الحقائق ج1 - عتق المكاتبة والإستيلاد

المقصد الثامن
في عتق المكاتبة

وهو مشتمل على مسائل:
الاولى: في معناها شرعا ولغة وهي الكتابة مصدران مزيدان مشتقان من المجرد وهو الكتب، وهو لغة الجمع والضم، يقال: كتبت القربة إذا كتبت رأسها ومنه الكتابة لما فيها من ضم الحروف بعضها إلى بعض. والكتيبة لانضمام بعضهم إلى بعض. فسمي هذا العقد كتابة لانضمام النجم فيه إلى النجم أو لأنها توثق بالكتابة من حيث إنها منجمة مؤجلة، وما يدخله الأجل يستوثق بالكتابة ولذلك قال الله تعالى ” إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ” (1). وقد علم أن عقد الكتابة خارج عن حد المعاملات من جهة أنها معاملة بين السيد وعبده، وأن العوضين للسيد وأن المكاتب على رتبة متوسطة بين الرق والحرية، وليس له استقرار الأحرار ولا عجز المماليك، ولذلك تكون تصرفاته مترددة بين الاستقلال ونقيضه لأن الحاجة داعية إليها، فإن السيد قد لا تسمح نفسه بالعتق مجانا، والمملوك يتشمر بالكسب تشمره إذا علق عتقه بالتدبير والأداء، فاحتمل الشرع فيه ما لا يحتمل في غيره كما احتمل للجهالة في ربح القراض وعمل الجهالة للحاجة. وقد دل عليها الكتاب والسنة والاجماع، قال الله تعالى ” والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ” (2).
(1) سورة البقرة – آية 282. (2) سورة النور – آية 33.
[ 369 ]
وأما السنة الواردة في تفسير هذه الآية وغيرها فصحيحة الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في قول الله عز وجل ” فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ” قال: إن علمتم لهم دينا ومالا “. وصحيحة محمد بن مسلم (2) عن أحد هما عليهما السلام ” في حديث قال: سألته عن قول الله عز وجل ” فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ” قال: الخير إن علمت أن عنده مالا “. وصحيحة الحلبي (3) كما في التهذيب الحسنة كما في الكافي ” في حديث أنه قال في قول الله عز وجل ” فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ” قال: كاتبوهم إن علمتم لهم مالا “. ومعتبرة العلاء بن الفضل (4) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في قول الله عز وجل ” فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ” قال: إن علمتم لهم مالا “. وخبر محمد بن مسلم (5) الصحيح أيضا كما في الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام قول الله عز وجل ” فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ” قال: الخير أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله صلى الله عليه واله ويكون بيده عمل يكتسب به أو يكون له حرفة “. وفي المقنع (6) مرسلا قال: ” روي في تفسير قوله تعالى ” إن علمتم فيهم خيرا ” إن علمتم لهم مالا “. قال (7) ” روي في تفسيرها: إذا رأيتموهم يحبون آل محمد صلى الله عليه واله وسلم فارفعوهم درجة “.
(1) الكافي ج 6 ص 187 ح 10، الوسائل ج 16 ص 99 ب 1 ح 1. (2) الكافي ج 6 ص 187 ذيل ح 7، الوسائل ج 16 ص 99 ب 1 ح 2. (3) الكافي ج 6 ص 187 ح 9، التهذيب ج 8 ص 268 ح 8، الوسائل ج 16 ص 99 ب 1 ح 3. (4) الفقيه ج 3 ص 73 ح 1، الوسائل ج 16 ص 100 ب 1 ح 4 والصحيح ” العلي بن الفضيل ” كما في المصدرين. (5) الفقيه ج 3 ص 78 ح 23، الوسائل ج 16 ص 100 ب 1 ح 5. (6) و (7) المقنع ص 38، الوسائل ج 16 ص 100 ب 1 ح 6 و 7.
[ 370 ]
الثانية: قد اتفق الأصحاب على أنها غير واجبة مطلقا للأصل، كما لا يجب التدبير وشراء القريب ليعتق، ولئلا يتسلط المملوك على سيده، ولكنها مستحبة مع علم الخير للمملوك بها ولقوله تعالى ” فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ” والامامية وأكثر العامة على أن الأمر هنا للاستحباب ولبعض العامة قول بالوجوب. وقد اختلف في الخير المعلق عليه رجحان الكتابة في الآية والأخبار. وفي صحيحة الحلبي المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السلام أن المراد به الدين والمال وهما المعبر عنهما في عبارات الأصحاب بالأمانة والاكتساب، ووجه اعتبار الأمانة لئلا يضيع ما يحصله فيصرفه إلى السيد فيعتق والقدرة على الاكتساب ليتمكن من تحصيل ما يؤديه. وبعضهم فسره بالمال خاصة لصحيحة الحلبي الاخرى عن أبي عبد الله عليه السلام ” في قول الله عز وجل ” فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ” قال: كاتبوهم إن علمتم لهم مالا “. وقد رجح هذا لأن فيه استعمال المشترك في أحد معنييه وفي الاولى استعماله فيهما معا وهو مجاز عند مجاز عند مجوزية على أشهر القولين فلا يصار إليه بدون القرينة. ويرده أن القرينة هنا موجودة وهي الرواية المتقدمة الصحيحة المؤيدة بصحيحة محمد بن مسلم أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قد تقدمت وفيها ” قال: الخير أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله صلى الله عليه واله ويكون بيده عمل يكتسب معه أو يكون له حرفة ” وبما في المقنع مرسلا وقد مر أيضا حيث قال ” وروي في تفسيرها ” إذا رأيتموهم يحبون آل محمد صلى الله عليه واله وسلم “. بل جاء في موثقة سماعة (1) ما يدل على الاكتفاء بالدين وإن لم يكن لهم مال كما هو مختار المحقق في النافع ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العبد يكاتبه
(1) الكافي ج 6 ص 187 ح 11 وفيه ” وهو يعلم انه لا يملك قليلا وكثيرا “، الوسائل ج 16 ص 101 ب 2 ح 1.
[ 371 ]
مولاه وهو يعلم أن ليس له قليل ولا كثير، قال: يكاتبه وإن كان يسأل الناس ولا يمنعه المكاتبة من أجل أنه ليس له مال فإن الله يرزق العباد بعضهم من بعض والمؤمن معان ويقال: المحسن معان “. ورواه الشيخ من الموثق أيضا عن سماعة (1) وكذلك فقيه الفقيه إلا أنه قال ” يرزق العباد بعضهم من بعض والمحسن معان ” بدون قوله ” والمؤمن معان ” فكأن اشتراط المال لتأكيد الاستحباب. فالقول بالاكتفاء بالمال وحده والدين وحده قوي وأن تأكيد الاستحباب بهما معا، فلا يقال بأن صحيحتي الحلبي وما وافقهما من النصوص في الجانبين متعارضة على وجه لا يمكن الجمع، أو أن المشترطة للدين والمال معا مقدمة لأنها مثبتة والمثبت مقدم، لأن جمعنا ما به بينهما دافع لهذا كله. وإلى هذا الجمع مال ثاني الشهيدين في المسالك حيث قال: نعم يمكن إثبات أصل الاستحباب بوجود المال عن القدرة على كسبه عملا بالرواية الصحيحة، وبتأكيد الاستحباب مع وجود الوصفين نظرا إلى الخبر الآخر. إلا أن قول المحقق في الشرايع ” ولو عدم الأمران كانت مباحة وكذا لو عدم أحد هما ” ينافي ذلك، انتهى وهو في محله. ولو فقد الشرطان معا لم يستحب لعدم المقتضي له، ولكن اختلفوا في إباحته بغير كراهة أو مع الكراهة إلى قولين:
(أحدهما) للشيخ في الخلاف وهي الاباحة بلا كراهة .
(والثاني) في المبسوط، والأقوى الأول لعدم الدليل على الكراهة. ومفهوم المخالفة في الآية إنما ينفي تأكيد الاستحباب لأصل الاباحة، ولو اتصف بالايمان خاصة لم يستحب عند جماعة لعدم المقتضي له. وربما قيل بالاستحباب أيضا لاستعمال الخير فيه وحده، ولدلالة موثقة
(1) الفقيه ج 3 ص 76 ح 13، التهذيب ج 8 ص 272 ح 28، الوسائل ج 16 ص 101 ب 2 ح 1.
[ 372 ]
سماعة على ذلك. فقد جاء في تفسير قوله تعالى ” فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ” (1) يعني العمل الصالح وهو الدين، كذلك في قوله تعالى ” والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير ” (2) أي ثواب، كما جاء إرادة المال وحده في قوله تعالى ” وأنه لحب الخير لشديد ” (3) وقوله تعالى ” إن ترك خيرا الوصية ” (4). وضعف ثاني الشهيدين هذا القول بأن استعمال المشترك في أحد المعنيين مجاز لا يجوز بدون القرينة كاستعماله في المعنيين وهي منتفية في جانب الدين وحده بخلاف المال، وقد ترجح جانبه بالرواية الصحيحة. ثم قال: والتحقيق أن إطلاق اسم الخير على المعنيين المرادين هنا مجاز لأنه في الشواهد المذكورة إنما استعمل في العمل الصالح والثواب ونفس المال، والمراد هنا الأمانة والقدرة على التكسب، وهما ليسا عملا صالحا ولا ثوابا ولا مالا حقيقة وإنما يكون الكسب سببا في المال، وإطلاق اسم السبب على المسبب مجازا، كما أن إطلاق الأمانة القلبية على الأعمال الصالحة المتبادر منها إرادة أعمال الجوارح والثواب ولا يعرفه إلا الله تعالى مجاز أيضا. وحينئذ فإطلاقه عليهما أو على أحد هما موقوف على النقل وهو موجود في أرادتهما وأرادة الثاني منها دون الأول فكان العمل به متعينا. وفيه نظر يعلم مما حققناه، حيث إن موثقتي سماعة شاهدتان بالاستحباب مع وجود الأمانة وهي الدين وحده، كما أن صحيحة الحلبي الواردة في خصوص المال وكذلك ما ضاهاها من الأخبار دالة على الاكتفاء به، إلا أنه – قدس سره – لما لم يرجع موثقتي سماعه اقتصر على اشتراط المال وحده في الاستحباب ولم
(1) سورة الزلزلة – آية 7. (2) سورة الحج – آية 36. (3) سورة العاديات – آية 8. (4) سورة البقرة – آية 180.
[ 373 ]
يكتف باشتراط الدين.
الثالثة: قد اختلف العلماء في أصل الكتابة، هل هي عتق يعوض ؟ أو بيع للعبد من نفسه ؟ أو معاملة مستقلة ؟ ومنشأ الاحتلاف وجود خواص كل من الأمرين ويشتركان في حصول العتق بالعوض، وتظهر الفائدة في لحوق جميع أحكام ما يجعل منه كالخيار وكوقوعها بصيغة البيع وبالعتق بالعوض والأظهر أنها معاملة مستقلة تتبعها أحكام خاصة ولا يلزم من مشاركتها لبعض المعاملات في حكم أن تلحق به مطلقا. والقول بأنها بيع لأبي الصلاح الحلبي وابن إدريس، والاستقلال مذهب الأكثر. وأما القول بأنها عتق بعوض فقد نسب إلى بعض أصحابنا ولم نعرف قائله. ووجه بعدهاعن شبه البيع أنه يقتضي المغايرة بين المتعاقدين والمبيع، وهنا المبيع هو المشتري وهو يقتضي قبول المشتري للملك وهو منتف عن المملوك ويكون العوض ملكا للمشتري والمعوض ملكا للبائع، وهما الأمران للمولى وقد خالف شيخ المبسوط حيث حكم بأنها ليست بيعاو جوز إيقاعها بلفظ البيع لافادة المراد منها. والأصح ما اختاره المحقق ومن تبعه من عدم صحتها بلفظ البيع لما تقدم من أن البيع انتقال عين مملوكة من شخص إلى شخص آخر فلا بد من تحقق إضافة الملك بين المشتري والمبيع لتوقف الاضافة على تغاير المضافين، وهنا ليس كذلك، ولأن ملك العبد الحقيقي موقوف على حريته، وحريته موقوفة على تملكه فيدور، ولأن السيد لا يباع عبده، ومن ثم لا يصح بيعه مالا آخر قولا واحدا. وعلى القول بصحة البيع – كما عليه الشيخ لدلالة بعض الأخبار عليه – يثبت المال في ذمته ويعتق في الحال كما لو أعتقه على مال ولا يثبت على هذا مع الكتابة خيار المجلس لأنها ليست بيعا وهو مخصوص به، ومن جعلها بيعا لزمه
[ 374 ]
جواز لحوق الخيار. وربما فهم من كلام الشيخ في المبسوط أن الخيار منتف هنا ه‍ وإن جعلنا بيعا وجعل ذلك وردا على من جعلها بيعا، هكذا فهم البعض من عبارة المبسوط. وفيه نظر، لأن تفريع الشيخ انتفاء الخيار إنما هو على مذهبه، و لهذا قال: الكتابة تفارق البيع من وجوه: أحدها أن الكتابة لا بد فيها من أجل و البيع ليس كذلك، ومنها لا بائع يشترط لنفسه الخيار والسيد لا يشترط في عقد الكتابة ويتفقان في أن الأجل فيهما لا بد أن يكون معلوما، ولا يصح كل واحد منهما إلا بعوض معلوم. والمراد بقوله ” أن الكتابة لا بد فيها من الأجل و البيع لا يفتقر إليه ” أن البيع من حيث هو لا يفتقر إلى الأجل وإلا فإن السلم منه مفتقر إليه، فلتكن الكتابة كذلك إن اعبترنا فيها الأجل، وبينهما مناسبة في ذلك إلا أنه موضع خلاف كما سيجئ.
الرابعة: لا بد لهذه المعاملة من عقد مشتمل على لفظ مفيد للمعنى المراد منه كما في سائر عقود المعاملات، والقدر المتفق على صحته أن يقول له: كاتبتك على ألف درهم مثلا تؤديه في نجمين وأكثر في كل نجم كذا، فإذا أديته فأنت حر، فيقول: قبلت ولو لم يصرح بتعليق الحرية على الأداء ولكن قصده بقبله ففي صحته قولان:
(أحدهما) نعم، وهو مختار المبسوط والشرايع، لأن الكتابة دالة على ذلك والتحرير غايتها فلا يجب التصريح بها كغيرها من غايات العقود، خصوصا لو جعلنا الكتابة بيعا للعبد من نفسه لأنه مقتض للعتق، فلا يحتاج إلى لفظ آخر وإنما يفتقر إلى النية، لأن لفظ المكاتبة مشترك بين المراسلة والمخارجة، فاشتبهت المشترك المعنوي فافتقرت إلى انضمام القصد إلى اللفظ، وهذا قصد آخر غير القصد المعتبر في سائر العقود المميز عن عقد النائم والساهي، وقد تقدم تقريره مرارا.
(الثاني) وإليه ذهب في خلاف وهو الظاهر من كلام الحلي اشتراط التلفظ
[ 375 ]
بقوله ” فإذا أديت فأنت حر ” يقتضيه اشتراك اللفظ – أعني المكاتبة بين الأمرين وبين المعاملة الخاصة الشرعية – فلا بد من لفظ مائز يخرجها عن الاشتراك إلى الصريح و يرد عليه أن مفهومها الشرعي متبادر ومفهوم منها والاطلاق منزل عليه. ويتخرج على هذا في المسألة قول ثالث، وهو عدم اشتراط القصد الخاص إلى اللفظ كغيره من الألفاظ الصريحة في معناها، لأن اعتبار القصد المدعى في الاكتفاء باللفظ الأول يوجب عدم الاكتفاء به عند من منع من الكنايات واعتبر اللفظ الصريح، فإن كان صريحا لم يفتقر إلى القصد المميز، وإلا لم يكن وإن ضم إليه القصد. وقريب من هذا الخلاف ما تقدم في التدبير من الاكتفاء بقوله ” أنت مدبر “. ومخرج القولين فيهما على أنهما مشتهران في معنييهما عند العوام بحيث لا يعرفهما إلا الخواص فكانا كناية، وبعضهم فرق بين اللفظين اكتفى في التدبير دون الكتابة ووجه الفرق بينهما وجهان:
(أحدهما) أن التدبير واضح المعنى مشهور عند كل أحد حتى العوام، بخلاف الكتابة فإن معناها الشرعي لا يعرفه إلا الخواص.
(و الثاني) أن التدبير كان مستعملا معروفا في الجاهلية في معناه الشرعي والشرع إنما قرره ولم يستعمل في معنى آخر، والكتابة تقع على العقد المعلوم وعلى المخارجة وهو أن توصف على العبد المكتوب كل يوم خراجا ولا يوجب له العتق به، فلا بد من المميز بين اللفظ عند إرادة ذلك المعنى منه وبينه عند إرادة المعنى الآخر. وليس ثمة سوى النية والقصد المخصوص. والظاهر من الأقوال هو أن الكتابة كالتدبير وإن لم تتعقل معناها ابتداء سوى الخواص لأنها قد صارت من الحقائق الشرعية، فيحكم على التلفظ بها وإن كان من العوام، وإن لم يعلم بقصده كسائر الألفاط المنقولة.
الخامسة: قد اختلف العلماء في اشتراط الأجل في الكتابة وعدمه، فاعتبره الأكثر كشيخ المبسوط وأتباعه ومحقق الشرايع وأكثر المتأخرين الوجهين.
[ 376 ]
(أحدهما) اتباع السلف ومن عهد النبي صلى الله عليه واله وبعده، فإنهم لا يأتون بالكتابة إلا بعوض مؤجل، فكأنه إجماعي.
(والثاني) أنه لو لا التأجيل لثبت الحلول فتتوجه المطالبة في الحال وهو عاجز عن الأداء حينئذ فيكون كالسلم في شئ لا يوجد عند الحلول، ولأنه لا بد من ضرب أجل لئلا يتطرق الجهالة الداخلة في الضرر المنهي عنه. وفيهما نظر لمنع الاجماع على ذلك، ونقل أفراد خاصة لا يقتضي كون جميع ما وقع كذلك. سلمنا. لكن لا يلزم من ذلك بطلان غيره، فإن الاجماع المعتبر في الاستدلال على مثل ذلك هو اتفاقهم على بطلان المتنازع فيه لا عدم استعمالهم له، ولا يلزم من عدم ملكه في الحال على تقدير تسليم عجزه عن الايفاء مطلقا لا مكان ملكه عاجلا ولو بالاقتراض، بل قد يوصي له بمال ولو قبل الكتابة ويموت الموصي قبل عقد الكتابة أو يوهب منه عقيب العقد أو يتبرع عنه متبرع فلا يتحقق العجز، وقد يفرض جريان عقد الكتابة على قدر من الملح وهما على مملحة فيمكنه تسليم الملح عقيب عقد الكتابة ولا يلزم البطلان في الحال مطلقا. واجيب عنه بأن قبول الوصية والهبة لا بد وأن يتأخر عن قبول الكتابة فيكون العوض لازما قبل القدرة والتمكن، وقد لا يتيسر القبول، والملح لا يملك ما لم يأخذه، والأخذ متأخر عن الكتابة، وقد يعوق عنه عائق. والحق أن مثل هذه التعاليل لا تصلح قادحا في صحة العقود الشرعية التي جاءت الأخبار بإطلاقها في صحتها من غير شرط شئ، ومن ثم ذهب شيخ الخلاف وابن إدريس إلى جوازها حالة للأصل ولعموم قوله تعالى ” فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ” خصوصا على القول بأنها بيع خالص أو عتق بعوض فإنهما لا يتوقفان على الأجل وإنما يتوجه القولان المذكوران على القول بكونها مستقلة. ولو ملك شقصا من عبد باقية حر فكاتب ما يملكه منه حالا ففي صحته وجهان مبنيان على الوجهين السابقين. فعلى الأول لا يصح إتباعا لما جرى عليه
[ 377 ]
الأولون. وعلى الثاني يجوز لأنه قد يملك ببعضه الحر ما يؤديه فلا يتحقق العجز في الحال. ويصح البيع من المعسر لأن الحرية مظنة القدرة وإن لم يملك شيئا آخر فإنه قادر على أداء الثمن من المبيع، وحيث يعتبر الأجل أو أزيد يشترط ضبط كل أجل لنسية، ولا يشترط زيادته عن أجل واحد عندنا لحصول الغرض منه، ولو حصر الأجل في حد يتعذر حصول المال فيه عادة بطل على الثاني دون الأول.
السادسة: في شروطه باعتبار المتعاقدين وغيرها من الشرائط، وهي مشتملة على شرائط:
(أولها) بلوغ المولى وعقله، فلا تكفي العشر هنا وإن اكتفينا بها في العتق سواء أذن الولي أولا، ولا يصح من المجنون المطبق ولا الدائر جنونه إلا أن يصادف زمن الافاقة، ولو كاتب المولى عنهما مع الغبطة والمصلحة فالأقرب الصحة، كما يصح البيع والعتق عنهما وفاقا للشيخ في الخلاف لأن الولي موضع لمصالحه، وقد لا يحصل المال منه بدون المكاتبة بل هو الغالب، وكسبه بعد العتق ليس مالا محضا للمولى وقبله ليس بموجود حتى تكون المعاملة عليه. ولصحيحة معاوية بن وهب (1) كما في الكافي والتهذيب والفقيه ” قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أني كاتبت جارية لأيتام لنا، واشترطت عليها إن عجزت فهي رد في الرق وأنا في حل مما أخذت منك، قال: فقال: لك شرطك “. وذهب الشيخ في المنع استنادا إلى أن الكتابة شبيهة بالتبرع من حيث إنها معاملة على ماله بماله، إذ المال المكتسب تابع للمملوك، وهذا الاحتجاج نوع مما ذكرناه من الوجه والدليل لصحته وصراحته. ثم على تقدير الجواز يكون محله ما إذا كان بيعه جائزا اليتيم إليه
(1) الكافي ج 6 ص 185 ح 1، ولم نعثر عليه في الفقيه، التهذيب ج 8 ص 265 ح 1، الوسائل ج 16 ص 102 ب 4 ح 1 وما في المصادر اختلاف يسير.
[ 378 ]
ونحوه وهو المعبر عنه بالغبطة، وإلا لم يجز كما هو قاعدة بيع مال اليتيم. ولو ارتد ثم كاتب لم يصح لزوال ملكه عنه، أو لأنه لا يقر المسلم في ملك المرتد، فإنه حيث يكون ارتداده عن فطرة انتقل ملكه عنه ولم يقبل ملكا متجدا، فلم يتصور كتابته لعبد مسلم ولا كافر وإن كان عن ملة صار بحكم الكافر ويباع المسلم عليه قهرا، ولا تقر يده عليه وإن بقي غيره من أملاكه. ويفهم من الحكم بعدم صحة الكتابة الملي للمسلم أنه لا يكفي في نقل المسلم عن ملك الكافر الكتابي وإلا لصحت كتابته في موضع البيع، ولو كان المملوك كافرا صحت كتابته له لعدم المانع عنه، ومن الشرائط أن يكون المملوك بالغا عاقلا لتصح معاملته كما يشترك في المكاتب الذي هو المولى، قال الله تعالى ” والذين يبتغون الكتاب ” والصبي والمجنون لا ابتغاء لهما، ولأن مقتضى الكتابة وجوب السعي ولا يجب عليهما شئ، وهكذا قد احتجوا على الاشتراط. وفيه نظر، لأن الابتغاء شرط في استحباب الكتابة ولا يلزم منه المنع منهما مع عدم الأمر. نعم الاستحباب منتف، واقتضاء الكتابة وجوب السعي موضع النزاع والخلاف كما تقدم. ولو سلمنا الوجوب كما ذكرتم لكن الوجوب مشروط بالتكليف، فجاز الحكم على عدم وجوبه على غير المكلف لذلك إذ الدليل على وجوبهما ليس منافيا لذلك، وربما قيل: إنه إجماع فيكون هو الحجة، والحق أن عدم الصحة لعدم الكمال، والكمال شرط في المتعاملين. واختلف في اشتراط الاسلام في صحة المكاتبة لتعليقها على علم الخير، والخير مفسر بالدين – كما قد سمعت في عدة من الأخبار – فإن كان في كثير منها الاكتفاء بالمال فعلى الأول يصح كتابة الكافر لعدم الشرط المقتضي لعدم المشروط، وعلى الاكتفاء بالمال يصح لوجود الشرط، هكذا قرر. والخلاف ومبناء المانع أن يمنع من دلالة الآية و الأخبار التي جاءت في تفسيرها على المنع على جميع التقادير، لأن الشرط المذكور إنما وقع للأمر بها الدال على رجحان من الوجوب أو الندب لا لمطلق الاذن فيها، ولا يلزم من
[ 379 ]
توقف الأمر بها على شرط توقف إباحتها عليه، و الدليل على تسويغ عقد الكتابة غير منحصر في الآية. وأما الاستدلال بقوله تعالى ” وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ” (1) وا لكافر لا يستحق الزكاة ولا الصلة لأنه مؤدات له منهي عنها بقوله تعالى ” لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله ” (2) ففيه على أن الآية المشتملة على هذا الاتيان قد وقع فيها الأمر بالمكاتبة الراجحة، فالاتيان المذكور فيها مترتب على المكاتب بالمكاتبة الراجحة المراعى فيها الدين والمال، ولا تدل على وجوب الاتيان في مطلق المكاتبة، وأيضا أن الاتيان من الواجب مشروط بعجزه المقتضي لا ستحقاقه له فهو راجع إلى اشتراطه باستحقاقه، فكما يختص بالمحتاج لدليل جاز أن يختص بالمسلم كذلك لدليل الدال على عدم دفع الزكاة للكافر، وأما استلزام إعانته المؤدات مطلقا ممنوع، ومن ثم قيل بجواز كتابته كما يجوز عتقه، و لأنها معاوضة روعي فيها جانب المالية فلا يمنع الكفر منها وسميا إذا كان المكاتب مسلما. وأما إسلام المكاتب وهو المولى ففي اعتباره قول، مترتب على أنه عتق بعوض وأن العتق لا يقع من الكافر، وقد تقدم الكلام في ذلك العتق المحض وأنه لا دليل على اشتراط الاسلام في المعتق فكيف في المكاتبة الذي لم يثبت كونه عتقا بل معاملة مستقلة ثم إنه إذا كان المكاتب والمكاتب كلاهما كافرين فلا كلام لأن يده تقر عليه بدون الكتابة. وإن كان مسلما ففي صحته كتابته له قولان: من حيث إنه يجبر على نقله من ملكه، والكتابة كما عرفت لا توجب الانتقال التام عن الملك لأنها محتملة للخروج منهم والبقاء، وتمام الخروج موقوف فيها على أداء المال من
(1) سوره النور – آية 33. (2) سورة المجادلة – آية 22.
[ 380 ]
حيث استلزامها رفع اليد في الجملة، وتثبت المكاتبة للحرية ورفع ذلك الحجر عنه في كثير من الأعمال خصوصا عند جعلها بيعا لازمة من جهة المولى، وربما قيل بالفرق بين مطلقتها ومشروطتها، فاكتفى بالاولى دون الثانية لأنه لا يخرج من المشروطة عن الرقية إلا بأداء جميع المال وهو في معرض العجز اختيارا واضطرارا. ويتفرع على هذه الأقوال ما إذا كاتبه في حال كفره فأسلم قبل كمال الأداء، وأولى بالاكتفاء لأن الاستدامة أقوى من الابتداء. وعلى المنع من الاكتفاء بها يحتمل هنا الجواز لذلك، والأقوى تساويهما حكما. وعلى تقدير الاكتفاء بها ويتجدد له العجز يحتمل تسلط المولى على الفسخ، وحيث يفسخ يباع عليه قهرا لمقتضى التغرير وعدم تخيره هنا لاسلتزامه تملك المسلم اختيارا. (ومن) الشرائط أيضا القصد إلى المكاتبة، فلا عبرة بعقد الساهي والنائم والغافل والهازل، ولو تنازعا في القصد فالظاهر تقدم مدعي الصحة، ولا عبرة بعقد السكران أيضا وإن اجري عليه أحكام الصاحي في العبادات بحيث يؤمر بقضائها، وكذا سائر عقوده باطلة عندنا. (ومنها) انتفاء الحجر، فلا تصح من السفية إلا بإذن المولى، ولا من المفلس إلا بإذن الغرماء، ويصح من المريض مطلقا إن قلنا إن منجزاته من الأصل كما هو المختار، وعلى المشهور لا يصح إلا إذا قام به الثلث أو إجازة الوارث لأنه معاملة على ماله بماله، ولو برئ لزم مطلقا، وتجوز من المكاتب لرقيته لكن مع الغبطة والمصلحة، أما غير المكاتب فلا تصح كتابته رقيقة إذا قلنا بملكه الأقوى إلا بإذن السيد الاختيار، فلا تقع من المكره إلا أن يرضى بعد زوال الاكراه إن جوزنا العقد الفضولي فيه كما هو مذهب جماعة، والأقوى البطلان: ولو أظهر دلالة الاختيار وقع كمخالفة المكره فيما عين. (ومنها) استيعاب الجميع عند جماعة، فلو كاتب نصف عبد لم يصح عند الشيخ في المبسوط ومن تبعه للزوم الناقض في السعي سواء كان باقية له أو لغيره ولا تسري
[ 381 ]
الكتابة. نعم لو أدى انعتق كله عند الشيخ، ويغرم السيد قيمة النصيب ولا يرجع به على العبد، والمختار جواز التبعيض فيها كما في الخلاف، وأولى منه لو كان بعضه حرا. ويدل عليه من الأخبار موثقة أبي بصير (1) ” قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل أعتق نصف جاريته ثم إنه كاتبها على النصف الآخر ” وساق الحديث إلى أن قال: ” ولها أن تتزوج في تلك الحال ؟ قال: لا، حتى تؤدي جميع ما عليها في نصف رقبتها “. ولو كان نصفه حرا وبيده مال فكاتبه على قدره فما دون حالا فالأقرب الصحة لاستغنائه هنا عن الأجل. (ومنها) كون العوض دينا، فلو كاتبه على عين بطل، لأنها إن كانت للسيد فلا معاوضة وإن كانت لغيره فهي كجعل ثمن المبيع من غير مال المشتري، ولو أذن الغير في الكتابة على عين يملكها فهي في قوة المبيع، فإن جوزناه صح. وكذلك لو قلنا بأن العبد يملك فكذلك لارتفاع الحجر عنه برضا لمولى بمكاتبته بها. (ومنها) كون العوض معلوم القدر و الجنس والوصف، فإن كان نقدا وصف بما يوصف به في النسية، وإن كان عوضا فكالسلم فتمتنع الكتابة على ما لا يمكن ضبط أوصافه كالجارية وولدها والدرة النفيسة. ويدل على ذلك من الأخبار صحيحة علي بن جعفر (2) كما في كتاب المسائل له عن أخيه موسى عليه السلام ” قال: سألته عن الرجل يكاتب مملوكه على وصيف فيضمن عنه ذلك: أيصلح ؟ إذا سمى خماسيا أو رباعيا أو غيره فلا بأس “. ومثله خبره (3) في كتاب قرب الأسناد عن أخيه موسى عليه السلام مثله.
(1) الكافي ج 6 ص 188 ح 14، الوسائل ج 16 ص 108 ب 6 ح 4. (2) بحار الانوار ج 10 ص 257، الوسائل ج 16 ص 104 ب 4 ح 14. (3) قرب الاسناد ص 120، الوسائل ج 16 ص 101 ب 3 ح 1 وفيهما اختلاف يسير.
[ 382 ]
(ومنها) كون العوض مما يملكه المولى، فلو كاتب المسلم عبده المسلم أو الذمي على خمر أو خنزير بطل، ولو كانا ذميين صح، ولو أسلما لم تبطل وإن لم بتقابضا وذلك لأن المعاملة المذكورة صحيحة تقوم عبدا عند كونهما ذميين، ولا فرق بين أن يكون ذلك قبل قبض العوض أو بعده، ولا رجوع للسيد على العبد بشئ لا نفصال الأمر بينهما حال التزامهما به، وإن ترافعا قبل القبض إلينا لم نحكم بفسادها، ولا سبيل إلى الرجوع بالتعين لتحريمه في شرع الاسلام فيرجع إلى القيمة لأنها أقرب شئ، والمحرم لم يفسد بل صح فيما بينهم، ولهذا لو قبضهم لم يجب له غير، وإنما تعذر الحكم به شرعا فوجب المصير إلى قيمته عند مستحله كما لو جرى العقد على عين وتعذر تسليمها. وإن اتفق ذلك بعد قبض البعض مضى في المقبوض ولزمه قيمة الباقي وقد ثبت ذلك الحكم في نظيره كالمهر، وقد تقدم في النكاح ما يدل عليه. مثل خبر طلحة بن زيد (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن رجلين من أهل الذمة أو من أهل الحرب تزوج كل واحد منهما امرأة وأمهرها خمرا وخنازير ثم أسلما، قال: ذلك النكاح جائز حلال لا يحرم من قبل الخمر والخنازير، وقال: إذا أسلما حرم عليه أن يدفع إليها شيئا من ذلك يعطيها صداقها “. وخبر عبيد بن زرارة (2) ” قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: النصراني يتزوج النصرانية على ثلاثين دنا خمرا أو ثلاثين خنريرا ثم أسلما بعد ذلك ولم يكن دخل بها، قال: ينظركم قيمة الخنازير وكم قيمة الخمر ثم يدخل عليها وهما على نكاحهما الأول “.
(1) التهذيب ج 7 ص 355 ح 10 وفيه ” أو خنازير “، الوسائل ج 15 ص 4 ب 3 ح 1 وفيهما ” حرم عليهما أن يدفعا اليهما شيئا من ذلك يعطياهما صداقهما “. (2) التهذيب ج 7 ص 356 ح 11، الوسائل ج 15 ص 4 ب 3 ح 2 وفيهما ” ويرسل به إليها ثم يدخل “.
[ 383 ]
ومقتضى هذه الأخبار استقرار أمر الكتابة، ويقوم ما كوتب عليه من الخبر والخنازير عند عارفيه من أهل الاسلام أو من غيرهم مع الائتمان ويدفعه المكاتب مثل ما يدفع ما لو كان مكاتبا على مال مستحل من الدارهم والدنانير ونحوها ولا تبطل المكاتبة بالاسلام مع لزومها وإنما يتمول مالها إلى ذلك، وأما ما قبض منه حال كفره فليس عليه بدل. (ومنها) أنه يعتبر في المملوك البلوغ وكمال العقل، فلو كان غير بالغ أو عاقل لم تنعقد مكاتبتهما، فإن تولى السيد الطرفين وإن كان له ولاية عليهما بأن الشرائط هنا معتبرة في الطرفين ولقوله تعالى ” والذين يبتغون الكتاب ” والصبي والمجنون لا ابتغاء لهما، ولأن مقتضى الكتابة وجوب السعي وإن كان ملك المال وهو لا يتأتى في حقهما، وكذا إن يعلم فيه خيرا ولا خير في الصغير ولا المجنون لعدم الاعتداد بإيمانهما. وقد تنظر ثاني الشهيدين في الاستدلال بالآية على ذلك، لأن الابتغاء شرط في الأمر بالمكاتبة الذي هو عبارة عن استحبابها ورجحانها، فلا يلزم منه المنع منها عدم الأمر وعدم الابتغاء، واقتضاء الكتابة وجوب السعي موضع الخلاف كما قدمنا لكن الوجوب مشروط بالتكليف فجاز الحكم بعدم وجوبه على غير المكلف كذلك، إذ الدليل على وجوبها ليس منافيا لذلك. وربما قيل إنه إجماع فيكون هو الحجة، وحق أن الحجة هو الحجر من الشارع على الصغير والمجنون، وحكمه بفساد معاملته إلى البلوغ والرشد لأن الكتابة داخلة في الأخذ والعطاء المعلق صحتهما في الأخبار على البلوغ والرشد وهو شامل للحر والعبد. وأما جواز المكاتبة من ولي اليتيم لعبده لحصول الغبطة والمصلحة، ولصحيحة معاوية بن وهب، ولأن المباشر لها الولي واستكمال الشرائط من الطرفين. (ومنها) اشتراط الاسلام في المكاتب، وقد تقدم أنه موضع خلاف وكلام، وقد استظهر جماعة المنع لقوله تعالى ” فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ” وهذه المسألة
[ 384 ]
مبنية على أن الخير المجعول في الكتابة هو الدين والمال معا ؟ أو الدين وحده ؟ والمال خاصة وحده ؟ فعلى الأولين لا يصح كتابة الكافر لعدم الشرط المقضي للمشروط. وعلى الثالث يصح لوجود الشرط، ويفهم من تعليلهم المنع بالآية اختيار إرادة أحد الأولين. وقد استظهر جماعة الثاني لوروده في الصحيحين كما سلف، ولمنع دلالة الآية على المنع على جميع المقادير لأن الشرط المذكور إنما وقع للأمر بها الدال على الوجوب أو الندب لا لمطلق الاذن والاباحة، فلا يلزم من توقف الأمر بها على شرط توقف إباحتها عليه، والدليل على تسويغ عقد الكتابة غير منحصر في الآية. وأما الاستدلال بقوله تعالى ” وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ” والكافر لا يستحق الزكاة ولا الصلة، والكافر ليس أهلا لذلك فقد تقدم الجواب عنه وهو أن الايتاء من الزكاة مشروط بعجزه وإيمانه فيخص الاتيان بمن هذه صفته، ومن ثم استظهر جماعة جواز مكاتبته كما يجوز عتقه، ولأنها معاوضة يغلب فيها جانب المالية فلا يمنع من المسلم والكافر. (ومنها) اشتراط الأجل، وقد مر الكلام فيه والخلاف وتحقيق الأدلة من الطرفين، وهل يشترط اتصال الأجل بالعقد ؟ فيه خلاف وتردد، منشأه أصالة الصحة ووجود المقتضي لها من العقد المشتمل على الأجل والمال ومن أصالة بقاء الملك وعدم نقل مثله، وهو اختيار الشيخ في المبسوط، واستظهر الأكثر الأول لا طلاق الأدلة، وقد تقدم الخلاف في نظائره من الاجازة وغيرها، وعندي أن اعتباره أقوى وأحوط. (ومنها) اشتراط أن يكون وقت الأداء معلوما مضبوطا لئلا يؤدي إلى الغرر والجهالة، فلو قال: كاتبتك على أن يؤدى إلي كذا في سنة، بجعل السنة ظرفا
[ 385 ]
للأداء لم يصح، ووجه البطلان ما قلناه، لأن الأجل على هذا التقدير مجهول لأن ” في ” لا تقتضي إلا الظرفية ولم يتبين أنه يؤديها في دفعة واحدة أو دفعات ولا أنها يؤديه في أولها أو وسطها أو آخرها. وقال ابن الجنيد بالجواز لعموم الأخبار ولصدق التأجيل بذلك، ويتخير في دفعه في مجموع ذلك الوقت. (ومنها) أنه على تقدير اشتراط التأجيل هل يكفي الأجل الواحد ؟ أم لا بد من التعدد ؟ المشهور بين الأصحاب بل جميعهم الاكتفاء بأجل واحد، وهو مذهب أكثر العامة أيضا للأصل وعموم قوله تعالى ” وكاتبوهم ” وعموم الأخبار الواردة في تفسير الآية، وفي الكتابة بقول مطلق. وخالف فيه بعض العامة واشترط كونه نجمين فصاعدا لأنه المأثور عن الصحابة قولا وفعلا، حتى نقل عن بعضهم أنه غضب على مملوك له فقال: لا عاقبك ولا كاتبك على نجمين، وهذا مشعر لأنه غاية التضييق، ولما تقدم من أن الكتابة مأخوذة من ضم النجوم بعضها إلى بعض، وأقل ما يحصل به الضم نجمان وأيضا أن الكتابة عقد إرفاق ومن تتمته تعدد النجم. والجواب عن ذلك كله لا يفيد الحصر، ولا حجة في العمل بدون الاجماع والنصوص، وهو غير واقع، بل الواقع الخلاف في المسألة قديما وحديثا، واشتقاق الكتابة جائزا بناه على الغالب وهو الكتابة الراجحة كما تقدم في تعريفها وهي الخطبة، وللأصل وعموم النص يدفع ذلك كله، ودخل في تجويز الكثرة من غير وقوف بها على حد بعد ضبطها والعلم بها أنه لا فرق بين جعلها إلى مدة لا يعيشان إليها غالبا أو عدمه فيصح للأصل، وينتقل الحكم بعدهما إلى الوارث وسيما في جانب المولى لأنها لا تبطل بموته. أما جانب المكاتب فيشكل بطلانها بموته مطلقا إذا كان مشروطا، وفي الباقي بالنسبة إلى المطلق فيكون الاشتراط الزائد منافيا لمقتضى العقد.
[ 386 ]
وقد أطلق الشهيد – رحمه الله – في بعض تحقيقاته جواز التأجيل لذلك مطلقا وحكم بانتقال الحكم إلى الوارث بعد الموت، وهذا لا يخلوا في جانب المكاتب من إشكال. وقد اختفلوا أيضا في جواز مثل هذا التأجيل في البيوع المؤجلة نسية وسلما لهذه العلة، واختار في التذكرة جوازه، وهو متجه لأنه لا مانع من انتقال الحق فيه إلى الوارث كما في فرض موت المولى هنا، وعلى هذا فيجوز أن تتساوى النجوم وإن تختلف. ولو قال: كاتبتك على خدمة شهر ودينار بعد الشهر صح إذا كان الدينار معلوم الجنس، ومرجع هذه المسألة إلى الجمع في العوض بين المال والخدمة، ثم إطلاق شهر الخدمة محمول على المتصل بالعقد كنظائره، وشرط كون الدينار بعده يقتضي تأجيل إلى نجم واحد وهو صحيح. وإنما يتوجه عليه المنع عند من شرط تعدد النجوم. ولو مرض العبد شهر الخدمة وكانت مشروطة أو جعل خدمة الشهر مجموع العوض بطلت الكتابة لتعذر العوض. أما لو جمع بينه وبين المال كالصورة السابقة وكانت المكاتبة مطلقة لم تبطل وروعي أداء المال وعتق بنسبته وإطلاق المحقق في الشرايع البطلان يقتضي أن تكون هذه الصورة مقطوعة عن المسألة السابقة، وإلا لم يتم الاطلاق. أما لو قال: على خدمة شهر بعد هذا الشهر، قيل: يبطل على القول باشتراط اتصال المدة بالعقد. وتردد في ذلك المحقق لكنها من فروع اشتراط اتصال الأجل بالعقد وعدمه، وإنما أفرودها بالذكر حملا للفرع السابق على المال كأن يشترط عليه مائة دينار مثلا يؤديها بعد شهر أوله بعد هذا الشهر فذكر اشتراط الخدمة، وقد منع من ذلك اليشخ في المبسوط وجماعة.
(ومنها) أنه لا يشترط في العوض العين فتجوز المكاتبة على منفعة معينة من خدمة أو خياطة أو بناء وتكون في الذمة كالعين.
[ 387 ]
وتوهم الفرق بينهما والقدح في جعل الخدمة عوض الكتابة – من حيث إن المنفعة ملك المولى فلا يعاوض على ماله بماله، بخلاف الملك المتجدد فإنه ليس بموجود ولا داخل تحت قدرته، بخلاف الخدمة فأنها مقدورة له فكانت كالعين الحاضرة، ومن ثم جاز عتقه منجزا بشرط خدمة معينة بغير رضاه دون اشتراط مال بغير رضاه – مندفع أسلفناه من أن مقتضى عقد الكتابة مخرج المملوك عن ملك المولى محضا وإن كان انتقالا متزلزلا ومن ثم حرم مناكحته وسقطت عنه فطرته ولم يكن له استخدامه وغير ذلك من توابع الملك، فكانت منفعته وما يتجدد من كسبه تابعة لرقبته بالانتقال عن ملكه فجاز جعله عوضا عن فك رقبته. ولما كان العتق المنجز مقتضيا ملك المعتق منافع نفسه وكسبه اعتبر رضاه في اشتراطه المال دون الخدمة لأنها تصير كالمستثناة مما يخرجه عن ملكه بالتحرير المتبرع به، وهذا لا يلزم منه بطلان جعل الخدمة عوضا في الكتابة الواقعة برضا المكاتب مضافا إلى عموم الأدلة. (ومنها) اشتراط المعلومية في عوض المكاتبة، ولا يقدح في معلوميتها الجمع بينها وبين شئ من المعاوضات مما يراعى فيها المعلومية كالبيع والنكاح والاجارة لأن المعتبر العلم بمجموع العوض والمعوض، ولا يعتبر العلم بما يخص الأجزاء، وإنما يحتاج إلى معرفته على بعض الوجوه كما لو ظهر استحقاق بعض الأعيان وبطلان بعض الصفقة، فيكتفي حنيئذ بمعرفة ما يخص كل واحد بالحساب ونسبة بعضها إلى بعض، وهذا من ذلك القبيل، قد تقدم ذلك في فروع البيع والنكاح. فإذا قال للعبد: كاتبتك وبعتك هذا الثوب بمائة إلى شهر مثلا وكاتبتك وآجرتك الدار بكذا، أو جمع بين الثلاثة فقال: قبلت الكتابة والبيع أو قبلتهما جميعا أو الجميع صح وانعقدت العقود الثلاثة، فإذا أدى المال المعين عتق، واستقر ملكه بالمبيع واستئجار الدار وغير ذلك مما يضاف إليها، فإذا احتيج إلى معرفة ما يخصه من مال الكتابة كأن ظهر المبيع مستحقا ولم يجز المالك وزع العوض
[ 388 ]
على قيمة وقت الكتابة وعلى قيمة المبيع واجرة مثل الدار تلك المدة ويسقط من العوض ما قابل الفاسد. وربما تطرق احتمال البطلان في الصفقة المجتمعة كذلك لأنها بمنزلة عقود متعددة، فيعتبر العلم بعوض كل واحد على الانفراد خصوصا مع اختلاف أحكامها كالبيع والكتابة والاجارة، والكتابة أشدها شبهة، وهي أن الكتابة لا تستقل بالتصرف إلى أن يتم عقد الكتابة، وحينئذ يقع البيع والاجارة قبل ملكه للتصرف، فيقعا باطلين. وجوابه منع كون الصفقة والمجتمعة عقودا متعددة بل هي عقد واحد كما لو باعه ثوبين أو أكثر بثمن واحد، فإن احتمال تعدد الصفقة آت كالبيع والكتابة والاجارة، بل في ثوب واحد لو ظهر بعضه مستحقا وهو غير قادح اتفاقا نصا وفتوى، واختلاف الأحكام لا يقدح في الجميع لأنه يلزم كل واحد حكمه، وإنما القاعدة جمع الكل في صيغة واحدة وأما شبهة الاستقلال فمندفعة برضا ا لمولى بذلك، فإن الحجر عليه إنما كان لحق المولى. والأخبار المصرحة بالحجر عليه إنما هي فيما لا يقع بإذنه كما وقع في صحيحة معاوية بن وهب (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” أنه قال في رجل كاتب مملوكه على نفسه وماله وأمة وقد شرط عليه أنه لا يتزوج فأعتق الأمة وتزوجها، قال: لا يصلح له أن يحدث في ماله إلا الأ كلة من الطعام ونكاحه فاسد مردود “. وكذا إطلاق خبر أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: المكاتب لا يجوز له عتق ولا هبة ولا نكاح ولا شهادة ولا حج حتى يؤدي جميع ما عليه إذا كان
(1) الكافي ج 6 ص 188 ح 12، الوسائل ج 16 ص 107 ب 6 ح 1 وفيهما ” كاتب على نفسه – أن لا يتزوج “. (2) الكافي ج 6 ص 186 ح 2، التهذيب ج 8 ص 268 ح 9 وفيهما ” عن أبى جعفر – عجز عن نجم من نجومه “، الوسائل ج 16 ص 107 ب 6 ح 2 وفيه اختلاف يسير.
[ 389 ]
مولاه شرط عليه إن عجز فهورد في الرق “. وصحيحة الحلبي (1) هي الكاشفة عن هذا التقييد لقوله فيها ” في المكاتب يشترط عليه مولاه أن لا يتزوج إلا بإذن منه حتى يؤدي مكاتبته، قال: ينبغى له أن لا يتزوج إلا بإذن منه إن له شرطه “. وكما يجوز اجتماع هذه العقود مع المكاتبة وأنها لا تورث الجهالة كذلك يجوز أن يكاتب الاثنان عبدا واحدا سواء اتفقت حصتهما أو اختلفت، تساوى العوضان أو اختلفا، اتفقت النجوم أو اختلفت. وبالجملة: فكتابة العبد المشترك بين اثنين فصاعدا مما لا إشكال في جوازها للعموم وتسلط كل واحد من الشركاء على مكاتبة حصته بما شاء منفردا وكذا مع الاجتماع. وخالف في ذلك بعض العامة فمنع من اختلافها في القدر مع تساويهما في الملك حذرا من أن ينتفع أحد همابمال الآخر فيما إذا دفع إلى أحدهما مائة مثلا وإلى الآخر مائتين، ثم ارتفعت الكتابة بالعجز فيحتاج الأول إلى أن يرجع إلى الثاني خمسين ويكون الثاني قد انتفع بها مدة بقائها في يده من غير استحقاق. وهذا مدفوع بأن الاستحقاق طار من حين الفسخ وقبله كان ملكا لقابضه ملكا متزلزلا ولا يلزم انتفاع أحد هما بمال الآخر حين التصرف فيه وأما عدم جواز دفعه إلى أحدهما بدون إذن صاحبه وكون ما دفعه لهما فرع من فروع الدين المشترك، ونقل عن الاسكافي والقاضي ابن البراج حواز أن يدفع إلى أحدهما دون الآخر ما لم يشترطا عليه أن يكون الدفع لهما جميعا لأن لمن عليه الحق التخيير في جهة القضاء وتعيين ما شاء في أمواله، فإذا دفع إلى أحدهما حقه فقد اختار دفع ما يستحقه المدفوع إليه في المدفوع واختار منع الآخر منه فلا يشركه فيه كما لو منعه من الاستيفاء في بعض أمواله. والمشهور هو الأول حيث الدين لا يقبل
(1) الكافي ج 6 ص 187 ح 9، الوسائل ج 16 ص 108 ب 6 ح 5.
[ 390 ]
القسمة إلا على جهة الحوالة كما اقتضته النصوص المصرح بها في مباحث الديون هذا كله عند اتحاد العقد، أما لو تعدد فلا إشكال في الجواز كما قاله ابن الجنيد والقاضي. واعلم أن الكتابة تكون بالنسبة إلى الموليين متعددة في المعنى وإن اتحد العقد، فإذا أدى نصيب أحد هما بإذن الآخر انعتق، لكن بدون إذنه لا يتحقق العتق في أحد النصيبين، ولو عجز فعجزه أحد هما ورده في الرق وصبر الآخر صح كما لو تعدد. ولو كانت العبيد ثلاثة وكاتبهم في عقد واحد بأن قول: كاتبتكم على ألف إلى أنجم معينة فإذا أديتموها فأنتم أحرارا فقبلوا صحت الكتابة عندنا ووزع المال على قيمهم، فلو كانت قيمة أحدهم مائة والثاني مائتين والثالث ثلاثمائة فعلى الأول سدس المسمى وعلى الثاني ثلثه وعلى الثالث نصفه، والاعتبار بالقيمة يوم المكاتبة لأنه اشترى منه لنفسه حين العقد وإن توقف عتقه على أدائها. وقال بعض العامة: يوزع على عدد الرؤوس. وقد تقدم الكلام على نظيرها في عوض الخلع والصداق. ثم إن كل واحد من العبيد يؤدي ما عليه إما على التفاضل أو على التساوي، وينعتق إذا أدى ما عليه ولا يتوقف عتقه على أداء غيره ما عليه، على الأظهر، وإن مات أحدهم أو عجز فهو رق وغيره يعتق بأداء ما عليه، ولا ينظر إلى أن السيد قد علق عتقهم بأداء جميعهم حيث قال: فإذا أديتم فأنتم أحرار، لأن الكتابة الصحيحة يغلب فيها حكم المعاوضة دون المعتق. وقيل: لا يعتق بعضهم بأداء ما عليه وإنما يعتقون معا إذا أدوا جميع المال. وقد علم وجهه مما تقرر وما يجاب به عنه. وقال القاضي ابن البراج: إذا كاتب إنسان عبدين كتابة واحدة فمات أحدهما قبل الثاني فإما أن يختار أن يؤدي باقي الكتابة عنه وعن صاحبه وأما أن يكاتب عن نفسه كتابة جديدة، فأيهما اختار كان له ذلك، فإن كان المتروك مالا فيه وفاء بقسطه من الكتابة أخذة السيد مما له من الكتابة وكان على الثاني ما بقي من قسطه منها. ومثل ذلك ما إذا ارتد أحدهما ولحق بدار الحرب ولم يقدر عليه فإنه بمنزلة الميت وإن كان ما تركه فيه وفاء بجميع
[ 391 ]
الكتابة حتى حصة الثاني عتقا معا ورجع ورثة الميت على الحي بحصته وصار ذلك ميراثا بينهم. هذا حاصل كلامه، وهو يدل على توقف عتق كل منهما على أداء المال أجمع. وسيأتي إن شاء الله تعالى أن موت المكاتب يبطل الكتابة سواء كانت مشروطة أم مطلقة ولم يؤد شيئا من المال، وحينئذ فيسقط قدر نصيبه من مال الكتابة ولا ينحصر المال في أحدهما لأنه عوض بينهما معا فيقسط عليهما كالبيع، وإنما يؤدي الحي قدر نصيبه من مال الكتابة ويعتق. وإذا تقرر ذلك فلو شرط عليهم في عقد الكتابة كفالة كل منهما لصاحبه صح على القول الأصح للأصل وعموم الأخبار ” المؤمنون عند شروطهم ” فيلزم كلا منهما حكم الكفالة وهو وجوب إحضار الغريم عند الحلول أو أداء ما عليه، إلى آخر ما فصل هناك في أحكام الكفالة. وقيل: لا تصح الكفالة هنا بناء على عدم لزوم مال الكتابة من جهة المكاتب والشرط الكائن في العقد كجزء من العوض فيتبعه في الجواز، وكذا يجوز أن يضمن كل منهما ما في ذمة الآخر، وحينئذ فيعتقان جميعا لأن الضمان قد حول ما في ذمة كل منهما إلى الآخر كما هو مذهب الامامية، فيترك منزلة الوفاء ويبقى المال دينا في ذمة كل منهما، لا على وجه المكاتبة لحصول الوفاء بالضمان. ولو ضمن أحد هما خاصة تعلق المال بذمته وعتق المضمون لفراغه من مال الكتابة. وقال العلامة في المختلف فيه: إذا رضي المولى بضمانهما كليهما فهو كما لو لم يقع ضمان، وهو من غرائبه، لما عرفت من ظهور الفرق لتحول ما في ذمته إلى ذمة الآخر. نعم لو جعلنا الضمان ضم ذمة إلى ذمة – كما عليه العامة – تخيرا بالرجوع في الجميع على من شاء، وفي كلام الشيخ في المبسوط إشعار به. فكأنه قد اقتفى أثر العامة فيه لعدم تدبره لمسائل الفروع عند بحثه مع العامة. وقد ذكر في المسائل الحائريات ما يقرب من ذلك، حيث جوز ضمان اثنين مالا واشترط رجوعه
[ 392 ]
على من شاء منهما، وهو دليل على ذلك أيضا لأن هذا الشرط فاسد على مذهبنا لمنافاته للضمان، لأن الضمان ناقل للمال من ذمة إلى ذمة، وعليه إجماع أصحابنا، وكثيرا ما تقع لهم مثل هذه الغفلات عند مجاراتهم العامة في المسائل.
السابعة: لو دفع المكاتب ما عليه من المال قبل الأجل كان الخيار لمولاه في القبض والتأخير لأنه دين مؤجل، فلا يتحتم عليه قبوله قبل حضور أجله كما تقرر في الديون، ويجوز أن يتعلق بالتأخير غرض صحيح لا يتم بدونه فيجب الوفاء له به لاشتراطه ذلك في العقد، وهذا هو المشهور بين علمائنا. وخالف الاسكافي في مختصره الأحمدي فأوجب على مولاه القبول قبل الأجل، لكن لا مطلقا بل في موضع واحد، وهو ما إذا كان المكاتب مريضا ووصى بوصايا وأقر بديون وبذل لمولاه المال فليس له الامتناع لأن في امتناعه إبطال لاقراره ووصيته. ولبعض العامة قول بإجبار المولى على القبول مطلقا حيث لا ضرر عليه لأن الأجل حق من عليه الدين فإذا أسقطه سقط، وهو ممنوع، فإن الحق مشترك بينهما. والأخبار الواردة في هذه المسألة معتبرة إسحاق بن عمار (1) عن الصادق عن أبيه عليهما السلام ” قال: إن مكاتبا أتى عليا عليه السلام وقال: إن سيدي كاتبني وشرط علي نجوما في كل سنة، فجئته بالمال ضربة فسألته أن يأخذه كله ضربة ويجيز عتقي فأبى علي، فدعاه علي عليه السلام فقال: صدق، فقال له: ما لك لا تأخذ المال و تمضي عتقه ؟ قال: ما آخذ إلا النجوم التي شرطت وأتعرض بذلك إلى ميراثه، فقال علي عليه السلام: أنت أحق بشرطك “. وصحيح أبي الصباح الكناني (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في المكاتب يؤدي نصف
(1) التهذيب ج 8 ص 273 ح 31، الوسائل ج 16 ص 117 ب 17 ح 2 وفيهما اختلاف يسير. التهذيب ج 8 ص 271 ح 22، الوسائل ج 16 ص 116 ب 17 ح 1.
[ 393 ]
مكاتبته ويبقى عليه النصف ثم يدعو مواليه إلى بقية مكاتبته فيقول: خذوا ما بقي ضربة واحدة، قال: يأخذون ما بقي ثم يعتق “. وصحيح الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام مثله. وظاهر هذه الأخبار التنافي، وقد حملها الشيخ على الجواز دون الوجوب، وينبغي حملها على الاستحباب لأن فيه تعجيلا للعتق المحبوب عند الله كما فهمه محدث الوسائل وقد وافق صاحب المسالك الشيخ في الحمل على الجواز ثم قال: ولا دلالة فيه على لزومه، ولو ظهر منه ذلك لزمه تنزيله على ما ذكر حذرا من مخالفة غيره ومخالفة القواعد المقررة في نظائره. ولا ينافي صحة طرق هذه المجوزة وضعف طريق المانع لعدم المنافاة على ذلك، نعم لو صالحه المولى على هبة شئ من مال الكتابة على أن يعجل له مال الكتابة صح، لكن يكون بلفظ الهبة لا بلفظ الحط والابراء للمنع من ذلك في صحيح علي بن جعفر (2) عن أخيه أبي الحسن موسى عليه السلام ” قال: سألته عن الرجل كاتب مملوكه فقال بعد ما كاتبه: هب لي بعضا واعجل لك ما كان من كاتبتي، أيحل له ذلك ؟ قال: إذا كان هبة فلا بأس وإن قال حط عني وأعجل لك فلا يصلح “. وقد رواه في قرب الأسناد عن عبد الله بن الحسن (3) فيكون من الضعيف. وقد ذكره في كتاب المسائل (4). ولعل الفرق بين الهبة والحط، حيث إن الهبة الاعطاء والدفع كما قال الله تعالى ” وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ” بخلاف الابراء فإنه إسقاط مجرد،
(1) التهذيب ج 8 ص 273 ح 30، الوسائل ج 16 ص 116 ب 17 ح 1. (2) الكافي ج 6 ص 188 ح 15، الوسائل ج 16 ص 114 ب 13 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (3) قرب الاسناد ص 120، الوسائل ج 16 ص 114 ب 13 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (4) بحار الانوار ج 10 ص 263 وفيه اختلاف يسير.
[ 394 ]
والاسقاط إنما يتعلق بمحضر الدين، وعند تعجيله يكون عينا فلا يتعلق بها الابراء بل الهبة.
الثامنة: لو ظهر فساد الكتابة لاختلال شرائطها لا يتعلق بها حكم بل تقع لاغية كما هو مذهب الجميع لنا والأكثر للعامة، وخالف البعض منهم فقسموا الكتابة إلى باطلة وفاسدة، فالباطلة هي التي اختل بعض أركانها بأن كان السيد صبيا أو مجنونا أو مكرها على الكتابة أو كان العبد كذلك أو لم يجز ذكر عوض أو ذكر ما لا يقصد ماليته كالدم والحشرات أو اختلت الصيغة. والفاسدة هي التي انتفت صحتها باشتمالها على شرط فاسد أو بفوات شرط في العوض كان مجهولا أو لم يتجه ثم جعلوا الكتابة الباطلة لاغية كما ذكرناه. والفاسدة تساوي الصحيحة في ثلاثة امور:
(أحدها) أنه يحصل العتق بالأداء.
(والثاني) أنه يستقل بالكسب ويستتبع عند العتق ما فضل من كسبه و كذا ولده من جاريته.
(الثالث) أنه يستقل حتى تسقط عن السيد نفقته وتفارقها في أنها لا تلزم من جانب السيد فله فسخها وتبطل بموت السيد. وبالجملة: فالعتق عندهم يحصل من جهة التعليق لا من جهة الكتابة، وهذه الآثار كلها لا أصل لها عندنا لأن الفاسد لا يترتب عليه أثر، وإطلاق الشارع محمول على الصحيح، و الأحكام مترتبة عليه.
التاسعة: إذا مات المكاتب وكانت المكاتبة مشروطة بطلت الكتابة بالموت وكان ما تركه لمولاه وأولاده أرقاء، وإن لم تكن مشروطة تحررمنه بقدر ما أداه وكان الباقي رقا لمولاه، ولمولاه من تركته بقدر ما فيه من الرق، وللوارث بقدر ما انعتق منه، ويؤدى الوارث من سهم الحرية ما بقي من مال الكتابة، ولو لم يكن له مال سعى الأولاد فيما بقي على أبيهم، ومع الأداء ينعتق الأولاد. وهل للمولى إجبار هم على الأداء ولو بالسعي ؟ فيه خلاف، وقد تردد المحقق فيه في الشرايع، والأقوى أن له إجبار هم على ذلك كما يجبر من تحرر بعضه
[ 395 ]
على فك باقيه. ووجه العدم بطلان المعاملة وعدم وقوعها معهم فلا يلزمهم أداؤها. وذهب ابن الجنيد في مختصره الأحمدي أنهم يؤدون ما تخلف من أصل الزكاة ويتحرر الأولاد بذلك وما يبقى فلهم. والأول أشهر في الفتوى والرواية. وتشهد المشهور صحيحة محمد بن قيس (1) عن الباقر عليه السلام ” قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في مكاتب توفي وله مال، قال: يقسم ماله على قدر ما اعتق منه، وما لم يعتق يحسب لأربابه الذين كاتبوه “. وصحيحة بريد العجلي (2) عن الباقر عليه السلام ” قال: سألته عن رجل كاتب عبدا له على ألف درهم ولم يشترط عليه حين كاتبه أنه إن عجز عن مكاتبته فهو رد في الرق والمكاتب أدى إلى مولاه خمسمائه درهم، ثم مات المكاتب وترك مالا وترك ابنا له مدركا، فقال: نصف ما ترك المكاتب من شئ فإنه لمولاه الذي كاتبه والنصف الباقي لابن المكاتب لأنه مات ونصفه حر ونصفه عبد، فإذا أدى الذي كان كاتب أباه عليه ما بقي على أبيه فهو حر لا سبيل لأحد عليه من الناس “. وتمسك ابن الجنيد بصحيحة جميل بن دراج (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في مكاتب يموت وقد أدى بعض مكاتبته وله ابن من جاريته وترك مالا، فقال: إن كان اشتراط عليه أنه إن عجز فهو رق رجع ابنه مملوكا والجارية، وإن لم يشترط عليه صار ابنه حرا ورد على المولى بقية مال الكتابة وورث ابنه ما بقي “. ومثل صحيح أبي الصباح الكناني (4) وصحيح الحلبي (5) وصحيح عبد الله بن سنان (6)
(1) التهذيب ج 8 ص 274 ح 32، الوسائل ج 16 ص 118 ب 19 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (2) التهذيب ج 9 ص 350 ح 6، الوسائل ج 17 ص 411 ب 23 ح 5 وفيهما اختلاف. (3) التهذيب ج 9 ص 351 ح 7، الوسائل ج 17 ص 411 ب 23 ح 6 وفيهما اختلاف يسير. (4) التهذيب ج 8 ص 271 ح 22، الوسائل ج 16 ص 118 ب 19 ح 2. (5) التهذيب ج 9 ص 349 ح 3، الوسائل ج 17 ص 410 ب 23 ح 2. (6) التهذيب ج 8 ص 272 ح 24، الوسائل ج 16 ص 119 ب 19 ح 3.
[ 396 ]
وغيرهم جميعا من الصحيح بألفاظ مختلفة محصلها هذا الحكم، إلا أنها لا تخلو عن شائبة الاجمال. وطريق الجمع بين هذه الروايات ما قاله الشيخ في كتابي الأخبار هو أنه إذا أدى الوارث ما بقي من نصيبه لا من أصل المال ورث الباقي إن كان في النصيب بقية، وهذا وإن كان خلاف الظاهر إلا أنه متعين في مقام الجمع بين الأخبار الصحيحة. والمحقق في الشرايع اعتمد مذهب المشهور وأسند ما قاله ابن الجنيد إلى الرواية. والعلامة في التحرير توقف في أصل الحكم لمعارضته هذه الروايات مع أكثرية ما ذهب إليه ابن الجنيد وصحة جميعه ولانحصار الصحة في جانب المشهور عنده في رواية بريد لاشتراك محمد بن قيس عنده، فالصحة فيها غير متحققة إلا أنها أشهر، فتتعارض الكثرة والشهرة. ولو وصى له بوصية صح له بقدر ما فيه من حريته، وبطل ما زال. والمشهور بين الأصحاب أن المكاتب المشروط لا تصح الوصية له مطلقا، والمطلق تصح له بنسبة ما فيه من الحرية. والمستند في ذلك صحيحة محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في مكاتب تحت حرة فأوصت له عند موتها بوصية، فقال أهل المرأة: لا تجوز وصيتها له لأنه مكتب لم يعتق فلا يرث، فقضى عليه السلام: أنه يرث بحساب ما أعتق منهم ويجوز له من الوصية بحساب ما أعتق منه. وقضى في مكاتب قضى ربع ما عليه وأوصى له بوصية فأجاز ربع الوصية. وقضى في رجل حر أوصى لمكاتبته وقد قضت سدس ما كان عليها فأجاز بحساب ما أعتق. وقضى في وصية مكاتب قد قضى بعض ما كوتب عليه أنه يجاز من وصيته بحساب ما أعتق منه “. وقيل: تصح الوصية له مطلقا لأن قبولها نوع اكتساب، وهو غير ممنوع
(1) التهذيب ج 8 ص 275 ح 33، الوسائل ج 16 ص 121 ب 20 ح 2 وفيهما اختلاف يسير.
[ 397 ]
منه وفيه قوة، إلا أن العمل على الأول أحوط، وليست الرواية ضعيفة كما زعمه شهيد المسالك لعدم اشتراك محمد بن قيس لروايته عن الباقر عليه السلام ورواية عاصم بن حميد عنه. لكنه قد عمم الاشتراك هذا كله إذا كان الموصى غير المولى. أما هو فتصح وصيته له بغير إشكال فيعتق منه بقدر الوصية، فإن كانت بقدر النجوم أعتق جميعه، وإن زادت فالزائد له. ولا فرق في ذلك بين كون قيمته بقدر مال الكتابة وأقل، حيث إن الواجب الآن هو المال. ويحتمل عند البعض اعتبار القيمة لو نقصت لأن ذلك حكم القن، والمكاتب لا يقصر عنه. وفيه أنه قد خرج عن حكم القن بوجه وصار مال الكتابة في ذمته فكان اعتباره أولى.
العاشرة: لو وجب عليه بعد المكاتبة وانعتاق بعضه حد اقيم عليه من حد لأحرار بحد الحرية، ومن حد العبيد بنسبة الرقية. وإن لم يتحرر منه شئ بأن كان مطلقا ولم يؤد شيئا أو مشروطا حد حد العبيد وإن كان قد خرج عن حكم العبد بوجه لأنه لم يصر حرا محضا والحد قد بني على التحقيق فيرجح فيه جانب الأقل. ويدل على تبعيض الحد في المبعض صحيح الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في المكاتب يجلد الحد بقدر ما أعتق منه “. والمراد بالحد هنا حد الأحرار، وسكت عن الجزء لظهوره أو لأنه لا يقصر عن الأقل فتبين الأكثر. ولو كان الذنب موجبا للحد بشرط الحرية دون الرقية كالرجم انتفى رأسا وجلد. ومثله ما لو قذفه قاذف فإنه يجب عليه من حد الأحرار بحد الحرية ويسقط ما قابل الرقية إذ لا يجب الحد على قاذفه بل التعزير وهو لا يتنصف بل يناط بنظر الحاكم فيعزره عن جزء الرقية بما يراه.
(1) التهذيب ج 8 ص 276 ح 38، الوسائل ج 16 ص 122 ب 22 ح 1.
[ 398 ]
وفي صحيح محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في مكاتبة زنت، قال: ينظر ما اخذ من مكاتبتها فيكون فيها حد الحر، وما لم يقبض فيكون فيه حد الأمة. وقال في مكاتبة زنت وقد أعتق منها ثلاثة أرباع وبقي ربع فجلدت ثلاثة أرباع الحد حساب الحرة على مائة فذلك خمس وسبعون جلدة وربعها حساب العبد خمسين سوطا ونصف فذلك سبعة وثمانون جلدة، وأبى أن يرجمها وأن ينفيها قبل أن يثبت عتقها “. وفي صحيح آخر له (2) عن أبي جعفر عليه السلام مثله، على أنه قال: ” يؤخذ السوط به وكذلك الأقل والأكثر “. وفي صحيح محمد بن مسلم (3) عن أبي جعفر عليه السلام ” في المكاتب قال: يجلد الحد بقدر ما أعتق منه، وذكر أنه يجلد ببعض السوط ولا يجلد به كله “. وفي خبر عباد بن كثير (4) عن جعفر بن محمد عليهما السلام ” في المكاتبين ذا فجرا يضربان من الحد بقدر ما أديا من مكاتبهما حد الحر ويضربان الباقي حد المملوك “. وسيجئ بقية الكلام عليه في الحدود. ولو زنى المولى بمكاتبه سقط عنه بقدر الحد ما له منها من الرق وحد الباقي. هذا إذا كان مما يقبل التجزئة كالجلد، فلو كان كالرجم مما لا يقبلها سقط أيضا وتعين الجلد، ويمكن أن يقال: إن الرجم هنا منتف أصلا لفقد شرطه
(1) التهذيب ج 10 ص 28 ح 92، الوسائل ج 18 ص 404 ب 33 ح 3 وفيهما ” ينظر ما أدت – الحرة – وما لم تقض – حساب خمسين من الامة اثنا عشر سوطا – سبعة وثمانون جلدة والنصف “. (2) التهذيب ج 10 ص 29 ح 93، الوسائل ج 18 ص 404 ب 33 ح 4 وفيهما ” مثله الا أنه قال: يؤخذ السوط من نفسه فيضرب وكذلك “. (3) التهذيب ج 10 ص 28 ح 91 وفيه ” قال: يجلد المكاتب على قدر ما أعتق منه “، الوسائل ج 18 ص 404 ب 33 ح 2 وفيهما ” فان يجلد المكاتب على قدر “. (4) الفقيه ج 4 ص 33 ح 9، الوسائل ج 18 ص 405 ب 33 ح 7.
[ 399 ]
– أعني زنا الحر بالحرة – وكذا القول في المسألة السابقة فيجب الجلد ابتداء لا لتعذر تبعيض الرجم، وهو أجود. ويدل على الحكم رواية الحسين بن خالد (1) عن الصادق عليه السلام ” قال: سئل عن رجل كاتب أمة له فقالت الأمة: ما أديت من مكاتبتي فأنا به حرة على حساب ذلك، قال لها: نعم، فأدت بعض مكاتبتها وجامعها مولاها بعد ذلك، فقال: إن استكرهها على ذلك ضرب من الحد بقدر ما أدت من مكاتبتها ودرئ عنه من الحد بقدر ما بقي له من مكاتبتها، وإن كان تابعته كانت شريكته في الحد و ضربت مثل ما يضرب “. ولو كانت مشروطة ولم تؤد شيئا فلا حد، ولكن يعزر بتحريم وطئها لها بالمكاتبة مطلقا.
الحادية عشرة: لا يجوز للمولى في مال المكاتب تصرف إلا بما يتعلق بالاستيفاء لأن الغرض منها تحصيله وتحصينه بقدر فك رقبته، فليس مولاه المكاتب له إلا كسائر الديان، ويكون المكاتب مخيرا في جهة الوفاء. وكذلك ليس للمولى التصرف في المكاتبة بوطء بعقد ولا ملك لعدم صيرورتها حرة فلا تصلح للعقد، وخروجها بعقد المكاتبة عن محض الرق فلا يسوغ معه الوطء بالملك، فإن وطأها عالما بالتحريم عزر إن لم يتحرر منها شئ، وحد بنسبة الحرية إن لم تبعضت (2)، فإن أكرهها اختص بالحد ولها مهر المثل. وفي تكرره أوجه وأقوال ثالثها اشتراطه بتخلل أدائه إليها بين الوطئين.
و رابعها تعدده مع العلم لتعدد الوطء. ومع الشبهة المستمرة مهر واحد، وإذا وجب المهر فلها أخذه في الحال، فإن حل عليها نجم وكان من جنس واحد جاز إمساكه
(1) التهذيب ج 10 ص 29 ح 94، الوسائل ج 18 ص 406 ب 34 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (2) كذا في النسخة.
[ 400 ]
تهاتر، أو إن عجزت قبل أخذه سقط، وإن عتقت بأداء النجوم فلها المطالبة به من نصيب ما يكسبه المكاتب بعد القد له وإن حجر فيه عليه على بعض الوجوه لأن ذلك هو فائدة الكتاب إذ لو لاه لتعذر عليه الوفاء ومما يحجر عليه فيه تزوجه بغير إذن المولى ذكرا أو انثى، فإن بادرت بالعقد كان فضولا لأنها لم تملك على وجه يشتغل به. وفي رواية أبي بصير (1) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: المكاتب لا يجوز له عتق ولا هبة ولا نكاح ولا شهادة ولا حج حتى يؤدي ما عليه “. وكذا لا يجوز له ولاء أمة يبتاعها إلا بإذن مولاها لأن ذلك تصرف بغير الاكتساب وربما أنقص قيمتها، ويترتب عليها خطر الطلق ولضعف ملكه على تقدير الأمر، ولا فرق في ذلك بين المطلق والمشروط. ولو بادر ووطأ بغير إذنه فلا حد مع الشبهة، وإلا عزر لأن مهر جاريته لو ثبت كان له. ولو أولدها فالولد له بشبهة الملك. ثم لا يخلوا إما أن تأتي بالولد وهو مكاتب بعد فيكون ملكا له لأنه ولد جاريته لكن لا يملك بيعه ولا يعتق عليه لأن ملكه ليس بتام بل يتوقف على عتقه، فإن عتق عتق، وإلا فهو رق للسيد، وهذا معنى تبعية ولده له في الكتابة. وثبوت الاستيلاد للأمة موقوف أيضا على حرية الولد، فإن عتق استقر الاستيلاد وإن عجز رقت مع الولد، فإن عتق المكاتب بعد ذلك وملكها لم تصر مستولدة لأن العجز يبين أنها علقت برقيق وأنه لا استيلاد، ويحتمل أن لا مستولدا (2) مطلقا لأن عتق الولد طار على الاستيلاد فأشبهته الأمة الموطوءة بالنكاح، وحق الحرية للولد لم يثبت في الاستيلاد في الحال، هذا كله إذا أتت بولدها وهو مكاتب. أما إذا جاءت به بعد العتق، فإن كان دون ستة أشهر من وقت التعليق كان
(1) الكافي ج 6 ص 186 ح 2، الوسائل ج 16 ص 107 ب 6 ح 2. (2) كذا في النسخة ولعل الصحيح ” ويحتمل أن لا تكون مستولدة “.
[ 401 ]
كذلك لأن العلوق قد وقع في حال الرق، وإن كان لما زاد عن ستة إلى أقصى الحمل احتمل أن تكون بذلك مستولدة له عملا بالأصل وعدمه، نظرا إلى الغالب، هذا إذا كان وطؤه في الحرية مع أصالة عدم التقدم. وإن لم يطأها بعد الحرية انقدح الاشكال أقوى من الأول، ووجه الحكم به كونها فراشا له فيلحق به الولد في الجملة قبل الحرية وهو مستدام بعدها، وإن كان العلوق بعد الحرية قائم فيكتفي به لثبوت الاستيلاد في الأول على تقدير حريته فيسقط منا مؤونة هذا الاستدلال. ويدل على بعض هذه الأحكام صحيح علي بن جعفر (1) عن أخيه موسى بن جعفر عن أبيه عليهما السلام ” قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله في رجل وقع على مكاتبته فوطأها قال: عليه مهر أمثالها، فإن ولدت منه فهي على مكاتبتها، فإن عجزت ردت في الرق فهي من امهات الأولاد “. وخبر السكوني (2) كما رواه المحمدون الثلاثة عن أبي عبد الله عليه السلام ” أن أمير المؤمنين عليه السلام قال في مكاتبة وطأها مولاها فتحمل قال: يرد عليها مهر مثلها وتسعى في قيمتها فإن عجزت فهي من امهات الأولاد “.
الثانية عشرة: ليس للمكاتب التصرف في ماله ببيع ولا هبة ولا عتق ولا إقرار ولا شئ من التصرفات الناقلة إلا بإذن مولاه المكاتب له، وهو ممنوع من التصرف في ماله بما ينافي الاكتساب وما فيه خطر كالبيع بالعين بالنسية مع عدم الرهن والضامن المؤسر. وقيل: لا يجوز مطلقا لأن الرهن قد يعرض له التلف والضامن قد يعسر
(1) التهذيب ج 8 ص 277 ح 41، الوسائل ج 16 ص 114 ب 14 ح 1. (2) الكافي ج 6 ص 188 ح 16، الفقيه ج 3 ص 93 ح 7 وفيه ” عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال: قال على بن الحسين عليه السلام في مكاتبة “، التهيذيب ج 8 ص 269 ح 14، الوسائل ج 16 ص 115 ب 14 ح 2 وفيهما ” يطأها مولاها “.
[ 402 ]
والهبة بغير شرط عوض يزيد على العين كالبيع في المنع. وفي المساوي قول بالجواز إذ لا ضرر فيه، لكن يشترط قبض العين قبل التقبيض لأنه لا يجوز البيع بدون القبض، ففي الهبة أولى ومن أطلق المنع من الهبة نظرا إلى أن الهبة لا تقتضي العوض وإن شرط فلا يصح إلا مع عذره فيستلزم الخطر. وكذا لا يجوز له العتق مطلقا لأنه تبرع محض، ومثله شراء من ينعتق عليه، وله قبول هبته مع عدم الضرر بأن يكون مكتسبا قدر مؤونته فصاعدا. وكذلك الاقرار مع عدم الغبطة، فلو كان في موضع يخاف فيه تلف المال فأقرضه إلى محل الأمن أو خاف فساده قبل دفعه إلى المولى، ونحو ذلك مما فيه مصلحة ظاهرة، فلا منع، فهو من ضروب الاكتساب. والمحقق وغيره من فقهائنا في مؤلفاتهم قد إطلقوا المنع من هذه الأشياء، فلا بد من تقييدها بما ذكرناه، وفي معنى تصرفاته المنافية للاكتساب بسطه في الملابس والنفقة، ولا يكلف بالتقتير المفرط بل يلزم الوسط اللائق بحاله عادة، هذا كله إذا تجرد من إذن المولى. ومع الاذن يجوز هذا كله لأن الحق المالي لا يعدوهما. والذي يدل على هذه الأحكام صحيح معاوية بن وهب (1) الذي رواه المحمدون الثلاثة عن أبي عبد الله عليه السلام ” أنه قال في رجل كاتب نفسه وماله وله أمة وقد شرط عليه أن لا يتزوج فأعتق الأمة وتزوجها فلا يصلح له أن يحدث في ماله إلا الأكلة من الطعام ونكاحه فاسد مردود “. وخبر أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: المكاتب لا يجوز له عتق
(1) الكافي ج 6 ص 188 ح 12، الفقيه ج 3 ص 76 ح 16، التهذيب ج 8 ص 269 ح 11، الوسائل ج 16 ص 107 ب 6 ح 1 وما في المصادر ” كاتب على نفسه – قال: لا يصلح له “. (2) الكافي ج 6 ص 186 فيه ” عجز عن نجم من نجومه “، الوسائل ج 16 ص 107 ب 6 ح 2.
[ 403 ]
ولا هبة ولا نكاح ولا شهادة ولا حج حتى يؤدي جميع ما عليه إذا كان مولاه قد شرط عليه إن هو عجز فهو رد في الرق “. وصحيح أبي بصير ليث المرادي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام مثله وترك ” النكاح والشهادة والحج ” وزاد ” ولكن يبيع ويشتري: وإن وقع عليه دين في تجارته كان على مولاه أن يقضي عنه لأنه عبده “. وموثقة أبي بصير (2) ” قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل أعتق نصف جارية ثم إنه كاتبها على النصف الآخر – إلى أن قال: – فلها أن تتزوج في تلك الحال ؟ قال: لا، حتى تؤدي نصف ما عليها في نصف رقبتها “. وصحيح الحلبي (3) وحسنه عن أبي عبد الله عليه السلام ” في حديث أنه قال في المكاتب يشترط عليه مواليه أن لا يتزوج بإذن منه حتى يؤدي مكاتبته قال: ينبغي له أن لا يتزوج إلا بإذن منه أن له شرطه “. وصحيح أبي بصير (4) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: الرجل المسلم له أن يتزوج المكاتبة التي قد أدت نصف مكاتبها ؟ قال: فقال: إن كان سيدها حين كاتبها شرط عليها إن هي عجزت فهي في الرق فلا يجوز نكاحها حتى تؤدي ما عليها “.
الثالثة عشرة: كلما يشترط المولى على المكاتب في المكاتبتين معا يكون
(1) التهذيب ج 8 ص 275 ح 34، الوسائل ج 16 ص 107 ب 6 ح 3 وفيهما ” أن يقضى ديه “. (2) الكافي ج 6 ص 188 ح 14، الوسائل ج 16 ص 108 ب 6 ح 4 وفيهما ” تؤدى جميع ما عليها في “. (3) الكافي ج 6 ص 187 ح 9، الوسائل ج 16 ص 108 ب 6 ح 5 وفيهما ” مولاه أن لا يتزوج الا باذن منه “. (4) التهذيب ج 8 ص 214 ح 7، الوسائل ج 16 ص 108 ب 6 ح 6 وفيهما ” مكاتبتها – رد في الرق جميع ما عليها ” مع اختلاف يسير.
[ 404 ]
لازما ما لم يكن مخالفا للكتاب والسنة لأن عقد الكتابة قابل للشروط السائغة كنظائره من عقود المعاوضات، فيشمله عموم الصحاح المسلمة والمعتبرة من النبوية وغيرها في قولهم ” المؤمنون عند شروطهم ” فيلزم الوفاء بما يشترطانه ما لم يكن مخالفا للمشروع، وقد تقدم عن قريب أن له شرطه، وكذلك قد تقدم في خبر إسحاق بن عمار (1) عن جعفر عن أبيه عليهما السلام حيث قال في آخره ” أنت أحق بشرطك “. وأما عدم لزومه إذا خالف الكتاب أو السنة فللأخبار الدالة على جهة العموم وهي كثيرة، وقد تقدم منها جملة في البيوع والنكاح. ويدل عليه في المكاتبة بالخصوص خبر عمر و (2) صاحب الكرابيس عن أبي عبد الله عليه السلام كما في الكافي والتهذيب والفقيه ” في رجل كاتب مملوكه واشرتط عليه أن ميراثه له، فرفع ذلك إلى علي عليه السلام فأبطل شرطه وقال: شرط الله قبل شرطك “. فلو شرط عليه عملا مخصوصا زمن الكتابة أو بعد العتق بالأداء والاكتساب على وجه معين أو في مكان معين ونحو ذلك صح، ولو شرط عليه الوطء وعدم التكسب أو كان الولد المتجدد رقا ونحو ذلك بطل الشرط. وهل يبطل العقد ببطلانه ؟ فيه خلاف، والأقوى عدم البطلان لما سمعت من الأخبار فيما سبق واستوجه الشهيدان وجماعة من متاخري المتأخرين تبعية العقد له في الفساد كنظائره من الشروط الفاسدة في العقد الصحيح، لولاها والأخبار الواردة بأيدينا لا تساعدهم.
الرابعة عشرة: لا يدخل الحمل في كتابة أمة، لكن لو حملت بمملوك بعد الكتابة كان أولادها كحكمها فينعتق منهم بحسابها، ولو تزوجت بحر كان أولادها أحرارا، ولو حملت من مولاها لم تبطل الكتابة، فإن مات وعليها شئ
(1) التهذيب ج 8 ص 273 ح 31، الوسائل ج 16 ص 117 ب 17 ح 2. (2) الكافي ج 7 ص 151 ح 2 وفيه ” عن ابن أبى عمير عن بعض أصحابه “، الفقيه‌ج 3 ص 78 ح 22، التهذيب ج 8 ص 270 ح 16، الوسائل ج 16 ص 115 ب 15 ح 1.
[ 405 ]
من الكتابة تحررت من نصيب ولدها، وإن لم يكن لها ولد سعت في مال الكتابة للوارث. وإنما لم يكن الولد مكاتبا إذا كانت حاملة به حال الكتابة لأنه كالولد المنفصل وإن قصده، فإن الصغير لا يكاتب بخلاف مثله في التدبير، فإن الصغير يقبله لأنه عتق متبرع به مشترك فيه الصغير والكبير بخلاف المعاملة. ولبعض المخالفين قول بدخوله في الكتابة على وجه الاستتباع لا على جهة السراية كما يتبع المال في البيع وهو ممنوع. أما الحادث بعد الكتابة فهو أقسام، لأنه إما ان يكون من زنا أو من نكاح مملوك أو من حر أو من مولاها. فإن كان من حر فولدها أحرارا لا مدخل لهم في الكتابة. وإن كانوا من زنا أو من مملوك ثبت لهم حكم الكتابة بمعنى انعتاقهم بعتق الام أو بالأداء لمال الكتابة أو بالابراء، وهذا هو المراد بكونهم بحكمها، لا أنهم يصيرون مكاتبين لأنهم لم يجر معهم عقد، وإنما المراد انعتاقهم بعتقها من جهة الكتابة حتى لو فسخت الكتابة ثم عتقت الام لم ينعتق الولد. وهل يثبت حق ملكهم قبل الانعتاق للام أم للمولى ؟ قولان: من أنه تابع للام وحقها له، ومن أنه من جملة كسبها فيكون لها، وتظهر الفائدة فيما لو قتله قاتل، فعلى القول الأول فقيمته للمولى كما لو قتلت الام، وعلى الثاني فهو للمكاتبة تستعين به في أداء النجوم. أما كسب الولد وأرش الخيانة عليه فيما دون النفس وأرش الوطء بالشبهة لو كانت جارية فموقوف على عتقها فيكون لها، وإلا فللمولى كسب الام. ولو عجزت الام وأرادت الاستعانة بكسب ولدها الموقوف ففي إجابتها وجهان مرتبان على أن الحق هل هو للمولى أو لها ؟ فعلى الثاني لا إشكال في جواز استعانتها به، وأما على الأول فيحتمل أيضا كذلك لأنها إذا رقت رق الولد فيأخذ المولى كسبه، وإذا عتقت عتق، وقد يفضل شئ من الكسب ففي إجابتها لحظ
[ 406 ]
الولد وعدمه لأنه لا حق لها في كسبه لأن الكلام على تقديره، وتظهر الفائدة أيضا في نفقة الولد، والوجه أنها في كسبه وما فضل فهو الموقوف. فإن لم يكن له كسب أو لم يف بالنفقة ففيه قولان: أظهر هما أنها على المولى بناء على أن حق الملك له وإن كان مراعيا. والثاني أنه من بيت المال، لأن تكليفه النفقة من غير أن يصرف إليه الكسب في الحال إجحاف به. وفيه وجه ثالث احتمله البعض أنه على الام، لأن كسبه قد تنتفع به فتكون نفقته عليها لتبعية النفقة للكسب. وإن كان الولد من مولاها وكان مولاها حرا فالولد حر لأنها علقت به في ملكه فتصير ام ولد له. وهل عليه قيمة الولد ؟ يبنى على ما تقدم من الوجهين السابقين. فإن قلنا: حق الملك للسيد فلا شئ عليه كما لو قتل ولد المكاتبة، وإن قلنا: الحق لها فعليه القيمة وتستعين المكاتب بها، فإن عجزت قبل أخذها لها سقطت لعودها للمالك، وإن عتقت أخذتها، وإن ولدت بعد ما عجزت وصارت رقا فلا شئ لها. وكذا لو ولدت بعد ما عتقت لأنه حين تعذر تقويمه ليس بكسب مكاتبته ثم لا ترتفع الكتابة باستيلادها بل هي ام ولد، ومكاتبته كما تقدم دليله، فإن عجزت ثم مات السيد عتقت عن الاستيلاد، والأولاد الحادثون بعد الاستيلاد من النكاح أو السفاح يتبعونها في الحرية، والحادثون قبل الاستيلاد أرقاء للسيد وتعتق من نصيب ولدها، فإن عجز النصيب بقي الباقي مكاتبا وسعت في عوضه للوارث. وقد تقدم في صحيحة علي بن جعفر (1) وروايته وخبر السكوني (2) ما يرشد إلى ذلك حيث قال في تلك الصحيحة ” إن رسول الله صلى الله عليه واله قال في رجل وقع على مكاتبته فوطأها: إن عليه مهر مثلها فإن ولدت منه فهي على مكاتبتها وإن عجزت فردت في الرق فهى من امهات الأولاد “.
(1) التهذيب ج 8 ص 277 ح 41. (2) التهذيب ج 8 ص 269 ح 14.
[ 407 ]
الخامسة عشرة: المكاتب المشروط باق على رقيته لمولاه حتى يؤدي جميع ما عليه، ففطرته على مولاه كما تقم في الزكاة، ولو كان مطلقا لم تكن عليه فطرته في المشهور لخروجه عن محض الرقية ولم يصر إلى حالة الرقية وهي مرتبة بينهما كما علم مرارا، ومن هنا تسقط نفقته عن مولاه وتتعلق بكسبه، وكان اللازم من ذلك ثبوت فطرته على نفسه وإن كانت مشروطة لأنها تابعة للنفقة. لكن قد أطلق جماعة من الأصحاب وجوب فطرة مشروطة على مولاه والحكم عليه بإطلاق الرقية مع أن صحيحة علي بن جعفر (1) عن أخيه موسى عليه السلام ” قال: سألته عن المكاتب هل عليه فطرة رمضان أو على من كاتبه ؟ أو تجوز شهادته ؟ فقال: الفطرة عليه ولا تجوز شهادته “. و لم يفرق فيها بين القسمين. وأول الشهيدين في الدروس اختصر على نقل وجوب فطرة المشروط على مولاه وعن بعض الأصحاب ثم احتمل عدمه محتجا بأنها تابعة للنفقة. وابن البراج صرح بعدم وجوبها على المولى أيضا، ولا بأس بهذا القول لأن الشهرة غير كافية في الاستدلال. وأما المطلق فلا تجب فطرته على مولاه قولا واحدا ولا على نفسه إلا أن يتحرر منه شئ لأنه مملوك لا يقدر على شئ. وصحيح علي بن جعفر شامل للمشروطة والمطلقة، فنفيها عنه بهذا التعليل قول عليل، وإن كان ظاهر هم الاتفاق عليه عملا لتلك الصحيحة ولو وقعت عليه كفارة متعلقها العتق والاطعام، ولم يجز له أن يؤدي شيئا من هذين الخصلتين إلا إذا أذن له المولى، لأن شرط التكفير بهما الملك واليسار وهو ملتفت عنه. أما الثاني فظاهر، وأما الأول فلأن ملكه غير تام والتكفير بالاطعام مشروط بالأمر الثاني. وعلى تقدير إذن المولى في ذلك ففي الاجزاء وجهان، من أن المنع كون الحق للمولى وقد زال بإذنه، ومن أن التكفير عليه بالأمرين غير واجب على
التهذيب ج 8 ص 277 ح 40، الوسائل ج 16 ص 122 ب 22 ح 2.
[ 408 ]
المملوك فلا يجزي عن الواجب، وإذن المولى لا يقتضي الوجوب بل غايته الجواز. ويمكن بناؤه على أن التبرع على المتبرع بالكفارة التي ليست فرضه هل تجزي عنه أم لا ؟ فإن قلنا بإجرائها أجزأت هنا بطريق أولى وإلا فلا. والعلامة في المختلف قد ادعى الاجماع على أن التبرع عن المتبرع بإذنه مجز يجزي هنا وهو الوجه. والشيخ في المبسوط معاكس لما في المختلف حيث ادعى الاجماع على عدم الاجزاء مع أنه في باب الكفارة من ذلك الكتاب اختار الاجزاء وجعله الأظهر في روايات أصحابنا. ووافقه ابن إدريس في السرائر على عدم الاجزاء، والأقوى ما استظهره في الروايات، وهذه الاعتبارات لا تعارضها، فإن الأخبار تنادي بإن التبرع في الفرائض مجز كالزكاة والفطرة ونحوها.
السادسة عشرة: إذا ملك المملوك نصف نفسه كان كسبه مشترك بينه وبين مولاه ولو طلب أحدهما المهاياة من الآخر وقد اختلف الأصحاب في وجوب الاجبار عليها وعدمه إلى قولين، والأقوى عدم الوجوب. ووجه القول بالاجبار أن لكل منهما الانتفاع بنصيبه، ولا يمكن الجمع بين الحقين في وقت واحد، وكانت المهاياة طريق الجمع بين الحقين ووسيلة إلى قطع التنازع ولا ضرر فيها. وتدل عليه موثقة عمار بن موسى الساباطي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في مكاتب بين شريكين فيعتق أحدهما نصيبه، كيف تصنع الخادمة ؟ قال: تخدم الباقي يوما وتخدم نفسها يوما “. وفي رواية مالك بن عطية الصحيحة عن أبي بصير (2) ذلك أيضا ” حيث قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل أعتق نصف جاريته ثم إنه كاتبها على النصف الآخر بعد ذلك، قال: فقال: فيشترط عليها إن عجزت عن نجومها فإنها رد في الرق في نصف رقبتها، فإن شاء كان له يوم في الخدمة ولها يوما وإن لم يكاتبها، قلت: فلها
(1) التهذيب ج 8 ص 275 ح 36، الوسائل ج 16 ص 119 ب 19 ح 4. (2) التهذيب ج 8 ص 269 ح 13، الوسائل ج 16 ص 113 ب 12 ح 1.
[ 409 ]
أن تتزوج في تلك الحال ؟ قال: لا، حتى تؤدي جميع ما عليها في نصف رقبتها “. وفي صحيح عبد الله بن سنان (1) ” أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة أعتقت ثلث خادمها عند موتها، أعلى أهلها أن يكاتبوها إن شاءوا وإن أبوا ؟ قال: لا، ولكن لها من نفسها ثلثها وللوارث ثلثاها. يستخدمها بحساب ما لم يعتق منها ويكون لها من نفسها بحساب ما أعتق منها “. فهذه الأخبار تشهد بالمهاياة لكن لا تستلزم تحتمها والاجبار عليها، ومن هنا ذهب أكثر المتأخرين إلى عدم تحتمها وذلك لأنها قسمة لغير معلوم التساوي فتتوقف على التراضي، بل لا يظهر كونها قسمة. وعلى تقدير القول بوجوب الاجابة إليها فيكتفي المهاياة اليومية ولا يجب الأزيد.
السابعة عشرة: إذا كاتب عبدا شخص ثم مات وخلف ورثة قاموا مقامه في أنهم إذا أعتقوه أو أبروه من نجوم عتق، وكذا لو استوفوا المال ولو أبرأه البعض دون البعض أو أعتقه‌عتق نصيبه بالاجماع منا، خلافا لبعض العامة حيث قال: إنه لا يعتق بالابراء حتى برأه الآخر. ولا تقع هنا سراية بحيث يضمن الشريك حصته الآخر، واحتمل بعض أصحابنا السراية لوجود سبب العتق باختياره وكون المكاتب في حكم الرق بالنسبة إلى قبول العتق، وقد تقدم في موثقة عمار وصحيحة أبي بصير ما يدل على عدم السراية. ويمكن بناء الحكم هنا في السراية وعدمها على أن الكتابة هل هي عتق بعوض أو بيع ؟ وعلى الثاني لا يسري لأن المولى لا يعتق وإنما ملك العبد نفسه بالشراء وأداء العوض فعتق. وعلى الأول فتحتمل السراية وعدمها وإن كان الأقوى عدم السراية.
الثامنة عشرة: من كاتب عبده ترجح له أن يعينه من زكاته إن وجبت
(1) الفقيه ج 3 ص 72 ح 9، الوسائل ج 16 ص 120 ب 20 ح 1.
[ 410 ]
عليه، ولا حد له قلة ولا كثرة، فإن لم يكن له زكاة استحب له التبرع بالعطية. والأصل في هذه المسألة الكتاب وهو قوله تعالى ” وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ” (1) وقد فسر الايتاء هذا بأحد أمرين: إما أن يحط شيئا من النجوم أو يبدل له شيئا فيأخذه في النجوم. أما الثاني فظاهر لأن البدل إيتاء وهو المأمور به في ظاهر الآية، وأما الأول فقد روي في السلف قولا وفعلا. وفي رواية العلاء بن فضيل (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في قوله تعالى ” وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ” قال: يصنع عنه من نجومه التي لم يكن يريد أن ينقصه منها، فقلت: كم ؟ قال: وضع أبو جعفر عليه السلام عن مملوك له ألفا من سبعة آلاف “. وفي صحيحة محمد بن مسلم (3) عن أحد هما عليهما السلام ” قال: سألته عن قول الله عز وجل ” وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ” قال: الذي أضمرت أن تكاتبه عليه، لا تقول اكاتبه بخمسة آلاف وأترك له ألفا ولكن انظر إلى الذي أضمرت عليه فاعطه منه “. وفي صحيح القاسم بن بريد (4) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن قول الله عز وجل ” وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ” قال: سمعت أبي يقول: لا يكاتبه على الذي أراد أن يكاتبه ثم يزيد عليه ثم يضع عنه ولكن يضع عنه ما نوى أن يكاتبه عليه “. وإنما فسرت الآية بذلك وإن كان خلاف ظاهرها لأن المقصود منها إعانته ليعتق والاعانة في الحط محققة وفي البذل موهومة فإنه قد ينعتق المال في جهة اخرى، وبهذا يظهر لك أن الحط أولى من الاعطاء. وبعد الاتفاق على رجحانه لظاهر الآية اختلف في أنه هل على جهة
(1) سورة النور – آية 33. (2) التهذيب ج 8 ص 270 ح 15، الوسائل ج 16 ص 111 ب 9 ح 2 وفيهما اختلاف يسير. (3) الكافي ج 6 ص 186 ح 7، الوسائل ج 16 ص 111 ب 9 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (4) الفقيه ج 3 ص 78 ح 25، الوسائل ج 16 ص 111 ب 9 ح 3 وفيهما اختلاف يسير.
[ 411 ]
الوجوب أو الندب ؟ وفي أن المراد بمال الله هو الزكاة الواجبة على المولى أم مطلق المال الذي بيده فإنه من عند الله ؟ وفي أن الضمير المأمور هل هو عائد على قوله ” وكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ” أو على المكلفين مطلقا ؟ فالشيخ في المبسوط وجماعة أوجبوا على المولى إعانة المكاتب بالحط والايتاء وإن لم يجب عليهم الزكاة ولم يجب على غيره، وهو مبني على أن الأمر للوجوب وأن المال أعم من الزكاة وأن الخطاب متعلق بالموالي. وفي المختلف ذهب العلامة إلى الاستحباب مطلقا، وجعل مال الله أعم فلم يوجب عليه الاعانة من الزكاة ولا من غيرها. والمحقق اختار وجوب الاعانة على المولى إن وجبت عليه الزكاة فيها والاستحباب إن لم تجب (أما الأول) فلأن أداء الزكاة واجب ولا شئ من إعانة المديون في وفاء دينه بواجب للأصل، فيختص هذا الأمر بما لو وجبت الزكاة ولأن المكاتب من أصناف المستحقين، فيكون الدفع إليه واجبا عليه في الجملة. (وأما الثاني) فلأصالة عدم الوجوب، مع ما فيه من التعاون على البر وإعانة المحتاجين وتخليص النفس من ذي الرقية وحقوقها. والحق والأقوى وجوب الايتاء من الزكاة إن وجبت وجوبا تخييريا بينها وبين الحق عنه من مال الكتابة جمعا بين الأدلة واختصاص الخطاب بالمولى عملا بظاهر الأمر المطلق المتعلق بالمأمورين بالكتابة. وربما قيل بوجوب الدفع من مال الزكاة عينا إن وجبت الزكاة، فإن لم يكن زكاة وجب أن يدفع إليه من ماله أو يحط عنه من مال الكتابة. ويجب على المكاتب القبول إن أعطاه من جنس مال الكتابة لا من غيره عملا بظاهر الآية، فقد قيل: إن المراد به مال الكتابة ولو حط عنه كان إبراء فلا يعتبر فيه القبول على الأقوى، ولو اعتبرناه وجب كدفع الجنس. ولو أعتق قبل الايتاء ففي سقوط الوجوب قولان: من فوات محله وتعلق
[ 412 ]
الخطاب بالمكاتبين وقد زال ذلك الوصف، ومن كونه كالدين فيجب مطلقا، واختاره في الدروس. ولو دفع إليه من الزكاة وكان مشروطا بعجزه ففي وجوب إخراج الزكاة لغيره أوردها إلى دافعها وجهان: من ظهور عدم الاستحقاق وكونه طارئا على الدفع الموجب للملك حال كونه قابلا له، وبراءة ذمة الدافع حينئذ وعوده إلى المولى إحداث ملك لا إبطال لما سلف، ومن ثم بقيت المعاملة السابقة بحالها وإن لم يرض بها المولى ويضعف ويمنع كونه إحداثا بل إعادة في الرق، فيقتضي نقض جميع ما سبق، ومن ثم أعاد كسبه وأولاده ملكا له وبقاء المعاملة بسبب الاذن الضمني في عقد المكاتبة فإنها تستلزم الاذن في التصرف بالمعاملة ونحوها. والأقوى وجوب صرفه على المستحقين إن كانت منه وإلا أعادها دافعها ليصرفها بنفسه نعم لو كانت من المندوبة لم تجب الاعادة. والأخبار الدالة على إعطاه المكاتب من مال الزكاة مرسلة إبراهيم بن هاشم (1) كما في التهذيب عن الصادق عليه السلام ” قال: سألته عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدى بعضها، قال: يؤدى عنه من مال الصدقة، إن الله تعالى يقول في كتابه ” وفي الرقاب ” (2) ومرسل الفقيه نحوه. وكذلك خبر تفسير العياشي (3) وقد مر ذكره في كتاب الزكاة.
التاسعة عشرة: إذا كانا اثنين في صفقة أو صفقتين ثم أقر باستيفاء نجوم أحدهما أو براءته عما عليه أمر بالبيان والكشف عن ذلك، فإن ادعى النسيان أمر بالتذكر مادام حيا، وقيل بالقرعة مع اليأس من التذكر لأنها لكل أمر مشكل،
(1) الفقيه ج 3 ص 74 ح 3، التهذيب ج 8 ص 275 ح 35، الوسائل ج 16 ص 121 ب 21 ح 1. (2) سورة التوبة – آية 61. (3) تفسير العياشي ج 2 ص 93 ح 76.
[ 413 ]
ولو ادعيا على المولى العلم فالقول قوله في نفيه لأن ذلك لا يعلم إلا من قبله وإن بين أحدهما وادعى التذكر قبل قوله بغير يمين إن صدقه الآخر أو سكت، وإن كذبه وقال: استوفيت مني وأبر أتني فله تحليفه أيضا، ويحلف هنا على البت لدعوى التذكر. ولو نكل على اليمين المتوجهة إليه قبل التذكر على نفي العلم حلف مدعى الدفع وعتق، فإن ادعى كل منهما ذلك ففي تحليفهما معا وعتقهما وجهان بل قولان: من أن ذلك هو مقتضى الدعوى أو قاعدة اصول الحكومة والقضاء، ومن المعتق أحد هما خاصة، فأحدهما كاذب في يمينه لكن غير مضر لكونه حكم على ما في نفس الأمر وهو لا يقدح فيما يثبت بظاهر الحكم، وإن حلف بقيت كتابتة إلى أن يؤدي ولو مات المولى قبل التذكر فليس سوى القرعة. ولو ادعى أحدهما أو هما معا على الوارث العلم حلف على نفيه كالمورث وليس له أن يستوفي منهما ولا من أحدهما قبل القرعة وإن بذل المال لأن أحد هما قد برئ منه، فأخذ المالين معا ظلم. وكذا القول في المورث، ولو بذلا مالا آخر بقدر التخلف أو الأكثر على تقدير الاختلاف ففي حصول الانعتاق بذلك وجهان ناشئان من وصول مال الكتابة إليه بأجمعه، ومن أن شرطه أداء المكاتب، وجاز في كل منهما أن يكون ما أدى مال الكتابة ويمكن أن يجعل بذلهما له. واعلم أنه قد ظهر من قول محقق الشرايع ” ثم يقرع بينهما ” بعد قوله ” ولو ادعيا على المولى العلم كان القول قوله ” أنه يقرع بينهما في حياة المولى وهو مخالف لقوله سابقا ” صبر عليه رجاء للتذكر ” إلا أن يحمل على تصريحة بانتفاء الرجاء وهو بعيد لا إشعار اللفظ به. وقد صرح الشيخ في المبسوط وجماعة ممن تأخر عنه بعد القرعة ما دام حيا لأن التذكر منه مرجوء. ويمكن أن يحمل قوله ” ولو ادعيا على المولى
[ 414 ]
العلم كان القول قوله ” ما يشمل للوارث، وحينئذ فيحمل قوله ” ثم يقرع على ما بعد الموت ” مؤكدا لقوله ” استخرج بالقرعة ” وعلى كل تقدير فالعبارة ليست بجيدة.
العشرون: المشهور بين أصحابنا جواز بيع مال الكتابة ونقله عن البيع من سائر وجوه النقل لا طلاق آية ” وأحل الله البيع ” (1) خلافا للشيخ في المبسوط حيث منع منه للنهي عن بيع ما لم يقبض، ولأن النجوم لم تستقر لجواز تعجيز نفسه إما مطلقا أو في المشروط. ويضعف بأن النهي تعلق بما انتقل بالبيع كما مر في كتاب البيوع لا بمطلق ما لم يقبض، حتى أن العامة رووا ذلك عن النبي صلى الله عليه واله، وأن ما عده جماعة من العامة من البيع من باب القياس، والقياس في مذهبنا ممتنع، فيختصر النهي بمورده. ونمنع جواز تعجيزه نفسه مطلقا لما تقدم من اختيار لزومها، وإذا صح البيع لزم المكاتب دفع ذلك المال إلى المشتري، فإن أداه إليه عتق بأدائه كما لو أداه إلى المولى، ولو لم يدفعه أجمع أو كان مشروطا فعجز وفسخ المولى رجع رقا لمولاه. وهل يبطل البيع ؟ يحتمله لأن الفسخ يستلزم رفع أثر الكتابة، ومن ثم يرجع ولده أرقاء ويتبعه كسبه. ويحتمل العدم لمصادفته الملك حال البيع فلا يضره الفسخ الطارئ على القول بعدم الصحة، ولا يجوز للمكاتب أن يسلم النجوم إلى المشتري، ولا للمشتري مطالبته بها، ولا يحصل العتق إلا بدفعها إلى السيد البائع، ولا يحصل تسليمها إلى المشتري لفساد البيع. وربما قيل: يحصل به لأن السيد قد سلطه على القبض فهو كما لو وكله عليه. والأصح ما ذهب إليه الشيخ في المبسوط والأكثر المنع لأنه يقبض لنفسه
(1) سورة البقرة – آية 275
[ 415 ]
حتى لو تلف بيده ضمن بخلاف الوكيل فإنه يقبض للموكل ولا يضمن إلا بالتفريط. وفصل ثالث فقال: إن قال بعد البيع خذها منه أو قال للمكاتب ادفعها إليه صار بذلك وكيلا وحصل العتق بدفعها إليه، وإن اقتصر على البيع فلا، لأنه بيع فاسد، ولا عبرة بما يتضمنه. ورد بأنه وإن كان قد صرح بالاذن إلا أنه إنما أذن بحكم المعاوضة. والقولان الأولان للعلامة في كتاب التحرير في موضعين من الكتابة. ثم إن قلنا بعدم عتقه فالسيد يطالب المكاتب يسترجع ما دفع إلى المشتري فإن سلم المشتري إلى البائع الوجه لم يصح لأنه قبضه بغير إذن المكاتب، فأشبه ما لو أخذه من ماله بغير إذنه. ويحتمل الصحة نظرا إلى تعين المكاتب إياه لمال الكتابة بالدفع، وقد تقدم إطلاق جواز تصرف المولى في مال الكتابة بالاستيفاء، فهنا أولى، لكن لما كان الحق تقييد ذلك المطلق لم يصح هنا وإن عينه المكاتب لأن تعيينه مبني على المعاوضة كتسليمه إلى المشتري، فيجوز بيع المكاتب المشروط بعد عجزه عن الفسخ، ولا يجوز بيع المطلق لأن في المشروط بعد العجز يتسلط المولى على الفسخ فكان بيعه فسخا كما لو باع ذو الخيار أو باع المدبر أو الموصى به أو نحو ذلك مما اشتمل على العقد الجائز. ولو قدم تقدم البيع الفسخ فالصحة أوضح. وأما المطلق فقد أطلق المحقق وجماعة عدم صحة بيعه، ويجب تقييده بما إذا لم يبلغ حدا يجوز للمولى معه فسخ كتابته، فلو عجز عن الأداء بعد حلول المال ولم يمكن الوفاء عنه من سهم الرقاب جاز بيعه كما يجوز فسخها حينئذ.
الحادية والعشرون: إذا زوج المولى بنته من مكاتبه ثم مات المولى وملكته البنت أو بعضه انفسخ النكاح بينهما من غير فرق بين المكاتب المشروط والمطلق لأن الكتابة لم تخرجه عن أصل الرقية وإن أخرجته عنها على بعض الوجوه كما عرفته فيما سبق. وخالف في ذلك ابن الجنيد فذهب أنه لو مات السيد وابنته تحت المكاتب
[ 416 ]
الذي قد شرط عليه الرق عند عجزه منع من الوطء، وإن أدى كانا على النكاح لأنها لم ترث من رقبته شيئا، وإن عجز بطل النكاح فإن كان ممن ينعتق بما أدى بطل النكاح إذا حصل له أداء بعض الكتابة. وما اخترناه مذهب الشيخ والأكثر وهو الأظهر لثبوت تلك القاعدة، وهو انفساخ النكاح بين الحرة والعبد يملكها له كما هو مجمع عليه، والنصوص به مستفيضة، واحترزنا بقولنا ” فملكته ” عما لم تكن وارثة كانت قاتلة أو كافرة فهو كافر، فإن النكاح بحاله ولو كان مطلقا وقد أدى بعض المال فالحكم بحاله لأنه لا فرق في ملك الزوجة له بين كله وبعضه في كونه يوجب فسخ النكاح.
الثانية والعشرون: إذا تنازع السيد والمكاتب في قدر مال الكتابة أو في المدة أو في النجوم فالقول قول السيد مع يمينه عند الأكثر وربما قيل: القول قول المنكر زيادة المال والمدة كما هي القاعدة في الدعاوى. ولو قال كاتبتك على ألفين فقال بل على ألف أو قال إلى سنة فقال المكاتب بل إلى سنتين ونحو ذلك الاختلاف في قدر النجوم، والحكم في الجميع واحد وهو تقديم قول العبد لأصالة عدم الزائد عما يعترف به. وأما وجه تقديم قول المولى في قدر المال فلأن المكاتب يدعي العتق بما يدعيه من المال والمولى ينكره والأصل بقاء الرق، وبهذا يحصل الفرق بين الكتابة والبيع إذا اختلفا في مقدار الثمن أو المثمن، فإن الكتابة كما سمعت ليست معاوضة حقيقة لأنها معاملة على مال المولى بماله، والأصل عدم خروج ذلك عن ملك سيده إلا رضاه لأنه أشبه شئ بالتبرع لا بعقود المعاوضات وإن كان القول هذا اختاره المحقق وأكثر المتأخرين من تقديم قول من ينكر الزيادة في المال والمدة التفاتا إلى الأصل الثابت بالشهرة والأخبار، ولأن المولى بإقراره بأصل الكتابة واستحقاقه العتق خرج عن أصالة بقاء ملكه على المكاتب وعلى ماله، ثم هو يدعي زيادة في ذمة المكاتب والمكاتب ينكرها فيكون قوله مقدما في ذلك.
[ 417 ]
الثالثة والعشرون: قد تقرر أن العوض في الكتابة يكون دينا، ومستحق الدين في ذمة الغير إذا استوفاه فلم يجده على الصفة المشروطة فله رده، وطلب مال مستحقه لا يرتفع العقد. ثم إن كان المقبوض من غير جنس حقه لم يملكه إلا أن يعتاض به حيث يصح الاعتياض. وإن اطلع على عيب نظر، فإن رضي به فهو يملكه بالرضا أو بالقبض، وإنما تأكد الملك بالرضا فيه وجهان وإن رده، فإن قلنا بملكه بالقبض ثم انتقل الملك بالرد أو نقول إذا رد تبين أنه لم يملكه فيه قولان، وقد مر الكلام على هذه الاحتمالات والأقوال في باب الصرف من البيوع، وقد بني عليها مسائل قد سبق الكلام عليها، منها أن عقد الصرف إذا ورد على موصوف في الذمة وجرى التقابض وتفرقا ثم وجد أحدهما بما قبض عيبا فرده فإن قلنا: إنه ملكه بالقبض صح العقد، وإن قلنا: إنه تبين أنه لم يملكه فالعقد فاسد لأنهما تفرقا قبل التقابض. وإذا تقرر ذلك فالسيد إذا وجد ببعض النجوم المقبوضة أو جميعها عيبا فله الخيار بين أن يرضى به وبين أن يرده ويطلب بدله، ولا فرق بين عيب اليسير والفاحش، فإن رضي به كان العتق نافذا بلا إشكال لكون رضاه بالمعيب كالابراء عن بعض الحق. وهل يحصل العتق عند الرضا أو يحصل من وقت القبض ؟ و جهان، أقواهم الثاني. وإن أراد الرد والاستبدال فإن قلنا: تبين بالرد أن الملك لم يحصل بالقبض فالعتق غير حاصل، وإن أدعى على الصفة المتحققة بعد ذلك حصل العتق، وإن قلنا: يحصل الملك بالمقبوض وبالقبض وبالرد يرتفع فوجهان، أحدهما أن العتق كان حاصلا إلا أنه بصفة الجواز، فإذا رد العوض ارتد، وأصحهما أنه تبين به أن العتق لم يحصل لأن العتق ليس من التصرفات التي يتطرق إليها النقض غالبا، فلو حصل لما ارتفع، ولا يثبت هنا العتق بصفة للزوم إجماعا. ولو طلب الأرش مع الرضا بالعيب فله ذلك، وتبين في أنه لم يقبض كمال
[ 418 ]
النجوم، فإذا أداه حصل كمال العتق حينئذ، وإن عجز عنه وكانت مشروطة فللسيد استرقاقه كم لو عجز عن بعض النجوم. ولو فرض تجدد عيب في العوض الذي ظهر معيبا لم يكن العيب الحادث في يد المولى مانعا من الرد بالعيب الأول مع أرش الحادث لاستحقاقه الرد بالأول فيستصحب، والعيب الحادث يجبر بالأرش ولأنها ليست بمعاوضة حقيقية كما قررناه غير مرة فليس لها حكم المعاوضات اللازمة، ولهذا إذا مات المكاتب أو عجز كان للمالك أحد الكسب بلا عوض. وذهب الشيخ في المبسوط إلى منع العيب الحادث الرد لأنها معاوضة كالبيع، وهو بعيد جدا لما ذكرناه من خروجها عن حكم المعاوضات المحضة.
الرابعة والعشرون: إذا اجتمع على المكاتب ديون مع مال الكتابة فإن قام ما في يده في الجميع فلا بحث، وإن عجز وكان مطلقا تخاص فيه الديانون، و المولى وإن كان مشروطا وجب تقديم الدين لأن في تقديمه حفظا للحقين، ولو مات وكان مشروطا بطلت الكتابة ودفع ما في يده في الديون خاصة وقسم بين الديان بالحصص، ولا يضمنه المولى لأن الدين تعلق بذلك المال فقط، ويترتب على هذه الشقوق اثنا عشرة صورة مختلفة الأحكام. فإن كان الدين للمولى بأن كان له مع النجوم دين معاملة على المكاتب أو أرش جناية عليه أو على ماله فإن وفي مافى يده بها فلا بحث، وإلا فإن تراضيا على تقديم الدين الآخر وتأخير النجوم فذاك، وإن تراضيا على تقديم النجوم عتق، ولا يسقط الدين الآخر بل للسيد مطالبته به، ولو كان ما في يده وافيا بالنجوم ولم يف بها وبالدين الآخر، فإن أداها عن النجوم برضا السيد فالحكم ما بيناه سابقا، وللسيد منعه من تقديم النجوم لأنه لا يجد مرجحا للدين، وإذا تقدمت النجوم عتق فيأخذ ما في يده عن الدين الآخر، وهل له تعجيزه قبل أخذ ما في يده ؟ قولان: (أحدهما) لا، لقدرته على أداء النجوم، فما لم تخل يده عنها لا يحصل العجز.
[ 419 ]
(والآخر) نعم، وهو أوجههما لأنه متمكن من مطالبته بالدينين معا وأخذ ما في يده عنهما، وحينئذ فيعجز عن قسط من النجوم. ولو دفع المكاتب ما في يده ولم يتعرض للجهة التي دفع لها ثم قال قصدت النجوم فانكر السيد ذلك فالقول قول المكاتب بيمينه لأنه أعرف بقصده، وذلك بمنزلة ما لو كان عليه دينان وعلى أحدهما رهن وأدى أحدهما وادعى بعد ذلك إرادة دين الرهن فإن القول قوله كما تقدم، هذا الحكم ما لو كان الدين للمولى. ولو كانت الديون لغير المولى أو لهما ولم يف ما في يده بها فإن لم يحجر عليه بعد لعدم التماس الغرماء كان له تقديم ما شاء من النجوم وغيرها وكان بمنزلة الحر المعسر قبل الحجر عليه يقدم ما شاء ويؤخر ما شاء وإن كان الأولى له أن يقدم دين المعاملة، فإن فضل شئ جعله في الأرش و الجنايات، فإن فضل شئ جعله في النجوم، وسيظهر وجه هذا الترتيب، وإن حجر عليه الحاكم تولى قسمة ما في يده، وفي كيفية تلك القسمة وجهان:
(أحدهما) وهو الظاهر من المحقق في الشرايع وجماعة ممن تأخر عنه قسمته على مقدار الديون من غير أن يؤثر بعضا على بعض بالتقديم أو بالمزية لأن جميع الديون قد تعلقت بما في يده، ألا ترى أن من انفرد منها (1) بقسمة على قدر الديون.
(وثانيهما) وهو أجودهما، أنه يقدم دين المعاملة لتعلقه بما في يده لا غيره و لأرش الجناية متعلق آخر وهو الرقبة، وكذلك حق السيد على تقدير العجز يعود إلى الرقبة، ثم أرش الجناية يقدم على النجوم لأن الأرش مستقر والنجوم في معرض السقوط إما باختيار المكاتب أو مع عجزه، ولأن حق المجني عليه مقدم على حق المالك في القن، فكذلك المكاتب، هذا كله إذا كانت المكاتبة مطلقة. أما لو كانت مشروطة قدم الدين على النجوم لأن في تقديمه جمعا بين الحقين.
(1) كذا في النسخة.
[ 420 ]
ولو كان للمولى دين معاملة معهم ففي مساواتها لمال الكتابة أو لدين الأجانب وجهان، أظهر هما الثاني، لأنه لا بدل له كديون الغرماء بخلاف دين النجوم فإنه بسقوطه يعود للمولى إلى الرقبة، و وجه الأول أن دين السيد ضعيف فإنه معرض السقوط بالتعجيز ويبقى في التسوية بين الديون أو تقديم دين المعاملة ما سبق. ولو مات المكاتب قبل قسمة ما في يده وكانت الكتابة مشروطة انفسخت الكتابة وسقطت النجوم، وفي سقوط دين أرش الجناية وجهان بل قولان:
(أحدهما) أنه قول الشيخ في المبسوط وهو أنه يسقط أيضا لتعلقه بالرقبة وقد تلفت وتعلقها بما في يده بحكم الكتابة، فإذا بطلت الكتابة بطل ذلك التعلق وعلى هذا يتعين صرف جميع ما خلفه إلى ديون المعاملات لانحصارها فيه.
(وثانيهما) أنه يتعلق بالمال استصحابا لحالة الكتابة ولفوات المحل مع كونه أقوى من ديون المعاملة، فعلى هذا فإن ساوينا بينهما حالة العجز فهنا أولى وإن رجحنا الترتيب المتقدم احتمل بقاؤه استصحابا لما كان ثابتا في حالة الحياة، والأظهر التسوية لأن الدينين معلقا بما خلفه وتأخر الأرش في الحياة كان لتوقع توفيته، وقد بطل ذلك التوقع، وعلى التقديرين لا ضمان على المولى لما فات من الدين لتعلقه بمال الكتابة. واعلم أنه على القول بالتخاص في ماله حيا وبقاء النجوم أو بعضها فللسيد تعجيزه إن كان مشروطا أو مطلقا مع اليأس من الوفاء كما مر تحقيقه وإن بقي الأرش عند تعجيزه لتباع رقبته في حقه ولكنه لا يعجزه بنفسه لأنه لم يعقد حتى يفسخ ولكنه يرفع ذلك إلى الحاكم حتى يعجزه. ولو أراد المولى فداءه وبقاء الكتابة ففي وجوب القبول وجهان مبنيان على أنه رقيق المولى في الجملة وله غرض في إتمام انعتاقه، وفي استيفائه لنفسه أن لا يتم فيمكن من الفداء، وعلى أن المولى إنما يفدي إذا تعلق الأرش برقبته وذلك
[ 421 ]
غير متحقق ما بقيت الكتابة، وأما صاحب دين المعاملة فليس له التعجير لأن حقه لا يتعلق بالرقبة.
الخامسة والعشرون: كما تقدم أن المكاتبة كما تتعلق بالرقبة أجمع كذلك تتعلق ببعض الرقبة، فعند تعلقها بالبعض لا يخلو إما أن يكون باقية حرا ولا إشكال في صحة الكتابة لأنها استغرقت الرقيق منه فأفادته الاستقلال أو أن يكون باقية أو بعض الباقي رقيقا، وقد مر الرقيق إما أن يكون له أو لغيره. فإن كان له فالأكثر على الجواز للأصل وعموم قوله صلى الله عليه واله ” الناس مسلطون على أموالهم ” ولأن بيع نصيبه وعتقه جائزان والكتابة لا تنفك عنهما، وقال الشيخ في المبسوط: لا تصح لأن الكتابة يلزمها رفع العجز عن المكاتب في جهات الاكتساب وما يتوقف عليه كالسفر وينفرد بما يدفع إليه من سهم المكاتبين من الزكاة، وهو هنا غير ممكن لتوقف سفره واكتسابه به على إذن السيد ويشاركه فيما يدفع إليه من سهم المكاتبين من الزكاة لأنه كسبه. واجيب بأن المنع من السفر والاكتساب يندفع بالمهاياة ويرتفع كارتفاعه عن الشريكين بها، ونمنع مشاركته في سهم المكاتبين من الزكاة لأنه إنما يندفع لجهة المكاتبة بالخصوص ولأنه لا يملك النصيب بل يدفعه في كتابته. وإن كان الباقي لغيره، فإن لم يأذن الشريك يصح لانتفاء الاستقلال ولأن نصيب الشريك يتبعض عليه فيتضرر به ولا ضرر ولا إضرار في الدين، وإن كان بإذنه فهو موضع خلاف للأصحاب إلى قولين:
(أحدهما) وهو الذي جزم به المحقق وقبله الشيخ في المبسوط، الصحة لأنه يستقل في البعض المكاتب عليه، وإذا جاز إفراد البعض للاعتاق جاز إفراده بالعقد المفضي إلى العتق.
(وثانيهما) وهو مختار الشيخ في الخلاف، العدم لما تقدم من أن الشريك يمنعه
[ 422 ]
من التردد والسفر ولا يمكن صرف سهم المكاتبين إليه، والأقوى الجواز وإن لم يأذن بتقرير ما سلف حجة وجوابا، وليس في المسألة بجميع شقوقها سوى خبرين: أحدهما: موثق أبي بصير (1) وقد تقدم في الأبحاث السابقة ” قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل أعتق نصف جاريته ثم إنه كاتبها على النصف الآخر بعد ذلك، قال: فقال: فيشترط عليها إن عجزت عن نجومها فإنها رد الرق في نصف رقبتها، فإن شاء كان له يوم في الخدمة ولها يوم وإن لم يكاتبها، قلت: فلها أن تتزوج في تلك الحال ؟ قال: لا، حتى تؤدي جميع ما عليها في نصف رقبتها “. وهو نص في الجواز في المكاتبة المشروطة وأنه يلزمها المهاياة وهذا مما لا كلام فيه كما سبق.
والثاني: صحيح عبد الله بن سنان (2) كما في الفقيه وقد تقدم أيضا وفيه ” أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة أعتقت ثلث خادمها عند موتها، أعلى أهلها أن يكاتبوها إن شاءوا وإن أبوا ؟ قال: لا، ولكن لها من نفسها ثلثها وللوارث ثلثاها يستخدمها بحساب ما لم يعتق منها، ويكون لها نفسها بحساب ما أعتق منها “. وهذا لم يكن نصا في الجواز ولكنه نص في نفي الوجوب، ومورد الخبرين على تقدير دلالتهما جواز المكاتبة في البعض لا التبعيض في المكاتبة، لكن إطلاق الأدلة كتابا وسنة يدل على الجواز، وذلك كله مع عدم السراية، ومعها فلا وجه لجوازها لصيرورته حرا بمجرد عتق البعض كما مر عليه الكلام منقحا.
السادسة والعشرون: قد تقدم ما يدل على أن المكاتب كالحر في معظم تصرفاته فيبيع ويشتري ويؤجر ويستأجر ويأخذ الشفعة ويقبل الهبة والصدقة
(1) الكافي ج 6 ص 188 ح 14، الوسائل ج 16 ص 113 ب 12 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (2) الفقيه ج 3 ص 72 ح 9، الوسائل ج 16 ص 120 ب 20 ح 1 وفيهما ” بحساب الذى له منها “.
[ 423 ]
ويصطاد ويحتطب ويؤدب عبيده إصلاحا للمال كما يفصدهم ويحقنهم، ولا تصح منه التصرفات التي فيها تبرع وخطر لأن المقصد تحصيل العتق فيحتاط له كمال الاحتياط، ولأن حق السيد غير منقطع عما في يده فإنه قد يعود إلى الرق بعجزه، هذا هو القول الاجمالي، وفي تفصيله صور قد قدمنا الكلام على بعضها وهو حكم بيعه وعتقه وإقراضه وهبته وقررنا أحكامها كمال التقرير، ولا فرق في البيع والشراء بين وقوعهما مع سيده وأجنبي لاشتراكهما في المقتضي ولما كان الواجب عليه أن يتحرى ما فيه الغبطة ومظنة الاكتساب فيلزمه أن يبيع بالحال لا بالمؤجل، لأن إخراج المال عن اليد بلا عوض في الحال تبرع مع اشتماله على الخطر سواء باع بالأقل أو بالأكثر أو بالمثل، وسواء استوثق بالرهن والكفيل أم لا، لجواز تقصير الكفيل وتلف الرهن. نعم يجوز أن يبيع ما يساوي مائة نقدا وبمائة نسية، ويجوز أن يشتري نسية بثمن النقد ولا يرهن به فإنه قد يتلف وإن اشتراه بثمن النسية ففي جوازه وجهان بل قولان مأخوذان من اشتماله على التبرع ومن عدم التيقن. وفرقوا هنا بين المكاتب والمولى حيث يبيع مال الطفل نسية ويرتهن للحاجة أو المصلحة الظاهرة فإن المراعى هنا كمصلحة الطفل والمولى منصوب لينظر له المصالح بخلافه هاهنا لأن المطلوب العتق والمراعى مصلحة السيد والمكاتب غير منصوب لينظر له، وربما قيل بمساواته للولي في مراعاته المصلحة خصوصا مع إعادة الضرورة إلى البيع والرهن كما في وقت النهب لما فيه من حفظ المال، ومتى باع أو اشترى فليس له قبض ما في يده حتى يتسلم العوض لأن رفع يده عن المال بلا عوض لا يخلو عن غرر، ولذلك لا يجوز له السلم لأنه يلزمه مقتضاه وهو تسليم رأس المال في المجلس وانتظار المسلم فيه سيما إذا كان الثمن مؤجل ومثله دفع المال مضاربة، نعم له أن يأخذه لأنه نوع تكسب.
السابعة والعشرون: قد ثبت أن المولى في معاملة المكاتب له كالأجنبي مع
[ 424 ]
الأجنبي في الأحكام، فإذا صح للمكاتب دين على مولاه عن معاملة وكان للمولى عليه النجوم أو دين معاملة ففي التقاص تفصيل واختلاف لا يختص بالمولى والمكاتب. وجملة القول فيه أنه إن اتحد الجنس والصفة فالمقاصة سواء كانا نقدين أو عرضين مثلين، وإن اختلف الجنس أو الوصف ولو بالحلول والتأجيل أو اختلاف الأجل أو كانا قيمتين لم يكن قهريا واعتبر التراضي ولا يفتقر معه إلى قبضهما ولا إلى قبض أحدهما، ومثل ما لو كان أحدهما نقدا والآخر عرضا والقول بالتفصيل الذي أشار إليه المحقق في الشرايع لشيخ المبسوط. وبالجملة: أن الدينين إذا كانا نقدين قبض أحدهما دفعة عن الآخر، وإن كانا عرضين فلا بد من قبضهما معا، وإن كان أحدهما نقدا فقبض العرض ثم دفعه عن النقد جاز دون العكس وكأنه – قدس سره – قد جعل المقاصة بيعا، فتلحقها أحكامه من بيع الدين بالدين وبيع العرض قبل القبض و غيرهما.
الثامنة والعشرون: إذا اشترى أباه فلا يخلوا إما أن يقع بإذن المولى أو بغير إذنه. فإن كان بغير إذنه لم يصح لأن تصرف المكاتب مشروط بالغبطة و ما فيه الاكتساب، وربما قيل بالجواز لأنه اشترى مملوكا لا ضرر على المولى في شرائه ولهذا كان كسبه، وإذا عاد المكاتب في الرق عاد المملوك المشتري كالأجنبي وهو ضعيف لأن صرف المال في ثمنه مع عدم جواز بيعه والتكسب به غير سائغ له وإن لم يعتق في الحال. وإن كان بإذنه صح، وكذا لو أوصى له به أو وهب منه، فإن كان لا يقدر على التكسب لصغر أو زمانة وعجز وكان يلزمه نفقته لم يجز له قبوله لأن نفقته تلزم المكاتب حيث إنه مملوكه وإن لم تجب عليه نفقة القريب، وإن كان كسوبا يقوم بكفاية نفسه جاز قبوله، بل ربما مستحب لا ضرر عليه في القبول، ثم لا يعتق عليه في الحال لأن ملكه ضعيف، وإنما يعتق بعتقه ويرق برقه. وليس له بيعه، ويكون له نفقته في كسبه، فإن فضل من كسبه فضل كان
[ 425 ]
ذلك المكاتب يستعين به في أداء النجوم لأنه بمنزلة العبد المملوك، ولو مرض أو عجز أنفق عليه المكاتب لأنه من صلاح ملكه، وليس هذا كالانفاق على أقاربه الأحرار، حيث يمنع منه لأن ذلك مبني على المواساة. والمحقق – قدس سره – في الشرايع قد تردد في استرقاق القريب، ووجه التردد ما ذكر سابقا ومن تشبثه بالحرية، وهذان الوجهان يجريان في ملك ولده، وهذا وجه يضعف لم يذكره غيره في المسألة احتمالا، فضلا عن القطع به والوجه القطع بتبعيته له في الاسترقاق والانعتاق.
التاسعة والشعرون: إذا جنى المكاتب على مواليه عمدا، فإن كانت نفسا فالقصاص للوارث، فإن اقتص بطلت الكتابة كما لو مات، وإن عفا على مال أو كانت الجناية توجب المال تعلق الواجب بما في يده لأن حكم المولى مع المكاتب في جميع المعاملات كالأجنبي مع الأجنبي فكذلك يكون في الجناية. وأما [ هل ] يلزم المكاتب الأرش فيه بالغا ما بلغ أو الأقل منه ومن قيمته ؟ ففيه قولان: من عموم قوله عليه السلام (1) ” لا يجني الجاني على أكثر من نفسه ” فلو طولب بأزيد من جنايته لم يجبر على أكثر من نفسه، ومن أنه كالحر في المطالبة ما دامت المكاتبة باقية خصوصا بالنسبة إلى المولى لأن رقة يمنع استحقاق المولى بمكاتبته لمال الجناية فلا يعتبر فيه مناسبة الحر ولم يكن الحكم باستحقاق المولى الأرش، وهو ظاهر اختيار المحقق في الشرايع حيث إطلق الأرش، والأقوى الأول. ثم إذا وفي ما في يده بالأرش ومال الكتابة معا فقد وفي الحقين وعتق وإن قصر عنهما أو لم يكن في يده شئ وعجزه المولى وسقط الأرش إذ لا يثبت للمولى على مملوكه دين، بخلاف ما إذا عجزه الأجنبي فإن الأرش يكون متعلقا برقبته. ولو أعتق المولى المكاتب بدون المكاتبة بعد جنايته أو أبر أمن النجوم فإن لم يكن
(1) التهذيب ج 10 ص 182 ح 9، الوسائل ج 19 ص 61 ب 33 ح 10.
[ 426 ]
في يده شئ سقط الأرش لأنه قد أزال الملك عن الرقبة التي كانت تتعلق الأرش باختياره ولا مال له غيرها، وفيه وجه آخر أنه لا يسقط لاستقلال المكاتب وثبوت حق المولى في ذمته، ولأن العتق يؤكد إن كان تعلق دين المولى به، بخلاف الرقية فإنها متنافية، والكتابة المتوسطة بينهما تصح بثبوت دين المولى، فالحرية أولى. وإن كان في يده مال ففي تعلق الأرش به قولان:
(أحدهما) لا، لأن الأرش كان متعلقا بالرقبة وقد تلفت.
(والثاني) نعم، وهو أظهرهما، لأن الأرش متعلق بالرقبة وبما في يده، ولو أدى النجوم فعتق لم يسقط الأرش قطعا كما لو جنى على أجنبي وأدى النجوم وعتق لو كانت جنايته على طرف المولى فله القصاص كما لو جنى على مملوكه. وإذا جنى على أجنبي عمدا فإن عفا فالكتابة بحالها، وإن كانت الجناية على النفس واقتص الوارث كان كما لو مات. وإن كان خطأ كان له فك نفسه بأرش الجناية ولو لم يكن معه مال فللأجنبي بيعه في أرش الجناية إلا أن يفديه السيد، فإن فداه فالكتابة بحالها. ثم إن بيعه كله في الجناية مع استغراق الأرش لقيمته أجمع وإلا فيباع منه بقدر الأرش خاصة وتبقى الكتابة في الباقي، فإذا أدى حصته من النجوم عتق ذلك القدر، وحيث إن للمولى أن يفديه من ماله وتستديم الكتابة فعلى متسحق الأرش قبوله إن كانت الجناية خطأ، وإن كانت عمدا فالخيار للمجني عليه كالقن، وعلى تقديم اختياره فداه لا يستلزمه الاستمرار عليه بل له الرجوع عنه ويسلمه للبيع إلا إذا مات العبد بعد الاختيار أو باعه أو أعتقه فيكون التزاما بالفداء لأنه فوت بالاعتاق والبيع، والتأخير متعلق حق المجني عليه. ولو فرض عتق المكاتب بأداء النجوم فعليه ضمان الجناية، ولا يلزم المولى فداؤه وإن كان هو القابض للنجوم لأنه يجبر على قبوله فالحوالة على المكاتب أولى.
[ 427 ]
وإذا جنى عبد المكاتب فإما أن يجني على أجنبي أو على سيده وهو المكاتب أو على سيد سيده وهو المكاتب فهاهنا أقسام:
(الأول) أن يجني على أجنبي، فإن كان عمدا وهو مكاف له فله القصاص وإن عفا المستحق على المال أو كانت الجناية موجبة للمال تعلق برقبته فتباع فيه إلا أن يفديه المكاتب. وهل يفديه بالأرش أو بالأقل منه أو من قيمته ؟ قولان: فعلى القول بالأول – كما هو اختيار المحقق في الشرايع – فإن كان الأرش بقدر قيمته أو أقل فللمكاتب الاستقلال به، وإن كان أكثر لم يستقل به كما لا يستقل بالتبرعات، ثم الاعتبار بقيمة العبد يوم الجناية لأنه يوم تعلق الأرش بالرقبة. وفيه وجه آخر وهو الاعتبار بقيمته يوم الاندمال، بناء على أن ذلك وقت المطالبة بالمال. وثالث وهو اعتبارها يوم الفداء لأن المكاتب إنما يمنع من بيعه ويستديم الملك فيه له. ورابع وهو اعتبار أقل القيمتين من يوم الجناية ويوم الفداء احتياطا للمكاتب وإيفاء للمال عليه. والأوجه آتية كلهافي قيمة المكاتب نفسه إذا اعتبرت قيمته هذا في العبد المكاتب الذي لا يتكاتب عليه، فأما من يتكاتب عليه ويبيعه فيها كولده من أمته فليس له أن يفديه بغير إذن السيد.
(والثاني) أن يجني على سيده فله القصاص ولا يحتاج إلى إذن السيد، فإن كانت الجناية خطأ أو عفا على مال لم يجب إذ لم يثبت للمولى على عبده مال.
(الثالث) أن يجني على أجنبي فيباع في الأرش إلا أن يفديه المكاتب، وإذا جنى على جماعة فإن كان عمدا وكانت الجناية عليهم دفعة بأن قتل اثنيين فصاعدا بضربة واحدة أو هدم عليهم جدارا فلهم القصاص جميعا، والأرش في الخطأ. وما يوجب
[ 428 ]
مالا فإن كان ما في يده وافيا بالجمع كان له الفك، وإلا تساووا في قيمته بالحصص، هذا إن أوجبنا الأرش بالغة ما بلغت. وإن أوجبنا الأقل من أرش الجنايات كلها ومن قيمته تخاصوا فيه بالنسبة، ويستوي الأول والأخير في الأرش. وفي القصاص مع التعاقب خلاف إلى قولين، أظهرهما مساواته للأرش فيشترك الجميع فيه ما لم يحكم به لأولياء الأول فيكون لمن بعده، وسيجئ تحقيقه في القصاص إن شاء الله تعالى. ولو عفا بعضهم قسم على الباقين، ولو كان بعضها يوجب القصاص استوفي وسقط حق الباقين. ولو عفا على مال شاركهم، ولو أعتقه المولى أو أبرأه من النجوم فعليه أن يفديه كما سبق، وإن أدى النجوم وعتق فضمان الجناية عليه وفي الذي يلزمهما من الأرش والأقل الخلاف السابق. وإذا كان للمكاتب أب وهو رقه فقتل عبدا له لم يكن له القصاص لأنه لو قتل ولده لم يكن له قصاص، فأولى أن لا يثبت للولد قصاص على الوالد في قتل عبده. ولو كان فيهم ابنه فقتل عبدا فله أن يقتص منه، وله أن يبيع ابنه وأباه إذا كانا في ملكه وجنيا على عبد آخر له جناية موجبها المال، فيه وجهان، أقواهما العدم لأنه لا يثبت له على عبده مال والأصل منع بيع الوالد. ووجه الجواز أنه يستفيد به حصول أرش الجناية. وإذا جنى بعض عبيده على بعض فله أن يقتص فيما يوجب القصاص لأنه من مصالح الملك ولا يحتاج فيه إلى إذن السيد، وفيه قول ضعيف بتوقفه على إذنه. ولو كانت جناية بعض عبيده على بعض خطأ فلا شئ لأنه لا يثبت له على ماله مال، ويخالف العبد في ذلك حكم المكاتب، حيث قد تقدم أن له أن يفدي نفسه من سيده بالأرش لو كان هو الجاني، والفارق بينهما كون المكاتب قد خرج عن محض الرقبة وصار له ذمة، بخلاف القن المحض فإنه لا ذمة له بالنسبة إلى المولى.
[ 429 ]
الثلاثون: لا تصح الوصية برقبة المكاتب كما لا يصح بيعه لأن المكاتبة لازمة من جهة المولى فليس له التصرف في رقبته بنقض مكاتبته ولا بمنفعته، فلا تصح تلك الوصية لأنها تصرف في تمحض الرقبة كما لا يصح بيعه. وكما لا تصح الوصية بعبد غيره فهو محجور عليه في هذا كله إلا أن يحصل ما يوجب فسخها كما لو قال: إن عجز مكاتبي هذا وعاد إلى الرق فقد أوصيت به لفلان مثل ما لو أوصى بثمرة نخله وحمل جاريته متجددين بعد الوصية. ثم إن عجز فإراد الوارث إنظاره فللموصى له تعجيزه ليأخذه، وإنما يعجزه بالرفع إلى الحاكم الشرعي كما في المجني عليه. ويمكن تقديم الوارث لأن الوصية له قد شرطت بفسخ كتابته ولم يحصل ذلك الشرط، وهذا كله إذا كانت الوصية معلقة على كتابته مطلقا. أما لو كان قد قيدها بكونه هو الفاسخ اعتبر في صحتها عجزه في حياته. والعلامة في التحرير جعل الاطلاق محمولا على عجزه في حياته وإنما يكتفي بها بعد موته عند التصريح به وهو غير واضح. وأما الوصية بالنجوم على المكاتب فهي صحيحة وإن لم تكن مستقرة. كما تصح الوصية بالحمل المتجدد وإن لم يكن حينئذ مملوكا، فإن أداها فهي لمن أوصى بها إليه، وإن عجز فللوارث تعجيزه وفسخ الكتابة وإن أنظره الموصى له. وهل يملك الموصى له إبراءه عن هذه النجوم الموصى بها أم لا ؟ وجهان بل قولان، أجودهما ذلك لأنه حيث ملك الاستيفاء ملك الابراء. ووجه العدم أن ما ملكه استيفاء النجوم ولم يملكه تفويت الرقبة على الورثة بهذا الابراء. ولو أوصى لواحد برقبته ولشخص آخر صحت الوصيتان، ثم إن أدى المال أو ابرئ منه بطلت الوصية الاولى، وإن رق بطلت الوصية الثانية، لكن استرقاقه مشروط بفسخ الوارث كتابته، فإن امتنع وأمهله فالقولان السابقان.
[ 430 ]
واستوجه العلامة في التحرير عدم جواز استرقاقه للموصى له بدون فسخ الوارث، ولو كان الموصى له بالمال قد قبض منه شيئا فهو له، ولو اختلف الموصى له بالرقبة والموصى له بالمال في الفسخ عند حصول ذلك العجز وتحققه قدم صاحب الرقبة كما يقدم صاحب الرقبة على الوارث، هذا إن كان كاتبه مكاتبة صحيحة. أما لو كاتبه مكاتبة فاسدة كانت لا أثر لها عندنا كما تقدم الكلام عليه، فإذا أوصى بما في ذمته لم يصح، لأنه لم يثبت له بها شيئا في ذمته، وإن أوصى برقبته صح كما لو أوصى برقبة عبده القن. نعم لو أوصى بما يقبضه منه صح لأن الذي بقبضه منه ملكه بواسطة أنه كسب مملوكه لا من حيث إنه مال الكتابة، حتى لو صرح بالوصية بما يقبضه من مال الكتابة لم يصح كما لو أوصى بمال كتابته من دون القبض. وظاهر إطلاق الأصحاب بل صريح بعضهم كالشيخ في المبسوط عدم الفرق في ذلك بين العالم بفساد تلك الكتابة والجاهل به نظرا إلى حقيقة المال وموافقة الوصية ملك الموصي. ويحتمل الصحة في الجاهل لأن الجاهل بالفساد إذا أوصى بالرقبة فعنده أن ما يأتي به لغو، وقد تقدم في مواضع عديدة من كتاب الهبات أن من باع ما وهبه مع فساد الهبة أو باع مال مورثة معتقدا بقاءه فظهر موته أو أوصى برقبة معتقه فظهر فساد عتقه الخلاف هناك فليراجع، وإن كان الأقوى الفساد.
الحادية والثلاثون: أنه إذا قتل المكاتب فهو كما لو مات، وإن جنى على طرفه عمدا وكان الجاني هو المولى فلا قصاص وعليه الأرش، وكذا إن كان أجنبيا حرا كان أو مملوكا ثبت فيه القصاص، وكل موضع يثبت الأرش فهو للمكاتب لأنه من كسبه. وتفصيل هذه المسائل وتنقيحها بحسب الدليل هو أن المكاتب في الجناية عليه ذو حالات وصور لأنه إما أن يكون على نفسه أو على ما دونها، ففي الثاني له القصاص إن كانت توجبه، وليس للسيد منعه كالمريض يقتص ولا تعترض عليه الورثة، والمفلس يقتص ولا تعترض عليه الغرماء.
[ 431 ]
وفيه احتمال آخر بالمنع لأنه قد يعجز عن نفسه فيعود إلى المولى كمقطوع اليد مثلا بلا جابر، وعلى الأول فإن اقتص فذاك وإن عفا على مال ثبت المال. لكن لو كان ذلك المال أقل من أرش الجناية أو عفا مجانا ففي نفوذه بغير إذن المولى قولان، أصحهما النفوذ بناء على أن موجب العمد القصاص لا الدية، وإن كانت الجناية موجبة للمال لم يكن له العفو بدون إذن المولى. وإن عفا بإذنه ففيه القولان السابقان حيث ثبت المال لما دون النفس من الجناية فهو كسب من المكاتب، فيستعين به على أداء النجوم لأنه متعلق بعضو من أعضائه، فهو كالمهر تستحقه المكاتبة بوطئها ولأن كسبه له وهو عوض عما تعطل من كسبه بقطع العضو وما في معناه. وإن كان الجناية نفسا بطلت الكتابة ويموت رقيقا. ثم إن كانت قاتله المولى فليس عليه سوى الكفارة، وإن كان قد قتله أجنبي فللمولى القصاص مع المكافاة أو القيمة ويكون له كسبه بطريق الملك لا الارث ولو كان القتل السراية الجرح، و إن كان قبل أن يعتق منه شئ وقد أدى الجرح إلى المكاتب وجب عليه أن يكمل القيمة للمولى وإلا دفع إليه تمام القيمة. أما إذا كان الجاني هو المولى سقط عنه الضمان وأخذ كسبه لأنه للمولى، وإن كانت السراية بعد ما عتق بأداء جميع النجوم فمع كون الجاني أجنبيا يجب تمام الدية على الجاني لأن الاعتبار بالضمان بحالة الاستقرار ويرثها من يرث ماله من أقاربه، فإن لم يكونوا له فالمولى أولى إن ثبت به، وإن كان الجاني هو المولى ثبت عليه تمام الدية أيضا، وهذا بخلاف ما لو جرح عبده القن ثم أجرى عليه عتقه ومات قبل السراية حيث لا ضمان هنا لأن ابتداء الجناية غير مضمون، وهاهنا ابتداؤها مضمون ولو حصل العتق بالأداء. ولا يمنع من التقصاص كون الدية إبلا فإن الواجب في الابتداء نصف القيمة في مثل اليد، والتقاص إذا سرت الجناية بعد العتق فيجب الفاضل من الابل.
[ 432 ]
وإذا عفا المكاتب عن المال ولم يصحح عفوه على ما فضل ثم عتق قبل أخذ المال فهل له أخذه أم لا ؟ قولان، أصحهما نعم لأن عفوه وقع لاغيا. ووجه العدم أن المانع كان حق غيره وقد زال كما لو عمد إلى ما غيره فباعه فضولا ثم ملكه، وهنا أولى بالصحة لأن الأرش ملكه، فأشبه حينئذ تصرف المفلس من الحجر. ولو كان الجاني على طرف المكاتب عبده فله القصاص جزما، ولو كانت الجناية خطأ لم يثبت له عبده مال. وإذا جنى عبد المولى على مكاتبه عمدا فأراد الاقتصاص فللمولى منعه، فلو كان خطأ فأراد الأرش كان له ولم يملك المولى منعه لأنه بمنزلة الاكتساب، ولو أراد إبراء توقف على رضا السيد – و هذا قول الشيخ في المبسوط – لبقاء الرقية المقتضية للسلطنة وكونه تصرفا ليس باكتساب وإلا تعين عليه. وضعف بأن ذلك لو منع لمنع من الاقتصاص من عبد غير المولى لورود الدليل فيه. واستوجه شهيد المسالك وقوى القول بجوازه لعموم آية القصاص وانقطاع سلطنة المولى عنه.
الثانية والثلاثون: (1) حيث إنه قد ثبت كون الكتابة لازمة من جهة المولى فليس له التصرف في رقبته ومنفعته، لا تصح وصيته به كما لا يصح بيعه، كما لا تصح الوصية بعبد غيره. نعم لو قال في وصيته: إن عجز مكاتبي هذا وعاد إلى الرق بعجزه فقد أوصيت به لفلان صح، كما لو أوصى بثمرة نخلته وحمل جاريته المتجددين بعد الوصية، ثم إن عجز فأراد الوارث إنظاره فللموصى له تعجيزه ليأخذه وإنما يعجزه بالرفع إلى الحاكم الشرعي كما في المجني عليه، ويحتمل تقديم الوارث لأن الوصية له مشروطة بفسخ مكاتبته ولم يحصل الشرط، هذا كله حيث تكون الوصية معلقة على فسخ كتابته مطلقا. أما لو قيدها بكونه هو الفاسخ اعتبر في صحتها عجزه حالة حياته، وجعل
(1) لا يخفى أن ما أفاده في هذه المسألة الى قوله ” ويحتمل الفرق لان الجاهل… ” – آخر الصفحة القادمة – هو نفس ما ذكره في المسألة الثلاثين مع اختلاف في بعض الالفاظ.
[ 433 ]
العلامة في التحرير الاطلاق كالتقييد مترتبا على عجزه في حياته، وإنما يكتفى بها بعد موته لو صرح به، وهذا غير واضح لعدم التبادر عند الاطلاق. أما الوصية بالنجوم على المكاتب فهي صحيحة وإن لم تكن مستقرة، كما تصح الوصية بالحمل وإن لم يكن مملوكا في الحال، فإن أداها فهي للموصى له وإن عجز فللوارث تعجزه وفسخ الكتابة وإن أنظره الموصى له. وهل للموصى له إبراؤه من النجوم أم لا ؟ قولان أصحهما ذلك لأنه يملك الاستيفاء فيملك الابراء، ووجه العدم أنه إنما ملكه استيفاء النجوم ولم يملكه تفويت الرقبة على الورثة الحاصل بالابراء. ولو أوصى لواحد برقبته إن عجز ولآخر النجوم صحت الوصيتان ثم إن أدى المال أو أبرأه منه بطلت الوصية الاولى، وإن رق بطلت الوصية الثانية، لكن استرقاقه مشروط بفسخ الوارث كتابته، فإن امتنع وأمهله جاء القولان السابقان. واستوجه علامة التحرير فيه عدم جواز استرقاقه للموصى له بدون فسخ الوارث ولو كان الموصى له بالمال قد قبض منه شيئا فهو له، ولو اختلف الموصى له بالرقبة وبالمال في الفسخ عند العجز قدم صاحب الرقبة كما يقدم صاحبها على الوارث. أما لو كاتبه مكاتبة فاسدة بأحد المفسدات الشرعية – حيث لا أثر لها البتة – ثم أوصى به جاز لأنه رقة غير محجور عليه في وصيته به. أما لو أوصى بما في ذمته لم يصح، ولو أوصى بما قبضه منه صح لأن كسبه للمولى لا من حيث إنه مال الكتابة. وظاهر إطلاق المحقق والأصحاب بل صريح الشيخ في المبسوط وغيره عدم الفرق في ذلك بين العالم بفساد الكتابة والجاهل به نظرا إلى حقيقة المال وموافقة الوصية ملك الموصي. ويحتمل الفرق لأن الجاهل بالفساد إذا أوصى بالرقبة فعنده
[ 434 ]
إنما يأتي به إذا أوصى أن يوضع عن مكاتبة أكثر مما بقي عليه فهو وصية بالنصف وزيادة وللورثة المشتبهة في تعيين تلك الزيادة (1)، والأظهر كون ذلك الزائد على النصف من جملة الوصية لا ابتداء عطيته، فلا يعتبر فيها ما يعتبر في العطية بل في الوصية، وقصاراه أن يكون تعيين الوصية مفوضا إلى الوارث لا بهامه. وهل يعتبر في الزيادة عن النصف أن تكون متمولة في نفسها أم يكفي التمول فيها بواسطة انضمامها إلى النصف ؟ وجهان، الأظهر منهما الثاني لأن التمول إنما يعتبر في الوصية وغيرها عند الاستقلال والانفراد، أما مع انضمام بعض الأجزاء إلى بعض فالمعتبر المجموع، وإلا لجرى عدم الصحة في الجميع لأن إجزاءه تبلغ حدا لا يتمول، والوصية هنا مجموع النصف والزيادة، لا بالزيادة وحدها. ولو قال: ضعوا عنه أكثر ما بقي عليه ومثله فهو وصية بجميع ما عليه وزيادة لأن ما يزيد على النصف هو نصف الوصية فيكون مثله زائد على مجموع المال، فيصح فيه ويلغو في الزائد. ومثله ما لو قال: ضعوا أكثر ما عليه أو ما عليه وأكثر ونحو ذلك. ولو قال: أكثر ما عليه ونصفه وضع عنه ثلاثة أرباع ما عليه وزيادة شئ، ولا يعتبر فيه أن يتمول ويقبل التنصيف الى ما يتمول. وأما توهم اعتبار تمول الزيادة دون نصفها بناء على أن ما يتمول يصح أن يقال له نصف مقيد به وإن يتمول بخلاف نصف ما لا يتمول فهو فاسد، لما ذكرناه من أن الوصية بالمجموع لا بالزيادة منفردة سواء نصفها أم لا. ولو قال: ضعوا عنه ما شاء أو ما شاء من مال الكتابة، فإن بقي منه شيئا فلا إشكال في الصحة، وإن شاء الجميع ففيه خلاف، فالشيخ في المبسوط على أنه لا يصح أما في الثاني فواضح لأن ” من ” للتبعيض، فكأنه قال في وصيته: ضعوا عنه بعض مال الكتابة، وأما في الأول فلأن ” من ” وإن لم تكن ظاهرة لكنها مقدرة، فإن
(1) كذا في النسخة، ولعل الصحيح ” وللورثة تعيين تلك الزيادة المشتبهة “.
[ 435 ]
المعنى ضعوا من كتابته ما شاء. وفيه نظر لأن تقدير ” ما شاء من مال الكتابة ” بمعنى التبعيض محتمل للتبيين فيصح تعلقها بالجميع. نعم يمكن أن يقال إن ” من ” لما كانت مشترك بين التبعيض والتبيين كانت مبهمة فلا تدل على أحدهماإلا بالقرينة كما في كل مشترك، وحينئذ فالنقص معلوم على الاحتمالين والجميع مشكوك فيه لقيام الاحتمال فيرجع الأمر إلى معنى التبعيض وإن لم يحمل عليه بخصوصه، ولو عينت القرينة إرادة التبيين أو إرادة الجميع من غير تقدير ” من ” عمل بها، ولعلها موجودة في الصورة الاولى بإرادة ما يتناول الجميع. وتوقف المحقق في ذلك بل يظهر منه أن الاعتبار بظاهر حال اللفظ، ولا يتأتى ذلك لو قال: ضعوا عنه النجوم. وبالجملة: فصدور هذه الوصايا ممن لم يكن له تعمق في علم العربية يبعد هذه الاحتمالات ويتعين الحمل على ما هو المتعارف بين العوام. والفروع في هذا المقام كثيرة، وإطالة البحث عنها مما تطول به المؤلفات مع كونها غير منصوصة، فلنقتصر على هذا القدر منها على أن أكثرها فروع العامة قد استحسنها الشيخ في المبسوط وجرى على وتيره جماعة من متأخري علمائنا.
الثلاثة والثلاثون: إذا أوصى بعتق المكاتب فمات وليس له سواه ولم تحل مال الكتابة يعتق ثلثه معجلا، ولا ينظر بعتق الثلث حلول مال الكتابة كما عليه بعض الشافعية لأنه إن أدى حصل للورثة المال وإذا عجز استرقوا ثلثه ويبقى ثلثاه مكاتبا، وذلك لأن المكاتب إذا أدى مال الكتابة عن الثلثين حصل للورثة المال وهو ضعف ما عتق وهو الذي منع من عتقه عند العامة، وإن عجز استرقوا ثلثيه وهو الضعف أيضا، فضعف الوصية حاصل على التقديرين وإن لم يكن متعين في أحد الأمرين. هكذا أجاب المحقق عن ذلك. وتنظر فيه ثاني الشهيدين في المسالك لأن الوارث ممنوع من التصرف فيما
[ 436 ]
حصل له قبل استقرار الأمر بتعين أحد الأمرين، والوصية نافذة بغير مانع، فما أورده العامة غير منسجم. وإذا كاتب المريض عبده اعتبر من الثلث في المشهور لأنه معاملة على ماله بماله فجرت المكاتبة مجرى الهبة، وأما على المختار وهو أن المنجزات من أصل المال فلا بحث ولا كلام، وعلى الأول فإن خرج من الثلث نفذت الكتابة فيه أجمع وينعتق عند أداء المال. وإن لم يكن سواه صحت في ثلثه وبطلت في الباقي. وإنما علل بذلك لأنها وإن كانت معاوضة إلا أنها بحسب الصورة لا الحقيقة لأن كلا من العوض والمعوض من مال المولى والكسب تابع للمملوك فهي معاوضة على ماله بماله فكانت في معنى التبرع المحض، فلذلك اعتبرت من الثلث مع عدم الاجازة، بخلاف المعاوضة المشتملة على عوض يدخل في مال المالك من خارج كالبيع بثمن المثل والاجازة إذ ليس فيهما تفويت مال وإن اشتملت على تبديل الأعيان لأن المعتبر هو أصل المال دون خصوصيته، وبهذا يخالف ما إذا باع لنسية في مرض الموت بثمن المثل حيث يصح البيع في الجميع لأنه لو لم يبع لم يحصل له الثمن، وهنا لو لم يكاتب لم يحصل له كسبه. وإذا تقرر ذلك وقلنا بأن المنجزات من الثلث اعتبرت قيمة العبد من الثلث، فإن لم يملك شيئا سواه وأدى النجوم في حياة المولى فإن كان مكاتبة له على مثلي قيمته عتق كله لأنه يبقى للورثة مثلاه، وإن كاتبه على مثل قيمته عتق منه ثلثاه لأنه إذا أخذ مائة وقيمته مائة فالجملة مائتان فينفذ التبرع في ثلث المائتين وهو ثلث المائة، ولو كاتبه على مثل قيمته وقبض نصف النجوم صحت الكتابة في نصفه، وإن لم يؤد حتى مات السيد نظر إن لم يجز الورثة ما زاد على الثلث فثلثه مكاتب، فإن أدى حصته من النجوم عتق. ولو زاد في الكتابة بقدر نصف ما أدى وهو سدس العبد إذا كانت النجوم مثل قيمته وففيه وجهان، ووجه العدم أن الكتابة قد بطلت في الثلثين فلا تعود، وهذا
[ 437 ]
الذي جزم به المحقق ومن تأخر عنه. ووجه الزيادة زيادة ما صار بيد الوارث فكان لو ظهر دفين للميت أو نصب شبكة في الحياة فوجد فيها صيد بعد الموت فإنه يزاد في الكتابة لذلك. والأول أقوى لا نطباقه على القواعد الشرعية ظاهرا.
المقصد التاسع
في أحكام الاستيلاد
لأنه أحد الأسباب الموجبة للعتق نصا وفتوى، وفيه مسائل:
الاولى: في به يتحقق وبيان شرائطه المتوقف تحققه عليها، وهو يتحقق بعلوق أمته منه وهو في ملكه، ويدخل في العلوق ما إذاولدته تاما وناقصا مضغة وعلقة لا نطفة في الأصح لعدم اليقين بكونها مبدأ للنشر واستعدادها للصورة الانسانية بخلاف اختيها، واستصحابا لحكم الأمة الثابت بيقين وفائدة غير الحي إبطال التصرف المخرج عن الملك والواقع زمن الحمل وانقضاء المدة من الأمة والحرة من الزوج والشبهة وهي لا تخرج عن الملك ما دام سيدها حيا بالنص والاجماع. ففي صحيحة زرارة (1) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: سألته عن ام الولد فقال: أمه “. ومثله حسنه (2) كما في الكافي. وفي مرسل ابن أبي عمير (3) ” أنه سئل عن ام الولد أيقع عليها سيدها ؟ قال: نعم “. وفي صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (4) ” قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل
(1) الفقيه ج 3 ص 82 ح 1، الوسائل ج 16 ص 123 ب 1 ح 1. (2) الكافي ج 6 ص 19 ح 1. (3) التهذيب ج 7 ص 481 ح 138، الوسائل ج 6 ص 86 ب 1 ح 8 وفيها ” سئل عن المدبرة “. (4) التهذيب ج 8 ص 206 ح 35، الوسائل ج 16 ص 123 ب 1 ح 2 وفيهما ” وهبه لها “.
[ 438 ]
يأخذ من أم ولده شيا وهبه له بغير طيب نفسها من خدم أو متاع، أيجوز ذلك له ؟ فقال: نعم إذا كانت ام ولده “.
الثانية: هل يشترط في تحقق الاستيلاد كون الولد حرا حال العلوق أم لا ؟ الأشهر والأظهر اشتراطه، بل لم ينقل فيه خلاف لأن الاستيلاد إنما ثبت لها تبعا لحرية الولد، وإلى ذلك أشارت الأخبار الآتي ذكرها لقوله عليه السلام في بعضها ” جارية أعتقها ولدها ” فلو كان مملوكا إما لكون الواطئ عبدا حالة الوطء والحمل أو باشتراط الرقية في ولد الحر، وقد وقع الخلاف فيما إذا أولد أمة غيره ولدا حرا بأن تزوجها في حال حريته ولم يشترط الرقية ثم ملكها بعد ذلك عملا بالأصل، والشك في السبب بأن الاستيلاد لم يثبت في الحال فلا يثبت بعد مؤيدا. ولصحيحة ابن مارد (1) عن الصادق عليه السلام ” في الرجل يتزوج الأمة فتلد منه أولادا ثم يشتريها فتمكث عنده ما شاء الله ولم تلد منه بعد ما ملكها ثم يبدو له في بيعها، قال: هي أمته إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل بعد ذلك، وإن شاء أعتقها ولا يمنع منه الوطء المحرم لعارض كما لو وطأ الأمة المرهونة عن الغير فحملت صارت ام ولد لوجود المقتضي له وهو علوقها في ملكه وانتفاء المانع إذ ليس إلا كونها مرهونة والرهن لم يخرجها عن ملكه، وإن حظر عليه التصرف فإن الاستيلاد يجامع الوطء المحرم بالاتفاق كما لو وطأ حالة الحيض والاحرام ووطأ المشتركة. ومقتضى حكمهم بدخولها في حكم امهات الأولاد تحريم بيعها على المرتهن وذلك في معنى بطلان الرهن، وهو أحد الأقوال في المسألة، وبه صرح المحقق في كتاب الشرايع في كتاب الرهن منه لعموم النهي عن بيع امهات الأولاد، بل
(1) التهذيب ج 7 ص 482 ح 148، الوسائل ج 6 ص 125 ب 4 ح 1 وفيهما اختلاف يسير.
[ 439 ]
جاء في صحيحتي محمد بن مسلم (1) والحلبي (2) جواز وطء الراهن حالة الرهانة لأمته فيما بينه وبين الله عز وجل وإن كان له المنع ظاهرا. وقد عمل بهاتين الصحيحتين بعض المحدثين من مشايخنا وحملها الأكثر على التقية. وفيه قول آخر أنه لا تبطل الرهانة ويقم حق المرتهن لسبقه، وهذا هو الأقوى، فيصير من المسائل المستثناة من المنع من بيع ام الولد.
الثالثة: لا يشرتط الاسلام في المستولد للعمومات، فلو أولد الكافر أمته لحقها حكم امهات الأولاد، لكن لو أسلمت قبله تعارض تحريم بيع ام الولد وتحريم بقاء المسلم في ملك الكافر الموجب لحصول السبيل عليه المنفي آية ورواية، فيجب إزالة السبيل عن ام الولد المسلمة. وقد اختلف كلام الشيخ وغيره في مزيله، ففي المبسوط: تباع وتكون مستثناة من المنع وهو الذي اختاره المحقق في الشرايع بل في أكثر كتبه، واختاره العلامة وإن كان له قول آخر سيأتي ذكره. وقال الشيخ في الخلاف، تجعل عند امرأة مسلمة تتولى القيام لها جمعا بين الحقين لأن الاستيلاد مانع من البيع ولا سبيل إلى بقاء السبيل، فيجمع بينهما بذلك. وللعلامة قول ثان أنها تستسعى لأن العتق والحيلولة إضرار بذلك والبيع منهي عنه والسبيل واجب الازالة فوجب الاستسعاء، وهذا مما يوجب الاكتفاء بالكتابة بطريق أولى لأنها تقطع تصرف المولى كما مضى بخلاف الاستسعاء، فالأول أقوى لأن الحق فيه لله تعالى لا للمملوك، فلو رضي ببقائه في ملك الكافر لم يجب إليه.
الرابعة: لا يشترط في الأمة المستولدة أن تكون خالصة للمستولد بل يثبت الاستيلاد ولو في المشتركة كما تقدم في النكاح وأحكام الأولاد، لأن الموطئ لها على تلك الحال لم يكن زنا بل معصية يستحق عليها التعزير ويلحق به الولد وتقوم
(1) الكافي ج 5 ص 237 ح 20، الوسائل ج 13 ص 133 ب 11 ح 1. (2) الكافي ج 5 ص 235 ح 15، الوسائل ج 13 ص 133 ب 11 ح 2.
[ 440 ]
عليه الام والولد يوم سقط حيا، وتتعلق بها أحكام ام الولد، وكذلك المشتر كان لو وقعا عليها في طهر واحد فأولدها ثم اقرع بينهما فخرج الولد لأحدهما فأنها تكون ام ولد بذلك ويغرم حصة الشريك الآخر من المولد والام. ففي صحيح أبي بصير (1) عن أبي جعفر عليه السلام كما في الفقيه وحسنه كما في الكافي عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: بعث رسول الله صلى الله عليه واله عليا عليه السلام إلى اليمن فقال له حين قدم: حدثني بأعجب ما ورد عليك، قال: يا رسول الله أتاني قوم قد تبايعوا جارية فوطؤوها جميعا في طهر واحد فولد غلاما فاختلفوا فيه كلهم يدعيه فأسهمت بينهم فجعلته للذي خرج سهمه وضمنت نصيبه “. ومرسلة عاصم بن حميد (2) وصحيح معاوية بن عمار (3) وخبره عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: إذا وطأ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد فولدت فادعوه جميعا أقرع الوالي بينهما، فمن قرع كان الولد ولده وترد قيمة الولد على صاحب الجارية “. ولا يلزم من ذلك نفي الضمان لقيمة الولد لا دعاء كل واحد منهم أنه ولده وأنه لا يلحق بغيره، ولازم ذلك أنه لا قيمة له على غيره من الشركاء، بخلاف ما لو كان الواطئ واحدا فإن الولد محكوم بلحوقه به. ولما كان من نماء الأمة المشتركة جمع بين الحقين بإغرامه قيمة الولد لهم وإلحاقه به لأنا نقول: إن الروايات قدصرحت بذلك فإن صحيحة معاوية بن عمار مصرحة بالغرم في الولد بخصوصه غير متعرض للام، فبطل ما قيل في هذه
(1) الكافي ج 5 ص 491 ح 2، الفقيه ج 3 ص 54 ح 11، الوسائل ج 18 ص 188 ب 13 ح 6 وج 14 ص 567 ب 57 ح 4 ما في المصادر اختلاف يسير. (2) التهذيب ج 6 ص 238 ح 16، الوسائل ج 18 ص 188 ب 13 ح 5. (3) الفقيه ج 3 ص 52 ح 4، التهذيب ج 8 ص 169 ح 14، الوسائل ج 14 ص 566 ب 57 ح 1.
[ 441 ]
الصحيحة من عدم الدلالة بحمل النصيب المضمون للشريك على النصيب من الام لأنه من النصيب الواضح لهم باتفاق الجميع. وقد عرفت ما فيه بعد ثبوت النص المذكور في الولد بالخصوص وإن كانت هذه الرواية الاخرى غير صريحة في الولد بالخصوص. ولا فرق في هذا الوطء الصادر من الشريكين أو من الشركاء بين كونهم عالمين بتحريمه أو جاهلين. وبالجملة: فحكم كل واحد بالنسبة إلى هذا الولد كولده من الأمة الموطوءة المنفردة من حيث الحكم باللحوق وصيرورتها ام ولد فتلحقها أحكام أم الولد من العتق وغيره كما سيجئ تفصيله، وفي هذه الأخبار دلالة على شمول الحكم لأمة الكافر والمسلم كبقية أخبار الباب الواردة في ام الولد فإنها مطلقة. الخامسة، قد عرفت مما سبق أن ام الولد مملوكة لسيدها ما دام حيا ولا تتحرر بمجرد موت المولى بل من نصيب ولدها كما سيجئ، لكن لا يجوز للمولى بيعها ما دام ولدها حيا إلا في ثمن رقبتها إذا كان دينا على المولى، وفي مواضع مخصوصة تقدم عليها في البيوع بعضها منصوصة وبعضها غير منصوصة، وليس مولاها ممنوعا من سوى البيع ونحوه من وجوه النقل عن ملكه فيجوز له إجارتها وتزويجها وتحليلها للغير ووجوب نفقتها وغير ذلك من الأحكام، ولا فرق في جواز بيعها في ثمن رقبتها بين حياته أو بعد موته. ففي صحيحة عمر بن يزيد (1) عن أبي أبراهيم عليه السلام ” قال: قلت له: أسألك ؟ قال: سل، قلت: لم باع أمير المؤمنين عليه السلام امهات الأولاد ؟ فقال: في فكاك رقابهن، قلت: وكيف ذاك ؟ قال: أيما رجل اشترى جارية فأولدها ثم لم يرد ثمنها ولم يدع من المال ما يؤدى عنه بيعت وأدى ثمنها، قلت: فتباع فيما سوى ذلك من الدين ؟ قال: لا “
(1) الفقيه ج 3 ص 83 ح 6، الوسائل ج 16 ص 124 ب 2 ح 1 وفيهما ” ثم لم يؤد ثمنها – أخذولدها منها وبيعت “.
[ 442 ]
ومثله صحيحته الاخرى (1) إلا أنه قال أخذ ولدها منها وبيعت “.
السادسة: أن ام الولد إذا مات ولدها قبل أبيه فهي أمة لا تنعتق بموت سيدها ويجوز بيعها باتفاق. ويدل عليه من الأخبار خبر أبي مخلد السراج (2) ” قال: قال أبو عبد الله عليه السلام لاسماعيل وحقيبة والحارث النصري: اطلبوا لي جارية من هذا الذي تسمونه كذبا نوجة تكون مع ام فروة، فدلونا على جارية رجل من السراجين وقد ولدت له ابنا ومات ولدها، فأخبروه بخبرها فأمرهم فاشتروها، وكان اسمها رسالة فحول اسمها وسماها سلمى، فزوجها سالما مولاه فهي ام حسين بن سالم “. وفي صحيحة وهب بن عبد ربه (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في رجل زوج عبدا له من ام ولد له ولاولد لها من السيد، ثم مات السيد، قال: لا خيار لها على العبد هي مملوكة للورثة “. وفي خبر أبي بصير (4) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في رجل اشترى جارية يطأها فولدت له ولدا فمات ولدها، قال: ” إن شاؤا باعوها في الدين الذي يكون على مولاها من ثمنها، وإن كان لها ولد قومت على ولدها من نصيبه “. ولو بقيت حاملا حتى مات مولاها ثم ولدت ولو سقطا انعتقت من سهم ولدها. ويدل على ذلك صحيح محمد بن مسلم (5) عن أبي جعفر عليه السلام: ” في حديث أنه
(1) الكافي ج 6 ص 193 ح 5، الوسائل ج 16 ص 124 ب 2 ح 2. (2) الكافي ج 6 ص 197 ص 15 وفيه ” لاسماعيل حقيبة “، الوسائل ج 16 ص 126 ب 5 ح 1. (3) التهذيب ج 8 ص 206 ح 34، الوسائل ج 16 ص 127 ب 5 ح 4. (4) الكافي ج 6 ص 192 ح 4، الوسائل ج 16 ص 126 ب 5 ح 2. (5) الفقيه ج 3 ص 287 ح 12، الوسائل ج 16 ص 124 ب 3 ح 1 وفيهما ” عن أبى عبد الله عليه السلام “.
[ 443 ]
قال في جارية لرجل كان يأتيها فأسقطت سقطا منه بعد ثلاثة أشهر قال: هي ام ولد “. وخبر أبي البختري (1) كما في قرب الأسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام ” قال: إذا سقطت الجارية من سيدها فقد عتقت “.
السابعة: إذا مات مولى ام الولد وولدها حي وكان ولدها وارث أبيه وترك ما يقوم حصته بثمن امه جعلت في نصيب ولدها وعتقت عليه، ولو لم يكن سواها عتق نصيب ولدها منها وسعت في الباقي. وظاهر الأصحاب في أكثر مؤلفاتهم القطع بهذا الحكم من غير فرق بين كون ولدها صغيرا أو كبيرا، ولا يتوقف عتقها على عتق ولدها بصيغة مستقلة بعد بلوغه أو تميزه وكونه يحسن الصيغة، نظرا إلى الاطلاق في كثير من الأخبار. وذهب الصدوق في المقنع ووالده في الرسالة التي عملها لابنه أنه إذا كان صغيرا قومت عليه وحسب ثمنها من ميراثه، ولا تنعتق بمجرد ذلك التقويم بل تبقي ملكا لولدها إلى أن يبلغ فيكون هو الذي يعتقها، فإن مات ولدها قبل البلوغ ورثها وارثه. واختار هذا المذهب شيخنا صاحب كتاب الأحياء، وتردد شيخنا صاحب كتاب الحدائق في هذا الحكم من أصله لتعارض المشهور وهذه الأدلة الناطقة بذلك. والأقوى ما اختاره شيخنا صاحب الأحياء وقبله الصدوقان لأن الأدلة الدالة على ذلك التفصيل أصح سندا وأكثر عددا، مع أن عارضها ضعيف الأسناد مطلقا في المراد بمعزل عن التنصيص قابل للتقييد والتخصيص، أسانيده غير نقية قابل للحمل على التقية لا جماع العامة عليه. وها أنا أسوق لك الأخبار من الطرفين لينكشف لك الحق من القولين، وإن كان القول المشهور كاد أن يكون إجماعيا حيث إن الأكثر لم يتعرضوا لما نقلناه عن الصدوقين.
(1) قرب الاسناد ص 74، الوسائل ج 16 ص 125 ب 3 ح 2.
[ 444 ]
فمن أدلة المشهور مقطوعة يونس (1) ” حيث قال في ام ولد: إن كان لها ولد وليس على الميت دين فهي للولد، وإذا ملكها الولد فقد عتقت بملك ولدها لها، وإن كانت بين شركاء فقد عتقت من نصيب ولدها وتستسعى في بقية ثمنها “. وخبر أبي البختري (2) المتقدم عن قرب الأسناد وقد مر عن قريب لأن فيه ” إذا سقطت الجارية من سيدها فقد عتقت “. وخبر الوليد بن هشام (3) ” قال: قدمت من مصر ومعي رقيق فمررت بالعاشر فسألني فقلت: هم أحرار كلهم، فدخلت المدينة ودخلت على أبي الحسن عليه السلام فأخبرته بقولي للعاشر، فقال: ليس عليك شئ، فقلت: إن فيهم جارية قد وقعت عليها وبها حمل، قال: لا بأس، أليس ولدها الذي يعتقها إذا هلك سيدها صارت من نصيب ولدها ؟ ” وخبر أبي بصير (4) المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: إن كان لها ولد قومت على ولدها من نصيبه “. وأما الأخبار الواردة بما قلناه من التفصيل فصحيح محمد بن قيس (5) المروي في الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام أيما رجل ترك سرية لها ولد وفي بطنها ولد لها، فإن كان أعتقها ربها عتقت، وإن لم يعتقها حتى توفي فقد سبق فيها كتاب الله، وكتاب الله أحق، فإن كان لها ولد وترك مالا جعلت في نصيب ولدها ويمسكها أولياء بها حتى يكبر الولد، فيكون هو الذي
(1) الكافي ج 6 ص 193 ح 6، الوسائل ج 16 ص 126 ب 5 ح 3. (2) قرب الاسناد ص 74، الوسائل ج 16 ص 124 ب 3 ح 1. (3) التهذيب ج 8 ص 227 ح 48، الوسائل ج 16 ص 71 ب 60 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (4) الكافي ج 6 ص 192 ح 4، الوسائل ج 16 ص 126 ب 5 ح 2. (5) الفقيه ج 3 ص 83 ح 7، الوسائل ج 16 ص 68 ب 56 ح 3 وفيهما اختلاف يسير.
[ 445 ]
يعتقها إن شاء، ويكونون هم يرثون ولدها ما كانت أمة، فإن أعتقها ولدها أعتقت، وإن توفي عنها ولدها ولم يعتقها فإن شاؤا أرقوا وإن شاؤا أعتقوا “. وصحيح عبد الله بن سنان (1) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يموت وله ام ولد له منها ولد، أيصلح للرجل أن يتزوجها ؟ فقال: أخبرت أن عليا عليه السلام أوصى في امهات الأولاد اللاتي كان يطوف عليهن، من كان لها ولد فهي من نصيب ولدها، ومن لم يكن لها ولد فهي حرة، وإنما جعل من كان لها ولد من نصيب ولدها كي لا تنكح إلا بإذن أهلها “. وفي صحيحة اخرى لمحمد بن قيس (2) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل ترك جارية وقد ولدت منه ابنة وهي صغيرة، غير أنها تبين الكلام، فأعتقت امها، فخاصم فيها موالى أبي الجارية فأجاز عتقها “. وفي صحيح آخر له (3) أيضا عن أبي جعفر عليه السلام ” في رجل توفي وله جارية وقد ولدت منه بنتا ” ثم ذكر مثل الحديث الأول من غير أن يسنده إلى قضاء أمير المؤمنين عليه السلام. وفي صحيح آخر له (4) كما في التهذيب ” قال: قضى علي أمير المؤمنين عليه السلام في رجل توفي وله سرية لم يعتقها، قال: سبق كتاب الله، فإن ترك سيدها مالا تجعل في نصيب ولدها ويمسكها أولياء ولدها حتى يكبر ولدها فيكون المولود هو الذي يعتقها، ويكون الأولياء الذين يرثون ولدها ما دامت أمة، فإن أعتقها ولدها فقد عتقت، وإن مات ولدها قبل أن يعتقها فهي أمة، إن شاؤا أعتقوا وإن شاؤا استرقوا “. وحمل هذه الأخبار الشيخ في التهذيبين على ما إذا كان ثمن الجارية دينا
(1) الفقيه ج 3 ص 82 ح 3، الوسائل ج 16 ص 127 ب 5 ح 5 وفيهما اختلاف يسير. (2) الفقيه ج 3 ص 82 ذيل ح 7، الوسائل ج 16 ص 58 ب 56 ح 2 وفيهما اختلاف يسير (3) لم نعثر عليه. (4) التهذيب ج 8 ص 239 ح 97، الوسائل ج 16 ص 128 ب 6 ح 2.
[ 446 ]
على صاحبها ولم يقض من ذلك شيئا، مستدلا بخبر وهب بن حفص عن أبي بصير (1) ” قال: سألت أبا عبد الله عن رجل اشترى جارية فولدت منه ولدا فمات، قال: إن شاء أن يبيعها باعها، وإن مات مولاها وعليه دين قومت على ابنها، فإن كان ابنها صغيرا انتظر به حتى يكبر ثم يجبر على قيمتها، فإن مات ابناه قبل امه بيعت في ميراث الورثة إن شاء الورثة “. وفيه نظر، لأن تلك الأخبار المتقدمة نص في انتفاء الدين ونهوض حصة الولد بثمن رقبتها، وأنها تبقى على الملك لابنها حتى إلى أن يكبر أو يبين الكلام مع حصول التمييز بحيث يجري عليها عتقا بصيغة مستقلة تدل على عتقها فكيف يجزي فيها هذا التأويل. وأما خبر أبي بصير فهو بالدلالة على نقيض المدعى أشبه لقوله ” فإن كان ابنها صغيرا انتظر به حتى يكبر ” على أنه قد اشتمل على ما لم يقل به أحد سوى الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار من إلزام الولد بثمن رقبتها وإن لم يترك أبوه شيئا. ولهذا قال المحقق في الشرايع مشيرا إلى هذه الرواية في أحكام ام الولد وفي رواية ” تقوم على ولدها إن كان مؤسرا ” وهي مهجورة. وقال ثاني الشهيدين في المسالك: وعمل بمضمونها الشيخ في النهاية وفي سندها ما لا يخفى، وهي مع ذلك مهجورة العمل عند غير الشيخ في النهاية، وقد رجع عنه في غيرها، فالمذهب عدم التقويم. والذي يؤيده ما قلناه ما جاء في الأخبار الدالة على عتق القرابة بالانتقال إليه بالبيع ونحوه أنها واردة في الرجل والمرأة وهما لا يقالان إلا على البالغين فلا يدخل الصغير، ومع ذلك فقد صرحوا بالخلاف، وهنا غفلوا عن الخلاف في ام الولد. فتبين لك بهذا التحقيق الأنيق أن ام الولد مادام ولدها صغيرا غير مميز
(1) التهذيب ج 8 ص 239 ح 98، الوسائل ج 16 ص 129 ب 6 ذيل ح 4
[ 447 ]
فهي في حكم الرقين إلى أن يعتقها الولد. وأما ما جاء في صحيح زرارة (1) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: سألته عن ام الولد، قال: أمة تباع وتوهب وتورث، وحدها حد الأمة ” محمول على ما قبل عتق ولدها لها كما تدل عليه هذه الأخبار، فيجب إرجاع كل خبر دل على عتقها بمجرد الارث إلى هذا التفصيل حملا للمطلق على المقيد والمجمل على المبين وليس للتوقف في المسألة وجه بعد ورود هذه الصحاح الصراح التي قد اعتمدها الصدوقان بمجرد مخالفة الشهرة، إذ رب مشهور لا أصل له. والعجب من المحدثين من متأخري متأخرى علمائنا كمحدث الوسائل محدث الوافي كيف اعتمدوا جمع الشيخ بين الأخبار وركنوا إلى ذلك المحمل البعيد مع كونهم من هذه الأخبار بمرأى ومسمع ومنتد ومجمع، لكن حسن الظن بمن تقدم عليهم أوجب لهم الركون إليهم، ونحن لا يغنينا التقليد والاتباع بعد الوقوف على هذه الأخبار الساطعة المنار وليست مخالفة للاجماع وإن خالفت الاشتهار، فالاعتماد على مضمونها في الفتوى والاحتياط لمالك امهات الأولاد أن ينجز عتقها خروجا من هذا الخلاف، والله العالم بالصواب وإليه المرجع والمآب، وإنما بسطنا لسان الأقلام لأن هذه المسألة من المهام ومن المسائل التي نسجت عليها عناكب الابهام ووقفت دون تحقيقها جياد علمائنا الاعلام، ونسأل الله الاعتصام والهداية إلى حقيقة الحق في الأحكام ومسائل الحلال والحرام. الثامنة، قد تقدم في كتاب الوصايا أن السيد إذا أوصى لام ولده بمال فهو من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين الأصحاب لاختلاف الأخبار. فقيل: تعتق في نصيب ولدها كسائر امهات الأولاد التي لم يوص لهم بشئ ويعطى الوصية أجمع.
(1) الكافي ج 6 ص 191 ح 1، الوسائل ج 16 ص 123 ب 1 ح 1.
[ 448 ]
وقيل: تعتق من الوصية فإن فضل منهما شئ عتق من نصيب ولدها، وإن نهضت به الوصية وزادت دفع إليها. والأخبار الواردة في المسألة أكثرها صريح فيما ذهب إليه الصدوق من عتقها من الثلث ودفع الوصية إليها. ففي صحيح البزنطي (1) ” قال: نسخت من كتاب بخط علي عليه السلام: فلان مولاك توفي ابن أخ له وترك ام ولد له فأوصى لها بألف، هل تجوز الوصية ؟ وهل يقع عليها عتق ؟ وما حالها ؟ رأيك فدتك نفسي، فكتب عليه السلام: تعتق من الثلث ولها الوصية “. وصحيحة أبي عبيدة (2) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كانت له ام ولد وله منها غلام، فلما حضرته الوفاة أوصى لها بألفي درهم أو أكثر، للورثة أن يسترقوها ؟ فقال: لا، بل يعتق من ثلث الميت وتعطي ما أوصى لها به “. وخبر الحسين بن خالد الصيرفي (3) عن أبى الحسن الماضي عليه السلام ” قال: كتبت إليه في رجل مات وله ام ولد وقد جعل لها شيئا في حياته ثم مات، قال: فكتب لها ما أثاب به سيدها في حياته “. ومرسلة محمد بن يحيى (4) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ” في ام الولد إذا مات عنها مولاها وقد أوصى لها: قال: تعتق من الثلث ولها الوصية “. وليس في الباب ما يعارض هذه الأخبار موافقا لمذهب المشهور من عتقها من مال الوصية ودفع الباقي إليها أو عتقها من مال الولد ودفع الوصية إليها سوى ما
(1) الكافي ج 7 ص 29 ح 1، الوسائل ج 13 ص 469 ب 81 ح 1 وفيهما ” بخط أبى الحسن عليه السلام – ام ولد له ليس لها ولد “. (2) الكافي ج 7 ص 29 ح 4، الوسائل ج 13 ص 470 ب 82 ح 4. (3) الكافي ج 7 ص 29 ح 2 وفيه ” ما أثابها به “، الوسائل ج 13 ص 469 ب 82 ح 2 و فيه ” ما أمر سيدها “. (4) الكافي ج 7 ص 29 ح 3، الوسائل ج 13 ص 470 ب 82 ح 3 وفيهما ” عمن ذكره عن أبى الحسن – تعتق في الثلث “.
[ 449 ]
وجد في كتاب العباس (1) مرسلا ” قال: تعتق من نصيب ابنها وتعطى من ثلثه ما أوصى لها به ” وهو خبر ضعيف غير معتد به موافقا لمذهب العامة. وبالجملة: فقول الصدوق هو أقوى الأقوال الثلاثة، ومع ذلك لم يتعرضوا له في الأقوال بل رجعوا قوله إلى قول المشهور وحملوا أخباره وهو عتقها من الثلث على عتقها من الوصية لأن الوصية من الثلث، ويدفعه تصريحها بأن العتق من الثلث والدفع لها كمال الوصية، وبهذا تبين لك أن مذهب المشهور لا مستند له.
التاسعة: إذا جنت ام الولد خطأ على أحد تعلقت الجناية برقبتها وعلى المولى فكها، و اختلفوا بما ذا يفكها إلى قولين، وكلاهما للشيخ. ففي المبسوط يفديهما بأقل أمرين من قيمتها وأرش الجناية لأن الاقل إن كان هو الأرش فظاهر، وإن كان القيمة فهي بدل العين فيقوم مقامها، والجاني لا يجني على أكثر من نفسه، و المولى لا يعقل مملوكه فلا يلزمه الزائد. وفي الخلاف يفديها بأرش الجناية بالغا ما بلغ إن لم يسلمها لتعليقه قيمتها وربما رغب فيها راغب بالزيادة، و هذا هو مختار المحقق، والأول هو أشهر وأقوى. للشيخ في المبسوط قول ثالث وهو المنصوص أن أرش جنايتها على سيدها لمنعه من بيعها بالاستيلاد، ويدل عليه خبر مسمع بن عبد الملك (2) عن الصادق عليه السلام ” أنه قال: ام الولد جنايتها في حقوق الناس على سيدها، ومتى كان من حقوق الله تعالى في الحدود فإن ذلك على بدنها ويقاص منها للماليك “. وعليه المعتمد لأن ذينك القولين ليس لها مستند سوى الاعتبار وهو لا يعارض الأخبار.
العاشرة: قد جاء في صحيحة محمد بن قيس (3) عن أبي جعفر عليه السلام ” في وليدة
(1) الكافي ج 7 ص 29 ذيل ح 4، الوسائل ج 13 ص 470 ب 82 ح 4. (2) التهذيب ج 10 ص 154 ح 51، الوسائل ج 18 ص 587 ب 14 ح 2 وفيهما اختلاف يسير. (3) التهذيب ج 10 ص 143 ح 28، الوسائل ج 18 ص 550 ب 4 ح 5 وفيهما اختلاف يسير.
[ 450 ]
نصرانية فأسلمت عند رجل فأولدت لسيدها غلاما ثم إن سيدها مات فأصابها عتاق السرية فنكحت رجلا نصرانيا دبرانيا فهو العطار فتنصرت ثم ولدت ولدين وحملت آخر، فقضى فيها أن يعرض عليها الاسلام فأبت، قال: ما ولدت من ولد فإنه لابنها من سيدها الأول، وأحبسها حتى تضع ما في بطنها، فإذا ولدت فاقتلها “. وحملت آخر، فقضى فيها أن يعرض عليها الاسلام فأبت، قال: ما ولدت من ولد فإنه لابنها من سيدها الأول، وأحبسها حتى تضع ما في بطنها، فإذا ولدت فاقتلها “. وهي رواية شاذة قد اشتملت على أحكام مخالفة للقواعة لأن استراق أولادها لابنها من المسلم لا تنطبق عليه قاعدة، وقتل المرأة في الارتداد غير ثابت في مذهبنا ولهذا قال الشيخ في النهاية: إنها تجرى عليها أحكام الارتداد وينفى ولدها على الحرية، وكأنه مطرح لهذه الرواية بالكلية فتقتصر على محلها، ولا يتعدى حكمها لغيرها كما هو شأن القضايا الجزئية الواردة في كتاب القضاء عن أمير المؤمنين عليه السلام.
تم الجزء الأول من ” عيون الحقائق الناظرة في تتمة الحدائق الناضرة ” حسب تجزئتنا بحمد الله ومنه وسيليه – إن شاء الله – الجزء الثاني منه أوله ” كتاب الاقرار ” سائلين الله عز شأنه أن يوفقنا لنشر أحكامه بحق سيدنا محمد وآله

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *