ج9 - أحكام السهو
المطلب الثاني
وهو عبارة عن زوال الشيء عن القوة الذاكرة مع بقائه في
القوة الحافظة ولهذا انه يحصل بالتذكر ، والنسيان عبارة عن زواله عن القوتين معا
ولهذا يحتاج إلى المراجعة والتعلم ولا يحصل بمجرد التفكر والتذكر. وربما قيل
بالمرادفة بينهما والظاهر الأول. والشك هو تساوى الطرفين ، وقد يطلق السهو في
الأخبار وكلام الأصحاب على الشك ايضا.
وكيف كان فالكلام في هذا المطلب يقع في مسائل (الأولى)
لا خلاف بين الأصحاب في بطلان الصلاة بالإخلال بركن منها وإن كان سهوا ، وقد تقدم
بيان
ذلك في المقصد الأول (1) المشتمل على
تعداد أفعال الصلاة وتفصيلها في فصول.
نعم وقع الخلاف هنا في موضعين (الأول) ان من أخل بالركوع
ناسيا حتى سجد فهل تبطل صلاته أم لا؟ قولان ، المشهور الأول وهو مذهب الشيخ المفيد
والمرتضى وسلار وابن إدريس وابى الصلاح وابن البراج وهو المحكي عن ظاهر ابن ابى
عقيل وهو مذهب جمهور المتأخرين.
وقال الشيخ في المبسوط في فصل الركوع : والركوع ركن من
أركان الصلاة متى تركه عامدا أو ناسيا بطلت صلاته إذا كان في الركعتين الأولتين من
كل صلاة وكذلك إذا كان في الثالثة من المغرب ، وان كان من الركعتين الأخيرتين من
الرباعية ان تركه متعمدا بطلت صلاته وان تركه ناسيا وسجد سجدتين أو واحدة منهما
أسقط السجدة وقام فركع وتمم صلاته. انتهى. ونقل عنه ذلك أيضا في كتابي الأخبار
وقال في فصل السهو من كتاب المبسوط بعد ان قسم السهو على خمسة أقسام وعد منها ما
يوجب الإعادة ، فقال في تعداد السهو الذي يوجب الإعادة : ومن ترك الركوع حتى سجد ،
وفي أصحابنا من قال يسقط السجود ويعيد الركوع ثم يعيد السجود.
والأول أحوط لأن هذا الحكم مختص بالركعتين الأخيرتين.
انتهى. ونحوه قال في الجمل والاقتصاد على ما ذكره في المختلف. وقال في النهاية :
فإن تركه ناسيا ثم ذكر في حالة السجود وجب عليه الإعادة فان لم يذكر حتى صلى ركعة
أخرى ودخل في الثالثة ثم ذكر أسقط الركعة الاولى وبنى كأنه صلى ركعتين ، وكذلك ان
كان قد ترك الركوع في الثانية وذكر في الثانية وذكر في الثالثة أسقط الثانية وجعل
الثالثة ثانية وتمم الصلاة.
وقال ابن الجنيد على ما نقله عنه في المختلف : ولو صحت
له الأولى وسها في الثانية سهوا لم يمكنه استدراكه كأن أيقن وهو ساجد انه لم يركع
فأراد البناء على الركعة الأولى التي صحت له رجوت أن يجزئه ذلك ولو أعاد إذا كان
في الأولتين وكان
__________________
(1) ج 8 ص 18 و 57 و 91 و 234 و 273.
الوقت متسعا كان أحب الى ، وفي
الثانيتين ذلك يجزئه.
ويقرب منه قول على بن بابويه ، فإنه قال : وان نسيت
الركوع بعد ما سجدت من الركعة الأولى فأعد صلاتك لأنه إذا لم تثبت لك الأولى لم
تثبت لك صلاتك وان كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين واجعل
الثالثة ثانية والرابعة ثالثة. كذا نقله عنه في المختلف.
أقول : ما ذكره الشيخ في فصل السهو من المبسوط عن بعض
الأصحاب ـ من القول بالتلفيق مطلقا وان كان في الأوليين ـ حكاه العلامة في المنتهى
عن الشيخ ايضا
احتج القائلون بالقول المشهور من الابطال مطلقا بأن
الناسي للركوع حتى يسجد لم يأت بالمأمور به على وجهه فيبقى تحت عهدة التكليف الى
ان يتحقق الامتثال
وما رواه الشيخ في الصحيح عن رفاعة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن رجل نسي أن يركع حتى يسجد ويقوم؟ قال يستقبل».
وعن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
أيقن الرجل انه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة».
وعن إسحاق بن عمار في الموثق (3) قال : «سألت
أبا إبراهيم (عليهالسلام) عن الرجل
ينسى ان يركع؟ قال يستقبل حتى يضع كل شيء من ذلك موضعه».
وخبر ابى بصير (4) قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن رجل نسي
أن يركع؟ قال عليه الإعادة».
واعترض في المدارك على الدليل الأول فقال : ويتوجه على
الأول ان الامتثال يتحقق بالإتيان بالركوع ثم السجود فلا يتعين الاستئناف ، نعم لو
لم يذكر إلا بعد السجدتين اتجه البطلان لزيادة الركن كما هو مدلول الروايتين
الأوليين. والرواية الثالثة ضعيفة السند فلا تنهض حجة في إثبات حكم مخالف للأصل.
انتهى.
أقول : ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذه
المسألة من غير
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 10 من الركوع.
خلاف يعرف انه متى سها عن الركوع حتى
دخل في السجود فإنه تبطل صلاته وظاهر السيد (قدسسره) هنا المناقشة
في هذا الحكم على عمومه ومنع البطلان في صورة ما لو ذكر ترك الركوع في السجدة
الأولى أو بعدها قبل الدخول في الثانية وانه يعمل بالتلفيق بغير استئناف ، إذ غاية
ما يلزم منه زيادة الواجب وهو غير موجب للبطلان ، وكأنه يجعله في حكم ما لو وقع
سهوا. إلا ان ظاهر إطلاق الأصحاب ـ كما أشرنا إليه أولا ـ إنما يتم بناء على
الإبطال بزيادة الواجب هنا ، ويعضده موثقة إسحاق بن عمار ورواية أبي بصير الثانية.
ومما يؤيد كلام السيد السند (قدسسره) ان المفهوم
من كلامهم من غير خلاف يعرف انه لو سها عن واجب يمكن تداركه ثم تداركه فإنه يرتب
عليه ما بعده ان كان ثمة واجب ايضا كمن سها عن الحمد حتى قرأ السورة فإنه يجب عليه
اعادة الحمد ثم السورة بعدها ، وهكذا ما كان نحو ذلك.
ويدل عليه ما في كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليهالسلام) (1) : «وان نسيت
الحمد حتى قرأت السورة ثم ذكرت قبل ان تركع فاقرأ الحمد وأعد السورة». وقال في
موضع آخر (2) «وان نسيت
السجدة من الركعة الأولى ثم ذكرت في الثانية من قبل ان تركع فأرسل نفسك واسجدها ثم
قم إلى الثانية وأعد القراءة». وهو صريح في ما دل عليه كلام السيد السند (قدسسره).
إلا انه يمكن خروج هذه المسألة التي نحن فيها عن القاعدة
المذكورة بما ذكرنا من خبري إسحاق بن عمار وابى بصير إذ لا معارض لهما في البين ،
ويمكن تقييدهما بصحيحة رفاعة ورواية أبي بصير الأولى ، ولعله أقرب لما عرفت من
ظاهر اتفاقهم على اغتفار زيادة الواجب في مثل ذلك. وكيف كان فالعمل بظاهر روايتي
إسحاق ابن عمار وابى بصير الثانية طريق الاحتياط.
احتج الشيخ (قدسسره) على ما تقدم
نقله عنه ، اما على البطلان في الركعتين
__________________
(1) ص 9.
(2) ص 10.
الأوليين وثالثة المغرب فبما ذكرناه
من الأخبار ، وعلى إسقاط الزائد والإتيان بالفائت في الركعتين الأخيرتين من
الرباعية بما رواه في التهذيب عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) (1) «في رجل شك بعد
ما سجد انه لم يركع؟ قال فان استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما فيبني على
صلاته على التمام ، وان كان لم يستيقن إلا بعد ما فرغ وانصرف فليقم فليصل ركعة
وسجدتين ولا شيء عليه».
وفي الصحيح عن العيص بن القاسم (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي
ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثم ذكر انه لم يركع؟ قال يقوم فيركع ويسجد سجدتي السهو».
أقول : قد روى في الفقيه رواية محمد بن مسلم بطريق صحيح
ومتن أوضح مما نقله الشيخ ، روى عن العلاء عن محمد بن مسلم ـ وطريقه في المشيخة
الى العلاء صحيح ـ عن ابى جعفر (عليهالسلام) (3) «في رجل شك بعد
ما سجد انه لم يركع؟ فقال يمضي في صلاته حتى يستيقن انه لم يركع فان استيقن انه لم
يركع فليلق السجدتين اللتين لا ركوع لهما ويبنى على صلاته على التمام ، فان كان لم
يستيقن إلا بعد ما فرغ وانصرف فليقم وليصل ركعة وسجدتين ولا شيء عليه». والظاهر
ان هذه الزيادة التي في هذه الرواية قد سقطت من قلم الشيخ كما لا يخفى على من له
انس بطريقته في التهذيب وقد نبهنا على ذلك في غير مقام مما تقدم.
وروى هذه الرواية أيضا ابن إدريس في مستطرفات السرائر من
كتاب الحسن بن محبوب عن العلاء عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) (4) «في رجل شك بعد
ما سجد انه لم يركع؟ قال يمضى على شكه حتى يستيقن ولا شيء عليه وان استيقن لم
يعتد بالسجدتين اللتين لا ركعة معهما ويتم ما بقي عليه من صلاته ولا سهو عليه».
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 11 من الركوع.
(3) الفقيه ج 1 ص 228 وفي الوسائل الباب 12 و 11 من الركوع.
(4) الوسائل الباب 13 و 11 من الركوع.
وأجاب المحقق في المعتبر عن رواية الشيخ بان ظاهرها
الإطلاق وهو متروك وتخصيصها بالأخيرتين تحكم. وزاد في المدارك الطعن بضعف السند
باشتماله على الحكم بن مسكين وهو مجهول ، وأورد على الرواية الثانية بأنها غير
دالة على مطلوبه وإنما تدل على وجوب الإتيان بالمنسي خاصة وهو لا يذهب اليه بل
يوجب الإتيان بما بعده. انتهى.
أقول : اما ما ذكره في المعتبر ـ من ان الرواية ظاهرها
الإطلاق وهو متروك ـ ففيه ان من جملة الأقوال في المسألة كما عرفت القول بالتلفيق
مطلقا كما نقله في المبسوط عن بعض الأصحاب ونقله العلامة في المنتهى عن الشيخ ،
وحينئذ فكيف يدعى انه متروك لا قائل به؟ واما ما ذكره ـ من ان تخصيصها بالأخيرتين
تحكم ، ففيه انه لا يخفى ان الظاهر ان ما ذهب اليه الشيخ هنا إنما هو وجه جمع بين
أخبار المسألة ، وذلك لما اشتهر عنه وعن شيخه المفيد كما سيأتي ان شاء الله تعالى
من ان كل سهو يلحق الأوليين في الاعداد والأفعال فهو موجب للإعادة ، فجمع بين هذه
الأخبار بحمل إطلاقات الإبطال على السهو في الأوليين وثالثة المغرب وما دل على
التلفيق وصحة الصلاة على الأخيرتين. وهو وجه وجيه في الجمع بين الأخبار بناء على
صحة ما ادعاه في تلك المسألة. نعم يبقى الكلام معه في ثبوت تلك المسألة وهو أمر
خارج عن ما نحن فيه. وبذلك يظهر أن طعنه على الشيخ في ما ذكره بأنه تحكم غير جيد.
واما ما ذكره في المدارك من الطعن في السند فقد عرفت ما
فيه في غير موضع وانه على مذهب الشيخ وجملة المتقدمين غير متجه ولا معتمد.
بقي الكلام في الجمع بين روايات المسألة ، والشيخ قد جمع
بينها بما عرفت وقد أوضحنا ان جمعه جيد بناء على ثبوت ما ادعاه في تلك المسألة ،
وبه يندفع اعتراض المتأخرين عليه كما سمعت من كلام صاحب المعتبر.
وقال في المدارك بعد ذكر صحيحة محمد بن مسلم برواية
الصدوق : ومقتضى الرواية وجوب الإتيان بالركوع وإسقاط السجدتين مطلقا كما هو أحد
الأقوال في
المسألة ، ويمكن الجمع بينها وبين ما
تضمن الاستئناف بذلك بالتخيير بين الأمرين وأفضلية الاستئناف.
وقال شيخنا المجلسي (قدسسره) في البحار :
واما الصحيحة الاولى ـ وأشار بها الى صحيحة محمد بن مسلم برواية الفقيه ـ فلا يمكن
العمل بها وترك سائر الأخبار الكثيرة الدالة على بطلان الصلاة بترك الركوع ، إذ لا
يتصور له حينئذ فرد يوجب البطلان لأنها تتضمن انه لو لم يذكر ولم يأت به الى آخر
الصلاة أيضا لا يوجب البطلان فلا بد اما من طرحها أو حملها على الجواز وغيرها على
الاستحباب ، فالعمل بالمشهور اولى على كل حال. ويمكن حمله على النافلة لورود مثله
فيها أو على التقية (1) والشيخ حمله
على الأخيرتين ، وكذا قال بالتفصيل مع عدم إشعار في الخبر به. انتهى. وهو جيد إلا
ان ما اعترض به على الشيخ قد عرفت جوابه وان جمع الشيخ جيد ان ثبت ما ذكره في تلك
المسألة.
واما استدلال الشيخ بصحيحة العيص المتقدمة فقد أورد عليه
بأنها غير دالة على مطلوبه وإنما تدل على وجوب الإتيان بالمنسي خاصة وهو لا يذهب
اليه بل يوجب الإتيان بما بعده. وهو جيد.
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال والاحتياط
فيها مطلوب على كل حال.
واما ما ذكره الشيخ عن ابن بابويه مما قدمنا نقله عنه
فقد اعترضه من تأخر عنه بعدم وجود المستند في ذلك.
أقول : لا يخفى ان عبارته المتقدمة مأخوذة من عبارة كتاب
الفقه الرضوي على النهج الذي قدمنا ذكره في غير مقام ومنه يعلم ان مستنده إنما هو
الكتاب المذكور وكلامه (عليهالسلام).
قال في الكتاب المشار اليه (2) : وان نسيت
الركوع بعد ما سجدت من الركعة
__________________
(1) البحر الرائق ج 2 ص 98 والمغني ج 2 ص 27.
(2) ص 9.
الأولى فأعد صلاتك لأنه إذا لم تصح لك
الركعة الأولى لم تصح صلاتك ، وان كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف
السجدتين واجعلها أعني الثانية الأولى والثالثة ثانية والرابعة ثالثة. انتهى.
ولا يخفى ما فيه من الغرابة ، فإن المستفاد من النصوص
والفتاوى ان ما ذكره من وجوب المحافظة على الاولى لتصح صلاته ثابت للركعتين
الأوليين لا لخصوص الاولى وان الثانية كالثالثة والرابعة ، وقد صرحت النصوص بأن
العلة في كون السهو في الأخيرتين دون الأوليين للفرق بين ما فرضه الله وبين ما
فرضه رسوله (صلىاللهعليهوآله) ولعل تخصيصه (عليهالسلام) هذا الحكم
بالأولى بناء على مزيد التأكيد في المحافظة عليها لما يظهر من بعض الأخبار وقد
تقدم في صدر هذا الكتاب (1) وهو ان الله عزوجل انما فرض
الصلاة ركعتين لعلمه بعدم المحافظة على الركعة الاولى والإقبال عليها فوسع لهم
بزيادة الثانية. وصورته ما رواه الصدوق في العيون والعلل في علل الفضل بن شاذان
المروية عن الرضا (عليهالسلام) قال : «انما
جعل أصل الصلاة ركعتين وزيد على بعضها ركعة وعلى بعضها ركعتان ولم يزد على بعضها
شيء لأن أصل الصلاة إنما هي ركعة واحدة لأن أصل العدد واحد فإذا نقصت عن واحدة
فليست هي صلاة ، فعلم الله تعالى ان العباد لا يؤدون تلك الركعة الواحدة التي لا
صلاة أقل منها بكمالها وتمامها والإقبال عليها فقرن إليها ركعة أخرى ليتم بالثانية
ما نقص من الأولى ففرض الله أصل الصلاة ركعتين ، فعلم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان العباد لا
يؤدون هاتين الركعتين بتمام ما أمروا به وكماله فضم الى الظهر والعصر والعشاء
الآخرة ركعتين ركعتين ليكون بهما تمام الركعتين الأوليين. الحديث».
الموضع الثاني ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
ان من نسي سجدتين الى ان ركع بعدهما بطلت صلاته وانه لا فرق في ذلك بين الركعتين
الأوليين والأخيرتين ، وهو قول الشيخ المفيد والشيخ في النهاية وابى الصلاح وابن
إدريس
__________________
(1) ج 6 ص 11 وفي الوسائل الباب 13 من أعداد الفرائض.
واليه ذهب جمهور المتأخرين وهو
المختار. وقال الشيخ في الجمل والاقتصاد ان السجدتين إذا كانتا من الأخيرتين بنى
على الركوع الأول وأعاد السجدتين. ووافق المشهور في موضع من المبسوط ، وقال في
موضع آخر منه : من ترك سجدتين من ركعة من الركعتين الأوليين حتى يركع في ما بعدهما
أعاد على المذهب الأول وعلى الثاني يجعل السجدتين في الثانية للأولة وبنى على
صلاته. وأشار بالمذهب الأول الى ما ذكره في الركوع من انه إذا ترك الركوع حتى سجد
أعاد.
حجة القول المشهور انه قد أخل بالركن حتى دخل في ركن آخر
فإن أوجبنا عليه الإتيان بالأول ثم الركوع بعده وإتمام الصلاة لزم زيادة ركن وان
أوجبنا عليه المضي في صلاته والحال هذه لزم نقصان ركن ، وكلاهما مبطل.
ويؤيده قوله (عليهالسلام) (1) : «لا تعاد
الصلاة إلا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود».
وقوله في رواية محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) (2) قال : «ان
الله عزوجل فرض الركوع
والسجود ، والقراءة سنة ، فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ومن نسي القراءة فقد
تمت صلاته ولا شيء عليه».
وموثقة منصور بن حازم (3) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) انى صليت
المكتوبة فنسيت ان اقرأ في صلاتي كلها؟ فقال أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ قلت
بلى. قال فقد تمت صلاتك إذا كان نسيانا».
ومفهوم الأول ان نسيان الركوع والسجود يوجب الإعادة
بقرينة المقابلة ومفهوم الثاني انه بعدم إتمام السجود لا تتم الصلاة.
هذا. واما القول الآخر فلم نقف له على دليل وبذلك اعترف
جملة من المتأخرين ومتأخريهم ، وغاية ما تكلفه في المختلف للاستدلال على ذلك هو ان
السجدتين
__________________
(1 و 3) الوسائل الباب 29 من القراءة.
(2) الوسائل الباب 27 من القراءة.
مساويتان للركوع في جميع الأحكام وقد
ثبت جواز التلفيق فيه. وضعفه أظهر من ان يحتاج الى بيان وهل هو إلا قياس محض؟
والله العالم.
المسألة الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) في بطلان الصلاة بتعمد زيادة ركعة فيها انما الخلاف في صورة السهو ،
فالمشهور انه كذلك من غير فرق بين الرباعية وغيرها ولا بين ان يجلس عقيب الرابعة
بقدر التشهد أم لا ، أما إذا لم يجلس دبر الرابعة بقدر التشهد فالقول بالبطلان
ايضا موضع اتفاق على ما حكاه جمع : منهم ـ الفاضلان والشهيد وغيرهم ، اما لو جلس
القدر المذكور فقد أطلق الأكثر ـ ومنهم الشيخ في جملة من كتبه والسيد المرتضى وابن
بابويه وغيرهم ـ البطلان ايضا.
وقال في المبسوط : من زاد ركعة في صلاته أعاد وفي
أصحابنا من قال ان كانت الصلاة رباعية وجلس في الرابعة مقدار التشهد فلا اعادة
عليه. والأول هو الصحيح لأن هذا قول من يقول ان الذكر في التشهد ليس بواجب. انتهى.
ونحوه كلامه في الخلاف ايضا. وهذا القول الذي نقله الشيخ عن بعض أصحابنا أسنده في
المختلف الى ابن الجنيد واليه ذهب المحقق في المعتبر والعلامة في التحرير والمختلف
وجعله المحقق أحد قولي الشيخ ونسبه في المنتهى الى الشيخ في التهذيب ، وفيه تأمل
كما سيأتي
وقال ابن إدريس في السرائر : من صلى الظهر اربع ركعات
وجلس في دبر الرابعة فتشهد الشهادتين وصلى على النبي وآله (صلىاللهعليهوآله) ثم قام ساهيا
عن التسليم وصلى ركعة خامسة ، فعلى مذهب من أوجب التسليم فالصلاة باطلة ، وعلى
مذهب من لم يوجبه فالأولى ان يقال ان الصلاة صحيحة لأنه ما زاد في صلاته ركعة لأنه
بقيامه خرج من صلاته. والى هذا القول ذهب شيخنا أبو جعفر في استبصاره ونعم ما قال.
انتهى كلامه.
واستدل على القول المشهور بما رواه الشيخ في الحسن عن
زرارة وبكير ابني أعين عن ابى جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
استيقن انه زاد في صلاته
__________________
(1) الوسائل الباب 19 من الخلل في الصلاة. والشيخ يرويها عن
الكليني.
المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته
استقبالا.».
وعن ابى بصير (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) من زاد في
صلاته فعليه الإعادة».
أقول : ونحوهما ما رواه الشيخ في التهذيب عن زيد الشحام (2) قال : «سألته
عن الرجل صلى العصر ست ركعات أو خمس ركعات؟ قال ان استيقن انه صلى خمسا أو ستا
فليعد. الحديث».
احتج المحقق في المعتبر على ما ذهب إليه بأن نسيان
التشهد غير مبطل فإذا جلس قدر التشهد فقد فصل بين الفرض والزيادة.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن رجل صلى خمسا؟ فقال ان كان جلس في الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته».
وعن محمد بن مسلم (4) قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن رجل
استيقن بعد ما صلى الظهر انه صلى خمسا؟ قال وكيف استيقن؟ قلت علم. قال ان كان علم
انه جلس في الرابعة فصلاة الظهر تامة وليقم فليضف إلى الركعة الخامسة ركعة وسجدتين
فتكونان ركعتين نافلة ولا شيء عليه».
أقول : ويدل عليه ايضا ما رواه الصدوق في الصحيح عن جميل
بن دراج عن الصادق (عليهالسلام) (5) «انه قال في
رجل صلى خمسا انه ان كان جلس في الرابعة مقدار التشهد فعبادته جائزة».
وعن العلاء عن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (6) قال : «سألته
عن رجل صلى الظهر خمسا؟ فقال ان كان لا يدرى جلس في الرابعة أم لم يجلس فليجعل
اربع ركعات منها الظهر ويجلس ويتشهد ثم يصلى وهو جالس ركعتين واربع سجدات فيضيفهما
إلى الخامسة فتكون نافلة».
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 19 من الخلل في الصلاة.
ولا يخفى ما في مضمون هذا الخبر من المخالفة لما عليه
الأصحاب (أما أولا) فإن ظاهر الرواية ان الشك في الجلوس وعدمه حكمه حكم الجلوس
المحقق في صحة الصلاة على القول به ، ولا قائل به في ما أعلم إلا انه ربما كان في
إيراد الصدوق هذه الرواية إشعار بالقول بذلك بناء على قاعدته التي مهدها في صدر
كتابه ، وفيه تأمل كما لا يخفى على من راجع كتابه وعلم خروجه عن هذه القاعدة في
مواضع عديدة.
و (اما ثانيا) ـ فإنه إذا جعل اربع ركعات من هذه الخمس
للظهر فهذا التشهد المذكور في الخبر اما ان يكون للفريضة أو النافلة ، فإن كان
للفريضة فهو لا يكون إلا على جهة القضاء لوقوعه بعد الركعة الزائدة ، مع ان التشهد
الأول مشكوك فيه والتشهد المشكوك فيه لا يقضى بعد تجاوز محله لأنه في الخبر انه لا
يدرى جلس بعد الرابعة أم لا فهو اما شك في التشهد أو في ما قام مقامه وهو الجلوس
قدر التشهد ، وان كان للنافلة فالأنسب ذكره بعد الركعتين من جلوس ، واحتمال كونه
تشهدا لهذه الركعة الزائدة التي جعلها نفلا على قياس صلاة الاحتياط إذا كانت ركعة
من قيام لا يخلو من الإشكال.
ثم انه قد أورد على الحجة الأولى بأن تحقق الفصل بالجلوس
لا يقتضي عدم وقوع الزيادة في أثناء الصلاة. وعلى الروايات بان الظاهر ان المراد
فيها من الجلوس بقدر التشهد التشهد بالفعل لشيوع هذا الإطلاق وندور تحقق جلوس بقدر
التشهد من دون الإتيان به. كذا ذكره في المدارك قال : وبذلك صرح الشيخ في
الاستبصار فقال ـ بعد ذكر خبري زرارة ومحمد بن مسلم الأول ـ ان هذين الخبرين لا
ينافيان الخبرين الأولين يعني روايتي أبي بصير وابني أعين ، لأن من جلس في الرابعة
وتشهد ثم قام وصلى ركعة لم يخل بركن من أركان الصلاة وإنما أخل بالتسليم والإخلال
بالتسليم لا يوجب إعادة الصلاة حسبما قدمناه. وقريب منه في التهذيب ايضا. واستحسن
هذا الحمل في الذكرى ، قال : ويكون في هذه الأخبار دلالة على ندب التسليم.
أقول : ومما يدل على ما ذكروه من ارادة التجوز في
الأخبار المذكورة بحمل
الجلوس بقدر التشهد على وقوع التشهد
بالفعل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج البجليّ (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الامام وهي له الأولى كيف يصنع إذا جلس الامام؟
قال يتجافى ولا يتمكن من القعود فإذا كانت الثالثة للإمام وهي له الثانية فليلبث
قليلا إذا قام الامام بقدر ما يتشهد ثم يلحق بالإمام. الحديث». فإنه لا إشكال في
ان المراد من هذه العبارة ان اللبث وقع للتشهد بالفعل لا بقدره. وهذه الرواية هي
مستند الأصحاب في إيجاب التشهد على المسبوق. ونحو ذلك ايضا ما في موثقة سماعة
الواردة في من كان في الصلاة منفردا ثم دخل الامام المسجد (2) حيث قال (عليهالسلام) فيها : «وان
لم يكن امام عدل فليبن على صلاته كما هو ويصلى ركعة أخرى معه ويجلس قدر ما يقول «اشهد
ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلىاللهعليهوآله» ثم ليتم
صلاته معه على ما استطاع. الحديث».
وأجاب جملة من الأصحاب : منهم ـ الشيخ في الخلاف عن
الأخبار المذكورة بحملها على التقية لموافقتها لمذهب كثير من العامة مثل أبي حنيفة
وغيره (3) قال الشيخ في
الخلاف في المقام : وإنما يعتبر الجلوس بمقدار التشهد أبو حنيفة بناء على ان الذكر
في التشهد ليس بواجب عنده.
أقول : ومن رواياتهم في المسألة ما رواه مسلم في صحيحة (4) عن عبد الله
ابن مسعود «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) صلى الظهر
خمسا فلما سلم قيل له أزيد في الصلاة؟ فقال وما ذاك؟ قالوا صليت خمسا. فسجد سجدتين».
وقال في شرح السنة على ما نقله في البحار : أكثر أهل
العلم على انه إذا صلى خمسا ساهيا فصلاته صحيحة يسجد للسهو وهو قول علقمة والحسن
البصري وعطاء
__________________
(1) الوسائل الباب 47 من الجماعة.
(2) الوسائل الباب 56 من الجماعة. ارجع الى استدراكات ج 8 (33).
(3) بدائع الصنائع ج 1 ص 178.
(4) ج 2 باب السهو في الصلاة.
والنخعي وبه قال الزهري ومالك
والأوزاعي والشافعي واحمد وإسحاق ، وقال سفيان الثوري ان لم يكن قعد في الرابعة
يعيد الصلاة. وقال أبو حنيفة ان لم يكن قعد في الرابعة فصلاته فاسدة يجب إعادتها
وان قعد في الرابعة تم ظهره والخامسة تطوع يضيف إليها ركعة أخرى ثم يتشهد ويسلم
ويسجد للسهو (1) انتهى.
ولا ريب أن الأخبار الدالة على البطلان أبعد من مذاهب
العامة في هذه المسألة والأخبار الأخيرة موافقة لقول أبي حنيفة.
وبالجملة فإنه لا مناص من أحد الحملين المذكورين وظني ان
الأول أقرب لما عرفت من شيوع هذا المجاز في الأخبار ، وبذلك يظهر لك اجتماع
الأخبار على وجه لا يعتريه الإنكار ، وبذلك يظهر صحة القول المشهور وانه المؤيد
المنصور سيما مع أوفقيته بالاحتياط.
نعم يبقى الكلام هنا في مواضع (الأول) ـ قد روى الشيخ في
الضعيف عن زيد بن على عن آبائه عن على (عليهمالسلام) (2) قال : «صلى
بنا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الظهر خمس
ركعات ثم انفتل فقال له بعض القوم يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) هل زيد في
الصلاة شيء؟ قال وما ذاك؟ قال صليت بنا خمس ركعات. قال فاستقبل القبلة وكبر وهو
جالس ثم سجد سجدتين ليس فيهما قراءة ولا ركوع ثم سلم وكان يقول هما المرغمتان». وهو
ضعيف لا يعول عليه وشاذ نادر من جهات عديدة فلا يلتفت اليه ، وحمل على انه (صلىاللهعليهوآله) تشهد ثم قام
إلى الخامسة. والأظهر عندي حمله على التقية فإن مذهب العامة صحة الصلاة مع زيادة
الخامسة سهوا جلس بعد الرابعة أو لم يجلس (3) وقد تقدمت روايتهم ذلك عنه (صلىاللهعليهوآله) ومن رواياتهم
في ذلك ايضا ما رووه عن ابن مسعود (4)
__________________
(1 و 3) شرح صحيح مسلم للنووي على هامش إرشاد الساري ج 3 ص
235.
(2) الوسائل الباب 19 من الخلل في الصلاة.
(4) صحيح مسلم ج 2 باب السهو في الصلاة.
«ان النبي (صلىاللهعليهوآله) صلى بنا خمسا
فلما أخبرناه انفتل فسجد سجدتين ثم سلم وقال إنما أنا بشر مثلكم انسى كما تنسون». نقله
شيخنا الشهيد في الذكرى ثم قال بعده : وهذا الحديث لم يثبت عندنا مع منافاته
للقواعد العقلية. انتهى.
(الثاني) ـ لو ذكر الزيادة بعد السجود والحال انه قد جلس
بعد الرابعة قدر التشهد أو تشهد بالفعل على القولين المتقدمين فالأولى ان يضيف إلى
الخامسة ركعة لتكون معها نافلة كما تضمنه خبر محمد بن مسلم المتقدم ، ونحوه صحيحته
المتقدمة أيضا وان كان متنها لا يخلو من قصور كما عرفت. ونقل عن العلامة انه احتمل
التسليم وسجود السهو. وصرح في الروض بأنه يتشهد ويسجد للسهو ، وهو راجع الى كلام
العلامة أيضا ، والنصوص كما ترى خالية من ذلك.
(الثالث) ـ لو ذكر الزيادة قبل الركوع فلا إشكال في
الصحة لأنه لم يزد إلا القيام وغاية ما يوجبه سجود السهو ، ولو ذكر بعد الركوع
وقبل السجود فنقل عن العلامة القول بالإبطال ، قال : لأنا ان أمرناه بالسجود زاد
ركنا آخر في الصلاة وان لم نأمره زاد ركنا غير متعبد به بخلاف الركعة الواحدة
لإمكان البناء عليها نفلا. وقيل بأن حكمه حكم ما لو ذكر بعد السجود فيبني صحة الصلاة
على الجلوس بعد الرابعة بقدر التشهد أو التشهد بالفعل على القولين المتقدمين
والبطلان مع عدم ذلك وهو اختيار الشهيد في الذكرى.
(الرابع) ـ هل ينسحب الحكم إلى زيادة أكثر من ركعة والى
غير الرباعية من الثلاثية والثنائية إذا جلس آخرها بقدر التشهد على أحد القولين؟
قال في الروض : وجهان من المساواة في العلة ومخالفة المنصوص الثابت على خلاف
الأصل. واختار في الذكرى التعدية فيهما. وأطلق جماعة من الأصحاب البطلان بالزيادة
مطلقا لعموم قول الباقر (عليهالسلام) (1) «إذا استيقن
انه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته».
__________________
(1) في حسنة زرارة وبكير الواردة ص 113 وفي الوسائل الباب 19
من الخلل في الصلاة.
أقول : الظاهر انه لا إشكال على ما اخترناه من وقوع
التشهد بالفعل في آخر الفريضة بناء على القول باستحباب التسليم أو كونه واجبا
خارجا ، فان هذه الزيادة بناء على القولين المذكورين قد وقعت خارجة من الصلاة ،
واما على القول بوجوب التسليم ودخوله فإنه لا إشكال في بطلان الصلاة لكن هذه
الأخبار باعتبار حملها على وقوع التشهد بالفعل كما كشفنا عنه نقاب الإجمال تدفع
هذا القول وترده ، وإنما الإشكال في ما لو قلنا بالاكتفاء بمجرد الجلوس قدر التشهد
بناء على الأخذ بظاهر الأخبار المتقدمة ، فإنها حيث كانت واردة على خلاف القواعد
الشرعية والضوابط المرعية فالواجب قصرها على مورد المخالفة وهو الركعة الواحدة في
الصلاة الرباعية والعمل بالقواعد المذكورة في ما عدا ذلك. والله العالم.
المسألة الثالثة ـ ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) من
غير خلاف يعرف بطلان الصلاة بزيادة ركن عمدا أو سهوا إلا ما استثنى مما يأتي بيانه
ان شاء الله تعالى.
واحتجوا على ذلك (أولا) ـ باشتراك الزيادة والنقيصة في
تغيير هيئة الصلاة. و (ثانيا) ـ بما قدمناه (1) في سابق هذه المسألة من حسنة زرارة
وبكير المشتملة على ان من استيقن انه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل
الصلاة ، ورواية أبي بصير الدالة على ان من زاد في صلاته فعليه الإعادة.
وأنت خبير بان التعليل الأول عليل لا يبرد الغليل ، واما
الخبران المذكوران فظاهرهما حصول البطلان بكل زيادة ركنا كان أو غيره عمدا أو سهوا
، ولا قائل به مع دلالة الأخبار على خلافه. وحملهما على الركن بخصوصه ـ مع خروج
جملة من الافراد ومشاركة جملة من الواجبات المزادة عمدا ـ تخصيص بغير مخصص ، على
ان ما ذكروه من التسمية لهذه الواجبات المخصوصة بكونها أركانا ثم تفريع ما ذكروه
من الأحكام على هذه التسمية يخدشه ان هذا الاسم لا وجود له في الأخبار وإنما ذلك
اصطلاح منهم (رضوان الله عليهم) وإلا فبالنظر الى الأخبار بعين
__________________
(1) ص 113 و 118.
التحقيق والتأمل بالفهم الصائب الدقيق
لا تجد فرقا بين سائر الواجبات وبين هذه الواجبات التي سموها أركانا في أن زيادتها
أو نقصانها في بعض المواضع قد يكون موجبا لبطلان الصلاة وقد لا يكون ، وحينئذ
فالواجب الرجوع في كل جزئي جزئي وفرد فرد من الأحكام الى النصوص وما دلت عليه من
صحة أو إبطال في ركن كان أو واجب ، ولا وجه لهذه الكلية التي زعموها قاعدة ثم
استثنوا منها ما ستعرفه ولقائل ان يجرى مثل ذلك في مطلق الواجب ايضا ويجعل ما دلت
النصوص على صحة الصلاة مع زيادته أو نقصانه عمدا أو سهوا مستثنى.
وبالجملة ما ذكروه من هذه القاعدة فإني لا اعرف له وجها
وجيها لما عرفت مضافا الى اختلافهم في بعض تلك الأركان كما سلف في الفصول المتقدمة
كاختلافهم في الركن القيامي والركن السجودى.
ثم ان الأصحاب (رضوان الله عليهم) بناء على ما ذكروه من
هذه القاعدة استثنوا من ذلك مواضع أشار إليها شيخنا الشهيد الثاني في الروض :
فمن المستثنى من قاعدة البطلان بزيادة الركن عمدا النية
فإن زيادتها غير مبطلة مع عدم التلفظ بها لأن الاستدامة الفعلية أقوى من الحكمية.
ومما يستثني أيضا من بطلان الصلاة بالسهو عن الركن مواضع
(الأول) النية أيضا فإن زيادتها سهوا غير مبطلة بطريق أولى.
أقول : وعد النية في هذين الموضعين بناء على النية
المتعارفة في كلامهم التي هي عبارة عن التصوير الفكري والكلام النفسي ، واما على
ما قدمنا تحقيقه فلا معنى لهذا الكلام.
(الثاني) ـ القيام ان قلنا انه ركن كيف اتفق كما هو أحد
الأقوال في المسألة وهو اختيار العلامة ولذا صرح بالاستثناء كما تقدم ذلك في فصل
القيام ، واما على مذهب من يجعله قياما خاصا كالقيام المقارن للركوع مثلا فلا
استثناء.
(الثالث) ـ الركوع كما سيأتي ان شاء الله تعالى في باب
صلاة الجماعة الحكم
بوجوب إعادة المأموم له لو سبق به
الامام ساهيا فإنه يعيده مع الامام ، ونحوه ما تقدم في ما لو استدركه الشاك فيه ثم
تبين له حال ركوعه انه قد اتى به فإنه يرسل نفسه الى السجود على أحد القولين ولا
يضره ما اتى به.
(الرابع) ـ السجود إذا زاد سجدة وجعلنا الركن عبارة عن
ماهية السجود كما هو اختياره في الذكرى ، وان جعلنا الركن مجموع السجدتين كان عدم
البطلان بنسيان الواحدة موجبا للاستثناء من قاعدة البطلان بنقصان الركن بناء على
ان المجموع يفوت بفوات بعض اجزائه.
(الخامس) ـ لو تبين للمحتاط ان صلاته كانت ناقصة وان
الاحتياط متمم لها فإنه يجزئه وان كان الذكر بعد الفراغ أو قبله على قول كما سيأتي
ان شاء الله تعالى في موضع تحقيق المسألة ، ويكون ما اتى به من الأركان من النية
وتكبيرة الإحرام مغتفرا. وربما نوقش في ذلك بان جعله من هذا الباب انما يستقيم إذا
لم يجعل الاحتياط صلاة برأسها وهو موضع تأمل ، وسيأتي تحقيق الحال في ذلك ان شاء
الله تعالى.
(السادس) ـ لو زاد ركعة سهوا آخر الفريضة وقد جلس آخرها
بقدر التشهد فان صلاته صحيحة على أحد القولين وان اشتملت على الأركان ، وقد مضى
تحقيق المسألة.
(السابع) ـ لو أتم المسافر جاهلا بوجوب القصر اتفاقا أو
ناسيا ولم يذكر حتى خرج الوقت على أصح القولين فان صلاته صحيحة والزيادة مغتفرة
بالنصوص.
(الثامن) ـ لو كان في الكسوف وتضيق وقت الحاضرة قطعها
واتى بالحاضرة ثم بنى في صلاة الكسوف على موضع القطع على أصح القولين في المسألة. وفي
جعل هذه الصورة من قبيل محل البحث تأمل وان كان قد عدها في الروض في هذا المقام ،
فان محل البحث هو زيادة ركن أو نقصانه من الصلاة وهنا ليس كذلك فإن صلاة الكسوف
المقطوعة أجنبية عن الصلاة اليومية والإتيان بالصلاة اليومية
في أثنائها لا يعد من قبيل زيادة
الركن في صلاة الخسوف ولا مناسبة له بذلك كما لا يخفى
(التاسع) ـ لو سلم على نقص من صلاته ساهيا أو ظن انه سلم
ثم شرع في فريضة أخرى ولما يأت بينهما بالمنافي ، فإن المروي عن صاحب الزمان (عجل
الله فرجه) إتمام الصلاة الأولى بما شرع فيه من الصلاة الثانية واغتفار ما زيد من
تكبيرة الإحرام :
روى الطبرسي في الاحتجاج (1) في ما كتبه
عبد الله بن جعفر الحميري إليه (عليهالسلام) «يسأله عن
رجل صلى الظهر ودخل في صلاة العصر فلما ان صلى من صلاته العصر ركعتين استيقن انه
صلى الظهر ركعتين كيف يصنع؟ فأجاب (عليهالسلام) ان كان أحدث
بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين ، وان لم يكن أحدث حادثة جعل
الركعتين الأخيرتين تتمة لصلاة الظهر وصلى العصر بعد ذلك». والظاهر ان المراد
بالحادثة ما يقطع الصلاة عمدا وسهوا كالحدث والاستدبار لا ما يقطعها عمدا كالكلام
فإنه في حكم الناسي.
وظاهر الأخبار وفتاوى الأصحاب في هذه الصورة هو العدول
عن العصر الى صلاة الظهر وانه ينوي بما مضى من الصلاة الظهر ويتم الصلاة ظهرا فلا
زيادة على هذا التقدير ، واما على تقدير ظاهر الخبر فإنه يلزم زيادة الركعتين
الأوليين بجميع ما اشتملتا عليه من الأركان. والى العمل بمضمون الرواية مال جمع من
الأصحاب (رضوان الله عليهم). وقيل انه تبطل الثانية ويعود إلى الأولى فيتمها. وقيل
تبطل الاولى وتصح الثانية.
قال العلامة في النهاية ولو نقص من عدد صلاته ناسيا وسلم
ثم ذكر تدارك إكمال صلاته وسجد للسهو سواء فعل ما يبطلها عمدا كالكلام أو لا ، اما
لو فعل المبطل عمدا وسهوا كالحدث والاستدبار إن ألحقناه به فإنها تبطل ، لعدم
إمكان الإتيان بالفائت
__________________
(1) الوسائل الباب 12 من الخلل في الصلاة.
من غير خلل في هيئة الصلاة ، ولقول
أحدهما (عليهماالسلام) (1) «إذا حول وجهه
عن القبلة استقبل الصلاة استقبالا». ولو فعل المبطل عمدا ساهيا وتطاول الفصل
فالأقرب عدم البطلان ، ويحتمل لخروجه عن كونه مصليا فحينئذ يرجع في حد التطاول الى
العرف. ولو ذكر بعد ان شرع في أخرى وتطاول الفصل صحت صلاته الثانية وبطلت الأولى
وان لم يطل عاد إلى الأولى وأتمها ، وهل يبني الثانية على الاولى؟ فيه احتمال
فيجعل ما فعله من الثانية تمام الاولى ويكون وجود التسليم كعدمه لانه سهو معذور
فيه والنية والتكبيرة ليستا ركنا في تلك الصلاة فلا تبطلها ، ويحتمل بطلان الثانية
لأنها لم تقع بنية الاولى فلا تصير بعد عدمه منها. ولو كان ما شرع فيه ثانيا نفلا
فالأقرب عدم البناء لانه لا يتأدى الفرض بنية النفل. انتهى.
وقال شيخنا الشهيد في قواعده : لو ظن انه سلم فنوى فريضة
أخرى ثم ذكر نقص الأولى فالمروي عن صاحب الأمر (عجل الله فرجه) الاجزاء عن الفريضة
الاولى ، والسر فيه ان صحة التحريم بالثانية موقوف على التسليم من الاولى في موضعه
أو الخروج منها ولم يحصلا فجرت التحريمة مجرى الأذكار المطلقة التي لا تخل بصحة
الصلاة ، ونية الوجوب في الثانية لغو لعدم مصادفته محلا. وحينئذ هل تجب نية العدول
إلى الأولى ، الأقرب عدمه لعدم انعقاد الثانية فهو بعد في الأولى ، نعم يجب القصد
إلى انه في الأولى من حين الذكر. انتهى.
وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروض في عداد ما يستثني من
القاعدة المتقدمة : السادس ـ لو سلم على بعض من صلاته ثم شرع في فريضة أو ظن انه
سلم فشرع في فريضة أخرى ولما يأت بينهما بالمنافي فإن المروي عن صاحب الأمر (عليهالسلام) الاجزاء عن
الفريضة الأولى واغتفار ما زيد من تكبيرة الإحرام ، وهل
__________________
(1) في صحيحة محمد بن مسلم الواردة في الوسائل في الباب 6 من
الخلل في الصلاة ، وقد تقدمت ص 29 رقم (9) وخرجناها من الوافي والتهذيب ولم نخرجها
من الوسائل حيث لم نعثر عليها في الأبواب المناسبة لها بالعنوان العام.
يفتقر الى العدول إلى الأولى؟ يحتمله
لأنه في غيرها وان كان سهوا كما لو صلى العصر ظانا انه صلى الظهر ثم تبين العدم في
الأثناء ، وعدمه وهو الأصح لعدم انعقاد الثانية لأن صحة التحريم بالثانية موقوف
على التسليم من الأولى في موضعه أو الخروج بغيره ولم يحصلا. نعم ينبغي ملاحظة كونه
في الاولى من حين الذكر بناء على تفسير الاستدامة الحكمية بأمر وجودي ، وعلى
التفسير الأصح يكفي في الأفعال الباقية عدم إيقاعها بنية الثانية. انتهى.
أقول : ظاهر كلام الشيخين الشهيدين (عطر الله مرقديهما)
القول بمضمون الخبر لما وجهناه به ، ولا يخفى ان مورد الخبر المذكور هو من صلى
الظهر ركعتين ثم ذكر بعد ان صلى من العصر ركعتين فأمره (عليهالسلام) بان يجعل
الركعتين الباقيتين من العصر للظهر ويتمها بهما ويكون ما اتى به من الركعتين
الأوليين للعصر الواقعتين في البين مغتفرا غير مضر مع اشتمالهما على تكبيرة
الإحرام والركوع والسجود ، فتخصيص الاغتفار بتكبيرة الإحرام في كلامهم خاصة لا
اعرف له وجها ، وكأنهم بنوا على ان الإتمام وقع بالركعتين الأوليين أو ان الحكم
شامل لهما.
والتحقيق ان الرواية المذكورة جارية على خلاف مقتضى
الأصول الشرعية لما أشرنا إليه آنفا ، فان مقتضى الأخبار وكلام الأصحاب انه لا فرق
بين الإتيان بالظهر على وجه باطل وتركها بالكلية في انه متى ذكر بعد التلبس بصلاة
العصر فإنه يعدل إليها بنيته وينوي الظهر حين الذكر ، وما تقدم من الفريضة ينصرف
بهذه النية إلى الظهر ايضا كما في ناوي الصوم قبل الظهر أو بعده. وما ذكراه (نور
الله ضريحهما) من التعليلات لبطلان الثانية في هذه الصورة يجري أيضا في صورة عدم
الإتيان بالأولى بالكلية ، فإن صحة التحريم بالثانية ان أريد به باعتبار الواقع
ونفس الأمر فكما انه موقوف على التسليم من الاولى في محله كذلك موقوف على الإتيان
بالأولى ، وان أريد باعتبار نظر المكلف فكذلك أيضا إذ لا يجوز له الإتيان بالثانية
ما لم يأت بالأولى. وبالجملة فإنه لا فرق عندي بين الأمرين فالواجب حينئذ
الاقتصار في العمل بالرواية على
موردها وهو من صلى الظهر ركعتين وذكر بعد ان صلى من العصر ركعتين فإنه ينوي بهاتين
الركعتين الباقيتين من العصر الظهر ويتمها بهما ويغتفر له ما تقدم من الزيادات على
اشكال في ذلك ايضا ، والاحتياط بالإعادة بعد ذلك طريق السلامة. والله العالم.
(المسألة الرابعة) ـ لو نقص المصلى من صلاته ركعة فما
زاد فلا يخلو اما ان يذكر بعد التسليم وقبل فعل المنافي أو بعد فعله ، وعلى الثاني
فاما أن يكون ذلك المنافي مما يبطل الصلاة عمدا لا سهوا كالكلام أو مما يبطلها
مطلقا كالحدث ونحوه مما تقدم ، فههنا صور ثلاث :
(الاولى) ـ ان يذكر النقصان بعد تسليمه وقبل فعل المنافي
مطلقا ، والظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في وجوب إتمام الصلاة بدون اعادة تمسكا
بالأصل السالم من المعارض وبجملة من الأخبار الصريحة في المقام :
ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحارث بن المغيرة
النصري (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) انا صلينا
المغرب فسها الامام فسلم في الركعتين فأعدنا الصلاة؟ فقال ولم أعدتم أليس قد انصرف
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في ركعتين
فأتم بركعتين ألا أتممتم؟».
وعن على بن النعمان الرازي في الصحيح (2) قال : «كنت مع
أصحابي في سفر وانا إمامهم فصليت بهم المغرب فسلمت في الركعتين الأولتين فقال
أصحابي إنما صليت بنا ركعتين فكلمتهم وكلموني فقالوا اما نحن فنعيد فقلت لكني لا
أعيد وأتم بركعة فأتممت بركعة ثم سرنا فانيت أبا عبد الله (عليهالسلام) فذكرت له
الذي كان من أمرنا فقال لي أنت كنت أصوب منهم فعلا انما يعيد من لا يدرى ما صلى». ورواه
الصدوق في الفقيه في الصحيح عن على بن النعمان (3).
وما رواه في التهذيب والكافي عن ابى بكر الحضرمي في
الحسن (4) قال :
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة.
«صليت بأصحابي المغرب فلما ان صليت
ركعتين سلمت فقال بعضهم انما صليت ركعتين فأعدت فأخبرت أبا عبد الله (عليهالسلام) فقال لعلك
أعدت فقلت نعم فضحك ثم قال إنما يجزئك ان تقوم وتركع ركعة». وزاد في التهذيب (1) «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) سها فسلم في
ركعتين ، ثم ذكر حديث ذي الشمالين فقال ثم قام فأضاف إليها ركعتين».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي
ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثم ذكر انه لم يركع؟ قال يقوم فيركع ويسجد سجدتين». وأوردها
الشيخ في موضع آخر بتغيير في السند (3) وفيها «ويسجد سجدتي السهو».
وفي الحسن عن الحسين بن ابى العلاء عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «قلت
أجيء الى الامام وقد سبقني بركعة في الفجر فلما سلم وقع في قلبي انى قد أتممت فلم
أزل اذكر الله تعالى حتى طلعت الشمس فلما طلعت الشمس نهضت فذكرت ان الامام قد
سبقني بركعة؟ قال فان كنت في مقامك فأتم بركعة وان كنت قد انصرفت فعليك الإعادة».
وفي الموثق عن عمار الساباطي (5) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل صلى
ثلاث ركعات وهو يظن انها اربع فلما سلم ذكر انها ثلاث؟ قال يبنى على صلاته متى ما
ذكر ويصلى ركعة ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو وقد جازت صلاته».
قال المحدث الكاشاني في الوافي ـ بعد ذكر الأخبار
المتضمنة لإعادة الصلاة مثل صحيحتي على بن النعمان الرازي والحارث بن المغيرة
ورواية أبي بكر الحضرمي ـ ما صورته. المستفاد من هذه الأخبار صحة إعادة الصلاة
أيضا في مواضع السهو
__________________
(1 و 2 و 5) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة.
(3) الوسائل الباب 11 من الركوع.
(4) الوسائل الباب 6 من الخلل في الصلاة.
والنسيان وان الجبران والإتمام رخصة
وتسهيل وان الله تعالى يحب أن يؤخذ برخصه. انتهى.
أقول : لا يخفى ان ظاهر كلامه ان الحكم الشرعي بالنسبة
إلى العالم بالمسألة وان من ترك ركعة ساهيا فإنه يأتي بها ما لم يتخلل أحد
المبطلات انما هو الإعادة من رأس وان الإتمام بالإتيان بتلك الركعة انما هو رخصة.
والظاهر بعده والإعادة في هذه الأخبار انما وقعت من حيث الجهل بحكم المسألة وإلا
فحكمها انما هو الإتمام بما نقصه ، وهذا هو الحكم الشرعي فيها لا انه رخصة ، ولكن
أولئك لجهلهم بحكم المسألة لم يجدوا بدا من الإعادة من رأس ولهذا ان الامام أنكر عليهم
الإعادة ، فقال في الخبر الأول «ولم أعدتم؟» ونحوه في الخبرين الآخرين ، غاية
الأمر انه مع إعادة الصلاة من رأس وإبطال الأولى لا يمكن الحكم ببطلان ما اتى به
من الصلاة المعادة. على انك قد عرفت مما تقدم في غير موضع سيما في مقدمات كتاب
الطهارة انه مع الجهل بالحكم الشرعي فالواجب في العمل هو الأخذ بالاحتياط وهو
يتأتى بالإعادة البتة كما لا يخفى ، وانما يبقى الكلام في إبطاله الاولى وتركه
الإتمام لها وهذا مغتفر له لموضع الجهل. واما قوله (عليهالسلام) في صحيحة على
بن النعمان : «أنت كنت أصوب منهم فعلا» فهو محمول على ان أفعل التفضيل بمعنى أصل
الفعل كما هو شائع في الكلام فلا يدل على ان ما فعلوه كان صوابا إلا ان يخص من حيث
الجهل كما أشرنا اليه. وبالجملة فإن مظهر الخلاف بين ما ذكرناه وبين ما ذكره انما
هو في المتعمد العالم بان الحكم هو الإتمام هل يسوغ له ترك الإتمام والانتقال إلى
الإعادة أم لا؟ ومقتضى كلامه المذكور الأول ومقتضى ما ذكرناه هو الثاني لأن غاية
ما دلت عليه الأخبار المذكورة وقوع الإعادة جهلا.
الثانية ـ ان يذكر النقصان بعد فعل المنافي عمدا لا سهوا
كالكلام ، والمشهور عدم وجوب الإعادة ، وقال الشيخ في النهاية تجب عليه الإعادة
وهو منقول عن ابى الصلاح الحلبي ، ونقل في المبسوط قولا عن بعض أصحابنا بوجوب
الإعادة في
غير الرباعية ، والمختار هو القول
المشهور. وقد مر تحقيق المسألة في المسألة السادسة من المسائل الملحقة بالمقام
الثاني من المطلب الأول (1).
الثالثة ـ ان يذكر النقصان بعد فعل المنافي عمدا وسهوا كالحدث
والفعل الكثير الذي تنمحي به صورة الصلاة ، والمشهور الابطال ووجوب الإعادة ، وقال
ابن بابويه في المقنع على ما نقله غير واحد من أصحابنا : ان صليت ركعتين من
الفريضة ثم قمت فذهبت في حاجة لك فأضف إلى صلاتك ما نقص ولو بلغت الصين ، ولا تعد
الصلاة فان إعادة الصلاة في هذه المسألة مذهب يونس بن عبد الرحمن.
والذي يدل على المشهور ما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل صلى
ركعتين ثم قام. قال يستقبل. قلت فما يروى الناس.؟ فذكر له حديث ذي الشمالين فقال
ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لم يبرح من
مكانه ولو برح استقبل».
وعن ابى بصير في الموثق (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل صلى
ركعتين ثم قام فذهب في حاجته؟ قال يستقبل الصلاة. قلت فما بال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لم يستقبل حين
صلى ركعتين؟ فقال ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لم ينفتل من
موضعه».
وعن سماعة في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (4) في حديث قال :
«قلت أرأيت من صلى ركعتين فظن انها اربع فسلم وانصرف ثم ذكر بعد ما ذهب انه انما
صلى ركعتين؟ قال يستقبل الصلاة من أولها. قال قلت فما بال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لم يستقبل
الصلاة وانما تم بهم ما بقي من صلاته؟ فقال ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لم يبرح من
مجلسه ، فان كان لم يبرح من مجلسه فليتم ما نقص من صلاته إذا كان قد حفظ الركعتين
الأولتين».
__________________
(1) ص 23.
(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة.
وعن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) (1) قال : «سئل عن
رجل دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه بركعة فلما فرغ الامام خرج مع الناس ثم ذكر
انه قد فاتته ركعة؟ قال يعيد ركعة واحدة يجوز له ذلك إذا لم يحول وجهه عن القبلة
فإذا حول وجهه عن القبلة فعليه ان يستقبل الصلاة استقبالا». وروى هذه الرواية في
الفقيه عن محمد بن مسلم (2) الى قوله «ركعة
واحدة».
ويعضد هذه الأخبار ما تقدم من الأخبار الدالة على قواطع
الصلاة وبطلانها بالحدث ونحوه.
وقال شيخنا الشهيد في الذكرى : وعد الكليني من مبطلات
الصلاة عمدا وسهوا الانصراف عن الصلاة بكليته قبل أن يتمها. وهو مشعر بموافقة
القول المشهور فنسبة الصدوق في المقنع هذا القول الى يونس بن عبد الرحمن خاصة
مؤذنا بشذوذه ليس في محله مع انا لم نقف على موافق له في ما ذهب اليه لا من المتقدمين
ولا من المتأخرين ، نعم يدل عليه جملة من الأخبار :
منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن رجل صلى بالكوفة ركعتين ثم ذكر وهو بمكة أو بالمدينة أو بالبصرة أو ببلدة من
البلدان انه لمن يصل ركعتين؟ قال يصلى ركعتين».
وأجاب عنها الشيخ تارة بالحمل على صورة الظن دون اليقين
وتارة بالحمل على النافلة دون الفريضة. وبعدهما ظاهر.
ومنها ـ ما رواه الشيخ عن محمد ـ وهو ابن مسلم ـ في
الصحيح عن ابى جعفر (عليهالسلام) ورواه الصدوق
في الفقيه ايضا عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) (4) قال : سئل عن
رجل دخل مع الإمام في صلاته. الحديث المتقدم الى قوله :
__________________
(1) الوسائل الباب 6 من الخلل في الصلاة وقد تقدمت ص 29 برقم (9)
وص 123 برقم (1).
(2 و 3) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة.
(4) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة رقم 1 و 12.
«ركعة واحدة». بدون الزيادة.
وما رواه في الفقيه عن عبيد بن زرارة في الصحيح (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل صلى
ركعة من الغداة ثم انصرف وخرج في حوائجه ثم ذكر انه صلى ركعة؟ قال فليتم ما بقي».
وعن عبيد بن زرارة في الموثق بعبد الله بن بكير (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يصلى الغداة ركعة ويتشهد ثم ينصرف ويذهب ويجيء ثم يذكر بعد انه انما صلى ركعة؟
قال يضيف إليها ركعة».
ونقل عن الشيخ انه حمل هذه الأخبار على ما إذا لم يحصل
الاستدبار. ولا يخفى ما فيه.
وما رواه الشيخ في الموثق عن عمار (3) في جملة حديث
قال فيه «والرجل يذكر بعد ما قام وتكلم ومضى في حوائجه انه انما صلى ركعتين في
الظهر والعصر والعتمة والمغرب؟ قال يبنى في صلاته فيتمها ولو بلغ الصين ولا يعيد
الصلاة». ورواه ابن بابويه ايضا (4) بتفاوت في المتن.
وجمع في المدارك بين هذه الأخبار بحمل هذه الأخبار على
الجواز وما تضمن الاستئناف على الاستحباب. واقتفاه في هذا الحمل جملة ممن تأخر عنه
من الأصحاب واحتمل جملة من المتأخرين : منهم ـ شيخنا المجلسي في البحار حمل هذه
الأخبار على التقية. وهو جيد لما عرفت من ان الحمل على ذلك لا يتوقف على وجود
القائل به من المخالفين ، وانما الوجه في ذلك هو انه لما كان مذهب جمهور الأصحاب (رضوان
الله عليهم) من المتقدمين والمتأخرين هو الإبطال والإعادة كما عرفت انه مذهب يونس
من القدماء والكليني وبه صرح الشيخان ولم ينقل الخلاف في ذلك إلا عن ابن بابويه ،
ومن الظاهر ان شهرة القول بذلك بين المتقدمين مؤذن بكونه مذهب
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 6 من الخلل في الصلاة.
(3 و 4) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة.
أئمتهم (عليهمالسلام) ويعضده انه
هو الأوفق بالاحتياط. وبالجملة فالعمل على القول المشهور والاحتياط بالإتمام ثم
الإعادة أولى. والله العالم.
فرع
لو نسي التسليم ثم ذكر بعد فعل المنافي عمدا كالكلام
فالمشهور ـ بل الظاهر انه لا خلاف فيه ـ عدم بطلان الصلاة.
ولو ذكر بعد فعل المنافي عمدا وسهوا فالمشهور بطلان
الصلاة بناء على القول بوجوبه كما هو المشهور لأن المنافي حينئذ واقع في أثناء
الصلاة بناء على القول المذكور ونقل في المدارك عن جده أنه استشكله بان التسليم
ليس بركن فلا تبطل الصلاة بتركه سهوا وان فعل المنافي ، قال اللهم إلا ان يقال
بانحصار الخروج من الصلاة فيه وهو في حيز المنع. ثم اعترضه بأنه يمكن دفعه بان
المقتضي للبطلان على هذا التقدير ليس هو الإخلال بالتسليم وإنما هو وقوع المنافي
في أثناء الصلاة فإن ذلك يتحقق بفعله قبل الفراغ من الأفعال الواجبة وان لم يتعقبه
ركن كما في حال التشهد.
أقول : لا يخفى ان كلام جده المذكور مشعر بالجواب عن هذا
الاعتراض ، وذلك فان المفهوم منه ان الإبطال لا يمكن استناده الى ترك التسليم لان
التسليم ليس بركن فلا تبطل الصلاة بتركه سهوا ولا الى فعل المنافي في هذا المقام
لانه مبنى على ان الخروج من الصلاة لا يتحقق إلا بالتسليم وهو ممنوع.
ولا يخفى ان ما ادعاه السيد من وقوع المنافي في أثناء
الصلاة انما يتم بناء على عدم الخروج من الصلاة إلا بالتسليم وإلا فمتى قيل
بالخروج منها قبله كما يشير اليه كلام جده فان المنافي لم يقع في أثناء الصلاة لأن
الخصم يدعى انه قد خرج من الصلاة ولا توقف له على التسليم. نعم يبقى الكلام مع جده
في ما ادعاه من منع انحصار الخروج من الصلاة في التسليم وهي مسألة أخرى.
ثم قال السيد المشار اليه على اثر الكلام المتقدم : ومع
ذلك فالأجود عدم
بطلان الصلاة بفعل المنافي قبله وان
قلنا بوجوبه لما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «سألته عن
الرجل يصلى ثم يجلس فيحدث قبل ان يسلم؟ قال تمت صلاته». وفي الصحيح عن زرارة أيضا
عن ابى جعفر (عليهالسلام) (2) «عن الرجل يحدث
بعد ان يرفع رأسه من السجدة الأخيرة وقبل ان يتشهد؟ قال ينصرف فيتوضأ فإن شاء رجع
الى المسجد وان شاء ففي بيته وان شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثم يسلم ، وان كان الحدث
بعد الشهادتين فقد مضت صلاته». انتهى.
أقول : قد عرفت في فصل التسليم ان المختار الذي تجتمع
عليه الأخبار في مسألة التسليم هو القول بكونه واجبا خارجا وهذه الاخبار التي
ذكرها ونحوها انما خرجت بناء على هذا القول وان لم يهتد اليه هو ولا غيره من جمهور
الأصحاب والا فإنه متى كان التسليم واجبا داخلا كما هو المفروض في كلامه ، فإنه
يلزم أن يكون الحدث الواقع بعد التشهد وقبل التسليم واقعا في أثناء الصلاة كما
الزم به جده في ما قدمنا من كلامه ، ولا يعقل هنا خصوصية لإبطاله قبل التشهد ولا
بعده قبل التسليم بناء على القول المذكور بل الحال في المقامين واحدة ، إذ العلة
الموجبة للإبطال في الموضعين واحدة وهي وقوع الحدث في أثناء الصلاة.
والعجب كل العجب انه (قدسسره) قد قال في
مسألة التسليم في الاستدلال على استحبابه حيث انه اختار ذلك ما لفظه : ويدل عليه
ايضا أنه لو وجب التسليم لبطلت الصلاة بتخلل المنافي بينه وبين التشهد واللازم
باطل فالملزوم مثله ، اما الملازمة فإجماعية واما بطلان اللازم فلما رواه زرارة في
الصحيح ، ثم ساق هذه الروايات المذكورة. وحينئذ فمتى كانت هذه الملازمة إجماعية
بمقتضى كلامه هذا ـ وليست هذه الملازمة إلا عبارة عن انه متى وجب التسليم لزم
بطلان الصلاة بتخلل المنافي في الموضع المذكور ـ فكيف يقول هنا ان الأجود عدم
بطلان الصلاة بفعل المنافي قبله وان قلنا بوجوبه؟ ما هذا إلا تناقض ظاهر كما لا
يخفى على كل ناظر
__________________
(1) الوسائل الباب 3 من التسليم.
(2) الوسائل الباب 13 من التشهد.
وبالجملة فهذه الروايات لا تنطبق إلا على القول
بالاستحباب كما اختاره في المسألة أو القول بكونه واجبا خارجا كما اخترناه وإلا
فالتزام القول بها مع القول بكونه واجبا داخلا ـ كما يشعر به كلامه هنا ـ سفسطة
ظاهرة كما لا يخفى. والله العالم.
المسألة الخامسة ـ إذا أخل بواجب سهوا فمنه ما تتم معه
الصلاة من غير تدارك ومنه ما يتدارك من غير سجود ومنه ما يتدارك مع سجدتي السهو ،
فههنا صور ثلاث :
الاولى ـ ما تتم معه الصلاة من غير تدارك ولا سجود للسهو
، وتفصيل القول فيها ان من سها عن واجب تداركه ما لم يدخل في ركن كما لو سها عن
القراءة مثلا أو بعض واجباتها قبل الركوع فإنه يتداركها ما لم يركع ، فلو ركع مضى
في صلاته لاستلزام تداركها زيادة ركن ، أو يلزم من تداركه زيادة ركن كما إذا سها
عن الذكر الواجب في الركوع أو الطمأنينة فيه حتى يرفع رأسه فإن العود الى ذلك
وتداركه مستلزم لزيادة الركن. ونحوه من سها عن الذكر في السجود أو السجود على
الأعضاء السبعة أو الطمأنينة فيه حتى يرفع رأسه. نعم يستثني من ذلك السجود على
الجبهة حيث ان السجود لا يتحقق بدون وضعها فإن الإخلال به في السجدتين يكون موجبا
للإبطال ، وقد نبه على ذلك الشهيد في البيان.
ومن الأخبار الدالة على صحة الصلاة مع نسيان أحد
الواجبات ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «ان
الله عزوجل فرض الركوع
والسجود ، والقراءة سنة ، فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ومن نسي القراءة فقد
تمت صلاته ولا شيء عليه».
وعن منصور بن حازم في الموثق (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) انى صليت
المكتوبة فنسيت ان اقرأ في صلاتي كلها؟ فقال أليس قد أتممت
__________________
(1) الوسائل الباب 27 من القراءة.
(2) الوسائل الباب 29 من القراءة.
الركوع والسجود؟ قلت بلى. قال تمت
صلاتك إذا كان نسيانا».
وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «قلت
الرجل يسهو في القراءة في الركعتين الأولتين فيذكر في الركعتين الأخيرتين انه لم
يقرأ؟ قال أتم الركوع والسجود؟ قلت نعم. قال انى اكره أن أجعل آخر صلاتي أولها».
وعن ابى بصير في الموثق (2) قال : «إذا
نسي أن يقرأ في الأولى والثانية أجزأه تسبيح الركوع والسجود وان كانت الغداة فنسي
ان يقرأ فيها فليمض في صلاته».
وعن الحسين بن حماد في القوى عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «قلت له
أسهو عن القراءة في الركعة الأولى؟ قال اقرأ في الثانية. قلت أسهو في الثانية؟ قال
اقرأ في الثالثة. قلت أسهو في صلاتي كلها؟ قال إذا حفظت الركوع والسجود فقد تمت
صلاتك».
وعن القداح عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) (4) «ان عليا (عليهالسلام) سئل عن رجل
ركع ولم يسبح ناسيا؟ قال تمت صلاته».
وعن على بن يقطين (5) قال : «سألت أبا الحسن الأول (عليهالسلام) عن رجل نسي
تسبيحة في ركوعه وسجوده؟ قال لا بأس بذلك».
الى غير ذلك من الأخبار الواردة بنسيان السجدة والتشهد
وان تضمن بعضها القضاء بعد الفراغ.
ومما يدل على التدارك ما لم يدخل في ركن رواية أبي بصير (6) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي
أم القرآن؟ قال ان كان لم يركع فليعد أم القرآن».
__________________
(1) الوسائل الباب 30 و 51 من القراءة.
(2) الوسائل الباب 29 من القراءة.
(3) الوسائل الباب 30 من القراءة.
(4 و 5) الوسائل الباب 15 من الركوع.
(6) الوسائل الباب 28 من القراءة.
ثم انه ينبغي ان يستثني من هذا الحكم الجهر والإخفات
فإنه لا يتداركه وان لم يدخل في ركن كما تقدم (1) في صحيحتي زرارة من انه متى فعل شيئا
ناسيا أو ساهيا أو لا يدرى فلا شيء عليه.
الثانية ـ ما يتدارك من غير سجود وذلك في مواضع : (منها)
من نسي قراءة الحمد حتى قرأ السورة أو بعضها فإنه يرجع الى الحمد ثم يقرأ سورة
بعدها ، وربما ظهر من بعض العبارات وجوب قراءة السورة الأولى بعينها.
ويدل عليه قوله (عليهالسلام) في كتاب
الفقه (2) : وان نسيت
الحمد حتى قرأت السورة ثم ذكرت قبل ان تركع فاقرأ الحمد وأعد السورة وان ركعت فامض
على حالتك. انتهى.
قال في المدارك ـ بعد قول المصنف : الثاني من نسي قراءة
الحمد حتى قرأ السورة استأنف الحمد وسورة ـ ما لفظه : انما نكر المصنف السورة
للتنبيه على انه لا يتعين قراءة السورة التي قرأها أو لا بل يتخير بعد الحمد أي
سورة شاء. انتهى.
ونحوه كلام جده في الروض حيث ان عبارة المصنف ظاهرة في
إعادة السورة نفسها فاعترضه فقال : ويفهم من قوله : «أعادها» وجوب إعادة السورة
التي قرأها بعينها وليس متعينا بل يتخير بين إعادتها وقراءة غيرها لوقوعها فاسدة
فساوت غيرها. انتهى. وهو جيد إلا ان ظاهر الخبر المتقدم كما عرفت خلافه والاحتياط
يقتضي الوقوف عليه.
وممن صرح أيضا بإعادة السورة بعينها الشهيد في الذكرى
فقال : لو ترك الحمد حتى قرأ السورة وجب بعد قراءة الحمد إعادة السورة. انتهى.
ومنها ـ من نسي السجدتين أو إحداهما فإنه يتلافاهما ما
لم يركع ثم يقوم ويأتي بما يلزمه من قراءة أو تسبيح.
وهذا الحكم في السجدة الواحدة موضع اتفاق كما نقله غير
واحد ، ويدل
__________________
(1) ج 8 ص 130 و 131.
(2) ص 9.
عليه من الأخبار ما رواه الشيخ في
الصحيح عن إسماعيل بن جابر عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) «في رجل نسي أن
يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر وهو قائم انه لم يسجد؟ قال فليسجد ما لم يركع
فإذا ركع فذكر بعد ركوعه انه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم ثم يسجدها فإنها
قضاء».
وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن ابن مسكان عن ابى بصير
(2) ـ وهو ليث
المرادي بقرينة الراوي عنه ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي
أن يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم؟ قال يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع فان كان قد
ركع فليمض على صلاته فإذا انصرف قضاها وحدها وليس عليه سهو».
وانما الخلاف في السهو عن السجدتين فالمشهور سيما بين
المتأخرين انه كالأول في وجوب الرجوع ما لم يركع ، ونقله في الذخيرة عن المفيد في
الرسالة الغرية ، ومنهم من صرح بوجوب سجدتي السهو للقيام الذي زاده ، وذهب ابن
إدريس الى ان نسيان السجدتين بعد قيامه الى الركوع يوجب إعادة الصلاة ونقل ايضا عن
ابى الصلاح ، وبه صرح الشيخ المفيد في المقنعة حيث قال : ان ترك سجدتين من ركعة
واحدة أعاد على كل حال وان نسي واحدة منهما حتى ذكرها في الركعة الثانية قبل
الركوع أرسل نفسه وسجدها ثم قام.
احتج من ذهب الى القول الأول بأن القيام ان كان انتقالا
عن المحل لم يعد إلى السجدة الواحدة والا عاد الى السجدتين.
واستدل للقول الثاني بالروايات الدالة على بطلان الصلاة
بنسيان السجود (3) خرج منها ما
دل على عدم البطلان بنسيان السجدة الواحدة بالخبرين المتقدمين وبقي ما عداه.
والفرق بين السجدة والسجدتين بعد الركوع ظاهر للحكم بالصحة في الأول والبطلان في
الثاني فيمكن ان يكون ما قبل الركوع كذلك أيضا.
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 14 من السجود.
(3) الوسائل الباب 9 من الركوع.
وأيد القول المشهور في المدارك بإطلاق صحيحة ابن سنان عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) انه قال : «إذا
نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا». ورواية محمد
بن مسلم الصحيحة المتضمنة لتدارك الركوع بعد السجدتين (2) قال : فإنه
إذا جاز تداركه مع تخلل السجدتين اللتين هما ركن في الصلاة جاز تدارك السجود مع
تخلل القيام خاصة بطريق اولى. انتهى.
ويمكن المناقشة في صحيحة ابن سنان المذكورة بما سيأتي
إيضاحه قريبا ان شاء الله تعالى ، وكذا في صحيحة محمد بن مسلم بان ما دلت عليه من
الحكم المذكور خارج عن مقتضى القواعد الشرعية مع معارضتها بالأخبار الكثيرة ، وقد
تقدم الكلام فيها في المسألة الأولى.
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال ، والاحتياط
فيها مطلوب على كل حال بالرجوع والإتمام ثم الإعادة من رأس وان كان القول الأول لا
يخلو من قوة.
وتمام تحقيق البحث في المقام يتوقف على بيان أمور (الأول)
لا كلام في انه لو كان المنسي مجموع السجدتين عاد إليهما من غير جلوس واجب قبلهما.
اما لو كان المنسي إحداهما فإن كان قد جلس عقيب الأولى
واطمأن بنية الفصل أو لا بنيته فإنه لا كلام في انه لا يجب الرجوع الى الجلوس قبل
السجدة.
اما لو لم يجلس أو جلس ولم يطمئن فقيل انه يجب الجلوس
وبه صرح شيخنا الشهيد الثاني في الروض وسبطه السيد السند في المدارك ، وعلله في
المدارك بان الجلوس من أفعال الصلاة ولم يأت به مع بقاء محله فيجب تداركه. قال في
الذخيرة بعد نقل نحو ذلك عن الروض ايضا : ويمكن المنازعة فيه بان القدر الثابت
الجلوس الفاصل بين السجدتين المتصل بهما وقد فات ولا يمكن تداركه لا مطلقا. انتهى.
وظني ضعف هذه المنازعة فإن ما ذكره من الخصوصيتين المذكورتين لا دخل لهما في وجوب
الجلوس وان اتفق ذلك وإلا للزم اجراء ما ذكره في الاجزاء التي يجب تداركها مطلقا.
__________________
(1) الوسائل الباب 26 من الخلل في الصلاة.
(2) ص 108.
وقيل بعدم الوجوب ، قال في الذخيرة : وهو قول المصنف في
المنتهى وهو المحكي عن الشيخ في المبسوط استنادا الى ان الفصل بين السجدتين تحقق
بالقيام. ورد بان الواجب ليس هو مطلق الفصل بل الجلوس الفاصل ولم يحصل.
وبالجملة فالظاهر هو قوة القول الأول سيما مع أوفقيته
بالاحتياط.
(الثاني) ـ قال في الروض بناء على ما اختاره من وجوب
الجلوس في المسألة المذكورة : ولو شك هل جلس أم لا؟ بنى على الأصل فيجب الجلوس وان
كان حالة الشك قد انتقل عن محله لأنه بالعود إلى السجدة مع استمرار الشك يصير في
محله فيأتي به. ومثله ما لو تحقق نسيان سجدة وشك في الأخرى فإنه يجب عليه الإتيان
بهما معا عند الجلوس وان كان ابتداء الشك بعد الانتقال. انتهى. وهو جيد.
اما لو نوى بالجلوس الاستحباب لظنه انه قد اتى بالسجدتين
وان ذلك الجلوس إنما هو جلسة الاستراحة فهل يكتفي به؟ وجهان أحدهما نعم ، لاقتضاء
نية الصلاة ابتداء كون كل فعل في محله وذلك يقتضي كون هذه الجلسة للفصل فلا
تعارضها النية الطارئة سهوا بالاستراحة ، وثانيهما العدم لتنافي وجهي الوجوب
والندب فلا يجزئ أحدهما عن الأخر ، وقوله (عليهالسلام) «انما لكل
امرئ ما نوى» (1).
والظاهر هو الأول لا لما ذكر من التعليل فإنه عليل بل
للأخبار الكثيرة الدالة على انه لو دخل في الصلاة بنية الفريضة ثم سها في أثنائها
وقصد ببعض أفعالها الندب وانها نافلة لم يضره ذلك بل يبنى على النية الأولى (2).
وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في كتاب الطهارة في باب
الوضوء في المقامات التي في تحقيق النية ونقل جملة من الأخبار في المقام.
ومن تلك الأخبار ما رواه الشيخ عن عبد الله بن ابى يعفور
عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن رجل قام في صلاة فريضة فصلى ركعة وهو
__________________
(1) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات.
(2 و 3) الوسائل الباب 2 من النية.
ينوي أنها نافلة؟ قال هي التي قمت
فيها ولها. وقال إذا قمت وأنت تنوي الفريضة فدخلك الشك بعد فأنت في الفريضة على
الذي قمت له ، وان كنت دخلت فيها وأنت تنوي النافلة ثم انك تنويها بعد فريضة فأنت
في النافلة ، وانما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته». ونحوها أخبار
أخر تقدمت في المقام المشار اليه.
(الثالث) ـ لا اشكال ولا خلاف في انه لو كان قد تشهد أو
قرأ أو سبح ثم ذكر نسيان السجود فإنه يجب اعادة ما اتى به أولا رعاية لوجوب
الترتيب.
ولو فرض ان المنسي السجود الأخير وذكر بعد التشهد اعادة
ثم تشهد وسلم وهذا على القول بوجوب التسليم واضح لذكره في محله قبل الخروج من
الصلاة ، واما على القول بندبه فهل يعود الى السجود أو تبطل الصلاة لو كان المنسي
السجدتين ويقضى السجدة الواحدة لو كان المنسي واحدة؟ إشكال ينشأ من ان آخر الصلاة
على هذا التقدير التشهد فيفوت محل التدارك ، ومن إمكان القول بتوقف الخروج من
الصلاة حينئذ على فعل المنافي أو التسليم فما لم يحصلا لا يتحقق الخروج من الصلاة.
وربما قيل بمجيء الإشكال وان ذكر بعد التسليم ، ووجه
قضاء السجدة حينئذ أو بطلان الصلاة بنسيان السجدتين ظاهر للخروج من الصلاة
بالتسليم قبل تداركهما ، ووجه التدارك عدم صحة التشهد والتسليم حيث وقعا قبل تمام
السجود لأن قضية الأفعال الصحيحة وقوعها في محلها مرتبة. والكلام ايضا آت في نسيان
التشهد الى ان يسلم. وعلى هذا الوجه ان ذكر قبل فعل المنافي تدارك المنسي وأكمل
الصلاة وان ذكر بعده بطلت الصلاة. واليه ذهب ابن إدريس في ناسي التشهد حتى يسلم.
وقد صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة بأن فوات محل
هذه الأجزاء بالتسليم مطلقا قوى فيقضى منها ما يقضى وتبطل الصلاة بما هو ركن. وهو
جيد.
ومنها ـ من نسي التشهد وذكر قبل ان يركع فإنه يرجع له
ويتلافاه ثم يأتي بما يلزمه بعده ويرتبه عليه ، وهو مما لا خلاف فيه.
ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في
الصحيح عن سليمان ابن خالد (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي
أن يجلس في الركعتين الأولتين؟ فقال ان ذكر قبل ان يركع فليجلس وان لم يذكر حتى
يركع فليتم الصلاة حتى إذا فرغ فليسلم ويسجد سجدتي السهو».
وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن الرجل يصلى ركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما؟ فقال ان كان ذكر وهو قائم في
الثالثة فليجلس وان لم يذكر حتى يركع فليتم صلاته ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل ان
يتكلم».
وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «إذا
قمت في الركعتين من الظهر أو غيرها ولم تتشهد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة
قبل ان تركع فاجلس وتشهد وقم فأتم صلاتك ، وان أنت لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك
حتى تفرغ فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل ان تتكلم».
الى غير ذلك من الأخبار الآتية قريبا ان شاء الله تعالى.
قال في المدارك : واعلم انه ليس في كلام المصنف (قدسسره) ما يدل على
حكم نسيان السجود في الركعة الأخيرة والتشهد الأخير والأجود تدارك الجميع إذا ذكر
قبل التسليم وان قلنا باستحبابه لإطلاق الأمر بفعلهما وبقاء محلهما ، ولو لم يذكر
إلا بعد التسليم بطلت الصلاة ان كان المنسي السجدتين لفوات الركن وقضى السجدة
الواحدة والتشهد لإطلاق قوله (عليهالسلام) في صحيحة ابن
سنان (4) «إذا نسيت
__________________
(1) الوسائل الباب 7 من التشهد.
(2) الوسائل الباب 7 من التشهد. والراوي هو عبد الله بن ابى
يعفور ولم نجد رواية بهذا اللفظ لعبد الله بن سنان.
(3) الوسائل الباب 9 من التشهد.
(4) الوسائل الباب 26 من الخلل في الصلاة.
شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو
تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا». وصحيحة محمد ابن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) (1) «في الرجل يفرغ
من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف؟ فقال ان كان قريبا رجع الى مكانه فتشهد وإلا
طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه». انتهى.
أقول : ما ذكره من قضاء التشهد في ما لو لم يذكر إلا بعد
التسليم جيد لصحيحة محمد بن مسلم المذكورة فإنها ظاهرة في التشهد الأخير.
واما ما ذكره ـ من قضاء السجدة الواحدة في الصورة
المذكورة استنادا إلى صحيحة عبد الله بن سنان التي ذكرها ـ ففيه ان الصحيحة
المذكورة على إطلاقها غير معمول عليها وكذا ما شابهها :
كصحيحة حكم بن حكيم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) «في رجل ينسى ن
صلاته ركعة أو سجدة أو الشيء منها ثم يذكر بعد ذلك؟ فقال يقضى ذلك بعينه.
فقلت أيعيد الصلاة؟ قال لا».
ورواية الحلبي عنه (عليهالسلام) (3) قال : «إذا
نسيت من صلاتك فذكرت قبل ان تسلم أو بعد ما تسلم أو تكلمت فانظر الذي كان نقص من
صلاتك فأتمه».
فإن الجميع قد اشتركت في الدلالة على قضاء ما نسيه من
الأفعال كائنا ما كان وان كان ركنا ، ولم يقل بذلك أحد من الأصحاب وانما أوجبوا
قضاء أشياء معينة مثل السجدة الواحدة والتشهد والقنوت وأبطلوا الصلاة بنسيان الركن
كالركوع
__________________
(1) الوسائل الباب 7 من التشهد.
(2) الوسائل الباب 11 من الركوع و 3 من الخلل في الصلاة.
(3) هذه الرواية ذكرها الشهيد في الذكرى في المسألة الرابعة من
مسائل السهو ونقلها المجلسي في البحار ج 18 الصلاة ص 643 من الذكرى وكذا الفاضل
الخراساني في الذخيرة في المسألة السابعة من المسائل التي حررها تعليقا على قول
المصنف «ولو ذكر السجود والتشهد بعد الركوع قضاهما» ولم نقف عليها في الوافي
والوسائل بعد الفحص عنها في مظانها.
والسجدتين ، وحينئذ فكيف يمكن
الاستناد الى مجرد إطلاق الصحيحة المذكورة؟
والأخبار المتقدمة الدالة على قضاء السجدة ظاهرة في ما
عدا السجدة الأخيرة ، وعلى هذا يبقى حكم السجدة الأخيرة خاليا من المستند والدليل
على وجوب قضائها. والاستناد في ذلك الى مجرد إطلاق هذه الرواية ونحوها مع كونهم لا
يقولون به مجازفة محضة وإلا لزم القول ايضا بوجوب قضاء ما اشتملت عليه من الركوع
والتكبير ونحوهما وهم لا يكتمونه ولا قائل به إلا ما يظهر من الذكرى من نقل ذلك عن
صاحب البشرى ، قال بعد ذكر الروايات الثلاث المذكورة : وابن طاوس في البشرى يلوح
منه ارتضاء مفهومها.
وبالجملة فإنه وان كان ظاهر الأصحاب عدم الخلاف في
القضاء إلا ان الدليل كما عرفت قاصر عن ذلك ، إذ الروايات المتقدمة موردها انما هو
ما عدا السجدة الأخيرة وهذه الرواية التي قد استند إليها في المدارك قد عرفت ما
فيها.
فائدتان
الأولى ـ قال في المدارك بعد ذكر صحيحة حكم بن حكيم :
والظاهر ان المراد بالركعة مجموعها لا نفس الركوع خاصة ، وبالشيء منها القنوت
والتشهد ونحو ذلك مما لم يقم دليل على سقوط تداركه. انتهى.
أقول : بل الظاهر ان المراد بالركعة انما هي نفس الركوع
كما صرحت به صحيحة ابن سنان المذكورة ، ويؤيده ذكر السجدة بعدها ، والمراد من
الخبر المذكور إنما هو عد الأفعال التي لو نسيها لوجب قضاؤها من ركوع أو سجود
ونحوهما من أفعال الصلاة المشار إليها بقوله «أو الشيء منها»
ومما يستأنس به لذلك صحيحة منصور عن الصادق (عليهالسلام) (1) «في رجل صلى
فذكر انه زاد سجدة؟ لا يعيد صلاته من سجدة ويعيدها من ركعة» ،.
__________________
(1) الوسائل الباب 14 من الركوع.
قال السيد المذكور بعد نقلها : والظاهر ان المراد
بالركعة الركوع كما يظهر من مقابلته بالسجدة.
الثانية ـ ظاهر أكثر الأصحاب انه لا فرق في تدارك التشهد
بعد الصلاة بين كونه التشهد الأول والأخير تخلل الحدث بينه وبين الصلاة أم لا.
وقال ابن إدريس : لو تخلل الحدث بين الصلاة والتشهد
الأول لم تبطل الصلاة لخروجه منها بالتسليم ، ولو تخلل بينهما وبين التشهد الثاني
بطلت صلاته لأن قضية السلام الصحيح أن يكون بعد التشهد فوقوعه قبله كلا سلام فيكون
حدثه قد صادف الصلاة.
واعترضه المحقق في المعتبر فقال بعد نقل كلامه : وليس
بوجه لأن التسليم مع السهو مشروع فيقع موقعه ويقضى التشهد لما روى حكم بن حكيم عن
الصادق (عليهالسلام) ثم ساق
الرواية كما قدمناه. قال في المدارك بعد نقل كلام المعتبر : وهو حسن.
أقول : الأظهر في الفرق بين التشهدين في الحكم المذكور
بناء على مذهب ابن إدريس من استحباب التسليم هو أن يقال انه انما يخرج من الصلاة
بالتشهد الأخير فإذا نسيه لم يتحقق الخروج فيكون قد أحدث قبل الخروج من الصلاة
فتبطل صلاته وكان الأولى لابن إدريس التعليل بذلك.
واما استدلال المحقق على وجوب قضاء التشهد الأخير برواية
حكم بن حكيم المذكورة من حيث لفظ الشيء فيها الشامل للتشهد فقد عرفت ما فيه وكان
الأولى له الاستدلال بصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.
هذا. والتحقيق كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى انه لا
دليل على وجوب قضاء التشهد الأول أحدث بعد الصلاة أو لم يحدث ، ويجب قضاء التشهد
الثاني لصحيحة محمد بن مسلم المذكورة أحدث أم لم يحدث.
ونقل في الذكرى عن العلامة في المختلف انه نازع في تخلل
الحدث إذا نسي
التشهد الأول وحكم بإبطاله الصلاة
وحكم بان التسليم وقع في محله وان نسي التشهد الأخير فتكون الصلاة صحيحة. انتهى.
وفيه ان ما حكم به من إبطال الصلاة في الصورة الأولى
ممنوع ولو قلنا بوجوب قضاء التشهد لدلالة الأخبار وكلام الأصحاب على الصحة أحدث أو
لم يحدث وإنما الكلام في ما ادعوه من وجوب القضاء وعدمه. وقد تقدم في فصل التشهد
نقل كلام ابن بابويه وحكمه بصحة الصلاة بالحدث بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة
والأخبار الدالة على ذلك وبيان القول في ذلك فليراجع ثمة.
فرع
المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب قضاء
الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) بعد الصلاة
إذا سها عنها المصلى وفات موضع تداركها ، ويتداركها كما يتدارك التشهد لو لم يفت
محل تداركها اعنى قبل الركوع فإنه يعود إليها قالوا ولا يضر الفصل بينها وبين
التشهد.
وأنكر ابن إدريس شرعية قضائها لعدم النص. ورده في الذكرى
بان التشهد يقضى بالنص فكذا أبعاضه تسوية بين الجزء والكل.
واحتج في المختلف على وجوب قضائها زيادة على الدليل المذكور
بأنه مأمور بالصلاة على النبي وآله (صلىاللهعليهوآله) ولم يأت به
فيبقى في عهدة التكليف الى ان يخرج منه بفعله.
واعترضه في المدارك بأن الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) انما تجب في
التشهد وقد فات والقضاء فرض مستأنف فيتوقف على الدليل وهو منتف. قال على ان في
وجوب الأداء خلافا بين الأصحاب كما تقدم تحقيقه.
واعترض الدليل الأول أيضا بمنع الملازمة ، قال مع انه لا
يقول بالتسوية بين الكل والجزء مطلقا. أقول ويؤيده ان الصلاة تقضى ولا تقضى
اجزائها مطلقا.
وأنكر العلامة في المختلف كلام ابن إدريس وقال بعد
استدلاله بالدليلين
المذكورين : وليس في هذه الأدلة قياس
وانما هو لقصور قوته المميزة حيث لم يجد نصا صريحا حكم بأن إيجاب القضاء مستند الى
القياس خاصة. انتهى. ولا يخفى ما فيه
أقول : والظاهر في هذه المسألة هو قول ابن إدريس لما
عرفت من كلام السيد السند (قدسسره) فان دعوى
إثبات الأحكام الشرعية بهذه التعليلات العليلة مجرد مجازفة في أحكامه سبحانه. نعم
يمكن الاستدلال على القول المشهور بإطلاق صحيحتي عبد الله بن سنان وحكم بن حكيم
ورواية الحلبي (1) إلا انك قد
عرفت انه لا قائل بذلك من الأصحاب سوى ما نقله في الذكرى عن ظاهر ابن طاوس في
البشرى
الثالثة ـ ما يتداركه بعد الصلاة مع سجود السهو عند
الأصحاب (رضوان الله عليهم) وهو السجدة والتشهد المنسيان ولما يذكر إلا بعد الركوع
فإنه يقضيهما ويسجد للسهو كما صرحوا به ، إلا انه لا يخلو من الإشكال في كل من
الموضعين.
وتحقيق الكلام في ذلك يتوقف على بسطه في مقامين (الأول)
في السجدة والمشهور في كلامهم ان من ترك سجدة من صلاته ولم يذكر حتى ركع فإنه
يقضيها بعد الصلاة من غير ان تجب عليه الإعادة وانه يجب عليه سجود السهو.
وقد وقع الخلاف هنا في مواضع ثلاثة (الموضع الأول) ـ في
وجوب قضائها خاصة مع صحة الصلاة وهو الذي عليه الأكثر ، وذهب الشيخ في التهذيب إلى
انه متى كان نسيان السجدة الواحدة من الركعتين الأوليين فإنه يعيد الصلاة ، وحكى
في الذكرى عن الشيخ المفيد والشيخ في التهذيب ان كل سهو يلحق الأوليين موجب لإعادة
الصلاة وكذلك الشك سواء كان في عددهما أو أفعالهما ، ونقل الشيخ هذا القول عن بعض
علمائنا ، وقد تقدم ايضا مذهب ابن ابى عقيل بإعادة الصلاة بترك السجدة مطلقا من
الأوليين أو الأخيرتين.
والذي يدل على القول المشهور صحيحتا إسماعيل بن جابر
وابى بصير المتقدمتان في الموضع الثاني من مواضع الصورة الثانية (2).
__________________
(1) ص 140 و 141.
(2) ص 136.
ونحوهما ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابى يعفور عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
نسي الرجل سجدة وأيقن انه قد تركها فليسجدها بعد ما يقعد قبل ان يسلم وان كان شاكا
فليسلم ثم يسجدها وليتشهد تشهدا خفيفا ولا يسميها نقرة فإن النقرة نقرة الغراب».
والظاهر ان المراد بقوله «بعد ما يقعد» اى بعد ما يتشهد
لما أسلفناه من الأخبار الدالة على وقوع مثل هذا التجوز في فصيح الكلام الوارد
عنهم (عليهمالسلام). واما السجود
في صورة الشك فحمله بعض الأصحاب على الاحتياط والاستحباب لما تقرر من ان الشك بعد
تجاوز المحل لا اثر له. والأظهر حمله على سجود السهو لأنه الذي فيه التشهد الخفيف
وانه لا يسمى نقرة وان كان في ذكر الضمير نوع منافرة لذلك.
وما رواه الشيخ عن عمار بن موسى الساباطي في الموثق عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) «انه سئل عن
الرجل ينسى سجدة فذكرها بعد ما قام وركع؟ قال يمضى في صلاته ولا يسجد حتى يسلم
فإذا سلم سجد مثل ما فاته. قلت فان لم يذكر الا بعد ذلك؟ قال يقضى ما فاته إذا
ذكره».
احتج الشيخ بما رواه عن احمد بن محمد بن ابى نصر في
الصحيح (3) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) عن رجل صلى
ركعتين ثم ذكر في الثانية وهو راكع انه ترك سجدة في الأولى؟ فقال كان أبو الحسن (عليهالسلام) يقول إذا
تركت السجدة في الركعة الاولى ولم تدر واحدة أو اثنتين استقبلت حتى يصح لك اثنتان
، وإذا كان في الثالثة والرابعة فتركت سجدة بعد ان تكون قد حفظت الركوع أعدت
السجود».
ورواه الكليني في الصحيح ايضا بما هذه صورته (4) قال : «سألته
عن رجل
__________________
(1) الوسائل الباب 16 من السجود.
(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 14 من السجود.
صلى ركعة ثم ذكر وهو في الثانية وهو
راكع انه ترك سجدة من الأولى؟ فقال كان أبو الحسن (عليهالسلام) يقول إذا
تركت السجدة في الركعة الاولى ولم تدر واحدة أم ثنتين استقبلت الصلاة حتى يصح لك
انهما ثنتان». وعلى هذه الرواية لا ينطبق مدعى الشيخ (قدسسره)
والظاهر ان الراوي روى الخبر مرتين مرة بنحو ما ذكره
الشيخ واخرى بما نقله في الكافي.
ويعضد رواية الشيخ ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن
احمد بن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن ابى نصر. الحديث كما في التهذيب (1) الا انه قال :
«بعد ان تكون قد حفظت الركوع والسجود».
وكيف كان فهذا الخبر لا يخلو من الإجمال بل الإشكال
الموجب لضعف الاستناد إليه في الاستدلال ، وذلك ان قوله (عليهالسلام) في الخبر
المذكور «ولم تدر واحدة أو اثنتين» محتمل لان يكون المراد الركعة أو الركعتين اى
شككت مع ترك السجدة بين الركعة والركعتين ، وعلى هذا فلا إشكال في ما ذكره (عليهالسلام) من الحكم
بالاستقبال الا انه لا ينطبق حينئذ الجواب المذكور على ما ذكره من السؤال ويحتمل
ان يكون المراد السجدة والسجدتين ، والمعنى انه ترك سجدة وشك في انه هل سجد شيئا
أم لا ، وعلى هذا يدل على مراد الشيخ في الجملة إذ الشك بعد تجاوز المحل لا عبرة
به فيكون البطلان انما هو لترك السجدة. ويحتمل ان يكون الواو في قوله «ولم تدر
واحدة أو اثنتين» بمعنى «أو» وان الأصل انما هو «أو» ويكون قد سقطت الهمزة من قلم
النساخ ، وعلى هذا فيحتمل الوجه الأول أعني الحمل على الركعة والركعتين والثاني أي
السجدة والسجدتين ، فعلى الوجهين يدل على ما ذهب اليه الشيخ في السجود ، وعلى
الثاني يدل على ما قدمنا نقله عن الشيخين من إبطال مطلق الشك في الأولتين ، وحينئذ
فمع هذا الإجمال وتعدد الاحتمال يشكل العمل به في مقابلة تلك الأخبار الصحيحة
الصريحة الدلالة في عدم الفرق بين الأوليين والأخيرتين.
__________________
(1) الوسائل الباب 14 من السجود.
احتج من قال بان كل سهو يلحق الأوليين أو شك فإنه يوجب
الإعادة بجملة من الأخبار الآتية ان شاء الله تعالى في مسألة الشك في الأوليين :
ومنها ـ رواية أبي بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
سهوت في الركعتين الأولتين فأعدهما».
وحسنة الحسن بن على الوشاء (2) قال : «قال لي
أبو الحسن الرضا (عليهالسلام) الإعادة في
الركعتين الأولتين والسهو في الركعتين الأخيرتين». ونحوهما.
وسيأتي ان شاء الله تعالى تحقيق المسألة في الموضع
المشار اليه.
واما ما ذهب اليه ابن ابى عقيل من بطلان الصلاة بترك
السجدة فقد تقدم القول فيه في فصل السجود منقحا.
الموضع الثاني ـ في ان محل قضائها بعد الفراغ من الصلاة وهو
الذي عليه الأكثر من الأصحاب ، ويدل عليه صحيحتا إسماعيل بن جابر وابى بصير وصحيحة
ابن ابى يعفور وموثقة عمار المتقدم جميع ذلك في المسألة (3).
وقال الشيخ أبو الحسن على بن الحسين بن بابويه في رسالته
على ما نقله عنه في الذكرى : فان نسيت سجدة من الركعة الأولى فذكرتها في الثانية
من قبل ان تركع فأرسل نفسك فاسجدها ثم قم إلى الثانية وابتدئ القراءة فإن ذكرت بعد
ما ركعت فاقضها في الركعة الثالثة ، وان نسيت سجدة من الركعة الثانية وذكرتها في الثالثة
قبل الركوع فأرسل نفسك واسجدها فان ذكرتها بعد الركوع فاقضها في الركعة الرابعة ،
وان كانت سجدة من الركعة الثالثة وذكرتها في الرابعة فأرسل نفسك واسجدها ما لم
تركع وان ذكرتها بعد الركوع فامض في صلاتك واسجدها بعد التسليم. انتهى.
__________________
(1) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة. واللفظ في كتب الحديث
هكذا «فأعدهما حق تثبتهما».
(2) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة.
(3) ص 136 و 146.
ونقل في الذكرى ايضا عن الشيخ المفيد (قدسسره) في الغرية
انه قال : إذا ذكر بعد الركوع فليسجد ثلاث سجدات واحدة منها قضاء. ثم قال في
الذكرى : وكأنهما عولا على خبر لم يصل إلينا.
أقول : اما ما ذكره الشيخ على بن بابويه فهو مأخوذ من
كتاب الفقه الرضوي على النهج الذي عرفته في غير موضع مما تقدم وان كان بحذف بعض
الزوائد حيث قال (عليهالسلام) (1) : وان نسيت
السجدة من الركعة الأولى ثم ذكرت في الثانية من قبل ان تركع فأرسل نفسك واسجدها ثم
قم إلى الثانية وأعد القراءة ، فإن ذكرتها بعد ما ركعت فاقضها في الركعة الثالثة ،
وان نسيت السجدتين جميعا من الركعة الأولى فأعد صلاتك فإنه لا تثبت صلاتك ما لم
تثبت الأولى ، وان نسيت سجدة من الركعة الثانية وذكرتها في الثالثة قبل الركوع
فأرسل نفسك واسجدها فان ذكرت بعد الركوع فاقضها في الركعة الرابعة وان كانت سجدة
من الركعة الثالثة وذكرتها في الرابعة فأرسل نفسك واسجدها ما لم تركع فان ذكرتها
بعد الركوع فامض في صلاتك واسجدها بعد التسليم. انتهى.
ثم انه لا يخفى ما في إفتاء الشيخ المزبور بعبارات هذا
الكتاب والعدول عن مثل هذه الأخبار المعارضة لها والصريحة في خلافها مع كونها
بمرأى منه ومنظر من مزيد اعتماده على الكتاب المذكور ووثوقه بكونه معلوما مقطوعا
به عنه (عليهالسلام) وهو مؤيد لما
اخترناه من العمل باخبار الكتاب المذكور كغيره من كتب الأخبار المشهورة والأصول
المأثورة. إلا ان الظاهر في هذه المسألة هو القول المشهور المعتضد بالأخبار
المتقدمة الصحيحة الصريحة في القضاء بعد الفراغ ولا يحضرني وجه تأويل لهذه الرواية
وهي مرجأة إلى قائلها (عليهالسلام).
واما ما ذهب اليه الشيخ المفيد فلم أقف له على دليل ،
وصورة عبارته المحكية عن الرسالة الغرية على ما نقله الفاضل الخراساني في الذخيرة «ان
ذكر بعد الركوع
__________________
(1) ص 10.
فليسجد ثلاث سجدات واحدة منها قضاء
والاثنتان للركعة التي هو فيها» وهي أظهر دلالة من العبارة المنقولة في الذكرى
وكأنه في الذكرى قد اختصر العبارة. ولا يخفى ان مذهب الشيخ المفيد في المقنعة
موافق للقول المشهور. والله العالم.
الموضع الثالث ـ في وجوب سجدتي السهو في قضاء السجدة ،
وهو المشهور كما عرفت بل نقل العلامة في المنتهى والتذكرة عليه الإجماع مع انه في المختلف
حكى الخلاف في ذلك عن ابن ابى عقيل وابني بابويه والشيخ المفيد في المسائل الغرية
احتج القائلون بوجوبهما برواية سفيان بن السمط عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «تسجد
سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان.».
وأنت خبير بان هذه الرواية (أولا) معارضة بأخبار كثيرة
دالة على عدم وجوب سجدتي السهو في كثير من مواضع الزيادة والنقصان (2).
(وثانيا) ـ بصحيحة أبي بصير المتقدمة في الموضع الثاني
من الصورة الثانية (3) لقوله (عليهالسلام) فيها «قضاها
وحدها وليس عليه سهو».
وموثقة عمار (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام). وساق الخبر
الى ان قال : «وسئل عن الرجل ينسى الركوع أو ينسى سجدة هل عليه سجدتا السهو؟ قال
لا قد أتم الصلاة».
ورواية محمد بن منصور (5) قال : «سألته
عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شك فيها؟ فقال إذا خفت ان لا
تكون وضعت وجهك إلا مرة واحدة فإذا سلمت سجدت سجدة واحدة وتضع وجهك مرة واحدة وليس
عليك سهو».
واما ما ذكره الشيخ في تأويل رواية أبي بصير ـ من حمل
قوله (عليهالسلام)
__________________
(1) الوسائل الباب 32 من الخلل في الصلاة.
(2) الوسائل الباب 3 و 7 و 14 و 23 و 24 و 26 من الخلل في
الصلاة.
(3) ص 136.
(4) الوسائل الباب 23 من الخلل في الصلاة.
(5) الوسائل الباب 14 من السجود.
«وليس عليه سهو» على معنى انه لا يكون
في حكم السهاة بل يكون حكم القاطعين لأنه إذا ذكر ما كان فاته وقضاه لم يبق شيء
يشك فيه فخرج عن حد السهو ـ فبعده أظهر من ان يخفى.
و (ثالثا) الأخبار الواردة في المسألة كصحيحة إسماعيل بن
جابر وصحيحة ابن ابى يعفور وموثقة عمار والتقريب فيها انه لو كان سجود السهو واجبا
لأشار (عليهالسلام) إليه لأن
المقام مقام البيان.
و (رابعا) تأيد ذلك بموافقة الأصل فإن الأصل براءة الذمة
حتى يقوم الدليل الواضح.
وبالجملة فالظاهر عندي من الأخبار هو القول الثاني وان
كان الاحتياط في العمل بالقول المشهور.
المقام الثاني ـ في التشهد والمشهور انه يجب قضاؤه ما لم
يذكره الا بعد الركوع وتجب سجدتا السهو معه.
وقد وقع الخلاف هنا في موضعين (الموضع الأول) في وجوب
القضاء وهو المشهور كما عرفت ، وذهب الشيخ المفيد والصدوقان إلى أنه يجزئ التشهد
الذي في سجدتي السهو عن القضاء ، ونسب الشهيد في الذكرى هذا القول للشيخ المفيد في
المسائل الغرية ، وهو كذلك فإنه في المقنعة قد صرح بموافقة القول المشهور ذكر ذلك
في موضعين.
احتج الأولون بما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم
عن أحدهما (عليهماالسلام) (1) «في الرجل يفرغ
من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف؟
فقال ان كان قريبا رجع الى مكانه فتشهد والا طلب مكانا
نظيفا فتشهد فيه».
وعن على بن أبي حمزة (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا قمت
__________________
(1) الوسائل الباب 7 من التشهد.
(2) الوسائل الباب 26 من الخلل في الصلاة.
في الركعتين الأولتين ولم تشهد فذكرت
قبل ان تركع فاقعد وتشهد وان لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك كما أنت فإذا انصرفت
سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ثم تشهد التشهد الذي فاتك».
احتج جملة من الأصحاب للقول الثاني بالأخبار الكثيرة
الدالة على ان ناسي التشهد حتى يركع يجب عليه سجدتا السهو من غير تعرض لذكر التشهد
فيهما مثل صحاح سليمان بن خالد وعبد الله بن سنان والحلبي المتقدمات في الموضع
الثالث من الصورة الثانية (1).
ونحوها ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الفضيل
بن يسار عن ابى جعفر (عليهالسلام) (2) «في الرجل يصلى
ركعتين من المكتوبة ثم ينسى فيقوم قبل ان يجلس بينهما؟ قال فليجلس ما لم يركع وقد
تمت صلاته ، وان لم يذكر حتى ركع فليمض في صلاته وإذا سلم سجد سجدتين وهو جالس». ورواه
الشيخ في التهذيب (3) وذكر محل «سجد
سجدتين» «نقر نقرتين» وما في الكافي أصوب لما تقدم في صحيح ابن ابى يعفور من النهى
عن تسميتها نقرة.
وما رواه في التهذيب في الحسن عن الحسين بن ابى العلاء (4) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يصلى ركعتين من المكتوبة لا يجلس فيهما حتى يركع في الثالثة؟ قال فليتم صلاته ثم
يسلم ويسجد سجدتي السهو وهو جالس قبل ان يتكلم».
وعن ابى بصير في الموثق (5) قال : «سألته
عن الرجل ينسى ان يتشهد؟ قال يسجد سجدتين يتشهد فيهما».
وعن ابى بصير في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (6) قال : «سألته
__________________
(1) ص 140 وقد تقدم ان الصحيح عبد الله بن ابى يعفور بدل عبد
الله بن سنان.
(2) الوسائل الباب 9 من التشهد.
(3) ج 1 ص 234. ولفظه هكذا «نقر ثنتين».
(4 و 5) الوسائل الباب 7 من التشهد.
(6) الوسائل الباب 7 من التشهد. والراوي لهذا اللفظ هو ابن ابي
يعفور ولم نعثر على رواية لأبي بصير بهذا اللفظ.
عن الرجل يصلى ركعتين من المكتوبة فلا
يجلس فيهما؟ فقال ان كان ذكر وهو قائم في الثالثة فليجلس وان لم يذكر حتى يركع
فليتم صلاته ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل ان يتكلم».
وعن الحسن الصيقل عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) «في الرجل يصلى
الركعتين من الوتر ثم يقوم فينسى التشهد حتى يركع ويذكر وهو راكع؟ قال يجلس من
ركوعه ويتشهد ثم يقوم فيتم. قال قلت أليس قلت في الفريضة إذا ذكره بعد ما يركع مضى
ثم سجد سجدتين بعد ما ينصرف يتشهد فيهما؟ قال ليس النافلة مثل الفريضة».
أقول : وهذه الاخبار وان كانت كما ذكره المستدل من
الدلالة على مجرد سجود السهو من غير تعرض للتشهد الا ان المدعى في كلام أولئك
القائلين بهذا القول مركب من أمرين (أحدهما) عدم وجوب قضاء التشهد. و (ثانيهما)
قيام تشهد سجدتي السهو مقام التشهد المنسي ، وهذه الأخبار لا تفي إلا بالأول.
والتحقيق والصواب وان لم يهتد إليه أحد من متأخري
الأصحاب أن أولئك الجماعة انما عولوا في هذا المقام على كتاب الفقه الرضوي حيث قال
(عليهالسلام) (2) وان نسيت
التشهد في الركعة الثانية فذكرت في الثالثة فأرسل نفسك وتشهد ما لم تركع فان ذكرت
بعد ما ركعت فامض في صلاتك فإذا سلمت سجدت سجدتي السهو وتشهدت فيهما ما قد فاتك. انتهى.
وبهذه العبارة عبر الصدوق في الفقيه فقال : وان نسيت
التشهد في الركعة الثانية وذكرته في الثالثة فأرسل نفسك وتشهد ما لم تركع فان ذكرت
بعد ما ركعت فامض في صلاتك فإذا سلمت سجدت سجدتي السهو وتشهدت فيهما التشهد الذي
قد فاتك.
وهذا القول هو الظاهر عندي لظاهر خبر الكتاب المعتضد
بتلك الأخبار الصحيحة الصريحة فإنها على كثرتها إنما تضمنت مجرد سجود السهو مع
انها واردة في مقام البيان فلو كان قضاء التشهد واجبا لذكر ولو في بعضها.
__________________
(1) الوسائل الباب 8 من التشهد.
(2) ص 10.
واما ما استدل به للقول المشهور فهو بمحل من القصور ،
أما صحيحة محمد بن مسلم فان موردها التشهد الأخير ومحل البحث في الأخبار وكلام
الأصحاب انما هو التشهد الأول للتفصيل الواقع في الأخبار وكلامهم بكون الذكر قبل
الركوع أو بعد الركوع.
واما رواية على بن أبي حمزة فهي وان كان موردها التشهد
الأول إلا ان ظاهرها ان التشهد الذي بعد الفراغ انما هو تشهد سجدتي السهو وانه
يقصد به التشهد الذي فاته ، فهي بالدلالة على خلاف مرادهم انسب والى الدلالة على
ما ندعيه أقرب ، إذ مرجع ما دلت عليه الى ما صرحت به عبارة كتاب الفقه المذكورة ،
على ان المفهوم من كلامهم ان الواجب هو الإتيان بالأجزاء المنسية أولا ثم سجود
السهو لها ومقتضى هذه الرواية بناء على ما يدعونه هو تقديم سجود السهو على قضاء
الاجزاء فلا يتم الاستناد إليها من هذه الجهة.
وكيف كان فينبغي بناء على ما اخترناه ان يقصد بتشهده في
سجدتي السهو قضاء التشهد المنسي.
واما ما رواه الشيخ عن محمد بن على الحلبي (1) ـ قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يسهو في الصلاة فينسى التشهد؟ قال يرجع فيتشهد. قلت أيسجد سجدتي السهو؟ فقال لا
ليس في هذا سجدتا السهو». ـ فمحمول على ما إذا ذكر ذلك قبل الركوع.
الموضع الثاني ـ في وجوب سجدتي السهو في الموضع المذكور
وقد عرفت تكاثر الأخبار بذلك ، وهو الذي صرح به أكثر الأصحاب (رضوان الله عليهم)
بل بعض شراح الشرائع انه لا خلاف فيه بين الأصحاب.
قال في الذخيرة : ونقل في المختلف والذكرى الخلاف فيه عن
ابن ابى عقيل والشيخ في الجمل والاقتصاد ولم يذكره أبو الصلاح في ما يوجب سجدة
السهو.
أقول : انه ان كان مراده (قدسسره) انهما صرحا
في الكتابين المذكورين
__________________
(1) الوسائل الباب 9 من التشهد.
بنقل القول بنفي السجود في الموضع
المذكور عن ابن ابى عقيل والشيخ في الكتابين المذكورين فالظاهر انه ليس كذلك لأني
لم أقف عليه بعد المراجعة والتتبع ، نعم نقل عنهما عدم عد ذلك في ما يجب له سجود
السهو حيث حصراه في مواضع ليس هذا منها ، فكان الأولى نسبة القول إليهما بما نقله
عن ابى الصلاح.
قال في الذخيرة بعد نقل جملة من الأخبار المتقدمة الدالة
على وجوب سجدتي السهو في هذه الصورة : وهذه الأخبار وان كانت غير صريحة في الوجوب
إذ لم يثبت كون الأمر في أخبارنا حقيقة في الوجوب لكن لا يبعد ان يعول في الوجوب
على هذه الأخبار بمعونة الشهرة لكن ذلك لا يخلو من شوب النظر والتأمل. انتهى. وهو
من جملة تشكيكاته الواهية التي هي لبيت العنكبوت ـ وانه لأضعف البيوت ـ مضاهية ،
وقد أوضحنا في غير مقام مما تقدم فساده وان فيه خروجا عن الدين من حيث لا يشعر
قائله.
واما ما رواه الشيخ في الموثق بابن بكير عن زرارة (1) قال : «سألت
أبا جعفر (عليهالسلام) هل سجد رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) سجدتي السهو
قط؟ فقال لا ولا يسجدهما فقيه». فأجاب عنها في الذخيرة بأنه يمكن حملها على ان
الفقيه يسعى في حفظ صلاته بالتوجه فيها بحيث لا يصدر منه السهو. قال : وفيه بعد
لكن الرواية غير معمولة بين الأصحاب فيشكل التعويل عليها. انتهى.
أقول : الأظهر في الجواب عنها هو حمل الفقيه على الامام (عليهالسلام) فإنه هو
الفقيه الحقيقي بمعنى انه لم يسجدها رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لعصمته عن
السهو ولا يسجدها امام بعده للعلة المذكورة. وفي الخبر المذكور رد ظاهر للأخبار
الدالة على سهوه (صلىاللهعليهوآله) ولا سيما ما
دل منها على انه سجد سجدتي السهو.
(المسألة السادسة) ـ لو سها عن الركوع فله صور (الأولى)
ان يذكر
__________________
(1) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة.
بعد الدخول في السجود ، والأشهر
الأظهر بطلان الصلاة ، وقد تقدم تحقيق المسألة ونقل خلاف الشيخ في ذلك في المسألة
الاولى.
وقد صرح بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين بأنه
لا فرق في البطلان إذا ذكر بعد وضع الجبهة بين كون وضعها على ما يصح السجود عليه
وما لا يصح ، قال ولو ذكر بعد وضع الجبهة سواء كان على ما يصح السجود عليه أم لا
فالمشهور حينئذ بطلان الصلاة. ثم نقل خلاف الشيخ المشار اليه.
وعندي في ذلك إشكال فإنه لا ريب في ان وضع الجبهة على ما
لا يصح السجود عليه لغير تقية ولا ضرورة ليس بسجود شرعي بل هو في حكم العدم فكيف يمتنع
العود منه الى الركوع ويحكم ببطلان الصلاة؟ فإن استندوا إلى إطلاق الاخبار
المتقدمة مثل صحيحة رفاعة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن رجل ينسى ان يركع حتى يسجد ويقوم؟ قال يستقبل».
ونحوها ، فإنه لا ريب في ان المراد بالسجود فيها هو
السجود الشرعي فإنه هو المتبادر الذي ينصرف إليه الإطلاق وأيضا فإنهم صرحوا بأنه
متى سها عن ركن تداركه متى لم يدخل في ركن والدخول في الركن بالسجود على ما لا يصح
السجود عليه ممنوع. وبالجملة فإنه إن اعتد بهذا السجود في الصلاة وحكم بصحته فما
ذكروه صحيح لكنهم لا يقولون به وإلا فلا معنى للحكم بالبطلان بل الواجب تدارك
الركوع لبقاء المحل ثم الإتيان بالسجود الشرعي
الثانية ـ ان يذكر بعد الهوى للسجود ولما يسجد بمعنى انه
تجاوز قوس الراكع ، وقد صرحوا بأنه يجب عليه ان يقوم منتصبا لوجوب الهوى للركوع عن
قيام ، بل عد جملة منهم القيام المتصل بالركوع ركنا كما تقدم ذكره في فصل القيام
وهو المشهور في كلامهم ، وهو لا يتحقق إلا بقصد الهوى للركوع عنه وحينئذ فيجب
القيام أولا ثم الركوع.
ويدل على وجوب الإتيان بالركوع في الصورة المذكورة إن
الذمة مشغولة
__________________
(1) الوسائل الباب 10 من الركوع.
بفعله ولا مانع منه لعدم تجاوز المحل
فيبقى الخطاب به في الحال المذكورة. ويعضده إطلاق
صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا». بحملها على
صورة التذكرة قبل فوات المحل بمعونة ما دل على ان نسيانه حتى يفوت المحل موجب
لبطلان الصلاة.
ويؤيده ما سيجيء أيضا من وجوب الإتيان به إذا شك في
فعله قبل فوات محله ففي صورة النسيان أولى بمعونة الحكم بعدم البطلان استنادا الى
الأصل.
ومقتضى التعليلات المذكورة في هذه الصورة هو حصول
النسيان في حال القيام وبه يفرق بينها وبين ما يأتي بعدها.
الثالثة ـ هي الصورة الثانية بمعنى الذكر بعد الهوى
للسجود وتجاوز قوس الراكع ولكن عروض السهو انما هو بعد الهوى للركوع وقبل الدخول
في قوس الراكع ، والحكم هنا عندهم هو الرجوع بان يقوم منحنيا الى قوس الراكع خاصة
من غير انتصاب ، لانه قد هوى بقصد الركوع وانما عرض له السهو بعد ذلك فلا يجب
اعادة القيام حينئذ.
الرابعة ـ هي الصورة بحالها ولكن عرض السهو بعد الدخول
في قوس الراكع ، وفي العود حينئذ إشكال لأنه قد حصل الركن الركوعى بمجرد الدخول في
قوس الراكع لان الركوع عبارة عن الانحناء على الكيفية المخصوصة وقد حصل ، والذكر
والطمأنينة واجبات خارجة عن حقيقته واستدراكها موجب لزيادة الركوع. ومقتضى ذلك انه
يمضى في صلاته لحصول الركوع الشرعي والهوى له بعد القيام ، ولم يحصل هنا غير
الإخلال بالذكر والطمأنينة وقد عرفت انها واجبات خارجة لا يضر تركها سهوا والمحل
غير قابل لاستدراكها لما عرفت من ان ذلك موجب لزيادة ركن في الصلاة. والى ما
ذكرناه يميل كلام السيد السند في المدارك والفاضل
__________________
(1) الوسائل الباب 26 من الخلل في الصلاة.
الخراساني في الذخيرة وهو الظاهر لما
عرفت.
واما ما ذكره شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله
البحراني (قدسسره) في رسالته
الصلاتية في هذه الصورة ـ حيث قال : ولو كان عروضه ـ يعنى السهو ـ بعد وصوله الى
حد الراكع ففي تحريم العود نظر ـ فلا اعرف له وجها. ولتلميذه المحدث الشيخ عبد
الله بن الحاج صالح البحراني (قدسسره) في شرحه على
الرسالة المذكورة في توجيه ذلك وموافقته له على التوقف في هذه المسألة كلام لا
يخلو من السهو والإشكال الناشئ عن الاستعجال. وبالجملة فالحق عندي في المسألة ما
تقدم ذكره.
تنبيه
قد تقدم في الفصل الخامس في الركوع ان من جملة واجبات
الركوع ان يقصد بهويه عن القيام اليه فلو هوى لا بقصده بل لغرض آخر لم يحصل بوصوله
الى قوس الراكع ركوع ، بل ولو نوى الركوع في تلك الحال فإنه لا يجزئه بل يجب عليه
ان يقوم منتصبا وينوي الهوى له.
وظاهر الفاضل الخراساني التوقف في ذلك ، قال في الذخيرة
بعد ذكر وجوب القيام في الصورة الثانية من الصور المتقدمة : وربما يقال انه معلل
باستدراك الهوي إلى الركوع فإنه واجب ولم يقع بقصد الركوع. ذكر ذلك غير واحد من
الأصحاب وللنزاع في إثبات وجوب الهوى المذكور مجال إلا ان اليقين بالبراءة من
التكليف الثابت يقتضيه.
أقول : لا يخفى ان اللازم مما ذكره انه لو هوى في صلاته
لتناول شيء حتى جاوز قوس الراكع هو بطلان صلاته لحصول الركوع إذ الركوع ليس إلا
عبارة عن الانحناء حتى تصل يداه ركبتيه وقد حصل وان لم يحصل القصد اليه والذكر
والطمأنينة انما هي واجبات خارجة ، ولا أظنه يلتزمه ، مع ان العبادات مشروطة
بالقصود والنيات فلا ينصرف الفعل الى كونه عبادة إلا بالنية والقصد إليها وإلا فهو
في حد
ذاته أعم من ذلك كما تقدم تحقيقه في
باب الوضوء من كتاب الطهارة وعليه دلت الأخبار الكثيرة كقوله (عليهالسلام) (1) «إنما الأعمال
بالنيات». ونحوه مما تقدم في الموضع المشار اليه.
وقد روى الشيخ والصدوق عن زكريا الأعور (2) قال : «رأيت
أبا الحسن (عليهالسلام) يصلى قائما
والى جانبه رجل كبير يريد ان يقوم ومعه عصا له فأراد أن يتناولها فانحط أبو الحسن (عليهالسلام) وهو قائم في
صلاته فناول الرجل العصا ثم عاد الى صلاته». وهو مؤيد لما ذكرناه.
نعم روى الثقة الجليل على بن جعفر في كتاب المسائل عن
أخيه موسى (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن المرأة تكون في صلاتها قائمة يبكي ابنها الى جنبها هل يصلح لها ان تتناوله
وتحمله وهي قائمة؟ قال : لا تحمل وهي قائمة».
قال شيخنا المجلسي في كتاب البحار بعد نقل الخبر المذكور
: «لا تحمل وهي قائمة» يمكن ان يكون ذلك لاستلزام زيادة الركوع بناء على عدم
اشتراط النية في ذلك ، وظاهر بعض الأصحاب اشتراطها. ثم نقل كلام الشهيد في الذكرى
الدال على وجوب القصد بالهوى الى الركوع ثم نقل رواية زكريا الأعور ، وقال بعدها :
وهذا يدل على الجواز وعلى الاشتراط المذكور. ثم قال : وذكر العلامة والشهيد
وغيرهما مضمون الرواية من غير رد ، ويمكن الجمع بينهما بحمل هذا الخبر على الفريضة
أو الكراهة وخبر الأعور على النافلة أو على الجواز ، والأول أظهر. انتهى.
أقول : لا يخفى ان خبر على بن جعفر غير ظاهر في المنافاة
ليحتاج الى تكلف الجمع بينه وبين خبر الأعور ، فإنه (عليهالسلام) انما نهى عن
الحمل في الصلاة أعم من ان يكون بالتناول من الأرض أو لا به ، ولو كان المراد
النهى من حيث استلزام
__________________
(1) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات.
(2) الوسائل الباب 12 من القيام.
(3) الوسائل الباب 24 من قواطع الصلاة.
حصول الركوع لكان الظاهر التعبير
بقوله «لا تتناول» فإنه هو المستلزم لحصول الانحناء الموجب لكونه ركوعا وان لم يكن
مقصودا.
بقي الكلام في النهي عن الحمل مع ورود الأخبار الكثيرة
بجواز مثله في الصلاة من الأفعال التي لا تعد كثيرة وهي مسألة أخرى لا تتعلق بمحل
البحث ، ولعل النهى محمول على الكراهة من حيث الإخلال بوظائف القيام من وضع اليدين
في الموضع الموظف أو بالنسبة إلى القنوت أو نحو ذلك. ويعضد ما قلناه إطلاق موثقة
عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «لا بأس
ان تحمل المرأة صبيها وهي تصلي أو ترضعه وهي تتشهد».
وبالجملة فإن الخبر غير ظاهر المنافاة ، مع ما عرفت من
ان الأفعال في حد ذاتها لا تصلح لكونها عبادات يصح التقرب بها إلا باعتبار القصود
إليها والنيات كما دلت عليه جملة من الأخبار المتقدمة في الموضع المشار اليه آنفا.
وحينئذ فالظاهر ان ما ذكره شيخنا المزبور بمحل من البعد والقصور وكأنه جرى على ما جرى عليه الفاضل المتقدم ذكره فإنه كثيرا ما يحذو حذوه في الأحكام ويعتمد كلامه في غير مقام كما لا يخفى على من له انس بطريقته في الكتاب المذكور. والله العالم.
__________________
(1) الوسائل الباب 24 من قواطع الصلاة.