ج23 - التحريم - الزنا ووطأ الشبهة
المقام الثاني
لا خلاف بين
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن الزنا المتأخر عن العقد الصحيح لا ينشر حرمة
المصاهرة ، سواء في ذلك الزنا بالعمة والخالة أو غيرهما ، لأصالة بقاء الحكم
الحاصل بالعقد ، وقولهم عليهمالسلام (1) «لا يفسد
الحرام الحلال». وإنما الخلاف في الزنا المتقدم هل ينشر حرمة المصاهرة أم لا؟
الأشهر ذلك.
ومما يدل على الحكمين المذكورين ما رواه في الكافي
والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) عن أحدهما عليهماالسلام «أنه سئل عن
الرجل يفجر بالمرأة أيتزوج ابنتها؟ قال : لا ، ولكن إن كانت عنده امرأة ثم فجر
بأمها أو ابنتها أو أختها لم تحرم عليه امرأته ، إن الحرام لا يفسد الحلال».
وما رواه في التهذيب عن أبي الصباح الكناني (3) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «إذا
فجر الرجل بالمرأة لم تحل له ابنتها أبدا ، وإن كان قد تزوج ابنتها قبل ذلك ولم
يدخل بها فقد بطل تزويجه ، وإن هو تزوج ابنتها ودخل بها ثم فجر بأمها بعد ما دخل
بابنتها فليس يفسد فجوره بأمها نكاح ابنتها إذا هو دخل بها وهو قوله : لا يفسد
الحرام الحلال إذا كان هكذا». وفي هذا الخبر إشكال يأتي التنبيه
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 329 ح 11 ، الوسائل ج 14 ص 327 ح 8.
(2) الكافي ج 5 ص 415 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 329 ح 10 ، الوسائل
ج 14 ص 326 ح 1.
(3) التهذيب ج 7 ص 329 ح 11 ، الوسائل ج 14 ص 327 ح 8.
عليه إن شاء الله.
ومما يدل على الأول ما رواه في الكافي في الحسن أو
الصحيح عن الحلبي (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام «في رجل تزوج
جارية فدخل بها ثم ابتلى بها ففجر بأمها ، أتحرم عليه امرأته؟ فقال : لا ، إنه لا
يحرم الحلال الحرام».
وعن زرارة (2) في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليهالسلام «قال في رجل
زنا بأم امرأته أو بابنتها أو بأختها فقال : لا يحرم ذلك عليه امرأته ، ثم قال :
ما حرم حرام قط حلالا».
وعن زرارة (3) قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن رجل زنى
بأم امرأته أو بأختها فقال : لا يحرم ذلك عليه امرأته إن الحرام لا يفسد الحلال
ولا يحرمه».
وما رواه في الفقيه عن موسى بن بكر عن زرارة (4) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سئل عن
رجل كانت عنده امرأة فزنى بأمها أو بابنتها أو بأختها فقال : ما حرم قط حلالا ،
امرأته له حلال».
وعن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان (5) قال : «قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام الرجل يصيب من
أخت امرأته حراما ، أيحرم ذلك عليه امرأته؟ فقال : إن الحرام لا يفسد الحلال ،
والحلال يصلح به الحرام».
ومما يدل على الحكم الثاني ما رواه في الكافي عن منصور
بن حازم (6) في
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 415 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 330 ح 16 ، الوسائل
ج 14 ص 326 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 416 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 330 ح 17 ، الوسائل
ج 14 ص 326 ح 3.
(3) الكافي ج 5 ص 416 ح 6 ، الوسائل ج 14 ص 327 ح 4.
(4) الفقيه ج 3 ص 263 ح 41 ، الوسائل ج 14 ص 327 ح 6.
(5) الفقيه ج 3 ص 263 ح 40 ، الوسائل ج 14 ص 327 ح 5.
(6) الكافي ج 5 ص 416 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 330 ح 15 ، الوسائل
ج 14 ص 323 ح 3.
الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل كان
بينه وبين امرأة فجور ، فهل يتزوج ابنتها؟ فقال : إن كان من قبلة أو شبهها فليتزوج
ابنتها ، وإن كان جماعا فلا يتزوج ابنتها ، وليتزوجها هي إن شاء». ورواه الشيخ
بسنده عن ابن يعقوب إلا أنه قال : «فليتزوج ابنتها إن شاء وإن كان جماعا فلا يتزوج».
وما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن مسلم (1) عن أحدهما عليهماالسلام قال : «سألته
عن رجل فجر بامرأة ، أيتزوج بأمها من الرضاعة أو ابنتها؟ قال : لا».
والتقريب في هذا الخبر أنه قد تقدم أن الرضاع فرع على
النسب فلو لا أنه حرام في النسب لما حرم في الرضاع.
وما رواه في الكافي عن يزيد الكناسي (2) قال : «إن
رجلا من أصحابنا تزوج امرأة فقال لي : أحب أن تسأل أبا عبد الله عليهالسلام وتقول له : إن
رجلا من أصحابنا تزوج امرأة قد زعم أنه كان يلاعب أمها ويقبلها من غير أن يكون
أفضى إليها ، قال : فسألت أبا عبد الله عليهالسلام فقال لي : كذب
، مره فليفارقها ، قال : فرجعت من سفري فأخبرت الرجل بما قال أبو عبد الله عليهالسلام ، فوالله ما
دفع ذلك عن نفسه وخلى سبيلها» (3).
وعن عيص بن القاسم (4) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل باشر
امرأة وقبل ، غير أنه لم يفض إليها ثم إلها ثم تزوج ابنتها؟ قال : إذا لم يكن أفضى
إلى الأم فلا بأس ، وإن كان أفضى إليها فلا يتزوج ابنتها».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 416 ح 8 ، التهذيب ج 7 ص 331 ح 18 ، الوسائل
ج 14 ص 322 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 416 ح 9 ، الوسائل ج 14 ص 323 ح 5.
(3) أقول : في هذا الخبر دلالة على أن الامام عليهالسلام قد يجيب بناء على علمه بالحال من غير
التفات الى ما تضمنه السؤال (منه ـ قدسسره ـ).
(4) الكافي ج 5 ص 415 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 322 ح 2.
ونقل ابن إدريس عن الشيخ المفيد والسيد المرتضى عدم
التحريم بالزناء المتقدم واختاره ومال إليه ، واختاره أيضا المحقق في النافع ، وفي
الشرائع نسبه إلى أصح الروايتين إيذانا بنوع توقف فيه.
والذي يدل عليه من الأخبار ما رواه الشيخ عن سعيد بن
يسار (1) في الصحيح قال
: «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل فجر
بامرأة ، يتزوج ابنتها؟ قال : نعم يا سعيد إن الحرام لا يفسد الحلال».
وعن هاشم بن المثنى (2) قال : «كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام جالسا فدخل
عليه رجل فسأله عن الرجل يأتي المرأة حراما ، أيتزوجها؟ قال : نعم وأمها وابنتها».
وعن منصور بن حازم (3) في الموثق قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام : رجل فجر
بامرأة ، هل يجور له ان يتزوجها بابنتها؟ قال : ما حرم حرام حلالا قط».
وعن هاشم بن المثنى (4) قال : «كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام فقال له رجل
رجل فجر بامرأة أتحل له ابنتها؟ قال : نعم ، إن الحرام لا يفسد الحلال».
وعن حنان بن سدير (5) في الموثق قال : «كنت عند أبي عبد
الله عليهالسلام إذ سأله سعيد
عن رجل تزوج امرأة سفاحا ، هل تحل له ابنتها؟ قال : نعم إن الحرام لا يحرم الحلال».
وعن زرارة (6) قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام : رجل فجر
بامرأة ، هل يجوز
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 329 ح 12 ، الوسائل ج 14 ص 323 ح 6.
(2) التهذيب ج 7 ص 326 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 324 ح 7.
(3) التهذيب ج 7 ص 329 ح 13 ، الوسائل ج 14 ص 324 ح 9.
(4) التهذيب ج 7 ص 328 ح 8. الوسائل ج 14 ص 324 ح 10.
(5) التهذيب ج 7 ص 328 ح 9 ، الوسائل ج 14 ص 325 ح 11.
(6) التهذيب ج 7 ص 329 ح 13 ، الوسائل ج 14 ص 324 ح 9.
له أن يتزوج ابنتها؟ قال : ما حرم
حرام حلالا قط».
وعن صفوان في الصحيح (1) قال : «سأله المرزبان عن الرجل يفجر
بالمرأة وهي جارية قوم آخرين ثم اشترى ابنتها ، أيحل له ذلك؟ قال : لا يحرم الحرام
الحلال ، ورجل فجر بامرأة حراما أيتزوج بابنتها؟ قال : لا يحرم الحرام الحلال».
هذا ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على هذا القول ،
وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك وسبطه في شرح النافع لم ينقلا لهذا القول دليلا
من الأخبار إلا رواية هاشم بن المثنى الثانية ، ورواية حنان بن سدير ، ورداهما
بضعف السند.
وقد عرفت أن فيها الصحيح باصطلاحهم ، ولكنهم لقصور
التتبع لم يقفوا عليه ، وما ذكروه من الجواب غير حاسم لمادة الاشكال.
والشيخ (رحمهالله) في كتابي
الأخبار حمل روايتي حنان بن سدير وهاشم بن المثنى الاولى على ما إذا كان الفجور
بإحداهما بعد عقد الأخرى ، وباقي الأخبار على الفجور بما دون الوطي ، من تقبيل
ونحوه.
ولا يخفى ما فيه من البعد والتكلف ، وما في الفرق بين
الروايتين المذكورتين وغيرهما ، فإن تأويله في كل من الموضعين يأتي على الجميع ،
والمسألة غير خالية من شوب الاشكال لما عرفت.
واحتمل بعضهم في أخبار القول الثاني الحمل على التقية ،
وهو غير بعيد ، ولا ريب في ترجيح القول المشهور بموافقة الاحتياط ، فالاحتياط
يقتضي الوقوف عليه.
تذنيبات
الأول : المفهوم من
كلام أكثر الأصحاب وكذا إطلاق أكثر النصوص أنه بمجرد العقد على المرأة وكونها زوجة
أعم من أن يكون دخل بها أو لم يدخل ،
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 471 ح 97 ، الوسائل ج 14 ص 325 ح 12.
لو زنا بعد ذلك بأمها أو بنتها لم
ينشر حرمة المصاهرة ، والمفهوم من رواية أبي الصباح المتقدمة أن ذلك مخصوص بالدخول
بالزوجة لا مجرد العقد ، فلو عقد عليها ولم يدخل فزنا أفسد ذلك الزنا نكاحه ، كما
لو تقدم على العقد.
ومثلها في ذلك ما رواه في الكافي عن عمار الساباطي (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام «في الرجل تكون
له الجارية فيقع عليها ابن ابنه قبل أن يطأها الجد ، أو الرجل يزني بالمرأة ، فهل
يحل لأبيه أن يتزوجها؟ قال : لا ، إنما ذلك (2) إذا تزوجها الرجل فوطئها ثم زنى بها
ابنه لم يضره ، لأن الحرام لا يفسد الحلال وكذلك الجارية».
ولم أقف على من تنبه لذلك إلا السيد السند في شرح النافع
حيث ذكر دلالة رواية أبي الصباح الكناني على ذلك ثم قال : ولا أعلم بمضمون هذه
الرواية قائلا ، ثم طعن فيها بأن في طريقها محمد بن الفضيل ، وهو مشترك بين الثقة
والضعيف.
أقول : قد نقل العلامة في المختلف القول بمضمون هذين
الخبرين عن ابن الجنيد ، ولكنه إنما استدل له برواية عمار خاصة.
قال في المختلف : لو سبق العقد من الأب أو الابن على
امرأة ثم زنا بها الآخر لم تحرم على العاقد ، سواء دخل بها العاقد قبل الزنا من
الآخر أم لم يدخل ، ذهب إليه أكثر علمائنا ، وشرط ابن الجنيد في الإباحة الوطي ،
فلو عقد ولم
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 420 ح 9 ، التهذيب ج 7 ص 282 ح 32 ، الوسائل
ج 14 ص 320 ح 3.
(2) قوله «انما ذلك الى آخره» يعني إنما تحل في هذه الصورة
أعني صورة الوطي ، وكذلك الجارية إنما تحل في صورة وطئ السيد لها ، والا فلو زنا
بها ابنه قبل الوطي ، حرمت (منه ـ قدسسره ـ).
يدخل فزنا الآخر حرمت على العاقد أبدا
، ثم قال : لنا الأصل الإباحة ، ولأنها ثابتة قبل الزنا بمجرد العقد فيستصحب ،
ولقوله عليهالسلام (1) «لا يحرم
الحرام الحلال». وهي حلال بالعقد ، فلا يقتضي الوطي الحرام تحريما ، ثم استدل له
بخبر عمار وأجاب عنه بأنه استدلال بالمفهوم ، وهو ضعيف ، والسند أيضا ضعيف.
أقول : أما ضعف السند فقد عرفت في غير موضع مما تقدم أنه
لا يكون حجة على المتقدمين الذين لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم ، وأما ضعف المفهوم
فهو مجبور بصراحة منطوق الرواية الأخرى في ذلك.
وإلى القول بمضمون هذين الخبرين مال بعض (2) مشايخنا
المحققين من متأخزي المتأخرين وهو ظاهر الشيخ في الاستبصار (3) أيضا حيث إنه
استدل بخبر عمار على التأويل الذي تأول به روايتي هاشم بن المثنى وحنان بن سدير من
التفصيل الذي اشتمل عليه الخبر المذكور.
والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، وإن كان العمل ـ بالخبرين
المذكورين وتخصيص تلك الأخبار بهما ـ غير بعيد ، واحتمال التقية فيهما من حيث إنه
قول ابن الجنيد الذي يجري على مذهب العامة غالبا ممكن أيضا ، والله العالم :
الثاني : اختلف
الأصحاب (رضياللهعنهم) فيما لو ملك
الرجل جارية فوطئها ابنه أو أبوه قبل أن يطأها المالك ، فقال الشيخ في النهاية
بالتحريم وبه قال ابن الجيد وابن البراج.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 415 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 33 ح 16 ، الوسائل ج
14 ص 326 ح 2.
(2) هو الشيخ الفاضل المحقق المدقق الشيخ أحمد بن الشيخ الفاضل
الشيخ محمد ابن يوسف البحراني (قدسسره) على ما وجدته بخطه. (منه ـ قدسسره ـ).
(3) الاستبصار ج 3 ص 164.
وقال الصدوق في الفقيه (1) «وإن زنا الرجل
بامرأة ابنه أو بامرأة أبيه أو بجارية ابنه أو بجارية أبيه فإن ذلك لا يحرمها على
زوجها ولا يحرم الجارية على سيدها ، وإنما يحرم ذلك إذا كان منه بالجارية وهي حلال
، فلا تحل تلك الجارية أبدا لابنه ولا لأبيه».
وقال ابن إدريس : لا فرق بين أن يطأ الولد جارية الأب
قبل وطئ الأب أو بعده في عدم التحريم.
احتج الشيخ بما رواه عن عمار الساباطي (2) عن أبي عبد
الله عليهالسلام «في الرجل يكون
له الجارية» الخبر. كما تقدم في سابق هذا التذنيب.
واحتج ابن إدريس بقوله عليهالسلام (3) «لا يحرم
الحرام الحلال». وبقوله تعالى (4) «فَانْكِحُوا
ما طابَ لَكُمْ» وقوله تعالى (5) «أَوْ
ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» وهذه ملك يمين
، والأصل الإباحة فلا يرجع عن هذه الأدلة القاهرة بأخبار الآحاد ، كذا نقله
العلامة في المختلف ، ثم قال : ونحن في هذه المسألة من المتوقفين ، ورواية الشيخ
ضعيفة السند لكن يعضدها ما تقدم من الروايات الدالة على التحريم لو زنا الابن
بامرأة الأب ، والملك وإن أثمر الإباحة ، لكن يظهر أثره في الوطي ، إذ قد يملك من
لا يباح له وطؤها. انتهى.
أقول : قد أورد الدليل لكلام الشيخ وكلام ابن إدريس ولم
يورد لكلام
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 264 ح 41.
(2) الكافي ج 5 ص 420 ح 9 ، التهذيب ج 7 ص 282 ح 32 ، الوسائل
ج 14 ص 320 ح 3.
(3) الكافي ج 5 ص 415 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 326 ح 2.
(4 و 5) سورة النساء ـ آية 3.
الصدوق دليلا ، وكلام الصدوق هنا
مضمون رواية زرارة (1) قال : «قال
أبو جعفر عليهالسلام : إذا زنا رجل
بامرأة أبيه أو جارية أبيه فإن ذلك لا يحرمها على زوجها ، ولا تحرم الجارية على
سيدها ، إنما يحرم ذلك منه إذا أتى الجارية وهي حلال ، فلا تحل تلك الجارية أبدا
لابنه ولا لأبيه» الحديث.
وأنت خبير بأن ظاهر إطلاق كلامه ـ وهو ظاهر الرواية
المذكورة أيضا ـ هو عدم التحريم بالزنا هنا سواء كان مقدما علي الوطي أو متأخرا :
وإنما المحرم إنما هو الوطي الحلال خاصة ، وهو يرجع على هذا التقدير إلى قول ابن
إدريس.
ومثل هذه الرواية في هذا الإطلاق رواية مرازم (2) قال : «سمعت
أبا عبد الله عليهالسلام وسئل عن امرأة
أمرت ابنها أن يقع على جارية لأبيه فوقع فقال : أثمت وأثم ابنها ، وقد سألني بعض
هؤلاء عن هذه المسألة ، فقلت له : أمسكها فإن الحلال لا يفسده الحرام».
وموثقة سماعة (3) وسيأتي قريبا إن شاء الله وفيها
السؤال «عن رجل عنده جارية وزوجة ، فأمرت الزوجة ابنها أن يثيب على جارية أبيه
ففجر بها ، فقال : قال عليهالسلام : لا يحرم ذلك
على أبيه» الحديث.
ولا يخفى عليك أن وجه الجمع بين موثقة عمار وهذه الأخبار
الثلاثة هو تقييد إطلاق هذه الأخبار بالموثقة المذكورة ، فتحمل حينئذ على كون
الزنا وقع بعد وطئها المالك.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 419 ح 7 ، التهذيب ج 7 ص 281 ح 25 ، الوسائل
ج 14 ص 319 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 419 ح 8 ، التهذيب ج 7 ص 283 ح 33 ، الوسائل
ج 14 ص 320 ح 4.
(3) التهذيب ج 8 ص 179 ح 51 ، الوسائل ج 14 ص 564 ح 3.
ومثل الموثقة المذكورة في التحريم بتقديم الزنا على وطء
المالك حسنة الكاهلي (1) قال : «سئل
أبو عبد الله عليهالسلام وأنا عنده عن
رجل اشترى جارية ولم يمسها فأمرت امرأته ابنه ، وهو ابن عشر سنين أن يقع عليها
فوقع عليها فما ترى فيه ، فقال : أثم الغلام وأثمت امه ، ولا أرى للأب إذا قربها
الابن أن يقع عليها» ، الحديث.
وبذلك يزول الاشكال ويرجع الكلام هنا إلى ما تقدم في صدر
المقام من الخلاف فيما لو كان الزنا متقدما على النكاح بالنسبة إلى المرأة الحرة ،
وابن إدريس إنما قال بعدم التحريم من حيث قوله ثم بعدم التحريم كما تقدم.
وبذلك يظهر لك أن توقف العلامة ـ هنا مع قوله بالتحريم
في تلك المسألة ـ لا وجه له ، وبالجملة فالظاهر أن هذه المسألة أحد جزئيات تلك
المسألة المتقدمة ، والله العالم.
الثالث : قد اتفق
الأصحاب (رضوان الله عليهم) على أنه لو زنا بالعمة والخالة حرمت عليه بناتهما ،
حتى من الشيخ المفيد والسيد المرتضى القائلين بعدم نشر الحرمة في الزنا السابق ،
وقد جعلوا هذا الفرد مستثنى من محل الخلاف السابق.
واستدلوا عليه بما رواه ثقة الإسلام (2) في الكافي في
الصحيح أو الحسن عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم قال : «سأل رجل أبا عبد الله وأنا
جالس عن رجل نال من خالته في شبابه ثم ارتدع ، أيتزوج ابنتها. فقال. لا ، قلت :
إنه لم يكن أفضى إليها ، إنما كان شيء دون شيء ، فقال : لا يصدق ولا كرامة».
ورواه الشيخ في التهذيب (3) بطريق موثق عن
أبي أيوب عن أبي عبد الله عليهالسلام
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 418 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 319 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 417 ح 10 ، الوسائل ج 14 ص 329 ح 1.
(3) التهذيب ج 7 ص 311 ح 49 ، الوسائل ج 14 ص 329 ح 2.
قال : «سأله محمد بن مسلم وأنا جالس
عن رجل نال من خالته وهو شباب ثم ارتدع ، أيتزوج ابنتها. قال : لا ، قال : إنه لم
يكن أفضى إليها إنما كان شيء دون ذلك ، قال : كذب».
وادعى المرتضى الإجماع على الحكم المذكور في الانتصار (1) ، ونازع ابن
إدريس في المسألة ، إلا أنه لم يجتر على المخالفة ، قال في كتابه : وقد روي أن من
فجر بعمته أو خالته يحرم عليه ابنتاهما.
أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته وشيخنا المفيد في
مقنعته والسيد المرتضى في انتصاره ، فإن كان على المسألة إجماع فهو الدليل عليها ،
ونحن قائلون وعاملون بذلك ، وإن لم يكن إجماع فلا دليل على تحريم البنتين
المذكورتين من كتاب ولا سنة ، ولا دليل عقلي ، وليس دليل الإجماع في قول رجلين ولا
ثلاثة ، ولا من عرف اسمه ونسبه ، لأن وجه كون الإجماع عندنا حجة دخول قول المعصوم
ـ للأمن من الخطأ ـ في جملة القائلين بذلك.
قال في المختلف ـ بعد أن أورد هذا الكلام ـ : وهذا يشعر
بعدم جزمه بالتحريم وتوقفه فيه ، ولا بأس في التوقف في هذه المسألة ، فإن عموم
قوله تعالى (2). «وَأُحِلَّ
لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ» يقتضي الإباحة.
انتهى.
أقول : العجب منه (قدسسره) في توقفه هنا
مع قوله في الكتاب المذكور بأن الزنا السابق ينشر حرمة المصاهرة كما هو القول
المشهور ، فكيف يتوقف في حكم العمة والخالة مع دخولهما في العمومات الدالة على
الحكم المذكور ، والتوقف إنما يحسن من مثل ابن إدريس القائل بعدم نشر الحرمة ثمة ،
لعدم
__________________
(1) حيث قال : مما ظن انفراد الإمامية به القول بأن من زنا
بعمته أو خالته حرمت عليه بنتاهما ، ثم ذكر أن بعض العامة وافق على ذلك وأن أكثرهم
خالفوا ، ثم استدل على التحريم بالإجماع والاخبار. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) سورة النساء ـ آية 24.
الدليل عنده على استثنائه من الإجماع
الذي يعتمد عليه : وخبر الواحد ليس بدليل عنده.
وبالجملة فإن قوله بالتوقف هنا وقع عن غفلة وسهو ، ومن
عمل بالرواية ـ من القائلين في تلك المسألة بعدم التحريم ـ قال بالتحريم هنا
للرواية ، لكن مورد الرواية إنما هو الخالة خاصة ، فإلحاق العمة بها قياس لا يوافق
أصول المذهب.
وطعن في المسالك في الرواية المذكورة بأنها ضعيفة السند
ردية المتن ، قال : فإن السائل لم يصرح بوقوع الوطي أولا ، وصرح بعدمه ثانيا ،
وكذبه الإمام في ذلك ، وهذا غير لائق بمقامه ، وهو قرينة الفساد ، ومع ذلك فهي
مخصوصة بالخالة ، فإلحاق العمة بها قياس ، والإجماع غير متحقق بمثل ذلك.
أقول : أما طعنه بضعف السند فهو مبني على نقله الرواية
من التهذيب ، فإنها فيه وإن كانت موثقة ، لكنه يعد ذلك من قسم الضعيف ، وإلا فهي
في الكافي حسنة على المشهور بإبراهيم بن هاشم الذي قد عد حديثه في الصحيح جملة من
فضلاء أصحاب هذا الاصطلاح.
وأما الطعن بالاشتمال على الخالة خاصة فهو جيد كما قدمنا
ذكره. وأما الطعن ـ برداءة المتن ومثله قول سبطه إن متن هذه الرواية لا يخلو من
تهافت ـ فلا أعرف له وجها وجيها ، إذ ليس فيها أزيد من تكذيبه عليهالسلام الناقل فيما
نقله في هذه الواقعة من عدم الإفضاء ، وحكمه عليهالسلام بالإفضاء الذي
رتب عليه التحريم ، والنهي عن تزويج ابنتها ، وقد مر نظيره في رواية يزيد الكناسي.
ومرجع ذلك إلى حكمه بعلمه ، فإن أعمال العباد تعرض عليهم
، ويعرفون صحيحها وفاسدها ، وفي هاتين الواقعتين علم عليهالسلام كذب المخبر
فيما أخبر به من عدم الإفضاء ، وأي مانع من ذلك وأي تهافت هنا في متن الخبر.
والتحقيق في المقام أن يقال : إن العمل في هذه المسألة على ما تقدم في تلك المسألة من الخلاف في نشر الحرمة بالزنا السابق وعدمه ، فإن قلنا بنشر الحرمة كما هو المشهور فلا إشكال : لأن هذا الفرد أحد جزئيات تلك المسألة.
بل أولى بالتحريم ، فإن قلنا بالعدم وجب الوقوف على هذه الرواية باستثناء الخالة خاصة من الحكم المذكور.
إلحاق :
يشتمل على جملة من أحكام الزنا ذكرناها في هذا المقام
استطرادا لتتميم الكلام.
المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز التزويج
بالزانية وإن كانت مشهورة بالزناء على كراهية ، سواء الزاني وغيره ، فقال الشيخان
: إن من فجر بامرأة لم يجز له تزويجها إلا بعد ظهور توبتها ، وتبعهما ابن البراج
وكذا أبو الصباح ، إلا أنه أطلق الحكم في الزاني وغيره ، ومثله أيضا الصدوق في
المقنع (1) ومال السيد
السند (قدسسره) في شرح
النافع إلى التحريم في المشهورة بالزنا قبل التوبة ، والجواز في غيرها على كراهة ،
وهو ظاهر المحدث الكاشاني في الوافي والمفاتيح.
أقول : والأخبار في هذا المقام كثيرة ، إلا أنها مختلفة
جدا على وجه يعسر انطباقها سيما على القول المشهور ، وأصحابنا (رضوان الله عليهم)
، لم يستوفوها كملا في الكتب الاستدلالية ، ولم يجمعوا بينها على وجه يحسم مادة
الإشكال في هذا المجال.
ولا يخفى على من راجعها أنها قد خرجت على أقسام ثلاثة.
الأول : ما دل منها
على تحريم التزويج بمن اشتهر بالزنا ذكرا كان أو أنثى ما لم يعرف منه التوبة.
ومنها ما رواه في الكافي والفقيه (2) عن داود بن
سرحان عن زرارة في
__________________
(1) حيث قال في المقنع : ولا يتزوج الزانية ولا يزوح الزاني
حتى يعرف منهما التوبة قال الله عزوجل «الزّانِي
لا يَنْكِحُ إِلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلّا
زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» انتهى. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) الكافي ج 5 ص 354 ح 1 ، باختلاف يسير ، التهذيب ج 7 ص 406
ح 34 ، الفقيه ج 3 ص 256 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 335 ح 2.
الصحيح برواية الفقيه قال : «سألت أبا
عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزوجل (1) «الزّانِي
لا يَنْكِحُ إِلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلّا
زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ» قال : هن نساء
مشهورات بالزنا ، ورجال مشهورون بالزنا ، شهروا بالزنا وعرفوا به ، والناس اليوم
بتلك المنزلة ، من أقيم عليه حد الزنا أو شهر بالزنا لم ينبغ لأحد أن يناكحه حتى
يعرف منه التوبة».
و «لم ينبغ» في الخبر مراد به التحريم كما تكاثر في
الأخبار من استعمال «ينبغي» في الوجوب و «لا ينبغي» في التحريم ، ويدل على ذلك
قوله عزوجل في آخر الآية
المذكورة في الخبر «وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» (2).
وصدر الآية وإن كان بلفظ الخبر إلا ان المراد به الإنشاء
، وهو النهي عن ذلك.
وقوله عليهالسلام «والناس اليوم
بتلك المنزلة» إشارة إلى أن الآية وإن نزلت في الموجودين في زمنه صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا أن حكمها
جار فيمن تأخر إلى يوم القيمة كما في جملة من الآيات النازلة في قضايا مخصوصة
يومئذ (3).
وما رواه في الكافي (4) عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام «في قوله عزوجل
__________________
(1 و 2) سورة النور ـ آية 3.
(3) وروى علم الهدى في رسالته المحكم والمتشابه نقلا عن تفسير
النعماني بإسناده المذكور ثمة عن على عليهالسلام «قال : وأما ما لفظه خصوص ومعناه عموم
فقوله الى أن قال : وقوله سبحانه «الزّانِي
لا يَنْكِحُ إِلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلّا
زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» فنزلت هذه الآية في نساء كن بمكة
معروفات بالزنا منهن سارة وخثيمة ورباب حرم الله نكاحهن ، فالاية جارية في كل من
كان من النساء مثلهن» انتهى. (منه ـ قدسسره ـ). وهذه الرواية في الوسائل ج 14 ص
336 ح 5.
(4) الكافي ج 5 ص 355 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 336 ح 3.
(الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً)» قال : هم
رجال ونساء كانوا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله مشهورين
بالزنا ، فنهى الله عزوجل عن أولئك
الرجال والنساء ، والناس اليوم على تلك المنزلة ، من شهر شيئا من ذلك أو أقيم عليه
الحد فلا تزوجوه حتى تعرف توبته».
وعن حكم بن حكيم في الموثق (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام في قوله عزوجل «(وَالزّانِيَةُ
لا يَنْكِحُها إِلّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ)؟ قال : إنما
ذلك في الجهر ، ثم قال : لو أن إنسانا زنى ثم تاب تزوج حيث شاء».
وما رواه في الفقيه والتهذيب عن الحلبي (2) في الصحيح قال
: «قال أبو عبد الله عليهالسلام لا تتزوج
المرأة المعلنة بالزنى ولا يزوج الرجل المعلن بالزنى إلا بعد أن تعرف منهما التوبة».
وقال عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي (3) «ولا يجوز
مناكحة الزاني والزانية حتى يظهر توبتهما ، وإن زنى الرجل بعمته أو بخالته حرمت
عليه ابنتاهما أن يتزوجهما ومن زنى بذات البعل محصنا كان أو غير محصن ثم طلقها
زوجها أو مات عنها وأراد الذي زنى بها أن يتزوج بها لم تحل له ابدا ، ويقال لزوجها
يوم القيمة خذ من حسناته ما شئت». انتهى.
وفيه دلالة على تحريم ذات البعل مؤبدا على من زنى بها ،
وهو مما لا خلاف فيه وإن ناقش فيه بعض متأخري المتأخرين بعدم وجود المستند ،
وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله في محله.
أقول : وهذه الروايات كما ترى على تعددها صريحة في
التحريم مؤبدة
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 355 ح 6 ، الوسائل ج 14 ص 336 ح 4.
(2) الفقيه ج 3 ص 256 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 327 ح 5 ، الوسائل ج
14 ص 335 ح 1.
(3) فقه الرضا ص 37 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 576 ب 11 ح 8.
بالآية الشريفة المراد بها النهي
المؤكد بقوله في آخرها «وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» إلا أن بإزائها
جملة من الأخبار التي ظاهرها المعارضة.
ومنها ما رواه في التهذيب عن زرارة (1) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سئل عن
رجل أعجبته امرأة فسأل عنها؟ فإذا النثاء (2) عليها شيء من الفجور ، فقال : لا
بأس أن يتزوجها ويحصنها».
وهذه الرواية أجاب عنها الشيخ بالحمل على التوبة ،
والأظهر ما ذكره في الوافي من الحمل على غير المشهورة.
وعن علي بن يقطين (3) قال : «قلت لأبي الحسن عليهالسلام : نساء أهل
المدينة ، قال : فواسق ، قلت : فأتزوج منهن؟ قال : نعم».
وعن عباد بن صهيب (4) عن جعفر بن محمد عليهالسلام قال : «لا بأس
أن يمسك الرجل امرأته إن رآها تزني ، وإن لم يقم عليها الحد فليس عليه من إثمها شيء».
وعن زرارة (5) قال : «سأله عمار وأنا حاضر عن الرجل
يتزوج الفاجرة متعة؟ قال : لا بأس ، وإن كان التزويج الآخر فليحصن بابه».
وما رواه في كتاب قرب الاسناد في الصحيح عن علي بن رئاب (6) قال : «سألت
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 331 ح 21 ، الوسائل ج 14 ص 333 ح 2.
(2) النثاء والإثم : بالثاء المثلثة ، وهو مقصور كالثناء
بتقديم المثلثة ، والأول يقال في الشر ، والثاني في الخير خاصة ، وقيل ان الأول
يستعمل فيهما معا والثاني في خصوص الخير ، وحينئذ فقوله «شيء من الفجور» بدل من
النثاء. (منه ـ قدسسره ـ).
(3) التهذيب ج 7 ص 253 ح 16 ، الوسائل ج 14 ص 333 ح 3.
(4) التهذيب ج 7 ص 331 ح 20 ، الوسائل ج 14 ص 333 ح 1.
(5) التهذيب ج 7 ص 253 ح 15 ، الوسائل ج 14 ص 333 ح 4.
(6) قرب الاسناد ص 78 ، الوسائل ج 14 ص 334 ح 6.
أبا عبد الله عليهالسلام عن المرأة
الفاجرة يتزوجها الرجل المسلم؟ قال : نعم ، وما يمنعه؟ ولكن إذا فعل فليحصن بابه
مخالفة الولد».
أقول : وطريق الجمع ـ بين هذه الأخبار وما في معناها
وبين الأخبار المتقدمة ـ حمل هذه الأخبار على غير المشهورة لعدم الإشارة في شيء
منها فضلا عن التصريح بكون المزني بها مشهورة بذلك.
وأما ما فعله في الوسائل تبعا للمشهور ـ من حمل الأخبار
الأولة على الكراهة جمعا بين الأخبار بزعمه ـ فهو عن مضامين تلك الاخبار في غاية
البعد ، بل هو مما يقطع ببطلانه لصراحتها في التحريم ، سيما بمعونة الآية التي
إنما وردت تلك الأخبار تفسيرا لها إذ لا خلاف في أن صدر الآية وإن كان بلفظ الخبر
لكنه مراد به النهي كما ينادى به قوله عليهالسلام في رواية محمد
بن مسلم «فنهى الله عزوجل عن أولئك»
ونواهي الله سبحانه للتحريم اتفاقا إلا مع القرينة.
وإنما الخلاف في أوامر السنة ونواهيها ، مؤكدا بقوله عليهالسلام في آخر الآية «وَحُرِّمَ
ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» فأي مجال للحمل
هنا على الكراهة كما زعمه والحال كما ترى ، إلا أنه ينبغي أن يقيد جواز التزويج
بها متى كانت غير مشهورة بأن يحصن بابه ، كما تضمنته جملة من الأخبار المذكورة
بحمل مطلقها على مقيدها في ذلك فلو لم يحصن بابه لم يجز له تزويجها لما يأتي في
أخبار القسم الثالث من عدم جواز التزويج بالمرأة التي زنى بها حتى يعرف منها
التوبة (1).
الثاني : ما يدل نصا
على وجوب التفريق بين الزوجين إذا زنا أحدهما بعد العقد وقبل الدخول.
ومنها ما رواه في الفقيه عن طلحة بن زيد (2) عن جعفر عن
أبيه عليهماالسلام قال : «
__________________
(1) وفي هذه المسألة تحقيق آخر ذكرناه في آخر الفصل الثاني في
المسائل الملحقة بالعقد في المسألة الخامسة منها فليراجع. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) الفقيه ج 3 ص 263 ح 37 ، التهذيب ج 7 ص 490 ح 175 ، الوسائل
ج 14 ص 616 ح 3.
قرأت في كتاب علي عليهالسلام أن الرجل إذا
تزوج المرأة فزنى من قبل أن يدخل بها لم تحل له ، لأنه زان ويفرق بينهما ويعطيها
نصف المهر».
وما رواه في الفقيه والتهذيب عن علي بن جعفر (1) في الصحيح عن
أخيه موسى عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل تزوج بامرأة فلم يدخل بها فزنى ما عليه؟ قال : يجلد الحد ويحلق رأسه ،
ويفرق بينه وبين أهله وينفى سنة».
وعن الحسن بن محبوب عن الفضل بن يونس (2) في الموثق قال
: «سألت أبا الحسن موسى عليهالسلام عن رجل تزوج
امرأة فلم يدخل بها فزنت؟ قال : يفرق بينهما وتحد الحد ولا صداق لها».
وما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله مراقدهم) عن السكوني
(3) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «قال
أمير المؤمنين عليهالسلام في المرأة إذا
زنت قبل أن يدخل بها الرجل : يفرق بينهما ولا صداق لها لأن الحدث كان من قبلها».
وبمضمون هذه الأخبار أفتى الصدوق في كتاب المقنع فقال :
وإذا تزوج الرجل المرأة فزني قبل أن يدخل بها لم تحل له لأنه زان ، ويفرق بينهما
ويعطيها نصف الصداق» وفي حديث آخر «يجلد الحد ويحلق رأسه ، ويفرق بينه وبين أهله
وينفى سنة ، وإذا زنت المرأة قبل دخول الرجل بها فرق بينهما ولا صداق لها ، لأن
الحدث من قبلها».
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 262 ح 36 ، التهذيب ج 7 ص 489 ح 174 ،
الوسائل ج 14 ص 616 ح 2.
(2) الفقيه ج 3 ص 263 ح 39 ، التهذيب ج 7 ص 490 ح 177 ،
الوسائل ج 14 ص 601 ح 2.
(3) الكافي ج 5 ص 566 ح 45 ، التهذيب ج 10 ص 36 ح 126 ، الفقيه
ج 3 ص 263 ح 38 ، الوسائل ج 14 ص 601 ح 3.
ونقل بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين (1) عن الشيخ
المفيد وسلار وابن البراج وابن الجنيد وأبي الصلاح أنه ترد المحدودة في الفجور ،
ويمكن أن يكون مستندهم هذه الأخبار ، والمشهور بين المتأخرين عدم الفسخ والتفريق (2) هذا.
وقد ورد ما يناقض هذه الأخبار فيما دلت عليه من هذه
الأحكام وبه أفتى الصدوق في علل الشرائع (3) حيث قال ـ بعد إيراد حديث طلحة
المذكورة ـ : والذي افتى به وأعتمد عليه في هذا الباب ما حدثني به محمد بن الحسن (رحمهالله) عن محمد بن
الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير وفضالة
بن أيوب عن رفاعة قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يزني
قبل أن يدخل بأهله ، أيرجم؟ قال : لا قلت : يفرق بينهما إذا زنى قبل أن يدخل بها ،
قال : لا» وزاد فيه ابن أبي عمير «ولا يحصن بالإماء».
وهو كما ترى صحيح السند صريح الدلالة فيما قلناه ،
والعجب من اختلاف فتوى الصدوق في هذه المسألة كما عرفت ، فإنه غير معهود من قاعدته
، ولا موجود
__________________
(1) هو شيخنا المجلسي (قدسسره) في حواشيه على كتب الاخبار. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) أقول : العجب من شيخنا الشهيد الثاني في المسالك حيث انه انما احتج للقائلين بجواز الفسخ في صورة زناء الزوجة باشتماله على العار ، فكان موجبا للتسلط على الفسخ ثم رد بأنه متسلط عليه بالطلاق ، فيدفع به الضرر ، وغفل عن الروايات التي نقلناها في الأصل ، فإنها صريحة في التفريق ، سواء كان الزنا من الزوجة أو الزوج. (منه ـ قدسسره ـ).
(3) علل الشرائع ص 502 ب 264 ط النجف الأشرف ، الكافي ج 7 ص
179 ح 8 ، الفقيه ج 4 ص 29 ح 4 ، التهذيب ج 10 ص 16 ح 41 ، الوسائل ج 18 ص 358 ح 1
و 2.
ومما يؤيد العمل بهذا الخبر ظهور مخالفة هذه الأخبار
المقابلة له لما قدمناه من الأخبار ، وما يأتي في القسم الثالث ، فإن الأخبار
المتقدمة منها ما دل على جواز تزويج المشهورة بالزنا مع العلم بالتوبة ، ومنها ما
دل على جواز التزويج بغير المشهورة وإن لم يعلم منها توبة.
والأخبار الآتية قد دلت على جواز تزويج من زنى بها سابقا
بشرط ظهور التوبة ، وجملة منها مطلق في الجواز ، والجميع دال على جواز تزويج
الزانية إما مع شرط التوبة أو مع عدمه ، وحله من غير أن يترتب عليه شيء ، فكيف
يترتب على هذا الزاني وإن كان مرة واحدة قبل الدخول هذه الأحكام المغلظة من وجوب
التفريق ، وبطلان النكاح ، وأن يحلق رأسه ، وينفى من بلده سنة ونحو ذلك.
ومن الظاهر أن هذا النوع إن لم ينقص عن تلك الأنواع
الأخر لم يزد عليها ، فإن خصوصية العقد هنا لا مدخل له في هذه الأحكام المغلظة
المترتبة على هذا الزنا.
ويقرب عندي احتمال خروج هذه الأخبار مخرج التقية ، فإن
ما اشتملت عليه من هذه الأحكام المغلظة لا يوافق مقتضى قواعد الشريعة السمحة
السهلة المبنية على التخفيف ، سيما مع مقابلتها بما هو أكثر منها عددا وأصح سندا
من الأخبار المشار إليها.
ويمكن الجمع ـ وإن بعد بين هذه الأخبار وبين صحيحة رفاعة
ـ بحمل الأخبار المذكورة علي من اشتهر بالزنا مع عدم التوبة وحمل صحيحة رفاعة على
من لم يشتهر أو اشتهر لكن تاب بعد ذلك ، والله العالم.
الثالث : ما يدل على
حكم الرجل يتزوج المرأة بعد أن زنى بها.
وقد اختلفت الأخبار في ذلك ، فجملة منها دلت علي الجواز بشرط ظهور التوبة منها ، وجملة دلت على الجواز مطلقا.
ومن الأول ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في
التهذيب (1) عن عمار بن
موسى في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن الرجل يحل له أن يتزوج امرأة كان يفجر بها؟ فقال : إن آنس منها رشدا فنعم ،
وإلا فليراودنها على الحرام ، فإن تابعته فهي عليه حرام ، وإن أبت فليتزوجها».
وما رواه في الكافي (2) عن إسحاق بن جرير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له
: الرجل يفجر بالمرأة ، ثم يبدو له في تزويجها ، هل يحل له ذلك؟ قال : نعم إذا هو
اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور ، فله أن يتزوجها وإنما
يجوز له أن يتزوجها بعد أن يقف على توبتها». ورواه الشيخ مثله إلى قوله «فله أن
يتزوجها». ولم يذكر شرط التوبة.
وما رواه في التهذيب (3) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي
جعفر عليهالسلام أو أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «لو أن
رجلا فجر بامرأة ثم تابا فتزوجها لم يكن عليه شيء من ذلك».
وما رواه في التهذيب والفقيه (4) عن أبي بصير
في الموثق قال : «سألته عن رجل فجر بامرأة ثم أراد بعد ، أن يتزوجها ، فقال : إذا
تابت حل له نكاحها ، قلت : كيف تعرف توبتها؟ قال : يدعوها إلى ما كانا عليه من
الحرام فإن امتنعت
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 355 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 328 ح 7 ، الوسائل ج
14 ص 331 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 356 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 327 ح 4 ، الوسائل ج
14 ص 331 ح 4.
(3) التهذيب ج 7 ص 327 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 331 ح 5.
(4) التهذيب ج 7 ص 327 ح 6 ، الفقيه ج 3 ص 264 ح 42 ، الوسائل
ج 14 ص 332 ح 7.
واستغفرت ربها عرف توبتها».
وفي مرفوعة ابن أبي يعفور (1) «قال عليهالسلام : يتعرض لها
فإن أجابته إلى الفجور فلا يفعل».
وعلى هذه الأخبار اعتمد الشيخان ومن تبعهما في تحريم
تزويجها ما لم يعلم توبتها ، كما قدمنا نقله عنهما في صدر الإلحاق المذكور ، وكذا
من أطلق الحكم في الزوجة وغيرها.
ومن الثاني : وهو ما دل
على الجواز مطلقا ما رواه في الكافي والتهذيب (2) عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي
عبد الله عليهالسلام قال : «أيما
رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوجها حلالا ، قال : أوله سفاح وآخره نكاح ، ومثله
مثل النخلة أصاب الرجل من تمرها حراما ثم اشتراها بعد ، فكانت له حلالا».
وما رواه في الكافي (3) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوجها؟ فقال : حلال ، أو له سفاح وآخره نكاح ،
أوله حرام وآخره حلال».
وما رواه في الفقيه (4) عن موسى بن بكر عن زرارة عن أبي جعفر
عليهالسلام «قال لا بأس
إذا زنى رجل بامرأة أن يتزوج بها بعد ، وضرب مثل ذلك مثل رجل سرق تمرة نخلة ثم
اشتراها بعد».
وظاهر المتأخرين الجمع بين هذه الروايات بحمل النهي في
الأخبار الأولة عن تزويجها حتى تعرف توبتها على الكراهة دون التحريم ـ مستندين كما
ذكره في
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 454 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 453 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 356 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 327 ح 3 ، الوسائل ج
14 ص 331 ح 3.
(3) الكافي ج 5 ص 356 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 330 ح 1.
(4) الفقيه ج 3 ص 263 ح 41 ، الوسائل ج 14 ص 332 ح 8.
المختلف إلى أصالة الإباحة ، وأن
الزنا لا حرمة له فأشبه الأجنبي.
وفيه أن الأخبار المذكورة ظاهرة بل صريحة في التحريم
بدون ظهور التوبة ولا معارض لها إلا هذه الأخبار المطلقة ، ومقتضى القاعدة كما
ذكروه في غير موضع حمل المطلق على المقيد ، فهنا ينبغي أن يكون كذلك وبه يظهر قوة
مذهب القائلين بالتحريم حتى تعرف التوبة.
ومما ذكرنا يظهر قوة القول بالتحريم في المشهورة بالزناء
حتى يعرف منها التوبة بطريق أولى ، ويمكن أيضا حمل هذه الأخبار المطلقة في الجواز
على الأخبار الأخيرة من أخبار القسم الأول الدالة علي جواز التزويج بالزانية «وأن
يحصن بابه» ، فيجوز التزويج حينئذ بمن فجر بها سابقا وإن لم يظهر منها التوبة لكن «يحصن
بابه» ، ويمنعها من الزنا ، وبالجملة فإنك إذا راجعت أخبار القسم الأول والقسم
الثالث وضممت بعضها إلى بعض بحمل مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها يظهر لك
أنه لا يجوز التزويج بالزانية المشهورة إلا مع ظهور التوبة منها ، وكذا الرجل
المشهور بالزناء وأما التزويج بالزانية الغير المشهورة فيشترط في جواز التزويج بها
، إما ظهور التوبة أو منعها من الزنا الذي عبر عنه بأنه «يحصن بابه».
وأما أخبار القسم الثاني فالظاهر عندي إرجاعها إلى
قائلها عليهالسلام والعمل عندي
على صحيحة رفاعة لما عرفت آنفا.
وأما رواية عباد بن صهيب المتقدمة في أخبار القسم الأول
الدالة بظاهرها على جواز إمساك زوجته وإن رآها تزني ، فهي لعدم قبولها لما ذكرنا
من التأويل مرجوعة إلى قائلها أيضا لمعارضتها بما هو أكثر عددا وأصح سندا من أخبار
المسألة كملا ، كما عرفت بعد جمعها وحمل بعضها على بعض بما هو مقتضى القواعد
الشرعية والضوابط المرعية ، والله العالم.
تنبيهات :
الأول : طعن شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك في رواية أبي بصير المتقدمة ـ بعد رميها بالضعف ـ بأن في
متنها إشكالا من حيث إن دعائها إلى الحرام يتضمن إعزائها بالقبيح.
وفيه نظر ، أما (أولا) فلأن هذا المضمون كما ورد في هذه
الرواية ورد أيضا في موثقة عمار ومرفوعة ابن أبي يعفور (1).
وأما (ثانيا) فلأنه متى حرم تزويجها حتى تعرف توبتها ،
فلا وجه أكشف وأظهر من دعائها إلى ذلك ، ولو أمكن أيضا بوجه آخر كفى كما دلت عليه
موثقة عمار من قوله «فإن آنس منها رشدا» وموثقة إسحاق بن جرير من قوله «بعد أن يقف
على توبتها».
وبالجملة فإن ما ذكره اجتهاد في مقابلة النصوص وجرأة على
أهل الخصوص.
الثاني : المشهور بين
الأصحاب جواز إمساك الزوجة وإن أصرت على الزنا ، وذهب جماعة منهم الشيخ المفيد إلى
التحريم مع الإصرار ، قال شيخنا المفيد (عطر الله مرقده) : وإذا كان للرجل امرأة
ففجرت وهي في بيته وعلم ذلك من حالها كان بالخيار إن شاء أمسكها وإن شاء طلقها ،
ولم يجب لذلك فرقها ولا يجوز له إمساكها وهي مصرة على الفجور ، فإن أظهرت التوبة
جاز له المقام عليها
__________________
(1) أقول : ونحو ذلك ما رواه الراوندي في كتاب النوادر عن موسى
بن جعفر عليهالسلام عن آبائه عليهمالسلام قال : «قال رجل لعلى عليهالسلام : إذا زنا الرجل بالمرأة ثم أراد أن
يتزوجها فقال : لا بأس إذا تابا ، فقيل : هذا الرجل يعلم توبة نفسه فكيف يعلم توبة
المرأة؟ فقال : يدعوها الى الفجور ، فان ائت فقد تابت وان قبلت حرم نكاحها». (منه
ـ قدسسره ـ) ، هذه الرواية في مستدرك الوسائل ج
2 ص 576 ب 11 ذيل ح 1.
وينبغي له أن يعتزلها بعد ما وقع من
فجورها حتى يستبرئها.
وقال ابن حمزة : وإذا أصرت المرأة عند زوجها على الزنا
انفسخ نكاحها على قول بعض الأصحاب.
وقال سلار : وإن زنت امرأته لم تحرم عليه إلا أن تصر ،
قال في المختلف بعد نقل ذلك : والوجه عدم التحريم لقوله عليهالسلام «لا يحرم
الحرام الحلال» (1) ، وما رواه
عباد بن صهيب (2) ـ ثم ساق
الرواية وقد تقدمت (3) ثم قال ـ :
احتج سلار بأن أعظم فوائد النكاح التناسل ، وأعظم حكم الحد والزجر عن الزنا لزوم
اختلاط الأنساب ، فلو أبيح له نكاح المصرة على الزنا لزم اختلاط الأنساب ، وهو
محذور عنه شرعا ، ثم أجاب بأنه لا نسب للزاني. انتهى.
أقول : ويمكن الاستدلال للقول بالتحريم هنا بالروايات
المتقدمة في القسم الثالث الدالة على أنه لا يجوز تزويج امرأة زنى بها إلا بعد
وقوفه على توبتها ، بتقريب أن الإصرار على الزنا كما يمنع ابتداء يمنع استدامة ،
إذ العلة واحدة في الموضعين وحديث عباد بن صهيب قد عرفت ما فيه ، وحديث «لا يحرم
الحرام الحلال». مخصص بما ذكرناه من الأخبار ، وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب
التوقف والاشكال.
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 471 ح 97 ، الوسائل ج 14 ص 325 ح 12.
(2) التهذيب ج 7 ص 331 ح 20 ، الوسائل ج 14 ص 333 ح 1.
(3) أقول : ومثل هذه الرواية ما رواه شيخنا المجلسي عن كتاب
الحسين بن سعيد بسند صحيح إلى زرارة قال : «جاء رجل الى النبي صلىاللهعليهوآله فقال : يا رسول الله ان امرأتي لا تدفع
يد لامس ، قال. طلقها ، قال : يا رسول الله انى أحبها قال : فأمسكها». فإنها صريحة
في إمساكها وان كانت مصرة على الزنا غير متمكن من إحصانها ومنعها ، وأخبار الأقسام
الثلاثة في الأصل واضحة بل صريحة في المعارضة للرواية وما في معناها. (منه ـ قدسسره). والرواية في البحار ج 104 ص 12 ح 36.
الثالث : المشهور في
كلام الأصحاب بل الظاهر أنه لا خلاف فيه أنه لا عدة على الزانية إذا كانت ذات حمل
من الزاني ، أما لو لم تكن كذلك فالمشهور أيضا أنه لا عدة عليها ، وقيل : بوجوبها
وإليه مال العلامة في التحرير (1).
قال المحدث الكاشاني في المفاتيح : قيل : ولا عدة للزاني
مع الحمل بلا خلاف إذ لا حرمة له ، وبدونه قولان : أشهرهما العدم وأثبتها في
التحرير ، أقول : والأحوط ثبوتها مطلقا عملا بالعمومات وحذرا من اختلاط المياه
وتشويش الأنساب ، انتهى.
والظاهر أنه أراد بالعمومات ما ورد عنهم عليهمالسلام في عدة روايات
من قولهم «إذا أدخله وجب الغسل والعدة والمهر والرجم» (2). وقولهم «العدة
من الماء» (3). ونحو ذلك وهو
شامل بإطلاقه للزناء.
وأما العلة الثانية وهي المحاذرة من اختلاط المياه
وتشويش الأنساب ، فهي لا تنطبق على الإطلاق الذي اختاره ، إذ مع الحمل لا يلزم ذلك
كما لا يخفى ، وإنما يتجه في غير صورة الحمل.
أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك رواية
إسحاق بن جرير (4) المتقدمة في
القسم الثالث ، وهي دالة على أنه لا يجوز لمن فجر بالمرأة أن يتزوجها حتى تنقضي
عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور.
وما رواه الحسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول (5) عن أبي جعفر
__________________
(1) قال في التحرير : ولو زنت امرأة خالية من بعل فحملت لم يكن
عليها عدة من الزنا ، وجاز لها التزويج ، ولو لم يحمل فالأقرب أن عليها العدة.
انتهى. (منه ـ قدسسره ـ).
(2 و 2) الوسائل ج 15 ص 66 ح 9 وص 65 ح 1.
(4) الكافي ج 5 ص 356 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 327 ح 4 ، الوسائل ج
14 ص 331 ح 4.
(5) تحف العقول ص 454 الطبعة الثانية ، الوسائل ج 15 ص 476 ح
2.
محمد بن علي الجواد عليهماالسلام «أنه سئل عن
رجل نكح امرأة على زنا ، أيحل له أن يتزوجها؟ قال : يدعها حتى يستبرئها من نطفته
ونطفة غيره ، إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثا كما أحدثت معه ثم
يتزوج إذا أراد ، فإنما مثلها مثل نخلة أكل رجل منها حراما ثم اشتراها فأكل منها
حلالا».
وما رواه في التهذيب عن زرعة عن سماعة (1) في الموثق «قال
سألته عن رجل له جارية فوثب عليها ابن له ففجر بها ، قال : قد كان رجل عنده جارية
وله زوجة فأمرت ولدها أن يثب على جارية أبيه ففجر بها فسئل أبو عبد الله عليهالسلام عن ذلك فقال :
لا يحرم ذلك على أبيه ، إلا أنه لا ينبغي له أن يأتيها حتى يستبرئها للولد ، فإن
وقع فيما بينهما ولد فالولد للأب إن كانا جامعاها في يوم واحد وشهر واحد».
وإلى العمل بهذه الأخبار مال المحدث الشيخ محمد بن الحسن
الحر العاملي فقال في بدايته بوجوب العدة على الزانية إذا أرادت أن يتزوج الزاني
أو غيره ، وهو جيد ، إلا أن عبارته مطلقة في وجوب العدة على الزانية حاملا كانت أم
لا. والمستفاد من الروايات المذكورة من حيث التعليل فيها باستبراء الرحم التخصيص
بغير الحامل كما لا يخفى ، وما تعلق به أصحابنا النافين للعدة من حيث «إن ماء
الزاني لا حرمة له» اجتهاد في مقابل النصوص.
وأنت خبير بأن المستفاد من روايتي إسحاق بن جرير ورواية
كتاب تحف العقول تخصيص وجوب الاستبراء بغير ذات البعل إذا أرادت أن يتزوج الزاني
وغيره ، وهو الذي صرح به القائلون بوجوب العدة.
أما لو كانت ذات بعل فإشكال ينشأ من دلالة الأخبار (2) على أن «الولد
للفراش» ، فيلحق بالزوج ، وإن احتمل كونه من الزاني ، وحينئذ فلا يضر اختلاط
المياه ، لأن الشارع ألحقه بالزوج ، ومن ظاهر موثقة سماعة المذكورة ، ولعل الموثقة
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 179 ح 51 ، الوسائل ج 14 ص 564 ح 3.
(2) التهذيب ج 8 ص 183 ح 64 ، الوسائل ج 14 ص 565 ح 1.
المذكورة محمولة على استحباب الاستبراء وكراهة الجماع بدونه ، ويخرج لفظ «لا ينبغي» شاهدا بأن يحمل على ما هو المتعارف من الكراهة ، إلا أن عبارة الشيخ المفيد المتقدمة ظاهرة فيما دلت عليه الرواية المذكورة ، والاحتياط ظاهر ، والله العالم.
المقام الثالث
والمراد به ما ليس
بمستحق منه مع عدم العلم بتحريمه ، كالوطئ في نكاح فاسد أو شراء فاسد مع عدم العلم
بفسادهما : وإذا ظن أجنبية أنها زوجته أو أمته فوطأها ونحو ذلك.
وقد اختلف الأصحاب في نشر الحرمة به فالمشهور ذلك ، وأنه
كالوطئ الصحيح ، وخالف في ذلك ابن إدريس فقال : أما عقد الشبهة ووطي الشبهة فعندنا
لا ينشر الحرمة ولا يثبت به تحريم المصاهرة بحال ، وتبعه المحقق في كتابيه ونسب
القول بالتحريم إلى تخريج الشيخ فقال في الشرائع : وأما الوطي بالشبهة فالذي خرجه
الشيخ (رحمهالله) أنه ينزل
منزلة النكاح الصحيح ، وفيه تردد ، أظهره أنه لا ينشر.
قال في المسالك : ووجه التحريم مساواته للصحيح في لحوق
النسب ، وثبوت المهر به ، والعدة ، وسقوط الحد ، وهي معلولة للوطئ الصحيح كما أن
الحرمة معلولة الآخر ، وثبوت أحد المعلولين يستلزم ثبوت الآخر ، والمصنف يمنع ذلك
لعدم النص وأصالة بقاء الحل وضعف هذا التخريج ، فإنه لا يلزم من ثبوت حكم لدليل
ثبوت آخر يناسبه ، كما أن المحرمية منتفية عن وطئ الشبهة بالإجماع ، مع أنها من
جملة معلولات الوطي الصحيح ، وقد سبقه ابن إدريس إلى ذلك.
والأقوى نشر الحرمة به مع سبقه لثبوته في الزنا بالنص
الصحيح مع تحريمه ، فيكون في الشبهة أولى ، لأنه وطئ محترم شرعا ، فيكون إلحاقه
بالوطء الصحيح في ثبوت حرمة المصاهرة أولى من الزنا ، كما يثبت به أكثر أحكام
الصحيح.
ولا يقدح تخلف المحرمية ، لأنه إباحة بحل النظر بسببه ،
فجاز اشتراطه
بكمال حرمة الوطي ، والموطوئة بالشبهة
لا يباح النظر إليها للواطئ فلأقاربه أولى. انتهى.
أقول : وعلى هذا النهج كلام غير ، في تعليل القول
المشهور ، ومن ذلك علم حجج القولين المذكورين. والمسألة عندي لا تخلو من توقف
وإشكال ، فإن ما احتج به ابن إدريس والمحقق جيد من حيث أصالة الحل ، وعدم الدليل
على ما يوجب الخروج عنها ، إلا ما ادعوه من مفهوم الأولوية من الأخبار الدالة على
بشر الحرمة بالزناء.
وفيه (أولا) أن هذا لا يقوم حجة على المحقق وابن إدريس ،
لأنهما يمنعان القول بنشر حرمة الزنا المتقدم ويقولون إنه لا ينشر الحرمة ،
ويطرحون هذه الأخبار ، ويعملون على الأخبار المقابلة لها فكيف تقوم عليهم الحجة
بهذا الدليل ، وإنما تثبت حجيته عند من يعمل بتلك الأخبار ، ويقول بنشر الحرمة
بالزناء السابق على النكاح.
والظاهر أن خلافهم هنا مبني على الخلاف في تلك المسألة
كما قدمنا نقله عنهم وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر ، لا سترة عليه.
و (ثانيا) أن كلامهم مبني على حجية مفهوم الأولوية ، وقد
سبق منا الكلام فيه في مقدمات الكتاب المذكورة في المجلد الأول في الطهارة (1) وبالجملة
فالمسألة عندي محل توقف ، والله العالم.
المقام الرابع : في المس والنظر هل ينشر حرمة المصاهرة
أم لا؟ الظاهر أنه لا خلاف في عدم النشر بنظر ولمس ما يجوز لغير المالك نظره ،
كالوجه والكفين ما لم يكن بشهوة ، أما ما لا يجوز كالفرج وباطن الجسد فقد اختلف
فيه كلام الأصحاب. وتنقيح الكلام في المقام أن يقال : إذا ملك الرجل أمة وطأها أو
نظر منها إلى
__________________
(1) ج 1 ص 55.
ما لا يجوز لغيره النظر اليه كالوجه
والكفين أو لمسه ، فهل يحرم بذلك على أبيه أو ابنه أم لا؟ أقوال :
(أحدها) القول بالتحريم ، وهو منقول عن الشيخ في النهاية
وأتباعه ، واختاره العلامة في المختلف والتذكرة إلا أن الذي في عبارة النهاية إنما
هو النظر والتقبيل بشهوة حيث قال : لو نظر الأب أو الابن أو قبل بشهوة جارية قد
ملكها حرم على الآخر وطؤها.
و (ثانيها) القول بعدم التحريم بالكلية ، وإنما المحرم
الوطي خاصة ، وإليه ذهب ابن إدريس والمحقق والعلامة في غير الكتابين المتقدمين.
قال ابن إدريس : لا يحرم على أحدهما لو نظر الآخر وقبل
وإن كان بشهوة بل المقتضي للتحريم الوطي لأصالة الإباحة وقوله (1) «أَوْ
ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» قال : وهذا
مذهب الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ، والفقيه أبي يعلى سلار قال : وبه
أفتى ، وغلطه العلامة في نقله هذا القول عن الشيخين المذكورين ، وهو كذلك.
و (ثالثها) اختصاص التحريم بمنظورة الأب وملموسته دون
الابن ، وهو مذهب الشيخ المفيد وأبي الصلاح ، قال شيخنا المفيد (عطر الله مرقده) :
من ابتاع جارية فنظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل ابتياعها بشهوة فضلا عن لمسها
لم تحل لابنه بملك يمين ولا عقد نكاح أبدا ، وليس كذلك حكم الابن إذا نظر من أمة
يملكها إلى ما وصفناه.
وقال في باب السراري : إذا نظر الأب إلى جارية قد ملكها
نظرا بشهوة حرمت على ابنه ، ولم تحرم على الأب بنظر الابن دون غيره ، ففرق بين
الأب والابن في الحكم المذكور ، وبه يظهر لك غلط ابن إدريس ونقله عنه القول بما
ذهب إليه ، والظاهر من هذه الأقوال هو القول الأول.
__________________
(1) سورة النساء ـ آية 4.
والواجب أولا نقل الأخبار الواردة في المقام ثم تذييلها
بما يسر الله تعالى فهمه منها بتوفيقه وبركة أهل العصمة (صلوات الله عليهم) فنقول
:
منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام «في الرجل تكون
عنده الجارية يجردها وينظر إلى جسدها نظر شهوة وينظر منها إلى ما يحرم على غيره ،
هل تحل لأبيه؟ وإن فعل ذلك أبوه هل تحل لابنه؟ قال : إذا نظر إليها نظر شهوة ونظر
منها إلى ما يحرم على غيره لم تحل لابنه ، وإن فعل ذلك الابن لم تحل لأبيه».
ورواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن إسماعيل. وهو ابن
بزيع (2) في الصحيح قال
: «سألت أبا الحسن الرضا عليهالسلام عن الرجل يكون
عنده الجارية فيقبلها ، هل تحل لولده؟ فقال : بشهوة؟ قلت : نعم ، قال : فقال : ما
ترك شيئا إذا قبلها بشهوة ثم قال ابتداء منه : إن جردها ونظر إليها بشهوة حرمت على
أبيه وابنه ، قلت : إذا نظر إلى جسدها؟ فقال : إذا نظر إلى فرجها وجسدها بشهوة
حرمت عليه».
أقول : وبهاتين الروايتين استدل للقول الأول ، وهما
صحيحتان صريحتان.
والظاهر أن المراد من النظر إلى ما يحرم على غيره
الاحتراز عن الوجه والكفين حيث إنه يجيء أن النظر إليهما لا يوجبان تحريما وإن
كان النظر بشهوة.
وظاهر الأصحاب أن النظر إليهما بشهوة يوجب التحريم ،
وظاهر الخبرين خلافه ، وكذا ظاهر الخبرين سيما الثاني أن التحريم بالنظر إلى الجسد
لا بد من تقييده بالشهوة ، فلو نظر إليه بغير شهوة لم يوجب تحريما ، ومقتضى الخبر
قصر التحريم على الأب والابن.
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 212 ح 64 ، الوسائل ج 14 ص 318 ح 6.
(2) الكافي ج 5 ص 418 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 281 ـ 282 ح 28 ،
الوسائل ج 14 ص 317 ح 1.
ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن مسلم (1) في الصحيح عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا
جرد الرجل الجارية ووضع يده عليها فلا تحل لابنه».
أقول : يجب تقييد التحريم بكون ذلك عن شهوة كما دل عليه
الخبران الأولان.
ومنها ما رواه في التهذيب عن عيص بن القاسم (2) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «أدنى
ما تحرم به الوليدة تكون عند الرجل على ولده إذا مسها أو جردها».
وما رواه في التهذيب في الموثق عن عبد الله بن سنان (3) عن أبي عبد
الله عليهالسلام «في الرجل تكون
عنده الجارية فتنكشف فيراها أو يجردها لا يزيد على ذلك ، قال : لا تحل لابنه».
وعن داود الأبزاري (4) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل اشتري جارية فقبلها قال : تحرم على ولده ، وقال : إن جردها فهي حرام على
ولده».
أقول : وبصحيحة محمد بن مسلم استدل للقول الثالث من حيث
اشتمالها على تحريم ملموسة الأب على الابن دون العكس.
وفيه : أن غاية ما يدل عليه هو التنبيه على حكم ملموسة
الأب بالنسبة إلى الابن وأما بالنسبة إلى العكس فهو مطلق فيجب تقييده بالخبرين
السابقين الصحيحين الصريحين في حكمهما معا والأخبار الثلاثة متفقة على حكم الابن
وتحريم منظورة الأب وملموسته عليه ، والخبران الأولان مصرحان بالعكس.
نعم لو كان ما دل عليه الخبر واقفا على جهة الحصر بحيث
لا يتعدى إلى العكس
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 419 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 282 ح 29 ، الوسائل
ج 14 ص 417 ح 4.
(2) التهذيب ج 8 ص 208 ح 45 ، الوسائل ج 14 ص 585 ح 1.
(3) التهذيب ج 8 ص 208 ح 46 ، الوسائل ج 14 ص 585 ح 2.
(4) التهذيب ج 8 ص 209 ح 48 ، الوسائل ج 14 ص 585 ح 4.
لتم الاستدلال ، وهكذا يقال في
الأخبار الباقية ، فإن موردها تحريم منظورة الأب وملموسته على الابن دون العكس لا
على جهة الحصر ، بل هي مطلقة بالنسبة إلى العكس فيجب تقييدها بالخبرين الأولين.
وكيف كان فإنه يجب تقييد هذه الأخبار بالشهوة أيضا لما
عرفت من صراحة الصحيحين المتقدمين في ذلك ، وأيضا فإنه هو الغالب سيما في التقبيل
، وبذلك يظهر ضعف القول المذكور.
ومنها ما رواه الشيخ (1) في الموثق عن علي بن يقطين عن العبد
الصالح عليهالسلام «عن الرجل يقبل
الجارية ويباشرها من غير جماع داخل أو خارج أتحل لابنه أو لأبيه؟ قال : لا بأس».
وهذه الرواية قد استدل بها بالقول الثاني ، وحملوا
الروايات المنافية على الكراهة جمعا.
وفيه : أن النهي حقيقة في التحريم فلا يحمل على خلافه
إلا مع القرينة الواضحة الصارفة عن الحقيقة ، والرواية المذكورة غير صريحة في
التحريم لإمكان حملها على ما ذكره الشيخ من كون ذلك لا بشهوة ، والمحرم إنما هو
الواقع بشهوة كما عرفت.
وبالجملة فإن هذا الخبر يضعف عن معارضة الأخبار المتقدمة
سندا وعددا ودلالة ، فيجب التأويل في جانبه لا في جانب تلك الأخبار.
وبما ذكرنا يظهر ضعف الاستناد إلى أصالة الإباحة كما
ذكره ابن إدريس لوجوب الخروج عنها بالدليل الدال على التحريم ، وقد عرفت ضعف
الاستناد إلى الآية فإنها مخصوصة بالأخبار ، على أن مجرد الملك لا يقتضي إباحة الوطي
فقد يملك من لا يجوز له وطؤها ، والله العالم.
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 209 ح 47 ، الوسائل ج 14 ص 585 ح 3.
تذنيبات:
الأول : لو قلنا
بتحريمها على الأب والابن كما هو أحد الأقوال المتقدمة ، فهل يتعدى التحريم إلى
أمها وإن علت ، وابنتها وإن سفلت : فيحرم على المولى نكاحها أم لا ، الظاهر أن
المشهور الثاني ، وبالأول صرح الشيخ في الخلاف وابن الجنيد (1).
واحتج في الخلاف بإجماع الفرقة وأخبارهم والاحتياط ، وفي
موضع آخر من الكتاب المذكور خص التحريم بالنظر إلى فرجها ، واستدل بقول النبي صلىاللهعليهوآله (2) «لا ينظر الله
إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها».
وما روى عنه (3) صلىاللهعليهوآله : «من كشف
قناع امرأة حرم عليه ابنتها».
والظاهر أنه عنى بالأخبار هذه الأخبار مع أنها عامية
فإنها غير موردة في شيء من أخبارنا.
والعلامة في المختلف قد استدل له بصحيحة محمد بن مسلم (4) عن أحدهما عليهماالسلام «عن رجل تزوج
امرأة فنظر إلى رأسها وإلى بعض جسدها ، أيتزوج ابنتها؟ قال : لا ، إذا رأى ما يحرم
على غيره فليس له أن يتزوج ابنتها».
__________________
(1) قال ابن الجنيد : إذا أتى الرجل من زوجته وأمته محرما على
غيره كالقبلة والملامسة والنظر إلى العورة فقد حرمت عليه ابنتها بنسب كانت أو رضاع
، وقال الشيخ في الخلاف : اللمس إذا كان بشهوة مثل القبلة أو اللمس إذا كان مباحا
أو شبهة ينشر التحريم ، وتحرم الام وان علت والبنت وان سفلت ، واستدل عليه بإجماع
الفرقة وأخبارهم وقال في موضع آخر : وإذا نظر الى فرجها تعلق به تحريم المصاهرة ،
واستدل بإجماع الفرقة وأخبارهم وطريق الاحتياط ، ثم ذكر الروايتين المنقولتين في
الأصل. (منه ـ قدسسره ـ).
(2 و 3) عوالي اللئالي ج 3 ص 333 ح 222 و 223، مستدرك الوسائل
ج 2 ص 579 ب 20 ح 6.
(4) التهذيب ج 7 ص 280 ح 23 ، الوسائل ج 14 ص 353 ح 1.
ورواية أبي الربيع (1) قال : سئل أبو عبد الله عليهالسلام «عن رجل تزوج
امرأة فمكث أياما معها لا يستطيعها ، غير أنه قد رأى منها ما يحرم على غيره ثم
طلقها ، أيصلح له أن يتزوج ابنتها؟ فقال : لا يصلح له وقد رأى من أمها ما رأى».
ورواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام ، وهي مثل
رواية أبي الربيع المذكورة.
ثم أجاب عنها بما ذكره الشيخ في كتابي الأخبار من حمل
النهي فيها على الكراهة جمعا ، أقول : ولا يبعد الحمل على التقية أيضا. وبالجملة
فإن الآية الشريفة أعني قوله عزوجل (2) «فَإِنْ
لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ» الصريحة في قصر
تحريم البنت على المدخول بالأم ، والمس والنظر ونحوهما لا يسمى دخولا ، وكذلك
الأخبار الكثيرة المتقدمة الصريحة في عدم تحريم البنت إلا مع الدخول بالأم.
وخصوص صحيحة العيص بن القاسم ـ (3) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل باشر
امرأة وقبل ، غير أنه لم يفض إليها ثم تزوج ابنتها؟ قال : إذا لم يكن أفضى إلى
الأم فلا بأس ، وإن كان أفضى إليها فلا يتزوج ابنتها». ـ صريح في عدم التحريم إلا
مع الدخول ، مع تأيد هذه الأدلة بأصالة الإباحة.
على أن في الاستدلال بهذه الأخبار خروجا عن محل البحث ،
فإن مورد هذه الأخبار إنما هو الزوجة ، ومحل البحث الأمة ، ومن ذلك يظهر ضعف القول
المذكور ، وأنه بمحل من القصور لعدم الدليل عليه ، وحينئذ فيجب قصر التحريم على
الأب والابن كما تقدم ، والله العالم.
الثاني : قد نقل جملة
من الأصحاب عن المحقق الشيخ فخر الدين في شرح
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 280 ح 24 وفيه «أيصلح» ، الوسائل ج 14 ص 353
ح 2.
(2) سورة النساء ـ آية 23.
(3) الكافي ج 5 ص 415 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 322 ح 2.
القواعد أنه قال بأن القائلين أن
الزنا ينشر حرمة المصاهرة اختلفوا في أن النظر المحرم إلى الأجنبية والمس هل ينشر
الحرمة؟ فتحرم به الأم وإن علت ، والبنت وإن نزلت أم لا؟ هذا كلامه (رحمة الله
عليه).
قال في المسالك : ولم نقف على القائل بالتحريم ، وعلى
القول به لا تحرم المنظورة والملموسة على الفاعل ، وإنما نقل الخلاف في أمها
وابنتها ، وكيف كان فهو قول ضعيف جدا لا دليل عليه. انتهى.
ومما يدل على بطلان هذا القول صحيح العيص بن القاسم (1) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل باشر
امرأة وقبل ، غير أنه لم يفض إليها ، ثم تزوج ابنتها قال : إن لم يكن أفضى إلى
الأم فلا بأس ، وإن كان أفضى إليها فلا يتزوج ابنتها».
وما رواه المجلسي في كتاب البحار عن الحسين بن سعيد عن
صفوان عن منصور بن حازم (2) عن أبي عبد
الله عليهالسلام «في رجل كان
بينه وبين امرأة فجور ، أيحل له أن يتزوج ابنتها ، قال : إن كان قبلة وشبهها
فليتزوج بها إن شاء أو بابنتها».
قال : وروى القاسم بن محمد عن أبان عن منصور (3) مثل ذلك إلا
أنه قال : «فإن جامعها فلا يتزوج ابنتها وليتزوجها» ، وفي الخبر دلالة على ما ذكره
شيخنا المتقدم ذكره من قوله «وعلى القول به لا تحرم المنظورة والملموسة على الفاعل».
والمشهور أيضا أنه لو وقع اللمس أو النظر وكذا القبلة
بشبهة فإنه لا يحرم ونقل عن الشيخ في الخلاف القول بالتحريم به للام والبنت فساوى
بين المباح من هذه الأشياء وبين الشبهة.
قال في الكتاب المذكور : اللمس بشهوة مثل القبلة واللمس
إذا كان مباحا
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 330 ح 14 ، الوسائل ج 14 ص 322 ح 2.
(2) البحار ج 104 ص 10 ح 25 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 575 ب 6 ح
4.
(3) البحار ج 104 ص 10 ح 26 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 575 ب 6
ذيل ح 8.
أو بشبهة ينشر التحريم ، وتحرم الام
وإن علت والبنت وإن نزلت ، واستدل بإجماع الفرقة وأخبارهم. انتهى.
ولا ريب في ضعفه كما صرح به جملة من المتأخرين ، فإنه
مجرد دعوى لا دليل عليها.
الثالث : المفهوم من
كلام جملة من الأصحاب كالعلامة في القواعد والمحقق في الشرائع جواز لمس الأجنبي
للأمة في الجملة ، وفيه إشكال.
قال في القواعد : ولا خلاف في انتفاء التحريم بما يحل
لغير المالك كنظر الوجه ولمس الكف ، قال الشارح المحقق : ويستفاد من قول المصنف ـ ثم
نقل العبارة المذكورة ـ أنه يحل النظر واللمس المذكوران في الأمة للأجنبي وفي حل
اللمس تردد. انتهى.
وقال المحقق في الشرائع : فما يسوغ لغير المالك كنظر
الوجه ولمس الكف لا ينشر الحرمة.
قال في المسالك : يستفاد منه أيضا أن لمسها جائز في
الجملة ، ولم يذكروا جوازه بل القائلون بجواز النظر قصروه عليه ، عملا بظاهر قوله
تعالى (1) «وَلا
يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا ما ظَهَرَ مِنْها» فإنه يقتضي
إباحة نظر محل ذلك ، فاللمس باق على أصل التحريم ، وصرح بعض الأصحاب بتحريم اللمس
مطلقا ، وفي القواعد في هذا المحل جوز لمس كف الأمة للأجنبي ، وجعله المراد مما
يحل لغير المالك لمسه ، ويمكن حمل عبارة المصنف عليه. انتهى.
أقول : في قوله ـ ويمكن حمل عبارة المصنف عليه ـ فيه ما
لا يخفى فإن مرجع العبارتين إلى أمر واحد فلا معنى لقوله «ويمكن».
وكيف كان فإن ما ذكراه من جواز اللمس في هذا الموضع لا
أعرف عليه دليلا ، وغاية ما يستفاد من الأخبار ـ الدالة على استثناء الوجه والكفين
من العورة
__________________
ختام:
قد صرح جملة من الأصحاب بأن المحرمات المذكورة في باب
المصاهرة بالنكاح الصحيح أو الزنا أو وطئ الشبهة أو النظر واللمس كما تحرم بالنسب
كذلك تحرم بالرضاع ، فكل من حرم بالمصاهرة بسبب كالأبوة والبنوة والأمية والبنتية
ونحوها إذا كان من النسب حرم نظيره في الرضاع فيحرم الموطوءة بالعقد على أب الواطئ
الرضاعي كما تحرم على أبيه النسبي وإن علا ، وابنه نسبا ورضاعا وإن نزل ، ويحرم
على الواطئ أمها رضاعا كما تحرم الأم النسبية وإن علت ، وهكذا ابنتها لعموم «يحرم
من الرضاع ما يحرم من النسب» (1).
ولا يقال : إن هذا إنما يحرم بالمصاهرة لا بالنسب ، فلا
يدخل في عموم الخبر ، لأنا نقول : قد بينا في باب الرضاع تفصيل الكلام وشرحه بأوضح
بيان في معنى المصاهرة ، وأنها على معنيين مصاهرة مبنية على النكاح ، وهي راجعة
إلى النسب فيحرم بها ما يحرم من النسب ، ومصاهرة راجعة إلى الرضاع فلا يترتب عليها
تحريم إلا على مذهب القائلين بالتنزيل في الرضاع ، وقد أشرنا ثمة إلى بطلانه.
ومما يعضد ما ذكرنا ما رواه أبو عبيدة الحذاء (2) في الصحيح عن
الصادق عليهالسلام قال : «سمعته
يقول : لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على أختها من الرضاعة».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 437 ح 2 و 3 ، التهذيب ج 7 ص 292 ح 60 ،
الوسائل ج 14 ص 281 ح 4.
(2) الفقيه ج 3 ص 260 ح 21 ، الكافي ج 5 ص 445 ح 11 ، التهذيب
ج 7 ص 292 ح 65 ، الوسائل ج 14 ص 304 ح 1 وص 300 ح 6.
وما رواه محمد بن مسلم (1) في الصحيح عن
أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل فجر بامرأة ، أيتزوج أمها من الرضاعة أو ابنتها؟ قال ، لا».
والتقريب فيه صدق الام والبنت في موضع التحريم على الرضاعيتين كما تصدق على النسبيتين ، وهكذا في الأب والابن والأخت والعمة والخالة ونحوها من المحرمات النسبية ، والظاهر أن الحكم موضع وفاق عند كل من قال بالتحريم في المصاهرة. والله العالم.