ج19 - ما يترتب على الابتياع
المقصد الثاني
في الأحكام المترتبة
وفيه أيضا مسائل ، الأولى ـ اختلف الأصحاب ـ (رضوان الله
عليهم) ـ في بيع الحامل جارية كانت أو دابة ، فالمشهور ان الحمل للبائع ، سواء علم
به أولا ، وسواء شرط البائع لنفسه أولا ، الا ان يشترطه المشترى ، وهو قول الشيخ
في النهاية ، والشيخ المفيد وسلار وابى الصلاح وابن البراء في الكامل وابن إدريس ،
وعليه المتأخرون منهم العلامة في المختلف ، واحتج عليه بأن البيع تعلق بالأم فلا
يتناول الحمل ، لعدم دلالة اللفظ عليه مطابقة وتضمنا والتزاما ، ولأن الأصل بقاء
ملك البائع عليه ، فلا ينتقل عنه الا بسبب ، ولم يطرأ ما يزيله من أصله انتهى.
وقال الشيخ في المبسوط : إذا باع بهيمة أو جارية حاملا
واستثنى حملها لنفسه لم يجز ، وتابعه ابن البراج في المهذب وجواهر الفقه على ذلك.
وقال ابن الجنيد ويجوز ان يستثني الجنين في بطن امه من
آدمي أو حيوان وقال ابن حمزة : والإناث من الأدمي والنعم إذا كانت حوامل وبيعت
مطلقا كان الولد للمبتاع ، إلا إذا شرط البائع.
وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي : يكون للمبتاع إلا إذا شرط
البائع وهذا ما وقفت عليه من أقوالهم في المسألة ، ونقل عن الشيخ أنه احتج على ما
ذهب إليه في المبسوط بأن الحمل جزء من الحامل ، يجرى مجرى عضو من أعضائها فيدخل
ولا يصح استثناؤه ، حتى حكم بفساد
البيع لو استثناه البائع ، كما لو استثنى جزءا معينا.
أقول : وقد نقل بعض المحققين هذا القول عن الشافعي ،
محتجا بهذه الحجة. وأجاب العلامة في المختلف ـ عن حجة الشيخ المذكورة ـ بالمنع من
المساواة بين الحمل وعضو من أعضائها ، فإنه تصح الوصية للحمل ، ويرث ويلحقه أحكام
كثير لا تتعلق بالأعضاء ، قال : وهذا الذي ذكره الشيخ كأنه الذي لمحه ابن حمزة ،
والحق خلافه انتهى.
أقول : لا يخفى قوة القول المشهور بناء على ما هو مذكور
، الا أنه قد روى الشيخ بإسناده عن احمد بن محمد بن يحيى عن أبي إسحاق ـ يعني
إبراهيم بن هاشم ـ عن النوفلي عن السكوني (1) «عن جعفر عن
آبائه (عليهمالسلام) في رجل أعتق
أمة وهي حبلى فاستثنى ما في بطنها ، قال : الأمة حرة ، وما في بطنها حر لان ما في
بطنها منها». ورواه الصدوق أيضا بإسناده عن السكوني ، وهو ظاهر في تبعية الحمل
للام ، وأنه لا يصلح استثناؤه من حيث أنه منها وجزء من اجزائها كما ادعاه الشيخ
ومن تبعه ، ولهذا ذهب الشيخ وجماعة في باب العتق الى سريان عتق الحامل الى الحمل
للرواية المذكورة ، وان كان المشهور خلافه ورد هذه الروايات المحقق الأردبيلي (قدسسره) بضعف السند
إلا أنك قد عرفت في غير موضع مما تقدم أنه غير معتمد.
وقد روى الشيخ في الحسن عن الحسن بن على الوشاء (2) عن أبى الحسن
الرضا (عليهالسلام) «قال سألته
عن رجل دبر جاريته وهي حبلى فقال ان كان علم يحبل لجارية فما في بطنها بمنزلتها
وان كان لم يعلم فما في بطنها رق».
وهو ظاهر في سريان التدبير الى الولد مع العلم بالحمل
وأما مع عدم العلم به فإنه يحتمل تأخره من التدبير ، والحكم فيه التبعية كما
استفاضت به الاخبار
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 8 ص 236 ـ الفقيه ج 3 ص 85.
ولهذا نقل عن الشيخ وجماعة القول
بتبعية الولد للأم في الصورة المذكورة ، ومقتضى كلام الأصحاب في مسألة البيع
المذكورة العدم.
الا أن هذه الرواية أيضا معارضة بما رواه الشيخ في
الموثق عن عثمان بن عيسى الكلالى (1) عن ابى الحسن الأول (عليهالسلام) قال : «سألته
عن امرأة دبرت جارية لها فولدت الجارية جارية نفيسة ، فلم تدر المرأة المولودة
مدبرة أو غير مدبرة ، فقال : لي متى كان الحمل بالمدبرة أقبل أن دبرت أم بعد ما
دبرت؟ فقلت : لست أدرى ، ولكن أجنبي فيهما جميعا فقال : ان كانت المرأة دبرت وبها
حبل ، ولم تذكر ما في بطنها فالجارية مدبرة والولد رق ، وان كان انما حدث الحمل
بعد التدبير فالولد مدبر في تدبير أمه». ورواه الصدوق مرسلا ، وزاد «لان الحمل
انما حدث بعد التدبير» وهي ظاهرة في أنه في صورة العلم بالحمل وعدم إدخاله في
التدبير لا يسرى التدبير اليه ، بل يبقى على الرقية كما هو أحد القولين في
المسألة.
وبالجملة فالمسألة كما عرفت محل اشكال وعلى القول
المشهور فحيث يشترط المشترى الحمل يدخل في المبيع وان كان مجهولا ، لانضمامه الى
المعلوم ، وتبعيته له ، وعلى هذا فلا فرق بين ان يقول البائع : بعتك الجارية
وحملها ، أو شرطت لك حملها ، أو بعتك هذه الأمة بكذا وحملها ، لان الظاهر ان حملها
عطف على الأمة كما في المثال الأول.
ونقل عن العلامة في التذكرة البطلان في الصورة الأولى ،
لأنه مجهول ، وفيه ما تقدم تحقيقه سابقا في مسألة الضمائم ، من أنه لا يضر جهله مع
تبعيته للمعلوم ، كما دلت عليه نصوص المسألة حسبما تقدم ، ولو كان الحمل غير معلوم
وأراد إدخاله في البيع فالعبارة الثانية لا غير ، كذا صرح به شيخنا الشهيد الثاني.
قال المحقق الأردبيلي بعد نقل ذلك عنه : وكأنه نظر الى
أن بيع ما لم يعلم
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 260 الفقيه ج 3 ص 71 مع اختلاف يسير.
وجوده غير معقول ، بخلاف الشرط ، وفي
الشرط أيضا تأمل ، والظاهر أنه يجوز ويؤل الى تقدير الوجود والسلامة ، ولعل مثله
إذا كان منضما وتابعا لا يضر ، لعموم الأدلة والتراضي. انتهى.
قالوا. ولو لم يشترطه المشترى واحتمل وجوده عند العقد
وعدمه ـ بأن ولدته في وقت يحتمل كونه عند البيع موجودا وعدمه ـ فهو للمشتري ،
لأصالة عدم وجوده سابقا ، فلو اختلفا في وقت البيع كذلك قدم قول البائع بيمينه مع
عدم البينة ، وهو بناء على القول المذكور.
وكذا لو شرطه فسقط قبل القبض أو بعده في زمن خيار
الحيوان ، فإنه يكون من مال البائع ، فيرجع المشترى على البائع بنسبته من الثمن ،
بأن تقوم حاملا ومجهضا أى مسقطا لا حابلا ، كما وقع في بعض العبارات كعبارة
الشرائع وغيره ، ولانه المطابق للواقع ، وللاختلاف بين الحالين ، فان الإجهاض في
الأمة عيب ربما نقصت به القيمة ، إذ هي في حال الإجهاض مريضة ، فيرجع بنسبة
التفاوت بين القيمتين كما تقدم تحقيقه.
والظاهر أنه لا خلاف في أن البيض تابع للبايض ، لا
كالحمل ، بل هو للمشتري مطلقا ، لانه تابع كسائر أجزائه ، ولا يصح اشتراط البائع له
على قول الشيخ في المبسوط ومن تبعه ، وبذلك صرح في الكتاب المذكور ، فقال : لو باع
البائض دخل البيض على طريق البيع وان شرط لنفسه لم يجز ، ورده المتأخرون بأنه شرط
سائغ ، ويؤيده أن ما ادعاه الشيخ من الجزئية وأنه كعضو من أعضائه قد عرفت ما فيه ،
فلا مانع من صحة الشرط المذكور.
تذنيب
قال : الشيخ في المبسوط لو باع جارية حبلى بولد لم يجز ،
لان الحمل مستثنى ، وهذا يمنع صحة البيع ، وتبعه ابن البراج في المهذب ، ورد ذلك
بما تقدم ، لان كلامه هنا كما تقدم مبنى على كون الحمل كعضو من أعضاء الحامل وجزء
من أجزائها ، وفيه ما عرفت آنفا. والله العالم.
المسألة الثانية ـ اختلف الأصحاب في أن العبد هل يملك
شيئا أم لا ، فقيل : يملك مطلقا ، ونسبه في التذكرة إلى أنه المشهور ، وقيل : يملك
مطلقا ، ونسبه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك إلى الأكثر ، وهو اختيار المحقق في
الشرائع ، وقيل : يملك فاضل الضريبة ، وقيل : أرش الجناية.
والذي وقفت عليه من الروايات المتعلقة بهذه المسألة صحيحة
عمر بن يزيد (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل أراد
أن يعتق مملوكا له ، وقد كان مولاه يأخذ منه ضريبة فرضها عليه في كل سنة ورضى بذلك
المولى ، فأصاب المملوك في تجارته سوى ما كان يعطى مولاه من الضريبة ، فقال : إذا
أدى الى سيده ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك ، ثم قال ـ أبو
عبد الله (عليهالسلام): أليس قد فرض
الله تعالى على العباد فرائض فإذا أدوها اليه لم يسألهم عما سواها ، قلت : فللمملوك
ان يتصدق مما اكتسب ويعتق بعد الفريضة التي كان يؤديها إلى سيده؟ قال : نعم وأجر
ذلك له ، قلت : فإن أعتق مملوكا مما اكتسب سوى الفريضة لمن يكون ولاء المعتق؟ قال
: فقال : يذهب فيتوالى الى من أحب ، فإذا ضمن جريرته وعقله كان مولاه وورثه ، قلت
له : أليس قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله):
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 224.
الولاء لمن أعتق؟ قال : فقال : هذا
سائبة لا يكون ولاؤه لعبد مثله ، قلت : فان ضمن العبد الذي أعتقه جريرته وحدثه أيلزمه
ذلك ويكون مولاه ويرثه؟ قال : فقال : لا يجوز ذلك ولا يرث عبد حرا».
وصحيحة إسحاق بن عمار (1) قال : «قلت :
لأبي عبد الله (عليهالسلام) ما تقول : في
رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر ، فيقول : حللني من ضربي إياك ، ومن كل ما
كان مني إليك ، مما أخفتك وأرهبتك فيحلله فيجعله في حل رغبة فيما أعطاه ، ثم ان
المولى بعد أصاب الدراهم التي أعطاه في موضع قد وضعها فيه العبد وأخذها المولى
إحلال هي له؟ فقال : لا تحل له ، لأنه افتدى بها نفسه من العبد مخافة العقوبة
والقصاص يوم القيامة ، قال : فقلت له : فعلى العبد أن يزكيها إذا حال عليها الحول؟
قال : لا الا أن يعمل له بها ، ولا يعطى العبد من الزكاة شيئا.
ورواية إسحاق بن عمار (2) المذكورة عن
جعفر عن أبيه أن عليا (عليهالسلام) أعتق عبدا له
فقال : له ان ملكك لي ولكن قد تركته لك».
ورواية أبي جرير (3) قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن رجل قال :
لمملوكه أنت حر ولي مالك ، قال : لا يبدأ بالحرية قبل المال يقول لي مالك وأنت حر
برضا المملوك (فان ذلك أحب الى) (4).
والتقريب فيه أنه إذا بدء بالعتق صار حرا ولم يجز له أخذ
ماله ، وإذا بدء بالمال فان فيه تصريحا بأن العتق بإزاء المال ، فإذا رضي المملوك
بذلك انعتق وصار المال للمولى ، وهو ظاهر في الملك.
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 225.
(2) التهذيب ج 8 ص 237.
(3) التهذيب ج 8 ص 224.
(4) ما بين القوسين زيادة من الكافي.
وصحيحة الفضل بن يسار (1) قال : «قال
غلام سندي لأبي عبد الله (عليهالسلام) انى قلت
لمولاي : بعني بسبعمأة درهم ، وأنا أعطيك ثلاثمأة درهم ، فقال له أبو عبد الله (عليهالسلام) ان كان يوم
شرطت لك مال؟ فعليك أن تعطيه ، وان لم يكن لك يومئذ فليس عليك شيء». وهي ظاهرة في
الملك.
وأما ما ذكره بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين
من أن هذه الرواية أوفق بالقول بعدم مالكية العبد ، لانه لو كان له مال فهو من مال
البائع ، فلذا يلزمه أداؤه لا بالشرط ، وإذا لم يكن مال وحصله عند المشترى فهو من
مال المشترى. انتهى.
ففيه من العبد عن سياق الخبر المذكور ، ما لا يخفى ، فان
ظاهره ينادى بخلافه ، لأن قوله ان كان يوم شرطت لك مال ظاهر في الملك كما هو مدلول
اللام ، أو الاختصاص الراجع الى الملك ، وظاهره أن الإعطاء انما هو من حيث الشرط ،
لا من حيث إنه مال البائع.
وبالجملة فالظاهر ان ما ذكره (قدسسره) لا يخلو من
تعسف ، وكأنه أراد بذلك الانتصار للقول المشهور كما سيأتي ذكره إنشاء الله تعالى.
احتج العلامة في التذكرة على ما ذهب اليه من القول الأول
بقوله عزوجل (2) «ضَرَبَ
اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ» وقوله تعالى (3) «ضَرَبَ
لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ
شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ».
وأنت خبير بما فيه فان غاية ما يفهم منها انما هو الحجر
عليه في نفسه وماله ، وانه
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 246 وبسند آخر مثله منه رحمهالله.
(2) سورة النحل الآية 75.
(3) سورة الروم الآية ـ 28.
ليس له التصرف فيهما إلا بإذن سيده ،
فهو من حيث هو لا يقدر على شيء إلا ما أقدره عليه مولاه وملكه ، أو أذن له بالكسب
ونحوه حسبما دلت عليه الاخبار المتقدمة.
ويؤيده الأخبار الواردة في معنى الآية الاولى من أنه ليس
له نكاح ولا طلاق إذا أنكحه مولاه أمته إلا بإذن المولى ، ففي بعضها (1) قال : «سألته
عن العبد هل يجوز طلاقه؟ قال : ان كان أمتك فلا ، ان الله عزوجل يقول «عَبْداً
مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ».
ونحوه أخبار عديدة ومرجع الجميع الى المنع من التصرف إلا
بإذن سيده.
والآية الثانية ظاهرها انه ليس له حق ولا شركة في مال
المولى ، ولا دلالة لها على عدم الملك إذا ملكه أو اذن له في تملك مال الغير
بالكسب والتجارة ونحو ذلك ، بل الظاهر انه يحصل له ذلك كالعبيد بالنسبة الى الله عزوجل.
وبالجملة فإنه لا دلالة فيهما على نفى تملكه لما ملكه
سيده ، أو أذن له فيه كما هو المدعى ، وظاهر الأصحاب على تقدير القول بتملكه الاتفاق
على انه محجور عليه ، ولكن ظاهر الاخبار المتقدمة العدم ، فإنها كالصريحة في
استقلاله ، سيما صحيحة عمر بن يزيد وقوله فيها «انه يتصدق ويعتق وأجر ذلك له» الا
انه ربما نافر ذلك نفى الزكاة عنه ، في صحيحة إسحاق بن عمار ، إذ لو كان مالكا
للتصرف كملكه للمال ، لما كان لنفى وجوب الزكاة وجه ، وفي معنى هذه الرواية أخبار
أخر ، تقدمت في كتاب الزكاة ، والظاهر انه لا وجه لذلك مع الحكم بملكه الا كونه
محجورا عليه ، ويدل عليه ما رواه في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن على
بن جعفر (2) عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «ليس
على المملوك
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 348.
(2) الوسائل الباب ـ 4 ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة.
زكاة إلا بإذن مواليه». وحينئذ فيجب
حمل إطلاق ما ظاهره الاستقلال على هذه الرواية ، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في
كتاب الزكاة والله العالم.
المسألة الثالثة ـ اختلف الأصحاب فيما إذا اشترى عبدا أو
أمة وله مال فقال الشيخ في النهاية والشيخ المفيد : ان المال للبائع الا ان يشترطه
المبتاع ، سواء كان ماله أكثر من ثمنه أو أقل.
وقال سلار : وابتياع العبيد الذين لهم مال بأقل مما معهم
جائزة وقال ابن الجنيد إذا شرطه المشترى وكان الثمن زائدا على قدر المال من جنسه
جاز البيع ، وان كان المال عروضا يساوى قدر الثمن أو دونه وأو أكثر منه جاز ايضا
وان كان الثمن من جنس مال العبد ومال العبد أكثر من الثمن لم يجز.
وقال الشيخ في الخلاف : إذا كان مع العبد مائة درهم
فباعه بمائة درهم لم يصح البيع ، فان باعه بمائة ودرهم صح. وقال في المبسوط : إذا
باعه سيده وفي يده مال وشرط ان يكون للمبتاع صح البيع إذا كان المال معلوما وانتفى
عنه الربا ، فان كان معه مائة درهم فباعه بمائة درهم لم يصح ، فان باعه بمائة
ودرهم صح ، ثم قال : وإذا باع عبدا قد ملكه ألفا بخمسمأة صح البيع على قول من يقول
: انه يملك ، ولو باع ألفا بخمسمأة لم يصح ، لانه ربا ، والفرق بينهما انه إذا باع
العبد ، فإنما يبيع رقبته مع بقاء ما ملكه عليه فصح ذلك ، ولم يصح بيع الالف
بخمسمأة.
وقال ابن البراج وأبو الصلاح إذا ابتاع عبدا أو أمة وله
مال فهو للبائع الا ان يشترطه في عقد البيع فيكون له.
وقال ابن حمزة : لو باعه مع المال صح ان كان الثمن أكثر
مما معه ان كان من جنسه ، وان كان من غير جنس ما معه صح على كل حال ، وان لم يعرف
مقدار ما معه وباع بجنسه لم يصح ، (1) وان باع بغير
جنسه صح ، وان باع المملوك دون المال صح ، فان شاء سوغه المال ، وان شاء استرده.
وابن إدريس فصل كذلك.
وقال العلامة في المختلف بعد نقل هذه الأقوال : والتحقيق
ان نقول : ان كان الثمن وما مع العبد ربويين واتفقا جنسا اشترط زيادة الثمن على ما
في يد العبد ، والا فلا ، لنا انه على التقدير الأول لولاه لثبت الربا المحرم ،
وعلى التقدير الثاني ان المقتضى للصحة موجود ، وهو البيع الصادر عن أهله في محله ،
والمانع وهو مفسدة الربا منتف هنا.
ونقل في المختلف والمسالك عن ابن البراج القول بالتفصيل
بين علم البائع بالمال وعدمه ، فان لم يعلم به فهو له ، وان علم فهو للمشتري.
والأصل في هذه الاختلافات الأخبار الواردة في المسألة ،
ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته
عن رجل باع مملوكا فوجد له مالا فقال : المال للبائع ، إنما باع نفسه ، الا أن
يكون شرط عليه أن ما كان له من مال أو متاع فهو له».
وهذه الرواية دالة على ما ذهب اليه الشيخان مما قدمناه
نقله عنهما والظاهر أنه هو المشهور ، وبه صرح المحقق والعلامة وغيرهما ، وهو جيد
بناء على القول
__________________
(1) قال في المختلف وقول ابن حمزة ان لم يعرف مقدار ما معه
وباعه بغير جنسه صح ، وان باعه بجنسه لم يصح ، لان الجهل يستلزم جواز تطرق الربا ،
لكن يبقى فيه اشكال من حيث انه باع مجهولا ، الا ان يقال ان المال تابع وجهالة
التابع لا تمنع صحة البيع : انتهى وهو جيد منه رحمهالله.
(2) الكافي ج 5 ص 213 التهذيب ج 7 ص 71.
بعدم ملك العبد كما هو المشهور بينهم
، واما على القول بملكه فيشكل ذلك ، لما عرفت من الاخبار المتقدمة في سابق هذه
المسألة ، وسيأتي إنشاء الله تعالى بيان وجه التأويل فيه ، بما يرجع به الى
الاخبار المتقدمة.
ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم)
في الصحيح عن زرارة (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : الرجل
يشترى المملوك وله مال لمن ماله؟ فقال : ان كان علم البائع ان له مالا فهو للمشتري
، وان لم يكن علم فهو للبائع». ورواه في الفقيه عن جميل عن زرارة أيضا ، وهذا
الخبر ظاهر فيما قدمنا نقله عن ابن البراج ، الا أنه يشكل على كل من القولين
بملكية العبد وعدمها ، بأن الملك لا ينتقل إلى المشتري بمجرد العلم من دون صيغة
ناقلة تدل على الملك.
وجملة الأصحاب حملوا الرواية على اشتراط البائع للمشتري
ذلك وهو جيد بناء على القول بعدم تملك العبد ، أما على القول به فيبقى الاشكال من
هذه الجهة في الحكم بكونه للبائع أو المشترى ، فان ملك المالك لا ينتقل عنه الا
برضا منه ، والحال أن العبد لا مدخل له في هذا النقل.
والعجب أنه قد ذكر هذه المسألة من قال بتملك العبد ومن
أحاله ، ولا مخرج من هذا الإشكال ـ في هذا الخبر وسابقه ـ الا بأن يقال : ان هذين
الخبرين محمولان على كون المال للمولى ، وأن الإضافة للعبد لأدنى ملابسة ، كما
قالوا في كوكب الخرقاء ، وذلك مثل ثيابه وفراشه ونحوها ، فإن الإضافة تصدق بذلك ،
والخبر الثاني كما عرفت محمول على اشتراط البائع للمشتري ذلك ، فهذان الخبران
ونحوهما لا تدلان على تملك العبد ولا على عدمه.
واما ما ربما يدل على عدم تملك العبد من الاخبار فهو
محمول على الحجر
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 213 التهذيب ج 7 ص 71 الفقيه ج 3 ص 138.
عليه في التصرف بدون اذن المولى ،
فكأنه من حيث المنع من التصرف ليس بمالك وبهذا الطريق يجمع بين أخبار المسألة ،
ويزول عنها الاختلاف ، وهو يقتضي رجحان القول بتملك العبد كما قدمنا ذكره.
وأما الجمع بينها ـ بما ذكره شيخنا الشهيد الثاني (قدسسره) في المسالك ـ
من حمل الأخبار الدالة على تملك العبد ـ على محض اباحة التصرف بكونه مأذونا لا ملك
الرقبة (1) فهو وان تم
فيما أورده من الاخبار المشتملة على اضافة المال اليه ، الا أنه لا يتم فيما
قدمناه من الاخبار في سابق هذه المسألة الصريحة في ملك الرقبة وأنه يتصدق ويعتق من
ماله.
ومنها ما رواه الصدوق في الفقيه عن يحيى بن أبى العلاء (2) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) عن أبيه (عليهالسلام) قال : «من
باع عبدا وكان للعبد مال فالمال للبائع الا أن يشترط المبتاع ، أمر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بذلك».
والكلام في هذه الرواية كما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم
، قال في الفقيه مشيرا الى هذا الحديث وحديث جميل بن دراج عن زرارة (3) المتقدم هذا
ان الحديثان متفقان وليسا بمختلفين ، وذلك أن من باع مملوكا واشترط المشترى ماله ،
فان لم يعلم البائع به فالمال للمشتري ، ومتى لم يشترط المشترى ماله ولم يعلم
البائع أن له مالا فالمال للبائع ، ومتى علم البائع ان له مالا ولم يستثن به عند
البيع فالمال للمشتري انتهى.
__________________
(1) قال (قدسسره) : ولا يندفع الإشكال إلا إذا قلت :
المراد بملكية العبد تسلطه على الانتفاع بما قيل بملكه له ، لا بملك الرقبة ، كما
نقله في الدروس عن بعض القائلين بالملك ، فيكون الملك على هذا الوجه غير مناف لملك
البائع للرقبة على وجه يتوجه به نقله إلى المشتري أو بقاؤه على ملكه «انتهى منه رحمهالله».
(2 و 3) الفقيه ج 3 ص 138.
أقول مفهوم صدر عبارته أنه متى اشترط المشترى مع علم
البائع بالمال فالمال للبائع ، وليس كذلك فان ظاهر صحيحة محمد بن مسلم وخبر يحيى
المذكور أنه مع الشرط يكون للمشتري علم البائع بالمال أو لم يعلم.
وغاية ما يدل عليه خبر جميل عن زرارة هو أنه مع علم
البائع يكون للمشتري ، ومع عدم علمه يكون له ، لا للمشتري أعم من أن يشترطه
المشتري أو لم يشترط ، وإذا قيد إطلاقه بالخبرين المذكورين جمعا بين الاخبار لزمه
أنه مع الشرط يكون للمشتري ، علم البائع أو لم يعلم ، واما مع عدم الشرط فهو كما
ذكره من التفصيل ، والعجب أن جملة من المحدثين نقلوا كلامه كصاحب الوافي وصاحب
الوسائل ولم يتنبهوا لما فيه.
ومنها ما رواه الشيخ (عطر الله مرقده) في الأمالي بسنده
فيه عن الزهري عن سالم عن أبيه (1) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : من باع
عبدا وله مال فالمال للبائع الا أن يشترط المشترى». وهذا الخبر دال على ما دل عليه
خبر يحيى وصحيح محمد بن مسلم ، وهذه الاخبار الثلاثة مستند الشيخين فيما تقدم نقله
عنهما ، وقد عرفت تحقيق القول فيها.
ومنها ما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة (2) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «قلت
له : الرجل يشترى المملوك وماله؟ فقال : لا بأس ، قلت : فيكون مال المملوك أكثر
مما اشتراه به فقال لا بأس به».
ورواه الشيخ في التهذيب بسند فيه علي بن حديد وهو ضعيف
وهذا الخبر فيه اشكال من وجهين ، أحدهما ـ أنه انما يتجه على القول بعدم صحة تملك
العبد ، وقد عرفت الجواب عن ذلك بما تقدم في نظائره ، والثاني ـ ما ذكره الأصحاب
مما
__________________
(1) الوسائل الباب 7 من أبواب بيع الحيوان الرقم ـ 5.
(2) الفقيه ج 3 ص 139 التهذيب ج 7 ص 71.
قدمنا نقله عنهم من عدم الصحة في هذه
الصورة على إطلاقها ، للزوم الربا في بعض الموارد (1) الا أن يقيد
الخبر بكون المالين غير ربويين ، أو اختلاف الجنس ، وبه أجاب الأصحاب عن الخبر
المذكور ، وزاد العلامة الطعن في الخبر بالضعف ، وهو متجه بناء على رواية الشيخ ،
واما على رواية الصدوق له فهو صحيح لا يتطرق اليه الطعن من هذه الجهة.
وبالجملة فالظاهر حمله على ما ذكرناه ليندفع عنه تطرق
الوقوع في الربا ، بل اشتراط قبض مقابل الربوي في المجلس إذا اختلف الجنسان وكانا
ربويين ، والظاهر حمل كلام الشيخين ـ فيما قدمنا نقله عنهما من إطلاق الصحة سواء
كان مال العبد أكثر من الثمن أو أقل ـ على ما ذكرناه.
والعجب هنا من المحقق (قدسسره) في الشرائع
فإنه اختار في المسألة الأولى القول بملك العبد مطلقا الا أنه محجور عليه في
التصرف بدون اذن السيد ، واختار في هذه المسألة ما قدمنا نقله عنه من أن المال
للبائع ، الا أن يشترطه المشترى ، وأنت خبير بأن حكمه بالملك ظاهر في أن المراد
لملك الرقبة ، ولا يمكن تأويله بما تقدم ومتى كان كذلك فكيف يصح انتقاله عن مالكه
بمجرد بيعه ـ سواء كان ـ الى البائع ، أو المشترى وهو ظاهر. والله العالم.
تذنيب
قال الشيخ في النهاية : إذا قال مملوك انسان لغيره :
اشترني فإنك إذا اشتريتني كان لك علي شيء معلوم فاشتراه ، فان كان للمملوك في حال
ما قال ذلك له مال لزمه
__________________
(1) وهو ما لو كان المال ربويا وبيع بجنسه ، فإنه لا بد في
الخروج عن لزوم الربا من زيادة في الثمن عن ماله تقابل المملوك ، ثم انه ينبغي أن
يعلم أن لزوم الربا في الصورة المذكورة انما يتجه على القول بعدم ملك العبد
بالكلية ، أو ملكه بمعنى جواز التصرف بأن يكون أصل رقبة المال للمولى ، والا فلو
قلنا بملك العبد ، وأن له كما اخترناه فإنه لا يشترط في الثمن الزيادة كما قدمنا
ذكره ، لان ماله ليس جزا من المبيع ليقابل بالثمن ، بل هو تابع له وهو ظاهر. منه رحمهالله.
ان يعطيه ما شرطه له ، وان لم يكن له
مال في تلك الحال لم يكن عليه شيء ، وتبعه ابن البراج ، وبه صرح جملة من
المتأخرين.
وقال ابن إدريس هذه رواية أوردها الشيخ إيرادا لا
اعتقادا ، لان العبد عندنا لا يملك شيئا ، فأما على قول بعض أصحابنا أنه يملك فاضل
الضريبة وأرش الجناية يصح ذلك ، والصحيح من المذهب انه لا يملك انتهى.
أقول الرواية التي أشار إليها هي صحيحة الفضيل بن يسار
المتقدمة في سابق هذه المسألة ، وموردها انما هو الشرط للبائع وهو المولى ، والشيخ
ومن تبعه من الأصحاب فرضوا المسألة في اشتراط العبد للمشتري ، والفرق بين الأمرين
ظاهر ، لانه مع كون الشرط للمشتري كما فرضوه ، فان قلنا بعدم ملك العبد بطل الشرط
، سواء كان معه مال أم لا ، وان قلنا بملكه ـ فهو محجور عليه كما قدمنا ذكره ـ يتوقف
صحة جعالته للمشتري على اذن مولاه ، وعلى كل من التقديرين فالرواية المذكورة ظاهرة
في خلافه ، لأنها صريحة في صحة الشرط المذكور ، ولزومه مع وجود المال ، وأما مع
كون الشرط للمولى ، فان قلنا أنه لا يملك فماله لمولاه ، وتحمل نسبة المال اليه
على الإضافة لأدنى ملابسته ، وان قلنا انه يملك فالحجر عليه زائل برضا المولى بذلك
، والعمل بالرواية متجه على هذا التقدير.
والتحقيق أن الرواية المذكورة دالة على ملك العبد كما
قدمنا ذكره سيما مع اعتضادها بما قدمنا من الاخبار ، وحينئذ فشرطه لمولاه صحيح ،
والحجر قد ارتفع برضا المولى بذلك.
وأما على ما ذكروه من عدم تملك العبد ولا سيما مع فرض
المسألة على ما قدمنا نقله عنهم ، فلا يخفى ما فيه من الاشكال ، وأشكل منه رد
الرواية الصحيحة من غير معارض في المقام والله العالم.
المسألة الرابعة ـ إذا حدث في الحيوان عيب فهيهنا صور ، أحدها
أن يكون ذلك العيب سابقا على البيع مع جهل المشترى به ، والظاهر انه لا خلاف في
تخير المشترى بين الرد والإمساك بالأرش ، ولا فرق في ذلك بين الحيوان وغيره.
الثانية ما لو تجدد بعد العقد وقبل القبض ، ولا خلاف في
تخيره بين الرد والإمساك وانما الخلاف في انه مع اختيار الإمساك هل له الأرش أم لا؟
المشهور الأول ، ولو هلك قبل القبض فمن البائع ، ولو أهلكه أجنبي فللمشتري الفسخ
أو مطالبة الأجنبي ، ولو أهلكه البائع فالأقرب تخير المشترى بين الفسخ ، فيطالب
بالثمن ، وعدمه فيطالب بالقيمة ، وما تقدم من الخيار بين الرد والإمساك بالأرش كما
هو المشهور مخصوص بما إذا كان العيب من قبل الله سبحانه أو من قبل البائع.
أما لو كان من قبل أجنبي فعليه الأرش للمشتري ان التزم
بالمبيع ، وللبائع ان فسخ ، ولو أتلفه المشتري فهو قبض ، ولو جنى عليه فالأقرب انه
قبض ايضا ، ولو قبض بعض المبيع وهلك الباقي فهو في ضمان البائع ، وللمشتري الفسخ
لتبعيض الصفقة.
الثالثة ـ ما لو قبضه ثم تلف أو حدث فيه عيب في الثلاثة ،
فإنه مضمون على البائع ما لم يكن الحدث من المشترى ، اما في صورة التلف فالظاهر ان
مستنده الإجماع ، إذ لا يظهر فيه خلاف عندهم حيث انه لا خلاف في ان التلف في زمن
الخيار ممن ليس له خيار ، ويدل عليه أيضا وعلى صورة العيب إطلاق قول الصادق (عليهالسلام) في مرسلة ابن
رباط (1) المتقدمة
سابقا «ان حدث بالحيوان حدث قبل الثلاثة فهو من مال البائع».
ثم انه في صورة العيب يتخير بين الرد بخيار الثلاثة
والإمساك ، والخلاف في الأرش هنا مع الإمساك كما تقدم في سابق هذه الصورة وفي صورة
التلف له الرجوع على البائع بالثمن ، ـ والعيب الحادث في الثلاثة الموجب للأرش عند
من أوجبه لا يمنع الرد بخيار الثلاثة ولا بخيار العيب السابق.
نعم لا يرد بهذا العيب الحادث ، بل له الأرش خاصة ، لأنه
انما حصل بعد القبض وان كان في زمن الخيار الموجب لكونه مضمونا على البائع ، وذلك
هو الموجب للأرش فقط ، هذا كله فيما لو كان الخيار مختصا بالمشتري ، وكذا لو
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 67.
كان مشتركا بينه وبين البائع أو غيره
، لان الجملة فيه مضمونة على البائع أيضا ، أم لو كان الخيار مختصا بالبائع أو
مشتركا بينه وبين أجنبي فلا خيار للمشتري ، هذا إذا كان العيب من قبل الله تعالى
أو من البائع.
وأما لو كان من أجنبي فللمشتري على ذلك الأجنبي الأرش خاصة
، ولو كان بتفريط المشترى فلا شيء وهكذا الحكم في غير الحيوان ، ويجري أيضا في
تلف المبيع أجمع ، الا ان الرجوع هنا بمجموع القيمة كما تقدم ، فان كان التلف من
قبل الله سبحانه والخيار للمشتري ولو بمشاركة غيره فالتلف من البائع ، والا فمن
المشترى ، وان كان التلف من البائع أو من أجنبي والخيار للمشتري ، فإن اختار الفسخ
والرجوع بالثمن فذاك ، وإلا رجع على المتلف بالمثل أو القيمة ، ولو كان الخيار
للبائع والمتلف أجنبي أو المشتري تخير ورجع على المتلف.
الرابعة ما لو حدث العيب بعد القبض وبعد مضى الثلاثة ،
فإنه يمنع الرد بالعيب السابق على العقد الموجب للخيار مع الجهل ، فلا خيار له هنا
، لعدم موجبه ، ولانه قد تسلم المبيع صحيحا فليس له ان يرده معيبا. نعم له الأرش
من حيث العيب السابق هذا ملخص كلامهم في المقام ، وقد تقدم ما فيه المناقضات في
بعض المواضع في أبواب الخيار والعيوب والله العالم.
المسألة الخامسة ـ قيل : لو استثنى البائع الرأس والجلد
كان شريكا بقدر ثنياه ، وكذا لو اشترك اثنان أو جماعة وشرط أحدهم ذلك ولو قال :
اشتر حيوانا بشركتي صح وثبت البيع لهما ، وعلى كل واحد نصف الثمن ، ولو اذن أحدهما
لصاحبه ان ينقد عنه صح ، ولو تلف كان بينهما ، وله الرجوع على الأخر بما نقد عنه ،
ولو قال له : الربح لنا ولا خسران عليك ، فيه تردد والمروي الجواز.
أقول : تفصيل هذه الجملة ـ المنقولة في هذا المقام وبيان
ما اشتملت عليه من الأحكام يقع في مواضع الأول ـ ما لو استثنى البائع الرأس والجلد
مثلا ، وفيه
أقوال ، أحدها ـ ما ذكر هنا ، وهو صحة
البيع وأنه يكون شريكا بقدر قيمة ثنياه وبه قال الشيخ في النهاية (1) والمبسوط
والخلاف ، وابن البراج والعلامة في الإرشاد ، ونسبه المحقق في كتابيه إلى رواية
السكوني مؤذنا بنوع توقف فيه.
والرواية المشار إليها هي ما رواه الشيخ عن السكوني (2) عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «اختصم
الى أمير المؤمنين (عليهالسلام) رجلان اشترى
أحدهما بعيرا واستثنى البائع الرأس والجلد ، ثم بدا للمشتري أن يبيعه ، فقال
للمشتري : هو شريكك في البعير على قدر الرأس والجلد». ورواه الكليني مثله أقول
المراد بلفظ «المشتري الثاني» هو المشترى الثاني.
ونحو هذه الرواية أيضا ما رواه الصدوق عطر الله مرقده في
كتاب عيون أخبار الرضا بأسانيد ثلاثة (3) عنه عن آبائه عن الحسين بن على (عليهالسلام) «انه قال : اختصم
الى على (صلوات الله عليه) رجلان أحدهما باع الأخر بعيرا واستثنى الرأس والجلد ،
ثم بدا له أن ينحره ، قال : هو شريكه في البعير على قدر الرأس والجلد».
وعلل أيضا بأن البائع قد قبض ما يساوى المبيع ، وبقي من
القيمة ما يساوى المستثنى ، فيكون البائع شريكا بما يساوى المستثنى ، لان اجزاء
الثمن مقسطة
__________________
(1) قال الشيخ في النهاية : إذا باع الإنسان بعيرا أو بقرا أو
غنما واستثنى الرأس والجلد كان شريكا للمبتاع بقدر الرأس والجلد ، ونحوه كلامه في
الكتابين الآخرين ، وقال الشيخ المفيد : لا بأس أن يشترط البائع على المبتاع شيئا
يستثنيه مما باعه ، مثل أن يبيعه شاة ويستثني عليه جلدها ورأسها بعد الذبح ، ونحوه
عبائر من وافق الشيخ المفيد في ذلك ، منه رحمهالله.
(2) التهذيب ج 7 ص 81 الكافي ج 5 ص 304.
(3) الوسائل الباب ـ 22 ـ من أبواب بيع الحيوان الرقم 3.
على اجزاء المبيع ، ويلغو التعيين ،
فلو فرضنا أن الحيوان كملا قيمته عشرة دراهم وقيمة ما استثنى درهمان كان شريكا
بالخمس وثانيها صحة البيع والاستثناء وانه يكون له ما استثنى ، وهو قول الشيخ
المفيد والسيد المرتضى وابى الصلاح ، وابن الجنيد وابن إدريس ، وعلل بأنه استثنى
شيئا معلوما من معلوم ، وعقد البيع غير مانع من اشتراط ما هو معلوم ، لقوله (عليهالسلام) «الشرط جائز
بين المسلمين».
وثالثها ـ بطلان البيع بهذا الاستثناء لأدائه إلى الضرر
والتنازع ، لأن المشتري قد يختار التبقية وفيها منع البائع من الانتفاع بما في
تملكه ، وجاز أن يؤل حاله الي نقص أو عدم الانتفاع به ، بجواز موته ، وان اختار
البائع الذبح لأجل أخذ ما شرطه كان فيه منع لتسلط المشترى على ماله ، كالانتفاع به
في نفسه كالانتفاع بظهره ولبنه ونتاجه ، وهذا القول نقله ابن فهد في المهذب ولم
أقف على قائله.
ورابعها ما اختاره العلامة في المختلف وشيخنا الشهيد
الثاني في المسالك من البطلان ، الا ان يكون مذبوحة أو اشتراها للذبح ، فإنه يجوز
الاستثناء ، قال شيخنا المشار إليه في المسالك بعد ذكر عبارة المحقق المشار إليها
آنفا : لم يفرق بين المذبوح وما يراد ذبحه وغيره ، وهو أحد الأقوال في المسألة ،
لإطلاق الرواية ، الا أن المستند ضعيف ، والجهالة متحققة ، والشركة المشاعة غير
مقصودة والقول بالبطلان متجه ، الا ان يكون مذبوحا أو يراد ذبحه ، فيقوى صحة ،
الشرط. انتهى.
أقول : لا يخفى أن إلا وفق بالقواعد الشرعية هو القول
الرابع لما ذكره في المسالك ، ويمكن أن يحمل عليه القول الثاني ، فإن ظاهر عبارة
الشيخ المفيد هو كون الشرط المذكور انما هو فيما يراد ذبحه ، حيث قال : لا بأس أن
يشترط البائع على المبتاع شيئا يستثنيه مما باعه ، مثل ان يبيعه شاة ويستثني عليه
جلدها أو رأسها بعد الذبح.
ويمكن حمل إطلاق كلام غيره على ذلك أيضا ، الا ان ظاهر
كلام ابن إدريس العموم ، ويؤيده انه يبعد استثناء الرأس والجلد فيما لا يراد ذبحه
، إذ لا ثمرة
يترتب عليه ، ويؤيده أيضا انهم قد
صرحوا كما تقدم بأنه لا يجوز بيع جزء معين من الحيوان كيده ورجله ونحوهما ، وانما
يجوز مشاعا كنصفه وربعه مثلا ، والاستثناء في معنى البيع ، وبهذا رد العلامة في
المخلتف على هذا القول ، فقال بعد تعليل عدم صحة الاستثناء مع التبقية وعدم الذبح
بما فيه من الجهالة وتضرر الشريك لو أراد أخذ حقه ، وضرره لو أجبر على بقائه ـ ما
صورته : ولانه لا يجوز افراده بالبيع ، فلا يجوز استثناؤه ، والبيع انما يكون
حلالا لو وقع على وجهه ، وهو ممنوع هنا انتهى.
إلا أنك قد عرفت دلالة الروايتين المتقدمتين ـ بإطلاقهما
على الصحة مطلقا ، وأنه يكون شريكا مع المشترى في كل الحيوان بقدر قيمة الرأس
والجلد ، فتنسب القيمة إلى ثمن المشترى ، ويكون له بتلك النسبة من جميع اجزاء
الحيوان ، ويكون الباقي للمشتري ، ويؤيد الخبرين المذكورين خبر الغنوي الاتى فيمكن
القول بالخبرين المذكورين ، وحمل بعض الأصحاب خبر السكوني على انه كان المقصود
الذبح ثم حصل العدول عن ذلك ، فيكون البيع صحيحا ويكون شريكا للمشتري بمقدار قيمة
ما استثنى ، الا أن هذا الحمل لا يجري في خبر العيون ، حيث صرح فيه بعدم ارادة
نحره ، ومع ذلك حكم بالتشريك في الجميع بنسبة قيمة ما استثناه والمسألة لا يخلو من
الاشكال ، وان كان القول الأول هو الأقرب.
الثاني ـ ما لو اشترك اثنان أو جماعة وشرط أحدهم ذلك ،
وظاهر جملة من الأصحاب ـ منهم العلامة في المختلف وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك
ـ ما هو اجراء حكم المسألة الاولى في هذه المسألة ، فحكموا بصحة الشرط مع الذبح أو
إرادته ، والبطلان مع عدم ذلك ، قال في المسالك في تتمة العبارة المنقولة عنه آنفا
: وكذا القول فيما لو اشترك فيه جماعة وشرط أحدهم ذلك. انتهى.
أقول : قد روى الشيخ عن هارون بن حمزة الغنوي (1) عن ابى عبد
الله
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 79.
(عليهالسلام) «في رجل شهد
بعيرا مريضا يباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم فأشرك فيه رجلا بدرهمين بالرأس والجلد ،
فقضى أن البعير بريء فبلغ ثمانية دنانير قال : فقال : لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ
، فان قال : أريد الرأس والجلد ، فليس ، له ذلك ، هذا الضرار ، وقد أعطى حقه إذا
أعطى الخمس».
وأنت خبير بأن ظاهر الخبر ان شراء البعير حال المرض
واشتراك الرجل الأخر بالرأس والجلد انما وقع من حيث ارادة الذبح ، ولكن لما اتفق
أنه بريء ولم يذبح وبلغ قيمة زائدة حكم (عليهالسلام) لدفع الضرر
من الطرفين وصلحا بينهما بالتشريك في البعير ، بنسبة ما دفع من قيمة الرأس والجلد
، ولو طلبهما اتى الضرار المنهي عنه متى أعطي بنسبة ما دفعه من جميع البعير ، وعلى
هذا يمكن حمل حديث السكوني المتقدم ، وبه يندفع ما تعلق به القائل بالإبطال من
لزوم الضرر متى أراد المشتري التبقية ، وأراد صاحب الرأس والجلد الذبح لأجل أخذ
ماله ، فان في ترجيح إرادة أحدهما ضرر على الأخر الا انه يبقى الإشكال في خبر
العيون حيث تضمن نحر البعير ولعل لفظ (لا) سقط من البين فإنه مع عدم سقوطها لا
يناسب سياق الخبر ايضا من قوله ثم بدا له ، إذ الظاهر ان أصل الشراء واشتراط الجلد
والرأس انما وقع من حيث ارادة النحر ، وعلى هذا لا معنى لقوله «ثم بدا له ان ينحره»
وانما المناسب ثم بدا له ان لا ينحره وبما ذكرنا يظهر قوة مذهب الشيخ في المسألة
المتقدمة.
واما ما ذكره بعض محققي متأخري المتأخرين من احتمال طرح
الروايتين اعنى روايتي السكوني والغنوي لضعفهما ومخالفتهما القواعد ، ففيه ما عرفت
في غير موضع مما تقدم ان الطعن بالضعف غير معتمد عندنا ، ولا وارد على المتقدمين
الذين لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم ، وان الأظهر هو الوقوف على ما دلت عليه الاخبار
في كل حكم سيما مع عدم المخالف من الاخبار ، وتخصيص تلك القواعد ان ثبت بالنص ،
والا فإنه لا يلتفت إليها في مقابلة الاخبار وان ضعفت باصطلاحهم.
تذنيب
قال : سلار : كل شرط يشترط البائع على المبتاع من رأس
ذبيحة يبيعها وجلدها أو بعضها بالوزن جائز.
أقول : وظاهره يعطى جواز استثناء البعض كاللحم بالوزن ،
وقال ابن الجنيد : لا يجوز ، لان مواضع اللحم تتفاضل ، وأقله ما يختلط به من العظم
وغيره وكثرته ، فان حدد المكان بما لا يختلط بغيره جاز. انتهى واستحسنه العلامة في
المختلف ، وأنت خبير بان ظاهر عبارة سلار هنا كما قدمنا ذكره من عبارة الشيخ
المفيد من ان الشرط المذكور انما هو مع الذبح أو إرادته كما يخفى والله العالم.
الثالث ـ ما لو قال اشتر حيوانا بشركتي الى آخره الوجه
في لزوم نصف الثمن مع الأمر بشراء الحيوان بالمشاركة ان الأمر توكيل بالشراء
بالشركة بينه وبين المأمور ، والشراء لا يكون الا بالثمن ، والظاهر من الشركة هو
التساوي باعتبار إرادة الشركة في كل جزء جزء منه فيحمل عليه الكلام الا ان ينصب
قرينة على خلاف ذلك ، وحينئذ فلو اذن له في أداء الثمن عنه وأدى عنه رجع به عليه
والاذن أعم من الصريح والفحوى مثل ان يأمره بشراء حيوان من مكان بعيد والمجيء به
مع العلم بأنه لا يكون ذلك الا بعد أداء الثمن ، اما لو ادى عنه بغير اذنه فلا
يلزمه العوض لانه متبرع في أداء دين غيره ، وقد تقرر ان تبرع بأداء دين غيره لا
يرجع بذلك على المديون.
والظاهر من كلام الأكثر وبه صرح العلامة في التذكرة
وغيرها أنه لا يكفي الإذن بالشراء في الاذن بأداء الثمن لأنه أعم منه بل لا بد من
الاذن بالأداء صريحا أو فحوى.
ويظهر من كلام شيخنا الشهيد الثاني في
المسالك الاكتفاء بذلك قال : والحق انه يرجع عليه بمجرد الاذن فيه ، وان كان ذلك
أعم منه لدلالة القرائن عليه ، وعدم حصول ما يقتضي التبرع انتهى وأيده بعضهم بأنه
رضى بالشراء وهو انما يكون بالثمن ، والغالب انه لا يسلم المبيع الا بعد تسليم
الثمن ، فالظاهر ان ذلك اذن في التسلم ايضا ولا يمكن ذلك الا به ، فكان الأمر
والاذن بالشراء مستلزما لتسليم الثمن وتسليم المبيع ، فلا يضمن لو أخذ من غير اذن
جديد ويرجع بالثمن مطلقا الا مع ما يدل على عدم الاذن ، ولا يفهم الاذن قال : وليس
كلام التذكرة وغيرها بعيدا عن هذا المعنى بكثير. انتهى.
وهو لا يخلو من اشكال الا ان يكون هناك قرائن قاطعة تدل
على ذلك ، والا فمجرد الأمر بالشراء لا يدل على ما ادعوه ، ولو تلف الحيوان
المشترك بعد قبضه من غير تفريط من المأمور فالتلف بينهما جميعا ، ولا يرجع الأخر
عليه ، وان يد الشريك ـ المشترى ـ عليه يد امانة ، لا يد ضمان.
الرابع ـ ما لو قال له : الربح لنا ولا خسران عليك الى
آخره أقول : الظاهر ان وجه التردد المذكور من الرواية المشار إليها حيث دلت على
صحة ذلك المؤيد بعموم (1)
«المؤمنون عند شروطهم». ومن المخالفة للقواعد المقررة في
الشركة بل مقتضى المذهب كما ادعاه بعضهم من ان الربح والخسران تابعان لرأس المال
والى ذلك جنح في المسالك قال : وهو الأقوى ثم قال : والرواية مع كونها وأرده في
بيع خاص يمكن تأويلها بما يوافق الأصل انتهى.
أقول : قال الشيخ في النهاية : ومن قال لغيره اشتر
حيوانا بشركتي والربح بيني وبينك فاشتراه ثم هلك الحيوان كان الثمن بينهما ، كما
لو زاد في ثمنه كان ايضا بينهما على ما اشترطا عليه ، فان اشترط عليه ان يكون له
الربح لو ربح وليس عليه شيء من الخسران كان على ما اشترطا عليه ، وبه قال ابن
البراج.
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 22.
وقال ابن إدريس : معنى انه إذا قال لغيره اشتر حيوانا
بشركتي المراد به انقد عنى نصف الثمن أو ما يختاره ويجعله قرضا عليه ، والا فما
يصح الشركة إلا هكذا قال : فأما قول شيخنا (رحمهالله) ـ فان اشتراط
عليه ان يكون له الربح ان ربح وليس عليه من الخسران شيء كان على ما اشترطا عليه ـ
فليس بواضح ولا يستقيم ، لانه مخالف لأصول المذهب ، لان الخسران على رؤس الأموال
بغير خلاف ، وإذا شرط انه على واحد من الشريكين كان هذا الشرط مخالفا للكتاب
والسنة ، لأن السنة جعلت الخسران على رؤوس الأموال انتهى.
وقال في المختلف بعد نقل ذلك عنه ، وما ذكره ابن إدريس
في تفسير قول الإنسان لغيره اشتر حيوانا فاشركنى ليس بصحيح ، لأن الأمر بالشراء
عنه ليس امرا بنقد الثمن عنه ، والشركة يتحقق بالعقد إذا أوقعه المشتري عنه وعن
الأمر بالنيابة ، لا بالأمر بنقد الثمن ، وأما نسبة قول الشيخ الى عدم الوضوح وعدم
الاستقامة ـ وانه مخالف لأصول المذهب وان هذا الشرط يخالف الكتاب والسنة فليس بجيد
لان الشيخ (رحمهالله) عول في ذلك
على الكتاب والسنة والعقل ، أما الكتاب فقوله تعالى (1) «إِلّا
أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ» والتراض انما
وقع على ما اتفقا عليه فلا يجوز لهما المخالفة وقوله تعالى (2) «أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ» والعقد انما وقع على هذا فيجب الوفاء
به ، واما السنة فقوله عليهالسلام (3) «المؤمنون عند
شروطهم». وما رواه رفاعة (4) في الصحيح قال
: «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن رجل شارك
في جارية له قال : ان ربحنا فيها فلك نصف
__________________
(1) سورة البقرة الآية 282.
(2) سورة المائدة الآية 1.
(3) التهذيب ج 7 ص 22.
(4) التهذيب ج 7 ص 71 و 81.
الربح وان كان وضيعة فليس عليك شيء
فقال : لا أرى بهذا بأسا إذا طابت نفس صاحب الجارية». وأما العقل فلان الأصل
الجواز ، وقوله ان الخسران على قدر رأس المال ، قلنا متى ، مع الشرط لغيره أو
بدونه ، وبالجملة فقول الشيخ هو المعتمد. انتهى.
وهو جيد ومما يدل على ذلك ـ زيادة على الصحيحة المذكورة
ـ ما رواه الشيخ عن ابى الربيع (1) عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «في رجل شارك
رجلا في جارية فقال له : ان ربحت فلك وان وضعت فليس عليك شيء؟ فقال : لا بأس بذلك
إذا كانت الجارية للقائل».
وأما ما رواه الشيخ والصدوق عن إسحاق بن عمار (2) في الموثق قال
: «قلت لأبي إبراهيم (عليهالسلام) : الرجل يدل
الرجل على السلعة ، فيقول : اشترها ولى نصفها ، فيشتريها الرجل وينقد من ماله ،
قال : له نصف الربح ، قلت : فان وضع يلحقه من الوضيعة شيء؟ فقال : نعم عليه
الوضيعة : كما أخذ من الربح». فهو ظاهر في عدم الشرط ، فلا ينافي ما تقدم. ويمكن
الجمع بين كلامي الشيخ وابن إدريس بأن مبنى كلام ابن إدريس على الاشتراك في الثمن
كما تأول به عبارة الشيخ ، وان كان تأويله بعيدا وحينئذ فيكون الربح والوضيعة
تابعة لرأس المال ، ومبنى كلام الشيخ انما هو على الاشتراك في الشراء دون المشاركة
في المال.
وحينئذ فلا يرد على ابن إدريس الاستدلال بصحيحة رفاعة ،
فإنها ظاهرة في كون الشركة انما هو في عقد الشراء لا في المال الذي اشترى به ، الا
أنه يمكن أن يقال أنه وان كان الأمر كذلك من أن الشركة في رأس المال تقتضي كون
الربح والخسران تابعين لرأس المال ، لكن مع الشرط يكون الأمر على ما وقع عليه
الشرط ، وان خالف القاعدة المذكورة ، فإن الشروط في جميع العقود كلها من هذا
القبيل بمنزلة
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 71 و 81.
(2) التهذيب ج 7 ص 187 الفقيه ج 3 ص 139.
الاستثناء مما يقتضيه أصل العقد.
وبالجملة فالظاهر هو ما ذهب اليه الشيخ (رحمهالله) ومنه يظهر
ضعف ما ذهب اليه ابن إدريس (رحمهالله) وان تبعه فيه
شيخنا الشهيد الثاني في المسالك كما عرفت والله العالم.
المسألة السادسة ـ قد ذكروا في شراء المماليك جملة من
الأحكام استجابا وكراهة منها أنه يجوز له النظر الى وجه المملوكة ـ إذا أراد
شرائها ـ ومحاسنها والمراد بها مواضع الحسن منها والزينة كالكفين والرجلين والشعر
، قالوا ولا يشترط في ذلك اذن المولى ، ولا يجوز الزيادة على ذلك إلا بإذنه فيكون
تحليلا يتبع ما دل عليه اللفظ حتى العورة ، وكذا يجوز له مس ما يجوز النظر اليه مع
الاذن ، ونقل عن العلامة في التذكرة جواز النظر الى ما دون العورة مع عدم الاذن ،
ورده جملة ممن تأخر عنه بالبعد.
والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بذلك ما رواه الشيخ
والصدوق عن أبى بصير (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يعترض الأمة ليشتريها؟ قال : لا بأس بأن ينظر الى محاسنها ويمسها ما لم ينظر الا
ما لا ينبغي له النظر اليه».
وما رواه في التهذيب عن حبيب بن معلى الخثعمي (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) انى اعترضت
جواري بالمدينة فأمذيت؟ فقال : أما لمن يريد الشراء فليس به بأس ، وأما من لا يريد
أن يشترى فإني أكرهه».
وعن عمران بن الحارث الجعفري (3) «عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : لا أحب
للرجل أن يقلب جارية إلا جارية يريد شراءها» :.
وما رواه الثقة الجليل عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب
قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان (4) عن جعفر عن
أبيه عن على (عليهمالسلام)
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 75 الفقيه ج 4 ص 12.
(2 و 3) التهذيب ج 7 ص 236.
(4) الوسائل الباب ـ 20 ـ من أبواب بيع الحيوان الرقم ـ 4.
«أنه كان إذا أراد ان يشترى الجارية
يكشف عن ساقيها فينظر إليها». وفي هذه الرواية دلالة على جواز النظر الى الساق
زيادة على ما ذكره الأصحاب ويمكن أن يستفاد من رواية الجعفري صحة ما نقل عن
العلامة من جواز النظر الى ما عدا العورة إذا دعت الحاجة الى ذلك ويمكن أن يحمل
على ذلك قوله في رواية أبي بصير «ما لم ينظر الى ما لا ينبغي النظر اليه» بالحمل
على العورة ، ويكون ذكر المحاسن فيها انما خرج مخرج التمثيل ، ويخرج رواية قرب
الاسناد شاهدة على ذلك وبالجملة فإن ما نقل عن التذكرة غير بعيد ، وان ردوه
بالبعد.
ومنها انه يستحب لمن يشترى مملوكا ان يغير اسمه ، وأن
يطعمه شيئا من الحلو وان يتصدق عنه بشيء ، وانه يكره ان يرى المملوك ثمنه في
الميزان كل ذلك للاخبار.
ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب عن زرارة (1) «قال كنت جالسا
عند ابى عبد الله (عليهالسلام) فدخل عليه
رجل ومعه ابن له ، فقال له أبو عبد الله (عليهالسلام) : ما تجارة
ابنك؟ فقال التنخس فقال له أبو عبد الله (عليهالسلام) لا تشترين
شينا ولا عيبا ، وإذا اشتريت رأسا فلا ترين ثمنه في كفة الميزان ، فما من رأس رأى
ثمنه في كفة الميزان فأفلح ، وإذا اشتريت رأسا فغير اسمه وأطعمه شيئا حلوا إذا
ملكته وتصدق عنه بأربعة دراهم».
وعن محمد بن ميسر (2) عن أبيه عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «من
نظر الى ثمنه وهو يوزن لم يفلح». وظاهر الخبرين المذكورين أن الكراهة مترتبة على
رؤية الثمن في الميزان ، وحينئذ فلا يكره في غيره ، وربما قيل أنه انما جرى على
المتعارف من وضع الثمن فيه ، فلو رآه في غيره كره أيضا فيكون المراد انما هو
الكناية عن عدم رؤيته مطلقا ، ويؤيده أن وزن الدراهم في الميزان قليل وبه
__________________
(1 و 2) الكافي ج 5 ص 212.
يظهر ضعف تنظره في المسالك في هذا
القول.
ومنها كراهة وطئ من ولدت من الزنا بالملك والعقد ، قال
المحقق الأردبيلي (قدسسره) بعد ذكر
المصنف الحكم المذكور : قد نهي عنه في الاخبار المعتبرة المحمولة على الكراهة.
لعموم أدلة جواز النكاح والوطي ، وكأنه لعدم القائل بالتحريم.
أقول : قد نقل القول بالتحريم هنا في المسالك عن ابن
إدريس بناء على أن ولد الزنا كافر ، وأن وطأ الكافر محرم ، ثم رده بان مقدمتين
ممنوعتان وأنت خبير بما قدمناه في كتاب الطهارة من التحقيق في أحوال ابن الزنا أن
له حالة ثالثة غير حال المسلمين والكفار في النكاح وغيره والاخبار قد صرحت هنا
بالجواز على كراهية.
ومنها حسنة الحلبي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سئل
عن الرجل يكون له الخادم ولد الزنا هل عليه جناح أن يطأها؟ قال : لا وان تنزه عن
ذلك فهو أحب الي». ونحوها غيرها.
ومنها التفرقة بين الأطفال وأمهاتهم قبل استغنائهم عنهن
فقيل بالكراهة وقيل بالتحريم ، والقولان للشيخ في النهاية ، فقال : في باب ابتياع
الحيوان لا يجوز ، وقال في باب العتق أنه مكروه ، والى القول بالتحريم ذهب الشيخ
المفيد وابن البراج وسلار وابن الجنيد ، ونقل عن العلامة في التذكرة مدعيا أنه
المشهور وهو اختيار شيخنا الشهيد الثاني في المسالك والروضة ، والى القول بالكراهة
ذهب المحقق في كتابيه والعلامة في المختلف والإرشاد وابن إدريس والشهيد في اللمعة
وغيرهم.
احتج القائلون بالكراهة بما ورد من (1) «ان الناس
مسلطون على أموالهم». والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بالمقام زيادة على
الخبر المذكور ما رواه
__________________
(1) البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث.
المشايخ الثلاثة عطر الله مراقدهم عن
معاوية بن عمار (1) في الصحيح قال
: «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : أتي
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بسبي من
اليمن ، فلما بلغوا الجحفة نفدت نفقاتهم فباعوا جارية من السبي كانت أمها معهم ،
فلما قدموا على النبي (صلىاللهعليهوآله) سمع بكاءها ،
فقال : ما هذه البكاء؟ فقالوا يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) احتجنا إلى
نفقة فبعنا ابنتها فبعث بثمنها فأتي بها ، وقال : بيعوهما جميعا أو أمسكوهما جميعا».
وما رواه في الكافي والتهذيب عن سماعة (2) في الموثق قال
: «سألته أخوين مملوكين هل يفرق بينهما؟ وعن المرأة وولدها ، قال : لا هو حرام الا
أن يريدوا ذلك». ورواه في الفقيه قال : «سأل سماعة أبا عبد الله (عليهالسلام) عن أخوين
مملوكين» الحديث.
وما رواه في الكافي والتهذيب عن هشام بن الحكم (3) في الصحيح أو
الحسن عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «قال انه
اشتريت له جارية من الكوفة قال : فذهبت تقوم في بعض الحاجة ، فقالت : يا أماه فقال
لها أبو عبد الله (عليهالسلام): ألك أم؟
قالت : نعم فأمر بها فردت ، وقال : ما آمنت لو حبستها أن أرى في ولدي ما أكره».
وما رواه في الكافي عن عمر بن أبى نصر (4) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : الجارية
الصغيرة يشتريها الرجل؟ فقال : ان كانت قد استغنت عن أبويها فلا بأس».
وما رواه المشايخ الثلاثة عن ابى سنان (5) في الصحيح ـ فان
الظاهر أن ابن
__________________
(1 و 2) الكافي ج 5 ص 218 التهذيب ج 7 ص 73 الفقيه ج 3 ص 137.
(3) الكافي ج 5 ص 219 التهذيب ج 7 ص 73.
(4 و 5) الكافي ج 5 ص 219.
سنان هو عبد الله ـ عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «أنه قال في
الرجل يشترى الغلام والجارية وله أخ أو أخت أو أب أو أم بمصر من الأمصار؟ قال : لا
يخرجه الى مصر آخر ان كان صغيرا ولا يشتره فان كانت له أم فطابت نفسها ونفسه
فاشتره إن شئت».
وما رواه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك (1) عن أبي أيوب
عن النبي (صلىاللهعليهوآله) قال : «من
فرق بين والدة وولدها ، فرق بينه وبين أحبته». أقول : وهذه الرواية لم أقف عليها
في كتب أخبارنا ولا يبعد انها من طريق العامة الا ان صحيحة هشام المذكورة ظاهرة
فيما دلت عليه.
وفي كتاب الفقه الرضوي (2) «وروى في
الجارية الصغيرة تشترى ويفرق بينها وبين أمها؟ فقال : ان كانت قد استغنت عنها فلا
بأس».
هذه جملة ما حضرني من أخبار المسألة ، ودلالتها على
التحريم ظاهرة ، سيما صحيحة معاوية حيث أمر (صلىاللهعليهوآله) برد الجارية
المباعة ، والأمر للوجوب كما تقرر في محله ، وظاهرها بطلان البيع ، حيث استرجع
المبيع برد الثمن من غير رضا المشترى كما هو ظاهر الخبر ، وقوله في موثقة سماعة «هو
حرام الا ان يريدوا ذلك».
وبالجملة فإن ظاهر الاخبار هو التحريم والبطلان وبذلك
اعترف في الدروس أيضا (3).
__________________
(1) المستدرك ج 2 ص 486 عن عوالي اللئالي.
(2) المستدرك ج 2 ص 476.
(3) قال في الدروس : اختلفوا في التفريق بين الأطفال وأمهاتهم
إلى سبع سنين ، وقيل : إلى مدة الرضاع ، ففي رواية سماعة يحرم الا برضاهم وأطلق
المفيد والشيخ في الخلاف والمبسوط التحريم وفساد البيع
تنبيهات
الأول ـ قد عرفت ان الأصحاب خصوا الحكم بالأطفال ،
وفرعوا عليه ايضا الخلاف في الغاية التي يزول معها التحريم أو الكراهة ، هل هي مدة
سبع سنين ، أو أن يستغنى عن الرضاع؟ وهو مشكل ، إذ لم نقف له على مستند ، وبذلك
اعترف في المسالك أيضا ، وذكر جماعة من المتأخرين أنه مترتب على الخلاف في الحضانة
الاتى في كتاب النكاح إنشاء الله تعالى وهو أشكل لاختلاف الاخبار (1) والأقوال في
ذلك أيضا.
__________________
وهو ظاهر الاخبار ، وطرد الحكم في أم الأم وابن الجنيد طرد في
من يقوم مقام الأم في الشفقة ، وأفسد البيع في السبايا وكره ذلك في غيرهم والحليون
على كراهية التفرقة وتخصيص ذلك بالأم وهو فتوى الشيخ في العتق من النهاية انتهى
منه رحمهالله.
(1) ففي بعض الاخبار ان الولد للأب وله ان يعطيه لمن شاء يرضعه
الا يطلب الام ذلك ، فترضى بما يرضى به غيرها فهي أحق ما لم يفطم ، وفي بعض أن
الأم أحق بالولد الى سبع سنين ، وفي بعض آخر الى ان يتزوج ، وفي بعض آخر انه ما
دام في الرضاع فهو بين الأبوين ، فإذا فطم فالأب أحق به من الأم فإذا مات الأب
فالأم أحق به من العصبة ، وفي بعضها انه ليس للوصي أن يخرجه من حجر الام حتى يدرك
ويدفع اليه ماله والشيخ قد جمع بينها بأن الأم أحق قبل الفطام وإذا أرضعت بما يرضع
التهذيب ج 8 ص 104
وأنت خبير بأن ظاهر الروايات المذكورة عدم الاختصاص بالأطفال
بل ظاهر جملة منها انما هو الكبار ، كما يعطيه ظاهر صحيحة معاوية بن عمار من بيع
الجارية لنفقة العسكر ، ومن الظاهر الغالب أن قيمة الطفل لا يفي بذلك ، وأظهر منها
صحيحة هشام بن الحكم ، وقوله فيها «ان الجارية ذهبت تقوم في بعض حوائجها ،» وهو
ايضا ظاهر موثقة سماعة وان الولد فيها أعم من الصغير والكبير ، بل الظاهر انما هو
كونه كبيرا لقوله «الا ان يريدوا ذلك» فإن الإرادة لا تحصل من الرضيع.
وكذلك قوله في صحيحة ابن سنان (1) «وان كانت له
أم فطابت نفسها ونفسه ، فاشتره». فان طيب النفس لا يتم في الرضيع وهذا كله بحمد
الله سبحانه ظاهر لا ريب فيه.
الثاني ـ انه على تقدير القول بالتحريم هل يحكم ببطلان
البيع أيضا أم لا؟ وجهان بل قولان ـ يلتفتان الى ان النهى في غير العبادة لا يقتضي
الفساد ولرجوعه الى وصف خارج عن ذات المبيع ، فيكون كالبيع وقت النداء ، وعلى هذا
فيصح البيع وان اثم ، والى ان المفهوم من صحيحتي معاوية وهشام من حيث اشتمالهما
على الرد من غير رضى المتبايعين هو البطلان ، والظاهر ان الوجه فيه هو ان تحريم
التفرقة أخرجها عن صلاحية المعاوضة ، وهو الأظهر ، وفاقا لجملة من الأصحاب.
__________________
الغير فهي أحق ، وانها أحق بالأنثى ما لم تتزوج ، وجمع جملة من
الأصحاب بينها بحمل رواية السبع على الأنثى ، والحولين على الذكر ، لمناسبة الحكمة
في احتياج الأنثى إلى تربية الام زيادة على الذكر ، قال في المسالك وهذا هو الأجود
، ثم قال وحيث كان ذلك في حكم الحرة فليكن في الأمة كذلك لان حقها لا يزيد على
الحرة ، ولان ذلك هو الحق المقرر لسلام في كون الولد معها في نظر الشارع انتهى ـ منه
رحمهالله.
(1) التهذيب ج 8 ص 104.
الثالث أنه هل يختص النهى عن التفرقة بالولد مع الأم ،
أم يعم الأرحام المشاركة في الشفقة والاستيناس. كالأخت والعمة والخالة؟ قولان ،
استجود شيخنا الشهيد الثاني في الروضة والمسالك الثاني ، واستقرب العلامة في
التذكرة الأول ، وظاهر موثقة سماعة وصحيحة ابن سنان يؤيد الثاني ، الا أن ظاهرهم
تخصيص التعدية الى ما شارك الأم في الشفقة من الإناث خاصة ، وظاهر الروايتين
المذكورتين التعدي إلى الذكور أيضا فالتخصيص المذكور خروج عن النص.
والأظهر الوقوف على ما دلت عليه النصوص من الام والأخ
والأخت والأب اقتصارا فيما خرج عن الأصل على موضع النص ، ولان ما زاد لا يخرج عن
القياس.
الرابع أنه هل يلحق بالبيع غيره؟ قال في المسالك :
الظاهر عدم الفرق بين البيع وغيره ، وان كان في بعض الاخبار ذكر البيع لايمائها
إلى العلة الموجودة في غيره ، فيتعدى الى كل ناقل للعين حتى القسمة والإجارة
الموجبة للفرقة ، وحيث كانت علة المنع الفرقة فلو لم يستلزمها ـ كما لو باع أحدهما
وشرط استخدامه مدة المنع أو على من لا يحصل معه التفريق بينهما ـ لم يحرم ، مع
احتماله في الثاني إذا لم يكن الاجتماع لازما له شرعا. انتهى.
وأورد عليه (1) بأنه وان كان محتملا من جهة ظهور
العلة المفهومة فيمكن ذلك ، ولكن يشكل ذلك من جهة كونه قياسا مع عدم المنصوصية في
العلة. انتهى. وهو جيد على أنه قد تقدم ما في منصوص العلة من البحث في صدر جلد
الطهارة من هذا الكتاب (2) وبالجملة فإن
الأظهر الاقتصار في ذلك على البيع كما هو مورد الاخبار ، اقتصارا فيما خالف الأصل
على مورد النص ، والنصوص المتقدمة كلها انما تضمنت البيع والشراء ، وليس فيها ما
تضمن مجرد التفرقة إلا موثقة سماعة ،
__________________
(1) وهو المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ـ منه رحمهالله.
(2) ج 1 ص 63.
فيجب حملها على ما عداها من النصوص
المذكورة ، حمل المطلق على المقيد ، وبه يظهر أن التعدية قياس محض والله العالم.
الخامس ـ قال في المسالك : وموضع الخلاف بعد سقي الأم
اللبأ ، أما قبله فلا يجوز قطعا ، لما فيه من التسبب الى إهلاك الولد ، فإنه لا
يعيش بدونه ، صرح به جماعة. انتهى.
وفيه تأمل لأنا رأينا كثيرا من الأطفال قد عاش بدون ذلك
، بأن يشرب من لبن غير أمه بعد الولادة ، وربما تعذر وجود اللبن من أمه لمرض ونحوه
بعد الولادة مدة ، وانما يرضع من حليب غيرها ، بل قيل : انه لا يوجد اللبن في كثير
من النساء وبنحو ما قلنا صرح المحقق الأردبيلي قدسسره في شرح
الإرشاد أيضا.
السادس ـ قال في المسالك : ولا يتعدى الحكم إلى البهيمة
اقتصارا بالمنع على موضع النص ، فيجوز التفرقة بينها وبين ولدها بعد استغنائه عن
اللبن ، وقبله ان كان مما يقع عليه الزكاة أو كان له ما يمونه من غير لبن أمه
انتهى.
المسألة السابعة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) في أنه يجب استبراء الأمة على البائع قبل البيع إذا وطأها ، وكذا المشترى
ويسقط الاستبراء عن المشترى لو أخبره البائع بالاستبراء وكان ثقة أو كانت لامرأة ،
أو كانت يائسة أو صغيرة أو حاملا أو حائضا.
وتفصيل هذه الجملة يقع في موارد الأول ـ لا يخفى أن
الاستبراء عبارة عن طلب برأيه الرحم من الحمل ، فإنه إذا صبر عليها المدة المضروبة
لذلك حسبما يأتي ذكره في الاخبار تبين به حملها أو عدمه ، والحكمة فيه عدم اختلاط
الأنساب والمشهور بين الأصحاب ـ وبه صرح الشيخ وتبعه الأصحاب ـ انه لا فرق في ذلك
بين البيع وغيره من الوجوه الناقلة للملك ، وكذا القول في الشراء فيجب الاستبراء
بكل ملك زائل وحادث ، وخالف في ذلك ابن إدريس فخصه بالبيع ، دون غيره من الوجوه
المشار إليها ، قال العلامة (قدسسره) في المختلف :
قال الشيخ
في الخلاف : إذا ملك أمة بابتياع أو
هبة أو إرث أو استغنام لم يجز له ووطؤها الا بعد الاستبراء.
وقال ابن إدريس : لا يجب في غير البيع ، لأن الذي رواه
أصحابنا في تصانيفهم الخالية من فروع المخالفين وبياناتهم ونطقت به أخبار الأئمة (عليهمالسلام) أن الاستبراء
لا يجب الا على البائع والمشترى ، ولم يذكروا غيرهما ، والأصل براءة الذمة ،
والتمسك بقوله تعالى (1) «أَوْ
ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» وهذه ملك يمين والحق ما قاله الشيخ ،
لنا أن المقتضى لوجوب الاستبراء في صورة البيع ثابت في غيره ، وهو العلم باستفراغ
رحمها ، والاختلاط على الأنساب ، والحفظ من اختلاطها ، وأى فرق بين قوله بعتك ،
وقوله وهبتك ، بحيث يوجب الأول الاستبراء دون الثاني ، ولا يخفى ذلك على محصل ،
وأسند النقل الى كتاب الخلاف ونسبه الى أنه من فروع المخالفين ، ولعله لم يقف في
النهاية على باب السراري وملك الايمان ، فإن الشيخ نص فيه على ذلك أيضا ، بل هو
نفسه قال في هذا الباب متى ملك الرجل جارية بأحد وجوه التملكات من بيع أو هبة أو
سبي أو غير ذلك لم يجز له ووطؤها في قبلها الا بعد أن يستبرأها ، فلعله بعد ذلك
وقف على شيء لم يقف عليه من الأول حتى خرج كونه من فروع المخالفين ، وبالجملة
فهذا الرجل يخبط ولا يبالي أين يذهب ، ويتجرى على شيخنا (قدسسره) بما لا يجوز
انتهى وهو جيد.
ويؤيده ما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسن بن صالح (2) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «نادى
منادي رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في الناس يوم
أوطاس : أن استبرؤا سباياكم بحيضة». الا أنها خاصة بالاسترقاق ، وظاهر صاحب
__________________
(1) سورة النساء الآية ـ 3.
(2) التهذيب ج 8 ص 176.
الكفاية التوقف هنا ، والميل الى ما
ذهب اليه ابن إدريس ، وقال المحقق الأردبيلي (قدسسره) : الظاهر
إلحاق الأمور الناقلة للأمة والمبيحة للفرج بالبيع والشراء في وجوب الاستبراء ،
وتحريم الوطي لظهور العلة مع احتمال الخصوص ، وهو بعيد ، خصوصا من جانب المتملك ،
فان المقصود لم يتم الا بذلك انتهى.
الثاني الاستبراء يقع بخمسة وأربعين يوما ان لم تحض ،
والا فحيضة ، ووجوب الاستبراء على البائع ومن في حكمه مشروط بأن يطأها وان عزل ،
وأما المشترى ومن في حكمه فإنما يجب عليه الاستبراء مع علمه بوطىء السابق ، أو
جهله الحال ، فلو علم الانتفاء لم يجب لانتفاء الفائدة ، وللنص.
وأما ما يدل على وجوب الاستبراء على البائع والمشترى
وكذا على جملة من هذه الأحكام فجملة من الاخبار ، منها خبر الحسن بن صالح المتقدم
، وما رواه في الكافي. عن سماعة (1) في الموثق «قال سألته ، عن رجل اشترى
جارية وهي طامث أيستبرئ رحمها بحيضة أخرى أو تكفيه هذه الحيضة؟ قال : لإبل تكفيه
هذه الحيضة ، فإن استبرأها بأخرى فلا بأس هي بمنزلة فضل».
وعن ربيع بن القاسم (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الجارية
التي لم تبلغ الحيض (3) وتخاف عليها
الحبل ، فقال : يستبرئ رحمها الذي يبيعها بخمس وأربعين ليلة ، والذي يشتريها بخمس
وأربعين ليلة».
وما رواه الشيخ عن عبد الرحمن ابن ابى عبد الله (4) عن ابى عبد
الله (عليهالسلام)
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 174.
(2) التهذيب ج 8 ص 170.
(3) قوله لم تبلغ الحيض أي أنها بلغت ، لكنها لم تحض والا فلا
معنى لكونها ما تخوف عليها الحبل ولو لم يبلغ بالكلية ـ منه رحمهالله.
(4) التهذيب ج 8 ص 172.
في الرجل يشتري الجارية ولم تحض أو
قعدت عن المحيض كم عدتها قال : خمس وأربعون ليلة». أقول الظاهر ان المراد بهذه
الرواية هي من كانت في سن من تحيض ولم تحض بالكلية أو انها حاضت ثم انقطع عنها
الحيض ، وهي في سن من تحيض ، لما عرفت آنفا من عدم العدة على الصغيرة واليائسة.
ويدل ايضا ما رواه هذا الراوي بعينه (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يشتري الجارية التي لم تبلغ المحيض ، وإذا قعدت من المحيض ما عدتها؟ وما يحل للرجل
من الأمة حتى يستبرأها قبل ان تحيض؟ قال : إذا قعدت عن المحيض أو لم تحض فلا عدة
لها والتي تحيض فلا يقربها حتى تحيض وتطهر». ونحوها غيرها مما سيأتي أنشأ الله
تعالى.
وعن منصور بن حازم (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن عدة الأمة
التي لم تبلغ المحيض وهو يخاف عليها فقال : خمس وأربعون ليلة».
وما رواه في الكافي والتهذيب في الحسن عن حفص البختري (3) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «في
الرجل يشتري الأمة من رجل فيقول : انى لم أطأها فقال : ان وثق به فلا بأس بأن
يأتيها ، وقال في رجل يبيع الأمة من رجل فقال : عليه أن يستبرئ من قبل ان يبيع».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (4) عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «في
رجل ابتاع جارية لم تطمث ، قال : ان كانت صغيرة لا يتخوف عليها الحبل فليس عليها
عدة ، فليطأها ان شاء ، وان كانت قد بلغت ولم تطمث فان عليها العدة ، قال : وسألته
عن رجل اشترى جارية وهي حائض قال : إذا طهرت فليمسها ان شاء».
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 172.
(2 و 3 و 4) التهذيب ج 8 ص 172 و 173 و 171.
ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن مثله ، وعن ابن ابى
يعفور (1) عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «في
الجارية التي لم تطمث ولم تبلغ الحبل إذا اشتراها الرجل ، قال : ليس عليها عدة يقع
عليها» الحديث.
وما رواه في الكافي عن عبد الله بن عمر (2) قال : قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) أو لأبي جعفر
(عليهالسلام) الجارية
الصغيرة يشتريها الرجل وهي لم تدرك أو قد يئست من المحيض قال فقال لا بأس ان لا
يستبرئها».
وما رواه الصدوق مرسلا (3) قال : «قال
أبو جعفر (عليهالسلام) : إذا اشترى
الرجل جارية وهي لم تدرك أو قد يئست من المحيض فلا بأس بأن لا يستبرأها».
وما رواه الشيخ عن عمار (4) في الموثق قال
: «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) الاستبراء
على الذي يريد أن يبيع الجارية واجب ان كان يطأها ، وعلى الذي يشتريها الاستبراء
أيضا قلت : فيحل له أن يأتيها دون فرجها؟ قال : نعم قبل أن يستبرأها».
وما رواه في كتاب عيون اخبار الرضا عن محمد بن إسماعيل
بن بزيع (5) عن الرضا عليهالسلام «في حد الجارية
الصغيرة السن الذي إذا لم تبلغه لم يكن على الرجل استبراؤها؟ قال إذا لم تبلغ
استبرئت بشهر ، قلت : وان كانت ابنته سبع سنين ونحوها مما لا تحمل ، فقال : هي
صغيرة ولا يضرك أن لا تستبرئها ، فقلت :
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 171.
(2) الكافي ج 5 ص 472.
(3) الفقيه ج 3 ص 283.
(4) التهذيب ج 8 ص 177.
(5) الوسائل الباب 3 من أبواب نكاح العبيد.
ما بينها وبين تسع سنين؟ فقال : نعم
تسع سنين».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري (1) عن ابى الحسن
الرضا (عليهالسلام) قال : «سألته
عن رجل يبيع جارية كان يعزل عنها هل عليه منها استبراء؟ قال : نعم ، وعن أدنى ما
يجزى من الاستبراء للمشتري والبائع؟ قال : أهل المدينة يقولون حيضة ، وكان جعفر (عليهالسلام) يقول :
حيضتان ، وسألته عن أدنى استبراء البكر فقال : أهل المدينة يقولون حيضة ، وكان
جعفر (عليهالسلام) يقول :
حيضتان». ونحوها في الاستبراء بحيضتين صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع الاتية في
مسألة اخبار البائع بالاستبراء.
وما رواه في الكافي عن سماعة (2) في الموثق قال
: «سالته عن رجل اشترط جارية ولم يكن لها زوج أيستبرئ رحمها؟ قال : نعم ، قلت فان
كانت لم تحض؟ قال : أمرها شديد وان هو أتاها فلا ينزل الماء حتى يستبين أحبلى هي
أم لا ، قلت : وفي كم تستبين له؟ قال : في خمسة وأربعين يوما».
وعن الحبلى (3) في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «في رجل
اشترى جارية لم يكن صاحبها يطؤها أيستبرئ رحمها؟ قال : نعم ، قلت : جارية لم تحض
كيف يصنع بها؟ قال : أمرها شديد غير أنه ان أتاها فلا ينزل عليها حتى يستبين له ان
كان بها حبل قلت : وفيكم يستبين له؟ قال : في خمس وأربعين ليلة». الى غير ذلك من
الاخبار المتعلقة بهذا المقام وسيأتي أيضا نحوها.
والكلام فيها يقع في مواضع ، أحدها ما دلت عليه جملة
منها من وجوب الاستبراء على البائع والمشترى ، مما لا خلاف فيه فيما أعلم ولا
اشكال والمعتبر في الاستبراء عندهم هو ترك الوطي في القبل والدبر ، واحتمل بعض
المحققين تخصيص الوطي بالقبل ، ولا يخلو من قرب ، فإنه هو المتبادر من الاخبار
بحمل
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 171.
(2 و 3) الكافي ج 5 ص 472.
مطلقها على مقيدها ، ولانه هو المناسب
للاستبراء بالحيض ، والحكمة في الاستبراء ، على أن إطلاق الاخبار انما يحمل على
الفرد الشائع المتكرر ، وهو انما يكون بالنسبة إلى القبل كما لا يخفى ، الا أن الاحتياط
في الوقوف على ما ذكره الأصحاب.
وكيف
كان فلا يتعدى الاستبراء إلى باقي وجوه الاستمتاع ، خلافا للشيخ في المبسوط على ما
نقل عنه حيث حرم الجميع على المشترى حتى يستبرأها ويرده نولها في صحيحة محمد بن
إسماعيل الاتية قريبا إنشاء الله (تعالى) «قلت : يحل للمشتري ملامستها؟ قال : نعم
، ولا يقرب فرجها». وقوله عليهالسلام في رواية عبد الله بن سنان الاتية
إنشاء الله تعالى أيضا «ولكن يجوز ذلك فيما دون الفرج». وفي رواية عبد الله بن
محمد (1) عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس بالتفخيذ لها حتى
تستبرئها وان صبرت فهو خير لك».
ويؤيده أن العلة براءة الرحم وعدم اختلاط الأنساب ، الا
أنه لو لم يستبرئها البائع ونحوه ، فالظاهر من كلام الأصحاب انه يأثم ويصح البيع
وغيره من العقود لرجوع النهي إلى أمر خارج عن البيع ، والظاهر أنه لا كلام في وجوب
تسليم البائع الجارية إلى المشتري لو لم يستبرئها لأن تركه الواجب عليه من
استبرائها لا يوجب جواز حبس المال عن صاحبه.
واما ما احتمله في المسالك ـ من بقاء وجوب الاستبراء
قبله ولو بالوضع على يد عدل لوجوبه قبل البيع فيستصحب ـ فلا يخلو من ضعف لعدم حجية
مثل هذا الاستصحاب المتثاقل في أمثال هذه المقامات ، واما إبقاؤها في يد البائع
فلا يجب قطعا ، لأنها صارت أجنبية منه بالبيع ، ولو لم يستبرئها المشتري أثم وعزر
مع العلم بالتحريم ويلحق به الولد ، لانه فراش ، وهل يسقط الاستبراء حينئذ؟ إشكال
، ينشأ من انتفاء الفائدة فيه والحكمة المطلوبة في المقام ـ لانه قد
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 178.
اختلط الماء ان ، وألحق به الولد الذي
يمكن تجدده ـ ومن إطلاق الأمر بالاستبراء في المدة ، وهي باقية ، وفي رواية عبد
الله بن سنان (1) الاتية قريبا
إنشاء الله تعالى «لان الذين يشترون الإماء ثم يأتونهن قبل أن يستبرؤهن فأولئك
الزناة بأموالهم».
وثانيها ـ أكثر الروايات المتقدمة على الاكتفاء بالحيضة
الواحدة في الاستبراء وهو المشهور في كلامهم من غير خلاف يعرف ، الا ان صحيحة سعد
بن سعد الأشعري وكذا صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع دلنا على الحيضتين ، ونسبة
الحيضة الى علما العامة.
والشيخ ومن تبعه حملوها على الاستحباب ، واستند الشيخ في
الحمل المذكور إلى موثقة سماعة المتقدمة ، وقوله (عليهالسلام) فيها «فإن
استبرأها بأخرى فلا بأس ، هي بمنزلة فضل» وهو جيد ، ولو لا اتفاق الأصحاب على
الحكم المذكور وتظافر الاخبار به لأمكن حمل أخبار الحيضة على التقية كما يشعر به
ظاهر الصحيحتين المذكورتين ، والاحتياط يقتضي العمل بهما.
وثالثها ـ ما دلت عليه الاخبار المتقدمة ـ من أنه مع عدم
الحيض فالاستبراء بخمسة وأربعين يوما ـ هو المشهور بين الأصحاب ، ونقل في المختلف
عن الشيخ المفيد أن الاستبراء بثلاثة أشهر ولم نقف على مستنده ورابعها ما دل عليه
موثق سماعة المتقدم ـ ونحوه صحيح الحلبي المتقدم الاكتفاء بإتمام الحيضة عند
انتقالها إليه حائضا ـ هو المشهور بين الأصحاب ، ونقل عن ابن إدريس عدم الاكتفاء
بذلك وهو مردود بالأخبار المذكورة.
وخامسها ـ ما تضمنه صحيح الحلبي ونحوه غيره ـ كرواية ابن
ابى يعفور ورواية عبد الله بن عمرو مرسلة الفقيه وغيرها من جواز وطئ الصغيرة ـ لا
يخلو من
__________________
(1) الفقيه ج 2 ص 282.
الاشكال ، لظاهر الاتفاق نصا وفتوى
على أنه لا يجوز الوطء قبل بلوغها ، فان المراد من الصغيرة عند الإطلاق هي من لم
يبلغ سنها تسع سنين الذي هو سن البلوغ ، ولا يمكن الحمل على من تجاوز سنها التسع
ولم تحض بناء على الغالب لان قوله في الصحيحة المذكورة «وان كانت قد بلغت ولم تطمث»
ما ينافي ذلك
ويمكن توجيه الروايات المشار إليها وان بعد بأنه لا بأس
من حيث عدم الاستبراء وان وجد البأس من جهة أخرى ، ويحتمل أن يكون المراد أنها
كانت صغيرة عند البائع ، فلو وطأها البائع ـ وان فعل محرما ـ كان في حال عدم
البلوغ وأنها بلغت عند المشترى قبل الاستبراء فلا بأس حينئذ بأن يطأها المشتري
بدون الاستبراء لعدم إمكان حملها من البائع ، حيث أنها لم تكن بالغة يومئذ ،
وكونها بالغة عند وطئ المشترى ، وينبغي ان يحمل على ذلك كلام الأصحاب أيضا ، حيث
أنهم جعلوا من مسقطات الاستبراء ما إذا اشتراها صغيرة ، حيث أنه مؤذن بجواز الوطي
من غير استبراء ، ولم أر من تنبه لما نبهنا عليه سوى المحقق الأردبيلي (قدسسره) في شرح
الإرشاد ، وقد سبق لنا لهذا الإشكال في حواشينا على الوافي قبل تصنيف هذا الكتاب
بما ذكرناه هنا ، وقد وفق الله سبحانه للوقوف على كلام المحقق المذكور مؤيدا لما
ذكرناه ، حيث قال ـ بعد نقل صحيحة الحلبي ورواية ابن ابى يعفور دليلا لما ذكره
الأصحاب من عدم وجوب الاستبراء على الصغيرة ـ ما لفظه : وفيه تأمل لأنه يفهم منه
تجويز الوقوع على غير البالغ ، مع انه حرام قبل البلوغ عندهم ، أو البالغ التي لم
يتخوف عليها الحبل لصغرها من غير استبراء ، وهو جائز ، فلعل المراد عدم التحريم من
جهة الاستبراء ، أو الوقوع بعد البلوغ انتهى. والاحتمال الثاني الذي ذكره وان تم
في بعض الروايات المشار إليها ، الا أنه لا يتم في صحيحة الحلبي لما ذكرناه من
مقابلة الصغيرة بالبالغة ، فإنه ظاهر في أن المراد بها قبل البلوغ.
وسادسها ـ ما تضمنه موثق سماعة وصحيح الحلبي بالنسبة إلى
الجارية التي
لم تحض ، من أن أمرها شديد ـ وأنه ان
أتاها فلا ينزل حتى يستبين له حالها من كونها حبلى أم لا ـ لا يخلو من الإشكال ،
فإن قوله «لم تحض» اما أن يراد به الكناية عن كونها صغيرة لم تبلغ ، وحينئذ فالحكم
بجواز إتيانها وان كان مع عدم الانزال خلاف الاخبار وكلام الأصحاب الصريح في عدم
جواز الوطي في الصورة المذكورة ، وان أريد بها البالغة وان لم تحض بالفعل فوجوب
الاستبراء فيها مما اتفقت عليه الاخبار ، وكلمة الأصحاب أيضا ، فجواز جماعها على
كل من الوجهين لا وجه له.
قال شيخنا المجلسي عطر الله مرقده في حواشيه على كتب
الاخبار في خبر سماعة : يمكن حمله على أن عدم الإنزال كناية عن عدم الوطي في الفرج
، وشدة أمرها باعتبار عسر الصبر في هذه المدة ، وهو مؤيد لما ذهب إليه الأصحاب من
جواز الاستمتاع بها فيما دون الفرج ، وذهب جماعة إلى المنع من الاستمتاع بها
مطلقا. انتهى ولا يخفى بعده.
وقال والده في حواشيه له على هذا الخبر ايضا : قوله (عليهالسلام) «أمرها شديد»
أي في الاستبراء وعدم الوطي أو ترك الانزال ، قوله «فإن أتاها» وان كان حراما ، أو
يحمل على تقدير الاخبار أو كان ذلك على جهة الاستحباب ، أو يحمل الإتيان على غير
الفرج ، اى الدبر وترك الانزال ، لإمكان الحمل بوطىء الدبر انتهى وهو كسابقه.
أقول وقد روى ثقة الإسلام في الكافي عن ابى بصير ـ (1) وهو ليث
المرادي في حديث ـ «انه قال لأبي عبد الله (عليهالسلام) : الرجل
يشتري الجارية الصغيرة التي لم تطمث وليست بعذراء أيستبرئها؟ قال : أمرها شديد إذا
كان مثلها تعلق ، فليستبرئها». ورواه الشيخ في الصحيح مثله ، والظاهر من هذا الخبر
انه اشترى الجارية بعد افتضاضها وزوال بكارتها ، ولكن في ظنه انها لم تبلغ سيما مع
عدم طمثها ، فقال
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 475 التهذيب ج 8 ص 176.
(عليهالسلام) : ان هذه
باعتبار عدم معلومية البلوغ وعدمه محل إشكال ، وأمرها شديد ، سيما إذا كان مثلها
ومن هو في قدر جثتها وصورتها يحصل له الحمل ، فالواجب استبراؤها إذا كانت بهذه
الكيفية ، وحينئذ فيمكن حمل الخبرين المشار إليهما على من كانت كذلك ، وقوله فيهما
جارية «لم تحض» اى لم يعلم بلوغها بالحيض ، ولكنها محتملة للبلوغ وعدمه بالسن ،
فأجاب (عليهالسلام) بأن هذه من
حيث احتمال البلوغ وعدمه أمرها شديد ، الا انه حيث كان الأصل عدم البلوغ حتى يتحقق
، فلا بأس لو جامعها ، لكن الاحتياط في العزل عنها حتى يستبرئها ، وفي خبر ابى
بصير إنما أمر بالاستبراء من حيث ان مثلها تعلق ، فهو قرينة على احتمال البلوغ ،
ومرجح له ويعضده ما تقدم في رواية منصور بن حازم من قوله «سألته عن عدة الأمة التي
لم تبلغ المحيض وهو يخاف عليها؟ فقال : خمسة وأربعون ليلة» ،. ونحوها رواية ربيع
بن القاسم ، فإنهما ظاهرتان في عدم تحقق البلوغ ، إلا أنهما محتملة له احتمالا
قريبا حسبما ذكرناه في رواية أبي بصير المذكورة ، ونحو هذه الروايات في ذلك مفهوم
صحيحة الحلبي المتقدمة.
فرعان
الأول ـ قال الشيخ في النهاية والشيخ المفيد : إذا اشترى
جارية وعزلها عند انسان للاستبراء كانت من مال البائع إذا هلكت في مدة الاستبراء
ما لم يحدث المبتاع فيها حدثا ، فإن أحدث كان تلفها منه.
وقال في المبسوط : وان جعلت عند من يثق به جاز ، فان
هلكت فان كان المشترى قبضها ثم جعلت عند عدل فمن ضمان المشتري ، لأن العدل وكيله ،
ولو سلمها البائع للعدل قبل قبض المشترى بطل البيع ، واختاره ابن إدريس قال
العلامة في المختلف بعد نقل ذلك : ولا أرى بينهما تنافيا ، فان كلام النهاية قد
يحمل على هذا.
أقول حمل كلام النهاية على هذا تعسف ظاهر ، فان كلامه
ظاهر في ان المودع
للجارية انما هو المشترى ، ومع هذا
جعل هلاكها من البائع ، والحق في المسألة انما هو ما ذكره في المبسوط ، وحمل كلامه
في النهاية على ذلك مما لا يخفى بعده.
الثاني قال الشيخ في النهاية والمفيد وابن حمزة : النفقة
مدة الاستبراء على البائع ، قال في المختلف : وليس بجيد ، لأنها ملك المشترى
والنفقة تابعة للملك انتهى وهو جيد ، ونقل عنه ايضا القول بما ذهب اليه الشيخان ،
قال في الدروس : والنفقة على البائع مدة الاستبراء عند الشيخين ، والفاضل تارة
يقول به بشرط الوضع عند عدل ، وتارة يقول النفقة على المشترى ، لأنها تابعة للملك.
انتهى وهو ظاهر في اضطراب فتواه (قدسسره) في هذه
المسألة.
الثالث ـ قد عرفت آنفا انه يسقط الاستبراء في مواضع تقدم
ذكرها إجمالا ، والواجب ذكرها مفصلا وبيان القول فيها مشروحا ، فمنها الصغيرة وقد
تقدم ذكر الأخبار الدالة عليها وما فيها من الاشكال ، والجواب عن ذلك بما رزق الله
سبحانه فهمه في هذا المجال.
ومنها اليائسة وقد تقدمت في جملة من الاخبار المتقدمة كصحيحة
عبد الرحمن ابن أبى عبد الله (1) وقوله (عليهالسلام) فيها «إذا
قعدت عن المحيض أو لم تحض فلا عدة عليها». ونحوها رواية عبد الله بن عمرو مرسلة
الصدوق ، الا انه قد تقدم أيضا ما يشعر بالعدة عليها وعلى الصغيرة ، مثل رواية عبد
الرحمن بن أبى عبد الله (2) «في الجارية
التي لم تحض أو قعدت عن الحيض كم عدتها؟ قال : خمسة وأربعون ليلة». وحملها بعض
الأصحاب على الاستحباب ، وحملها الشيخ على التي يخاف عليها الحبل ، وظني أن ما
قدمناه في تأويلها أقرب ، وبالجملة فإن هذه الرواية على ظاهرها مخالفة للأصل
والشهرة بل الإجماع في الصغيرة والروايات المتقدمة ، مضافا الى ضعف سندها.
ومنها ما لو أخبر البائع بالاستبراء مع كونه ثقة ، وهو
المشهور خلافا
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 8 ص 172.
لابن إدريس ، وتبعه فخر المحققين في
شرح القواعد فأوجبا عليها الاستبراء ، والاخبار هنا لا يخلو من اختلاف.
ومنها ما تقدم في حسنة حفص بن البختري (1) من قوله (عليهالسلام) «ان وثق به
فلا بأس ان يطأها». وما تقدم في صحيحة الحلبي أو حسنته «في رجل اشترى جارية ولم
يكن صاحبها يطأها أيستبرى رحمها؟ قال : نعم». وهي محمولة على عدم الوثوق به.
ومنها ما رواه الشيخ عن ابن سنان (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يشتري الجارية ولم تحض؟ قال : يعتزلها شهرا ان كانت قد يئست ، قلت : أفرأيت ان
ابتاعها وهي طاهرة وزعم صاحبها انه لم يطأها منذ طهرت؟ قال : ان كان عندك أمينا
فمسها ، فقال : ان ذا الأمر شديد فان كنت لا بد فاعلا فتحفظ لا تنزل عليها ،».
وظاهر هذا الخبر لا يخلو من الاشكال ، وحمله بعض مشايخنا
(رضوان الله عليهم) على كونه أمينا بحسب الظاهر ، وما تقدم في رواية حفص على كونه
ثقة بحسب المعاشرة ، ولا بأس به ، واما الأمر باعتزالها شهر فلعله محمول على من
تحيض في كل شهر ، كذا ذكره بعض المحققين (3) وفيه ان الرواية صريحة في انها لم
تحض فكيف تحمل على من تحيض في كل شهر.
ومنها ما رواه الشيخ عن ابى بصير (4) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) الرجل يشتري
الجارية وهي طاهرة ويزعم صاحبها انه لم يمسها منذ حاضت فقال : ان ائتمنته فمسها». وعد
هذه الرواية في المسالك في الصحيح ، مع ان الراوي عن ابى بصير وهو شعيب العقرقوفي
هو قرينة يحيى بن القاسم الذي يعدون حديثه
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 8 ص 173.
(3) هو المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد. منه رحمهالله).
(4) التهذيب ج 8 ص 173.
في الضعيف.
وعن محمد بن حكيم (1) عن العبد الصالح (عليهالسلام) «قال إذا
اشتريت جارية فضمن لك مولاها انها على طهر فلا بأس ان تقع عليها» ، ويجب تقييد
إطلاقها بما دل على اعتبار الوثاقة والامانة ، جمعا بينها وبين صحيحة الحلبي
الناصة على الاستبراء مطلقا.
وروى الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا قال : «وروى أنه لا
بأس أن يطأ الجارية من غير استبراء لها إذا كان بائعها قد أخبره باستبرائها ، وكان
صادقا في ظاهره مأمونا».
وعن محمد بن إسماعيل (2) في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الجارية
تشترى من رجل مسلم يزعم انه قد استبرأها أيجزي ذلك أم لا بد من استبرائها؟ قال :
أستبرئها بحيضتين ، قلت : يحل للمشتري ملامستها؟ قال : نعم ولا يقرب فرجها». وقد
عرفت الكلام في مثلها.
وما رواه في الفقيه والتهذيب عن عبد الله بن سنان (3) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : أشترى
الجارية من الرجل المأمون فيخبرني أنه لم يمسها منذ طمثت عنده وطهرت قال : ليس
بجائز أن تأتيها حتى تستبرأها بحيضة ، ولكن يجوز ذلك ما دون الفرج ان الذين يشترون
الإماء ثم يأتونهن قبل أن يستبرؤهن فأولئك الزناة بأموالهم». وحملها الأصحاب على
الاستحباب جمعا ولا بأس به.
واعلم أن جملة من الأصحاب قد عبروا هنا بالثقة كالمحقق
في كتابيه وغيره ، قال في المسالك : انما عبروا بالثقة لوروده في النصوص المذكورة
في هذه الباب ، والظاهر أن المراد بالثقة العدل ، لأنه الثقة شرعا ، وبه صرح في
النافع
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 8 ص 173.
(3) الفقيه ج 3 ص 282 التهذيب ج 8 ص 212.
مع احتمال الاكتفاء بمن تسكن النفس
اليه وتثق بخبره. انتهى ملخصا.
وفيه أولا أن ما ذكره من ورود لفظ الثقة في النصوص ليس
في محله ، وهذه نصوص المسألة كما تلوناها خالية من ذلك ، نعم ذلك في عبارة كتاب
الفقه الرضوي الاتية إنشاء الله تعالى ، ولكن الكتاب غير مشهور عندهم ، وثانيا ان
تفسير الثقة بالعدل شرعا كما ذكره ، فيه ما ذكره بعض مشايخنا المحققين من متأخري
المتأخرين من أن هذا اصطلاح طار منهم (رضوان الله عليهم) غير موجود في زمنهم (عليهمالسلام) وبذلك يظهر
أن الأظهر في معناه انما هو ما جعله احتمالا في المقام ، كما صرح به جملة من
متأخري علمائنا الاعلام ، وهو المفهوم من أخبار المسألة سيما مرسلة المقنعة.
ومنها ما لو كانت لامرأة على المشهور ، وخالف فيه ابن
إدريس وتبعه فخر المحققين أيضا ، ويدل على المشهور مضافا الى الأصل جملة من
الاخبار منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص (1) عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «في الأمة
تكون للمرأة فتبيعها؟ قال : لا بأس ان يطأها من غير ان يستبرئها».
وعن رفاعة (2) في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الأمة
تكون لامرأة فتبيعها؟ قال : لا بأس أن يطأها من غير أن يستبرأها».
وما رواه عن زرارة (3) في الموثق قال : «اشتريت جارية
بالبصرة من امرأة فخبرتني أنه لم يطأها أحد ، فوقعت عليها ولم أستبرئها فسألت عن
ذلك أبا جعفر (عليهالسلام) فقال : هو ذا
انا قد فعلت ذلك وما أريد أن أعود». أقول : ومن هذه الرواية يستفاد استحباب
الاستبراء في هذه الصورة.
ومنها الحامل على خلاف في ذلك يأتي ذكره في المسألة
الاتية إنشاء الله تعالى.
ومنها الحائض وقد تقدم ما يدل عليه في صحيح الحلبي وموثق
سماعة الدالان
__________________
(1 و 2 و 3) التهذيب ج 8 ص 174.
على انتقالها اليه حال الحيض ، وأنه
يكفى في صحة وطئها إتمام الحيضة وطهرها من الحيض ، والتقريب فيهما ان التوقف على
الطهر انما هو من حيث تحريم الوطي في حال الحيض ، لا من حيث الاستبراء ، ووجوب
العدة بل الاستبراء والعدة هنا ساقطة ، وقد تقدم نقل الخلاف عن ابن إدريس في ذلك ،
ولا وجه له كما عرفت هذا ما حضرني من المواضع المنصوصة.
بقي الكلام هنا في مواضع أخر منها ـ امة العنين والمجبوب
والصغير الذي لا يمكن في حقه الوطي هل تلحق بأمة المرأة في عدم الاستبراء أم لا؟
ظاهر المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد الأول ، وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في
المسالك الثاني ، ولا بأس بنقل كلاميهما في المقام وان طال به زمام الكلام ، لما
فيه من مزيد الفائدة لذوي الأفهام.
قال في المسالك بعد ذكر حكم امة المرأة وهل يلحق به امة
العنين والمجبوب والصغير الذي لا يمكن في حقه الوطي نظر ، من المشاركة فيما ظن انه
علة للحكم ، وهو الا من من الوطي ، ومن انه قياس والمناسب للأصول الشرعية عدم
الإلحاق ، وليس من مواضع الاشكال ما لو باعتها المرأة لرجل في المجلس فباعها حينئذ
، بل لا يجب الاستبراء هنا قطعا ، للعلم بعدم وطئ البائع ، وقد يحتال لسقوط
الاستبراء ببيعها لامرأة ثم شراؤها منها ، لاندارجها حينئذ في أمة المرأة نظر الى
إطلاق النص من غير تعليل ، وكذا لو باعها لرجل ثم اشتراها منه قبل وطيه لها ، حيث
يجوز ذلك. انتهى.
وقال المحقق المشار اليه : واعلم ان الظاهر عدم
الاستبراء في أمة الطفل على الولي البائع ، ولا على المشترى ، وكذا امة المجبوب
والعنين ، ولا على التي علم عدم الوطء بيقين ، مثل ان يملك رجل في مجلس امة لا يجب
استبراؤها ، لكونها ملك امراة ثم باعها في الحال ، فإنه لا استبراء عليه ، ولا على
المشترى الذي يعلم ذلك مثلا ، أو ان يكون بعيدا عنها بحيث لا يمكن الوصول إليها ،
أو قريبا ولكن
كان مع المشترى ولم تفارقه زمانا يمكن
الوصول إليها ، وغير ذلك.
ودليله الأصل مع عدم دليل صحيح على الوجوب ، فإن عمدة
أدلة وجوب الاستبراء على البائع هو الإجماع ، مستندا الى بعض الاخبار ، ولا إجماع
في أمثال ذلك على ما يظهر ، للأصل ، والخبر ليس بحيث يشمل هذه الصور ، لا عموما
ولا خصوصا ، ولان المفهوم من الروايات المتقدمات وعبارات الأصحاب ان ما لم يطأ ولا
يتخوف من الحبل لا يجب الاستبراء ، ولهذا قيد وجوبه على البائع بالوطء على المشترى
باحتماله في الروايات ، مثل موثقة عمار الساباطي ، ثم نقل الرواية كما قدمناه.
ثم قال : ويؤيده عدم الاستبراء في أمة المرأة والفرض
انتفاء الوطي والحبل فيما صورناه ، فليس الحكم فيما ذكرناه ملحقا بحكم أمة المرأة
للاشتراك في عدم الوطي فيكون قياسا ، بل مقتضى أصول الشريعة عدمه ، كما قال في شرح
الشرائع : على انه مسلم ان الصورة الأخيرة ليست بمحل الإشكال ، فإنه لا استبراء
فيها من غير اشكال ، ثم إذا نظر الى ما ذكرناه يظهر أن الحيلة ببيع الأمة التي يجب
استبراؤها على امراة ثم الاشتراء منه لا تنفع ، ولا تسقط وجوب الاستبراء عن
المشتري ، فتأمل واحفظ وهو حسن في الكل حتى فيما ذكرناه ، فإنه فرج موصى بالاحتياط
فيه في الرواية. انتهى.
وهو جيد سيما في رده عليه في سقوط الحيلة التي ذكرها في
الصورتين المذكورتين في كلامه ، فإنها حيلة باطلة ، وكأنها مبنية على ما هو
المشهور بينهم من الحيلة في إسقاط العدة عن البائنة ، متعة كانت أو دائمة مختلعة
أو مطلقة ثلاث ، قالوا انها لو تزوجها الزوج الأول وتمتع بها ثم فارقها بغير دخول
، فإنه لا عدة عليها لا بالنسبة إلى الزوج المذكور ولا غيره ، ويجوز لها التزويج
بعد مفارقته لها ثانية بشخص آخر غيره ، لكونها غير مدخول بها ، وفيه ان سقوط العدة
الأولى عنها في هذه الصور انما هو بالنسبة إلى الزوج ، فإنه يجوز له التزويج بها ،
وهذا الطلاق الثاني الواقع قبل الدخول وان لم يترتب عليه العدة اتفاقا ، لكن
الكلام في العدة الأولى ، فإنها واجبة بالنص آية
ورواية ، والإجماع ، وغاية ما يستفاد
سقوطها بالنسبة إلى الزوج ، فيجوز له العقد عليها لعدم وجوب الاستبراء من مائه ،
وطلاقه لها بعد العقد المجرد عن الدخول لا يؤثر في سقوط تلك العدة ، وهكذا القول
فيما نحن فيه ، فإنه لو باع رجل جارية قد وطأها من غير استبراء على رجل آخر أو
امرأة ثم باعها الرجل أو المرأة على شخص آخر فان وجوب الاستبراء من ماء البائع
الأول باق بأدلة المتقدمة ، الدالة على حكمة الاستبراء ، وخوف الحبل ، ولا دليل
على سقوطها بهذا البيع الثاني من امرأة أو رجل ، فالواجب على هذا المشتري الثاني
استبراؤها البتة.
ومما يؤيد ما ذكره المحقق المذكور ما وقفت عليه في كتاب
الفقه الرضوي حيث قال : (عليهالسلام) في عد وجوه
النكاح الثالث نكاح ملك اليمين ، وأن يبتاع الرجل الأمة فحلال نكاحها إذا كانت
مستبرئة ، والاستبراء حيضة ، وهو على البائع ، فإن كان البائع ثقة ، وذكر أنه
استبرأها جاز نكاحها من وقتها ، وان لم يكن ثقة استبرأها المشتري بحيضة ، وان كانت
بكرا أو لامرأة أو ممن لم تبلغ حد الإدراك استغنى عن ذلك انتهى.
وهو صريح في عدم وجوب الاستبراء في أمة الصغير ،
والمجبوب والعنين في معناه كما لا يخفى ، بالتقريب الذي ذكره المحقق المذكور ،
وفيه زيادة على ما تقدم كون الجارية بكرا وهو جيد ، كما لا يخفى.
المسألة الثامنة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم)
لاختلاف الاخبار في وطئ الحامل ، فذهب الشيخ في النهاية إلى انه لا يجوز الا بعد
وضع الحمل ، أو مضى أربعة أشهر وعشرة أيام ، فإن أراد وطأها قبل ذلك وطأها فيما
دون الفرج.
وقال الشيخ المفيد : انه لا يجوز له وطؤها حتى تمضى لها
أربعة أشهر ، فإذا مضى عليها أربعة أشهر وطأها ان أحب دون الفرج ، فإن وطأها فيه
فليعزل عنها ، واجتناب وطؤها أحوط حتى تضع ما في بطنها ، فإن وطأها قبل مضي
الأربعة الأشهر
أو بعد ذلك ولم يعزل عنها لم يحل له
بيع الولد ، لانه قد غذاه وانما بنطفته ، وينبغي ان يجعل له من ماله بعد وفاته
قسطا ويعوله في حياته ، ولا ينسب إليه بالبنوة.
وقال أبو الصلاح : انه لا يحل حتى تمضي له أربعة أشهر
دون الفرج ، وفيه يشترط عزل الماء ، واجتنابها حتى تضع أحوط ، وإذا وطأ لم يحل له
بيع ولدها ، ولا الاعتراف به ولدا ولكن يجعل له قسطا من ماله ، لانه غذاه بنطفته ،
واقتصر سلار على الأربعة أشهر أيضا.
وقال ابن إدريس : ومتى اشترى جارية حاملا كره له وطؤها
في القبل ، دون ان يكون ذلك محضورا على الأظهر من أقوال أصحابنا ، وهو الذي يقتضيه
أصول المذهب سواه مضى لها أربعة أشهر ، أو أقل منها ، وشيخنا رجع في مسائل خلافه
عما ذكره في نهايته ، فقال : مسألة إذا اشترى امة حاملا كره له وطؤها قبل ان تمضى
لها أربعة أشهر ، فإذا مضى لها ذلك لم يكره له وطؤها حتى تضع ، وقال الشافعي وغيره
لا يجوز لها وطؤها في الفرج ، دليلنا إجماع الفرقة ، والأصل الإباحة ، وعدم المانع
، ثم قال ابن إدريس : دليلنا نحن على صحة ما اخترناه قوله تعالى (1) «أَوْ
ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» فأباحنا تعالى وطؤ ما ملكت ايماننا
بمجرد الملكية ، والآية عامة ، فمن خصصها يحتاج الى دليل ، والأصل الإباحة ، ولا
مانع من ذلك من كتاب ولا سنة مقطوع بها ، أو إجماع.
أقول وبما ذكره الشيخ في الخلاف من القول بالكراهة صرح
في كتابي الاخبار ايضا وقال في المختلف : والمعتمد ان نقول ان كان الوطؤ عن زنا
كره له وطؤها قبل مضى أربعة أشهر وعشرة أيام من غير تحريم» وان كان حلالا أو بشبهة
حرام وطؤها حتى تضع ، وذهب المحقق في الشرائع إلى تحريم وطئها قبلا قبل ان يمضي
لحملها أربعة أشهر وعشرة أيام ، والكراهة بعده ، ورجحه شيخنا الشهيد الثاني في
المسالك والروضة ، وهو مذهب العلامة في الإرشاد.
__________________
(1) سورة النساء الآية ـ 4.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان عد الحامل في جملة من يسقط
استبراءه كما تقدم ، انما يتجه على تقدير القول بكراهة الوطء كما هو مذهب الشيخ في
الخلاف وكتابي الاخبار ، وابن إدريس على تقدير كون الحمل من الزنا ، كما ذهب إليه
في المختلف ، أو بعد مضى الأربعة أشهر والعشرة الأيام ، والواجب بسط ما وصل إلينا
من أخبار المسألة المذكورة ، ثم الكلام فيها بما رزق الله سبحانه فهمه منها ،
مستمدين منه جل شأنه التوفيق إلى هداية سواء الطريق.
فمن الاخبار المشار إليها ما رواه في الكافي. عن محمد بن
قيس (1) عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : في
الوليدة يشتريها الرجل وهي حبلى؟ قال : لا يقربها حتى تضع ولدها». وعن رفاعة بن
موسى (2) في الصحيح عن
أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : سألته
عن الأمة الحبلى يشتريها الرجل فقال : سئل عن ذلك أبى (عليهالسلام) فقال :
أحلتها آية ، وحرمتها آية أخرى ، فأنا ناه عنها نفسي وولدي ، فقال الرجل أنا أرجو
أن انتهى إذا نهيت نفسك وولدك».
أقول : الظاهر أن الآية المحللة هي ما استدل بها ابن
إدريس من قوله «أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» (3) والآية المحرمة قوله سبحانه (4) «وَأُولاتُ
الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ».
وما رواه في الكافي والتهذيب عن أبى بصير (5) قال : «قلت
لأبي جعفر (عليهالسلام) : الرجل
يشتري الجارية وهي حامل ما يحل له منها؟ قال : ما دون الفرج» الحديث.
وما رواه في الكافي عن زرارة (6) في الموثق قال
: «سألت أبا جعفر (عليهالسلام)
__________________
(1 و 2) الكافي ج 5 ص 475.
(3) سورة النساء الآية 3.
(4) سورة الطلاق الآية ـ 4.
(5 و 6) الكافي ج 5 ص 475.
عن الجارية الحلبي يشتريها الرجل
فيصيب منها دون الفرج؟ فقال : لا بأس ، قلت فيصيب منها في ذلك؟ قال : تريد تغره».
قال بعض مشايخنا (عطر الله مراقدهم) في حاشية له على هذا
الخبر في معنى قوله «تغره» : أى تصير المشترى مغرورا بجواز الوطء ويحصل الولد ،
ولا يعلم أنه من أيهما ، أو يغذيه بنطفته فيكون عليه ما ورد في بعض الاخبار من أن
يوصى له ، ويعتقه وغير ذلك انتهى ، والمعنى الثاني أقرب.
وما رواه في التهذيب عن إسحاق بن عمار (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الجارية
يشتريها الرجل وهي حبلى أيقع عليها؟ قال : لا». وعن مسعدة بن زياد (2) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) يحرم من
الإماء عشرة : لا يجمع بين الام والبنت ولا بين الأختين ، ولا أمتك وهي حامل من
غيرك حتى تضع» الحديث.
وعن مسمع كردين (3) عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال
أمير المؤمنين (عليهالسلام) : عشرة لا
يحل نكاحهن ولا غشيانهن ، أمتك أمها أمتك ، الى ان قال : وأمتك وقد وطئت حتى
تستبرئ بحيضة ، وأمتك وهي حبلى من غيرك» الحديث.
وما رواه في كتاب عيون أخبار الرضا (عليهالسلام) عن الحسن بن
عبد الله ابن محمد الرازي (4) عن أبيه «عن
الرضا (عليهالسلام) عن آبائه (عليهمالسلام) قال : نهى
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن وطء
الحبالى حتى يضعن».
وما رواه في قرب الاسناد عن إبراهيم بن عبد الحميد (5) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل
يشتري الجارية وهي حبلى أيطأها قال : لا يقربها».
وعن إبراهيم بن عبد الحميد (6) قال : «سألت
أبا إبراهيم (عليهالسلام)
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 176.
(2 و 3) التهذيب ج 8 ص 198.
(4 و 5 و 6) الوسائل الباب ـ 8 و 5 ـ من أبواب نكاح العبيد.
عن الرجل يشتري الجارية وهي حبلى أيطأها؟
قال : لا ، قلت : فدون الفرج قال لا يقربها».
وما رواه في الكافي والتهذيب عن رفاعة (1) في الصحيح قال
: «سألت أبا الحسن موسى (عليهالسلام) فقلت : أشترى
الجارية فيمكث عندي الأشهر لا تطمث وليس ذلك من كبر فأريها النساء فيقلن : ليس بها
حبل ، فلي أن أنكحها في فرجها؟ فقال : ان الطمث قد تحبسه الريح من غير حبل فلا بأس
أن تمسها في الفرج ، قلت : وان كانت حبلى فما لي منها ان أردت؟ قال : لك ما دون
الفرج». هكذا في رواية الكافي ، وزاد في التهذيب «الى أن تبلغ في حبلها أربعة أشهر
وعشرة أيام ، وإذا جاز حملها أربعة أشهر وعشرة أيام فلا بأس بنكاحها في الفرج ،
قلت : ان المغيرة وأصحابه يقولون : لا ينبغي للرجل ان ينكح امرأة وهي حامل قد
استبان حملها حتى تضع فيغذو ولده ، فقال : هذا من أفعال اليهود». ورواه في الفقيه
مرسلا الى قوله «فلا بأس ان يمسها في الفرج».
وما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) عن
إسحاق بن عمار (2) في الموثق قال
: «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن رجل اشترى
جارية حاملا وقد استبان حملها فوطئها قال : بئس ما صنع قلت : فما تقول فيه؟ قال :
اعزل عنها أم لا؟ فقلت : أجنبي في الوجهين ، قال : ان كان عزل عنها فليتق الله ولا
يعود ، وان كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك الولد ، ولا يورثه ولكن يعتقد ويجعل له
شيئا من ماله يعيش به ، فإنه قد غذاه بنطفته».
وما رواه في التهذيب عن السكوني (3) عن ابي عبد
الله (عليهالسلام)
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 475 التهذيب ج 7 ص 469.
(2) الكافي ج 5 ص 487 الفقيه ج 3 ص 284 التهذيب ج 8 ص 179.
(3) التهذيب ج 8 ص 179.
«ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) دخل على رجل
من الأنصار وإذا وليدة عظيمة البطن تختلف ، فسأل عنها؟ فقال : اشتريتها يا رسول
الله وبها هذا الحبل ، قال : أقربتها؟ قال : نعم ، قال : أعتق ما في بطنها ، قال :
يا رسول الله وبما استحق العتق؟ قال : لان نطفتك غذت سمعه وبصره ولحمه ودمه».
وعن غياث بن إبراهيم (1) عن ابى عبد الله (عليهالسلام) انه قال : من
جامع امة حبلى من غيره فعليه ان يعتق ولدها ولا يسترق ، لانه شارك في إتمام الولد».
وما رواه في الفقيه عن الصيقل (2) عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «سمعته
يقول : وسئل عن رجل اشترى جارية ثم وقع عليها قبل ان يستبرئ رحمها قال : بئسما صنع
، يستغفر الله ولا يعود ، قلت : فإنه باعها من آخر ولم يستبرئ رحمها ، ثم باعها
الثاني من رجل آخر فوقع عليها ولم يستبرئ رحمها ، فاستبان حملها عند الثالث ، فقال
: أبو عبد الله (عليهالسلام) : الولد
للفراش وللعاهر الحجر».
هذا ما حضرني الان من أخبار المسألة المذكورة وأنت خبير
بأن جملة منها قد دلت على النهى عن وطئها مطلقا ، وجملة حتى تضع ولدها ، والأول
منها مقيد بالثاني فيرجعان إلى أمر واحد ، وأكثر أخبار المسألة من هذا القبيل.
وبعض إذا جاز حملها أربعة أشهر وعشرة أيام وهو صحيحة
رفاعة خاصة برواية الشيخ في التهذيب كما تقدم ذكره ، فظاهر الشيخ في النهاية القول
بالتحريم كما هو ظاهر الاخبار كلا ، والتخيير في الغاية بين وضع الحمل ، أو مضى
أربعة أشهر وعشرة أيام ، جمعا بين ما دل على الغايتين بالتخير ، واليه يرجع قول
الشيخ المفيد ومن وافقه.
وظاهر العلامة في المختلف القول بالتحريم الى وضع الحمل
إذا كان الوطؤ حلالا أو شبهة ، واما لو كان زنى فإنه لا يحرم ، بل يجوز على كراهة
، وظاهره
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 179.
(2) الفقيه ج 3 ص 285 التهذيب ج 8 ص 168.
حمل رواية الأشهر على الزنا ، وان
النهى فيها على جهة الكراهة ، وسيأتي إنشاء الله تعالى ـ ما فيه.
والمحقق ومن تبعه أخذوا بظاهر الروايات المذكورة ،
وحكموا بالتحريم قبل مضى الأربعة الأشهر ، لاتفاق الاخبار على ذلك ، وانما اختلفت
فيما بعد المدة المذكورة ، من كون الغاية هي المدة المذكورة أو وضع الحمل ، فجمعوا
بينها بحمل النهي فيما زاد على المدة المذكورة على الكراهة.
قال في المسالك : والمصنف رحمة الله عليه أطلق الحكم
بالتحريم قبل الأربعة والعشرة ، والكراهة بعدها وهو أوضح وجوه الجمع اما الإطلاق
بحيث يشمل الجميع ، فلإطلاق النص الشامل لها ، واما الحكم بالتحريم قبل المدة
المذكورة فلاتفاق الاخبار اجمع عليه ، والأصل في النهي التحريم ، واما بعدها فقد
تعارضت الاخبار ، فيجب الجمع بينها وحمل النهي حينئذ على الكراهة ـ لتصريح بعضها
بنفي البأس ـ طريق واضح في ذلك. انتهى.
واما ما ذكره ابن إدريس ونقله عن الشيخ في الخلاف من
القول بالكراهة فلا اعرف له وجها بعد ما عرفت من هذه الاخبار التي ذكرناها ، وما
ذكره من الاستدلال بالآية ، وان تخصيصها يحتاج الى دليل ، فالدليل كما عرفت واضح ،
ومنارة لائح ، واى دليل يراد بعد هذه الاخبار المستفيضة الصريحة في التحريم
المتفقة عليه ، وانما اختلفت بالنسبة إلى غايته من انها الوضع ، أو مضى الأشهر
المذكورة كما سمعت ، ولكنه لعدم مراجعته الاخبار حق المراجعة معذور فيما ذكره ،
وان كان غير معذور شرعا.
والذي يقرب عندي من صحيحة رفاعة بن موسى الاولى وعدم
جواب أبيه (عليهالسلام) صريحا ـ بعد
سؤال السائل عن الأمة الحبلى ، وعدوله في الجواب الى ما ذكره ، ـ ان هذه التعمية
إنما خرجت مخرج التقية ، والظاهران المخالفين
قائلون بجواز الوطي فلم يصرح بالمنع
والتحريم ، كما استفاضت به أخبار المسألة ، وعدل الى هذا الجواب المعمى ، وجعل
التحريم والمنع على جهة الاحتياط لتعارض الآيتين المتقدمتين ، وأنت خبير بأنه
بالنظر الى ما سردناه من الاخبار يجب تخصيص آية «الملك» بآية «وَأُولاتُ
الْأَحْمالِ» لاستفاضة الاخبار واتفاقها كما عرفت
على التحريم ، وانما اختلفت في الغاية.
وبالجملة فالقول بالتحريم مما لا يعتريه شبهة الإشكال في
هذا المجال ، وانما الكلام في الغاية ، من أنها الوضع ، أو مضى الأشهر المذكورة ،
والأول أظهر دليلا لتأيد أخباره بالآية المشار إليها في صحيح رفاعة ، وهي آية «وَأُولاتُ
الْأَحْمالِ» فإن ظاهر الخبر عمومها للحرة والأمة ،
واحتمال آية غيرها في الخبر بعيد ، والتي صرح به جملة من الأصحاب في معنى الخبر
المذكور انما هو هذه الآية ، وتأيده كذا أيضا بالأخبار المطلقة ، وهي جل الأخبار
المسألة ، والجمع بين الاخبار بالكراهة وان اشتهر بين أصحابنا (رضوان الله عليهم)
إلا انك قد عرفت ما فيه في غير موضع مما تقدم.
وكيف كان فالاحتياط يقتضي الوقوف على جعل الغاية وضع
الحمل ، كما ذكره العلامة في المختلف وان خصه بالحمل من غير الزنا.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن من الأصحاب من جمع بين الاخبار
بحمل النهى المغيا بالوضع على الحامل من حل أو شبهة أو مجهولا ، والمغيا بالأربعة
الأشهر والعشرة على الحامل من الزنا ، ومنهم من ألحق المجهول بالزنا في هذه ،
ومنهم من أسقط اعتبار الزنا ، وجعل التحريم بالغايتين لغيره.
أقول : والأول من هذه الوجوه هو ظاهر العلامة في المختلف
، الا انه حمل النهي في هذه الصورة على الكراهة ، لما اشتهر في كلامهم من ان ماء
الزنا لا حرمة له شرعا (1) قال في
المسالك : نعم ينبغي في الحمل من الزنا ـ لان المعهود من الشارع
__________________
(1) قال في الدروس : واستبراء الحامل بوضع الحمل الا أن يكون
عن
إلغاء اعتباره من العدة والاستبراء في
غير محل النزاع ، فلو قيل بالجواز فيه مطلقا كان حسنا ، انتهى.
وفيه أولا أنه لا إيناس في صحيحة رفاعة المشتملة على
التحديد بالأشهر بكون ذلك زنا ، فضلا عن الدلالة ، ولا في غيرها من روايات المسألة
، وثانيا أن ما ادعوه من عدم وجوب العدة والاستبراء على الزانية ـ وهو السبب في
حملهم الرواية المذكورة على ذلك ـ ممنوع بما دل على ذلك من الاخبار الدالة على
خلاف ما ذكروه
ومنها ما رواه في الكافي عن إسحاق بن جرير (1) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «قلت
له الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في تزويجها هل يحل له ذلك؟ قال : نعم إذا هو
اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله ان يتزوجها ، وانما
يجوز له تزويجها بعد أن يقف على توبتها».
وما رواه الحسن بن على بن شعبة (2) في كتاب تحف
العقول عن أبى جعفر الجواد (عليهالسلام) أنه سئل عن
رجل نكح امرأة على زنا أيحل له أن يتزوجها؟ فقال : يدعها حتى يستبرأها من نطفته
ونطفة غيره ، إذ لا يؤمن منها أن يكون قد أحدثت مع غيره حدثا كما أحدثت معه؟ ثم
يتزوج بها إذا أراد ، فإنما مثلها مثل نخلة ، أكل
__________________
زنا ، فلا حرمة له ، والمشهور أن يستبرأها الشهر وعشرة أيام
وجوبا عن القبل لا غير وأن الوطأ بعده مكروه الى أن يضع ، فيعزل وان انزل كره بيع
الولد ، انتهى ، وفيه دلالة على اختياره بما نقلناه عن العلامة في المختلف من ان
الغاية وضع الحمل الا من الزنا ، وجعل الغاية المذكورة نسبته الى المشهور بعد
فتواه بالأول ، وفيه تصريح باختصاص التحريم بالقبل كما اخترناه. منه رحمهالله.
(1) الكافي ج 5 ص 356.
(2) تحف العقول ل 338 المطبوع في النجف الأشرف سنة 1394. ه.
رجل منها حراما ثم اشتراها فأكل منها
حلالا» ،. ويؤيده قولهم (عليهمالسلام) في عدة من
الاخبار إذا أدخلها فقد وجبت العدة والغسل والمهر والرجم ، وقولهم (عليهمالسلام) ان العدة من
الماء.
وبذلك يظهر ما في كلام شيخنا المتقدم ذكره ، من أن
المعهود من الشارع إلغاء اعتباره من العدة ، فإنه مبنى على ما تكاثر من الاخبار من
إطلاق جواز التزويج بالزانية ، الا أنه بعد ورود هذه الروايات يجب تقييد الإطلاق
المذكور بها.
ثم ان موثقة إسحاق بن عمار وروايتي السكوني وغياث قد
اشتركت في الدلالة على الأمر بعتق الولد متى أنزل عليها وهي حامل بعد شرائها ،
وظاهرها الوجوب ، ويشير اليه قوله في رواية غياث ، «فعليه» ويؤكده النهي عن بيعه
في موثقة إسحاق الذي هو حقيقة في التحريم.
والموجود في كلام الأصحاب الحكم بالاستحباب ، ولا أعرف
له وجها بعد اتفاق الاخبار عليه مع عدم المعارض في المقام ، سوى إطلاق ما دل على
تملكه مع أمه بالشراء ، والواجب تخصيصه بهذه الاخبار ، والظاهر انهم انما صاروا
الى الاستحباب لضعف الاخبار ، كما يشير اليه كلام المحقق الأردبيلي حيث اعترف
بدلالة روايتي السكوني على وجوب العتق ، قال : فتحمل على الاستحباب لعدم الصحة
للجمع ، وفيه ما عرفت في غير موضع مما تقدم.
وبالجملة فإن من لا يرى العمل بهذا الاصطلاح المحدث ،
فإنه لا يرتاب في وجوب العتق لما ذكرنا ، وكذلك ما دلت عليه موثقة إسحاق من انه
يجعل له شيئا من ماله يعيش به ، فالظاهر حمله على الوجوب ، وان كان الموجود في
كلامهم هو الاستحباب.
وظاهر الأصحاب هو كون هذا الحكم وجوبا أو استحبابا
مترتبا على الجماع بعد تحقق الحمل ، أعم من ان يكون قبل الأشهر المذكورة أو بعدها
ما لم تضع ،
وظاهر موثقة إسحاق بن عمار كون الجماع
وقع بعد الشراء ، وان الحكم بما ذكرنا انما يترتب على ذلك ، الا أن روايتي السكوني
وغياث مطلقتان في ذلك ، فيحتمل تقييدهما بالموثقة المذكورة ، وتخصيص الحكم بما قبل
الأشهر المذكورة ، ولكن ظاهر التعليل بالتغذية يعطى الوقوف على ما ذكره الأصحاب ، (رضوان
الله عليهم) والله العالم.
ثم ان من جملة الأصحاب من أطلق المنع من الوطي هنا فيما
يشمل القبل والدبر ، وبعضها خصه بالقبل كما تقدم نقله عن المحقق في الشرائع ، وبه
جزم في الدروس ، قال في المسالك : وتخصيص المصنف الوطي بالقبل هو الظاهر من النصوص
، فإن النهي فيها معلق على الفرج ، والظاهر منه ارادة القبل وفي رواية أبي بصير «له
منها ما دون الفرج» وربما قيل بإلحاق الدبر به ، بدعوى صدق اسم الفرج عليها ، وبأن
في بعض الاخبار «فلا يقربها حتى تضع» الشامل للدبر ، وغيرهما خارج بدليل آخر ، وهو
أولى. انتهى.
أقول لا يخفى ان الروايات المتقدمة قد تضمنت كلا الأمرين
المذكورين ، ولكن إطلاق الاخبار انما يحمل على الافراد الشائعة المتكثرة ، دون
الفروض النادرة كما تقرر في كلامهم ، والشائع المتبادر من الإطلاق انما هو القبل ،
ويؤكده الروايات الدالة على انه مع إتيانها حال الحمل فإنه يعتق الولد ، لأنه غذاه
بنطفته ، وشارك فيه ، وهذا لا يمكن فرضه في الجماع في الدبر ، كما هو ظاهر ،
والاحتياط يقتضي المنع من الجميع بل الملاعبة ونحوها كما تقدم في الاخبار. والله
العالم (1).
__________________
(1) قال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد : والظاهر ان الدبر
كالقبل كما في صحيحة محمد بن قيس لا يقربها ، وكذا رواية إبراهيم ، وفي رواية
إسحاق لا يقع عليها ، ولا يبعد شمول السؤال حينئذ لها وهو في الروايات ، ويؤيده
التحريم مطلقا في غير الاستبراء ، وقد مر فتأمل ـ انتهى وفيه ما عرفت في الأصل.
منه (رحمهالله).
المسألة التاسعة ـ لو اشترى جارية وأولدها ثم ظهر أنها
مستحقة لغير البائع ، فإنه يجب عليه ردها الى مالكها ، وقد صرح جملة من الأصحاب
بأنه يغرم عشر قيمتها ـ ان كانت بكرا وأزال بكارتها ـ أرش البكارة ، ونصف العشر ان
كانت ثيبا للدخول بها ، وهو المشهور ، وقيل مهر أمثالها والولد حر ، وعلى أبيه أن
يغرم قيمته لسيد الجارية يوم سقوطه حيا ، إذ لا قيمة له قبل ذلك وبعده ، فإنه حر
ليس لسيد الجارية عليه سبيل ، الا انه لما كان نماء ملكه وقد فوته المشترى ، فعليه
ان يغرم له قيمته ، ثم ان المشترى بعد ذلك يرجع بالقيمة على البائع الذي غره ،
ويرجع أيضا بقيمة الولد ، وهل ترجع بما حصل له في مقابلته نفع مثل ما دفع الى
السيد من العشر أو نصفه ، إذ المهر على القول به في مقابلة الانتفاع بالبضع ،
وكأجرة الخدمة ، قولان ، فقيل : نعم ، لأن البائع أباحه بغير عوض ، وغره بالانتفاع
بمجرد دفع الثمن ، ولو علم ان له عوضا لم ينتفع به ، فلو لم يرجع يلزم الظلم
والغرم عليه ، مع كونه جاهلا من جهة البائع الغاصب الذي خدعه ، وقيل : لا يرجع ،
نظرا الى ما حصل له من الانتفاع في مقابلة ذلك ، فيلزم من رجوعه الجمع بين العوض
والمعوض ، فيحصل الظلم على البائع ، هذا كله إذا كان جاهلا كما هو المفروض أولا ،
فلو كان عالما بأنها مستحقة للغير فالولد رق للمالك ، والواطئ زان يلزمه العقر ،
ولا يرجع به ولا بغيره مما اغترمه (1) والظاهر كما هو أحد القولين هو انه
لا فرق في ثبوت العقر بالوطء
__________________
(1) أقول ظاهر شيخنا الشهيد في اللمعة وشيخنا الشهيد الثاني في
شرحها أنه يرجع المالك على المشترى عالما أو جاهلا بالعين ، وفيها المستوفاة منها
لو فاتت تحت يده ، ثم ان المشترى يرجع بذلك على البائع ، لما تقرر من رجوع المشترى
الجاهل بفساد البيع على البائع بجميع ما يغرمه ، ولم ينقل خلافا في ذلك ، مع أن
المسألة محل خلاف في كلامهم كما أشرنا إليه في الأصل. منه رحمهالله.
للمالك ، بين علم الأمة بعدم صحة
البيع وجهلها ، لان ذلك حق لمولاها.
وقال في الدروس : أنه لا يرجع عليه بالمهر الا مع
الإكراه ، استنادا إلى أنه لا مهر لبغي ، وفيه ما عرفت من أن المهر انما هو حق
للمالك ، والخبر المذكور انما أريد به الحرة ، واضافة المهر إليها بلام الاستحقاق
ظاهر في ذلك ، ولذا يطلق عليها المهيرة.
والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة ما
رواه في الكافي. والتهذيب عن جميل بن دراج (1) في الصحيح عن بعض أصحابنا عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) «في رجل
اشترى جارية فأولدها فوجدها مسروقة؟ قال : يأخذ الجارية صاحبها ، ويأخذ الرجل ولده
بقيمته».
وما رواه في الكافي عن حريز (2) عن زرارة قال
: «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام): الرجل يشتري
الجارية من السوق فيولدها ، ثم يجيء رجل فيقيم البينة على أنها جاريته لم يبع لو
لم يهب ، قال : فقال : يرد اليه جاريته ويعوضه مما انتفع ، قال : كأنه معناه قيمة
الولد». قال بعض مشايخنا رضوان الله عليهم : قوله «قال» الظاهر أنه من كلام حريز ،
وان زرارة فسر العوض بقيمة الولد ، ولكنه لم يجزم ، لانه يمكن ان يكون بإزاء الوطي
من العشر أو نصف العشر. انتهى.
وما رواه الشيخ في التهذيب عن جميل بن دراج (3) في الموثق عن
أبى عبد الله (عليهالسلام) «في الرجل
يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم تجيء مستحق الجارية فقال : يأخذ الجارية
المستحق ، ويدفع المبتاع قيمة الولد ، ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد
الذي أخذت منه».
__________________
(1 و 2) الكافي ج 5 ص 215 التهذيب ج 7 ص 64.
(3) التهذيب ج 7 ص 82.
وعن زرارة (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل اشترى
جارية من سوق المسلمين فخرج بها الى أرضه ، فولدت منه أولادا ثم أتاها من زعم انها
له ، وأقام على ذلك البينة ، قال : يقبض ولده ويدفع إليه الجارية ويعوضه في قيمة
ما أصاب من لبنها وخدمتها». قال في الاستبصار : يقبض ولده يعني بالقيمة ، قال في
الوافي في بعض النسخ : «ثم ان أباها يزعم انها له» وليس بواضح انتهى. وهو جيد ،
والظاهر انه تحريف من قلم الشيخ (رضى الله عنه) وكم له من أمثاله كما تقدمت
الإشارة إليه في مواضع عديدة من كتب العبادات.
وأنت خبير بان هذه الاخبار على تعددها لا دلالة فيها على
ان المشترى يغرم العشر ، أو نصف العشر ، أو مهر المثل للمالك ، والأصحاب انما
استند وافى العشر أو نصفه في هذا المقام إلى صحيحة الوليد بن صبيح (2) عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) «في رجل تزوج
امرأة حرة فوجدها أمة ، قد دلست نفسها له ، فقال : ان كان الذي زوجه إياها من غير
مواليها فالنكاح فاسد ، قلت : فكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ فقال : ان وجد مما
أعطاها شيئا فليأخذه ، وان لم يجد شيئا فلا شيء له عليها ، وان كان زوجها إياه
ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه ، ولمواليها عليه عشر ثمنها ان كانت بكرا ،
وان كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها ، قال : وتعتد منه عدة الأمة
، قلت : فان جاءت منه بولد قال : أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن
الموالي».
ومورد هذه الرواية انما هو تدليس المرأة نفسها بدعوى
الحرية مع كونها أمة ، وتدليس الزوج لها ، وبعض الأصحاب وان عبر في هذا المقام
بعبارة تدخل تحت مضمون هذه الرواية ، مثل قول المحقق في الشرائع «من أولد الجارية
ثم
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 83.
(2) الكافي ج 5 ص 404 التهذيب ج 7 ص 422.
ظهر أنها مستحقة انتزعها المالك» الى
آخره الا أن ذكره المسألة في بحث بيع الحيوان قرينة على ما عنونا به المسألة ، كما
صرح به في الدروس حيث قال : ولو ظهر استحقاق الأمة المبتاعة.
وبالجملة فإن ظاهرهم عدم الفرق بين مورد الرواية وما نحن
فيه ، ولعله من حيث الاشتراك في الدخول بالبكر أو الثيب مع جهل الواطئ بالحال ،
فإنه حاصل في كل من المسألتين ، وان كان العلة في أحدهما بيع الغاصب وفي الأخرى
التدليس على أن متن الرواية المذكورة أيضا لا يخلو من الاشكال (1).
وبالجملة فالمسألة كما ذكرنا غير خالية من شوب التوقف
والتردد ، ثم ان قوله في الرواية المذكورة فإن أولادها منه أحرار على إطلاقه لا
يخلو من الاشكال ولذا قيده الشيخ (رحمة الله عليه) تارة بما إذا دفع الأب قيمة
الولد يوم سقوطه حيا لمولى الجارية ، وأخرى بما إذا كان تزويجه لها بعد قيام
البينة بما ادعته من الحرية ، وحينئذ يأخذ ابنه من غير قيمة ، واستند في الحمل
الأول إلى موثقة سماعة (2) وفيها «وعلى
مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه «فقيمته». ـ كذا في النسخ والظاهر بقيمته بالباء
بدل الفاء ـ «يوم يصير اليه» الحديث» ، وفي الثاني إلى موثقة أخرى لسماعة (3) أيضا ، وفيها
قال : «ولدها مملوكون الا أن يقيم البينة أنه شهد له شاهدان أنها حرة فلا يملك
ولده ، ويكونون أحرارا». ومثلها رواية زرارة ثم ان غاية ما دلت عليه أخبار المسألة
المتقدمة ـ بعد حمل مطلقها على مقيدها ـ هو أن المشترى يأخذ ولده بعد دفع القيمة
إلى مولى الجارية ، وأن المشترى يرجع على البائع بقيمة الجارية وقيمة ولدها ،
__________________
(1) ووجه الاشكال أن قوله وان زوجها إياه ولي لها ارتجع على
وليها ، فإنها لا يعقل اللامة ولى غير المولى ، ومتى أريد به الولي فكيف يتم قوله «ولمواليها
عليه عشر قيمتها» الى آخره ، إذ لا معنى لرجوع الزوج على المولى بالمهر ، ورجوع
المولى على الزوج بالعشر أو نصفه ، منه رحمهالله.
(2 و 3) التهذيب ج 7 ص 250 وفيه «بقيمته».
ورواية زرارة الثانية دلت على ان
المشترى يعوض المولى عما أصاب من لبنها ـ يعني الذي أرضعت به ابنه ـ وما أصاب من
خدمتها لان ذلك مستحق للمولى ، وبه صرح بعض الأصحاب أيضا.
واما ما اختلفوا فيه من رجوع المشترى على البائع ، بما
حصل له في مقابلته نفع ، كالعشر ونصفه الذي دفعه لمولى الجارية ، وأجرة الخدمة
فليس في هذه الروايات تعرض له ، ولا في صحيحة الوليد بن صبيح التي تضمنت ذلك اشارة
اليه فضلا عن التصريح به ، والاعتماد على ما ذكروه من هذه التعطيلات العليلة غير
صالح لتأسيس الأحكام الشرعية ، كما تقدم من التنبيه عليه في غير مقام والأصل العدم
حتى يقوم عليه دليل شرعي واضح ، وقد تقدم في مسألة البيع الفضولي ما ينبه على ما
ذكرناه ، وكذلك القول بالمهر عوض العشر أو نصف العشر (1) ، فانا لم نقف
فيه على دليل ، وانما الموجود العشر أو نصف العشر على ما عرفت من الاشكال فيه.
ومن اخبار المسألة التي نحن فيها خبر مشكل لم يتعرض له
الأصحاب في هذا الباب ، وهو ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الصحيح
على بعض الطرق عن محمد بن قيس (2) عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «قضى
أمير المؤمنين (عليهالسلام) في وليدة
باعها ابن سيدها وأبوه غائب ، فاستولدها الذي اشتراها فولدت منه غلاما ثم جاء
سيدها الاولى فخاصم سيدها الأخر فقال : وليدتي باعها ابني بغير اذنى ، فقال :
الحكم ان يأخذ وليدته وابنها؟ فناشده الذي اشتراها فقال له :
__________________
(1) والظاهر على ما ذكره بعض الأصحاب ان هذا القول مبنى على
اطراح النص الوارد في المسألة لأن القاعدة الكلية في عوض البضع بمنزلة قيمة المثل
في غيره ، ولعل اطراح هذا القائل النص المذكور لما عرفت مما قدمنا ذكره. منه رحمهالله.
(2) التهذيب ج 7 ص 74 الفقيه ص 140.
خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ
لك البيع ، فلما أخذه قال له أبوه : أرسل ابني فقال : لا والله لا أرسل إليك ابنك
حتى ترسل إلى ابني ، فلما راى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه».
وأنت خبير بما فيه من الخروج عن مضامين الأخبار المتقدمة
، مع أن مورده مثلها ، ويمكن على بعد أن يقال : أن حكمه (عليهالسلام) بأخذ الولد
مع الجارية لأجل أن يزاد إليه الأب قيمة الولد كما عرفت من الاخبار المتقدمة ،
وحكمه بأخذ المشترى لولد البائع الذي باعه الجارية لأجل أن يرد إليه قيمة الجارية
وقيمة الولد التي غرمها لأبيه ، الا أنه بعيد عن سياق الخبر المذكور ، فان ظاهره
أن أخذ كل منهما لولد الأخر ليس باعتبار ما ذكرناه ، كما يشير اليه قوله خذ ابنه
الذي باعك حتى ينفذ لك البيع ، فإنه ظاهر في ان حبس الابن عنده انما هو لأجل إنفاذ
البيع وأجازته ، لا لأجل الثمن أو القيمة (1).
وبالجملة فإنه مرجوع الى قائله (عليهالسلام) ولعله لمصلحة
لا نعلمها ، وفيه دلالة على صحة بيع الفضولي وتوقفه على الإجازة كما هو المشهور ،
مع ما عرفت من الاخبار الدالة على البطلان كما تقدم في المسألة المذكورة ، ولكن
__________________
(1) قال في الدروس : وروى محمد بن قيس في وليدة باعها ابن
سيدها فاستولدها المشترى ينتزعها الأب وولدها ، وللمشتري أخذ البائع ليجيز أبوه
البيع ، وهي قضية علي (عليهالسلام) في واقعة ، ولعل ذلك لاستصلاح منه (عليهالسلام) وفيها دلالة على أن العقد الفضولي
موقوف وعلى أن الإجازة كاشفة انتهى ، ومؤيد لما ذكرناه في الأصل من عدم إمكان
التأويل المذكور ، فيحمل على الظاهر على انها قضية وواقعة مخصوصة فلا يتعدى الى
غير موضعها ، لا في صحة العقد الفضولي ولا غيره» لما عرفت من الاخبار الدالة على
بطلانه. منه رحمهالله.
هون الأمر فيه ما هو عليه من المخالفة لمقتضى الأصول
الشرعية والضوابط المرعية. والله العالم.
المسألة العاشرة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في
من اشترى جارية سرقت من أرض الصلح حيث أن مال أهلها محترم ، فقال الشيخ في النهاية
: من اشترى جارية كانت سرقت من أرض الصلح ، كان له ردها على من اشتراها منه ،
واسترجاع ثمنها وان كان قد مات ، فان لم يخلف وارثا استسعيت الجارية في ثمنها
وبذلك قال ابن البراج.
وقال ابن إدريس : كيف تستسعى هذه الجارية بغير اذن
صاحبها ، وكيف تعتق ، وليس على ذلك دليل ، وقد ثبت أنها ملك الغير ، والاولى ان
تكون بمنزلة اللقطة ، بل يرفع خبرها الى حاكم المسلمين ، ويجتهد على ردها على من
سرقت منه ، فهو الناظر في أمثال ذلك انتهى. وظاهر المحقق في الشرائع ـ ومثله
العلامة في المختلف ونحوه في الإرشاد ـ أنه مع تعذر ردها على المالك أو وكيله أو
وارثه تدفع الى الحاكم الشرعي ليحفظها على مالكها.
واما الثمن فيرجع به على البائع مع بقاء عينه مطلقا ،
واما مع تلفه فكذلك ان كان جاهلا ، فان تعذر سقط (1) ولا تستسعى
الجارية مطلقا وان تلف الثمن ، والى هذا القول مال في كتاب المسالك ايضا وهذان
القولان يشتركان في عدم الاستسعاء ويفترقان في كونها كاللقطة في وجوب حفظها على
مذهب ابن إدريس ، أو تدفع الى الحاكم على مذهب المحقق.
والذي وقفت عليه من الاخبار في المقام ما رواه الشيخ في
الصحيح ـ الى مسكين
__________________
(1) ووجه تعذره اما بإعسار البائع أو موته وموت وارثه ، أو
الامتناع من رده ، ولم يمكن إجباره على ذلك. منه رحمهالله.
السمان ، وهو مجهول ـ (1) عن ابى عبد
الله عليهالسلام ، قال : «سألته
عن رجل اشترى جارية سرقت من ارض الصلح قال : فليردها على الذي اشتراها منه ، ولا
يقربها ان قدر عليه أو كان مؤسرا ، قلت ، جعلت فداك انه مات عقبه ، قال فليستسعها».
والى هذه الرواية استند الشيخ في النهاية.
وأنت خبير بما فيها من الإشكال بمخالفة القواعد الشرعية
والضوابط المرعية أما أولا فمن حيث ردها على البائع ، وهو ليس مالكا لها ومقتضى
الأصول وجوب ردها الى المالك ، كما صرح به أصحاب القولين الأخيرين ، والا فالحاكم
الشرعي مع تعذره ، واما ثانيا فمن حيث استسعائها في ثمنها ، مع أن كسبها لمولاها ،
والثمن لم يصل اليه ، فكيف يؤخذ الثمن من غير آخذه.
وأما ما ذكره الشهيد (رحمهالله تعالى) في
الدروس؟ حيث مال الى العمل بالرواية من قوله : والأقرب المروي تنزيلا على أن
البائع مكلف بردها إلى أهلها ، اما لانه السارق ، أو لأنه ترتبت يده عليها ،
واستسعاؤها جمعا بين حق المشترى وحق صاحبها ، والأصل فيه أن مال الحربي في الحقيقة
فيء وبالصلح صار محترما احتراما عرضيا ، فلا يعارض ذهاب مال محترم في الحقيقة ،
وزاد في شرح الإرشاد في الجواب عن الإشكال الأول بأن يده أقدم ، ومخاطبته بالرد
ألزم ، خصوصا مع بعد دار الكفر ، انتهى.
ففيه ما ذكره في المسالك حيث قال ونعم ما قال : وهذا
التنزيل تقريب للنص ، وتوجيه له حيث يكون النص هو الحجة ، والا فلا يخفى أن مجرد
ما ذكر لا يصلح للدلالة ، لأن تكليف البائع بالرد لا يقتضي جواز الدفع اليه ، كما
في كل غاصب ، وقدم يده لا اثر له في هذا الحاكم أيضا ، والا لكان الغاصب من الغاصب
يجب عليه الرد على الغاصب ، وهذا باطل إجماعا ولأن البائع ان كان سارقا لم يكن
أهلا للأمانة بخيانته ، وان لم يكن سارقا فليس وكيلا للمالك ولا وليا له فلا يجوز
الدفع اليه كما في كل
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 83.
مبيع يظهر استحقاقه ، واما الفرق بين
احترام المال بالعرض والأصل فلا مدخل له شرعا في الحكم ، بل لا تفاوت في نظر
الشارع بينهما ، بل كل منهما مضمون على المتلف ، مع أن المتلف للمال المحترم حقيقة
ليس هو مولى الجارية ، بل هو البائع الذي غره ان كان عالما أو من غره ، فلا يرجع
على غيره ، «وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى» ولو تم ذلك لزم
منه جواز أخذ ما ذهب من الأموال المحترمة بالأصل من مال المحترم بالعرض ، كأهل
الذمة وهو واضح البطلان. انتهى كلامه زيد مقامه ، وهو جيد وجيه ، كما لا يخفى على
الفطن النبيه.
وبالجملة فالمسألة لما عرفت محل إشكال ، لأن العمل بهذه
الرواية مع ما هي عليه مما شرحناه مشكل وردها من غير معارض أشكل. نعم من يرى العمل
بهذا الاصطلاح المحدث يقوى ردها عنده ، كما جزم بذلك المحقق الأردبيلي حيث قال : والظاهر
تركها بالكلية ، والعمل بالأدلة ، لكن يلزم أن يذهب ثمن المشترى ان لم يقدر على
السارق البائع ، ولا محذور في ذلك ، وهو ظاهر. انتهى الا ان الشهيد رحمهالله قد عمل بها مع
كونه من أرباب هذا الاصطلاح ، لكنه لا تصلب له فيه ، كما عليه متأخرو المتأخرين ،
سيما مثل المحقق المذكور وتلميذيه صاحبي المدارك والمعالم ، ولهذا انه قليلا ما
يطرح الأخبار الضعيفة ، ويتشبث في العمل بها بأدنى مستمسك ، كما لا يخفى على من
راجع كتبه ، وهو مبنى على ما صرح به في صدر كتابه الذكرى من ثبوت أخبارنا المروية
في هذه الأصول ، عن الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الظاهر من كلام الأصحاب القولين
الأخيرين حيث لم يعملوا بالخبر المذكور ان دفعها الى الامام ـ مع تعذر الوصول الى
المالك ـ انما هو ليحفظها على مالكها الى ان يمكن إيصالها إليه ، كما تقدم في
عبارة ابن
إدريس ونحوه العلامة في المختلف (1).
وظاهر المحقق الأردبيلي ان دفعها للحاكم المذكور انما هو
لكون الجارية المذكورة مال الامام (عليهالسلام) ، والحاكم
نائبه ، وانه يفعل بها ما يفعل بأمواله (عليهالسلام) حال الغيبة ،
قال (قدسسره) بعد الطعن في
الرواية ما لفظه : ولهذا قال البعض : يجب ردها الى المالك وورثته بعده ، ثم الى
الحاكم ، لانه وكيل الامام (عليهالسلام) وهي حينئذ
ماله (عليهالسلام) ، فيفعل بها
ما يفعل بسائر أمواله التي استورثها ممن لا وارث له ، وهو الظاهر ، ولا تستسعى
انتهى وبنحو ما نقلناه عن ابن إدريس والعلامة نقله الشهيد في الدروس عنهم أيضا ،
فقال بعد ذكر قول الشيخ ، قال الحلبيون : لا تستسعى لأنها ملك ، وتدفع الى الحاكم
ليوصلها إلى أربابها انتهى.
وبه يظهر لك أن ما نقله عن أصحاب هذا القول من أن الدفع
الى الحاكم انما هو حيث كونها ميراث من لا وارث له ، وهو للإمام (عليهالسلام) غفلة عن
مراجعة كلامهم في المسألة ، على أنه لا يظهر من النص المذكور ، ولا من كلام أحد من
الأصحاب معلومية موت المالك مع عدم وجود وارث له حتى أنها يكون من قبيل ميراث من
لا وارث له ، فيكون للإمام (عليهالسلام) وانما
المفروض في كلامهم ـ وهو ظاهر الخبر أيضا ـ انما هو تعذر الوصول الى المالك من حيث
انها سرقت من تلك الأرض ، ونقلت إلى أرض أخرى وبيعت ، وإرجاعها إلى المالك يحتاج
الى مزيد كلفة ، كما يشير اليه ما تقدم في كلام الشهيد من قوله خصوصا مع بعد دار
الكفر ، ولا يتوهم ان قوله في الخبر المذكور انه مات ومات عقبه راجع الى المالك ،
وان
__________________
(1) حيث قال : والتحقيق ان نقول : المشترى ان كان عالما وجب
عليه ردها الى المالك ان عرفه ، والا الى الحاكم ليحفظها على مالكها. منه رحمهالله.
سياق الخبر ظاهر في ان المراد انما هو
البائع ، وبالجملة فكلام المحقق المذكور لا يخلو عن غفلة وقصور والله العالم.
المسألة الحادية عشر ـ المفهوم من كلام جملة من الأصحاب (رضوان
الله عليهم) ان ما يؤخذ من دار الحرب بغير اذن الامام ، فإن كان بسرقة وغيلة
ونحوهما فهو لأخذه وعليه الخمس ، وان كان بقتال فهو بأجمعه للإمام (عليهالسلام) وعلى كل من
التقديرين فإنه يباح تملكه للشيعة حال الغيبة ، ولا يجب إخراج حصة الموجودين من
الهاشميين ، لإباحتهم (عليهمالسلام) ذلك للشيعة ،
لتطيب ولادتهم ، وكذا يجوز الشراء من السابي ، وان كان جائرا ظالما ، بل الشراء من
الكافر أخته وبنته وزوجته وكل حربي قهر حربيا صح الشراء منه.
أقول : والغرض من ذكرهم هذا الكلام في هذا المقام هو أنه
يجوز تملك العبيد والإماء المسببة من دار الحرب ، سيما في زمن الغيبة سواء سبيت
بالقهر والغلبة من سلاطين الجور ، أو بسرقة وغيلة ، وسواء كان السابي لها مسلما أو
مخالفا أو كافرا ، وأن من قهر من الكفار أخته أو ابنته أو زوجته أو ابنه فإنه
يتملكهم ، ثم بعد تملكهم يجوز الشراء منه ، والقاهر والمقهور حربيان ، ويدل على
ذلك الأخبار.
فأما ما يدل على أن ما أخذ بقتال بغير اذنه ، فهو له (عليهالسلام) ، فمنه رواية
العباس الوراق (1) «عن رجل سماه
عن أبى عبد الله (عليهالسلام) ، قال : إذا
غزا قوم بغير اذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام (عليهالسلام) وان غزوا
بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس».
وصحيحة معاوية بن وهب (2) أو حسنته
بإبراهيم ابن هاشم قال : قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) السرية
يبعثها الامام فيصيبوا غنائم كيف يقسم؟ قال : ان قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام
(عليهالسلام) أخرج منها
__________________
(1) الوسائل الباب ـ ج ـ 1 ـ من أبواب الأنفال.
(2) الكافي ج 5 ص 43 وفيه «أربعة أخماس».
الخمس لله والرسول ، وقسم بينهم ثلاثة
أخماس وان لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلما غنموا للإمام (عليهالسلام) يجعله حيث
أحب». والمراد ان لم يكونوا قاتلوا مع أمير منه (عليهالسلام) كما هو ظاهر
السياق ، وما اشتمل عليه من إخراج خمسين من الغنيمة ، وقسمه ثلاثة أخماس شاذ لا
قائل به ، وهذه الرواية الثانية لم يذكرها أحد من الأصحاب فيما أعلم ، ولكن الحكم
بمجرد الرواية الأولى مشهور عندهم ، بل ادعى عليه الإجماع ، وتوقف المحقق في
النافع من حيث ضعف الرواية المشار إليها ، وقد تقدم الكلام في ذلك في كتاب الخمس (1).
الا أن المحقق الأردبيلي (قدسسره) في هذا
المقام عارض رواية الوراق برواية زكريا بن آدم (2) عن الرضا (عليهالسلام) قال : سألته
عن سبى الديلم يسرق بعضهم من بعض ، ويغير المسلمون عليهم بلا امام أيحل شراؤهم؟
قال : إذا أقروا بالعبودية فلا بأس بشراءهم».
ويمكن الجواب بحمل نفى البأس عن شراءهم من حيث تحليل ذلك
للشيعة متى ثبت العبودية ، فلا ينافي كون ذلك له (عليهالسلام) لما تكاثرت
به الاخبار من تحليل حقوقهم للشيعة (3) وعلى ذلك أيضا يحمل صدر رواية زكريا
ابن آدم المذكورة قال : «سألت الرضا (عليهالسلام) عن قوم من
العدو صالحوا ثم خفروا ولعلهم انما خفروا لأنهم لم يعدل عليهم أيصلح أن يشترى من
سبيهم فقال : ان كان من قوم قد استبان عداوتهم فاشتر منهم وان كان قد نفروا وظلموا
فلا تتبع من سبيهم» الحديث. قوله اخفروا (4) أى نقضوا عهدهم.
__________________
(1) ج 13 ص 323.
(2) الكافي ج 5 ص 210.
(3) الوسائل الباب ـ 4 ـ من أبواب الأنفال.
(4) يقال : خفرت الرجل أخفره من باب ضرب خفر بالتحريك إذا
آجرته ـ
وفي التهذيب عن محمد بن عبد الله (1) قال : «سألت
أبا الحسن الرضا (عليهالسلام) عن قوم خرجوا
وقتلوا أناسا من المسلمين وهدموا المساجد ، وان المستوفي هارون بعث إليهم فأخذوا
وقتلوا وسبى النساء والصبيان ، هل يستقيم شراء شيء منهن ويطأهن أم لا؟ قال : لا
بأس بشراء متاعهن وسبيهن». وليس في هذه الاخبار على تعددها دلالة على تملك السابي
كما توهمه المحقق المتقدم ذكره ، وانما دلت على جواز الشراء خاصة ، فيحمل على ما
قلنا من التحليل لكون ذلك لهم (عليهمالسلام) فلا تنافي
الخبرين الأولين ، على أنه يمكن حمل هذه الاخبار على التقية أيضا ، بمعنى أنه لم
ينبه فيها على كون ذلك للإمام (عليهالسلام) تقية ، وانما
ذكر جواز الشراء خاصة ، بناء على ما قلناه.
واما ما ذكره من أن ما أخذ بغيلة وسرقة فهو لأخذه ،
وعليه الخمس فلم أقف فيه بعد التتبع للاخبار على نص ، وغاية ما استدل به عليه في
المدارك هو اخبار (2)
«خذ مال الناصب حيثما وجدته ، وادفع لنا الخمس ،». وفيه
نظر ، لعدم ذكره في صدر كتاب الخمس ، وإيجاب الخمس هنا أحد القولين ، وبه صرح في المسالك
وقيل : بالعدم وهو ظاهر الشهيد في الدروس في مبحث الخمس ، لانه لا تسمى غنيمة ،
وهو الأقرب لما عرفت من عدم الدليل على ذلك ، بل على عدم كون المأخوذ على هذا
الوجه لأخذه ، فإن الأخبار خالية من الأمرين ، ولهذا إنما التجأ صاحب
__________________
وكنت له حاميا وكفيلا ، فاخفرت الرجل وخفرت إذا أنقضت عهدته ،
وعذرت به ، والهمزة للسلب والإزالة ، اى أزلت خفالته ، والخفارة بالكسر والضم
الزمام والعهد منه رحمهالله.
(1) التهذيب ج 6 ص 162.
(2) التهذيب ج 6 ص 387.
المدارك في الأمرين الى أخبار «خذ مال
الناصب».
وأما ما يدل على جواز الشراء من السابي وان كان جابرا
فالروايات المذكورة عن الرضا (عليهالسلام) لكن لا من
حيث كون ذلك ملكا له كما عرفت ، وان أوهم ظاهرها ذلك ، الا أنه يجب حملها على ما
ذكرناه جمعا بين الاخبار الواردة في المسألة.
وأما جواز الشراء من الكافر الحربي بنته وأخته وزوجته ،
فيدل عليه ما رواه الشيخ عن عبد الله اللحام (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل يشترى
من رجل من أهل الشرك ابنته فيتخذها؟ قال : لا بأس». وبالإسناد المذكور (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يشتري امرأة رجل من أهل الشرك يتخذها أم ولد قال : لا بأس».
بقي الكلام في أنه قد صرح الأصحاب بأن كل حربي قهر حربيا
فباعه صح بيعه ، لان القاهر مالك المقهور بقهره إياه ، فيصح بيعه له ، وهذا ظاهر
فيمن لا ينعتق عليه كالزوجة ونحوها ، أما لو كان ممن ينعتق عليه كالبنت في الخبر
الأول فإشكال ، ينشأ من أنه بدوام القهر يبطل العتق لو فرض ، وبدوام القرابة يرتفع
الملك بالقهر (3)
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 77.
(2) التهذيب ج 7 ص 77.
(3) أقول : وتوضيحه ان القرابة المخصوصة تقتضي العتق ، وقهر
الحربي يقتضي الملك ، والمقتضيان دائما ، وبدوامهما يجب أن يدوم ما يترتب عليهما
ويقتضيانه ، والوجهان قد تعارضا وتكافئا ولا ترجيح لأحدهما على الآخر ، فلا يمكن
الحكم بأحدهما دون الأخر ، فلما ثبت بالخبر المذكور جواز الشراء فلا بد من حمله
على الاستنقاذ ، لخروجه عن القاعدة المذكورة لا أنه بيع حقيقي ، لأن شرطه الملك ،
وملك البائع هنا غير معلوم لما عرفت وقولهم المبطل العتق لو فرض مقتضاه ان العتق
لا يقع ، لأنهم حكموا ببطلانه على تقدير فرض وقوعه ، وكأنه مبني على ان القهر دائم
وهو في كل آن
وحينئذ فالتحقيق حمل الشراء في الخبر
المذكور على الاستنقاذ ، ويثبت الملك بعد ذلك بالتسلط ، وفي لحوق أحكام البيع من
خيار المجلس وخيار الحيوان والعيب ونحو ذلك نظر أقربه ـ بناء على ما قلناه ـ العدم
، قالوا والاستنقاذ دفع يد شخص شرعية أم غير شرعية عن مال بعوض أو بغير عوض ،
ويشكل أيضا ثبوت الملك بالتسلط بعد الاستنقاذ إذ قد يكون المملوك الذي بيده ممن
ينعتق عليه مأمونا : أي دخل بلاد الإسلام بإمام ، فيشكل حينئذ تملك المشترى له
بالتسلط عليه ، وربما ظهر من كلام العلامة في القواعد لحوق أحكام البيع بالنسبة
إلى البائع ، وفيه أنه مع حكمه بالاستنقاذ لا معنى لذلك ، لانه عقد واحد يبعد كونه
بيعا حقيقيا بالنسبة إلى البائع وغير بيع بالنسبة إلى المشترى ، على أن سبب عدم
كونه بيعا حقيقيا بالنسبة اليه انما هو عدم صلاحية المبيع لتملك البائع ، وهو موجب
لعدم كونه حقيقيا بالنسبة اليه.
وقال في الدروس : ولو اشترى حربيا من مثله جاز ، ولو كان
ممن ينعتق عليه قيل كان استنقاذا حذرا من الدور لو كان شراء ، ولا يلحق به أحكام
البيع بالنسبة إلى المشترى ، وروى ابن بكير (1) تسميته شراء انتهى وظاهره لحقوق
أحكام البيع بالنسبة إلى البائع كما قدمنا ذكره عن ظاهر القواعد ، وفيه ما عرفت.
وبالجملة فإن مقتضى التحقيق بناء على ما ذكروه من كون
ذلك استنقاذ الا بيعا حقيقيا هو عدم تحقق بيع شرعي ، لا بالنسبة إلى البائع ولا
إلى المشتري ، فتملك
__________________
يقتضي الملك فيمتنع حصول العتق حقيقة لوجود منافيه فلا يكون
الا بطريق الفرض.
|
(منه رحمهالله). |
(1) أقول : نسبه : في الدروس الرواية الى ابن بكير باعتبار أنه
هو الراوي عن عبد الله اللحام ، ولعل ذلك للتنبيه بشأن الرواية حيث أن سندها الى
ابن بكير من الموثق ، وعبد الله اللحام مجهول ـ منه رحمهالله.
المشترى للمبيع مشكل ، وتملك البائع
للثمن مشكل ، إلا أنك قد عرفت من الرواية المتقدمة كون ذلك بيعا وشراء من غير
معارض ، سوى ما قالوه ، والأظهر الوقوف على مقتضى النص ، فان ما ذكروه وان كان
مقتضى القواعد الشرعية أيضا ، الا انه يمكن تخصيصها بهذا الخبر بأن يخص الانعتاق
بالملك بالشراء ، دون التملك قهرا ، وقوفا على مورد أخبار كل من المقامين والله
العالم.
والمسألة الثانية عشر ـ اختلف الأصحاب فيما لو دفع الى
مأذون مالا ليشتري به نسمة ويعتقها عنه ويحج بالباقي ، فاشترى أباه ودفع إليه بقية
المال ، فحج به ، فاختلف مولاه وورثة الأمر ومولى الأب ، فكل يقول اشترى بمالي ،
فقال الشيخ في النهاية الحكم أن يرد المعتق على مولاه الذي كان عنده يكون رقا له
كما كان ، ثم أى الفريقين الباقيين منهما أقام البينة بأنه اشترى بماله سلم اليه ،
وان كان المعتق قد حج ببقية المال لم يكن الى رد الحجة سبيل ، وتبعه في ذلك ابن
البراج.
وقال ابن إدريس : لا أرى لرد المعتق على مولاه وجها ، بل
الأولى عندي أن القول قول سيد العبد المأذون له في التجارة ، والعبد المبتاع لسيد
العبد المباشر للعتق ، وان عتقه غير صحيح ، لأن إجماع أصحابنا على أن جميع ما بيد
العبد فهو مال لسيده ، وهذا الثمن في يد المأذون ، وأنه اشتراه فإذا اشتراه فقد
صار ملكا لسيد المأذون الذي هو المشترى ، فإذا أعتقه المأذون بعد ذلك فعتقه غير
صحيح ، لانه لم يؤذن له في العتق ، بل أذن له في التجارة فحسب ، هذا إذا عدمت
البينتان ، فهذا تحرير القول والفتوى في ذلك انتهى (1).
__________________
(1) أقول : أما دعوى مولا العبد المأذون فظاهر مما ذكره ابن
إدريس ، وأما دعوى مولى الأب أنه اشتراه بمالي فيحمل على أن يكون العبد المأذون
وكيلا له بالاذن وعنده مال له ، أو انه أخذ الأب من مالي وأعطاه ابنه ليشتريه ،
ونحو ذلك ، واما دعوى ورثة الموصي فظاهر حيث ان مورثهم دفع اليه ذلك الوجه الذي
اشترى به العبد ، فهو قد اشترى بمالنا ـ
والأصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ عن ابن أثيم (1) «عن أبى جعفر (عليهالسلام) عن عبد لقوم
مأذون له في التجارة ، دفع اليه رجل ألف درهم فقال له : اشتر بها نسمة وأعتقها عنى
، وحج عني بالباقي ، ثم مات صاحب الالف ، فانطلق العبد فاشترى أباه فأعتقه عن
الميت ، ودفع إليه الباقي يحج عن الميت فحج عنه ، وبلغ ذلك موالي أبيه ومواليه
وورثة الميت جميعا ، فاختصموا جميعا في الألف ، فقالوا موالي العبد المعتق : انما
اشتريت أباك بمالنا ، وقال الورثة : إنما اشتريت أباك بمالنا ، وقال موالي العبد :
انما اشتريت أباك بمالنا ، فقال : أبو جعفر (عليهالسلام) أما الحجة
فقد مضت بما فيها لا ترد ، وأما المعتق فهو رد في العتق لموالي أبيه ، واى
الفريقين بعد أقاموا البينة على أنه اشترى أباه من أموالهم كان لهم رقا». والشيخ
في النهاية ومن تبعه قد عملوا بظاهر هذه الرواية.
وابن إدريس قد ردها لما ذكره وقد اقتضى ابن إدريس في هذا
القول أكثر من تأخر عنه ، وطعنوا في الخبر المذكور بضعف الراوي ، فإنه غال ،
ومخالفة الخبر المذكور لأصول المذهب من وجوه ، منها الحكم برد العبد الى مولاه مع
اعترافه ببيعه ، ومنها دعواه فساد البيع ، ومدعى الصحة وهو الأخر ان مقدم ، ومنها
حكمه بمضي الحجة مع ان ظاهر الأمر حجة بنفسه وقد استناب فيها ، ومنها مجامعة صحة
الحج لعوده رقا مع كونه قد حج بغير اذن سيده ، ومنها انه كيف يدعى مولى العبد انه
شرى بماله ، مع انه لم يكن لمولى الأب مال في يد المأذون ، وليس هو وكيله ، ومع
الإغماض عن ذلك وثبوت ان له مالا وانه وكيل كيف يتصور صحة شراء شخص من سيده بمال
ذلك السيد ، فدعوى مولى العبد انه اشترى بماله يقتضي فساد العقد ، لان العوضين إذا
كانا من مال واحد لم تكن المعاوضة صحيحة ، واعتذر
__________________
وكأنهم ينكرون الوصية بما ذكره المأذون من الشراء والعتق ـ منه
رحمهالله.
(1) التهذيب ج 7 ص 234.
العلامة للأول بحمل الرواية على إنكار
مولى العبد البيع ، لا فساده ، ورده بمنافاته لمنطوق الخبر ، لدلالته على كونه
اشترى بماله ، وهو صريح في وقوع البيع والشراء ، فلا تسمع هذه الدعوى ، ونزله
الشهيد في الدروس على ان المأذون بيده مال لمولى الأب وغيره ، وبتصادم الدعاوي
المتكافئة يرجع الى أصالة بقاء الملك على مالكه ، ولا يعارضه فتواهم بتقديم دعوى
الصحة على الفساد لان دعوى الصحة هنا مشتركة بين متقابلين متكافئين ، فيتساقطان
قال : وهذا واضح لا غبار عليه.
ورد بأن النظر فيه واضح والغبار عليه لائح ، لمنع تكافؤ
الدعاوي أو لا على تقدير تسليم كون بيده مال للجميع ، لان من عدا مولاه خارج ،
والداخل مقدم ، فسقط مولا الأب وورثة الأمر ، فلم يتم الرجوع الى أصل بقاء الملك
على مالكه ، وبذلك يظهر فساد دعوى كون الصحة مشتركة بين متقابلين متكافئين ، فان
الخارجة لا تكافؤ الداخلة ، فإذا قدمت لم يبق لرد الدعوى المشتملة على فساد البيع
مانع ، إذ لم ينقدح بوجهها الا بسبب تساقط تلك الدعويين ولم يتم ، على انه لو سلم
كون بيد المأذون أموال لغير مولاه ، فإن إقراره بها لغيره غير مقبول مع تكذيب
المولى وان كان مأذونا ، لأن المأذون إنما يقبل إقراره بما يتعلق بالتجارة ، لا
مطلقا كما سيأتي إنشاء الله تعالى ، وحينئذ فلا بد من اطراح هذه الرواية بهذه
المنافيات لقبولها ، والرجوع الى أصل المذهب.
وفي المسألة قول ثالث للمحقق في النافع ، ورجحه ابن فهد
في شرحه ، قال : ويناسب الأصل ، الحكم بإمضاء ما فعله المأذون ما لم تقم بينة
تنافيه ، ومقتضاه الحكم بصحة البيع والعتق والحج ، لأن الأصل أن ما يفعله المأذون
صحيح ، وهذا يتمشى إذا جعلنا حكم المأذون حكم الوكيل ، فيقبل إقراره بما في يده ،
ويمضى تصرفه كالوكيل ، الا أن فيه أنه موقوف على تناول الاذن من سيده لذلك.
هذا كله مع عدم البينة ، وأما معها فان كانت لواحد حكم
بها ، وان كانت
لاثنين أو للجميع ، فان قلنا بتقديم
بينة الداخل عند التعارض فكالأول ، وان قدمنا الخارج أو لم يكن للداخل بينة ، ففي
تقديم بينة ورثة الأمر ـ نظرا إلى الصحة أو بينة مولى الأب ، لأنه خارج بالإضافة
إلى ورثة الأمر ، لا دعائه ما ينافي الأصل ـ وجهان ، استجود أولهما في المسالك ،
قال : لأنهما خارجان بالنسبة إلى المولى المأذون ، ومدعيان ، ويبقى مع ورثة الأمر
ترجيح الصحة.
وبالجملة فإن المسألة من المشكلات لما عرفت مما يتطرق
الى النص المذكور من الإيرادات الواضحة ، والعمل به والحال كذلك مشكل ، فالظاهر هو
قوة ما ذهب إليه المتأخرون والله العالم.
المسألة الثالثة عشر ـ قال الشيخ في النهاية من اشترى من
رجل عبدا وكان عند البائع عبدان ، فقال للمبتاع اذهب بهما فاختر أيهما شئت ورد
الأخر وقبض المال ، فذهب بهما المشتري فأبق أحدهما من عنده فليرد الذي عنده منهما
، ويقبض نصف الثمن مما أعطى ويذهب في طلب الغلام ، فان وجده اختار حينئذ أيهما شاء
ورد نصف الذي أخذه ، وان لم يجده كان العبد بينهما نصفين ، وتبعه ابن البراج في
ذلك.
وقال ابن إدريس : ما ذكره شيخنا في نهايته خبر واحد ، لا
يصلح ولا يجوز العمل به ، لانه مخالف لما عليه الأمة بأسرها ، مناف لأصول مذهب
أصحابنا وفتاويهم وتصانيفهم وإجماعهم ، لأن المبيع إذا كان مجهولا كان البيع باطلا
بغير خلاف ، وقوله» يقبض نصف الثمن ويكون العبد الآبق بينهما ويرد الباقي من
العبدين» ، فيه اضطراب كثير ، وخلل كبير ، لأنه ان كان الآبق هو الذي وقع عليه
البيع؟ فمن مال مشتريه ، والثمن بكماله لبائعه ، وان كان الآبق غير من وقع عليه
البيع ، والباقي الذي وقع عليه البيع فلأي شيء يرده ، وانما أورده شيخنا هذا
الخبر على ما جاء إيراد إلا اعتقادا ، لانه رجع في مسائل خلافه في كتاب السلم.
انتهى.
أقول : أشار بقوله رجع عنه في خلافه الى ما ذكره الشيخ
في الكتاب المذكور ،
حيث قال في باب السلم : إذا قال :
اشتريت منك أحد هذين العبدين بكذا ، أو أحد هذه العبيد الثلاثة بكذا لم يصح الشراء
، وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة إذا شرط فيه الخيار ثلاثة أيام جاز ، لان هذا
غرر يسير ، وأما في الأربعة فما زاد عليها فلا يجوز ، دليلنا أن هذا بيع مجهول
فيجب أن لا يصح بيعه ولانه بيع غرر لاختلاف قيمتي العبدين ، ولانه لا دليل على ذلك
في الشرع ، وقد ذكرنا هذه المسألة في البيوع ، وقلنا : أن أصحابنا رووا جواز ذلك
في العبدين فان قلنا بذلك تبعنا فيه الرواية ، ولم نقس غيرها عليها. انتهى.
وقال العلامة في المختلف بعد نقل ما ذكرناه : والتحقيق
أن نقول : العقد أن وقع على عبد مطلق موصوف بصفاته المقصودة الرافعة للجهالة صح
البيع ، فإذا دفع البائع العبدين إلى المشتري ليتخير أحدهما ، جاز أن يتخير أيهما
شاء ، فإذا أبق أحدهما فإن قلنا المقبوض بالسوم مضمون ضمنه المشترى ثمنا والا فلا
، وان وقع على أحدهما كان باطلا.
والشيخ رحمة الله عليه عول في ذلك على رواية محمد بن
مسلم (1) عن الباقر (عليهالسلام) ، «قال سألته
عن رجل اشترى من رجل عبدا وكان عنده عبدان ، فقال للمشتري : اذهب بهما فاختر أيهما
شئت ورد الأخر وقد قبض المال فذهب بهما المشتري فأبق أحدهما من عنده قال : ليرد
الذي عنده منهما ويقبض نصف الثمن مما أعطى من المبيع ، ويذهب في طلب الغلام ، فان
وجده اختار أيهما شاء ، ورد النصف الذي أخذ ، وان لم يجده كان العبد بينهما نصفه
للبائع ونصفه للمبتاع». وهذه الرواية تدل على ان البيع وقع صحيحا لا على انه وقع
على عبد من عبدين وكذا كلام الشيخ.
واما قول الشيخ في الخلاف عن الرواية ، فإن لها محملا ،
وهو ان نفرض
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 82 الكافي ج 5 ص 217.
تساوى العبدين من كل وجه فلا استبعاد
حينئذ في بيع أحدهما لا بعينه ، كما لو باعه من متساوي الأجزاء بعضه ، كما لو باعه
قفيزا من الصبرة ، واما تضمين النصف فلان البيع وقع مشاعا على أحدهما فقبل
الاختيار يكون العبدان بينهما ، فلما أبق أحدهما ضمن نصف الذي اشتراه ، والنصف
الأخر لا يضمنه ، لانه مقبوض على وجه السوم ، والعبد الباقي بينهما لشياع
الاستحقاق في العبدين. انتهى.
أقول : وجه الإشكال في الرواية المذكورة من حيث أنه اشترى
عبدا في الذمة ، وهو أمر كلي يتوقف على تشخيصه في عين مخصوصة متصفة بما وقع عليه
الاتفاق من الأوصاف ، والخبر دل على انحصار ذلك الأمر الكلي في العبدين قبل تعيينه
، ومن حيث دلالة الخبر على ثبوت البيع في نصف الموجود الموجب للشركة مع عدم وجود
ما يقتضي الشركة ، ثم الرجوع الى التخيير لو وجد الآبق ، ومن أجل هذه الإشكالات
نزل بعض الأصحاب ـ (رضوان الله عليهم) الرواية المذكورة ـ على تقدير أربع مقدمات ،
الاولى ـ تساويهما قيمة ، الثانية ـ مطابقتهما للمبيع الكلى وصفا ، الثالثة ـ انحصار
الحق فيهما حيث دفعهما اليه وعينهما للتخيير ، كما لو حصر الحق في واحد ، الرابعة
ـ عدم ضمان المقبوض بالسوم فلا يضمن الآبق هنا ، أو تنزيل هذا التخيير هنا منزلة
الخيار في البيع فكما ان تلف المبيع في مدة الخيار من البائع ، فكذلك هيهنا متى
تلف قبل الاختيار (1).
ولا يخفى ما في البناء على هذه المقدمات من الاشكال لما
يمكن تطرقه إلى جملة منها ، ولهذا قيل انه يشكل الحكم بانحصار الحق فيهما على هذه
التقادير ، لان المبيع أمر كلي لا يشخص الا بتشخيص البائع ، ودفعه الاثنين ليتخير
أحدهما ليس تشخيصا وان حصر الأمر فيهما ، لأصالة بقاء الحق في الذمة الى ان يثبت
شرعا كون ذلك كافيا ، كما لو حصره في عشرة فصاعدا ، وما ذكره في المختلف ـ من
التنزيل ـ على تساوى
__________________
(1) مرجع المقدمة الرابعة الى أن عدم الضمان مترتب على أحد
الأمرين المذكورين منه ـ رحمهالله.
العبدين من كل وجه ليلحق بمتساوي
الأجزاء حتى جوز بيع عبد منهما كما يجوز بيع قفيز من الصبرة ـ ففيه اشكال ظاهر ،
لمنع تساوى العبدين على وجه يلحقان بالمثلي الذي هو عبارة عن متساوي الاجزاء ،
ومنع تنزيل بيع القفيز من الصبرة على الإشاعة ، كما تقدم في البحث عن هذه المسألة.
وبالجملة فإن الأكثر على اطراح الرواية المذكورة لما
عرفت من مخالفتها لمقتضى الأصول وعسر تنزيلها على ما ذكروه من هذه التكلفات
السخيفة ، والأظهر الرجوع الى مقتضى الأصول ، فينظر في هذين العبدين فان كانا
بالصفات الذي اشترى بها العبد في الذمة تخير بينهما ، فان اختار الآبق منهما رد ما
أخذه من نصف الثمن ، ولا شيء له ، وان اختار الباقي منهما أخذه.
بقي الكلام في ضمان الآبق على هذا التقدير ، فان قلنا
بضمان المقبوض بالسوم ضمنه ، والا فلا ، وان كان أحدهما بالصفات أخذه وحكم الأخر
على ما تقدم ، وان لم يكن شيء منهما بالصفات رجع على البائع بحقه لان حقه في الذمة
باق حتى يدفع اليه ما كان على الصفات التي وقع عليها العقد وفي ضمان الذاهب ما
تقدم ، وعلى هذا لا فرق بين عبدين أو أكثر أو غير العبد من المتاع وغيره ، وعلى
تقدير العمل بالرواية يجب الاقتصار فيه على موردها فلا يتعدى الحكم الى غير
العبدين اقتصارا فيما خالف الأصول على موضع النص وبه جزم الشيخ رحمهالله.
ولو تعددت العبيد فهل ينسحب الحكم ، احتمالان أحدهما نعم
، لصدق العبدين في الجملة ، فلو كانوا ثلاثة فأبق واحد فان ثلث المبيع ، فيرجع
بثلث الثمن ، وهكذا فيما زاد ، وثانيهما العدم ، للخروج عن موضع النص ، وهو الأظهر
ولو كانا أمتين أو أمة وعبدا ففي انسحاب الحكم الوجهان ، وقطع ، في الدروس بانسحاب
الحكم هنا ، والأظهر العدم ، لما ذكرنا والله العالم.
المسألة الرابعة عشر اختلف الأصحاب
رضوان الله عليهم في الجارية بين الشركاء فيطأ أحدهم ، فقال الشيخ في النهاية :
إذا كانت الجارية بين شركاء فتركوها عند واحد منهم فوطأها فإنه يدرأ عنه من الحد
بقدر ماله منها من الثمن ، ويضرب بمقدار ما لغيره من القيمة ، وتقوم الأمة قيمة
عادلة ويلزمها ، فان كانت القيمة أقل من الثمن الذي اشتريت به الزم ثمنها الأول ،
وان كانت قيمتها في ذلك اليوم الذي قومت فيه أكثر من ثمنها الزم ذلك الأكثر ، فإن
أراد واحد من الشركاء الجارية كان له أخذها ، ولا يلزمه الا ثمنها الذي يسوى في
الحال. انتهى.
أقول : ما ذكره الشيخ هنا هو مضمون رواية عبد الله بن
سنان (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجال
اشتركوا في أمة فأتمنوا بعضهم على أن يكون الأمة عنده فوطأها قال : يدرأ عنه من
الحد بقدر ماله من النقد ، ويضرب ما ليس له فيها ، وتقوم الأمة عليه بقيمة ويلزمها
، فان كانت القيمة أقل من الثمن ، الذي اشتريت به الجارية ألزم ثمنها الأول ، وان
كان قيمتها في ذلك اليوم الذي قومت فيه أكثر من ثمنها الزم ذلك الثمن وهو صاغر
لانه استفرشها ، قلت : فإن أراد بعض الشركاء شرائها دون الرجل؟ قال : ذلك له ،
وليس له أن يشتريها حتى يستبرأها ، وليس على غيره أن يشتريها إلا بالقيمة».
وقال : ابن إدريس بعد نقل كلام الشيخ هذا خبر واحد أورده
شيخنا إيرادا لا اعتقادا والاولى أن يقال : لا يلزم الواطئ لها شيء سوى أحد الذي
ذكرناه على تقدير أن يكون عالما بالتحريم بقدر حصص شركائه ، الا أن تكون بكرا
فيأخذ عذرتها ، فيلزم ما بين قيمتها بكر أو غير بكر ، ويسقط عنه ما يخصه من ذلك ،
ويستحق الباقي الشركاء ، فاما ان كانت غير بكر فلا يلزمه ذلك هذا إذا لم يحبلها ،
فإذا أحبلها بولد ، فإنه يغرم ثمنها الذي تساوى يوم خيانته عليه ، وثمن ولدها يوم
تسقط حيا لو كان عبدا ويسقط من ذلك بمقدار حصته من الثمن انتهى.
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 72 الكافي ج 5 ص 217.
وقال العلامة في المختلف : والتحقيق أن نقول الواطئ ان
كان عالما بالتحريم حد يقدر حصص الشركاء ، وعليه من المهر بقدر حصصهم أيضا ان كانت
مكرهة أو جاهلة ، وان كانت مطاوعة فكذلك على الخلاف وسيأتي ، وان كانت بكرا لزمه
أرش البكارة قطعا ، ولا تقوم عليه بنفس الوطي بل مع الحمل وعليه تحمل الرواية وقول
الشيخ أيضا ، وعليه حصص الشركاء من القيمة ويطالب بأعلى القيم من حين الإحبال إلى
وقت التقويم ، وعليه حصص الشركاء ايضا من قيمة الولد يوم سقط حيا ان لم يكن قد
قومت عليه حبلى ، ولو أراد بعض الشركاء أخذها فإن كانت قد حبلت لم يكن له ذلك ،
وان لم تكن حبلت كان له ذلك ويأخذها بقيمتها يوم الأخذ انتهى.
أقول : وتحقيق الكلام في هذا المقام يقع في مواضع الأول
ـ لا إشكال في سقوط الحد عن الواطئ هنا مع الشبهة كما لو توهم حل الوطي من حيث
الشركة لقوله (عليهالسلام) (1) «ادرءوا الحدود
بالشبهات». الثاني ظاهر النص والفتوى أن الحد هنا انما هو بالجلد وان كان محصنا
يجب في مثله الرجم ، لان الرجم لا يقبل التبعيض ، وقد عرفت من النص والفتوى تبعيضه
هنا ، والظاهر أن الوجه فيه أن وجوب الرجم في المحصن انما هو فيما إذا كان الزاني
محصنا وهذا ليس كذلك من حيث تملكه لبعض الأمة ، ولأجل ذلك يلحق به الولد ، وتصير
أم ولد وان كان عالما بالتحريم ، مع أن الزاني العالم لا يلحق به الولد.
الثالث ـ أنه يسقط من الحد ما قابل ملكه من الأمة نصفا
أو ربعا أو نحو ذلك ، لعدم تحقق الزنا بالنسبة إلى حصته ، ويضرب الباقي الذي يتعلق
بنصيب الشركاء ، لكونه زنا بالنسبة إلى حصصهم ، وينبغي أن يستثني من الحد أيضا ما
لو كان أحد الشركاء ابن الواطئ أيضا ، فإنه لا حد على الأب في نصيب ابنه ، كما لا
حد عليه لو كانت بأجمعها للولد ، ثم انه مع التبعيض لو احتيج الى تبعيض الجلدة
الواحدة
__________________
(1) الفقيه ج 4 ص 53.
قال : بعض المحققين أنه يحتمل باعتبار
مقدار السوط ، وكيفية الضرب.
أقول : بل الظاهر انه ان كان نصفا أخذ بنصف السوط ، وان
كان ثلثا أخذ بثلثيه ، كما تضمنه صحيح هشام بن سالم (1) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «في
نصف الجلدة وثلث الجلدة يؤخذ بنصف السوط ، وثلثي السوط» ،. ويمكن إرجاع ما ذكره
المحقق المشار إليه الى ما ذكرناه.
الرابع ظاهر كلام الشيخ وهو ظاهر الرواية ايضا أنه تقوم
الأمة على الواطئ بنفس الوطي وظاهر الأصحاب كما سمعت من كلام ابن إدريس والعلامة
أنه لا تقوم عليه ولا يلزمه ثمنها الا مع الحمل ، لا بمجرد الوطي ، وعلى ذلك حمل
العلامة كلام الشيخ والرواية المذكورة ، وأنت خبير أو لا بأنه لا إشعار في الرواية
، ولا في كلام الشيخ ذكر الحبل بالكلية ، وثانيا بأنه متى حمل الكلام فيهما على
الحمل كما ذكره ، ـ بمعنى أن قوله في الرواية وكذا في كلام الشيخ «وتقوم الأمة
عليه» يعنى من حيث حملها بعد الوطي ـ فكيف يتم قوله في آخر الرواية وكذا في كلام
الشيخ «فإن أراد أحد الشركاء الجارية كان له أخذها» مع تصريحه (قدسسره) بأنه ان كانت
قد حبلت لا يجوز ذلك ، وانما يجوز مع عدم الحبل.
وبالجملة فالظاهر أن اشتمال الرواية وكذا كلام الشيخ ـ بناء
على حملها لها على ذلك ـ على هذين الحكمين أعنى التقويم على الوطي مع الحمل وعدمه
، وجواز شراء بعض الشركاء لها ـ لا يخلو من تدافع كما لا يخفى لأنه إذا كان الحكم
الشرعي بعد الوطي مجردا عن الحمل كما هو ظاهر الإطلاق ، أو هو مع الحمل كما هو
ظاهر الأصحاب هو التقويم على الواطئ فكيف يجوز لبعض الشركاء شراؤها.
__________________
(1) الكافي ج 7 ص 175.
ثم ان مما يدل على أن التقويم بمجرد الوطي كما هو ظاهر
الخبر المذكور ما رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا (1) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) وفي الفقيه
عنه (عليهالسلام) مرسلا قال : «سئل
عن رجل أصاب جارية من الفيء فوطئها قبل أن تقسم؟ قال : تقوم الجارية وتدفع إليه
بالقيمة ويحط له منها ما يصيبه منها من الفيء ويجلد الحد ، ويدرأ عنه من الحد
بقدر ما كان له فيها ، فقلت : كيف صارت الجارية تدفع إليه بالقيمة دون غيره قال :
لأنه وطئها ، ولا يؤمن ان يكون ثمة حبل» ، والخبر كما ترى صريح الدلالة واضح
المقالة في تقويمها على الواطئ بمجرد الوطي معللا بخوف الحبل ، لا بوجوده بالفعل ،
كما ذكروه (رضوان الله عليهم) الا أنه قد روى في الكافي وكذا في التهذيب عن
إسماعيل الجعفي (2) عن ابى جعفر (عليهالسلام) «في رجلين
اشتريا جارية فنكحها أحدهما دون صاحبه ، قال : يضرب نصف الحد ، ويغرم نصف القيمة
إذا أحبل».
وهي كما ترى دالة بمفهوم الشرط الذي هو حجة عند المحققين
وعليه تدل جملة من الاخبار عدم القيمة مع عدم الحبل وهي مؤيدة لما ذكره الأصحاب وروى
في الكافي أيضا عن إسماعيل الجعفي (3) «عن ابى جعفر (عليهالسلام) في جارية بين
رجلين فوطئها أحدهما دون الأخر فأحبلها قال : يضرب نصف الحد ويغرم نصف القيمة» ، الا
أن هذه الرواية لا دلالة فيها على نفى القول بالقيمة بمجرد الوطي ، وبالجملة فإن
المعارضة هنا وقعت بين رواية العدة ، ورواية إسماعيل الاولى ، وإلا فرواية عبد
الله بن سنان مطلقة ، والترجيح بحسب القواعد لرواية العدة لدلالتها صريحا على ما
ذكرناه ، والأخرى انما تدل
__________________
(1) الكافي ج 7 ص 194 الفقيه ج 4 ص 33.
(2) الكافي ج 7 ص 195 التهذيب ج 10 ص 30.
(3) الكافي ج 7 ص 195 التهذيب ج 10 ص 30.
بالمفهوم ، وهو لا يعارض المنطوق
الصريح ، الا ان ظاهر اتفاق الأصحاب على الحكم ـ عدا إطلاق كلام الشيخ هنا ـ مما
يعضد المفهوم المذكور ، والمسألة لذلك محل اشكال والله العالم.
الخامس قد عرفت ان مع الحمل تقوم الجارية على الواطئ ،
فالظاهر انه لا خلاف فيه لأنها مع الحمل تصير أم ولد ويلحقها حكم أمهات الأولاد
والولد حر ، قالوا لان الاستيلاد بمنزلة الإتلاف لتحريم بيعها وانعتاقها بموت
سيدها ، فكان عليه غرامة حصص باقي الشركاء من الجارية ومن الولد.
وظاهرهم انه لا فرق بين كونه عالما أو جاهلا وهو ظاهر
إطلاق رواية إسماعيل الجعفي المتقدمة ولو لا ذلك لأمكن الفرق بين الأمرين فإن
مقتضى القاعدة مع العلم ان لا يكون الولد كله حرا لان الزنا بأمة الغير موجب لكون
الولد للمالك ، ـ لانه نماء ماله ، الا أن الحكم هنا كما ذكره الأصحاب ـ وهو ظاهر
الخبر المذكور ـ على خلاف ذلك ، وكان تقويم حصص الشركاء في الولد من حيث سراية
العتق ان قيل بها في مثله فإنها قهرية كما سيجيء تحقيقه إنشاء الله تعالى في
موضعه اللائق به.
السادس ـ المعتبر في قيمة الولد قيمته يوم سقطه حيا ،
فيقوم لو كان عبدا ويدفع الى باقي الشركاء حصصهم ، هذا إذا لم يكن قومت عليه حاملا
، والا دخلت قيمته معها ، ولو وقع الولد سقطا قبل التقويم استقرت ملك الشركاء
للأم.
أما تقويم الام فهل المعتبر قيمتها عند الوطي ، أو يوم
التقويم ، أو الأكثر منها؟ اختار في الدروس الأول ، وفي المسالك الثالث ، واستظهر
المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد أكثر القيم من حين الحمل الى زمان الانتقال ، قال
: ويحتمل حين الحمل ، لانه وقت الإتلاف ، والأول أظهر ، لأنه زاد في ملك الأول
انتهى.
والظاهر ان ما ذكره من الاحتمال هو الذي ذكره ابن إدريس
بقوله ـ في عبارته
المتقدمة : يوم جنايته عليها ، والذي
دلت عليه رواية عبد الله بن سنان المتقدمة أكثر الأمرين من قيمتها يوم التقويم
وثمنها ، وهو ظاهر اختيار الشيخ فيما تقدم من عبارته وهو الأقرب.
السابع ـ ينبغي ان يعلم انه لا تدخل الجارية في ملك
الواطئ بمجرد الحمل ، بل لا بد من التقويم ودفع القيمة أو ضمانها مع رضا الشركاء
بذلك ، وظاهر الاخبار المتقدمة أنها تنتقل بمجرد التقويم ، ومقتضى قواعد الأصحاب
انه لا بد من صيغة البيع ودفع القيمة أو ضمانها ، إلا أنك قد عرفت فيما تقدم ما في
اشتراط الصيغة الخاصة من عدم الدليل على ذلك ، والظاهر أن ذكر التقويم في الاخبار
خرج مخرج التجوز والكناية عن دفع الثمن أو ضمانه ، وأما اشتراط الرضا فالظاهر ان
البيع هنا قهري على الشركاء.
الثامن ـ قد عرفت أنه لا تدخل في ملك الواطئ بمجرد الحمل
، بل لا بد من التقويم ودفع القيمة أو ضمانها وحينئذ ان كسب الجارية المذكورة وحق
الخدمة مشترك بين الملاك قبل ذلك.
التاسع ظاهر كلام ابن إدريس المتقدم انه مع عدم الحمل لا
يجب عليه بالوطء شيء الا أن يكون بكرا فيجب عليه أرش البكارة ، وهو تفاوت ما بين
قيمتها بكرا وثيبا ويسقط منه قدر نصيبه ، أما لو كان ثيبا فلا شيء عليه ، وظاهر
كلام العلامة المتقدم أن عليه أرش البكارة لو كانت بكرا قطعا ولو كانت ثيبا فعليه
المهر ، والشيخ فيما تقدم من عبارته سكت عن ذلك.
وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك القول بما ذهب
إليه العلامة من إيجاب الجميع لو كانت بكرا أعنى أرش البكارة ، والمهر لو كانت
ثيبا ، قال في الكتاب المذكور ويجب على الأب العقر (1) بسبب الوطي ،
سواء كانت بكرا أو ثيبا ،
__________________
(1) العقر بالضم : وهو دية فرج إذا غصب على نفسها وقيل : هو
المهر أو ما تعطاه المرأة على وطئ الشبهة.
وهو العشر أو نصفه مضافا الى ذلك أرش
البكارة ، مستثنى منه قدر نصيبه على أصح القولين. انتهى (1) ونبه بقوله
على أصح القولين على خلاف ابن إدريس كما عرفت ، حيث انه لم يوجب شيئا مع الثيوبة ،
ومع البكارة لم يوجب إلا الأرش
وقال المحقق الأردبيلي أنه لا بد من العقر بحصة الشركاء
العشر ونصفه ، وفي أرش البكارة تأمل ، والظاهر العدم ، لدخوله تحت عقر البكر ،
ولهذا سكت عنه الأكثر انتهى وظاهره ان أرش البكارة انما هو العشر ، وحينئذ فإذا
وجب عليه في صورة ما إذا كانت بكرا من حيث كونه مهرا فلا معنى لإيجابه مرة أخرى من
حيث كونه أرشا ، مع أنك قد عرفت من كلام المسالك إيجاب الأمرين ، الا ان ظاهر
عبارة ابن إدريس يدل على ان أرش البكارة انما هو تفاوت ما بين قيمتها بكرا وثيبا
لا العشر ، فعلى هذا لا منافاة بين وجوب الأمرين ، ولا يحضرني الان خبر صريح في
تفسير الأرش في هذا المقام بأحد المعنيين ، الا ان صحيحة الوليد بن صبيح المتقدمة
في المسئلة التاسعة ظاهرة فيما ذكره المحقق المشار اليه ، وكيف كان فالظاهر هو ما
ذكره المحقق المذكور ، إذ لا يستفاد من الاخبار أزيد من ذلك.
العاشر ـ خص العلامة فيما تقدم من كلامه وجوب المهر بما
إذا كانت مكرهة أو جاهلة ، وظاهره كون المطاوعة أيضا كذلك ـ على خلاف فيها ، وجزم
ابن فهد في المهذب بأن العالمة المطاوعة لا مهر لها ، وكأنه بنى على خبر (2) «لا مهر لبغي»
وقد تقدم في المسئلة التاسعة قول شيخنا الشهيد بذلك في نظير هذه المسئلة للخبر
المذكور وفيه ما ذكرناه ثمة ـ الحادي عشر ـ ظاهر الأصحاب حرية الولد حين انعقاده ،
فهو حرفي الأصل وان لم يدفع الأب حصص الشركاء ، ووجوب التقويم على أبيه
__________________
(1) واليه يميل كلام الشهيد في الدروس حيث قال : وفي دخول أرش
البكارة في المهر نظر وجمع الفاضل بينهما. انتهى منه رحمهالله.
(2) التهذيب ج 10 ص 36 الكافي ج 5 ص 479.
لا يوجب رقيته ، ففكه بالقيمة ليس على
حسب فك الرق الوارث ليدفع اليه الميراث ويظهر الفائدة فيما لو أوصى له حملا ، فإن
الوصية صحيحة بناء على ما قلنا ، واما على تقدير انعقاده رقا وتوقف تحريره على فكه
من الرقية فلا.
الثانية عشر ـ لو سقط الولد بجناية جان عليه ، ألزم
الجاني دية جنين حر للأب ، وهو عشر دية ، وعلى الأب للشركاء دية جنين الأمة وهو
عشر قيمتها إلا قدر نصيبه ، كذا ذكره جملة من الأصحاب هنا والله العالم.
المسألة الخامسة عشر ـ لو تنازع المأذون بعد شراء كل
منهما صاحبه من مولاه في الأسبق ، ليبطل بيع المتأخر لبطلان الاذن بزوال الملك ،
ولا بينة لهما ولا لأحدهما فما الحكم في ذلك؟ قال الشيخ في النهاية : المملوكان
إذا كانا مأذونين في التجارة فاشترى كل واحد منهما صاحبه من مولاه ، فكل من سبق
منهما بالبيع كان البيع له ، وكان الأخر مملوكا له ، فان اتفق ان يكون العقد ان في
حالة واحدة أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه كان البيع له ، ويكون الأخر مملوكه وقد روى
انه إذا اتفق العقدان في حالة واحدة كانا باطلين والأحوط ما قدمناه. انتهى وتبعه
على ذلك ابن البراج.
وقال ابن إدريس : وان اتفق أن يكون العقدان في حالة
واحدة كان العقد باطلا ، وقد روى انه يقرع بينهما فمن خرج اسمه كان البيع له ،
ويكون الأخر مملوكه ، وهذه الرواية لا يمكن المصير إليها ، لأن القرعة تستعمل في
الأشياء التي يجوز وقوع الصحة فيها وصحة أحدهما وبطلان الحكم الأخر ، وهذا السؤال
مبنى على انه وقع العقد ان في حالة واحدة وتحقق وتيقن ذلك ، وقد روى انه يذرع
الطريق والأول من الأقوال هو الصحيح الذي يقوى في نفسي. انتهى.
والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة ما
رواه ثقة الإسلام في الكافي والصدوق في الفقيه عن أبي سلمة (1) «عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) في رجلين
مملوكين مفوض إليهما يبيعان ويشتريان بأموالهما ، وكان بينهما كلام فخرج هذا يعد
والى مولى هذا ، وهذا الى مولى هذا ، وهما في القوة سواء ، فاشترى هذا من مولى هذا
العبد وذهب هذا فاشترى من مولى هذا العبد الأخر ، فانصرفا الى مكانهما فتشبث كل
واحد منهما بصاحبه وقال له : أنت عبدي وقد اشتريتك من سيدك ، قال : يحكم
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 218 الفقيه ج 3 ص 10 التهذيب ج 7 ص 72.
بينهما من حيث افترقا يذرع الطريق ،
فأيهما كان أقرب فهو الذي سبق الذي هو أبعد ، وان كانا سواء فهو رد على مواليهما»
وزاد في الكافي «جاءا سواء وافترقا سواء الا ان يكون أحدهما سبق صاحبه ، فالسابق
هو له ، إنشاء باع وإنشاء أمسك وليس له أن يضربه». قال في الكافي وفي رواية أخرى «ان
كانت المسافة سواء أقرع بينهما ، فأيهما وقعت القرعة عليه كان عبده». وروى الشيخ
الخبر المذكور عن محمد بن يعقوب مع الزيادة ، وكذا الرواية المرسلة الا ان فيه في
آخر الرواية المرسلة «كان عبد الأخر» وهو أظهر ، وعلى تقدير رواية الكليني يكون
الضمير في عبده راجعا إلى الأخر ، المفهوم من سياق الكلام وقرينة المقام.
ثم انه لا يخفى ان المستفاد من الخبر المذكور هو كون
المال الذي بيد المأذونين مالهما ، وهو مؤيد لما قدمناه من تملك العبد ، وأن توقف
التصرف على اذن السيد ، وان الشراء انما وقع لكل منهما ، كما ينادى به قول كل واحد
منهما للآخر أنت عبدي ، وقوله في الزيادة التي في الكافي «فالسابق هو له ، إنشاء
باع وإنشاء أمسك» وأنه لو تحقق سبق أحد العقدين بقرب طريق أحدهما حكم بصحته
وتقديمه ، وهو ظاهر ، وانه مع علم الاقتران بتساوي الطريقين فالعقدان باطلان.
وظاهر الرواية المرسلة انه مع تساوى الطريقين الموجب
للاقتران ـ كما عرفت ـ فالحكم القرعة ، وكأنه الى هذه المرسلة استند الشيخ في
النهاية فحكم بالقرعة في صورة الاقتران ، وفيه مناقضة ظاهرة لما دل عليه الخبر
الأول من الحكم بالبطلان مع تساوى الطريقين.
وجملة من الأصحاب منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك
اعترض على الشيخ في الاستناد الى هذه الرواية ، بأن المستفاد منها انما هو
الاشتباه ، قال في الكتاب المذكور : انه صرح في النهاية بالقرعة عند الاقتران
محتجا بالرواية وهي لا تدل على
مطلوبه ، لانه فرضها في كتابي الأخبار
فيما إذا كانت المسافة متساوية ، واشتبه الحال ، لا فيما إذا علم الاقتران. انتهى.
أقول الظاهر ان ما أورده على الشيخ غير وارد بعد التأمل
في الخبرين المذكورين ، وذلك انه في الخبر الأول فرض ان العبدين حين خرج كل واحد
منهما الى مولى الأخر كانا متساويين في القوة والعدو ، وأن مشيهما وعدوهما واحد ،
فلذا أمر (عليهالسلام) بذرع
الطريقين ، فان ظهر قرب أحدهما على السبق للقريب ، وان تساوى الطريقان حكم
بالبطلان : وما ذاك الا من حيث حصول الاقتران بين العقدين ، لان المفروض تساويهما
في الطريق ، وتساويهما في العدو ، فيلزم الاقتران واليه يشير قوله في الزيادة التي
في الكافي «جاءا سواء ، وافترقا سواء» ومن هذه الرواية حكم الأصحاب بالبطلان مع
الاقتران ، لاستحالة الترجيح بغير مرجح.
والظاهر من ذكر الكليني المرسلة المذكورة بعد هذه
الرواية أنها من تتمة الرواية الاولى ، ومترتبة على ما ذكر فيها من السؤال والجواب
، وانما حصل الاختلاف في صورة تساوى الطريقين ، فالرواية المسندة دلت على البطلان
، والمرسلة دلت على القرعة ، وبه يحصل التعارض بين هاتين التتمتين ، واحتمال كون
هذه المرسلة رواية مستقلة لا معنى له ، لعدم تقدم ذكر مسافة تشار إليها باللام
العهدية ، وبما ذكرنا يظهر ما في اعتراضهم على الشيخ ودعويهم أن المستفاد من
المرسلة انما هو الاشتباه.
نعم يحصل الإشكال في المرسلة المذكورة بما ذكره ابن إدريس من حيث أن القرعة انما تكون مع صحة أحد العقدين ومجهوليته ، فيستخرج ذلك الصحيح منهما بالقرعة ، وأما مع علم الاقتران كما هو المفروض والمفهوم من سياق الكلام فالظاهر بطلانهما كما صرحت به الرواية الاولى ، وبذلك يظهر بقاء المسألة في قالب الاشكال ، وللأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا شقوق وتفريعات وأحكام زائدة على ما يفهم من اخبار المسألة وخارجة عنها ليس للتعرض لها كثير فائدة بعد ما عرفت والله العالم.
الى هنا تم الجزء التاسع عشر حسب تجزئتنا بحمد الله ومنه وقد بذلنا الجهد غايته في تصحيحه ومقابلته للنسخة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه التي تفضل علينا بها حضرة حجة الإسلام العلامة السيد عبد اللطيف الحسيني القرشي دامت بركاته
العالية وله الثناء الجميل والشكر الجزيل .
ويتلوه الجز العشرون في أحكام بيع السلم إن شاء الله تعالى ونرجو من الله التوفيق على طبع بقية الاجزاء. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. علي الاخوندي