ج9 - من تجب عليه الجمعة
المطلب الثالث
ويراعى فيه شروط تسعة ، والأصل في هذه الشروط
الأخبار المتكاثرة عن الأئمة الأطهار (عليهمالسلام) :
ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن ابى بصير
ومحمد بن مسلم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «ان
الله عزوجل فرض في كل
سبعة أيام خمسا
__________________
(1) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة.
وثلاثين صلاة : منها ـ صلاة واجبة على
كل مسلم ان يشهدها إلا خمسة : المريض والمملوك والمسافر والمرأة والصبي».
وما رواه الصدوق عن زرارة في الصحيح عن ابي جعفر (عليهالسلام) (1) انه قال : «انما
فرض الله على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة : منها ـ صلاة واحدة
فرضها الله في جماعة وهي الجمعة ، ووضعها عن تسعة : عن الصغير والكبير والمجنون
والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين». ورواه الكليني
في الصحيح أو الحسن (2) ورواه ايضا
الشيخ الفقيه أبو محمد جعفر بن احمد ابن على القمي في كتاب العروس بإسناده عن
زرارة (3) وقال بعد نقله
: وروى مكان «المجنون» «الأعرج».
ومنها ـ ما رواه الشيخ عن منصور عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (4) في حديث قال :
«الجمعة واجبة على كل أحد لا يعذر الناس فيها إلا خمسة : المرأة والمملوك والمسافر
والمريض والصبي».
ومنها ـ ما في بعض خطب أمير المؤمنين (عليهالسلام) المروية في
الفقيه (5) وفي المتهجد (6) وفيها «الجمعة
واجبة على كل مؤمن إلا على الصبي والمريض والمجنون والشيخ الكبير والأعمى والمسافر
والمرأة والعبد المملوك ومن كان على رأس فرسخين».
أقول : وقد ظهر من هذه الاخبار باعتبار ضم بعضها الى بعض
ان الشروط المعتبرة في التكليف بالجمعة تسعة وضم إليها أيضا المطر لما سيأتي ان
شاء الله تعالى فتكون عشرة :
__________________
(1 و 2 و 4) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة.
(3) مستدرك الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة.
(5) ج 1 ص 276 وفي الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة.
(6) ص 268 وفي مستدرك الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة. واللفظ
فيه هكذا «الجمعة واجبة على كل مؤمن إلا الصبي والمرأة والعبد والمريض» وقد أورد
تمام الخطبة في المستدرك عن المصباح في الباب 19 من صلاة الجمعة.
أولها وثانيها ـ البلوغ والعقل ويجمعهما التكليف ، ولا
ريب في اشتراطه في هذه الصلاة وغيرها اتفاقا نصا وفتوى فلا تجب على المجنون والصبي
وان كان مميزا نعم تصح من المميز تمرينا وتجزئه عن الظهر. ولو أفاق المجنون في وقت
الصلاة خوطب بها خطابا مراعى ببقاء الإفاقة إلى آخر الصلاة.
وثالثها ـ الذكورة وهي مما ادعى عليها الإجماع حتى من
العامة أيضا (1) وعلى ذلك تدل
الأخبار المتقدمة ، ويخرج بقيد الذكورة المرأة والخنثى.
ويمكن المناقشة في السقوط عن الخنثى لانتفاء ما يدل على
اشتراط الذكورة وانما الموجود في الأخبار المتقدمة استثناء المرأة ممن تجب عليه
الجمعة ، والخنثى لا يصدق عليها انها امرأة ومن ثم وقع الخلاف فيها ، فقيل بالسقوط
عنها للشك في سبب الوجوب واختاره الشهيد ، وقيل بالوجوب عليها لعموم الأوامر خرج
من ذلك المرأة بالأخبار المتقدمة فتبقى الخنثى تحت عموم الأوامر. وقربه الشهيد
الثاني
وربما أورد عليه بان دخول الخنثى في المستثنى منه مشكوك
فيه بمعنى انه غير معلوم شمول عموم الأوامر لها.
ويمكن توجيهه بأن إطلاق الأخبار وعمومها انما ينصرف الى
الأفراد المتكررة الوقوع الشائعة فإنها هي المتبادر الى الذهن من الإطلاق والخنثى
فرد نادر بل غايته مجرد الفرض.
وبالجملة فظاهر الأخبار المذكورة حيث خص السقوط بالمرأة
وهي غير داخلة تحت هذا اللفظ هو الوجوب عليها إلا انه بالنظر الى ما ذكرنا من
التقريب في عدم دخولها أيضا في المستثنى منه يقرب السقوط عنها ، وبه يظهر ان
المسألة غير خالية من شوب الإشكال.
ورابعها ـ الحرية فلا تجب على العبد باتفاق الأصحاب نقله
جملة منهم كالمحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى ، ولا فرق في
ذلك بين القن
__________________
(1) المغني ج 2 ص 327 والبداية ج 1 ص 143 والبدائع ج 1 ص 262.
والمدبر والمكاتب الذي لم يؤد شيئا
لصدق المملوك على جميع هذه الأفراد.
وإنما الخلاف والإشكال في المبعض إذا هاياه مولاه واتفقت
الجمعة في نوبته فالمشهور سقوط الوجوب عنه وذهب الشيخ في المبسوط الى وجوبها عليه.
وهذا الخلاف راجع الى ما تقدم في الخنثى فإن الأخبار هنا
إنما دلت على استثناء العبد والمملوك ممن تجب عليه الجمعة وهذا العنوان لا يصدق
على المبعض وحينئذ فلا تسقط عنه الجمعة لدخوله تحت عموم الخطاب وعدم المسقط في هذا
الباب ، واشتراط الحرية غير معلوم من الأخبار ليقال بعدم حصول الشرط المذكور فيه
فيسقط عنه ، وبه يظهر قوة مذهب الشيخ في المبسوط ولذلك استحسنه في المدارك وكذا في
الذخيرة ، وهو كذلك لما عرفت.
وهل تجب الجمعة على المملوك لو أمره مولاه؟ فيه إشكال
ينشأ من إطلاق الأخبار بالسقوط ، ومن ان الظاهر ان الوجه في السقوط انما هو رعاية
لحق مولاه فمتى أمره زال المانع.
وخامسها ـ الحضر فلا تجب الجمعة على المسافر اتفاقا ،
نقله الفاضلان والشهيد والمشهور ان المراد به السفر الشرعي الموجب للقصر وعلى هذا
فتجب الجمعة على ناوي الإقامة عشرا والمقيم في بلد ثلاثين يوما ، ونقل في المنتهى
الإجماع عليه. وكذا تجب على كثير السفر والعاصي به كما صرح به الشهيد في الذكرى
وغيره في غيره وقال في المنتهى : لم أقف على قول لعلمائنا باشتراط الطاعة في السفر
لسقوط الجمعة ثم قرب الاشتراط ، قال بعض مشايخنا : والمسألة لا تخلو من الإشكال
وان كان ما قربه قريبا.
ومن حصل في أحد مواضع التخيير فالظاهر عدم وجوب الجمعة
عليه كما استظهره جملة من مشايخنا لعموم أدلة المسافر وشمولها له وان جاز له
الإتمام بدليل من خارج ، ونقل عن العلامة في التذكرة القول بالوجوب ، وقيل
بالتخيير بين الفعل وتركه وهو اختيار الشهيد في الدروس.
وسادسها وسابعها ـ السلامة من العمى والمرض ونقل
الفاضلان وغيرهما عليه اتفاق الأصحاب مضافا الى ما دل على ذلك من الاخبار المتقدمة
، ولا ينافيه سقوط الأعمى من اخبار الخمسة لإمكان دخوله في المريض المذكور فيها ،
على ان غاية ما تدل عليه هو الإطلاق بالنسبة إلى الوجوب عليه وعدمه وهو مقيد
بالأخبار الأخر من قبيل حمل المطلق على المقيد.
وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في العمى
والمريض بين ما يشق معهما الحضور وعدمه ، وبهذا التعميم صرح العلامة في التذكرة
على ما نقل عنه ، واعتبر شيخنا الشهيد الثاني فيهما تعذر الحضور أو المشقة التي لا
يتحمل مثلها عادة أو خوف زيادة المرض. وهو تقييد للنص بغير دليل.
واعلم ان الشيخ قد عد في جملة من كتبه العرج ايضا وجعله
من جملة الأعذار المانعة من السعي إلى الجمعة وكذا العلامة في بعض كتبه حتى انه
قال في المنتهى انه مذهب علمائنا أجمع لأنه معذور بالعرج لحصول المشقة في حقه
ولانه مريض فسقطت عنه. ولا يخفى ما في التعليلين المذكورين من الوهن. وقيده في
التذكرة بالعرج البالغ حد الإقعاد ونقل إجماع الأصحاب عليه.
ولم يذكره المفيد ولا المرتضى في جملة الأعذار إلا ان
المرتضى في المصباح ـ على ما نقله عنه في المعتبر والذكرى ـ قال : وقد روى ان
العرج عذر.
قال في المعتبر : فان كان يريد به المقعد فهو أعذر من
المريض والكبير لانه ممنوع من السعى فلا يتناوله الأمر بالسعي وان لم يرد ذلك فهو
في حيز المنع.
أقول : هذا الكلام من المحقق لا يخلو من غرابة فان
المرتضى (قدسسره) انما نسب ذلك
الى الرواية فتفصيله هذا وجعله ما عدا المقعد في حيز المنع ان قصد به الرد على
المرتضى فهو ليس في محله لان المرتضى لم يذكر ذلك فتوى منه ، وان قصد الرد على
الرواية فهو يرجع الى الرد على الامام وهو كما ترى. نعم لو طعن في الخبر بالإرسال
وعدم ثبوته لكان في محله.
ويعضد ما ذكره المرتضى (قدسسره) من الرواية
ما تقدم نقله من كتاب العروس من الرواية المرسلة أيضا (1).
والظاهر ـ كما اختاره في التذكرة والذكرى ـ هو وجوب
الحضور عليه مع الإمكان لعموم أدلة الوجوب وعدم وجود ما يصلح للتخصيص سوى هاتين
المرسلتين والظاهر انهما لا يبلغان قوة في تخصيص الأدلة الدالة على شمول الوجوب
لهذا الفرد سيما مع كونه الأوفق بالاحتياط.
وثامنها ـ الكبر والشيخوخة والظاهر ان المراد من يشق
عليه الحضور من جهة كبر السن وبلوغه حد الشيخوخة ، قال في المنتهى : ولا تجب على
الشيخ الكبير وهو مذهب علمائنا. وقيده في القواعد بالبالغ حد العجز أو المشقة
الشديدة ، ونحوه في الروض ايضا. وبعض الأصحاب عبر هنا بالهم كما في الشرائع وهو
بكسر الهاء الشيخ الفاني ، وبعضهم عبر بالكبير المزمن كما في الإرشاد ، قال في
الروض بحيث يعجز عن السعي إليها أو تحصل له مشقة لا تتحمل عادة. والكل تقييد للنص
من غير دليل فان النصوص مطلقة مترتبة على صدق الكبر كما في صحيحة زرارة (2) أو بإضافة
الشيخوخة كما في رواية الخطبة.
وتاسعها ـ المطر قال في التذكرة انه لا خلاف فيه بين
جملة العلماء. ويدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «لا بأس
ان تترك الجمعة في المطر».
والحق العلامة ومن تأخر عنه بالمطر الوحل والحر والبرد
الشديدين إذا خاف الضرر معها ، ولا بأس به تفصيا من لزوم الحرج المنفي بالآية
والرواية (4) واما ما لم
يخف معه الضرر فيشكل الحاقه بالمطر لعدم صدقه عليهما.
__________________
(1 و 2) ص 147.
(3) الوسائل الباب 23 من صلاة الجمعة. واللفظ في كتب الحديث «تدع»
بدل «تترك».
(4) ج 1 ص 151.
والحق به في الروض احتراق الخبز وفساد الطعام وغيره ،
قال في المدارك وينبغي تقييده بالمضر فوته. وعندي فيه نظر وبالجملة فالظاهر عدم
الترك إلا بما ورد به النص من تلك الأعذار إلا مع خوف الضرر الشديد ولا سيما
للإمام.
وقال في المعتبر : قال علم الهدى وروى ان من يخاف على
نفسه ظلما أو ماله فهو معذور وكذا من كان متشاغلا بجهاز ميت أو تعليل والد ومن
يجرى مجراه من ذوي الحرمات الأكيدة يسعه التأخر.
وعاشرها ـ عدم البعد بأكثر من فرسخين ، وقد اختلف
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تحديد البعد المقتضى لسقوط السعي إلى الجمعة ،
فالمشهور ان حده ان يكون أزيد من فرسخين واليه ذهب الشيخان والسيد المرتضى وأبو
الصلاح وسلار وابن إدريس والفاضلان. وقال الشيخ أبو جعفر ابن بابويه في المقنع :
وضعها الله تعالى عن تسعة. الى ان قال ومن كان على رأس فرسخين. ورواه في من لا
يحضره الفقيه (1) وذكره في كتاب
الأمالي في وصف دين الإمامية ، وهو قول ابن حمزة ، وهو ظاهر في السقوط عن من كان
على رأس فرسخين فلا تجب إلا على من نقص عن الفرسخين ، والأول صريح في الوجوب على
من كان على رأس فرسخين وانما تسقط بالزيادة عنهما فتدافع القولين ظاهر.
وقال ابن ابى عقيل : ومن كان خارجا من مصر أو قرية إذا
غدا من أهله بعد ما يصلى الغداة فيدرك الجمعة مع الإمام فإتيان الجمعة عليه فرض
وان لم يدركها إذا غدا إليها بعد صلاة الغداة فلا جمعة عليه.
وقال ابن الجنيد : ووجوب السعي إليها على من سمع النداء
بها أو كان يصل الى منزله إذا راح منها قبل خروج نهار يومه. وهو يناسب قول ابن ابى
عقيل.
ويدل على الأول ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن
عن محمد بن
__________________
(1) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة.
مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «تجب
الجمعة على من كان منها على رأس فرسخين».
وما رواه الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن عن محمد بن
مسلم ايضا (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الجمعة
فقال تجب على كل من كان منها على رأس فرسخين فان زاد على ذلك فليس عليه شيء». وروى
هذه الرواية في المعتبر (3) والذكرى عن
محمد بن مسلم وحريز عن الصادق (عليهالسلام).
وروى في كتاب دعائم الإسلام عن ابى جعفر محمد بن على (عليهماالسلام) (4) انه قال : «تجب
الجمعة على من كان منها على فرسخين إذا كان الامام عدلا».
ويدل على الثاني ما تقدم في صحيحة زرارة ورواية خطبة
أمير المؤمنين (عليهالسلام) (5) حيث جعل فيها
من كان على رأس فرسخين من الأعذار الموجبة لسقوطها. ويدل على القولين الأخيرين صحيحة
زرارة (6) قال : «قال
أبو جعفر (عليهالسلام) الجمعة واجبة
على من إذا صلى الغداة في أهله أدرك الجمعة ، وكان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) انما يصلى
العصر في وقت الظهر في سائر الأيام كي إذا قضوا الصلاة مع رسول الله (صلىاللهعليهوآله) رجعوا الى
رحالهم قبل الليل وذلك سنة الى يوم القيامة».
وأجاب عن هذه الرواية في الذكرى بالحمل على الفرسخين
جمعا. وأجاب الشيخ عنها بالحمل على الاستحباب. واليه مال في المدارك وتبعه جملة
ممن تأخر عنه
بقي الكلام في التعارض بين اخبار القولين المتقدمين ،
وجملة من الأصحاب قد ذكروا للجمع بينها وجهين (أحدهما) ان يكون المراد بمن كان على
رأس فرسخين في اخبار السقوط يعني أزيد من فرسخين فأطلق رأس فرسخين على ما فيه
زيادة يسيرة ، قيل : ويؤيده ان الغالب حصول العلم بكون المسافة فرسخين عند العلم
بكونها أزيد من غير انفكاك بينهما فان العلم بمقدار الفرسخين من غير زيادة نادر جدا.
و (ثانيهما) حمل الوجوب في ما دل على الوجوب في الفرسخين على الاستحباب
__________________
(و 2 و 6) الوسائل الباب 4 من صلاة الجمعة.
(3) ص 245 وفي الذكرى التنبيه العاشر من تنبيهات الأمر الرابع
من الشرط الثالث.
(4) مستدرك الوسائل الباب 4 من صلاة الجمعة.
(5) ص 147.
المؤكد. قيل ويرجع الأول كثرة الأخبار
والشهرة وعموم الآية.
أقول : لا يخفى ان هذا الخلاف قليل الجدوى فان محل
الخلاف هو الحصول على رأس فرسخين بلا زيادة ولا نقصان ولا ريب انه نادر جدا.
والاحتياط ظاهر.
وتمام تحقيق الكلام في هذا المطلب يتوقف على بسطه في مقامين
:
المقام الأول ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله
عليهم) بان من لا تلزمه الجمعة من المكلفين الذكور إذا حضر موضع الجمعة جاز له
فعلها تبعا وأجزأته عن الظهر ، واحترزوا بالمكلفين عن الصبي والمجنون فإنها لا تجب
عليهما ولا تنعقد بهما لعدم التكليف في حقهما ، وبالذكر عن المرأة فلا تجب عليها
ايضا وان حضرت وانما الكلام هنا في ما عدا ذلك.
وظاهر كلامهم الإجماع على الحكم المذكور ، قال في
المنتهى : لا خلاف في ان العبد والمسافر إذا صليا الجمعة اجزأتهما عن الظهر. وحكى
نحو ذلك في البعيد ، وقال في المريض : لو حضر وجبت عليه وانعقدت به وهو قول أكثر
أهل العلم. وقال في الأعرج : لو حضر وجبت عليه وانعقدت به بلا خلاف. وعنه أيضا في
التذكرة انه قال لو حضر المريض والمحبوس بعذر المطر والخوف وجبت عليهم وانعقدت بهم
إجماعا. وقال في النهاية من لا تلزمه الجمعة إذا حضرها وصلاها انعقدت جمعة
وأجزأته. وعلله بتعليل ضعيف.
ويدل على الحكم المذكور ما رواه الشيخ عن حفص بن غياث (1) قال : «سمعت
بعض مواليهم يسأل ابن ابى ليلى عن الجمعة هل تجب على المرأة والعبد والمسافر؟ فقال
ابن ابى ليلى لا تجب الجمعة على واحد منهم ولا الخائف. فقال الرجل فما تقول ان حضر
واحد منهم الجمعة مع الامام فصلاها معه هل تجزئه تلك الصلاة عن ظهر يومه؟ فقال
نعم. فقال له الرجل وكيف يجزئ ما لم يفرضه الله عليه عما فرضه الله عليه وقد قلت
ان الجمعة لا تجب عليه ومن لم تجب الجمعة عليه فالفرض عليه
__________________
(1) التهذيب ج 1 ص 251 وفي الوسائل الباب 18 من صلاة الجمعة.
أن يصلى أربعا ، ويلزمك فيه معنى ان
الله فرض عليه أربعا فكيف أجزأ عنه ركعتان؟ مع ما يلزمك أن من دخل في ما لم يفرضه
الله عليه لم يجزئ عنه مما فرض الله عليه؟ فما كان عند ابن ابى ليلى فيها جواب
وطلب اليه أن يفسرها له فأبى ثم سألته انا عن ذلك ففسرها لي فقال : الجواب عن ذلك
ان الله عزوجل فرض على جميع
المؤمنين والمؤمنات ورخص للمرأة والمسافر والعبد ان لا يأتوها فلما حضروها سقطت
الرخصة ولزمهم الفرض الأول فمن أجل ذلك أجزأ عنهم. فقلت عن من هذا؟ فقال عن مولانا
ابى عبد الله (عليهالسلام)». وهذه
الرواية كما ترى صريحة في دخول المرأة في الحكم المذكور خلافا لما هو المتكرر في
كلامهم والمشهور كما سيأتي تحقيقه.
ونحوها أيضا صحيحة أبي همام عن ابى الحسن (عليهالسلام) (1) انه قال : «إذا
صلت المرأة في المسجد مع الامام يوم الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها وان صلت في
المسجد أربعا نقصت صلاتها ، لتصل في بيتها أربعا أفضل».
والتقريب فيها ان نقص الصلاة بالصاد المهملة يقتضي
إجزاءها في الجملة وكذا قوله «لتصل في بيتها أفضل» نعم لو كانت بالضاد المعجمة
انتفت دلالتها على الإجزاء بل دلت على نقيضه.
وربما أشكل ذلك نظرا الى ما دلت عليه الأخبار المتقدمة
من سقوط الجمعة عن هؤلاء المعدودين وبها خصت الآية وعموم الأخبار الدالة على وجوب
الجمعة عليهم لو لا هذه الأخبار ، فالقول بعود الوجوب عليهم بعد الحضور يحتاج الى
دليل قاطع ، والرواية الأولى من هاتين الروايتين ضعيفة السند بالراوي والمنقول عنه
فلا تقوم حجة في تخصيص الأخبار المذكورة الدالة على السقوط ، والثانية وان كانت
صحيحة إلا انها أخص من المدعى ، ومن ثم استشكل في المدارك ومثله الفاضل الخراساني
في المسألة. نعم لو ثبت الإجماع المدعى في المقام تم البحث إلا
__________________
(1) الوسائل الباب 22 من صلاة الجمعة.
انك قد عرفت ما في دعوى هذه الإجماعات
من المجازفات.
لكن قد ورد ما يعضد هذين الخبرين بالنسبة إلى المسافر
ايضا كما رواه الصدوق في كتاب الأمالي في المجلس الثالث بسنده عن الباقر (عليهالسلام) (1) قال : «أيما
مسافر صلى الجمعة رغبة فيها وحبا لها أعطاه الله أجر مائة جمعة للمقيم». ورواه في
كتاب ثواب الأعمال في الموثق عن سماعة عن الصادق عن أبيه (عليهماالسلام) مثله (2) وفيه تأييد
ظاهر للقول بالوجوب وان كان أخص من المدعى ايضا.
والاحتياط يقتضي اما عدم حضور هؤلاء موضع الجمعة أو الجمع
بين الفرضين احتياطا ان حضروا.
المقام الثاني ـ الظاهر انه لا خلاف بينهم في انعقاد
الجمعة بما عدا المرأة والعبد والمسافر اما هؤلاء أو واحد منهم لو كان من جملة
العدد الذي هو شرط الوجوب وهو السبعة أو الخمسة فهل تنعقد الجمعة به ويحصل شرط
الوجوب أم لا؟ أما المرأة فالظاهر انه لا خلاف في عدم انعقاد الجمعة بها وانما
الخلاف في الوجوب عليها لو حضرت وعدمه.
والذي يدل على الحكم الأول مضافا الى الإجماع المذكور
الأخبار ، ففي صحيحة زرارة أو حسنته (3) «لا تكون
الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقل من خمسة رهط». والرهط ـ على ما في الصحاح ـ ما
دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة
وفي صحيحة منصور (4) «يجمع القوم
يوم الجمعة إذا كانوا خمسة لا أقل». والقوم ـ على ما ذكره في الصحاح ـ الرجال دون
النساء.
وقوله (عليهالسلام) في ثالثة (5) «جمعوا إذا
كانوا خمسة نفر». قال في الصحاح :
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 19 من صلاة الجمعة.
(3) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة.
(4) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة وقوله «خمسة لا أقل» نقل
بالمعنى كما يظهر بالرجوع الى ص 73.
(5) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة رقم 6.
النفر بالتحريك عدة رجال من ثلاثة إلى
عشرة.
وهذه الأخبار كما ترى بالنظر الى ما نقلناه من كلام أهل
اللغة متطابقة الدلالة على ان العدد المشترط في الجمعة لا بد أن يكونوا من الرجال.
وأما الكلام بالنسبة إلى الحكم الثاني فظاهر الشيخين في
المقنعة والنهاية هو الوجوب على المرأة لو حضرت ، قال في المقنعة : وهؤلاء الذين
وضع الله عنهم الجمعة متى حضروها لزمهم الدخول فيها وان يصلوها كغيرهم ويلزمهم
استماع الخطبة وصلاة ركعتين ، ومتى لم يحضروها لم تجب عليهم وكان عليهم الصلاة
أربع ركعات كفرضهم في سائر الأيام. ومقتضاه كما ترى وجوبها على الجميع مع الحضور
من غير استثناء. واستدل عليه الشيخ في التهذيب برواية حفص المتقدمة ، ونحوه في
النهاية. وبه صرح ابن إدريس فقال بوجوبها على المرأة عند الحضور غير انها لا تحسب
من العدد ، وتدل عليه رواية حفص المتقدمة.
وقال في المبسوط : أقسام الناس في الجمعة خمسة : من تجب
عليه وتنعقد به وهو الذكر الحر البالغ العاقل الصحيح السليم من العمى والعرج
والشيخوخة التي لا حراك معها الحاضر ومن بحكمه ، ومن لا تجب عليه ولا تنعقد به وهو
الصبي والمجنون والعبد والمسافر والمرأة لكن يجوز لهم فعلها إلا المجنون ، ومن
تنعقد به ولا تجب عليه وهو المريض والأعمى والأعرج ومن كان على رأس أكثر من فرسخين
، ومن تجب عليه ولا تنعقد به وهو الكافر لانه مخاطب بالفروع عندنا. والظاهر ـ كما
ذكره بعض الأصحاب ـ ان مراده بنفي الوجوب في موضع جواز الفعل نفى الوجوب العيني
لأن الجمعة لا تقع مندوبة إجماعا.
وقطع المحقق في المعتبر بعدم الوجوب على المرأة حيث قال
: ان وجوب الجمعة عليها مخالف لما عليه اتفاق فقهاء الأمصار. وطعن في رواية حفص
المتقدمة بضعف حفص وجهالة المروي عنه. وظاهره عدم جواز الفعل ايضا.
قال في المدارك : وهو متجه لولا رواية أبي همام
المتقدمة. ثم قال (قدسسره)
والحق ان الوجوب العيني منتف قطعا
بالنسبة الى كل من سقط عنه الحضور واما الوجوب التخييري فهو تابع لجواز الفعل فمتى
ثبت الجواز ثبت الوجوب ومتى انتفى انتفى. انتهى.
أقول : لا يخفى ان ظاهر كلمة الأصحاب وكذا ظاهر رواية
حفص المتقدمة انما هو الوجوب العيني بعد الحضور لان ظاهر الجميع هو ان الساقط عن
هؤلاء انما هو السعى فمتى تكلفوه وحضروا صار الوجوب عينيا وتعين عليهم الصلاة جمعة
، وهذا الوجوب التخييري الذي اختاره لا اعرف له وجها ، نعم يبقى الكلام في الافراد
المختلف فيها وهو أمر آخر.
ومما ذكرنا ظهر أن حكم المرأة عدم انعقاد الجمعة بها وان
وجبت عليها بالحضور كما ذكره الشيخان وابن إدريس.
ويعضد ذلك ما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن على
بن جعفر عن أخيه الكاظم (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن النساء هل عليهن من صلاة العيدين وصلاة الجمعة ما على الرجال؟ قال نعم». والظاهر
حمله على الحضور في موضع الجمعة جمعا بينه وبين الأخبار الدالة على السقوط عنها.
وأنت خبير بان هذه الرواية مع ضمها إلى روايتي حفص وابى
همام المتقدمتين لا تقصر عن تخصيص تلك الأخبار الدالة على السقوط ، وتؤيدها رواية
المجالس المتقدمة وان كانت بخصوص المسافر.
واما العبد والمسافر لو حضرا فقال الشيخ في الخلاف
والمحقق في المعتبر وابن إدريس انها تنعقد بهما لأن ما دل على اعتبار العدد مطلق
فيتناولهما كما يتناول غيرهما. وهو جيد إلا انه لا يتم في ما إذا كان العدد منحصرا
في المسافرين وان زعمه شيخنا الشهيد لما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى في المقام.
وذهب جمع من الأصحاب : منهم ـ الشيخ في المبسوط كما تقدم
في عبارته وابن
__________________
(1) الوسائل الباب 18 من صلاة الجمعة.
حمزة والعلامة في بعض كتبه إلى انها
لا تنعقد بهما ، لأنهما ليسا من أهل فرض الجمعة كالصبي ، ولأن الجمعة انما تصح من
المسافر تبعا لغيره فكيف يكون متبوعا؟ ولانه لو جاز ذلك لجاز انعقادها بالمسافرين
وان لم يكن معهم حاضر.
وأجيب بأن الفرق بينهما وبين الصبي عدم التكليف في الصبي
دون المسافر والعبد ، وبمنع التبعية للحاضر ، والالتزام بانعقادها بجماعة
المسافرين.
وفيه نظر كما أشرنا إليه. نعم يمكن منع الملازمة بجواز
ذلك مع المنع من انعقادها بجماعة المسافرين وهذا هو المفهوم من الاخبار. واما ما
ذكره في الذكرى ـ من ان الظاهر ان الاتفاق واقع على صحتها بجماعة المسافرين
واجزائها عن الظهر ـ فان ظاهر الأخبار منعه لاستفاضتها بان المسافر فرضه في السفر
انما هو الظهر دون الجمعة :
ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «قال
لنا صلوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة».
وعنه في الصحيح ايضا (2) قال : «سألته عن صلاة الجمعة في
السفر قال تصنعون كما تصنعون في الظهر ولا يجهر الامام فيها بالقراءة وانما يجهر
إذا كانت خطبة».
وعن جميل في الصحيح (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الجماعة
يوم الجمعة في السفر قال تصنعون كما تصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر ولا يجهر
الإمام إنما يجهر إذا كانت خطبة».
وما رواه الصدوق في الصحيح عن ربعي بن عبد الله وفضيل عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) (4) انه قال : «ليس
في السفر جمعة ولا فطر ولا اضحى». ورواه البرقي في المحاسن بسنده عن العلاء بن
الفضيل عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (5) ورواه بسند
آخر عن ربعي
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 73 من القراءة في الصلاة.
(4) الوسائل الباب 19 من صلاة الجمعة.
(5) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة.
عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1).
الى غير ذلك من الأخبار الصريحة في أن فرض المسافر انما
هو الظهر ، وحينئذ فما ادعاه من انعقادها بالمسافرين مردود بهذه الأخبار. نعم لما
دل خبر حفص على انه مع حضور المسافر لموضع الجمعة المنعقدة بالحاضرين تجب عليه
صلاة الجمعة وكذا خبر كتاب المجالس وجب القول بالصحة في الموضع المذكور سواء كان
الحاضر إماما أو مأموما فإنه تجب عليه الصلاة كذلك وتنعقد به على القول بذلك كما
هو الأظهر.
ومما ذكرنا ظهر الوجوب على المرأة والعبد والمسافر لو
حضروا وهو مورد رواية حفص المتقدمة ، فيكون الاجزاء في غيرهم بطريق أولى لأنه متى
ثبت ذلك في محل الخلاف ففي ما لم يحصل فيه خلاف سيما مع ادعاء العلامة في ما قدمنا
نقله عنه الإجماع على الصحة والاجزاء عن الظهر بطريق أولى. وقد اشتمل النص المذكور
على تعليل حكمة الوجوب بما يوجب اطراده في الباقين.
ثم انه مما يدل على بطلان ما نقله في الذكرى من الاتفاق
على الانعقاد بجماعة المسافرين ما صرح به الشيخ في المبسوط حيث قال : والمسافر
يجوز ان يصلى الجمعة بالمقيمين وان لم يكن واجبا عليه إلا انه لا يصح منه ذلك إلا
إذا اتى بالخطبتين ويكون العدد قد تم بغيره. حيث انه اشترط في صحة صلاته مع كونه
مسافرا ان يتم العدد بغيره من الحاضرين. وبالجملة فإن كلام شيخنا المذكور المشار
اليه هنا لا يخلو من غفلة. والله العالم.
(المطلب الرابع) في اللواحق والكلام فيه ينتظم في مسائل (الأولى)
الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تحريم السفر يوم الجمعة بعد
الزوال وقبل الصلاة ، ونقل الإجماع على ذلك جماعة : منهم ـ العلامة في المنتهى
والتذكرة واليه ذهب أكثر العامة (2).
__________________
(1) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة.
(2) المغني ج 2 ص 362.
واستدل عليه في التذكرة بقوله (صلىاللهعليهوآله) (1) «من سافر من
دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة لا يصحب في سفره ولا يعان على حاجته». قال
: والوعيد لا يترتب على المباح.
أقول : لا يخفى على من راجع الأخبار ما وقع لهم (عليهمالسلام) من التأكيد
في المكروهات بما يكاد يلحقها بالمحرمات وفي المستحبات بما يكاد يدخلها في حيز
الواجبات ، هذا مع تسليم ثبوت الخبر المذكور.
ثم انهم استدلوا على ذلك أيضا بأن ذمته مشغولة بالفرض
والسفر مستلزم للإخلال به فلا يكون سائغا.
وفيه ان صحة هذا الدليل مبنية على ان الأمر بالشيء
يستلزم النهى عن ضده الخاص وهو مما لم يقم عليه دليل بل الأدلة على خلافه واضحة
السبيل كما أوضحناه في بعض المباحث المتقدمة.
وأورد عليه ايضا انه على هذا التقدير يلزم من تحريم
السفر عدم تحريمه وكل ما أدى وجوده الى عدمه فهو باطل ، أما الملازمة فلانه لا
مقتضى لتحريم السفر إلا استلزامه لفوات الجمعة كما هو المفروض ، ومتى حرم السفر لم
تسقط الجمعة كما تقدم فلا يحرم السفر لانتفاء المقتضى ، واما بطلان اللازم فظاهر.
كذا ذكره في المدارك.
وفيه ان هذا الإيراد مختص بصورة إمكان الجمعة في الطريق
كما ذكره جده في كتاب الروض لا تحريم السفر مطلقا كما ذكره حيث قال في الروض : ولا
فرق في التحريم بين أن يكون بين يديه جمعة اخرى يمكن إدراكها في الوقت وعدمه
لإطلاق النهي مع احتمال عدم التحريم في الأول لحصول الغرض. ويضعف بان السفر ان ساغ
أوجب القصر فتسقط الجمعة حينئذ فيؤدي إلى سقوطها فيحرم فلا تسقط عنه فيؤدى التحريم
الى عدمه وهو دور. انتهى.
__________________
(1) المغني ج 1 ص 362.
وبالجملة فإن كلام السيد (قدسسره) وإيراده ما
ذكره على تحريم السفر مطلقا خلاف ما صرح به غيره كما سمعت من كلام جده ، فإنهم
إنما أوردوا ذلك على من جوز السفر إذا كان بين يدي المسافر جمعة يدركها قبل فوات
الوقت كما هو ظاهر سوق الكلام المذكور.
هذا وقد أجاب الفاضل الخراساني في الذخيرة عن الإيراد
المذكور بانا لا نسلم ان علة حرمة السفر استلزام السفر للفوات ولا ان علتها حصول
الفوات في الواقع أو على تقدير السفر بل علة حرمة السفر استلزام جوازه لجواز تفويت
الواجب وجواز تفويت الواجب منتف فيكون ملزومه وهو جواز السفر منتفيا فحرمة السفر
ليست مستلزمة لانتفاء العلة المقتضية لحرمته. انتهى.
وكلامه هذا متجه على تقدير ما اختاره في مسألة استلزام
الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاص من القول بذلك ، اما على ما اخترناه وهو اختيار
جملة من المحققين : منهم ـ شيخنا الشهيد الثاني وسبطه صاحب المدارك وغيرهما فلا
وجه له
وبالجملة فإن المسألة خالية من النص الصريح في ذلك
والركون الى التعليلات العقلية قد عرفت ما فيه في غير موضع مما تقدم.
نعم يمكن الاستدلال على ذلك بفحوى قوله تعالى «وَذَرُوا
الْبَيْعَ»
(1) والتقريب ان
الظاهر ان النهى عن البيع انما وقع لمنافاته السعي إلى الجمعة كما يشعر به التعليل
المستفاد من قوله سبحانه «ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ» (2) فيكون السفر المنافي كذلك ايضا.
ويعضد ذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن ابى بصير عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «إذا
أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت في البلد فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد».
وإذا حرم السفر الموجب لتفويت صلاة العيد
__________________
(1 و 2) سورة الجمعة الآية 9.
(3) الوسائل الباب 37 من صلاة العيد.
حرم السفر الموجب لتفويت صلاة الجمعة
بطريق اولى.
ويؤكده أيضا قول أمير المؤمنين (عليهالسلام) في كتابه
للحارث الهمداني على ما نقله الرضى (قدسسره) في كتاب نهج البلاغة
(1) «لا تسافر في
يوم الجمعة حتى تشهد الصلاة إلا ناضلا في سبيل الله أو في أمر تعذر به». وأصل
المناضلة المراماة يقال ناضله إذا راماه (2) والمراد هنا الجهاد والحرب في سبيل
الله.
وما رواه الكفعمي في كتاب المصباح (3) عن الرضا (عليهالسلام) قال : «ما
يؤمن من سافر يوم الجمعة قبل الصلاة ان لا يحفظه الله تعالى في سفره ولا يخلفه في
أهله ولا يرزقه من فضله».
وما رواه في الفقيه والخصال عن السري عن ابى الحسن على
بن محمد (عليهماالسلام) (4) قال : «يكره
السفر والسعى في الحوائج يوم الجمعة بكرة من أجل الصلاة فاما بعد الصلاة فجائز
يتبرك به». بحمل الكراهة فيها على التحريم كما هو شائع في الأخبار بقرينة خبري
المصباح ونهج البلاغة ، والإطلاق في يوم الجمعة محمول على ما بعد الزوال مع احتمال
العموم ايضا وان كان المشهور الكراهة بالمعنى الاصطلاحي الأصولي في اليوم.
ومما يزيد ذلك تأكيدا ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني في
رسالة إكمال الجمعة كما نقله عنه في كتاب البحار (5) قال : وعن
النبي (صلىاللهعليهوآله) «من سافر يوم
الجمعة دعا
__________________
(1) ج 3 ص 143 مطبعة الاستقامة وبهامشه شرح محمد عبده.
(2) قال المجلسي في البحار ج 18 الصلاة ص 726 بعد نقل الخبر :
بيان ـ فاصلا أى شاخصا قال تعالى «وَلَمّا فَصَلَتِ الْعِيرُ» فضبطه بالفاء والصاد
المهملة كما في نهج البلاغة ج 3 ص 143 المطبوع بمطبعة الاستقامة حيث ضبط كذلك وقال
المعلق في الهامش : أي خارجا ذاهبا.
(3) ص 184.
(4) الوسائل الباب 52 من صلاة الجمعة.
(5) ج 18 الصلاة ص 731 وفي المستدرك في الباب 44 من صلاة
الجمعة إلى قوله : «ولا تقضى له حاجة».
عليه ملكاه ان لا يصاحب في سفره ولا
تقضى له حاجة». قال : وجاء رجل الى سعيد بن المسيب يوم الجمعة يودعه فقال لا تعجل
حتى تصلى فقال اذن تفوتني أصحابي ثم عجل فكان سعيد يسأل عنه حتى قدم قوم فأخبروه
أن رجله انكسرت فقال سعيد انى كنت لأظن أن يصيبه ذلك. وروى ان صيادا كان يخرج في
يوم الجمعة لا يمنعه مكان الجمعة من الخروج فخسف به وببغلته فخرج الناس وقد ذهبت
بغلته في الأرض فلم يبق منها إلا أذناها وذنبها. وروى ان قوما خرجوا في سفر حين
حضرت الجمعة فاضطرم عليهم خباؤهم نارا من غير نار يرونها. انتهى ما ذكره في
الرسالة المذكورة.
وبالجملة فإجماع الأصحاب قديما وحديثا على الحكم المذكور
ـ حيث لم ينقل فيه مخالف مع تأيده بما ذكرناه من هذه الأخبار واعتضاده بالاحتياط
في الدين ـ دليل قوى متين كما لا يخفى على الحاذق المكين ، فلا ضرورة الى ما ذكروه
من تلك التعليلات العليلة مع ما عرفت فيها من المناقضات والمعارضات. والله العالم.
بقي في المقام فوائد يجب التنبيه عليها (الاولى) قال
شيخنا الشهيد الثاني في الروض : ومتى سافر بعد الوجوب كان عاصيا فلا يترخص حتى
تفوت الجمعة فيبتدئ السفر من موضع تحقق الفوات ، قاله الأصحاب وهو يقتضي عدم ترخص
المسافر الذي يفوت بسفره الاشتغال بالواجب من تعلم ونحوه أو يحصل في حال الإقامة
أكثر من حالة السفر لاستلزامه ترك الواجب المضيق فهو اولى من الجمعة خصوصا مع سعة
وقتها ورجاء حصول جمعة أخرى أو لا معه واستلزامه الحرج ، وكون أكثر المكلفين لا
ينفكون عن وجوب التعلم فيلزم عدم تقصيرهم وفوات أغراضهم التي يتم بها نظام النوع
غير ضائر والاستبعاد غير مسموع ، ولان الكلام في السفر الاختياري الذي لا يتعارض
فيه وجوبان. انتهى.
واعترضه المحقق الأردبيلي على ما نقل عنه تلميذه السيد
السند في المدارك قال : واعترضه شيخنا المحقق بان هذا كله مبنى على ان الأمر بالشيء
يستلزم النهى عن
ضده الخاص وهو لا يقول به بل يقول
ببطلانه. ثم أجاب عن هذا الاقتضاء مع تسليم تلك المقدمة بمنع منافاة السفر غالبا
للتعلم إذ التعلم في السفر متيسر غالبا بل ربما كان أيسر من الحضر ، وبأنه ليس في
الكتاب والسنة ما يدل على وجوب التعلم على الوجه الذي اعتبره المتأخرون بل
المستفاد منهما خلاف ذلك كما يرشد اليه تيمم عمار (1) وطهارة أهل
قبا (2) ونحو ذلك ، ثم
أطال الكلام في ذلك وقوى عدم الوجوب والاكتفاء في الاعتقادات الكلامية بإصابة الحق
كيف اتفق وان لم يكن عن دليل. ثم قال في المدارك بعد نقله : وهو قوى متين.
وقال الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد نقل ذلك عنهما ،
وهو عند التأمل لا يوافق القواعد الصحيحة العدلية على ما أظن.
أقول : اما ما اعترض به المحقق المذكور ـ من ان كلام
شيخنا المتقدم ذكره مبنى على تلك القاعدة وهو لا يقول بها ـ فيمكن الجواب عنه بان
هذا الكلام منه إنما
__________________
(1) الوسائل الباب 11 من التيمم رقم 2 و 4 و 5 و 8 و 9.
(2) في الدر المنثور للسيوطي ج 3 ص 278 في تفسير قوله تعالى في
سورة التوبة الآية 109 «لَمَسْجِدٌ
أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ
رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ» ذكر تسعة عشر حديثا ـ عن أبي هريرة
وابن عباس ومجمع بن يعقوب بن مجمع وعويم بن ساعدة الأنصاري وعبد الله بن سلام
والشعبي وابى امامة وعبد الله بن الحارث بن نوفل وعطاء وخزيمة بن ثابت وابى أيوب
الأنصاري وابن عمر وسهل الأنصاري وقتادة ـ ان الطهور في هذه الآية الغسل بالماء من
البول والغائط ، ونص الحديث ان رسول الله (ص) قال لأهل قبا ان الله قد اثنى عليكم
خيرا ـ وذكر الآية ـ فما هذا الطهور؟ فقالوا انا نغسل بالماء مخرج البول والغائط. وفي
رواية أبي أيوب وجابر بن عبد الله وانس بن مالك قالوا له نتوضأ للصلاة ونغتسل من
الجنابة. قال فهل مع ذلك غيره؟ قالوا لا غير ان أحدنا إذا خرج الى الغائط أحب أن
يستنجى بالماء قال (ص) هو ذاك فعليكموه. وذكر الشيخ الطوسي في التبيان ج 1 ص 858
طبع إيران الرواية عن النبي (ص) وزاد عليه في مجمع البيان انه مروي عن السيدين
الباقر والصادق (عليهماالسلام).
وقع إلزاما للأصحاب القائلين بذلك مع
قولهم بهذه القاعدة فلا يرد عليه ما أورده. واما قوله في جواب منع السفر عن التعلم
ـ بان التعلم في السفر متيسر غالبا بل ربما كان أيسر ـ ففيه انه ان أراد تيسره في
السفر بل ربما كان أيسر حال الاشتغال بالسفر والسير والسري في الطريق فهو ممنوع
كما هو ظاهر ، وان أراد بعد الوصول والاستقرار في البلدة التي قصدها فهو كما ذكره
إلا ان مراد شيخنا المذكور انما هو الأول فلا يرد عليه ايضا ما أورده. واما قوله ـ
انه ليس في الكتاب والسنة. إلى آخر ما ذكره مما يدل على الاكتفاء بإصابة الحق كيف
اتفق ـ فهو جيد. وقول الفاضل الخراساني من انه عند التأمل لا يوافق القواعد
الصحيحة العدلية مردود بما حققناه في مقدمة الأوقات من هذا الكتاب في مسألة ما لو
صلى جاهلا بالوقت فانا نقلنا كلامه في المسألة المذكورة وما أورده على المحقق
المذكور مما يوضح ما ذكره هنا من هذا الإجمال وبينا ما فيه من الضعف والاختلال.
وبالجملة فإن ثبوت العصيان بالسفر المذكور الموجب لعدم
الترخص انما يتم بناء على ثبوت القاعدة المذكورة والحق عندي عدم ثبوتها كما تقدم
تحقيقه في بعض مباحث هذا الكتاب. والله العالم.
(الثانية) لو كان بين يدي المسافر جمعة اخرى يعلم
إدراكها في محل الترخص فهل يكون السفر سائغا أم لا؟ قد تقدم في كلام شيخنا الشهيد
في الروض ما يدل على العدم لقوله : لا فرق في التحريم بين ان يكون بين يديه جمعة
اخرى يمكن إدراكها في الوقت وعدمه. ونحوه كلامه في المسالك ايضا ، واختاره سبطه
السيد السند في المدارك. ونقل عن المحقق الشيخ على في شرح القواعد القول بالجواز ،
قال لحصول الغرض وهو فعل الجمعة بناء على ان السفر الطارئ على الوجوب لا يسقطه كما
يجب الإتمام في الظهر على من خرج بعد الزوال. قال في المدارك : ويضعف بإطلاق
الأخبار المتضمنة لسقوط الجمعة عن المسافر وبطلان القياس مع ان الحق تعين القصر في
صورة الخروج بعد الزوال كما سيجيء بيانه ان شاء الله تعالى. انتهى
أقول : قد عرفت ان شيخنا الشهيد في الروض ومثله في
المسالك أيضا إنما استند في تحريم السفر في هذه الصورة الى ما ذكره من لزوم توقف
وجود الشيء على عدمه وان عبر عنه بالدور تجوزا ، فان السفر ان ساغ أوجب القصر
فتسقط الجمعة حينئذ لعدم وجوبها على المسافر ، وحاصل كلام المحقق الشيخ على يرجع
الى منع هذه المقدمة أعني قوله «إذا وجب القصر سقطت الجمعة» بتخصيص السقوط بما إذا
لم يكن السفر طارئا على الوجوب اما لو كان السفر طارئا على الوجوب فلا كما في
المثال الذي نظر به.
وأما ما أجاب به في المدارك ـ من الاستناد إلى إطلاق
الأخبار بسقوط الجمعة عن المسافر ـ فيمكن الجواب عنه بأن الإطلاق انما ينصرف الى
الافراد المتكررة المتكثرة الشائعة وهو السفر قبل حصول الوجوب دون هذا الفرد
النادر الوقوع وأما ما طعن به من بطلان القياس فالظاهر ان المحقق المذكور إنما قصد
بذلك التنظير لدفع الاستبعاد. واما قوله ـ ان الحق تعين القصر في صورة الخروج بعد
الزوال ـ ففيه انه وان كان ذلك هو الذي اختاره لكن الرواية الدالة عليه لا تخلو من
العلة كما سيأتي توضيحه ان شاء الله تعالى في محله مع شهرة القول بما ذكره المحقق
المذكور وتأيده بظواهر كثير من الأخبار كما سيأتي ان شاء الله تعالى بيان ذلك.
والى القول بالجواز كما ذهب اليه المحقق المذكور ذهب
الفاضل الخراساني في الذخيرة أيضا ونقله عن بعض الأصحاب غير المحقق المذكور آنفا
قال لنا ـ ان مقتضى التحريم تفويت الجمعة وهو غير لازم في صورة التمكن إذ لا مانع
من اقامة الجمعة في السفر (فان قلت) فعلى هذا يلزم أن تكون الجمعة في السفر واجبة
عليه مع انه خلاف النصوص (قلت) التخصيص لازم في النصوص الدالة على عدم وجوب الجمعة
على المسافر بان تخص بمسافر لم يتوجه اليه التكليف قبل السفر ، بيان ذلك ان ههنا
حكمين عامين (أحدهما) ان كل حاضر تجب عليه صلاة الجمعة. و (ثانيهما) ان كل مسافر
لا تجب عليه صلاة الجمعة ، والمكلف قبل إنشاء السفر داخل في موضوع
الحكم الأول ومقتضاه إيجاب الجمعة
عليه سواء أوقعه في حال الحضور أو في حال السفر إذ لا تقييد بشيء منهما فإذا
تركها في حال الحضور ثم سافر وجب عليه الإتيان بها في هذه الحالة ، فالحكم الأول
بعمومه اقتضى وجوب الجمعة عليه في حال السفر على أن يكون القيد قيدا للوجوب ،
ومقتضى عموم الحكم الثاني عدم الوجوب عليه في الصورة المذكورة ، فلا بد من إبقاء
أحدهما على العموم والتخصيص في الآخر ، والترجيح للتعميم الأول للإجماع على وجوب
الجمعة على الحاضر مطلقا من غير أن يكون مشروطا بعدم صدق السفر عليه لاحقا. انتهى.
أقول : ملخص كلامه قد رجع الى ما ادعاه من الإجماع على
التعميم الأول مع أنه معارض بالإجماع أيضا على التعميم الثاني كما عرفت مما قدمنا
نقله عن الفاضلين والشهيد من دعوى الإجماع على اشتراط الحضر وانها لا تجب على
المسافر ، وهو أعم من أن يدخل عليه وقت الوجوب في الحضر أم لا ، بل قد اعترف هو
بذلك في صدر هذا الكلام حيث قال : ولو كان بين يدي المسافر جمعة اخرى يعلم إدراكها
في محل الترخص جاز سفره كما ذهب اليه بعض الأصحاب واختاره المدقق الشيخ على ، وذهب
جماعة إلى عموم التحريم في الصورتين ، والإجماع المنقول سابقا يعم الجميع. ثم قال
: لنا. الى آخر ما قدمنا نقله. وبذلك يظهر لك ان ما أطال به الكلام تطويل بغير
طائل وكلام لا يرجع الى حاصل.
ويبقى ما ذكره من تعارض العمومين المذكورين كتعارض
الإجماعين المنقولين والأظهر في الجواب انما هو ما قدمنا ذكره من منع شمول إطلاق
الأخبار الدالة على سقوط الجمعة عن المسافر لهذا الفرد.
وكيف كان فالمسألة لخلوها عن النص الواضح لا تخلو من
الإشكال والاحتياط فيها واجب على كل حال. والله العالم.
(الثالثة) لو كان بعيدا عن الجمعة بفرسخين فما دون فخرج
مسافرا في صوب الجمعة ، فقيل يجب عليه الحضور عينا وان صار في محل الترخص ، لأنه
لولاه
لحرم عليه السفر ، ولأن من هذا شأنه
يجب عليه السعى قبل الزوال فيكون سبب الوجوب سابقا على السفر كما في الإتمام لو
خرج بعد الزوال.
واحتمل الشهيد في الذكرى عدم كون هذا المقدار محسوبا من
المسافة لوجوب قطعه على كل تقدير ويجرى مجرى الملك في أثناء المسافة. ثم قال :
ويلزم من هذا خروج قطعة من السفر عن اسمه بغير موجب مشهور.
قال في المدارك بعد نقله عنه ذلك : ويضعف بان وجوب قطعه
على كل تقدير لا يخرجه عن كونه جزء من المسافة المقصودة. ثم قال : ولو قيل باختصاص
تحريم السفر بما بعد الزوال وان وجوب السعي إلى الجمعة قبله للبعيد انما يثبت مع
عدم إنشاء المكلف سفرا مسقطا للوجوب لم يكن بعيدا من الصواب. انتهى.
وقال الفاضل الخراساني في الذخيرة : والظاهر عندي ان
إنشاء السفر إذا كان قبل زمان تعلق وجوب السعى وهو زمان لا يدرك الجمعة ان أخر
السعي سقطت الجمعة وإلا وجبت عليه وان صدق عليه اسم المسافر ، ووجهه يعلم مما
حققناه سابقا. انتهى.
أقول : لا يخفى ان ظاهر القول الأول هو انه متى سافر قبل
الزوال وجب عليه حضور الجمعة لما ذكره من التعليلين وهو راجع الى المسألة السابقة
حتى بالغ في الذكرى في نفى السفر عنه ما دام في هذه المسافة.
وظاهر ما ذكره في المدارك اختصاص تحريم السفر بما بعد
الزوال كما هو المفروض في أصل المسألة واما قبله فلا. وأجاب عن التعليلين
المذكورين في القول الأول بالمنع في هذه الصورة وتخصيص ذلك بما إذا لم ينشئ المكلف
سفرا مسقطا للوجوب دون ما نحن فيه من إنشاء السفر المسقط. وفيه ان عموم الأدلة
والروايات الواردة في وجوب الحضور على من كان على رأس فرسخين فما دون شامل لموضع
البحث فإنها أعم من ذلك كما اعترف به في المسألة المتقدمة.
وظاهر كلام الذخيرة انه ان أنشأ السفر قبل زمان تعلق
وجوب السعي
بالذمة وهو الزمان الذي يدرك فيه
الجمعة بحيث لو أخر عنه فاتت فإنه يسقط عنه وجوب حضورها وان وقع في ذلك الزمان وجب
عليه الحضور. ووجهه بالنسبة إلى الأول انه حال إنشاء السفر غير مكلف ولا مخاطب
بالجمعة فيكون سفره مشروعا كما لو سافر قبل الزوال في المسألة المتقدمة. ووجهه
بالنسبة الى الثاني ما قدمنا نقله عنه من انه لا مانع من اقامة الجمعة في السفر
لانه قد تعلق به الخطاب فيجب عليه إقامتها وليس ثمة مانع إلا السفر وهو لا يمنع من
ذلك بالتقريب الذي قدمه ، وقد عرفت ما فيه.
وبالجملة فإن المسألة لما كانت عارية من النص كثرت فيها
الاحتمالات ، وقد عرفت مما ذكرنا في غير موضع مما تقدم عدم صلوح أمثال هذه
التعليلات لتأسيس الأحكام الشرعية ، فالوقوف على جادة الاحتياط في أمثال هذه
المقامات عندنا من الواجبات. والله العالم.
(الرابعة) قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم)
بأنه لو كان السفر واجبا كالحج والغزو أو مضطرا اليه انتفى التحريم ، قال في الروض
: وانما يحرم مع الاختيار وعدم وجوبه فلو كان مضطرا اليه بحيث يؤدى تركه الى فوات
الغرض أو التخلف عن الرفقة التي لا يستغنى عنها أو كان سفر حج أو غزو يفوت الغرض
منهما مع التأخر فلا يحرم. وعلى هذا المنوال كلام جملة منهم.
ويدل عليه ما قدمنا نقله (1) عن كتاب نهج
البلاغة من قول أمير المؤمنين (عليهالسلام) في كتابه للحارث
الهمداني «لا تسافر يوم الجمعة حتى تشهد الصلاة إلا ناضلا (2) في سبيل الله
أو في أمر تعذر به».
واما ما ذكره في الذخيرة هنا ـ حيث قال : لو كان السفر
واجبا كالحج والغزو مع التضيق أو مضطرا اليه ارتفع التحريم على اشكال في السفر
الواجب. انتهى ـ فلعل الوجه في هذا الإشكال الذي ذكره هو تعارض الواجبين من السفر
والجمعة
__________________
(1) ص 163.
(2) ارجع الى التعليقة 2 ص 163.
فتقديم وجوب السفر على وجوب الجمعة
يحتاج الى دليل.
(الخامسة) قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يكره
السفر يوم الجمعة بعد طلوع الفجر ، والظاهر انه مجمع عليه بينهم بل وأكثر العامة
على ذلك أيضا (1) كما نقل عن
التذكرة ، وذكر فيها انه لا يكره ليلة الجمعة إجماعا.
ويدل عليه مضافا الى الاتفاق المذكور ما قدمنا نقله (2) من خبر السري
المنقول في الفقيه والخصال عن الهادي عليهالسلام قال : «يكره السفر
والسعى في الحوائج يوم الجمعة بكرة من أجل الصلاة فاما بعد الصلاة فجائز يتبرك به».
مع احتمال حمل الكراهة فيه على التحريم كما قدمنا ذكره.
ولم أقف على من استدل على الحكم المذكور بهذا الخبر
وانما استندوا فيه الى إطلاق الخبر النبوي الذي قدمنا نقله عن التذكرة (3) ونبهنا على ان
الظاهر انه عامي وهو قوله (صلىاللهعليهوآله): «من سافر من
دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة. إلخ». مع ان هذا الخبر الذي ذكرناه أوضح
دلالة وسندا.
واحتمل المحدث الكاشاني في المفاتيح التحريم في هذا
المقام وهو ظاهر إطلاق ما قدمناه من رواية مصباح الكفعمي عن الرضا (عليهالسلام) وخبر الحارث
الهمداني (4) واحتمال حمل
الكراهة على التحريم في الخبر المتقدم ، وتعضده الرواية التي قدمنا نقلها عن رسالة
شيخنا الشهيد الثاني وان كان الظاهر انها من طرق العامة. وعلل الحكم المذكور في
المفاتيح قال : لأنه مأمور بالسعي إلى الجمعة من فرسخين فكيف يسعى عنها. وبذلك
يظهر ان ما احتمله (طاب ثراه) قريب لا استبعاد فيه إلا من حيث مخالفة
__________________
(1) في شرح الزرقانى على مختصر ابى الضياء في فقه مالك ج 2 ص
64 «يكره السفر يومها لمن تلزمه بعد الفجر وجاز قبله وحرم بالزوال قبل النداء»
ونقل الشوكانى في نيل الأوطار ج 3 ص 195 عن مالك واحمد والشافعي في القديم
والأوزاعي جواز السفر من طلوع الفجر الى الزوال ، وحكاه ابن قدامة عن أكثر أهل
العلم.
(2 و 4) ص 163.
(3) ص 161.
الشهرة وإلا فظواهر الكتاب ما ذكرناه
من الأدلة تقتضيه. والله العالم.
المسألة الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) في تحريم البيع بعد النداء للصلاة يوم الجمعة بل نقل الإجماع عليه في
المنتهى والتذكرة
ويدل عليه قوله عزوجل «إِذا
نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ
وَذَرُوا الْبَيْعَ» (1) فان مفاده
الأمر بترك البيع بعد النداء فيكون حراما.
وروى في الفقيه مرسلا (2) قال : «وروى
انه كان بالمدينة إذا أذن المؤذن يوم الجمعة نادى مناد «حرم البيع حرم البيع»
لقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ
يَوْمِ الْجُمُعَةِ). الآية».
والظاهر ان المراد بالبيع في الآية ما هو أعم منه ومن
الشراء لإطلاقه شرعا عليه ، وبذلك صرح جملة من الأصحاب.
وانما الخلاف والإشكال في هذا المقام في مواضع الأول ـ المفهوم
من كلام جملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة في المنتهى والشيخ في الخلاف اناطة
التحريم بالأذان وان تأخر عن الزوال أخذا بظاهر الآية فالبيع بعد الزوال وقبل
الأذان غير محرم ، قال في المنتهى : وإذا صعد الخطيب المنبر ثم أذن المؤذن حرم
البيع وهو مذهب علماء الأمصار. الى ان قال : ولا يحرم بزوال الشمس ذهب إليه علماؤنا
أجمع بل يكون مكروها. ونسبه الى جملة التابعين وأكثر أهل العلم (3)
__________________
(1) سورة الجمعة الآية 9.
(2) الوسائل الباب 53 من صلاة الجمعة.
(3) في المغني ج 2 ص 297 «النداء الذي كان على عهد رسول الله (ص)
هو النداء عقيب جلوس الامام على المنبر فتعلق الحكم به دون غيره ، ولا فرق بين أن
يكون ذلك قبل الزوال أو بعده» وفي عمدة القارئ ج 3 ص 282 قال صاحب الهداية :
المعتبر في وجوب السعى وحرمة البيع هو الأذان الأصلي الذي كان على عهد رسول الله (ص)
بين يدي المنبر ، وفي فتاوى العتابي هو المختار وبه قال الشافعي واحمد وأكثر فقهاء
الأمصار.
ونسب الى مالك وأحمد تحريم البيع بعد
الزوال (1). وظاهره كما
ترى دعوى الإجماع على الحكم المذكور مع انه في الإرشاد علق الحكم على الزوال.
وقال في الخلاف : يحرم البيع إذا جلس الامام على المنبر
بعد الأذان ويكره بعد الزوال قبل الأذان. انتهى.
أقول : والأقرب عندي ما ذكره شيخنا في الروض من اناطة
ذلك بالزوال فان الظاهر ان التعليق في الآية على الأذان إنما خرج مخرج الغالب
المتكرر من وقوع الأذان متى تحقق الزوال.
قال (قدسسره) بعد ذكر
عبارة المصنف الدالة على تعليق الحكم على الزوال : وانما علقه المصنف على الزوال
لأنه السبب الموجب للصلاة ، والنداء اعلام بدخول الوقت فالعبرة به فلو اتفق تأخير
الأذان عن أول الوقت نادرا لم يؤثر في التحريم السابق لوجود العلة ووجوب السعى
المترتب على دخول الوقت وان كان في الآية مترتبا على الأذان ، إذ لو فرض عدم
الأذان لم يسقط وجوب
__________________
(1) في المغني ج 2 ص 297 «حكى القاضي رواية عن احمد ان البيع
يحرم بزوال الشمس وان لم يجلس الامام على المنبر» وحكاه في عمدة القارئ ج 3 ص 272
عن الضحاك والحسن وعطاء ، وفي المدونة ج 1 ص 143 «قال أبو القاسم قال مالك إذا قعد
الامام يوم الجمعة على المنبر فاذن المؤذن فعند ذلك يكره البيع والشراء وان اشترى
رجل أو باع في تلك الساعة فسخ ذلك البيع» وفي ص 144 «قال مالك إذا أذن المؤذن وقعد
الامام على المنبر منع الناس من البيع والشراء» وفي كفاية الطالب الرباني لرسالة
القيرواني في مذهب مالك ج 1 ص 282 «يحرم حين الأذان بين يدي الإمام البيع بين
اثنين تلزمهما الجمعة أو أحدهما فإن وقع فسخ» وفي تفسير القرطبي ج 18 ص 108 «في
وقت تحريم البيع قولان : الأول ـ من بعد الزوال الى الفراغ منها قاله الضحاك
والحسن وعطاء. الثاني ـ من وقت أذان الخطبة إلى وقت الصلاة قاله الشافعي ، ومذهب
مالك أن يترك البيع إذا نودي للصلاة ويفسخ عنده ما وقع من البيع في ذلك الوقت»
فالقول المذكور لم ينسب الى مالك بل نسب اليه القول المشهور.
السعي فإن المندوب لا يكون شرطا
للواجب ، وأكثر الأصحاب علقوا التحريم على الأذان لظاهر الآية بل صرح بعضهم
بالكراهة بعد الزوال قبل الأذان وهو أوضح دلالة وان كان ما هنا أجود. انتهى. وهو
جيد.
ويميل إليه أيضا كلام المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد
حيث قال : والظاهر ان النداء كناية عن دخول الوقت فلو لم يناد يحرم ايضا ويجب
السعى ، فقول المصنف «بعد الزوال» إشارة إلى تفسير الآية أحسن من كلام غيره «بعد
النداء» إذ دليل التحريم ظاهر الآية فإنه إذا كان ترك البيع واجبا كما يدل عليه «وذروا
البيع» يكون الفعل حراما لأن الأمر بالسعي للفور لترتبه على «إذا». إلى آخر كلامه
زيد في مقامه
وبذلك يظهر لك ما في كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة
حيث قال : ثم لا يخفى ان المذكور في عبارات الأصحاب تحريم البيع بعد الأذان حتى ان
المصنف في المنتهى والنهاية نقل إجماع الأصحاب على عدم تحريم البيع قبل النداء ولو
كان بعد الزوال. ثم نقل ما قدمنا نقله عن المنتهى الى أن قال فما اختاره في هذا
الكتاب من إناطة التحريم بالزوال واختاره الشارح الفاضل محل تأمل. انتهى ، فان فيه
انه لا مجال للتأمل هنا إلا ان كان باعتبار مخالفة الإجماع المنقول وفيه ما قد
عرفت ولا سيما ما شرحناه آنفا من أحوال هذه الإجماعات وبه صرح هو أيضا في كتابه في
غير موضع ، إلا أن مقتضى النظر في الأدلة وتحقيق ما هو الحق المستفاد منها إنما هو
في ما ذكره هذان الفاضلان المحققان كما لا يخفى على من أعطى التأمل حقه في ما
ذكراه فإنه جيد متين وجوهر ثمين كما لا يخفى على الحاذق المكين.
الثاني ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في غير البيع
من العقود والإيقاعات كالصلح والإجارة والنكاح والطلاق ونحوها ، فألحقها العلامة (قدسسره) وجماعة
بالبيع للمشاركة في العلة المومأ إليها في قوله سبحانه تعالى «ذلِكُمْ
خَيْرٌ لَكُمْ» (1) وإنما خص
البيع بالذكر لان فعله كان أكثريا لأنهم كانوا يهبطون إلى
__________________
(1) سورة الجمعة الآية 9.
المدينة من سائر القرى لأجل البيع
والشراء. وأيضا فإن ظاهر الآية يقتضي وجوب السعى بعد النداء على الفور لا من جهة
الأمر لعدم دلالته على الفورية كما تقرر في الأصول بل من جهة ان الأمر بترك البيع
والسعى إلى الصلاة قرينة إرادة المسارعة فيكون كل ما نافاها كذلك.
أقول : ويعضد ذلك رواية السري المتقدمة (1) وان كانت بلفظ
الكراهة إلا انك قد عرفت ان حملها على التحريم غير بعيد وقد دلت على كراهة السعى
في الحوائج الذي هو أعم من العقود أيضا كما ذهب اليه بعضهم في المقام.
وقال المحقق في المعتبر : وهل يحرم غير البيع من العقود؟
الأشبه في المذهب لا خلافا لطائفة من الجمهور (2) لاختصاص النهى بالبيع فلا يتعدى الى
غيره
واستشكله العلامة في جملة من كتبه نظرا إلى العلة المومأ
إليها في الآية كما قدمنا ذكره ومن ثم مال في جملة من كتبه إلى الإلحاق بالبيع ،
وظاهره في المدارك الميل الى ذلك ، والظاهر انه هو المشهور بين المتأخرين.
وقال في الذكرى : ولو حملنا البيع على المعاوضة المطلقة
الذي هو معناه الأصلي كان مستفادا من الآية تحريم غيره. ويمكن تعليل التحريم بان
الأمر بالشيء يستلزم النهى عن ضده ولا ريب ان السعى مأمور به فيتحقق النهى عن كل
ما ينافيه من بيع وغيره وهذا أولى ، وعلى هذا يحرم غير العقود من الشواغل عن
السعى. انتهى
وأورد عليه أما بالنسبة إلى الأول فإن حمل البيع على
مطلق المعاوضة على الأعيان والمنافع خلاف المعنى الشرعي والعرفي. وعلى الثاني انه
خلاف ما ذهب إليه في مواضع من كتابه من أن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده
الخاص.
أقول : والحق في المقام أن يقال ان المسألة لما كانت
خالية من النص الصريح كان الاحتياط فيها واجبا وهو في جانب القول بالتحريم ويخرج
ما ذكرناه من الوجوه
__________________
(1) ص 163.
(2) المغني ج 2 ص 298 وعمدة القارئ ج 3 ص 282.
المتقدمة الدالة على التحريم شاهدا.
والله العالم.
الثالث ـ لو كان أحد المتعاقدين ممن لا يجب عليه السعي ففي
التحريم عليه خلاف فذهب جمع من المتأخرين إلى التحريم وآخرون الى الجواز بالنسبة
اليه وان حرم بالنسبة إلى الآخر ، والى الثاني ذهب المحقق وفاقا للشيخ حيث انه
كرهه.
حجة الأولين أنه معاونة على الحرام وقد نهى سبحانه عنها
بقوله : «وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ» (1).
وقال في الذكرى : لو كان أحد المتبايعين ممن لا يخاطب
بالسعي كان سائغا بالنظر اليه حراما بالنظر الى من يجب عليه السعى ، وقال الشيخ :
يكره للأول لأنه اعانة على الفعل المحرم. وقال الفاضل التعليل يقتضي التحريم لقوله
تعالى «وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ» (2) ثم قوى التحريم عليه ايضا وهو قوى.
انتهى.
أقول : والكلام في هذه المسألة كما في سابقتها فإنها
عارية عن النص والاحتياط فيها مطلوب لما عرفت.
الرابع ـ لو أوقع البيع في الحال المنهي عنه فهل ينعقد
البيع وان أثم أو يبطل؟ قولان مبنيان على ان النهى في غير العبادات هل يقتضي
الفساد أم لا؟ فذهب العلامة وجملة من الأصحاب ـ والظاهر انه المشهور بين المتأخرين
ـ إلى انعقاده بناء على ما تقرر عندهم في الأصول من أن النهى في غير العبادات لا
يقتضي الفساد ونقله الشيخ عن بعض الأصحاب ، وذهب جمع من الأصحاب : منهم ـ الشيخ في
المبسوط والخلاف وابن الجنيد الى عدم الانعقاد بناء على ان النهى مفسد مطلقا.
أقول : والتحقيق عندي في هذا المقام كما أودعناه في جملة
من زبرنا سابقا على هذا الكتاب هو أن يقال لا يخفى ان القاعدة التي بنوا عليها
الكلام في المقام من ان النهى في غير العبادات لا يقتضي الفساد وان اشتهرت وتكررت
في كلامهم وتداولتها رؤوس أقلامهم إلا انا نرى كثيرا من عقود المعاملات قد حكموا
ببطلانها
__________________
(1 و 2) سورة المائدة الآية 3.
من حيث النهى الوارد عنها في الروايات
، ومن تتبع كتاب البيع وكتاب النكاح عثر على كثير منها وذلك كبيع الخمر والخنزير
والعذرة وبيع الغرر ونحو ذلك ، والعقد على أخت الزوجة وابنتها وأمها ونحو ذلك ،
وما ذكروه من القاعدة المشار إليها اصطلاح أصولي لا تساعد عليه الأخبار بحيث يكون
أصلا كليا وقاعدة مطردة بل المفهوم منها كون الأمر كذلك في بعض وبخلافه في آخر كما
أشرنا اليه.
ويخطر بالبال في الجمع بين الأخبار المتصادمة في هذا
المجال ان يقال ان النهى الواقع في الأخبار ان كان باعتبار عدم قابلية المعقود
عليه للدخول تحت مقتضى العقد فإنه يبطل العقد رأسا كالأشياء التي ذكرناها ، فان
الظاهر ان النهى عنها إنما وقع من حيث عدم قابليتها للانتقال الى ما أريد نقلها
اليه. وان كان لا كذلك بل باعتبار أمر خارج من زمان أو مكان أو قيد خارج أو نحو
ذلك مما لا مدخل له في أصل العوضين فالحكم فيه ما ذكروه من صحة العقد وان حصل
الإثم باعتبار مخالفة النهى ، ومنه البيع وقت النداء فإن النهي عنه وقع من حيث
الزمان فيقال بصحة البيع حينئذ لعدم تعلق النهى بذات شيء من العوضين باعتبار عدم
قابليته للعوضية وإنما وقع باعتبار أمر خارج عن ذلك وان أثم باعتبار إيقاعه في ذلك
الزمان المنهي عن الإيقاع فيه.
ويؤيد هذا التفصيل بعد أن هجر بالفكر الكليل والذهن
العليل ما وقفت عليه في كلام شيخنا الشهيد الثاني (أعلى الله مرتبته ونور تربته)
في كتاب المسالك في مسألة العقد على بنت الأخ أو الأخت وإدخالهما على العمة
والخالة واختيارهما في فسخه حيث انه قال : قيل في المسألة المذكورة ببطلان العقد.
وقيل بالصحة وان للعمة والخالة الخيار في فسخه وعدمه. وقد استدل القائل بالبطلان
بالنهي عنه ورده في المسالك بأن النهي لا يدل على الفساد في المعاملات. ثم قال بعد
ذلك : (فان قيل) النهي في المعاملات وان لم يدل على الفساد بنفسه لكنه إذا دل على
عدم صلاحية المعقود عليها للنكاح فهو دال على الفساد من هذه الجهة كالنهي عن
نكاح الأخت وكالنهي عن بيع الغرر ،
والنهى في محل النزاع من هذا القبيل (قلنا) لا نسلم دلالته هنا على عدم صلاحية
المعقود عليها للنكاح فإنها عند الخصم صالحة له ولهذا صلحت مع الاذن بخلاف الأخت
وبيع الغرر فإنهما لا يصلحان أصلا ، وصلاحية الأخت على بعض الوجوه كما لو فارق
الأخت لا يقدح لأنها حينئذ ليست أخت الزوجة بخلاف بنت الأخت ونحوها فإنها صالحة
للزوجية مع كونها بنت أخت الزوجة ، والاخبار قد دلت على النهى عن تزويجها وقد عرفت
انه لا يدل على الفساد ، فصار النهى عن هذا التزويج من قبيل ما حرم لعارض كالبيع
وقت النداء لا لذاته ، والعارض هو عدم رضا الكبيرة فإذا لحقه الرضا زال النهى.
انتهى وقد ظهر منه ما ذكرناه من التفصيل باعتبار رجوع النهي تارة إلى المعقود عليه
من حيث عدم صلاحيته للدخول تحت مقتضى العقد فيكون العقد لذلك فاسدا وتارة من حيث
أمر خارج فلا يلزم الفساد ، ومنه ما نحن فيه من مسألة البيع بعد النداء ومسألة بنت
الأخ والأخت كما اختاره (قدسسره) فإن النهى
إنما وقع باعتبار أمر خارج وهو الزمان في الأول وعدم رضا العمة والخالة في الثاني
، وحينئذ فيكون العقد صحيحا في الأول وان أثم وفي الثاني صحيحا مراعى بالرضا
وعدمه. والله العالم.
(المسألة الثالثة) ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله
عليهم) بأن الأذان الثاني يوم الجمعة بدعة.
وقد وقع الخلاف هنا في موضعين : الأول ـ في انه هل يكون
حراما لكونه بدعة أو مكروها؟ فقال الشيخ في المبسوط انه مكروه وتبعه المحقق في
المعتبر ، وذهب ابن إدريس إلى الأول وهو المشهور بين المتأخرين.
احتج القائلون بالتحريم بان الاتفاق واقع على ان النبي (صلىاللهعليهوآله) لم يفعله ولا
أمر بفعله وهو عبادة يتوقف فعلها على المشروعية وإذا لم يشرع كان بدعة كالأذان
للنافلة ، وروى ان أول من فعله عثمان (1) ونقل عن
الشافعي أنه قال ما فعله النبي (صلىاللهعليهوآله) وأبو بكر
وعمر أحب الى (2) وقيل ان أول من
فعله معاوية (3).
واحتجوا أيضا برواية حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) (4) قال : «الأذان
الثالث يوم الجمعة بدعة». وسمى ثالثا بالنسبة إلى الأذان والإقامة الموظفين.
قال في المعتبر : الأذان الثاني بدعة وبعض أصحابنا يسميه
الثالث لأن النبي (صلىاللهعليهوآله) شرع للصلاة
أذانا واقامة فالزيادة ثالث على ترتيب الاتفاق ، وسميناه ثانيا لانه يقع عقيب
الأذان الأول وما بعده يكون اقامة والتفاوت لفظي ، فمن قال بأنه بدعة احتج برواية
حفص بن غياث ، ثم ذكر الرواية ثم قال لكن حفص المذكور ضعيف وتكرار الأذان غير محرم
لأنه ذكر يتضمن التعظيم للرب لكن من حيث لم يفعله النبي (صلىاللهعليهوآله) ولم يأمر به
كان أحق بوصف الكراهية وبه قال الشيخ في المبسوط. وقيل أول
__________________
(1) في البخاري باب الأذان يوم الجمعة عن السائب بن يزيد «كان
النداء يوم الجمعة اوله إذا جلس الامام على المنبر على عهد النبي (ص) وابى بكر
وعمر فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء» وفي عمدة القارئ ج
3 ص 290 عن سليمان بن موسى أول من زاد الأذان بالمدينة عثمان وعن ابن عمر الأذان
الأول بدعة وعن الزهري أول من أحدث الأذان الأول عثمان يؤذن لأهل السوق وعن معاذ
بن عمر لما كانت خلافة عمر وكثر المسلمون أمر مؤذنين أن يؤذنا للناس بالجمعة خارجا
عن المسجد حتى يسمع الناس الأذان وأمر أن يؤذن بين يديه كما كان يفعل المؤذن بين
يدي رسول الله (ص) وبين يدي أبي بكر ثم قال عمر أما الأذان الأول فنحن ابتدعناه
لكثرة المسلمين فهو سنة من رسول الله (ص) ماضية. وقيل أول من أحدث الأذان الأول
بمكة الحجاج وبالبصرة زياد ، وانما سمى ثالثا باعتبار عدد الإقامة لأنها اعلام
مثله.
(2) في الأم للشافعي ج 1 ص 173 «الأمر الذي على عهد رسول الله «ص»
أحب الى».
(3) الأم للشافعي ج 1 ص 173.
(4) الوسائل الباب 49 من صلاة الجمعة.
من فعل ذلك عثمان ، وقال عطاء أول من
فعله معاوية (1) قال الشافعي :
ما فعله النبي (صلىاللهعليهوآله) وأبو بكر
وعمر أحب الى (2) انتهى كلامه
زيد مقامه.
وأنت خبير بما فيه من الوهن الذي لا يخفى على الفطن
النبيه فان مجرد كون الأذان ذكرا يتضمن التعظيم لا يوجب المشروعية فإن الصلاة أيضا
كذلك مع انه لو صلى انسان فريضة أو نافلة زائدة على الموظف شرعا بقصد انها مستحبة
أو واجبة في هذا الزمان أو المكان أو على كيفية مخصوصة لم يرد بها الشرع فإنه لا
خلاف في البدعية والتشريع وانه فعل محرما ، ولهذا خرجت الروايات بتحريم صلاة الضحى
(3) مع انها عبادة
تتضمن التعظيم لكن لما اقترنت بقصد التوظيف في هذا الوقت مع عدم ثبوته شرعا حصلت
البدعية والتحريم فيها ، وحينئذ فهذا الأذان الثاني كذلك ، وعدم فعل النبي (صلىاللهعليهوآله) ولا أمره به
مما يوجب التحريم كما قدمنا ذكره لا الكراهة ، وبالجملة فإن كلامه (قدسسره) هنا غير موجه
كما عرفت.
واما رده رواية حفص بضعف الراوي فقال في الذكرى بأنه لا
حاجة الى الطعن في السند مع قبول الرواية للتأويل وتلقى الأصحاب لها بالقبول ، بل
الحق ان لفظ البدعة غير صريح في التحريم فان المراد بالبدعة ما لم يكن في عهد
النبي (صلىاللهعليهوآله) ثم تجدد بعده
وهو ينقسم الى محرم ومكروه. انتهى.
وفيه ان الظاهر المتبادر من لفظ البدعة سيما بالنسبة إلى
العبادات إنما هو المحرم ، ولما رواه الشيخ عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل عن
الصادقين (عليهماالسلام) (4) «ان كل بدعة
ضلالة وكل ضلالة سبيلها الى النار».
وبالجملة فالأظهر كما عرفت هو التحريم ، واما رواية حفص
فإنه يحتمل حمل الثالث فيها على الأذان الواقع للعصر كما ذكره بعض أفاضل متأخري
المتأخرين.
__________________
(1 و 2) الأم للشافعي ج 1 ص 173.
(3) الوسائل الباب 31 من أعداد الفرائض ونوافلها.
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان.
الثاني ـ في تفسير الأذان الثاني فقيل هو ما وقع ثانيا
بالزمان بعد أذان آخر واقع في الوقت من مؤذن واحد أو قاصد كونه ثانيا سواء كان بين
يدي الخطيب أو على المنارة أو غيرهما.
وقيل ما وقع ثانيا بالزمان والقصد لان الواقع أولا هو
المأمور به والمحكوم بصحته فيكون التحريم متوجها الى الثاني.
وقيل انه ما لم يكن بين يدي الخطيب لأنه الثاني باعتبار
الأحداث سواء وقع أولا أو ثانيا بالزمان :
لما رواه الشيخ عن عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) (1) قال : «كان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا خرج الى
الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذنون».
ورد بضعف سند الرواية ومعارضتها بحسنة محمد بن مسلم أو
صحيحته (2) قال : «سألته
عن الجمعة فقال أذان واقامة يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر. الحديث». وهو
صريح في استحباب الأذان قبل صعود الامام المنبر فيكون المحدث غيره.
وقال ابن إدريس الأذان الثاني ما يفعل بعد نزول الامام
مضافا الى الأذان الذي عند الزوال. وهو غريب فإنه لم يقل أحد ولا ورد خبر بالأذان
بعد نزول الإمام أقول : قال شيخنا أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان في
تفسير قوله تعالى «إِذا نُودِيَ ...» (3) أي إذا اذن
لصلاة الجمعة وذلك إذا جلس الامام على المنبر يوم الجمعة ، وذلك لانه لم يكن على
عهد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) نداء سواه ،
قال السائب بن يزيد كان لرسول الله (صلىاللهعليهوآله) مؤذن واحد
بلال فكان إذا جلس على المنبر اذن على باب المسجد فإذا نزل أقام للصلاة ثم كان أبو
بكر وعمر كذلك حتى إذا كان
__________________
(1) الوسائل الباب 28 من صلاة الجمعة.
(2) الوسائل الباب 6 و 25 من صلاة الجمعة.
(3) سورة الجمعة الآية 9.
عثمان وكثر الناس وتباعدت المنازل زاد
أذانا فأمر بالتأذين الأول على سطح دار له بالسوق يقال لها الزوراء وكان يؤذن له
عليها فإذا جلس عثمان على المنبر أذن مؤذنه فإذا نزل أقام للصلاة فلم يعب ذلك عليه
(1) انتهى.
وفيه دلالة على ان المراد بالثاني هو ما لم يكن بين يدي
الخطيب بعد صعوده المنبر لانه هو المسنون الموظف فما عداه تقدم أو تأخر يكون بدعة
كما هو القول الثالث من الأقوال المتقدمة.
واما الإيراد عليه بمضمرة محمد بن مسلم وان رواية القداح
ضعيفة ففيه ان اشتهار الحكم بين الخاصة والعامة (2) بمضمون
الرواية المذكورة جابر لضعفها بناء على القول بهذا الاصطلاح المحدث. وأما مضمرة
محمد بن مسلم فتحمل على الرخصة. والله العالم.
(المسألة الرابعة) إذا لم يكن إمام الجمعة ممن يصح
الاقتداء به تخير المكلف متى ألجأته التقية والضرورة إلى الصلاة معه بين الصلاة
قبل الفريضة ثم يصلى معه نافلة وبين أن يصلى معه ثم يتمها بركعتين بعد فراغه وفي
الأفضل منهما تردد.
ومما يدل على الأول من الأخبار ما رواه الشيخ في التهذيب
عن ابى بكر الحضرمي (3) قال : «قلت
لأبي جعفر (عليهالسلام) كيف تصنع يوم
الجمعة؟ قال كيف تصنع أنت؟ قلت أصلي في منزلي ثم اخرج فأصلي معهم. قال كذلك أصنع
انا».
وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «ما من
__________________
(1) البخاري باب الأذان يوم الجمعة وباب التأذين عند الخطبة
والام للشافعي ج 1 ص 173 وسنن أبى داود ج 1 ص 285 وسنن النسائي ج 1 ص 207 وسنن ابن
ماجة ج 1 ص 348 وسنن البيهقي ج 1 ص 192 وفيها هكذا «فثبت الأمر على ذلك» وفي بعضها
«فثبت حتى الساعة» وربما كان «فلم يعب ذلك عليه» نقلا بالمضمون.
(2) ارجع الى التعليقة 3 ص 110.
(3) الوسائل الباب 29 من صلاة الجمعة.
(4) الوسائل الباب 6 من صلاة الجماعة عن الصدوق.
عبد يصلى في الوقت ويفرغ ثم يأتيهم
ويصلى معهم وهو على وضوء إلا كتب الله له خمسا وعشرين درجة».
ومما يدل على الثاني ما رواه في الكافي عن حمران بن أعين
(1) قال : «قلت
لأبي جعفر (عليهالسلام) جعلت فداك
انا نصلي مع هؤلاء يوم الجمعة وهم يصلون في الوقت فكيف نصنع؟ فقال صلوا معهم. فخرج
حمران إلى زرارة فقال له قد أمرنا أن نصلي معهم بصلاتهم فقال زرارة ما يكون هذا
إلا بتأويل. فقال له حمران قم حتى تسمع منه قال فدخلنا عليه فقال له زرارة جعلت
فداك ان حمران زعم أنك أمرتنا أن نصلي معهم فأنكرت ذلك؟ فقال لنا : كان على بن
الحسين (عليهماالسلام) يصلى معهم
الركعتين فإذا فرغوا قام فأضاف إليهما ركعتين».
وما رواه في التهذيب في الحسن أو الموثق عن زرارة عن
حمران (2) قال : «قال لي
أبو عبد الله (عليهالسلام) ان في كتاب
على (عليهالسلام) إذا صلوا
الجمعة في وقت فصلوا معهم ، قال زرارة قلت له هذا ما لا يكون ، اتقاك ، عدو الله
اقتدى به؟ قال حمران كيف اتقاني وانا لم أسأله هو الذي ابتدأني وقال في كتاب على (عليهالسلام) إذا صلوا
الجمعة في وقت فصلوا معهم كيف يكون في هذا منه تقية؟ قال قلت قد اتقاك وهذا مما لا
يجوز حتى قضى انا اجتمعنا عند ابى عبد الله (عليهالسلام) فقال له
حمران أصلحك الله حدثت هذا الحديث الذي حدثني به ان في كتاب على (عليهالسلام) إذا صلوا
الجمعة في وقت فصلوا معهم فقال هذا ما لا يكون ، عدو الله فاسق لا ينبغي لنا ان
نقتدي به ولا نصلي معه. فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) في كتاب على (عليهالسلام) إذا صلوا
الجمعة في وقت فصلوا معهم ولا تقومن من مقعدك حتى تصلى ركعتين أخريين. قلت فأكون
قد صليت أربعا لنفسي لم أقتدي به؟ فقال نعم. فسكت وسكت صاحبي ورضينا».
وفي الصحيح أو الحسن عن زرارة (3) قال : «قلت
لأبي جعفر (عليهالسلام) ان
__________________
(1 و 3) الوسائل الباب 29 من صلاة الجمعة.
(2) التهذيب ج 1 ص 253 وفي الوسائل الباب 29 من صلاة الجمعة.
أناسا رووا عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) انه صلى أربع
ركعات بعد الجمعة لم يفصل بينهن بتسليم؟ فقال يا زرارة ان أمير المؤمنين (عليهالسلام) صلى خلف فاسق
فلما سلم وانصرف قام أمير المؤمنين (عليهالسلام) فصلى أربع
ركعات لم يفصل بينهن بتسليم فقال له رجل الى جنبه يا أبا الحسن صليت أربع ركعات لم
تفصل بينهن بتسليم فقال إنهن أربع ركعات مشبهات فسكت ، فوالله ما عقل ما قال له».
وهذا الخبر يدل على وجه ثالث وهو الإتيان بالفرض بعد
الصلاة معهم نافلة. هذا ، وظاهر خبري حمران المذكورين الإشارة إلى صحة القاعدة
المشهورة في كلام الأصحاب من حمل المطلق على المقيد وتقييده به ، حيث انه أخبره
أولا بما يدل على جواز الصلاة معهم مطلقا وظاهره صحة الاقتداء بهم كما توهمه حمران
ثم بعد المراجعة أخبرهم بالمخصص وهو انه لا يقوم من مقامه حتى يضيف إليها ركعتين
أخريين ، فدل على اختصاص جواز الصلاة معهم بهذا الوجه.
ونحو هذين الخبرين في ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب عن
الحسن بن الجهم (1) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) عن رجل مات.
الى ان قال : قلت ما تقول في الصبي لامه ان تحلل؟ قال نعم ان كان لها ما ترضيه أو
تعطيه. قلت فان لم يكن لها؟ قال فلا. قلت فقد سمعتك تقول انه يجوز تحليلها؟ فقال
إنما أعني بذلك إذا كان لها». ونحو ذلك في الاخبار كثير يقف عليه المتتبع. والله
العالم.
(المسألة الخامسة) في آداب الجمعة وما يستحب في يومها ،
ومنها ـ الغسل في هذا اليوم وقد تقدم الكلام فيه في كتاب الطهارة في باب الأغسال
منقحا موضحا.
ومنها ـ التنفل في هذا اليوم وقد اختلف الأصحاب (رضوان
الله عليهم) هنا لاختلاف الأخبار في مواضع :
الأول ـ في عدد النوافل فالمشهور انها عشرون ركعة ، وقال
ابن الجنيد انها اثنتان وعشرون ركعة ، وقال الصدوقان زيادة الأربع الركعات للتفريق
فان قدمت
__________________
(1) الوسائل الباب 4 من الضمان.
النوافل وأخرتها فهي ست عشرة ركعة.
والواجب نقل الأخبار المتعلقة بذلك ليعلم بذلك مستند هذه
الأقوال ، فمنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن التطوع في يوم الجمعة قال إذا أردت أن تتطوع في يوم الجمعة في غير سفر صليت ست
ركعات ارتفاع النهار وست ركعات قبل نصف النهار وركعتين إذا زالت الشمس قبل الجمعة
وست ركعات بعد الجمعة».
وعن أحمد بن محمد بن ابى نصر في الصحيح عن محمد بن عبد
الله (2) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) عن التطوع
يوم الجمعة فقال ست ركعات في صدر النهار وست ركعات قبل الزوال وركعتان إذا زالت
وست ركعات بعد الجمعة ، فذلك عشرون ركعة سوى الفريضة». ورواه في الاستبصار (3) عن ابن ابى
نصر قال : «سألت أبا الحسن. الحديث».
واحتمال سقوط محمد بن عبد الله من هذا السند قائم كما ان
احتمال زيادته في ذلك السند قائم أيضا إلا أن الأمر في ذلك هين عندنا بل عند جملة
من أهل هذا الاصطلاح حيث أن الطريق الى ابن أبى نصر صحيح مع كونه ممن اجتمعت
العصابة على تصحيح ما يصح عنه وموافقة هذا الخبر لصحيح يعقوب المتقدم.
وما رواه في الكافي عن احمد بن محمد بن ابى نصر (4) قال : «قال
أبو الحسن.
__________________
(1) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة.
(2) التهذيب ج 1 ص 323 وفي الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة.
(3) ج 1 ص 410 الطبع الحديث وفيه «إذا زالت الشمس».
(4) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة. ورواه الشيخ في التهذيب
ج 1 ص 248 عن الكليني هكذا : «الصلاة النافلة يوم الجمعة ست ركعات صدر النهار
وركعتان إذا زالت الشمس ثم صل الفريضة ثم صل بعدها ست ركعات». وفي الاستبصار ج 1 ص
409 الطبع الحديث رواه هكذا : «الصلاة النافلة يوم الجمعة ست ركعات صدر النهار وست
ركعات عند ارتفاعه وركعتان إذا زالت الشمس ثم تصلي الفريضة ثم صل بعدها ست ركعات»
....
(عليهالسلام) صلاة النافلة
يوم الجمعة ست ركعات بكرة وست ركعات صدر النهار وركعتان إذا زالت الشمس ثم صل
الفريضة وصل بعدها ست ركعات». وفي الفقيه (1) نسب مضمون هذا الحديث إلى رسالة أبيه
اليه ، وزاد : وفي نوادر أحمد بن محمد بن عيسى «وركعتين بعد العصر».
وعن مراد بن خارجة (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) اما أنا فإذا
كان يوم الجمعة وكانت الشمس من المشرق بمقدارها من المغرب في وقت صلاة العصر صليت
ست ركعات فإذا انتفخ النهار صليت ستا فإذا زاغت أو زالت صليت ركعتين ثم صليت الظهر
ثم صليت بعدها ستا». أقول : النفخ كناية عن ارتفاع النهار يعنى وقت الضحى ، يقال
انتفخ النهار إذا علا.
وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز (3) قال : «قال
أبو بصير قال أبو جعفر (عليهالسلام) ان قدرت يوم
الجمعة أن تصلى عشرين ركعة فافعل ستا بعد طلوع الشمس وستا قبل الزوال إذا تعالت
الشمس ـ وافصل بين كل ركعتين من نوافلك بالتسليم ـ وركعتين قبل الزوال وست ركعات
بعد الجمعة».
وروى الشيخ في كتاب المجالس بسنده عن زريق عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) (4) قال «كان أبو
عبد الله (عليهالسلام) ربما يقدم
عشرين ركعة يوم الجمعة في صدر النهار فإذا كان عند زوال الشمس اذن وجلس جلسة ثم أقام
وصلى الظهر وكان لا يرى صلاة عند الزوال إلا الفريضة ولا يقدم صلاة بين يدي
الفريضة إذا زالت الشمس وكان يقول هي أول صلاة فرضها الله تعالى على العباد صلاة
الظهر يوم الجمعة مع الزوال.
__________________
(1) ج 1 ص 267 و 268.
(2) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة. وفي التهذيب ج 1 ص 248
رواه عنه هكذا «ارتفع» بدل «انتفخ». وفي الاستبصار ج 1 ص 410 الطبع الحديث والفروع
ج 1 ص 119 (فإذا زاغت الشمس أو زالت).
(3) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة.
(4) الوسائل الباب 13 من صلاة الجمعة.
وقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لكل صلاة أول
وآخر لعلة يشغل سوى صلاة الجمعة وصلاة المغرب وصلاة الفجر وصلاة العيدين فإنه لا
يقدم بين يدي ذلك نافلة. قال وربما كان يصلى يوم الجمعة ست ركعات إذا ارتفع النهار
وبعد ذلك ست ركعات أخر وكان إذا ركدت الشمس في السماء قبل الزوال أذن وصلى ركعتين
فما يفرغ إلا مع الزوال ثم يقيم للصلاة فيصلي الظهر ويصلى بعد الظهر أربع ركعات ثم
يؤذن ويصلى ركعتين ثم يقيم ويصلى العصر».
أقول : ما اشتمل عليه هذا الخبر من تقديم الأذان على
الزوال وصلاة ركعتين غريب مخالف للاخبار وكلام الأصحاب وكذا الأذان للعصر في يوم
الجمعة.
وروى الصدوق في كتاب العلل عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليهالسلام) (1) قال : «انما
زيد في صلاة السنة يوم الجمعة أربع ركعات تعظيما لذلك اليوم وتفرقة بينه وبين سائر
الأيام».
أقول : هذا ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على العشرين
كما هو القول المشهور.
واما ما يدل على انها ست عشرة فمنها ما رواه الشيخ في
الصحيح عن سليمان ابن خالد (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) النافلة يوم
الجمعة؟ قال ست ركعات قبل زوال الشمس وركعتان عند زوالها ، والقراءة في الأولى
بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين وبعد الفريضة ثمان ركعات».
وعن سعيد الأعرج في الصحيح (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن صلاة
النافلة يوم الجمعة فقال ست عشرة ركعة قبل العصر ثم قال وكان على (عليهالسلام) يقول ما زاد
فهو خير. وقال ان شاء رجل أن يجعل منها ست ركعات في صدر النهار وست ركعات نصف
النهار ويصلى الظهر ويصلى معها أربعة ثم يصلى العصر».
وأما ما يدل على انها اثنتان وعشرون ركعة فهو ما رواه
الشيخ في الصحيح
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة.
عن سعد بن سعد الأشعري عن ابى الحسن
الرضا (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن الصلاة يوم الجمعة كم ركعة هي قبل الزوال؟ قال ست ركعات بكرة وست بعد ذلك اثنتا
عشرة ركعة ، وست ركعات بعد ذلك ، ثماني عشرة ركعة ، وركعتان بعد الزوال ، فهذه
عشرون ركعة ، وركعتان بعد العصر ، فهذه اثنتان وعشرون ركعة».
قال في المعتبر : وهذه الرواية انفردت بزيادة ركعتين وهي
نادرة. وقد تقدم كلام الفقيه نقلا عن نوادر احمد بن محمد بن عيسى بزيادة ركعتين
بعد العصر زيادة على العشرين المذكورة في حديثه وهو مؤيد لهذه الرواية.
واما ما يدل على ما ذكره الصدوقان من التفصيل المتقدم
نقله عنهما من أنه مع التفريق يصلى عشرين ومع الجمع في وقت واحد يصلى ست عشرة ركعة
فهو مأخوذ مما ذكره الرضا (عليهالسلام) في كتاب
الفقه (2) حيث قال : لا
تصل يوم الجمعة بعد الزوال غير الفرضين والنوافل قبلهما أو بعدهما. وفي نوافل يوم
الجمعة زيادة أربع ركعات يتمها عشرين ركعة يجوز تقديمها في صدر النهار وتأخيرها
الى بعد صلاة العصر. فان استطعت أن تصلى يوم الجمعة إذا طلعت الشمس ست ركعات وإذا
انبسطت ست ركعات وقبل المكتوبة ركعتين وبعد المكتوبة ست ركعات فافعل ، فان صليت
نوافلك كلها يوم الجمعة قبل الزوال أو أخرتها الى بعد المكتوبة أجزأك وهي ست عشرة
ركعة ، وتأخيرها أفضل من تقديمها ، وإذا زالت الشمس يوم الجمعة فلا تصل إلا
المكتوبة.
بقي الكلام في الجمع بين هذه الأخبار المنقولة في المقام
على وجه يحصل به الالتئام والانتظام ، والظاهر انه ليس إلا التخيير وحمل الزائد
على الأقل على الفضل والاستحباب كما يشير اليه قوله (عليهالسلام) في صحيحة سعيد
الأعرج بعد ذكر الست عشرة ركعة «كان على (عليهالسلام) يقول ما زاد
فهو خير».
الثاني ـ في وقت النوافل المذكورة فذهب الشيخ في النهاية
والمبسوط والخلاف
__________________
(1) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة.
(2) ص 11 و 12.
والمصباح والشيخ المفيد في المقنعة وتبعهما
جملة من المتأخرين إلى استحباب تقديم نوافل الجمعة كلها على الفريضة بان يصلى ستا
عند انبساط الشمس وستا عند ارتفاعها وستا قبل الزوال وركعتين بعد الزوال ، وقال
المفيد حين تزول تستظهر بهما في تحقق الزوال ، والظاهر من كلام السيد وابن ابى
عقيل وابن الجنيد استحباب ست منها بين الظهرين ، ونقل عن الصدوق استحباب تأخير
الجميع وليس في كلامه ما يشير اليه كما ستطلع عليه ان شاء الله تعالى.
ولا بأس بنقل جملة من عبارات الأصحاب في الباب ليزول به
الشك عن ما نقلناه والارتياب فنقول :
قال السيد المرتضى (قدسسره) : يصلى عند
انبساط الشمس ست ركعات فإذا انتفخ النهار وارتفعت الشمس صلى ستا فإذا زالت الشمس
صلى ركعتين فإذا صلى الظهر صلى بعدها ستا.
وقال الشيخ في النهاية : وتقدم نوافل الجمعة كلها قبل
الزوال ، هذا هو الأفضل في يوم الجمعة خاصة ، وان صلى ست ركعات عند انبساط الشمس
وست ركعات عند ارتفاعها وركعتين عند الزوال وست ركعات بين الظهر والعصر لم يكن
ايضا به بأس ، وان أخر جميع النوافل الى بعد العصر جاز له ذلك إلا ان الأفضل ما
قدمناه ومتى زالت الشمس ولم يكن قد صلى من نوافله شيئا أخرها الى بعد العصر. وقال
في الخلاف : يستحب يوم الجمعة تقديم نوافل الظهر قبل الزوال.
وقال في المبسوط : تقديم النوافل يوم الجمعة خاصة قبل
الزوال أفضل وفي غيرها من الأيام لا يجوز ، ويستحب أن يصلى ست ركعات عند انبساط
الشمس وست ركعات عند ارتفاعها وست ركعات إذا قرب من الزوال وركعتين عند الزوال وان
فصل بين الفرضين بست ركعات على ما ورد به بعض الروايات (1) كان أيضا
جائزا ، وان أخر جميع النوافل الى بعد العصر جاز ايضا غير ان الأفضل ما قلناه.
__________________
(1) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة.
وقال الشيخ المفيد : وصل ست ركعات عند انبساط الشمس وستا
عند ارتفاعها وستا قبل الزوال وركعتين حين تزول تستظهر بهما في تحقق الزوال. ثم
قال في موضع آخر : وقت النوافل للجمعة في يوم الجمعة قبل الصلاة ولا بأس بتأخيرها
الى بعد العصر.
وقال ابن ابي عقيل : وإذا تعالت الشمس صلى ما بينها وبين
الزوال أربع عشرة ركعة فإذا زالت الشمس فلا صلاة إلا الفريضة ثم يتنفل بعدها بست
ركعات ثم يصلى العصر ، كذلك فعله رسول الله (صلىاللهعليهوآله) (1) فان خاف
الإمام إذا تنفل أن يتأخر العصر عن وقت الظهر في سائر الأيام صلى العصر بعد الفراغ
من الجمعة ثم يتنفل بعدها بست ركعات ، هكذا روى عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) (2) انه ربما كان
يجمع بين صلاة الجمعة والعصر ويصلى يوم الجمعة بعد طلوع الشمس وبعد العصر.
وقال أبو الصلاح : يستحب لكل مسلم تقديم دخول المسجد
لصلاة النوافل بعد الغسل ويلزم من حضره قبل الزوال ان يقدم النوافل عدا ركعتي
الزوال فإذا زالت الشمس صلاهما.
وقال ابن الجنيد : الذي يستحب عند أهل البيت (عليهمالسلام) من نوافل
الجمعة ست ركعات ضحوة النهار وست ركعات ما بين ذلك وبين انتصاف النهار وركعتا
الزوال وبعد الفريضة ثمان ركعات منها ركعتان نافلة العصر.
وقال ابن البراج : يصلى ست ركعات عند انبساط الشمس وستا
عند ارتفاعها وستا قبل الزوال وركعتين حين تزول الشمس استظهارا للزوال.
وقال الشيخ على بن بابويه : فان استطعت أن تصلى يوم
الجمعة إذا طلعت الشمس ست ركعات وإذا انبسطت ست ركعات وقبل المكتوبة ركعتين وبعد
المكتوبة ست ركعات فافعل ، فان قدمت نوافلك كلها في يوم الجمعة قبل الزوال أو
أخرتها الى بعد المكتوبة فهي ست عشرة ركعة وتأخيرها أفضل من تقديمها. أقول : وهذه
__________________
(1 و 2) لم نقف في الأخبار بعد الفحص في مظانها على ما يدل على
هذه النسبة.
عين عبارة الفقه الرضوي التي قدمناها.
وقال ابنه في المقنع : ان استطعت أن تصلى يوم الجمعة إذا
طلعت الشمس ست ركعات وإذا انبسطت ست ركعات وقبل المكتوبة ركعتين وبعد المكتوبة ست
ركعات فافعل ، وان قدمت نوافلك كلها يوم الجمعة قبل الزوال أو أخرتها الى بعد
المكتوبة فهي ست عشرة ركعة ، وتأخيرها أفضل من تقديمها في رواية زرارة بن أعين ، وفي
رواية أبي بصير (1) تقديمها أفضل
من تأخيرها. وهو كما ترى يرجع الى ما قدمناه من عبارة كتاب الفقه الرضوي أيضا إلا
انه (عليهالسلام) حكم في
الكتاب بكون التأخير أفضل من التقديم وفي عبارة المقنع نسب أفضلية التأخير إلى
رواية زرارة وأفضلية التقديم إلى رواية أبي بصير. وهاتان الروايتان وان لم تصلا
إلينا ولكن كفى بنقله لهما لأنه هو الصدوق في ما يقول.
ومما يدل على أفضلية التأخير ما رواه الشيخ عن عقبة بن
مصعب (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) فقلت أيما
أفضل أقدم ركعات يوم الجمعة أو أصليها بعد الفريضة؟ فقال لا بل تصليها بعد الفريضة».
وعن سليمان بن خالد (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أقدم يوم
الجمعة شيئا من الركعات؟ قال نعم ست ركعات. قلت فأيهما أفضل أقدم الركعات يوم
الجمعة أم أصليها بعد الفريضة؟ قال تصليها بعد الفريضة أفضل».
ومما يدل على أفضلية التقديم زيادة على رواية أبي بصير
التي أشار إليها في المقنع رواية زريق المتقدم نقلها عن كتاب مجالس الشيخ (4).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن يقطين (5) قال : «سألت
أبا الحسن
__________________
(1) نقل في الوسائل هذه العبارة من المقنع في الباب 13 من صلاة
الجمعة.
(2 و 3) الوسائل الباب 13 من صلاة الجمعة.
(4) ص 186.
(5) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة.
(عليهالسلام) عن النافلة
التي تصلى يوم الجمعة قبل الجمعة أفضل أو بعدها؟ قال قبل الصلاة».
والشيخ قد جمع بين هذه الأخبار بناء على ما ذهب اليه من
أفضلية التقديم بحمل الخبرين الأولين على ما إذا أدركه الوقت ولم يصلها بعد ، وعلل
الأفضلية في خبر على بن يقطين بأنه لا يأمن أن يخترم فيفوته ثواب النافلة. وهو جيد
، ويعضده استحباب الجمع بين الفرضين يوم الجمعة وعدم الفصل بالنافلة وكذا الأخبار
الدالة على ان وقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام (1).
الثالث ـ في وقت ركعتي الزوال هل هو حال الزوال كما تدل
عليه التسمية أم لا بل يكون قبله أو بعده؟ قولان ظاهر ما قدمناه من كلام السيد
المرتضى وكلام الشيخ في النهاية والمبسوط وكلام ابن الجنيد وابى الصلاح هو الأول ،
وظاهر كلام ابن ابى عقيل الثاني ، وظاهر كلام الشيخ المفيد وابن البراج الأول أيضا
مع احتمال الحمل على الثاني بأن تكون صلاة الركعتين في موضع الشك في الزوال وعدم
تحققه.
ومما يدل على الأول من الروايات المتقدمة في المقام
صحيحة يعقوب بن يقطين ورواية محمد بن عبد الله ورواية أحمد بن محمد بن ابى نصر
ومراد بن خارجة وصحيحة سليمان بن خالد وصحيحة سعد بن سعد الأشعري.
واما ما يدل على الثاني منها فرواية أبي بصير المنقولة
من كتاب السرائر ورواية زريق المنقولة عن كتاب مجالس الشيخ وكلامه (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي
ومنها ـ صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) (2) قال :
__________________
(1) الوسائل الباب 8 و 9 من صلاة الجمعة.
(2) تقدمت هذه الرواية ص 135 ولم يصفها بالصحة كما لم يصفها
بذلك السبزواري في الذخيرة عند ما تعرض لها في وقت صلاة الجمعة في أول مبحث صلاة
الجمعة وكذلك صاحب المدارك ، وقد تقدم في التعليقة 5 ص 135 تخريجها من قرب الاسناد
حيث لم نجدها في الوافي
«سألته عن الزوال يوم الجمعة ما حده؟
قال إذا قامت الشمس صل الركعتين فإذا زالت الشمس فصل الفريضة».
وما رواه الشيخ عن عبد الله بن عجلان (1) قال : «قال
أبو جعفر (عليهالسلام) إذا كنت شاكا
في الزوال فصل الركعتين وإذا استيقنت الزوال فصل الفريضة».
وما رواه الكليني عن ابن ابى عمير (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الصلاة
يوم الجمعة فقال نزل بها جبرئيل (عليهالسلام) مضيقة إذا
زالت الشمس فصلها. قال قلت إذا زالت الشمس صليت ركعتين ثم صليتها قال فقال أبو عبد
الله (عليهالسلام) اما أنا إذا
زالت الشمس لم أبدأ بشيء قبل المكتوبة». قال القاسم : وكان ابن بكير يصلى
الركعتين وهو شاك في الزوال فإذا استيقن الزوال بدأ بالمكتوبة في يوم الجمعة.
وعن ابن سنان (3) قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا زالت
الشمس يوم الجمعة فابدأ بالمكتوبة».
ومنها ـ ما رواه الشيخ في المتهجد عن محمد بن مسلم وما
رواه فيه عن حريز (4) وما رواه في
التهذيب عن على بن جعفر (5) غير الرواية
المتقدمة ، وما رواه عن ابن ابى عمير في الصحيح (6) غير روايته
المتقدمة ، والكل قد تقدم في المقصد السادس في الوقت من مقاصد المطلب الثاني.
__________________
في مظانها وقد نقلها في الوسائل في الباب 11 من صلاة الجمعة من
السرائر وقرب الاسناد ولم نقف على نقلها من التهذيب كما هو ظاهره (قدسسره) في ما يأتي وكما هو ظاهر صاحب الذخيرة
حيث عدها في سياق روايات الشيخ.
(1) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة وفي التهذيب ج 1 ص 248
والاستبصار ج 1 ص 412 عبد الرحمن بدل عبد الله.
(2) الفروع ج 1 ص 117 وفي الوسائل الباب 8 من صلاة الجمعة.
(3) الوسائل الباب 8 من صلاة الجمعة.
(4) ص 137.
(5) تقدمت ص 139 وظاهر كلامه ان الرواية المتقدمة من روايات
التهذيب ويدل عليه نقلها في ما يأتي من قرب الاسناد وقد تقدم في التعليقة 2 ص 192
بيان خلاف ذلك.
(6) تقدم ص 139.
ومنها ـ ما رواه في كتاب قرب الاسناد (1) عن عبد الله
بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته
عن الزوال يوم الجمعة ما حده؟ قال إذا قامت الشمس صل الركعتين فإذا زالت فصل
الفريضة وإذا زالت الشمس قبل ان تصلى الركعتين فلا تصلهما وابدأ بالفريضة واقض
الركعتين بعد الفريضة. قال : وسألته عن ركعتي الزوال يوم الجمعة قبل الأذان أو
بعده؟ قال قبل الأذان».
وما رواه في مستطرفات السرائر نقلا من جامع البزنطي عن
عبد الكريم بن عمرو عن سليمان بن خالد عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «قلت له
أيما أفضل أقدم الركعتين يوم الجمعة أو أصليهما بعد الفريضة؟ قال تصليهما بعد
الفريضة». وذكر ايضا عن رجل عن أبى عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن الركعتين اللتين قبل الزوال يوم الجمعة قال اما انا فإذا زالت الشمس بدأت
بالفريضة».
ويؤيد هذه الأخبار وجوه (أحدها) صراحتها في المدعى كما
لا يخفى على من أمعن النظر في مضامينها بخلاف تلك الأخبار فإنه من المحتمل قريبا
حمل قولهم «وركعتين إذا زالت» أى قارب زوالها وهو وقت قيامها أو الشك في الزوال
فان باب المجاز واسع. و (ثانيها) الأخبار المتكاثرة بأن وقت الجمعة ساعة تزول وانه
مضيق و (ثالثها) الأخبار الدالة على المنع من النافلة بعد دخول وقت الفريضة وهي
مستفيضة صحيحة صريحة كما قدمناها في بحث الأوقات (لا يقال) انه يجوز تخصيصها بهذه
الأخبار الدالة على جواز هاتين الركعتين بعد الزوال (لأنا نقول) التخصيص بها انما
يتم لو سلمت من المعارض ولا سيما مع ترجحه عليها بما ذكرنا. و (رابعها) انه الأوفق
بالاحتياط في الدين.
وبالجملة فالأقرب عندي هو القول الثاني لما عرفت. والله
العالم.
ومنها ـ المباكرة الى المسجد للإمام وغيره لما رواه
الكليني والشيخ في الصحيح
__________________
(1) ص 98 وفي الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة.
(2 و 3) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة.
عن عبد الله بن سنان (1) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) فضل الله يوم
الجمعة على غيره من الأيام وان الجنان لتزخرف وتزين يوم الجمعة لمن أتاها وانكم
تتسابقون إلى الجنة على قدر سبقكم إلى الجمعة وان أبواب السماء لتفتح لصعود اعمال
العباد».
وعن جابر (2) قال : «كان أبو جعفر (عليهالسلام) يبكر الى
المسجد يوم الجمعة حين تكون الشمس قدر رمح فإذا كان شهر رمضان يكون قبل ذلك ، وكان
يقول ان لجمع شهر رمضان على جمع سائر الشهور فضلا كفضل شهر رمضان على سائر الشهور».
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابى جعفر (عليهالسلام) (3) قال : «إذا
كان يوم الجمعة نزل الملائكة المقربون معهم قراطيس من فضة وأقلام من ذهب فيجلسون
على أبواب المساجد على كراسي من نور فيكتبون الناس على منازلهم الأول والثاني حتى
يخرج الإمام فإذا خرج الامام طووا صحفهم ، ولا يهبطون في شيء من الأيام إلا في
يوم الجمعة يعني الملائكة المقربين».
ونحوه روى في الفقيه عن ابى جعفر (عليهالسلام) مرسلا (4). وما رواه
الصدوق في كتاب الأمالي بسنده عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) (5) انه قال : «إذا
كان يوم الجمعة خرج إحلاف الشياطين يزينون أسواقهم ومعهم الرايات وتقعد الملائكة
على أبواب المساجد فيكتبون الناس على منازلهم حتى يخرج الامام ، فمن دنا الى
الامام وأنصت واستمع ولم يلغ كان له كفلان من الأجر ، ومن تباعد عنه فاستمع وأنصت
ولم يلغ كان له كفل من الأجر ، ومن دنا من الامام ولغى ولم يستمع كان عليه كفلان
من الوزر ، ومن قال لصاحبه «صه» فقد تكلم ومن
__________________
(1) الوسائل الباب 42 من صلاة الجمعة. والشيخ يرويه عن
الكليني.
(2) الوسائل الباب 27 من صلاة الجمعة.
(3) الوسائل الباب 27 من صلاة الجمعة. ونقل فيه ان الشيخ رواه
عن الكليني.
(4) الوسائل الباب 27 من صلاة الجمعة إلى قوله «طووا صحفهم».
(5) الوافي باب التبكير إلى الجمعة فإنه بعد نقل اخبار من
الباب قال : «بيان ـ الاخبار في فضل الجمعة أكثر من ان تحصى» ثم ذكر عدة اخبار من
الأمالي منها هذا الخبر.
تكلم فلا جمعة له. ثم قال على (عليهالسلام) هكذا سمعت
نبيكم (صلىاللهعليهوآله)».
وعن جابر بن يزيد عن ابى جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «قلت له
قول الله تعالى : «(فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ)؟ قال قال :
اعملوا وعجلوا فإنه يوم مضيق على المسلمين فيه وثواب اعمال المسلمين فيه على قدر
ما ضيق عليهم والحسنة والسيئة تضاعف فيه. قال وقال أبو جعفر (عليهالسلام) والله لقد
بلغني ان أصحاب النبي (صلىاللهعليهوآله) كانوا
يتجهزون للجمعة يوم الخميس لانه يوم مضيق على المسلمين». الى غير ذلك من الأخبار.
ومنها ـ التطيب ولبس أفخر الثياب وتسريح اللحية وقلم
الأظفار وأخذ الشارب والخروج على سكينة ووقار والدعاء حال الخروج إلى الجمعة وكثرة
الصلاة على محمد وآله (صلوات الله عليهم) في ذلك اليوم :
روى ثقة الإسلام في الكافي عن هشام بن الحكم (2) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) ليتزين أحدكم
يوم الجمعة : يغتسل ويتطيب ويسرح لحيته ويلبس أنظف ثيابه وليتهيأ للجمعة وليكن
عليه في ذلك اليوم السكينة والوقار وليحسن عبادة ربه وليفعل الخير ما استطاع فان
الله يطلع على الأرض ليضاعف الحسنات».
وعن زرارة في الصحيح أو الحسن (3) قال : «قال
أبو جعفر (عليهالسلام) لا تدع الغسل
يوم الجمعة فإنه سنة وشم الطيب والبس صالح ثيابك وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال
فإذا زالت فقم وعليك السكينة والوقار».
وقال الرضا (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي (4) : وعليكم
بالسنن يوم الجمعة وهي سبعة : إتيان النساء وغسل الرأس واللحية بالخطمي وأخذ
الشارب وتقليم الأظفار وتغيير الثياب ومس الطيب ، فمن أتى بواحدة من هذه السنن
نابت عنهن وهي الغسل وأفضل أوقاته قبل الزوال.
وقد قدمنا جملة من الأخبار المتعلقة بالغسل يوم الجمعة
في فصل الأغسال من
__________________
(1) الوسائل الباب 31 من صلاة الجمعة. والرواية عن الكليني
والشيخ.
(2 و 3) الوسائل الباب 47 من صلاة الجمعة.
(4) ص 11.
كتاب الطهارة (1) وجملة من
الأخبار في استحباب التطيب وأخذ الشارب وتقليم الأظفار والنورة في آخر كتاب
الطهارة (2).
وروى الشيخ في التهذيب (3) عن أبي حمزة
الثمالي عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «ادع
في العيدين ويوم الجمعة إذا تهيأت للخروج بهذا الدعاء : اللهم من تهيأ وتعبأ وأعد
واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وطلب نائله وجوائزه وفواضله ونوافله فإليك يا
سيدي وفادتي وتهيئتي وتعبئتي وإعدادي واستعدادي رجاء رفدك وجوائزك ونوافلك فلا
تخيب اليوم رجائي يا من لا يخيب عليه سائل ولا ينقصه نائل ، فإني لم آتك اليوم
بعمل صالح قدمته ولا شفاعة مخلوق رجوته ولكن أتيتك مقرا بالظلم والاسائة لا حجة لي
ولا عذر فأسألك يا رب أن تعطيني مسألتي وتقلبني برغبتي ولا تردني مجبوها ولا خائبا
يا عظيم يا عظيم يا عظيم أرجوك للعظيم أسألك يا عظيم ان تغفر لي العظيم لا إله إلا
أنت اللهم صل على محمد وآل محمد وارزقني خير هذا اليوم الذي شرفته وعظمته وتغسلني
فيه من جميع ذنوبي وخطاياي وزدني من فضلك انك أنت الوهاب».
وروى في الكافي عن عمر بن يزيد (4) قال : «قال لي
أبو عبد الله (عليهالسلام) يا عمر انه
إذا كان ليلة الجمعة نزل من السماء ملائكة بعدد الذر في أيديهم أقلام الذهب
وقراطيس الفضة لا يكتبون إلى ليلة السبت إلا الصلاة على محمد وآل محمد فأكثر منها.
وقال يا عمر ان من السنة ان تصلى على محمد وأهل بيته في كل جمعة ألف مرة وفي سائر
الأيام مائة مرة».
وروى الصدوق في الفقيه في الصحيح عن عبد الله بن سنان
عنه (عليهالسلام) (5) قال : «إذا
كانت عشية الخميس ليلة الجمعة نزلت ملائكة من السماء معها أقلام الذهب وصحف
__________________
(1) ج 4 ص 217.
(2) ج 5 ص 540 الى 576.
(3) ج 3 ص 142 الطبع الحديث وفي الوافي باب التبكير إلى
الجمعة.
(4 و 5) الوسائل الباب 43 من صلاة الجمعة.
الفضة لا يكتبون عشية الخميس وليلة
الجمعة ويوم الجمعة الى ان تغيب الشمس إلا الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله)».
وروى في الكافي عن عبد الله بن ميمون القداح عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) (1) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أكثروا من
الصلاة على في الليلة الغراء واليوم الأزهر ليلة الجمعة ويوم الجمعة. فسئل إلى كم
الكثير؟ فقال الى مائة وما زادت فهو أفضل».
وعن المفضل عن ابى جعفر (عليهالسلام) (2) قال : «ما من
شيء يعبد الله به يوم الجمعة أحب الى من الصلاة على محمد وآل محمد».
وعن سهل رفعه (3) قال قال : «إذا صليت يوم الجمعة فقل
: اللهم صل على محمد وآل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك وبارك عليهم بأفضل
بركاتك والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته. فإنه من قالها في دبر العصر كتب
الله له مائة ألف حسنة ومحا عنه مائة ألف سيئة وقضى له بها مائة ألف حاجة ورفع له
بها مائة ألف درجة».
وجملة من الأصحاب قد ذكروا في مستحبات يوم الجمعة حلق
الرأس. وأنكر جمع ممن تأخر عنهم الوقوف فيه على اثر ، وعلله المحقق في المعتبر
بأنه يوم اجتماع الناس فيجتنب ما ينفر.
أقول : ويمكن الاستدلال على ذلك بما رواه في الفقيه
مرسلا عن الصادق (عليهالسلام) (4) قال : «انى
لأحلق في كل جمعة في ما بين الطلية إلى الطلية». والتقريب فيه ان المتبادر من
الحلق هو حلق الرأس ، والحمل على حلق العانة بعيد لأن المستفاد من الأخبار انهم
كانوا يطلونها بالنورة سيما مع ملازمتهم على النورة بعد ثلاثة أيام
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 43 من صلاة الجمعة.
(3) الفروع ج 1 ص 119 وفي الوسائل الباب 48 من صلاة الجمعة.
(4) الوسائل الباب 60 من آداب الحمام.
__________________
(1) ج 5 ص 540.