ج12 - مصادر الزكاة

المقصد الثاني

في ما تجب فيه الزكاة من الأموال

وحيث إنه من المجمع عليه نصا وفتوى هو وجوبها في الأنعام والنقدين والغلات الأربع وأنها تستحب في بعض الأموال أيضا ، فالكلام في هذا المقصد يقتضي بسطه في مطالب أربعة :

المطلب الأول ـ في الأنعام والكلام فيه يقع في مقامات ثلاثة :

المقام الأول ـ في نصب زكاة الإبل ، وهي اثنا عشر نصابا بالإجماع من علماء الإسلام على ما نقله جملة من الأعلام (1) وكأنه بناء منهم على عدم الاعتداد بالمخالف في بعضها وشذوذه وندرته كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى من الخلاف في المقام ولا تجب في ما دون خمس من الإبل فإذا تمت خمسا ففيها شاة ثم إذا بلغت عشرا ففيها شاتان ثم خمس عشرة ففيها ثلاث شياه ثم عشرين ففيها أربع ثم خمسا وعشرين ففيها خمس ثم ستا وعشرين ففيها بنت مخاض وهي التي دخلت في الثانية ثم ستا وثلاثين ففيها بنت لبون وهي التي دخلت في الثالثة ثم ستا وأربعين ففيها حقة وهي التي دخلت في الرابعة ثم إحدى وستين ففيها جذعة وهي التي دخلت في الخامسة ثم ستا وسبعين ففيها بنتا لبون ثم إحدى وتسعين ففيها حقتان ثم مائة وإحدى وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة.

ولا خلاف في الخمسة الأول وإنما الخلاف في النصاب السادس فإن ابن أبي عقيل أسقطه وأوجب بنت مخاض في خمس وعشرين إلى ست وثلاثين وهو

__________________

(1) يظهر الحال في مذهب العامة في نصب الإبل من التعليقة الآتية.


قول الجمهور (1) كما صرح به جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم) وفي المدارك نقل هذا القول عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد ، وهو سهو منه فإن ابن الجنيد لم يسقطه غاية الأمر أنه وافق ابن أبي عقيل في إخراج بنت مخاض في خمس وعشرين. وبما ذكرنا صرح العلامة في المختلف.

ويدل على القول المشهور الأخبار الكثيرة ومنها ـ صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) المروية في الكافي والتهذيب قال : «في خمس قلائص شاة وليس في ما دون الخمس شي‌ء ، وفي عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث وفي عشرين أربع وفي خمس وعشرين خمس وفي ست وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين ـ

__________________

(1) ذكر في المغني ج 2 ص 577 نصب الإبل كما هنا بإسقاط السادس كما نقل عن ابن أبي عقيل ثم قال : وهذا كله مجمع عليه. وفي البداية ج 1 ص 238 أجمع المسلمون عليه إلا في ما زاد على عشرين ومائة ففيه الخلاف ، فإن مالكا قال إذا زاد على مائة وعشرين فالمصدق بالخيار إن شاء أخذ ثلاث بنات لبون وإن شاء أخذ حقتين ، وقال ابن القاسم من أصحابه بل يأخذ ثلاث بنات لبون من غير خيار إلى أن تبلغ ثمانين ومائة فيكون فيها حقة وابنتا لبون ، وبهذا القول قال الشافعي. وقال عبد الملك بن الماجشون من أصحاب مالك بل يأخذ الساعي حقتين فقط من غير خيار إلى إن تبلغ مائة وثلاثين. وقال الكوفيّون أبو حنيفة وأصحابه والثوري إذا زادت على مائة وعشرين عادت الفريضة بمعنى أن في كل خمس شاة ، فإذا كانت الإبل مائة وخمس وعشرين كان فيها حقتان وشاة : الحقتان المائة وعشرين والشاة للخمس. إلى آخر كلامه. وفي المهذب ج 1 ص 144 بعد أن وافق المغني والبداية في ترتيب النصب قال : إذا بلغت مائة وإحدى وعشرين كان فيها ثلاث بنات لبون ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ، والأصل فيه رواية أنس. وفي البحر الرائق ج 2 ص 213 عد النصب كما تقدم إلى مائة وعشرين ، وأما الزائد عليه فتفصيله في كل خمس شاة إلى مائة وخمس وأربعين ففيها حقتان وبنت مخاض وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق ثم في كل خمس شاة وفي مائة وخمس وسبعين ثلاث حقاق وبنت مخاض وفي مائة وست وثمانين ثلاث حقاق وبنت لبون وفي مائة وست وتسعين أربع حقاق إلى مائتين.

(2) الوسائل الباب 2 من زكاة الأنعام.


وقال عبد الرحمن هذا فرق بيننا وبين الناس ـ فإذا زادت واحدة ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة».

وصحيحة أبي بصير ـ وهو المرادي بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن الزكاة قال ليس في ما دون الخمس من الإبل شي‌ء فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشر فإذا كانت عشرا ففيها شاتان إلى خمس عشرة فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث من الغنم إلى عشرين فإذا كانت عشرين ففيها أربع من الغنم إلى خمس وعشرين فإذا كانت خمسا وعشرين ففيها خمس من الغنم فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر فإذا زادت واحدة على خمس وثلاثين ففيها ابنة لبون أنثى إلى خمس وأربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة. ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق أن يعد صغيرها وكبيرها».

وصحيحة زرارة المروية في من لا يحضره الفقيه (2) وهي مثل صحيحة أبي بصير المذكورة إلا إن آخرها هكذا : «فإذا زادت واحدة فحقتان إلى عشرين ومائة فإذا زادت على العشرين والمائة واحدة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون».

وما نقله في المعتبر (3) قال : روى أبو بصير وعبد الرحمن بن الحجاج وزرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) قالا : «إذا زادت عن خمس وعشرين ففيها بنت مخاض فإن لم تكن فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين فإن زادت فابنة لبون

__________________

(1) الوسائل الباب 2 و 10 من زكاة الأنعام.

(2) الوسائل الباب 2 من زكاة الأنعام.

(3) ص 259 والظاهر أنه يشير إلى الروايات الثلاث المتقدمة وليست رواية مستقلة.


إلى خمس وأربعين فإن زادت فحقة إلى ستين فإن زادت فجذعة إلى خمس وسبعين فإن زادت فابنتا لبون إلى تسعين فإن زادت فحقتان إلى عشرين ومائة ـ قال وهذا مذهب علماء الإسلام ـ فإن زادت ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون». قال : وبه قال علماؤنا. ثم نقل أقوال العامة. وهذه الرواية لم يتعرض لنقلها أحد من الأصحاب في كتب الاستدلال ولا من المحدثين في كتب الحديث حتى صاحب الوسائل الذي جمع فيه ما زاد على كتب الحديث الأربعة ، إلى غير ذلك من الأخبار.

احتج ابن أبي عقيل على ما نقل عنه بصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) (1) قالا : «في صدقة الإبل في كل خمس شاة إلى أن تبلغ خمسا وعشرين فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض وليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمسا وثلاثين فإذا بلغت خمسا وثلاثين ففيها ابنة لبون ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمسا وأربعين فإذا بلغت خمسا وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ ستين فإذا بلغت ستين ففيها جذعة ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمسا وسبعين فإذا بلغت خمسا وسبعين ففيها ابنتا لبون ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ تسعين فإذا بلغت تسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل ثم ليس فيها شي‌ء أكثر من ذلك حتى تبلغ عشرين ومائة فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحل فإذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون ثم ترجع الإبل على أسنانها. وليس على النيف شي‌ء ولا على الكسور شي‌ء ولا على العوامل شي‌ء إنما ذلك على السائمة الراعية. قال قلت فما في البخت السائمة؟ قال مثل ما في الإبل العربية. الحديث».

ونقل المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتاب الوسائل (2) هذا الحديث عن كتاب معاني الأخبار بما يوافق القول المشهور وذكر أنه رواه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم عن حماد بن عيسى مثله ، إلا أنه قال ـ على

__________________

(1) الوسائل الباب 2 و 7 و 3 من زكاة الأنعام.

(2) الوسائل الباب 3 من زكاة الأنعام.


ما في بعض النسخ الصحيحة ـ «فإذا بلغت خمسا وعشرين فإن زادت واحدة ففيها بنت مخاض. إلى أن قال فإذا بلغت خمسا وثلاثين فإن زادت واحدة ففيها ابنة لبون ثم قال فإذا بلغت خمسا وأربعين وزادت واحدة ففيها حقة ثم قال فإذا بلغت ستين وزادت واحدة ففيها جذعة ثم قال فإذا بلغت خمسا وسبعين وزادت واحدة ففيها ابنتا لبون ثم قال فإذا بلغت تسعين وزادت واحدة ففيها حقتان». وذكر الحديث مثله.

أقول : وقد اضطرب كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الجواب عن صحيحة الفضلاء بناء على الرواية المشهورة ، فنقل عن السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) حمل بنت المخاض على كونها بالقيمة عن الخمس شياه ، واحتمل بعض حمله على الاستحباب

والشيخ (قدس‌سره) قد أجاب عنه بأن قوله عليه‌السلام «فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض» يحتمل أن يكون المراد وزادت واحدة وإن لم يذكر في اللفظ لعلمه بفهم المخاطب ذلك ، قال : ولو لم يحتمل ما ذكرناه لكان لنا أن نحمل هذه الرواية على ضرب من التقية لأنها موافقة لمذهب العامة (1).

واعترضه المحقق في المعتبر فقال بعد نقل كلامه : والتأويلان ضعيفان ، أما الإضمار فبعيد في التأويل ، وأما التقية فكيف يحمل على التقية ما صار إليه جماعة من محققي الأصحاب ورواه أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، وكيف يذهب على مثل ابن أبي عقيل والبزنطي وغيرهما ممن اختار ذلك مذهب الإمامية من غيرهم؟ والأولى أن يقال فيه روايتان أشهرهما ما اختاره المشايخ الخمسة وأتباعهم. انتهى.

ولا يخفى ما فيه من الوهن الغني عن التنبيه عليه والتوجيه ، والحق أنه لا معدل عن أحد الوجهين اللذين ذكرهما الشيخ (قدس‌سره) ويؤيد الحمل على التقية ـ وهو الذي اختاره المحدث الكاشاني في الوافي ـ صحيحة عبد الرحمن المتقدمة وقوله فيها «هذا فرق بيننا وبين الناس» مع ما عرفت من أنه مذهب الجمهور ، إلا أنه يخدشه أن الإشكال في الصحيحة المذكورة ليس مخصوصا بهذا الموضع بل الإشكال

__________________

(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 44.


في جملة النصب المتأخرة إلى النصاب الأخير ، فإنه لا قائل بذلك من العامة ولا من الخاصة وهو خلاف جملة الأخبار الواردة في المسألة ، والأمر دائر بين شيئين : إما رد الرواية المذكورة من هذه الجهة مع ما هي عليه من الصحة والإسناد إلى إمامين واشتمالها على نصب الأنعام الثلاثة وجملة من أحكامها كما سيأتي نقل ذلك كل في موضعه وهو مشكل لا يمكن التزامه ، وإما قبولها وحملها على ما يقوله الشيخ من الإضمار والتقدير في كل نصاب ، وهو وإن بعد لعدم كونه معهودا في الكلام إلا أنه في مقام الجمع مما لا بد منه. وأما كلام صاحب المعتبر فإنه غير موجه ولا معتبر كما لا يخفى على من تأمل بعين الإنصاف ونظر.

وينبغي التنبيه على أمور

الأول ـ لا يخفى أنه قد وقع الخلاف في هذا المقام أيضا في مواضع : منها ـ ما ذهب إليه ابن الجنيد من أن الواجب في خمس وعشرين بنت مخاض أنثى فإن لم تكن فابن لبون فإن لم يكن فخمس شياه. ولم نقف له في الأخبار على مستند.

ومنها ـ ما نقله في المختلف عن الشيخ علي بن بابويه من أنه قال في رسالته فإذا بلغت خمسا وأربعين وزادت واحدة ففيها حقة ـ وسميت حقة لأنها استحقت أن يركب ظهرها ـ إلى أن تبلغ ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين فإن زادت واحدة ففيها ثني. ثم قال في المختلف : وهو قول ابنه محمد في كتاب الهداية. ولم يوجب باقي علمائنا في إحدى وثمانين شيئا أصلا عدا نصاب ست وسبعين. ثم استدل على القول المشهور بالأخبار المتقدمة.

أقول : ما نقله هنا من عبارة الرسالة هو عين عبارة كتاب الفقه الرضوي كما قدمنا لك أمثال ذلك في مواضع عديدة من كتاب الصلاة ، فإنه عليه‌السلام قال (1) بعد ذكر النصب المتقدمة كما مر في الأخبار : «فإذا بلغت خمسا وأربعين وزادت واحدة ففيها حقة ـ وسميت حقة لأنها استحقت أن يركب ظهرها ـ إلى أن تبلغ ستين فإذا

__________________

(1) ص 22.


زادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين فإذا زادت واحدة ففيها ثني».

ومنه يعلم أن مستند الصدوقين هنا إنما هو الكتاب المذكور كما تقدم في تلك المواضع. إلا إن الحكم غريب لخروجه عن مقتضى الأخبار الكثيرة المتفق عليها بين الطائفة سواهما (رضي‌الله‌عنهما).

ولا يخفى ما في تمسكهما بهذا الكتاب في مثل هذا المقام من الدلالة على يقينهما بكونه عنه عليه‌السلام وثبوته زيادة على تلك الأخبار ، وإلا فكيف يجوز منهما الخروج عن تلك الأخبار الصحيحة الصريحة مع قرب العهد إلى العمل بهذا الكتاب.

ومنها ـ النصاب الأخير فقد نقل فيه الخلاف عن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في الإنتصار كما نقله في المختلف ، وليس في التعرض لنقله كثير فائدة وإن ادعى عليه الإجماع مع مخالفته له في سائر كتبه ولا سيما المسائل الناصرية ، ومن أحب الوقوف على ذلك فليرجع إلى كتاب المختلف.

الثاني ـ قد اشتمل بعض الأخبار المتقدمة على أن الواجب إخراجه في النصاب الأخير ـ وهو مائة وإحدى وعشرون ـ في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون ، ومنها صحيحة زرارة المتقدم نقلها عن الفقيه ، ورواية أخرى له في التهذيب أيضا (1) وصحيحة الفضلاء ، وظاهر هذه الروايات التخيير بين هذين الفردين بعد العد بأحد العددين ، وبه صرح شيخنا الشهيد الثاني في فوائد القواعد كما نقل عنه ونسبه إلى ظاهر الأصحاب.

وظاهره (قدس‌سره) في كتاب المسالك بل صريحه أن المراد بذلك كون النصاب أمرا كليا لا ينحصر في فرد وأن التقدير بالأربعين والخمسين ليس على وجه التخيير مطلقا بل يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب ، فإن أمكن بهما تخير وإن لم يمكن بهما وجب اعتبار أكثرهما استيعابا مراعاة لحق الفقراء ولو لم يمكن إلا بهما وجب الجمع ، فعلى هذا يجب تقدير أول هذا النصاب وهو المائة وإحدى وعشرون

__________________

(1) الوسائل الباب 2 من زكاة الأنعام.


بالأربعين وتقدير المائة والخمسين بالخمسين والمائة والسبعين بهما ، ويتخير في المائتين وفي الأربعمائة بين اعتباره بهما وبكل واحد منهما. انتهى. وبمثل ذلك صرح المحقق الشيخ علي والعلامة في المنتهى ، والظاهر أنه هو المشهور كما يفهم من عبارة المنتهى.

وفيه أن ظاهر ما ورد بالعد بالخمسين خاصة كما تقدم في صحيحتي عبد الرحمن وأبي بصير يدفع ذلك ، فإن ظاهرهما العد بالخمسين مطلقا ولو في نصاب المائة وإحدى وعشرين الذي أوجب فيه العد بالأربعين خاصة ، ولو كان العد في هذا الموضع متعينا بالأربعين كما ذكره (قدس‌سره) لما ساغ إطلاق هذه الأخبار بالعد بالخمسين. وأيضا فإن التخيير في صحيحتي الفضلاء وزرارة وقع على أثر ذكر نصاب مائة وإحدى وعشرين الذي أوجب فيه العد بالأربعين خاصة ، ولو تعين فيه العد بالأربعين لم يحسن ذكر التخيير في صورة لا يجوز فيها إلا أحدهما. وبالجملة فإن الروايات كملا لا تجتمع إلا على القول بالتخيير مطلقا كما هو ظاهر تلك الأخبار المشتملة على الأربعين والخمسين ، نعم ما ذكره متضمن للاحتياط ولا ريب في أولويته وأما تعينه فهو خلاف ظاهر تلك الأخبار كما عرفت.

الثالث ـ هل الواحدة الزائدة على المائة وعشرين جزء من النصاب أو شرط في الوجوب وليست بجزء ، فلا يسقط بتلفها بعد الحول بغير تفريط شي‌ء كما لا يسقط في الزائد عنها من ما ليس بجزء ، للأربعين أو الخمسين على المشهور بين المتأخرين؟ فيه وجهان ، اختار أولهما العلامة في النهاية ، وثانيهما جملة من المتأخرين ، وتوقف في البيان ، من حيث اعتبارها نصا الموجب للجزئية ، ومن إيجاب الفريضة في كل خمسين وأربعين الظاهر في خروجها.

الرابع ـ قد صرح الأصحاب بأن الزكاة في الإبل بنوعيها من البخت والعراب وعلى ذلك دلت صحيحة الفضلاء المتقدمة (1) حيث قال فيها : «قلت ما في البخت السائمة؟ قال مثل ما في الإبل العربية». قال في المصباح المنير : والبخت نوع من الإبل

__________________

(1) ص 46.


الواحد بختي مثل روم ورمي ويخفف ويثقل. انتهى. والأصحاب عبروا عنها بالإبل الخراسانية ويؤيده مقابلتها في الخبر بالإبل العربية.

الخامس ـ الأظهر تخير المالك في إخراج ما شاء إذا كان بصفة الواجب كما اختاره جملة من الأصحاب ، وقيل إنه إذا وقعت المشاحة يقرع حتى تبقى السن التي تجب ، بأن يقسم ما جمع الوصف قسمين ثم يقرع بينهما ثم يقسم ما خرجت عليه القرعة وهكذا حتى يبقى قدر الواجب. نقل ذلك عن الشيخ وجماعة ولم نقف لهم على مستند على الخصوص.

ويدل على الأول صحيحة بريد العجلي (1) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : بعث أمير المؤمنين عليه‌السلام مصدقا من الكوفة إلى باديتها فقال له يا عبد الله انطلق. إلى أن قال فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه فإن أكثره له فقل يا عبد الله أتأذن لي في دخول مالك فإن أذن لك فلا تدخله دخول متسلط عليه فيه ولا عنف به ، فاصدع المال صدعين ثم خيره أي الصدعين شاء فأيهما اختار فلا تعرض له ثم اصدع الباقي صدعين ثم خيره فأيهما اختار فلا تعرض له ، فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله في ماله فإذا بقي ذلك فاقبض حق الله منه ، فإن استقالك فأقله ثم اخلطهما واصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق الله في ماله. الحديث». ونحوه في الدلالة على المراد غيره ولكن ليس بهذا التفصيل. وهذا الحكم جار في غير الإبل من المواشي الزكوية.

السادس ـ قال شيخنا الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه (2) قال مصنف هذا الكتاب (رحمة الله) أسنان الإبل أول ما تطرحه أمه إلى تمام السنة حوار فإذا دخل في الثانية سمي ابن مخاض لأن أمه قد حملت ، فإذا دخل في الثالثة سمي ابن لبون لأن أمه قد وضعت وصار لها لبن ، فإذا دخل في الرابعة سمي الذكر حقا

__________________

(1) الوسائل الباب 14 من زكاة الأنعام.

(2) ج 2 ص 13.


والأنثى حقة لأنه قد استحق أن يحمل عليه ، فإذا دخل في الخامسة سمي جذعا ، فإذا دخل في السادسة سمي ثنيا لأنه قد ألقى ثنيته ، فإذا دخل في السابعة ألقى رباعيته وسمي رباعيا ، فإذا دخل في الثامنة ألقى السن التي بعد الرباعية وسمي سديسا ، فإذا دخل في التاسعة فطر نابه وسمي بازلا ، فإذا دخل في العاشرة فهو مخلف ، وليس له بعد هذا اسم ، والأسنان التي تؤخذ في الصدقة من ابن المخاض إلى الجذع. انتهى. وبمثل ذلك صرح ثقة الإسلام الكليني والشيخ ، والصدوق قد علل كلا من هذه الأسنان إلا الجذع ، وقد علل التسمية بذلك لأنه يجذع مقدم أسنانه أي يسقط.

السابع ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن من وجبت عليه سن من الإبل وليس عنده إلا الأعلى منه بسن دفعه واستعاد من المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ومن لم يكن عنده إلا الأدنى بسن دفعه ووجب عليه أن يجبره بشاتين أو عشرين درهما ، والحكم مجمع عليه بينهم في ما أعلم.

ويدل عليه أيضا ما رواه في الكافي عن محمد بن مقرن بن عبد الله بن زمعة بن سبيع عن أبيه عن جده عن جد أبيه (1) «أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كتب له في كتابه الذي كتب له بخطه حين بعثه على الصدقات : من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليس عنده جذعة وعنده حقة فإنه تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنه تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته حقة وليست عنده حقة وعنده ابنة لبون فإنه تقبل منه ابنة لبون ويعطى معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده حقة فإنه تقبل منه الحقة ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده ابنة مخاض فإنه تقبل منه ابنة مخاض ويعطي معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته ابنة مخاض وليست عنده ابنة مخاض

__________________

(1) الوسائل الباب 13 من زكاة الأنعام.


وعنده ابنة لبون فإنه تقبل منه ابنة لبون ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ومن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه ابن لبون وليس معه شي‌ء. الحديث». ورواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام مثله (1).

وجمهور المتأخرين ومتأخريهم ومنهم السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة وغيرهما لم ينقلوا إلا الخبر الأول واعتذروا عن ضعف سنده باتفاق الأصحاب على القول بمضمونه مع أن صحيحة زرارة المشار إليها صريحة في ذلك غنية عن هذا الاعتذار.

ونقل عن الشيخ علي بن بابويه وابنه الصدوق في المقنع جعل التفاوت بين بنت المخاض وبنت اللبون شاة يأخذها المصدق أو يدفعها. كذا نقله عنهما في المختلف

أقول : وهذا أيضا مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي حيث قال عليه‌السلام في الكتاب المذكور (2) بعد ذكر خمسة وثلاثين : فإن زادت واحدة ففيها ابنة لبون ومن لم تكن عنده وكانت عنده ابنة مخاض أعطى المصدق ابنة مخاض وأعطى معها شاة ، وإذا وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده وكانت عنده ابنة لبون دفعها واسترجع من المصدق شاة. انتهى.

فروع

الأول ـ نقل عن العلامة في التذكرة ـ وبه قطع الشهيد الثاني على ما نقله عنه سبطه في المدارك ـ الاكتفاء في الجبر بشاة وعشرة دراهم ، وكأنه بنى على التخيير بين الشاتين والعشرين درهما في الأخبار. وهو لا يخلو من وجه من حيث الاعتبار إلا أنه خلاف ظاهر النص.

الثاني ـ قد ذكر الأصحاب هنا أن الخيار في دفع الأعلى أو الأدنى وفي الجبر

__________________

(1) الوسائل الباب 13 من زكاة الأنعام.

(2) ص 22.


بشاتين أو الدراهم إلى المالك لا إلى المصدق أو الفقير سواء كانت قيمة الواجب السوقية مساوية لقيمة المدفوع على الوجه المذكور أم زائدة عليها أم ناقصة عنها لإطلاق النص. واستشكل فيه بعضهم في صورة استيعاب قيمة المأخوذ من المصدق لقيمة المدفوع إليه ، من إطلاق النص وشموله للصورة المذكورة ، ومن أن المالك كأنه لم يؤد شيئا ، كما إذا وجبت على المالك ابنة مخاض وليست عنده وأعطى عوضها سنا أعلى ابنة لبون فإنه يعطيه المصدق حينئذ عشرين درهما ، فلو فرضنا كون ابنة اللبون قيمتها السوقية يومئذ عشرين درهما فكأن المالك لم يعط شيئا بالكلية لأنه أعطى ابنة لبون وأخذ قيمتها السوقية.

وقد نقل هنا عن العلامة في التذكرة القول بعدم الإجزاء ، قال في المدارك بعد نقله عنه : وهو متجه. ونفى عنه البعد في الذخيرة أيضا ، وهو محتمل حملا للرواية على ما هو المتعارف في ذلك الزمان أو الغالب من زيادة قيمة السن الأعلى على الأدنى بذلك المقدار فلا تدخل الصورة المفروضة في إطلاق النص. وينبغي مراعاة الاحتياط في مثل ذلك.

الثالث ـ مورد الأخبار المتقدمة التفاوت بسن واحد فلو كان التفاوت بأزيد كما إذا كانت عنده ابنة مخاض وكان الواجب عليه حقة أو بالعكس فهل يكون الحكم كالأول ويتضاعف الجبران بتضاعف السن فيعطي في الصورة المفروضة ابنة مخاض مع أربع شياه أو أربعين درهما أو يرجع حينئذ إلى القيمة السوقية؟ قولان والمشهور الثاني قصرا للحكم المخالف للأصل على مورد النص فيجب أخذ القيمة. وهو جيد.

وكذا تعتبر القيمة أيضا في ما عدا أسنان الإبل من البقر والغنم ولا يجب الجبران ، فمن عدم فريضة البقر ووجد الأعلى أو الأدنى أخرجه بالقيمة فيعطى ما نقص على الأول ويسترد ما زاد على الثاني إن اقتضت القيمة السوقية ذلك.

المقام الثاني ـ في نصاب البقر ولها نصابان : ثلاثون وفيها تبيع أو تبيعة على المشهور وهو الذي دخل في الثانية ، ثم أربعون وفيها مسنة ، أما كون نصابها ذلك


فعليه الإجماع نصا وفتوى.

وينبغي أن يعلم أنه ليس المراد أن الثلاثين ينحصر في النصاب الأول والأربعين في الثاني بل إن هذا نصابها دائما كما سيظهر لك من الخبر الآتي وكذا من كلام الأصحاب ، بمعنى أن الأعداد متى تضاعفت وارتفعت فإنه يعد النصاب بالثلاثين والأربعين ، وحينئذ فمرجع النصابين إلى نصاب واحد على التخيير ويقدم ما يحصل به الاستيعاب أو يكون به أقرب إليه.

وأما كون المخرج في النصاب الأول تبيعا أو تبيعة فهو المشهور بل ادعى عليه الإجماع في المنتهى ، ونقل عن الشيخ علي بن بابويه وابن أبي عقيل إيجاب تبيع حولي خاصة ، وبه صرح الصدوق في الفقيه أيضا ، وهذا هو الذي تضمنته صحيحة الفضلاء (1) المتقدم صدرها حيث قال فيها بعد ذكر ما قدمنا نقله منها «وقالا في البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي وليس في أقل من ذلك شي‌ء ، وفي أربعين بقرة بقرة مسنة ، وليس في ما بين الثلاثين إلى الأربعين شي‌ء حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة ، وليس في ما بين الأربعين إلى الستين شي‌ء فإذا بلغت الستين ففيها تبيعان إلى السبعين ، فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع ومسنة ، إلى الثمانين ، فإذا بلغت ثمانين ففي كل أربعين مسنة إلى تسعين ، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبيعات حوليات ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففي كل أربعين مسنة ، ثم ترجع البقر على أسنانها. وليس على النيف شي‌ء ولا على الكسور شي‌ء ولا على العوامل شي‌ء إنما الصدقة على السائمة الراعية. وكل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه حتى يحول عليه الحول فإذا حال عليه الحول وجب عليه. الحديث».

والعجب من المحدث الحر في بدايته مع كونه من متصلي الأخباريين وأجلاء المحدثين أنه تبع المشهور في هذه المسألة فقال بالتخيير بين التبيع والتبيعة وترك العمل بالخبر مع صحته وصراحته ووجود القائل به من قدماء الأصحاب.

__________________

(1) الوسائل الباب 4 و 7 و 8 من زكاة الأنعام.


ومثل هذا الخبر أيضا ما صرح به في كتاب الفقه الرضوي ، والظاهر أنه هو المعتمد لما ذكره الشيخ علي بن الحسين حيث قال عليه‌السلام (1) «وفي البقر إذا بلغت ثلاثين بقرة ففيها تبيع حولي وليس فيها إذا كانت دون ثلاثين شي‌ء ، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة إلى ستين ، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان إلى سبعين ، فإذا بلغت سبعين ففيها تبيع ومسنة إلى ثمانين ، فإذا بلغت ثمانين ففيها مسنتان إلى تسعين ، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع ، فإذا كثرت البقر سقط هذا كله ويخرج من كل ثلاثين بقرة تبيعا ومن كل أربعين مسنة».

وقال في المدارك ـ بعد قول المصنف : في كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة. إلى آخره ـ ما لفظه : هذا قول العلماء كافة وقد تقدم من الأخبار ما يدل عليه.

وفيه أولا ـ أن ما ادعاه من اتفاق العلماء على التخيير في هذا النصاب وإن سبقه إليه العلامة في المنتهى إلا أنه مردود بما عرفت من خلاف أولئك الفضلاء ، ومن ثم نسبه في المختلف إلى المشهور ونقل خلاف ابن أبي عقيل وعلى بن بابويه.

وثانيا ـ أن التخيير بين الفردين المذكورين لم نقف له على دليل في الأخبار والرواية التي أشار إلى أنها تقدمت وهي صحيحة الفضلاء إنما تضمنت التبيع خاصة كما عرفت.

إلا أن المحقق في المعتبر (2) نقل صحيحة الفضلاء بما يطابق القول المشهور ولعله كان في بعض الأصول التي كانت عنده حيث قال : ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة ومحمد بن مسلم وأبو بصير والفضيل وبريد عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) «قالا في البقر في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة وليس في أقل من ذلك شي‌ء ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ أربعين ففيها مسنة ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان ثم في سبعين تبيع أو تبيعة ومسنة ثم في ثمانين مسنتان وفي تسعين ثلاث تبايع».

وهذه الرواية أيضا مثل الأولى التي نقلنا عنه في نصاب الإبل لم يتعرض لها

__________________

(1) ص 22.

(2) ص 260.


أحد من المحدثين في كتب الأخبار ولا الأصحاب في كتب الاستدلال ، وهو عجيب في المقام سيما مع خلو ما ذهبوا إليه في المسألة من الدليل ودلالة هذه الرواية عليه.

قال العلامة في المختلف : المشهور أن في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة ، اختاره الشيخان وابن الجنيد والسيد المرتضى وسلار وباقي المتأخرين ، وقال ابن أبي عقيل وعلي بن بابويه في ثلاثين تبيع حولي ولم يذكرا التبيعة ، لنا ـ أنه أشهر بين الأصحاب ولأن التبيعة أفضل من التبيع فإيجابها يستلزم إيجاب التبيع دون العكس فهو أحوط فيتعين التخيير. احتجا بما رواه زرارة ومحمد بن مسلم وأبو بصير وبريد والفضيل في الحسن عن الباقر والصادق (عليهما‌السلام) «قالا في البقر في كل ثلاثين تبيع حولي» والجواب أنه غير مانع من إيجاب الأزيد على وجه التخيير. انتهى.

وأنت خبير بما في هذا الكلام من الضعف الذي لا يخفى على سائر الأنام فضلا عن ذوي الأفهام ، وهل هو إلا محض مجازفة في الأحكام. وبالجملة فالأظهر هو ما ذكره الفضلاء المتقدمون لقيام الدليل عليه ، سيما مع تكرره في الرواية في النصب الباقية واعتضادها برواية كتاب الفقه الرضوي. وأما ما نقلناه عن المعتبر ففي النفس منه شي‌ء من حيث عدم تعرض أحد لنقل ذلك بالكلية مع تكرر النقل عن المعتبر في كتب الأصحاب في نقل الأقوال والفتاوى وهذا الموضع أولى لما عرفت.

المقام الثالث ـ في نصب الغنم وهي خمسة على المشهور وقيل أربعة ، فالأول أربعون وفيها شاة ، وذهب الصدوق في الفقيه إلى أن النصاب الأول أربعون وواحدة ، حيث قال : وليس على الغنم شي‌ء حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين وزادت واحدة ففيها شاة. ورده المتأخرون بعدم وجود الدليل.

أقول : لا يخفى أن ما ذكره الصدوق في هذا المقام من هذا الكلام من أوله إلى آخره عين عبارة كتاب الفقه الرضوي (1) ومنه يعلم أنه المستند له في ما ذكره.

ثم إنه ليس في ما زاد على ذلك شي‌ء حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين وفيها

__________________

(1) ص 22.


شاتان ثم مائتان وواحدة وفيها ثلاث شياه ثم ثلاثمائة وواحدة وهذا هو النصاب الرابع ، فقيل بأنه بعد بلوغ هذا المقدار يلغى ما تقدم ويؤخذ من كل مائة شاة فيكون الواجب هنا ثلاث شياه كما تقدم ولا يتغير الفرض إلا ببلوغ أربعمائة. وإلى هذا القول ذهب جملة من الأجلاء كالشيخ المفيد والمرتضى والصدوق وابن أبي عقيل وسلار وابن حمزة وابن إدريس ، وعلى هذا فتكون النصب أربعة. وذهب جملة : منهم ـ الشيخ وابن الجنيد وأبو الصلاح وابن البراج ـ والظاهر أنه المشهور كما يظهر من المعتبر ـ إلى أنه بعد بلوغ ثلاثمائة وواحدة يجب فيها أربع شياه إلى أن تبلغ أربعمائة فيلغى ما تقدم ويؤخذ من كل مائة شاة فيكون الواجب هنا أربع شياه ولا يتغير الفرض إلا ببلوغ خمسمائة.

ويدل على القول الأول صحيحة محمد بن قيس عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) قال «ليس في ما دون الأربعين من الغنم شي‌ء فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة. ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق. ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق. ويعد صغيرها وكبيرها».

ويدل على الثاني صحيحة الفضلاء (2) المتقدم ذكرها في المقامين المتقدمين ، حيث قالوا : «وقالا في الشاة في كل أربعين شاة شاة وليس في ما دون الأربعين شي‌ء ، ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة ، فإذا زادت على مائة وعشرين ففيها شاتان وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ، ثم ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك

__________________

(1) الوسائل الباب 6 و 11 من زكاة الأنعام.

(2) الوسائل الباب 6 من زكاة الأنعام.


ثلاث شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة فإذا تمت أربعمائة كان على كل مائة شاة وسقط الأمر الأول ، وليس على ما دون المائة بعد ذلك شي‌ء «وليس في النيف شي‌ء. وقالا كل ما لم يحل عليه من ذلك عند ربه حول فلا شي‌ء عليه فإذا حال عليه الحول وجب عليه».

أقول : ويعضد الخبر الأول ما في كتاب الفقه الرضوي حيث قال عليه‌السلام (1) وليس على الغنم شي‌ء حتى تبلغ أربعين شاة فإذا زادت على الأربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم سقط هذا كله وتخرج عن كل مائة شاة. وبهذه الرواية عبر الصدوق في الفقيه كما هي عادته غالبا في ما يفتي به من الكتاب المذكور.

والظاهر أن وجه الجمع بين الخبرين المتقدمين هو حمل صحيحة محمد بن قيس على التقية ، فإن ما تضمنته من إسقاط هذا النصاب مذهب أصحاب المذاهب الأربعة كما ذكره في التذكرة ، ونقله في المعتبر عن الشافعي وأبي حنيفة ومالك (2).

تتمة مهمة

قال في المدارك بعد الكلام في المقام : والمسألة قوية الإشكال لأن الروايتين معتبرتا الإسناد والجمع بينهما مشكل جدا ، ومن ثم أوردهما المصنف في المعتبر من غير ترجيح واقتصر في عبارة الكتاب على حكاية القولين ونسب القول الثاني إلى

__________________

(1) ص 22.

(2) أفتى بذلك الشيرازي الشافعي في المهذب ج 1 ص 148 وابن رشد المالكي في بداية المجتهد ج 1 ص 241 ونسبه إلى الجمهور إلا الحسن بن صالح فإنه قال : إذا كانت الغنم ثلاثمائة شاة وشاة ففيها أربع شياه وإذا كانت أربعمائة شاة وشاة ففيها خمس شياه. وفي بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 2 ص 28 بعد أن ذكر أن في المائتين وواحدة ثلاث شياه قال : فإذا بلغت أربعمائة ففيها أربع شياه ثم في كل مائة شاة. ثم قال هذا قول عامة العلماء وقال الحسن بن حي إذا زادت على ثلاثمائة واحدة ففيها أربع شياه وفي أربعمائة خمس شياه.


الشهرة ، وقال العلامة في المنتهى إن طريق الحديث الأول أوضح من الثاني واعتضد بالأصل فتعين العمل به. وهو غير بعيد ، مع أن الرواية الثانية مخالفة لما عليه الأصحاب في النصاب الثاني وذلك من ما يضعف الحديث ، ولو كانتا متكافئتين في السند والمتن لأمكن حمل الرواية الأولى على التقية لموافقتها لمذهب العامة أو حمل الكثرة الواقعة فيها على بلوغ الأربعمائة ويكون حكم الثلاثمائة وواحدة مهملا في الرواية. والله العالم.

أقول : ما ذكره من مخالفة الرواية الثانية وهي صحيحة الفضلاء لما عليه الأصحاب فإنه صحيح بناء على نقله لها من التهذيب فإنها فيه (1) هكذا «وليس في ما دون الأربعين شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة ففيها شاتان. إلى آخره» وأما على ما قدمناه وهو رواية الكليني في الكافي والشيخ في الإستبصار فإنه موافق لما عليه الأصحاب ، وعلى ذلك اعتمد في الوافي وكذا صاحب الوسائل لمعلومية الغلط في نقل الشيخ في التهذيب ، ولا يخفى على من له أنس بالتهذيب ما وقع للشيخ (قدس‌سره) فيه من التحريف والزيادة والنقصان في المتون والأسانيد كما تقدم التنبيه عليه في مواضع من كتاب الصلاة.

وأما ما ذكره ـ من أن الحمل على التقية فرع مكافأة السند والمتن ـ ففيه أما بالنسبة إلى المتن فقد عرفت ما فيه وأن هذا الطعن إنما نشأ من قصور تتبعه (قدس‌سره) لكتب الأخبار وجموده على مراجعة التهذيب خاصة مع اعترافه في بعض المواضع من شرحه بما وقع للشيخ فيه من ما أشرنا إليه ، وأما بالنسبة إلى السند فإنه ليس في طريق الرواية من يشير إليه كلامه سوى إبراهيم بن هاشم وحديثه عند أصحاب هذا الاصطلاح معتمد مقبول وإن عدوه في الحسن ، ولم نجد له رادا من أصحاب هذا الاصطلاح سواه في الموضع الذي يريد المناقشة فيه ، وإلا فإنه قد عده في الصحيح في مواضع من شرحه كما تقدمت الإشارة إليه في غير مقام. وبالجملة فإن كلامه في هذا

__________________

(1) ج 1 ص 355 ، واللفظ فيه لا يختلف عن الكافي ج 1 ص 151 والإستبصار ج 2 ص 22 نعم في المدارك نقله كما هنا.


الشرح مضطرب غاية الاضطراب.

وأما ما نقله عن العلامة في المنتهى ونفى البعد عنه من أوضحية السند فهو ممنوع بما ذكرناه. والأصل في مقابلة الخبر الصحيح الصريح غير معمول عليه ولا يلتفت إليه مع وجوب تحصيل يقين البراءة من التكليف الثابت بل هو حاكم عليه ورافع له.

وبالجملة فالحق أن الخبرين المذكورين صحيحان صريحان في ما دلا عليه ولا وجه للجمع بينهما إلا بحمل صحيحة محمد بن قيس على التقية كما ذكرنا.

ثم العجب منهم (قدس الله أسرارهم) في إلغاء العمل بهذه القواعد المقررة عن أئمتهم (عليهم‌السلام) مع استفاضة الأخبار بها التي من جملتها عرض الخبرين المختلفين على مذهب العامة والأخذ بخلافه (1) بل ورد العرض عليه وإن لم يكن في مقام الاختلاف (2) بل ما هو أبلغ من ذلك وهو أنه إذا احتاج إلى حكم ولم يكن في البلد من يسأله من فقهاء الشيعة سأل قاضي البلد وأخذ بخلافه (3) كما لا يخفى على من أحاط بالأخبار وجاس خلال تلك الديار ، وهم ينقلون هنا أن صحيحة محمد بن قيس موافقة لمذهب أئمة المخالفين الأربعة وأتباعهم (4) ومع هذا يكابرون على العمل بها ويرجحونها على ما عارضها إعراضا عن تلك القواعد المقررة والضوابط المعتبرة ، وليس البحث معهم في ذلك مخصوصا بهذا المقام بل هذه عادتهم في جميع أبواب الفقه كما نبهنا عليه في غير موضع من كتابنا هذا.

وليت شعري إلى من خرجت هذه الأخبار عنهم (عليهم‌السلام) بهذه الضوابط والقواعد ومن المخاطب والمكلف بها في جميع الموارد؟ هل إلى غير هذه الشريعة؟ أم إلى شيعة غير هذه الشيعة؟ إذا أعرضوا عنها في جميع أبواب الفقه كما عرفت وستعرف ، سامحنا الله وإياهم بعفوه وغفرانه.

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضى به.

(4) ارجع إلى التعليقة 2 ص 59.


وأما ما ذكره (قدس‌سره) ـ من احتمال حمل الكثرة في رواية محمد بن قيس على بلوغ الأربعمائة ويكون حكم الثلاثمائة وواحدة فيها مهملا ـ فقد تبعه فيه جملة من أفاضل متأخري المتأخرين حتى زعموا أنه لا تنافي بين الخبرين ، قال في الوسائل بعد ذكر صحيحة محمد بن قيس ما صورته : أقول حكم الثلاثمائة وواحدة غير مذكور هنا صريحا فلا ينافي الحديث الأول. انتهى.

والظاهر أنه مبني على ما ذكره بعض الفضلاء في هذا المقام حيث قال : وقد ظن جمع من متأخري الأصحاب أن بين هذا الحديث وحديث محمد بن قيس تعارضا في حكم زيادة الواحدة تحوج إلى الترجيح لإشكال الجمع ، والحق أنه لا تعارض بين الخبرين لخلو رواية محمد بن قيس عن التعرض لذكر زيادة الواحدة على الثلاثمائة ، فإن قوله : «فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة» يقتضي كون بلوغ الثلاثمائة غاية لفرض الثلاث داخلة في المغيا كما هو الشأن في أكثر الغايات الواقعة فيه وفي غيره من الأخبار المتضمنة لبيان نصب الإبل والغنم ، والكلام الذي بعده يقتضي إناطة الحكم بوصف الكثرة وفرض زيادة الواحدة ليس من الكثرة في شي‌ء فلا يتناوله الحكم ليقع التعارض بل يكون خبر الفضلاء مشتملا على حكم لم يتعرض له في الآخر. انتهى.

وفيه أنه لا يخفى أن سياق الحديث لبيان نصب الغنم وترتيبها كما هو الواقع في سائر أخبار نصب الإبل والبقر والغنم حيث ذكرت النصب فيها على سبيل الترتيب وما يجب في كل نصاب من الفريضة إلى أن وصل في هذا الخبر إلى ثلاثمائة ثم قال : «فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة» ولا ريب أن مبدأ الكثرة التي ثبت بها هذا الحكم ما بعد الثلاثمائة من الواحدة فصاعدا لا الأربعمائة الذي هو النصاب الخامس كما توهمه ، ونظير هذه العبارة قد وقع في أخبار نصب الإبل كما تقدم ، فعبر في جملة منها «فإذا كثرت الإبل» كما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وصحيحة أبي بصير ، وفي بعض «فإذا زادت واحدة» كما في


صحيحة الفضلاء (1) والمرجع إلى أمر واحد وهو الكثرة التي هي من الواحدة فصاعدا وأما قوله «إن فرض زيادة الواحدة ليس من الكثرة في شي‌ء» ففيه مع كونه مردودا بالروايات المشار إليها أنه لو تم للزم أن لا يكون للكثرة في شي‌ء من المراتب مبدأ أصلا وهو باطل. وبالجملة فتعارض الخبرين لا مجال لإنكاره ولا وجه للجمع إلا بما ذكرناه.

بقي هنا شي‌ء يجب التنبيه عليه وهو ما وقع للعلامة في المنتهى من السهو في هذا المقام حيث إنه نقل عن ابن بابويه أنه روى في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام أنه قال : «فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة فإذا كثر الغنم أسقط هذا كله وأخرج عن كل مائة شاة» وجعل هذه الرواية دليلا على القول بما دلت عليه صحيحة محمد بن قيس وهو غفلة منه (قدس‌سره) واشتباه وقع له ، حيث إن صورة ما في الفقيه (2) هكذا : روى حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قلت له في الجواميس شي‌ء قال مثل البقر. وليس على الغنم شي‌ء حتى تبلغ أربعين شاة فإذا بلغت أربعين وزادت واحدة ففيها شاة. إلى آخر العبارة» فالعلامة توهم أن قوله «وليس على الغنم شي‌ء. إلى آخر العبارة» من صحيحة زرارة وإنما هو من كلام الصدوق المأخوذ من كتاب الفقه الرضوي كما قدمنا ذكره فإن العبارة المذكورة بطولها عين ما في كتاب الفقه ، نعم كلامه في الكتاب المذكور موافق لما دلت عليه صحيحة محمد بن قيس وكل ما تحمل عليه الصحيحة المذكورة يجب أن يحمل عليه كلامه عليه‌السلام وقد عرفت أنه ليس إلا التقية.

وتنقيح البحث في هذا المقام يتوقف على رسم مسائل الأولى ـ اعلم أن هاهنا سؤالا مشهورا نقل أن المحقق (رحمه‌الله تعالى) أورده في درسه ، والأحسن في تقريره أن يقال إذا كان يجب في أربعمائة ما يجب في ثلاثمائة وواحدة فأي فائدة

__________________

(1) ص 58 و 59.

(2) ج 2 ص 14 وفي الوسائل الباب 5 من زكاة الأنعام.


في جعلهما نصابين؟ وينسحب مثله في المائتين وواحدة والثلاثمائة وواحدة على القول الآخر.

والجواب أن الفائدة تظهر في موضعين : في الوجوب والضمان ، أما الوجوب فلأن محله في الأربعمائة مجموعها وفي الثلاثمائة وواحدة إلى الأربعمائة الثلاثمائة وواحدة خاصة وما زاد فهو عفو. فهذا أحد وجهي الفائدة في كونهما نصابين. وكذا الكلام في نظيره على القول الآخر. وأما الضمان فإنه لو تلفت واحدة من الأربعمائة بعد الحول بغير تفريط سقط من الفريضة جزء من مائة جزء من شاة ولو كان محل الفريضة ناقصا عن هذا العدد لم يسقط من الفريضة شي‌ء ما دامت الثلاثمائة وواحدة باقية لأن الزائد عفو. وهكذا يقال بالنسبة إلى القول الآخر.

وأورد في المدارك على ذلك ـ واقتفاه الفاضل الخراساني ـ أن في عدم سقوط شي‌ء في صورة النقص عن الأربعمائة نظرا لأن الزكاة تتعلق بالعين فتكون الفريضة حقا شائعا في المجموع ومقتضى الإشاعة توزيع التالف على المجموع وإن كان الزائد على النصاب عفوا ، ولا منافاة بين الأمرين.

وعندي أن هذا الكلام لا يخلو من المناقشة فإن قوله : «إن الزكاة تتعلق بالعين فتكون حقا شائعا في المجموع» إن أريد عين المجموع من النصاب والزائد الذي هو عفو فهو ممنوع ، وإن أريد بعين النصاب فتكون حقا شائعا في مجموع النصاب فهو مسلم لكن لا يلزم منه ما ذكروه ، وتوضيحه أنا نقول إن الزكاة حق في النصاب شائع في مجموعه لا في مجموع الغنم من ما كان عفوا ، وحينئذ فلا تقتضي الإشاعة توزيع التالف على مجموع الغنم من النصاب والعفو ، وغاية ما يلزم أن يقال إن النصاب هنا غير متميز بل هو مخلوط بالعفو ولكن هذا لا يستلزم تقسيط التالف على ما كان عفوا وإن كان النصاب شائعا فيه ، إذ الحكم إنما يتعلق بالنصاب الذي هو محل الوجوب ونقصان الفريضة إنما يدور مدار نقصانه والنصاب الآن موجود كملا ووجود هذا العفو مع كونه خارجا عن محل الوجوب في حكم العدم.


وإن أردت مزيد توضيح لذلك فإنا نقول متى كانت الغنم أربعمائة إلا واحدة وحال عليها الحول فإن النصاب منها وهو ثلاثمائة وواحدة قد وجبت فيه أربع شياه ، فمحل الفرض والوجوب هو النصاب الذي هو ثلاثمائة وواحدة وإن كان شائعا في الجملة المذكورة ، والفريضة وهي أربع شياه إنما تعلقت به وإن كانت شائعة في المجموع فلو تلفت واحدة من هذه الغنم على الوجه المفروض لم يضر ذلك بالفريضة بل يجب إخراج تلك الأربع شياه التي أوجبها الشارع في النصاب ، لأن النصاب موجود لم يلحقه نقص بتلف هذه الشياه والإيجاب إنما تعلق به ، ولو تم ما ذكروه لاستلزم أنه متى حال الحول على هذه الغنم المذكورة فإنه لا يجوز للمالك التصرف في شي‌ء منها قبل إخراج الزكاة إلا مع ضمانها تحقيقا للشياع الذي ذكروه ، بعين ما صرحوا به في التصرف في النصاب بعد حول الحول وقبل إخراج الزكاة من حيث شيوع حصة الفقراء فيه ، وهو باطل قطعا فإنه ما دام النصاب باقيا له التصرف في الزائد بما أراد ولا يتعلق المنع إلا بالنصاب خاصة.

وقال في المدارك : ولو تلفت الشاة من الثلاثمائة وواحدة سقط من الفريضة جزء من خمسة وسبعين جزء من شاة إن لم تجعل الشاة الواحدة جزء من النصاب وإلا كان الساقط منه جزء من خمسة وسبعين جزء وربع جزء.

وتنظر فيه الفاضل الخراساني في الذخيرة بأنه على تقدير عدم كون الواحدة جزء من الفريضة تكون الواحدة مثل الزائد عليها في عدم سقوط شي‌ء من الفريضة بعد التلف كما ذكروه بالنسبة إلى الأربعمائة لو نقصت. وهو كذلك.

وكيف كان فبناء الأحكام الشرعية على مثل هذه الفروض الغريبة النادرة مشكل.

الثانية ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا تؤخذ المريضة من الصحاح ولا الهرمة ولا ذات العوار ، والعوار مثلثة : العيب كما في القاموس. والحكم بعدم أخذ هذه مجمع عليه بينهم.


واستدل عليه في المنتهى بقوله تعالى «وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» (1) وتدل عليه صحيحة محمد بن قيس المتقدمة في نصاب الغنم (2) وقوله فيها : «ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق». ومقتضى الرواية جواز أخذ ذلك متى رضي المصدق.

هذا إذا كان في النصاب ما هو سالم من هذه الأوصاف ولو كان النصاب كله منها لم يكلف شراء الخالي منها إجماعا. والممتزج يخرج منه بالنسبة. ولا فرق في هذا الحكم بين الغنم والإبل والبقر.

الثالثة ـ المشهور بين الأصحاب بل ادعى عليه في الخلاف الإجماع أن الواجب في الشاة التي تؤخذ في الزكاة من الغنم والإبل أن يكون أقله جذعا من الضأن وثنيا من المعز. وقيل بأنه ما يسمى شاة ، وهو الأصح وإليه ذهب جملة من أفاضل متأخري المتأخرين ، عملا بإطلاق الأخبار المتقدمة في نصب الغنم والإبل.

واستدل على المشهور كما ذكره في المعتبر بما رواه سويد بن غفلة (3) قال : «أتانا مصدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال نهينا أن نأخذ الراضع وأمرنا أن نأخذ الجذعة والثنية». والظاهر أن الخبر المذكور عامي فإنه غير موجود في أصولنا.

قال الشيخ في المبسوط : وأسنان الغنم أول ما تلد الشاة يقال لولدها سخلة ذكرا كان أو أنثى في الضأن والمعز سواء ، ثم يقال بعد ذلك بهمة ذكرا كان أو أنثى فيهما سواء ، فإذا بلغت أربعة أشهر فهي من المعز جفر للذكر والأنثى جفرة والجمع

__________________

(1) سورة البقرة الآية 270.

(2) ص 58.

(3) لم نجد الحديث باللفظ المذكور في ما وقفنا عليه من كتب العامة ، وفي سنن أبي داود ج 2 ص 102 رقم 579 عن سويد بن غفلة قال «أخبرني من سار مع مصدق النبي «ص» فإذا في عهد رسول الله «ص» أن لا نأخذ من راضع لبن ولا نجمع بين مفترق ولا نفرق بين مجتمع» وفي المغني ج 3 ص 605 روى مالك عن سويد بن غفلة قال «أتانا مصدق رسول الله «ص» وقال أمرنا رسول الله «ص» أن نأخذ الجذعة من الضأن والثنية من المعز». نعم أورد الشيخ في الخلاف ص 116 الحديث باللفظ المذكور في المتن.


جفار ، وإذا جاوزت أربعة أشهر فهي العتود وجمعها عتدان وعريض وجمعها عرضان ومن حين ما تولد إلى هذه الغاية يقال لها عناق للأنثى والذكر جدي ، فإذا استكملت سنة فالأنثى عنز والذكر تيس ، فإذا دخلت في الثانية فهي جذعة والذكر جذع ، فإذا دخلت في الثالثة فهي الثنية والذكر الثني ، فإذا دخلت في الرابعة فرباع ورباعية ، وإذا دخلت في الخامسة فهي سديس وسدس ، فإذا دخلت في السادسة فهي صالغ ، ثم لا اسم لها بعد هذا السن لكن يقال صالغ عام وصالغ عامين وعلى هذا أبدا ، وأما الضأن فالسخلة والبهمة مثل ما في المعز سواء ثم هو حمل للذكر والأنثى إلى سبعة أشهر فإذا بلغت سبعة أشهر قال ابن الأعرابي إن كان بين شابين فهو جذع وإن كان بين هرمين فلا يقال جذع حتى يستكمل ثمانية أشهر ، وهو جذع أبدا حتى يستكمل سنة فإذا دخل في الثانية فهو ثني وثنية على ما ذكرناه في المعز سواء إلى آخرها. وإنما قيل جذع في الضأن إذا بلغ سبعة أشهر وأجزأ في الأضحية لأنه إذا بلغ هذا الوقت كان له نزو وضراب والمعز لا ينزو حتى يدخل في السنة الثانية فلهذا أقيم الجذع في الضحايا مقام الثني من المعز وأما الذي يؤخذ في الصدقة فمن الضأن الجذع ومن الماعز الثني. انتهى كلام الشيخ (قدس‌سره) وبنحوه صرح العلامة في المنتهى والتذكرة.

ومقتضاه أن الجذع من المعز ما دخل في الثانية والثني ما دخل في الثالثة ، والجذع من الضأن ما بلغ سبعة أشهر إن كان بين شابين وما استكمل ثمانية أشهر إن كان بين هرمين ، والثني منها ما دخل في الثانية.

وفي الصحاح أن الجذع يقال لولد الشاة في السنة الثانية. وفي النهاية أنه من البقر والمعز ما دخل في السنة الثانية ، وقيل البقر في الثالثة ، ومن الضأن ما تمت له سنة وقيل أقل منها. وعن الأزهري الجذع من المعز لسنة ومن الضأن لثمانية أشهر. وفي المغرب الجذع من المعز لسنة ومن الضأن لثمانية أشهر. وفي كتاب المصباح المنير والجذع ولد الشاة في السنة الثانية. ثم نقل عن ابن الأعرابي أن الجذع من الضأن إذا كان من شابين يجذع لستة أشهر إلى سبعة أشهر وإذا كان من هرمين


أجذع من ثمانية إلى عشرة.

وهذا الكلام كله متفق على أن الجذع من المعز ما دخل في السنة الثانية ومن الضأن ما له سبعة أشهر إلى عشرة ، والقول بالستة نادر.

وأما الثني فقد عرفت من كلام الشيخ أنه من المعز ما دخل في الثالثة ومن الضأن ما دخل في الثانية ، ونقل عن الجوهري أنه يكون في الظلف والحافر في السنة الثالثة. وبمثل ذلك صرح الفيومي في كتاب المصباح المنير وصاحب القاموس وصاحب المغرب. وفي النهاية الثنية من الغنم ما دخل في السنة الثالثة ومن البقر كذلك. وهو موافق لما تقدم. وقال في المجمل : وإذا دخل ولد الشاة في السنة الثانية فهو ثني والأنثى ثنية.

وقال في كتاب مجمع البحرين : والثني الذي ألقى ثنيته وهو من ذوات الظلف والحافر في السنة الثالثة ومن ذوات الخف في السنة السادسة وهو بعد الجذع. إلى إن قال : وعلى ما ذكرناه من معرفة الثني الجمع من أهل اللغة. وقيل الثني من الخيل ما دخل في الرابعة ومن المعز ما له سنة ودخل في الثانية. وقد جاء في الحديث والثني من البقر والمعز هو الذي تم له سنة. وفي المجمع الثنية من الغنم ما دخل في الثالثة وكذا من البقر والإبل في السادسة والذكر ثني ، وعن أحمد من المعز في الثانية. انتهى إلى هنا كلام صاحب مجمع البحرين. ومنه يظهر الاختلاف في الثني إلا أن ظاهر المشهور عند أهل اللغة أنه في السنة الثالثة من ذوات الظلف بقرا أو معزا أو ضأنا.

وأما كلام الفقهاء (رضوان الله عليهم) فالمنقول عن العلامة ومن تبعه من المتأخرين أن الجذع ما كمل له سبعة أشهر والثني ما كمل له سنة ودخل في الثانية وظاهرهم الأعم من الضأن والمعز.

والجمع بين كلامهم وكلام أهل اللغة لا يخلو من الإشكال ، ولا ريب أن الاحتياط يقتضي العمل بما ذكره أهل اللغة إلا أن يعلم لهم مستند من الأخبار في ما ذكروه.

الرابعة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في عد الأكولة وفحل


الضراب فالمشهور عدهما وذهب جمع من الأصحاب : منهم ـ المحقق في النافع والشهيد في اللمعة والعلامة في الإرشاد إلى عدم عدهما ، ويدل عليه ظاهر صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) وقوله عليه‌السلام فيها «ليس في الأكيلة ولا في الربى ـ والربى التي تربى اثنين ـ ولا شاة لبن ولا فحل الغنم صدقة».

وما ذكره في المدارك ـ من قوله بعد نقلها أنها غير صريحة في المطلوب لاحتمال أن يكون المراد بنفي الصدقة فيها عدم أخذها في الصدقة لا عدم تعلق الزكاة بها ـ بعيد غاية البعد لأنها وإن لم تكن صريحة كما ذكره إلا أنها ظاهرة في ذلك تمام الظهور ، والاستدلال لا يختص بالصريح بل كما يقع به يقع بالظاهر بل أغلب الاستدلالات إنما هي بالظاهر ، ولا يخفى أن المتبادر من قول الشارع «ليس في هذا صدقة» أنه ليس من ما تجب فيه الصدقة بأن يكون من الأجناس الزكوية لا بمعنى أنه لا يؤخذ في الزكاة. والتأويل بارتكاب الخروج عن الظواهر إنما يصار إليه في مقام ضرورة الجمع وليس هنا ما يعارض هذه الصحيحة إن كان إلا ما يتخيل من إطلاق الأخبار كقولهم (عليهم‌السلام) (2) «في كل أربعين شاة شاة». والقاعدة في مثله حمل المطلق على المقيد.

وممن وافقنا على بعد هذا التأويل الفاضل الخراساني في الذخيرة مع اقتفائه أثر كلام السيد المشار إليه غالبا وانتصاره له في كثير من المواضع ، حيث قال بعد نقل كلامه : وما ذكره من الاحتمال بعيد جدا. انتهى.

وما أيد به هذا الحمل في المدارك ـ من قوله بعد العبارة المتقدمة : بل ربما تعين المصير إلى هذا الحمل لاتفاق الأصحاب ظاهرا على عد شاة اللبن والربى ـ ففيه أن ما ذكره من الاتفاق غير معلوم ولا مدعى في المسألة ، مع مناقشته في الإجماع الذي يدعونه في غير مقام وإن كان يستسلقه ويوافقهم في أمثال هذا الكلام ، ومع

__________________

(1) الفروع ج 1 ص 151 وفي الوسائل الباب 10 من زكاة الأنعام.

(2) الوسائل الباب 6 من زكاة الأنعام رقم (1).


فرض دعواه فأي مانع من العمل بظاهر الخبر وترجيحه على الإجماع المذكور؟ ومع تسليم العمل به وترجيحه على الخبر فأي مانع من العمل بالخبر المذكور في الباقي من ما لم يقم إجماع ولا دليل على ما ينافيه؟ وهل هو إلا من قبيل العام المخصوص؟

وبالجملة فالظاهر عندي هو القول بما دل عليه الخبر المذكور في الأكولة وفحل الضراب كما هو القول الآخر ، والقول بما دل عليه ظاهر الخبر من عدم عد شاة اللبن والربى غير بعيد لدلالة الصحيحة المذكورة عليه من غير معارض ظاهر في البين.

وإلى ما ذكرنا يشير كلام المحقق المولى الأردبيلي (قدس‌سره) حيث قال وأيضا روى في الكافي صحيحا عن عبد الرحمن الثقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) أنه قال : «ليس في الأكيلة ولا في الربى التي تربى اثنين ولا شاة لبون ولا فحل الغنم صدقة». والظاهر منه عدم الحساب في النصاب والقول بذلك غير بعيد كما نقل القول به في الفحل عن أبي الصلاح. انتهى.

وتردد المحدث الكاشاني في المفاتيح في هذه المسألة من حيث بعد التأويل المذكور عن ظاهر الخبر.

ومن هفوات صاحب الوسائل جموده هنا على القول المشهور وتأويله الخبر المذكور بما ذكره في المدارك.

هذا بالنسبة إلى العد وأما الأخذ في الفريضة فظاهرهم الاتفاق على أنه لا تؤخذ الربى ولا الأكولة ولا فحل الضراب.

ويدل على ذلك موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «لا تؤخذ الأكولة ـ والأكولة الكبيرة من الشاة تكون في الغنم ـ ولا والدة ولا الكبش الفحل».

ويؤيد المنع من أخذ الأكولة وفحل الضراب أنهما من كرائم الأموال وقد نهي في الخبر عن التعرض لكرائم أموالهم (3).

والأصحاب قد عللوا المنع في الربى بالإضرار بولدها ، وجعلوا الحد في المنع من أخذها إلى خمسة عشر يوما وقيل إلى خمسين يوما. ولم نقف لشي‌ء من هذين

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 10 من زكاة الأنعام.

(3) سنن ابن ماجة ج 1 ص 543.


التحديدين على مستند.

والذي يفهم من كلام أهل اللغة أن الربى هي التي ولدت حديثا كما في الصحاح وفي النهاية أنها القريبة العهد بالولادة. إلا أنه قد تقدم في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) «والربى هي التي تربى اثنين». والمستفاد منها تفسير الربى في هذا المقام بذلك ، وهو مشكل لمخالفته للعرف وكلام أهل اللغة كما عرفت. إلا أن الصحيحة المذكورة رواها في الفقيه (2) بهذه الصورة «ولا في الربى التي تربى اثنين» وهو أظهر إلا أن فيه تخصيص الحكم بالتي تربى اثنين.

الخامسة ـ الظاهر أنه لا خلاف في أن النصاب المجتمع من المعز والضأن وكذا من الإبل العراب والبخاتي وكذا من الجاموس والبقر تجب فيه الزكاة ، لأن كلا من هذين الصنفين داخل تحت جنس واحد من هذه الأجناس التي تعلقت بها الزكاة ، والأول يجمعه جنس الغنم والثاني جنس الإبل والثالث جنس البقر.

وإنما الخلاف في أنه هل للمالك الخيار في الإخراج من أي الصنفين شاء وإن تفاوتت القيم أو أنه يجب التقسيط والأخذ من كل بقسطه مطلقا أو يناط بتفاوت القيم؟ أقوال ثلاثة أشهرها الثاني وأظهرها الأول وأحوطها الثالث ، وحينئذ فلو كان عند المالك نصب عديدة بعضها من الإبل العراب وبعضها من البخاتي أخرج من العراب عربية ومن البخاتي بختية من كل نصاب من صنفه ، وهكذا البقر والغنم. ولو كان النصاب مجتمعا من صنفي ضأن ومعز مثلا فإن كانت الغنم متحدة القيم فلا إشكال في إخراج أي صنف كان ، وإن تفاوتت القيم يرجع إلى التقسيط ، كأن يكون عشرون من البقر وعشرون من الجاموس والتبيع من البقر وهو الفريضة قيمته اثنا عشر درهما مثلا ومن الجاموس قيمته أربعة عشر أخرج تبيعا قيمته ثلاثة عشر بقرا كان أو جاموسا ، هذا على المشهور وأما على ما اخترناه

__________________

(1) ص 69 واللفظ هكذا «والربى التي تربى اثنين».

(2) الوسائل الباب 10 من زكاة الأنعام.


وإليه مال جملة من محققي متأخري المتأخرين فإنه يكتفي بما يصدق عليه من ذلك الجنس كما يستفاد من ظواهر الأدلة وإن كان الاحتياط في ما ذكروه.

السادسة ـ الظاهر أنه لا خلاف في الاجتزاء بالقيمة في النقدين والغلات ، ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن محمد بن خالد البرقي (1) قال : «كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام هل يجوز أن يخرج عن ما يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شي‌ء ما فيه؟ فأجاب عليه‌السلام أيما تيسر يخرج». ورواه الصدوق بإسناده إلى محمد بن خالد مثله (2).

وما رواه في الصحيح عن علي بن جعفر (3) قال : «سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير وعن الدنانير دراهم بالقيمة أيحل ذلك؟ قال لا بأس به». ورواه الحميري في قرب الإسناد (4) ورواه الصدوق بإسناده إلى علي بن جعفر (5) ورواه علي بن جعفر في كتابه (6).

وإنما الخلاف في زكاة الأنعام هل يجب الإخراج من العين ما دام متمكنا أو يجوز الانتقال إلى القيمة وإن أمكن الإخراج من العين؟ قولان نقل أولهما عن الشيخ المفيد في المقنعة حيث قال : لا يجوز إخراج القيمة في زكاة الأنعام إلا أن تعدم الأسنان المخصوصة في الزكاة. ويفهم من كلام المحقق في المعتبر الميل إليه. وثانيهما عن الشيخ في الخلاف فإنه قال : يجوز إخراج القيمة في الزكاة كلها أي شي‌ء كانت القيمة وتكون القيمة على وجه البدل لا على أنها أصل. وإلى هذا القول ذهب أكثر المتأخرين ، واستدل عليه في الخلاف بإجماع الفرقة وأخبارهم. ورده في المعتبر بمنع الإجماع وعدم دلالة الأخبار على موضع النزاع. وهو كذلك. وسيأتي إن شاء الله تعالى مزيد تحقيق في هذه المسألة في زكاة الغلات.

المقام الرابع ـ في بيان الشروط المتعلقة بالوجوب وهي أربعة : النصاب وقد

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب والفضة.


تقدم الكلام فيه ، والحول والسوم وأن لا تكون عوامل ، وما يتبع هذا المقصد من بعض المسائل ، فالكلام في هذا المقام يقع في مواضع أربعة :

الأول ـ في الحول وهو من ما وقع الاتفاق عليه نصا وفتوى ، ومن الأخبار قولهما (عليهما‌السلام) في صحيحة الفضلاء (1) المتقدمة «وكل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه فإذا حال عليه الحول وجب عليه». ونحوها غيرها من الأخبار الكثيرة.

ولا يخفى أن الحول لغة وعرفا إنما هو عبارة عن اثني عشر شهرا وهي تمام السنة إلا أنه لما ورد عنهم (عليهم‌السلام) إطلاق الحول في الزكاة على أحد عشر شهرا صار هذا معنى شرعيا للحول ، فحيثما أطلق في كلام الأصحاب في هذا الباب وكذا في الأخبار فإنما يراد به هذا المعنى ، والظاهر إنه لا خلاف فيه إلا ما يظهر من المحدث الكاشاني في الوافي كما سيأتي.

واستدل الأصحاب على ذلك بحسنة زرارة بإبراهيم بن هاشم (2) التي هي صحيحة عندنا وفيها «قال زرارة فقلت له رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة فعل ذلك قبل حلها بشهر؟ فقال إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول ووجبت عليه فيها الزكاة. الحديث». وفي صدر الخبر المذكور ما يدل على ذلك أيضا كما سيأتي إن شاء الله تعالى ذكره.

وبالجملة فإنه لا إشكال ولا خلاف في ذلك بينهم ، إنما الخلاف في موضعين : أحدهما ـ أنه هل يحتسب هذا الشهر بعد حصول الوجوب بهلاله من الحول الثاني أو الأول؟ قولان أولهما لفخر المحققين ابن العلامة (قدس الله تعالى روحيهما) والثاني ـ للشهيد (قدس‌سره) في البيان والدروس.

حجة القول الأول أن الفاء تقتضي التعقيب بلا فصل فبأول جزء منه يصدق

__________________

(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الأنعام.

(2) الوسائل الباب 12 من زكاة الذهب والفضة.


أنه حال عليه الحول و «حال» فعل ماض لا يصدق إلا بتمامه. وربما يناقش في أن التعقيب إنما هو مقتضى الفاء العاطفة وأما الفاء الجزائية فإنه محل خلاف. إلا أن الظاهر أن هذا المعنى من ما يتبادر من ترتب الجزاء على الشرط هنا.

حجة القول الثاني أن الحول لغة عبارة عن تمام الاثني عشر والأصل عدم النقل ، قال شيخنا الشهيد الثاني في شرح المسالك : اعلم أن الحول لغة اثنا عشر شهرا ولكن أجمع أصحابنا على تعلق الوجوب بدخول الثاني عشر ، وقد أطلقوا على أحد عشر اسم الحول أيضا بناء على ذلك ، وورد عن الباقر والصادق (عليهما‌السلام) (1) «إذا دخل الثاني عشر فقد حال الحول ووجبت الزكاة». فصار الأحد عشر حولا شرعيا. إلى أن قال : إذا تقرر ذلك فنقول لا شك في حصول أصل الوجوب بتمام الحادي عشر ولكن هل يستقر الوجوب به أم يتوقف على تمام الثاني عشر؟ الذي اقتضاه الإجماع والخبر السالف الأول ، لأن الوجوب دائر مع الحول وجودا مع باقي الشرائط وعدما لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (2) «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول». وقول الصادق عليه‌السلام (3) «لا تزكه حتى يحول عليه الحول». وقد تقدم في الخبر السالف «إذا دخل الثاني عشر فقد حال الحول ووجبت الزكاة» والفاء تقتضي التعقيب بغير مهلة فيصدق الحول بأول جزء منه و «حال» فعل ماض لا يصدق إلا بتمامه ، وحيث ثبت تسمية الأحد عشر حولا شرعيا قدم على المعنى اللغوي لما تقرر من أن الحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية. ويحتمل الثاني لأنه الحول لغة والأصل عدم النقل ، ووجوبه في الثاني عشر لا يقتضي عدم كونه من الحول الأول لجواز حمل الوجوب بدخوله على غير المستقر. والحق إن الخبر السابق إن صح فلا عدول عن

__________________

(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الذهب والفضة. والظاهر أن الرواية عن الباقر «ع» كما يظهر بمراجعة الفروع ج 1 ص 148 والتهذيب ج 1 ص 358.

(2) سنن البيهقي ج 4 ص 95.

(3) الوسائل الباب 15 من زكاة الذهب والفضة ، واللفظ «لا يزكيه ...».


الأول لكن في طريقه كلام والعمل على الثاني متعين إلى أن يثبت ، وحينئذ فيكون الثاني عشر جزء من الأول واستقرار الوجوب مشروط بتمامه. انتهى كلامه زيد مقامه.

وظاهر هذا الكلام اختيار كون الوجوب غير مستقر بمجرد دخول الثاني عشر وهو خلاف ما عليه ظاهر الأصحاب من استقرار الوجوب بدخوله. وهذا هو الموضع الثاني من موضعي الخلاف المشار إليه آنفا.

ثم إن السيد السند في المدارك اعترض جده هنا بكلام أوردناه في شرحنا على المدارك وبينا ما فيه.

وظاهر المحدث الكاشاني في الوافي الطعن في دلالة الخبر المذكور وحمله على مورده من حكم الفرار ، حيث قال في الكتاب المذكور : لعل المراد بوجوب الزكاة وحول الحول برؤية هلال الثاني عشر الوجوب والحول لمريد الفرار بمعنى أنه لا يجوز الفرار حينئذ لاستقرار الزكاة في المال بذلك ، كيف والحول معناه معروف والأخبار بإطلاقه مستفيضة ، ولو حملناه على معنى استقرار الزكاة فلا يجوز تقييد ما ثبت بالضرورة من الدين بمثل هذا الخبر الواحد الذي فيه ما فيه وإنما يستقيم بوجوه من التكلف. انتهى. وهو جيد لو لا اتفاق الأصحاب قديما وحديثا على العمل بمضمونه في الزكاة مطلقا لا بخصوص هذا الفرد الذي ذكره.

أقول : ومن ما يؤيد ما ذكره (طاب ثراه) صحيحة عبد الله بن سنان (1) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام لما نزلت آية الزكاة «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها» (2) وأنزلت في شهر رمضان فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مناديه فنادى في الناس أن الله تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة. ففرض الله عليهم من الذهب والفضة وفرض عليهم الصدقة من الإبل والبقر والغنم ومن الحنطة والشعير

__________________

(1) ارجع إلى الصفحة 3.

(2) سورة التوبة الآية 103.


والتمر والزبيب ، ونادى فيهم بذلك في شهر رمضان وعفا لهم عن ما سوى ذلك. قال ثم لم يتعرض لشي‌ء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا وأفطروا فأمر مناديه فنادى في المسلمين أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم. ثم وجه عمال الصدقة وعمال الطسوق». وهو ظاهر كما ترى في اعتبار حول الاثني عشر شهرا.

ويمكن الجمع بين هذا الخبر والخبر المتقدم بما ذكره شيخنا الشهيد الثاني من حصول الوجوب بدخول الثاني عشر وإن كان لا يستقر إلا بتمامه.

وما ذكره المحدث المشار إليه ـ من الإشارة إلى ما في الخبر المذكور من الإشكال في مواضع منه ـ متجه ، فإن الخبر طويل مشتمل على بعض الأحكام العويصة الغير الظاهرة بل الظاهرة المخالفة إلا بتكلفات بعيدة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى نقل الخبر المذكور بتمامه والكلام فيه.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن تنقيح هذا الموضع يتوقف على رسم مسائل :

الأولى ـ الظاهر أنه لو اختل أحد الشروط الموجبة للزكاة في أثناء الحول بطل الحول ، وهو بالنسبة إلى النصاب اتفاقي وأما بالنسبة إلى غيره من الشروط ففيه خلاف سيأتي التنبيه عليه إن شاء الله تعالى في مواضعه.

الثانية ـ لو عاوض الأنعام بجنسها كالغنم بالغنم الشامل لصنفي الضأن والمعز أو بغير جنسها كالغنم بالبقر مثلا سقطت الزكاة.

والخلاف هنا في موضعين أحدهما ـ في المعاوضة لا بقصد الفرار ، وقد نقل عن الشيخ في المبسوط أنه ذهب إلى أن المعاوضة بالجنس لا تقطع الحول لصدق الاسم. وهو ضعيف فإن ظواهر الأخبار تعلق الحكم بالأعيان فمتى تبدلت سقط الحكم

الثاني ـ في المعاوضة بقصد الفرار والمشهور العدم ، وقال الشيخ في المبسوط إن بادل بجنسه أو بغير جنسه فرارا وجبت الزكاة. وإليه ذهب في موضع من التهذيب وهو منقول عن السيد المرتضى في كتاب الإنتصار مدعيا عليه الإجماع. وسيأتي تحقيق المسألة إن شاء الله تعالى في زكاة النقدين.


الثالثة ـ إذا حال الحول على النصاب مستكملا للشرائط ثم تلف منه شي‌ء فإن كان عن تفريط ولو بتأخير الإخراج مع التمكن ضمن المالك وإلا وزع التالف على النصاب وسقط من الفريضة بالنسبة ، وأما مع وجود الزيادة على النصاب فقد تقدم بيان الحكم فيه في المسألة الأولى من المقام الثالث.

الرابعة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه لا تعد الأولاد مع الأمهات بل لكل منهما حول بانفراده للأخبار الكثيرة الدالة على أن كل ما لا يحول عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه (1). وقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة (2) «ليس في صغار الإبل شي‌ء حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج». ومثلها غيرها ، وحينئذ فلو كانت الأولاد المتجددة نصابا مستقلا كما لو ولدت خمس من الإبل خمسا فلكل حول بانفراده ، ولو ولدت أربعون من الغنم أربعين وجب في الأمهات شاة عند تمام حولها ولم يجب في السخال شي‌ء ، فإن الزائد على الأربعين عفو حتى يصل إلى النصاب الثاني وهو مائة وإحدى وعشرون. واحتمل المحقق في المعتبر وجوب شاة في الثانية عند تمام حولها لقوله عليه‌السلام (3) «في كل أربعين شاة شاة». وفيه أن الظاهر اختصاص الرواية بالنصاب الأول المبتدأ إذ لو ملك ثمانين دفعة لم تجب عليه شاتان إجماعا.

نعم يبقى الإشكال في ما لو كانت الزيادة متممة للنصاب الثاني بعد إخراج ما وجب في الأول ، كما لو ولدت ثلاثون من البقر أحد عشر ، وثمانون من الغنم اثنين وأربعين ، فهل يسقط اعتبار الأول ويعتبر الجميع نصابا واحدا من الزمان الثاني بمعنى أنه يلغى ما مضى من حول الأمهات ويعتبر النصاب من زمان وجود الزيادة ، أو وجوب زكاة كل منهما عند انتهاء حوله فيخرج عند انتهاء حول الأول في المثال المتقدم تبيع وشاة وعند

__________________

(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الأنعام.

(2) الوسائل الباب 9 من زكاة الأنعام.

(3) الوسائل الباب 6 من زكاة الأنعام.


مضى سنة من تلك الزيادة شاتان ومسنة ، أو عدم ابتداء حول الزائد حتى ينتهي حول الأول ثم استئناف حول للجميع؟ أوجه اختار جملة من المتأخرين منها الوجه الأخير لوجوب إخراج زكاة الأول عند تمام حوله لوجود المقتضي وانتفاء المانع ، ومتى وجب إخراج زكاته منفردا امتنع اعتباره منضما إلى جزئه في ذلك الحول للأصل وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) «لا ثنى في صدقة». وقوله عليه‌السلام في حسنة زرارة (2) «لا يزكى المال من وجهين في عام واحد». والمسألة لا تخلو من إشكال لعدم النص فيها وإن كان ما ذكروه من الوجه هو أقرب الوجوه المذكورة.

الخامسة ـ إذا ارتد المسلم الفطري قبل تمام الحول استأنف ورثته الحول لانتقال المال إليهم ولا يعتبر بما مضى من الحول في ملك المورث كما لو مات. وأما الملي فحيث لا يجب قتله حتى يستتاب فلا تجري عليه أحكام الردة ولا تخرج أمواله عن ملكه بمجرد الردة وإن حجر عليه التصرف فيها حتى يتوب ، ولو استتيب ثلاثا ولم يتب وجب قتله وتعلق به الحكم المتقدم.

الموضع الثاني ـ في السوم وهو لغة الرعي ، ولا بد أن يكون طول الحول فلا تجب الزكاة في المعلوفة ، والحكم مجمع عليه كما نقله غير واحد.

ويدل عليه من الأخبار قول الصادقين (عليهما‌السلام) في صحيحة الفضلاء (3) «ليس على العوامل من الإبل والبقر شي‌ء إنما الصدقات على السائمة الراعية».

والظاهر أن وصف الراعية كاشف لما عرفت من أن السوم لغة الرعي كما تدل عليه موثقة زرارة الآتية وقوله عليه‌السلام (4) في حسنة الفضلاء المشار إليها بعد ذكر نصاب الإبل «ولا على العوامل شي‌ء إنما ذلك على السائمة الراعية». وقول أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(1) النهاية لابن الأثير مادة «ثني» و «ثنى» على وزن «إلى».

(2) ص 39.

(3) الوسائل الباب 7 من زكاة الأنعام ، وقوله «من الإبل والبقر» منه (قدس‌سره) باعتبار وروده فيهما.

(4) الوسائل الباب 7 من زكاة الأنعام. واللفظ مطابق للوافي وفي الفروع والتهذيب والوسائل «وليس ...» كما تقدم.


في صحيحة زرارة الواردة في الخيل (1) حيث قال له الراوي «هل على الفرس أو على البعير يكون للرجل يركبهما شي‌ء؟ قال لا ليس على ما يعلف شي‌ء إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل».

والمرج بالجيم مرعى الدواب والأخبار المذكورة وإن لم تشتمل على ذكر الغنم إلا أن عموم الجواب كاف في ثبوت الحكم فإن خصوص السبب لا يخصص كما ثبت عندهم في الأصول ، مضافا إلى ما في موثقة زرارة الآتية في أول المطلب الثالث (2) من قوله عليه‌السلام في عد التسعة التي تجب فيها الزكاة «والإبل والبقر والغنم السائمة وهي الراعية». واتفاق عامة أهل الإسلام على ذلك (3).

بقي الكلام في تحقيق السوم الذي يترتب عليه الوجوب والعلف الذي ينقطع به السوم في أثناء الحول ، فقيل إنه يراعى الأغلب في ذلك وهو منقول عن الشيخ ، وقد نص في المبسوط على سقوط الزكاة مع التساوي. وقال ابن إدريس ليس فيها زكاة إلا إذا كانت سائمة طول الحول ولا يعتبر الأغلب في ذلك. واعتبر المحقق في المعتبر استمرار السوم طول الحول وإنه يزول بالعلف اليسير. وهو يرجع إلى قول ابن إدريس. واختار العلامة في التحرير والتذكرة اعتبار الاسم فإن بقي عليها اسم السوم وجبت الزكاة وإلا سقطت. وظاهره إرجاع ذلك إلى العرف والظاهر أنه هو المشهور بين المتأخرين. واختار الشيخ في النهاية سقوطه بعلف اليوم وصرح بعدم اعتبار اللحظة. وتردد في الدروس في اليوم في السنة بل في الشهر واستقرب بقاء السوم.

ولا يخفى ما في هذه الأقوال من الإشكال ولا سيما الرجوع إلى العرف كما نبهنا عليه في مواضع من أن العرف مع كونه لا دليل على الرجوع إليه من الأخبار ليس أمرا منضبطا ليصح بناء الأحكام الشرعية عليه.

__________________

(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الأنعام.

(2) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة رقم 9.

(3) المغني ج 2 ص 596 و 597.


وأنت خبير بأن ظواهر الأخبار ولا سيما صحيحة زرارة وقوله عليه‌السلام فيها «إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل» هو اعتبار السوم طول الحول كما هو ظاهر المحقق وابن إدريس ، إلا أنه ينبغي الاحتياط في عدم إسقاط الزكاة بعلف ساعة بل يوم في السنة.

والظاهر أنه لا فرق في العلف الموجب لسقوط السوم بين كونه من المالك أو الدابة نفسها أو علف الغير لها بإذن المالك أو بغير إذنه من مال المالك أو من مال نفسه ، ولا بين أن يكون لعذر يمنع من الرعي كالثلج ونحوه أم لا ، لصدق المعلوفة في جميع هذه الصور.

وأما ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني ـ من أنه يشكل الحكم في ما لو علفها الغير من مال نفسه نظرا إلى المعنى المقصود والحكمة المقتضية لسقوط الزكاة معه وهي المئونة على المالك الموجبة للتخصيص كما اقتضته في الغلات عند سقيها بالدوالي ـ فالظاهر ضعفه لأن الأحكام الشرعية لا تبنى على مثل هذه المناسبات ، وقيام النصوص في الغلات بما ذكره لا يقتضي الحمل عليه هنا والخروج عن إطلاق النصوص الموجب لسقوط الزكاة عن المعلوفة مع صدق كونها معلوفة.

فرع

قد صرح جملة من الأصحاب بأن السخال ـ والمراد بها في كلامهم ما هو أعمّ من أولاد الغنم وإن كان أصل التسمية لغة مخصوصة بأولاد الغنم بعد وضعها كما تقدم ـ لا تعد في الحول إلا بعد الاستغناء بالرعي ليتحقق شرط السوم بالنسبة إليها كما دلت عليه الأخبار المتقدمة.

ونقل عن الشيخ وجماعة بل الظاهر إنه هو المشهور كما صرح به في المسالك أن حولها من حين النتاج ، وعليه تدل الأخباركقوله عليه‌السلام في رواية زرارة (1) «وما كان من هذه الأصناف الثلاثة الإبل والبقر والغنم فليس فيها شي‌ء حتى يحول عليها

__________________

(1) التهذيب ج 1 ص 354 وفي الوسائل الباب 2 من زكاة الأنعام رقم «3».


الحول من يوم تنتج». وصحيحة زرارة أو حسنته بإبراهيم بن هاشم عن أبي جعفر عليه‌السلام (1) قال : «ليس في صغار الإبل شي‌ء حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج». ورواية ثالثة له عن أحدهما (عليهما‌السلام) (2) وفيها بعد ذكر الأصناف الثلاثة «وما كان من هذه الأصناف فليس فيها شي‌ء حتى يحول عليه الحول منذ يوم تنتج».

واستقرب الشهيد في البيان اعتبار الحول من حين النتاج إن كان اللبن عن سائمة. والظاهر أنه جعله وجه جمع بين أخبار القولين ، لأنه متى كان اللبن عن سائمة فكأنه يدخل تحت أخبار السوم وإن كان عن معلوفة فكأنه يدخل تحت المعلوفة فلا يدخل في السوم إلا بعد الاستغناء بالرعي. ومقتضى المشهور هو تقييد أخبار السوم بأخبار النتاج بمعنى أن اشتراط السوم مدة الحول مخصوص بما عدا السخال فإن حولها من يوم النتاج وإن صدق أنها معلوفة.

وكيف كان فالأقرب هو القول المشهور وقوفا على ظاهر هذه الأخبار ، إلا أنه قد روى الكليني والصدوق في الموثق عن إسحاق بن عمار (3) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام السخل متى تجب فيه الصدقة؟ قال إذا أجذع». ولا يخفى ما فيه من الإشكال لمخالفته الأخبار وكلام الأصحاب ، فإن الجذع من الغنم بناء على كلام الأصحاب ما كمل له سبعة أشهر وعلى كلام أهل اللغة أنه في الضأن كذلك وفي المعز ما دخل في السنة الثانية. ولم أقف على من تعرض للجواب عنه ، ويحتمل وإن بعد الحمل على الأخذ في الصدقة بناء على ما تقدم من أحد القولين في المسألة وهو أن أقل أسنان المأخوذ في زكاة الغنم جذع من الضأن وثني من المعز.

__________________

(1) الوسائل الباب 9 من زكاة الأنعام.

(2) الوسائل الباب 7 رقم 6 والباب 9 رقم 1 ولا يخفى أن راوي هذا الحديث هو الشيخ ولم يرد في التهذيب ج 1 ص 360 اللفظ المذكور وإنما وردت فيه الفقرة الآتية فقط «وكل شي‌ء من هذه الأصناف من الدواجن والعوامل فليس فيها شي‌ء حتى يحول عليه الحول منذ يوم تنتج» وأورد اللفظ المذكور في الهامش بعنوان النسخة. نعم في الإستبصار ج 2 ص 24 والوافي والوسائل ذكرت الفقرتان معا.

(3) الوسائل الباب 9 من زكاة الأنعام.


الموضع الثالث ـ أنه يشترط في الأنعام أن لا تكون عوامل فإنه لا زكاة فيها وإن كانت سائمة ، والحكم المذكور من ما وقع عليه الاتفاق أيضا.

إلا أنه قد روى إسحاق بن عمار في الموثق (1) قال : «سألته عن الإبل تكون للجمال أو تكون في بعض الأمصار أتجري عليها الزكاة كما تجري على السائمة في البرية؟ فقال نعم». ونحوها رواية أخرى له أيضا رواها في الضعيف عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) وبسند آخر في الموثق عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (3) قال : «سألته عن الإبل العوامل عليها زكاة؟ فقال نعم عليها زكاة».

وأجاب عنها الشيخ في التهذيب ـ بعد الطعن فيها أولا بالاضطراب حيث إن إسحاق رواها تارة مرسلا وتارة مسندا ـ بالحمل على الاستحباب ، وتبعه من تأخر عنه من الأصحاب كما هي قاعدتهم في جل الأبواب.

والأقرب عندي هو الحمل على التقية التي هي الأصل في اختلاف الأخبار وإن لم يكن بها قائل من العامة بالكلية كما أوضحناه في كتابنا الدرر النجفية والمقدمة الأولى من مقدمات هذا الكتاب ، مع أن ذلك مذهب مالك أحد الأئمّة الأربعة (4) كما نقله عنه في المعتبر.

وقد صرح الأصحاب بأن الخلاف المتقدم في السوم جار هنا أيضا ، قال في البيان : والكلام في اعتبار الأغلب هنا كالكلام في السوم. وقد صرح الشيخ في المبسوط على ما نقل عنه باعتبار الأغلب هنا أيضا كما ذكره ثمة. والاحتياط لا يخفى.

الموضع الرابع ـ في مسائل تلحق بهذا المقصد : الأولى ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف بأنه لا يضم مال إنسان إلى غيره وإن كانا في مكان واحد بل يعتبر النصاب في مال كل واحد على حدة ، ولا يفرق بين مالي المالك ولو تباعد مكانهما بمعنى أنه لا يكون لكل واحد منهما حكم بانفراده بل يقدران مجتمعين

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 7 من زكاة الأنعام.

(4) المدونة الكبرى ج 1 ص 268.


فإن بلغا النصاب كذلك وجبت الزكاة وإلا فلا.

وهذا الكلام خرج في مقام الرد على العامة حيث ذهب جمع منهم إلى أن الخلطة تجعل المالين مالا واحدا سواء كانت خلطة أعيان كأربعين شاة بين شريكين أو خلطة أوصاف كالاتحاد في المرعى والمشرب والمراح والفحل والحلب والحالب والمحلب مع تميز المالين (1) وهو باطل عندنا لعدم الدليل عليه بل قيام الدليل على خلافه كما في صحيحة محمد بن قيس عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق». أي في المالك ، وفي حسنة عبد الرحمن بن الحجاج (3) «أن محمد بن خالد سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصدقة فقال مر مصدقك أن لا يحشر من ماء إلى ماء ولا يجمع بين المتفرق ولا يفرق بين المجتمع». ويدل على ذلك أيضا إطلاق الأخبار

كقوله عليه‌السلام (4) «في كل أربعين شاة شاة». وبالجملة فإنه لا بد من بلوغ كل نصيب نصابا.

ويزيده بيانا ما رواه الصدوق في كتاب العلل عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (5) في حديث قال فيه «ثم قال زرارة قلت له مائتي درهم بين خمسة أناس أو عشرة حال عليها الحول وهي عندهم أتجب عليهم زكاتها؟ قال لا هي بمنزلة تلك ـ يعني جوابه في الحرث ـ ليس عليهم شي‌ء حتى يتم لكل إنسان منهم مائتا درهم. قلت وكذلك في الشاة والإبل والبقر والذهب والفضة وجميع الأموال؟ قال نعم».

الثانية ـ لو بيع النصاب بعد الحول وقبل إخراج الزكاة فإن الزكاة تجب على المشتري ويرجع بها على البائع إلا أن يؤديها البائع.

ويدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (6) قال : «قلت لأبي عبد الله

__________________

(1) المغني ج 2 ص 607.

(2) الوسائل الباب 11 من زكاة الأنعام.

(3) الوسائل الباب 11 من زكاة الأنعام.

(4) الوسائل الباب 6 من زكاة الأنعام.

(5) الوسائل الباب 5 من زكاة الذهب والفضة.

(6) الوسائل الباب 12 من زكاة الأنعام.


عليه‌السلام رجل لم يزك إبله أو شاته عامين فباعها ، على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال نعم تؤخذ منه زكاتها ويتبع بها البائع أو يؤدي زكاتها البائع».

وهذا الخبر من ما يدل على تعلق الزكاة بالعين وإن جاز الإخراج من غيره رخصة وتخفيفا كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

الثالثة ـ قد تكرر في صحيحة الفضلاء بعد ذكر نصب الإبل ثم بعد ذكر نصب البقر أنها ترجع على أسنانها.

ولم أقف على من تعرض للكلام في معنى ذلك إلا على كلام للسيد ماجد بن هاشم البحراني على ما نقل عنه تلميذه المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال : المراد برجوع الإبل على أسنانها استئناف النصاب الكلي وإسقاط اعتبار الأسنان السابقة كأنه إذا أسقط اعتبار الأسنان واستؤنف النصاب الكلي تركت الإبل على أسنانها ولم تعتبر كما يقال رجعت الشي‌ء على حاله أي تركته عليه ولم أغيره. وهو وإن كان بعيدا بحسب اللفظ إلا أن السياق يقتضيه ، وتعقيب ذكر أنصبة الغنم بقوله «وسقط الأمر الأول» ثم تعقيبه بمثل ما عقب به نصب الإبل والبقر من نفي الوجوب عن النيف يرشد إليه ، لأنه جعل إسقاط الاعتبار بالأسنان السابقة في الغنم مقابلا لرجوع الإبل على أسنانها واقعا موقعه وهو يقتضي اتحادهما في المؤدى وربما أمكن حمله على استئناف النصب السابقة في ما تجدد ملكه في أثناء الحول كما أول به المرتضى (رضي‌الله‌عنه) ما رووه من استئناف الفريضة بعد المائة والعشرين. وقد يقال أراد برجوعها على أسنانها استئناف الفرائض السابقة بعد بلوغ المائة والعشرين بأن يؤخذ للخمس الزائدة بعد المائة والعشرين شاة وللعشر شاتان وهكذا إلى الخمس والعشرين فتؤخذ بنت مخاض وهكذا كما هو قول أبي حنيفة (1) ويكون محمولا على التقية. والوجه هو الأول لما ذكرنا. انتهى كلامه (علت في الخلد أقدامه) وهو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.

الرابعة ـ لا خلاف نصا وفتوى في أن ما بين النصابين لا زكاة فيه وهو المشار

__________________

(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 44.


إليه في غير خبر من الأخبار المتقدمة بقولهم (عليهم‌السلام) (1) «ليس على النيف شي‌ء ولا على الكسور شي‌ء». والنيف ككيس وقد يخفف وهو الزيادة وكل ما زاد على العقد فهو نيف إلى أن يبلغ العقد الثاني ، ويكون بغير تأنيث للمذكر والمؤنث ولا يستعمل إلا معطوفا على العقود فإن كان بعد العشرة فهو لما دونها وإن كان بعد المائة فهو للعشرة فما دونها وإن كان بعد الألف فهو للعشرة فأكثر. هكذا تقرر بينهم. وفي بعض كتب أهل اللغة وتخفيف النيف لحن عند الفصحاء. وحكي عن أبي العباس أنه قال الذي حصلناه من أقاويل حذاق البصريين والكوفيّين أن النيف من واحد إلى ثلاثة والبضع من أربعة إلى تسعة ، ولا يقال نيف إلا بعد عقد ، نحو عشرة ونيف ومائة ونيف وألف ونيف. ومنه يظهر المدافعة للقول الأول.

وقد جرت عادة الفقهاء في هذا المقام بتسمية ما بين النصابين في الإبل شنقا وفي البقر وقصا وفي الغنم عفوا ، والشنق بالتحريك وضبطه بعضهم بضم الشين ، والوقص بفتح القاف ، والمستفاد من كلام أكثر أهل اللغة هو ترادف الشنق والوقص بمعنى ما بين الفريضتين ، وبعضهم خص الأول بالإبل والثاني بالبقر كما عليه الفقهاء وهي أمور اصطلاحية لا مشاحة فيها.

المطلب الثاني ـ في زكاة النقدين وهي مشروطة بشروط الأول ـ النصاب ولا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وإنما الخلاف في قدره من الذهب ، والمشهور بين الأصحاب هو أن النصاب الأول عشرون دينارا ، والدينار مثقال شرعي ، فربما عبر بالمثقال تارة وربما عبر بالدينار أخرى والمرجع واحد كما سيأتي بيانه وفيها نصف دينار ، ثم أربعة دنانير وفيها عشر دينار وقيراطان ، وهكذا بالغا ما بلغ.

__________________

(1) ورد ذلك في ما يخص الأنعام في صحيحة الفضلاء في زكاة الإبل والبقر ، وفي زكاة الغنم هكذا «وليس في النيف شي‌ء» فقط ، الوسائل الباب 2 و 4 و 6 و 7 من زكاة الأنعام. وفي حديث العلل المتقدم ص 83 النفي في الأنعام والنقدين وفي أخبار النقدين نفي الزكاة في النيف في بعضها ونفيها في الكسور في آخر ارجع إلى الوسائل الباب 2 رقم 1 و 6 و 7 و 8 من زكاة الذهب والفضة.


ونقل عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه ـ وحكاه في المعتبر عن ابنه الصدوق وجماعة من أصحاب الحديث ـ أن النصاب الأول أربعون دينارا فأربعون وهكذا.

والأظهر الأول للأخبار المتكاثرة ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (1) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن ما أخرج من المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي‌ء؟ قال ليس فيه شي‌ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا».

وما رواه الكليني عن الحسين بن بشار في الصحيح (2) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام في كم وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الزكاة؟ فقال في كل مائتي درهم خمسة دراهم فإن نقصت فلا زكاة فيها ، وفي الذهب في كل عشرين دينارا نصف دينار فإن نقص فلا زكاة فيه».

وما رواه فيه في الموثق عن علي بن عقبة وعدة من أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) (3) قالا : «ليس في ما دون العشرين مثقالا من الذهب شي‌ء فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلى أربعة وعشرين ، وإذا كملت أربعة وعشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية وعشرين ، فعلى هذا الحساب كلما زاد أربعة دنانير».

وما رواه الشيخ في الموثق عن يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام (4) قال : «في عشرين دينارا نصف دينار».

وما رواه في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (5) قال : «في الذهب إذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار وليس في ما دون العشرين شي‌ء ، وفي الفضة إذا بلغت مائتي

__________________

(1) الوسائل الباب 4 من ما يجب فيه الخمس.

(2) الفروع ج 1 ص 154 وفي الوسائل الباب 1 و 2 من زكاة الذهب والفضة.

(3 و 4) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب والفضة.

(5) الوسائل الباب 1 و 2 من زكاة الذهب والفضة.


درهم خمسة دراهم وليس في ما دون المائتين شي‌ء ، فإذا زادت تسعة وثلاثون على المائتين فليس فيها شي‌ء حتى تبلغ الأربعين ، وليس في شي‌ء من الكسور شي‌ء حتى تبلغ الأربعين وكذلك الدنانير على هذا الحساب».

وما رواه في الموثق عن زرارة وبكير (1) «أنهما سمعا أبا جعفر عليه‌السلام يقول في الزكاة أما في الذهب فليس في أقل من عشرين دينارا شي‌ء فإذا بلغت عشرين دينارا ففيه نصف دينار ، وليس في أقل من مائتي درهم شي‌ء فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك ، وليس في مائتي درهم وأربعين درهما غير درهم إلا خمسة دراهم ، فإذا بلغت أربعين ومائتي درهم ففيها ستة دراهم فإذا بلغت ثمانين ومائتين ففيها سبعة دراهم وما زاد فعلى هذا الحساب ، وكذلك الذهب وكل ذهب. وإنما الزكاة على الذهب والفضة الموضوع إذا حال عليه الحول ففيه الزكاة وما لم يحل عليه الحول فليس فيه شي‌ء». إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نقلها المقام.

ويدل على القول الثاني موثقة الفضلاء الأربعة عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) (2) أنهما قالا : «في الذهب في كل أربعين مثقالا مثقال ، وفي الورق في كل مائتين خمسة دراهم ، وليس في أقل من أربعين مثقالا شي‌ء ولا في أقل من مائتي درهم شي‌ء ، وليس في النيف شي‌ء حتى يتم أربعون فيكون فيه واحد».

واستدل عليه أيضا بما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن زرارة (3) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل عنده مائة درهم وتسعة وتسعون درهما وتسعة وثلاثون دينارا أيزكيها؟ قال لا ليس عليه شي‌ء من الزكاة في الدراهم ولا في الدنانير حتم تتم أربعين دينارا والدراهم مائتي درهم. قال قلت فرجل عنده أربعة أينق وتسعة وثلاثون شاة وتسعة وعشرون بقرة أيزكيهن؟ قال لا يزكي شيئا منها لأنه

__________________

(1) الوسائل الباب 1 و 2 و؟ 1 من زكاة الذهب والفضة.

(2) التهذيب ج 1 ص 351 وفي الوسائل الباب 1 و 2 من زكاة الذهب والفضة.

(3) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب والفضة و 1 من زكاة الأنعام.


ليس شي‌ء منهن قد تم فليس تجب فيه الزكاة».

ويشكل بأن هذه الرواية قد رواها الصدوق في الفقيه (1) بما هذه صورته : قال زرارة قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل عنده مائة وتسعة وتسعون درهما وتسعة عشر دينارا أيزكيها؟ فقال لا ليس عليه زكاة في الدراهم ولا في الدنانير حتى يتم. قال زرارة : وكذلك هو في جميع الأشياء. قال وقلت. إلى آخر ما تقدم.

وبذلك يضعف الاعتماد على رواية الشيخ للخبر المذكور ، ولهذا إن المحدث الكاشاني في الوافي إنما نقل الخبر برواية الصدوق ثم نبه على رواية الشيخ وقال إن ما في الفقيه هو الصواب.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (2) : «وليس في ما دون عشرين دينارا زكاة حتى يبلغ عشرين دينارا ففيها نصف دينار ، وكل ما زاد بعد العشرين إلى أن يبلغ أربعة دنانير فلا زكاة فيه فإذا بلغ أربعة دنانير ففيه عشر دينار ثم على هذا الحساب. إلى أن قال بعد ذكر أحكام عديدة : ونروى إنه ليس على الذهب زكاة حتى يبلغ أربعين مثقالا فإذا بلغ أربعين مثقالا ففيه مثقال ، وليس في النيف شي‌ء حتى يبلغ أربعين».

وظاهر نقله عليه‌السلام هذه الرواية بعد فتواه سابقا بما قدمنا نقله يعطي أن هذه الرواية ليست معمولا عليها وأن لها معنى آخر يجب أن تحمل عليه ، وليس إلا التقية التي هي في الأحكام الشرعية أصل كل بلية وإن كان القائل بذلك من العامة قليلا (3) لما حققناه في محل أليق وأشرنا إليه في غير موضع من ما تقدم من أنه لا يشترط عندنا في الحمل على التقية وجود القائل بذلك من العامة.

وأما النصاب في الفضة فإن النصاب الأول مائتا درهم وفيها خمسة دراهم ثم

__________________

(1) ج 2 ص 11 وفي الوسائل الباب 5 من زكاة الذهب والفضة.

(2) ص 22.

(3) المحلى ج 6 ص 66.


ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ أربعين وفيها درهم وهكذا ، وهو من ما لا خلاف فيه نصا وفتوى ، وقد تقدم في الأخبار السابقة ما يدل عليه ، ومثلها غيرها من الأخبار الكثيرة

الثاني ـ الحول ولا بد من وجود النصاب بعينه بشرائطه مدة الحول ، وقد تقدم الكلام في تحقيق الحول.

ويدل على هذا الشرط الأخبار الكثيرة ومنها ـ صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (1) قال : «الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول». وموثقة زرارة وبكير المتقدمة في المقام (2) ونحوهما غيرهما.

الثالث ـ كون الذهب والفضة دنانير ودراهم منقوشة بسكة المعاملة الحاضرة أو القديمة.

وتدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ حسنة علي بن يقطين بإبراهيم بن هاشم التي هي صحيحة عندنا عن أبي إبراهيم (3) وفيها «وكل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي‌ء. قال قلت وما الركاز؟ قال الصامت المنقوش».

وما رواه الشيخ عن جميل عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما‌السلام) (4) أنهما قالا : «ليس على التبر زكاة إنما هي على الدنانير والدراهم». ونحوهما غيرهما.

وأما اشتراط الملك والتمكن من التصرف فقد تقدم ولا وجه لإعادته هنا كما يذكره بعضهم.

مسائل

الأولى ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وغيرهم أيضا أن الدنانير لم يتغير وزنها عما هي عليه الآن في جاهلية ولا إسلام صرح بذلك جملة من علماء الطرفين (5).

__________________

(1) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة.

(2) ص 87.

(3) الوسائل الباب 8 من زكاة الذهب والفضة.

(4) الوسائل الباب 8 من زكاة الذهب والفضة.

(5) المجموع شرح المهذب ج 6 ص 7 وقد حقق فيه وزن الدينار والدرهم بنحو مبسوط ص 4 و 15.


قال شيخنا العلامة (أجزل الله إكرامه) في النهاية : والدنانير لم يختلف المثقال منها في جاهلية ولا إسلام. وكذا نقل عن الرافعي في شرح الوجيز (1) أنه قال : المثقال لم يختلف في جاهلية ولا إسلام. والدينار مثقال شرعي فهما متحدان وزنا فلذا يعبر في أخبار الزكاة تارة بالدينار وتارة بالمثقال.

وأما الدراهم فقد ذكر علماء الفريقين أيضا أنها كانت في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سابقا كما كان قبل زمانه بغلية وكان وزن الدرهم منها ثمانية دوانيق ، وطبرية وزن الدرهم منها أربعة دوانيق ، وهكذا بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى زمن بني أمية ، فجمعوا الدرهمين وقسموهما نصفين كل درهم ستة دوانيق واستقر أمر الإسلام على ذلك.

قال شيخنا الشهيد في كتاب الذكرى نقلا عن ابن دريد أن الدرهم الوافي هو البغلي بإسكان الغين منسوب إلى رأس البغل ضربه الثاني في خلافته بسكة كسروية ووزنه ثمانية دوانيق ، قال : والبغلية كانت تسمى قبل الإسلام بالكسروية فحدث لها هذا الاسم في الإسلام والوزن بحاله وجرت في المعاملة مع الطبرية وهي أربعة دوانيق ، فلما كان زمن عبد الملك جمع بينهما واتخذ الدرهم منهما واستقر أمر الإسلام على ستة دوانيق. انتهى.

وقد ذكروا في نسبة كل من الدينار والدرهم إلى الآخر أن الدينار درهم وثلاثة أسباع درهم والدرهم نصف الدينار وخمسه ، فعلى هذا يكون مقدار عشرة دراهم سبعة دنانير ، وتكون العشرون مثقالا التي هي أول نصب الذهب في وزن ثمانية وعشرين درهما وأربعة أسباع درهم ، والمائتا درهم التي هي أول نصب الفضة في وزن مائة وأربعين مثقالا ، ومن ذلك يعلم نصاب الفضة بهذه المحمديات الجارية في هذه الأزمان المتأخرة حيث إن المحمدية منها وزن الدينار مثقال شرعي فيكون النصاب الأول مائة محمدية وأربعين محمدية.

واعلم أنهم اتفقوا أيضا على أن كل دانق وزنه ثمان حبات من أوساط حب

__________________

(1) ج 6 ص 5 من المطبوع بضميمة المجموع شرح المهذب للنووي.


الشعير كما صرح به علماء الفريقين (1) فالدرهم حينئذ ثمان وأربعون شعيرة والدينار ثمان وستون شعيرة وأربعة أسباع شعيرة. إلا أنا قد اعتبرنا ذلك بالشعير الموجود في زماننا لأجل استعلام كمية صاع الفطرة بصنج البحرين فوجدنا في ذلك نقصانا فاحشا عن الاعتبار بالمثاقيل الشرعية وهي الدنانير ، والظاهر أن حبات الشعير المتعارفة سابقا كانت أعظم حجما وأثقل وزنا من الموجود في زماننا.

الثانية ـ اتفق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على أنه لا يضم أحد النقدين إلى الآخر على وجه يكون النصاب مركبا منهما بل يجب لكل منهما نصابه المتقدم ، ويدل على ذلك صحيحة زرارة المتقدم نقلها عن التهذيب والفقيه (2) المشتملة على السؤال عن من ملك مائة درهم وتسعة وتسعين درهما وتسعة وثلاثين دينارا على رواية التهذيب وتسعة عشر دينارا على رواية الفقيه حيث نفى الزكاة في ذلك حتى يتم كل من النصابين. ومثلها موثقة إسحاق بن عمار الآتية قريبا في مسألة الفرار (3)

وأما ما ورد في رواية إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه‌السلام ـ (4) قال : «قلت له مائة وتسعون درهما وتسعة عشر دينارا أعليها في الزكاة شي‌ء؟ فقال إذا اجتمع الذهب والفضة فبلغ ذلك مائتي درهم ففيها الزكاة ، لأن عين المال الدراهم وكل ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم في الزكاة والديات».

وحسنة محمد بن مسلم (5) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذهب كم فيه من الزكاة؟ قال إذا بلغ قيمته مائتي درهم فعليه الزكاة». ـ

فقد حملهما الشيخ في التهذيب على ما تندفع به المنافاة ، قال : ويحتمل أن يكون

__________________

(1) في رد المختار لابن عابدين ج 2 ص 32 المذكور في كتب الشافعية والحنابلة أن درهم الزكاة ست دوانق والدانق ثمان حبات شعير وخمسا حبة من شعيرة معتدلة لم تقشر وقطع من طرفيها ما دق وطال ، وهو لم يتغير في الجاهلية والإسلام. وفي كتاب الأوزان والمقادير للشيخ إبراهيم العاملي ص 26 نقل عن الفقهاء أن الدانق ثمان حبات من أوسط حب الشعير ثم قال ص 27 الدانق ثمان حبات قمحات وخمسان.

(2) ص 87 و 88.

(3) ص 98.

(4 و 5) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب والفضة.


المراد إذا بلغ كل واحد مائتي درهم ففيه الزكاة ، ويجري هذا مجرى قوله تعالى «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً» (1) والمراد كل واحد منهم ثمانين جلدة. إلى آخر كلامه. ومرجعه إلى ما ذكره أيضا من أن قيمة عشرين دينارا كانت في ذلك الوقت مائتي درهم ، قال : ولذا تراهم يجعلون الدينار في مقابلة عشرة دراهم في الديات وغيرها. وجعل في التهذيب المشار إليه في قوله «فبلغ ذلك مائتي درهم» في صدر الخبر الأول كل واحد من الذهب والفضة باعتبار القيمة في الذهب لأنهم كانوا يقومون الدنانير على هذا الوجه كل دينار بعشرة دراهم في الديات وغيرها. واحتمل في الإستبصار حمله على التقية ، قال لأن ذلك مذهب العامة (2). أقول : والحمل الأول قريب في حسنة محمد بن مسلم ولا بأس به في رواية إسحاق إلا أن الأظهر حملهما على التقية.

واحتمل بعض الأصحاب حمل الخبر الأول على زكاة التجارة ، والظاهر أنه مبني على أن اتخاذ الذهب فيه للتجارة ليتم الحمل المذكور فإن المرجع فيه إلى القيمة ، ويؤيده آخر الحديث. وهذا الاحتمال يمكن إجراؤه أيضا في الحديث الثاني إلا أن الأظهر ما ذكرناه من الحمل على التقية.

الثالثة ـ اتفق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على أنه لا زكاة في المغشوش من النقدين ما لم يبلغ الصافي نصابا لعموم أدلة الوجوب.

وخصوص ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن زيد الصائغ (3) قال

__________________

(1) سورة النور الآية 5.

(2) في المغني ج 3 ص 3 : إذا كان له من كل واحد من الذهب والفضة ما لا يبلغ نصابا بمفرده أو كان له نصاب من أحدهما وأقل من نصاب الآخر فذكر الخرقي فيه روايتان إحداهما لا يضم وهو قول ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وشريك والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور واختاره أبو بكر عبد العزيز. وثانيهما يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب وهو قول الحسن وقتادة ومالك والأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي ، وروى الأثرم عن أحمد التوقف فيه ، وفي رواية حنبل عنه أنه قطع بالضم.

(3) الوسائل الباب 7 من زكاة الذهب والفضة.


«قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إني كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها بخارى فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضة وثلث مس وثلث رصاص وكانت تجوز عندهم وكنت أعملها وأنفقها؟ قال فقال أبو عبد الله عليه‌السلام لا بأس بذلك إذا كانت تجوز عندهم. فقلت أرأيت إن حال عليها الحول وهي عندي وفيها ما يجب على فيه الزكاة أزكيها؟ قال نعم إنما هو مالك. قلت فإن أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتى حال عليها الحول أزكيها؟ قال إن كنت تعرف أن فيها من الفضة الخالصة ما يجب عليك فيها الزكاة فزك ما كان لك فيها من فضة ودع ما سوى ذلك من الخبث. قلت وإن كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة إلا أني أعلم أن فيها ما يجب فيه الزكاة؟ قال فاسبكها حتى تخلص الفضة ويحترق الخبث ثم تزكي ما خلص من الفضة لسنة واحدة». والظاهر أن قوله «لسنة واحدة» أي السنة التي كانت الدراهم مغشوشة فيها دون ما بعدها من ما جعل سبائك.

وقد صرح العلامة في المنتهى بأنه لو كان معه دراهم مغشوشة بذهب أو بالعكس وبلغ كل من الغش والمغشوش النصاب وجبت الزكاة فيهما. وهو كذلك بلا إشكال. ويجب الإخراج من كل جنس بحسابه وإلا توصل إليه بالسبك كما تدل عليه الرواية المتقدمة.

ولو شك المالك في بلوغ الخالص نصابا قال في التذكرة : لم يؤمر بسبكها ولا بالإخراج منها ولا من غيرها لأن بلوغ النصاب شرط ولم يعلم حصوله فأصالة البراءة لم يعارضها شي‌ء. وهو جيد.

ثم إنه يجب في المخرج أن يكون خالصا إلا إذا علم اشتماله على ما يجب من الخالص.

الرابعة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يضم الجوهران من الجنس الواحد بعض إلى بعض وإن اختلفت الرغبة ، لعموم ما دل على وجوب الزكاة في الذهب والفضة الشامل ذلك للردي‌ء من كل منهما والجيد والمختلفة القيمة


وغيرها ، لكن يخرج الواجب بالنسبة إن لم يتطوع المالك بالأرغب.

وقيل بجواز إخراج الأدون لحصول الامتثال بما يصدق عليه الاسم ، وهو منقول عن الشيخ (قدس‌سره) ولا يخلو من قرب من حيث ظاهر التعليل المذكور إلا أنه ربما يدفع بظاهر قوله عزوجل «وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ... الآية» (1) وما سيأتي في تفسيرها في بحث الغلات من الأخبار الدالة على عدم جواز إخراج الردي‌ء من التمر عن الجيد منه (2) قيل : وأولى بالجواز لو أخرج الأدنى بالقيمة.

ولو أخرج من الأعلى بقدر قيمة الأدون مثل أن يخرج نصف دينار جيد عن دينار أدون فالمشهور عدم الجواز من حيث إن الواجب عليه دينار فلا يجزئ ما نقص عنه. واحتمل العلامة في التذكرة الإجزاء ، ورده جملة من أفاضل متأخري المتأخرين بأنه ضعيف.

أقول : لا ريب أن عدم الإجزاء في هذه الصورة كما هو المشهور إنما يتم بناء على المشهور من وجوب الأخذ بالنسبة إن لم يتطوع المالك بالأرغب ، وإلا فعلى مذهب الشيخ من جواز إخراج الأدون الظاهر أنه لا إشكال في ذلك ، لأنه متى كان الواجب عليه دينارا واختار دفع الأدون وأراد دفع قيمته فدفع نصف دينار خالص بقيمة ذلك الدينار الأدون فالمدفوع قيمته حينئذ لا أنه الفريضة الواجبة حتى يقال إن الواجب دينار فلا يجزئ ما دونه ، ولعل الاحتمال المنقول عن العلامة مبني على هذا.

الخامسة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ بل الظاهر الاتفاق عليه ـ أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة متى ملك النصاب.

ويدل عليه إطلاق الأخبار الدالة على وجوب الزكاة على من ملك النصاب بالشروط المتقدمة (3).

__________________

(1) سورة البقرة الآية 270.

(2) الوسائل الباب 19 من زكاة الغلات.

(3) يستفاد ذلك من أخبار الباب 7 ممن تجب عليه الزكاة من الوسائل.


وخصوص ما رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام وضريس عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) أنهما قالا : «أيما رجل كان له مال موضوع حتى يحول عليه الحول فإنه يزكيه وأن كان عليه من الدين مثله أو أكثر منه فليزك ما في يده».

وظاهر الشهيد في البيان التوقف في ذلك حيث نقل عن كتاب الجعفريات عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (2) أنه قال : «من كان له مال وعليه مال فليحسب ماله وما عليه فإن كان ماله فضل على مائتي درهم فليعط خمسة دراهم». قال : وهذا نص في منع الدين الزكاة والشيخ في الخلاف ما تمسك على عدم منع الدين إلا بإطلاق الأخبار الموجبة للزكاة. انتهى.

وفيه (أولا) أن الكتاب المذكور مجهول لا يمكن الاعتماد عليه. و (ثانيا) أن ما نقله عنه معارض بالصحيحة المذكورة المؤيدة بإطلاق الأخبار وعمل الأصحاب.

والظاهر أن شيخنا المذكور غفل عن ملاحظة الصحيحة المذكورة وتوهم انحصار الدليل في الإطلاقات فرام تقييدها بهذا الخبر والحال ما عرفت.

السادسة ـ لو خلف الرجل نفقة لعياله سنة أو سنتين وبلغت النصاب فالمشهور أنه إن كان حاضرا وجب عليه إخراج الزكاة وإلا فلا ، ونقل عن ابن إدريس أنه لم يفرق بين الحضور والغيبة بل اعتبر التمكن من التصرف وعدمه.

والذي دلت عليه الأخبار الأول كصحيحة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام (3) «في رجل وضع لعياله ألف درهم نفقة فحال عليها الحول؟ قال إن كان مقيما زكاه وإن كان غائبا لم يزك». ونحوها موثقة إسحاق بن عمار (4) وفيها «إن كان شاهدا فعليه زكاة وإن كان غائبا فليس عليه زكاة». وموثقة

__________________

(1) الوسائل الباب 10 ممن تجب عليه الزكاة.

(2) مستدرك الوسائل الباب 8 ممن تجب عليه الزكاة.

(3 و 4) الوسائل الباب 17 من زكاة الذهب والفضة.


أبي بصير (1) وفيها كما في موثقة إسحاق المذكورة.

أقول : ويمكن حمل كلام ابن إدريس على ما يرجع إلى المشهور بأن يكون التعبير بالتمكن من التصرف كناية عن الحضور وعدم التمكن كناية عن الغيبة بناء على ما هو الغالب ، ومثله في التعبيرات غير عزيز.

وقيد الشيخ الشهيد في البيان الحكم المذكور بعدم العلم بزيادتها ، وهو تقييد للنص من غير دليل.

السابعة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في سقوط الزكاة عن السبائك والنقار والتبر وإنما الخلاف في ما إذا عملها كذلك قبل تمام الحول بقصد الفرار من الزكاة ، فقيل بوجوب الزكاة عليه بعد تمام الحول ، والظاهر أنه المشهور بين المتقدمين نقله في المختلف عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه في الرسالة حيث قال : وليس في السبائك شي‌ء إلا أن تفر بها من الزكاة فإن فررت بها من الزكاة فعليك زكاته. وكذا نقله عن ابنه في المقنع. أقول وبهذه العبارة عبر في الفقيه. وممن نقل عنه القول المذكور في المختلف أيضا الشيخ في الجمل والخلاف والمبسوط والسيد المرتضى في الجمل. ونقل في المختلف عن الشيخ المفيد القول بعدم الوجوب ونسبة القول بالوجوب إلى الرواية في الصورة المذكورة ، ونقل القول بالعدم أيضا عن الشيخ في النهاية وابن إدريس واختاره وهو المشهور بين المتأخرين

ومن ما يدل على القول بعدم الوجوب في الصورة المذكورة إطلاق الأخبار الدالة على أن السبائك والحلي ليس فيه زكاة (2) وما تقدم من الأخبار الدالة على اشتراط النقش بسكة المعاملة في الوجوب (3).

وخصوص صحيحة عمر بن يزيد (4) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل

__________________

(1) الوسائل الباب 17 من زكاة الذهب والفضة.

(2) الوسائل الباب 8 و 9 و 11 من زكاة الذهب والفضة.

(3) الوسائل الباب 8 من زكاة الذهب والفضة.

(4) الوسائل الباب 11 من زكاة الذهب والفضة.


فر بماله من الزكاة فاشترى به أرضا أو دارا أعليه فيه شي‌ء؟ فقال لا ولو جعله حليا أو نقرا فلا شي‌ء عليه. وما منع نفسه من فضله أكثر من ما منع من حق الله الذي يكون فيه».

ورواية علي بن يقطين عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (1) قال «قلت له إنه يجتمع عندي الشي‌ء الكثير قيمته فيبقى نحوا من سنة أنزكيه؟ قال لا كل ما لم يحل عليه عندك الحول فليس عليك فيه زكاة ، وكل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي‌ء. قال قلت وما الركاز؟ قال الصامت المنقوش. ثم قال إذا أردت ذلك فاسبكه فإنه ليس في سبائك الذهب ونقار الفضة شي‌ء من الزكاة».

وحسنة هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) قال «قلت له إن أخي يوسف ولي لهؤلاء القوم أعمالا أصاب فيها أموالا كثيرة وإنه جعل ذلك المال حليا أراد أن يفر به من الزكاة أعليه الزكاة؟ قال ليس على الحلي زكاة ، وما أدخل على نفسه من النقصان في وضعه ومنعه نفسه فضله أكثر من ما يخاف من الزكاة».

وصحيحة علي بن يقطين (3) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المال الذي لا يعمل به ولا يقلب؟ قال يلزمه الزكاة في كل سنة إلا أن يسبك».

وروى في كتاب العلل عن يونس بن عبد الرحمن عن أبي الحسن ـ يعني علي بن يقطين ـ عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (4) قال : «لا تجب الزكاة في ما سبك. قلت فإن كان سبكه فرارا من الزكاة؟ فقال ألا ترى أن المنفعة قد ذهبت منه فلذلك لا تجب فيه الزكاة». ورواه البرقي في كتاب المحاسن مثله (5).

ومن ما يدل على القول الآخر جملة من الأخبار : منها ـ موثقة محمد بن مسلم (6) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحلي فيه زكاة؟ قال لا إلا ما فر به من الزكاة».

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 8 من زكاة الذهب والفضة.

(2 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 11 من زكاة الذهب والفضة.


وفي الموثق عن إسحاق بن عمار (1) قال : «سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير أعليه زكاة؟ فقال إن كان فر بها من الزكاة فعليه الزكاة. قلت لم يفر بها ورث مائة درهم وعشرة دنانير؟ قال ليس عليه زكاة. الحديث».

وعن معاوية بن عمار في القوي بل الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «قلت له الرجل يجعل لأهله الحلي من مائة دينار والمائتي دينار وأراني قد قلت ثلاثمائة فعليه الزكاة؟ قال ليس عليه فيه زكاة. قلت فإنه فر به من الزكاة؟ فقال إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة وإن كان إنما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة». ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب معاوية بن عمار مثله (3) فيكون الحديث صحيحا.

أقول : ويدل على ذلك ما في كتاب الفقه الرضوي (4) حيث قال عليه‌السلام «وليس في السبائك زكاة إلا أن يكون فر به من الزكاة فإن فررت به من الزكاة فعليك فيه زكاة».

وبهذه العبارة عبر الشيخ علي بن بابويه في ما تقدم نقله عن المختلف وبها عبر ابنه في الفقيه والظاهر أنها كذلك في المقنع.

والعجب منه (قدس‌سره) في الفقيه أنه بعد أن ذكر هذه العبارة الدالة كما ترى على وجوب الزكاة مع قصد الفرار نقل بعد ورقة تقريبا صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة التي هي كما عرفت من أدلة القول بعدم الوجوب.

وكيف كان فمن هذه العبارة يعلم أن مستند الصدوقين في هذا الحكم هو الكتاب المذكور كما نبهنا عليه مرارا وإن كانت الأخبار الأخر دالة على ذلك ، والظاهر أن إيثارهما التعبير بعبارة الكتاب لمزيد الاعتماد عليه زيادة على غيره من كتب الأخبار

__________________

(1) الوسائل الباب 5 من زكاة الذهب والفضة.

(2 و 3) الوسائل الباب 9 و 11 من زكاة الذهب والفضة.

(4) ص 23.


كما يدل عليه أيضا عدولهما إلى القول بما فيه مع مخالفته لأكثر الأخبار في جملة من المواضع حتى إن الأصحاب ينسبون تلك الأقوال إلى الشذوذ كما مر وسيأتي إن شاء الله تعالى.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الشيخ في كتابي الأخبار قد حمل هذه الأخبار الأخيرة تارة على الاستحباب وتارة على الفرار بعد أن حال الحول.

واستدل على الثاني بما رواه عن زرارة في الموثق (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إن أباك قال من فر بها من الزكاة فعليه أن يؤديها؟ قال صدق أبي إن عليه أن يؤدي ما وجب عليه وما لم يجب عليه فلا شي‌ء عليه منه. ثم قال لي أرأيت لو أن رجلا أغمي عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته أكان عليه وقد مات أن يؤديها؟ قلت لا. قال إلا أن يكون أفاق من يومه. ثم قال لي أرأيت لو أن رجلا مرض في شهر رمضان ثم مات فيه أكان يصام عنه؟ قلت لا. قال وكذلك الرجل لا يؤدي عن ماله إلا ما حال عليه الحول».

وجملة المتأخرين حيث اختاروا عدم وجوب الزكاة مع الفرار تبعوا الشيخ في حمل هذه الأخبار فبعضهم اختار الحمل على الاستحباب وبعضهم الحمل على ما إذا كان الفرار بعد الحول.

وعندي في كلا الحملين نظر : أما الحمل على الاستحباب فلما أشرت إليه في غير موضع من أنه وإن اشتهر العمل به بين الأصحاب في الجمع بين الأخبار إلا أنه ـ مع كونه لا دليل عليه من الأخبار وليس من القواعد المروية عن الأئمّة الأطهار (صلوات الله عليهم) في الجمع بين الأخبار ـ مردود بأن الحمل على الاستحباب مع ظهور الأدلة في الوجوب مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة ، واختلاف الأخبار ليس من قرائن المجاز وإن كان قد جرت عادتهم في أبواب الفقه من أوله إلى آخره بحمل الأوامر في مقام الجمع على الاستحباب والنواهي على الكراهة إلا أنه من

__________________

(1) الوسائل الباب 11 من زكاة الذهب والفضة.


قبيل رب مشهور لا أصل له ورب متأصل ليس بمشهور.

وأما الحمل على القرار بعد الوجوب ففيه أن ظواهر تلك الأخبار تأباه ولا ترضاه ، حيث إنها ظاهرة في كون الفرار قبل وقت الوجوب كما هو المدعى منها والمستدل بها عليه ، مثل رواية معاوية بن عمار (1) وقوله في آخرها «إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة وإن كان إنما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة». فإنه متى جعل محل التقسيم بعد تمام الحول ووجوب الزكاة اقتضى سقوط الزكاة عن من فعله ليتجمل به مع أنه لا قائل به بل الاتفاق على الوجوب. ولا جائز أن يحمل الفرار على ما بعد الحول وقصد التجمل على ما قبله لأنه يصير الكلام متهافتا منحل الزمام مختل النظام يجل عنه كلام الإمام الذي هو إمام الكلام كما هو بحمد الله ظاهر لذوي الأذهان والأفهام. ونحو ذلك مفهوم الشرط في موثقة إسحاق بن عمار وقوله فيها «إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة» ومثله مفهوم عبارة كتاب الفقه الرضوي ، فإن مفهومهما الشرطي الذي هو حجة عند المحققين أنه إن لم يقصد الفرار فليس عليه زكاة ، وهو باطل قطعا لما عرفت من أن التصرف في النصاب بعد حول الحول بالتغيير والتبديل أو السبك وغير ذلك لا يسقط الزكاة. وهكذا موثقة محمد بن مسلم فإن نفيه عليه‌السلام الزكاة عن الحلي محمول على ما قبل الحول البتة وقبل وجوب الزكاة وحينئذ فيكون هو محل الاستثناء.

وبالجملة فظهور هذه الأخبار في وجوب الزكاة بعد الحول مع قصد الفرار قبل تمام الحول من ما لا يستطاع أن ينكر كما لا يخفى على من تأمل بعين الإنصاف ونظر وما أوردوه دليلا على هذا الحمل ليس فيه دلالة كما ادعوه وإنما غايته الدلالة على ما دلت عليه الأخبار الأولة وإن كان بوجه أوضح ، وحيث كانت العبارة التي نقلها الراوي عن أبيه عليه‌السلام مجملة لا تفصيل فيها مثل الأخبار التي ذكرناها تأولها وحملها على الأخبار الأولة ، وهو جيد بناء على العمل بظاهر تلك الأخبار.

__________________

(1) ص 98.


وليعلم أن الموثقة التي رواها الشيخ هنا قد رواها الكليني في الصحيح عندنا والحسن على المشهور في جملة حديث طويل مشتمل على جمل من الإشكال وأنا أذكر الرواية من أولها إلى آخرها وأبين منها ما وصل إليه فهمي القاصر وذهني الفاتر

وهي ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة (1) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام رجل كان عنده مائتا درهم غير درهم أحد عشر شهرا ثم أصاب درهما بعد ذلك في الشهر الثاني عشر فكملت عنده مائتا درهم أعليه زكاتها؟ قال لا حتى يحول عليه الحول وهي مائتا درهم ، فإن كانت مائة وخمسين درهما فأصاب خمسين بعد أن يمضي شهر فلا زكاة عليه حتى يحول على المائتين الحول. قلت له فإن كانت عنده مائتا درهم غير درهم فمضى عليه أيام قبل أن ينقضي الشهر ثم أصاب درهما فأتى على الدراهم مع الدرهم حول أعليه زكاة؟ فقال نعم وإن لم يمض عليها جميعا الحول فلا شي‌ء عليه فيها. قال وقال زرارة ومحمد بن مسلم قال أبو عبد الله عليه‌السلام أيما رجل كان له مال وحال عليه الحول فإنه يزكيه. قلت فإن وهبه قبل حله بشهر أو بيوم؟ قال ليس عليه شي‌ء أبدا. قال وقال زرارة عنه عليه‌السلام إنه قال إنما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في إقامته ثم خرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك إبطال الكفارة التي وجبت عليه. وقال إنه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة ولكنه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز ولم يكن عليه شي‌ء بمنزلة من خرج ثم أفطر ، إنما لا يمنع ما حال عليه فأما ما لم يحل فله منعه ولا يحل له منع مال غيره في ما قد حل عليه. قال زرارة قلت له رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة فعل ذلك قبل حلها بشهر؟ فقال إذا حل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول ووجبت عليه فيها الزكاة. قلت فإن أحدث فيها قبل الحول؟ قال جائز ذلك له. قلت إنه فر بها من الزكاة؟ قال ما أدخل على نفسه أعظم من ما منع من زكاتها. فقلت له إنه يقدر عليها؟ فقال وما

__________________

(1) الوسائل الباب 6 و 12 و 11 من زكاة الذهب والفضة.


علمه أنه يقدر عليها وقد خرجت من ملكه؟ قلت فإنه دفعها إليه على شرط؟ فقال إنه إذا سماها هبة جازت الهبة وسقط الشرط وضمن الزكاة. قلت وكيف يسقط الشرط وتمضي الهبة ويضمن الزكاة؟ فقال هذا شرط فاسد والهبة المضمونة ماضية والزكاة لازمة له عقوبة. ثم قال إنما ذلك له إذا اشترى بها دارا أو أرضا أو متاعا. قال قلت له إن أباك قال لي من فر بها من الزكاة فعليه أن يؤديها؟ فقال صدق أبي عليه أن يؤدي ما وجب عليه وما لم يجب فلا شي‌ء عليه فيه. ثم قال أرأيت لو أن رجلا أغمي عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته أكان عليه وقد مات أن يؤديها؟ قلت لا إلا أن يكون أفاق من يومه. ثم قال لو أن رجلا مرض في شهر رمضان ثم مات فيه أكان يصام عنه؟ قلت لا. قال فكذلك الرجل لا يؤدي عن ماله إلا ما حال عليه الحول».

أقول : قوله عليه‌السلام «نعم» ـ في جواب السؤال عن من كانت عنده مائتا درهم غير درهم فمضى عليه أيام ثم أصاب درهما فأتى على الدراهم مع الدرهم حول فعليه الزكاة ـ من ما يدل بظاهره على أن المعتبر في الحول مرور الأحد عشر شهرا من غير اعتبار الأيام ، فمتى اجتمع النصاب وحصل في أثناء الشهر وإن كان في أيام متفرقة عد ذلك شهرا أولا من غير اعتبار الأيام وملاحظتها في النقصان والتمام. والظاهر إنه كذلك عند الأصحاب وإن لم أقف لهم على كلام في هذا الباب إلا أنه لم يتعرض أحد منهم للقول بالتلفيق من الشهر الأخير.

قوله عليه‌السلام : «أيما رجل كان له مال وحال عليه الحول فإنه يزكيه» الظاهر كما استظهره في الوافي أيضا أنه سقط من هذه العبارة «ثم وهبه» قبل قوله «فإنه يزكيه» كما يشير إليه قول الراوي بعد هذا الكلام «فإن وهبه قبل حله» ولعله ترك لقرينة دلالة المقام من دلالة ما بعده على ذلك ، وكيف كان فلا بد من تقدير.

قوله عليه‌السلام «إنما هذا بمنزلة رجل. إلى آخره» اسم الإشارة هنا يرجع إلى قوله «أيما رجل ...» وحاصله تشبيه الفار من الزكاة بعد أن حال عليه الحول بمن


أفطر في شهر رمضان متعمدا ووجبت عليه الكفارة ثم سافر في نهاره ذلك لإسقاط الكفارة بعد ما تحقق وجوبها فإنه غير نافع في سقوطها ، والحال كذلك في من حال على ماله الحول ووجبت فيه الزكاة ثم وهبه فرارا من الزكاة فإن ذلك لا يسقط الزكاة بعد وجوبها ، وكما أن هذه الحيلة في الصيام لا تفيد نفعا في سقوط الكفارة كذلك في الزكاة ، بخلاف من وهب ماله قبل الحول فإن حيلته تفيد سقوط الزكاة ، كمن سافر في شهر رمضان قاصدا بسفره التوصل إلى الإفطار فإنه يجوز له الإفطار ولا كفارة.

قوله عليه‌السلام : «إنما لا يمنع ما حال عليه ...» الظاهر أن معناه أن المال الذي لا يمنع الفرار من إخراج الزكاة منه هو المال الذي حال عليه الحول بل تجب عليه الزكاة البتة إذ لا يحل له منع مال غيره وهو حصة أرباب الزكاة بخلاف ما لم يحل عليه الحول.

قوله : «قال زرارة قلت له رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه» هذا هو مستند الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جعل الحول الشرعي أحد عشر شهرا. ومثله قوله سابقا : «وقال إنه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة» وقد عرفت سابقا ما فيه ولا سيما معارضة صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (1) لذلك.

قوله : «قلت إنه فر بها من الزكاة؟ قال ما أدخل على نفسه أعظم من ما منع» صريح الدلالة في ما ذهب إليه من جوز الفرار قبل الحول وأنه غير موجب للزكاة كما يدعيه أهل القول الآخر ، فهو من جملة أدلة القول المشار إليه.

قوله : «قلت له إنه دفعها إليه على شرط» لا يخفى ما فيه من الغموض والإشكال الذي تحيرت فيه فحول الرجال ، وذلك فإن هذا الشرط المذكور غير معلوم بأيّ معنى هو ، وما ذكر أيضا من ضمان الزكاة على تقدير الهبة ـ والحال أن الهبة إنما

__________________

(1) ص 75.


وقعت قبل الحول كما هو مقتضى سياق الكلام ـ مناف لما تقدم من أنه لا يلزمه زكاة في هذه الحال ، ووجه لزوم الزكاة هنا عقوبة إن أريد به من حيث قصد الفرار فهو مناف لما تقدم من الجواز وعدم الزكاة وإلا فلا يعلم لهذه العقوبة سبب. والفرق في ذلك ـ بين الهبة وشراء الدار والأرض والمتاع مع قصد الفرار في الجميع ـ غير ظاهر.

وأما حمل الكلام على ما إذا كانت الهبة بعد الحول كما صار إليه بعض محققي متأخري المتأخرين فهو بعيد عن سياق الكلام ، ولا يلائمه أيضا كون الزكاة عقوبة لأنها حينئذ واجبة بأصل الشرع ، ولا يلائمه أيضا الفرق بين الهبة وشراء الدار ونحوها.

ويمكن أن يقال ـ والله سبحانه وقائله أعلم بحقيقة الحال ـ إن المعنى إنه لما أخبر عليه‌السلام بأنه متى وهبها قبل الحول فرارا من الزكاة فلا شي‌ء عليه قال له الراوي إنه يقدر على أخذها بعد حول الحول ، أجابه عليه‌السلام بأنه كيف يقدر عليها وقد خرجت من ملكه بالهبة؟ قال له الراوي إنه وهبها بشرط يقتضي رجوعه فيها متى أراد ، فأجابه عليه‌السلام متى كان كذلك فالهبة صحيحة وهذا الشرط فاسد لمنافاته الهبة وتجب عليه الزكاة حينئذ عقوبة لهذا الشرط.

ثم إنه فرق بين الهبة على هذه الكيفية وبين شراء الدار ونحوها باعتبار أنه في الهبة شرط رجوعها فهذا الشرط أوجب عليه العقوبة بوجوب الزكاة وأما الشراء ونحوه فإنه من الأمور السائغة الجائزة والحال أن الشراء وقع قبل الحول كما هو المفروض.

قوله : «قال زرارة قلت له إن أباك ...» الظاهر أنه رجوع إلى الكلام الأول ولا تعلق له بهذه الجملة المتوسطة التي هي محل الإشكال ، حيث إن مقتضى الكلام الأول أن الفرار قبل الحول غير موجب للزكاة ، ومراده أن ما ذكرته من عدم الزكاة على من قصد الفرار قبل الحول مناف لما قال أبوك من أن من فر بها من


الزكاة فعليه أن يؤديها ، أجابه عليه‌السلام بأن كلام أبي ليس صريحا في ما تدعيه وإنما مراده من قصد الفرار بعد الحول والوجوب فعليه أن يؤدي ما وجب عليه.

وجملة من المتأخرين حملوا تلك الروايات الأخيرة الدالة على وجوب الزكاة متى قصد الفرار على هذه الرواية بمعنى الوجوب بعد الحول.

وفيه ما عرفت آنفا من ظهور تلك الروايات في المعنى الذي ذهب إليه من استدل بها وأنها ظاهرة في كون قصد الفرار قبل الحول ، وهو الذي فهمه جملة القائلين بمضمونها ، وكذا القائلين بحملها على الاستحباب فإنه لو لا ظهورها في ذلك لما كان لهذا الاستحباب معنى.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من الإشكال لظهور أخبار الطرفين في كل من القولين والظاهر أن أخبار أحد الطرفين إنما خرجت مخرج التقية وإن كان العامة في ذلك على قولين أيضا ، فذهب مالك وأحمد إلى الوجوب والشافعي وأبو حنيفة إلى عدم الوجوب (1) إلا أنه غير معلوم عندي كون التقية في أي الطرفين.

والسيد المرتضى (قدس‌سره) في الانتصار لما اختار القول بالوجوب كما تقدم في مسألة معاوضة بعض الأنعام ببعض حمل أخبار عدم الوجوب على التقية إلا أن للخصم أيضا أن يحمل أخبار الوجوب على ذلك أيضا.

ويمكن ترجيح ما ذكره (قدس‌سره) بأن مذهب أبي حنيفة في زمانه كان مشهورا معمولا عليه بين خلفاء الجور وقضاة ذلك الوقت ، وتلامذته المروجون لمذهبه مثل أبي يوسف ونحوه مشهورون أيضا ، وأما أحمد ومالك فإنهما في ذلك الوقت ليسا إلا كسائر العلماء ليس لهما مذهب مشهور ولا قول مذكور وإنما وقع الاصطلاح على مذهبهما مع ذينك الآخرين في الأعصار الأخيرة في ما يقرب من السنة الستمائة كما ذكره علماء الفريقين وبيناه في كتاب سلاسل الحديد. وبذلك يظهر

__________________

(1) في المغني ج 3 ص 11 «ما اتخذ حلية فرارا من الزكاة لا يسقط عنه» وفي المهذب للشيرازي الشافعي ج 1 ص 355 ما يظهر منه عدم الوجوب وكذا في البدائع للكاساني الحنفي ج 2 ص 15.


قوة القول بالوجوب ، ويعضده الاحتياط أيضا. والله العالم.

المطلب الثالث في زكاة الغلات ، والكلام في هذا المطلب يقع في مقامات :

المقام الأول ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب الزكاة في الغلات الأربع المشهورة وهي التمر والزبيب والحنطة والشعير ، إنما الخلاف في ما زاد على هذه الأربع من ما دخله الكيل والوزن كالأرز والدخن والسمسم ونحوها ، فالأشهر الأظهر إنه لا زكاة فيها ، ونقل عن ابن الجنيد القول بالوجوب فيها ، وحكاه الكليني والشيخ عن يونس بن عبد الرحمن من قدماء أصحابنا.

ومن ما يدل على المشهور صحيحة الفضلاء الحسنة على المشهور عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) (1) قالا : «فرض الله الزكاة مع الصلاة في الأموال وسنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في تسعة أشياء وعفا عن ما سواهن : في الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم والحنطة والشعير والتمر والزبيب ، وعفا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ما سوى ذلك».

وفي الموثق عن زرارة (2) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن صدقات الأموال فقال في تسعة أشياء ليس في غيرها شي‌ء : في الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم السائمة وهي الراعية. الحديث».

وفي الموثق عن زرارة وبكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه‌السلام (3) قال : «ليس في شي‌ء أنبتت الأرض من الأرز والذرة والحمص والعدس وسائر الحبوب والفواكه غير هذه الأربعة الأصناف وإن كثر ثمنه زكاة إلا أن يصير مالا يباع بذهب أو فضة تكنزه ثم يحول عليه الحول وقد صار ذهبا أو فضة فتؤدى عنه من كل مائتي درهم خمسة دراهم ومن كل عشرين دينارا نصف دينار».

وفي الموثق عن عبد الله بن بكير عن محمد بن الطيار (4) قال : «سألت

__________________

(1 و 2 و 4) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة.

(3) الوسائل الباب 9 من ما تجب فيه الزكاة.


أبا عبد الله عليه‌السلام عن ما تجب فيه الزكاة فقال في تسعة أشياء : الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم ، وعفا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ما سوى ذلك. فقلت أصلحك الله فإن عندنا حبا كثيرا؟ قال فقال وما هو؟ قلت الأرز قال نعم ما أكثره. فقلت أفيه الزكاة؟ قال فزبرني ، قال ثم قال أقول لك إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عفا عن ما سوى ذلك وتقول لي إن عندنا حبا كثيرا أفيه الزكاة؟». إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق بنقلها المقام.

وأما ما يدل على القول الثاني فأخبار عديدة : منها ـ صحيحة علي بن مهزيار (1) قال «قرأت في كتاب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه‌السلام جعلت فداك روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الزكاة على تسعة أشياء : الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذهب والفضة والغنم والبقر والإبل وعفا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ما سوى ذلك. فقال له القائل عندنا شي‌ء كثير يكون أضعاف ذلك؟ فقال وما هو؟ فقال له الأرز. فقال أبو عبد الله عليه‌السلام أقول لك إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وضع الزكاة على تسعة أشياء وعفا عن ما سوى ذلك وتقول عندنا أرز وعندنا ذرة وقد كانت الذرة على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فوقع عليه‌السلام كذلك هو والزكاة على كل ما كيل بالصاع».

وكتب عبد الله وروى غير هذا الرجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) «أنه سأله عن الحبوب فقال وما هي؟ فقال السمسم والأرز والدخن ، وكل هذا غلة كالحنطة والشعير. فقال أبو عبد الله عليه‌السلام في الحبوب كلها زكاة».

وروي أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام (3) أنه قال : «كل ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة والشعير والتمر والزبيب. قال فأخبرني جعلت فداك هل على هذا الأرز وما أشبهه من الحبوب والحمص والعدس زكاة؟ فوقع عليه‌السلام صدقوا الزكاة في كل شي‌ء كيل».

__________________

(1) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة.

(2 و 3) الوسائل الباب 9 من ما تجب فيه الزكاة.


وما رواه في الكافي عن أبي مريم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن الحرث ما يزكى منه؟ فقال البر والشعير والذرة والأرز والسلت والعدس كل هذا من ما يزكى. وقال كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن محمد بن مسلم (2) قال : «سألته عن الحبوب ما يزكى منها؟ فقال البر والشعير والذرة والدخن والأرز والسلت والعدس والسمسم كل هذا يزكى وأشباهه». ورواه في الكافي والتهذيب عن حريز عن زرارة مثله (3) وقال : كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة. قال : وجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الصدقة في كل شي‌ء أنبتته الأرض إلا الخضر والبقول وكل شي‌ء يفسد من يومه.

وما رواه في التهذيب في الموثق عن أبي بصير (4) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام هل في الأرز شي‌ء؟ فقال نعم ، ثم قال إن المدينة لم تكن يومئذ أرض أرز فيقال فيه ولكنه قد حصل فيه ، كيف لا يكون فيه وعامة خراج العراق منه؟». إلى غير ذلك من الأخبار إلا أنها أقل عددا من الأولى.

والأصحاب قد جمعوا بين الأخبار بحمل هذه الأخبار الأخيرة على الاستحباب كما هي قاعدتهم وعادتهم في جميع الأبواب ، وقد عرفت ما فيه في غير مقام.

والأظهر عندي حمل هذه الأخبار الأخيرة على التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كل بلية ، فإن القول بوجوب الزكاة في هذه الأشياء مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك وأبي يوسف ومحمد (5) كما نقله في المنتهى.

ويدل على ذلك ما رواه الصدوق (عطر الله مرقده) في كتاب معاني الأخبار بإسناده عن أبي سعيد القماط عن من ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام (6) : «أنه سئل عن

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 9 من ما تجب فيه الزكاة.

(5) الأم ج 2 ص 29 وبدائع الصنائع ج 2 ص 59 والمدونة ج 1 ص 288.

(6) الوسائل الباب 8 من ما تجب فيه الزكاة.


الزكاة فقال وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الزكاة على تسعة وعفا عن ما سوى ذلك : الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذهب والفضة والبقر والغنم والإبل. فقال السائل : والذرة؟ فغضب عليه‌السلام ثم قال كان والله على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله السماسم والذرة والدخن وجميع ذلك. فقال إنهم يقولون إنه لم يكن ذلك على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإنما وضع على تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك؟ فغضب وقال كذبوا فهل يكون العفو إلا عن شي‌ء قد كان ، فلا والله لا أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر». وهو كما ترى صريح الدلالة في قول المخالفين يومئذ بوجوب الزكاة في هذه الأشياء فيجب حمل ما دل على ذلك في ما عدا التسعة على التقية.

ومن ما يستأنس به لذلك صحيحة علي بن مهزيار المتقدمة حيث إنه أقر السائل على ما نقله عن أبي عبد الله عليه‌السلام في صدر الخبر من تخصيص الوجوب بالتسعة المذكورة والعفو عن ما سواها وإنكاره على السائل لما راجعه في الأرز ومع هذا قال له «الزكاة في كل ما كيل بالصاع» فلو لم يحمل كلامه (عليه‌السلام) على التقية للزم التناقض بين الكلامين وهو من ما يجل عنه ، وهذا بحمد الله ظاهر لكل ناظر

ولو كان ما يدعونه حقا من أن أخبار الوجوب إنما خرجت عنهم (عليهم‌السلام) مرادا بها الاستحباب وأنه لا تناقض ولا تدافع بين الأخبار في هذا الباب لما خفي هذا المعنى على أصحاب الأئمّة المعاصرين لهم (عليهم‌السلام) ولما احتاجوا إلى عرض هذه الأخبار المنقولة عن المتقدمين على المتأخرين منهم (عليهم‌السلام) ومع تسليم خفاء ذلك عليهم فالأظهر في الجواب هنا لما عرض السائل عليه اختلاف الأخبار أن يقال إن هذه الأخبار ليست مختلفة كما توهمت بل المراد بما ظاهره الوجوب في ما عدا التسعة إنما هو الاستحباب لا أنه (عليه‌السلام) يقر السائل على الحصر في التسعة كما عرفت ومع هذا يوجب عليه إخراج الزكاة في ما زاد على التسعة ويقرره على ما نقله من الأخبار الدالة على الوجوب بقوله «صدقوا الزكاة في كل شي‌ء كيل» وجميع هذا بحمد الله سبحانه ظاهر لمن نظر بعين الإنصاف


وجانب التعصب والاعتساف (1).

وأما ما نقل عن يونس بن عبد الرحمن في الجمع بين الأخبار من حمل أخبار التسعة على صدر الإسلام وحمل ما زاد عليها على ما بعد ذلك ففيه ما ذكره الشيخ (قدس‌سره) حيث قال بعد حمل الأخبار على الاستحباب : ولا يمكن حمل هذه الأخبار يعني ما دل على التسعة على ما ذهب إليه يونس بن عبد الرحمن من أن هذه التسعة كانت الزكاة عليها في أول الإسلام ثم أوجب الله تعالى بعد ذلك في غيرها من الأجناس ، لأن الأمر لو كان كما ذكره لما قال الصادق (عليه‌السلام) عفا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ما سوى ذلك لأنه إذا أوجب في ما عدا هذه التسعة أشياء بعد إيجابه في التسعة لم يبق شي‌ء معفو عنه ، فهذا القول واضح البطلان. انتهى وهو جيد. وبالجملة فالحمل على التقية في هذا المقام من ما لا يعتريه نقض ولا إبرام.

المقام الثاني ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في اشتراط النصاب في زكاة الغلات وأنه خمسة أوسق والوسق ستون صاعا.

ويدل عليه روايات عديدة : منها ـ صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (2) قال : «ما أنبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أوساق ـ والوسق ستون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع ـ ففيه العشر ، وما كان منه يسقى بالرشاء والدوالي والنواضح ففيه نصف العشر ، وما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تاما ، وليس في ما دون الثلاثمائة صاع شي‌ء ، وليس في ما أنبتت الأرض شي‌ء إلا في هذه الأربعة أشياء».

وصحيحة سعد بن سعد (3) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن أقل ما يجب

__________________

(1) قوله «ولو كان ما يدعونه حقا. إلى هنا» أخذناه من النسخة الخطية وليس في المطبوعة نعم فيها علامة على قوله «وهذا بحمد الله ظاهر لكل ناظر» ربما تشير إلى نقص في العبارة.

(2 و 3) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات.


فيه الزكاة من البر والشعير والتمر والزبيب؟ فقال خمسة أوساق بوسق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت كم الوسق؟ فقال ستون صاعا. فقلت وهل على العنب زكاة أو إنما تجب عليه إذا صيره زبيبا؟ قال نعم إذا خرصه أخرج زكاته».

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «ليس في ما دون خمسة أوساق شي‌ء والوسق ستون صاعا». إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة.

ولا نصاب آخر بعد هذا إجماعا بل كل ما زاد على هذا النصاب قليلا كان أو كثيرا فإنه يجب أن يزكى.

وربما استدل على ذلك بموثقة إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (2) قال : «سألته عن الحنطة والتمر عن زكاتهما فقال العشر ونصف العشر : العشر من ما سقت السماء ونصف العشر من ما سقي بالسواني. فقلت ليس عن هذا أسألك إنما أسألك عن ما خرج منه قليلا كان أو كثيرا أله حد يزكى ما خرج منه؟ فقال يزكى ما خرج منه قليلا كان أو كثيرا من كل عشرة واحد ومن كل عشرة نصف واحد. قلت فالحنطة والتمر سواء؟ قال نعم». بحمل الخبر المذكور على أن المراد بالقليل والكثير يعني ما بعد الخمسة أوساق ، ولا بأس به.

وأما ما ورد في شواذ الأخبار من أن النصاب وسق كما في بعض أو وسقان كما في آخر (3) فقد حمله الشيخ ومن تأخر عنه على الاستحباب ، والأظهر الحمل على التقية وإن لم يكن بذلك مصرح من العامة مع أن أبا حنيفة لا يعتبر النصاب بل يوجب الزكاة في كل ما خرج قليلا كان أو كثيرا (4) ومنه يعلم أيضا قرب حمل موثقة إسحاق ابن عمار المتقدمة على التقية وإن كان الشيخ وأتباعه حملوها على ما قدمناه. واحتملوا

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات.

(2) التهذيب ج 1 ص 352 وفي الوسائل 4 و 3 من زكاة الغلات.

(3) الوسائل الباب 3 من زكاة الغلات.

(4) بدائع الصنائع ج 2 ص 59.


أيضا حملها على الاستحباب.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن الصاع أربعة أمداد وعليه تدل جملة من الأخبار : منها ـ صحيحة عبد الله بن سنان الواردة في الفطرة (1) حيث قال فيها «صاع من تمر أو صاع من شعير والصاع أربعة أمداد». ونحوها صحيحة الحلبي (2).

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (3) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتوضأ بمد ويغتسل بصاع ، والمد رطل ونصف والصاع ستة أرطال». ومقتضاها أن الصاع أربعة أمداد.

وقد ذكروا أيضا تقدير الصاع بالأرطال وأنه ستة أرطال بالمدني وتسعة بالعراقي ، وتدل عليه رواية جعفر بن إبراهيم بن محمد الهمداني الواردة في زكاة الفطرة عن أبي الحسن عليه‌السلام (4) وفيها «الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة أرطال بالعراقي وأخبرني أنه يكون بالوزن ألفا ومائة وسبعين وزنة».

ورواية علي بن بلال (5) قال «كتبت إلى الرجل عليه‌السلام أسأله عن الفطرة وكم تدفع؟ قال فكتب ستة أرطال من تمر بالمدني وذلك تسعة أرطال بالبغدادي».

ومن ذلك علم المد وأنه رطلان وربع بالعراقي ورطل ونصف رطل بالمدني ، وقدر أيضا بالدراهم وهو ألف ومائة وسبعون درهما كما تضمنته رواية الهمداني المتقدمة أيضا وإن عبر عن الدرهم بالوزنة ، وقد روى هذا الخبر في كتاب عيون الأخبار (6) وذكر الدرهم عوض الوزنة.

وأما الرطل فالمدني منه ما كان وزنه مائة وخمسة وتسعين درهما ، وأما العراقي

__________________

(1 و 2) التهذيب ج 1 ص 371 وفي الوسائل الباب 6 من زكاة الفطرة.

(3) الوسائل الباب 50 من الوضوء.

(4 و 5) الوسائل الباب 7 من زكاة الفطرة.

(6) ص 172 وفي الوسائل الباب 7 من زكاة الفطرة.


فالمشهور أن وزنه مائة وثلاثون درهما ، وذكر العلامة في التحرير وموضع من المنتهى أن وزنه مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم. والظاهر أنه سهو من قلمه (رحمة الله عليه) وأنه تبع فيه بعض العامة (1) كما احتمله بعض أصحابنا ويدل على المشهور

رواية إبراهيم بن محمد الهمداني (2) قال : «اختلفت الروايات في الفطرة فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه‌السلام أسأله عن ذلك فكتب عليه‌السلام أن الفطرة صاع من قوت بلدك. إلى أن قال تدفعه وزنا ستة أرطال برطل المدينة ، والرطل مائة وخمسة وتسعون درهما ، تكون الفطرة ألفا ومائة وسبعين درهما». والتقريب أن الرطل العراقي ثلثا الرطل المدني.

ونحوها رواية جعفر بن إبراهيم المتقدمة الدالة مثل هذه على أن الصاع ألف ومائة وسبعون درهما ، وهذا إنما يتم على ما ذكرناه من القول المشهور دون ما ذهب إليه العلامة.

بقي الكلام في أنه قد روى الشيخ في التهذيب عن سليمان بن حفص المروزي (3) قال : قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه‌السلام) ورواه في الفقيه مرسلا (4) قال : «قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه‌السلام) الغسل بصاع من ماء والوضوء بمد من ماء وصاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة أمداد والمد وزن مائتين وثمانين درهما والدرهم وزن ستة دوانيق والدانق وزن ست حبات والحبة وزن حبتي شعير من أوساط الحب لا من صغاره ولا من كباره».

وهذا الخبر من مشكلات الأخبار ومعضلات الآثار لاشتماله على مخالفات عديدة لما عليه علماء الأمصار وما وردت به الأخبار عن الأئمّة الأطهار (عليهم‌السلام) :

__________________

(1) المغني ج 2 ص 700 ، وفي المجموع شرح المهذب ج 6 ص 16 بعد تقديره بذلك قال وقيل مائة وثلاثون درهما وبه قطع الغزالي والرافعي.

(2) الوسائل الباب 8 و 7 من زكاة الفطرة.

(3 و 4) الوسائل الباب 50 من الوضوء.


ومنها ـ بيان قدر الصاع فإنه كما عرفت من الأخبار وبه صرح جملة العلماء أربعة أمداد وهذا الخبر دل على أنه خمسة أمداد ، ومثله في هذه المخالفة موثقة سماعة (1) قال : «سألته عن الذي يجزئ من الماء للغسل؟ فقال اغتسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بصاع وتوضأ بمد ، وكان الصاع على عهده خمسة أمداد وكان المد قدر رطل وثلاث أواق». وفي هذه الرواية أيضا مخالفة أخرى في المد حيث إنه كما عرفت رطلان وربع بالعراقي ورطل ونصف بالمدني.

ومنها ـ في المد فإن المشهور أنه مائتا درهم واثنان وتسعون درهما ونصف درهم لأنك قد عرفت من الأخبار المتقدمة أن الصاع ألف درهم ومائة وسبعون درهما والصاع أربعة أمداد فيكون المد بقدر ربع هذا المذكور وهو ما ذكرناه ، وعلى تقدير ما ذكره من أن الصاع خمسة أمداد فالمد خمس هذا المذكور وهو مائتان وأربعة وثلاثون درهما ، وهو لا ينطبق على ما ذكروه أيضا.

ومنها ـ في الدانق وقد عرفت من ما مضى في نصاب النقدين أن الدانق ثمان حبات من أوساط حب الشعير ونقل على ذلك اتفاق الخاصة والعامة (2) وعلى تقديره فالدرهم ثمان وأربعون شعيرة ، وهذه الرواية قد تضمنت أنه اثنتا عشرة حبة من أوساط حب الشعير وعليه فيكون الدرهم اثنين وسبعين حبة من الشعير.

وبالجملة فظاهر الأصحاب الاتفاق على طرح هذا الخبر وكذا خبر سماعة لما عرفت من المخالفة للأخبار وكلام علماء الطرفين وكذا كلام أهل اللغة.

والشيخ في الإستبصار قد أجاب عنهما بالنسبة إلى الصاع وتفسيره بخمسة أمداد بأجوبة أقربها وإن كان لا يخلو من بعد أيضا حمل الخمسة الأمداد فيهما على ما إذا شارك صلى‌الله‌عليه‌وآله بعض أزواجه في الغسل ، ثم استدل بالأخبار الدالة على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله اغتسل مع زوجته بخمسة أمداد من إناء واحد.

__________________

(1) الوسائل الباب 50 من الوضوء.

(2) ارجع إلى التعليقة 1 ص 91.


والأظهر في الجواب وإن لم يهتد إليه سوى شيخنا الصدوق من الأصحاب هو ما يظهر منه (قدس‌سره) في كتاب معاني الأخبار (1) من الفرق بين صاع الغسل وصاع الفطرة ، حيث قال (باب معنى الصاع والمد والفرق بين صاع الماء ومده وبين صاع الطعام ومده) ثم ذكر رواية المروزي ورواية الهمداني المتقدمة وهي الأولى الدالة على أن الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة بالعراقي المشعرة من حيث ذلك بكون الصاع أربعة أمداد لأن المد رطل ونصف بالمدني ورطلان وربع بالعراقي ، وظاهره حمل رواية المروزي على صاع الماء ورواية الهمداني على صاع الطعام وبذلك يندفع عنه ما أورد عليه في كتاب من لا يحضره الفقيه (2) من إيراده رواية المروزي في باب الغسل الدالة على أن الصاع خمسة أمداد وإيراده في زكاة الفطرة من الكتاب (3) رواية الهمداني المتقدمة الدالة على أن الصاع أربعة أمداد مع ما يظهر من كلامه في أول كتابه من الإفتاء بما يرويه فيه.

وتوضيح الفرق المذكور على ما ذكره بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم) أن المد والرطل والصاع كانت يومئذ مكاييل معينة فقدرت بوزن الدراهم ونحوها صونا عن تطرق التغيير الذي كثيرا ما يتطرق إلى المكاييل ، ومن الظاهر أن الأجسام المختلفة يختلف قدرها بالنسبة إلى مكيال معين فلا يمكن أن يكون الصاع من الماء موافقا للصاع من الحنطة والشعير وشبههما ، فلذا كان الصاع المعتبر في وزن الماء لأجل الوضوء والغسل وأمثالهما أثقل من ما ورد في الفطرة ونصاب الزكاة ونحوهما لكون الماء أثقل من الحبوب مع تساوي الحجم كما هو معلوم. فظهر أن هذا الوجه أوجه الوجوه في الجمع بين الأخبار.

أقول : ما ذكرناه من الجواب عن هذا الإشكال من ما تنبه له شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في كتاب البحار حيث قال ـ بعد ذكر الخبر المذكور وما خالفه من الأخبار الدالة على أن الصاع أربعة أمداد ـ ما صورته : ويمكن الجمع بينها بوجوه :

__________________

(1) ص 249.

(2) ج 1 ص 23.

(3) ج 2 ص 115.


الأول ما اختاره الصدوق (قدس‌سره) كما يظهر من الفقيه بحمل خبر المروزي على صاع الغسل وخبر الهمداني على صاع الفطرة حيث ذكر الأول في باب الغسل والثاني في باب الفطرة ، وقد غفل الأصحاب عن هذا ولم ينسبوا هذا القول إليه مع أنه قد صرح بذلك في كتاب معاني الأخبار. ثم ذكر نحوا من ما قدمنا ذكره وأوضحه ووجهه بما قدمنا نقله عنه. وهو جيد بالنسبة إلى المخالفة الحاصلة من روايتي المروزي وسماعة إلا أنه لا يتمشى له في مثل صحيحة زرارة المتقدمة في المقام (1) الدالة على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتوضأ بمد ويغتسل بصاع ثم فسر عليه‌السلام المد برطل ونصف والصاع بستة أرطال ، فإنها ظاهرة في كون الصاع فيها إنما هو صاع الماء مع أنه فسره بما يرجع إلى الأربعة الأمداد ، لأن الأرطال فيه محمولة على الأرطال المدنية والصاع بستة أرطال فيها والمد برطل ونصف وهو ظاهر في الأربعة الأمداد لا الخمسة. ونحو هذه الصحيحة غيرها أيضا. وحينئذ فلا يتم ما ذكره الصدوق من حمل صاع الماء على ما يسع خمسة أمداد ولا ما ذكره من التوجيه لكلامه لانتقاضه بالصحيحة المذكورة ونحوها.

هذا. وأما باقي الإشكالات في الخبر فلا أعرف للجواب عنها وجها ولم أقف على من تعرض للجواب عنها بل قل من تعرض لذكرها وهي مرجوعة إلى قائلها ، والله العالم.

المقام الثالث ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الوقت الذي تتعلق به الزكاة في الغلات مع الاتفاق على أن وجوب الإخراج إنما هو بعد التصفية فالمشهور كما ذكره العلامة في المختلف وغيره هو بدو الصلاح في النخل بالاحمرار والاصفرار واشتداد الحب في غيره ، وقيل إنه عبارة عن ما يصدق عليه التسمية بكونه تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا ، وهو منقول عن ابن الجنيد واختاره المحقق في كتبه الثلاثة وحكاه العلامة في المنتهى عن أبيه أنه كان يذهب إليه ، وإليه يميل

__________________

(1) ص 113.


كلام صاحب المدارك وصاحب الذخيرة.

قالوا : وتظهر الفائدة في ما لو تصرف المالك بعد بدو الصلاح وانعقاد الحب وقبل البلوغ إلى حد التسمية بتلك الأسماء المذكورة ، فإنه على المشهور لا يجوز إلا بعد الخرص وضمان الزكاة لتحقق الوجوب يومئذ ، وعلى القول الآخر يجوز التصرف ما لم تبلغ الحد المذكور. وكذا تظهر الفائدة في ما لو نقلها إلى غيره في تلك الحال أيضا ، فعلى المشهور تجب الزكاة على الناقل لتحقق الوجوب في ملكه ، وعلى القول الآخر إنما تتعلق بمن بلغت ذلك الحد في ملكه.

وظواهر الأخبار المتقدمة في قصر ما تجب فيه الزكاة في الأصناف التسعة التي من جملتها الحنطة والشعير والتمر والزبيب من ما يؤيد القول الثاني إذ من الظاهر أنه لا يصدق شي‌ء من هذه الأسماء بمجرد الاحمرار والاصفرار ولا بمجرد انعقاد الحب.

واستدل بعض الأصحاب لهذا القول أيضا بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (1) : «أنه سأله عن البستان لا تباع غلته ولو بيعت بلغت غلته مالا فهل تجب فيه صدقة؟ فقال لا إذا كانت تؤكل». وأيده أيضا بحسنة محمد بن مسلم (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التمر والزبيب ما أقل ما تجب فيه الزكاة؟ قال خمسة أوساق ويترك معا فارة وأم جعرور ولا يزكيان وإن كثرا».

قال : والمستفاد منها أن الزكاة لا تجب في هذين النوعين ، وقد يقال الوجه فيه تعارف أكل هذين النوعين قبل صيرورتهما تمرا فيكون مضمونه موافقا لما رواه الشيخ عن علي بن جعفر في الصحيح. وأورد الرواية المتقدمة ثم قال : ويصلحان حجة لمن يعتبر في ثبوت الزكاة صدق اسم التمر. انتهى.

أقول : فيه أن الظاهر من صحيحة علي بن جعفر المذكورة أن المراد من

__________________

(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الغلات.

(2) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات.


غلة البستان إنما هو ما عدا الأجناس الزكوية من الفواكه من ما يؤكل عادة ويفسد بعد نضجه وبلوغه لو لم يؤكل عاجلا ، وإليه الإشارة بقوله عليه‌السلام «لا إذا كان يؤكل» أي لا تجب فيه الزكاة إذا كان من ما يعتاد أكله بعد نضجه والبلوغ إلى حده ، ومثلها في ذلك حسنة محمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) (1) «في البستان تكون فيه الثمار ما لو بيع كان بمال هل فيه الصدقة؟ قال لا». فإن المراد به ما ذكرناه قطعا من تلك الفواكه التي لا تتعلق بها الزكاة ، وإن لم يكن ما ذكرناه متعينا بقرينة الرواية الأخرى فلا أقل أن يكون مساويا لما ذكره وبه لا يتم الاستدلال. وأما حمل حسنة محمد بن مسلم التي ذكرها على ما ذكره من أن عدم وجوب الزكاة فيها لتعارف أكلها قبل بلوغها الحد المذكور فالظاهر أنه ليس كذلك بل الظاهر من جملة من الأخبار إنما هو لأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله بعدم خرصها ، فمعنى تركها في الخبر إنما هو عدم خرصها على أرباب النخيل ، وستأتي الأخبار الصريحة الدالة على ما قلناه إن شاء الله تعالى في بعض المقامات الآتية.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنا لم نقف على حجة للقول المشهور يعتد بها وغاية ما استدل به العلامة في المنتهى دعوى تسمية الحب إذا اشتد حنطة وشعيرا وتسمية البسر تمرا وأن أهل اللغة نصوا على أن البسر نوع من التمر والرطب نوع من التمر.

ولم نقف على ما يدعيه من كلام أهل اللغة إلا على ما ذكره في القاموس في مادة (بسر) حيث قال : والتمر قبل إرطابه والواحدة بسرة. ولكن كلام أكثر أهل اللغة على خلافه واحتمال التجوز في كلامه قائم كما لا يخفى على من تأمل كتابه قال في الصحاح في ثمر النخل : أوله طلع ثم خلال ثم بلح ثم بسر ثم رطب ثم تمر. وقال في المغرب : البسر غوره خرما. وقال في كتاب مجمع البحرين : قد تكرر في الحديث ذكر التمر هو بالفتح فالسكون اليابس من ثمر النخل. وقال الفيومي في كتاب

__________________

(1) الوسائل الباب 8 من زكاة الغلات.


المصباح المنير : التمر من ثمر النخل كالزبيب من العنب وهو اليابس بإجماع أهل اللغة لأنه يترك على النخل بعد إرطابه حتى يجف أو يقارب ثم يقطع ويترك في الشمس حتى ييبس ، قال أبو حاتم ربما جذت النخلة وهي باسرة بعد ما أحلت ليخفف عنها أو لخوف السرقة فيترك حتى يكون تمرا. انتهى.

والجميع كما ترى صريح في أن التمر عبارة عن اليابس بعد الرطب ، وظاهر عبارة صاحب المصباح دعوى الإجماع من اللغويين على ذلك ، وبذلك يعلم ما في كلام العلامة (قدس‌سره) من عدم تمامية دليله وأنه يجب حمل عبارة صاحب القاموس على ما ذكرناه.

نعم هنا روايتان في المقام ربما يصلحان للدلالة على القول المشهور إحداهما صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (1) في حديث قال : «سألته عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال إذا صرم وإذا خرص». وصحيحته الأخرى وقد تقدمت في المقام الثاني (2) وفيها «فقلت وهل على العنب زكاة أو إنما تجب عليه إذا صيره زبيبا؟ قال نعم إذا خرصه أخرج زكاته».

والتقريب فيهما أن وجوب الزكاة بالخرص الذي إنما يكون في حال كون الثمرة بسرا أو عنبا مثلا يعطي تعلق الوجوب بذلك الوقت قبل أن تصير تمرا أو زبيبا ، إذ الظاهر من الخرص كما ذكره الأصحاب إنما هو لجواز تصرف المالك مع ضمان حصة أرباب الزكاة وهو لا يتجه إلا على القول المشهور إلا أن هؤلاء المصرحين هم أرباب القول المشهور ، وأما على القول الآخر فإنه يجوز للمالك التصرف بكل وجه ما لم يبلغ الحد المتقدم ذكره ، وعلى هذا لا يظهر للخرص علة وهكذا القول في الحنطة والشعير على تقدير جواز خرصهما.

إلا أنه يمكن المناقشة في الرواية الأولى بأنه متى خص الخرص بالوقت

__________________

(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الغلات.

(2) ص 110.


المذكور وأنه وقت الوجوب فلا معنى لقوله في الخبر «إذا صرم» لأنه لا يخفى ما بين وقتي الصرام والخرص بالمعنى المذكور من المدة ، إذ الخرص كما هو المفروض في حال البسرية والعنبية والصرام إنما يكون بعد صيرورته تمرا فكيف يستقيم تعليق الوجوب بكل منهما؟ بل إنما يستقيم ذلك بحمل الخرص في الخبر على وقت كونه تمرا وزبيبا وحنطة وشعيرا ، فإنه في ذلك الوقت يتعلق به الوجوب سواء صرمه أو خرصه على رءوس الأشجار والنخل والزرع.

وأما الرواية الثانية فهي مع الإغماض عن المناقشة في دلالتها أخص من المدعى فيثبت بها الحكم في العنب خاصة فتتعلق به الزكاة من وقت العنبية ، وأما غيره من الأفراد المذكورة فيحتاج إلى دليل ، وإلى هذا يميل كلام السيد السند في المدارك.

نعم يبقى الكلام في الروايات الآتية الدالة على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأمر بالخرص على أرباب النخيل ، فإن حمله على ما بعد يبس الثمرة بعيد وبذلك تكون المسألة محل إشكال. وكيف كان فالاحتياط في العمل بالقول المشهور من ما لا ينبغي تركه.

المقام الرابع ـ لا خلاف في أنه يشترط بلوغ كل صنف من أصناف الغلات المذكورة نصابا ، فلا يضم بعضها إلى بعض ليكمل النصاب من صنفين أو أصناف بل الحكم هنا كما تقدم أيضا في النقدين من عدم ضم أحدهما إلى الآخر والأنعام من عدم ضم صنف إلى آخر ، وهو من ما لا إشكال فيه.

وعليه تدل الأخبار ومنها صحيحة سليمان ـ وهو ابن خالد ـ عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق ، والعنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق».

وفي صحيحة زرارة وبكير عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : فيها : «وليس في شي‌ء من هذه الأربعة الأشياء شي‌ء حتى يبلغ خمسة أوساق. إلى أن قال : فإن كان

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 1 من زكاة الغلات.


من كل صنف خمسة أوساق غير شي‌ء وإن قل فليس فيه شي‌ء. الحديث».

وصحيحة زرارة (1) قال : «قلت لأبي جعفر ولابنه (عليهما‌السلام) الرجل تكون له الغلة الكثيرة من أصناف شتى أو مال ليس فيه صنف تجب فيه الزكاة هل عليه في جميعه زكاة واحدة؟ فقال لا إنما تجب عليه إذا تم فكان يجب في كل صنف منه الزكاة تجب عليه في جميعه في كل صنف منه الزكاة ، فإن أخرجت أرضه شيئا قدر ما لا تجب فيه الصدقة أصنافا شتى لم تجب فيه زكاة واحدة».

المقام الخامس ـ قد صرح جملة من الأصحاب بأن الزكاة إنما تجب في الغلات إذا ملكت بالزراعة لا الابتياع ونحوه كالإرث والهبة. وهو على إطلاقه مشكل فإنهم قد صرحوا من غير خلاف يعرف بوجوب الزكاة في ما ينتقل إلى الملك قبل تعلق الوجوب.

وذكر شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في مقام الاعتذار عن ذلك بأن مرادهم بالزراعة في اصطلاحهم انعقاد الثمرة في الملك أو احمرارها واصفرارها إذا توقف الوجوب عليه ، وحمل الابتياع ونحوه على وقوعه بعد تحقق الوجوب بحصول أحد الأمور المذكورة قبل وقوع البيع.

وفيه ـ مع الإغماض عن المناقشة بما فيه من البعد وأنه من قبيل الألغاز والمعميات ـ أن ما ذكره إنما يتم على تقدير تعلق الوجوب بالانعقاد وبدو الصلاح ولا يجري على القول الآخر مع أن ممن صرح بذلك المحقق في الشرائع مع تصريحه فيه بالقول المشار إليه.

وجعل المحقق في المعتبر والنافع والعلامة في جملة من كتبه الشرط هو النمو في الملك.

وفيه أيضا أن الثمرة إذا انتقلت بعد بدو الصلاح كانت الزكاة على الناقل وإن حصل النمو في ملك المنتقل إليه على القول المشهور ، وكذلك إذا انتقل قبل صدق اسم التمر والزبيب والحنطة والشعير كان الزكاة على المنتقل إليه على القول الآخر

__________________

(1) الإستبصار ج 2 ص 39 وفي الوسائل الباب 2 من زكاة الغلات.


وإن حصل النمو في ملك الناقل ، وحينئذ فهذا الشرط لا وجه له على كل من القولين.

والتحقيق أن يجعل الشرط حصولها في ملكه في الوقت الذي تتعلق الزكاة فيه بمعنى أنه يدخل هذا الوقت وهي في ملكه ، وهذا الشرط جار على كل من القولين كما لا يخفى والأدلة عليه ظاهرة. والله العالم.

المقام السادس ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف بأن ما سقي سيحا أو بعلا أو عذيا ففيه العشر وما سقي بالدوالي والنواضح ففيه نصف العشر ، والمراد بالسيح الجريان قال الجوهري السيح الماء الجاري. وظاهره أنه أعمّ من أن يكون على وجه الأرض أو في الأنهار ، وهو كذلك كما صرح به الأصحاب. وأما البعل فقال في الصحاح أنه النخل الذي يشرب بعروقه فيستغني عن السقي. وأما العذي بالتسكين والكسر فقال هو الزرع لا يسقيه إلا ماء المطر والدوالي جمع دالية ، قال والدالية المنجنون تديرها البقرة والناعورة يديرها الماء وقال إن المنجنون هو الدولاب التي يستقى عليها.

ويدل على الحكم المذكور مضافا إلى الإجماع الأخبار المستفيضة : ومنها ـ صحيحة زرارة وبكير عن أبي جعفر عليه‌السلام (1) قال «في الزكاة ما كان يعالج بالرشاء والدوالي والنواضح ففيه نصف العشر وإن كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين أو بعل أو سماء ففيه العشر كاملا». ونحوها غيرها (2) والحكم موضع اتفاق نصا وفتوى.

ثم إنه متى اجتمع الأمر إن كان الحكم للأكثر فأيهما غلب تبعه الحكم من العشر أو نصف العشر ، ومع التساوي يؤخذ من نصفه العشر ومن النصف الآخر نصف العشر وهو يرجع إلى ثلاثة أرباع العشر ، وهو من ما لا خلاف فيه أيضا.

ويدل عليه ما رواه الشيخ عن معاوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه‌السلام (3)

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 4 من زكاة الغلات.

(3) الوسائل الباب 6 من زكاة الغلات.


قال : «في ما سقت السماء والأنهار أو كان بعلا فالعشر فأما ما سقت السواني والدوالي فنصف العشر. فقلت له فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء وتسقى سيحا؟ فقال إن ذا ليكون عندكم كذلك؟ قلت نعم. قال النصف والنصف نصف بنصف العشر ونصف بالعشر. فقلت الأرض تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى السقية والسقيتين سيحا؟ قال وكم تسقى السقية والسقيتين سيحا؟ قلت في ثلاثين ليلة أو أربعين ليلة وقد مكث قبل ذلك في الأرض ستة أشهر سبعة أشهر قال نصف العشر».

وهل الاعتبار في الكثرة بالأكثر زمانا أو عددا أو نفعا؟ أوجه ثلاثة أقربها إلى ظاهر النص الأول.

المقام السابع ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في استثناء حصة السلطان ، والمراد بها ما يجعله على الأرض الخراجية من الدراهم ويسمى خراجا أو حصة من الحاصل ويسمى مقاسمة ، وإنما اختلفوا في غيرها من المؤن هل يجب استثناؤها كالخراج أم لا وإنما يختص بالمالك؟ قولان فذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط إلى أن المؤن كلها على رب المال دون الفقراء ، ونسبه في الخلاف إلى جميع الفقهاء ، ونقل جمع من الأصحاب عنه في الخلاف دعوى الإجماع عليه إلا من عطاء (1) ونقل عن الفاضل يحيى بن سعيد صاحب الجامع القول بذلك أيضا واختاره شيخنا الشهيد الثاني أيضا في فوائد القواعد على ما نقله عنه سبطه في المدارك وأنه ذكر أنه لا دليل على استثناء المؤن سوى الشهرة وقال إن إثبات الحكم بمجرد الشهرة مجازفة ، وإلى هذا القول مال جملة من متأخري المتأخرين. وقال الشيخ في النهاية باستثناء المؤن كلها وهو قول الشيخ المفيد والمحقق وابن إدريس والعلامة ونسبه في المنتهى إلى أكثر الأصحاب وفي المختلف إلى المشهور.

واستدل على الأول بعموم الأخبار الدالة على العشر ونصف العشر في

__________________

(1) المحلى ج 5 ص 258 رقم 657.


الغلات الأربع من غير استثناء ، نعم ورد استثناء حصة السلطان فيجب الاقتصار عليها كما رواه الكليني والشيخ عنه في الصحيح عندنا أو الحسن على المشهور عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (1) أنهما قالا له : «هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ قال كل أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك في ما أخرج الله منها الذي قاطعك عليه ، وليس على جميع ما أخرج الله منها العشر إنما العشر عليك في ما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك».

أقول : ومن ما يعضد هذا الخبر أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد ابن علي بن شجاع النيسابوري وهو مجهول (2) «أنه سأل أبا الحسن الثالث عليه‌السلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكى فأخذ منه العشر عشرة أكرار وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا وبقي في يده ستون كرا ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي‌ء؟ فوقع عليه‌السلام لي منه الخمس من ما يفضل من مئونته». وهو كما ترى صريح في أخذ العشر من جميع ما حصل من الأرض وأن المئونة إنما خرجت بعد ذلك ، وهو وإن كان في كلام السائل إلا أن الإمام عليه‌السلام قرره على ذلك ولم ينكره وتقريره حجة كما اتفقوا عليه.

وما رواه صفوان وأحمد بن محمد بن أبي نصر (3) قالا : «ذكرنا له الكوفة وما وضع عليها من الخراج وما سار فيها أهل بيته فقال من أسلم طوعا تركت أرضه في يده وأخذ منه العشر من ما سقت السماء والأنهار ونصف العشر من ما كان بالرشاء في ما عمروه منها وما لم يعمروه منها أخذه الإمام فقبله ممن يعمره وكان للمسلمين ، وعلى المتقبلين في حصصهم العشر ونصف العشر. إلى أن قال وعلى المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر ونصف العشر في حصصهم. الحديث».

__________________

(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الغلات.

(2) الوسائل الباب 5 من زكاة الغلات.

(3) الوسائل الباب 4 من زكاة الغلات.


واستدل العلامة في المنتهى وقبله المحقق في المعتبر على القول المشهور بأن النصاب مشترك بين المالك والفقراء فلا يختص أحدهم بالخسارة عليه كغيره من الأموال المشتركة ، وبأن المئونة سبب الزيادة فتكون على الجميع ، وبأن إلزام المالك بالمئونة كلها حيف عليه وإضرار به وهو منفي ، وبأن الزكاة في الغلات تجب في النماء والفائدة وهو لا يتناول المئونة.

ولا ريب في ضعف هذه التعليلات فإنها بمجردها لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية وإن زعموها أدلة عقلية مقدمة على النصوص كما هي قاعدتهم الكلية ، هذا مع أن جملة من فضلاء متأخري المتأخرين : منهم ـ السيد السند في المدارك بينوا ضعف هذه الوجوه مشروحا فليرجع إليه من أحب الوقوف عليه.

نعم يدل على هذا القول ما في كتاب الفقه الرضوي (1) حيث قال عليه‌السلام : وليس في الحنطة والشعير شي‌ء إلى أن يبلغ خمسة أوسق والوسق ستون صاعا والصاع أربعة أمداد والمد مائتان واثنان وتسعون درهما ونصف ، فإذا بلغ ذلك وحصل بعد خراج السلطان ومئونة العمارة والقرية أخرج منه العشر إن كان سقي بماء المطر أو كان بعلا وإن كان سقي بالدلاء والغرب ففيه نصف العشر ، وفي التمر والزبيب مثل ما في الحنطة والشعير.

أقول : وبهذه العبارة بعينها عبر الصدوق في الفقيه ومنه يظهر أن مستنده في الحكم المذكور إنما هو هذا الكتاب ، والظاهر أيضا أنه هو المستند لغيره من القائلين بهذا القول من متقدمي الأصحاب ، ويمكن تخصيص إطلاق تلك الأخبار بهذه الرواية.

وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الإشكال وإن كان القول الأول أظهر لقوة مستنده وأوفقيته بالاحتياط.

وفي هذا المقام فوائد الأولى ـ قد عرفت أن المراد بخراج السلطان وحصته

__________________

(1) ص 22.


هو ما يأخذه من الأرض الخراجية من نقد أو حصة من الحاصل وإن سمي الأخير مقاسمة ، وحينئذ فيكون هذا الحكم مخصوصا بما إذا كانت الأرض خراجية وهي المفتوحة عنوة والآخذ الإمام إمام عدل كان أو إمام جور كخلفاء الأموية والعباسية ومن يحذو حذوهم إلى يومنا هذا كما هو الظاهر من الأخبار وكلام أكثر الأصحاب وإن خالف فيه شذوذ من أصحابنا.

بقي الكلام في ما لو لم تكن الأرض خراجية أو كانت وكان الآخذ ليس ممن يدعي الإمامة كسلاطين الشيعة في بلاد العجم فهل يكون ما يأخذونه على الأرض والحال هذه مستثنى ويكون على الجميع كحصة السلطان المتقدمة أو يختص بالمالك؟ إشكال ينشأ من أن هذا ليس من الخراج المستثنى لما عرفت من شروطه ودلالة ظواهر الأخبار على وجوب العشر ونصف العشر على ما أخرجت الأرض مطلقا خرج منه حصة السلطان بالدليل المتقدم وبقي ما عداه ، ومن أن هذا ظلم لحق المالك في هذه الزراعة فيصير من قبيل السرقة ونحوها من أسباب التلف من غير تفريط فلا تكون مضمونة عليه بل توزع على الجميع ويكون إخراج النصاب بعده إن وقع ذلك قبل استقرار الوجوب وإلا فبالنسبة بين المالك والفقراء. وهو الأقرب.

ويؤيده ظاهر رواية سعيد الكندي (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إني آجرت قوما أرضا فزاد السلطان عليهم؟ قال أعطهم فضل ما بينهما. قلت أنا لم أظلمهم ولم أزد عليهم؟ قال إنهم إنما زادوا على أرضك». فإنه يستفاد من هذا الخبر أنه لا ضمان على من جبره الحاكم وأخذ مال الغير من يده ظلما.

ويعضد ذلك ما صرح به شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في المسالك في صورة ما إذا أخذ الجائر زيادة على الخراج المعتاد ظلما ، حيث قال فلا يستثنى الزائد إلا أن يأخذه قهرا بحيث لا يتمكن المالك من منعه سرا أو جهرا فلا يضمن حصة الفقراء من الزائد. انتهى.

__________________

(1) الوسائل الباب 16 من المزارعة والمساقاة.


الثانية ـ قد أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) وهو المشهور بين الجمهور أيضا (1) أنه بعد أخذ السلطان الخراج من الأرض الخراجية فإنه يجب على المالك إخراج الزكاة من ما بقي في يده ، وعليه تدل الأخبار التي قدمناها ، ولم ينقل الخلاف هنا إلا عن أبي حنيفة (2) فإنه ذهب إلى أنه لا زكاة فيها بعد أخذ الخراج منها ، ورده في المعتبر والمنتهى بوجوه إقناعية.

إلا أنه قد ورد في أخبارنا ما يدل على ذلك : ومنها ـ رواية أبي كهمش عن أبي عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «من أخذ من السلطان الخراج فلا زكاة عليه». وحملها الشيخ على الأرضين الخراجية فيفهم منه حينئذ القول بعدم وجوب الزكاة فيها كما هو المنقول عن أبي حنيفة مع أن العلامة في المنتهى ادعى الإجماع على ما قدمنا نقله عنهم.

ومنها ـ صحيحة سليمان بن خالد (4) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن أصحاب أبي أتوه فسألوه عن ما يأخذه السلطان فرق لهم وأنه ليعلم أن الزكاة لا تحل إلا لأهلها فأمرهم أن يحتسبوا به فجاز ذا والله لهم. فقلت أي أبت إنهم إن سمعوا ذلك لم يزك أحد؟ فقال أي بني حق أحب الله أن يظهره».

ورواية رفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (5) قال : «سألته عن الرجل يرث الأرض أو يشتريها فيؤدي خراجها إلى السلطان هل عليه فيها عشر؟ قال لا».

ورواية أبي قتادة عن سهل بن اليسع (6) «أنه حيث أنشأ سهل‌آباد سأل أبا الحسن عليه‌السلام عن ما يخرج منها ما عليه؟ فقال إن كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك شي‌ء وإن لم يأخذ السلطان منها شيئا فعليك إخراج عشر ما يكون فيها».

__________________

(1) المهذب ج 1 ص 157 والإنصاف ج 3 ص 113.

(2) بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 2 ص 57.

(3 و 5 و 6) الوسائل الباب 10 من زكاة الغلات.

(4) الوسائل الباب 20 من المستحقين للزكاة. وفي الفروع ج 1 ص 153 (فجال فكري) مكان (فجاز ذا) في التهذيب ج 1 ص 359.


وصحيحة رفاعة أيضا (1) «عن الرجل له الضيعة فيؤدي خراجها هل عليه فيها عشر؟ قال لا».

والمنقول عن الشيخ حمل هذه الأخبار على نفي الزكاة في الحصة التي يأخذها السلطان بعنوان الخراج فيصير حاصل المعنى أن العشر لا يثبت في غلة الضيعة بكمالها

قال المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى بعد نقل صحيحة رفاعة الأخيرة ونقل تأويل الشيخ المذكور : ولا بأس بهذا الحمل إذ هو خير من الاطراح. وفيه أن هذا الحمل وإن أمكن في هذه الرواية على بعد إلا أنه لا يجري في رواية قتادة لأنه حكم عليه‌السلام بأنه مع أخذ الخراج ليس عليه شي‌ء ، ونحوها رواية أبي كهمش حيث قال : «لا زكاة عليه» وتأويلهما بأنه ليس عليه شي‌ء معين في خراج السلطان تعسف محض. وبالجملة فإن هذا الاحتمال بعيد غاية البعد.

واحتمل بعض الأصحاب حمل الخراج في هذه الأخبار على الزكاة وأنه متى أخذها الجائر قهرا فإنه تبرأ ذمة المالك وتسقط عنه استنادا إلى ما دل من الأخبار على احتسابها بذلك :

كصحيحة يعقوب بن شعيب (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العشور التي تؤخذ من الرجل أيحتسب بها من زكاته؟ قال نعم إن شاء».

وصحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (3) «في الزكاة؟ قال ما أخذ منكم بنو أمية فاحتسبوا به ولا تعطوهم شيئا ما استطعتم فإن المال لا يبقى على هذا أن يزكيه مرتين». ونحو ذلك صحيحة الحلبي (4).

وفيه أنه وإن دلت هذه الروايات على جواز احتساب ما يأخذونه بعنوان الزكاة عن الزكاة الواجبة عليه لكن إطلاق الخراج في تلك الأخبار على الزكاة بعيد جدا. نعم صحيحة سليمان بن خالد حيث لم يصرح فيها بلفظ الخراج قابلة لهذا التأويل بل ظاهرها

__________________

(1) التهذيب ج 1 ص 359 وفي الوسائل الباب 10 من زكاة الغلات.

(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 20 من المستحقين للزكاة.


إنما هو الزكاة مثل هذه الأخبار الأخيرة.

على أنه قد ورد ما يعارض هذه الأخبار الأخيرة أيضا كصحيحة زيد الشحام (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك إن هؤلاء المصدقين يأتوننا فيأخذون منا الصدقة فنعطيهم إياها أتجزئ عنا؟ فقال لا إنما هؤلاء قوم غصبوكم ـ أو قال ظلموكم ـ أموالكم وإنما الصدقة لأهلها».

وحمله الشيخ على استحباب الإعادة ، والأظهر حمله على ما إذا تمكن من عدم الإعطاء بإنكار ونحوه ومع ذلك أعطاها كما هو ظاهر سياق الخبر بأن يكون معنى «فيأخذون منا الصدقة» يعني يطلبونها منا فنعطيهم مع أنه يمكنه أن ينكر أن لا صدقة عليه مثلا.

وكيف كان فحيث كانت الأخبار المتقدمة من ما أعرض عن العمل بها كافة الأصحاب قديما وحديثا مع معارضتها بالأخبار المتقدمة في المقام السابع وكونها على خلاف الاحتياط فلا بد من تأويلها أو طرحها وإرجاعها إلى قائلها ، والأظهر هو حملها على التقية فإنه مذهب أبي حنيفة (2) ومذهبه في وقته له صيت وانتشار زيادة على غيره من أصحاب المذاهب فإنها إنما اعتبرت في الأزمان المتأخرة.

الثالثة ـ لو قلنا باستثناء المؤن كما هو المشهور فهل تعتبر بعد النصاب فيزكى الباقي منه بعد إخراج المئونة وإن قل أم قبله فإن لم يبلغ الباقي بعدها نصابا فلا زكاة أم يعتبر ما سبق على الوجوب كالسقي والحرث قبله وما تأخر كالحصاد والجذاذ بعده؟ احتمالات ذهب إلى كل منها قائل ، فقطع بأولها العلامة في التذكرة حيث قال : الأقرب أن المئونة لا تؤثر في نقصان النصاب وإن أثرت في نقصان الفريضة فلو بلغ الزرع خمسة أوسق مع المئونة وإذا سقطت المئونة منه قصر عن النصاب وجبت الزكاة لكن لا في المئونة بل في الباقي. واختار هذا الوجه السيد السند في المدارك ومثله الفاضل الخراساني في الذخيرة. وجزم العلامة في المنتهى بالثاني فقال المؤن تخرج

__________________

(1) الوسائل الباب 20 من المستحقين للزكاة.

(2) بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 2 ص 57.


وسطا من المالك والفقراء فما فضل وبلغ نصابا أخذ منه العشر أو نصف العشر. وهو ظاهر المحقق في الشرائع. وأنت خبير بأن هذا هو الذي دل عليه كلامه عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي فيكون أظهر الاحتمالات لذلك بناء على القول المذكور. واستوجه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الثالث وجعل الأول أحوط.

المقام الثامن ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب الزكاة في حصة العامل في المزارعة والمساقاة مع الشرائط وكذا حصة المالك ، لحصول ذلك في ملكهما قبل بلوغ حد الوجوب وهو مناط تعلق الزكاة كما تقدم ، ويدل عليه أيضا ما تقدم في حسنة أبي بصير ومحمد بن مسلم (1) وقوله عليه‌السلام فيها «إنما العشر عليك في ما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك». وكذا رواية صفوان وأحمد بن محمد ابن أبي نصر (2) لقوله عليه‌السلام فيها «وعلى المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر ونصف العشر في حصصهم».

ونقل العلامة في المختلف عن السيد ابن زهرة أنه قال : لا زكاة على العامل في المزارعة والمساقاة لأن الحصة التي يأخذها كالأجرة من عمله ، وكذا لو كان البذر من العامل فلا زكاة على رب الأرض لأن الحصة التي يأخذها كأجرة أرضه.

قال في المختلف : وأنكر ابن إدريس ذلك كل الإنكار ومنعه كل المنع وأوجب الزكاة عليه إذا بلغ نصيبه النصاب. وهو الأقرب ، لنا أنه قد ملك بالزراعة فيجب عليه الزكاة. واحتج بأنه أجرة ولا زكاة في الأجرة إجماعا. والجواب المنع من الصغرى. انتهى.

أقول : من ما يدل على ما ذكره ابن زهرة ما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام) (3) قال : «في زكاة الأرض إذا قبلها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام عليه‌السلام بالنصف أو الثلث أو الربع فزكاتها عليه وليس

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 7 من زكاة الغلات.

(2) ص 124.


على المتقبل زكاة إلا أن يشترط صاحب الأرض أن الزكاة على المتقبل فإن اشترط فإن الزكاة عليهم. وليس على أهل الأرض اليوم زكاة إلا على من كان في يده شي‌ء من ما أقطعه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) قال : «سألته عن الرجل يتكارى الأرض من السلطان بالثلث أو النصف هل عليه في حصته زكاة؟ قال لا. الحديث».

وحمل الشيخ في الخبر الأول نفي الزكاة عن المتقبل على نفيها عن جميع ما أخرجت الأرض وإن كان يلزمه زكاة ما يحصل في يده بعد المقاسمة مستدلا بما مر.

وأنت خبير بأن قوله : «زكاتها عليه» يعني على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام عليه‌السلام لا جائز أن يحمل على الحصة التي يأخذها عليه‌السلام لأنها مال للمسلمين كافة فهي من مال بيت المال ، وقد تقدم أن مال بيت المال ونحوه من الجهات العامة ليس فيه زكاة فلم تبق إلا حصة المتقبل وقد أخبر أن زكاتها على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام فكيف يتم ما ذكره من أنه يلزمه زكاة ما يحصل في يده؟ وبالجملة فما ذكره من التأويل لا يقبله الخبر المذكور.

وأما صحيحة محمد بن مسلم فالظاهر جعلها في عداد الروايات المتقدمة الدالة على ما ذهب إليه أبو حنيفة من أن من أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه (2) لأن المراد بالخراج ما هو أعمّ من الدراهم والدنانير التي يأخذها على الأرض أو الحصة من الحاصل المسماة عندهم بالمقاسمة كما أشرنا إليه في ما سبق ، وهذه الرواية دلت على أنه إذا أخذ السلطان منه حصة فلا زكاة عليه ، وحينئذ فتحمل على ما حملت عليه تلك الروايات ، وحينئذ فلم يبق إلا الرواية الأولى وهي لا تبلغ قوة في معارضة الروايات المتقدمة في المقام السابع.

__________________

(1) الوسائل الباب 7 من زكاة الغلات.

(2) بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 2 ص 57.


ومثلها أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (1) قال «ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام الخراج وما سار به أهل بيته فقال العشر ونصف العشر على من أسلم تطوعا تركت أرضه في يده وأخذ منه العشر ونصف العشر في ما عمر منها وما لم يعمر منها أخذه الوالي فقبله ممن يعمره وكان للمسلمين. إلى أن قال : وما أخذ بالسيف فذلك للإمام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخيبر قبل أرضها ونخلها ، والناس يقولون لا تصلح قبالة الأرض والنخل إذا كان البياض أكثر من السواد. وقد قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خيبر وعليهم في حصصهم العشر ونصف العشر».

واحتمال الاشتراط في هذه الأخبار جمعا بينها وبين الموثقة المذكورة الظاهر بعده والمسألة لا تخلو من نوع توقف إذ لا يحضرني الآن محمل لتلك الموثقة المذكورة.

ثم إن قوله عليه‌السلام في الموثقة المشار إليها «وليس على أهل الأرض اليوم زكاة» لعله من قبيل ما تقدم من تلك الأخبار الدالة على سقوطها عن المالك بأخذ الجائر لها بعنوان الزكاة أو الخراج ، ولعل استثناء من كان في يده شي‌ء من ما أقطعه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من حيث إن تلك القطائع إنما هي في أيدي الظلمة الذين لا يؤخذ منهم شي‌ء يوجب سقوط الزكاة عنهم.

المقام التاسع ـ المفهوم من كلام الأصحاب ومنهم المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى وغيرهما من المتقدمين والمتأخرين جواز الخرص في النخيل والكروم وتضمينهم حصة الفقراء ، ونقل عليه في المعتبر الإجماع منا ومن أكثر العامة (2).

واستدل عليه في المعتبر بما روي (3) من أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبعث إلى الناس

__________________

(1) التهذيب ج 1 ص 383 وفي الوسائل الباب 4 من زكاة الغلات.

(2) المغني ج 2 ص 76 ونيل الأوطار ج 4 ص 205.

(3) سنن أبي داود ج 2 ص 110 رقم 1603.


من يخرص عليهم نخيلهم وكرومهم. ولأن أرباب الثمار يحتاجون إلى الأكل والتصرف في ثمارهم فلو لم يشرع الخرص لزم الضرر.

وإنما اختلفوا في جواز الخرص في الزرع فأثبته الشيخ وجماعة لوجود المقتضي وهو الاحتياج إلى الأكل منه قبل يبسه وتصفيته ، ونفاه ابن الجنيد والمحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والتحرير ، لأنه نوع تخمين ولا يثبت إلا في موضع الدلالة ، ولأن الزرع قد يخفى خرصه لاستتار بعضه وتبدده بخلاف النخل والكرم فإن ثمرتهما ظاهرة فيتمكن الخارص من إدراكها والإحاطة بها ، ولأن الحاجة في النخل والكرم ماسة إلى الخرص لاحتياج أربابها إلى تناولها غالبا رطبة قبل الجذاذ والاقتطاف بخلاف الزرع فإن الحاجة إلى تناول الفريك قليلة جدا.

أقول : من ما يدل على جواز الخرص في الزرع ما تقدم في المقام الثالث من صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه‌السلام قال : «سألته عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال إذا صرم وإذا خرص.

ثم إن المحقق في المعتبر ذكر في هذه المسألة فروعا : منها ـ أن وقت الخرص حين بدو صلاح الثمرة ، قال لأنه وقت الأمن على الثمرة من الجائحة غالبا لما روي (1) «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبعث عبد الله بن رواحة يخرص على يهود خيبر نخلهم حين يطيب».

ومنها ـ صفة الخرص أن تقدر الثمرة لو صارت تمرا والعنب لو صار زبيبا فإن بلغ الأوساق وجبت الزكاة ثم يخيرهم بين تركه أمانة في أيديهم وبين تضمينهم حصة الفقراء أو يضمن لهم حقهم فإن اختاروا الضمان كان لهم التصرف كيف شاءوا وإن أبوا جعله أمانة ولم يجز لهم التصرف فيه بالأكل والبيع والهبة لأن فيه حق المساكين. إلى غير ذلك من الفروع المذكورة.

ثم قال في المدارك بعد نقل جملة تلك الفروع : أقول إن في كثير من هذه

__________________

(1) سنن أبي داود ج 2 ص 110 رقم 1606.


الأحكام نظرا والقدر المتحقق من ذلك جواز البناء على قدر الخرص عند عدم العلم بالمقدار وجواز التصرف في الثمرة بعد الضمان ، لأن ذلك فائدة الخرص وللإجماع المنقول عليه من جماعة : منهم ـ العلامة في المنتهى ، فإنه قال : لو أكل المالك رطبا فإن كان ذلك بعد الخرص والتضمين جاز إجماعا لأن فائدة الخرص إباحة التناول ، وإن كان بعد الخرص وقبل التضمين بأن خرص عليه الخارص ولم يضمنه جاز أيضا إذا ضمن نصيب الفقراء ، وكذلك لو كان قبل الخرص إذا خرصها هو بنفسه أما مع عدم الخرص فلا. انتهى.

ثم قال في المدارك : واعلم أنا لم نقف للأصحاب على تصريح بمعنى الضمان هنا والظاهر أن المراد به العزم على أداء الزكاة ولو من غير النصاب.

أقول : إذا عرفت ذلك فاعلم أن في المقام إشكالا لم أقف على من تنبه له ولا نبه عليه ، وذلك فإنه لا ريب في صحة هذا الكلام وما فرعوه عليه من الفروع الداخلة في سلك هذا النظام بناء على ما هو المشهور من أن الوقت الذي تتعلق به الزكاة في الغلات عبارة عن بدو الصلاح وانعقاد الحب واشتداده ، وأما على القول الآخر من أن الوقت الذي تتعلق به إنما هو ما إذا صارت تمرا وزبيبا وحنطة وشعيرا فلا أعرف وجه صحة لهذا الكلام ، كيف وقد جعلوا من فروع القولين عدم جواز تصرف المالك بعد بدو الصلاح وانعقاد الحب إلا مع الخرص والتضمين بناء على القول المشهور وجوازه مطلقا على القول الآخر ، والمحقق المذكور ممن ذهب في كتبه الثلاثة إلى القول بعدم تعلق الوجوب إلا بعد التسمية بتلك الأسماء المذكورة. وفي المعتبر بعد أن صرح بذلك نقل عن الشيخ القول المشهور وفرع الفرع المذكور على القولين ثم بعد هذا بسطرين أو ثلاثة ذكر مسألة الخرص بالنحو الذي نقلناه عنه وهو من أعجب العجاب عند ذوي الألباب. ومثله صاحب المدارك فإن ظاهره في تلك المسألة اختيار قول المحقق وفي مسألة الخرص جرى على ما جرى عليه المحقق من أنه لا بد في صحة التصرف من الخرص والضمان.


(لا يقال) إن هذا مبني عندهم على تقدير القول المشهور (لأنا نقول) لو كان الأمر كذلك لأشاروا إليه ونبهوا عليه وكلامهم هذا كله إنما جرى على سبيل الفتوى في المسألة كغيرها من المسائل كما لا يخفى على من راجع كلامهم وما فيه من زيادة التأكيد في الحكم المذكور.

هذا. وأما ما ذكره من أخبار الخرص فمنه ما هو عامي ومنه ما لا دلالة فيه مثل خبر إرسال عبد الله بن رواحة يخرص على اليهود فإن ذلك ليس من المسألة في شي‌ء ، فإن الخبر الوارد بذلك في يهود خيبر الذين قبلهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أرضها ونخيلها بالنصف فهم شركاء بلا ريب من أول بدو الحاصل ، وإنما الأخبار الدالة على الخرص ما قدمناه من صحيحة سعد بن سعد الأشعري والروايات الآتية قريبا إن شاء الله تعالى.

المقام العاشر ـ قد صرح العلامة في التذكرة بأنه إن كانت الثمرة جنسا واحدا أخذ منه جيدا كان كالبرني وهو أجود نخيل الحجاز أو رديئا كالجعرور ومصران الفأرة ولا يطالب بغيره ، ولو تعددت الأنواع أخذ من كل نوع بحصته ولا يجوز إخراج الردي‌ء لقوله تعالى «وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» (1) ولا يجوز أخذ الجيد عن الردي‌ء لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (2) «إياك وكرائم أموالهم». فإن تطوع المالك جاز ، انتهى. وهو تفصيل حسن.

ويدل على ما ذكره من عدم جواز إعطاء الردي‌ء عن الجيد روايات عديدة : منها ـ ما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (3) «في قول الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ ، وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ)» (4) قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أمر بالنخل أن

__________________

(1 و 4) سورة البقرة الآية 270.

(2) سنن ابن ماجة ج 1 ص 543 أول الزكاة.

(3) الوسائل الباب 19 من زكاة الغلات.


يزكى يجي‌ء قوم بألوان من التمر وهو من أردأ التمر يؤدونه من زكاتهم تمرا يقال له الجعرور والمعى‌فأرة قليلة اللحاء عظيمة النوى وكان بعضهم يجي‌ء بها عن التمر الجيد فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تخرصوا هاتين التمرتين ولا تجيئوا منهما بشي‌ء وفي ذلك نزل «وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ» والإغماض أن يأخذ هاتين التمرتين».

ورواه ابن إدريس في آخر كتاب السرائر نقلا من كتاب المشيخة للحسن ابن محبوب عن صالح بن رزين عن شهاب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) مثله.

وروى العياشي في تفسيره عن رفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) «في قول الله عزوجل (إِلّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) (3) فقال إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث عبد الله بن رواحة فقال لا تخرصوا أم جعرور ولا المعى‌فأرة وكان أناس يجيئون بتمر سوء فأنزل الله «وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ» وذكر أن عبد الله بن رواحة خرص عليهم تمر سوء فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا عبد الله لا تخرصوا جعرورا ولا المعى‌فأرة».

وعن إسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (4) قال : «كان أهل المدينة يأتون بصدقة الفطر إلى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفيه عذق يسمى الجعرور وعذق يسمى المعى‌فأرة كان عظيم نواهما رقيق لحاؤهما في طعمهما مرارة فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للخارص لا تخرص عليهم هذين اللونين لعلهم يستحيون لا يأتون بهما فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ ... إلى قوله تُنْفِقُونَ)» (5).

وهذه الروايات هي التي أشرنا إليها سابقا بأنها دالة على الخرص.

المقام الحادي عشر ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) الاجتزاء بالقيمة في الغلات والأنعام والنقدين ، وهو بالنسبة إلى الأنعام لا يخلو من إشكال لما قدمنا سابقا في المسألة السادسة من المسائل الملحقة بالمقام الثالث في زكاة

__________________

(1 و 2 و 4) الوسائل الباب 19 من زكاة الغلات.

(3) سورة البقرة الآية 271.

(5) سورة البقرة الآية 270.


الغنم من أن الدليل إنما دل على ذلك في الغلات والنقدين خاصة وأما الأنعام فلم يقم على إجزاء القيمة فيها دليل ، وقد تقدم أن ذلك مذهب الشيخ المفيد وإليه يميل كلام المحقق في المعتبر. والعجب من الشيخ الحر في الوسائل أنه ترجم الباب (1) هكذا «باب جواز إخراج القيمة عن زكاة الدنانير والدراهم وغيرهما» ولم يورد من الأخبار الدالة على ذلك إلا صحيحتي علي بن جعفر والبرقي المتقدمتين (2) المشتملة إحداهما على الغلات والثانية على النقدين ، وهذا من بعض غفلاته.

ولا ريب أن ما ذهب إليه الشيخ المفيد (قدس‌سره) هنا بمحل من القوة فإن مقتضى الأدلة وجوب إخراج الفرائض المخصوصة فلا يجوز العدول عنها إلا بدليل ، ويؤيده أيضا ظواهر جملة من الأخبار مثل خبر محمد بن مقرن وصحيحة زرارة المتقدمتين في المقام الأول من المطلب الأول (3) في زكاة الإبل حيث دلا على أن من ليس عنده السن المفروض أعطى سنا أدنى منه وجبره بعشرين درهما أو أعلى منه بسن أعطاه واسترجع من المصدق عشرين درهما ، ولو كانت القيمة جائزة بالمعنى الذي ذكروه لأمر به عليه‌السلام عملا بسعة الشريعة المحمدية وجريا على سهولة التكليف المبني عليه قواعد تلك الملة المصطفوية. وبالجملة فالقول به يحتاج إلى الدليل وليس فليس ، وبه يظهر قوة قول الشيخ المفيد (قدس‌سره) فموافقة الشيخ المشار إليه مع كونه أخباريا للقول المشهور هنا مع ما هو عليه من القصور لا يخلو من غفلة فإنه من أرباب النصوص الذين يحومون حولها على العموم أو الخصوص

وغاية ما استدل به العلامة هنا للقول المشهور في مطولاته أن المقصود بالزكاة دفع الخلة ورفع الحاجة وهو يحصل بالقيمة كما يحصل بالعين ، فإن الزكاة إنما شرعت جبرا للفقراء ومعونة لهم وربما كانت القيمة أنفع في بعض الأوقات فاقتضت الحكمة التسويغ. ولا يخفى ما في أمثال هذه التعليلات من الضعف وعدم الصلاحية

__________________

(1) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب والفضة.

(2) ص 72.

(3) ص 52 و 53.


لتأسيس الأحكام الشرعية عليها. نعم تصلح لأن تكون توجيها للنص وبيانا للحكمة فيه إذا ثبت.

بقي الكلام في أن ظاهر كلام الأصحاب تصريحا في مواضع وتلويحا في أخرى أن المراد بالقيمة هنا ما هو أعمّ من الدراهم والدنانير من أي جنس إذا أخرجه بحساب الدراهم والدنانير ، قال الشيخ في الخلاف : يجوز إخراج القيمة في الزكاة كلها أي شي‌ء كانت القيمة ، وتكون القيمة على وجه البدل لا على أنها أصل. انتهى

والذي تضمنه الخبران المشار إليهما آنفا اللذان هما المستند في المسألة ظاهرهما خصوص النقدين ، ففي صحيحة علي بن جعفر (1) قال : «سألته عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير وعن الدنانير دراهم؟ قال لا بأس».

وصحيحة البرقي (2) قال : «كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام هل يجوز أن يخرج عن ما يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شي‌ء ما فيه؟ فأجاب عليه‌السلام أيما تيسر يخرج». والظاهر أن المراد من قوله : «أيما تيسر» يعني الأمرين المذكورين.

ويؤيده أيضا ما رواه في الكافي عن سعيد بن عمرو عن أبي عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «قلت يشتري الرجل من الزكاة الثياب والسويق والدقيق والبطيخ والعنب فيقسمه؟ قال : لا يعطيهم إلا الدراهم كما أمر الله».

قال المحدث الكاشاني في كتاب الوافي ـ بعد نقل هذا الخبر على أثر الخبرين الأولين ـ ما صورته : هذا الحديث لا ينافي ما قبله لأن التبديل إنما يجوز بالدراهم والدنانير دون غيرهما. انتهى.

إلا أنه نقل المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتاب الوسائل (4)

__________________

(1) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب والفضة ، واللفظ بعد قوله «دراهم» هكذا «بالقيمة أيحل ذلك؟».

(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 14 من زكاة الذهب والفضة.


عن كتاب قرب الإسناد لعبد الله بن جعفر الحميري أنه روى فيه عن محمد بن الوليد عن يونس بن يعقوب قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثيابا وطعاما وأرى أن ذلك خير لهم؟ قال فقال لا بأس».

وقد جمع بين هذا الخبر وما قبله بحمل الأول على استحباب الإخراج من العين وإن جاز بالقيمة كما دل عليه هذا الخبر. وفيه بعد فإن الزكاة في الخبر لا يتعين كونها من الدراهم بخصوصها حتى يصير الأمر بالدراهم من العين بل ظاهرها العموم وأن المخرج إذا أعطى على جهة القيمة فالواجب أن يكون دراهم ، وذكر الدراهم هنا خرج مخرج التمثيل فلا ينافي إعطاء الدنانير.

وبالجملة فالرواية ظاهرة في أنه لا يجوز إلا النقدان أصالة أو قيمة ، والمسألة لا تخلو من إشكال والاحتياط في الوقوف على ظواهر تلك الأخبار ويؤيده أيضا ما يأتي إن شاء الله تعالى في مسألة أقل ما يعطى الفقير من الزكاة.

ثم لا يخفى أنه على تقدير القول بالقيمة كائنا ما كان فهل يكون الاعتبار بوقت الإخراج مطلقا لأنه وقت الانتقال إليها أو يقيد ذلك بما إذا لم يقوم الزكاة على نفسه فلو قومها على نفسه وضمن القيمة فالواجب هنا ما ضمنه زاد السوق قبل الإخراج أو انخفض؟ وجهان محتملان اختار أولهما السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة وثانيهما العلامة في التذكرة ، والمسألة لا تخلو من توقف وإن كان ما ذكره العلامة أقرب لأنه متى كان التقويم جائزا والضمان صحيحا فإن المستقر في الذمة هو القيمة. وقول السيد (قدس‌سره) إن وقت الإخراج هو وقت الانتقال إلى القيمة ممنوع في هذه الصورة بل الانتقال من حين التقويم والضمان.

المقام الثاني عشر ـ لا ريب أن ما زاد من هذه الغلات على مئونة السنة فإنه يجب فيه الخمس كما صرح به جملة من الأصحاب كما سيجي‌ء تحقيقه إن شاء الله في كتاب الخمس ، ويدل على ذلك هنا ما قدمناه من رواية محمد بن علي بن شجاع المتقدمة في


المقام السابع من مقامات هذا المطلب (1).

بقي هنا شي‌ء وهو أن المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر في كتاب الوسائل (2) قال : «باب استحباب إخراج الخمس من الغلات على وجه الزكاة ووجوب إخراج خمسها إن فضلت عن مئونة السنة» ثم أورد دليلا على الحكم الثاني رواية ابن شجاع المشار إليها ، وأورد على الحكم الأول ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة (3) قال : «سألته عن الزكاة في الزبيب والتمر فقال في كل خمسة أوساق وسق ، والوسق ستون صاعا ، والزكاة فيهما سواء ، فأما الطعام فالعشر في ما سقت السماء وأما ما سقي بالغرب والدوالي فإنما عليه نصف العشر». وقد تبع في ذلك الشيخ (قدس‌سره) فإنه بعد أن نقل هذه الرواية عن الكافي بالإضمار وعن التهذيب بالإسناد إلى أبي عبد الله عليه‌السلام طعن فيها بالاضطراب من حيث الإضمار تارة والإظهار أخرى ثم حمله على الاستحباب تارة وعلى الخمس أخرى بإطلاق الزكاة عليه مجازا.

والأظهر في معنى الخبر المذكور ما ذكره المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال ـ بعد رد طعن الشيخ بالاضطراب بالمنع وإن ذلك لا يوجب اضطرابا ـ ما صورته : ويحتمل أن تكون لفظة «وسق» بعد خمسة أوساق من مزيدات النساخ ولهذا ربما لا توجد في بعض نسخ الكافي. وقوله : «في كل خمسة أوساق» يعني في كل من الزبيب والتمر خمسة أوساق ، وليس الطعام بمعنى الحنطة بل ما يطعم يعني فأما الطعمة منها لأهلها أو هو مصدر فإنه جاء بمعنى الإطعام أيضا يعني فأما إطعام المستحق منها فالعشر ونصف العشر ، وعلى التقديرين فهو بيان لمقدار ما يخرج من الزبيب والتمر من غير تعرض للحنطة والشعير بوجه كما لا تعرض لهما في السؤال ، وعلى هذا فلا إشكال. انتهى. وهو وإن كان لا يخلو من بعد إلا أنه جيد في مقام التأويل.

المقام الثالث عشر ـ قد صرح جملة من الأصحاب من غير خلاف يعرف

__________________

(1) ص 124.

(2 و 3) الوسائل الباب 5 من زكاة الغلات.


بأنه تضم الثمار المتباعدة في البلاد بعضها إلى بعض وإن تفاوتت في الإدراك وأن حكمها في ذلك حكم البلد الواحدة فإذا بلغ بعضه الحد الذي يتعلق به الوجوب ، فإن كان نصابا أخذ منه الزكاة ثم يؤخذ من الباقي قل أو كثر بعد أن يتعلق به الوجوب ، وإن كان الذي أدرك أولا أقل من النصاب يتربص به حتى يدرك الآخر ويتعلق به الوجوب فيكمل منه النصاب الأول ثم يؤخذ من الباقي كائنا ما كان ، ونقل العلامة في التذكرة إجماع المسلمين عليه.

قال في المنتهى : لو كان له نخل يتفاوت إدراكه بالسرعة والبطء بأن يكون في بلدين مزاج أحدهما أسخن من الآخر فتدرك الثمرة في الأسخن قبل إدراكها في الآخر فإنه تضم الثمرتان إذا كانا لعام واحد وإن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر ، لأن اشتراك إدراك الثمار في الوقت الواحد متعذر وذلك يقتضي إسقاط الزكاة غالبا. ولا نعرف في هذا خلافا. انتهى.

أقول : ويؤيده أن في بلادنا البحرين نخلا يسمى الطيار يسبق سائر النخيل في بدو الصلاح بما يقرب من شهر ونخلا يسمى خصبة عصفور يتأخر إلى آخر الوقت ويكون ما بينه وبين الأول ما يقرب من شهرين.

وبالجملة فالظاهر أن الحكم لا إشكال فيه لدخوله تحت عموم الأدلة وإطلاقها

خاتمة

المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) تعلق الزكاة بالعين ونقل عن شذوذ من أصحابنا تعلقها بالذمة والأظهر الأول ، ويدل عليه ظواهر النصوص كقولهم (عليهم‌السلام) (1) «في كل أربعين شاة شاة». و «في كل عشرين مثقالا من الذهب نصف مثقال» (2). ونحو ذلك ، و «في ما سقت السماء العشر» (3). ونحو

__________________

(1) الوسائل الباب 6 من زكاة الأنعام.

(2) الوسائل الباب 1 من زكاة الذهب والفضة.

(3) الوسائل 4 من زكاة الغلات.


ذلك من الألفاظ التي من هذا الباب.

ويمكن خدشه بحمل «في» على السببية دون الظرفية ويؤيده قولهم (عليهم‌السلام) (1) «في خمس من الإبل شاة». فإنه لا مجال هنا لاعتبار الظرفية.

واستدل على ذلك أيضا بأنها لو وجبت في الذمة لتكررت في النصاب الواحد بتكرر الحول ، وللزم أن لا تقدم على الدين مع بقاء عين النصاب إذا قصرت التركة ، وللزم أن لا تسقط بتلف النصاب من غير تفريط ، وللزم أن لا يجوز للساعي تتبع العين لو باعها المالك بعد الحول قبل أن يؤدي زكاتها ، واللوازم كلها باطلة بالاتفاق فالملزوم مثله. ولا يخفى أنه وإن كان للمناقشة في بعض ما ذكر مجال إلا أنه يحصل من المجموع ما يفيد دلالة على الحكم المذكور.

والأجود الرجوع في ذلك إلى الروايات ومنها ـ صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (2) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل لم يزك إبله أو شاءه عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال نعم تؤخذ منه زكاتها ويتبع بها البائع أو يؤدي زكاتها البائع».

وما رواه ابن بابويه عن أبي المغراء عن أبي عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «إن الله تبارك وتعالى أشرك بين الأغنياء والفقراء في الأموال فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم».

وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (4) قال : «إن الله فرض في أموال الأغنياء للفقراء ما يكتفون به ولو علم أن الذي فرض لا يكفيهم لزادهم. الحديث».

__________________

(1) الوسائل الباب 2 من زكاة الأنعام.

(2) الوسائل الباب 12 من زكاة الأنعام.

(3) الوسائل الباب 2 من المستحقين للزكاة ، والرواية للكليني.

(4) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة.


وحسنة عبد الله بن مسكان وغير واحد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «إن الله تعالى جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم ولو لا ذلك لزادهم».

وفي حسنة الوشاء عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (2) قال : «قيل لأبي عبد الله عليه‌السلام لأي شي‌ء جعل الله الزكاة خمسة وعشرين في كل ألف ولم يجعلها ثلاثين؟ فقال أن الله تعالى جعلها خمسة وعشرين أخرج من أموال الأغنياء بقدر ما يكتفي به الفقراء. الحديث».

وفي رواية قثم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «قلت له جعلت فداك أخبرني عن الزكاة كيف صارت من كل ألف خمسة وعشرين لم تكن أقل ولا أكثر ما وجهها؟ فقال إن الله تعالى خلق الخلق كلهم فعلم صغيرهم وكبيرهم وغنيهم وفقيرهم فجعل من كل ألف إنسان خمسة وعشرين مسكينا».

وفي رواية مؤمن الطاق عن أبي عبد الله عليه‌السلام (4) «إن الله حسب الأموال والمساكين فوجد ما يكفيهم من كل ألف خمسة وعشرين درهما».

فهذه الأخبار كلها كما ترى ظاهرة الدلالة مكشوفة المقالة في أن الزكاة حصة متعلقة بالأموال ومفروضة فيها ومنتزعة منها ، ومن الظاهر أنه ليس المراد مطلق الأموال بل الأموال الزكوية بالشرائط المقررة في غير هذه الأخبار.

احتج من قال بتعلق الزكاة بالذمة بأنها لو وجبت في العين لكان للمستحق إلزام المالك بالأداء من العين ، ولمنع من التصرف في النصاب إلا مع إخراج الزكاة.

وأجاب المحقق في المعتبر عن الأول بالمنع من الملازمة فإن الزكاة وجبت جبرا للفقراء فجاز أن يكون العدول عن العين تخفيفا عن المالك ليسهل عليه دفعها. قال : وكذا الجواب عن جواز التصرف إذا ضمن الزكاة. وهو جيد.

والظاهر من ضم الأخبار بعضها إلى بعض ما ذكر هنا وما تقدم دالا على جواز إخراج القيمة في النقدين والغلات هو أنها وإن وجبت في العين إلا أن

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من ما تجب فيه الزكاة.

(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 3 من زكاة الذهب والفضة.


الشارع رخص للمالك ووسع عليه ـ كما هو المعهود من بناء الشريعة المحمدية المبنية على السهولة ورفع الحرج ـ أن يدفع من غير النصاب سواء كان من مال آخر غير عين الفريضة أو قيمة فلا منافاة.

وبذلك يظهر أن ما ذكره جملة من المتأخرين في هذا المقام ـ من أنه على تقدير تعلقها بالعين فهل هو بطريق الاستحقاق فالفقير شريك أو بطريق الاستيثاق فيحتمل أنه كالرهن ويحتمل كتعلق أرش الجناية بالعبد؟ قالوا : وتضعف الشركة بالإجماع على جواز أدائها من مال آخر وهو مرجح للتعلق بالذمة. وعورض بالإجماع على تتبع الساعي العين لو باعها المالك ولو تمحض التعلق بالذمة امتنع. وفرعوا على ذلك ما لو بيع النصاب بعد الحول وقبل إخراج الزكاة فإنه ينفذ ذلك في نصيبه قولا واحدا ، وفي قدر الفرض يبنى على الخلاف فعلى الشركة يبطل البيع ويتخير المشتري الجاهل لتبعيض الصفقة ، وعلى القول بالذمة يصح البيع قطعا فإن أدى المالك لزم وإلا فالساعي يتبع العين فيتجدد البطلان ويتخير المشتري للتبعيض ، وعلى الرهن يبطل البيع إلا أن يتقدم الضمان أو يخرج من غيره ، وعلى الجناية يكون البيع التزاما بالزكاة فإن أداها نفذ وإن منع تتبع الساعي العين ـ من ما لا حاجة تلجئ إليه ولا حكم يتوقف عليه بل الظاهر أنه تطويل بغير طائل وكلام لا يرجع إلى حاصل ، والأخبار في ما ذكرناه مكشوفة القناع وهي الأحرى بالاقتداء والاتباع. والله العالم.

المطلب الرابع ـ في ما يستحب فيه الزكاة وهي أصناف (الأول) مال التجارة ، وعرفوه بأنه الذي يملك بعقد معاوضة بقصد الاكتساب به ، فخرج منه ما ملك لا بعقد كالميراث وحيازة المباحات ونحو ذلك وإن قصد به الاكتساب وكذا خرج ما يملك بعقد لا على جهة المعاوضة كالهبة والصدقة والوقف ونحو ذلك. والمراد بالمعاوضة ما كانت معاوضة محضة وهي ما يقوم طرفاها بالمال كالبيع والصلح ونحوهما ، ويخرج الصداق والخلع فإن أحد العوضين ليس مالا ، وكذا


يخرج ما لم يقصد به الاكتساب كأن يقصد القنية والصدقة.

وعلى جميع ذلك تدل ظواهر الأخبار ، ففي صحيحة محمد بن مسلم الحسنة في المشهور (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل اشترى متاعا وكسد عليه وقد زكى ماله قبل أن يشتري المتاع متى يزكيه؟ فقال إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة وإن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال. قال وسألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها؟ فقال إذا حال الحول فليزكها».

وصحيحة إسماعيل بن عبد الخالق (2) قال : «سأله سعيد الأعرج وأنا حاضر أسمع فقال إنا نكبس الزيت والسمن نطلب به التجارة فربما مكث عندنا السنة والسنتين هل عليه زكاة؟ قال إن كنت تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فعليك فيه زكاة وإن كنت إنما تربص به لأنك لا تجد إلا وضيعة فليس عليك زكاة حتى يصير ذهبا أو فضة فإذا صار ذهبا أو فضة فزكه للسنة التي تتجر فيها».

ورواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (3) «في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه وقد كان زكى ماله قبل أن يشتري به هل عليه زكاة أو حتى يبيعه؟ فقال إن كان أمسكه ليلتمس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة».

ورواية محمد بن مسلم (4) وفيها قال : «كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول».

وفي كتاب الفقه الرضوي (5) «وإن كان مالك في تجارة وطلب منك المتاع برأس مالك ولم تبعه تبتغي بذلك الفضل فعليك زكاته إذا حال عليك الحول وإن لم يطلب منك برأس مالك فليس عليك الزكاة». إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الظاهرة في ما ذكرناه.

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 13 من ما تجب فيه الزكاة.

(5) ص 23.


والمشهور اشتراط مقارنة قصد الاكتساب للتملك فلو قصد به القنية أولا ثم نوى به الاكتساب لم تتعلق به الزكاة ، والأخبار مطلقة لا يفهم منها هذا التقييد ولهذا ذهب جمع من الأصحاب : منهم ـ المحقق في المعتبر والشهيد في الدروس والشهيد الثاني في جملة من كتبه إلى أن مال القنية إذا قصد به التجارة تتعلق به الزكاة نظرا إلى أنه مال تجارة فيدخل تحت تلك الأخبار. وهو جيد.

ولا بد من استمرار نية الاكتساب طول الحول ليتحقق كونه مال تجارة فلو نوى القنية في أثناء الحول انتفى الاستحباب ، وهو من ما لا خلاف فيه وعليه تدل ظواهر الأخبار المتقدمة وغيرها.

ثم إن استحباب الزكاة هنا مشروط عند الأصحاب بشروط أحدها ـ بلوغ النصاب وهو نصاب النقدين بأن تبلغ قيمة مال التجارة أحد نصابي الذهب أو الفضة وهو مجمع عليه من الخاصة والعامة (1) ولم أقف على دليل على وجوب اعتبار النصاب هنا فضلا عن كونه نصاب أحد النقدين سوى الإجماع المدعى في المقام ، وما يدعونه ـ من أن ظاهر الروايات أن هذه الزكاة بعينها زكاة النقدين فيعتبر فيها نصابهما ويتساويان في قدر المخرج ـ فلا يخفى ما فيه ، والمسألة لا تخلو من إشكال ، فإن ظاهر الروايات الإطلاق.

وظاهرهم بناء على ذلك اعتبار النصاب الثاني كما في النقدين فإذا بلغت القيمة عشرين دينارا أو مائتي درهم ثبتت الزكاة وهي ربع العشر ثم الزائد إذا بلغ النصاب الثاني وهو أربعة دنانير أو أربعون درهما ثبتت فيه الزكاة وإلا فلا.

وفي فهم ذلك من الأخبار تأمل ، ولهذا إن شيخنا الشهيد الثاني قال إنه لم يقف على دليل يدل على اعتبار النصاب الثاني هنا وإن العامة صرحوا بالأول خاصة (2) واعترضه سبطه في المدارك بأن الدليل على اعتبار الأول هو بعينه الدليل

__________________

(1) المغني ج 3 ص 31 ، والهداية للمرغيناني ج 1 ص 74 ، وبدائع الصنائع ج 2 ص 20.

(2) راجع المغني ج 3 ص 31 ، وبدائع الصنائع ج 2 ص 20.


على اعتبار الثاني والجمهور إنما لم يعتبروا النصاب الثاني هنا لعدم اعتبارهم له في زكاة النقدين (1) كما ذكره في التذكرة. ومراده (قدس‌سره) بالدليل على النصاب الأول هو ما ذكروه من كون هذه الزكاة بعينها زكاة النقدين فتحصل المساواة في الحكم مطلقا. وقد عرفت ما فيه.

وظاهرهم أيضا تفريعا على ما تقدم الاتفاق على وجود النصاب في الحول فلو نقص في أثناء الحول ولو يوما سقط الاستحباب.

وثانيها ـ الحول فلا بد من وجود ما يعتبر في الزكاة من أول الحول إلى آخره وعليه يدل ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم وهي الأولى من الأخبار المتقدمة من قوله : «وسألته عن الرجل توضع عنده الأموال. الحديث» وروايته الأخيرة أيضا

وثالثها ـ أن يطلب برأس المال طول الحول أو زيادة فلو طلب بما هو أنقص من رأس المال سقط الاستحباب ، وعليه تدل الأخبار المتقدمة وغيرها.

وهل يشترط في زكاة التجارة بقاء عين السلعة طول الحول كما في المالية أم لا فتثبت الزكاة وإن تبدلت الأعيان بالمعاوضات مع بلوغ القيمة النصاب؟ قولان أشهرهما بين المتأخرين الثاني بل ادعى عليه الإجماع وأظهرهما الأول ، وهو الظاهر من كلام الشيخ المفيد في المقنعة وابن بابويه في من لا يحضره الفقيه وهو ظاهر المحقق في الشرائع وبه جزم في المعتبر ، وعليه تدل ظواهر الأخبار كقوله

__________________

(1) في المغني ج 3 ص 6 ـ بعد أن ذكر أن نصاب الفضة مائتا درهم ونصاب الذهب عشرون مثقالا ـ قال وفي زيادتها وإن قلت ، روى هذا عن علي وابن عمر وبه قال عمر بن عبد العزيز والنخعي ومالك والثوري وابن أبي ليلى والشافعي وأبو يوسف ومحمد وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر ، وقال سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس والشعبي ومكحول والزهري وعمرو بن دينار وأبو حنيفة لا شي‌ء في زيادة الدراهم حتى تبلغ أربعين ولا في زيادة الدنانير حتى تبلغ أربعة دنانير لقوله (ص) «من كل أربعين درهما درهما» وفي بدائع الصنائع ج 2 ص 17 نحو ذلك ، وكذا في بداية المجتهد ج 1 ص 218 ونسب القول الأول إلى الجمهور.


عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (1) «إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله» وقوله : «وإن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله». وقوله في رواية أبي الربيع المتقدمة أيضا (2) «إن كان أمسكه ليلتمس الفضل. إلى آخره». ومثلها صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق المتقدمة أيضا (3) فإنها كلها ظاهرة بل صريحة في بقاء العين طول الحول.

تنبيهات

يتوقف عليها تحقيق الكلام في المقام

(الأول) ما ذكرناه من استحباب الزكاة في مال التجارة هو المشهور بين الأصحاب ونقل المحقق عن بعض علمائنا قولا بالوجوب ، وبذلك صرح الشيخ في بعض كلامه ، قيل وهو الظاهر من كلام ابن بابويه ، ونقل عن ابن أبي عقيل أنه قال اختلفت الشيعة في زكاة التجارة فقالت طائفة منهم بالوجوب وقال آخرون بعدمه وقال وهو الحق عندي.

أقول : ويدل على القول بالوجوب ظواهر كثير من الأخبار كالأخبار المتقدمة من حيث التعبير فيها بقوله : «فعليك فيه الزكاة» أو «فعليه» من ما هو ظاهر في الوجوب ، ومثل الأخبار المذكورة كثير في الأخبار أيضا تركنا نقلها اختصارا.

واستدل على القول بالاستحباب كما هو المشهور بما دل من الأخبار على عدم الوجوب مضافا إلى الأخبار المتقدمة الدالة على ثبوت الزكاة في التسعة المتقدمة خاصة :

منها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن زرارة (4) قال : «كنت قاعدا عند أبي جعفر عليه‌السلام وليس عنده غير ابنه جعفر عليه‌السلام فقال يا زرارة إن أبا ذر وعثمان تنازعا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال عثمان كل مال من ذهب أو فضة يدار به ويعمل به ويتجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول. فقال أبو ذر

__________________

(1 و 2 و 3) ص 145.

(4) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة.


أما ما اتجر به أو دير وعمل به فليس فيه زكاة إنما الزكاة فيه إذا كان ركازا أو كنزا موضوعا فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة. فاختصما في ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال فقال القول ما قال أبو ذر. فقال أبو عبد الله عليه‌السلام لأبيه ما تريد إلا أن يخرج مثل هذا فيكف الناس أن يعطوا فقراءهم ومساكينهم فقال أبوه عليه‌السلام إليك عني لا أجد منها بدا».

وما رواه أيضا في الموثق عن إسحاق بن عمار (1) قال : «قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام الرجل يشتري الوصيفة يثبتها عنده لتزيد وهو يريد بيعها أعلى ثمنها زكاة؟ قال لا حتى يبيعها. قلت فإن باعها أيزكي ثمنها؟ قال لا حتى يحول عليه الحول وهو في يده». ورواه في الكافي عنه أيضا بسند فيه سهل (2).

وما رواه في الموثق عن ابن بكير وعبيد وجماعة من أصحابنا (3) قالوا : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام ليس في المال المضطرب به زكاة فقال له إسماعيل ابنه يا أبت جعلت فداك أهلكت فقراء أصحابك فقال أي بني حق أراد الله أن يخرجه فخرج».

وما رواه في الصحيح عن سليمان بن خالد (4) قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل كان له مال كثير فاشترى به متاعا ثم وضعه فقال هذا متاع موضوع فإذا أحببت بعته فيرجع إلى رأس مالي وأفضل منه هل عليه فيه صدقة وهو متاع؟ قال لا حتى يبيعه. قال فهل يؤدي عنه إن باعه لما مضى إذا كان متاعا؟ قال لا».

وأنت خبير بأن ظواهر الأخبار المتقدمة كما عرفت هو الوجوب وصريح هذه الأخبار نفي الوجوب ، والشيخ قد جمع بين الأخبار بحمل الأخبار المتقدمة على الاستحباب وتبعه على ذلك الأصحاب كما هي عادتهم وقاعدتهم في جميع الأبواب. وعندي فيه توقف لما عرفته في غير موضع من ما تقدم ، نعم لو كان في الأخبار من أحد الطرفين ما يدل على الاستحباب صريحا أو ظاهرا لزال الإشكال ، وأما أن الاستحباب يثبت بمجرد اختلاف الأخبار وجمعها عليه فهو

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 14 من ما تجب فيه الزكاة.


من ما لا دليل عليه يوجب الركون إليه ، وكيف لا والاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل الواضح ومجرد اختلاف الأخبار ليس بدليل يوجب ذلك كما لا يخفى على المنصف ، ومع ذلك فإنه لا ينحصر الجمع بين الأخبار في ما ذكروه بل لا يبعد حمل الروايات المتقدمة على التقية ، حيث إن الوجوب مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد (1) على ما نقله في المعتبر ، وفي صحيحة زرارة وموثقة ابن بكير وعبيد وجماعة من أصحابنا ما يشير إلى ذلك. والمسألة لذلك لا تخلو من الإشكال.

ولم أر من تنبه لما ذكرناه سوى المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال بعد أن نقل الأخبار الأخيرة ونعم ما قال : في هذه الأخبار ما يشعر بأن الأخبار الأولة إنما وردت للتقية إلا أن صاحب التهذيبين وجماعة من الأصحاب حملوها على الاستحباب. انتهى.

(الثاني) اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه هل تتعلق الزكاة بعين مال التجارة أم بالقيمة؟ قولان اختار ثانيهما الشيخ وأتباعه والظاهر أنه هو المشهور قال في المنتهى : قال الشيخ تتعلق بالقيمة وتجب فيها. ونقل الخلاف عن بعض العامة (2) وهو مشعر بعدم الخلاف عندنا ، والذي يدل عليه اعتبار نصاب النقدين والشريعة السهلة وأصل جواز التصرف بالبيع وغيره في أموال التجارة ، والتعلق بالعين يمنع عن ذلك إلا مع التخمين والضمان كما في الزكاة. انتهى.

وظاهر المحقق في المعتبر والعلامة في التذكرة اختيار الأول واستحسنه في المدارك ، والمسألة محل تردد لعدم الوقوف فيها على نص يقتضي المصير إلى أحد القولين. واستحسانه في المدارك لهذا القول مع عدم إقامته دليلا عليه لا أعرف له وجها.

وتظهر فائدة الخلاف في جواز بيع العين على تقدير القول بالوجوب بعد

__________________

(1) المغني ج 3 ص 30.

(2) المغني ج 3 ص 31.


الحول وقبل إخراج الزكاة أو ضمانها فيجوز على القول بتعلقها بالقيمة ويمتنع على تقدير تعلقها بالعين ، وفي ما لو زادت القيمة بعد الحول فيخرج ربع عشر الزيادة على تقدير التعلق بالعين وربع عشر القيمة قبل تمام الحول على تقدير التعلق بالقيمة

(الثالث) لا خلاف في أن مقدار الزكاة في مال التجارة هي زكاة النقدين كما تقدم سواء اشترى بهما أو بغيرهما من العروض ، وعلى كل تقدير فهو يقوم بالدراهم والدنانير ، وهو ظاهر في ما إذا اشترى بهما لأن نصاب العرض مبني على ما اشترى به ورأس المال إنما يعلم بعد التقويم به. ولو كان الثمن عروضا قوم بالنقد الغالب واعتبر بلوغ النصاب ووجود رأس المال به. ولو تساوى النقدان كان مخيرا بالتقويم بأيهما شاء.

(الرابع) لو اشترى نصابا للتجارة مثل أربعين شاة أو ثلاثين بقرة ثم حال الحول عليها فالمشهور بل ادعى عليه الإجماع غير واحد هو وجوب الزكاة المالية وسقوط زكاة التجارة لقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة زرارة أو حسنته على المشهور بإبراهيم بن هاشم (1) «لا يزكى المال من وجهين في عام واحد». وحينئذ فلا ريب في سقوط زكاة التجارة على القول باستحبابها.

ونقل المحقق في الشرائع قولا باجتماع الزكاتين هذه وجوبا وهذه استحبابا ، ثم قال : ويشكل ذلك على القول بوجوب زكاة التجارة. مع أنه في المعتبر ادعى الاتفاق على عدم اجتماعهما فقال : ولا يجتمع زكاة العين والتجارة في مال واحد اتفاقا. ونحوه قال العلامة في التذكرة والمنتهى.

أقول : لا ريب في ضعف هذا القول المذكور بعد ما عرفت من دلالة الخبر الصحيح الصريح على نفي ذلك.

وأما ما ذكره من الإشكال وتبعه غيره وأطالوا البحث به في هذا المجال على تقدير القول بوجوب زكاة التجارة فلا طائل تحته ولا ثمرة فيه بعد ما عرفت من

__________________

(1) ص 39.


اتفاقهم على الاستحباب وردهم لهذا القول والإعراض عنه الموجب لبطلانه وحمل الأخبار كلها على ما ادعوه. وأما على ما ذكرناه من دلالة الأخبار المتقدمة عليه فالأمر فيه لا يخلو من الإشكال لما عرفت من إمكان حمل الأخبار المذكورة على التقية ومن شهرة القول باستحباب الزكاة المذكورة قديما وحديثا بل قيل بوجوبها وحمل الأخبار المذكورة على التقية يقتضي سقوطها رأسا. والله العالم.

الثاني من الأصناف المتقدمة ـ الخيل الإناث السائمة والبراذين ، يخرج عن كل عتيق ديناران وعن كل برذون دينار ، والمراد بالعتيق كريم الأصل وهو ما كان أبواه عربيين والبرذون بكسر الباء خلافه. وقد صرحوا بأنه يشترط فيها شروط ثلاثة : السوم والحول والأنوثة.

والمستند في ذلك ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والشيخ عنه في التهذيب في الصحيح أو الحسن على المشهور عن محمد بن مسلم وزرارة عنهما (عليهما‌السلام) (1) قالا «وضع أمير المؤمنين عليه‌السلام على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين وجعل على البراذين دينارا».

وحسنة زرارة (2) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام هل في البغال شي‌ء؟ فقال لا فقلت فكيف صار على الخيل ولم يصر على البغال؟ فقال لأن البغال لا تلقح والخيل الإناث ينتجن وليس على الخيل الذكور شي‌ء. قال قلت فما في الحمير؟ فقال ليس فيها شي‌ء. قال قلت هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شي‌ء؟ فقال لا ليس على ما يعلف شي‌ء إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل فأما ما سوى ذلك فليس فيه شي‌ء». أقول : المرج بالجيم المرعى.

وإنما حملت هاتان الروايتان على الاستحباب مع أن ظاهرهما الوجوب لما تقدم من انتفاء الوجوب عن ما سوى الأصناف التسعة.

واحتمل بعضهم أن هذه الزكاة إنما هي في أموال المجوس يومئذ جزية أو

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 16 من ما تجب فيه الزكاة.


عوضا عن انتفاعهم بمراعي المسلمين. وظاهر الخبر الثاني يدفعه.

الثالث ـ كل ما أنبتت الأرض من ما يدخله المكيال والميزان غير الأربعة المشهورة التي اتفقوا على وجوب الزكاة فيها ، ومستند الاستحباب عندهم هو الجمع بين الأخبار الدالة على الوجوب في هذه الأشياء والأخبار الدالة على حصر الوجوب في التسعة المتقدمة. وقد قدمنا أن الأظهر حمل ما دل على الوجوب في هذه الأشياء على التقية.

الرابع ـ غلات الأطفال والمجانين ومواشيهم تفصيا من خلاف الشيخ ومن تبعه ومن الأخبار الدالة على ذلك. وفيه ما تقدم سابقا من أن ما ورد فيه الأخبار من غلات الأطفال فهي محمولة على التقية (1) وما لم يرد فيه خبر فلا وجه فيه للاستحباب ، لأن الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل وخلاف بعض الأصحاب مع كونه خاليا عن الدليل لا يوجب الحكم بالاستحباب.

الخامس ـ الحلي المحرم كالخلخال للرجل ، ذكره الشيخ وتبعه الجماعة ، ولم نقف له على دليل مع ورود الأخبار (2) بأنه لا زكاة في الحلي ، وهي مطلقة شاملة للمحلل والمحرم ، وروي (3) أن زكاته إعارته.

السادس ـ المال الغائب والمدفون الذي لا يتمكن صاحبه من التصرف فيه إذا مضى عليه أحوال ثم وقع في يده فإنه يستحب أن يزكيه لسنة ، وقد تقدم ما يدل عليه من الأخبار في الشرط الخامس من شروط وجوب الزكاة من المقصد الأول.

السابع ـ العقار المتخذ للنماء كالحمامات والخانات والدكاكين والبساتين على ما صرحوا به ، واستحباب الزكاة في حاصلها مقطوع به في كلامهم ولم يوردوا

__________________

(1) في المغني ج 2 ص 622 ، والمحلى ج 5 ص 201 وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون ، وفي بدائع الصنائع ج 2 ص 4 ذكر الاختلاف في ذلك واختار العدم.

(2) الوسائل الباب 9 من زكاة الذهب والفضة.

(3) الوسائل الباب 10 من زكاة الذهب والفضة.


لذلك دليلا ، ولم نقف له على دليل ولا على مخالف فيه ، وكأنه مسلم الثبوت بينهم.

ثم إنه على تقدير الاستحباب صرحوا بأنه لا يشترط هنا الحول ولا النصاب للعموم قاله العلامة في التذكرة ، ولا أدري أي عموم أراد مع عدم الدليل كما عرفت؟ واستقرب الشهيد في البيان اعتبارهما.

ولا يخفى أنه لو كان النماء المتخذ من هذه العقارات من الأموال الزكوية تعلق به حكم الزكاة المالية بلا خلاف ولا إشكال فيصير محل الاستحباب في كلامهم مخصوصا بالعروض الغير الزكوية.

الثامن ـ ما ذكره جملة منهم في ما إذا قصد الفرار قبل الحول بناء على القول بعدم وجوب الزكاة بقصد الفرار كما تقدم ، فإنهم بناء على القول المذكور حملوا الأخبار الدالة على وجوب الزكاة متى قصد الفرار بسببك الدراهم والدنانير أو إبدال الجنس بغيره على الاستحباب تارة ، فحكموا على كل من فعل ذلك قبل حول الحول باستحباب الزكاة عليه بعد الحول ، وتارة على حصول الفرار بعد حول الحول وقد تقدم الكلام في هذين الحملين وبينا ما فيهما. والله العالم.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *