجز عن السعي إليه ، قال في مجمع البيان : وهو المروي عن السيدين الباقر والصادق (عليهما‌السلام) وقيل انه لا حاجة الى التقييد لان قوله تعالى : «فَلَمْ تَجِدُوا ماءً» متعلق بالجمل الأربع وهو يشمل عدم التمكن من استعماله لان الممنوع منه كالمفقود ـ «أَوْ عَلى سَفَرٍ» اي متلبسين به إذا الغالب فقدان الماء في أكثر الصحاري ـ «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ» وهو كناية عن الحدث إذ الغائط لغة المكان المنخفض من الأرض وكانوا يقصدونه لقضاء الحاجة لتغيب فيه أشخاصهم عن أعين الناظرين كما هو السنة في ذلك فكنى سبحانه عن الحدث بالمجي‌ء من مكانه ، قيل و «أو» هنا بمعنى الواو كقوله تعالى : «وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ» (2) والمراد أو كنتم مسافرين وجاء أحد منكم من الغائط ، وبه يحصل الجواب عن الاشكال المشهور الذي أورد على ظاهر الآية وهو انه سبحانه جمع بين هذه الأشياء في الشرط المترتب عليه جزاء واحد هو الأمر بالتيمم مع ان المجي‌ء من الغائط ليس من قبيل المرض والسفر حتى يصح عطفه عليهما بأو المقتضية لاستقلال كل منهما في ترتب الجزاء عليه ، فان كلا من المرض والسفر سبب لإباحة التيمم والرخصة فيه والمجي‌ء من الغائط

__________________

(1) سورة المائدة. الآية 6.

(2) سورة الصافات. الآية 147.


وما عطف عليه سبب لوجوب الطهارة ، ومتى لم يجتمع أحد الآخرين مع واحد من الأولين لم يترتب الجزاء وهو وجوب التيمم. وأجيب عن هذا الاشكال بوجوه أخر في تفسيري البيضاوي والكشاف ـ «أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ» والمراد جماعهن كما ورد في الأخبار ففي الكافي والعياشي عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «هو الجماع ولكن الله ستير يجب الستر ولم يسم كما يسمون». وعن الباقر (عليه‌السلام) (2) «. وما يعنى بهذا «أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ» إلا المواقعة في الفرج». ونظير هذه الآية قوله تعالى : «وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ» (3) والمس واللمس بمعنى واحد كما صرح به أهل اللغة ، فلا يلتفت الى تفسير جملة من المخالفين بمطلق المس لغير محرم كما هو منقول عن الشافعي ، وقيل انه مذهب عمر ، وخصه مالك بما كان عن شهوة (4) ـ «فَلَمْ تَجِدُوا ماءً» راجع الى المرضى والمسافرين جميعا : مسافر لا يجد الماء ومريض لا يجد من يوضئه أو يخاف الضرر من استعماله لان وجدانه مع عدم التمكن من استعماله لخوف الضرر في حكم العدم ، ولو كان المراد من وجدانه ما هو أعم من ذلك بحيث يصدق على من يتضرر به انه واجد للماء للزم مثله في من وجد الماء في بئر يتعذر وصوله اليه أو يباع ولكن لا يقدر على شرائه أنه واجد للماء مع انه ليس كذلك إجماعا ، فالمراد بوجدانه في الحقيقة ما هو عبارة عن إمكان استعماله ، والوجه في هذا الإطلاق ان حال المرض يغلب فيها خوف الضرر من استعمال الماء وحال السفر يغلب فيها عدم وجدان الماء ، وقيل ان المراد من الآية ـ كما هو ظاهرها الذي لا يحتاج الى ارتكاب تجوز ولا تأويل ـ انما هو كون المكلف غير واجد للماء بان يكون في موضع لا ماء فيه ، فيكون ترخيص من وجد الماء ولم يتمكن من استعماله في

__________________

(1) رواه عنهما المحدث الكاشاني في الصافي في تفسير آية التيمم 43 في سورة النساء.

(2) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب نواقض الوضوء.

(3) سورة البقرة. الآية 238.

(4) كما في المغني ج 1 ص 192 وص 193 وص 194.


التيمم لمرض ونحوه مستفادا من السنة المطهرة ، ويكون المرضى ونحوهم غير داخلين في خطاب «فَلَمْ تَجِدُوا» لأنهم يتيممون وان وجدوا الماء ، والظاهر انه الأقرب كما لا يخفى. بقي الكلام في انه لو وجد الماء إلا انه لا يكفي للطهارة الواجبة غسلا كانت أو وضوء ، والمفهوم من كلام جمهور أصحابنا (رضوان الله عليهم) هو وجوب التيمم لأن الطهارة لا تتبعض ، قالوا فان الظاهر من الآية عدم وجدان الماء الذي يكفي لكمال الطهارة ، وأيدوا ذلك بقوله عزوجل في كفارة اليمين «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ» (1) أي من لم يجد إطعام عشرة مساكين ففرضه الصيام ، وقد اتفقوا على انه لو وجد إطعام أقل من عشرة لم يجب عليه ذلك وانتقل فرضه الى الصوم. وعن بعض العامة القول بالتبعيض (2) ونقله شيخنا الشهيد الثاني عن الشيخ في بعض أقواله ، وعن شيخنا البهائي انه قال وللبحث فيه مجال. وأنت خبير بأن الآية في هذا المقام لا تخلو من الإجمال الموجب لتعدد الاحتمال إلا ان المفهوم من الاخبار الواردة في الجنب يكون معه من الماء بقدر ما يتوضأ به وانه يتيمم مما يؤيد القول المشهور ، إذ لو كان التبعيض واجبا لامروا به (عليهم‌السلام) ـ «فَتَيَمَّمُوا» اي اقصدوا وتحروا وتعمدوا ، والتيمم لغة القصد ومنه قوله تعالى : «وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» (3) اي لا تقصدوا الردي من المال تنفقون منه ، وشرعا قصد الصعيد لمسح الوجه واليدين على الكيفية الواردة في النصوص قال في المدارك : والطهارة الترابية التيمم وهو لغة القصد قال عزوجل «فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» اي اقصدوا ، ونقل في الشرع الى الضرب على الأرض والمسح بالوجه واليدين على وجه القربة ، وهو ثابت بالكتاب والسنة والإجماع قال الله تعالى : «وَإِنْ كُنْتُمْ

__________________

(1) سورة المائدة. الآية 89.

(2) حكاه في المغني ج 1 ص 237 عن احمد وعبدة بن أبي لبابة ومعمر وعطاء والشافعي في أحد قوليه وفي ص 258 حكاه عن الشافعي.

(3) سورة البقرة. الآية 267.


مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ... الآية» انتهى. أقول : لا يخفى ان الآية الأولى التي استدل بها على المعنى اللغوي هي عين الآية الثانية التي استدل بها على المعنى الشرعي إلا أن إحداهما في سورة النساء والأخرى في سورة المائدة وصورتهما معا هكذا : وان كنتم مرضى الى قوله وأيديكم ففي إحداهما بعد ذلك «إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً» وفي الأخرى التي ذكرناها هنا «(مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ ... الى آخرها» ولا ريب ان لفظ التيمم في الآيتين إنما أريد به المعنى الشرعي لا اللغوي وحمله إحداهما على المعنى اللغوي والأخرى على الشرعي لا اعرف له وجها مع ان تتمة الآية في الموضعين اعني قوله عزوجل فيهما معا «فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ» ينادي على صحة ما ذكرنا وحينئذ فالمراد في الآيتين معا اقصدوا صعيدا لمسح الوجه واليدين ، فالمعنى اللغوي للتيمم هو القصد مطلقا والشرعي هو القصد للصعيد لاستعماله في مسح الوجه واليدين على الكيفية المخصوصة وظاهر كلامه في المدارك ان المعنى الشرعي انما هو الضرب على الأرض ومسح الوجه واليدين على الوجه المعلوم شرعا ، والأظهر ما قلناه وهو الذي صرح به أمين الإسلام الطبرسي في مجمع البيان ، وعلى ما ذكرنا فالتيمم في الآيتين إنما أريد به المعنى الشرعي لا اللغوي كما ذكره. واما الصعيد فقد اختلف كلام أهل اللغة فيه ، فبعضهم كالجوهري قال هو التراب ووافقه ابن فارس في المجمل ، ونقل ابن دريد في الجمهرة عن ابي عبيدة انه التراب الخالص الذي لا يخالطه سبخ ولا رمل ، وعلى هذه الأقوال اعتمد المرتضى حيث خص التيمم بالتراب الخالص بناء على تفسير الصعيد به في كلام هؤلاء ، الا ان المفهوم من كلام الأكثر لا يساعد عليه ، فنقل في مجمع البيان عن الزجاج انه قال : لا اعلم خلافا بين أهل اللغة في ان الصعيد وجه الأرض. ثم قال : وهذا يوافق مذهب أصحابنا في ان التيمم يجوز بالحجر سواء كان عليه تراب أو لم يكن. وقال في المصباح المنير : الصعيد وجه الأرض ترابا كان أو غيره ، ثم قال ويقال الصعيد في كلام العرب يطلق على وجوه : على التراب الذي على وجه الأرض وعلى وجه


الأرض وعلى الطريق. وفيه ـ كما ترى ـ دلالة على ان الأصل هو المعنى الأول ، وفي الأساس وعليك بالصعيد أي اجلس على الأرض وصعيد الأرض وجهها. وقال المطرزي في المغرب الصعيد وجه الأرض ترابا كان أو غيره. وفي القاموس الصعيد التراب أو وجه الأرض. ومثل ذلك نقله في المعتبر عن الخليل ونقله ثعلب عن ابن الأعرابي ، ويؤيد ذلك قوله عزوجل «... فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً)» (1) أي أرضا ملساء تزلق عليها باستئصال شجرها ونباتها ، وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة على صعيد واحد». أي أرض واحدة ، وبذلك يظهر ما في الاستناد الى الآية في هذا المقام من الاشكال ولا سيما وقد ورد الخبر بتفسير الصعيد في الآية بالمكان المرتفع من الأرض كما رواه الصدوق في معاني الاخبار عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «الصعيد الموضع المرتفع والطيب الموضع الذي ينحدر عنه الماء». ومثله في الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) (4) : «قال الله تعالى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) ، والصعيد الموضع المرتفع عن الأرض والطيب الذي ينحدر عنه الماء». وحينئذ فالأظهر الرجوع الى الاخبار كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى في موضعه ـ «طَيِّباً» اختلف المفسرون في المراد بالطيب هنا ، فبعضهم على انه الطاهر وهو مختار مفسري أصحابنا ، وقيل هو الحلال وقيل انه الذي ينبت دون ما لا ينبت كالسبخة وأيدوه بقوله سبحانه : «وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ...» (5) وقد عرفت تفسيره بما في الخبرين المتقدمين ، الا ان الظاهر

__________________

(1) سورة الكهف. الآية 40.

(2) في معالم الزلفى ص 145 باب 23 في صفة المحشر عن الباقر «ع» قال : «إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد من الأولين والآخرين عراة حفاة.» وفي تاريخ بغداد ج 11 ص 131 وج 14 ص 195 عن النبي «ص» «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة عزلا» وليس في أحاديث أهل السنة كلمة «صعيد واحد».

(3) رواه عنه المحدث الكاشاني في الصافي في تفسير آية التيمم 43 سورة النساء.

(4) ص 5.

(5) سورة الأعراف. الآية 58.


انه محمول على الفرد الأكمل منهما ولهذا صرح أصحابنا باستحباب التيمم من الربى والعوالي ـ «فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ» الباء للتبعيض هنا كما سيأتيك التصريح به ان شاء الله تعالى في صحيحة زرارة الآتية ، وحينئذ فتدل الآية على ان الواجب المسح ببعض الوجه وبعض اليدين كما هو القول المشهور المعتضد بالأخبار الكثيرة ، خلافا لمن أوجب مسح الجميع كعلي بن بابويه أو خير بين الاستيعاب وبين التبعيض كما ذهب إليه في المعتبر وتبعه صاحب المدارك أو استحباب الاستيعاب كما مال إليه في المنتهى ، فان الجميع ـ كما ترى ـ مخالف لظاهر الآية ، والقول بالاستيعاب وان دل عليه بعض الاخبار ولهذا اضطربوا في الجمع بينها وبين اخبار القول المشهور إلا انه قد تقرر في القواعد المروية عنهم (عليهم‌السلام) عرض الأخبار المختلفة على الكتاب العزيز والأخذ بما وافقه وطرح ما خالفه ، وهذه الاخبار الدالة على الاستيعاب مخالفة للآية فيجب طرحها ، وبذلك يظهر لك بطلان هذه الأقوال المتفرعة عليها ـ «منه» اختلفوا في معنى «من» هنا فقيل انها لابتداء الغاية والضمير عائد إلى الصعيد والمعنى ان المسح يبتدئ من الصعيد أو من الضرب عليه ، وقيل انها للسببية وضمير «منه» للحدث المفهوم من الكلام السابق كما يقال تيممت من الجنابة وكقوله سبحانه «مِمّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا ...» (1) وقول الشاعر «وذلك من نبإ جاءني» وقول الفرزدق «يغضي حياء ويغضى من مهابته» وقيل انها للتبعيض والضمير للصعيد كما يقال أخذت من الدراهم وأكلت من الطعام ، وهذا هو المنصوص في صحيحة زرارة الآتية ، وقيل إنها للبدلية كما في قوله تعالى : «أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ» (2) وقوله سبحانه : «... لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ» (3) وحينئذ فالضمير يرجع الى الماء والمعنى فلم تجدوا ماء فتيمموا بالصعيد بدل الماء ، وهذا المعنى لا يخلو من بعد ، والمعتمد منها ما ورد به النص الصحيح عنهم (عليهم‌السلام)

__________________

(1) سورة نوح. الآية 25.

(2) سورة التوبة. الآية 38.

(3) سورة الزخرف. الآية 60.


فإن القرآن نزل عليهم ومعانيه منهم تؤخذ ـ «ما يُرِيدُ اللهُ» بفرض الطهارات وإيجابها «لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ» ضيق «وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ» من الأحداث والذنوب فإن الطهارة كما انها رافعة للاحداث فهي أيضا مكفرة للذنوب «وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ» بهذا التطهير وإباحته لكم التيمم وتصييره الصعيد الطيب طهورا لكم رخصة مع سوابغ نعمه التي أنعمها عليكم «لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» نعمته بإطاعتكم إياه فيما يأمركم به وينهاكم عنه.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان تحقيق الكلام في هذا الباب يقتضي بيان الأسباب المسوغة للتيمم من الأعذار المانعة من استعمال الماء وما يجوز به التيمم وما لا يجوز وبيان كيفية التيمم ووقته وبيان أحكامه المتعلقة به وحينئذ فههنا مطالب خمسة :

(المطلب الأول) ـ فيما يسوغ معه التيمممن الأسباب الموجبة لذلك ، وانها ها في المنتهى الى ثمانية وهي فقد الماء والخوف من استعماله والاحتياج اليه للعطش والمرض والجرح وفقد الآلة التي يتوصل بها الى الماء والضعف عن الحركة وخوف الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة وضيق الوقت عن استعمال الماء ، ويمكن إرجاع هذه الثمانية إلى ثلاثة كما اقتصر عليه في الشرائع وهي عدم الماء وعدم الوصلة اليه والخوف ، بل يمكن إرجاع الجميع إلى أمر واحد كما ذكره في الذكرى وهو العجز عن الماء ، وله أسباب يتوقف تفصيلها على رسم مسائل :

(الاولى) ـ في عدم وجوده ، ويدل عليه مضافا الى الآية المتقدمة الأخبار المستفيضة ، ومنها ـ ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن محمد بن حمران وجميل بن دراج (1) قالا : «قلنا لأبي عبد الله (عليه‌السلام) امام قوم أصابته جنابة في السفر وليس معه ماء يكفيه للغسل أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم؟ قال لا ولكن يتيمم الجنب ويصلي بهم فان الله تعالى قد جعل التراب طهورا» وزاد في التهذيب (2) «كما جعل

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب التيمم.


الماء طهورا». وما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة؟ فقال لا هو بمنزلة الماء». وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان (2) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض وليصل فإذا وجد ماء فليغتسل وقد أجزأته صلاته التي صلى». وما رواه في الكافي عن ابي عبيدة الحذاء (3) قال «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة الحائض ترى الطهر وهي في السفر وليس معها من الماء ما يكفيها لغسلها وقد حضرت الصلاة؟ قال إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ثم تتيمم وتصلي. الحديث». الى غير ذلك من الاخبار الآتية ان شاء الله تعالى في مطاوي الأبحاث الآتية. وفي المدارك عن بعض العامة ان الصحيح الحاضر إذا عدم الماء كالمحبوس ومن انقطع عنه الماء يترك التيمم والصلاة لأن التيمم مشروط بالسفر كما يدل عليه قوله تعالى : «وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ ...» (4) ثم قال : وبطلانه ظاهر لان ذكر السفر في الآية خرج مخرج الغالب لان عدم الماء في الحضر نادر ، وإذا خرج الوصف مخرج الغالب انتفت دلالته على نفي الحكم عما عدا محل الوصف كما حقق في محله. انتهى.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه لا خلاف بين الأصحاب ـ كما نقله غير واحد منهم ـ في انه لا يشرع التيمم إلا بعد طلب الماء ، قال في المنتهى : «ويجب الطلب عند إعواز الماء فلو أخل به مع التمكن لم يعتد بتيممه ، وهو مذهب علمائنا اجمع» أقول : ويشير اليه

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب التيمم.

(2) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم.

(3) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب الحيض.

(4) ذكر ابن قدامة في المغني ج 1 ص 234 انه قول أبي حنيفة في رواية عنه وانه روي عن أحمد اجابته بعدم التيمم عند ما سئل عن مثل ذلك.


قوله عزوجل : «فَلَمْ تَجِدُوا ماءً» وعدم الوجدان لا يتحقق إلا بعد الطلب لإمكان قرب الماء منه ولا يعلمه ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) قال : «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل». وعن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (2) قال : «يطلب الماء في السفر ان كانت الحزونة فغلوة وان كانت سهولة فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك». ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ عن داود الرقي (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أكون في السفر وتحضر الصلاة وليس معي ماء ويقال ان الماء قريب منا فاطلب الماء وانا في وقت يمينا وشمالا؟ فقال لا تطلب الماء ولكن تيمم فإني أخاف عليه التخلف عن أصحابك فتضل ويأكلك السبع». وعن يعقوب بن سالم (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل لا يكون معه ماء والماء عن يمين الطريق أو يساره غلوتين أو نحو ذلك؟ قال لا آمره ان يغرر بنفسه فيعرض له لص أو سبع». وعن علي بن سالم عن الصادق (عليه‌السلام) (5) في حديث قال : «فقال له داود الرقي أفاطلب الماء يمينا وشمالا؟ فقال لا تطلب الماء يمينا ولا شمالا ولا في بئر ، إن وجدته على الطريق فتوضأ وان لم تجده فامض». فإنها محمولة على الخوف كما هو ظاهر الخبرين الأولين وإطلاق الثالث محمول على قيد الخوف المذكور فيهما.

وقد اختلف الأصحاب في حد الطلب ، فقال الشيخ في المبسوط : والطلب واجب قبل تضيق الوقت في رحله وعن يمينه وعن يساره وسائر جوانبه رمية سهم أو سهمين إذا لم يكن هناك خوف. وقال في النهاية : ولا يجوز له التيمم في آخر الوقت إلا بعد طلب الماء

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم.

(2) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب التيمم.

(3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التيمم.


في رحله وعن يمينه وعن يساره بقدر رمية أو رميتين إذا لم يكن هناك خوف. ولم يفرق في الأرض بين السهلة والحزنة ، وقال المفيد : ومن فقد الماء فلا يتيمم حتى يدخل وقت الصلاة ثم يطلب امامه وعن يمينه وعن شماله رمية سهمين من كل جهة ان كانت الأرض سهلة وان كانت حزنة طلبه في كل جهة مقدار رمية سهم. وقال ابن زهرة : ولا يجوز فعله إلا بعد طلب الماء رمية سهم في الأرض الحزنة وفي الأرض السهلة رمية سهمين يمينا وشمالا واماما ووراء بإجماعنا. وقال ابن إدريس وحده ما وردت به الروايات وتواتر به النقل في طلبه إذا كانت الأرض سهلة غلوة سهمين وإذا كانت حزنة فغلوة سهم واحد. وقال في المنتهى بعد ان نقل طرفا من عبائر الأصحاب : ولم يقدره المرتضى في الجمل ولا الشيخ في الخلاف والجمل بقدر وقال المحقق في المعتبر : والتقدير بالغلوة والغلوتين رواية السكوني وهو ضعيف غير ان الجماعة عملوا بها ، والوجه ان يطلب من كل جهة يرجو فيها الإصابة ولا يكلف التباعد بما يشق ، ورواية زرارة تدل على انه يطلب دائما ما دام في الوقت حتى يخشى الفوات ، وهو حسن ، والرواية واضحة السند والمعنى. انتهى. وقال في المدارك بعد نقله ذلك : وهو في محله لكن سيأتي ان شاء الله تعالى ان مقتضى كثير من الروايات جواز التيمم مع السعة فيمكن حمل ما تضمنته رواية زرارة من الأمر بالطلب الى ان يتضيق الوقت على الاستحباب ، والمعتمد اعتبار الطلب من كل جهة يرجو فيها الإصابة بحيث يتحقق عرفا عدم وجدان الماء. انتهى. أقول : لا شك ان رواية السكوني وان كانت ضعيفة السند باصطلاحهم إلا ان ضعفها مجبور بعمل الأصحاب قديما وحديثا بها ، إذ لا راد لها سوى المحقق وبعض من تبعه ، والرد بضعف السند قد عرفت انه خال من المستند سوى هذا الاصطلاح الغير المرضى ولا المعتمد ، وعلى تقدير تسليمه فيكفي في صحتها عمل الطائفة بها كما عرفت ، وحينئذ فالمعارضة بينها وبين حسنة زرارة المتقدمة ظاهرة ، ويمكن الجمع بينهما بحمل الطلب الى ان يتضيق الوقت في الحسنة المذكورة على رجاء الحصول كما يشعر به سياقها وحمل الاقتصار على الغلوة والغلوتين ـ كما


في رواية السكوني ـ على عدم الرجاء مع تجويز الحصول. واما حمل حسنة زرارة كما ذكره في المدارك على الاستحباب ـ كما هي قاعدتهم في جميع الموارد والأبواب ـ فقد بينا ما فيه في غير موضع من الكتاب ، بل الوجه عندي في الجمع بينهما هو ما ذكرناه واليه يشير كلامه في المدارك وكذا في المعتبر من اعتبار رجاء الإصابة في الطلب سواء كان في جميع الوقت أو بعضه (فان قلت) : ما الفرق بين رجاء الإصابة الذي حملت عليه الحسنة المذكورة وتجويز الحصول الذي حملت عليه رواية السكوني؟ (قلت) : الفرق بينهما هو حصول الظن بالحصول في جانب الرجاء وعدمه في مجرد التجويز ، فمتى ظن الحصول وجب عليه الطلب الى ان يتضيق الوقت ولو لم يظنه بل جوز الحصول وعدمه على وجه يتساويان عنده فليس عليه إلا طلب الغلوة والغلوتين باعتبار السهولة والحزونة كما في رواية السكوني. وهو وجه حسن في الجمع بينهما وبه يزول الإشكال في هذا المجال. واما قوله في المدارك ـ إشارة إلى الطعن في حسنة زرارة وما دلت عليه من وجوب التأخير إلى آخر الوقت ـ ان مقتضى كثير من الروايات جواز التيمم مع السعة حتى انه اضطر بسبب ذلك الى حملها على الاستحباب جمعا بينها وبين تلك الاخبار ـ ففيه ان القول بوجوب التأخير إلى آخر الوقت مدلول جملة من الاخبار كما سيأتي بيانه ان شاء الله في محله فبعين ما يقال في الجواب عن تلك الاخبار يجاب عن هذه الحسنة المذكورة ، وليس الدلالة على هذا القول مخصوصا بهذه الرواية كما يشير اليه كلامه وسيصرح به ايضا فيما يأتي حتى انه بحملها على الاستحباب ينسد الكلام في هذا الباب.

بقي الكلام في ان الأصحاب ذكروا وجوب الطلب بالغلوة والغلوتين كما هو المذكور في رواية السكوني من الجهات الأربع والرواية خالية من ذلك ، ولعل الوجه في تقييدهم إطلاق الرواية بالأربع الجهات انه مع التجويز في الجهات الأربع يجب الطلب في الأربع ، إذ الموجب للطلب هو تجويز الوجود ولهذا لو علم وتيقن انتفاء الوجود في جهة أو جهتين مثلا سقط وجوب الطلب فيهما اتفاقا.


فروع

(الأول) ـ قال في المدارك : قال في المنتهى لو طلب قبل الوقت لم يعتد به ووجب إعادته لأنه طلب قبل المخاطبة بالتيمم فلم يسقط فرضه ، ثم اعترف بان ذلك انما هو إذا أمكن تجدد الماء في موضع الطلب والا لم يجب عليه الطلب ثانيا. وهو جيد ان قلنا ان الطلب انما هو في الغلوات كما رواه السكوني اما على رواية زرارة فيجب الطلب ما أمل الإصابة في الوقت سواء كان قد طلب قبل الوقت أم لا. انتهى. أقول : لا ريب ان عمل الأصحاب في هذا الباب انما هو على خبر السكوني المذكور وجميع ما يذكرونه من فروع هذه المسألة انما هو على تقديره ، ولم يذكر أحد منهم حسنة زرارة في المقام سوى صاحب المعتبر ومثله السيد المذكور ، ولهذا قال العلامة في المنتهى بعد نقل الأقوال في حد الطلب مع اقتفائه كلام المعتبر غالبا : ولم نقف في ذلك إلا على حديث واحد وفي سنده قول ويمكن العمل به لاعتضاده بالشهرة. إلى آخر كلامه.

(الثاني) ـ قد صرح جملة من الأصحاب بأنه انما يجب الطلب مطلقا أو في الجهات الأربع مع احتمال الظفر فلو تيقن عدم الإصابة في جهة من الجهات أو مطلقا فلا طلب لانتفاء الفائدة ، والظاهر انه لا خلاف فيه بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) حتى من القائلين بوجوب التأخير في التيمم كالشيخ واتباعه ، فإن وجوب التأخير عندهم لدليل اقتضاه ودل عليه لا لرجاء الحصول ، ولهذا أنهم أوجبوا التأخير مطلقا وان قطع بعدم الماء كما سيجي‌ء بيانه ان شاء الله تعالى في موضعه. ونقل عن بعض العامة القول بوجوب الطلب وان قطع بعدم الماء (1) ورد بان الطلب مع تيقن عدم الإصابة عبث لا يقع

__________________

(1) لم نعثر على التصريح بذلك نعم ربما يظهر من البحر الرائق ج 1 ص 161 نسبة ذلك الى الشافعي حيث حكى عنه القول بوجوب الطلب مطلقا وقال في ضمن رده : «المسافر يجب عليه طلب الماء ان ظن قربه وان لم يظن قربه لا يجب عليه بل يستحب» وكذا يظهر ذلك من المبسوط ج 1 ص 108 حيث قال في مقام رده : «الطلب انما يلزمه إذا كان على طمع من الوجود وإذا لم يكن على طمع من الوجود فلا فائدة في الطلب».


الأمر به من الشارع. وهو جيد. ولو غلب على ظنه العدم فهل يكون حكمه حكم اليقين في عدم وجوب الطلب أم لا؟ قولان ، نقل الأول منهما عن ابن الجنيد واختاره بعض أفاضل متأخري المتأخرين ، نظرا الى قيام الظن مقام العلم في الشرعيات ، ولعدم تناول أدلة وجوب الطلب لظان العدم ، وقيل بالثاني وبه صرح في المنتهى واختاره في المدارك وعللوه بجواز كذب الظن. وهو الأظهر. وما احتج به الفاضل المتقدم ذكره ـ من قيام الظن مقام العلم في الشرعيات ـ على إطلاقه ممنوع بل هو موقوف على الدليل ، وما ادعاه من عدم تناول أدلة الطلب لظان العدم أشد منعا ، وكيف لا وهي مطلقة كما عرفت من حسنة زرارة ورواية السكوني ، خرج من ذلك تيقن عدم وجود الماء لاستلزامه العبث كما عرفت وبقي الباقي.

(الثالث) ـ لو تيقن وجود الماء لزمه السعي إليه ما دام الوقت والمكنة حاصلة سواء كان قريبا أو بعيدا ، وهل يجوز الاستنابة في الطلب اختيارا؟ ظاهر شيخنا في الروض ذلك لكنه اشترط عدالة النائب ، وعندي فيه إشكال لأن ظاهر الأخبار توجه الخطاب الى فاقد الماء نفسه فقيام غيره مقامه في ذلك يتوقف على الدليل نعم لو كان المراد من النيابة نقله وحمله اليه فلا إشكال في جوازه لانه من قبيل طلب الماء في منزله من خادمه أو زوجته وحينئذ فلا وجه لاشتراط العدالة كما ذكره ، واما لو كان المراد انما هو الاعتماد عليه والوثوق به في وجود الماء وعدمه حتى انه يقبل قوله في عدم الماء فالظاهر هو ما ذكرناه ، ويأتي ما ذكره مع تعذر الطلب بنفسه فإنه لا بأس بالاستنابة بل يجب ذلك ، وفي اشتراط عدالة النائب وجهان أظهرهما ذلك مع الإمكان ، ويحسب لهما على التقديرين لو قلنا به في الأول. ولو فات بالطلب غرض مطلوب يضر بحاله كالحطاب والصائد ففي وجوب الطلب عليه لقدرته على الماء أو سقوطه والانتقال الى التيمم دفعا للضرر وجهان ، اختار أولهما في المدارك وثانيهما في المعتبر ، وظاهر الروض التوقف وهو


كذلك لعدم النص في المسألة ، هذا كله فيما إذا كان يمكن حصول الماء قبل ذهاب الوقت والا سقط الطلب قولا واحدا لعدم الفائدة. وهل يقوم الظن هنا مقام اليقين فيجب الطلب مع ظنه؟ قيل نعم والظاهر ان وجهه ما تقدم في سابق هذا الموضع ، والظاهر العدم بناء على رواية السكوني التي عليها مدار كلام الأصحاب في هذه المسألة وفروعها كما أشرنا إليه آنفا لتخصيصها الطلب بالغلوة والغلوتين فيما إذا ظن الماء أو جوزه ، وان خصصناها بالتجويز بناء على ما قدمناه آنفا فهو أظهر ، واما مع تيقن وجود الماء فإنه خارج عن مورد الرواية لدخوله تحت الواجد للماء ، واما على تقدير حسنة زرارة فالأمر ظاهر لإيجابها الطلب في الوقت مطلقا.

(الرابع) ـ لو خاف على نفسه أو ما له بمفارقة رحله لم يجب عليه الطلب دفعا للحرج اللازم من وجوب الطلب والحال هذه ، وعلى ذلك يدل ما تقدم من روايتي داود الرقي ويعقوب بن سالم ، ويؤيده ما رواه الحلبي في الصحيح (1) «انه سأل الصادق (عليه‌السلام) عن الرجل يمر بالركية وليس معه دلو؟ قال ليس عليه ان يدخل الركية لأن رب الماء هو رب الأرض فليتيمم».

(الخامس) ـ المشهور بين الأصحاب انه لو أخل بالطلب حتى ضاق الوقت ثم تيمم وصلى فإنه قد أخطأ وصح تيممه وصلاته ، أما الخطأ فظاهر لإخلاله بما وجب عليه من الطلب ، واما صحة تيممه وصلاته فالوجه ان الطلب يسقط مع ضيق الوقت ويجب على المكلف في تلك الحال التيمم لانه غير واجد للماء كما هو المفروض وأداء الصلاة بتلك الطهارة وقد فعل وامتثال الأمر يقتضي الاجزاء. وعن المبسوط والخلاف عدم صحة تيممه والحال هذه قال في المعتبر : قال الشيخ لو أخل بالطلب لم يصح تيممه ويلزم على قوله لو تيمم وصلى ان يعيد. وفيه إشكال لأن مع ضيق الوقت يسقط الطلب ويتحتم التيمم فيكون مجزئا وان أخل بالطلب وقت السعة لأنه يكون مؤديا فرضه بطهارة

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب التيمم.


صحيحة وصلاة مأمور بها ، وأبلغ منه من كان معه ماء فوهبه أو اراقه. انتهى. أقول : ممن تبع الشيخ في هذه المقالة الشهيد في الدروس حيث قال : ولو وهب الماء أو اراقه في الوقت أو ترك الطلب وصلى أعاد. لكن لا يخفى ان كلام الشيخ المتقدم ذكره وكذا كلام الدروس لا تقييد فيهما بالضيق وان كان إطلاقهما يقتضي الشمول لذلك إلا انه مع الحمل عليه يشكل بما ذكره في المعتبر فإنه جيد وجيه ، ولو حمل ذلك على السعة توجه ما ذكروه من الإعادة لأنه مأمور بالطلب مع السعة فلو تيمم وصلى والحال هذه كان ما اتى به باطلا ووجب عليه الإعادة بعد الطلب ان كان في الوقت سعة وإلا تيمم وصلى مرة أخرى ، قال في المدارك بعد نقل كلام المعتبر المذكور : ويمكن ان يحمل كلام الشيخ على ما إذا أخل بالطلب وتيمم مع السعة فإن تيممه لا يصح قطعا. انتهى. واما ما ذكره في الدروس من انه لو وهب الماء أو اراقه في الوقت وصلى أعاد فلعل الوجه فيه ان الصلاة قد وجبت عليه واستقرت في ذمته بطهارة مائية لوجود الماء معه في الوقت وتمكنه من استعماله وتفويت الواجب من قبل نفسه لا يكون عذرا مسوغا للتيمم فيجب الإعادة في الوقت وخارجه. إلا انه على إطلاقه مشكل بل الظاهر ان الحكم فيه يصير كفاقد الماء من جواز التيمم في السعة بعد الطلب أو وجوب التأخير إلى ضيق الوقت. واولى بعدم الإعادة ما لو تيمم وصلى آخر الوقت فإنه مأمور بالصلاة والطهارة وامتثال الأمر يقتضي الاجزاء ، واما مع السعة فيحتمل القول فيما إذا وجد الماء بعد ان صلى بتيممه في السعة بأنه يجب عليه الإعادة لتوجه الخطاب إليه في أول الأمر بالصلاة بطهارة مائية والحال انه قد وجد الماء في الوقت اما مع الضيق فإنه لا يتجه هذا الاحتمال ونقل في المدارك عن المنتهى انه لو كان بقرب المكلف ماء وتمكن من استعماله وأهمل حتى ضاق الوقت فصار لو مشى اليه ضاق الوقت فإنه يتيمم وفي الإعادة قولان أقربهما الوجوب ، ثم اعترضه بأنه يتوجه عليه ما سبق وأشار به الى ما قدمه في مسألة المخل بالطلب حتى ضاق الوقت حيث اختار فيه ما ذكره المحقق. وهو جيد. بقي الكلام


في انه هل يأثم بإراقته الماء أو هبته في الوقت مع علمه بعدم الماء وان فرضه ينتقل الى التيمم؟ ظاهر الأصحاب ذلك وهو كذلك كمن أخل بالطلب مع كونه مأمورا به وهذا قد أخل بالطهارة بالماء مع كونه مأمورا بذلك ، وكيف كان فحيث ان الحكم غير منصوص وان كان القول المشهور أوفق بالقواعد الشرعية فلا ينبغي ترك الاحتياط في المسألة.

(السادس) ـ لو أخل بالطلب وضاق الوقت فتيمم وصلى ثم وجد الماء في محل الطلب من الغلوات أو مع أصحابه الباذلين له أو في رحله فهل يحكم بصحة ما فعل من التيمم والصلاة أو يجب عليه القضاء؟ قولان أحدهما العدم وهو اختيار السيد في المدارك وقبله المحقق الأردبيلي ، ووجهه ظاهر مما تقدم في سابق هذه المسألة فإنها من جزئياتها ، والمشهور وجوب القضاء استنادا الى ما رواه الشيخ عن ابي بصير (1) قال : «سألته عن رجل كان في سفر وكان معه ماء فنسيه وتيمم وصلى ثم ذكر ان معه ماء قبل ان يخرج الوقت؟ قال عليه ان يتوضأ ويعيد الصلاة». وأنت خبير بان ظاهر الخبر المذكور (أولا) ـ انما هو النسيان وهو أخص من المدعى. و (ثانيا) ـ ان تيممه وقع في السعة وهو خلاف المفروض في كلامهم ، والعجب ان شيخنا الشهيد الثاني في الروض حيث قيد إطلاق عبارة المصنف بضيق الوقت قال وانما قيدنا المسألة بالضيق تبعا للرواية وفتوى الأصحاب. والرواية ـ كما ترى ـ صريحة في السعة وليس غيرها في المسألة. و (ثالثا) ـ انه قد صرح بأنه لو تيمم في الصورة المذكورة حال السعة بطل تيممه وصلاته وان لم يجد الماء بعد ذلك ، قال لمخالفته الأمر وان جوزنا التيمم مع سعة الوقت بعد الطلب. انتهى. ولا ريب ان هذا مدلول الخبر المذكور كما عرفت. ثم قال : واعلم ان الأصل يقتضي عدم وجوب إعادة الصلاة مع مراعاة التضيق وان أساء بترك الطلب لإيجابه الانتقال إلى طهارة الضرورة ، لكن لا سبيل الى رد الحديث المشهور ومخالفة الأصحاب. وفيه

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم.


ما عرفت من ان الخبر ظاهر بل صريح في السعة ، وبه يظهر ان الأظهر هو القول بعدم الإعادة في المسألة المذكورة ، وما ادعاه ايضا من التقييد في كلام الأصحاب محل نظر لما عرفت في عبارة الشيخ من الإطلاق وكذا عبارة العلامة التي ارتكب التقييد فيها. والله العالم.

(السابع) ـ قال في المعتبر : لو نسي الماء في رحله وصلى بالتيمم أجزأه وهو اختيار علم الهدى. وقال الشيخ ان اجتهد وطلب لم يعد وإلا أعاد ، لنا ـ انه صلى بتيمم مشروع فلا يلزمه الإعادة ، ولان النسيان لا طريق إلى إزالته فصار كعدم الوصلة ، الى ان قال : وفي رواية أبي بصير عن الصادق (عليه‌السلام) (1) «يتوضأ ويعيد». وفي سندها عثمان بن عيسى وهو ضعيف فهي إذن ساقطة. انتهى. وقال في الذكرى : ولو نسي الماء أجزأ عند المرتضى لعموم «رفع عن أمتي الخطأ» (2). والشيخ يعيد ان لم يطلب ، لهذا الخبر ، وضعف بعثمان بن عيسى. وقول الشيخ أقرب للتفريط. والشهرة تدفع ضعف السند. انتهى. أقول : التحقيق عندي ان ظاهر الخبر المشار اليه هو الإعادة في صورة النسيان مع سعة الوقت مطلقا طلب أو لم يطلب ، والواجب العمل به وضعفه باصطلاحهم مجبور بالشهرة كما ذكره في الذكرى واخبار الطلب يجب تخصيصها بالخبر المذكور ، وبه يظهر ضعف ما اختاره في الذكرى ايضا كما ضعف ما اختاره في المعتبر ، نعم لو كان الذكر حال الضيق فالمتجه الاجتزاء بما فعل كما تقدم وهو خارج عن مورد الخبر كما عرفت. واما قوله في المعتبر : لنا ـ انه صلى بتيمم مشروع ، فإن أراد ولو في حال السعة فهو مجرد مصادرة ، وان أراد في حال الضيق فهو صحيح لما سلف.

(الثامن) ـ لو كان معه ماء فأراقه قبل الوقت أو مر بماء فلم يتطهر قبل الوقت والحال انه لا ماء ثمة تيمم وصلى ولا اعادة عليه إجماعا كما في المنتهى ، ولو كان ذلك

__________________

(1) ص 256.

(2) رواه في الوسائل في الباب 30 من الخلل في الصلاة و 56 من جهاد النفس.


بعد دخول الوقت فقد عرفت مما تقدم انه كذلك وان علم باستمرار الفقدان ، لانه صلى صلاة مأمورا بها بتيمم مشروع وقضية امتثال الأمر الاجزاء ، والمحقق في المعتبر ذكر الحكم المذكور ولم ينقل الخلاف فيه إلا عن العامة (1) وهو مؤذن بدعوى الإجماع عليه ، وقطع الشهيد في الدروس والبيان بوجوب الإعادة هنا للتفريط وقد سبق نقل عبارته من الدروس ، واحتمل ذلك في التذكرة.

(التاسع) ـ اختلف الأصحاب فيما لو كان الماء موجودا عنده فأخل باستعماله حتى ضاق الوقت عن استعماله فهل ينتقل الى التيمم ويؤدي أو يتطهر بالماء ويقضي؟ قولان ، اختار أولهما العلامة في المنتهى لقوله (عليه‌السلام) في صحيحة حماد بن عثمان (2) «هو بمنزلة الماء». وانما يكون بمنزلته لو ساواه في أحكامه ، ولا ريب في انه لو وجد الماء وتمكن من استعماله وجب عليه الأداء فكذا ما لو وجد ما سواه ، قال في المدارك بعد نقل ذلك : قلت ويد عليه فحوى قوله (عليه‌السلام) في صحيحة الحلبي (3) : «ان رب الماء هو رب الأرض». وفي صحيحة جميل (4) «ان الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا». وهذا القول لا يخلو من رجحان ، ولا ريب ان التيمم والأداء ثم القضاء بالطهارة المائية أحوط. انتهى واختار ثانيهما المحقق في المعتبر حيث قال : من كان الماء قريبا منه وتحصيله ممكن لكن مع فوات الوقت أو كان عنده وباستعماله يفوت لم يجز التيمم وسعى إليه لأنه واجد. انتهى. وهو اختيار السيد في المدارك حيث قال بعد فرض المسألة : فهل يتطهر ويقضي أو يتيمم ويؤدي؟ قولان ، أظهرهما الأول وهو خيرة المصنف في المعتبر لأن الصلاة مشروطة بالطهارة والتيمم انما يسوغ مع العجز عن استعمال الماء والحال ان المكلف واجد للماء متمكن من استعماله غاية الأمر ان الوقت لا يتسع لذلك ولم يثبت كون ذلك مسوغا للتيمم. انتهى. قال في الروض : وفرق المحقق الشيخ علي بين

__________________

(1) نقل الخلاف في المغني ج 1 ص 241 عن الأوزاعي.

(2) ص 248.

(3) ص 254.

(4) ص 247.


ما لو كان الماء موجودا عنده بحيث يخرج الوقت لو استعمله وبين من كان الماء بعيدا عنه بحيث لو سعى اليه لخرج الوقت فأوجب الطهارة المائية على الأول دون الثاني ، مستندا الى انتفاء شرط التيمم وهو عدم وجدان الماء في الأول وعدم صدق الوجدان في الثاني ، ثم اعترضه فقال : وأنت خبير بان المراد بوجدان الماء في باب التيمم وفي الآية فعلا أو قوة ، ولهذا يجب على الفاقد الطلب والشراء لصدق الوجدان ، ولو كان المراد الوجدان بالفعل لم يجب عليه ذلك لانه تعالى شرط في جواز التيمم عدم الوجدان ، فلا يتم حينئذ ما ذكره من الفرق لصدق الوجدان في الصورتين بالمعنى المعتبر شرعا ، فلا بد من الحكم باتفاقهما اما بالتيمم كما ذكره المصنف أو بالطهارة المائية كما ذكره المحقق. انتهى كلامه. وهو جيد وجيه.

أقول : والتحقيق عندي في هذه المسألة هو ما ذهب إليه العلامة من وجوب التيمم والأداء فإنه هو الأقرب الى الانطباق على القواعد الشرعية (أما أولا) ـ فلظواهر الأخبار التي احتج بها العلامة ولهذا قال في المدارك بعد ان ايدها بما ذكره : وهذا القول لا يخلو من رجحان. و (اما ثانيا) ـ فلانه لا يخفى ان المكلف مأمور بالصلاة في وقتها آية ورواية ، غاية الأمر أنها مشروطة بالطهارة المائية إن أمكنت وإلا فبالترابية لما دلت عليه الآية والاخبار المستفيضة ، وحيث انه لم يتمكن من المائية هنا لاستلزام استعمالها خروج الوقت تعينت الترابية ، كما لو وجد ماء يستلزم السعي إليه خروج الوقت فإنه يتيمم اتفاقا كما تقدم. و (اما ثالثا) ـ فلانه لا ريب أن مشروعية التيمم انما هو للمحافظة على إيقاع الصلاة في وقتها وإلا كان الواجب مع فقد الماء أو تعذر استعماله تأخير الصلاة عن وقتها الى ان يتمكن من استعماله فيقضي الصلاة كما هو مقتضى كلام هذا القائل والمعلوم من الشرع خلافه ، وحينئذ فمجرد وجود الماء في الصور المفروضة مع استلزام استعماله خروج الوقت في حكم العدم ، وبذلك يظهر ان قوله في المدارك انه لم يثبت كون عدم اتساع الوقت مسوغا للتيمم ليس في محله ، وكيف لا ونظر الشارع أولا


وبالذات انما هو الى الصلاة والإتيان بها في وقتها ونظره الى الطهارة بالماء انما هو ثان وبالعرض حيث انها شرط لها فكيف يقدم ما هو بالعرض على ما هو بالذات مع ان الشارع قد جعل له عوضا عنه تأكيدا للمحافظة عليها في وقتها؟ وكيف لا يكون عدم اتساع الوقت مسوغا للتيمم والعلة في مشروعيته انما هو المحافظة على الإتيان بالصلاة في وقتها كما عرفت؟ ولعله لهذا الوجه لم يعد في المسوغات فإنه حيث كان هو الأصل في مشروعية التيمم اكتفي بذلك عن عده في المسوغات ، وكيف كان فإنه وان كان ما اخترناه هو الأنسب بالقواعد الشرعية المؤيدة بما تقدم من تلك الأخبار المروية إلا انه حيث كانت المسألة عارية عن النصوص على الخصوص فالأحوط بعد الصلاة بالتيمم أداء إعادة الصلاة بالطهارة المائية قضاء.

ثم انه لا يخفى عليك ان هذا البحث كما يجري في هذه المسألة يجري أيضا في مسألة عدم اتساع الوقت لإزالة النجاسة عن الساتر الذي لا يجد غيره. وكذا تحصيل الساتر إذا توقف على زمان يفوت به الوقت ، فهل يصلي بالنجاسة في الاولى وعاريا في الثانية في الوقت أداء أو يقدم إزالة النجاسة أولا وكذا تحصيل الساتر ثم يصلي قضاء؟ القولان المتقدمان ، واما ما ذكره المحقق الثاني من التفصيل فقد عرفت بما قدمنا نقله عن الروض انه غير واضح السبيل.

(العاشر) ـ لو وجد من الماء ما لا يكفيه لطهارته فالظاهر انه في حكم العدم وضوء كان أو غسلا ، ونسبه في المنتهى الى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ونحوه في التذكرة ، ولم ينقل الخلاف في المعتبر والمنتهى والتذكرة في هذه المسألة إلا عن العامة (1) وقال في الروض : وربما حكي عن الشيخ في بعض أقواله التبعيض وهو مذهب العامة. وقطع العلامة في النهاية بأن المحدث لو وجد من الماء ما لا يكفيه لطهارته لم يجب عليه استعماله بل يتيمم ، واحتمل في الجنب مساواته للمحدث ووجوب صرف الماء الى بعض

__________________

(1) راجع التعليقة 2 ص 243.


أعضائه لجواز وجود ما تكمل به الطهارة ، قال والموالاة ساقطة هنا بخلاف المحدث واحتمل ذلك شيخنا البهائي في الحبل المتين أيضا.

أقول : والظاهر هو القول المشهور للأخبار المتكاثرة ، واستدل على ذلك ايضا بقوله عزوجل «فَلَمْ تَجِدُوا» وقد تقدم الكلام في ذلك في صدر الباب في تفسير الآية المذكورة ، والأظهر الرجوع في ذلك الى الاخبار فإنها صريحة الدلالة في المدعى ، ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) «في رجل أجنب في سفر ومعه ماء قدر ما يتوضأ به؟ قال يتيمم ولا يتوضأ». وما رواه في الفقيه في الصحيح عن عبيد الله بن علي الحلبي (2) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يجنب ومعه قدر ما يكفيه من الماء لوضوء الصلاة أيتوضأ بالماء أو يتيمم؟ قال لا بل يتيمم ألا ترى انه انما جعل عليه نصف الوضوء». وعن محمد بن حمران وجميل بن دراج في الصحيح (3) «أنهما سألا أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن امام قوم أصابته جنابة في السفر وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم؟ فقال لا ولكن يتيمم الجنب ويصلي بهم فان الله عزوجل جعل التراب طهورا». ورواه الشيخ في الصحيح مثله (4) إلا انه ترك «بعضهم» وهو أظهر في الاستدلال ، وما رواه الشيخ عن الحسين بن ابي العلاء (5) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يجنب ومعه من الماء بقدر ما يكفيه لوضوء الصلاة أيتوضأ بالماء أو يتيمم؟ قال يتيمم ألا ترى انه جعل عليه نصف الطهور». وربما لاح من خبري الحلبي والحسين بن ابي العلاء ان من أحدث بالأصغر بعد تيممه عن الجنابة فان الواجب عليه هو التيمم بدلا عن الجنابة كما هو المشهور لا عن الأصغر كما هو قول المرتضى ، إلا انه يمكن تخصيص الخبرين المذكورين بكون السؤال فيهما عن هذا الحكم بعد الجنابة كما يؤنس به التعليل المذكور من قوله (عليه‌السلام) «ألا ترى انه انما جعل عليه نصف الوضوء» كما في الأولى أو «الطهور» كما

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب التيمم.


في الثانية ، فإن الظاهر ان منشأ هذا السؤال ان السائل توهم أفضلية الوضوء على التيمم لكونه طهارة مائية مقدورة للجنب سابغة على الأعضاء فيحصل بها استباحة ما يحصل بالتيمم الذي هو مخصوص بعدم وجود الماء أو عدم إمكان استعماله ، فأجابه (عليه‌السلام) بان الواجب عليه شرعا لرفع حدث الجنابة في الحال المذكورة انما هو التيمم لانه سبحانه بعد تعذر الماء للغسل وجودا أو استعمالا نقله الى التيمم لطفا به وكرما كما دلت عليه آية التيمم المتقدمة وقوله تعالى : «ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ... الآية» ألا ترى انه لمزيد لطفه وعنايته انما جعل عليه نصف الوضوء يعني مسح المغسول منها وهي ثلاثة دون الممسوح منها وهي الثلاثة الأخرى والوضوء مركب من أعضاء ثلاثة مغسولة وأعضاء ثلاثة ممسوحة. وأنت خبير بان ما ذكرنا من الكلام في هذه المسألة متجه فيما إذا كان مكلفا بطهارة واحدة فلو كان مكلفا بطهارتين كالوضوء والغسل بناء على المشهور في غسل الحيض والنفاس ونحوهما من وجوب الوضوء معه فإنها لو وجدت ما يكفي للوضوء دون الغسل توضأت عن الأصغر وتيممت بدلا من الغسل ، وبذلك صرح جملة من الأصحاب ، ولو وجدت ما يكفي للغسل خاصة قدمته وتيممت عن الحدث الأصغر ، ويحتمل التخيير هنا لأنهما فرضان مستقلان إلا ان الأحوط الأول. ثم انه لا يخفى ايضا ان هذا الحكم آت فيما لو تضرر بعض أعضائه بالغسل أو كان بعض أعضائه نجسا ولا يقدر على طهارته بالماء فإنه يتيمم ولا يجزئه تيمم بعض وغسل بعض ، لأن الطهارة عبادة شرعية موقوفة على التوظيف من الشارع والذي علم منه اما الماء في الجميع أو التراب في الجميع ولم يرد عنه التبعيض ، ونقل في المعتبر عن الشيخ في المبسوط والخلاف انه قال : ولو غسلها وتيمم كان أحوط. وهو ضعيف لما عرفت.

(الحادي عشر) ـ اختلف الأصحاب في من وجد من الماء ما لا يكفيه للطهارة إلا بمزجه بالمضاف على وجه لا يسلبه الإطلاق فهل يجب المزج والطهارة به أم يجوز له ترك المزج والانتقال الى التيمم؟ فذهب جمع من المتأخرين : منهم ـ العلامة


واتباعه إلى الأول ، ونقل عن جمع من المتقدمين كالشيخ واتباعه الميل الى الثاني ، وربما بني الخلاف هنا على الخلاف المتقدم في معنى الآية ، فإن فسرنا عدم وجود الماء بالقول الثاني المتقدم وهو كون المكلف غير واجد للماء بان يكون في مكان لا ماء فيه فالمتجه قول الشيخ بالانتقال الى التيمم ، فإنه يصدق على هذا من حيث ان الماء لا يكفيه للطهارة انه غير واجد للماء فيصير فرضه التيمم ، وان قلنا ان المراد بعدم وجدان الماء انما هو عدم التمكن منه كما تقدم في القول الأول فالمتجه ما ذكره العلامة لصدق التمكن بالمزج كصدقه بالسعي والطلب وبعض المحققين بنى القولين المذكورين على ان الطهارة بالماء في الصورة المفروضة هل هو من قبيل الواجب المطلق فيجب المزج إذ ما لا يتم الواجب المطلق إلا به وهو مقدور فهو واجب أو انها واجب مشروط بوجود الماء وتحصيل مقدمة الواجب المشروط غير واجب؟ وقد تقدم البحث في هذه المسألة مستوفى في باب الماء المضاف وبيان ما هو الحق المختار من القولين المذكورين.

(الثاني عشر) ـ قد صرح الأصحاب بأنه لو كان على بدن المصلى أو ثوبه نجاسة ومعه من الماء ما لا يكفيه إلا لإزالة النجاسة أو الطهارة فإنه يجب تقديم إزالة النجاسة والظاهر ان الحكم بذلك اتفاقي عندهم كما صرح به في المعتبر والمنتهى والتذكرة ، وعلل بأن الطهارة المائية لها بدل وهو التيمم بخلاف إزالة النجاسة فيجب صرفه إليها والتيمم جمعا بين الحقين. وأنت خبير بأن لقائل أن يقول ان الشارع قد قيد جواز التيمم بعدم وجدان الماء والماء في الصورة المفروضة موجود ، وزعم البدلية على إطلاقه ممنوع إذ غاية ما يفهم من الأخبار ثبوت البدلية مع فقد الماء بالكلية أو التضرر باستعماله وكل منهما مفقود في محل النزاع ، على ان دعوى البدلية معارض بتجويز الشارع الصلاة في النجاسة مع تعذر إزالتها أو عاريا على الخلاف في المسألة. وتقديم أحدهما في استعمال هذا الماء الموجود على الآخر يحتاج إلى دليل ، ولا اعلم لهم دليلا وراء الإجماع المدعى والاعتماد عليه لا يخلو من مجازفة كما قدمنا القول فيه في مقدمات الكتاب ، وهؤلاء


المدعون له قد طعنوا فيه في غير موضع من كتبهم الاستدلالية وان استسلقوه في أمثال هذه المقامات ، نعم لو علم دخول أقوال متقدمي الأصحاب من أرباب النصوص في هذا الإجماع لم يبعد الاعتماد عليه. وبالجملة فالمسألة لعدم النص لا تخلو من اشكال والاحتياط فيها واجب عندي على كل حال بان يتطهر بالماء ويصلي بالنجاسة ثم يعيد في الوقت أو خارجه بعد التمكن من الماء لإزالة النجاسة. ثم انهم قد صرحوا أيضا بان ما ذكر من الحكم المذكور وهو وجوب تقديم إزالة النجاسة والتيمم مخصوص بوجود ما يتيمم به وإلا وجب الوضوء بذلك الماء والصلاة بالنجاسة. وهو مما لا اشكال فيه على القول المذكور. وصرحوا ايضا بتقييد الحكم بالنجاسة الغير المعفو عنها وبكون الثوب لو كانت النجاسة فيه مما يضطر الى لبسه. والجميع مما لا اشكال فيه. والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ في عدم الوصلة اليه والتمكن منه والبحث هنا يقع في مواضع ثلاثة :

(الأول) ـ قد صرح الأصحاب بان من عدم الثمن فهو كمن عدم الماء ، وكذا ان وجده بثمن يضر بحاله بمعنى انه ليس للمكلف مال يقوم بذلك من غير تطرق ضرر اليه ونقصان في ماله ، وقيل ان المراد ضرره في الحال يعني حال الشراء وان لم يضر به في المآل ، واما لو لم يترتب عليه الضرر بأي المعنيين اعتبر فإنه يجب الشراء عندهم وان زاد على قيمة المثل أضعافا إذ المناط انما هو الضرر وعدمه كما عرفت. ونقل عن ابن الجنيد الانتقال الى التيمم هنا وعدم وجوب الشراء متى كان غاليا وانه يصلي بتيممه ثم يعيد بعد وجود الماء.

أقول : (اما الأول) من هذه المذكورات فلا اشكال فيه إذ صدق عدم الوجدان فيه ظاهر. و (اما الثاني) فأسنده في المعتبر الى فتوى الأصحاب ، واستدل عليه بان من خشي من نص أخذ ما يجحف به لم يجب عليه العي وتعريض المال للتلف


وإذا ساغ التيمم هناك دفعا للضرر ساغ له هنا ، وبرواية يعقوب بن سالم (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل لا يكون معه ماء والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحوهما؟ قال لا آمره ان يغرر بنفسه فيعرض له لص أو سبع». قال في المدارك بعد نقل ذلك : وهو حسن ويؤيده عموم قوله تعالى : «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» (2) وقوله عزوجل : «يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» (3) و (اما الثالث) فاستدلوا عليه بصحيحة صفوان (4) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل احتاج الى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء فوجد قدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بألف درهم وهو واجد لها يشتري ويتوضأ أو يتيمم؟ قال لا بل يشتري قد أصابني مثل هذا فاشتريت وتوضأت وما يشترى بذلك مال كثير». ورواه في الفقيه مرسلا عن الرضا (عليه‌السلام) (5) أقول : والذي وقفت عليه زيادة على هذا الخبر ما رواه العياشي في تفسيره عن الحسين بن أبي طلحة (6) قال : «سألت عبدا صالحا عن قول الله عزوجل : «أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» (7) ما حد ذلك فان لم تجدوا بشراء أو بغير شراء ان وجد قدر وضوء بمائة ألف أو ألف وكم بلغ؟ قال : ذلك على قدر جدته». وما في دعائم الإسلام (8) حيث قال : «وقالوا (عليهم‌السلام) في المسافر إذا لم يجد الماء إلا بموضع يخاف على نفسه ان مضى في طلبه من لصوص أو سباع أو ما يخاف منه التلف والهلاك يتيمم ويصلي. وقالوا (عليهم‌السلام) في المسافر يجد الماء بثمن غال ان يشتريه إذا كان واجدا لثمنه فقد وجده إلا ان يكون في دفعه الثمن

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 2 من أبواب التيمم.

(2) سورة الحج. الآية 77.

(3) سورة البقرة. الآية 581.

(4 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 26 من أبواب التيمم.

(7) سورة النساء الآية 43 وسورة المائدة. الآية 6.

(8) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 1 و 20 من أبواب التيمم.


ما يخاف منه على نفسه التلف ان عدمه والعطب فلا يشتريه ويتيمم بالصعيد ويصلي».

أقول : لا يخفى ان ما استدل به المحقق في المعتبر على القسم الثاني لا يخلو من نظر وان استحسنه في المدارك ، اما قوله : «من خشي من لص أخذ ما يجحف به. إلخ» فهو مع كونه لا دليل عليه لا يخرج عن القياس ، فان ورود ذلك على تقدير تسليمه في السعي إلى تحصيل الماء لا يوجب انسحابه الى الشراء سيما مع عموم الصحيحة المنقولة في كلامهم والخبرين اللذين اردفناهما بها ، واما الاستناد إلى الرواية فكذلك أيضا ، لأن موردها طلب الماء في الغلوات وهو خارج عن محل المسألة وحمل ما نحن فيه على ذلك لا يخرج عن القياس ، وبالجملة فإن الأخبار التي نقلناها في المسألة عامة للصورة الثانية والثالثة ، حيث ان ظاهرها وجوب الشراء ما وجد الثمن قليلا كان أو كثيرا ، والظاهر انه الى ما ذكرنا ذهب المرتضى على ما نقله في المعتبر حيث قال : «وإذا لم يوجد إلا ابتياعا وجب مع القدرة وان كثر الثمن ، كذا قال علم الهدى ، وقيل ما لم يتضرر به في الحال وهو أشبه» ثم استدل على الأول بأنه واجد للماء ضرورة قدرته عليه بالثمن الموجود ، ثم أورد رواية صفوان إلى ان قال : واما الثاني وهو اشتراط عدم الضرر الحالي فهو اختيار الشيخ ، ثم نقل قول ابن الجنيد الآتي الى ان قال : وقال الشيخ في كتبه كلها لا يجب شراؤه إذا كان مضرا في الحال وهو فتوى فضلائنا وفتوى فقهاء الجمهور ، وانما قلنا انه أشبه لان من خشي. إلى آخر ما قدمناه من نقل دليله. وأنت خبير بان ظاهر إطلاق المرتضى هو ما ذكرناه ، وتقييدهم بالضرر المذكور في مقابلة إطلاقه شاهد لما ندعيه. وهذا الضرر الذي قيدوا به لا يخلو من إجمال ، نعم يمكن التقييد بما دلت عليه رواية الدعائم من انه متى استلزم دفع المال خوف التلف على نفسه والعطب فإنه يجب الانتقال الى التيمم ، ويؤيده ما دل على نفي الحرج في الدين وارادة اليسر دون العسر وسعة الحنيفية (1)

__________________

(1) اما ما دل على نفي الحرج والعسر فالآيتان المتقدمتان ص 265 واما ما دل على سعة الحنيفية فروى السيوطي في الجامع الصغير ج 1 ص 109 قوله (ص) : «بعثت


ونحو ذلك ، وحينئذ فإن أريد بالضرر المذكور في كلامهم هو ما ذكرناه فالحق ما ذكره في المعتبر ونقله عن الشيخ واتباعه ، وان أراد غير ذلك فالحق ما ذكره المرتضى. وبالجملة فإن هذا الضرر المذكور في كلامهم الذي سوغوا معه التيمم دون الشراء غير منقح ولا مبين ، فربما ظهر من بعض العبارات انه عبارة عن خوف قلة المال خصوصا عند من يقيد بالحال الحاضرة ، قال في الذكرى بعد الإشارة إلى مضمون صحيحة صفوان : هذا مع عدم الضرر الحالي أو المتوقع في زمان لا يتجدد له مال عادة أما معه فلا ، وكذا لو أجحف بماله للحرج. وظاهر إطلاق جملة من العبارات يقتضي عدم الفرق بين المجحف وغيره فإنه ينتقل الى الشراء ، وقيده في الذكرى كما سمعت ومثله العلامة في التذكرة بعدم الإجحاف بالمال وان كان مقدورا للحرج. وفيه منع فان ظواهر الأخبار المتقدمة ترده ، وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال لعموم النصوص المتقدمة وغاية ما يمكن استثناؤه منها بالأدلة العامة من خارج هو الصورة التي ذكرناها ودل عليها الخبر المتقدم.

واما ما نقل عن ابن الجنيد من الانتقال الى التيمم في الصورة الثانية وعدم الشراء فقيل في الاحتجاج له : ان خوف فوات المال اليسير بالسعي إلى الماء مجوز للتيمم فكيف يجب بذل الكثير على هذا الوجه فيه؟ ولتساوي الحكم في تضييع المال القليل والكثير وكفر مستحله وفسق غاصبه وجواز الدفع عنه. وأجيب عن ذلك بالفرق بين جميع ما ذكر وموضع النزاع بالنص ، وبالمنع من مساواة ما يبذله المكلف باختياره وبين ما ينهب منه قهرا لما في الثاني من لزوم الغضاضة والإهانة الموجبة للضرر بخلاف الأول لأن الفرض انتفاء الضرر فيه. وربما أجيب بالفرق بين الأمرين بالعوض والثواب بمعنى ان اللازم من الفرع انما هو الثواب لأنه عبادة اختيارية مطلوبة

__________________

بالحنيفية السمحة.». ورواه الخطيب في تاريخ بغداد ج 7 ص 209 وروى الكليني في فروع الكافي ج 2 ص 56 من حديث قوله «ص» : «لم يرسلني الله بالرهبانية ولكن بعثني بالحنيفية السهلة السمحة» ..


للشارع وهو أضعاف ما دفع واللازم في الأصل انما هو العوض وهو مساو لما أخذ منه فلا يتم القياس واستضعفه في الذكرى استنادا إلى انه إذا ترك المال لابتغاء الماء دخل في حيز الثواب ، وزاد عليه في الروض بعد استحسانه بأنه يجمع له حينئذ بين العوض والثواب وهو أعظم من الثواب وحده. وبالجملة فالأولى هو الاستناد في الفرق الى النص مع قطع النظر عن الطعن فيما ذكره بأنه لا يخرج عن القياس كما قدمنا ذكره في الكلام على كلام المعتبر.

(الموضع الثاني) ـ فقد الآلة التي يتوصل بها الى الماء كما إذا مر ببئر أو شفير نهر ولم يتمكن من الوصول الى الماء إلا بمشقة أو تغرير بنفسه ولا آلة معه للاغتراف فإنه يتيمم ، قال في المنتهى : وهو قول علمائنا اجمع. أقول : ويدل عليه مضافا الى الإجماع المذكور المؤيد ايضا بنفي الحرج في الدين (1) ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحسين ابن سعيد عن عبيد الله بن علي الحلبي (2) : «انه سأل الصادق (عليه‌السلام) عن الرجل يمر بالركية وليس معه دلو؟ قال ليس عليه ان يدخل الركية لأن رب الماء هو رب الأرض فليتيمم». وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن ابي يعفور وعنبسة بن مصعب جميعا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «إذا أتيت البئر وأنت جنب ولم تجد دلوا ولا شيئا تغرف به فتيمم بالصعيد فان رب الماء هو رب الصعيد ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم». وما رواه ثقة الإسلام في الحسن عن الحسين بن ابي العلاء (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يمر بالركية وليس معه دلو؟ قال ليس عليه ان ينزل الركية ان رب الماء هو رب الأرض فليتيمم».

(الموضع الثالث) ـ قد صرح الشيخ بان من منعه الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة عن الخروج للوضوء تيمم وصلى ثم أعاد ، والأصل في الحكم المذكور ما رواه

__________________

(1) راجع التعليقة 1 ص 266.

(2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب التيمم.


الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (1) «انه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس؟ قال يتيمم ويصلي معهم ويعيد إذا انصرف». وعن سماعة في الموثق عن الصادق عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (2) «انه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة فأحدث أو ذكر انه على غير وضوء ولا يستطيع الخروج من كثرة الزحام؟ قال يتيمم ويصلى معهم ويعيد إذا انصرف». والحكم بالانتقال الى التيمم في الصورة المذكورة مما لا خلاف فيه فيما اعلم وانما الكلام في الإعادة ، وظاهر كلام الشيخ ومن تبعه وجوبها وكذا نقل عن ابن الجنيد ، وقد استشكله جملة من محققي المتأخرين ومتأخريهم بان الأمر يقتضي الاجزاء وقد أدى الصلاة بتيمم صحيح حسبما أمر فلا تتعقبه الإعادة ، ومن أجل ذلك حملوا الأمر بالإعادة على الاستحباب كما هي القاعدة المطردة عندهم في جميع الأبواب.

أقول : والتحقيق عندي في هذه المسألة هو ان يقال لا ريب ان الجمعات والجماعات في وقتهم (عليهم‌السلام) انما كانت للمخالفين والصلاة المذكورة في الخبرين انما هي معهم وذلك المحدث لا يمكنه الخروج للزحام ولا ترك الصلاة معهم للتقية فلذا يعيد حينئذ والوقت غير مضيق ، وذلك لان هذا الزحام المانع انما هو باجتماعهم في الجامع فمتى فرغوا من الصلاة وتفرقوا وخرج هو معهم أعاد صلاته ، وهذا لا اشكال فيه. واما ما ذكره في المعتبر ـ حيث قال : من أحدث في الجامع يوم الجمعة ومنعه الزحام عن الخروج تيمم وصلى لان وقت الجمعة ضيق والتقدير تقدير عدم التمكن من الخروج ومن الماء فيجزيه التيمم ، وهل يعيد؟ الوجه لا ، لانه صلى صلاة مأمورا بها مستجمعة الشرائط حال أدائها فتكون مجزئة ، وقال الشيخ يعيد وكذا قال ابن الجنيد ، وربما

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب التيمم.

(2) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب التيمم.


كان تعويله على رواية السكوني ، ثم ساق الرواية وردها بضعف السند ـ ففيه ان الروايتين اللتين هما المستند في هذه المسألة قد اشتملتا على يوم الجمعة ويوم عرفة ، وفرضه المسألة على ما قرره من ضيق وقت يوم الجمعة وان تم له في يوم الجمعة إلا انه لا يتم له في يوم عرفة لان المراد بالزحام يوم عرفة يعني في صلاة الظهرين في مسجد عرفة ووقت الظهرين غير مضيق فلا يتمشى ما ذكره فيه ، على ان الحق ـ كما عرفت ـ ان الصلاة انما هي مع جماعة المخالفين الذين هم أرباب الجمعات والجماعات في الصدر السابق سيما في المواضع الظاهرة المكشوفة كعرفات ونحوها ، ولا ريب أن المقتدي بهم من الشيعة لا يصليها جمعة وانما يصليها ظهرا ، فلا يتم التقريب الذي ذكره من ان وقت الجمعة ضيق ، وبالجملة فإنه على ما ذكرنا لا اشكال بحمد الملك المتعال (فان قيل) : ان مقتضى ما ذكرتم من الصلاة تقية مع سعة الوقت هو عدم صحة الصلاة فلما ذا أمر (عليه‌السلام) بالتيمم والحال ان الصلاة غير صحيحة ويجب إعادتها بعد خروجهم وتفرقهم؟ (قلنا) يمكن ان يكون لوجه في هذا التيمم ما رواه الصدوق عن مسعدة بن صدقة (1) «ان قائلا قال لجعفر بن محمد (عليه‌السلام) اني أمر بقوم ناصبية قد أقيمت لهم الصلاة وانا على غير وضوء فان لم ادخل معهم قالوا ما شاءوا ان يقولوا فأصلي معهم ثم أتوضأ إذا انصرفت؟ قال سبحان الله أما يخاف من يصلي على غير وضوء ان تأخذه الأرض خسفا». والتقريب فيها انه (عليه‌السلام) منع من الإتيان بصورة الصلاة وان كانت باطلة باعتقاد صاحبها ومريدا للإعادة لها بغير طهارة ، والحال في الصورتين واحدة ، والوضوء هنا متعذر فلا بد من الانتقال الى التيمم ، فالأمر بالتيمم انما هو لما دل عليه هذا الخبر كما عرفت (فان قيل) : يمكن ان يكون مراده (عليه‌السلام) من الخبر المذكور انما هو الأمر بالوضوء والصلاة معهم على حسب الصلاة خلف المخالفين فتكون صلاة صحيحة ، فيكون المنع والتهديد المذكور انما تعلق بالصلاة الصحيحة (قلنا) : هذا المعنى بعيد عن ظاهر الخبر

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب الوضوء.


بمراحل فان السائل إنما سأل عن الصلاة معهم بما هو صورة الصلاة من مجرد الإتيان بهذه الأفعال من غير ان يقصدها صلاة ويعتد بها والجواب انما وقع بإزاء السؤال المذكور ، وظاهر السؤال المذكور ان الرجل غير متمكن من الوضوء في تلك الحال والصلاة معهم ليدفع عن نفسه خوف الشنعة منهم ، وحينئذ فحاصل جوابه (عليه‌السلام) انك لا تأتي بالصلاة وان كنت لا تعتقدها صلاة بغير وضوء بل ان أمكنك الوضوء والصلاة معهم فافعل وإلا فامض ولا تصل. ويجب التنبيه هنا على فوائد

(الأولى) ـ قال المولى محمد تقي المجلسي في شرحه على الفقيه بعد ذكر صحيحة صفوان : «الظاهر من الخبر لزوم الشراء ولو كان بأضعاف ثمن المثل ، وقيل يجب ما لم يجحف ، والقول بالوجوب مشكل لان استعمال الوجوب في الاستحباب المؤكد شائع والقرينة «قد أصابني فاشتريت» والترغيب ، فإنه يكون غالبا في المستحبات والترهيب في الواجبات» انتهى. أقول : لا يخفى ما فيه من الغفلة فإن استعمال لفظ الوجوب في الاستحباب المؤكد انما هو فيما إذا ورد في الخبر التعبير بلفظ الوجوب فإنه غير صريح في المعنى الأصولي المشهور كما عرفت في غير موضع بل كما يستعمل في المعنى المشهور يستعمل أيضا في الاستحباب المؤكد ، لا ما إذا ورد الخبر بلفظ الأمر الدال على الوجوب أو بعبارة أخرى من الألفاظ الدالة على الوجوب فإنه يجب الحمل على الوجوب البتة عملا باستعمال اللفظ في حقيقته ، والخبر المذكور هنا لم يشتمل على لفظ الوجوب حتى يتم تأويله المذكور وانما اشتمل على النهي عن التيمم والأمر باشتراء الماء والنهي حقيقة في التحريم والأمر حقيقة في الوجوب ، ولا يجوز العدول عن الحمل على الحقيقة إلا مع وجود الصارف عن ذلك. وليس فليس ، ومجرد استبعاده ذلك لا يكفي في رد الحكم الصريح من هذا الخبر وأمثاله كما عرفت ، واستناده الى ما ذكره ضعيف لا يعول عليه.

(الثانية) ـ قد اختلفت نسخ الحديث في قوله في آخر صحيحة صفوان


«وما يشترى به مال كثير». ففي بعضها كما ذكرنا ، وعلى هذا تكون «ما» حينئذ موصولة و «يشترى» يجوز قراءته بالبناء للفاعل والبناء للمفعول ، والمعنى ان الماء الذي يشترى للوضوء بتلك الدراهم مال كثير لما يترتب عليه من الثواب العظيم والأجر الجسيم وربما تقرأ بالمد «ماء» والمعنى يرجع الى ما ذكر ، وفي بعضها «يسوءني» من المساءة ضد المسرة وعليه فيحتمل ان تكون «ما» نافية أي ما يسوءني بذلك الماء إعطاء مال كثير في الثمن ، ويحتمل ان تكون استفهامية ، وعلى هذا يكون «مال كثير» خبر مبتدأ محذوف أي الذي اشترى به مال كثير ، وفي بعضها «ما يسرني» من المسرة ضد المساءة ، وعلى هذا تكون «ما» موصولة والمال الكثير كناية عن الثواب. والمعنى ان الذي يوجب لي السرور بهذا الشراء هو الثواب العظيم المترتب عليه ، وأكثر المحدثين اعتمدوا على نقل الحديث بما ذكرنا.

(الثالثة) ـ ما تقدم من البحث بالنسبة إلى الماء يأتي مثله بالنسبة الى آلة تحصيله من الدلو والرشاء حيث يتوقف تحصيله عليهما فيجب الشراء على التفصيل المتقدم في شراء الماء ، فمتى تمكن وانتفى الضرر على الخلاف المتقدم وجب لوجوب تحصيل شرط الواجب المطلق بحسب الإمكان ، والقادر على شد الثياب بعضها بعض والتوصل الى الماء بها ولو بشق بعضها وان نقصت أثمانها متمكن مع عدم التضرر بذلك الداخل تحت الحرج المنفي آية ورواية (1).

(الرابعة) ـ قد أشرنا سابقا الى اختلافهم في الحال المعتبرة في الضرر بدفع الثمن الموجب للانتقال الى التيمم هل هي عبارة عن الحال الحاضرة التي هي عبارة عن وقت الشراء ، وهذا هو صريح عبارة المعتبر المتقدمة ، وعلى هذا لا عبرة بخوف ضرره في المآل لإمكان تجدد ما يندفع به الضرر ولعدم التضرر بذلك حينئذ ، أو انها عبارة عن حال المكلف؟ وهو صريح عبارة الذكرى المتقدمة ، وهو الظاهر من كلام

__________________

(1) راجع التعليقة 1 ص 266 وج 1 ص 151.


الشهيد الثاني في الروض فيعم الضرر الحالي والمتوقع حيث يحتاج الى المال المبذول في مستقبل الزمان الذي لا يتجدد له فيه مال عادة ، فمتى لم يضره بذلك الثمن في الحال والمآل على الوجه المذكور وجب الشراء. وأنت خبير بأن الأخبار المتقدمة وهي أخبار المسألة مطلقة في هذا الحكم كما ذكرناه آنفا ، وتقييدها بالضرر المستفاد من الأدلة العامة يقتضي الاقتصار على الحال الحاضرة لإناطة الحكم بها وصدق عدم الضرر يومئذ وإمكان تجدد ما يندفع به الضرر في المآل ، ومنه يظهر قوة ما ذهب إليه في المعتبر.

(الخامسة) ـ لو بذل له الماء بثمن إلى أجل يقدر عليه عند الحلول فقد صرح العلامة وجملة من الأصحاب بوجوب الشراء لان له سبيلا الى تحصيل الماء ، واستشكل بعض في ذلك بان شغل الذمة بالدين الموجب للذلة ـ مع عدم الوثوق بالوفاء وقت الحلول وتعريض نفسه لضرر المطالبة وإمكان عروض الموت وهو مشغول الذمة ـ ضرر عظيم ، وفي حكمه الاقتراض للشراء. أقول : والمسألة لعدم النص محل توقف.

(السادسة) ـ لو وهبه الماء وإعارة الآلة فظاهر الأصحاب وجوب القبول هنا بخلاف ما إذا وهبه الثمن ، وعللوا الأول بأنه لا منة في هبة الماء ولا إعارة الآلة فلا يسوغ له التيمم لانه قادر على استعمال الماء بقبول ذلك فيكون كواجده ، وهذا بخلاف هبة الثمن فإنها لاشتمالها على المنة عادة الموجبة للغضاضة والامتهان لا يجب تحملها ولا قبولها وان قل الثمن ، هذا هو المشهور ، ونقل عن الشيخ انه أوجب القبول لوجوب تحصيل شرط الواجب المطلق ، وكذا يجري الكلام في هبة الآلة أيضا ، ويأتي على ما ذكره الشيخ هنا ايضا وجوب القبول ، وظاهر المدارك الميل الى ما ذكره الشيخ (قدس‌سره) حيث قال بعد نقل قول الشيخ : «واستشكله المصنف في المعتبر بان فيه منة بالعادة ولا يجب تحمل المنة. وهو ضعيف لجواز انتفاء المنة ومنع عدم وجوب تحملها إذا توقف الواجب عليه. ولو امتنع من قبول الهبة لم يصح تيممه ما دام الماء أو الثمن باقيا في يد المالك المقيم على البذل» انتهى كلامه (رحمه‌الله) وهو جيد ، ويؤيده انهم صرحوا أيضا في


كتاب الحج بعدم حصول الاستطاعة بما يهبه له لعدم وجوب قبول الهبة لاشتمالها على المنة ، مع ان ظواهر الأخبار ـ كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى ـ دالة على وجوب القبول ، وبالجملة فالظاهر هو ما ذهب اليه الشيخ (قدس‌سره) سيما مع موافقته الاحتياط المطلوب في المقام ، حيث ان المسألة عارية عن النص فيجب الوقوف فيها على جادة الاحتياط.

(المسألة الثالثة) ـ في الخوف والمراد به ما هو أعم من خوف لص أو سبع أو نحو ذلك أو خوف المرض وحدوثه أو زيادته أو خوف العطش ، فههنا مقامات ثلاثة :

(الأول) ـ في خوف السبع واللص ونحوهما ، وقد صرح الأصحاب بأنه لا فرق في جواز التيمم بين ان يخاف لصا أو سبعا على نفسه أو ماله ، قال العلامة في المنتهى : السبب الثاني ان يخاف على نفسه أو ماله لصا أو سبعا أو عدوا أو حريقا أو التخلف عن الرفقة وما أشبه فهو كالعادم ، لا نعرف فيه خلافا لانه غير واجد إذ المراد بالوجدان ان يمكن الاستعمال لاستحالة الأمر بما لا يطاق ، ثم استدل على ذلك برواية يعقوب بن سالم ورواية داود الرقي. أقول : والروايتان قد قدمناهما في صدر المسألة الاولى ، وظاهرهما بل صريحهما تخصيص العذر بالخوف على النفس ، واما الخوف على المال فلم أقف فيه على مستند إلا انه اتفاقي بينهم. وصريح الروض ـ وهو ظاهر غيره ايضا ـ انه لا فرق في المال بين كونه له أو لغيره ، وهو أشد. إشكالا. واما ما في المسالك ـ حيث قال بعد ذكر العموم في الخوف للنفس والمال : «ولا فرق بين كثير المال وقليله ، والفارق بينه وبين الأمر ببذل المال الكثير لشراء الماء النص لا يكون الحاصل في مقابلة المال في الأول هو الثواب لبذله في عبادة اختيارا وفي الثاني العوض وهو منقطع ، لان تارك المال للص وغيره طلبا للماء داخل في موجب الثواب ايضا» انتهى ـ ففيه انا لم نقف على نص يدل على وجوب الانتقال الى التيمم للخوف على المال سوى الروايتين المشار إليهما ، وظاهرهما بل صريحهما ينادي بأن المراد انما هو الخوف على النفس كما عرفت لقوله في الاولى «لا آمره ان يغرر بنفسه فيعرض له لص أو سبع».


ومن الظاهر ان التغرير بالنفس انما هو عبارة عن تعريضها لما يوجب الهلاك ، وفي الثانية «فإني أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضل ويأكلك السبع» (1). وهي ظاهرة ايضا فيما ذكرناه. نعم قد ورد النص ببذل المال الكثير في الشراء كما تقدم من صحيحة صفوان (2) وبالجملة فإني لا اعرف لهم دليلا على وجوب الانتقال الى التيمم لخوف ضياع المال إلا ما في المدارك من دعوى عموم ما يدل على رفع الحرج والعسر ، قال : ولا ريب ان تعريض المال للصوص حرج عظيم ومهانة على النفس بخلاف بذل المال اختيارا فإنه لا غضاضة فيه على أهل المروة بوجه ، قال ولعل ذلك هو الفرق بين الموضعين. انتهى وزاد بعضهم الاستناد الى ما دل على وجوب حفظ المال وصيانته. أقول : وفيه انه معارض بما دل على وجوب الوضوء والغسل من الآية والروايات المستفيضة وهو أصرح واضح فيجب تقديم العمل به وإرجاع ما خالفه اليه بالحمل على غير الصورة المذكورة على ان دعوى لزوم الحرج بتعريض المال للصوص ووجوب الحفظ وصيانة المال في هذه الحالة ممنوعة سيما الثاني فإنه مصادرة ظاهرة ، ومع التسليم فنقول عامان تعارضا وتقييد ما ذكرناه من العموم ليس اولى من تقييد ما ذكروه وبذلك لا يتم الاستدلال ، وعلى كل تقدير فهذه الأدلة مع تسليمها لا تشمل مال الغير ومدعاهم كما تقدم حفظ المال مطلقا له ولغيره وهو أظهر فسادا ، وهذا بحمد الله سبحانه واضح لمن عرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال.

وألحق الأصحاب بالخوف على النفس والمال الموجب للانتقال الى التيمم الخوف ايضا على العرض والبضع والخوف من الفاحشة سواء في ذلك الرجل والمرأة ، وكذا لو خاف على اهله ان مضى الى الماء لصا أو سبعا. وجزم في المعتبر بان الخوف الحاصل بسبب الجبن كذلك ، وتنظر فيه العلامة في المنتهى مع ان المنقول عنه في غيره القول بالأول وهو المشهور بينهم ، وأيده بعضهم بأنه ربما ادى الجبن الى ذهاب العقل الذي

__________________

(1) تقدمتا ص 249.

(2) ص 265.


هو أقوى من كثير مما يسوغ التيمم لأجله.

(المقام الثاني) ـ في خوف المرض الشديد باستعمال الماء اما بخوف حدوثه أو زيادته أو بطوء برئه سواء كان عاما لجميع البدن أو مختصا بعضو ، ويدل على ذلك من الآيات عموما قوله عزوجل : «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» (1) «ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ» (2) «يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» (3) «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها» (4) والوسع دون الطاقة ، روى العياشي في تفسير هذه الآية عن أحدهما (عليهما‌السلام) (5) «(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً) فيما افترض عليها إلا وسعها أي إلا ما يسعه قدرتها فضلا ورحمة». وقوله تعالى : «وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ» (6) «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» (7) وخصوصا قوله عزوجل فيما تقدم من الآية التي في صدر الباب «وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى ...» وقد تقدم تفسيره عنهم (عليهم‌السلام) اي مرضا يضر معه استعمال الماء أو يوجب العجز عن السعي اليه ، ومن الاخبار عموما قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (8) : «بعثت بالحنيفية السمحة». وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (9) «لا ضرر ولا ضرار». وقولهم (عليهم‌السلام) (10) : «ان دين محمد أوسع مما بين السماء والأرض ان الخوارج ضيقوا على أنفسهم وان الدين أوسع من ذلك». وخصوصا الأخبار المستفيضة ، ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (11) قال :

__________________

(1) سورة الحج. الآية 77.

(2) سورة المائدة. الآية 6.

(3) سورة البقرة. الآية 581.

(4) سورة البقرة. الآية 286.

(5) رواه الكاشاني في الصافي في تفسير الآية.

(6) سورة النساء الآية 29.

(7) سورة البقرة. الآية 591.

(8) راجع التعليقة 1 ص 266.

(9) رواه في الوسائل في الباب 5 من الشفعة و 12 من احياء الموات.

(10) ورد قوله «ان الخوارج. إلخ» في صحيحة البزنطي المتقدمة ج 1 ص 69.

(11) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب التيمم.


«سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الجنب تكون به القروح؟ قال لا بأس بان لا يغتسل يتيمم». وعن احمد بن محمد بن ابي نصر في الصحيح عن الرضا (عليه‌السلام) (1) «في الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو يخاف على نفسه من البرد؟ قال لا يغتسل يتيمم». وفي الكافي عن محمد بن سكين وغيره عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «قيل له ان فلانا أصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه فمات؟ فقال قتلوه ألا سألوا ألا يمموه ان شفاء العي السؤال». قال (3) : «وروي ذلك في الكسير والمبطون يتيمم ولا يغتسل». ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن ابن ابي عمير مثله (4) إلا انه قال : «قيل يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله...» وذكر الحديث ، ورواه الصدوق مرسلا عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (5) وعن ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (6) قال : «سألته عن مجدور أصابته جنابة فغسلوه فمات؟ فقال قتلوه ألا سألوا فإن دواء العي السؤال». وعن جعفر بن إبراهيم الجعفري عن الصادق (عليه‌السلام) (7) قال : «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ذكر له ان رجلا أصابته جنابة على جرح كان به فأمر بالغسل فاغتسل فكز فمات؟ فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قتلوه قتلهم الله تعالى انما كان دواء العي السؤال». وروى الصدوق في الصحيح عن محمد ابن مسلم (8) «انه سأل الباقر (عليه‌السلام) عن الرجل يكون به القروح والجراحات فيجنب؟ قال لا بأس بأن يتيمم ولا يغتسل». قال (9) «وقال الصادق (عليه‌السلام) المبطون والكسير يؤممان ولا يغسلان».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) عدم الفرق في تجويز التيمم بين متعمد الجنابة وغيره ، وأسند المحقق في المعتبر الى الشيخين ان من

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8 و 9) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب التيمم.


أجنب نفسه مختارا لم يجز له التيمم وان خاف التلف أو الزيادة في المرض. أقول : لا ريب ان عبارة المفيد على ما في المختلف صريحة في ذلك حيث قال : من أجنب مختارا وجب عليه الغسل وان خاف منه على نفسه ولم يجزه التيمم ، بهذا جاء الأثر عن أئمة آل محمد (عليهم‌السلام). وفي المختلف عن ابن الجنيد ايضا انه قال : ولا اختار لأحد ان يتلذذ بالجماع اتكالا على التيمم من غير جنابة اصابته فان احتلم أجزأه. واما الشيخ فالذي نقله عنه في المختلف ان خائف التلف على نفسه يتيمم ويصلي ويعيد الصلاة إذا وجد الماء واغتسل ، وهذا القول منقول عنه في النهاية والمبسوط واما في التهذيب فإنه جعل الاولى ان يغتسل على كل حال وظاهر المعتبر ان القول الذي نقله عنه موافقا لمذهب المفيد هو قوله في الخلاف ، وحينئذ فيختص خلافه في المسألة بقوله في الخلاف. ثم لا يخفى ان الصدوق في الفقيه قال (1) : «وسئل الصادق (عليه‌السلام) عن مجدور أصابته جنابة فقال ان كان أجنب هو فليغتسل وان كان احتلم فليتيمم». وظاهر نقله الرواية والجمود عليها أنه يفتي بمضمونها بناء على قاعدته في أول الكتاب التي بنوا عليها مذاهبه فيه ، ولم أعثر على من نسب ذلك اليه مع ان الأمر كما ترى ، إلا انه قال بعد هذه الرواية المذكورة : «والجنب إذا خاف على نفسه من البرد يتيمم» وهذه الزيادة محتملة لأن تكون من كلامه وان تكون من الخبر ، ويؤيد الأول ان هذا الخبر الذي نقله عن مرفوعة علي بن أحمد الآتية وهي عارية عن هذه الزيادة ، وكيف كان فإنه لا يخفى مدافعة هذه الزيادة للخبر الذي ذكره وان كان التأويل ولو بتمحل ممكنا ، والى هذا القول ذهب في الوسائل.

وها انا اذكر جملة ما وقفت عليه من أدلة القول المذكور وأبين ـ بحمد الله سبحانه ـ ما فيها من الضعف والقصور ومنه يظهر قوة القول المشهور وانه هو المؤيد المنصور ، فمن ذلك ما رواه ثقة الإسلام عن عدة من أصحابنا عن علي بن احمد رفعه عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن مجدور أصابته جنابة؟ قال ان أجنب

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب التيمم.


هو فليغتسل وان كان احتلم فليتيمم». وعن علي بن إبراهيم عن أبيه رفعه (1) قال : «ان أجنب نفسه فعليه ان يغتسل على ما كان منه وان احتلم فليتيمم». وصحيحة محمد بن مسلم (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل تصيبه الجنابة في أرض باردة ولا يجد الماء وعسى ان يكون الماء جامدا؟ فقال يغتسل على ما كان حدثه رجل انه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد فقال اغتسل على ما كان فإنه لا بد من الغسل. وذكر الصادق (عليه‌السلام) انه اضطر اليه وهو مريض فأتوه به مسخنا وقال لا بد من الغسل». وصحيحة سليمان بن خالد عن الصادق (عليه‌السلام) (3) «انه سئل عن رجل كان في أرض باردة فتخوف ان هو اغتسل ان يصيبه عنت من الغسل كيف يصنع؟ قال يغتسل وان اصابه ما اصابه ، قال وذكر انه كان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة وهو في مكان بارد وكانت ليلة شديدة الريح باردة فدعوت الغلمة فقلت لهم احملوني فاغسلوني فقالوا انا نخاف عليك فقلت لهم ليس بد فحملوني ووضعوني على خشبات ثم صبوا علي الماء فغسلوني».

هذا ما وقفت عليه من أدلة القول المذكور وتطرق الطعن إليها ظاهر من وجوه (أحدها) ـ ان ظاهر المرفوعتين المتقدمتين ـ وهو ايضا ظاهر عبارتي شيخنا المفيد وابن الجنيد ـ ان الجماع في حال عدم الماء أو التضرر به الموجب للتيمم غير جائز ولا مشروع ، ومن ثم وجب على من تعمد ذلك في الحال المذكورة الغسل وان اصابه ما أصابه عقوبة له بخلاف ما لو احتلم فإنه يجزئه التيمم لعدم التعمد والتقصير ، والقول بذلك مع كونه مخالفا للإجماع كما نقله في المعتبر مردود بما رواه في الكافي في الصحيح أو الموثق عن إسحاق بن عمار (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يكون معه أهله في السفر لا يجد الماء أيأتي أهله؟ قال ما أحب ان يفعل إلا ان يخاف على نفسه. قال قلت طلب بذلك اللذة أو يكون شبقا الى النساء؟ قال ان الشبق يخاف على

__________________

(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب التيمم.

(4) رواه في الوسائل في الباب 50 من مقدمات النكاح.


نفسه. قلت طلب بذلك اللذة؟ قال هو حلال. قلت : فإنه يروى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان أبا ذر سأله عن هذا فقال : ائت أهلك تؤجر. فقال يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) آتيهم واؤجر؟ فقال رسول الله كما انك إذا أتيت الحرام وزرت فكذلك إذا أتيت الحلال أجرت. فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ألا ترى انه إذا خاف على نفسه فاتى الحلال أجر؟». وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن إسحاق بن عمار (1) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه‌السلام) عن الرجل يكون مع أهله في السفر فلا يجد الماء يأتي أهله؟ فقال ما أحب ان يفعل ذلك إلا ان يكون شبقا أو يخاف على نفسه. قلت يطلب بذلك اللذة؟ قال هو حلال قلت فإنه روي عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان أبا ذر سأله عن هذا فقال ائت أهلك تؤجر. فقال يا رسول الله واؤجر؟ فقال كما انك إذا أتيت الحرام وزرت فكذلك إذا أتيت الحلال أجرت ، فقال ألا ترى انه إذا خاف على نفسه فاتى الحلال أجر؟». وهذان الخبران مع صحتهما ظاهران في المراد عاريان عن وصمة الإيراد. وما رواه في التهذيب عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) عن ابي ذر والصدوق في الفقيه عن ابي ذر (رضي‌الله‌عنه) (2) «انه اتى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال يا رسول الله هلكت جامعت على غير ماء. قال فأمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بمحمل فاستترت به وبماء فاغتسلت انا وهي ، ثم قال يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين». والتقريب فيه ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أقرّه على ما فعل ولم ينكر عليه ، ومقتضى المرفوعتين المذكورتين وكلام الفاضلين المذكورين لو صح ما ذكروه تغريره لفعله امرا محرما ، ونحوها صحيحة محمد بن مسلم عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن رجل

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب التيمم.

(2) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم.

(3) رواه في الوسائل في الباب 9 و 28 من أبواب التيمم.


أجنب في سفر ولم يجد إلا الثلج أو ماء جامدا؟ فقال هو بمنزلة الضرورة يتيمم ولا ارى ان يعود الى هذه الأرض التي توبق دينه». والتقريب فيها ان الجنابة فيها أعم من الاحتلام وقد امره بالتيمم والحال هذه ولم ينكر عليه ذلك.

و (ثانيها) ـ ما عرفت من استفاضة الآيات والروايات بعدم تكليفه سبحانه بما يؤدي الى الحرج والضرر ، وقد استفاضت الاخبار عنهم (عليهم‌السلام) بان ما خالف كتاب الله يضرب به عرض الحائط وانه زخرف (1) ولا ريب في مخالفة هذه الأخبار لظاهر الكتاب والسنة المستفيضة فيجب الاعراض عنها وإرجاعها إلى قائلها.

و (ثالثها) ـ انه لا يخفى على من نظر في التكاليف الشرعية بعين التحقيق وتأمل فيها بالفكر الصائب الدقيق انه يعلم منها علما جازما لا يخالجه الريب ولا يتطرق اليه العيب ان اعتناء الشارع بالأبدان ورعايته لها مقدمة على رعاية الأديان ، وانه لا يكلف العبد إلا ما يدخل تحت قدرته ووسعه بل دون ذلك ، ألا ترى انه أوجب على المسافر القصر رعاية لمشقة السفر وأوجب على المتضرر بالماء الانتقال الى التيمم وأوجب على المتضرر بالقيام في الصلاة القعود وبالقعود الاضطجاع وعلى المتضرر بالصيام الإفطار ، الى غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبع ، وكل ذلك منه عن شأنه رعاية للبدن ومحافظة عليه من الضرر ، وجميع هذه الحالات التي نقلهم إليها ربما يطيقون القيام بالحالات التي قبلها إلا انه لما فيها من المشقة والعسر نقلهم عنها الى ما لا مشقة فيه أو ما هو أهون مشقة لطفا بهم وعناية لهم ، ويعضد ما ذكرناه من هذه المقالة جملة من الأخبار الواضحة المنار الساطعة الأنوار ، ومنها ـ موثقة محمد بن علي الحلبي المروية في كتاب التوحيد عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «ما أمر العباد إلا بدون سعتهم وكل شي‌ء أمر الناس بأخذه فهم متسعون له وما لا يتسعون له فهو موضوع عنهم ولكن

__________________

(1) رواها في الوسائل في الباب 9 من صفات القاضي وما يقضى به.

(2) في الباب 55 وهو باب الاستطاعة.


الناس لا خير فيهم». وهو صريح في المقام ، وما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن حمزة بن الطيار عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «قال لي اكتب فاملى علي ان من قولنا ان الله يحتج على العباد بما آتاهم ، ثم ساق الخبر الى ان قال : ولا أقول انهم ما شاءوا صنعوا ، ثم قال ما أمروا إلا بدون سعتهم وكل شي‌ء أمر الناس به فهم متسعون له وكل شي‌ء لا يتسعون له فهو موضوع عنهم ولكن الناس لا خير فيهم». وما رواه الصدوق في كتاب الاعتقادات عن الصادق (عليه‌السلام) مرسلا (2) قال : «والله ما كلف الله تعالى العباد إلا دون ما يطيقون لانه كلفهم في كل يوم وليلة خمس صلوات وكلفهم في السنة صوم ثلاثين يوما وكلفهم في كل مائتي درهم خمسة دراهم وكلفهم في العمر حجة واحدة وهم يطيقون أكثر من ذلك». وما في المحاسن في الصحيح عن هشام بن سالم عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «ان الله تعالى أكرم من ان يكلف الناس ما لا يطيقون.». وعن هشام بن سالم في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) (4) قال : «ما كلف الله تعالى العباد إلا ما يطيقون ، انما كلفهم في اليوم والليلة خمس صلوات وكلفهم من كل مائتي درهم خمسة دراهم وكلفهم صيام شهر رمضان في السنة وكلفهم حجة واحدة وهم يطيقون أكثر من ذلك وانما كلفهم دون ما يطيقون». أقول : فانظر إلى صراحة هذه الاخبار وتطابقها فيما ذكرناه مع تأيدها بالدليل العقلي المجمع عليه بين كافة العقلاء من وجوب دفع الضرر عن النفس وعدم جواز التغرير بها.

و (رابعها) ـ الأخبار الدالة على خلاف ما دلت عليه اخبار الخصم في الصورة المذكورة ، ومنها ـ صحيحة عبد الله بن سنان المروية في الفقيه (5) «انه سأل الصادق (عليه‌السلام) عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة ويخاف على نفسه التلف ان اغتسل؟ قال يتيمم ويصلي فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة». وما رواه الشيخ عن

__________________

(1) رواه في باب حجج الله على خلقه من كتاب التوحيد.

(2) في الباب 3.

(3 و 4) ص 296.

(5) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب التيمم.


جعفر بن بشير عمن رواه عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن رجل أصابته جنابة في ليلة باردة يخاف على نفسه التلف ان اغتسل؟ قال يتيمم ويصلي فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة». ورواية محمد بن سكين وقد تقدمت في صدر المقام (2) ونحوها من الروايات المتقدمة مما دل بإطلاقه على ان من اصابته جنابة وتضرر بالغسل يتيمم أعم من ان تكون الجنابة من احتلام أو تعمد ، وما في الوسائل ـ من تقييد هذه الأخبار بالاخبار التي استند إليها وهي التي قدمناها ـ مردود بان تلك الأخبار قد أسقطناها لمخالفتها الكتاب العزيز والسنة المطهرة المستفيضة المعتضدة بأدلة العقل ، إذ ذلك قضية العرض على كتاب الله تعالى كما استفاضت به الاخبار عنهم (عليهم‌السلام) وإلا لزم طرح اخبار العرض مع استفاضتها وإجماع الطائفة على العمل بها وفيه من الشناعة ما لا يلتزمه محصل ، وقد روى هذا القائل في كتابه المشار اليه من اخبار العرض ما يكاد يبلغ التواتر المعنوي ، وقد عضد الجميع في ذلك الأخبار التي ذكرناها في المقام الثالث مضافا الى ما سنبينه ان شاء الله تعالى من الطعن في مضامينها وحينئذ فلم يبق لها وجود بالكلية فضلا ان يرتكب بها التخصيص لما ذكرناه من الاخبار.

و (خامسها) ـ توجه الطعن الى الروايات المذكورة ، اما المرفوعتان فلا صراحة فيهما بل ولا ظاهرية سيما الاولى بحصول ضرر بالغسل يوجب الانتقال الى التيمم وحينئذ فلا تنطبقان على محل النزاع ، ويمكن حملهما على ان وجه الفرق فيهما بين الجماع عن تعمد فيجب عليه الغسل والاحتلام فيتيمم ان ذلك المريض لم يتعمد الجنابة إلا حيث كان قادرا على الاغتسال من غير ضرر ولا مشقة شديدة فأوجب عليه الغسل حينئذ واما الاحتلام فليس كذلك ، وحاصله ان المرض المذكور موجب للتيمم لكن صاحبه متى جامع متعمدا فهو قرينة على قدرته على الاغتسال ، وهذا الوجه كاف في قبول الخبرين وانطباقهما على الأخبار وعدم خروجهما عن موافقة الكتاب والسنة ، ولعل في

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب التيمم.

(2) ص 277.


قول الصدوق في الفقيه بعد نقل مضمون مرفوعة علي بن احمد : «والجنب إذا خاف على نفسه من البرد يتيمم» ما يشير الى ما ذكرناه ، فان الظاهر انه فهم من الخبر عدم التضرر بالغسل فاردفه بهذا الكلام لدفع ما فيه من الإجمال وبيان انه من تضرر بالغسل انتقل الى التيمم ، وبه يزول ما أوردناه عليه آنفا من الاشكال ويرتفع عن كلامه الاختلال. واما الخبران الآخران فليس فيهما تصريح بالفرق بين كون الجنابة عمدا أو احتلاما بل ظاهرهما وجوب الغسل مطلقا فلا يقومان حجة على التفصيل المدعى في المسألة. وبالجملة فما فيه تفصيل ليس فيه تصريح بالضرر وما فيه تصريح بالضرر فليس فيه تفصيل. ولو قيل ان صحيحة سليمان بن خالد دلت على كونه (عليه‌السلام) قد أصابته جنابة فتحمل ذلك الضرر العظيم في الغسل وجنابته (عليه‌السلام) لا يجوز ان تكون من احتلام لعدم جوازه على المعصوم. قلنا نعم الأمر كذلك ولكن الحمل ايضا على تعمد الجنابة في تلك الحال المحكية في الخبر لا يقصر في البعد عن الأول ، فإن ظاهر الخبر انه (عليه‌السلام) كان في سفر وانه كان وجع وجعا شديدا يمنعه من الحركة والمشي وصب الماء على نفسه فاحتمال انه يجامع على هذه الحال ويتحمل هذه المشقة الشديدة لا يكاد يتصور في عقل عاقل ولا يدخل في فهم فاهم ، واحتمال عروض هذه الحال بعد الجنابة يرده سياق الخبر ، والتعلق بمثل هذا الخبر على ما فيه من التهافت والخروج عن مقتضى العقول السليمة في مقابلة تلك الأخبار المعتضدة بما عرفت لا يخلو من مجازفة. وفيما ذكرناه في المقام كفاية واضحة لذوي الأفهام. والله العالم.

وتمام الكلام في المقام يتوقف على رسم فوائد (الاولى) ـ المشهور بين الأصحاب القائلين بالتيمم في هذه الصورة عدم وجوب الإعادة بعد وجود الماء ، وذهب الشيخ في النهاية والمبسوط الى الوجوب كما تقدم نقله عنه ، والذي يدل على المشهور روايات مستفيضة سيأتي ذكرها في الباب ، واستدل في التهذيب على ما ذهب إليه برواية جعفر ابن بشير المتقدمة في الوجه الرابع من وجوه الطعن ومثلها صحيحة عبد الله بن سنان


المروية في الفقيه ، والأصحاب قد أجابوا عنهما بالحمل على الاستحباب ، وسيأتي تحقيق المسألة المذكورة ان شاء الله تعالى في الموضع المشار إليه.

(الثانية) ـ لا يخفى انه قد دلت هذه الاخبار التي قدمناها في صدر هذا المقام على ان من به القروح والجروح ينتقل فرضه الى التيمم مع انه قد تقدم في المسألة الحادية عشرة من المسائل الملحقة بالوضوء جملة من الروايات الدالة على وجوب الوضوء وغسل ما حول القرح والجرح إذا لم يكن عليه جبيرة وإلا فغسل الجبيرة أو المسح عليها على التفصيل المتقدم في تلك المسألة ، وقد ذكرنا ثمة وجه الجمع بين أخبار المسألتين بما يرفع عنها التنافي والتدافع في البين. بقي الكلام هنا في الرمد الذي يتضرر صاحبه بغسل عينيه كلتيهما أو إحداهما هل يكون من قبيل مسألة القروح والجروح الموجبة للوضوء بان يغسل ما حول العين ان لم يكن عليها دواء وإلا فيمسح على الدواء الذي عليها أو انه ينتقل فرضه الى التيمم؟ وجهان ، للأول المشاركة في المعنى للقرح المختص بموضع مخصوص من الجسد ، وللثاني الاقتصار على مورد النصوص مما يسمى قرحا ووجع العين ومرضها لا يسمى قرحا لغة ولا عرفا ولا شرعا ، ولم أقف على كلام لأصحابنا (رضوان الله عليهم) في هذه المسألة ، والذي يقرب عندي في ذلك هو انه ان كان يتضرر بغسل وجهه فإنه ينتقل الى التيمم وان كان لا يتضرر بغسل ما عدا العين فالواجب الوضوء أو الغسل وغسل ما حول العين ولو بنحو الدهن ، وبالجملة فحكمها حكم القروح والجروح وذكر القروح والجروح في بعض الاخبار انما وقع في كلام السائلين فالاعتبار بعموم الجواب وفي بعض يحمل على مجرد التمثيل ، ويزيده تأكيدا ان الواجب شرعا هو الوضوء ولا يجوز الانتقال عنه الى بدله إلا بدليل واضح ، ومجرد تضرر العين خاصة لم يثبت كونه ناقلا شرعيا سيما مع وجود النصوص في نظائره من القرح والجرح وان الحكم فيها هو الوضوء وعدم جواز الانتقال عنه وان الحكم في ذلك الموضع الذي يتضرر بالماء هو تركه بغير غسل ان كان مكشوفا أو المسح على الدواء ان لم يكن


كذلك على التفصيل المتقدم في المسألة ، ويؤيده أيضا وجه الجمع الذي قدمناه في المسألة المشار إليها من مسائل توابع الوضوء من ان التيمم مخصوص بالبدلية عن الغسل باعتبار ما على البدن من القروح والجروح التي يتضرر بكشفها الى الهواء وبملاقاتها البرودة أو الوضوء إذا حصل التضرر على الوجه المذكور وإلا فالوضوء أو الغسل دون التيمم والعمل في موضع القرح بما تقدم من التفصيل.

(الثالثة) ـ الظاهر ان المراد بالمرض الموجب للتيمم هو ما يشق معه استعمال الماء بخوف حدوثه أو زيادته أو بطوء برئه ويصعب على وجه لا يتحمل عادة ، لأن التكليف ـ كما عرفت من الروايات المتقدمة ـ انما تعلق بالوسع دون الطاقة بمعنى انه وان أطاقه وأمكن الإتيان به بمشقة فإنه لا يكلف به وانما يكلف بوسعه يعني ما لا مشقة فيه وان كان فيه نوع أذى مثل وجع الرأس في الجملة أو الضرس أو نحو ذلك فإنه لا يوجب الانتقال الى التيمم ، وليس له حد شرعي بل الإنسان على نفسه بصيرة ، وفي موثقة زرارة (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) ما حد المرض الذي يفطر فيه الرجل ويدع الصلاة من قيام؟ فقال (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) هو اعلم بما يطيقه». قال في المعتبر : يستبيح المريض التيمم مع خوف التلف ولا يستبيحه مع خوف المرض اليسير كوجع الرأس والضرس ، وهل يستبيحه بخوف الزيادة في العلة أو بطئها أو الشين؟ مذهبنا نعم ، ثم نقل الخلاف من العامة (2) وفي الشرائع قال لو خشي المرض

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 6 من أبواب القيام في الصلاة.

(2) في بدائع الصنائع ج 1 ص 48 «إذا كان به جراحة أو جدري أو مرض يضره استعمال الماء فيخاف زيادة المرض باستعمال الماء يتيمم عندنا ، وقال الشافعي لا يجوز التيمم حتى يخاف التلف» وفي المغني ج 1 ص 258 «اختلف في الخوف المبيح للتيمم فروي عن احمد واحد قولي الشافعي انه لا يبيحه إلا خوف التلف وظاهر المذهب يبيح التيمم إذا خاف زيادة المرض أو تباطؤه الى ان قال وعليه أبو حنيفة والقول الثاني للشافعي».


الشديد أو الشين باستعمال الماء جاز له التيمم. وبذلك صرح العلامة في جملة من كتبه ، وظاهر كلامه في النهاية وكذا في الإرشاد تعليق الجواز على مطلق المرض ، وهو ظاهر الذكرى حيث قال : اما الضرر اليسير كصداع أو وجع ضرس فغير مانع ، قاله الفاضلان لانه واجد للماء. ويشكل بالعسر والحرج وبقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «لا ضرر ولا ضرار» (1). مع تجويزهما التيمم للشين ، ونقل عن الشيخ علي انه قواه وزاد في الاحتجاج انه لا وثوق في المرض بالوقوف على الحد اليسير ، قال في الذخيرة : «وربما كان الخلاف مرتفعا في المعنى ، فإنه مع الضرر والمشقة الشديدة يجوز التيمم عند الجميع لان المرض والحال هذه لا يكون يسيرا ومع انتقاء المشقة وسهولة المرض لا يسوغ التيمم عند الجميع ايضا وهو غير ثابت» انتهى. أقول : قد عرفت مما قدمناه ان الأظهر هو ما ذكره الفاضلان ، ويؤيده ايضا ان الظاهر من اخبار التضرر بالصيام الموجب للإفطار والتضرر بالصلاة قائما الموجب للجلوس وهكذا بالنسبة إلى الاضطجاع ونحو ذلك هو الضرر الذي لا يتحمل مثله عادة بأن يحصل له مشقة في تحمل ذلك لا مجرد الضرر وحصول الوجع مثلا الذي يمكن تحمله والصبر عليه ، ويدل عليه ما تقدم في موثقة زرارة «هو اعلم بما يطيقه» يعني بما يتمكن من الإتيان به ولا ريب ان التمكن حاصل مع الضرر اليسير. واما جعله في الذخيرة النزاع هنا لفظيا ففيه ان كلام الفاضلين صريح في ان اليسير من الوجع كوجع الرأس والضرس لا يستبيح به التيمم ، وصريح كلام الذكرى فيما طويناه من نقل عبارته (2) الاستشكال فيما ذكراه هنا ودعوى لزوم الحرج والعسر بذلك وانه ضرر منفي بقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «لا ضرر ولا ضرار» (3) فكيف يكون النزاع لفظيا والحال كما عرفت.

(الرابعة) ـ قد صرح العلامة وغيره من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان المرجع في معرفة الضرر باستعمال الماء الى الوجدان الحاصل بالتجربة أو غيرها أو

__________________

(1 و 3) رواه في الوسائل في الباب 5 من الشفعة و 12 من احياء الموات.

(2) أدرجت عبارة الذكرى في هذه الطبعة تبعا للطبعة القديمة.


اخبار عدل ، ولو حصل الظن باخبار فاسق أو صبي أو امرأة أو مخالف غير متهم في دينه قال في التذكرة الأقرب القبول لأنه يجري مجرى العلامات كما يقبل قول القصاب الفاسق في التذكية ، وبذلك ايضا صرح جملة ممن تأخر عنه. وأيده بعضهم بأن غاية ما تفيده الآية الشريفة اعتبار ظن الضرر فيكفي حصوله بأي وجه اتفق ، وظاهره في المنتهى انه لا يقبل هنا قول الذمي وان كان عارفا وقصر الحكم على قول العارف المسلم والعارف الفاسق أو المراهق لحصول الظن بالضرر. وفيه انه خلاف ما صرحوا به في غير هذا الموضع من الرجوع الى قول الكافر متى أفاد الظن إذ المراد انما هو على حصوله بأي نوع اتفق.

(الخامسة) ـ لو كان الحكم هو التيمم وخالف المكلف فتوضأ أو اغتسل والحال انه لم يجز له شرعا فهل يجزئ؟ قيل فيه نظر ، من امتثال أمر الوضوء أو الغسل ومن عدم الإتيان بالمأمور به الآن فيبقى في عهدة التكليف ، والنهي عن استعماله في الطهارة المقتضي للفساد في العبادة. أقول : لا ريب ان الوجه هو الثاني ، والأول ضعيف فإنه غير مكلف في هذه الحال بالوضوء أو الغسل حتى يستند الى امتثال الأمر.

(السادسة) ـ إذا أمكن تسخين الماء للمتضرر بالبرودة واستعماله على وجه يأمن الضرر وجب ولم يجز له التيمم ، ولو احتاج الى شراء حطب أو استيجار من يسخنه وجب مع المكنة ، ولو احتاج تحصيل الماء إلى حركة عنيفة لا يمكن تحملها عادة لكبر أو مرض جاز له التيمم ، ولو وجد من يناوله الماء بأجرة وجب مع المكنة ، وأدلة الجميع ظاهرة.

(السابعة) ـ الظاهر انه لا فرق في الجبائر والقروح التي يجب معها الوضوء بين ان تكون في موضع يسير أو في أكثر العضو ، فإنه يغسل الباقي ويعمل في موضع الجبر أو الجراحة ما تقدم في حكم الجبائر ، بخلاف ما إذا استوعبت العضو المغسول أو الممسوح فإنه ينتقل الى التيمم ، مع احتمال غسل الأعضاء الصحيحة أو مسحها والعمل في هذا


العضو كملا بما هو حكم الجبائر والقروح على التفصيل المتقدم في تلك المسألة ، ولم أقف على من تعرض لهذه المسألة ، والاحتياط فيها عندي بالعمل بالكيفية المذكورة والتيمم بعد ذلك لعدم النص الظاهر ، وان أمكن اندراجها في عموم اخبار القروح والجروح المشتملة على الوضوء.

(المقام الثالث) ـ في خوف العطش ، الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الانتقال الى التيمم لو لم يكن معه من الماء إلا ما يضطر اليه لشربه ويخاف العطش ان استعمله في طهارته ، قال في المعتبر : وهو مذهب أهل العلم كافة. أقول : ويدل عليه مضافا الى الإجماع المذكور جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد الحلبي (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الجنب يكون معه الماء القليل فان هو اغتسل به خاف العطش أيغتسل به أو يتيمم؟ قال بل يتيمم وكذلك إذا أراد الوضوء». وعن سماعة في الموثق (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلته؟ قال يتيمم بالصعيد ويستبقي الماء فان الله عزوجل جعلهما طهورا : الماء والصعيد». وعن ابن سنان ـ والظاهر انه عبد الله ـ في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) (3) «انه قال في رجل أصابته جنابة في السفر وليس معه إلا ماء قليل يخاف ان هو اغتسل ان يعطش؟ قال : ان خاف عطشا فلا يهرق منه قطرة وليتيمم بالصعيد فان الصعيد أحب الي». ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن ابن سنان مثله (4) وما رواه في الكافي في الحسن عن ابن ابي يعفور (5) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يجنب ومعه من الماء قدر ما يكفيه لشربه أيتيمم أو يتوضأ؟ قال يتيمم أفضل ألا ترى انه انما جعل عليه نصف الطهور». والأخبار المذكورة ظاهرة في المراد مؤيدة بما تقدم قريبا من دلالة الاخبار في جملة من الأحكام على ان عنايته سبحانه بالأبدان أشد من الأديان ، ولا ينافي ذلك لفظ «أحب الي» ولفظ «أفضل» فإن

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 25 من أبواب التيمم.


الواجب أحب إليه (عليه‌السلام) وهو الذي فيه الفضل ، وافعل التفضيل ليس على بابه هنا كما هو شائع في الاخبار وغيرها.

بقي الكلام هنا في مواضع (الأول) ـ لو خشي العطش على رفيقه أو على دوابه فالذي صرح به جملة من الأصحاب : منهم ـ المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى انه يجب التيمم ايضا ، مستندين في الأول إلى أن حرمة أخيه المسلم كحرمته وان حرمة المسلم آكد من حرمة الصلاة ، وفي الثاني الى ان الخوف على الدواب خوف على المال ومعه يجوز التيمم. أقول : اما ما علل به الأول فجيد ، ويؤيده جواز قطع الصلاة لحفظ المسلم من الغرق أو الحرق وان كان في ضيق الوقت ، وان حرمة المسلم عند الله أعظم من حرمة الكعبة الى غير ذلك من المؤيدات الكثيرة الدالة بعمومها على هذا الحكم. واما الثاني فمحل نظر ، وما استند اليه من جواز التيمم للخوف على المال ممنوع لعدم الدليل عليه بل هي بالدلالة على خلافه أشبه كما تقدم بيانه ، على ان مطلق ذهاب المال غير مسوغ للتيمم ولهذا وجب صرف المال الكثير في شراء الماء كما تقدم ذكره ، مع انه يمكن ذبح الدابة أو بيعها أو إتلافها ، وبالجملة فإن صدق الوجدان بالنسبة إليه حاصل وعدم الاضطرار اليه ظاهر فجواز التيمم والحال كما عرفت غير جيد ، نعم ينبغي ان يستثني من ذلك ما لو كان محتاجا إلى الدابة بحيث يضره فوتها كما إذا كان في سفر لا يمكن قطعه إلا بها أو يحتاج إليها لنقل أثقاله وأحماله فإنه يجوز ان يصرف الماء إليها لما عرفت

(الثاني) ـ لو كان معه ماءان طاهر ونجس وخشي العطش فالذي صرح به في المعتبر انه يتيمم ويستبقي الطاهر لشربه ، لانه قادر على شرب الطاهر فلا يستبيح النجس فجرى وجود النجس مجرى عدمه ، قال : ويستوى الحكم بذلك في الوقت وقبله لما ذكرناه. لا يقال بعد دخول وقت الصلاة يصير استعمال الماء مستحقا للطهارة ، لأنا نمنع الاستحقاق وانما نسلمه لو استغنى عن شربه وليس مستغنيا بالنجس لتحقق التحريم في شربه مع وجود الطاهر. انتهى. قال في المدارك بعد نقل ملخص ذلك :


«وهو جيد ان ثبت تحريم شرب النجس مطلقا» وهو مؤذن بالمناقشة في تحريم المأكولات والمشروبات النجسة.

أقول : وحيث كان الحكم بتحريم المأكولات والمشروبات النجسة مجمعا عليه بين الأصحاب كما لا يخفى على من لاحظ كلامهم في كتاب الأطعمة والأشربة وظاهر السيد السند (قدس‌سره) المناقشة في ذلك فلا بأس بذكر ما وقفت عليه من الدليل على صحة ما أجمعوا عليه وان كان خارجا عن محل البحث ، فمن ذلك ما ورد في تحريم الأكل من أواني الكفار التي علم تنجيسهم لها كما رواه الصدوق في الصحيح عن سعيد الأعرج (1) «انه سأل الصادق (عليه‌السلام) عن سؤر اليهودي والنصراني أيؤكل ويشرب؟ قال : لا». وعن زرارة في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) (2) «انه قال في آنية المجوس إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء». وما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم (3) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن آنية أهل الذمة والمجوس؟ فقال لا تأكلوا في آنيتهم ولا من طعامهم الذي يطبخون ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر». وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (4) قال : «سألته عن آنية أهل الكتاب فقال لا تأكلوا في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيه الميتة والدم ولحم الخنزير». وعن زرارة عن الصادق (عليه‌السلام) (5) «في آنية المجوس؟ فقال إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء». الى غير ذلك من الاخبار التي من هذا الباب ، ولا يخفى انه لا وجه للنهي فيها الذي هو حقيقة في التحريم إلا تحريم شرب المتنجس واكله ، ومن ذلك ما ورد في تحريم السمن والزيت ونحوهما إذا ماتت فيه الفأرة وكان مائعا وهي أخبار كثيرة (6) ومن ذلك الأخبار المستفيضة الواردة بإراقة

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 54 من أبواب الأطعمة المحرمة.

(5) رواه في الوسائل في الباب 54 من أبواب الأطعمة المحرمة وهذه رواية المحاسن والمتقدمة برقم (2) رواية الفقيه.

(6) رواها في الوسائل في الباب 43 من أبواب الأطعمة المحرمة.


الركوة والتور إذا وقعت فيهما الإصبع القذرة (1) ولو جاز شرب الماء لما كان للأمر بالإراقة وجه ، وما ورد من اراقة مرق اللحم إذا وجدت في القدر فأرة ميتة وأكل اللحم بعد غسله (2) الى غير ذلك من المواضع التي يقف عليها المتتبع للاحكام ، ومن الظاهر انه لا خصوصية لهذه المعدودات وأمثالها تقتضي قصر الحكم عليها بل الحكم بهذه الاخبار وأمثالها جار في كل نجس كما في غير هذا المقام من الأحكام الشرعية ، إذ الأحكام الشرعية لم ترد بقواعد كلية وانما تستفاد القواعد بها بتتبع الجزئيات كالقواعد النحوية ، وبالجملة فالظاهر ان هذه المناقشة انما وقعت غفلة عن ملاحظة الأدلة وإلا فهي بعد المراجعة في الدلالة على المراد كالشمس المشرقة على جميع البلاد. والله العالم.

(الثالث) ـ قد تكرر في عبارات الأصحاب عد خوف حدوث الشين من أسباب الخوف الموجبة للانتقال الى التيمم ، قال في المنتهى : «لو خاف الشين باستعماله الماء جاز له التيمم قاله علماؤنا اجمع» وهو ظاهر في دعوى الإجماع على ذلك ، ولم أجد له في اخبار التيمم مع كثرة نصوصه واخباره ذكرا ولا أثرا ، والشين ـ على ما ذكره في الروض ـ ما يعلو البشرة من الخشونة المشوهة للخلقة وربما بلغت تشقق الجلد وخروج الدم ، ونقل عن العلامة في النهاية انه قد صرح بأنه لا فرق بين شدته وضعفه ، وهو ظاهر الروض ايضا حيث قال : «ولا فرق في الشين بين شدته وضعفه للإطلاق وصرح به المصنف (قدس‌سره) في النهاية وقيده في المنتهى بكونه فاحشا لقلة ضرر ما سواه» وأنت خبير بأنه حيث لا نص على الشين بخصوصه في الأخبار. فلا معنى لجعله سببا مستقلا بل الظاهر كونه كسائر الأمراض ، فإن بلغ الأمر فيه الى ان يكون مرضا لا يتحمل

__________________

(1) تقدمت في ضمن الاخبار الدالة على نجاسة الماء القليل بملاقاة النجاسة ج 1 ص 281.

(2) رواه في الوسائل في الباب 44 من أبواب الأطعمة المحرمة.


مثله عادة كما في سائر الأمراض فالحكم فيه هو الانتقال الى التيمم والحاقه بالأمراض التي يشق تحملها لدخوله تحت أدلتها وإلا فلا ، ودعوى شيخنا فيما تقدم من عبارته الإطلاق بعدم الفرق بين شدته وضعفه مع عدم وجود النص عليه بخصوصه لا اعرف له وجها ، ويؤيد ما ذكرنا ما نقل عن الشيخ في الخلاف من انه قال : إذا لم يخف التلف ولا الزيادة في المرض غير انه يشينه استعمال الماء ويؤثر في خلقته ويغير شيئا منه ويشوه به يجوز له التيمم لأن الآية عامة في كل خوف وكذلك الأخبار ، وللشافعي فيه قولان ، فاما إذا لم يشوه خلقته ولا يزيد في علته ولا يخاف التلف وان اثر قليلا فلا خلاف انه لا يجوز له التيمم. انتهى. والله العالم.

(المطلب الثاني) ـ فيما يجوز به التيمم وما لا يجوز ، وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا المقام في مواضع (الأول) ـ هل يكفي مجرد ما صدق عليه اسم الأرض أو يشترط خصوص التراب؟ قولان ، فقال الشيخ لا يجوز إلا بما يقع عليه اسم الأرض إطلاقا سواء كان عليه تراب أو كان حجرا أو حصى أو غير ذلك ، وبذلك صرح في المبسوط والجمل والخلاف ، كذا نقله عنه في المعتبر ، وهو مذهب ابن الجنيد والمرتضى في المصباح واختاره المحقق والعلامة ، وهو المشهور بين المتأخرين ، وعن المرتضى في شرح الرسالة انه قال لا يجزئ في التيمم إلا التراب الخالص أي الصافي من مخالطة ما لا يقع عليه اسم الأرض كالزرنيخ والكحل وأنواع المعادن ، كذا نقله عنه في المعتبر ايضا ، والظاهر ان قوله : «أي الصافي» من كلام المحقق تفسيرا لعبارة السيد (قدس‌سره) ونقل هذا القول عن ابي الصلاح وظاهر المفيد ، ومنشأ الخلاف في هذا المقام هو الخلاف بين أهل اللغة في تفسير الصعيد في الآية وقد تقدم ذكره في صدر الباب ، فالمرتضى (رضي‌الله‌عنه) ومن قال بمقالته تمسكوا بأحد القولين والآخرون تمسكوا بالقول الآخر ، وقد قدمنا ان الحق في هذا المقام هو عدم الرجوع الى الآية في ذلك (اما أولا) فلاختلاف أهل اللغة كما عرفت وان كان كلام الأكثر هو الموافق


للقول المشهور. (وثانيهما) وهو المعتمد انه قد ورد تفسير الصعيد في الخبرين المتقدمين بأنه الموضع المرتفع من الأرض ، وحينئذ فإذا كان مراده سبحانه من هذا اللفظ انما هو هذا المعنى كما ورد عن نوابه (عليهم‌السلام) وحملة كتابه الذين يجب اتباعهم فيما به أخبروا وعنه عبروا فلا ينبغي العدول عنه الى كلام أهل اللغة وان اتفقوا ولا غيرهم لأنهم (صلوات الله عليهم) اعرف الناس بما فيه وما يراد بباطنه وخافية وحينئذ فالواجب الرجوع في هذا المقام الى الاخبار الواردة في هذا المضمار :

ومما يدل على القول المشهور جملة من الاخبار ، ومنها قول الصادق (عليه‌السلام) في صحيحة ابن سنان (1) «إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض وليصل.». وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة الحلبي (2) «ان رب الماء هو رب الأرض فليتيمم». وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة محمد بن مسلم (3) «فان فاتك الماء لم تفتك الأرض». فإنه لو لم يرتب الحكم على الأرض بقول مطلق لما رتب عليها في هذه الاخبار وكذا في الاخبار الواردة في كيفية التيمم كما ستمر بك ان شاء الله تعالى ، فقد عبر عما يتيمم به بلفظ الأرض في عدة منها ، ويؤيده أيضا تفسير أهل اللغة الصعيد بالأرض في غير هذه الآية وهو قوله سبحانه : «فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً» (4) أي أرضا ملساء يزلق عليها باستئصال شجرها ونباتها ، وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (5) : «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة على صعيد واحد». اي على أرض واحدة.

إلا انه يمكن معارضة هذه الاخبار بما ورد من هذا القبيل بلفظ التراب كما في

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم.

(2) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب التيمم.

(3) المروية في الوسائل في الباب 22 من أبواب التيمم.

(4) سورة الكهف ، الآية 38.

(5) راجع التعليقة 2 ص 245.


صحيحة جميل بن دراج عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «ان الله عزوجل جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا». وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة رفاعة (2) «إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه.». وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة عبد الله بن المغيرة (3) قال : «إذا كانت الأرض مبتلة وليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم من غباره أو شي‌ء مخبر.». وفي رواية علي بن مطر عن الرضا (عليه‌السلام) (4) قال : «سألته عن الرجل لا يصيب الماء ولا التراب أيتيمم بالطين؟ قال نعم. الحديث». وفي رواية معاوية بن ميسرة (5) «يمضي على صلاته فان رب الماء هو رب التراب».

وبالجملة فالروايات في هذا الباب قد اشتمل بعضها على الأرض وبعضها على التراب وبعضها على الصعيد المحتمل لكل منهما ، والأقرب حمل الأرض على التراب توسعا في الإطلاق حيث انه هو الفرد الأكمل الأكثر دورانا ، ويؤيده ما في التيمم بسائر افراد الأرض غير التراب مثل الحجر وما فيه من الخلاف والاشكال كما سيأتي في مسألة اشتراط العلوق ، وكذا الأرض السبخة وارض الجص والنورة والغبار ونحو ذلك من أقسام الأرض الذي لا ينتقل اليه إلا مع فقد التراب ، فهو في المرتبة الثانية عن التراب فلا ينصرف إليه إطلاق الأرض في هذه الأخبار ، وهذا واضح بحمد الله سبحانه.

وعن المرتضى الاحتجاج بعد الآية بقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (6) «جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا». قال : ولو كانت الأرض طهورا وان لم تكن ترابا لكان لفظ ترابها لغوا. وأجاب عنها في المعتبر بان التمسك بها تمسك بدلالة الخطاب

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 24 من أبواب التيمم.

(2 و 3 و 4) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب التيمم.

(5) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم.

(6) المروي في الوسائل في الباب 7 من أبواب التيمم.


وهي متروكة في معرض النص إجماعا. وقيل عليه ان قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا». لا ريب انه مذكور في معرض التسهيل والتخفيف وبيان امتنان الله سبحانه على هذه الأمة المرحومة وهو من قبيل قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) «بعثت بالحنيفية السمحة السهلة». وظاهر انه لو كان غير التراب من اجزاء الأرض طهورا ايضا لكان ذكر التراب لغوا صريحا وتوسيطه في البين مخلا بانطباق الكلام على ما يقتضيه المقام وكان مقتضى الحال ان يقول : «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» فإنه أدخل في الامتنان ، وليس هذا استدلالا بمفهوم الخطاب بل أمر آخر وهو لزوم خروج الكلام النبوي عن قانون البلاغة على ذلك التقدير ، عن ان دلالة الخطاب إذا اعتضدت بالقرائن الحالية أو المقالية فلا كلام في اعتبارها ولذلك يعزر من قال لخصمه انا لست زانيا ، وبهذا يظهر ان كلام السيد في أعلى مراتب السداد. انتهى. وهو جيد. والجواب الحق انما هو ان ما نقله السيد من لفظ الحديث بقوله «وترابها» وان تناقلوه في كتب الفروع كذلك إلا ان متن الحديث في كتب الأخبار خال من هذه الزيادة ، وقد نقل في الوسائل اربع روايات واحدة من الكافي والثانية من الفقيه واثنتان من الخصال والجميع خال من هذه الزيادة ، وبذلك يظهر قوة القول المشهور وضعف المعارض المذكور ، الا انه سيجي‌ء ان شاء الله تعالى في مسألة اشتراط العلوق وعدمه ما يوضح الحال زيادة على ما ذكرناه في هذا المجال.

(الثاني) ـ ذهب ابن ابي عقيل ـ كما تكاثر النقل عنه بذلك في كتب الأصحاب ـ إلى جواز التيمم بالأرض وبكل ما كان من جنسها كالكحل والزرنيخ لانه يخرج من الأرض ، وهو مذهب أبي حنيفة (2) كما ذكره في المعتبر ، والمشهور العدم

__________________

(1) راجع التعليقة 1 ص 266.

(2) في المغني ج 1 ص 247 حكاه عنه وعن مالك.


وهو المستفاد من الأخبار لتصريحها بالأرض فيكون الحكم تابعا لما صدق عليه إطلاق الأرض وهذه الأشياء لا تسمى أرضا ، وما علله به من ان يخرج من الأرض لا يجدي طائلا إذ مورد النصوص هو ما يسمى أرضا لا ما يخرج منها وان لم يسم بذلك ، وربما يستدل له بما رواه الراوندي في نوادره بسنده فيه عن علي (عليه‌السلام) (1) قال : «يجوز التيمم بالجص والنورة ولا يجوز بالرماد لانه لم يخرج من الأرض. فقيل له أيتيمم بالصفا البالية على وجه الأرض؟ قال : نعم». ومثلها رواية السكوني (2) كما سيأتي ان شاء الله تعالى ، والمنافاة منهما غير ظاهرة لان محل توهم المنافاة هو قوله (عليه‌السلام) «لانه لم يخرج من الأرض». بدعوى ان فيه إشارة الى ان ما خرج من الأرض وان لم يصدق عليه اسم الأرض يجوز التيمم به ، ومن الجائز والمحتمل قريبا ان مراده (عليه‌السلام) انما هو بيان ان الرماد لا تعلق له بالأرض بالكلية ، ويؤيده قوله في رواية السكوني بعد هذا الكلام : «وانما يخرج من الشجر» والمراد المبالغة في نفي الأرضية عنه بالكلية ، فكيف يجوز التيمم به مع دلالة الأخبار المستفيضة على الاختصاص بالأرض؟ وكيف كان فالخروج بهما عن صراحة تلك الصحاح المستفيضة مما لا يتجشمه من له أدنى معرفة.

(الثالث) ـ الحجر الخالي من الغبار ، وقد اختلف فيه كلامهم ، فقيل بجواز التيمم به مطلقا وهو قول الشيخ في المبسوط والخلاف ، وقيل بالعدم مطلقا وهو منقول عن ظاهر ابن الجنيد حيث قال : ولا يجوز من السبخ ولا مما أحيل عن معنى الأرض المخلوقة بالطبخ والتحجير خاصة. وهذا القول لازم للمرتضى ومن يقول بمقالته من التخصيص بالتراب ايضا كما لا يخفى وان لم أعثر على من نسب ذلك اليه ، وقيل بالتفصيل بين حالي الاختيار والضرورة فيمتنع على الأول ويجوز على الثاني ، قال الشيخ في النهاية : ولا بأس

__________________

(1) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 6 من أبواب التيمم.

(2) المروية في الوسائل في الباب 8 من أبواب التيمم.


بالتيمم بالأحجار وارض النورة وارض الجص إذا لم يكن يقدر على التراب. ويقرب منه كلام المفيد في المقنعة حيث قال : وان كان في أرض صخر وأحجار ليس عليها تراب وضع يديه عليها ومسح بهما وجهه وكفيه كما ذكرنا في تيممه بالتراب وليس عليه حرج في الصلاة بذلك لموضع الاضطرار. وقال ابن إدريس ولا يعدل الى الحجر والمدر إلا إذا فقد التراب. وحجة القول المشهور واضحة لصدق الأرض على الحجر فيدخل تحت الأخبار المتقدمة. واما القول بالتفصيل فقد رده جملة من الأصحاب بأنه مع كونه لا دليل عليه لا وجه له فان الحجر ان صدق عليه اسم الأرض جاز التيمم به مع وجود التراب وعدمه وان لم يصدق عليه امتنع كذلك كما صرح به ابن الجنيد فلا وجه للتفصيل المذكور. واما ما ذكره بعض أفاضل متأخري المتأخرين في الجواب عن ذلك ـ حيث قال : وفيه نظر إذ يجوز ان يكون التيمم عند فقد التراب للإجماع عليه لا لدخوله في الصعيد كما جاز التيمم بالوحل وان لم يكن داخلا في الصعيد إجماعا لنص خاص دل عليه ـ ففيه ان الإجماع عليه انما هو من حيث دخوله تحت اسم الأرض لما نقله العلامة من الإجماع على ان التيمم لا يقع إلا بالتراب أو الأرض فالإيراد بحاله ، واما تعلقه بجواز التيمم بالوحل وان لم يكن داخلا في الصعيد فهو مردد بأن الأخبار قد صرحت بدخوله في الصعيد ، ففي رواية زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) قال : «قلت رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء وفيها طين ما يصنع؟ قال يتيمم فإنه الصعيد. الحديث». ومرسلة علي بن مطر عن بعض أصحابنا (2) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن الرجل لا يصيب الماء ولا التراب أيتيمم بالطين؟ قال نعم صعيد طيب وماء طهور». دل الخبران على ان الطين داخل في الصعيد الذي تضمنته الآية ، ويؤيد ما ذكرناه ان المحقق في المعتبر استدل على جواز التيمم بالوحل بعد فقد الصعيد والغبار فقال : «لنا ـ انه بممازجة الماء لا يخرج عن كونه أرضا وصعيدا» ومع الإغماض عن ذلك فان الفرق بين ما نحن فيه وبين

__________________

(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب التيمم.


التيمم بالوحل ظاهر فان النص لما دل على جواز التيمم بالوحل وان لم يكن صعيدا صار مستثنى بالنص ، وما ادعاه من استثناء التيمم بالحجر بالإجماع ممنوع (أولا) ـ بما عرفت من قول ابن الجنيد بالمنع من ذلك مطلقا وقول المرتضى من التخصيص بالتراب ومثله قول ابي الصلاح كما تقدم. و (ثانيا) ـ انه انما يتم لو كان الإجماع على صحة التيمم به في الصورة المذكورة وان لم يكن أرضا ، وهو غير مسلم لدعوى العلامة الإجماع على عدم التيمم إلا بالتراب أو الأرض ، وحينئذ فالقول بالتيمم به انما هو من حيث كونه أرضا فلا يجدي ما أجاب به. ويمكن ان يقال في الجواب ان ظاهر كلام المفصلين ان مذهبهم في هذه المسألة هو وجوب التيمم بالتراب كما ذهب اليه المرتضى إلا انهم يجعلون بعده مرتبة ثانية مع فقده وهو الأرض التي من جملتها الحجر ، ولعل وجهه الجمع بين الآية بناء على تفسير الصعيد فيها بالتراب كما هو أحد قولي اللغويين والأخبار الدالة على التيمم بالأرض كما قدمناها فيحملون الأخبار على فقد التراب ويخصونها بالآية ، وهو وجه وجيه. واما المعارضة بقول جملة من اللغويين أيضا بأن الصعيد هو الأرض فلا يرد عليهم لأنهم ربما ترجح عندهم المعنى الذي اختاروه بوجوه لم ندركها. وبالجملة فهذا الوجه في حد ذاته لا يخلو من حسن وقوة سيما مع أوفقيته بالاحتياط المطلوب في الدين.

بقي هنا شي‌ء وهو ان صحيحة زرارة الآتية ان شاء الله تعالى في بيان كيفية التيمم قد دلت على اشتراط العلوق وهو مما يمنع من جواز التيمم بالحجر الخالي من التراب وهو لازم لكل من اشترط العلوق ، وسيأتي تحقيق المسألة في محلها ان شاء الله تعالى. والله العالم.

(الرابع) ـ المشهور بين الأصحاب جواز التيمم بأرض الجص والنورة قبل الإحراق ، ومنع ابن إدريس من ذلك مدعيا انها معدن ، واعتبر الشيخ في النهاية في جواز التيمم بها فقد التراب كما تقدم في الحجر ، وردهما الأصحاب (رضوان الله عليهم) بالضعف لصدق الأرضية ومنع المعدنية ، وردوا تفصيله في النهاية هنا بما ردوه به في الحجر


وقد عرفت بما حققناه ثمة إمكان الجواب عما أوردوه عليه وانه لا يخلو من وجه وجيه واما بعد الإحراق فذهب الشيخان الى المنع من التيمم بهما والظاهر انه المشهور لخروجهما بالإحراق عن اسم الأرض ، وعن المرتضى في المصباح وسلار (رضي‌الله‌عنهما) الجواز ، قال في المعتبر : وما ذكره علم الهدى هو رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (1) «انه سئل عن التيمم بالجص؟ فقال نعم. فقيل بالنورة؟ فقال نعم. فقيل بالرماد. فقال لا انه لا يخرج من الأرض إنما يخرج من الشجر». وهذا السكوني ضعيف لكن روايته حسنة لأنه أرض فلا يخرج باللون والخاصية عن اسم الأرض كما لا تخرج الأرض الصفراء والحمراء. قال في المدارك بعد نقله : والاولى اعتبار الاسم كما اختاره في المنتهى. أقول : قد تلخص ان في المسألة أقوالا ثلاثة : (ثالثها) ـ ما اختاره في المدارك ونقله عن المنتهى ومرجعه الى التوقف في الحكم لان حاصل كلامه انه ان صدق عليه اسم الأرض جاز التيمم به وإلا فلا ، وهو مؤذن بعدم معلومية الصدق وعدمه عنده وهذا الكلام بظاهره مناف لما يأتي منه في كتاب الصلاة في السجود على الخزف حيث قال ثمة : «ويمكن ان يستدل على الجواز بما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (2) «انه سأله عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب اليه بخطه : ان الماء والنار قد طهراه». وجه الدلالة انها تدل بظاهرها على جواز السجود على الجص ، والخزف في معناه» وهو ـ كما ترى ـ ظاهر في قوله بجواز السجود على الجص بعد الإحراق ، ومسألتا السجود والتيمم من باب واحد لاشتراط الأرضية فيهما وان كانت دائرة السجود أوسع بالنسبة إلى الكاغد وما أنبتت الأرض. وقد ظهر مما حققناه ان الأظهر هو الجواز لهذه الصحيحة المذكورة بالتقريب الذي ذكرناه ولرواية السكوني

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 8 من أبواب التيمم.

(2) رواه في الوسائل في الباب 81 من النجاسات و 10 مما يسجد عليه.


ومثلها رواية الرواندي المتقدمة في الموضع الثاني ، والى القول بالجواز مال الشهيد في الذكرى ايضا. والله العالم.

(الخامس) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في التيمم بالخزف ، فعن ابن الجنيد انه لا يجوز التيمم به وبذلك قال في المعتبر لخروجه بالطبخ عن اسم الأرض ، وقيل بالجواز للشك في خروجه بالطبخ عن اسم الأرض ، ولأن الأرض المحترقة يقع عليها اسم الأرض حقيقة ، كذا ذكره في المدارك. أقول : قد قطع جملة من الأصحاب بجواز السجود عليه من غير نقل خلاف حتى ان العلامة في التذكرة استدل على عدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرض بجواز السجود عليه ، وهو مؤذن بكون السجود عليه امرا متفقا عليه ومسلما بينهم ، وقد عرفت ان الأمر في التيمم والسجود واحد ، ومنه يظهر ان المشهور هو جواز التيمم به والسجود عليه ، ومن الظاهر ان تجويزهم ذلك انما هو من حيث عدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرضية.

وهذه المسألة عندي محل توقف واشكال لعدم النص والشك عندي في الخروج وعدمه فتدخل بذلك في الشبهات «حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك» (1). والحكم فيها عندي وجوب الاحتياط ، والتعليلان المتقدمان للقول بالجواز عليلان ، اما الشك في خروجه بالطبخ عن اسم الأرض فهو بالدلالة على المنع اولى منه بالدلالة على الجواز ، لان جعله دليلا على الجواز مبني على القول بالاستصحاب ، وهو باطل عندنا كما حققناه في مقدمات الكتاب بل عند هذا القائل أيضا كما صرح به في غير موضع من كتابه ، وجواز التيمم والسجود متوقف على صدق الأرضية ومعلوميته وهو هنا غير معلوم للشك المذكور ، واما ان الأرض المحترقة يصدق عليها اسم الأرض حقيقة ففيه ان الظاهر المتبادر من الاحتراق بالنار هو الاستحالة بها الى الفحم أو الرماد ، وصدق

__________________

(1) ورد هذا التثليث في مقبولة عمر بن حنظلة المروية في الوسائل في الباب 9 من صفات القاضي وما يقضى به.


الاحتراق على الأجسام الصلبة التي لا تكون كذلك ممنوع ، ومع صدق الاحتراق وحصوله بان تصير رمادا فصدق الأرضية ممنوع.

ثم ان العجب هنا من المحقق حيث قال في المعتبر بعد ان قطع بخروج الخزف بالطبخ عن اسم الأرض كما قدمنا نقله عنه : «ولا يعارض بجواز السجود عليه لانه قد يجوز السجود على ما ليس بأرض كالكاغذ» فان فيه ان الكاغذ قد خرج بالنص عن قاعدة السجود فوجب استثناؤه واما الخزف فلم يرد نص بجواز السجود عليه ، ومتى اعترف بخروجه بالطبخ عن اسم الأرض مع قوله ـ كما هو مقتضى النصوص الصحيحة الصريحة ـ بأنه لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتت مما ليس بمأكول ولا ملبوس فإنه يلزمه المنع من السجود عليه حتى يقوم على الجواز دليل ، وخروج الكاغد من هذه القاعدة بنص خاص لا يوجب إلحاق الخزف به فإنه مجرد قياس ، وبذلك يظهر ايضا ما في قول صاحب المدارك في سابق هذا الموضع في ذيل صحيحة الحسن بن محبوب المتضمنة لجواز السجود على الجص : «والخزف في معناه» فإنه محض قياس لا يوافق أصولنا كما لا يخفى. والله العالم.

(السادس) ـ رتب الشيخ في النهاية للتيمم مراتب ، فأولها التراب فان فقده فالحجر فان فقده تيمم بغبار عرف دابته أو لبد سرجه فان لم تكن معه دابة تيمم بغبار ثوبه فان لم يكن معه شي‌ء من ذلك تيمم بالوحل. وقال المفيد إذا حصل في أرض وحلة وهو محتاج الى التيمم ولم يجد ترابا فلينفض ثوبه أو عرف دابته ان كان راكبا أو لبد سرجه أو رحله ، فان خرج من شي‌ء من ذلك غبرة تيمم بها وان لم تخرج منه غيرة فليضع يديه على الوحل ثم يرفعهما فيمسح إحداهما بالأخرى حتى لا يبقى فيهما نداوة وليمسح بهما وجهه وظاهر كفيه. قال في المختلف بعد نقل هذين الكلامين : فقد وقع الخلاف بين الشيخين في هذا المقام في موضعين : (الأول) ـ ان المفيد (رحمه‌الله) خير بين الثوب وعرف الدابة والطوسي رتب بينهما (الثاني) ـ ان المفيد شرط خروج


غبار من الثوب أو العرف والطوسي أطلق. وقال المرتضى يجوز التيمم بالتراب وغبار الثوب وما أشبهه إذا كان الغبار من التراب وأطلق ، وظاهره كون الغبار والتراب في مرتبة واحدة وانه لا ترتيب بينهما. وقال ابن إدريس ولا يعدل الى الحجر والمدر إلا إذا فقد التراب ولا يعدل الى غبار ثوبه إلا إذا فقد الحجر والمدر ولا يعدل عن غبار ثوبه الى عرف دابته ولبد سرجه إلا بعد فقدان غبار ثوبه ولا يعدل الى الوحل إلا بعد فقدان ذلك. وقال ابن الجنيد كل غبار علا جسما من الأجسام غير النجسة وغير الحيوان أو كان ذلك كامنا فيه فاستخرج منه عند عدم وجوده مفردا جاز التيمم منه. وقال سلار إذا وجد الثلج والوحل والحجر نفض ثوبه وسرجه ورحله فان خرج منه التراب تيمم منه إذا لم يمكنه التوضؤ من الثلج فان لم يكن في ثيابه ورحله تراب ضرب بيده على الوحل أو الثلج أو الحجر وتيمم منه. وقال المحقق في المعتبر إذا فقد الصعيد تيمم بغبار الثوب أو عرف الدابة أو لبد السرج أو غير ذلك مما فيه غبار وهو مذهب علمائنا ، الى ان قال مسألة : إذا فقد الصعيد والغبار ووجد وحلا أطبق فقهاؤنا على جواز التيمم به. ونحو ذلك في الشرائع. وبالجملة فإن ظاهر عباراتهم الاتفاق على تقديم الغبار على الوحل.

والروايات في المسألة لا تخلو من تصادم وربما دل بعضها على خلاف ذلك ، وها أنا أسوق لك ما وقفت عليه من الاخبار في المقام ، فمنها ـ صحيحة زرارة (1) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) أرأيت المواقف ان لم يكن على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول؟ قال يتيمم من لبد سرجه أو عرف دابته فان فيها غبارا ويصلي». ورواه في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز مثله (2) أقول : المواقف كمقاتل لفظا ومعنى ، وظاهر الخبر المذكور انه لا يجد إلا الغبار في الحال المذكورة ولا ريب في صحة التيمم به ، وصحيحة رفاعة عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «فان كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شي‌ء مغبر وان كان في حال

__________________

(1 و 2 و 3) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب التيمم.


لا يجد إلا الطين فلا بأس ان يتيمم منه». وموثقة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «ان كان الثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو من شي‌ء معه وان كان في حال لا يجد إلا الطين فلا بأس ان يتيمم منه». وموثقة الأخرى عن الباقر (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا كنت في حال لا تجد إلا الطين فلا بأس ان تتيمم به». وما رواه في الكافي عن ابي بصير عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «إذا كنت في حال لا تقدر إلا على الطين فتيمم به فان الله تعالى اولى بالعذر إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر ان تنفضه وتتيمم به». قال (4) : وفي رواية أخرى «صعيد طيب وماء طهور». دلت صحيحة رفاعة وموثقة زرارة على انه إذا لم يجد إلا الثلج والغبار فالغبار مقدم على الثلج ، وهو من المقطوع به في كلام الأصحاب والاخبار ، ودل الجميع على انه إذا لم يجد إلا الطين وهو الوحل المذكور في عبارات الأصحاب فإنه يتيمم به ، وهو ظاهر فيما ذكره الأصحاب من تقديم الغبار عليه ، فان المراد من هذا الإطلاق انه إذا لم يجد ماء ولا ترابا ولا غبارا مما هو من المراتب السابقة فإنه يتيمم به ويكشف عن ذلك قوله (عليه‌السلام) في صحيحة أبي بصير : «إذا لم يكن معك ثوب جاف. إلخ». ومنها ـ رواية زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (5) قال : «قلت رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء وفيها طين ما يصنع؟ قال يتيمم فإنه الصعيد. قلت فإنه راكب ولا يمكنه النزول من خوف وليس هو على وضوء؟ قال ان خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوت الوقت فليتيمم يضرب بيده على اللبد أو على البرذعة ويتيمم ويصلي». ورواية علي بن مطر عن بعض أصحابه (6) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن الرجل لا يصيب الماء ولا التراب أيتيمم بالطين؟ قال نعم صعيد طيب وماء طهور». وظاهر الخبرين المذكورين تقديم الطين على الغبار ، والتقريب فيهما من وجهين : (الأول) ـ دلالتهما على ان الطين صعيد فيكون مقدما على الغبار الذي قد

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب التيمم.


اعترفوا بأنه غير داخل في الصعيد (الثاني) ـ تصريح رواية زرارة بالأمر بالطين أولا وانه انما أمره بالتيمم بالغبار مع تعذر النزول عليه وعدم إمكان التيمم بالطين ، وهو ظاهر الرواية الثانية حيث انه أمره بالطين مع فقد الماء والتراب الشامل بإطلاقه لوجود الغبار يومئذ وهو الأوفق بالتعليل المذكور فيها. وأجاب في المنتهى عن رواية زرارة المذكورة بضعف السند ثم قال : ومع ذلك فهي غير منافية لما قلناه لانه لم يتعرض لنفي التراب بل لنفي الماء وهو لا يستلزم ذلك ولا قوله «وفيها طين» ايضا. ولا يخفى ما فيه من البعد والتمحل الظاهر. وبالجملة فالروايتان ظاهرتان فيما ذكرنا ولا يحضرني الآن وجه للجمع بينهما وبين الأخبار المتقدمة. والله العالم.

تنبيهات

(الأول) ـ اختلف كلام الأصحاب في كيفية التيمم بالوحل ، وقد تقدم في عبارة المفيد انه يضع يديه على الوحل ثم يرفعهما فيمسح إحداهما بالأخرى حتى لا يبقى فيهما نداوة وليمسح بهما وجهة وظاهر كفيه. وقال الشيخ يضع يديه على الوحل ثم يفركهما ويتيمم به. ونقل في المعتبر بعد نقل قول الشيخ انه قال آخر : يضع يديه على الوحل ويتربص فإذا يبس تيمم به ، ثم قال والوجه ما ذكره الشيخ عملا بظاهر الروايات. أقول : لا ريب ان ما ذكره الشيخ يرجع الى ما ذكره المفيد ، واما القول الآخر فاستوجهه العلامة في التذكرة ، وحكى عن ابن عباس انه قال : يطلى بالطين فإذا جف تيمم به. وقال في المنتهى لو لم يجد إلا الوحل تيمم به وهو مذهب علمائنا إلا انه إذا تمكن من أخذ شي‌ء من الوحل يلطخ به جسده حتى يجف وجب عليه ذلك ليتيمم بتراب وان لم يتمكن لضيق الوقت أو لغيره وجب عليه التيمم به. أقول : وهذا التفصيل قول ثالث في المسألة ، وأنت خبير بان ظواهر الأخبار المتقدمة انما هو التيمم بالطين يعني الوحل المركب من الماء والطين ، والتقييد بالتجفيف كما ذكروه لا اثر له في شي‌ء منها ، ولو كان


الحكم فيه ذلك لوقع التنبيه عليه ولو في بعضها لان المقام مقام البيان ، ويعضد ما قلناه قوله (عليه‌السلام) في مرسلة علي بن مطر : «صعيد طيب وماء طهور». واستبعاد ذلك من حيث الخروج عن قاعدة التيمم مدفوع باستثناء الموضع المذكور كما سيأتي نظيره في الثلج ان شاء الله تعالى.

(الثاني) ـ قد اختلف كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الترتيب في مواضع الغبار وعدمه ، فظاهر الأكثر التخيير بين المواضع التي يوجد فيها من ثوب أو لبد أو بساط أو نحوها ، وهو ظاهر كلام المفيد كما نبه عليه في المختلف فيما قدمناه من نقل كلامه ، وقد تقدم في عبارة الشيخ تقديم غبار عرف الدابة أو لبد السرج ثم مع فقده غبار ثوبه ، وعكس ابن إدريس كما تقدم في عبارته حيث قدم غبار الثوب وانه لا يعدل عنه الى غبار عرف دابته ولبد سرجه إلا مع عدمه ، والمستفاد من الأخبار المتقدمة هو القول المشهور كقوله (عليه‌السلام) في صحيحة رفاعة : «فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شي‌ء مغبر». وقوله (عليه‌السلام) في موثقة زرارة : «فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو من شي‌ء معه». ورواية أبي بصير «إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر ان تنفضه وتتيمم به».

(الثالث) ـ هل يجب نفض الثوب ونحوه ليخرج الغبار على وجهه ثم يتيمم منه بعد ذلك أم يضرب عليه كما هو؟ صريح عبارة المفيد المتقدمة الأول وبه صرح سلار ايضا وهو ظاهر عبارة ابن الجنيد المتقدمة ، وتدل عليه صحيحة أبي بصير المتقدمة ، وعبارات أكثر الأصحاب مطلقة حيث قالوا يتيمم بغبار ثوبه ونحو ذلك ، وأكثر النصوص مطلقة أيضا ويمكن تقييدها بالصحيحة المذكورة.

(الرابع) ـ قد عرفت ان المشهور بل ادعي عليه الإجماع ـ كما تقدمت الإشارة إليه ـ انه لا يجوز الانتقال الى الغبار إلا مع فقد الصعيد ، وتقدم ان ظاهر كلام المرتضى جوازه مع وجود التراب ، والأظهر القول المشهور لرواية أبي بصير المتقدمة وأمثالها


من الأخبار المتقدمة ، وقال في المدارك بعد نقل قول المرتضى : «وهو بعيد جدا لانه لا يسمى صعيدا بل يمكن المناقشة في جواز التيمم به مع إمكان التيمم بالطين لضعف الرواية الاولى واختصاص الرواية الثانية بالمواقف الذي لا يمكنه النزول إلى الأرض والثالثة بحالة الثلج المانعة من الوصول إلى الأرض إلا ان الأصحاب قاطعون بتقديم الغبار على الوحل وظاهرهم الاتفاق عليه» انتهى. أقول : أراد بالرواية الأولى رواية أبي بصير وبالثانية صحيحة زرارة وبالثالثة صحيحة رفاعة.

(الخامس) يشترط في الغبار ان يكون مما يتيمم به من تراب ونحوه ، وهو ظاهر كلام السيد المتقدم ذكره حيث قيد الغبار بكونه من التراب ، ونقل ذلك عن ابن إدريس أيضا واستوجهه العلامة ، وهو الظاهر حملا لإطلاق الاخبار على ما هو الغالب فلا يجوز التيمم بغبار الأشنان والدقيق ونحوهما.

(السادس) ـ المشهور في كلام الأصحاب تقديم الحجر على الغبار كما تقدم لانه من الأرض الواجب تقديمها على الغبار ، وقال سلار إذا وجد الثلج والوحل والحجر نفض ثوبه وسرجه ورحله فان خرج منه تراب تيمم منه إذا لم يمكنه التوضؤ من الثلج فان لم يكن في ثيابه ورحله تراب ضرب بيده على الوحل والثلج والحجر وتيمم به.

والظاهر ضعفه لما ذكرناه.

(الموضع السابع) ـ اختلف الأصحاب فيما لو لم يوجد إلا الثلج فقيل بسقوط فرض الصلاة ونقله في المدارك عن أكثر الأصحاب ، وقيل بالتيمم به وهو ظاهر المرتضى وابن الجنيد وسلار ، وقيل بالوضوء أو الغسل به وهو مذهب الشيخين واختاره العلامة في المختلف والتحرير ، وظاهره في القواعد وجوب تقديم الثلج على التراب ان حصل منه من الماء ما يسمى به غاسلا وإلا تيمم به مع فقد التراب وما في معناه ، وهو راجع الى قول المرتضى ، وذهب الشيخ في كتابي الاخبار الى تقديم الثلج على التراب وان كان الحاصل منه كالدهن استنادا إلى صحيحة علي بن جعفر الآتية.


ولا بأس بذكر بعض عباراتهم في المقام ، فنقول قال في المختلف : «لو لم يوجد إلا الثلج وتعذر عليه كسره وإسخانه قال الشيخان وضع يديه عليه باعتماد حتى تتنديا ثم يتوضأ بتلك الرطوبة بأن يمسح يده على وجهه بالنداوة وكذا بقية أعضائه ، وكذا في الغسل ، فإن خشي من ذلك أخر الصلاة حتى يتمكن من الطهارة المائية أو الترابية. وقال المرتضى : إذا لم يجد إلا الثلج ضرب بيده وتيمم بنداوته وكذا قال سلار. ومنع ابن إدريس من التيمم به والوضوء أو الغسل منه وحكم بتأخير الصلاة الى ان يجد الماء أو التراب. والوجه ما قاله الشيخان ، لنا ـ ان المغتسل أو المتوضئ يجب عليه مماسة أعضاء الطهارة بالماء وإجراؤه عليها فإذا تعذر الثاني وجب الأول إذ لا يلزم من سقوط أحد الواجبين لعذر سقوط الآخر».

أقول : والأصل في الاختلاف هنا هو اختلاف ظواهر الأخبار الواردة في المقام وها أنا أتلوها عليك مذيلا لها ان شاء الله تعالى بما يقشع عنها غشاوة الإبهام ، فأقول : من الاخبار المشار إليها ما قدمناه من صحيحة رفاعة وموثقة زرارة ، ومدلولهما انه لا يجوز استعمال الثلج مع وجود الغبار ، وهو وان كان كذلك في ظاهر كلام أكثر الأصحاب بل ظاهرهم الاتفاق عليه إلا انه سيأتي ما فيه ، ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن رجل أجنب في سفر ولم يجد إلا الثلج أو ماء جامدا؟ قال هو بمنزلة الضرورة يتيمم ولا ارى ان يعود الى هذه الأرض التي توبق دينه». وقوله في هذه الرواية «ولم يجد إلا الثلج» يحتمل ان يراد به انه لم يجد ماء ولا ترابا إلا الثلج وحينئذ فيكون دليلا لما نقل عن المرتضى وسلار وابن الجنيد ، والظاهر انه لما ذكرناه احتج بها لهم في المختلف ، ويحتمل ان يكون المراد ولم يجد ماء وحينئذ فيكون التيمم المأمور به بالتراب ، وبهذا الاحتمال أجاب في المختلف عن الرواية المذكورة ، واحتمل ايضا التجوز بإطلاق اسم التيمم على مسح الأعضاء جميعها بالثلج

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 9 و 28 من أبواب التيمم.


والظاهر بعده ، بقي الكلام في الاحتمالين الباقيين والظاهر ان الأول أقرب فتكون هذه الرواية حجة للمرتضى ومن قال بمقالته.

ومنها ـ رواية محمد بن مسلم (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يجنب في السفر لا يجد إلا الثلج؟ قال يغتسل بالثلج أو ماء النهر». وهذا الخبر يدل بظاهره على ما ذهب اليه الشيخان من الوضوء أو الغسل بالثلج ، وبه استدل في المختلف على ما ذهب اليه الشيخان حيث اختاره كما عرفت ، ثم قال : (لا يقال) لا دلالة في هذا الحديث على مطلوبكم وهو الاجتزاء بالمماسة لأن مفهوم الاغتسال اجراء الماء الجاري على الأعضاء لا نفس المماسة (لأنا نقول) نمنع أولا دخول الجريان في مفهوم الاغتسال ، سلمنا لكن الاغتسال إذا علق بشي‌ء اقتضى جريان ذلك الشي‌ء على العضو اما حقيقة الماء فنمنع ذلك ، ونحن نقول هنا بموجبه فان الثلج يجب إجراؤه هنا على الأعضاء لتحصل الرطوبة عليها أو يعتمد على الثلج بيده كما قاله الشيخان. انتهى. ويحتمل حمل الخبر المذكور على اذابة الثلج ولعل في التخيير بينه وبين ماء النهر ما يؤنس بذلك فإن السائل ذكر انه لا يجد إلا الثلج ووقع الجواب بالتخيير له بين الثلج وماء النهر وانهما سواء ، ويمكن ان يكون التخيير ليس باعتبار وجودهما معا بل باعتبار البدلية يعني الثلج ان لم يكن إلا الثلج وماء النهر الجامد مثلا ان لم يكن إلا هو وكل منهما يحمل الاغتسال به على الذوبان ، ومنها ـ رواية معاوية بن شريح (2) قال : «سأل رجل أبا عبد الله (عليه‌السلام) وانا عنده قال يصيبنا الدمق والثلج ونريد أن نتوضأ ولا نجد إلا ماء جامدا فكيف أتوضأ ادلك به جلدي؟ قال نعم». وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون معه ماء وهو يصيب ثلجا وصعيدا أيهما أفضل أيتيمم أم يمسح بالثلج وجهه؟ قال الثلج إذا بل رأسه وجسده أفضل وان لم يقدر على ان يغتسل به فليتيمم». وروايته الأخرى المروية في قرب

__________________

(1 و 2 و 3) المروية في الوسائل في الباب 10 من أبواب التيمم.


الاسناد عن أخيه (عليه‌السلام) (1) في من تصيبه الجنابة فلا يقدر على الماء في خبر ساقه الى ان قال : «قلت أيهما أفضل أيتيمم أم يمسح بثلج وجهه وجسده ورأسه؟ قال الثلج إذا بل رأسه وجسده أفضل وان لم يقدر على ان يغتسل يتيمم».

وعلى هذه الأخبار عمل الشيخ في كتابي الأخبار فذهب الى تقديم الثلج على التراب وان كان الحاصل منه كالدهن كما قدمنا نقله عنه ، ولا تنافيه الروايات المتقدمة الدالة على انه مع حصول الثلج والغبار كما في صحيحة رفاعة وموثقة زرارة أو الثلج والتراب كما في صحيحة محمد بن مسلم على أحد الاحتمالين يقدم التيمم على استعمال الثلج ، لإمكان حمل إطلاقها على ما فصلته هذه الأخبار فإنها دلت على انه مع إمكان الغسل بالثلج أو الوضوء فهو الواجب المتعين ومع عدمه يتيمم فتحمل تلك الأخبار على عدم الإمكان جمعا ، وعلى هذا فيقدم استعمال الثلج على التيمم بتراب كان أو بغبار وان لم يحصل منه الجريان بل يكفي الدلك على وجه تحصل منه النداوة ومع تعذر ذلك ينتقل منه الى التيمم وان خالف ذلك مقتضى ظاهر اتفاقهم المتقدم ذكره.

وما ربما يقال ـ من ان الغسل مأخوذ في معناه الجريان فلا يصدق إلا به كما هو ظاهر المعتبر والمدارك وغيرهما في هذا المقام ـ فالجواب عنه (أولا) ـ انه مسلم لكنه مخصوص عندنا بحال الاختيار والإمكان دون الضرورة. و (ثانيا) ـ ان الروايات الثلاث التي استندنا إليها في الحكم صريحة في الاكتفاء بمجرد البلل الذي هو النداوة وفيها الصحيح باصطلاحهم فلا وجه لردها ، واما دعوى دلالة صحيحة علي بن جعفر على التمكن من الاغتسال بحيث يصدق على الماء اسم الجريان على العضو كما أجاب به في المختلف فعجيب كيف والرواية إنما تضمنت البلل الذي هو عبارة عن مجرد مماسة الماء ورطوبة الجسد به واين هذا من الجريان؟ وهو ظاهر. و (ثالثا) ـ ما استفاض في اخبار الدهن من الدلالة على الاكتفاء بمجرد البلل مثل قوله (عليه‌السلام) في صحيحة

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 10 من أبواب التيمم.


زرارة (1) : «إذا مس جلدك الماء فحسبك». وفي أخرى (2) : «كل شي‌ء أمسسته الماء فقد أنقيته». وقوله (عليه‌السلام) في بعضها (3) : «يجزيك ما بللت يدك». وحملها على أقل الجريان كما تأولوها به بعيد عن مناطيقها كما قدمنا الكلام في ذلك مفصلا في باب الوضوء ، وقد وافق على ذلك في المدارك في باب الوضوء فإنه قد اختار ثمة إبقاء الأخبار المذكورة على ظاهرها وان ناقض نفسه هنا وهو ظاهر في تأييد ما قلناه ههنا ، وقد قدمنا ثمة ان بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم) حمل اخبار الدهن على الضرورة ، وهو جيد ومؤيد لما ذكرناه في هذه المسألة أيضا من اختصاص الحكم هنا بالضرورة.

وبالجملة فالأظهر عندي هو مذهب الشيخ في كتابي الأخبار عملا بهذه الروايات الظاهرة في ذلك وحملا لما نافاها ظاهرا على ما قلناه ، ومما حققناه في المقام يظهر انه لا وجه للقول بالتيمم بالثلج كما ذهب اليه المرتضى (رضي‌الله‌عنه) وغيره ، ويؤيده زيادة على ما ذكرناه ان التيمم لا يكون إلا بالتراب أو الأرض والثلج لا يدخل في شي‌ء منهما فالواجب اما الغسل به أو الوضوء ان أمكن وإلا فوجوده كعدمه. والله العالم.

وتمام البحث في هذا المطلب يتوقف على بيان أمور (الأول) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا يجوز التيمم بالنجس ، قال في المنتهى ولا نعرف فيه خلافا ، واستدل عليه بقوله تعالى : «فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» (4) والطيب الطاهر ، قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : «وهو جيد ان ثبت كون الطيب هو الطاهر بالمعنى الشرعي لكن يبقى الكلام في إثبات ذلك». انتهى.

أقول : الأظهر عندي هو الاستدلال بما ورد في جملة من الأخبار «جعلت لي

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 52 من أبواب الوضوء.

(2) رواها في الوسائل في الباب 26 من أبواب الجنابة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب الجنابة.

(4) سورة النساء. الآية 43.


الأرض مسجدا وطهورا» وهو مروي في عدة اخبار : منها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن ابان بن عثمان عمن ذكره عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «ان الله تعالى اعطى محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، الى ان قال : وجعل له الأرض مسجدا وطهورا.». وروى في الفقيه مرسلا (2) قال : «قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ونصرت بالرعب وأحل لي المغنم وأعطيت جوامع الكلم وأعطيت الشفاعة». وروى الصدوق في الخصال بسنده فيه عن أبي امامة (3) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فضلت بأربع : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأيما رجل من أمتي أراد الصلاة فلم يجد ماء ووجد الأرض فقد جعلت له مسجدا وطهورا ونصرت بالرعب مسيرة شهر وأحلت لأمتي الغنائم وأرسلت إلى الناس كافة». وما رواه فيه في الصحيح عن محمد بن سنان عن زياد بن المنذر ابي الجارود عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (4) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ونصرت بالرعب وأحل لي المغنم وأعطيت جوامع الكلم وأعطيت الشفاعة». وما رواه في المحاسن عن أبي إسحاق الثقفي عن محمد بن مروان عن الصادق (عليه‌السلام) (5) قال : «ان الله اعطى محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، الى ان قال وجعل له الأرض مسجدا وطهورا».

والتقريب فيها ان الطهور لغة كما حققناه في صدر باب المياه هو الطاهر المطهر ، ومن ذلك يعلم ان كل موضع دل النص على التطهير بالأرض من حدث كان أو خبث يجب ان تكون طاهرة حسبما يقال في الماء ايضا كما دلت عليه الآيات لاشتراك الجميع في الوصف بالطهورية. واما ما ذكره في الذخيرة ـ حيث قال في هذا المقام بعد ان جرى على ما ذكره في المدارك كما هي عادته غالبا «وقد يستدل بقوله (صلى الله عليه

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب التيمم.


وآله) «وترابها طهورا» والنجس لا يعقل كونه مطهرا لغيره. وفيه أيضا مناقشة» ـ فهو من جملة مناقشاته الواهية اللهم إلا ان يريد المناقشة في ثبوت الخبر بذلك حيث انه تبع صاحب المدارك أيضا في تضعيف الخبر المذكور بناء على نقله في كتب الفروع بقوله «وترابها طهورا» والخبر ـ كما عرفت ـ موجود في جملة من الأصول المعتمدة ومتكرر فيها وهو خال من لفظ «وترابها» كما استدل به المرتضى (رضى الله عنه) كما قدمنا ذكره في تلك المسألة. والله العالم.

(الثاني) ـ قد صرحوا أيضا بأنه لا يصح التيمم بالمغصوب للنهي عنه المقتضى للفساد في العبادة ، قالوا : والمراد بالمغصوب ما ليس بمملوك ولا مأذون فيه صريحا أو ضمنا كالمأذون في التصرف فيه أو فحوى كالمأذون في دخوله وجلوسه ونحوهما عموما أو خصوصا أو بشاهد الحال كالصحاري المملوكة حيث لا ضرر على المالك ، ومثله جدار الغير من خارج حيث لا ضرر يتوجه عليه ، نعم لو ظن الكراهة أو صرح بها المالك امتنع. أقول : لا يخفى ان ما عللوا به عدم صحة التيمم بالمغصوب من النهي المقتضي للفساد وان كان هو المشهور بينهم بل ربما ادعي الاتفاق عليه إلا انه سيأتي الكلام في هذه المسألة في كتاب الصلاة ان شاء الله تعالى ونقل خلاف الفضل بن شاذان في ذلك وبيان حجج الطرفين وذكر ما سنح لنا من التحقيق في البين. واما العمل على هذه الدلالات المذكورة بأنواعها فينبغي تقييده بإفادتها العلم برضا المالك ولا يكفي مجرد الظن كما يعطيه ظاهر كلامهم. قالوا ولو حبس المكلف في مكان مغصوب ولم يجد ماء مباحا أو وجد ولزم من استعماله إضرار بالمالك فهل يجوز التيمم بترابه الطاهر مع عدم وجود غيره كما جازت له الصلاة فيه لخروجه بالإكراه عن النهى فصارت الأكوان مباحة له لامتناع التكليف بما لا يطاق أم لا يجوز لافتقاره الى التصرف في المغصوب زائدا على أصل الكون؟ وجهان ، ورجح بعض أفاضل متأخري المتأخرين الأول لما ذكر ، واستبعد الثاني لمنع عدم جواز ذلك التصرف ، قالوا وهذا بخلاف الطهارة بالماء المغصوب لما فيه من الإتلاف


فكان غير جائز قطعا. أقول : والمسألة عندي محل توقف.

(الثالث) ـ صرح الأصحاب بجواز التيمم بالسبخة والرمل على كراهة ، والمراد بالسبخة الأرض المالحة النشاشة ، اما الحكم بالجواز في السبخة فهو المشهور بينهم وعن ابن الجنيد المنع من السبخ حكى ذلك عنه المحقق في المعتبر والشهيد في البيان ، ويدل على الجواز فيهما صدق اسم الأرض عليهما فان الرمل اجزاء ارضية اكتسبت حرارة أوجبت لها التشتت والسبخة ارض اكتسبت حرارة أوجبت لها تغييرا في الكيفية لا تخرج به عن حقيقة الأرضية ، ومتى ثبت صدق الأرضية عليهما جاز التيمم بهما تمسكا بظاهر الآية والنصوص المتقدمة ، واما ما ذكروه من الكراهة فلم أقف له على دليل ، قيل وربما كان الوجه فيها التفصي من احتمال خروجهما بتلك الحرارة المكتسبة عن الحقيقة الأرضية أو الخروج من خلاف ابن الجنيد في السبخ وخلاف بعض العامة في الرمل. أقول : ويمكن تأييد الوجه الأول بما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن الحسين (1) «ان بعض أصحابنا كتب الى ابي الحسن الماضي (عليه‌السلام) يسأله عن الصلاة على الزجاج قال فلما نفذ كتابي إليه تفكرت وقلت هو مما أنبتت الأرض وما كان لي ان أسأله عنه فكتب الي : لا تصل على الزجاج وان حدثتك نفسك انه مما أنبتت الأرض ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوخان». قال بعض مشايخنا المحدثين يعني حولت صورتهما ولم يبقيا على صرافتهما. واما الوجه الثاني فهو ضعيف.

أقول : ومما يكره التيمم به تراب الطريق والتراب الذي يوطأ عليه كما رواه في الكافي عن غياث بن إبراهيم عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا وضوء من موطإ». قال النوفلي يعني ما تطأ عليه برجلك. وعن غياث ابن إبراهيم عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «نهى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ان

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب ما يسجد عليه.

(2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التيمم.


يتيمم الرجل بتراب من اثر الطريق». والأصحاب قد ذكروا في هذا المقام انه يستحب التيمم من ربى الأرض وعواليها واستدلوا بهذين الخبرين ، والأظهر في الاستدلال على ما ذكروه انما هو بالخبرين المتقدمين (1) في تفسير الآية من كتاب معاني الأخبار والفقه الرضوي حيث انهما قد فسرا الصعيد في الآية بأنه المرتفع من الأرض والطيب الذي ينحدر عنه الماء.

(الرابع) ـ يجوز التيمم بالأرض المبتلة وليتخير أخفها بللا كما رواه الشيخ في الصحيح عن رفاعة عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه فان ذلك توسيع من الله عزوجل.». أقول : قوله (عليه‌السلام) : «ليس فيها تراب» يعني جاف ، وقوله «فان ذلك توسيع» اي التيمم بالمبتل مع تعذر الجاف توسيع ، ويمكن ان يستفاد منه انه مع وجود الجاف لا يجوز الانتقال منه الى الرطب وان ذلك مخصوص بحال الضرورة إلا ان ظاهر المحقق في المعتبر خلافه حيث قال : يجوز التيمم بالأرض الندية كما يجوز بالتراب لما ذكرناه من الحجة ولما رواه رفاعة ، ثم ساق الخبر ، وأشار بما ذكره من الحجة إلى صدق الصعيد عليه. وهو جيد إلا انه يبقى قوله في الخبر «فان ذلك توسيع» عاريا عن الفائدة وان أمكن ان يتكلف لوجهه.

وقد ذكر الأصحاب هنا انه يجوز التيمم بتراب القبر سواء كان منبوشا أو غير منبوش إلا ان يعلم ان فيه نجاسة لتناول اسم الصعيد له وعدم تحقق المانع ، ولا أعرف لخصوصية ذكر هذا الفرد وجها يوجب ذكره دون غيره من أنواع التراب ، وكأن الوجه فيه مباشرة الميت فربما يتوهم عدم الجواز لذلك ، وفي المعتبر يجوز وان تكرر نبشه لانه عندنا طاهر ، نعم لو كان الميت نجسا منع.

قالوا : ويجوز التيمم بالتراب المستعمل ، وفسر المستعمل بالممسوح به أو

__________________

(1) ص 245.

(2) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب التيمم.


المتساقط عن محل الضرب لا المضروب عليه فإنه ليس بمستعمل إجماعا لأنه كالإناء يغترف منه.

وإذا امتزج التراب بشي‌ء من المعادن أو غيرها اعتبر الاسم فان صدق اسم التراب لاستهلاكه الخليط واضمحلال الخليط فيه صح التيمم به لصدق التراب عرفا ولغة وشرعا ، وعن الشيخ في الخلاف انه قال لا يجوز التيمم به سواء غلب على الخليط أو لم يغلب.

ووجهه غير ظاهر مع انه قال في المبسوط يجوز إذا كان مستهلكا.

(الخامس) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في عدم جواز التيمم بالرماد كما حكاه في المنتهى ، والظاهر انه لا فرق بين رماد التراب وغيره ، واستقرب العلامة في النهاية جواز التيمم بالرماد المتخذ من التراب ، وقال في التذكرة لو احترق التراب حتى صار رمادا فان كان خرج عن اسم الأرض لم يصح التيمم به. وظاهره الشك في الخروج وعدمه ، قال في المدارك بعد نقل العبارة : وهذا أولى إذ المعتبر ما يقع عليه اسم الأرض. وظاهره ايضا التوقف كما في عبارة التذكرة أقول : لا يخفى ان الرماد الحاصل من احتراق الشجر ونحوه لا يصير رمادا ولا يصدق عليه هذا الاسم إلا باعتبار إعدام النار للحقيقة الأولية واضمحلالها وانقلابها الى النوع المسمى بالرماد ، ولهذا جعلت النار من جملة المطهرات من حيث الإحالة من الحقائق الأولية إلى حقيقة الرماد أو الدخان ، فقد حصل التغيير في الحقيقة والتسمية ، وحينئذ فإن كان النار بإحراقها التراب قد عملت فيه مثل ما تعمل في تلك الأجسام من إذهاب الحقيقة الأولية إلى حقيقة أخرى بحيث انه انما يسمى في العرف رمادا فلا ريب في ان حكمه حكم الرماد الحاصل من غير الأرض في عدم صدق التراب عليه ، وان لم تعمل فيه النار على هذا الوجه المذكور وان غيرت لونه فإنه لا يسمى رمادا بل هو تراب وان تغير لونه ، وحينئذ ففرضه في التذكرة وكذا في المدارك ايضا انه احترق حتى صار رمادا ثم الشك في خروجه بذلك عن اسم الأرض لا اعرف له وجها وجيها ، فإنه متى صار رمادا بان عملت فيه


النار كما عملت في غيره من الأجسام التي إحالتها فلا ريب في خروجه عن اسم الأرضية وهو ليس بموضع شك كما في نظائره المذكورة ، وان لم يسم رمادا فهو باق على ما كان عليه ، وبذلك يظهر ايضا انه لا وجه لما استقر به في النهاية من جواز التيمم برماد التراب وبالجملة فإنه متى صدق عليه اسم الرماد فقد خرج عن اسم الأرض كما خرج نظائره مما احالته النار عن حقيقته الاولى الى حقيقة الرمادية. والله العالم.

(السادس) ـ لو فقد هذه الأشياء التي يجوز التيمم بها لقيد أو حبس في مكان نجس أو نحو ذلك فقد اختلف أصحابنا في حكمه ، فقيل انه يجب الصلاة أداء وقضاء ، وهذا القول لم نظفر بقائله صريحا وانما نقله في الشرائع ، قال في المدارك : ولعله أشار بذلك الى ما في المبسوط من تخييره بين تأخير الصلاة أو الصلاة والإعادة ، قال وهو مع ضعفه لا يدل على تعين الأداء ، وعن المفيد (قدس‌سره) في رسالته الى ولده انه قال : وعليه ان يذكر الله تعالى في أوقات الصلاة ولم يتعرض للقضاء ، وما ذكره من الأمر بالذكر لم نقف له على مستند. وقيل بسقوط الأداء والقضاء وهو اختيار المحقق في الشرائع والمعتبر ونقل عن المفيد في أحد قوليه وهو قول العلامة أيضا في كتبه ، واحتج عليه في المعتبر بأنها صلاة سقطت بحدث لا يمكن إزالته فلا يجب قضاؤها كصلاة الحائض ، وبان القضاء فرض مستأنف فيتوقف على الدلالة ولا دلالة. وقيل بوجوب القضاء وهو اختيار المفيد في المقنعة والمرتضى في المسائل الناصرية وابن إدريس واختاره في المدارك وهو المشهور بين المتأخرين. وقيل بالتخيير بين الصلاة والإعادة والتأخير كما تقدم نقله عن عبارة المبسوط. احتج القائلون بوجوب القضاء بعموم ما دل على وجوب قضاء الفوائت كقول الباقر (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (1) «ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها». وفي صحيحة أخرى لزرارة (2) «أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة : صلاة اتتك

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 63 من أبواب المواقيت.

(2) رواها في الوسائل في الباب 2 من أبواب قضاء الصلوات.


فذكرتها أديتها. الحديث».

أقول ـ وبالله سبحانه الثقة لبلوغ المأمول ـ : الظاهر انه لا ريب في سقوط الأداء لأن الطهارة شرط في الصلاة مطلقا لقوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (1) «لا صلاة إلا بطهور.». وقد تعذر الطهور فيسقط التكليف به ويلزم من سقوط التكليف به سقوط التكليف بالمشروط وإلا فإن بقي الاشتراط لزم التكليف بما لا يطاق وان انتفى خروج المشروط المطلق عن كونه مشروطا وهو باطل. إلا ان في المقام اشكالا يجب التنبيه عليه وهو ان ظاهرهم الاتفاق على ان الطهارة من شروط الصحة كالقبلة وستر العورة وطهارة الساتر ونحوها لا من شروط الوجوب وانما شرط الوجوب فيها الوقت خاصة ، وقد قرروا في شروط الصحة ان وجوبها انما هو مع الإمكان وان الصلاة تصح بدونها مع التعذر ، ولذا قال المحدث السيد نعمة الله الجزائري في رسالة التحفة ما صورته : «والاولى ان لم ينعقد الإجماع على خلافه وجوب الصلاة أداء من غير إعادة لأن الطهارة شرط في صحة الصلاة لا في وجوبها فهي كغيرها من الساتر والقبلة ، وباقي شروط الصحة انما تجب مع إمكانها وإلا لكانت الصلاة من قبيل الواجب المقيد كالحج والأصوليون على خلافه» انتهى. وهو جيد. إلا انه يمكن ان يقال ان الطهارة وان كانت من شروط الصحة كما ذكروا إلا ان تعميم الحكم في شروط الصحة بما ذكروه ـ من عدم وجوبها إلا مع الإمكان الموجب لعدم شرطيتها مع عدم إمكانها فتجوز الصلاة بدونها ـ محل نظر ، وقيام الدليل فيما عدا الطهارة من تلك الشروط لا يستلزم إجراءه فيها من غير دليل سيما وظاهر الصحيحة المتقدمة عدم صحة الصلاة إلا بطهور فهي بدونه باطلة مطلقا أمكنت الطهارة أم لا والباطل يمتنع التكليف به. واما القضاء فقد عرفت انه هو المشهور بين المتأخرين لعموم الأخبار المتقدمة ، ويمكن تطرق القدح اليه بما أشرنا إليه في غير موضع وبه صرح جملة من المحققين من ان الأحكام المودعة في الأخبار إنما

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 9 من أحكام الخلوة.


تنصرف الى الافراد المتكررة الكثيرة الدوران فهي التي يتبادر إليها الإطلاق دون الفروض النادرة التي ربما لا توجد بالكلية في زمان من الأزمان ، فشمول الأخبار المذكورة لهذا الفرد الذي هو محل البحث لا يخلو من بعد وبذلك يتأيد مذهب المحقق ومن تبعه. وكيف كان فحيث كانت المسألة عارية عن النص بالخصوص سيما مع تدافع هذه الأدلة فالأحوط الصلاة أداء وقضاء بعد وجود الطهارة مائية أو ترابية. والله العالم.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *