ج1 - في حكم البئر
الفصل الرابع
وفيه أبحاث:
(البحث الأول) ـ قد عرف شيخنا الشهيد ـ في شرح الإرشاد ـ
البئر بأنها مجمع ماء نابع من الأرض لا يتعداها غالبا ولا يخرج عن مسماها عرفا.
واعترضه المحقق
__________________
(1) المروي في الوسائل في الباب ـ 9 ـ من أبواب الماء المطلق.
الشيخ علي بان القيد الأخير موجب
لإجمال التعريف ، لان العرف الواقع في العبارة لا يظهر اي عرف هو؟ أهو عرف زمانه
أم عرف غيره؟ وعلى الثاني فيراد العام أو الأعم منه ومن الخاص؟ مع انه يشكل ارادة
عرف غيره (صلىاللهعليهوآله) وإلا لزم
تغير الحكم بتغير التسمية ، فيثبت في العين حكم البئر لو سميت باسمه. وبطلانه ظاهر
والذي يقتضيه النظر ان ما يثبت إطلاق البئر عليه في زمنه (صلىاللهعليهوآله) أو زمن أحد
الأئمة المعصومين (عليهمالسلام) كالتي في
العراق والحجاز فثبوت الأحكام له واضح ، وما وقع فيه الشك فالأصل عدم تعلق أحكام
البئر به ، وان كان العمل بالاحتياط اولى. انتهى. وأجاب السيد السند في المدارك
بأنه قد ثبت في الأصول ان الواجب حمل الخطاب على الحقيقة الشرعية ان ثبتت ، وإلا
فعلى عرف زمانهم (عليهمالسلام) خاصة ان علم
، وإلا فعلى الحقيقة اللغوية إن ثبتت ، وإلا فعلى العرف العام ، إذ الأصل عدم تقدم
وضع سابق عليه وعدم النقل عنه. ولما لم يثبت في هذه المسألة شيء من الحقائق
الثلاث المتقدمة ، وجب الحمل على الحقيقة العرفية العامة في غير ما علم إطلاق ذلك
اللفظ عليه في عرفهم (عليهمالسلام) ومنه يعلم
عدم تعلق الأحكام بالآبار الغير النابعة كما في بلاد الشام ، والجارية تحت الأرض
كما في المشهد الغروي على ساكنه السلام ، وعدم تغير الحكم بتغير التسمية. انتهى. وفيه
ما عرفته في المقدمة الثامنة (1) من عدم الدليل
على هذا التفصيل الذي ذكره والقاعدة التي بنوا عليها ، مع ان ما ذكره ـ من ان مع
عدم ثبوت شيء من الحقائق الثلاث يجب الحمل على العرف العام ـ مما لا دليل عليه
ايضا. والتمسك بأصالة عدم تقدم وضع سابق عليه وعدم النقل بمحل من الضعف. على انه
لا يخفى ما في بناء الأحكام على العرف العام من العسر والحرج المنفيين بالآية
والرواية كما قدمنا ثمة (2).
__________________
(1 و 2) في الصحيفة 121.
أقول : والتحقيق ان القدر المعلوم ـ من الاخبار وكلام
الأصحاب ـ هو ان ما علم تسميته بئرا في زمنهم (عليهمالسلام) فلا ريب في
إجراء أحكام البئر عليه ، وما لم يعلم فإنه لا بد فيه من النبع ، كما دل عليه بعض
صحاح الاخبار من ان له مادة. يعني الينبوع الذي يخرج منه الماء بقوة. فعلى هذا لو
كان مما يخرج رشحا فإنه يكون من قبيل الماء المحقون في بلوغ الكرية وعدمه ، وقيل
انه يسمى بالثمد. كما تقدمت الإشارة إليه في أول الباب. ولا بد فيه ايضا من
التسمية بئرا ، لأن الأحكام في الاخبار إنما علقت على صدق هذا العنوان. وبذلك يظهر
صحة ما ذكره شيخنا الشهيد (قدسسره) والله
العالم.
(البحث الثاني) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ في
نجاسة البئر بالملاقاة وعدمها بعد الاتفاق على نجاستها بالتغير ـ على أقوال :
أشهرها ـ على ما نقله جمع من المتأخرين ـ القول
بالنجاسة.
وقيل بالطهارة واستحباب النزح ، ونقل عن الحسن بن ابي
عقيل ، ونسب ايضا الى الشيخ (1) في بعض أقواله
، وأسنده جمع ايضا الى شيخه الحسين بن عبد الله الغضائري ، واليه ذهب العلامة في
أكثر كتبه وشيخه مفيد الدين بن جهم.
وقيل بالطهارة مع وجوب النزح ، ذهب إليه العلامة في
المنتهى. ونقل ايضا عن الشيخ في التهذيب. وفيه إشكال ، فإن كلام التهذيب هنا لا
يخلو من تشويش واضطراب ، ولهذا نسب اليه بعضهم القول بالنجاسة.
وفصل بعض ببلوغ الكر وعدمه ، فينجس على الثاني دون الأول
ونسب الى الشيخ ابي محمد الحسن بن محمد البصروي من المتقدمين. والزم بعضهم (2) العلامة بذلك
، حيث انه
__________________
(1) أنكر بعضهم نسبة هذا القول الى الشيخ (ره) لعدم وجوده في
كتبه المعروفة اللهم إلا ان يكون في بعض أجوبة المسائل المنسوبة إليه (منه رحمهالله).
(2) هو السيد السند في المدارك (منه رحمهالله).
قائل باشتراط الكرية في الجاري ،
والبئر من أنواعه. وأنت خبير بما فيه (1) وانه لو ترتب حكم البئر على الجاري
لورد الإلزام على القول المشهور ايضا كما لا يخفى.
ونقل الشهيد في الذكرى عن الجعفي انه يعتبر فيه ذراعين
في الأبعاد الثلاثة حتى لا ينجس.
وقد تلخص من ذلك ان الأقوال في المسألة خمسة.
والظاهر من الاخبار هو القول بالطهارة واستحباب النزح.
ولنا عليه وجوه من الأدلة :
(أحدها) ـ أصالة الطهارة عموما وخصوصا.
و (ثانيها) ـ عموم الآيات كقوله تعالى : «وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً» (2) ونحوها.
والماء كله من السماء بنص القرآن والأخبار كما تقدم بيانه في صدر الفصل الأول (3) فيجب الحكم
بطهارته حتى يقوم دليل النجاسة.
و (ثالثها) ـ الأخبار الصريحة الصحيحة كما سيأتيك ذكرها.
و (رابعها) ـ اختلاف الأخبار في مقادير النزح في النجاسة
الواحدة ، مع صحتها وصراحتها على وجه لا يقبل الحمل ولا الترجيح كما سيأتيك ان شاء
الله تعالى والعمل ببعض دون بعض ترجيح بلا مرجح ، فيلزم إطراحها رأسا ، للزوم
التناقض وانسداد باب الحمل والترجيح.
__________________
(1) للإنفاق على عدم نجاسة الجاري بالملاقاة ، والبئر بعض
أفراد الجاري أيضا ، وحينئذ فالوجه ان يقال : ان البئر قد خرجت من أحكام الجاري
وان كانت بعض افراده واختصت بأحكام على حدة ، ولهذا أفردت بالبحث في الكتب الفقهية
، فلا ملازمة بينهما (منه قدسسره).
(2) سورة الفرقان. الآية 51.
(3) في الصحيفة 173 السطر 3.
و (خامسها) ـ رجحان أخبار الطهارة ـ لو ثبت التعارض ـ بموافقة
القرآن كما عرفت (1) ، ومخالفة
العامة ، فإن جمهورهم ـ كما نقله العلامة في المنتهى ـ على القول بالنجاسة ، ونقل
بعض أفاضل المحدثين ان علماء الحنفية ـ الذين هم العمدة عند سلاطين العامة قديما
وحديثا كما تشهد به كتب التواريخ والسير ـ بالغوا في الحكم بانفعال البئر بملاقاة
النجاسة ، وزادوا على كثير من المقدرات الواردة في صحاح أخبارنا (2)
__________________
(1) من الوجه الثاني المتقدم في.
(2) قال شيخ الإسلام في الهداية ج 1 ص 11 : «إذا وقعت في البئر
نجاسة نزحت ونزح جميع ما فيها من الماء طهارة لها بإجماع السلف. ومسائل الآبار
مبنية على الآثار دون القياس. ولا يفسد ماء البئر خرء الحمام والعصفور والبعرة
والبعرتان من الإبل والغنم. وينزح ماء البئر كله لبول الشاة عند أبي حنيفة وابى
يوسف وينزح ما بين عشرين دلوا الى ثلاثين لموت الفأرة والعصفور والصعوة وسام أبرص.
وينزح ما بين أربعين دلوا الى ستين لموت الحمامة والدجاجة والسنور. وينزح جميع ما
فيها من الماء لموت الشاة والكلب والآدمي. وينزح جميع ما فيها لموت الحيوان إذا
انتفخ أو تفسخ سواء كان الحيوان كبيرا أو صغيرا» انتهى. وفي بدائع الصنائع ج 1 ص
74 الخنزير ينجس البئر وان خرج حيا ، لانه نجس العين ، والكلب لا ينجس البئر
بوقوعه فيه. والمروي عن أبي حنيفة في الكلب والسنور إذا وقعا في الماء القليل ثم
خرجا يعجن به. والآدمي إذا لم تكن على بدنه نجاسة حقيقية ولا حكمية وقد استنجى فلا
ينزح شيء ، والمروي عن أبي حنيفة ينزح عشرون دلوا. وإذا كانت عليه نجاسة حقيقية
أو لم يكن مستنجيا ينزح جميع الماء. وإذا كانت على بدنه نجاسة حكمية بأن كان محدثا
أو جنبا أو حائضا أو نفساء فمن لم يجعل هذا الماء مستعملا أو جعله مستعملا وانه
طاهر وكان غير المستعمل أكثر من المستعمل لا ينزح من البئر شيء ، ومن يجعله
مستعملا وانه نجس ينزح البئر كله. وفصل أبو حنيفة في الآدمي الواقع في البئر ، ان
كان محدثا ينزح أربعون ، وان كان جنبا ينزح كله ، وان كان كافرا نزح كله إلا إذا تيقنت
طهارته بان اغتسل ووقع من ساعته فلا ينزح شيء. وفي ص 75 عند أبي حنيفة ينزح للإبل
والبقر عشرون دلوا وعند ابى يوسف ينزح كله. والمروي عن أبي حنيفة في الحلمة ونحوها
عشرة دلاء والفأرة ونحوها عشرون ، والحمام ونحوه ثلاثون ، والدجاج ونحوه أربعون ،
والآدمي ونحوه البئر كله. وإذا تعدد الحيوان الواقع في البئر ، فالى الأربع ينزح
عشرون ، ومن الخمس الى التسع ينزح أربعون ، وللعشرة ينزح كله. وعند محمد في
الفأرتين ينزح عشرون ، وفي الثلاث أربعون. وفي ص 76 في البول والدم والخمر ينزح
كله ، والعذرة وخرء الدجاج الرخو ينزح كله قليلا أو كثيرا رطبا أو يابسا. واما
الصلب كبعر الإبل والغنم ، في القياس ـ ينجس الماء قل أو كثر ، وفي الاستحسان ـ القليل
لا ينجس والكثير ينجس ، سواء كان رطبا أو يابسا منكسرا أو صحيحا. والصحيح ان
الكثير ما استكثره الناظر. وفي ص 77 إذا ماتت فأرة في حب فيه ماء وصب الماء في بئر
، فعند ابى يوسف ينزح المصبوب وعشرون دلوا ، وعند محمد ان كان المصبوب عشرين دلوا
نزح هذا المقدار وان كان أقل نزح عشرون. انتهى.
وحينئذ فيتعين حمل ما ثبت دلالته على
النجاسة على التقية.
(سادسها) ـ انه مع العمل بأخبار الطهارة يمكن حمل أخبار
النجاسة على التقية أو الاستحباب. واما مع العمل بأخبار النجاسة فلا محمل لاخبار
الطهارة ، مع صحتها وصراحتها واستفاضتها كما ستطلع عليه ، بل يلزم طرحها. والعمل
بالدليلين مهما أمكن أولى من طرح أحدهما كما قرروه في غير موضع ، بل هو من القواعد
المسلمة بينهم.
إذا عرفت ذلك فمن الأخبار الدالة على ما اخترناه صحيحة
محمد بن إسماعيل ابن بزيع عن الرضا (عليهالسلام) (1) قال : «ماء
البئر واسع لا يفسده شيء إلا ان يتغير».
وصحيحته الأخرى عنه (عليهالسلام) (2) قال : «ماء
البئر واسع لا يفسده شيء إلا أن يتغير ريحه أو طعمه. فينزح حتى يذهب الريح ويطيب
طعمه. لأن له مادة».
ولا يخفى ما هما عليه من الصراحة بعد صحة السند ، وبيان
ذلك من وجوه : (أحدها) ـ وصفه بالسعة المفسرة بعدم إفساد شيء له إلا في مادة
التغير خاصة. والإفساد وان كان كناية عن عدم جواز استعماله ، وهو كاف في المطلوب ،
إلا
__________________
(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب ـ 3 و 14 ـ من أبواب
الماء المطلق.
ان الظاهر ان المراد به هنا النجاسة
بقرائن المقام التي من جملتها الاستثناء.
و (ثانيها) ـ التعليل بكون البئر له مادة.
و (ثالثها) ـ الحصر في التغير.
و (رابعها) ـ الدلالة على الاكتفاء في طهارته مع التغير
بنزح ما يزيله ، أعم من أن يزيد مقدر تلك النجاسة على ذلك أو مما يجب له نزح
الجميع. ولو لا انه طاهر لوجب استيفاء المقدر ونزح الجميع في الموضعين.
و (منها) ـ صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذرة رطبة أو يابسة أو زنبيل من سرقين ، أيصلح
الوضوء منها؟ قال : لا بأس».
وما أجيب به عنه ـ من حمل العذرة على عذرة غير الإنسان ،
وان وصول الزنبيل الى الماء لا يستلزم وصول العذرة ، وان المراد نفي البأس بعد نزح
المقدر ـ لا يخفى ما فيه من التكلف والبعد.
(اما الأول) فلان العذرة ـ على ما صرح به بعض الأصحاب ،
ونقله عن أهل اللغة ـ مخصوصة بغائط الإنسان. ومع تسليم عدم الاختصاص فالأظهر
إرادته هنا بقرينة المقابلة بذكر السرقين بعدها.
و (اما الثاني) فإنه بعيد ، بل يستحيل بحسب العادة وقوع
الزنبيل في الماء وعدم اتصال الماء بما فيه ، بل لا معنى للسؤال عند التأمل
بالكلية ، لأن الظاهر ان مراد السائل إنما هو السؤال عن وصول العذرة أو السرقين
الى الماء ، وانه هل ينجس بذلك أم لا؟ لا وصول الزنبيل خاصة مع عدم تعدي ما فيه
الى الماء ، فإنه في قوة السؤال عن وصول زنبيل خال كما لا يخفى.
و (اما الثالث) فهو من قبيل الألغاز المنافي للحكمة.
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 14 ـ من أبواب الماء
المطلق.
و (منها) ـ صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سمعته
يقول : لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما وقع في البئر إلا ان ينتن ، فإن أنتن
غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر». وما أجاب به عنه في المعتبر فضعيف غير معتبر
، فلا ينبغي ان يصغى اليه ولا يعرج عليه.
و (منها) ـ صحيحته الأخرى عن الصادق (عليهالسلام) (2) «في الفأرة تقع
في البئر فيتوضأ الرجل منها ويصلي وهو لا يعلم ، أيعيد الصلاة ويغسل ثوبه؟ فقال : لا
يعيد الصلاة ولا يغسل ثوبه».
والجواب ـ باحتمال حمل عدم الإعادة وعدم غسل الثوب على
عدم العلم بتقدم النجاسة ، لاحتمال وقوعها بعد ـ منظور فيه بعطف «يتوضأ الرجل» على
قوله : «تقع» بالفاء الدالة على تأخر الوضوء عن الوقوع ، وان كان إنما حصل العلم
بالوقوع أخيرا. وهو ظاهر.
و (منها) ـ صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليهالسلام) (3) «في البئر تقع
فيها الميتة؟ فقال : ان كان لها ريح نزح منها عشرون دلوا». والجواب عنها ـ بأنه لا
دلالة لها على انه إذا لم يكن لها ريح لم ينزح شيء ـ لا يخفى ضعفه (4) فإنه لو لم
يكن المراد ذلك لكان حكم المفهوم مسكوتا عنه بالكلية ، وكيف قنع السائل بفهم حكم
المنطوق خاصة ولم يفحص عن حكم المفهوم مع انه أحد شقي السؤال؟ وكيف رضى الإمام (عليهالسلام) بعدم افادته
ذلك مع غفلة السائل عنه ودعاء الحاجة إليه.
__________________
(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب ـ 14 ـ من أبواب الماء
المطلق.
(3) المروية في الوسائل في الباب ـ 22 ـ من أبواب الماء
المطلق.
(4) فان مقتضى مفهوم الشرط هنا انه إذا لم يكن لها ريح لم ينزح
لها العشرون ، وهو أعم من أن لا ينزح لها شيء بالمرة أو ينزح لها أقل ، وذلك
الأقل غير متيقن (منه رحمهالله).
و (منها) ـ موثقة أبان بن عثمان أو صحيحته عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) (1) قال : «سئل عن
الفأرة تقع في البئر لا يعلم بها إلا بعد ما يتوضأ منها ، إيعاد الوضوء؟ فقال : لا».
والاحتمال المتقدم في صحيحة معاوية بن عمار الأخيرة هنا ممكن.
و (منها) ـ موثقة أبي أسامة وابي يوسف يعقوب بن عثيم عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
وقع في البئر الطير والدجاجة والفأرة فانزح منها سبع دلاء. قلنا : فما تقول في
صلاتنا ووضوئنا وما أصاب ثيابنا؟ فقال : لا بأس به».
والاحتمال المذكور آنفا هنا بعيد عن ظاهر اللفظ ، إذ لا
تصريح في الرواية بعدم العلم بالنجاسة حال الوضوء ، وإنما الظاهر من سياق الخبر
انه لما أخبر (عليهالسلام) بنزح هذا
المقدار لموت هذه الأشياء المذكورة ، سألوا عن الوضوء والصلاة ونحوهما قبل نزح
المقدر ، فأجاب (عليهالسلام) بنفي البأس.
و (منها) ـ موثقة أبي بصير (3) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : بئر يستقى
منها ويتوضأ به وغسل منه الثياب وعجن به ثم علم انه كان فيها ميت؟ قال : لا بأس
ولا يغسل الثوب ولا تعاد منه الصلاة». وجريان الاحتمال المتقدم هنا أبعد.
و (منها) ـ رواية محمد بن ابي القاسم عن ابي الحسن (عليهالسلام) (4) : «في البئر
يكون بينها وبين الكنيف خمسة أذرع أو أقل أو أكثر يتوضأ منها؟ قال : ليس يكره من
قرب ولا من بعد ، يتوضأ منها ويغتسل ما لم يتغير الماء» (5).
__________________
(1 و 2 و 3) المروية في الوسائل في الباب ـ 14 ـ من أبواب
الماء المطلق.
(4) المروية في الوسائل في الباب ـ 14 و 24 ـ من أبواب الماء
المطلق ، واسم الراوي في كتب الحديث والرجال (محمد بن القاسم).
(5) قال بعض فضلاء متأخري المتأخرين : «انه لا دلالة في هذا
الخبر على نجاسة البئر بالملاقاة ، لجواز ان يكون جعله (عليهالسلام) مناط النجاسة التغير ، بناء على ان
المتعارف انه لا يحصل العلم بوصول ماء البالوعة إلى البئر ما لم يتغير» أقول :
يمكن في الاستدلال دلالة الرواية بإطلاقها على جواز الوضوء والغسل منها ما لم
تتغير ، أعم من ان يكون التغير مستندا الى الكنيف أو غيره ، وتقييد التغير
بالاستناد الى الكنيف بقرينة السؤال فيه انهم كثيرا ما يجيبون بالعموم في أمثال
ذلك ، كما لا يخفى على من مارس الاخبار وجاس خلال تلك الديار (منه قدسسره).
و (منها) ـ ما رواه في الفقيه (1) مرسلا عن الصادق
(عليهالسلام) قال : «كانت
في المدينة بئر وسط مزبلة ، فكانت الريح تهب فتلقي فيها القذر ، وكان النبي (صلىاللهعليهوآله) يتوضأ منها».
وهو ظاهر الدلالة. الى غير ذلك من الاخبار الدالة بظاهرها على ذلك.
احتج القائلون بالنجاسة بوجوه : (أحدها) ـ الاخبار ، ومنها
ـ صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (2) قال : «كتبت الى رجل اسأله ان يسأل
أبا الحسن الرضا (عليهالسلام) عن البئر
تكون في المنزل للوضوء ، فيقطر فيها قطرات من بول أو دم أو يسقط فيها شيء من عذرة
كالبعرة ونحوها ، ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة؟ فوقع (عليهالسلام) بخطه في
كتابي : ينزح منها دلاء».
وصحيحة علي بن يقطين عن ابي الحسن موسى (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن البئر تقع فيها الحمامة والدجاجة أو الفأرة أو الكلب أو الهرة. فقال : يجزيك ان
تنزح منها دلاء ، فان ذلك يطهرها ان شاء الله تعالى».
وصحيحة عبد الله ابن ابي يعفور وعنبسة بن مصعب عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «إذا
أتيت البئر وأنت جنب ، ولا تجد دلوا ولا شيئا تغرف به
__________________
(1) في باب (المياه وطهرها ونجاستها) وفي الوسائل في الباب ـ 14
ـ من أبواب الماء المطلق.
(2 و 4) المروية في الوسائل في الباب ـ 14 ـ من أبواب الماء
المطلق.
(3) المروية في الوسائل في الباب ـ 17 ـ من أبواب الماء
المطلق.
فتيمم بالصعيد ، فان رب الماء رب
الصعيد ، ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم». فان الإفساد كناية عن
النجاسة كما اعترفوا به في أخبار الطهارة. والتيمم لا يسوغ مع وجود الماء الطاهر.
وحسنة زرارة ومحمد بن مسلم وابي بصير (1) قالوا : «قلنا
له : بئر يتوضأ منها يجري البول قريبا منها ، أينجسها؟ قالوا : فقال : ان كانت
البئر في أعلى الوادي والوادي يجري فيه البول من تحتها وكان بينهما قدر ثلاثة أذرع
أو أربعة أذرع لم ينجس ذلك شيء وان كان أقل من ذلك نجسها ، وان كانت البئر في
أسفل الوادي ويمر الماء عليها وكان بين البئر وبينه تسعة أذرع لم ينجسها ، وما كان
أقل من ذلك فلا يتوضأ منه».
و (ثانيها) ـ انه لو كان طاهرا بعد ملاقاة النجاسة لما
ساغ التيمم ، لكن التالي باطل فالمقدم مثله. اما الملازمة فظاهرة (2) واما بطلان
التالي فلما مر في صحيحة ابن ابي يعفور. ولانه لو لم يجز التيمم للزم ، اما جواز
استعمال الماء قبل النزح. وهو خلاف مدلول الأخبار المستفيضة ، أو ترك الصلاة. وهو
خلاف الإجماع.
و (ثالثها) ـ استفاضة الأخبار بالأمر بالنزح للنجاسات.
وعمل الطائفة بها قديما وحديثا. والجواب عن هذه الأدلة ، اما عن الأخبار (فأولا) ـ
بالإجمال بما عرفت آنفا (3) من ان اخبار
الطهارة معتضدة بموافقة الأصل وظاهر القرآن ومخالفة العامة. وقد عرفت في المقدمة
السادسة (4) ان الأخيرين
من المرجحات المنصوصة في مقام
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 24 ـ من أبواب الماء
المطلق.
(2) لان جواز التيمم مشروط بفقدان الماء الطاهر (منه رحمهالله).
(3) في الصحيفة 352.
(4) في الصحيفة 109.
التعارض ، وانه مع العمل بأخبار
النجاسة فلا محمل لاخبار الطهارة بخلاف العكس ، فيتعين العمل بأخبار الطهارة
والتأويل في اخبار النجاسة.
و (ثانيا) ـ بالتفصيل ، فاما الخبر الأول فالظاهر حمل
الطهارة فيه على المعنى اللغوي ، والحل بمعنى تساوي الطرفين ، فإنه قبل ازالة
المقدر مكروه ، فإذا نزح أبيح استعماله بلا كراهة. ويؤيد ذلك انه في الكافي بعد
نقل هذه الرواية أردفها بما قدمنا نقله في اخبار الطهارة (1) بالسند
المذكور ، فقال : وبهذا الاسناد قال : «ماء البئر واسع لا يفسده شيء الا ان يتغير».
فرواية الراوي بعينه لهذين الحكمين مما يبعد اختلاف الحكمين فيهما ، وإلا لفحص وسأل
عن ذلك ، سيما مع صراحة الرواية الثانية في الطهارة. ويعضد ذلك ان الراوي بعينه قد
روى ما يدل على الطهارة بوجه أصرح ، كما تقدم من روايته الأخرى ، فيتعين التأويل
في هذه الرواية جمعا بينهما. على ان ما يتمسك به الخصم من اللفظين المذكورين إنما
هو في كلام السائل. وهو ليس حجة. ودعوى ـ الاستدلال بتقرير الامام (عليهالسلام) وإلا لزم
الإغراء بالجهل ـ لا تخلو من مناقشة (2).
ومثل ذلك في الخبر الثاني ، ويؤيده انه قال : «يجزيك ان
تنزح منها دلاء». وهو جمع أقله الثلاثة ، مع ان من جملة تلك النجاسات الكلب
والهرة. والفتوى عندهم في ذلك بأربعين دلوا.
واما الخبر الثالث فيجاب عنه بأن الإفساد أعم من النجاسة
، فلعله هنا باعتبار تغير الماء واختلاطه بالحمأة والطين. وما يقال ـ من ان
الإفساد في أخبار الطهارة في صحيحة ابن بزيع (3) قد حملتموه على عدم الانتفاع بالكلية
بل على النجاسة ، فكذا
__________________
(1) في الصحيفة 353.
(2) فإنه كثيرا ما يسكت (عليهالسلام) عن خطأ السائل ويجيبه بما هو الواقع (منه
رحمهالله).
(3) في الصحيفة 353.
ينبغي هنا ـ فجوابه ان وجه الفرق بين
المقامين ظاهر ، فإن القرائن على ما هو المراد ثمة قائمة كما عرفت ، بخلاف ما هنا.
ولأن الإفساد ثمة نكرة وقع في سياق النفي فيعم (1). واما الأمر بالتيمم في هذه الرواية
فيمكن أن يكون هذا من جملة الأعذار المسوغة للتيمم ، فان إعذاره لا تنحصر في عدم
وجود الماء ، بل من جملتها ما يؤدي الى مشقة استعماله أو تحصيله أو تضرر الغير
باستعماله. وهذه الوجوه كلها ممكنة الاحتمال في المقام ولعل الأخير أقرب ، لقوله :
«فتفسد على القوم ماءهم» فإن الإضافة تؤذن باختصاص البئر بالغير. ولعله إنما كان
يبيح منها الاغتراف دون النزول فيها. ومما يدل على مشروعية التيمم في مثل ذلك رواية
الحسين بن ابي العلاء (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يمر
بالركية وليس معه دلو. قال : ليس عليه ان ينزل الركية ، ان رب الماء هو رب الأرض ،
فليتيمم». حيث جوز التيمم للرجل مع انه ليس في الخبر انه جنب أو نجس بالكلية. ومن
ذلك يعلم الجواب عن الدليل الثاني.
واما الخبر الرابع فالجواب عنه (أولا) ـ ان القائلين
بالتنجيس متفقون على عدم حصول التنجيس بمجرد التقارب بين البئر والبالوعة ولو كان
كثيرا ، فلا بد من تأويل هذا الخبر عندهم.
و (ثانيا) ـ انه يقصر عن معارضة الأخبار المتقدمة
المعتضدة بالأصل ومطابقة ظاهر القرآن ومخالفة جمهور العامة كما عرفت ، فيتعين
التأويل فيه بحمل النجاسة على مجرد
__________________
(1) فيتناول الإفساد بالنجاسة ان لم يكن مرادا بخصوصه بقرينة
المقام ، وعلى التقديرين يكون معينا بدون التغير ، وهو المدعى. واما النهي عنه في
هذا الخبر فإنما يصلح دليلا لو كان المقتضي للإفساد حينئذ منحصرا في النجاسة. ولا
انحصار بعد ما ذكرنا من الوجوه المحتملة في المقام (منه رحمهالله).
(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 3 ـ من أبواب التيمم.
الاستقذار ، والنهي عن التوضؤ على
الكراهة جمعا.
و (ثالثا) ـ ان المفهوم من سوق الخبر المذكور فرض الحكم
في محل يتكثر ورود النجاسة على البئر ويظن نفوذها فيه ، وما هذا شأنه لا يبعد
إفضاؤه مع القرب الى تغير الماء خصوصا مع طول الزمان. ويؤيد ذلك تتمة الخبر
المذكور ، حيث قال زرارة : «فقلت له : فان كان مجرى البول بلزقها وكان لا يلبث على
الأرض؟ فقال : ما لم يكن له قرار فليس به بأس وان استقر منه قليل. فإنه لا يثقب
الأرض ولا يغوله حتى يبلغ البئر ، وليس على البئر منه بأس ، فتوضأ منه ، إنما ذلك
إذا استنقع كله» وحينئذ فلعل الحكم بالتنجيس ناظر إلى شهادة القرائن بأن تكرر
جريان البول في مثله يفضي الى حصول تغير ، أو يقال ان كثرة ورود النجاسة على المحل
مع القرب يثمر ظن الوصول الى الماء. بل ربما حصل العلم بقرينة الحال.
واما الدليل الثالث فجوابه ان الأمر بذلك أعم من أن يكون
للنجاسة أو لغيرها من الأسباب التي ذكرها القائل بالاستحباب ، وهي زوال النفرة
وطيب الماء. ويختلف ذلك باختلاف الآبار غزارة ونزارة وسعة وضيقا ، ولعله السر في
اختلاف الأخبار في المقدرات في النجاسة الواحدة.
واما القول بالتفصيل باشتراط الكرية وعدمه ، فاستدل له
بعموم ما دل من الأخبار على اشتراط الكرية في عدم الانفعال.
وبرواية الحسن بن صالح الثوري عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
كان الماء في الركي كرا لم ينجسه شيء».
ويدل عليه ايضا ما في كتاب الفقه الرضوي (2) حيث قال (عليهالسلام) :
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 9 ـ من أبواب الماء المطلق.
(2) في الصحيفة 5.
«وكل بئر عمق مائها ثلاثة أشبار ونصف
في مثلها ، فسبيلها سبيل الجاري إلا أن يتغير لونها أو طعمها أو رائحتها». انتهى.
ويمكن ايضا الاستدلال عليه
بموثقة أبي بصير (1) قال : «سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) عن البئر يقع
فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة. قال : لا بأس به إذا كان فيها ماء كثير».
والجواب عن الأول بتخصيص العموم بما قدمنا من الاخبار (2).
وعن الروايات المذكورة بضعف السند (أولا) ـ فلا تنهض
بمعارضة ما قدمناه من الأخبار ، سيما صحيحة محمد بن إسماعيل المتقدمة في صدر أخبار
الطهارة (3) الدالة بأوضح
دلالة على عدم النجاسة مطلقا سيما لمكان المادة.
و (ثانيا) ـ بالحمل على ان اشتراط الكرية لعله لعدم
الاحتياج الى النزح بالكلية. كما يشعر به قوله في كتاب الفقه الرضوي : «فسبيلها
سبيل الجاري». واما إذا نقصت عن كر احتاجت الى النزح وان كان استحبابا ، ولفظ
النجاسة في رواية الثوري محمول على المعنى اللغوي.
واما القول بالطهارة ووجوب النزح ، فوجهه بالنسبة إلى
الجزء الأول ما قدمنا (4) وبالنسبة الى
الثاني الأوامر الدالة على النزح ، والأمر حقيقة في الوجوب.
والجواب عن الثاني ان القول بوجوب النزح ـ مع شدة هذا
الاختلاف في الاخبار
__________________
(1) كذا فيما وقفنا عليه من النسخ المطبوعة والمخطوطة. ولم نجد
موثقة لأبي بصير بهذا المتن في كتب الحديث ، وإنما الموجود فيها نسبة هذا المتن
الى عمار ولعل ذلك من اشتباه النساخ. وقد رواها صاحب الوسائل في الباب ـ 14 و 20 ـ
من أبواب الماء المطلق.
(2 و 3 و 4) في الصحيفة 353.
في تقديره بالنسبة إلى النجاسة
الواحدة ـ مما لا يكاد يقبله الذوق السليم ، وحينئذ فيجب حمل الأمر على الاستحباب
كما قدمنا. ويؤيد ذلك أيضا الأمر بالنزح مع الاتفاق على عدم النجاسة في جملة من
الموارد.
واما ما نقل عن الجعفي (1) فلم نعثر له
على دليل.
(البحث الثالث) ـ اعلم انه حيث كان القول الراجح عندنا
من تلك الأقوال هو القول بالطهارة واستحباب النزح كما أوضحناه ، أغمضنا النظر عن
الاشتغال بالبحث عن بيان المقدرات لكل من النجاسات وما وقع فيها من الاختلافات ،
لعدم مزيد فائدة في البحث عن ذلك. واعتمادا على ما ذكره أصحابنا (شكر الله سعيهم)
فيما هنالك ومسارعة إلى الاشتغال بما هو أهم وفي النفع والإفادة أتم. لكنا نقتصر
هنا على نقل أنموذج من تلك الاختلافات الواقعة في الاخبار في جملة من المقدرات مع
وحدة النجاسة.
(فمنها) ـ الفأرة ، ففي صحيح زيد الشحام (2) «ما لم تتفسخ
يكفيك خمس دلاء». وفي رواية أبي بصير (3) «سبع دلاء». ومثله
في رواية عمرو بن سعيد بن هلال (4) ورواية علي بن
أبي حمزة (5) ورواية سماعة (6) وفي صحيح علي
بن يقطين (7) «يجزيك ان تنزح
منها دلاء». وكذا في صحيح الفضلاء (8) ورواية الفضل
البقباق (9) وفي صحيح
__________________
(1) وهو اعتبار ذراعين في الأبعاد الثلاثة حتى لا ينجس.
(2 و 3 و 7 و 8 و 9) المروي في الوسائل في الباب ـ 17 ـ من
أبواب الماء المطلق.
(4) المروية في الوسائل في الباب ـ 15 ـ من أبواب الماء
المطلق.
(5) المروية في الوسائل في الباب ـ 17 و 18 و 19 ـ من أبواب الماء
المطلق. ولم يصرح في كتب الحديث بكون الراوي ابن أبي حمزة ، ولكنه استظهر ذلك كما
سيأتي في الكلب والسنور.
(6) المروية في الوسائل في الباب ـ 17 و 18 ـ من أبواب الماء
المطلق.
معاوية بن عمار (1) «ثلاث دلاء». وفي
رواية أبي خديجة (2) «أربعون دلوا».
وفي موثقة عمار الساباطي (3) «تنزح كلها».
و (منها) ـ الكلب ، ففي صحيح الشحام المتقدم (4) «خمس دلاء». وفي
رواية أبي بصير الآنفة (5) ايضا «سبع
دلاء». وفي رواية أبي مريم (6) «نزح الجميع». وكذا
في موثقة عمار (7)
وفي صحيح علي بن يقطين المتقدم (8) ايضا «دلاء». وكذا
في صحيح الفضلاءالمتقدم (9) وكذا في رواية
الفضل البقباق (10)
وفي رواية علي (11) ـ والظاهر انه ابن أبي حمزة ـ «عشرون
أو ثلاثون أو أربعون».
و (منها) ـ بول الصبي ، ففي رواية علي بن أبي حمزة (12) «دلو واحد». وفي
رواية منصور بن حازم عن عدة من أصحابنا (13) «سبع دلاء». وفي
صحيح معاوية ابن عمار (14) «كله». مع ان
غاية ما ينزح لبول الرجل أربعون دلوا ، وكذا في موثق عمار الساباطي (15).
و (منها) ـ السنور ، ففي صحيحة علي بن يقطين (16) «يجزيك ان تنزح
منها دلاء». وفي رواية علي (17) ـ والظاهر
كونه ابن أبي حمزة ـ «عشرون أو ثلاثون أو أربعون» وفي
__________________
(1 و 2) المروي في الوسائل في الباب ـ 19 ـ من أبواب الماء
المطلق.
(3 و 7) المروية في الوسائل في الباب ـ 17 و 23 ـ من أبواب
الماء المطلق.
(4 و 6 و 8 و 9 و 10 و 11و 16 و 17) المروية في الوسائل في
الباب ـ 17 ـ من أبواب الماء المطلق.
(5) المروية في الوسائل في الباب ـ 17 ـ من أبواب الماء
المطلق. والنص هكذا «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عما يقع في الآبار. فقال : اما الفارة
وأشباهها فينزح منها سبع دلاء الا ان يتغير الماء ، فينزح حتى يطيب. فان سقط فيها
كلب فقدرت ان تنزح ماءها فافعل. الحديث» ..
(12 و 13) المروية في الوسائل في الباب ـ 16 ـ من أبواب الماء
المطلق.
(14) المروي في الوسائل في الباب ـ 15 و 16 ـ من أبواب الماء
المطلق.
(15) لم نجد في كتب الحديث موثقا لعمار يدل على ذلك ، ولعل هذا
من اشتباه النساخ.
موثقة سماعة (1) «ثلاثون أو أربعون».
وفي صحيح زيد الشحام المتقدم (2) «خمس دلاء». وفي
رواية عمرو بن سعيد المتقدمة (3) «سبع دلاء».
و (منها) ـ الخنزير ، ففي صحيح الفضلاء المتقدم (4) «دلاء». وفي
موثقة عمار المتقدمة (5) «تنزح البئر
كلها». الى غير ذلك من الاخبار الواردة في هذا المضمار.
وقد اضطربت آراء القائلين بالنجاسة في الجمع بينها ،
وتمييز عثها من سمينها والشيخ (رحمهالله تعالى) في
كتابي الأخبار قد جمع بينها بوجوه بعيدة ومحامل غير سديدة. والمتأخرون ـ بناء على
الاصطلاح المحدث في تنويع الاخبار الى الأنواع الأربعة ـ هان الخطب عند القائل منهم
بالنجاسة في جملة من الموارد برد الأخبار بضعف الاسناد. واما القائلون بالطهارة
فقد حملوا الاختلاف الواقع في هذه الأخبار على الاختلاف في افراد الآبار بالغزارة
والنزارة ، واختلاف النجاسة كثرة وقلة ومكثا وعدمه ونحو ذلك ، إلا ان فيه ان
الاخبار قد وردت مطلقة ، ففي كون الاختلاف لذلك نوع بعد.
ولعل الأقرب ان ذلك إنما خرج مخرج التقية ، لما قدمنا لك
في المقدمة الاولى من تعمدهم (عليهمالسلام) المخالفة في
الفتاوى وان لم يكن بذلك قائل من المخالفين.
واحتمل بعض محققي المحدثين من المتأخرين كون هذا
الاختلاف من باب تفويض الخصوصيات لهم (عليهمالسلام) لتضمن كثير
من الاخبار ان خصوصيات كثير من الأحكام مفوضة إليهم (عليهمالسلام) كما كانت
مفوضة إليه (صلىاللهعليهوآله) ليعلم المسلم
لأمرهم من غيره ، أو من باب الإفتاء تارة بما لا بد منه في تحقيق القدر المستحب
وتارة بما هو الأفضل ، وتارة بما هو متوسط بينهما.
__________________
(1 و 2 و 4) المروي في الوسائل في الباب ـ 17 ـ من أبواب الماء
المطلق.
(3) المروية في الوسائل في الباب ـ 15 ـ من أبواب الماء
المطلق.
(5) المروية في الوسائل في الباب ـ 17 و 23 ـ من أبواب الماء
المطلق.
(البحث الرابع) ـ لو تغير ماء البئر بالنجاسة فعلى ما
اخترناه من عدم انفعالها بالملاقاة ، فالظاهر حينئذ وجوب النزح حتى يزول التغير ،
ويدل عليه قول الرضا (عليهالسلام) في صحيح ابن
بزيع المتقدم (1) «ماء البئر
واسع لا يفسده شيء إلا أن يتغير ريحه أو طعمه ، فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه
، لأن له مادة». وفي صحيح الشحام عن الصادق (عليهالسلام) (2) : «فان تغير
الماء فخذ منه حتى يذهب الريح». وفي رواية أبي بصير عنه (عليهالسلام) (3) «الا ان يتغير
الماء ، فينزح حتى يطيب». وفي موثقة سماعة (4) «وان أنتن حتى
يوجد ريح النتن في الماء نزحت البئر حتى يذهب النتن من الماء». وفي رواية زرارة (5) «وان غلبت
الريح نزحت حتى تطيب».
ولا ينافي ذلك ما في صحيحة معاوية بن عمار (6) من قوله (عليهالسلام) : «ولا تعاد
الصلاة مما وقع في البئر إلا ان ينتن ، فإن أنتن غسل الثوب ، وأعاد الصلاة ، ونزحت
البئر». ورواية منهال (7) من قوله (عليهالسلام) : «وان كانت
جيفة قد أجيفت فاستق منها مائة دلو ، فان غلب عليها الريح بعد مائة دلو فانزحها
كلها». ورواية ابي خديجة (8) في الفأرة من
قوله (عليهالسلام) : «وان
انتفخت فيه ونتنت نزح الماء كله». لإمكان حمل هذه الأخبار على ما لا يزول التغير
إلا بنزح الجميع كما يشير اليه الخبر الثاني ، ويحتمل في الخبر الأول الحمل على ان
اسناد النزح إلى البئر مجاز ، وانما المراد ما يذهب به التغير كما تضمنته موثقة
سماعة ، ويحتمل الحمل الاستحباب ايضا جمعا.
__________________
(1) المروي في الوسائل في الباب ـ 3 و 14 ـ من أبواب الماء
المطلق.
(2 و 3 و 4) المروي في الوسائل في الباب ـ 17 ـ من أبواب الماء
المطلق.
(5) المروية في الوسائل في الباب ـ 15 ـ من أبواب الماء
المطلق.
(6) المروية في الوسائل في الباب ـ 14 ـ من أبواب الماء
المطلق.
(7) المروية في الوسائل في الباب ـ 22 ـ من أبواب الماء
المطلق.
(8) المروية في الوسائل في الباب ـ 19 ـ من أبواب الماء
المطلق.
هذا. ولم أقف على موافق للصدوق (طاب ثراه) من الأصحاب
إلا ما يظهر من كلام المحدث الكاشاني في مفاتيحه ووافيه ، حيث قال في الأول ـ بعد
الكلام في المسألة ـ ما لفظه : «ويحتمل قويا الجواز ، لصدق الماء على ماء الورد ،
لأن الإضافة ليست إلا لمجرد اللفظ كماء السماء ، دون المعنى كماء الزعفران والحناء
والخليط بغيره ، مع تأيد الخبر بعمل الصدوق ، وضمانه صحة ما رواه في الفقيه ، وعدم
المعارض الناص» انتهى. وقال في الثاني ـ بعد نقل خبر يونس المتقدم ـ (1) ما لفظه : «وافتى
بمضمونه في الفقيه ، ونسبه في التهذيبين الى الشذوذ ، ثم حمله على التحسين والتطيب
للصلاة دون رفع الحدث. مستدلا بما في الخبر الآتي «إنما هو الماء والصعيد» (2) أقول : هذا
الاستدلال غير صحيح ، إذ لا منافاة بين الحديثين ، فان ماء الورد ماء استخرج من
الورد» انتهى.
وحاصل هذا الكلام يرجع الى ان الماء المضاف الذي يخرج
بالإضافة عن كونه مطلقا إنما هو ما إذا أضيف المطلق الى جسم من الأجسام على وجه
يغيره ويسلبه الإطلاق. واما ما اتخذ من الورد فهو ماء مطلق قد تصاعد حتى تكونت منه
تلك الأجسام ثم استخرج منها ، فإضافته للورد لفظية كماء السماء وماء البئر ونحوهما
وان كان قد اكتسب بسبب ذلك تغيرا في الأوصاف. فإن ذلك لا يخرجه عما كان عليه من
الإطلاق
وأنت خبير بما فيه من الوهن والقصور :
(أما أولا) ـ فلأنه بمقتضى ذلك لا ينحصر ما ذكره في ماء
الورد بخصوصه ، بل يجري في ماء العنب والرمان ونحوهما من الثمار التي يعتصر منها
من حيث تصاعده إليها بالسقي. بل مثل أوراق الشجر ونحوها كما لا يخفى ، فالواجب
بمقتضى ما ذكره جواز الوضوء بالماء المتخذ من جميع ذلك. ولا أظنه يقوله
__________________
(1) في الصحيفة 394.
(2) وهو خبر أبي بصير المتقدم في الصحيفة 395.
فلو كان الحكم فيما له مقدر منصوص
أكثر الأمرين مع التغير ، لامروا به (عليهمالسلام) ولو في بعض
تلك الأخبار. وأنت خبير أيضا بأن القول الثاني عند التأمل لا يصح أن يكون قولا على
حدة كما سيظهر لك.
و (ثالثها) ـ التفصيل بكون النجاسة منصوصة المقدر فيجب
نزح أكثر الأمرين من المقدر وما به يزول التغير ، أو غير منصوصة فيجب نزح الجميع
ومع التعذر فالتراوح ، ذهب اليه ابن إدريس واختاره في المختلف وقواه في الروض.
وحجته في وجوب أكثر الأمرين فيما له مقدر ما قد عرفت في القول
الثاني. وفيه ما قدمنا ثمة. واما في وجوب نزح الجميع أو التراوح فالظاهر انه من
جهة كونه لا نص فيه ، وما لا نص فيه مع عدم التغير حكمه كذلك. فمع التغير بطريق
أولى. وفيه ان المبني عليه لا نص فيه ايضا ، مع ان عموم الأخبار المتقدمة شامل
لمثل هذه الصورة المذكورة. لتضمنها النزح بما يزول به التغير أعم من أن تكون
النجاسة المغيرة منصوصة المقدر أم لا.
و (رابعها) ـ هو الثالث بعينه بالنسبة إلى الشق الأول ،
والاكتفاء بزوال التغير بالنسبة إلى الشق الثاني. اختاره المحقق الشيخ حسن في
المعالم بناء على القول بالانفعال. واستظهره أيضا جملة ممن تأخر عنه.
وحجته بالنسبة إلى الشق الأول ما عرفت في حجتي القول
الثاني والثالث. وفيها ما ذكرنا ثمة. وبالنسبة إلى الشق الثاني عموم الأخبار
المتقدمة (1) الدالة على
الطهارة بزوال التغير. ولا معارض لها بالنسبة الى ما لا مقدر له ، فيجب العمل بها.
وهو حسن. ولا يخفى عليك ان القول الثاني لا يخرج عن أحد هذين القولين. فعده في
المسألة قولا على حدة لا يخفى ما فيه كما أشرنا إليه آنفا.
__________________
(1) في الصحيفة 366.
و (خامسها) ـ نزح ما يزيل التغير أولا ثم نزح المقدر
بعده ان كان لتلك النجاسة مقدر ، وإلا فالجميع ، وان تعذر فالتراوح.
وحجة هذا القول بالنسبة إلى الشق الأول إعطاء كل من
الأسباب حقه من السببية (1) وبالنسبة إلى
الشق الثاني ما عرفت في القول الثالث. ويرد على الحجة الأولى ما قدمنا (2) من الاخبار
الدالة على الاكتفاء بزوال التغير مطلقا. ومع تسليم تخصيصها ـ بناء على ما زعموا
من الجمع بينها وبين روايات التقدير ـ فيكفي في ذلك الاكتفاء بأكثر الأمرين كما
ذكروا ثمة ، فلا موجب حينئذ للتعدد. مع ان الأظهر هو التداخل مع تعدد النجاسات كما
هو أحد الأقوال في المسألة. وعلى الحجة الثانية ما عرفته في القول الثالث.
و (سادسها) ـ وجوب نزح الجميع ، فان تعذر فالتراوح. ونقل
عن الصدوقين والمرتضى وسلار.
والحجة ، اما على وجوب نزح الجميع مع عدم التعذر ما تقدم
(3) من رواية ابي
خديجة وصحيحة معاوية بن عمار ورواية منهال.
واما على التراوح مع التعذر فموثقة عمار عن ابي عبد الله
(عليهالسلام) (4) في حديث طويل
، قال : «وسئل عن بئر يقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير. قال : تنزف كلها. ثم قال :
فان غلب الماء فلتنزف يوما إلى الليل ثم يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين ،
فينزفون يوما الى الليل وقد طهرت».
__________________
(1) لان وقوع النجاسة ذات المقدر موجب لنزح المقدر لها ، فإذا
انضم اليه التغير الموجب لنزح ما يزول به صارا سببين ، ولا منافاة بينهما ، فيعمل
كل منهما عمله ، ويقدم مزيل التغير ، لكون الجمع بين الأمرين لا يتم الا به (منه قدسسره).
(2 و 3) في الصحيفة 366.
(4) المروية في الوسائل في الباب ـ 23 ـ من أبواب الماء
المطلق.
واحتجوا أيضا بأنه ماء محكوم بنجاسته فيجب إخراجه اجمع.
والجميع منظور فيه ، اما الروايات المشار إليها فيجب
تأويلها بما عرفت آنفا (1) جمعا بينها
وبين ما قدمناه من الاخبار. واما الخبر المذكور فالعمل به فرع وجوب نزح الجميع ،
ومتى لم يثبت بطل ما ترتب عليه. على ان مورد الخبر التراوح مع تعذر نزح الجميع
لمجرد النجاسة لا للتغير ، وأحدهما غير الآخر كما عرفت آنفا. واما الحجة الأخيرة
فأضعف ، لانه بعد ورود النصوص بالطهارة مع زوال التغير لا مجال لإيجاب نزح الجميع.
و (سابعها) ـ وجوب نزحها أجمع ، فإن تعذر فيما به يزول
التغير. ونقل عن الشيخ في المبسوط. ونقل عن المحقق نسبته الى المفيد ايضا. وظاهر
هذا القول انه في صورة التعذر يكتفى بمزيل التغير ، أعم من ان يكون في نجاسة ذات
مقدر أم لا ، ووجهه ـ بالنسبة إلى نزح الجميع ـ الأخبار الدالة على ذلك ، كصحيحة
معاوية بن عمار وروايتي ابي خديجة ومنهال المتقدمات (2) بحملها على
صورة الإمكان. وبالنسبة الى ما به يزول التغير الأخبار التي قدمناها (3) بحملها على
صورة تعذر نزح الجميع. وهذا الجمع بين الاخبار وان كان محتملا إلا ان الظاهر هو
رجحان ما قدمنا من المحامل عليه سيما الأول ، لدلالة رواية منهال (4) عليه ، ولانه
مما تجتمع عليه الاخبار من غير ارتكاب تخصيص (5) إلا في اخبار نزح الجميع ، فإنها
مخصوصة بما إذا لم يزل التغير بدونه.
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) في الصحيفة 366.
(5) فإن حاصل اخبار الاكتفاء بمزيل التغير حينئذ انه يجب النزح
حتى يزول التغير ولو ادى الى نزح الجميع إذا توقف زوال التغير عليه ، فنزح الجميع
الذي هو مدلول تلك الأخبار الأخر أحد أفراد ما دلت عليه الاخبار الأولة ، وهو
مخصوص بما إذا لم يزل التغير إلا به ، وعلى القول المذكور يلزم تخصيصان : أحدهما
في اخبار الجمع لحملها على الإمكان وثانيهما في اخبار مزيل التغير لحملها على عدم
إمكان نزح الجميع (منه قدسسره).
وعلى تقدير هذا القول يلزم التخصيص في
أخبار الطرفين ، ومهما أمكن العمل بالخبر من غير تخصيص بالكلية أو تعدده فهو اولى.
و (ثامنها) ـ وجوب نزحها أجمع ، فإن تعذر بغلبة الماء
يعتبر أكثر الأمرين واختاره الشهيد في الدروس ، واستظهر بعض المتأخرين من كلام
المعتبر ايضا.
وحجة هذا القول مركبة من الوجوه المتقدمة. وضعفها يعلم
من ضعفها.
فروع :
(الأول) ـ لو زال تغير البئر بغير النزح ، فعلى المختار
من الطهارة وعدم النجاسة بمجرد الملاقاة لا إشكال في طهارتها بذلك. لمكان المادة.
وعلى القول بالنجاسة فهل يجب نزح الجميع ، نظرا إلى انه ماء محكوم بنجاسته وقد
تعذر ضابطة تطهيره ، فيتوقف الحكم بطهارته على نزح الجميع ، أو يكتفى بنزح ما يزول
به التغير لو كان ، نظرا إلى انه مع بقاء التغير يكفي نزح القدر الذي به يزول ،
فلأن يكتفي به مع الزوال اولى؟ قولان ، اختار أولهما ـ العلامة في التذكرة وابنه
فخر المحققين ، وقواه في الذكرى. وثانيهما ظاهر الشهيد في البيان ، وبه جزم في
المعالم وقبله والده (قدسسرهما) وقواه جملة
من متأخري المتأخرين. وأجابوا عن دليل القول الأول بمنع تعذر الضابط مطلقا ، فإنه
ممكن في كثير من صور العلم بالمقدار الذي يزول به التغير ولو تقريبا. نعم مع فرض
عدم العلم في بعض الصور يتوقف الحكم بالطهارة على نزح الجميع ، إذ لا سبيل الى
العلم بنزح المقدار الا به.
(الثاني) ـ لو غار ماء البئر بعد النجاسة ثم عاد ، فعلى
المختار من عدم الانفعال بالملاقاة لا إشكال في الطهارة. وعلى القول الآخر فالذي
صرح به جملة من الأصحاب انه كذلك ايضا ، قالوا : لأن المقتضي للطهارة ذهاب الماء ،
وهو كما يحصل بالنزح
يحصل بالغور ، ولا يعلم كون العائد هو
الغائر ، فالأصل فيه الطهارة. وبان النزح لم يتعلق بالبئر بل بمائها المحكوم
بنجاسته ، ولا يعلم وجوده والحال هذه ، فلا يجب النزح.
واعترض عليه بان الوجهين المذكورين ضعيفان (اما الأول)
فلأنا لا نسلم ان المقتضي للطهارة ذهاب الماء ، لجواز ان يكون المقتضي النزح
باعتبار انه يوجب جريان الماء فتطهر أرض البئر وماؤها. وهذا المعنى مفقود في الغور
، فلا تطهر أرض البئر ، وكل ما ينبع من الماء يصير نجسا. لملاقاته النجاسة بناء
على القول المذكور.
و (اما الثاني) فلأن عدم تعلق النزح بمائها لا دخل له في
المقام ، إذ الكلام في ان ارض البئر كانت نجسة ولم يعلم لنجاستها مزيل ، إذ ما علم
من الشرع انه مزيل انما هو النزح ، وقياس الغور عليه قياس مع الفارق كما ذكرنا ،
فتستصحب نجاستها ، وكل ما ينبع يصير نجسا كما عرفت.
(أقول) : ويؤيده انه يلزم على ما ذكروه من الوجه الأول
انه لو غار منه القدر الذي يجب نزحه فإنه يحكم بطهارة الباقي ، مع ان الظاهر انهم
لا يلتزمونه.
(الثالث) ـ قد صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم)
بأنه كما يطهر البئر بالنزح يطهر الدلو والمباشر والرشاء. والاخبار خالية من
التصريح بذلك ، الا ان المحقق في المعتبر ذكر في حكم الدلو انه لو كان نجسا بعد
انتهاء النزح لم يسكت عنه الشرع. ولان الاستحباب في النزح يدل على عدم نجاستها ،
والا لوجب نجاسة ماء البئر عند الزيادة عليه قبل غسلها ، والمعلوم من عادة الشرع
خلافه.
وتبعه في هذه المقالة جمع ممن تأخر عنه منهم : العلامة
في المنتهى والشهيد في الذكرى. وغيرهما في غيرهما.
ولا يخفى ان هذا الوجه جار أيضا في الرضا والمباشر الا
انه في الأخير أضعف.
ومرجع الدليل الأول الى ما قدمنا
الإشارة إليه في المقدمة العاشرة (1) من ان التمسك بالبراءة الأصلية ـ فيما
لم يعثر فيه على نص بعد الفحص والتفتيش مما يعم به البلوى من الأحكام ـ حجة واضحة.
والأصل هنا براءة الذمة من التكليف بتطهير هذه الأشياء بعد تمام النزح. الا ان
الاحتياط في تطهير المباشر ثيابه وبدنه خروجا من احتمال المحذور ، وتطهير الباقي
أيضا نور على نور.
وأظهر من ذلك اجراء الوجه المذكور في جوانب البئر
بالنسبة الى ما يتساقط حال النزح ، فإنه يحكم بطهارته لعين ما ذكر. وربما يظهر من
بعض العبارات الحكم بالعفو عنه حال تساقطه ، معللا ذلك بالمشقة المنفية. وهو بعيد.
والتعليل ممنوع بالحكم بالطهارة بعد تمام النزح كما قلنا. ولعل ذلك كله من مؤيدات
القول بعدم انفعال البئر بالملاقاة ، للسلامة من هذه التكلفات.
(الرابع) ـ صرح جملة من الأصحاب (نور الله تعالى مضاجعهم)
بأنه لا يعتبر الدلو في النزح لازالة التغير ولا في نزح الجميع ، إذ الغرض في
الموضعين إخراج الماء وهو يصدق بأي وجه اتفق ، ومثله في نزح الكر. اما في نزح
المقدرات فهل يتعين نزحه بالدلو ، أو تكفي آلة تسع العدد دفعة أو دفعات؟ قولان :
اختار أولهما ـ المحقق في المعتبر ، والعلامة في المنتهى والتحرير ، والشهيد في
الدروس والبيان ، والشهيد الثاني أيضا. وثانيهما ـ العلامة في أكثر كتبه ، والشهيد
في الذكرى ، والمحقق الشيخ حسن في المعالم ، وغيرهم.
احتج القائلون بالثاني بان الأمر بالنزح وارد على الماء
والدلاء مقدار ، فيكون
__________________
(1) كذا فيما وقفنا عليه من النسخ المطبوعة والمخطوطة ،
والصحيح (الحادية عشرة) وذلك في الصحيفة 155.
القدر هو المراد ، وتقييده بالعدد
لانضباطه وظهوره بخلاف غيره. وبان الغرض من النزح إخراج الماء من حد الواقف الى
كونه جاريا جريانا يزيل التأثير الحاصل من النجاسة ويفيده التطهير ، ولذلك اختلف
فيه التقدير ، لاختلاف النجاسات بقوة التأثير وضعفه ، وتفاوت الآبار بسعة المجاري
وضيقها. ولا يخفى ان هذا الغرض يحصل بإخراج القدر المعين بأي وجه اتفق.
وأجيب عن الأول بأنا لا نمنع كون النزح واردا على الماء
وان الدلاء مقدار ، ولكن نمنع كون المراد إخراج القدر مطلقا ، لأن الأوامر وردت
بطريق خاص واتباعها لازم.
وعن الثاني بأنه وان كان الغرض من النزح الاجراء إلا أن
طرقه مختلفة ، والأدلة إنما وردت ببعض معين منها ، وإلحاق غيره به قياس. مع ان
الفارق ربما كان موجودا ، من حيث ان تكرار النزح موجب لكثرة اضطراب الماء وتموجه.
وهو مقتض لاستهلاك أجزاء النجاسة الشائعة فيه ، فيكون سببا لطيبة ولعله الحكمة في
الأمر به. ومن البين ان ذلك لا يحصل مع الإخراج دفعة أو ما في معناها.
ومن الجواب عن دليلي القول الثاني علم دليل القول الأول
، ومرجعه الى ما ذكره المحقق في المعتبر من عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه.
ولأن الحكمة تعلقت بالعدد ولا يعلم حصولها مع عدمه.
قال بعض فضلاء المحدثين من متأخري المتأخرين : «هذا هو
الصحيح ، ومن يدعي العلم بحصول الغرض فنقول له : علمك اما من باب مفهوم الموافقة
أو تنقيح المناط ، وهما مفقودان هنا ، لان لتعدد النزح مدخلا عظيما في ميل أجزاء
النجاسة وآثارها عن جوانب البئر إلى موضع النزح وخروجها بالنزح» انتهى.
وفي التعليلات من الجانبين خدش (1) إلا ان الوقوف
في مثل ذلك على حادة الاحتياط طريق السلامة.
(الخامس) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان
الدلو التي ينزح بها ما جرت العادة باستعمالها ، إذ لم يثبت للشرع فيها حقيقة على
القول بالحقائق الشرعية ولا عرف لزمانهم (عليهمالسلام) ليحمل عليه.
والقاعدة في مثله عند انتفاء الأمرين الرجوع الى العرف الموجود ان لم يخالف وضع
اللغة الثابت ، وإلا كان هو المقدم. وكل ذلك منتف فيما نحن فيه ، فيرجع الى ما
يصدق عليه الاسم في العرف صغيرا كان أو كبيرا.
وأنت خبير بما في البناء على القاعدة المذكورة وان اشتهر
البناء عليها بينهم. لما قدمنا لك في المقدمة العاشرة (2) وغيرها. لكن
الظاهر ان الأمر هنا هين ، للقطع بان لفظ الدلو ليس من الألفاظ التي اختلفت
معانيها بحسب اختلاف الأزمنة
__________________
(1) أما تعليل القول الأول فلما عرفت في الأصل. واما تعليل
القول الثاني فلاحتمال ان تكون الأوامر الواردة بالدلاء المعينة إنما هي من حيث
كون المتعارف في النزح ذلك ، لا من حيث مدخلية خصوص النزح بالدلو في التطهير وان
ذلك لوجه حكمة تبنى عليه. وكما انهم صرحوا في غير موضع بأن الأحكام في مقام
الدلالة الإجمالية تحمل على ما هو الغالب الشائع ، كذلك في حال ورودها عنهم (عليهمالسلام) مفصلة يحمل التفصيل عنهم على ذلك ، إذ
لو ورد النزح مجملا فإنهم يحملونه على الفرد الشائع المتعارف عادة ، فكذا إذا ورد
بخصوصية فرد تكون الخصوصية لذلك لا لوجه حكمة اقتضته ، ولأنهم صرحوا في الأصول بأن
التخصيص بالذكر لا ينحصر بالحكم ، كما ذكره السيد السند في المدارك في أول بحث
الماء المضاف ، ولاحتمال كون ذلك أحد أفراد الكلي ، على قياس ما ذكروه في عدم وجوب
الابتداء في غسل الوجه في الوضوء واليدين بالأعلى والمرفقين في كون البيان الوارد
بذلك محمولا على كونه أحد أفراد الكلي لا لتعينه بخصوصه ، فتدبر (منه رحمهالله).
(2) كذا فيما وقفنا عليه من النسخ المطبوعة والمخطوطة ،
والصحيح (الحادية عشرة) وذلك في الصحيفة 121 وقد تقدم أيضا في الصحيفة 162.
والأمكنة ، كالرطل والمن والمد والصاع
ونحوها ، وبان أفراده مختلفة في كل مكان وزمان.
واما ما يظهر من كلام بعضهم ـ من الاكتفاء بما يعتاد على
تلك البئر وان كان نحو آنية الفخار إذا كان مما يستقى به في البلد غالبا ـ فضعيف
جدا ، لان تعليق الحكم في الأخبار على الدلو يقتضي الوقوف مع مسماه ، ولا ريب في
عدم صدقه على الآنية.
ونقل عن بعض الأصحاب ان المراد بالدلو ما كانت هجرية ،
وهي ثلاثون رطلا وعن الجعفي أربعون رطلا. ورد بعدم وجود المستند.
(أقول) : وهو مروي في كتاب الفقه الرضوي (1) حيث قال (عليهالسلام) : «وإذا سقط
في البئر فأرة أو طائر أو سنور وما أشبه ذلك فمات فيها ولم يتفسخ ، نزح منها سبعة
أدل من دلاء هجر. والدلو أربعون رطلا». الا ان جلّ الأصحاب (رضوان الله عليهم) لما
كان اعتمادهم على الكتب الأربعة خاصة ، أو ما قاربها في الشهرة عند آخرين ، كان
هذا الكتاب وأمثاله غير معمول على ما تضمنه من الأخبار ، الا ان المفهوم من شيخنا
المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب بحار الأنوار الاعتماد عليه كما أشرنا سابقا
اليه (2).
(السادس) ـ يجب إخراج النجاسة قبل الشروع في النزح على
القول بالانفعال بالملاقاة ، وظاهرهم الاتفاق عليه بل صرح بذلك في المنتهى ، وظاهر
إطلاق كلامهم عدم الفرق في ذلك بين ما له مقدر وما ليس كذلك ، الا ان المحقق الشيخ
حسن في كتاب المعالم صرح بالفرق بينهما ، قال : «فإن الملاقاة الموجبة لنزح المقدر
تبقى ما بقيت العين فلا يظهر للنزح فائدة ، ولا يعتبر ذلك في غير المقدر لفقد
العلة» انتهى. ولعل ذلك مبني على القول بوجوب نزح الجميع لما لا نص فيه كما اختاره
(قدسسره)
__________________
(1) في الصحيفة 5.
(2) في الصحيفة 25.
في الكتاب المذكور بناء على القول
بالانفعال ، وإلا فعلى القولين الآخرين من الثلاثين أو الأربعين فلا ريب في كون
الحكم فيهما كالمقدر بعينه ، والعلة الموجبة فيهما واحدة.
(البحث الخامس) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في
طهر البئر بغير النزح من المطهرات المتقدمة (1) فظاهر الأكثر طهرها بذلك ، والنزح
الوارد في الاخبار وان اختص بها إلا انها تشارك غيرها في تلك المطهرات. وكلام
المحقق في المعتبر يدل على انحصار تطهيرها في النزح ، حيث قال : «وإذا جرى إليها ـ
يعني البئر ـ الماء المتصل بالجاري لم تطهر ، لان الحكم متعلق بالنزح ولم يحصل»
واختاره بعض محققي متأخري المتأخرين ، قال : «لان التطهير أمر شرعي لا بد له من
دليل ولا دليل ظاهرا على ما عدا النزح» واختلف فتوى الشهيد (رحمهالله) في هذه المسألة
، فقال في الدروس : «لو اتصلت بالجاري طهرت ، وكذا بالكثير مع الامتزاج. اما لو
تسنما عليها من أعلى فالأولى عدم التطهير ، لعدم الاتحاد في المسمى» ومثله أيضا في
الذكرى. وقال في البيان : «ينجس ماء البئر بالتغير ، ويطهر بمطهر غيره ، وبالنزح»
ثم قال : والأصح نجاسته بالملاقاة أيضا ، وطهره بما مر ونزح كذا ، ثم ذكر
المقادير.
ولا يخفى ان اشتراطه عدم علو المطهر على جهة التسنم في
الكتابين يخالف ما أطلقه في الثالث من طهارته بمطهر غيره مطلقا.
وممن اختار القول المشهور صاحب المعالم ، حيث قال بعد
نقل الأقوال في المسألة : «والتحقيق عندي مساواته لغيره من المياه في الطهارة بما
يمكن تحققه فيه من الطرق التي ذكرناها سابقا. ووجهه ـ على ما اخترناه من اشتراط
الامتزاج بالمعنى الذي حققناه ـ واضح ، فان ماء البئر ـ والحال هذه ـ يصير مستهلكا
مع المطهر ، فلو كان عين النجاسة لم يكن له حكم ، فكيف؟ وهو متنجس ، ولا ريب انه
أخف.
__________________
(1) كإلقاء الكر دفعة ، ونزول الغيث ، ووصول الجاري إليها (منه
رحمهالله).
واما على القول بالاكتفاء بمجرد
الاتصال فلان دليلهم ـ على تقدير تماميته ـ لا يختص بشيء دون شيء ، إذ مرجعه الى
عموم مطهرية الماء. فيدخل ماء البئر تحت ذلك العموم والأمر بالنزح لا ينافيه ،
لكونه مبنيا على الغالب من عدم التمكن من التطهير بغيره ، ولو أمكن في بعض الموارد
فلا ريب ان النزح أسهل منه في الأغلب ايضا ، فلذلك اقتصروا عليه ، ثم ان يجاب
النزح ـ على القول بالانفعال أو مع حصول التغير ـ ليس إلا لإفادة الطهارة ، فإذا
صار الماء طاهرا بمقتضى ذلك العموم ـ والفرض عدم الدليل على التخصيص ـ لا يبقى
للنزح وجه. نعم لو قلنا بوجوب النزح تعبدا لم يتم القول بسقوطه بمجرد الاتصال وان
قلنا بالطهارة. واما مع الامتزاج فالظاهر السقوط ، لان الاستهلاك يصيره بمنزلة
المعدوم. ووجوب النزح إنما تعلق به في حال البقاء على حقيقته. وبما ذكرنا ظهر ضعف
تفصيل الشهيد (رحمهالله) لا سيما بعد
اشتراط الامتزاج كما صرح به ، فان اعتبار الاتحاد مع ذلك مما لا وجه له. واما ما
تمسك به المحقق فدفعه ظاهر بعد ما قررناه» انتهى.
ويرد عليه (أولا) ـ ان الاستهلاك الذي ذكره ممنوع ، كيف؟
ويكتفى في تطهير البئر على هذا القول بمجرد إلقاء الكر مثلا وان كان ماء البئر
أضعاف أضعافه على انه يمكن منع التطهير في حال الاستهلاك ايضا. وما ذكره ـ من
طهارة النجاسة عند استهلاكها ـ لا يصلح دليلا ، لأنه قياس ، مع وجود الفارق ، إذ
النجاسة إذا استهلكت في الماء وسلب عنها اسمها لم تبق نجاستها التابعة للاسم ،
بخلاف الماء إذا لم يسلب عنه اسمه وان اختلط بغيره بحيث لا يميزه الحس.
و (ثانيا) ـ انه يمكن ان يكون لخصوصية النزح مدخل في
التطهير لا يوجد في غيره ، ولعل اقتصار الشارع عليه لذلك ، لعين ما ذكروه في مسألة
تعدد النزح بالدلو فيما له مقدر من وجوب الاقتصار على النزح بالدلو لذلك. ويؤيده
اختصاص
البئر دون سائر المياه بأحكام خاصة
وبنائها على جمع المختلفات وتفريق المؤتلفات كما ذكروه.
وبالجملة فالمسألة محل تردد. والاحتياط في الوقوف على
التطهير بالمنصوص.
ولا يخفى ان ما أورده على الشهيد متجه. واما ما أورده
على المحقق فقد عرفت ما فيه.
ثم انه قد اختلف كلام القائلين بطهرها بغير النزح في وجه
العلة في ذلك ، فظاهر كلام المحقق الشيخ حسن ـ كما تقدم ـ ان العلة هي الاستهلاك
بسبب الامتزاج. وقد عرفت ما فيه. وظاهر العلامة في المنتهى ـ حيث قال في تعليل ذلك
: «لان المتصل بالجاري كأحد أجزائه فخرج عن البئر» ـ ان العلة في ذلك هو الخروج عن
كونه بئرا ولحوق أحكام الجاري له. ولا يخفى ما فيه. وظاهر الشهيد في الذكرى ـ حيث
قال : «وامتزاجه بالجاري مطهر ، لأنه أقوى من جريان النزح باعتبار دخول مائها في
اسمه» ـ ان العلة فيه هي الامتزاج ، حيث انه أقوى من جريان النزح. وفيه منع ان
العلة في النزح حصول الجريان ، لعدم الدليل عليه ، ولجواز ان يكون أمر آخر لا
نعلمه.
(البحث السادس) ـ المشهور بين الأصحاب ـ بل نقل الإجماع
عليه من القائلين بالتنجس ـ انه مع تعذر نزح البئر جميعا ـ لكثرة الماء فيما يجب
له ذلك ـ يجب تراوح أربعة رجال عليها يوما الى الليل ، استنادا إلى موثقة عمار
الساباطي. وقد تقدمت في البحث الرابع (1).
واعترض في المعالم على الاستدلال بالخبر المذكور بوجوه :
(أحدها) ـ كون رواته فطحية.
و (ثانيها) ـ تضمن متنه نزح الماء كله لتلك الأشياء
المذكورة فيه ، ولا قائل به من الأصحاب.
__________________
(1) في الصحيفة 369.
و (ثالثها) ـ ان ظاهره يدل على وجوب النزح يومين. ولم
يذهب إليه أحد.
والجواب عن الأول ، اما على مذاقنا فمعلوم ، واما على
مذاق القوم فعند من يعمل بالموثق منهم كذلك ايضا ، واما من يجعله من قسم الضعيف
فيجاب بان ضعفه مجبور بعمل الأصحاب وشهرته بينهم في هذا الباب.
واما عن الثاني ، فيمكن بحمل نزح الجميع على الاستحباب
أو على التغير كما ذكره في التهذيب (1) وحينئذ فتكون الرواية معمولا بها عند
الأصحاب.
واما عن الثالث. فيجوز أن لا تكون (ثم) هنا للترتيب
الخارجي ، فإنها كثيرا ما تكون كذلك ، كقوله سبحانه : «كَلّا
سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلّا سَيَعْلَمُونَ» (2) والجواب
باحتمال كونها من كلام الراوي بعيد.
ثم ان الأصحاب (رضوان الله عليهم) ذكروا لذلك أحكاما
ربما يستفاد أكثرها من النص المذكور.
(منها) ـ كون النزح نهارا ، للفظ اليوم في الرواية ، فلا
يجزئ الليل ولا الملفق منهما وان زاد عن مقدار يوم. وقوفا على ظاهر النص.
و (منها) ـ انه لا فرق في اليوم بين القصير والطويل.
عملا بالإطلاق. ولهم في تحديد اليوم المذكور عبارات مختلفة. ففي كلام الشيخ المفيد
من أول النهار الى آخره وتبعه على ذلك جماعة. وفي عبارة الصدوقين من الغدوة إلى
الليل ، وفي نهاية الشيخ من الغدوة إلى العشية. قال في المعتبر بعد نقل هذه
الأقوال : «ومعاني هذه الألفاظ متقاربة ، فيكون النزح من طلوع الفجر الى غروب
الشمس أحوط ، لأنه يأتي على الأقوال» انتهى. وقال الشهيد في الذكرى بعد ذكر اختلاف
العبارات في ذلك : «الظاهر انهم أرادوا به يوم الصوم فليكن من طلوع الفجر الى غروب
الشمس. لأنه
__________________
(1) في الصحيفة 69.
(2) سورة النبإ. الآية 5 و 6.
المفهوم من اليوم مع تحديده بالليل»
واعترضه في المعالم ـ بعد أن استحسن ما ذكره المحقق من الاحوطية ـ بان الحمل على
يوم الصوم يقتضي عدم الاجتزاء باليوم الذي يفوت من اوله جزء وان قل ، وعباراتهم لا
تدل عليه بل ظاهرها ما هو أوسع من ذلك ، ولفظ الرواية أيضا محتمل لصدق اسم اليوم
وان فات منه بعض الاجزاء ان كانت قليلة. انتهى. وهو حسن.
و (منها) ـ ان جملة من المتأخرين أوجبوا ـ تفريعا على
القول بوجوب كون النزح يوم الصوم ـ إدخال جزء من الليل أولا وآخرا من باب مقدمة
الواجب. وربما أوجب بعضهم تقديم التأهب بتهيئة الآلات قبل الجزء المجعول مقدمة.
والظاهر ان هذه التدقيقات الناشئة من اعتباره كيوم الصوم غير واضحة.
و (منها) ـ كون طريق تراوح الأربعة بأن ينزح كل اثنين
وقتا ، بان يكون أحدهما فوق البئر يمتح بالدلو والآخر فيها يملأها ، ثم يستريحان
فيقوم الآخران كذلك كذا ذكره جملة منهم. وتخصيص النزح بالكيفية المخصوصة لا دليل
في النص عليه. بل يكفي أن يكونا معا في أعلى البئر يمتحان الدلو. بل الظاهر انه
الاولى (1) ، لأنه هو
المتعارف ، الا ان يبلغ الماء في القلة الى ان الدلو بمجرد وضعه لا يمتلئ ماء بل
يحتاج الى وضع الماء فيه. فيتم ما ذكروه ، إلا ان كلامهم أعم من ذلك.
و (منها) ـ انه يستثني لهم من الاشتغال بالنزح الصلاة
جماعة والأكل جميعا صرح به الشهيدان وجماعة. وعللوه باقتضاء العرف له ، واقتصر بعض
على الأول. فارقا بينهما بأن الثاني يمكن حصوله حال الراحة بخلاف الأول ، فإن
الفضيلة الخاصة للجماعة لا تحصل إلا به. وربما نفى بعضهم الاستثناء من أصله.
__________________
(1) وبما استظهرناه صرح بعض علمائنا المتأخرين. قال : لأنه
الأقرب المتعارف ونقل (قدسسره) عن ابن إدريس انه صرح بأن كيفية
التراوح ان يستقى اثنان بدلو واحد يتجاذبانه الى ان يتعبا ، فإذا تعبا قعدا وقام
هذان واستراح الآخران (منه قدسسره).
و (منها) ـ انه يشترط كون الأربعة رجالا ، صرح به الأكثر
، لمفهوم لفظ القوم على ما نص عليه جملة من أهل اللغة من الاختصاص بالرجال (1) وقال المحقق
في المعتبر : «ان عملنا بالخبر المتضمن لتراوح القوم اجتزأنا بالنساء والصبيان»
وردّ بما تقدم. وفيه ان صاحب القاموس قد ذكر من أحد معاني القوم ما يدخل فيه
النساء ، حيث قال : «القوم الجماعة : من الرجال والنساء معا أو الرجال خاصة أو
تدخله النساء على التبعية» انتهى. ونقل في كتاب مجمع البحرين عن الصنعاني انه ربما
دخل النساء تبعا ، لان قوم كل نبي رجال ونساء. وعلى هذا يزول الإشكال بالنسبة الى
النساء وإنما يبقى الكلام في الصبيان. وشرط بعضهم في الاجتزاء بالنساء عدم قصور
نزحهن عن نزح الرجال. والأحوط بل الأظهر الاقتصار على الرجال ، ويدل على ذلك ما في
كتاب الفقه الرضوي. حيث قال (عليهالسلام) (2) : «فان كان
كثيرا وصعب نزحه فالواجب عليه ان يكتري أربعة رجال يستقون منها على التراوح من
الغدوة إلى الليل».
و (منها) ـ عدم اجزاء ما دون الأربعة وان نهض بعملهم ،
وقوفا على ظاهر الخبر من قوله : «يتراوحون اثنين اثنين». واستقرب في التذكرة
الاجتزاء بالاثنين القويين اللذين ينهضان بعمل الأربعة. واما الزيادة عليها
فاجازوها من باب مفهوم الموافقة الا ان يفضي التكثر الى الإبطاء وتضييع الوقت.
__________________
(1) قال الجوهري : «القوم : الرجال دون النساء» وقال ابن
الأثير في نهايته : «القوم في الأصل مصدر قام فوصف به ثم غلب على الرجال دون
النساء ، ولذلك قابلهن به» يعني في قوله تعالى : «لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ وَلا
نِساءٌ مِنْ نِساءٍ ...» قال زهير :
«وما ادري وسوف أخال أدري |
|
أقوم آل حصن أم نساء» |
(منه رحمهالله).
(2) في الصحيفة 5.
(البحث السابع) ـ لا خلاف بين الأصحاب في ان البئر لا
ينجس بالبالوعة وان قربت منه ، الا ان يعلم تعدي ما فيها إلى البئر ـ بناء على
القول بانفعالها بالملاقاة ـ أو بتغير ماء البئر بها على ما اخترناه.
ويدل على ذلك ـ مضافا الى ما دل على أصالة الطهارة عموما
وخصوصا ـ رواية محمد بن ابي القاسم عن ابي الحسن (عليهالسلام) المتقدمة في
أدلة القوم بعدم نجاسة البئر بالملاقاة (1) واما ما يوهم خلاف ذلك ـ كحسنة
الفضلاء المتقدمة في أدلة القول بنجاسة البئر بالملاقاة (2) ـ فقد عرفت
الجواب عنها ثمة. ويزيده تأكيدا ان العمل بظاهرها ـ من الحكم بالنجاسة بمجرد ظن
السريان ـ مما تدفعه الأخبار المستفيضة بعدم نقض اليقين إلا بمثله ، وان الشك لا
يعارض اليقين ، فلا بد من تأويله بما ذكرنا آنفا.
ثم ان المشهور بين الأصحاب انه يستحب التباعد بين البئر
والبالوعة بخمسة أذرع في الأرض الصلبة أو مع فوقية قرار البئر ، وبسبعة فيما عدا
ذلك. والصور على هذا القدر ست ، وذلك لان الأرض اما ان تكون صلبة أو رخوة. وعلى كل
منهما اما ان تكون البئر أعلى قرارا أو أنزل أو مساوية. ففي أربع صور منها ـ وهي
الصلبة بأقسامها الثلاثة وعلو قرار البئر في الرخوة ـ يستحب التباعد بخمسة أذرع ،
وما عدا ذلك بسبعة أذرع.
وضم جمع من المتأخرين إلى الفوقية الحسية الفوقية بالجهة
في صورة تساوي القرارين ، بناء على ان جهة الشمال أعلى وان مجاري العيون منها.
وحينئذ يحصل من ذلك الفوقية والتحتية والتساوي بحسب الجهة أيضا. وبذلك تصير صور
المسألة أربعا وعشرين وان لم يكن لبعضها تأثير في اختلاف الحكم في المسألة ،
وتفصيلها انه باعتبار
__________________
(1) في الصحيفة 356 وقد تقدم ان اسم الراوي في كتب الحديث
والرجال (محمد بن القاسم).
(2) في الصحيفة 358.
الجهة تحصل اربع صور ، لأن البئر اما
أن تكون في جهة الشمال والبالوعة في الجنوب أو بالعكس ، أو تكون البئر في جهة
المغرب والبالوعة في جهة المشرق أو بالعكس وعلى كل من هذه الصور الأربع تجري الست
المتقدمة. ومن ضرب أربع في ست تحصل اربع وعشرون. ففي سبع عشرة منها يكون التباعد
بخمسة أذرع ، وفي سبع منها بسبعة أذرع (1).
وقال بعض فضلاء متأخري المتأخرين ـ بعد ان نقل عنهم ـ أولا
ان ـ في صورة التعارض بين الفوقيتين يجعلونه بمنزلة التساوي ـ ما صورته : «وفي
كلام جمع من الأصحاب هنا تأمل ظاهر ، إذ ذكروا ان التباعد بسبع في سبع وبخمس في
الباقي والاعتبار يقتضي ان يكون التباعد بسبع في ثمان أو ست ، لان فوقية القرار
اما ان تعارض فوقية الجهة وتصير بمنزلة التساوي أولا ، فعلى الأول الأول وعلى
الثاني الثاني واما اعتبار الجهة في البئر دون البالوعة فتحكم» انتهى.
(أقول) : ما نقله عنهم ـ من انه مع تعارض الفوقيتين
يجعلونه بمنزلة التساوي ثم اعترض عليهم بسببه ـ لم أقف عليه فيما حضرني من كلامهم
، بل صرح غير واحد منهم بأن الفوقية بالجهة إنما تعتبر في الرخاوة مع تساوي
القرارين ، ومقتضى ذلك
__________________
(1) لأنك قد عرفت ان التباعد بخمسة أذرع في أربع صور من الست
المتقدمة والست هنا قد فرضناها في كل من هذه الصور الأربع ، وحينئذ فتؤخذ الأربع
المذكورة من كل واحدة من هذه الأربع هنا فتحصل ست عشرة ، وتزيد واحدة وهي فوقية
الجهة في صورة كون البئر في جهة الشمال مع رخاوة الأرض وتساوى القرارين ، فتحصل
سبع عشرة حينئذ ، وقد عرفت ايضا ان التباعد بسبعة أذرع في صورتين من الست المذكورة
، وهما صورتا الرخوة الباقيتان ، لخروج صورة علو قرار البئر من صورها ، فتؤخذ
الاثنتان من كل من الأربع وتزيد واحدة وهي تساوى القرارين في الأرض الرخوة مع كون
البالوعة في جهة الشمال وهي عكس الصورة المزيدة سابقا (منه رحمهالله).
اختصاص اعتبارها بالبئر دون البالوعة.
ولهذا صرح شيخنا الشهيد الثاني في الروض ـ في صورة كون البئر في جهة الجنوب مع
رخاوة الأرض وعلو قرار البئر ـ بأنه يستحب التباعد بخمسة أذرع نظرا الى علو قرار
البئر. وبمقتضى ما ذكره من تعارض القرارين مطلقا ينبغي ان يكون بسبعة.
ونقل عن ابن الجنيد في هذه المسألة ما يخالف المشهور.
إلا ان النقل عنه مختلف ، فنقل الأكثر عنه انه قال : «ان كانت الأرض رخوة والبئر
تحت البالوعة فليكن بينهما اثنا عشر ذراعا ، وان كانت صلبة أو كانت البئر فوق
فليكن بينهما سبعة أذرع» وخطأ هذا النقل في المعالم. ونقل عنه انه قال في المختصر
ما صورته : «لا استحب الطهارة من بئر تكون بئر النجاسة التي تستقر فيها من أعلاها
في مجرى الوادي ، إلا إذا كان بينهما في الأرض الرخوة اثنى عشر ذراعا وفي الأرض
الصلبة سبعة أذرع ، فإن كانت تحتها والنظيفة أعلاها فلا بأس ، وان كانت محاذيتها
في سمت القبلة فإذا كان بينهما سبعة أذرع فلا بأس ، تسليما لما رواه ابن يحيى عن
سليمان الديلمي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1)» انتهى. ثم
قال في المعالم : «والذي يستفاد من هذه العبارة انه يرى التقدير بالاثني عشر
بشرطين : رخاوة الأرض وتحتية البئر. ومع انتفاء الشرط الأول بسبع ، وكذا مع استواء
القرار إذا كانت المحاذاة في سمت القبلة ، يعني ان إحداهما كانت في جهة المشرق
والأخرى في محاذاتها من جهة المغرب. وهذا الاعتبار يلتفت الى اعتبار الفوقية في
الجهة كما حكيناه عن البعض ، فحيث تكون المحاذاة في غير جهة القبلة تكون إحداهما
في جهة الشمال فتصير أعلى. وقوله ـ : فان كانت تحتها والنظيفة أعلاها فلا بأس ـ ظاهر
في نفي التقدير حينئذ» انتهى.
__________________
(1) رواه صاحب الوسائل في الباب ـ 24 ـ من أبواب الماء المطلق.
والسند هكذا : «محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن احمد بن يحيى عن إبراهيم بن
إسحاق عن محمد ابن سليمان الديلمي عن أبيه قال سألت أبا عبد الله. الحديث» وسيأتي
الخبر في الصحيفة 388.
واستدل على المشهور برواية الحسن بن رباط عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن البالوعة تكون فوق البئر. قال : إذا كانت فوق البئر فسبعة أذرع ، وان كانت أسفل
من البئر فخمسة أذرع من كل ناحية ، وذلك كثير» (2).
ورواية قدامة بن ابي يزيد الحمار عن بعض أصحابنا عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
كم ادنى ما يكون بين البئر والبالوعة؟ فقال : ان كان سهلا فسبعة أذرع وان كان جبلا
فخمسة أذرع ، ثم قال : يجري الماء إلى القبلة إلى يمين ، ويجري عن يمين القبلة إلى
يسار القبلة ، ويجري عن يسار القبلة إلى يمين القبلة ، ولا يجري من القبلة إلى دبر
القبلة».
وجه الاستدلال بهما ان في كل من الروايتين إطلاقا
وتقييدا فيجب الجمع بينهما بحمل المطلق من كل منهما على المقيد من الأخرى ، وذلك
بالنسبة إلى التقدير بالسبعة ، فإنه في الرواية الأولى مطلق بالنسبة إلى صلابة
الأرض ورخاوتها ، والثانية قد اشتملت مع الصلابة على خمسة ، فتحمل السبعة في
الأولى على الرخاوة خاصة جمعا (4). والسبعة في الرواية الثانية أيضا
مطلق بالنسبة إلى فوقية البالوعة على البئر وعكسه ، وفي الأولى
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 24 ـ من أبواب الماء
المطلق.
(2) ما ذكره مطابق لما في الكافي ، واما رواية التهذيب فهي
هكذا : «قال : إذا كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع ، وإذا كانت فوق البئر فسبعة
أذرع من كل ناحية ، وذلك كثير».
(3) المروية في الوسائل في الباب ـ 24 ـ من أبواب الماء
المطلق. والراوي لهذه الرواية قد أهمل في كتب الرجال. وفي حاشية الوافي ان كنية
أبيه (أبو يزيد) كما في الكافي لا (أبو زيد) وإسقاط الياء ـ كما في عامة نسخ
التهذيبين ـ من تحريف النساخ ، وان (الحمار) بالحاء المهملة وتشديد الميم. انتهى.
ويؤيد ذلك انه قد ذكر في باب الكنى من كتب الرجال (أبو يزيد الحمار) فان من
المحتمل ان يكون أبا قدامة هذا.
(4) وحينئذ يكون معنى الرواية الاولى انه إذا كانت البالوعة
فوق البئر فسبعة ما لم تكن الأرض صلبة فإنه تكفى الخمسة (منه قدسسره).
قد خص السبعة بفوقية البالوعة والخمسة
بعكسه ، وحينئذ فتحمل السبعة المطلقة على فوقية البالوعة (1). ويتلخص من
ذلك ان السبعة حينئذ مقيدة برخاوة الأرض مع عدم كون قرار البئر أعلى ، وهو أعم من
أن يكون مساويا أو يكون قرار البالوعة أعلى.
وأورد عليه ان الجمع بين الخبرين المذكورين لا ينحصر في
الطريق المذكور ، إذ كما يقيد الحكم بالسبعة في الموضعين يمكن ان يقيد الحكم
بالخمسة فيهما (2). وفيه انه لا
يخفى ان الغرض من التحديد في هذه الأخبار والشروط المذكورة فيها إنما هو منع تعدي
ماء البالوعة إلى البئر ، فمع السهولة فيما عدا صورة علو قرار البئر لما كان مظنة
التعدي كان اعتبار البعد بالسبعة أليق ، ومع الصلابة وكذا مع علو قرار البئر في
السهلة لما كان مظنة عدم التعدي حسن الاقتصار على الخمسة ، فلا يحتاج الى قيد آخر
، ومن ذلك يعلم حكم المساواة في صورة الرخاوة وانه يستحب أن يكون بسبعة. وبذلك
يظهر ما في كلام شيخنا الشهيد الثاني من إنكار المستند في ذلك ، حيث قال في كتاب
الروض : «والرواية التي هي مستند الحكم ليس فيها ما يدل على حكم التساوي ، لأنه
جعل السبع مع فوقية البالوعة والخمس مع فوقية البئر. والتساوي مسكوت عنه» انتهى. فإنه
وان لم تدل عليه الرواية الأولى لكنه داخل تحت الرواية الثانية ، حيث حكم فيها
بأنه ان كان سهلا فسبع ، خرج عنه بالتقييد بالرواية الأولى صورة ارتفاع البئر
قرارا أو جهة على القول الآخر كما عرفت. فيبقى الباقي.
__________________
(1) ويكون معنى الرواية الثانية : ان كان سهلا فسبعة أذرع ما
لم يكن قرار البئر أعلى فإنه تكفى الخمسة (منه قدسسره).
(2) فيقال : التقدير بالخمسة في الخبر الأول مقيد بالصلابة
لدلالة الثانية على السبعة في صورة الرخاوة. وتقيد في الثانية بعدم فوقية البالوعة
، لدلالة الأولى على السبعة في صورة فوقية البالوعة (منه قدسسره).
ثم ان بعض الأصحاب عبر في هذا المقام بأنه إذا كانت
البئر فوق البالوعة جهة أو قرارا أو كانت الأرض صلبة فخمس وإلا فسبع ، وعلى هذا
يكون حكم المساواة في صورة الرخاوة ما ذكرنا من السبع ، وبعضهم ـ كالعلامة في
الإرشاد ـ قال : انه إذا كانت البئر تحت البالوعة أو كانت الأرض سهلة فسبع وإلا
فخمس. وعلى هذا فحكم المساواة في الصورة المذكورة خمس. وهو غير جيد ، لما عرفت.
وقد تلخص من هذا انه يستحب التباعد بخمس في صور الصلبة
جميعا وصورة علو البئر قرارا أو جهة ، وما عداه فبسبع.
واستدل ابن الجنيد ـ كما أشرنا إليه فيما قدمنا من كلامه
، وبذلك ايضا استدل له في المختلف ـ برواية محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن البئر
يكون الى جنبها الكنيف. فقال لي : ان مجرى العيون كلها من مهب الشمال ، فإذا كانت
البئر النظيفة فوق الشمال والكنيف أسفل منها لم يضرها إذا كان بينهما اذرع. وان
كان الكنيف فوق النظيفة فلا أقل من اثني عشر ذراعا ، وان كان تجاها (2) بحذاء القبلة
وهما مستويان في مهب الشمال فسبعة أذرع».
ولا يخفى عليك ان الرواية المذكورة غير منطبقة على مذهب
ابن الجنيد على كلا النقلين.
(اما على الأول) فلأنهم نقلوا عنه التباعد بسبع أذرع في
صورة فوقية البئر ، مع انه ليس في الرواية المذكورة لذلك اثر.
و (اما على الثاني) فلأنه نقل عنه التفصيل في صورة علو
البالوعة بالرخاوة والصلابة ، والرواية ـ كما ترى ـ لا تفصيل فيها لشيء من ذلك.
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 24 ـ من أبواب الماء
المطلق.
(2) كذا في التهذيب والمقنع ، وفي المختلف تجاهها (منه قدسسره).
ونقل عنه ايضا القول بأنه ان كانت البالوعة تحتها
والنظيفة أعلاها فلا بأس ، مع انه صرح في الرواية في هذه الصورة باشتراط ان يكون
بينهما اذرع. وتكلف في المعالم للجواب هنا بأنه لعل الوجه في عدم تعرض ابن الجنيد
لهذا الشرط ـ مع كونه مصرحا به في الرواية ـ هو عدم الانفكاك عنه عادة حيث يحمل
لفظ الأذرع على أقل الجمع ، فإنه من المستبعد جدا ان توضع بالوعة في جنب بئر بأقل
من ثلاثة أذرع. ولا يخلو من بعد ،
وقد جمع بعض الأصحاب بين هذه الرواية وروايتي المشهور (1) بحمل إطلاق
الأذرع في صورة فوقية البئر على الخمس ، وتقييد التقدير بالسبع في صورة المحاذاة
برخاوة الأرض وتحتية البئر وحمل الزائد على السبع في صورة فوقية الكنيف على
المبالغة في القدر المستحب. واعترضه في المعالم بان في الحمل الأول تكلفا. واما
التقييد ففاسد لان فرض المحاذاة ـ كما هو صريح لفظ الحديث ، ومقتضى المقابلة
لصورتي علو كل منهما ـ كيف يجامع الحمل على تحتية البئر؟ نعم حمل الزيادة في
الاثني عشر على المبالغة ممكن. وأجيب بأن رواية ابن رباط قرينة على الحمل بلا
تكلف. وما ذكره من فساد التقييد فاسد ، لأن المحاذاة التي في الحديث إنما هي
المحاذاة بالنسبة إلى جهة الشمال ، وكذا علو كل منهما إنما هو بالنسبة إليها ، وهو
ظاهر. فحينئذ لا ينافيان تحتية البئر بالنظر الى القرار كما هو مراد (2). وهو جيد.
هذا. والموجود في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) نسبة
الخلاف في هذه المسألة الى ابن الجنيد خاصة ، مع ان ظاهر الصدوق في المقنع ذلك
ايضا ، حيث نقل
__________________
(1) المتقدمتين في الصحيفة 386.
(2) لا يخفى انه لا حاجة في الجمع الى اعتبار تحتية البئر ،
لما عرفت من استحباب السبع في صورة التساوي كما أوضحناه آنفا. نعم لا بد من اعتبار
عدم فوقية قرارها ، وكذا لا بد في الصورة الاولى من عدم فوقية قرار البالوعة
لينطبق على المشهور. والخبران اللذان هما مستند المشهور قرينة هذا التقييد (منه رحمهالله).
مضمون الرواية المذكورة من غير اشعار
بكونها رواية ، وهو يعطي افتاءه بذلك والقول به. ثم انه (قدسسره) في الكتاب
المذكور قال بعيد ذلك : «وان أردت أن تجعل الى جنب البالوعة بئرا ، فإن كانت الأرض
صلبة فاجعل بينهما خمسة أذرع ، وان كانت رخوة فسبعة أذرع» وظاهر كلاميه يشعر
بالفرق بين البالوعة والكنيف.
إلا انه في كتاب من لا يحضره الفقيه فرض المسألة في
الكنيف ، وذكر التباعد بالسبع والخمس في صورتي الرخوة والصلبة.
هذا. وقد تقدم في حسنة الفضلاء (1) التقدير
بالسبع في صورة علو البالوعة ، وبالثلاث أو الأربع في عكسه ، قال بعض فضلاء متأخري
المتأخرين : «والاولى الوقوف على ما تضمنته حسنة الفضلاء ، لأنها أحسن سندا وأقرب
الى الاحتياط لو لا شهرة خلافه بين الأصحاب ، مع انه على المشهور يمكن الجمع بين
الروايات الثلاث بحمل الحسنة على شدة الاستحباب. وهو اولى من الطرح» انتهى.
واستند القائلون بإلحاق العلو جهة بالعلو قرارا برواية
محمد بن سليمان الديلمي المذكورة (2) ويشكل بأنهم لم يعملوا بها فيما دلت
عليه من الأحكام ، فكيف يتم لهم الاستناد إليها في خصوصية هذا الحكم؟ فإن أجيب
بأنه قد عارضها في تلك الأحكام الروايتان المتقدمتان (3) وهذا الحكم لم
يعارضها فيه شيء. قلنا : ان تلك الروايتين قد عارضتهما أيضا حسنة الفضلاء (4) مع كونها أرجح
سندا منهما ، فيجب عليهم القول بمضمونها.
ثم انه قد روى الحميري في كتاب قرب الاسناد (5) عن محمد بن
خالد الطيالسي
__________________
(1 و 4) المتقدمة في الصحيفة 358.
(2) في الصحيفة 388.
(3) في الصحيفة 386.
(5) في الصحيفة 16 وفي الوسائل في الباب ـ 24 ـ من أبواب الماء
المطلق. وفيهما بدل «تلي الوادي» هنا «مما يلي الوادي».
عن العلاء عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته
عن البئر يتوضأ منها القوم والى جانبها بالوعة. قال : ان كان بينهما عشرة أذرع
وكانت البئر التي يستقون منها تلي الوادي فلا بأس». والظاهر ان المراد بكونها تلي
الوادي يعني كونها في جهة الشمال ، بناء على ان مجرى العيون منها. ولم أقف على
قائل بمضمون هذا الخبر بل ولا على ناقل له في كتب الاستدلال.
ولا يخفى ما في ظاهر هذا الخبر مضافا الى خبر الديلمي (1) وكذا حسنة
الفضلاء (2) من الدلالة
على الفوقية بالجهة ، وبذلك ايضا يشعر خبر قدامة المتقدم (3).
أقول : ولعل اختلاف التقديرات في هذه الاخبار ـ مفصلا بالفوقية والتحتية تارة ، واخرى بالصلابة والرخاوة بالزيادة والنقصان ، ومطلقا في بعض ـ كله قرينة الاستحباب بزيادة ونقصان في مراتبه. والله اعلم.