ج18 - ما يحرم في نفسه

المقام الثالث

فيما هو محرم في نفسه

كعمل الصور ، والغناء ، ومعونة الظالمين بما يحرم ، ونوح النائحة بالباطل ، وحفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض ، وهجاء المؤمنين ، وتعلم السحر والكهانة ، والقيافة ، والشعبدة ، والقمار ، والغش بما يخفى ، وتدليس الماشطة ، وتزين الرجل بما يحرم عليه. فها هنا مسائل :

الاولى : في عمل الصور.

لا خلاف بين الأصحاب ـ رضى الله عنهم ـ في تحريم التماثيل في الجملة ، فظاهر جملة منهم : التصريح بتحريم التماثيل المجسمة وغيرها ، من المنقوش على جدار أو بساط أو نحو ذلك. وظاهر بعض : التخصيص بالمجسمة من ذوات الأرواح. وآخرين بالمجسمة من ذوات الأرواح وغيرها. وظاهر بعض : التخصيص بذوات الأرواح مطلقا ، مجسمة أو غير مجسمة.

والأول ، نقله في المختلف عن ابن البراج ، وظاهر ابى الصلاح. ونقل الثالث ، عن الشيخين وسلار ، والرابع عن ابن إدريس. والثاني ، نقله في المسالك ،


ولم يذكر قائله.

والذي وقفت عليه من الاخبار ، في هذا المقام ، ما رواه في الكافي في الصحيح عن ابى العباس عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، في قوله تعالى «يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ» فقال : والله ما هي تماثيل الرجال والنساء ، ولكنها الشجر وشبهه (1).

وعن ابى العباس قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ ،) قال : ما هي تماثيل الرجال والنساء ، لكنها تماثيل الشجر وشبهه (2).

وعن جعفر بن بشير عمن ذكره عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : كانت لعلى بن الحسين وسائد وأنماط فيها تماثيل يجلس عليها (3).

وعن زرارة في الصحيح عن ابى جعفر ـ عليه‌السلام ـ ، قال : لا بأس بتماثيل الشجر (4).

وعن محمد بن مسلم في الصحيح قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن تماثيل الشجر والشمس والقمر؟ فقال : لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان (5).

وما رواه الشيخ عن ابى بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : انا نبسط عندنا الوسائد ، فيها التماثيل ونفترشها؟ فقال : لا بأس بما يبسط منها ويفترش ويوطأ ، وانما يكره منها ما نصب على الحائط وعلى السرير (6).

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 320 حديث : 1.

(2) الوسائل ج 3 ص 561 حديث : 6.

(3) الوسائل ج 3 ص 564 حديث : 4.

(4) الوسائل ج 12 ص 220 حديث : 2.

(5) الوسائل ج 12 ص 220 حديث : 3.

(6) الوسائل ج 12 ص 220 حديث : 4.


وما رواه الصدوق في حديث المناهي عن الحسين بن زيد ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن التصاوير ، وقال : من صور صورة كلفه الله تعالى يوم القيامة ان ينفخ فيها وليس بنافخ ، ونهى ان يحرق شي‌ء من الحيوان ، ونهى عن التختم بخاتم صفر أو حديد ، ونهى ان ينقش شي‌ء من الحيوان على الخاتم (1).

وما رواه في الخصال عن محمد بن مروان عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : ثلاثة يعذبون يوم القيمة : من صور صورة من الحيوان يعذب حتى ينفخ فيها وليس بنافخ فيها ـ الحديث (2).

وعن ابن عباس ، قال قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من صور صورة عذب وكلف ان ينفخ فيها وليس بنافخ (3).

أقول : ظاهر هذه الاخبار ـ بعد حمل مطلقها على مقيدها ـ : هو تخصيص التحريم بتصوير صورة ذوي الروح ، أعم من ان يكون مجسمة أو منقوشة على جدار وشبهه. وهذا هو القول الرابع من الأقوال المتقدمة ، وهو قول ابن إدريس.

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 220 حديث : 6.

(2) الوسائل ج 12 ص 221 حديث : 7.

(3) الوسائل ج 12 ص 221 حديث : 9.


المسألة الثانية

(في الغناء ـ بالمد ككساء ـ)

قيل : هو مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب ، فلا يحرم بدون الوصفين ، اعنى الترجيع والاطراب ، كذا عرفه جماعة من الأصحاب ، والطرب : خفة تعتريه تسره أو تحزنه.

ورده بعضهم الى العرف ، فما سمى فيه غناء يحرم وان لم يطرب. واختاره في المسالك وغيره ، وهو المختار (1) ولا خلاف في تحريمه فيما اعلم.

ولا فرق في ظاهر كلام الأصحاب ، بل صريح جملة منهم ، في كون ذلك في قرآن أو دعاء أو شعر أو غيرها ، الى ان انتهت النوبة إلى المحدث الكاشاني فنسج في هذا

__________________

(1) أقول : وممن صرح بما اخترناه هنا الفاضل المولى محمد صالح المازندراني في شرح الأصول ، حيث قال ـ بعد الكلام في الغناء ـ : وعرفه جماعة من أصحابنا بالترجيع المطرب ، فلا تتحقق ماهيته بدون الترجيع والاطراب ، ولا يكفي أحدهما. ورده بعضهم الى العرف فما سماه أهل العرف غناء حرام ، أطرب أم لم يطرب ، ولا يخلو من قوة ، لأن الشائع في مثله مما لم يعلم معناه لغة ولم يظهر المقصود منه شرعا ، هو الرجوع الى العرف. منه قدس‌سره.


المقام على منوال الغزالي ونحوه من علماء العامة ، فخص الحرام منه بما اشتمل على محرم من خارج ، مثل اللعب بآلات اللهو كالعيدان ، ودخول الرجال ، والكلام بالباطل ، والا فهو في نفسه غير محرم.

وما ذكره وان أوهمه بعض الاخبار ، الا ان الحق فيه ليس ما ذهب اليه واعتمد في هذا الباب عليه ، وان كان قد تبعه في ذلك ايضا صاحب الكفاية ، وهو ـ كما ستعرف ـ في الضعف والوهن الى أظهر غاية.

والواجب هنا ـ أولا ـ نقل جملة الأخبار :

فمنها : ما رواه في الكافي ـ في الصحيح ـ عن زيد الشحام قال : قال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام : بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة ولا تجاب فيه الدعوة ولا يدخله الملك (1).

وعن زيد الشحام ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل «وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» (2) قال : الزور الغناء (3). وعن ابى الصباح ـ في الصحيح ـ عن ابى عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل «لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ» (4). قال : الغناء (5). وعن ابى الصباح الكناني ـ في الصحيح ـ عن ابى عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل «وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ» قال : هو الغناء (6).

وعن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول : الغناء مما وعد الله تعالى عليه النار. وتلا هذه الآية «وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 225 حديث : 1 باب : 99 أبواب ما يكتسب به.

(2) سورة الحج : 30.

(3) الوسائل ج 12 ص 225 حديث : 2.

(4) سورة الفرقان : 72.

(5) الوسائل ج 12 ص 226 حديث : 3.

(6) الوسائل ج 12 ص 226 حديث : 5.


بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ» (1).

وعن عمران بن محمد عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : الغناء مما قال الله عزوجل «وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ» (2).

وعن ابن ابى عمير عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى «وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» قال : الزور الغناء (3).

وعن ابى بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله عزوجل «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» قال : الغناء (4).

وعن أبي أسامة عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : الغناء غش النفاق (5). وعن الوشاء قال : سمعت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يسأل عن الغناء ، فقال : هو قول الله عزوجل «وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ» (6).

وعن إبراهيم بن محمد المدني عمن ذكره عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : سئل عن الغناء ، وانا حاضر ، فقال : لا تدخلوا بيوتا الله معرض عن أهلها (7).

وعن يونس ، قال : سألت الخراساني ـ صلوات الله عليه ـ عن الغناء ، وقلت : ان العباسي ذكر عنك انك ترحض في الغناء ، فقال : كذب الزنديق ، ما هكذا قلت له ، سألني عن الغناء ، فقلت له : ان رجلا أتى أبا جعفر عليه‌السلام فسأله عن الغناء ، فقال : يا فلان ، إذا ميز الله بين الحق والباطل فأين يكون الغناء؟ قال : مع الباطل. فقال :

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 226 حديث : 6.

(2) الوسائل ج 12 ص 226 حديث : 7.

(3) الوسائل ج 12 ص 227 حديث «: 8.

(4) الوسائل ج 12 ص 227 حديث : 9.

(5) الوسائل ج 12 ص 227 حديث : 10.

(6) الوسائل ج 12 ص 227 حديث : 11.

(7) الوسائل ج 12 ص 227 حديث : 12.


قد حكمت (1).

ورواه في عيون الاخبار عن الريان بن الصلت ، قال سألت الرضا يوما بخراسان وذكر نحوه (2). ورواه الحميري في قرب الاسناد عن الريان بن الصلت. وعن عبد الأعلى قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الغناء ، وقلت : انهم يزعمون ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رخص في ان يقال : حيونا حيونا نحييكم! فقال : ان الله تعالى يقول «وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ، لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنّا إِنْ كُنّا فاعِلِينَ ، بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ ، وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ» ثم قال : ويل لفلان مما يصف. رجل لم يحضر المجلس (3).

وعن الحسن بن هارون ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : الغناء مجلس لا ينظر الله الى اهله ، وهو مما قال الله عزوجل «وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ» (4).

وروى في العيون بأسانيده عن الرضا عليه‌السلام عن آبائه عن على ـ عليهم‌السلام ـ ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أخاف عليكم استخفافا بالدين وبيع الحكم وقطيعة الرحم ، وان تتخذوا القرآن من أمير ، وتقدمون أحدكم وليس بأفضلكم في الدين (5).

وعن محمد بن ابى عباد ، وكان مستهترا بالسماع ، ويشرب النبيذ ، قال : سألت الرضا عن السماع ، فقال : لأهل الحجاز فيه رأى وهو في حيز الباطل واللهو ، اما سمعت الله يقول «وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً» (6).

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 227 حديث : 13.

(2) الوسائل ج 12 ص 227 حديث : 14.

(3) الوسائل ج 12 ص 228 حديث : 15 والآية في سورة الأنبياء : 16.

(4) الوسائل ج 12 ص 228 حديث : 16.

(5) الوسائل ج 12 ص 229 حديث : 18.

(6) الوسائل ج 12 ص 229 حديث : 19.


وروى في كتاب معاني الأخبار بسنده عن عبد الأعلى ، قال : سألت جعفر بن محمد عليه‌السلام عن قول الله عزوجل «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» قال : الرجس من الأوثان ، الشطرنج. وقول الزور : الغناء. قلت : قول الله عزوجل «وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ» قال : منه الغناء (1).

وعن حماد بن عثمان عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قول الزور ، قال : منه قول الرجل ، للذي يغني : أحسنت (2).

وروى في المقنع مرسلا قال : قال الصادق عليه‌السلام : شر الأصوات : الغناء (3).

وروى في كتاب الخصال بسنده المعتبر عن الحسن بن هارون ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ، يقول : الغناء يورث النفاق ويعقب الفقر (4).

وروى في المجالس عن عبد الله بن ابى بكر عن محمد بن عمرو بن حزم ، في حديث ، قال : دخلت على ابى عبد الله عليه‌السلام ، فقال : اجتنبوا الغناء ، اجتنبوا الغناء ، اجتنبوا قول الزور. فما زال يقول : اجتنبوا الغناء ، اجتنبوا ، فضاق بي المجلس وعلمت أنه يعنيني (5).

وفي رواية عبد الله بن سنان المروية في الكافي عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقروا القرآن بألحان العرب وأصواتها : وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر ، فإنه سيجي‌ء بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانية ، لا يجوز تراقيهم ، قلوبهم مقلوبة وقلوب من يعجبه شأنهم (6).

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 229 حديث : 20.

(2) الوسائل ج 12 ص 229 حديث : 21.

(3) الوسائل ج 12 ص 229 حديث : 22.

(4) الوسائل ج 12 ص 230 حديث : 23.

(5) الوسائل ج 12 ص 230 حديث : 24.

(6) الوسائل ج 4 ص 858 حديث : 1.


وروى في مجمع البيان ، قال : روى عن ابى جعفر وابى عبد الله وابى الحسن الرضا ـ عليهم‌السلام ـ ، في قول الله عزوجل «وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ» انهم قالوا : منه الغناء (1).

وروى على بن إبراهيم في تفسيره ـ في الصحيح أو الحسن ـ عن هشام عن ابى عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» قال الرجس من الأوثان : الشطرنج ، وقول الزور : الغناء (2).

وروى فيه عن أبيه بسنده الى عبد الله بن العباس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في حديث ـ قال : ان من أشراط الساعة إضاعة الصلوات ، واتباع الشهوات ، والميل إلى الأهواء. الى ان قال : فعندها يكون أقوام يتعلمون القرآن لغير الله ، ويتخذونه مزامير ـ الى ان قال : ويتغنون بالقرآن. الى ان قال : فأولئك يدعون في ملكوت السماوات : الأرجاس الأنجاس (3).

أقول : فهذه جملة من الاخبار الصريحة الدالة ، في تحريم الغناء مطلقا ، من غير تقييد بما قدمنا ذكره عن المجوز له في حد ذاته.

ويعضدها : الأخبار الدالة على تحريم الاستماع له (4) والاخبار الدالة على تحريم ثمن المغنية (5)

فروى في الكافي عن مسعدة بن زياد ، قال : كنت عند ابى عبد الله عليه‌السلام ، فقال له رجل : بأبي أنت وأمي ، انى ادخل كنيفا ، ولي جيران وعندهم جواز يتغنين ويضربن

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 230 حديث : 25.

(2) الوسائل ج 12 ص 230 حديث : 26.

(3) الوسائل ج 12 ص 230 حديث : 27.

(4) الوسائل باب 101 من أبواب ما يكتسب به.

(5) الكافي ج 5 ص 119.


بالعود ، فربما أطلت الجلوس استماعا منى لهن! فقال : لا تفعل. فقال الرجل : والله ما اتيتهن وانما هو سماع أسمعه بأذني. فقال : بالله أنت ، أما سمعت الله تعالى يقول «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً»؟ فقال : بلى والله كأني لم اسمع بهذه الآية من كتاب الله تعالى من عجمي ولا عربي. لا جرم انى لا أعود إنشاء الله تعالى ، وانى استغفر الله. فقال له : فاغتسل فصل ما بدا لك ، فإنك كنت مقيما على أمر عظيم ، ما كان أسوأ حالك لو متّ على ذلك. احمد الله وسله التوبة من كل ما يكره ، فإنه لا يكره الأكل قبيح ، والقبيح دعه لأهله ، فإن لكل أهلا (1).

وعن عنبسة عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : استماع الغناء واللهو ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع (2).

وعن الحسين بن على بن يقطين عن ابى جعفر عليه‌السلام ، قال : من أصغى الى ناطق فقد عبده ، فان كان الناطق يؤدى عن الله عزوجل فقد عبد الله وان كان الناطق يؤدى عن الشيطان فقد عبد الشيطان (3).

وروى في الكافي والتهذيب عن الحسن بن على الوشاء قال سئل أبو الحسن الرضا عليه‌السلام عن شراء المغنية. فقال : قد تكون للرجل الجارية تلهيه وما ثمنها الا ثمن الكلب ، وثمن الكلب سحت ، والسحت في النار (4).

وما رواه في الكافي عن سعيد بن محمد الطاطري عن أبيه عن ابى عبد الله عليه‌السلام. قال : سأله رجل عن بيع الجواري المغنيات. فقال : شراؤهن وبيعهن حرام ، وتعليمهن

__________________

(1) الوسائل ج 2 ص 957 باب 18 حديث : 1 من أبواب الأغسال المندوبة. ومستدرك الوسائل ج 2 ص 459 باب 80 حديث : 3.

(2) الوسائل ج 12 ص 236 حديث : 1.

(3) الوسائل ج 12 ص 236 حديث : 5.

(4) الكافي ج 5 ص 120 حديث : 4.


واستماعهن نفاق (1).

وعن نصر بن قابوس قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : المغنية ملعونة. ملعون من أكل كسبها (2).

وروى في الفقيه مرسلا ، قال : روى «ان أجر المغني والمغنية سحت» (3).

وعن إبراهيم بن ابى البلاد قال اوصى إسحاق بن عمر عند وفاته بجوار له مغنيات ان نبيعهن ونحمل ثمنهن الى ابى الحسن عليه‌السلام قال إبراهيم : فبعت الجواري بثلاثمائة الف درهم وحملت الثمن اليه. فقلت له. ان مولى لك يقال له : إسحاق بن عمر ، قد اوصى عند موته ببيع جوار له مغنيات ، وحمل الثمن إليك ، وقد فعلت وبعتهن وهذا الثمن ثلاثمأة الف درهم. فقال : لا حاجة لي فيه ، ان هذا سحت ، تعليمهن كفر ، والاستماع منهن نفاق ، وثمنهن سحت (4).

والتقريب في هذه الاخبار ، انه لو كان الغناء جائزا وحلالا ، بل مستحبا ـ كما هو ظاهر كلامهم في نحو القرآن والأدعية والمناجاة ، وانما يحرم بسبب ما يعرض له من المحرمات الخارجة ، كما ادعوه ـ فكيف يتم الحكم بتحريم سماعه وتحريم ثمن المغنية ، وان تعليمه كفر. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لكل ذي عقل وروية ، لا ينكره الأمن قابل بالصدود أو الاستكبار عن الحق بالكلية.

هذا واما الاخبار التي استند إليها الخصم في المقام ، فمنها : ما رواه في الكافي عن ابى بصير ـ وهو يحيى بن القاسم ، بقرينة رواية على عنه ـ قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إذا قرأت القرآن فرفعت به صوتي جائني الشيطان ، فقال : إنما ترائي بهذا

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 120 حديث : 5.

(2) الكافي ج 5 ص 120 حديث : 6.

(3) من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 105 حديث : 436.

(4) الكافي ج 5 ص 120 حديث : 7.


أهلك والناس ، فقال : يا أبا محمد ، اقرأ قراءة بين القرائتين ، تسمع أهلك ، ورجع بالقرآن صوتك ، فان الله تعالى يحب الصوت الحسن ، يرجع به ترجيعا (1).

وعن ابى بصير ـ وهو المرادي بقرينة عبد الله بن مسكان ـ عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ان من أجمل الجمال الشعر الحسن ، ونغمة الصوت الحسن (2).

وعن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لكل شي‌ء حلية ، وحلية القرآن الصوت الحسن (3).

وبهذا الاسناد عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لم يعط أمتي أقل من ثلاث : الجمال ، والصوت الحسن ، والحفظ (4).

وبهذا الاسناد عن الصادق عليه‌السلام ، قال : ان الله تعالى اوحى الى موسى بن عمران «إذا وقفت بين يدي ، فقف موقف الذليل الفقير ، وإذا قرأت التوراة فأسمعنيها بصوت حزين» (5).

وعن على الميثمي عن رجل عن الصادق عليه‌السلام ، قال : ما بعث الله عزوجل نبيا الأحسن الصوت (6).

وعن على بن عقبة عن رجل عن الصادق عليه‌السلام ، قال : كان على بن الحسين عليه‌السلام أحسن الناس صوتا بالقرآن ، وكان السقاؤون يمرون فيقفون ببابه يستمعون

__________________

(1) الوسائل ج 4 ص 859 حديث : 5 والكافي ج 2 ص 616 حديث : 13.

(2) الكافي ج 2 ص 615 حديث : 8.

(3) الكافي ج 2 ص 615 حديث : 9.

(4) الكافي ج 2 ص 615 حديث : 7.

(5) الكافي ج 2 ص 615 حديث : 6.

(6) الكافي ج 2 ص 616 حديث : 10.


قراءته ، وكان أبو جعفر عليه‌السلام أحسن الناس صوتا (1).

وعن على بن محمد النوفلي ، عن ابى الحسن عليه‌السلام ، قال : ذكرت الصوت عنده ، فقال : ان على بن الحسين عليه‌السلام كان يقرأ القرآن ، فربما مر به المار فصعق من حسن صوته ، وان الامام لو أظهر من ذلك شيئا لما احتمله الناس من حسنه. قلت : ولم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلى بالناس ويرفع صوته بالقرآن؟ فقال : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحمل الناس من خلفه ما يطيقون (2).

وما رواه في قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه ، قال : سألته عن الغناء ، هل يصلح في الفطر والأضحى والفرح؟ قال لا بأس ما لم يعص به (3).

وما رواه في الكافي والتهذيب عن ابى بصير ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن كسب المغنيات ، فقال : التي يدخل عليها الرجال حرام ، والتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس ، وهو قول الله عزوجل «وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ» (4).

وعن ابى بصير عن الصادق عليه‌السلام ، قال : المغنية التي تزف العرائس لا بأس بكسبها (5).

وعن ابى بصير ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس ، وليست التي يدخل عليها الرجال (6).

وروى في الفقيه ، قال : سأل رجل على بن الحسين عليه‌السلام عن شراء جارية لها

__________________

(1) الكافي ج 2 ص 616 حديث : 11.

(2) الكافي ج 2 ص 615 حديث : 4.

(3) الوسائل ج 12 ص 58 حديث : 5.

(4) الوسائل ج 12 ص 84 حديث : 1.

(5) الوسائل ج 12 ص 85 حديث : 2.

(6) الوسائل ج 12 ص 85 حديث : 3.


صوت؟ فقال : ما عليك لو اشتريتها فذكرتك الجنة ، يعني بقراءة القرآن والزهد والفضائل ، التي ليست بغناء ، واما الغناء فمحظور (1).

قال في الوافي ـ بعد نقل الخبر ـ : الظاهر ان هذا التفسير من كلام الصدوق ـ عليه الرحمة ـ ويستفاد منه ان من مد الصوت وترجيعه بأمثال ذلك ليس بغناء ، أو بمحظور ، وفي الأحاديث التي مضت في أبواب قراءة القرآن ، من كتاب الصلاة دلالة على ذلك ، والذي يظهر من مجموع الأخبار الواردة فيه ، اختصاص حرمة الغناء وما يتعلق به من الأجر والتعليم والاستماع والبيع والشراء كلها ، بما كان على النحو المتعارف في زمن بنى أمية وبنى العباس ، من دخول الرجال عليهن وتكلمهن بالأباطيل ، ولعبهن الملاهي ، من العيدان والقصب وغيرها ، دون ما سوى ذلك من أنواعه ، كما يشعر به قوله «ليست بالتي يدخل عليها الرجال» ـ الى ان قال :

وعلى هذا فلا بأس بسماع التغني بالاشعار المتضمنة لذكر الجنة والنار ، والتشويق الى دار القرار ، ووصف نعم الملك الجبار ، وذكر العبادات والترغيب في الخيرات والزهد في الفانيات ونحو ذلك ، كما أشير إليه في حديث الفقيه بقوله «فذكرتك الجنة» وذلك لان هذا كله ذكر الله تعالى ، وربما تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله تعالى.

وبالجملة لا يخفى على ذوي الحجى ، بعد سماع هذه الاخبار تمييز حق الغناء من باطله وان أكثر ما يتغنى به المتصوفة في محافلهم من قبيل الباطل انتهى.

وعلى هذا النحو حذى الخراساني في الكفاية.

وفيه : ـ أولا ـ أنهم وان زعموا الجمع بين أخبار المسألة بما ذكروه ، الا ان جل اخبار التحريم ، التي قدمناها ، لا يقبل ذلك ، فإنها ظاهرة ، بل بعضها صريح في تحريم الغناء ، من حيث هو ، لا باعتبار انضمام بعض المحرمات ، من خارج اليه. ولا سيما اخبار استماع الغناء وبيع المغنية وشرائها ، بالتقريب الذي قدمناه في ذيل تلك

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 86 حديث : 2.


الاخبار.

وقوله ـ في رواية المقنع ـ : شر الأصوات الغناء. وقوله ـ في رواية عبد الله ابن سنان ـ يرجعون القرآن ترجيع الغناء. وحديث يونس المروي بعدة طرق كما تقدم ، وأمثال ذلك مما تقدم. فإنها ما بين صريح وظاهر ، في قصر الحكم على الغناء من حيث هو ، وكذلك الآيات ، فان قوله عزوجل «وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» المفسر في تلك الاخبار بالغناء ، صريح في المنع من القول المفسر بالغناء ، من حيث هو.

وثانيا ـ انه من القواعد المقررة عن أصحاب العصمة ـ عليهم‌السلام ـ في مقام اختلاف الاخبار ، هو العرض على كتاب الله تعالى ، والأخذ بما وافقه ، وأن ما خالفه يضرب به عرض الحائط ، والعرض على مذهب العامة ، والأخذ بخلافه.

ولا ريب في ان مقتضى الترجيح بهاتين القاعدتين ، المتفق عليهما نصا وفتوى ، هو القول بالتحريم مطلقا ، وان ما دل على الجواز يرمى به ، لمخالفته لظاهر القرآن ، وموافقته للعامة.

هذا فيما كان صريحا في الجواز ، وهو أقل قليل في أخبارهم ، لا يبلغ قوة المعارضة لما قدمناه من اخبار التحريم.

فاما تمسكهم باخبار قراءة القرآن بالصوت الحسن والتحزن ، فهو لا يستلزم الغناء ، إذ ليس كل صوت حسن أو حزين يسمى غناء ، وهذا ـ بحمد الله سبحانه ـ ظاهر.

واما ما يوهمه بعض تلك الاخبار ، من التغني بالقرآن ، مثل ما نقله في مجمع البيان عن عبد الرحمن بن السائب ، قال : قدم علينا سعد بن ابى وقاص ، فأتيته مسلما عليه ، فقال : مرحبا بابن أخي. بلغني أنك حسن الصوت بالقرآن؟ قلت : نعم والحمد لله. قال : فانى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ان القرآن نزل بالحزن ، فإذا قرأتموه فابكوا ، فان لم تبكوا فتباكوا وتغنوا به ، فان من لم يتغن بالقرآن فليس منا.


قال في مجمع البيان : تأوله بعضهم بمعنى استغنوا به ، وأكثر العلماء على انه تزيين الصوت وتحزينه. انتهى (1).

قال في الكفاية ـ بعد نقل ذلك ـ : وهذا يدل على ان تحسين الصوت بالقرآن والتغني به مستحب عنده ، وان خلاف ذلك لم يكن معروفا بين القدماء انتهى.

أقول : ـ أولا ـ ان الخبر المذكور عامي ، فلا ينهض حجة. وثانيا : انه معارض بجملة من الاخبار المتقدمة ، الدالة على المنع من قراءة القرآن بالغناء ، وانما يقرؤه بالصوت الحسن على جهة الحزن ، ما لم يبلغ حد الغناء ، فإنه محرم في قرآن أو غيره.

ومنها : خبر الفقيه الأخير من الاخبار المتقدمة ، بناء على كون التفسير الذي في آخره من الخبر ، كما فهمه صاحب الوافي.

ورواية العيون المتقدمة ، ورواية تفسير على بن إبراهيم الثانية.

ومنها : رواية عبد الله بن سنان ، وهي أصرح صريح في ذلك.

واما ما ذكره في الكفاية ، من حمل الأخبار الدالة على المنع من التغني بالقرآن على قراءة تكون على سبيل اللهو ، كما يصنعه الفساق في غنائهم ، قال : وتؤيده رواية عبد الله بن سنان المذكورة ، فان في صدر الخبر الأمر بقراءة القرآن بألحان العرب ، واللحن هو الغناء ، ثم بعد ذلك المنع من القراءة بلحن أهل الفسق ، ثم قوله : سيجي‌ء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء. انتهى. فهو مما لا ينبغي ان يصغى اليه ولا يعرج في مقام التحقيق عليه.

اما أولا ، فإن الغناء الممنوع منه في القرآن ، على ما يكون على سبيل اللهو ، كما يصنعه الفساق في غنائهم ، لا محصل له. فإنه ان أراد به القراءة مع مصاحبة آلات اللهو كالعود ونحوه ، فإن أحدا لا يصنع ذلك.

وان أراد قراءة القرآن التي تقع على سبيل اللهو ، فإنه لا يعقل له معنى ، لأنها إن

__________________

(1) مجمع البيان ج 1 ص 16 الفن السابع من المقدمة.


وقعت بطريق الغناء الذي هو محل البحث ، فهذا هو الذي ندعي تحريمه ، سواء كان من الفساق أو الزهاد ، وان كان كذلك فإنه لم يعهد هنا نوع ممنوع منه ، غير ما ذكرناه ، حتى انه يخصه بالفساق ، لان مجرد الترجيع وتحسين الصوت والتحزن به لا يستلزم الغناء ، كما أشرنا إليه آنفا فهو ان بلغ الى حد الغناء وصدق عليه عرفا انه غناء ، كان ممنوعا ومحرما ، والا فلا.

واما ثانيا ، فان قوله : «فان اللحن في أول الخبر هو الغناء» ممنوع ، فإنه وان كان لفظ اللحن مما ورد بمعنى الغناء ، لكنه ورد أيضا في اللغة لمعان أخر ، منها : اللغة ، وترجيع الصوت ، وتحسين القراءة ، والشعر ، الا ان الأنسب به هنا : هو الحمل على اللغة ، بمعنى لغات العرب وأصواتها ، وهو الذي حمل عليه الخبر في مجمع البحرين فقال : اللحن واحد الالحان. واللحون : اللغات ، ومنه الخبر «أقروا القرآن بلحون العرب».

أقول : وحاصل معنى الخبر : أقروا القرآن بلغات العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل الفسق والكبائر ، والمراد به هنا : الغناء كما يفسره قوله «فإنه سيجي‌ء بعدي أقوام. إلخ» هذا هو المعنى الظاهر من الخبر ، وما تكلفه في معنى الخبر فإنه بعيد عن سياقه.

واما خبر على بن الحسين عليه‌السلام. فحاشا ان يكون ذلك من حيث كونه غناء ، كما توهموه ، وانما هذه حالات مختصة بهم ، بالنسبة إلى الأصوات والألوان والحلي ونحوها ، كما يدل عليه حديث دخول الجواد عليه‌السلام على زوجته بنت المأمون ، لما التمست أمها دخوله لتسر برؤيته مع ابنتها ، مع انه عليه‌السلام معها في سائر الأوقات والأيام والليالي ولم تستنكر منه (1). وحديث السراج في أصابع الرضا عليه‌السلام (2).

__________________

(1) مشارق الأنوار للحافظ البرسي ص 98 ـ 99 الفصل : 11.

(2) مدينة المعاجز ص 473 حديث : 3 ونقل المصنف ـ هنا في الهامش ـ حديث عسكر مولى ابن جعفر ـ ع ـ وما شاهده من غريب حاله ـ ع. فراجع : مناقب ابن شهرآشوب ج 4 ص 387 ـ 388.


وحديث الشيخين في حق أمير المؤمنين عليه‌السلام ونحو ذلك. ويشير الى ما ذكرناه قوله في الحديث المذكور : «وان الامام لو أظهر من ذلك شيئا لما احتمله الناس» (1).

وقال في الكفاية ـ أيضا ـ : وكثير من الاخبار المعتمدة وغيرها تدل على تحريم بيع الجواري المغنيات وشرائهن وتعليمهن الغناء ، وبإزائها الرواية السابقة المنقولة عن على بن الحسين عليه‌السلام (2) ورواية عبد الله بن الحسن الدينوري عن ابى الحسن عليه‌السلام ، في جملة حديث ، قال : قلت : جعلت فداك ، فاشترى المغنية والجارية تحسن أن تغني ، أريد به الرزق ، لا سوى ذلك؟ قال : اشتر وبع (3). انتهى.

وفيه : ان الرواية الأولى قد نقلها كما قدمناه بالتفسير الذي في آخرها ، وهي على تقديره غير منافية لتلك الاخبار ، بل صريحة في الانطباق عليها ولهذا ان المحدث الكاشاني استظهر ان هذا التفسير من كلام الصدوق كما قدمنا نقله عنه ، ليتم له التعلق بالرواية.

واما الرواية الثانية فهي ظاهرة في ان شراء المغنية انما هو لأجل التجارة وطلب الربح والفائدة ، وهو مما لا اشكال فيه ، كما صرح به الأصحاب ، والمحرم إنما شراؤها وبيعها لأجل الغناء.

قال في المنتهى ـ بعد نقل خبر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النهي عن بيع المغنيات وتحريم أثمانهن وكسبهن ـ : وهذا يحمل على بيعهن للغناء ، كما ان العصير لا يحرم بيعه لغير الخمر لصاحب الخمر.

* * *

ثم ان المشهور بين الأصحاب استثناء مواضع من تحريم الغناء.

ونقل في المسالك عن جماعة من الأصحاب ، منهم العلامة في التذكرة ، تحريم

__________________

(1) راجع : قضاياه ـ ع ـ مع الشيخين في مدينة المعاجز ص 77 ـ ص 87.

(2) الوسائل ج 12 ص 86 حديث : 2.

(3) الوسائل ج 12 ص 86 حديث : 1.


الغناء مطلقا ، ونقله في المختلف عن ابى الصلاح ، وهو المنقول عن ابن إدريس أيضا استنادا الى الاخبار المطلقة في تحريمه.

ومن تلك المواضع المستثنيات ـ على تقدير القول المشهور ـ : غناء المرأة التي تزف العرائس ، بشرط ان لا يدخل عليها الرجال ، ولا يسمع صوتها الأجانب من الرجال ولا تتكلم بالباطل ، ولا تعمل بالملاهي.

ومرجعه الى ان لا يكون مستلزما لمحرم آخر ، وقد تقدمت الأخبار الدالة على ذلك.

وما توهمه من استدل بهذه الاخبار على جواز الغناء ـ وانما تحريمه من حيث أمر آخر ، كدخول الرجال لقوله عليه‌السلام في بعض تلك الأخبار : لأنها ليست بالتي يدخل عليها الرجال ، وان فيه إشارة الى ان التحريم انما هو من هذه الجهة ـ فليس بشي‌ء ، لقصر التعليل على مورد النص ، بمعنى ان التي تزف العرائس يباح لها الغناء ، لعدم دخول الرجال عليها المستلزم لتحريمه.

نعم قوله في رواية أبي بصير الاولى ، لما سأله عن كسب المغنيات التي يدخل عليها الرجال : حرام ، ظاهر فيما ذكره ، الا انه يجب حمله على التقية وهكذا كل خبر ظاهر في ذلك.

وبالجملة فإن الأخبار المذكورة ظاهرة في جوازه في هذه الصورة ، فيجب تخصيص الاخبار المطلقة بها. وبه يظهر ضعف قول من ذهب الى عموم التحريم.

ومنها : الحداء ، وهو سوق الإبل بالغناء لها.

ولم أقف في الاخبار له على دليل. قال المحقق الأردبيلي ـ رحمه‌الله ـ قد استثنى الحداء بالمد ، وهو سوق الإبل بالغناء لها ، وعلى تقدير صحة استثنائه ، يمكن اختصاصه بكونه للإبل فقط ، كما هو مقتضى الدليل ، ويمكن التعدي ايضا الى البغال والحمير انتهى.

ولا أدرى أي دليل أراد ، فإن المسألة خالية عن النص ، وكأنه ظن ان ذكر


الأصحاب له ، لا يكون الا عن دليل ، والا فالدليل لم نقف عليه ، ولم يذكره هو ولا أحد غيره.

وبعضهم استثنى مراثي الحسين عليه‌السلام ـ ايضا ـ قال في الكفاية : وهو غير بعيد.

أقول : بل هو بعيد غاية البعد ، لما عرفت مما قدمناه من الاخبار المتكاثرة ، الا ان ما ذكره جيد على مذهبه في المسألة مما قدمنا نقله عنه.

وبالجملة فإنه لم يقم دليل على استثناء شي‌ء من إطلاق الاخبار المتقدمة ، سوى التي تزف العرائس. وعليها اقتصر في المنتهى في الاستثناء ولم يستثن سواها. والله العالم.


المسألة الثالثة

في معونة الظالمين

والدخول في ولاية الظلمة والمشهور في كلام الأصحاب ، تقييدها بما يحرم ، واما مالا يحرم كالخياطة لهم والبناء ونحو ذلك فإنه لا بأس به.

قال في الكفاية : ومن ذلك معونة الظالمين بما يحرم ، اما مالا يحرم كالخياطة وغيرها فالظاهر جوازه.

لكن الأحوط الاحتراز عنه لبعض الأخبار الدالة على المنع ، وقوله تعالى : «وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ» (1) قال في مجمع البيان : فقيل معناه : ولا تميلوا الى المشركين في شي‌ء من دينكم ، عن ابن عباس. وقيل : لا تداهنوا الظلمة ، عن السدي وابن زيد. قيل : ان الركون الى الظالمين المنهي عنه ، هو الدخول معهم في ظلمهم ، وإظهار موالاتهم ، واما الدخول عليهم ومعاشرتهم دفعا لشرهم فجائز. عن القاضي. وقريب منه ما روى عنهم ـ عليهم‌السلام ـ : ان الركون هو المودة والنصيحة والطاعة لهم. انتهى.

__________________

(1) سورة هود : 113.


أقول : الظاهر من الاخبار الواردة في هذا المقام ، هو عموم تحريم معونتهم. بما لا يحرم وما لا يحرم.

منها : ما رواه في الكافي في الصحيح عن هشام بن سالم ، عن ابى بصير قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام ، عن أعمالهم ، فقال لي : يا أبا محمد ، لا ولا مدة قلم ، ان أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينه مثله (1) أو قال : حتى تصيبوا من دينه مثله ، الوهم من ابن ابي عمير (2).

وعن ابن ابى يعفور قال : كنت عند الصادق عليه‌السلام ، فدخل عليه رجل من أصحابنا ، فقال له : أصلحك الله تعالى ، انه ربما أصاب الرجل منا الضيق والشدة ، فيدعى إلى البناء يبنيه أو النهر يكريه أو المسناة يصلحها ، فما تقول في ذلك؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما أحب أني عقدت لهم عقدة ، أو وكيت لهم وكاء ، وان لي ما بين لابتيها ، لا ولا مدة بقلم. إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من النار حتى يحكم الله عزوجل بين العباد (3).

وما رواه في التهذيب عن يونس بن يعقوب في الموثق ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تعنهم على بناء مسجد (4).

وعن صفوان بن مهران الجمال قال : دخلت على ابى الحسن الأول عليه‌السلام ، فقال لي : يا صفوان ، كل شي‌ء منك حسن جميل ، ما خلا شيئا واحدا ، فقلت : جعلت فداك ، أي شي‌ء؟ قال : إكراؤك جمالك هذا الرجل ـ يعنى هارون ـ قلت : والله ما أكريته أشرا ولا بطرا ولا لصيد ولا للهو ، ولكني أكريته لهذا الطريق ، يعنى طريق مكة ، ولا أتولاه بنفسي ، ولكني ابعث معه غلماني. فقال لي : يا صفوان ، أيقع

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 129 حديث : 5.

(2) الراوي عن هشام بن سالم.

(3) الوسائل ج 12 ص 129 حديث : 6.

(4) المصدر حديث : 8.


كراؤك عليهم؟ قلت : نعم ، جعلت فداك. فقال لي : أتحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟ قلت : نعم. قال : فمن أحب بقاءهم فهو منهم ، ومن كان منهم كان وروده في النار. قال صفوان : فذهبت فبعت جمالي عن آخرها. فبلغ ذلك الى هارون ، فدعاني فقال لي : يا صفوان ، بلغني أنك بعت جمالك ، قلت : نعم. قال : ولم؟ قلت : انا شيخ كبير وان الغلمان لا يفون بالأعمال. فقال : هيهات هيهات ، انى لا علم من أشار عليك بهذا ، أشار عليك بهذا موسى بن جعفر عليه‌السلام. فقلت : مالي ولموسى بن جعفر عليه‌السلام! فقال : دع هذا عنك ، فوالله لولا حسن صحبتك لقتلتك (1).

وما رواه في عقاب الأعمال ، بسنده عن السكوني عن جعفر بن محمد عليه‌السلام ، عن آبائه ـ عليهم‌السلام ـ ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين أعوان الظلمة ، ومن لاق لهم دواة ، أو ربط كيسا ، أو مد لهم مدة قلم ، فاحشروه معهم (2). وروى الثقة الجليل ، ورام بن أبي فراس ، في كتابه ، قال : قال عليه‌السلام : من مشى الى ظالم ليعينه وهو يعلم انه ظالم فقد خرج عن الإسلام. قال : وقال عليه‌السلام : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين الظلمة وأعوان الظلمة ، وأشباه الظلمة حتى من بري لهم قلما ولاق لهم دواة! قال : فيجتمعون في تابوت من حديد ، ثم يرمى به في جهنم (3).

ويعضد ذلك ما رواه في الكافي ، عن سهل بن زياد ، رفعه عن الصادق عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل «وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ» قال : هو الرجل يأتي السلطان فيحب بقاءه الى ان يدخل يده في كيسه فيعطيه (4).

وعن فضيل بن عياض ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : ومن أحب بقاء الظالمين

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 131 ـ 132 حديث : 17.

(2) الوسائل ج 12 ص 130 حديث : 11.

(3) الوسائل ج 12 ص 131 حديث : 15 و 16.

(4) الوسائل ج 12 ص 134 حديث : 1 باب : 44 أبواب ما يكتسب به.


فقد أحب ان يعصى الله تعالى ، ان الله تبارك وتعالى حمد نفسه عند هلاك الظالمين ، فقال (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (1).

وعن أبي حمزة عن على بن الحسين عليه‌السلام في حديث ، قال : إياكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين (2).

وعن محمد بن عذافر ، عن أبيه ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : نبئت أنك تعامل أبا أيوب والربيع ، فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة؟! قال فوجم ابى ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام لما رأى ما أصابه : أي عذافر ، إني إنما خوفتك بما خوفني الله عزوجل. قال محمد : فقدم ابى ، فما زال مغموما مكروبا حتى مات (3).

الى غير ذلك من الاخبار التي يقف عليها المتتبع ، وهي صريحة في تحريم معونة الظالمين بالأمور المحللة ، على أبلغ وجه وآكده. وبذلك يظهر لك ما في كلام الفاضل المذكور تبعا للمشهور ـ والكل ناش عن الغفلة عن تتبع الاخبار والوقوف عليها من مظانها.

نعم يجب ان يستثني من ذلك ما إذا ألجأته ضرورة التقية والخوف ، فان الضرورات تبيح المحظورات.

* * *

واما معونة الظالمين بما كان ظلما ومحرما فيدل على تحريمه : العقل والنقل ، كتابا وسنة.

ومنه : قوله عزوجل «وَلا تَرْكَنُوا ... الاية.

قيل : والركون هو الميل القليل. وقال في مجمع البحرين في تفسير الآية : اى لا تطمئنوا إليهم ، ولا تسكنوا الى قولهم ، والرضا بأفعالهم ، ومصاحبتهم ومصادقتهم

__________________

(1) الوسائل ج 11 ص 501 حديث : 5.

(2) الوسائل ج 12 ص 128 حديث : 1.

(3) الوسائل ج 12 ص 127 حديث : 3.


ومداهنتهم انتهى.

وحينئذ فإذا كان هذا القدر من الميل إليهم موجبا لدخول النار ، فبالطريق الأولى إعانتهم على الظلم ومشاركتهم فيه.

وقد تقدم في مرسلة سهل : ان الرجل يأتي السلطان فيحب بقاءه الى ان يدخل يده في كيسه فيعطيه (1). وفي باب جمل من مناهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المذكور في الفقيه ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من مدح سلطانا جائرا أو تخفف وتضعضع له طمعا فيه ، كان قرينه في النار ، قال الله عزوجل (وَلا تَرْكَنُوا). الاية (2).

وظاهر الخبرين المذكورين : الدلالة على ان الميل اليه لتحصيل شي‌ء من دنياه وحب بقائه ووجوده لذلك ، داخل تحت الآية.

ثم ان الظاهر ان المراد من هذا التشديد والتأكيد في هذه الاخبار الواردة في هذا المقام ، مما تقدم ويأتي ، انما هو سلاطين الجور المدعين للإمامة ، من الأموية والعباسية ومن حذا حذوهم ، كما هو ظاهر من سياقها ، ومصرح به في بعضها لا مطلق الظالم والفاسق وان كان الظلم والفسق محرما مطلقا.

وعلى هذا فلو أحب أحد بقاء حاكم جور من المؤمنين والشيعة ، لحبه المؤمنين وحفظه بيضة الدين من الأعداء والمخالفين ، فالظاهر انه غير داخل في الآية ، ولا الاخبار المذكورة.

ويعضد ذلك ما رواه في الكافي عن الوليد بن صبيح في الصحيح ، قال : دخلت على ابى عبد الله عليه‌السلام ، فاستقلنى زرارة ، خارجا من عنده. فقال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : يا وليد ، اما تعجب من زرارة ، سألني عن اعمال هؤلاء ، أي شي‌ء كان يريد؟ أيريد أن أقول له : لا ، فيروى ذلك على؟! ثم قال يا وليد ، متى كانت الشيعة تسأل عن أعمالهم ، انما كانت الشيعة تقول : يؤكل من طعامهم؟ ويشرب من شرابهم؟ ويستظل

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 133 حديث :.

(2) من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 6.


بظلهم؟ متى كانت الشيعة تسأل عن هذا؟!.

وفي الخبر المذكور ذم لزرارة ، (1) ولكن جلالة قدره تقتضي صرفه عن ظاهره والحمل على ما يقتضيه مقامات الحال يومئذ.

* * *

إذا عرفت ذلك فاعلم : ان الاخبار قد اختلفت في جواز الدخول في أعمالهم ، والولاية من قبلهم.

فمنها : ما دل على المنع من ذلك. ومنها : ما ظاهره الجواز ، لكن بشرط إمكان الخروج مما يجب عليه ويحرم. وبذلك صرح الأصحاب أيضا.

فاما ما يدل على الأول من الاخبار ، فمنها : ما رواه في الكافي عن إبراهيم بن مهاجر ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : فلان يقرؤك السلام ، وفلان وفلان. فقال : وعليهم‌السلام. فقلت : يسألونك الدعاء ، قال : وما لهم؟ قلت : حبسهم أبو جعفر ، فقال : ماله ومالهم؟ قلت : استعملهم فحبسهم ، فقال : مالهم ولهذا؟ ألم أنههم ألم أنههم ألم أنههم؟ هم النار هم النار هم النار. ثم قال : اللهم أجدع عنهم سلطانهم. قال فانصرفت من مكة ، فسألت عنهم ، فإذا هم قد خرجوا بعد هذا الكلام بثلاثة أيام (2).

وعن داود بن زربي في الصحيح ، قال : أخبرني مولى لعلى بن الحسين عليه‌السلام ، قال : كنت بالكوفة ، فقدم أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ الحيرة فأتيته ، فقلت له : جعلت فداك ، لو كلمت داود بن على أو بعض هؤلاء فأدخل في بعض هذه الولايات ، فقال : ما كنت لأفعل ، فانصرفت إلى منزلي ، فتفكرت فقلت ما أحسبه منعني إلا مخافة أن أظلم أو أجور. والله لاتينه واعطينه الطلاق والعتاق والايمان المغلظة. ان لا اظلمن أحدا ولا أجور ، ولأعدلن. قال : فأتيته فقلت جعلت فداك ، انى فكرت في ابائك على ، فظننت أنك إنما منعتني وكرهت ذلك ، مخافة ان أجور

__________________

(1 و 2) الوسائل ج 12 ص 135 حديث 1 و 3.


أو أظلم ، وان كل امرأة لي طالق ، وكل مملوك لي حر ، وعلى وعلى ان ظلمت أحدا أو جرت على أحد أو ان لم اعدل ، قال : فكيف قلت؟ فأعدت عليه الايمان ، فرفع رأسه الى السماء فقال : تنال السماء أيسر عليك من ذلك (1).

وعن جهم بن حميد ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : اما تغشى سلطان هؤلاء؟ قال : قلت : لا. قال : ولم؟ قلت : فرارا بديني ، قال : وعزمت على ذلك؟ قلت : نعم. قال لي : الان سلم لك دينك (2).

وعن حميد ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انى وليت عملا ، فهل لي من ذلك مخرج؟ فقال : ما أكثر من طلب المخرج من ذلك فعسر عليه! قلت : فما ترى؟ قال : ان تتقي الله تعالى ولا تعود (3).

وما رواه في التهذيب عن ابن بنت الوليد بن صبيح الكاهلي ، عن ابى عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : من سود اسمه في ديوان ولد سابع ، حشره الله تعالى يوم القيامة خنزيرا (4).

أقول : «سابع» مقلوب «عباس» كنى به تقية ، كما يقال : رمع مقلوب عمر.

وما رواه على بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة ابن صدقة ، قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوم من الشيعة ، يدخلون في اعمال السلطان ، يعملون لهم ويجبون لهم ، ويوالونهم؟ قال ليس هم من الشيعة ، ولكنهم من أولئك. ثم قرأ أبو عبد الله عليه‌السلام هذه الآية «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 136 حديث : 4 الظاهر ان المراد انه لا يمكنك الوفاء بتلك الايمان لما يعلمه من حال الرجل المذكور والا فيشكل الجمع بينه وبين ما يأتي من الاخبار في المقام مما يدل على الجواز لمن قام بذلك (منه قدس‌سره).

(2) الوسائل ج 12 ص 129 حديث : 7.

(3) الوسائل ج 12 ص 136 حديث : 5.

(4) الوسائل ج 12 ص 130 حديث : 9.


لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ـ الى قوله ـ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ» قال : الخنازير على لسان داود ، والقردة على لسان عيسى ، «كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ» كانوا يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمور ، ويأتون النساء أيام حيضهن ، ثم احتج الله تعالى على المؤمنين الموالين للكفار فقال «تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ ـ إلى قوله ـ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ» فنهى الله عزوجل ان يوالي المؤمن الكافر الا عند التقية (1).

وما رواه العياشي في تفسيره عن سليمان الجعفري ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : ما تقول في عمال السلطان؟ فقال : يا سليمان ، الدخول في أعمالهم ، والعون لهم والسعى في حوائجهم ، عديل الكفر ، والنظر إليهم على العمد ، من الكبائر التي يستحق بها النار (2). الى غير ذلك من الاخبار التي تجري هذا المجرى.

ثم ان الواجب على الداخل في أعمالهم رد ما اكتسبه في عملهم على أصحابه ، ومع عدم معرفتهم فالواجب الصدقة به عنهم ، كما صرح به الأصحاب. والتوبة النصوح في هذا الباب.

ويدل على ذلك خبر على بن أبي حمزة ، قال : كان لي صديق من كتاب بنى أمية ، فقال لي : استأذن لي على ابى عبد الله عليه‌السلام ، فاستأذنت له ، فلما ان دخل سلم وجلس ، ثم قال : جعلت فداك ، انى كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالا كثيرا ، وأغمضت في مطالبه ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : لولا ان بنى أمية وجدوا من يكتب لهم ، ويجبى لهم الفي‌ء ، ويقاتل عنهم ، ويشهد جماعتهم ، ما سلبونا حقنا ، ولو تركهم الناس وما في أيديهم ، ما وجدوا شيئا إلا ما وقع في أيديهم.

قال : فقال الفتى : جعلت فداك ، فهل لي مخرج منه؟ قال : ان قلت لك تفعل؟ قال : افعل. قال له : فاخرج من جميع ما اكتسبت في ديوانهم ، فمن عرفت منهم رددت عليه ، ومن لم تعرف تصدقت له ، وانا أضمن لك على الله تعالى الجنة. فأطرق الفتى

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 138 حديث : 10 والآية في سورة المائدة : 80.

(2) الوسائل ج 12 ص 138 حديث : 12.


طويلا ، ثم قال : قد فعلت ، جعلت فداك.

قال ابن أبي حمزة : فرجع الفتى معنا إلى الكوفة ، فما ترك شيئا على وجه الأرض الا خرج منه ، حتى ثيابه التي كانت على بدنه. قال : فقسمت له قسمة ، واشتريت له ثيابا ، وبعثت إليه نفقة ، قال : فما اتى عليه الا أشهر قلائل حتى مرض ، فكنا نعوده قال : فدخلت يوما وهو في السوق ، قال : ففتح عينيه ، ثم قال : يا على ، وفي لي والله صاحبك ثم مات فتولينا أمره ، فخرجت حتى دخلت على ابى عبد الله عليه‌السلام ، فلما نظر الى ، قال : يا على وفينا والله لصاحبك.

قال : فقلت : صدقت ، جعلت فداك ، هكذا والله قال لي عند موته (1).

واما ما يدل من الاخبار على الجواز بالقيد المتقدم ذكره ، فجملة من الاخبار ، الا ان جملة من الأصحاب عبروا هنا ـ مع الأمن من الدخول بالحرام ، والتمكن من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ـ بالجواز. وعبر بعضهم بالاستحباب. وقال بعضهم : ان مقتضى الشرط المذكور هو الوجوب ، لان القادر على الأمر بالمعروف يجب عليه وان لم يوله الجائر. وهو جيد.

قال في المسالك : ومقتضى هذا الشرط وجوب التولية ، لأن القادر على الأمر بالمعروف يجب عليه ، وان لم يوله الظالم.

ولعل الوجه في عدم الوجوب ، كونه بصورة النائب عن الظالم ، وعموم النهى عن الدخول معهم وتسويد الاسم في ديوانهم ، فإذا لم يبلغ حد المنع ، فلا أقل من الحكم بعدم الوجوب ، ولا يخفى ما في هذا الوجه. انتهى.

وما ذكره من ان مقتضى الشرط المذكور الوجوب جيد ، لكن على تفصيل سنذكره إنشاء الله تعالى ، بعد نقل الاخبار.

فنقول : من الاخبار في المقام ما رواه في الكافي عن زياد بن أبي سلمة ، قال : دخلت على ابى الحسن موسى عليه‌السلام ، فقال لي : يا زياد انك لتعمل عمل السلطان؟ قال :

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 144 ـ 145. والسوق : شدة نزع الروح.


قلت : أجل. قال لي : ولم؟ قلت : انى رجل لي مروة ، وعلى عيال ، وليس وراء ظهري شي‌ء ، قال : فقال لي : يا زياد ، لأن أسقط من حالق فانقطع قطعة قطعة أحب الى من ان أتولى لأحد منهم عملا ، أو أطأ بساط رجل منهم ، الا ، لما ذا؟ قلت : لا أدرى جعلت فداك ، فقال : الا لتفريج كربة عن مؤمن أو فك أسره أو قضاء دينه. يا زياد إن أهون ما يصنع الله تعالى بمن تولى لهم عملا ان يضرب عليه سرادق من النار ، الى ان يفرغ الله سبحانه من حساب الخلائق. يا زياد ، فان وليت شيئا من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك ، فواحدة بواحدة ، والله من وراء ذلك. يا زياد ، أيما رجل منكم تولى لأحد منهم عملا ثم ساوى بينكم وبينهم ، فقولوا له : أنت منتحل كذاب. يا زياد ، إذا ذكرت مقدرتك على الناس ، فاذكر مقدرة الله عليك غدا ، ونفاد ما أتيت إليهم عنهم ، وبقاء ما أبقيت إليهم عليك (1).

وعن ابى بصير عن الصادق عليه‌السلام ، قال : ذكر عنده رجل من هذه العصابة قد ولي ولاية ، فقال : كيف صنيعه إلى إخوانه؟ قال : قلت : ليس عنده خير. قال : أف ، يدخلون فيما لا ينبغي لهم ، ولا يصنعون إلى إخوانهم خيرا (2).

ومنها : ما رواه على بن يقطين ، قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : ما تقول في اعمال هؤلاء؟ قال : ان كنت لا بد فاعلا فاتق أموال الشيعة ، قال : فأخبرني على ، انه كان يجبيها من الشيعة علانية ويردها عليهم في السر (3).

وعن الحسن بن الحسين الأنباري ، عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : كتبت إليه : أربع عشرة سنة أستأذنه في اعمال السلطان ، فلما كان في آخر كتاب كتبته إليه ، أذكره انى أخاف على خيط عنقي ، وان السلطان يقول لي : انك رافضي ، ولسنا نشك في أنك تركت عمل السلطان للرفض ، فكتب الى أبو الحسن عليه‌السلام : قد فهمت كتابك

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 140 حديث : 9.

(2) الوسائل ج 12 ص 141 حديث : 10.

(3) الوسائل ج 12 ص 140 حديث : 8.


وما ذكرت من الخوف على نفسك ، فان كنت تعلم انك إذا وليت ، عملت في عملك بما أمرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم تصير أعوانك وكتابك أهل ملتك (1) ، وإذا صار إليك شي‌ء وواسيت به فقراء المؤمنين ، حتى تكون واحدا منهم ، كان ذا بذا ، وو الا فلا (2).

وعن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : ما من جبار الا ومعه مؤمن يدفع الله تعالى به عن المؤمنين ، وهو أقلهم حظا في الآخرة ، يعني أقل المؤمنين حظا لصحبة الجبار (3).

وما في التهذيب عن عمار في الموثق عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل ، قال : لا الا ان لا يقدر على شي‌ء يأكل ولا يشرب ، ولا يقدر على حيلة ، فإن فعل فصار في يده شي‌ء ، فليبعث بخمسه الى أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ (4).

وما رواه في الكافي عن يونس بن عمار ، قال : وصفت لأبي عبد الله عليه‌السلام من يقول بهذا الأمر ممن يعمل عمل السلطان ، وقال : إذا ولوكم يدخلون عليكم الرفق وينفعونكم في حوائجكم؟ قال : قلت : منهم من يفعل ذلك ومنهم من لا يفعل. قال : من لا يفعل ذلك منهم فابرؤا منه ، براء الله منه (5).

وما رواه في الكافي والفقيه عن على بن يقطين ، قال : قال لي أبو الحسن عليه‌السلام : ان لله عزوجل مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه (6).

__________________

(1) قوله : «تصير» من باب التفعيل ، اى تجعل وتختار عمالك من أهل ملتك.

(2) الوسائل ج 12 ص 145 حديث : 1 باب : 48 أبواب ما يكتسب به.

(3) الوسائل ج 12 ص 134 حديث : 4.

(4) الوسائل ج 12 ص 146 حديث : 3.

(5) الوسائل ج 12 ص 142 حديث : 12.

(6) الوسائل ج 12 ص 139 حديث : 1.


قال في الفقيه : وفي خبر آخر : أولئك عتقاء الله من النار. قال : وقال الصادق ـ عليه‌السلام ـ : كفارة عمل السلطان ، قضاء حوائج الاخوان (1).

وروى الكشي في الرجال في ترجمة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : كان محمد بن إسماعيل من رجال ابى الحسن موسى عليه‌السلام ، وأدرك أبا جعفر الثاني عليه‌السلام ، وقال حمدويه عن أشياخه : انه واحمد بن حمزة كانا في عداد الوزراء. قال : وفي رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع «قال الرضا عليه‌السلام : ان لله تعالى بأبواب الظالمين من نور الله تعالى له البرهان ، ومكن له في البلاد ، ليدفع بهم عن أوليائه ، ويصلح الله تعالى به أمور المسلمين ، إليهم ملجأ المؤمنين من الضر ، وإليهم يفزع ذو الحاجة من شيعتنا ، وبهم يؤمن الله تعالى روعة المؤمن في دار الظلم ، أولئك المؤمنون حقا ، أولئك أمناء الله في أرضه ، أولئك نور الله في رعيته يوم القيامة ، ويزهر نورهم لأهل السماوات كما تزهر الكواكب الدرية لأهل الأرض ، أولئك من نورهم يوم القيامة تضي‌ء منه القيامة ، خلقوا والله للجنة ، وخلقت الجنة لهم ، فهنيئا لهم ، ما على أحدكم ان لو شاء لنال هذا كله. قال : قلت : بماذا ـ جعلني الله فداك ـ؟. قال : يكون معهم فيسرنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا فكن منهم يا محمد (2).

وروى الكشي في الكتاب المذكور قال : لما قدم أبو إبراهيم موسى عليه‌السلام العراق ، قال على بن يقطين : اما ترى حالي وما انا فيه؟ فقال له : يا على ان لله تعالى أولياء مع أولياء الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه وأنت منهم يا على (3).

وروى في قرب الاسناد بسنده عن على بن يقطين انه كتب الى ابى الحسن

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 139 حديث : 2 و 3.

(2) قاموس الرجال ج 8 ص 59 ـ 60 وتنقيح المقال ج 2 رقم : 10393 نقلا عن الكشي ؛ وقد سقط من المطبوع في النجف.

(3) رجال الكشي ص 367 في ترجمة «على بن يقطين». وروى صدره صاحب الوسائل في ج 12 ص 139 حديث : 1.


عليه‌السلام ان قلبي يضيق مما انا عليه من عمل السلطان ، وكان وزيرا لهارون ، فإن أذنت ـ جعلني الله فداك ـ هربت منه. فرجع الجواب : لا آذن لك بالخروج من عملهم (1).

وروى في مستطرفات السرائر مما استطرفه من كتاب «مسائل الرجال ومكاتباتهم الى مولانا ابى الحسن على بن محمد الهادي عليه‌السلام» قال : وكتبت إليه أسأله عن العمل لبني العباس وأخذ ما أتمكن من أموالهم ، هل فيه رخصة. وكيف المذهب في ذلك؟ فقال : ما كان الداخل فيه بالجبر والقهر فالله قابل العذر ، وما خلا ذلك فمكروه ، ولا محالة قليله خير من كثيره ، وما يكفر به ما يلزمه فيه من يرزقه ويسبب على يديه ما يسر له فينا وفي موالينا. قال : وكتبت إليه في جواب ذلك ، أعلمه أن مذهبي في الدخول في أمرهم وجود السبيل إلى إدخال المكروه على عدوه وانبساط اليد في التشفي منهم ، بشي‌ء ان أتقرب به إليهم ، فأجاب : من فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراما بل اجرا وثوابا (2).

وروى في المقنع قال : روى عن الرضا عليه‌السلام : انه قال : ان لله تعالى مع السلطان أولياء ، يدفع بهم عن أوليائه. قال : وسئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل يحب آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في ديوان هؤلاء فيقتل تحت رايتهم ، فقال : يحشره الله على نيته (3).

وروى في الأمالي عن زيد الشحام في الصحيح ، قال : سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : من تولى امرا من أمور الناس فعدل ، وفتح بابه ، ورفع ستره ، ونظر في أمور الناس ، كان حقا على الله عزوجل ان يؤمن روعته يوم القيامة ، ويدخله الجنة (4).

وروى في الكافي والتهذيب عن محمد بن جمهور وغيره ، من أصحابنا قال : كان النجاشي ـ وهو رجل من الدهاقين ـ عاملا على الأهواز وفارس ، فقال بعض

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 143 حديث : 16.

(2) مستطرفات السرائر ص 479.

(3) الوسائل ج 12 ص 139 حديث : 5 و 6.

(4) الوسائل ج 12 ص 140 حديث : 7.


أهل عمله لأبي عبد الله عليه‌السلام : ان في ديوان النجاشي علىّ خراجا ، وهو ممن يدين بطاعتك ، فإن رأيت ان تكتب لي إليه كتابا؟ فكتب إليه أبو عبد الله عليه‌السلام :

«بسم الله الرحمن الرحيم ، سر اخاك يسرك الله تعالى».

قال : فلما ورد عليه الكتاب وهو في مجلسه فلما خلا ، ناوله الكتاب ، فقال :

هذا كتاب ابى عبد الله عليه‌السلام؟ فقبله ووضعه على عينيه ، قال : ما حاجتك؟ فقال ، على خراج في ديوانك. قال له : كم هو؟ قال : عشرة آلاف درهم. قال ، فدعى كاتبه فأمره بأدائها عنه ، ثم اخرج مثله فأمره أن يثبتها له لقابل. ثم قال له : هل سررتك؟ قال : نعم. قال : فأمر له بعشرة آلاف درهم اخرى ، فقال له ، هل سررتك؟ فقال : نعم جعلت فداك فأمر له بمركب ثم أمر له بجارية وغلام وتخت ثياب ، في كل ذلك يقول : هل سررتك؟ فكلما قال : نعم ، زاده ، حتى فرغ. قال له : احمل فرش هذا البيت الذي كنت جالسا فيه ، حين دفعت الى كتاب مولاي ، وارفع الى جميع حوائجك ، قال ففعل وخرج الرجل ، فصار الى ابى عبد الله عليه‌السلام بعد ذلك فحدثه بالحديث ، على وجهه ، فجعل يستبشر بما فعل. فقال له الرجل : يا ابن رسول الله ، كأنه قد سرك ما فعل بي؟ قال : اى والله ، لقد سر الله تعالى ورسوله (1).

أقول : لا يخفى ما في هذه الاخبار ، باعتبار ضم بعضها الى بعض ، من التدافع والتمانع.

ومجمل القول فيها : انه لا شك أنه قد علم من الاخبار المتقدمة حرمة الدخول في أعمالهم على أوكد وجه ، بل مجرد محبتهم والركون إليهم وحب بقائهم ، فضلا عن مساعدتهم وإعانتهم بالأعمال ، الا ان الاخبار الدالة على الجواز ظاهرة فيه بالقيود المذكورة فيها ، لكنها ظاهرة الاختلاف ، فان منها ما يدل على انه بالإتيان بتلك الشروط انما تحصل له بها الكفارة ، بأن تكون هذه الشروط كفارة لدخوله في العمل ،

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 142 حديث : 13.


كما يشير اليه قوله ـ في حديث ابى بصير المتقدم ـ : وهو أقلهم حظا في الآخرة (1). أي أقل المؤمنين. وقوله ـ في خبر الحسن بن الحسين الأنباري ـ : كان ذا بذا (2). وفي خبر زياد بن أبي سلمة : فواحدة بواحدة (3).

ولعله عليه‌السلام ـ في رواية الأنباري ـ كان يعلم عدم حصول القتل عليه بعدم دخوله ، والا فمنعه عن الدخول ـ والحال هذه ـ خروج عن الأدلة القطعية ، آية ورواية في العمل بالتقية ، كما لا يخفى.

ومنها : ما يدل على انه ينال بذلك الحظ الأوفر والمنزلة العليا ، كما يدل عليه كلام الرضا عليه‌السلام في رواية الكشي (4). واخبار على بن يقطين وعلو مرتبته عند الكاظم عليه‌السلام (5). وخبر النجاشي وما قاله الصادق عليه‌السلام في حقه (6).

ويؤيده خبر منع الكاظم عليه‌السلام لعلى بن يقطين عن الخروج من أعمالهم.

* * *

والتحقيق في ذلك : ان هنا مقامات ثلاثة :

(الأول) : ان يدخل في أعمالهم لحب الدنيا ، وتحصيل لذة الرئاسة ، والأمر والنهى. وهو الذي يحمل عليه اخبار المنع.

(الثاني) : ان يكون كذلك ، ولكن يمزجه بفعل الطاعات وقضاء حوائج المؤمنين وفعل الخيرات. وهذا هو الذي أشير إليه في الاخبار المتقدمة ، كما عرفت من قوله عليه‌السلام : ذا بذا. وقوله : واحدة بواحدة. وقوله : وهو أقلهم حظا.

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 134 حديث : 4.

(2) الوسائل ج 12 ص 145 حديث : 1.

(3) الوسائل ج 12 ص 140 حديث : 9.

(4) تقدم نقلا عن قاموس الرجال ج 8 ص 59 ـ 60.

(5) الوسائل ج 12 ص 140 حديث : 8.

(6) الوسائل ج 12 ص 142 حديث : 13.


ونحو ذلك.

(الثالث) : ان يكون قصده من الدخول فيها ، انما هو محض فعل الخير ، ودفع الأذى عن المؤمنين ، واصطناع المعروف إليهم ، وهو الفرد النادر وأقل قليل ، حتى قيل انه من قبيل إخراج اللبن الخالص من بين فرث ودم.

ويشير الى هذا الفرد عجز حديث السرائر المتقدم (1) وعلى هذا يحمل دخول مثل الثقة الجليل على بن يقطين ، ومحمد بن إسماعيل بن بزيع ، وأمثالهما من أجلاء الرواة عنهم ، والنجاشي المتقدم ذكره ، وكذلك جملة من علمائنا الأعلام ، كالمرتضى والمحقق الخواجة نصير الدين والملة ، وآية الله العلامة الحلي ، ومن المتأخرين المحقق الثاني في سلطنة الشاه إسماعيل ، وشيخنا البهائي ، وشيخنا المجلسي ، ونحوهم عطر الله مراقدهم. مع تسليم دعوى العموم. وبذلك يزول الاشكال والله العالم.

__________________

(1) تقدم عن مستطرفات السرائر ص 479.


تتمة مهمة

أقول : ومن هنا يعلم الكلام في جواز الدخول في أعمالهم وعدمه ، والأصحاب قد صرحوا هنا بأنه لا يجوز الدخول في أعمالهم إلا مع التمكن من القيام بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقسمة الصدقات والأخماس على مستحقيها ، وصلة الاخوان ، ولا يرتكب في ذلك المآثم ، علما أو ظنا ، والا فلا يجوز الولاية بلا خلاف ، كما نقله في المنتهى.

وعلى الأول تحمل الأخبار الدالة على رضا الأئمة عليهم‌السلام ببعض الولاة ، كمن أشرنا إليهم في آخر البحث.

وعلى الثاني تحمل الأخبار المانعة من الدخول كما تقدم.

والظاهر ان القسم الثاني الذي قدمنا ذكره داخل في الأول من هذين القسمين ، كما تقدم في رواية الأنباري (1) ، فهو أعم منهما.

والفرق بينهما حينئذ ـ مع اشتراكهما في الاذن والقيام بالأمور المذكورة ـ من جهة ما قدمنا ذكره ، من قصد أمر زائد في الدخول على هذه الأمور المذكورة ، وهو حب الرئاسة والأمر والنهى ونحو ذلك ، وعدمه. فمع قصده يكون من القسم

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 145 حديث : 1.


الثاني المتقدم ذكره ، ومع عدمه يكون من القسم الثالث الذي هو أقل قليل : واما لو أكرهه الجائر على الدخول فإنه يجوز له الولاية دفعا للضرر عن نفسه ، ولا يجوز له ان يتعدى الحق ما أمكنه ، فإن أكره على استعمال مالا يجوز شرعا جاز له ، ما لم يبلغ الى الدماء ، فإنه لا تجوز التقية فيها على حال.

* * *

بقي الكلام في الدماء التي لا تقية فيها ، هل هي أعم من القتل والجرح أو مخصوصة بالقتل ، قولان.

والمدعى للعموم ادعى ورود رواية بأنه لا تقية في الدماء.

والمدعى للتخصيص نقل رواية بأنه لا تقية في القتل.

والذي وقفت عليه من الاخبار في المقام ، ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم ، عن ابى جعفر عليه‌السلام ، قال : انما جعلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فليس تقية (1).

وروى الشيخ في الموثق عن أبي حمزة الثمالي ، قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : انما جعلت التقية ليحقن بها الدم ، فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية (2).

وأنت خبير بما فيهما من الإجمال ، لاحتمال حمل الدم على ظاهره الشامل للجرح ، واحتمال ارادة القتل خاصة ، فإنه مما يعبر عنه بهذه العبارة غالبا.

وبالجملة فالمسألة لأجل ذلك محل اشكال والله العالم.

__________________

(1) الوسائل ج 11 ص 483 حديث : 1 باب : 13 أبواب الأمر والنهى.

(2) الوسائل ج 11 ص 483 حديث : 2.


المسألة الرابعة

نوح النائح بالباطل

بان تذكر مالا يجوز ذكره ، كالكذب. فلو كان بحق فإنه لا بأس به ، ونحوه مع عدم سماع الأجانب صوتها ، على القول بتحريمه ، وحينئذ فالمنع منه انما هو لاشتماله على المحرم ، والا فإنه في نفسه جائز على المشهور.

وعلى ذلك تدل الاخبار :

ومنها : ما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن يونس بن يعقوب ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قال لي أبي : يا جعفر ، أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى ، أيام منى (1).

قيل : الندب ان تذكر النائحة الميت بأحسن أوصافه وأفعاله ، والبكاء عليه. والاسم : الندبة ـ بالضم.

قال بعض مشايخنا : يدل الخبر على رجحان الندبة عليهم واقامة مأتم لهم ، لما فيه من تشييد حبهم وبغض ظالميهم في القلوب ، وهما العمدة في الايمان.

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 88 حديث : 1.


فالظاهر : اختصاصه بهم ـ عليهم‌السلام ـ لما ذكرنا. انتهى.

ومنها : ما روياه ـ أيضا ـ في الكتابين المذكورين ، عن ابى جعفر عليه‌السلام ، قال : مات الوليد بن المغيرة ، فقالت أم سلمة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان آل المغيرة قد أقاموا مناحة فأذهب إليهم؟ فأذن لها ، فلبست ثيابها وتهيأت ، وكانت من حسنها كأنها جان ، وكانت إذا قامت وأرخت شعرها جلل جسدها ، وعقدت طرفه بخلخالها ، فندبت ابن عمها بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت :

أنعى الوليد ، ابن الوليد
 

 

أبا الوليد ، فتى العشيرة
 

حامى الحقيقة ، ماجدا
 

 

يسمو الى طلب الوتيرة
 

قد كان غيثا في السنين
 

 

وجعفرا غدقا وميرة
 

فما عاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليها ذلك ولا قال شيئا (1).

والجعفر : النهر الواسع والملان. والغدق : الماء الكثير ، ومنه الآية «ماءً غَدَقاً». والميرة : الطعام.

وعن حنان بن سدير ، قال : كانت امرأة معنا في الحي ، ولها جارية نائحة ، فجاءت الى ابى ، فقالت : يا عم ، كنت تعلم أن معيشتي من الله ثم من هذه الجارية ، فأحب أن تسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك ، فان كان حلالا والا بعتها وأكلت ثمنها حتى يأتي الله بالفرج ، فقال لها ابى : والله انى لأعظم أبا عبد الله عليه‌السلام ان أسأله عن هذه المسألة. قال : فلما قدمنا عليه ـ ع ـ أخبرته أنا بذلك ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أتشارط؟ قلت : والله ما أدرى تشارط أم لا! فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : قل لها : لا تشارط وتقبل ما أعطيت (2).

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 89 حديث : 2.

(2) الوسائل ج 12 ص 89 حديث : 3.


وظاهر هذا الخبر كراهته مع الاشتراط ، أو زيادة الكراهة به ، لما سيأتي من الاخبار الدالة على الكراهة.

وما رواه في الكافي عن عذافر قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن كسب النائحة ، فقال : تستحله بضرب احدى يديها على الأخرى (1).

قيل : لعل المراد انها تعمل أعمالا شاقة تستحق الأجرة فيها ، أو إشارة إلى انه لا ينبغي ان تأخذ الأجرة على النياحة ، بل على ما يضم إليها من الأعمال. انتهى.

وقيل : هو كناية عن عدم اشتراط الأجرة. ولا يخفى ما فيه.

أقول : لعل الأقرب : ان المراد بيان أقل ما تستحق الأجرة ، وهو ضرب احدى اليدين على الأخرى.

وما رواه في الفقيه والتهذيب عن ابى بصير ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميت.

وروى في الفقيه مرسلا ، قال : وسئل الصادق عليه‌السلام عن أجر النائحة؟ فقال : لا بأس به ، قد نيح على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. قال : وقال عليه‌السلام لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقا (2).

أقول : الظاهر ان هذه الرواية هي ما ذكره عليه‌السلام في الفقه الرضوي ، حيث قال : ولا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقا ثم قال عليه‌السلام ، ولا بأس بكسب الماشطة إذا لم تشارط الى آخر كلامه عليه‌السلام (3).

وما رواه في التهذيب عن سماعة في الموثق ، قال : سألته عن كسب المغنية

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 90 حديث : 4.

(2) الوسائل ج 12 ص 90 ـ 91 حديث : 7 و 10 و 9.

(3) مستدرك الوسائل ج 12 ص 431 باب : 15 حديث : 17 حديث ، 1.


والنائحة؟ فكرهه (1).

أقول : يجب حمل الكراهة في المغنية على التحريم البتة ، لما تقدم في مسألة الغناء. واما في النائحة فعلى ما يأتي. فأما ما رواه في الكافي عن عمرو والزعفراني ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : من أنعم الله عليه بنعمة فجاء عند تلك النعمة بمزمار فقد كفرها ، ومن أصيب بمصيبة فجاء عند تلك المصيبة بنائحة فقد كفرها (2).

وما رواه في الفقيه في حديث المناهي عن الحسين بن زيد ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه نهى عن الرنة عند المصيبة ، ونهى عن النياحة والاستماع إليها ، ونهى عن تصفيق الوجه (3).

وما رواه في الخصال عن عبد الله بن الحسين بن زيد بن على عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه ، عن على عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أربعة لا تزال في أمتي إلى يوم القيامة ، الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستقساء بالنجوم ، والنياحة على الميت : وان النائحة إذا لم تتب قبل موتها ، تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران ، ودرع من جرب (4).

وما رواه على بن جعفر في كتابه عن أخيه ، قال : سألته عن النوح على الميت ، أيصلح؟ قال : يكره (5).

وما رواه في قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه موسى ، قال : سألته عن النوح ، فكرهه (6).

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 90 حديث : 8.

(2) الوسائل ج 12 ص 90 حديث : 5.

(3) الوسائل ج 12 ص 91 حديث : 11.

(4) الوسائل ج 12 ص 91 حديث : 12.

(5) الوسائل ج 12 ص 92 حديث : 13.

(6) الوسائل ج 12 ص 92 حديث : 14.


وبظاهر هذه الاخبار قال في المبسوط ، وابن حمزة ، بل ادعى الشيخ عليه الإجماع فهي محمولة على ما اشتمل على معصية ومحرم ، من النوح بالباطل ونحوه ، مع احتمال الحمل على التقية ، وقد تقدم تحقيق الكلام في هذا المقام ، وذكر الخلاف بين الأصحاب في المسألة أيضا في الجلد الثاني من كتاب الطهارة ، في بحث غسل الميت (1) فليرجع اليه من أحب الوقوف عليه ، وتحقيق الحال بما ينكشف به غشاوة الاشكال ، والله العالم.

__________________

(1) راجع : الجزء الرابع ص 165 ـ 169 من هذه الطبعة.


المسألة الخامسة

في حفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض

كذا صرح به جملة من الأصحاب ، بل ظاهر المنتهى : انه إجماع. ولم أقف في النصوص على ما يتعلق بهذا الباب.

قال في المسالك : المراد حفظها من التلف أو على ظهر القلب ، وكلاهما محرم لغير النقض والحجة على أهلها ، لمن له أهليتها لا مطلقا ، خوفا على ضعفاء البصيرة من الشبهة ، ومثله نسخها ، وكذا يجوز للتقية ، وبدونها يجب إتلافها إذا لم يمكن افراد موضع الضلال والا اقتصر عليها حذرا من إتلاف ما يعد مالا ، من الجلد والورق ، إذا كان لمسلم أو لمحترم المال. انتهى.

وعندي في الحكم من أصله توقف ، لعدم النص ، والتحريم والوجوب ونحوهما أحكام شرعية ، يتوقف القول بها على الدليل الشرعي ، ومجرد هذه التعليلات الشائعة في كلامهم ، لا تصلح عندي لتأسيس الأحكام الشرعية.

قال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد : لعل دليل التحريم ، انه قد يؤل الى ما هو المحرم ، وهو العمل به ، وان حفظها ونسخها ينبئ بالرضا بالعمل والاعتقاد بما فيه ، وانها مشتملة على البدعة ، ويجب دفعها من باب النهى عن المنكر. انتهى.


ولا يخفى ما فيه.

قيل : ولعل المراد بها أعم من كتب الأديان المنسوخة وكتب المخالف للحق ، أصولا وفروعا ، والأحاديث المعلوم كونها موضوعة ، لا الأحاديث التي رواها الضعفاء ، لمذهبهم ولفقههم مع احتمال الصدور ، وحينئذ يجوز حفظ الصحاح الستة ، غير الموضوع المعلوم كالاحاديث التي في كتبنا مع ضعف رواتها ، لكونهم زيدية وفطحية وواقفية ، ولا ينبغي الاعراض عن الاخبار النبوية ، التي رواها العامة ، فإنها ليست الأمثل ما ذكرنا.

أقول : لو كان الحكم المذكور منصوصا عليه ، والعلة من النص ظاهرة ، لأمكن استنباط الأحكام من النص ، بما يناسب تلك العلة ، ويناسب سياق النص ، وأمكن التفريع على ذلك بما يقتضيه الحال من ذلك النص ، وحيث ان الأمر ليس كذلك ، فهذه التفريعات والتخريجات كلها انما هي من قبيل الرمي في الظلام.

وقال المحقق المتقدم ذكره : ثم ان الظاهر ان الممنوع منه هو كتب الضلال فقط ، لا مصنف المخالف في مذهبه مطلقا وان وافق الحق ، فتفاسير المخالفين ليست بممنوع منها الا المواضع المخصوصة المعلوم بطلانها وفسادها من الدين ، فان الظاهر لا قصور في أصول فقههم الا نادرا ، إذ الحق هنا ما ثبت بالدليل وليس شي‌ء هنا مقرر في الدين قد خولف ، بل كتبهم في ذلك مثل كتبنا في نقل الخلاف واختيار ما هو المبرهن ، وهو الحق. وكذلك بيعها وسائر التكسب بها ، على انه يجوز كله للأغراض الصحيحة ، بل قد يجب كالتقية والنقض والحجة واستنباط الفروع ونقلها ونقل أدلتها إلى كتبنا ، وتحصيل القوة وملكة البحث على أهلها. انتهى.

أقول : والكلام هنا يجرى على حسب حال ما قدمناه ، فان تخصيص المنع بالضلال فقط جيد لو كان ثمة دليل على حسب ما ذكروه ، ولكنهم هنا انما يبحثون على تقدير هذه العبارة التي قدمناها ، وهي التي يذكرونها في هذا المقام ، وقد عرفت انه لا مستند لهم ، من اخبارهم عليهم‌السلام.


هذا مع تطرق الإشكال إليها والاحتمال ، بان المراد من كتب الضلال يعنى كتب أهل الضلال ، وهو مجاز شائع في الكلام ، وبه ينتفي ما ذكروه من التخصيص بالضلال ، ويصير عاما لمصنفات أهل الضلال مطلقا. وهذا هو المناسب لما ورد من النهى عن الجلوس إليهم والاستماع منهم ولو للرد عليهم ، خوفا من شمول اللعنة والعذاب له كما يشير اليه بعض الاخبار (1).

واما قوله : فتفاسير المخالفين ليست بممنوع منها ، فإنه وان سلم انها ليست ممنوعا منها من هذه الجهة المذكورة ، الا انها ممنوع منها بما استفاض في الاخبار من النهى عن تفسير القرآن الا بما ورد عنهم عليهم‌السلام (2) ، وان كان المشهور بينهم عدم العمل بهذه الاخبار ، كما يعطيه كلامه هنا ، نسأل الله سبحانه المسامحة لنا ولهم من عثرات الأقلام وزلات الاقدام.

ولعل ذلك لعدم اطلاعهم عليها ، وإمعان النظر في تتبعها من مظانها ، والا فهي في الكثرة والدلالة على ما قلناه أشهر من ان ينكر ، كما بسطنا الكلام عليه في غير المقام من مؤلفاتنا ، وأشرنا الى ذلك في المقدمة الثالثة من مقدمات الكتاب وبينا ان جملة الأخبار الواردة عنهم عليهم‌السلام متفقة الدلالة على المنع من تفسيره الا بما ورد عنهم عليهم‌السلام (3).

ولذلك تصدى لذلك جملة من فضلاء المتأخرين المتبحرين ، منهم السيد العلامة السيد هاشم الكنكانى البحراني في تفسيره المسمى بالبرهان في تفسير القرآن ، فجمع تلك الأخبار الواردة بتفسير الآيات عنهم ـ عليهم‌السلام ـ ، ولقد أحاط بجملة من الاخبار في تفسير الآيات ، ولم يسبقه سابق الى وصول هذه المقامات.

ثم الشيخ عبد العلى الحويزاوي في كتاب نور الثقلين.

__________________

(1) راجع : الوسائل ج 8 ص 430.

(2) راجع : تفسير البرهان ج 1 ص 18.

(3) راجع : تفسير الصافي المقدمة الخامسة. والجزء الأول ص 27 من هذا الكتاب.


ثم المحدث الكاشاني في تفسيره الصافي ، وهو الحق الحقيق بالاتباع.

واما قوله : فان الظاهر انه لا قصور في أصول فقههم. إلخ. ففيه انه لا ريب ان هذا العلم واختراع التصنيف فيه والتدوين لأصوله وقواعده ، انما وقع أولا من العامة ، فإن من جملة من صنف فيه الشافعي ، وهو في عصر الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ مع انه لم يرد عنهم ـ عليهم‌السلام ـ ما يشير اليه ، فضلا عن ان يدل عليه ، ولو كان حقا (1) كما يدعونه ، بل هو الأصل في الأحكام الشرعية كما يزعمونه ، لما غفل عنه

__________________

(1) انا لنستغرب هكذا هجمات قاسية من مثل شيخنا المحدث في هذا الموضع ، بل ولهجته العنيفة التي تأباه المباحث العلمية في ثنايا الكتاب.

ولنتساءل الشيخ المصنف : ما هو علم الأصول الذي يستنكره بهذه الصورة الغريبة؟! اما مباحث الألفاظ فهي جملة من مباحث لغوية بحتة يجب على الفقيه تفهمها ليتمكن من استنباط الحكم الشرعي من نصوص الكتاب والسنة ، وهي جارية على أساليب اللغة المتعارفة ، فكما يجب عليه درس متن اللغة وقواعدها الأدبية ، كذلك يجب عليه درس هذه المباحث ، لنفس الغاية.

واما الأصول العملية فهي قواعد فقهية مأخوذة من جملة روايات صحت عن أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ لا بد لكل فقيه ان يرجع إليها عند اعوزاز الدليل الاجتهادي على الحكم. فإذا لم يجد دليلا على حرمة شي‌ء أو دليلا على وجوب شي‌ء ، فلا بد حينئذ من اللجوء الى حديث الرفع المتواتر الذي يقبله الأصولي والاخبارى. وهكذا الاستصحاب وغيره.

نعم لا يرجع إليه الاخبارى في الشبهات التحريمية ، ويقتصر في الأخذ بحديث الرفع في الشبهات الوجوبية فحسب. وهذا المقدار لا يصلح فارقا لتكوين مذهبين ، وتبريرا لمثل هذا التشنيع القاسي. بل التشنيع موجه إلى الاخبارى نفسه الذي يترك العمل بعموم دستور صدر عن أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ فيؤمن بالبعض ويترك البعض لا عن سبب معقول.!

عصمنا الله من طيش القلم وزلة العصبية في المقال. م. ه. معرفة.


الأئمة عليهم‌السلام ، مع حرصهم على هداية شيعتهم ، الى كل نقير وقطمير ، كما لا يخفى على من تتبع أخبارهم ، إذ ما من حالة من حالات الإنسان ، في مأكله ومشربه وملبسه ونومه ويقظته ونكاحه ونحو ذلك من أحواله ، الا وقد خرجت فيه السنن عنهم عليهم‌السلام حتى الخلاء ، ولو أراد إنسان أن يجمع ما ورد في باب الخلاء لكان كتابا على حده ، فكيف يغفلون عن هذا العلم الذي هو بزعمهم مشتمل على القواعد الكلية والأصول الجلية ، والأحكام الشرعية ، وكذلك أصحابهم في زمانهم عليهم‌السلام ، مع رؤيتهم العامة عاكفين على تلك القواعد والأصول ، يعملون به الى ان انتهت النوبة بعد الغيبة إلى الشيخ ـ رحمه‌الله ـ فصنف فيه استحسانا لما رآه في كتبهم ، وخالفهم فيما لا يوافقون أصول مذهبنا وقواعده ، ثم جرى على ذلك من بعده من أصحابنا ، كما هي قاعدتهم غالبا من متابعته في فتاويه وأحكامه وتصانيفه.

وبالجملة فإن الأمر فيما ذكرنا أظهر من ان يخفى عند الخبير المنصف.

فكتبهم فيه لا تخرج عن كتب أهل الضلال ، ان عممنا الحكم في المقام ، إلا انك قد عرفت ان أصل البناء كان على غير أساس ، فصار معرضا لحصول الشك والشبهة والالتباس.

وكيف كان فالظاهر على تقدير ثبوت التحريم ، انه ان كان الغرض من إبقائها الاطلاع على المذاهب والأقوال ليكون على بصيرة في تمييز الحق من الباطل وعرض ما اختلف من الاخبار عليها والأخذ بخلافه ، حيث انه مأمور بذلك عنهم عليهم‌السلام ونحو ذلك من الأغراض الصحيحة ، فلا إشكال في الجواز. واليه يشير قوله ـ قدس‌سره ـ أخيرا : على انه يجوز للأغراض الصحيحة. إلخ. والله العالم وأولياؤه.


المسألة السادسة

في هجاء المؤمن والغيبة

والمراد بالأول : ذكر معايبه في الاشعار. والثاني : القول بما يكرهه ويغيظه ، وان كان حقا.

قال في المسالك : وخرج بالمؤمنين غيرهم ، فيجوز هجاؤهم كما يجوز لعنهم.

ولا فرق هنا بين المؤمن الفاسق وغيره ، اللهم الا ان يدخل هجاء الفاسق في مراتب النهى عن المنكر ، بحيث يتوقف ردعه عليه ، فيمكن جوازه حينئذ ان فرض انتهى.

وقال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد : والظاهر ان عموم أدلة الغيبة من الكتاب والسنة يشمل المؤمنين وغيرهم ، فان قوله تعالى «وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً» اما للمكلفين كلهم أو المسلمين فقط ، لجواز غيبة الكافر. ولقوله بعده «لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً» وكذا الأخبار ، فإن أكثرها بلفظ «الناس» أو «المسلم» مثل ما روى في الفقيه «من اغتاب امرءا مسلما بطل صومه ، ونقض وضوؤه ، وجاء يوم القيامة يفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة ، يتأذى به أهل الموقف ، وان مات قبل ان يتوب مات مستحلا


لما حرم الله تعالى» (1). «ألا ومن سمع فاحشة فأفشاها فهو كالذي أتاها» (2) ،. «ومن اصطنع إلى أخيه معروفا فامتن به أحبط الله تعالى عمله ، واثبت وزره ولم يشكر له سعيه» (3).

وقال الشيخ زين الدين في رسالة الغيبة : «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه. والغيبة : تناول العرض ، وقد جمع بينه وبين المال والدم. وقال عليه‌السلام : لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا يغتب بعضكم بعضا ، وكونوا ـ عباد الله ـ إخوانا. وعن انس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مررت ليلة اسرى بي على قوم يخمشون وجوههم بأظافيرهم. فقلت : يا جبرئيل من هؤلاء؟ قال : هؤلاء الذين يغتابون الناس ويقعون في اعراضهم. وقال البراء : خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى اسمع العواتق في بيوتهن. قال : يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه ، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم ، فان من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته» (4). الى غير ذلك ، وبالجملة عموم أدلة الغيبة. وخصوص ذكر المسلم يدل على التحريم مطلقا ، وان عرض المسلم كدمه وماله ، فكما لا يجوز أخذ مال المخالف وقتله ، لا يجوز تناول عرضه الذي هو الغيبة ، وذلك لا يدل على كونه مقبولا عند الله تعالى ، لعدم جواز أخذ ماله وقتله ، كما في الكافر. ولا يدل جواز لعنه في النص على جواز الغيبة ، مع تلك الأدلة ، بأن يقول : انه قصير أو طويل أو أعمى أو أجذم أو أبرص وغير ذلك ، وهو ظاهر. وأظن انى رأيت في قواعد الشهيد رحمه‌الله انه يجوز غيبة المخالف ، من حيث مذهبه ودينه الباطل وكونه فاسقا من تلك الجهة لا غير ، مثل ان يقال أعمى ونحوه والله اعلم ، ولا شك ان الاجتناب أحوط.

__________________

(1) الفقيه ج 4 ص 8.

(2) الفقيه ج 4 ص 9.

(3) الفقيه ج 4 ص 10.

(4) كشف الريبة ص 6 ـ 7.


انتهى (1).

وصاحب الكفاية قد نقل صدر هذا الكلام ، فقال : وقال بعض المتأخرين ، إلى قوله : ألا من سمع الفاحشة فأفشاها فهو كالذي أتاها ، ثم قال : ونقل عن رسالة الشهيد الثاني اخبار ، بعضها بلفظ الناس ، وبعضها بلفظ المسلم. وظاهره : الجمود عليه وموافقته فيما ذكره ، حيث لم يتعرض لرده ولا قدح فيه.

أقول : وأنت خبير بما فيه من الوهن والقصور ، وان كان مبنيا على ما هو المعروف المشهور من الحكم بإسلام المخالفين ، الا ان اخبار أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ ظاهرة في رده ، متكاثرة مستفيضة على وجه لا يعتريها الفتور.

وقد بسطنا الكلام في الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب ، وقد قدمنا نبذة في ذلك في كتاب الطهارة في باب نجاسة الكافر ، وأوضحنا كفر المخالفين غير المستضعفين ، ونصبهم وشركهم بالاخبار المتكاثرة ، التي لا معارض لها في البين ، وانه ليس إطلاق المسلم عليهم ، الا من قبيل إطلاقه على الخوارج وأمثالهم ، من منتحلي الإسلام ، وتوجه الطعن الى كلام هذا المحقق أكثر من ان يأتي عليه قلم البيان.

ولكن لا بد من التعرض لما لا بد منه مما يندفع به الاشكال ، عن الناظر في هذا المقال ، فنقول :

فيه ـ أولا ـ : ان ما ادعاه من الحكم بإسلامهم مردود ، للأخبار المستفيضة والآيات الطويلة العريضة ، الدالة على الكفر. ولأجل إزاحة ثقل المراجعة على النظار في الرجوع الى ما قدمناه في كتاب الطهارة من الاخبار ، نشير الى نبذة منها على جهة الاختصار.

ففي الكافي عن ابى جعفر عليه‌السلام ، قال : ان الله عزوجل نصب عليا علما بينه وبين خلقه ، فمن عرفه كان مؤمنا ، ومن أنكره كان كافرا ، ومن جهله كان ضالا (2).

__________________

(1) انتهى كلام المحقق الأردبيلي.

(2) الكافي ج 1 ص 438 حديث : 7.


وقال : ان عليا عليه‌السلام باب فتحه الله فمن دخله كان مؤمنا ، ومن خرج منه كان كافرا ، ومن لم يدخل فيه ولم يخرج منه كان في الطبقة الذين قال الله تبارك وتعالى : لي فيهم المشية (1).

وعن الصادق عليه‌السلام قال : من عرفنا كان مؤمنا ، ومن أنكرنا كان كافرا ، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالا ، حتى يرجع الى الهدي الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة ، فإن يمت على ضلالته يفعل الله به ما يشاء (2).

وبهذا المضمون أخبار عديدة.

وروى فيه بسنده الى الصادق عليه‌السلام ، قال : أهل الشام شر من أهل الروم ، وأهل المدينة شر من أهل مكة ، وأهل مكة يكفرون بالله جهرة (3).

وبسنده فيه عن أحدهما ـ عليهما‌السلام ـ قال : ان أهل مكة ليكفرون بالله جهرة وان أهل المدينة أخبث من أهل مكة ، أخبث منهم سبعين ضعفا (4).

وقد روى في الكافي جملة من الاخبار في تفسير الكفر ، في جملة من الآيات القرآنية ، بترك الولاية.

منها : ما رواه بسنده الى الصحاف قال : سألت الصادق عليه‌السلام ، عن قوله تعالى «فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ» (5) قال : عرف الله ايمانهم بولايتنا وكفرهم بها ، يوم أخذ عليهم الميثاق في صلب آدم وهم ذر (6). ونحوه غيره فليرجع الى الكتاب

__________________

(1) الكافي ج 1 ص 437 حديث : 8.

(2) الكافي ج 1 ص 187 حديث : 11.

(3) الكافي ج 2 ص 409 حديث : 3.

(4) الكافي ج 2 ص 410 حديث : 4.

(5) سورة التغابن : 3.

(6) الكافي ج 1 ص 413 حديث : 4 وص 426 حديث : 74 ولفظ الحديث في الموضع الثاني : «بموالاتنا» بدل «بولايتنا».


المذكور من أحب الاطلاع عليه فأين ثبوت الإسلام لأولئك الطغام ، مع هذه الآيات والاخبار الواضحة لكل ناظر من ذوي الأفهام!! وأظهر من ذلك ما رواه

في الخصال بسنده عن مالك الجهني ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ثلاثة لا يكلمهم الله تعالى يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب اليم ، من ادعى اماما ليست إمامته من الله تعالى ، ومن جحد إماما إمامته من عند الله تعالى ، ومن زعم ان لهما في الإسلام نصيبا (1).

ورواه النعماني في كتاب الغيبة في الصحيح عن عمران الأشعري ، عن جعفر ابن محمد مثله. نعوذ بالله من زيغ الافهام وطغيان الأقلام ، ونسأله سبحانه المسامحة لنا ولهم في أمثال هذا المقام.

وثانيا : ان ما ذكره بقوله «والظاهر ان عموم أدلة تحريم الغيبة من الكتاب والسنة يشمل المؤمنين وغيرهم ، فان قوله تعالى ، (لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ، اما للمكلفين أو المسلمين. إلخ» من العجب العجاب عند ذوي العقول والألباب. فان صدر الاية «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» فالخطاب للمؤمنين خاصة ، فكيف يقول : ان الخطاب للمكلفين أو المسلمين؟! وكأنه غفل عن صدر الآية حتى بنى عليها هذا الكلام الواهي البالغ غاية الضعف.

وبالجملة ، فإن الآية انما هي عليه ، لا له ، لما سيأتيك أيضا زيادة على ما ذكرناه.

وثالثا : ان الآية التي دلت على تحريم الغيبة ، وان كان صدرها مجملا ، الا ان قوله فيها «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً» مما يعين الحمل على المؤمنين ، فإن إثبات الاخوة بين المؤمن والمخالف له في دينه ، لا يكاد يدعيه من شم رائحة الايمان ، ولا من أحاط خبرا باخبار السادة الأعيان ، لاستفاضتها بوجوب معاداتهم ، والبراءة منهم.

ومنها : ما رواه الصدوق في معاني الاخبار ، والعيون والمجالس ، وصفات

__________________

(1) رواه في الكافي ج 1 ص 373 حديث : 4 وفي الخصال باب الثلاثة رقم : 2 ـ 61.


الشيعة ، والعلل ، عن محمد بن القاسم الأسترآبادي ، عن يونس بن محمد بن زياد ، وعلى بن محمد بن سيار ، عن أبويهما عن الحسن بن على العسكري عن آبائه ـ عليهم‌السلام ـ ، ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لبعض أصحابه ذات يوم : يا عبد الله أحب في الله وأبغض في الله ، ووال في الله وعاد في الله ، فإنه لن تنال ولاية الله الا بذلك ولا يجد الرجل طعم الايمان ، وان كثرت صلاته وصيامه ، حتى يكون كذلك ، وقد صارت مؤاخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا ، عليها يتواددون وعليها يتباغضون ، وذلك لا يغني من الله شيئا. فقال الرجل : يا رسول الله ، فكيف لي ان اعلم انى قد واليت في الله وعاديت في الله؟ ومن ولى الله حتى أواليه؟ ومن عدوه حتى أعاديه؟ فأشار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى على عليه‌السلام فقال : أترى هذا؟ قال : بلى. قال : ولى الله هذا فواله ، وعدو هذا عدو الله فعاده. ثم قال : وال ولى هذا ، ولو انه قاتل أبيك وولدك ، وعاد عدو هذا ولو أنه أبوك وولدك (1).

أقول : فليختر هذا القائل ، ان المخالف هل هو من أولياء على عليه‌السلام فتجب موالاته وتثبت اخوته ويجب الحكم بدخوله الجنة لذلك؟ أو انه عدو له عليه‌السلام فتجب معاداته وبغضه بنص هذا الخبر الصحيح الصريح عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ ولو لم يكن الا هذا الخبر لكفى به حجة ، فكيف والاخبار بهذا المضمون مستفيضة متكاثرة.

ومنها : ما رواه أيضا في الكافي عن عمرو بن مدرك عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه : أي عرى الإيمان أوثق؟ فقالوا : الله ورسوله اعلم. وقال بعضهم : الصلاة ، وقال بعضهم : الزكاة ، وقال بعضهم : الصيام. وقال بعضهم : الحج والعمرة. وقال بعضهم : الجهاد. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لكل ما قلتم فضل وليس به ، ولكن أوثق عرى الإيمان : الحب في الله والبغض في الله ، وتوالى أولياء الله ، والتبري من أعداء الله (2).

__________________

(1) علل الشرائع ص 141 باب : 119 الحديث : 1.

(2) الكافي ج 2 ص 125 حديث : 6.


ومنها : ما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : كل من لم يحب على الدين ، ولم يبغض على الدين فلا دين له (1).

وبالإسناد عن ابى عبد الله عليه‌السلام في رسالته الى أصحابه ، قال : أحبوا في الله من وصف صفتكم ، وأبغضوا في الله من خالفكم وابذلوا مودتكم ونصيحتكم لمن وصف صفتكم ، ولا تبذلوها لمن رغب عن صفتكم (2).

وروى في كتاب صفات الشيعة للصدوق بسنده عن ابن فضال ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : من والى أعداء الله فقد عادى أولياء الله ، ومن عادى أولياء الله فقد عاد الله ، وحق على الله ان يدخله نار جهنم (3).

وروى في كتاب ثواب الأعمال وكتاب صفات الشيعة. عن صالح بن سهل عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : من أحبنا وأبغض عدونا في الله ، من غير ترة وترها إياه في شي‌ء من أمر الدنيا ، ثم مات على ذلك فلقي الله وعليه من الذنوب مثل زبد البحر غفرها الله له (4). الى غير ذلك من الاخبار التي يضيق عن نقلها المقام.

ويعضد هذه الاخبار العلية المنار الساطعة الأنوار قوله عزوجل «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ» (5) وقوله عزوجل «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ» (6).

وإذا كان الله عزوجل نهى أهل الإيمان عن ولايتهم ومحبتهم ، فكيف يجوز الحكم في الآية المشار إليها بأخوتهم!؟ ما هذا الا سهو واضح من هذا النحرير ، وبذلك

__________________

(1) الكافي ج 2 ص 127 حديث : 16.

(2) الكافي ج 8 ص 12.

(3) كتاب صفات الشيعة رقم : 11 ص 49 ط طهران.

(4) ثواب الأعمال : 165. بحار الأنوار ج 27 ص 55 حديث : 10.

(5) سورة الممتحنة : 1.

(6) سورة المجادلة : 22.


يظهر لك ايضا حمل خبر البراء الذي نقله ، على المؤمن أيضا ، لقوله فيه «من تتبع عورة أخيه» إذ لا اخوة بين المؤمن والمخالف ، كما عرفت.

وليت شعري أي فرق بين من كفر بالله سبحانه تعالى ورسوله ، وبين من كفر بالأئمة ـ عليهم‌السلام ـ؟ مع ثبوت كون الإمامة من أصول الدين بنص الآيات والاخبار الواضحة الدلالة كعين اليقين.

ورابعا : ان ما استند اليه من ورود الأخبار الدالة على تحريم الغيبة بلفظ «المسلم» ففيه :

أولا : انك قد عرفت ان المخالف كافر ، لاحظ له في الإسلام بوجه من الوجوه ، كما حققناه في كتابنا «الشهاب الثاقب».

وثانيا : مع تسليم صحة إطلاق الإسلام عليه ، فالمراد به : انما هو منتحل الإسلام ، كما تقدمت الإشارة اليه ، والمراد هنا : انما هو الإسلام بالمعنى الأخص ، وهو المؤمن الموالي لأهل البيت ـ عليهم‌السلام.

إذ لا يخفى وقوع إطلاق الإسلام على هذا المعنى في الآيات والروايات ، ومنه : قوله تعالى «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ» (1) وقوله عزوجل ـ في حق الأئمة ـ : «هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ» (2) وقوله «فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» (3).

كما ان الايمان يطلق أيضا تارة على الإسلام بالمعنى الأعم ، كقوله عزوجل : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا» (4) فان المخاطبين هم المقرون بمجرد اللسان ، أمرهم بالايمان بمعنى التصديق. وإطلاق المسلم بالمعنى الذي ذكرنا في الاخبار أكثر كثير ، كما لا يخفى على من له أنس بالاخبار.

__________________

(1) سورة آل عمران : 19.

(2) سورة الحج : 78.

(3) سورة الذاريات : 36.

(4) سورة النساء : 136.


وثالثا ان الموجود في أكثر الأخبار الواردة من طرقنا ، انما هو بلفظ «المؤمن» ونحوه ، مثل ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن ابى عمير ، عن بعض أصحابه ، عن الصادق عليه‌السلام : من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه فهو من الذين قال الله عزوجل «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» (1).

وعن عبد الرحمن بن سيابة ، قال : سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : الغيبة : ان تقول في أخيك ما ستره الله عليه ، واما الأمر الظاهر فيه مثل الحدة والعجلة فلا. والبهتان : ان تقول فيه ما ليس فيه (2).

وعن داود بن سرحان ، قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن الغيبة ، فقال : هو ان تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل ، وتبث عليه امرا قد ستره الله عليه ، لم يقم عليه فيه حد (3).

وما رواه في الفقيه مرسلا ، قال : قال الصادق عليه‌السلام في حديث : ومن اغتاب أخاه المؤمن من غير ترة بينهما فهو شرك شيطان (4). الحديث ،. الى غير ذلك من الاخبار.

وحينئذ فيجب حمل «المسلم» على ما ورد في هذه الاخبار المتضمنة للفظ المؤمن والأخ. على ان أكثر ما نقله من الاخبار انما هو من روايات العامة ، التي لا يقوم بها حجة ، لا سيما على ما هو المعهود من قاعدته وقاعدة أمثاله من أصحاب هذا الاصطلاح ، في رد الأخبار المروية في الأصول المشهورة بضعف السند باصطلاحهم المحدث ، فكيف بالأخبار العامة.

__________________

(1) الوسائل ج 8 ص 598 حديث : 6 والآية في سورة النور : 19.

(2) الوسائل ج 8 ص 604 حديث : 2.

(3) الوسائل ج 8 ص 604 حديث : 1.

(4) الفقيه ج 4 ص 299 من حديث : 85. يقال : وتره وترا وترة اى ظلمه وأبغضه. والمراد : العداء والتباغض.


وخامسا : ان قوله : «انه كما لا يجوز أخذ مال المخالف وقتله لا يجوز تناول عرضه» فان فيه ـ زيادة على ما عرفت ـ (1) : ان الاخبار قد جوزت قتله وأخذ ماله مع الأمن وعدم التقية ، ردا عليه وعلى أمثاله ممن حكم بإسلامه ، وهي جارية على مقتضى الأخبار الدالة على كفره.

فروى الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري عن الصادق عليه‌السلام ، قال : خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس (2).

وعن إسحاق بن عمار ، قال : قال الصادق عليه‌السلام : مال الناصب وكل شي‌ء يملكه حلال لك ، إلا امرأته فإن نكاح أهل الشرك جائز ، وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا تسبوا أهل الشرك فان لكل قوم نكاحا ، ولولا انا نخاف عليكم ان يقتل رجل

__________________

(1) أقول : من أوضح الواضحات في جواز غيبة المخالفين طعن الأئمة ـ ع ـ بأنهم أولاد زنا ، فمن ذلك ما رواه الكافي ج 8 ص 285 عن أبي حمزة عن ابى جعفر ـ ع ـ قال : قلت له : ان بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم ، فقال : الكف عنهم أجمل. ثم قال : والله يا أبا حمزة ، ان الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا. ثم قال : فنحن أصحاب الخمس والفي‌ء وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا. وما رواه في التهذيب ج 4 ص 136 عن ضريس الكناسي ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : أتدري من اين دخل على الناس الزنا؟ فقلت : لا أدرى. فقال : من قبل خمسنا ـ أهل البيت ـ الا لشيعتنا الاطيبين ، فإنه محلل لهم لميلادهم. ونحوهما في اخبار الخمس كثير. فإذا كان الأئمة ـ ع ـ قد طعنوا فيهم بهذا الطعن واغتابوهم بهذه الغيبة التي لا أعظم منها في الدين بالنسبة إلى المؤمنين والمسلمين فكيف يتم ما ذكروه من المنع من غيبتهم. وبالجملة فالأمر فيما ذكرناه أشهر من ان ينكر. وحينئذ فيحمل قوله في الخبر الأول «الكف عنهم أجمل» على رعاية التقية ، حيث انه بعد هذا الكلام عقبه بتصديق ما نقله عن بعض أصحابنا. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر. منه قدس‌سره.

(2) الوسائل ج 6 ص 340 حديث : 6.


منكم برجل منهم ، ورجل منكم خير من الف رجل منهم ، لأمرناكم بالقتل لهم ، ولكن ذلك الى الامام (1).

وروى في الكافي والتهذيب في الصحيح عن بريد بن معاوية العجلي ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن مؤمن قتل ناصبيا معروفا بالنصب على دينه ، غضبا لله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيقتل به؟ قال : اما هؤلاء فيقتلونه به ولو رفع الى امام عادل ظاهر لم يقتله به. قلت : فيبطل دمه؟ قال : لا ولكن إذا كان له ورثة كان على الامام ان يعطيهم الدية من بيت المال ، لان قاتله انما قتله غضبا لله عزوجل وللإمام ولدين المسلمين (2).

وروى في العلل في الصحيح عن داود بن فرقد ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام :

ما تقول في قتل الناصب؟ قال : حلال الدم ، ولكن اتقى عليك ، فان قدرت ان تقلب عليه حائطا أو تغرقه في ماء لكي لا يشهد به عليك فافعل. قلت : فما ترى في ماله؟ قال :

أتوه ما قدرت عليه (3).

وروى في العيون بإسناده عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا عليه‌السلام فيما كتبه للمأمون ، قال عليه‌السلام : فلا يحل قتل أحد من النصاب والكفار في دار التقية ، إلا قاتل أو ساع في فساد ، وذلك إذا لم تخف على نفسك وأصحابك (4).

وروى في الفقيه عن محمد بن مسلم في الصحيح ، عن ابى جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت له : أرأيت من جحد الامام منكم ما حاله؟ فقال : من جحد اماما من الله وبري‌ء منه ومن دينه فهو كافر مرتد عن الإسلام ، لأن الإمام من الله ، ودينه من دين الله ، ومن بري‌ء من دين الله فهو كافر ، ودمه مباح في تلك الحال ، الا ان يرجع ويتوب الى الله

__________________

(1) الوسائل ج 11 ص 60 حديث : 2.

(2) التهذيب ج 10 ص 213 حديث : 48 ـ 843.

(3) الوسائل ج 18 ص 463 حديث : 5. واتواء المال : تضييعه وإفساده.

(4) الوسائل ج 11 ص 62 حديث : 9.


مما قال (1).

وروى الكشي في كتاب الرجال بسنده فيه الى على بن حديد ، قال : سمعت من سأل أبا الحسن عليه‌السلام ، فقال : انى سمعت محمد بن بشير يقول : انك لست موسى ابن جعفر ، الذي أنت إمامنا وحجتنا فيما بيننا وبين الله. فقال : لعنه الله ـ ثلاثا ـ وأذاقه الله حر الحديد ، قتله الله أخبث ما يكون من قتلة. فقلت : جعلت فداك ، إذا أنا سمعت ذلك منه أو ليس حلال لي دمه ، مباح ، كما أبيح دم الساب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والامام؟ فقال : نعم ، بلى والله حل دمه ، واباحه لك ولمن يسمع ذلك منه ، الى ان قال : فقلت أرأيت إن انا لم أخف أن ارم به بريئا ثم لم افعله ولم اقتله ، ما على من الوزر؟ فقال : يكون عليك وزره أضعافا مضاعفة من غير ان ينتقص من وزره شي‌ء اما علمت ان أفضل الشهداء درجة يوم القيامة من نصر الله تعالى ورسوله بظهر الغيب ، ورد عن الله وعن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (2).

فان قيل : ان أكثر هذه الاخبار ، انما تضمن الناصب ، وهو ـ على المشهور ـ : أخص من مطلق المخالف ، فلا تقوم الأخبار حجة على ما ذكرتم!

قلنا : ان هذا التخصيص قد وقع اصطلاحا من هؤلاء المتأخرين ، فرارا من الوقوع في مضيق الإلزام ، كما في هذا الموضع وأمثاله ، والا فالناصب حيثما أطلق في الاخبار وكلام القدماء ، فإنما يراد به المخالف ، عد المستضعف. وإيثار هذه العبارة للدلالة على بعض المخالفين للأئمة الطاهرين.

ويدلك على ذلك ما رواه في مستطرفات السرائر من كتاب «مسائل الرجال ومكاتباتهم لمولانا على بن محمد الهادي عليه‌السلام» في جملة مسائل محمد بن على بن عيسى ، قال : كتبت إليه : أسأله عن الناصب ، هل احتاج في امتحانه الى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت ، واعتقاد إمامتهما؟ فرجع الجواب : من كان على هذا فهو

__________________

(1) الوسائل ج 18 ص 544 حديث : 1.

(2) رجال الكشي ـ طبع النجف ـ ص 408.


ناصب (1).

وهو صريح في ان مظهر النصب والعداوة ، هو القول بإمامة الأولين.

وروى في العلل عن عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : ليس الناصب من نصب لنا ـ أهل البيت ـ لأنك لا تجد أحدا يقول انى أبغض محمدا وآل محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ولكن الناصب من نصب لكم ، وهو يعلم انكم تتولونا وانكم من شيعتنا (2).

ونحوه رواية معلى بن خنيس ، وفيها «ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم انكم تتولونا وتتبرؤون من أعدائنا» (3).

فهذا تفسير الناصب في أخبارهم ، الذي تعلقت به الأحكام ، من النجاسة ، وعدم جواز المناكحة ، وحل المال والدم ونحوه ، وهو عبارة عن المخالف مطلقا عدا المستضعف ، كما دل عليه استثناؤه في الاخبار. وما ذكروا ، من التخصيص بفرد خاص من المخالفين مجرد اصطلاح منهم ، لم يدل عليه دليل من الاخبار ، بل الاخبار في رده واضحة السبيل (4).

__________________

(1) مستطرفات السرائر ص 479 والوسائل ج 6 ص 341 حديث 14.

(2) الوسائل ج 6 ص 339 حديث : 3.

(3) معاني الأخبار ص 104 والبحار ج 27 ص 233.

(4) أقول : وفي بعض الأجوبة المنسوبة الى ابن إدريس ، وقد سئل عن الناصب والمستضعف : من هما ، وما الفرق بينهما؟ فأجاب بجواب طويل ، يتضمن ان الناصب هو المخالف غير المستضعف ، وأكثر من الاخبار الدالة على ذلك ، وكلام المتقدمين من الأصحاب وغيرهم ، ومنها : قول المتنبي :

إذا علوي لم يكن نسل طاهر
 

 

فما هو الأحجة للنواصب
 

وقول المعرى ـ على ما شاع عنه ـ :

اضرب بعاد قفا ثمود
 

 

وبالنصارى قفا اليهود
 

وبالروافض قفا النواصب

 


ومن أراد تحقيق الحال وتفصيل هذا الإجمال ، فليرجع الى كتابنا المتقدم ذكره ، فإنه واف وشاف ، محيط بأطراف الكلام ، وإبرام النقض ونقض الإبرام.

وقد خرجنا بما ذكرنا من تطويل الكلام في المقام ، عما هو المقصود والمرام ، لمزيد الإيضاح ، لما في كلام هذا المحقق من الوهن والقصور الظاهر لمن وفق للاطلاع على اخبارهم ـ عليهم‌السلام.

* * *

إذا ثبت هذا فاعلم : انه كما تحرم الغيبة فإنه يحرم استماعها ايضا ، لما رواه الصدوق في الفقيه في حديث المناهي ، عن الحسين بن زيد ، عن الصادق ، عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام ، قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الغيبة والاستماع إليها ـ الى ان قال ـ : ألا ومن تطول على أخيه في غيبة سمعها فيها في مجلس فردها عنه ، رد الله عنه الف باب من شر الدنيا والآخرة ، فان هو لم يردها وهو قادر على ردها ، كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة (1).

* * *

وذكر بعض الأصحاب : ان كفارة الغيبة هو التحلل ممن اغتابه ان كان حيا ، والاستغفار له ان كان ميتا.

والذي وقفت عليه من الاخبار في ذلك. ما رواه في الكافي والفقيه عن حفص ابن عمير عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كفارة الاغتياب؟ قال : تستغفر الله لمن اغتبته كلما ذكرته (2).

__________________

وغيرها. وكلها صريحة في ان الناصب عبارة عن المخالف غير المستضعف. وبه يظهر ان ما اشتهر بين المتأخرين من تخصيصهم الناصب بمعنى أخص من المخالف لا وجه له ولا دليل عليه ، بل الدلالة على خلافه ظاهرة كما عرفت والله العالم. منه قدس‌سره.

(1) من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 8 ـ 9.

(2) الوسائل ج 8 ص 606.


وظاهر الخبر المذكور : ان كفارة الغيبة : الاستغفار مطلقا ، حيا كان من اغتابه أو ميتا. ويعضده : ان اخباره بذلك ربما أثار فتنة أو زيادة حقد وبغض في القلوب ، كما هو ظاهر من أحوال أكثر الناس.

تتمة مهمة

قد استثنى الأصحاب جملة من المواضع ، فجوزوا الغيبة فيها :

منها التظلم عند من يرجو زوال ظلمه ، إذا نسب من ظلمه الى الاثام.

قال في الكفاية ـ بعد نقل ذلك ـ : ولعل الأحوط الاقتصار على أقل الحاجة. انتهى.

ولم أقف على من استند هنا الى دليل.

ويمكن الاستدلال على ذلك بما رواه

في الكافي عن ثعلبة بن ميمون عمن ذكره عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : كان قوم عنده يتحدثهم إذ ذكر رجل منهم رجلا ، فوقع فيه وشكاه ، فقال له أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : وأنى لك بأخيك كله ، واى الرجال المهذب (1).

ويمكن الاستدلال على ذلك ايضا بقوله عزوجل «لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّا مَنْ ظُلِمَ» (2) ففي مجمع البيان : عن الباقر عليه‌السلام «لا يحب الله الشتم في الانتصار (إِلّا مَنْ ظُلِمَ) فلا بأس له ان ينتصر ممن ظلمه ، بما يجوز الانتصار به في الدين» (3).

__________________

(1) الكافي ج 2 ص 651 حديث : 1 باب الإغضاء. وقوله : بأخيك كله اى هو الأخ الكامل التام. وقوله : اى الرجال المهذب ، أيضا إشارة إلى الكمال ، كما في قول الشاعر :

ولست بمستبق أخا لا تلمه
 

 

على شعث ، اى الرجال المهذب
 

(2) سورة النساء : 148.

(3) مجمع البيان ج 3 ص 131.


قال في الكتاب المذكور : ونظيره «وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا» (1).

وفي تفسير على بن إبراهيم ـ قدس‌سره ـ : وقوله تعالى «لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّا مَنْ ظُلِمَ» اى لا يحب الله ان يجهر الرجل بالظلم والسوء ولا يظلم ، الا من ظلم ، فقد أطلق له ان يعارضه بالظلم (2).

وفي المجمع ـ ايضا ـ عن الصادق عليه‌السلام : انه الضيف ينزل بالرجل فلا يتحسن ضيافته ، فلا جناح عليه ان يذكره بسوء ما فعله (3).

وفي تفسير العياشي ـ أيضا ـ عنه عليه‌السلام في هذه الآية : من أضاف قوما فأساء ضيافتهم فهو ممن ظلم ، فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه. وعنه عليه‌السلام : الجهر بالسوء من القول ، ان يذكر الرجل بما فيه (4).

أقول : الظاهر ان التفسير بالضيف من حيث دخوله في عموم الآية وإطلاقها ، فلا منافاة فيه للتفسير الأول. وظاهر ما نقلناه عنهم : تخصيص الحكم بالتظلم عند الحاكم الشرعي ونحوه ، يرجى به دفع الظلم عنه ، بان يقول : ان فلانا غصبني أو ضربني أو نحو ذلك. ومقتضى ظاهر الآية : العموم. وكذا ظاهر الاخبار المنقولة في تفسيرها.

(ومنها) الاستفتاء ، كما يقول المستفتي : ظلمني أبي أو أخي ، فكيف طريقي في الخلاص؟

قال في الكفاية : والأسلم هنا التعريض ، بان يقول : ما قولك في رجل ظلمه أبوه أو اخوه؟ وقد روى : «ان هندا قالت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ان أبا سفيان رجل شحيح ، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي ، إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم ، فقال : خذي ما يكفيك

__________________

(1) سورة الشعراء : 227.

(2) البرهان ج 1 ص 425 حديث : 3.

(3) مجمع البيان ج 3 ص 131.

(4) تفسير العياشي ج 1 ص 283.


وولدك بالمعروف» (1). فذكرت الشح والظلم لها وولدها ، ولم يزجرها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ كان قصدها الاستفتاء. وفي هذا الحكم إشكال ، إذا كان سبيل الى التعريض وعدم التصريح. انتهى.

أقول : ما ذكره من الاستدلال بهذه الرواية ، مع تسليم ورودها من طرقنا ، محل نظر. فإن أبا سفيان منافق كافر ، قد لعنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غير مقام فلا غيبة له. ولكن الاستدلال بهذه الرواية هنا جرى على ما قدمنا ذكره عنه ثمة ، من نقله كلام المقدس الأردبيلي وجموده عليه ، وقد عرفت ما فيه مما أظهر ضعف باطنه وخافية.

نعم يمكن الاستدلال على ذلك بما رواه في الكافي والتهذيب ، عن حماد بن عثمان ، قال : دخل رجل على ابى عبد الله عليه‌السلام ، فشكى رجلا من أصحابه ، فلم يلبث ان جاء المشكو ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام ـ مغضبا ـ : ما لفلان يشكوك؟ فقال له : يشكوني أني استقضيت منه حقي ، قال : فجلس أبو عبد الله عليه‌السلام مغضبا ، ثم قال : كأنك إذا استقضيت حقك لم تسئ! أرأيت ما حكى الله عزوجل في كتابه «يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ» (2) انهم خافوا الله ان يجور عليهم؟! لا والله ما خافوا الا الاستقضاء ، فسماه الله عزوجل سوء الحساب ، فمن استقضى فقد أساء (3).

الا انهم قد عنونوا هذا الموضع بالاستفتاء ، وما تضمنه الخبر ليس من قبيل الاستفتاء ، ويمكن جعل العنوان ما هو أعم ، أو يجعل هذا الخبر من أدلة الموضع الأول.

(ومنها) تحذير المؤمن من الوقوع في الخطر والشر ، ونصح المستشير. قالوا : إذا رأيت متفقها يتلبس بما ليس من اهله ، فلك ان تنبه الناس على نقصه وقصوره

__________________

(1) البخاري ج 7 ص 85. ومسلم ج 5 ص 129. واللفظ للأول. ورواه في المستدرك عن غوالي اللئالي. ج 2 ص 108.

(2) سورة الرعد : 21.

(3) الكافي ج 5 ص 101 وقد تقدم الحديث في ص 49 ولفظ «مغضبا» الأول في الموضعين ، ليس في نسخ المصدر.


مما أهل نفسه له ، وتنبههم على الخطر اللاحق لهم بالانقياد اليه ، وكذلك إذا رأيت رجلا يتردد الى فاسق يخفى امره ، وخفت عليه من الوقوع بسبب صحبته فيما لا يوافق الشرع ، فلك ان تنبهه على فسقه ، مهما كان الباعث الخوف من إنشاء البدعة وسراية الفسق. الا ان هذا الموضع محل الخديعة من الشيطان ، إذ ربما يكون الباعث انما هو الحسد على تلك المنزلة ، فيلتبس عليك الشيطان ، كما هو غالب فاش في أبناء الزمان ، فينبغي للداخل في ذلك ان يلاحظ نفسه فيما بينه وبين ربه.

ومن ذلك ـ ايضا ـ : بيان الاغلاط الواقعة من العلماء. والظاهر : ان من هذا القبيل طعن العلماء بعضهم على بعض في المسائل الفقهية حتى انجر الى التجهيل ، كما لا يخفى على من وقف على الرسالة المنسوبة إلى المفيد والسيد المرتضى ، في الرد على الصدوق في تجويزه السهو على المعصوم ، فإنها اشتملت على قدح عظيم في حق الصدوق ، لا يليق بمثله ان ينسب اليه ذلك ، وكما وقع من المحقق والعلامة في الطعن على ابن إدريس في مواضع لا تحصى ، مما يؤذن بتجهيله ، مع ما هو عليه من الفضل وعلو الشأن ونحو ذلك.

وقد وقع بين جملة من مشايخنا المعاصرين ممن عليهم الاعتماد بين العباد في البلاد ما يؤدى الى أعظم الإشكال في هذا المجال ، حتى ان رجلين منهم كانا يصليان الجمعة في أقل من مسافة الفرسخ. والناس يقتدون بكل منهما. وكان بعض من عاصرناه من المشايخ ينقل حديثا ـ ان صح هان الأمر في ذلك ـ والا فالمقام مقام خطر واشكال.

وصورة الخبر الذي ينقله في حق العلماء : انه عليه‌السلام قال : خذوا بما يفتون ولا تنظروا الى ما يقول بعضهم في بعض ، فإنهم يتغايرون كما تتغاير النساء. هذا حاصل معناه.

ومما يؤيد ذلك : دلالة جملة من الاخبار على حصول الحسد بين العلماء ، خصوصا زيادة على ما بين سائر الناس.

وبالجملة فالفداء عضال ، لا يكاد ينفك منه الا من عصمه الله تعالى بالتوفيق في


جملة الأحوال.

نعم قد ورد في جملة من الاخبار جواز الوقيعة في أصحاب البدع ، ومنهم الصوفية ، كما رواه في الكافي في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي ، فأظهروا البراءة منهم ، وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة ، وباهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام ، ويحذرهم الناس ، ولا يتعلموا من بدعهم ، يكتب الله لكم بذلك الحسنات ، ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة (1).

وبمضمونه أخبار عديدة.

وكذلك إذا رأيت رجلا يشترى مملوكا ، وقد عرفت ان في ذلك المملوك عيوبا منقصة ، فلك ان تذكرها للمشتري ، فان في سكوتك ضررا للمشتري ، وفي ذكرك ضررا للعبد ، ولكن المشتري أولى بالمراعاة.

ومن اللازم : ان يقتصر على العيب المنوط بذلك ، فلا يذكر في عيب التزويج ما يخل بالشركة والمضاربة مثلا ، بل انما يذكر ما يتعلق بذلك ، من غير تجاوز عنه.

أقول : ويمكن ان يستدل على ذلك بالأخبار الدالة على وجوب نصح المؤمن ، لا سيما مع الاستشارة ، كما رواه في الكافي عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة في المشهد والمغيب (2).

وعن ابى جعفر عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه (3).

وعن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ان أعظم الناس منزلة عند الله تعالى يوم القيامة ، أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه (4).

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 508 حديث : 1.

(2) الكافي ج 2 ص 208 حديث : 2.

(3) الكافي ج 2 ص 208 حديث : 4.

(4) الكافي ج 2 ص 208 حديث : 5.


وعنه عليه‌السلام قال : من استشار أخاه فلم يمحضه محض الرأي ، سلبه الله عزوجل رأيه (1).

(ومنها) الجرح للشاهد والراوي للاخبار ، صيانة لحقوق المسلمين ، وحفظا للاحكام والسنن الشرعية.

ومن ثم وضع العلماء كتب الجرح والتعديل للرواة ، وقسموهم الى الثقات والمجروحين ، وذكروا الأسباب الموجبة للقدح والجرح ، وكونه كذابا وضاعا للحديث ، لكن لا ينبغي ان يذكر الا ما يخل بالشهادة والرواية ، ولا يتعرض لشي‌ء من عيوبه التي لا تعلق لها بذلك ، وقوفا على القدر الذي يمكن تخصيص عموم أخبار النهي عن الغيبة به.

وكيف كان ، فينبغي التحفظ والإخلاص في ذلك ، بان لا يكون الباعث امرا آخر غير قصد الأمر الذي قدمنا ذكره.

أقول : ولا اعلم لهم حجة على ذلك زيادة على ما ذكرناه.

وربما يستند لذلك بالأخبار التي وردت عنهم ـ عليهم‌السلام ـ في ذم بعض الرواة ، وانهم من الكذابين والغالين ، الا ان مورد هذا الاخبار انما هو غير الشيعة ، ممن يظهر التلبس بهم ، فلا حجة فيها.

ويمكن ان يستدل بما ورد في الاخبار من ذمهم ـ ع ـ لجملة من الرواة ، كزرارة وهشام ابن الحكم ، ويونس بن عبد الرحمن ، وغيرهم. بان يكون الوجه في ذلك التحذير عن العمل بأخبارهم ، الا أن الأمر بالنسبة الى من ذكرناه انما هو العكس مما دلت عليه هذه الاخبار ، لاستفاضة الأخبار بجلالة شأنهم وعلو قدرهم ، وانما الغرض من هذه الاخبار معان أخر ، مثل الذب عنهم والتقية عليهم ، كما يفصح عنه حديث الكشي بالنسبة إلى زرارة وعذر الصادق عليه‌السلام له بأنه ذمه دفاعا عنه وعن أمثاله.

وحينئذ فيكون في هذه الاخبار دلالة على موضع آخر لم يذكره الأصحاب ـ فيما

__________________

(1) الكافي ج 2 ص 363 حديث : 5.


اعلم ـ وهو جواز الغيبة والذم لدفع الضرر عن ذلك المستغاب.

(ومنها) ان يكون القول فيه بما يكون متظاهرا به كالفاسق المتظاهر بفسقه ، بحيث لا يستنكف ان يذكر بذلك الفعل.

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بذلك : ما رواه الصدوق في المجالس عن هارون بن الجهم ، في الصحيح ـ على الأقوى ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة (1).

ورواية أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام ، قال : ثلاثة ليس لهم حرمة : صاحب هوى مبتدع ، والامام الجائر ، والفاسق المعلن بالفسق (2).

وروى شيخنا الشهيد الثاني ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له (3).

وما ورد في صحيحة عبد الله ابن ابى يعفور الطويلة ، الواردة في عدالة الشاهد ، عن الصادق عليه‌السلام :

حيث قال عليه‌السلام : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا غيبة إلا لمن صلى في بيته ورغب عن جماعتنا ، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته ، وسقطت بينهم عدالته ، ووجب هجرانه ، وإذا رفع الى امام المسلمين أنذره وحذره ، فان حضر جماعة المسلمين والا أحرق عليه بيته ، ومن لزم جماعتهم حرمت غيبته وثبتت بينهم عدالته (4).

وأنت خبير بان ظاهر الاخبار الثلاثة الأول ، هو جواز غيبته وان استنكف عن ذلك ، وانه لا يختص الجواز بالذنب الذي يتظاهر به ، كما هو ظاهر كلام جملة من

__________________

(1) الوسائل ج 8 ص 605 حديث : 4.

(2) الوسائل ج 7 ص 605 حديث : 5.

(3) ورواها الشيخ المفيد في الاختصاص عن الامام الرضا ـ ع ـ المستدرك ج 2 ص 108.

(4) الوسائل ج 18 ص 289 حديث : 2 ـ 34010.


الأصحاب ، وان كان الاقتصار على ما ذكروه أحوط ، الا ان يكون لذكر ما زاد على ذلك تأثير في ارتداعه عما هو عليه من الفسق والتظاهر به. ولعل الاخبار المشار إليها انما خرجت بناء على ذلك.

وكيف كان ، فالظاهر ان حكام الجور والظلمة واتباعهم المتظاهرين بالظلم والفسق ، وأخذ أموال الناس ، واللعب بالباطل ، كما هو معروف الان في جميع الأصقاع والبلدان بين الشيعة وغيرهم ، من هذا القبيل بل من أظهر أفراد هذه الاخبار.

وظاهر الخبر الرابع : جواز الغيبة بمجرد ظهور الفسق وان لم يكن متظاهرا به ، وان ترك الجماعة فسق وان لم يقل به الأصحاب فيما اعلم ، حيث انهم صرحوا بان ترك المستحبات لا يمنع من العدالة ، الا ان ظاهر الاخبار خلافه لتظافرها بجواز حرق بيته عليه.

وبالجملة فالخبر المذكور ظاهر في حصول الفسق بذلك ، وانه يجوز غيبته وان لم يتظاهر به ، الا ان يخص ذلك بمورد الخبر المذكور من صلاة الجماعة ، تنويها بشأنها وعلو مكانها.

ويؤيد العموم ما في بعض الاخبار ، من قوله عليه‌السلام : لا غيبة لفاسق. الا انه يشكل ذلك بان الغيبة التي هي عبارة عن ذكر الرجل بالعيب الذي فعله وستره الله تعالى عليه ، انما مورده الفاسق ، لأنه إنما اغتابه بما فعله من الذنب الموجب لفسقه ، مع ان الله تعالى قد حرم ذكره بذلك وجعله من قبيل أكل لحم أخيه ميتا. وحينئذ فإذا كان الفسق حاصلا مع تحريم الله سبحانه غيبته وذكره به ، فكيف يتم نفى الغيبة عن الفاسق مطلقا؟ بل الظاهر هو تقييد إطلاق الخبر المذكور بما إذا كان متظاهرا به ، كما دلت عليه الاخبار الأولة.

وحينئذ فالظاهر قصر الصحيحة المذكورة على موردها والله العالم.

(ومنها) ما أشرنا إليه ـ آنفا ـ من جواز غيبته لدفع الضرر عنه ، وان لم يتعرض له أحد من الأصحاب فيما اعلم.


ويدل على ذلك ما رواه الكشي في كتاب الرجال ، في الصحيح أو الحسن عن عبد الله بن زرارة ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : اقرأ مني على والدك السلام ، وقل له : انى إنما أعيبك دفاعا منى عنك ، فان الناس والعدو يسارعون الى كل من قربناه وحمدنا مكانه. لإدخال الأذى فيمن نحبه ونقربه ، ويذمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منا ، ويرون إدخال الأذى عليه وقتله ، ويحمدون كل من عبناه نحن فإنما أعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا بميلك إلينا ، وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر ، لمودتك لنا ولميلك إلينا ، فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ، ويكون ذلك منا دافع شرهم عنك ـ يقول الله عزوجل (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ) يأخذ كل سفينة صالحة غصبا. هذا التنزيل من عند الله سبحانه صالحة ، لا والله ما عابها الا لكي تسلم من الملك ولا تعطب على يديه ، ولقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ ، والحمد لله فافهم المثل يرحمك الله تعالى ، فإنك والله أحب الناس الى ، وأحب أصحاب أبي إلى ، حيا وميتا ، فإنك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر ، وان من ورائك لملكا ظلوما غصوبا ، يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ، ليأخذها غصبا فيغصبها وأهلها ، فرحمة الله عليك حيا ورحمته ورضوانه عليك ميتا ، ولقد ادى الى ابناك الحسن والحسين رسالتك ، أحاطهما الله وكلاهما ورعاهما وحفظهما ، بصلاح أبيهما ، كما حفظ الغلامين ، فلا يضيقن صدرك من الذي أمرك ابى عليه‌السلام وأمرتك به ، وأتاك أبو بصير بخلاف الذي أمرناك به ، لا والله ما أمرناك ولا أمرناه إلا بأمر وسعنا ووسعكم الأخذ به ، ولكل ذلك عندنا تصاريف ومعان توافق الحق ، فلو اذن لنا لعلمتم ان الحق في الذي أمرناكم به ، فردوا إلينا الأمر وسلموا لنا ، واصبروا لأحكامنا وارضوا بها ، والذي فرق بينكم فهو راعيكم الذي استرعاه الله أمر خلقه ، وهو أعرف بمصلحة غنمه ، في فساد أمرها. الحديث (1).

__________________

(1) رجال الكشي ص 125 ـ ص 127 طبعة النجف.


أقول : والظاهر انه لهذا كان زرارة ربما قدح في الإمام عليه‌السلام وعابه ، كما هو مروي في اخبار ذمه ، بان يكونوا ـ عليهم‌السلام ـ رخصوا له ذلك للعلة المذكورة في هذا الخبر.

وبهذا الخبر ايضا يجاب عما ورد في الهشامين ـ رضى الله عنهما ـ لا سيما ما نقل عنهما من القول بالجسم والصورة ، وتقرير الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ على ذلك وذمهم لهما ، مع ما ورد من الاخبار الدالة على منزلتهما ، ولا سيما هشام بن الحكم.

ونسبة هذين القولين الشنيعين لهما ـ رضى الله عنهما ـ اما ان يكون مع عدم معرفتهما بذلك عن الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ وهو بعيد ، أو مع معرفتهما بذلك ، وانهما قصدا الى خلاف ما عليه الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ وهو أشد بعدا. فلم يبق الا ما قلنا من الرخصة لهما في إظهار ذلك دفاعا عنهما بالتقريب المتقدم.

وروى في الكتاب المتقدم في الصحيح أو الموثق عن الحسين بن زرارة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ان ابى يقرأ عليك السلام ويقول : جعلت فداك ، انه لا يزال الرجل والرجلان يقدمان فيذكران انك ذكرتني ، وقلت في. فقال : اقرأ أباك السلام ، وقل له : انا والله أحب لك الخير في الدنيا وأحب لك الخير في الآخرة ، وانا والله عنك راض ، فما تبالي ما قال الناس بعد هذا (1).

(ومنها) ان يكون الإنسان معروفا باسم يعرب عن غيبته كالأعرج والأعمش والأشتر ونحوها.

قالوا : فلا اثم على من يقول ذلك ، فقد فعل العلماء ذلك لضرورة التعريف.

وقال الشهيد الثاني : والحق ان ما ذكره العلماء المعتمدون من ذلك ، يجوز التعويل فيه على حكايتهم ، واما ذكره عن الأحياء فمشروط بعلم رضاء المنسوب اليه به ، لعموم النهى. وحينئذ يخرج عن كونه غيبة. وكيف كان فلو وجد عنه معدلا وامكنه التعريف بعبارة أخرى فهو اولى. انتهى. وهو جيد.

__________________

(1) الكشي ص 128.


والذي حضرني من الاخبار في هذا المقام ، ما رواه في الكافي ، عن الحسن بن زيد الهاشمي ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : جاءت زينب العطارة الحولاء الى نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحديث (1).

وسيأتي قريبا ـ ان شاء الله تعالى ـ في تحريم الغش.

(ومنها) ما إذا علم اثنان أو ثلاثة مثلا معصية من آخر ، فذكرها بعضهم للآخر في غيبة صاحب المعصية ، فإنه يجوز ذلك ، لأنها لا تؤثر عند السامع شيئا ، زيادة على علمه سابقا.

أقول : وهو من حيث الاعتبار جيد الا ان أدلة النهي عن الغيبة من آية أو رواية أعم من ذلك. والتخصيص بمثل هذا الوجه الاعتباري مشكل.

__________________

(1) الكافي ج 8 (الروضة) ص 153 حديث : 143.


المسألة السابعة

في السحر ، ونحوه القيافة ، والكهانة ، والشعبدة

ولا خلاف في تحريم تعليم الجميع وأخذ الأجرة عليه. ولا بد من بسط الكلام هنا في مقامات :

(الأول) في السحر.

قال في المنتهى : السحر عقد ورقي وكلام يتكلم به ، أو يكتبه ، أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور ، أو قلبه ، أو عقله ، من غير مباشرة له.

وزاد الشهيدان شيئا آخر من جملة السحر ، قال في المسالك : وهو كلام أو كتابة أو رقية أو أقسام أو عزائم ونحوها ، يحدث بسببها ضرر على الغير ، ومنه عقد الرجل عن زوجته بحيث لا يقدر على وطئها ، وإلقاء البغضاء بينهما ، ومنه استخدام الملائكة والجن ، واستنزال الشياطين ، في كشف الغائبات وعلاج المصاب ، واستحضارهم ، وتلبسهم ببدن صبي أو امرأة ، وكشف الغائب على لسانه ، فتعلم ذلك وشبهه ، وعلمه وتعليمه كله حرام ، والتكسب به سحت ، ولو تعلمه ليتوفى به ، وليدفع به المتنبي بالسحر ، فالظاهر جوازه ، وربما وجب على الكفاية ، كما


اختاره في الدروس. ويجوز حله بالأقسام والقرآن ، كما ورد في رواية العلاء. انتهى.

وقال في الدروس نحو ما في المسالك ثم انه قد وقع الخلاف بين كافة العلماء في السحر ، هل له حقيقة أو انه تخيل؟

قال في المسالك : الأكثر على انه لا حقيقة له بل هو تخيل. ثم قال : ويشكل بوجدان أثره في كثير من الناس ، والتأثر بالتوهم انما يتم لو سبق للقابل علم بوقوعه ، ونحن نجد أثره فيمن لا يشعر به أصلا حتى يضربه انتهى.

وقيل : أكثره تخيل ، وبعضه حقيقي ، لأنه تعالى وصفه بالعظمة في سحرة فرعون. أقول : وصفه بالعظمة لا يدل على كونه حقيقة ، بل ظاهر الآية خلاف ذلك ، كما ذكره الطبرسي في تفسيره ، وغيره حيث قال : فلما ألقوا ، اى فلما القى السحرة ما عندهم من السحر ، احتالوا في تحريك العصي والحبال ، بما جعلوه فيها من الزيبق ، حتى تحركت بحرارة الشمس ، وغير ذلك من الحيل وأنواع التمويه والتلبيس ، وخيل الى الناس انها تتحرك على ما تتحرك الحية ، وانما سحروا أعين الناس ، لأنهم اروهم شيئا لم يعرفوا حقيقته ، وخفي ذلك عليهم ، لبعده منهم ، لأنهم لم يخلوا الناس يدخلون فيما بينهم. وفي هذا دلالة على ان السحر لا حقيقة له ، لأنها لو صارت حيات حقيقة ، لم يقل الله سبحانه (سَحَرُوا أَعْيُنَ النّاسِ) ، بل كان يقول : فلما ألقوا صارت حيات. انتهى.

وقال الرازي : احتج القائلون بأن السحر محض تمويه ، بهذه الآية.

وقال القاضي البيضاوي : لو كان السحر حقا لكانوا. قد سحروا في قلوبهم وأعينهم ، فثبت ان المراد انهم تخيلوا أحوالا عجيبة. مع ان الأمر في الحقيقة ما كان على وفق ما تخيلوه.

وقال الواحدي : قيل ان المراد ، سحروا أعين الناس ، اى قلبوها عن صحة إدراكها ، بسبب تلك التمويهات.


أقول : لا يخفى ان الذي حصل من فعل السحرة يومئذ ، هو كون تلك الحبال والعصي التي ألقوها حيات تتحرك ، ومن الظاهر ان الحركة الثابتة لها ناشئة من الزيبق بعد طلوع الشمس عليها ، واما كونها حيات في نظر الناظر إليها يومئذ بهذا ، هو الذي حصل به السحر في أعين الناس حيث انهم بعد رؤيتها حبالا أولا وعصيا ، صارت حيات في نظرهم ثانيا ، وأكد ذلك حركتها ، فكونها حيات في نظرهم لا بد من حمله على مجرد التخيل والتوهم ، الذي نشأ من سحرهم ولذلك قال سبحانه : «يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى» (1). ولانه لو أمكن الساحر ان يقلب حقيقة من الحقائق إلى حقيقة أخرى ، لزم مشاركته لله تعالى في الخلق ، وهو باطل عقلا ونقلا ، ولأمكن أن يعيد نفسه من الهرم الى الصغر ، ويدفع عن نفسه الأسقام والالام ، والكل مما يقطع ببطلانه عند جملة الأنام.

وقد ورد في حديث الزنديق الذي سأل الإمام الصادق عليه‌السلام المروي في الاحتجاج (2) ، قال : أفيقدر الساحر ان يجعل الإنسان بسحره في صورة الكلب والحمار أو غير ذلك؟ قال : هو أعجز من ذلك وأضعف من ان يغير خلق الله سبحانه ، ان من أبطل ما ركبه الله تعالى وصوره فهو شريك الله تعالى في خلقه ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، لو قدر الساحر على ما وصفت ، لدفع عن نفسه الهرم والآفة والمرض ، ونفى البياض عن رأسه ، والفقر عن ساحته. وقال عليه‌السلام في الحديث المذكور لما سأله الزنديق فيما سأله ، فقال : أخبرني عن السحر ما أصله ، وكيف يقدر الساحر على ما يوصف من عجائبه وما يفعل؟ قال عليه‌السلام : ان السحر على وجوه شتى ، وجه منها بمنزلة الطب ، كما ان الأطباء وضعوا لكل داء دواء فكذلك علم السحر ، احتالوا لكل صحة آفة ، ولكل عافية عاهة ، ولكل معنى حيلة ، ومنه نوع آخر : خطفة وسرعة ومخاريق وخفة ونوع منه ما يأخذ أولياء الشياطين منهم. قال : من اين علم الشياطين السحر؟ قال : من حيث عرف الأطباء الطب ،

__________________

(1) سورة طه : 66.

(2) احتجاج الطبرسي ج 2 ص 81 ـ 82 طبعة النجف الأشرف.


بعضه تجربة وبعضه علاج. قال : فما تقول في الملكين هاروت وماروت ، وما يقول الناس بأنهما يعلمان الناس السحر؟ فقال : انهما موضع ابتلاء وموقف فتنة ، تسبيحهما اليوم «لو فعل الإنسان كذا وكذا لكان كذا ، ولو يعالج بكذا أو كذا صار كذا ـ أصناف السحر» فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما ، فيقولان لهم : انما نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما يضركم ولا ينفعكم ، الى ان قال عليه‌السلام : وان من أكبر السحر النميمة ، يفرق بها بين المتحابين ، ويجلب العداوة بين المتصافين ، ويسفك بها الدماء وتهدم بها الدور ، ويكشف بها الستور ، والنمام أشد من وطأ على ارض بقدم ، وأقرب أقاويل السحر من الصواب : انه بمنزلة الطب ، ان الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء ، فجاء الطبيب فعالجه فأبرأه (1).

أقول : ومن الاخبار الواردة في المقام ، ما رواه في الكافي عن على بن إبراهيم عن أبيه عن شيخ من أصحابنا الكوفيين ، قال : دخل عيسى بن سيفي (2) على ابى عبد الله عليه‌السلام ، وكان ساحرا يأتيه الناس ويأخذ على ذلك الأجر ، فقال له : جعلت فداك : انا رجل كانت صناعتي السحر ، وكنت آخذ عليها الأجر ، وكان معاشي منه ، وقد حججت منه ومن الله على بلقائك ، وقد تبت الى الله عزوجل ، فهل لي في شي‌ء من ذلك مخرج؟ قال : فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : حل ولا تعقد (3). ورواه الصدوق بإسناد عن عيسى المذكور نحوه.

ورواه الحميري في قرب الاسناد ـ بإسناده ـ عن عيسى بن سيفي مثله.

قال في الوسائل بعد نقل الخبر المذكور : أقول : خصه بعض علمائنا بالحل

__________________

(1) الاحتجاج ، ج 2 ص 82.

(2) اختلف نسخ الكافي والتهذيب والفقيه وقرب الاسناد وغيرها في هذا اللفظ ، ففي بعضها : «شقفي». وفي بعضها : «سقفى». وفي بعضها : «سعفى». وفي بعضها : «سيفي». والأخير هو الصحيح. نظرا الى نسخة أصل التفسير ورواية جامع الرواية ومن ثم أثبتناه.

(3) الكافي ج 5 ص 115 حديث : 7.


بغير السحر كالقرآن والذكر والتعويذ ونحوها ، وهو حسن ، إذ لا تصريح بجواز الحل بالسحر (1).

أقول : لا يبعد العمل به على ظاهره من جواز الحل (2) ، كما يظهر من الاخبار الاتية. ويؤيده ما تقدم في كلام الشهيد من جواز تعلمه للتوقي به ودفع المتنبي بالسحر ، بل وجوبه كفاية.

* * *

ومنها ما رواه الصدوق بإسناده عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه ـ عليهما‌السلام ـ ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ساحر المسلمين يقتل ، وساحر الكفار لا يقتل. قيل : يا رسول الله ، لم لا يقتل ساحر الكفار؟ قال : لان الشرك أعظم من السحر ، ولان السحر والشرك مقرونان (3).

وما رواه في الكافي والتهذيب عن زيد الشحام عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال :

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 106.

(2) أقول : وبما ذكرناه صرح المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ، حيث قال : ويمكن ان يكون تعلم السحر للحل جائزا ، بل قد يجب لغاية معرفة المتنبي ودفعه ودفع الضرر عن نفسه وعن المسلمين. وقد أشار إليه في شرح الشرائع عن الدروس. ويدل على الجواز ما في رواية إبراهيم بن هاشم ، قال : حدثني شيخ من أصحابنا الكوفيين ، قال : دخل عيسى بن سيفي ، ثم ساق الخبر ـ كما في الأصل ـ وقال : العلامة في التحرير : والذي يحل السحر بشي‌ء من القرآن والذكر أو الأقسام فلا بأس به ، وان كان بالسحر حرم على اشكال : وظاهره في المنتهى : التحريم من حيث انه سحر من غير اشكال. واستدل بحديث عيسى على الحل بالقرآن ونحوه. وفيه ما عرفت في المتن. وبالجملة فما ذكروه هو الأحوط ، وما ذكرناه هو الظاهر من الأدلة والله العالم. منه قدس‌سره.

(3) الوسائل ج 12 ص 106 حديث : 2 وج 18 ص 575 حديث : 1.


الساحر يضرب بالسيف ضربة واحدة على رأسه (1).

وما رواه في التهذيب عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن على ، عن أبيه عن آبائه عن على عليه‌السلام ، قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الساحر فقال : إذا جاء رجلان عدلان فشهدا عليه فقد حل دمه (2).

وعن السكوني عن جعفر بن محمد عليه‌السلام عن أبيه ان عليا عليه‌السلام كان يقول : من تعلم شيئا من السحر كان آخر عهده بربه وحده القتل الا ان يتوب (3).

ورواه في قرب الاسناد بسنده عن أبي البختري عنه عليه‌السلام مثله.

أقول : قد حمل هذه الاخبار بعض مشايخنا على من يستحل ذلك (4) ، وهو كذلك كما يظهر من الخبر الأخير ، ويعضده غيره من الاخبار المذكورة في المقام.

ومنها ما رواه في العلل ـ بعد نقل رواية السكوني الأولى ـ قال : وروى ان توبة الساحر ان يحل ولا يعقد (5).

وما رواه في عيون الأخبار بإسناده عن الحسن العسكري عليه‌السلام ، عن آبائه في حديث ، في قوله عزوجل «وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ» قال : كان بعد نوح عليه‌السلام قد كثرت السحرة والمموهون ، فبعث الله عزوجل ملكين إلى نبي ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة وذكر ما يبطل به سحرهم ويرد به كيدهم ، فتلقاه النبي من الملكين ، واداه إلى عباد الله تعالى ان يقفوا به على السحر وان يبطلوه ،

__________________

(1) الوسائل ج 18 ص 576 حديث : 2 وفي نسخة : «على أم رأسه».

(2) الوسائل ج 18 ص 576 حديث : 1 باب : 3.

(3) الوسائل ج 18 ص 576 حديث : 2 باب : 3.

(4) قال العلامة في المنتهى : لا خلاف بين علمائنا في تحريم تعلم السحر وتعليمه ، وهل يكفر أم لا؟ الحق انه ان استحل ذلك فقد كفر ، والا فلا ، وسيأتي البحث في ذلك. انتهى ، منه قدس‌سره.

(5) الوسائل ج 12 ص 106 حديث : 3.


ونهاهم ان يسحروا به الناس ، وهذا كما يدل على السم ما هو وما يدفع به غائلة السم ، الى ان قال : وما يعلمان من أحد ذلك السحر وإبطاله حتى يقولا للمتعلم : انما نحن فتنة وامتحان للعباد ليطيعوا الله فيما يتعلمون من هذا ويبطلون به كيد السحرة ولا يسحروهم ، فلا تكفر باستعمال هذا السحر وطلب الإضرار به ، ودعاء الناس الى ان يعتقدوا انك به تحيي وتميت وتفعل مالا يقدر عليه الا الله عزوجل ، فان ذلك كفر. الى ان قال «وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ» ، لأنهم إذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به ويضروا به ، فقد تعلموا ما يضرهم في دينهم ولا ينفعهم فيه. الحديث. (1).

قال في الوسائل ـ بناء على ما قدمنا نقله عنه ، بعد ذكر هذا الخبر في جملة الأخبار التي نقلها ـ : لا يخفى انه يحتمل كون ما مر من جواز الحل بالسحر مخصوصا بتلك الشريعة المنسوخة. انتهى.

وفيه : ان الظاهر من نقل الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ حكايات الأحكام الشرعية ، عن الأمم المتقدمة ، انما هو لأجل الاستدلال بها على ثبوت تلك الأحكام في هذه الشريعة أيضا ، كما يظهر من كثير من الاخبار التي اشتملت على ذلك ، والا فمجرد حكايتها من غير غرض شرعي يترتب عليها ، يكون من قبيل اللغو العاري عن الفائدة ، إذ كل أحد يعلم ان تلك الشرائع صارت منسوخة بهذه الشريعة ، فلا معنى لنقل أحكامها إذا لم يكن المراد منها ما ذكرنا.

ويؤيد ما ذكرناه الرواية المرسلة المتقدم نقلها عن العلل ، مضافا الى ذلك رواية عيسى المتقدمة.

* * *

ومنها : ما رواه في العيون ايضا بسنده عن على بن الجهم عن الرضا عليه‌السلام في حديث قال : واما هاروت وماروت فكانا ملكين علما الناس السحر ليحترزوا به من سحر السحرة ويبطلوا به كيدهم ، وما علما أحدا من ذلك شيئا حتى قالا : انما نحن فتنة فلا تكفر ، فكفر قوم باستعمالهم لما أمروا بالاحتراز منه ، وجعلوا يفرقون بما

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 106 ـ 107 حديث : 4.


تعلموه بين المرء وزوجه. قال الله عزوجل «وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلّا بِإِذْنِ اللهِ» يعنى بعلمه. (1).

وقال على بن إبراهيم في تفسيره في حديث هجرة جعفر بن ابى طالب ـ رضى الله تعالى عنه ـ وأصحابه إلى الحبشة : وبعث قريش عمارة بن الوليد وعمرو بن العاص إلى النجاشي ليردوهم ـ وساق الحديث الطويل ـ الى ان قال : وكان على رأس النجاشي وصيفة له تذب عنه فنظرت إلى عمارة وكان فتى جميلا فاحبته ، فلما رجع عمرو بن العاص إلى منزله ، قال لعمارة : لو راسلت جارية الملك ، فراسلها فأجابته فقال عمرو : قل لها تبعث إليك من طيب الملك شيئا. فقال لها ، فبعثت إليه. فأخذ عمرو من ذلك الطيب وادخله على النجاشي وأخبره بما جرى بين عمارة وبين الوصيفة ووضع الطيب بين يديه ، فغضب النجاشي وهم بقتل عمارة. ثم قال : لا يجوز قتله ، لانه دخل بلادي بأمان ، فدعى السحرة وقال : اعملوا به شيئا أشد عليه من القتل. فأخذوه ونفخوا في إحليله الزيبق ، فصار مع الوحش يغدو ويروح. وكان لا يأنس بالناس ، فبعثت قريش بعد ذلك فكمنوا له في موضع حتى ورد الماء مع الوحش ، فأخذوه ، فما زال يضطرب في أيديهم ويصيح حتى مات. الخبر (2).

وقد ورد في بعض أخبارنا ـ وفاقا لروايات العامة ـ وقوع السحر على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانه سحره لبيد بن اعصم اليهودي (3).

وقد أنكره جملة من أصحابنا ، منهم العلامة في المنتهى. قال : وهذا القول م. ه. معرفة.

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 107 حديث : 5.

(2) بحار الأنوار ـ ج 18 ص 414 ـ 416. وفي نقل المصنف هنا تلخيص واختصار.

(3) جاءت القصة في البخاري ج 4 ص 148 وج 7 ص 176. وفي مسلم ج 7 ص 14. وجاءت في كتبنا ، لكن لا بالصورة التي جاءت في كتب العامة. راجع : بحار الأنوار ج 18 ص 70 نقلا عن طب الأئمة ومجمع البيان وغيرهما. وقد أوضحنا بطلان الحديث بالشكل الذي ترويه العامة في كتابنا «التمهيد» الى علوم القرآن ج 1 ص 132 ـ 137.


عندي ضعيف ، والروايات ضعيفة ، خصوصا رواية عائشة ، لاستحالة تطرق السحر إلى الأنبياء ـ عليهم‌السلام.

وأنكره الشيخ في الخلاف ايضا ، وقال ـ بعد ذكر بعض الاخبار عن عائشة ـ : وهذه الأحبار آحاد لا يعمل عليها في هذا المعنى. وقد روى عن عائشة انها قالت : سحر رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فما عمل فيه السحر. وهذا يعارض ذلك. انتهى.

وقال شيخنا في البحار : «واما تأثير السحر في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والامام عليه‌السلام فالظاهر عدم وقوعه ، وان لم يقم برهان على امتناعه ، إذا لم ينته الى حد يخل بغرض البعثة ، كالتخبيط والتخليط ، فإذا كان الله تعالى اقدر الكفار لمصالح التكليف ، على حبس الأنبياء والأوصياء وضربهم وجرحهم وقتلهم بأشنع الوجوه ، فأي استحالة على ان يقدروا على فعل يؤثر فيهم هما أو مرضا».

«لكن لما عرفت ان السحر يندفع بالعوذة والآيات والتوكل ، وهم ـ عليهم‌السلام ـ معادن جميع ذلك ، فتأثيره فيهم ـ عليهم‌السلام ـ مستبعد ، والاخبار الواردة في ذلك أكثرها عامية ، أو ضعيفة ومعارضة بمثلها ، فيشكل التعويل عليها في إثبات مثل ذلك».

أقول : لا يخفى ان محل الاشكال انما هو باعتبار ما دلت عليه تلك الاخبار ، من تأثير السحر فيهم ـ عليهم‌السلام ـ كغيرهم من الناس ، بحيث يوجب ذهاب العقل أو المرض أو نحو ذلك ، هذا هو الذي أنكره أصحابنا. ولو صح لصدق ما حكى الله سبحانه عن الكفار بقولهم «إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلّا رَجُلاً مَسْحُوراً». على ان ما ذكره من القياس على تسليط الله عزوجل الكفار على إنزال القتل والحبس بهم ـ عليهم‌السلام ـ لمصالح ، مردود ، بان الوجه في ذلك هو انه عزوجل أمرهم بالانقياد لأمراء الجور ، مدة هذه الدنيا الدنيئة ، ومنعهم من الدعاء عليهم وحثهم على الانقياد إليهم.

واليه يشير قوله عزوجل «قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيّامَ اللهِ


لِيَجْزِيَ قَوْماً). الاية ، فقد ورد في تفسيرها ما يدل على ما ذكرناه (1). بخلاف ما ذكره من تأثير السحر فيهم ، وان كان بمجرد الهم أو المرض ، فإنه لم يرد دليل على أمرهم بقبول ذلك ، مع وجوب دفع الضرر عن النفس مع القدرة والإمكان ، ولا ريب في إمكان ذلك بالنسبة إليهم ـ عليهم‌السلام.

الا ترى الى ما ورد في جملة من الاخبار في دفعهم كيد السحرة الفجار ، مثل ما رواه في العيون بسنده عن على بن يقطين ، قال استدعى الرشيد رجلا يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام ويقطعه ويخجله في المجلس ، فانتدب له رجل مغرم ، فلما أحضرت المائدة عمل ناموسا على الخبز ، فكان كلما رام أبو الحسن عليه‌السلام تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه ، واستفز هارون الفرح والضحك لذلك ، فلم يلبث أبو الحسن ان رفع رأسه الى أسد مصور على بعض الستور ، فقال له : يا أسد الله ، خذ عدو الله : فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع. فافترست ذلك المغرم ، فخر هارون وندماؤه على وجوههم مغشيا عليهم. وطارت عقولهم خوفا من هول ما رأوا. فلما أفاقوا من ذلك بعد حين قال هارون لأبي الحسن عليه‌السلام : سألتك بحقي عليك لما سألت الصورة ان ترد الرجل. فقال : ان كانت عصا موسى ردت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيهم ، فان هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل : فكان ذلك اعمل الأشياء في اماتة نفسه (2) :. ونحو ذلك روى في كتاب الخرائج والجرائح عن الإمام الهادي عليه‌السلام مع المتوكل لعنه الله تعالى. وفي كتاب الثاقب في المناقب عن الصادق عليه‌السلام مع المنصور (3).

__________________

(1) قال الثقة الجليل على بن إبراهيم القمي (قدس‌سره) في تفسيره لهذه الآية : قال : يقول لأئمة الحق : لا يدعون على ائمة الجور ، حتى يكون الله هو الذي يعاقبهم في قوله : ليجزي قوما بما كانوا يكسبون. انتهى. منه قدس‌سره.

(2) مدينة المعاجز ص 446 حديث : 67.

(3) وملخص الأول : انه وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند الى المتوكل فأمره


وبالجملة فالظاهر ان ما ذكره شيخنا المذكور لا يخلو من استعجال وعدم تأمل في المقام. والحق هو عدم جوازه عليهم بوجه من الوجوه ، والاخبار الواردة من طرقنا في حقه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع ضعفها وشذوذها ، يمكن حملها على التقية لاتفاق العامة على جواز ذلك.

* * *

__________________

أن يخجل الامام الهادي عليه‌السلام ، واحضر على المائدة خبزا رقاقا ، فكان كلما مد الامام عليه‌السلام يده الى قرص من ذلك الخبز طيرها ذلك المشعبذ ، فتضاحك الناس ، وكان على مستورة المتوكل صورة أسد ، فضرب الامام عليه‌السلام يده على تلك الصورة ، وقال : خذه. فوثبت تلك الصورة من المستورة فابتلعت الرجل ، وعادت في المستورة كما كانت ، فتحير الجميع ونهض الامام ، فقال المتوكل : سألتك بالله الا جلست ورددته ، فقال : والله لا يرى بعدها ، أتسلط أعداء الله على أولياء الله ، وخرج من عندهم ، فلم ير الرجل بعدها (مدينة المعاجز ص 548 حديث 52).

وملخص الخبر الثاني : ان المنصور وجه الى سبعين رجلا من أهل بابل ، فدعاهم وقال : انكم ورثتم السحر من آبائكم من أيام موسى بن عمران ، وانكم لتفرقون بين المرء وزوجه ، وان أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام كاهن ساحر مثلكم ، فاعملوا شيئا من السحر ، فإنكم إن ابهتموه أعطيتكم الجائزة العظيمة ، فقاموا الى المجلس الذي فيه المنصور ، فصوروا سبعين صورة من السباع ، وجلس كل واحد منهم جنب صاحبه ، وجلس المنصور على سرير ملكه ، ووضع التاج على رأسه ، وقال لحاجبه ابعث الى ابى عبد الله عليه‌السلام وأحضره الساعة ، قال : فلما أحضره دخل عليه. فلما نظر الى ما قد استعد له غضب عليه‌السلام فقال : يا ويلكم ، أتعرفونى ، أنا حجة الله الذي أبطل سحر آبائكم في أيام موسى بن عمران ، ثم نادى برفيع صوته : أيتها الصور الممثلة ، ليأخذ كل واحد منكم صاحبه باذن الله تعالى ، فوثب كل سبع الى صاحبه وافترسه


(الثاني) : في القيافة.

وهي ـ على ما ذكره مى المسالك ـ الاستناد الى علامات ومقادير ، يترتب عليها إلحاق بعض الناس ببعض ونحوه. قال : وانما تحرم إذا جزم به ، أو رتب عليه محرما. انتهى.

وقال المقدس الأردبيلي في شرح الإرشاد : ولعل دليل التحريم الإجماع المذكور في المنتهى.

أقول : ربما يدل على ذلك ما رواه الصدوق في الخصال ، بسنده عن ابى بصير ، عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ ، قال : من تكهن أو تكهن له ، فقد بري‌ء من دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. قال ، قلت : فالقافة؟ قال : ما أحب ان تأتيهم. وقيل : ما يقولون شيئا الا كان قريبا مما يقولون. فقال : القيافة من فضلة النبوة ، ذهبت في الناس حيث بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) ،

الا ان الحديث المذكور لا ظهور له في التحريم كما علله الأصحاب ، مع انه قد روى في الكافي عن زكريا بن يحيى بن النعمان الصيرفي ، قال : سمعت على بن جعفر يحدث الحسن بن الحسين بن على بن الحسين ، فقال : والله لقد نصر الله أبا الحسن الرضا عليه‌السلام. فقال له الحسن : اى والله ، جعلت فداك.

لقد بغى عليه اخوته. فقال على بن جعفر : اى والله ، ونحن عمومته بغينا عليه. فقال له الحسن : جعلت فداك ، كيف صنعتم؟ فانى لم أحضركم : قال : قال

__________________

وابتلعه في مكانه ، ووقع المنصور مغشيا عليه من سريره ، فلما أفاق قال : الله الله يا أبا عبد الله ، أقلني ، فانى تبت توبة لا أعود إلى مثلها ابدا ، فقال عليه‌السلام : قد عفوتك ثم قال : يا سيدي قل السباع ان تردهم الى ما كانوا ، فقال : هيهات هيهات ، ان أعادت عصا موسى سحرة فرعون فستعيد هذه السباع هذه السحرة. (مدينة المعاجز ص 362 حديث : 23). منه قدس‌سره.

(1) الوسائل ج 12 ص 108 حديث : 2.


له اخوته ونحن ايضا : ما كان فينا امام قط حائل اللون : فقال لهم الرضا عليه‌السلام : هو ابني. قالوا : فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد قضى بالقافة ، فبيننا وبينك القافة ، قال : ابعثوا أنتم إليهم ، واما انا فلا. ولا تعلموهم لما دعوتموهم ، ولتكونوا في بيوتكم. فلما جاؤا أقعدونا في البستان ، واصطف عمومته واخوته وأخواته ، وأخذوا الرضا عليه‌السلام وألبسوه جبة صوف وقلنسوة منها ، ووضعوا على عنقه مسحاة. قالوا له : ادخل البستان ، كأنك تعمل فيه ، ثم جاؤا بأبي جعفر عليه‌السلام ، فقالوا : ألحقوا هذا الغلام بأبيه! فقالوا : ليس له هنا أب ، ولكن هذا عم أبيه ، وهذا عمه ، وهذه عمته ، وان يكن له ها هنا أب فهو صاحب البستان ، فان قدميه وقدميه واحدة ، فلما رجع أبو ـ الحسن عليه‌السلام ، قالوا : هذا أبوه ، قال على بن جعفر : فقمت فمصصت ريق ابى جعفر عليه‌السلام ، ثم قلت له : أشهد أنك إمامي عند الله عزوجل ، الحديث (1).

فظاهر هذا الخبر جوازها والاعتماد عليها :

اما أولا ، فلأنهم لما دعوه الى حكم القافة أجابهم الى ذلك ، ولو كان ذلك محرما لا يجوز الاعتماد عليه ، لما أجابهم بل منعهم ، وقال : انه محرم غير مشروع ، ولا يجوز الاعتماد عليه في نفى ولا إثبات.

واما ثانيا ، فإنهم نقلوا ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قضى بالقافة ، وظاهره عليه‌السلام تقريرهم على ذلك ، حيث لم يكذبهم.

واما قوله عليه‌السلام : ابعثوا أنتم إليهم واما أنا فلا ، فالظاهر ان المراد منه انما هو لدفع التهمة عنه عليه‌السلام ، بأنه ربما يكون اعلامه لهم بذلك قرينة لهم على الحاقه به ، كما يشعر به قوله : ولا تعلموهم لما دعوتموهم ، لا أن المراد منه ما ربما يتوهم من انه لما لم يكن مشروعا لم يرض عليه‌السلام بان يكون هو الداعي لهم.

وبالجملة فإن ظاهر الخبر هو ما ذكرناه من جواز ذلك ، وصحة الاعتماد

__________________

(1) الكافي ج 1 ص 322 ـ 323 حديث : 14.


عليه.

اللهم الا ان يقال : انه لما كان عليه‌السلام يعلم ان القافة يلحقونه به. ويندفع بهم شبهة أعمامه واخوته من إنكارهم كونه ابنه ، رضى بذلك.

وفيه : ما فيه. فإنه بالدلالة على ما ندعيه انسب ، والى ما ذكرناه أقرب ، من ان القافة لا يقولون الا حقا ، ولا يحكمون الا صدقا.

وبالجملة فالدليل من الاخبار على التحريم غير ظاهر ، وليس الا ما يدعى من الإجماع.

نعم يمكن ان يقال : ان الحكم بإلحاق شخص بآخر ، الموجب لترتب أحكام كثيرة ، مثل حل النظر ، والميراث ، وتحريم المناكحة ، ونحو ذلك ، يحتاج الى دليل شرعي قاطع ، والخبر المذكور لا دلالة فيه على وجه يوجب ذلك مطلقا. والله العالم.

(الثالث) : في الكهانة.

قال في المسالك : هي بكسر الكاف ، عمل يوجب طاعة بعض الجان له واتباعه له ، بحيث يأتيه بالأخبار الغائبة. وهو قريب من السحر.

أقول : ويدل على تحريمها ما تقدم في حديث ابى بصير ، المذكور في الموضع الثاني (1).

وما رواه في مستطرفات السرائر ـ نقلا من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن الهيثم ، قال : قلت للصادق عليه‌السلام : ان عندنا بالجزيرة رجلا ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشي‌ء يسرق أو شبه ذلك فنسأله ، فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من مشى الى ساحر أو كاهن أو كذاب يصدقه بما يقول ، فقد كفر بما انزل الله من كتاب (2).

__________________

(1) في ص 182 عن الوسائل ج 12 ص 108 حديث : 2.

(2) الوسائل ج 12 ص 109 حديث : 3.


وأنت خبير بأنه قد تقدم في كلام المسالك ، في تعريف السحر ، ومثله في كلام الدروس ، ان من جملة السحر استنزال الشياطين في كشف الغائبات. وهو بظاهره مما يدل على دخول الكهانة تحت السحر. وفي كلامه هنا ما يؤذن للمغايرة ، وان كان قريبا منه ، ولا يخلو من نوع تدافع. والخبر الثاني مما يؤيد ما ذكره هنا من المغايرة ، وهو الأظهر ، للخبر.

(الرابع) في الشعبذة.

وهي الحركات السريعة التي يترتب عليها الأفعال العجيبة ، بحيث يلتبس على الحس الفرق بين الشي‌ء وشبهه ، لسرعة الانتقال منه الى شبهه.

وقد صرح في المنتهى بنفي الخلاف عن التحريم. والظاهر : انه لا دليل سواه ، فانى لم أقف بعد التتبع على خبر يدل على ذلك.


المسألة الثامنة

في القمار

قال في المنتهى : القمار حرام بلا خلاف بين العلماء. وكذا ما يؤخذ منه. قال الله تعالى (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (1). الى ان قال : فان جميع أنواع القمار حرام ، من اللعب بالنرد ، والشطرنج ، والأربعة عشر ، واللعب بالخاتم ، حتى لعب الصبيان بالجوز ، على ما تضمنته الأحاديث ، ذهب إليه علماؤنا اجمع. وقال الشافعي : يجوز اللعب بالشطرنج. وقال أبو حنيفة بقولنا. انتهى.

أقول : والاخبار بما ذكروه هنا مستفيضة متكاثرة ، ومنها ما في الكافي عن ابى عبيدة الحذاء في الصحيح قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل «وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ» (2) فقال : كانت قريش تقامر الرجل بأهله وما له ، فنهاهم الله عزوجل عن ذلك. (3).

__________________

(1) سورة المائدة : 91.

(2) سورة البقرة : 188.

(3) الكافي ج 5 ص 122 حديث : 1.


وعن جابر عن ابى جعفر عليه‌السلام ، قال : لما انزل الله عزوجل على رسوله الله صلى‌الله‌عليه‌وآله «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ» (1) قيل : يا رسول الله ما الميسر؟ فقال : ما تقومر به حتى الكعاب والجوز. قيل : فما الأنصاب؟ قال : ما ذبحوه لآلهتهم. قيل : فما الأزلام؟ قال قداحهم التي يستقسمون بها. (2).

وعن الوشاء عن ابى الحسن عليه‌السلام قال : سمعته يقول : الميسر هو القمار (3).

وعن إسحاق بن عمار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الصبيان يلعبون بالجوز والبيض ، ويقامرون. فقال : لا تأكل منه فإنه حرام. (4).

وعن السكوني ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : كان ينهى عن الجوز يجي‌ء به الصبيان من القمار ان يؤكل. قال : هو سحت. (5).

وعن عبد الحميد بن سعيد ، قال : بعث أبو الحسن غلاما يشترى له بيضا ، فأخذ الغلام بيضة أو بيضتين فقامر بها ، فلما اتى به اكله ، فقال له مولى له : ان فيه من القمار. قال فدعى بطشت فتقيأه. (6).

وعن محمد بن مسلم ، عن أحدهما ـ عليهما‌السلام ـ قال : لا تصلح المقامرة ولا النهبة (7).

وعن السكوني عن الصادق عليه‌السلام ، قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن اللعب

__________________

(1) سورة المائدة : 90.

(2) الكافي ج 5 ص 123 حديث : 2.

(3) الكافي ج 5 ص 124 حديث : 9.

(4) الكافي ج 5 ص 124 حديث : 10.

(5) الكافي ج 5 ص 123 حديث : 6.

(6) الكافي ج 5 ص 123 حديث : 3.

(7) الكافي ج 5 ص 123 حديث : 5.


بالشطرنج والنرد. (1).

وعن ابى جندب عمن أخبره (2) عن الصادق عليه‌السلام ، قال : الشطرنج ميسر والنرد ميسر. (3).

وعن ابى بصير عن الصادق عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام النرد والشطرنج هما الميسر. (4).

وعن عمر بن يزيد عن الصادق عليه‌السلام ، قال : ان الله عزوجل في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار ، الا من أفطر على مسكر ، أو مشاحن ، أو صاحب شاهين. قلت : وأى شي‌ء الشاهين؟ قال الشطرنج. (5).

قال في الوافي : المشاحن المعادي. والشحناء العداوة. ولعل المراد منه هنا : صاحب البدعة المفارق للجماعة. كذا فسره الأوزاعي في الحديث النبوي «يغفر الله تعالى لكل عبد ما خلا مشركا أو شاحنا». وشاهين تثنية شاه ، وهو من آلات الشطرنج ، وهما اثنان.

أقول : لعل الأظهر في الخبر هو الحمل على من أضمر عداوة لأخيه المؤمن.

وعن زرارة عن الصادق عليه‌السلام ، انه سئل عن الشطرنج. وعن لعبة شبيب التي يقال لها : لعبة الأمير. وعن لعبة الثلاث ، فقال : أرأيتك إذا ميز الله الحق والباطل ، مع أيهما تكون؟ قال : قلت : مع الباطل. قال : فلا خير فيه (6).

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 238 حديث : 9.

(2) وذلك لانه من أصحاب الإمامين الكاظم والرضا ـ عليهما‌السلام ـ ولم يدرك الامام الصادق ـ ع.

(3) الوسائل ج 12 ص 240 حديث : 14.

(4) الوسائل ج 12 ص 242 حديث : 2.

(5) الوسائل ج 11 ص 238 : 4.

(6) الوسائل ج 12 ص 238 : 5.


أقول : وكما يحرم اللعب بذلك ، كذلك يحرم حضور المجالس التي يلعب فيها بذلك ، والنظر الى ذلك ، فروى في الكافي عن حماد بن عيسى في الصحيح أو الحسن ، قال : دخل رجل من البصريين على ابى الحسن الأول عليه‌السلام فقال له : جعلت فداك ، إني أقعد مع قوم يلعبون بالشطرنج ، ولست ألعب بها ، ولكن انظر. فقال ، مالك ولمجلس لا ينظر الله الى اهله (1).

وعن سليمان الجعفري عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : المطلع في الشطرنج كالمطلع في النار (2). وعن ابن رئاب قال : دخلت على ابى عبد الله عليه‌السلام ، فقلت له : جعلت فداك ، ما تقول في الشطرنج؟ فقال : المقلب لها كالمقلب للحم الخنزير. قال : فقلت : ما على من قلب لحم الخنزير؟ قال : يغسل يده (3).

وفي مستطرفات السرائر من جامع البزنطي عن ابى بصير عن الصادق عليه‌السلام ، قال : بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت ، واتخاذها كفر ، واللعب بها شرك ، والسلام على اللاهي بها معصية وكبيرة موبقة ، والخائض فيها يده كالخائض يده في لحم الخنزير ، ولا صلاة له حتى يغسل يده كما يغسلها من لحم الخنزير ، والناظر إليها كالناظر في فرج امه ، واللاهي بها والناظر إليها في حال ما يلهى بها والسلام على اللاهي بها في حالته تلك ، في الإثم سواء. ومن جلس على اللعب بها ، فقد تبوأ مقعده من النار ، وكان عيشه ذلك حسرة عليه في القيامة. وإياك ومجالسة اللاهي والمغرور بلعبها ، فإنها من المجالس التي باء أهلها بسخط من الله ، يتوقعونه في كل ساعة فيعمك معهم (4).

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 241 حديث : 1.

(2) الوسائل ج 12 ص 241 حديث : 2.

(3) الوسائل ج 12 ص 242 حديث : 3.

(4) الوسائل ج 12 ص 241 حديث : 4.


المسألة التاسعة

في الغش بالخفي ، وتدليس الماشطة ، وتزيين الرجل بما يحرم عليه.

والكلام هنا يقع في موارد ثلاثة : ـ

(الأول) : في الغش بالخفي ، كشوب اللبن بالماء.

ولا خلاف في تحريمه ، كما حكاه في المنتهى.

اما لو غش بما لا يخفى ، كالتراب يجعله في الحنطة ، والردى منها بالجيد ، فظاهر الأصحاب عدم التحريم ، وان كان مكروها ، لظهور العيب المذكور للمشتري فهو انما اشترى راضيا به.

ولعل وجه الكراهة عندهم : انه تدليس في الجملة ، وانه ربما يغفل عنه المشترى لا سيما مع كثرة الجيد إذا خلطه بالردي.

والذي يدل على الحكم الأول من الاخبار : ما رواه في الكافي عن هشام ابن سالم في الصحيح أو الحسن ـ بإبراهيم بن هاشم ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : ليس منا من غشنا (1).

وبهذا الاسناد عن الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لرجل يبيع التمر :

__________________

(1) الوسائل ج 13 ص 208 حديث : 1. وإبراهيم لا غمز فيه فالرواية صحيحة.


يا فلان ، أما علمت انه ليس من المسلمين من غشهم (1). ورواه الشيخ ، وكذا الذي قبله.

وعن هشام بن الحكم ، في الصحيح أو الحسن ، قال : كنت أبيع السابري في الظلال ، فمر بي أبو الحسن الأول موسى عليه‌السلام راكبا ، فقال لي : يا هشام ، ان البيع في الظلال غش ، والغش لا يحل (2). ورواه الصدوق بإسناده ، عن هشام مثله.

أقول : السابري ثياب رقيقة جيدة وفيه دلالة على تحريم بيع الثياب في المكان المظلم ، بطريق اولى.

وعن السكوني عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يشاب اللبن بالماء للبيع (3). ورواه الصدوق بإسناده عن إسماعيل بن مسلم مثله.

وعن موسى بن بكر ، قال : كنا عند ابى الحسن موسى عليه‌السلام ، وإذا دنانير مصبوبة بين يديه ، فنظر الى دينار ، فأخذه بيده ، ثم قطعه بنصفين ، ثم قال لي : ألقه في البالوعة حتى لا يباع شي‌ء فيه غش (4).

وعن الحسين بن زيد الهاشمي عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : جاءت زينب العطارة الحولاء الى نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عندهن ، فقال : إذا أتيتنا طابت بيوتنا. فقالت : بيوتك بريحك أطيب يا رسول الله ، قال : إذا بعت فأحسني ولا تغشى ، فإنه أنقى وأبقى للمال. الحديث (5). وعن عيسى بن هشام عن رجل من أصحابه عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : دخل عليه رجل يبيع الدقيق ، فقال : إياك والغش ، فان من غش غش في ماله ،

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 208 حديث : 2.

(2) الوسائل ج 12 ص 208 حديث : 3.

(3) الوسائل ج 12 ص 208 حديث : 4.

(4) الوسائل ج 12 ص 209 حديث : 5.

(5) الوسائل ج 12 ص 209 حديث : 6.


وان لم يكن له مال غش في اهله (1). وعن سعد الإسكاف عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : مر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سوق المدينة بطعام ، فقال لصاحبه : ما ارى طعامك الا طيبا ، وسأله عن سعره ، فأوحى الله عزوجل اليه ان يدس يديه في الطعام ، ففعل فأخرج طعاما رديا فقال لصاحبه : ما أراك الا وقد جمعت خيانة وغشا للمسلمين (2). وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، في الرجل يكون عنده لونان من طعام واحد سعرهما بشي‌ء ، وأحدهما أجود من الأخر ، فيخلطهما جميعا ، ثم يبيعهما بسعر واحد. فقال : لا يصلح له ان يغش المسلمين ، يبينه (3).

وعن الحسين بن المختار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : انا نعمل القلانس فنجعل فيها القطن العتيق ، فنبيعها ولا نبين لهم ، ما فيها؟ قال : أحب لك ان تبين لهم ما فيها (4).

وعن الحلبي في الصحيح ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشترى طعاما ، فيكون أحسن له وأنفق له ان يبله ، من غير ان يلتمس فيه زيادته. فقال : ان كان بيعا لا يصلحه الا ذلك ولا ينفقه غيره ، من غير ان يلتمس فيه زيادة ، فلا بأس. وان كان انما يغش به المسلمين فلا يصلح (5).

أقول : ظاهر هذا الخبر ان الجواز وعدمه دائران مدار قصد البائع ، في بلة الطعام. فإنه متى كان قصده انما هو لأجل إنفاق السلعة وشرائها ، وانه بدون ذلك يكسد عليه ، فلا بأس بما يفعله. وان كان غرضه انما هو لأجل زيادة في الوزن ، فهو غير جائز.

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 209 حديث : 7.

(2) الوسائل ج 12 ص 209 حديث : 8.

(3) الوسائل ج 12 ص 420 حديث : 2.

(4) الوسائل ج 13 ص 210 حديث : 9.

(5) الوسائل ج 12 ص 421 حديث : 3.


واما ما يدل على الحكم الثاني ، فما رواه في الكافي والتهذيب ، عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما ، انه سئل عن طعام يخلط بعضه ببعض ، وبعضه أجود من بعض. فقال : إذا رؤيا جميعا فلا بأس ، ما لم يغط الجيد الردي (1).

أقول : قد عرفت دلالة خبر سعد الإسكاف على تحريم تغطية الجيد الردى ، وهو المشار إليه في هذا الخبر ، فظاهر الخبرين الحرمة في الصورة المذكورة. ويمكن حمل ذلك على ما إذا حصل الاشتباه ولم يعلم. ولو فرض العلم بعد البيع بظهور ذلك الردى ، فيمكن القول بالكراهة وان للمشتري الخيار بظهور العيب حينئذ.

ثم انه مع خفاء الغش ـ كما هو الحكم الأول ـ فقد عرفت انه لا خلاف في التحريم ، وانما الخلاف في انه هل يصح البيع؟ وان ثبت للمشتري الخيار بعد ظهور ذلك ، ويكون حكمه حكم ما لو ظهر في المبيع عيب من غير الجنس ، أم لا؟ قولان.

جزم في المسالك بالأول ، لما ذكرناه ، ثم قال : وربما احتمل البطلان : بناء على ان المقصود بالبيع هو اللبن ، والجاري عليه العقد هو المشوب ، فيكون كما لو باعه هذا الفرس فظهر حمارا. وقد ذكروا في هذا المثال اشكالا من حيث تغليب الإشارة أو الاسم. والفرق بينه وبين ما نحن فيه ظاهر. انتهى.

أقول : الظاهر ان ما ذكره في تعليل البطلان من قوله : فيكون كما لو باعه. إشارة الى ما ذكره في الذكرى في باب صلاة الجماعة ، حيث قال : ولو نوى الاقتداء بالحاضر على انه زيد فبان عمرا ، ففي ترجيح الإشارة على الاسم فيصح ، أو بالعكس فيبطل ، نظر. ونظيره : ان يقول المطلق لزوجته التي اسمها عمرة هذه زينب طالق. أو يشير البائع إلى حمار ، فيقول : بعتك هذا الفرس. انتهى.

أقول : من المحتمل قريبا ان النهى في الاخبار المتقدمة وما في معناه ، انما هو من حيث عدم صلاحية المبيع المذكور للبيع من حيث الغش ، كبيع العذرة ونحوها مما منعت منه الاخبار ، لعدم قابليتها للانتقال ، وان اختلف الوجه في كل منهما

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 420 حديث : 1 باب : 9 من أبواب العيوب.


وان الوجه في المنع في العذرة والخمر ونحوها من حيث النجاسة ، وفيما نحن من حيث الغش. والفرق بينه وبين ما ذكره في المسالك في وجه الصحة من ان حكمه حكم ما لو ظهر في المبيع عيب ، ظاهر ، لان ما نحن فيه مما استفاضت الاخبار ، كما عرفت ، بالنهي عن بيعه ، وليس الوجه فيه الا ما ذكرنا ، وعموم أدلة صحة البيع ظاهرة في تجويز بيع ما فيه عيب ، وصحته مع جبره بالخيار للمشتري. والله العالم.

المورد الثاني

في تدليس الماشطة :

والمراد بذلك : ما إذا أرادت تزويج امرأة برجل ، ومثله بيع امة ، بان تستر عيوبها وتظهر لها محاسن ليست فيها ، كتحمير وجهها ووصل شعرها ونحو ذلك ، مما يوجب رغبة الزوج في تزويجها أو المالك في شرائها.

والظاهر : ان ذكر الماشطة في كلامهم ، انما خرج مخرج التمثيل ، والا فلو فعلت المرأة بنفسها ذلك للغرض المذكور ، فالظاهر ان الحكم فيها كذلك.

ولعل الوجه في تحريم ذلك من حيث التدليس والغش ، وهو محرم كما تقدم.

ولم أقف فيما حضرني من الاخبار ، على ما يدل على الحكم المذكور ، سوى ما أشرنا إليه من دخوله تحت الغش والتدليس ، واليه أشار المقدس الأردبيلي ، حيث قال : وكأن دليل التحريم الإجماع وانه غش وهو حرام ، كما تدل عليه الاخبار وقد تقدمت. انتهى.

هذا كله مع عدم علم الزوج والمشترى بذلك. واما فعل الزوجة بنفسها


ذلك ، وفعل الماشطة بها لقصد إظهار الزينة لزوجها ، فالظاهر انه لا بأس به ، لما يدل عليه رواية سعد الإسكاف عن ابى جعفر عليه‌السلام ، قال : لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها ، قال : قلت له : بلغنا ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعن الواصلة والموصولة؟ فقال : ليس هناك ، انما لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الواصلة والموصولة التي تزني في شبابها ، فلما كبرت قادت النساء الى الرجال ، فتلك الواصلة والموصولة. (1).

ويؤيده ما في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن ، عن جده على بن جعفر ، انه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه‌السلام ، عن المرأة التي تحف الشعر من وجهها ، قال : لا بأس (2).

هذا ، والظاهر من الاخبار : انه لا بأس بكسب الماشطة ، الا ان الأفضل لها ان لا تشارط وتقبل ما تعطى. فروى في الكافي والتهذيب عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : لما هاجرت النساء الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هاجرت فيهن امرأة يقال لها أم حبيب ، وساق الخبر الى ان قال : وكان لام حبيب أخت يقال لها أم عطية وكانت مقنية يعني ماشطة ، فلما انصرفت أم حبيب إلى أختها أخبرتها بما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لها ، فأقبلت أم عطية إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبرته بما قالت لها أختها ، فقال لها رسول الله : ادنى منى يا أم عطية ، إذا أنت قنيت الجارية فلا تغسلي وجهها بالخرقة ، فإن الخرقة تشرب ماء الوجه. وفي التهذيب : بماء الوجه (3).

وعن ابن ابى عمير عن رجل عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال دخلت ماشطة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال لها : هل تركت عملك أو أقمت عليه؟ فقالت : يا رسول الله انا أعمله إلا ان تنهاني عنه فانتهى ، فقال : افعلي ، فإذا مشطت فلا تجلى الوجه بالخرق فإنه

__________________

(1) الوسائل ج 14 ص 135 حديث : 2.

(2) الوسائل ج 12 ص 95 حديث : 8 قال في المصباح المنير : حفت المرأة وجهها حفا من باب قتل : زينته بأخذ شعره. وحف شاربه : إذا أعفاه. منه قدس‌سره.

(3) الوسائل ج 12 ص 92 حديث : 1. وص 93 حديث : 1.


يذهب بماء الوجه ، ولا تصلى الشعر بالشعر (1).

وروى في الفقيه مرسلا ، قال : قال عليه‌السلام : لا بأس بكسب الماشطة ما لم تشارط وقبلت ما تعطى ، ولا تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها ، واما شعر المعز فلا بأس بأن يوصل بشعر المرأة (2).

وروى في التهذيب عن على عليه‌السلام : قال : سألته عن امرأة مسلمة تمشط العرائس ليس لها معيشة غير ذلك ، وقد دخلها ضيق. قال : لا بأس ، ولكن لا تصل الشعر بالشعر (3).

وعن عبد الله بن الحسن ، قال : سألته عن القرامل. قال : وما القرامل؟ قلت : صوف تجعله النساء في رؤسهن. قال : ان كان صوفا فلا بأس به ، وان كان شعرا فلا خير فيه ، من الواصلة والموصولة (4).

وروى في معاني الأخبار بسنده عن على بن غراب عن جعفر بن محمد عن آبائه عليه‌السلام ، قال : لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النامصة والمنتمصة ، والواشرة والموتشرة ، والواصلة والمستوصلة ، والواشمة والمستوشمة (5).

قال الصدوق : قال على بن غراب : النامصة التي تنتف الشعر ، والمنتمصة التي يفعل ذلك بها ، والواشرة التي تشر أسنان المرأة وتفلجها وتحددها ، والموتشرة التي يفعل ذلك بها ، والواصلة التي تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها ، والمستوصلة التي يفعل ذلك بها ، والواشمة التي تشم وشما في يد المرأة أو في شي‌ء من بدنها ، وهو ان تغرز بدنها أو ظهر كفها أو شيئا من بدنها بإبرة حتى تؤثر فيه ، ثم تحشوه بالكحل أو بالنورة ، فتخضر ، والمستوشمة التي يفعل ذلك بها.

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 94 حديث : 2.

(2) الوسائل ج 12 ص 95 حديث : 6.

(3) الوسائل ج 12 ص 94 حديث : 4.

(4) الوسائل ج 12 ص 95 حديث : 5.

(5) الوسائل ج 12 ص 95 حديث : 7.


بقي الكلام في ان جملة هذه الاخبار ، قد اتفقت في الدلالة على النهى عن وصل الشعر بشعر امرأة غيرها ، وظاهر حديث سعد الإسكاف المتقدم : انه لا بأس بما تزينت به المرأة لزوجها ، وان كان بوصل شعرها بشعر امرأة غيرها ، فإنه لما سأله السائل عن الحديث المتضمن للعن الواصلة والمستوصلة ، فسره عليه‌السلام بمعنى آخر ، تنبيها على الجواز ، وان الخبر ليس المراد به ذلك ، مع استفاضة هذه الاخبار كما ترى بالمنع والنهى.

وجمع بعض الأصحاب (1) بين هذه الاخبار بحمل الأخيرة على الكراهة.

ويؤيده نفى البأس في رواية قرب الاسناد عن حف الشعر عن الوجه ، مع دلالة رواية على بن غراب على النهى عن نتف الشعر.

وربما حملت ايضا على قصد التدليس عند ارادة التزويج ، والظاهر بعده عن سياق الأخبار المذكورة

واحتمل ثالث حمل النهى من حيث عدم جواز الصلاة في شعر الغير ، وهو أبعد ، فإنه لم يقم عليه دليل ، بل الدليل على خلافه واضح السبيل كما تقدم تحقيقه في كتاب الصلاة ، في بحث لباس المصلى.

المورد الثالث

في تزيين الرجل بما يحرم عليه ، كتزيينه بالذهب والحرير ، الا ما استثنى. وظاهر المسالك : تفسيره بما يختص بالنساء كلبس السوار والخلخال والثياب المختصة بهن بحسب العادة. قال : ويختلف ذلك باختلاف الأزمان والأصقاع.

__________________

(1) هو المولى محمد تقي المجلسي في حواشيه على التهذيب. منه قدس‌سره.


أقول : الظاهر ان الأقرب هو ما ذكرناه أولا ، وهو الذي فسره به بعض الأصحاب أيضا ، لأن الثاني على تقدير تسليم تحريمه لا يكون مطردا ، بل يختلف على الوجه الذي ذكره ، بخلاف ما ذكرناه أولا ، فإن التحريم ثابت معلوم مطرد في جميع الأوقات والأزمان ، إلا مواضع مخصوصة دل الدليل على استثنائها.

قال في المسالك : وكذا يحرم على المرأة التزين بزينة الرجل والتحلي بحلية المختصة به ، كلبس المنطقة والعمامة والتقليد بالسيف. ولا فرق في الأمرين بين مباشرة الفاعل لذلك بنفسه أو تزيين غيره له ، الا ان المناسب للعبارة هنا فعل الغير بهما ليكتسب به ، اما فعلهما بأنفسهما فلا يعد تكسبا الا على تجوز بعيد. انتهى.

أقول : لم أقف في هذا الموضع على خبر ولا دليل يدل على ما ذكروه ، سوى ما ورد من عدم جواز لبس الرجل الذهب والحرير ، فلو خص تحريم التزيين بذلك لكان له وجه لما ذكرناه ، واما ما عداه فلم نقف على دليل تحريمه ، لا بفعل الإنسان ولا بفعل الغير به.

ويشير الى ما ذكرناه ما صرح به المقدس الأردبيلي في هذا المقام ، حيث قال ـ بعد ذكر نحو ما قدمناه ـ : ولعل دليله الإجماع بنفسه ، وانه نوع غش ، وهو محرم. والإجماع غير ظاهر فيما قيل ، وكذا كونه غشا وهو ظاهر. انتهى.

أقول : قد عرفت صحة هذا الحكم بالنسبة إلى تزيين الرجل بالذهب والحرير ، لما ذكرناه. وانما موضع الاشكال ما عدا ذلك مما قدمنا نقله عنهم.

نعم قد ورد في بعض الاخبار : لعن المتشبهين بالنساء ولعن المتشبهات بالرجال. الا ان الظاهر منها ـ باعتبار حمل بعضها على بعض ـ انما هو باعتبار التأنيث وعدمه ، لا باعتبار اللبس والزي.

فقد روى في الكافي بسنده عن جابر عن ابى جعفر عليه‌السلام ، قال : قال رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث : لعن الله المحلل والمحلل له ، ومن يوالي غير مواليه ، ومن ادعى نسبا لا يعرف ، والمتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال ،


ومن أحدث حدثا في الإسلام ، أو آوى محدثا ، ومن قتل غير قاتله ، أو ضرب غير ضاربه (1).

وروى الصدوق في العلل عن عمرو بن خالد عن زيد بن على عن آبائه عن على عليه‌السلام انه رأى رجلا به تأنيث ، في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له : اخرج من مسجد رسول الله ، يا لعنة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال على ـ عليه‌السلام ـ : انى سمعت رسول الله يقول : لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال (2).

قال : وفي حديث آخر : أخرجوهم من بيوتكم فإنهم أقذر شي‌ء (3).

وبهذا الاسناد عن على عليه‌السلام ، قال : كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالسا في المسجد حتى أتاه رجل به تأنيث ، فسلم عليه فرد عليه‌السلام ، ثم أكب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الأرض يسترجع ، ثم قال : مثل هؤلاء في أمتي؟! انه لم يكن مثل هؤلاء في أمة إلا عذبت قبل الساعة (4).

__________________

(1) روضة الكافي (ج 8) ص 71.

(2) الوسائل ج 12 ص 211 حديث : 2.

(3) الوسائل ج 12 ص 212 حديث : 3.

(4) الوسائل ج 12 ص 212 حديث : 4.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *