ج10 - صلاة الأموات
الفصل الرابع
والبحث في من يصلى عليه ومن يصلى والكيفية والأحكام
المتعلقة بالمقام ، وحينئذ فتحقيق الكلام في هذا الفصل يتوقف على بسطه في مطالب
أربعة :
المطلب الأول ـ في من يصلى عليه وفيه مسائل (الأولى) لا خلاف في وجوب الصلاة على المؤمن وهو المسلم المعتقد لامامة الأئمة الاثني عشر (عليهمالسلام) كما انه لا خلاف ولا إشكال في عدم الوجوب بل عدم الجواز إلا للتقية على الخوارج والنواصب والغلاة والزيدية ونحوها ممن يعتقد خلاف ما علم من الدين ضرورة.
وانما الخلاف في غير ما ذكرنا من المخالفين الذين قد اشتهر
بين متأخري أصحابنا الحكم بإسلامهم ، فقال الشيخ في جملة من كتبه وابن الجنيد
والمحقق وأكثر المتأخرين بالوجوب.
وقال الشيخ المفيد (قدسسره) : ولا يجوز
لأحد من أهل الايمان أن يغسل مخالفا للحق في الولاية ولا يصلى عليه إلا ان تدعو
ضرورة الى ذلك من جهة التقية.
وظاهر الشيخ في التهذيب موافقته في ذلك حيث انه احتج له
بان المخالف لأهل البيت كافر فيجب أن يكون حكمه حكم الكفار إلا ما خرج بالدليل ،
وإذا كان غسل الكافر لا يجوز فيجب أن يكون غسل المخالف ايضا غير جائز. وأما الصلاة
عليه فتكون على حد ما كان يصلى النبي (صلىاللهعليهوآله) والأئمة (عليهمالسلام) على
المنافقين.
والى هذا القول ذهب أبو الصلاح وابن إدريس وسلار ، وهو
الحق الظاهر بل الصريح من الأخبار لاستفاضتها وتكاثرها بكفر المخالف ونصبه وشركه
وحل ماله ودمه كما بسطنا عليه الكلام بما لا يحوم حوله شبهة النقض والإبرام في
كتاب الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب وما يترتب عليه من المطالب.
والقول بالكفر هو المشهور بين الأصحاب من علمائنا
المتقدمين (رضوان الله عليهم أجمعين) كما نقله الشيخ ابن نوبخت من متقدمي أصحابنا
في كتابه فص الياقوت حيث قال : دافعوا النص كفرة عند جمهور أصحابنا ، ومن أصحابنا
من يحكم بفسقهم. الى آخره. وقال العلامة في شرحه على الكتاب المذكور المسمى بأنوار
الملكوت : اما دافعوا النص على أمير المؤمنين (عليهالسلام) بالإمامة فقد
ذهب أكثر أصحابنا إلى كفرهم لان النص معلوم بالتواتر من دين محمد (صلىاللهعليهوآله) فيكون ضروريا
أى معلوما من دينه (صلىاللهعليهوآله) بالضرورة
فجاحده يكون كافرا كمن يجحد وجوب الصلاة وصوم رمضان. ثم نقل الأقوال الأخر. وبذلك
صرح في باب الزكاة من كتاب المنتهى وهو ظاهر الكليني في الكافي والمرتضى واختاره
جملة من أفاضل متأخري المتأخرين
ولا بأس بذكر جملة من الأخبار الدالة على ما ادعيناه من
الكفر والنصب والشرك وحل المال والدم ليعلم ان ما ذهب إليه المتأخرون ـ من الحكم
بإسلامهم حتى فرعوا عليه هنا وجوب الصلاة عليهم ونحوه من أحكام الإسلام ـ نفخ في
غير ضرام وغفلة عن النظر بعين التحقيق في أخبارهم (عليهمالسلام).
فمن ذلك ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر (1) في ما استطرفه
من كتاب مسائل الرجال ومكاتباتهم لمولانا ابى الحسن الهادي (عليهالسلام) في جملة
مسائل محمد ابن على بن عيسى قال : «كتبت إليه أسأله عن الناصب هل أحتاج في امتحانه
الى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت واعتقاده بإمامتهما؟ فرجع الجواب : من كان على
هذا فهو ناصب».
ومعنى الخبر هو انه لما استفاضت الأخبار عنهم (عليهمالسلام) بكفر الناصب
وشركه ونجاسته وحل ماله ودمه كتب إليه يسأله عن معنى الناصب ومظهر النصب بما يعرف
حتى تترتب عليه الأحكام المذكورة وانه هل يحتاج إلى شيء زائد على مجرد تقديم
الجبت والطاغوت واعتقاده إمامتهما؟ فرجع الجواب ان مظهر النصب والعداوة لأهل البيت
(عليهمالسلام) هو مجرد
التقديم والقول بإمامة الأولين. وهو ظاهر الدلالة في الرد على ما اشتهر بين متأخري
أصحابنا من جعلهم الناصب أخص من المخالف. نعم يجب أن يستثني من عموم هذا الخبر
المستضعف الذي دلت الأخبار على إسلامه ووجوب إجراء أحكام الإسلام عليه في دار
الدنيا وانه في الآخرة من المرجأين لأمر الله تعالى.
ومنها ـ ما رواه الصدوق في كتاب العلل (2) بسنده عن عبد
الله بن سنان عن الصادق (عليهالسلام) قال : «ليس
الناصب من نصب لنا أهل البيت (عليهمالسلام) لأنك لا تجد
رجلا يقول انا أبغض محمدا وآل محمد (صلىاللهعليهوآله) ولكن الناصب
من نصب لكم
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس و 68 من القصاص
في النفس.
وهو يعلم انكم تتولونا وانكم من
شيعتنا».
ومنها ـ ما رواه في كتاب معاني الأخبار بسند معتبر عن
المعلى بن خنيس (1) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول ليس
الناصب من نصب لنا أهل البيت (عليهمالسلام) لأنك لا تجد
أحدا يقول أنا أبغض محمدا وآل محمد (صلىاللهعليهوآله) ولكن الناصب
من نصب لكم وهو يعلم انكم تتولونا وتتبرؤون من أعدائنا».
وحاصل معنى الخبرين انه لا ينحصر الناصب في من أظهر
بغضنا بلسانه وجاهر بعداوتنا لأنه لو كان كذلك لم يوجد ناصب بالكلية لأنك لا تجد
أحدا يتظاهر بعداوتنا ويعلن ببغضنا وانما الناصب لنا والعدو هو من أبغضكم وهو يعلم
انكم من شيعتنا تتولونا وتتبرؤون من أعدائنا ، وعلى هذا فالنصب والعداوة للشيعة من
حيث التشيع مظهر للنصب لهم (عليهمالسلام).
ويدل على ذلك بأوضح دلالة ما رواه الصدوق في كتاب
الأمالي (2) عن أمير
المؤمنين (عليهالسلام) قال : «من
سره أن يعلم أمحب لنا أم مبغض فليمتحن قلبه فان كان يحب وليا لنا فليس بمبغض لنا
وان كان يبغض وليا لنا فليس بمحب لنا. الحديث». ونحوه أخبار عديدة.
ومن هذه الأخبار يعلم ان مظهر النصب والعداوة لهم (عليهمالسلام) منحصر في
أمرين : تقديم الجبت والطاغوت وإظهار العداوة للشيعة.
وقد وافقنا في هذا المقام من متأخري علمائنا الأعلام
شيخنا الشهيد الثاني في الروض في باب السؤر حيث قال ـ بعد قول المصنف وسؤر الكافر
والناصب ـ ما هذا لفظه : والناصب من نصب العداوة لأهل البيت (عليهمالسلام) أو لأحدهم
وأظهر البغضاء لهم صريحا أو لزوما ككراهة ذكرهم ونشر فضائلهم والاعراض عن مناقبهم
من حيث انها مناقبهم والعداوة لمحبيهم من حيث محبتهم ، وروى الصدوق ابن بابويه عن
عبد الله بن سنان عن الصادق (عليهالسلام) ثم ساق الخبر
الأول ثم قال وفي بعض الأخبار
__________________
(1) الوسائل الباب 68 من القصاص في النفس.
(2) ارجع الى الاستدراكات.
ان كل من قدم الجبت والطاغوت فهو
ناصب. واختاره بعض الأصحاب إذ لا عداوة أكثر ممن قدم المنحط عن مراتب الكمال وفضل
المنخرط في سلك الأغبياء والجهال على من تسنم أوج الجلال حتى شك في انه الله
المتعال. انتهى كلامه (زيد مقامه) وهو الحق الذي لا تعتريه شبهة ولا اشكال وان
خالفه في مواضع من كلامه في أمثال هذا المجال.
ومنها ـ ما رواه في الكافي عن ابى جعفر (عليهالسلام) (1) قال «ان الله
تعالى نصب عليا (عليهالسلام) علما بينه
وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن جهله كان ضالا». وبهذا المضمون
أخبار عديدة في الكتاب المذكور وغيره.
ونحوه ما رواه في الكافي أيضا عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «أهل
الشام شر من أهل الروم وأهل المدينة شر من أهل مكة وأهل مكة يكفرون بالله جهرة».
وعنه (عليهالسلام) (3) «ان أهل مكة
ليكفرون بالله جهرة وان أهل المدينة أخبث من أهل مكة أخبث منهم سبعين ضعفا».
وعن ابى مسروق (4) قال : «سألني أبو عبد الله (عليهالسلام) عن أهل
البصرة فقلت مرجئة وقدرية وحرورية. فقال لعن الله تلك الملل الكافرة المشركة التي
لا تعبد الله على شيء». الى غير ذلك من الأخبار.
وقد ساعدتها على ذلك جملة من الآيات القرآنية وما ورد في
تفسيرها عن الأئمة المعصومين (عليهمالسلام) بتفسير الكفر
فيها بإنكار ولاية على (عليهالسلام) رواها في
الكافي (5).
ومنها ـ ما رواه الصدوق في كتاب العلل في الموثق عن عبد
الله بن ابى يعفور عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (6) في حديث قال
فيه بعد ان ذكر اليهودي والنصراني
__________________
(1) الأصول ج 1 ص 437 الطبع الحديث وفي الوسائل الباب 6 من حد
المرتد.
(2 و 4) الأصول ج 2 ص 409 الطبع الحديث.
(3) الأصول ج 2 ص 410 الطبع الحديث.
(5) باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية من كتاب الحجة.
(6) الوسائل الباب 11 من الماء المضاف.
والمجوسي قال : «والناصب لنا أهل
البيت وهو شرهم ان الله لم يخلق خلقا أنجس من الكلب وان الناصب لنا أهل البيت
لأنجس منه». وفي معناه أخبار عديدة تقدمت في باب النجاسات من كتاب الطهارة (1).
ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «خذ مال
الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس».
وما رواه عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (3) في حديث قال :
«ولولا انا نخاف عليكم ان يقتل رجل منكم برجل منهم ـ ورجل منكم خير من الف رجل
منهم ومائة ألف منهم ـ لأمرناكم بالقتل لهم ولكن ذلك الى الامام».
وروى الكليني والشيخ في الصحيح عن بريد بن معاوية العجلي
(4) قال : «سألت
أبا جعفر (عليهالسلام) عن مؤمن قتل
ناصبا معروفا بالنصب على دينه غضبا لله ورسوله (صلىاللهعليهوآله) أيقتل به؟ قال
أما هؤلاء فيقتلونه به ولو رفع الى امام عادل ظاهر لم يقتله. قلت فيطل دمه؟ قال لا
ولكن ان كان له ورثة فعلى الامام أن يعطيهم الدية من بيت المال لأن قاتله انما
قتله غضبا لله ولإمام المسلمين».
وفي معناه غيره ومن أراد استقصاء الوقوف على جملة هذه
الأخبار وما يتعلق بها من البحث والنقض والإبرام فليرجع الى كتابنا الشهاب الثاقب
المتقدم ذكره فإنه شاف واف بالمراد عار عن تطرق وصمة النقض والإيراد. والله الهادي
إلى الرشاد.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان من أوجب الصلاة على هؤلاء بناء
على الحكم بإسلامهم احتج على ذلك بما رواه الشيخ عن طلحة بن زيد عن ابى عبد الله
عن أبيه (عليهماالسلام) (5) قال : «صل على
من مات من أهل القبلة وحسابه على الله».
__________________
(1) ج 5 ص 187.
(2) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس.
(3) الوسائل الباب 95 من ما يكتسب به.
(4) الوسائل الباب 68 من القصاص في النفس ، ويرجع فيه الى
الاستدراكات.
(5) الوسائل الباب 37 من صلاة الجنازة.
وما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهمالسلام) (1) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) صلوا على
المرجوم من أمتي وعلى القاتل نفسه من أمتي لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة».
والجواب عن ذلك ـ مع الإغماض عن ضعفهما وعدم قيامهما
بالمعارضة لا يسر يسير مما قدمناه من الأخبار مما ذكرناه وما لم نذكره ـ ان هذا
المستدل لا يقول بهما على إطلاقهما لشمولهما للفرق التي قدمنا سابقا الاتفاق على
كفرها فلا بد من تخصيصهما بغيرهم ، وليس تخصيصهما بما ذكروه من الأدلة الدالة على
كفر تلك الفرق أولى من تخصيصهما بما قدمنا ذكر بعضه من الأخبار الدالة على نصب
المخالف وكفره وشركه ونحو ذلك ، واحتمال الخروج مخرج التقية فيهما ظاهر لا ينكر
إلا ممن صد عن قبول الحق في ما ذكرناه من الاخبار واستكبر.
قال في المدارك في هذا المقام ـ بعد نقل القول المشهور
والاستدلال له بالروايتين المذكورتين ثم نقل قول الشيخ المفيد ومن تبعه ـ ما لفظه
: وهو غير بعيد لأن الإجماع إنما انعقد على وجوب الصلاة على المؤمن ، والروايات
التي استدل بها على العموم لا تخلو من ضعف في سند أو قصور في دلالة ، والواجب
التمسك بمقتضى الأصل الى ان يقوم على الوجوب دليل يعتد به. انتهى.
أقول : قد سبق له نظير هذا الكلام المنحل الزمام في
مسألة غسل الميت من كتاب الطهارة حيث قال بعد نقل كلام الشيخ المفيد المنقول هنا :
والمسألة قوية الإشكال وان كان الأظهر عدم وجوب تغسيل غير المؤمن. انتهى.
وفيه (أولا) ان مقتضى الحكم بإسلامهم كما هو مذهبه في
المسألة تبعا لجده والمحقق قبله وأمثالهم هو ترتب أحكام الإسلام وإجراؤها عليهم
مما يتعلق بالحياة والممات ، فكما يجوز الحكم بمناكحتهم وموارثتهم وطهارتهم وحقن
دمائهم وأموالهم بل عدالتهم كما عرفت مما تقدم في مسألة العدالة من باب صلاة
الجمعة المترتب جميع ذلك على الإسلام ، فكذا يجب الحكم بغسلهم والصلاة عليهم فان
جميع ذلك من
__________________
(1) الوسائل الباب 37 من صلاة الجنازة.
توابع الإسلام وأحكامه المترتبة عليه
، وتوقفه هنا على الدليل بخصوص هذين الحكمين لا معنى له ، لان تلك الأحكام التي
أجروها عليهم في حال الحياة إنما أجروها تبعا للإسلام وتفريعا عليه لا لخصوص أدلة
دلت عليها بالنسبة إلى المخالف وان زعموا ورود ذلك في بعض هذه الأشياء المعدودة ،
والذي دلت عليه هذه الأدلة الواردة عنهم (عليهمالسلام) انما هو خلاف
ما يدعونه من تلك الأحكام.
و (ثانيا) ـ ان الأصحاب في هذه المسألة على قولين (أحدهما)
القول بالكفر وعدم جواز تغسيلهم والصلاة عليهم ، و (ثانيهما) القول بالإسلام ووجوب
الحكمين المذكورين ، والقول بالإسلام وعدم جواز الحكمين المذكورين خرق للإجماع
المركب ، وقد عرفت انه في غير موضع من كتابه يراعى الإجماع ويتشبث به وان خالف
نفسه في مواضع أخر. وظاهر قوله هنا ـ ان الإجماع إنما انعقد على وجوب الصلاة على
المؤمن ـ هو الاعتماد على الإجماع فكيف يخرج عنه بإحداث القول بإسلامهم بل عدالتهم
مع عدم جواز تغسيلهم والصلاة عليهم؟
وبالجملة فالبناء لما كان على غير أساس تطرق اليه
الانتقاض والانطماس فان كفرهم من المشهورات في أخبارهم (عليهمالسلام) بل وربما
يدعى انه من ضروريات مذهبهم كما لا يخفى على من اطلع على ما أوردناه في كتابنا
المشار اليه آنفا من الأخبار وجاس خلال الديار. والله الهادي لمن يشاء.
بقي الكلام في ما دل عليه خبر السكوني (1) من حيث تضمنه
الصلاة على القاتل نفسه مع ما ورد في جملة من الأخبار انه من أهل النار (2) ويمكن أن يقال
انه بقتل نفسه لا يخرج عن الإسلام بل غايته أن يكون من أهل الكبائر المستحقين
للنار ايضا ، وقد دل صحيح هشام بن سالم المروي في الفقيه (3) على ان شارب
__________________
(1) ص 365.
(2) الوسائل الباب 5 من القصاص في النفس.
(3) الوسائل الباب 37 من صلاة الجنازة. ورواه في التهذيب ج 1 ص
345.
الخمر والزاني والسارق يصلى عليهم إذا
ماتوا. وبالجملة من حيث عدم الخروج عن الإيمان تدركهم الشفاعة ويكونون بذلك من أهل
الجنة كما دل عليه قوله (صلىاللهعليهوآله) (1) «إنما شفاعتي
لأهل الكبائر من أمتي». هذا مع عدم حصول التوبة وإلا فيسقط البحث. والله العالم.
المسألة الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في
الحد الذي يجب فيه الصلاة على الطفل ، فالأشهر الأظهر هو بلوغ ست سنين ، ذهب اليه
الشيخ وابن البراج وابن حمزة وابن زهرة وسلار والمتأخرون ونقل المرتضى فيه الإجماع
وكذا العلامة في المنتهى ، وقال الشيخ المفيد في المقنعة لا يصلى على الصبي حتى
يعقل الصلاة. ونحوه قال الجعفي والصدوق في المقنع ، والظاهر ان هذا القول يرجع الى
الأول. وقال ابن الجنيد تجب على المستهل يعنى من رفع صوته بالبكاء. وقال ابن ابى
عقيل لا تجب الصلاة على الصبي حتى يبلغ.
ويدل على القول الأول وهو المختار ما رواه ثقة الإسلام
في الصحيح عن زرارة (2) قال : «مات
ابن لأبي جعفر (عليهالسلام) فأخبر بموته
فأمر به فغسل وكفن ومشى معه وصلى عليه وطرحت خمرة فقام عليها ثم قام على قبره حتى
فرغ منه ثم انصرف وانصرفت معه حتى انى لأمشي معه فقال اما انه لم يكن يصلى على مثل
هذا ـ وكان ابن ثلاث سنين ـ كان على (عليهالسلام) يأمر به
فيدفن ولا يصلى عليه ولكن الناس صنعوا شيئا (3) فنحن نصنع مثله. قال قلت فمتى تجب
عليه الصلاة؟ فقال
__________________
(1) الوسائل الباب 47 من جهاد النفس.
(2) الوسائل الباب 13 من صلاة الجنازة.
(3) في المغني ج 2 ص 522 «السقط وهو الولد تضعه المرأة ميتا أو
لغير تمام فاما ان خرج حيا واستهل فإنه يغسل ويصلى عليه بغير خلاف ، وقال ابن
المنذر أجمع أهل العلم على ان الطفل إذا عرفت حياته واستهل يصلى عليه وان لم يستهل
قال أحمد إذا اتى له أربعة أشهر غسل وصلى عليه وهذا قول سعيد بن المسيب وابن سيرين
وإسحاق ، وصلى ابن عمر على ابن لابنته ولد ميتا ، وقال الحسن وإبراهيم والحكم
وحماد ومالك والأوزاعي
إذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين.
الحديث».
وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبيد الله الحلبي وثقة
الإسلام في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) «انه سئل عن
الصلاة على الصبي متى يصلى عليه؟ فقال إذا عقل الصلاة. قلت متى تجب الصلاة عليه؟
قال إذا كان ابن ست سنين والصيام إذا أطاقه».
قلت : والمراد بالوجوب هنا ليس المعنى الشرعي بل مجرد
الثبوت فإن صلاة الصبي مستحبة تمرينا ، والمعنى انه متى يعقل الصلاة بحيث يؤمر بها
تمرينا؟ فقال إذا كان ابن ست سنين.
والذي يكشف عن هذا المعنى ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم
في الصحيح عن أحدهما (عليهماالسلام) (2) «في الصبي متى
يصلى عليه؟ قال إذا عقل الصلاة. قلت متى يعقل الصلاة وتجب عليه؟ قال لست سنين».
أقول : ومن هذه الروايات علم صحة ما حملنا عليه كلام
الشيخ المفيد من رجوعه الى القول المشهور خلافا لمن زعم المغايرة فعده في مقابلة
القول المشهور وعده قولا برأسه.
وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (3) قال : «صلى
أبو جعفر (عليهالسلام) على ابن له
له صبي صغير له ثلاث سنين ثم قال لولا ان الناس يقولون ان بنى هاشم لا يصلون على
__________________
وأصحاب الرأي لا يصلى عليه حتى يستهل ، وللشافعي قولان
كالمذهبين. واما من لم يأت له أربعة أشهر فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه ويلف في خرقة
ويدفن ولا نعلم فيه خلافا إلا عن ابن سيرين فإنه قال يصلى عليه إذا علم انه نفخ
فيه الروح ، وحديث الصادق المصدق يدل على انه لا ينفخ فيه إلا بعد أربعة أشهر وقبل
ذلك لا يكون نسمة» ونحو ذلك في البدائع ج 1 ص 302 والمهذب ج 1 ص 34 وبداية المجتهد
ج 1 ص 22 والمدونة ج 1 ص 162.
(1) الوسائل الباب 13 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 3 من أعداد الفرائض ونوافلها.
(3) الوسائل الباب 15 من صلاة الجنازة.
الصغار من أولادهم ما صليت عليه». قال
(1) : «وسئل (عليهالسلام) متى تجب
الصلاة عليه؟ قال إذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين».
وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه
موسى (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن الصبي أيصلى عليه إذا مات وهو ابن خمس سنين؟ قال إذا عقل الصلاة صلى عليه».
أقول : قد عرفت من الأخبار السابقة ما يكشف إجمال هذا
الخبر فإنها قد فسرت من يعقل الصلاة بأنه من كان ابن ست سنين.
وقال الرضا في كتاب الفقه (3) «واعلم ان
الطفل لا يصلى عليه حتى يعقل الصلاة».
ويدل على ما ذهب اليه ابن الجنيد ما رواه الشيخ في
الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «لا
يصلى على المنفوس وهو المولود الذي لم يستهل ولم يصح ولم يورث من الدية ولا من
غيرها ، وإذا استهل فصل عليه وورثه».
وعن على بن يقطين في الصحيح (5) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) لكم يصلى على
الصبي إذا بلغ من السنين والشهور؟ قال يصلى عليه على كل حال إلا ان يسقط لغير تمام».
وعن احمد بن محمد عن رجل عن ابى الحسن الماضي (عليهالسلام) (6) قال : قلت لكم
يصلى على الصبي؟. الحديث. مثله.
وعن السكوني عن جعفر عن آبائه (عليهمالسلام) (7) قال : «يورث
للصبي ويصلى عليه إذا سقط من بطن امه فاستهل صارخا وإذا لم يستهل صارخا لم يورث
ولم يصل عليه».
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 13 من صلاة الجنازة.
(3) ص 19.
(4 و 5 و 6 و 7) الوسائل الباب 14 من صلاة الجنازة.
وأجاب الشيخ ومن تبعه من الأصحاب عن هذه الأخبار بالحمل
على الاستحباب أو التقية (1).
وفي الأول ما عرفت في غير مقام ، مع انه لا وجه للحمل
على ذلك بعد قول الباقر (عليهالسلام) في صحيحة
زرارة السابقة صدر الأخبار «اما انه لم يكن يصلى على مثل هذا وان عليا (عليهالسلام) كان يأمر به
فيدفن ولا يصلى عليه».
ويدل على ذلك ايضا ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو
الحسن عن زرارة (2) قال : «رأيت
ابنا لأبي عبد الله (عليهالسلام) في حياة أبي
جعفر (عليهالسلام) يقال له عبد
الله فطيم قد درج فقلت له يا غلام من ذا الذي إلى جنبك؟ لمولى لهم فقال هذا مولاي
فقال له المولى يمازحه لست لك بمولى. فقال ذلك شر لك. فطعن في جنان الغلام (3) فمات فاخرج في
سفط الى البقيع ، فخرج أبو جعفر (عليهالسلام) وعليه جبة خز
صفراء وعمامة خز صفراء ومطرف خز اصفر فانطلق يمشي إلى البقيع وهو معتمد على والناس
يعزونه على ابن ابنه فلما انتهى الى البقيع تقدم أبو جعفر (عليهالسلام) فصلى عليه
وكبر عليه أربعا ثم أمر به فدفن ، ثم أخذ بيدي فتنحى بي ثم قال انه لم يكن يصلى
على الأطفال انما كان أمير المؤمنين (عليهالسلام) يأمر بهم
فيدفنون من وراء ولا يصلى عليهم وانما صليت عليه من أجل أهل المدينة كراهية أن
يقولوا لا يصلون على أطفالهم» (4).
والعجب انه مع صراحة الخبرين في التقية وعدم مجال للحمل
على هذا الاستحباب
__________________
(1 و 4) ارجع الى التعليقة 3 ص 367.
(2) الفروع ج 1 ص 56 وفي الوسائل الباب 15 من صلاة الجنازة.
(3) كذا في التهذيب ج 1 ص 311 والوافي ج 13 ص 75 ، وفي فروع
الكافي ج 1 ص 56 والاستبصار ج 1 ص 479 الطبع الحديث هكذا «فطعن في جنازة الغلام»
وفي هامش الكافي المطبوع بايران هكذا : قوله «فمات» تفسير لقوله «فطعن في جنازة
الغلام» والعرب تقول طعن فلان في جنازته ورمى في جنازته إذا مات (المغرب).
يحتملونه هنا جريا على قاعدتهم في
جميع الأبواب وحرصا عليه مع ما عرفت انه لا دليل عليه من سنة ولا كتاب.
ويزيد ذلك تأكيدا ما رواه في الكافي عن على بن عبد الله (1) قال : «سمعت
أبا الحسن موسى (عليهالسلام) يقول لما قبض
إبراهيم ابن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) جرت فيه ثلاث
سنن ، أما واحدة فإنه لما مات انكسفت الشمس فقال الناس انكسفت الشمس لفقد ابن رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) فصعد رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) المنبر فحمد
الله واثنى عليه ثم قال يا ايها الناس ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله يجريان
بأمره مطيعان لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلوا
ثم نزل عن المنبر فصلى بالناس صلاة الكسوف فلما سلم قال يا على قم فجهز ابني فقام
على (عليهالسلام) فغسل إبراهيم
وحنطه وكفنه ثم خرج به ومضى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) حتى انتهى به
الى قبره فقال الناس ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) نسي أن يصلى
على إبراهيم لما دخله من الجزع عليه فانتصب قائما ثم قال يا ايها الناس أتاني
جبرئيل بما قلتم زعمتم انى نسيت أن أصلي على ابني لما دخلني من الجزع ألا وانه ليس
كما ظننتم ولكن اللطيف الخبير فرض عليكم خمس صلوات وجعل لموتاكم من كل صلاة تكبيرة
وأمرني أن لا أصلي إلا على من صلى. الحديث».
قال في المدارك ـ بعد إيراد أخبار ابن الجنيد وصحيحة
زرارة الواردة في موت ابن ابى جعفر (عليهالسلام) ورواية موت
إبراهيم ـ والمسألة محل إشكال إلا ان المقام مقام استحباب والأمر فيه هين.
أقول : قد عرفت انه لا إشكال بحمد الملك المتعال بعد ما
عرفت من حمل اخبار ابن الجنيد على التقية ووضوح صحيحتي زرارة في ذلك ، وقد عرفت ان
من القواعد المأثورة التي استفاضت بها الأخبار عرض الأخبار في مقام الاختلاف على
مذهب العامة والأخذ بخلافه ، وحينئذ فأي اشكال يبقى في هذا المجال؟ والظاهر ان
منشأ هذا الإشكال عنده انما هو من حيث صحة مستند ابن الجنيد في ما ذهب اليه
__________________
(1) الفروع ج 1 ص 57 وفي الوسائل الباب 15 من صلاة الجنازة.
وهو بناء على شدة تمسكه بهذا الاصطلاح
المحدث يحوم حول الأسانيد ويدور مدارها صحة وضعفا ولا ينظر الى متن الخبر ومخالفته
القواعد الشرعية والسنة المحمدية أم لا؟ وأما قوله ـ إلا ان المقام مقام استحباب
والأمر فيه هين ـ فإنه ليس في محله لان الاستحباب انما صاروا اليه جمعا بين
الأخبار بزعمهم وإلا فمذهب ابن الجنيد انما هو القول بالوجوب واخباره ظاهرة في
الوجوب وهي صحيحة صريحة فكيف يكون المقام مقام استحباب والأمر فيه هين؟ على انه لا
منافاة بين صحة الخبر عنهم (عليهمالسلام) وخروجه مخرج
التقية حتى يحصل الإشكال عنده ، فإنهم إنما وضعوا هذا الاصطلاح للتحرز من العمل
بالأخبار المكذوبة بزعمهم ، ومتى ثبت كون سندها صحيحا علم انها صدق ، وحينئذ فصحة
الأخبار انما تنافي كونها مكذوبة لا كونها خرجت مخرج التقية. وبالجملة فكلامه (قدسسره) هنا لا اعرف
له وجه استقامة.
والذي يدل على ما ذهب اليه ابن ابى عقيل على ما نقل عنه
ان الصلاة استغفار للميت ودعاء له ومن لم يبلغ لا حاجة له الى ذلك.
وما رواه عمار في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) «انه سئل عن
المولود ما لم يجر عليه القلم هل يصلى عليه؟ قال لا إنما الصلاة على الرجل والمرأة
إذا جرى عليهما القلم».
قال في المدارك : وأجيب عن الأول بالمنع من كون الصلاة
لأجل الدعاء للميت أو لحاجته إلى الشفاعة لوجوبها على النبي (صلىاللهعليهوآله) والأئمة (عليهمالسلام) ونحن محتاجون
الى شفاعتهم. وعن الرواية بالطعن في السند باشتماله على جماعة من الفطحية ولا تنهض
حجة في معارضة الأخبار الصحيحة ، قال في الذكرى : ويمكن أن يراد بجري القلم مطلق
الخطاب الشرعي والتمرين خطاب شرعي. انتهى.
أقول : ومما يدل على هذا القول زيادة على الموثقة
المذكورة ما رواه في
__________________
(1) الوسائل الباب 14 من صلاة الجنازة.
الكافي عن هشام (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) ان الناس
يكلمونا ويردون علينا قولنا انه لا يصلى على الطفل لأنه لم يصل ، فيقولون لا يصلى
إلا على من صلى؟ فنقول نعم. فيقولون أرأيتم لو أن رجلا نصرانيا أو يهوديا أسلم ثم
مات من ساعته فما الجواب فيه؟ فقال قولوا لهم أرأيتم لو أن هذا الذي أسلم الساعة
افترى على انسان ما كان يجب عليه في فريته؟ فإنهم سيقولون يجب عليه الحد فإذا
قالوا هذا قيل لهم فلو ان هذا الصبي الذي لم يصل افترى على انسان هل كان يجب عليه
الحد؟ فإنهم سيقولون لا فيقال لهم صدقتم انما يجب أن يصلى على من وجبت عليه الصلاة
والحدود ولا يصلى على من لم تجب عليه الصلاة ولا الحدود». وظاهر الخبر المذكور
شهرة الحكم بما تضمنه يومئذ حتى عند المخالفين حيث أن ظاهره انهم كانوا يطعنون على
الشيعة بذلك.
وجمع المحدث الكاشاني في الوافي بين هذين الخبرين وبين
اخبار القول المشهور بحمل تلك الأخبار على الاستحباب ، قال في الكتاب المذكور بعد
ذكر هذا الخبر : لا منافاة بين هذا الخبر والذي قبله لأن الأول محمول على جواز
الصلاة واستحبابها على من عقلها والثاني على من حتمها ووجوبها على من أدرك ، فمتى
تستحب الصلاة للصبي تستحب عليه ومتى تجب تجب عليه ومتى لا يعقلها لا تجب عليه ولا
تستحب. انتهى.
ولا يخفى بعده إلا ان الظاهر انه لا مندوحة عنه في هذا
المقام حيث ان هذين الخبرين كالصريحين في التخصيص بالبلوغ.
وأما حمل موثقة عمار على بلوغ ست سنين ـ وان المراد بجري
القلم يعنى جريه بالتكليف التمريني كما نقله في المدارك عن الذكرى وعليه جمد في
المختلف وتبعهما صاحب الوسائل ـ فظني بعده بل عدم صحته ، لانه (عليهالسلام) عبر بالحصر
في الرجل والمرأة وانه لا يصلى عليهما إلا إذا جرى عليهما القلم ، ولا يخفى ان
المفهوم من تتبع الأخبار وعليه يساعد العرف ان الرجل والمرأة لا يطلقان إلا على
البالغ ، وعلى
__________________
(1) الوسائل الباب 15 من صلاة الجنازة.
هذا فقوله «إذا جرى عليهما القلم» بعد
ذكر الرجل والمرأة إما احترازا عن المجنون بعد البلوغ حيث انه مرفوع عنه القلم أو
يكون في مقام البدل من الرجل والمرأة.
وبالجملة فإن من يعمل على هذا الاصطلاح المحدث فلا ريب
ولا اشكال عنده في ترجيح القول المشهور واما من لا يعمل عليه فالحكم لا يخلو عنده
من الاشكال والاحتياط فيه مطلوب على كل حال.
إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد روى الشيخ في التهذيب في
الصحيح عن عبد الله ابن بكير عن قدامة بن زائد (1) قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول ان رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) صلى على ابنه
إبراهيم فكبر عليه خمسا».
ولا يخفى ما فيه من المدافعة للأخبار المتقدمة الدالة
على القول المشهور ولا سيما رواية على بن عبد الله (2) الواردة في
موت إبراهيم صريحة في انه (صلىاللهعليهوآله) لم يصل عليه.
وحمل هذه الرواية على التقية كما حملنا عليها روايات ابن
الجنيد غير ممكن هنا لعدم جواز التقية في حقه (صلىاللهعليهوآله) مع منافاة
التكبير خمسا لذلك ، والحمل على التقية في النقل وان أمكن لكن ذكر التكبير خمسا في
الخبر ينافر ذلك.
واما ما ذكره في الوسائل من الاحتمالات في الجمع بين
الخبرين المذكورين ـ من انه يحتمل في الخبر الأول نفى الوجوب ويحتمل النسخ وانه (صلىاللهعليهوآله) صلى بعد
قولهم أو لعله صلى عليه غيره بأمره ولم يصل عليه هو فيصدق النفي حقيقة والإثبات
مجازا عقليا ـ فلا يخفى ما فيه لان الخبرين تصادما في وقوع الصلاة وعدمها لا في
الأمر حتى يحتمل نفى الوجوب والنسخ.
وبالجملة فوجه الجمع عندي غير ظاهر والأول منهما هو
المعتضد بالأخبار الكثيرة مضافا الى اتفاق جمهور الأصحاب على القول بها ، وانما
يبقى الإشكال في هذا الخبر الأخير وهو مردود إلى قائله وهو أعلم بما قال. والله
العالم.
(المسألة الثالثة) ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان
الله عليهم) انه لو
__________________
(1) الوسائل الباب 5 و 14 من صلاة الجنازة.
(2) ص 371.
وجد بعض الميت فان كان فيه الصدر أو
وجد الصدر وحده غسل وكفن وصلى عليه ودفن ، ذكره الشيخ وجملة من الأصحاب بل صرح
العلامة في جملة من كتبه بان صدر الميت كالميت في جميع أحكامه وأطلق.
والأخبار في هذه المسألة مع كثرتها لا تخلو من التنافر
والاضطراب : ومنها ما رواه الشيخ والصدوق عن الفضل بن عثمان الأعور عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) (1) «في الرجل يقتل
فيوجد رأسه في قبيلة ووسطه وصدره ويداه في قبيلة والباقي منه في قبيلة؟ فقال ديته
على من وجد في قبيلته صدره ويداه والصلاة عليه».
قوله «ووسطه الى قوله في قبيلة» ليس في التهذيب والظاهر
انه سقط سهوا من قلمه كما لا يخفى على من له أدنى انس بطريقته في الكتاب المذكور.
وبهذا الخبر والخبر الآتي بنقل المحقق في المعتبر عن
جامع البزنطي استدل العلامة على ما ذكره من أن صدر الميت كالميت في جميع أحكامه ،
مع انهما لم يشتملا على أزيد من الصلاة فلا دلالة فيهما على وجوب الغسل والتكفين ،
إلا ان يدعى استلزام الصلاة لوجوب الغسل والتكفين. قال في المدارك : وهو ممنوع.
ومنها ـ ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في
الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) (2) «انه سأله عن
الرجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به؟ قال يغسل ويكفن ويصلى
عليه ويدفن». وزاد في الكافي والتهذيب (3) «وإذا كان
الميت نصفين صلى على النصف الذي فيه القلب». ومثلها مع الزيادة رواية القلانسي عن
ابى جعفر (عليهالسلام) مثله (4).
وظاهر هذين الخبرين بالنسبة إلى مجموع العظام هو
المساواة للميت إلا في الحنوط وهو ظاهر لفوات محله ، واما بالنسبة إلى النصف الذي
فيه القلب على رواية الشيخين المذكورين وكذا رواية القلانسي ان الصدر ليس كالميت
في ما يدعونه من جميع الأحكام ، لأنهما (عليهماالسلام) أوجبا في
العظام الخالية من اللحم ـ حيث
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 38 من صلاة الجنازة. والحديث (1)
في الوسائل والفقيه ج 1 ص 104 عن الصادق عن أبيه (عليهالسلام).
انها مجموع بدن الميت كما تفيده اضافة
الجمع ـ الأحكام الأربعة المذكورة. واما الصدر فلم يتعرض فيه إلا الى الصلاة ،
والدفن وان لم يذكر إلا انه معلوم من الأخبار الأخر.
ومنها ـ حسنة محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
قتل قتيل فلم يوجد إلا لحم بلا عظم لم يصل عليه وان وجد عظم بلا لحم صلى عليه». وظاهرها
انه يصلى على العظم مجردا مطلقا ولا قائل به ومن أجل ذلك حملت على الاستحباب
والأظهر عندي هو حمل هذه الرواية على سابقتها بمعنى انه
ان وجد من هذا القتيل بعد قتله جميع لحمه إلا انه لا عظم فيه فإنه لا يصلى عليه ،
وان وجدت عظامه كملا خالية من اللحم صلى عليها ، وبه تنطبق على الرواية المتقدمة ،
ولا استبعاد في ذلك إلا من حيث إطلاق العظم على المجموع ومثله في باب التجوز
الواسع كثير.
ومنها ـ رواية عبد الله بن الحسين عن بعض أصحابه عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
وسط الرجل نصفين صلى على الذي فيه القلب». هكذا في رواية الكليني.
وفي الفقيه (3) عن الصادق (عليهالسلام) قال : «إذا
وسط الرجل بنصفين صلى على النصف الذي فيه القلب وان لم يوجد منه إلا الرأس لم يصل
عليه». وهذه الزيادة قد رواها في الكافي مرسلا (4) بعد نقل حسنة محمد بن مسلم فقال : «وروى
انه لا يصلى على الرأس إذا أفرد من الجسد».
وهذه الرواية مثل روايتي الفضل الأعور وعلى بن جعفر
المتقدمتين في الدلالة على وجوب الصلاة على الصدر أو ما فيه الصدر من غير تعرض فيه
لغير الصلاة.
ومنها ـ رواية محمد بن خالد عن من ذكره عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (5) قال : «إذا
__________________
(1 و 4) الوسائل الباب 38 من صلاة الجنازة.
(2) الفروع ج 1 ص 58 وفي الوسائل الباب 38 من صلاة الجنازة.
(3) ج 1 ص 104 وفي الوسائل الباب 38 من صلاة الجنازة.
(5) الوسائل الباب 38 من صلاة الجنازة. والسند هكذا : «عن بعض
أصحابه عن ابى عبد الله (عليهالسلام).
وجد الرجل قتيلا فان وجد له عضو تام
صلى عليه ودفن وان لم يوجد له عضو تام لم يصل عليه ودفن». وهذه الرواية نقلها في
الكافي مسنده كما ذكرنا ، وروى في الفقيه مرسلا عن الصادق (عليهالسلام) مثله (1).
وهذه الرواية بالنظر الى ظاهرها لم يقل بها أحد إلا
الصدوق بناء على قاعدته المذكورة في صدر كتابه. وربما حمل العضو هنا على ما فيه
القلب ، وبعده ظاهر وبعض القائلين بالقول المشهور اطرح هذا الخبر وبعض حمله على
الاستحباب وهو الأحوط.
ومنها ـ رواية إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهماالسلام) (2) «ان عليا (عليهالسلام) وجد قطعا من
ميت فجمعت ثم صلى عليها ثم دفنت». ورواها الصدوق والشيخ ، ويمكن تقييد إطلاقها بوجود
العضو الذي فيه القلب في جملة تلك القطع.
ومنها ـ ما رواه في الفقيه مرسلا عن الصادق (عليهالسلام) (3) «انه سئل عن
رجل قتل ووجد أعضاؤه متفرقة كيف يصلى عليه؟ قال يصلى على الذي فيه قلبه».
ويمكن الاستدلال بهذا الخبر للقول المشهور من وجوب
الصلاة على الصدر لانه محل القلب فيكون هو العضو الذي فيه القلب ، ومنه يظهر
التأييد لما احتملناه في سابق هذا الخبر.
ومنها ـ رواية طلحة بن زيد عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «لا تصل
على عضو رجل من رجل أو يد أو رأس منفردا فإذا كان البدن فصل عليه وان كان ناقصا من
الرأس واليد والرجل».
ووجوب الصلاة على البدن وان لم تكن معه هذه الأعضاء ظاهر
بعد ما عرفت من تصريح الأخبار بوجوب الصلاة على ما فيه القلب. واما النهي عن
الصلاة على
__________________
(1) الفقيه ج 1 ص 104 وفي الوسائل الباب 38 من صلاة الجنازة.
(2 و 3) الوسائل الباب 38 من صلاة الجنازة.
(4) التهذيب ج 1 ص 345 وفي الوسائل الباب 38 من صلاة الجنازة.
تلك الأعضاء منفردة فهو المعروف بين
الأصحاب إلا انه ينافيه ما تقدم من رواية محمد بن خالد (1) وما يأتي من
رواية ابن المغيرة (2).
ومنها ـ ما رواه المحقق في المعتبر نقلا من جامع البزنطي
عن احمد بن محمد بن عيسى عن بعض أصحابه رفعه (3) قال : «المقتول إذا قطع أعضاؤه يصلى
على العضو الذي فيه القلب».
وهذا الخبر ظاهر في القول المشهور لان العضو الذي فيه
القلب هو الصدر أعم من أن يكون معه أعضاء أخر من رأس ويد ونحو ذلك أم لا ، ومنه
يعلم ـ وكذا من مرسلة عبد الله بن الحسين المتقدم نقلها عن صاحب الكافي ومثلها
مرسلة الفقيه ـ ان ذكر اليد في رواية الفضل بن عثمان الأعور مع كونها في كلام
السائل لا توجب تقييدا بأنه لا بد في الصلاة على الصدر من كون اليد معه كما توهمه
صاحب المعتبر وغيره.
ومنها ـ ما رواه في الكتاب المذكور ايضا عن ابن المغيرة (4) قال : «بلغني
عن ابى جعفر (عليهالسلام) انه يصلى على
كل عضو رجلا كان أو يدا أو الرأس جزء فما زاد ، فإذا نقص عن رأس أو يد أو رجل لم
يصل عليه».
وهذا الخبر مما يوافق ظاهر رواية محمد بن خالد المتقدم
من الصلاة على العضو التام ، قال الذكرى بعد نقلهما : وهذان الخبران مطرحان مع
إرسالهما. وقد قدمنا ان حملهما على الاستحباب طريق الاحتياط ، إلا ان رواية طلحة
بن زيد المتقدمة قد دلت على النهى عن الصلاة على هذه الأعضاء الثلاثة ، وايدها
بالنسبة إلى الرأس رواية الصدوق ومرسلة الكافي المتقدمتان في انه لو لم يوجد إلا
الرأس فلا يصلى عليه ، وبه يشكل الحكم بالاستحباب إذ أقل مراتب النهي الكراهة وهي
لا تجامع الاستحباب ، واما مجرد الجواز فلا وجه له في العبادات.
__________________
(1) ص 376 و 377.
(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 38 من صلاة الجنازة.
وقد تلخص مما ذكرنا ذيل هذه الأخبار ان الواجب الصلاة
على العظام كملا كما تضمنته صحيحة على بن جعفر وكذا على النصف الذي فيه القلب ،
والقول بوجوب الصلاة على الصدر كما هو المشهور ليس ببعيد ايضا كما أشرنا إليه
آنفا. واما الرأس واليد والرجل كل منها على حدة فقد عرفت تصادم الأخبار فيها على
وجه لا يمكن الجمع بينها. والله العالم.
فروع
الأول ـ قال في الذكرى : إذا صلى على الصدر أو قلنا
بالصلاة على العضو التام فالشرط فيه موت صاحبه إجماعا ، وهل ينوي الصلاة عليه خاصة
أو على الجملة؟ قضية المذهب الصلاة عليه خاصة إذ لا صلاة على الغائب ، فلو وجد
الباقي وجبت الصلاة على ما لم يصل عليه. انتهى.
الثاني ـ قال في الذكرى ايضا : لو اشتبه المسلم بالكافر
فالأقرب الصلاة على الجميع بنية الصلاة على المسلمين لتوقف الواجب عليه ، وروى
حماد بن يحيى عن الصادق (عليهالسلام) (1) «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) في يوم بدر
أمر بمواراة كميش الذكر اى صغيره وقال انه لا يكون إلا في كرام الناس». وأورده
الشيخ في الخلاف (2) والمبسوط عن
على (عليهالسلام) فحينئذ يمكن
العمل به في الصلاة في كل مشتبه لعدم تعقل معنى في اختصاص الشهيد. وفي المبسوط
أورد الرواية في اشتباه قتلي المسلمين بالمشركين وبنى عليها الصلاة ثم قوى ما
قلناه أولا واحتاط بان يصلى على كل واحد واحد بشرط إسلامه قال في المعتبر : ولو
قيل بمواراة الجميع ترجيحا لجانب حرمة المسلم كان صوابا. وهذا فيه طرح للرواية
لضعفها والصلاة على الجميع حينئذ بطريق الأولى.
الثالث ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الصلاة
على ولد الزنا تفريعا على الخلاف في إسلامه وكفره ، فكل من حكم بالإسلام كالشيخ
واتباعه ـ وهو المشهور بين المتأخرين ـ أوجبوا الصلاة عليه ، ونقل الشيخ فيه في
الخلاف
__________________
(1) الوسائل الباب 39 من الدفن.
(2) ص 109.
الإجماع ، واحتجوا بقوله (صلىاللهعليهوآله) (1) «صلوا على من
قال لا إله إلا الله». وبرواية طلحة بن زيد عن الصادق (عليهالسلام) المتقدمة في
المسألة الأولى (2).
ومنع ابن إدريس من الصلاة عليه واحتج بأنه كافر
بالإجماع. ورده في المختلف بأنه أي إجماع حصل على كفر ولد الزنا بل أى دليل دل على
ذلك؟
قال في الذكرى بعد نقل قول الشيخ في الخلاف ودعواه
الإجماع : ويشكل قبل بلوغه إذ لا إلحاق له بأحد الأبوين ، ويمكن تبعية الإسلام هنا
للغة كالتحريم ، ويؤيد الإسلام تبعية الفطرة.
أقول : ونحن قد أشبعنا الكلام في مسألة ابن الزنا في
الفصل السابع من المقصد الأول في النجاسات من كتاب الطهارة (3) وذكرنا ان
جملة من الأصحاب كالمرتضى والصدوق قالوا بكفره ، وقضية القول بالكفر المنع من
الصلاة كما صرح
__________________
(1) في كنز العمال ج 8 ص 83 عن حلية الأولياء والطبراني عن ابن
عمر عنه (صلىاللهعليهوآله) «صلوا على من قال لا إله إلا الله». ورواه
في مجمع الزوائد ج 2 ص 67 عن الطبراني في الكبير ثم قال فيه محمد بن الفضل بن عطية
وهو كذاب. وفي سنن البيهقي ج 4 ص 19 «قال الشيخ قد روى في الصلاة على كل بر وفاجر
والصلاة على من قال لا إله إلا الله أحاديث كلها ضعيفة غاية الضعف» وفي نيل
الأوطار ج 3 ص 139 حديث «صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وصلوا على من قال لا إله
إلا الله». أخرجه الدارقطني وفي إسناده عثمان بن عبد الرحمن كذبه يحيى بن معين
ورواه ايضا من وجه آخر عنه وفي إسناده خالد بن إسماعيل وهو متروك ورواه ايضا من
وجه آخر عنه وفي إسناده أبو الوليد المخزومي وقد خفي حاله على الضياء المقدسي
وتابعه أبو البختري وهب بن وهب وهو كذاب. ورواه ايضا والطبراني من طريق مجاهد عن
ابن عمر وفيه محمد بن الفضل وهو متروك وله طريق آخر عند ابن عمر وفيه عثمان بن عبد
الله بن العاص وقد رماه ابن عدي بالوضع. انتهى وهذا الحديث استدل به ابن قدامة في
المغني ج 2 ص 559 في الصلاة على سائر المسلمين من أهل الكبائر والمرجوم في الزنا
وغيره. ونحوه في بداية المجتهد ج 1 ص 219 والمحلى ج 5 ص 171.
(2) ص 364.
(3) ج 5 ص 190.
به ابن إدريس ، إلا انى لم أقف على
مذهبهم في هذه المسألة.
وقد حققنا ثمة ان المستفاد من الأخبار الواردة فيه ان له
حالة غير حالتي الايمان والكفر الحقيقيين» لأنه بالنسبة إلى أحكامه في الدنيا ـ من
الحكم بنجاسته وكون ديته دية اليهود والنصارى وعدم قبول شهادته وعدم جواز إمامته
في الصلاة كما دلت على جميع ذلك الأخبار ـ لا يمكن الحكم بإيمانه لأن سلب هذه
الأحكام عنه لا يجامع الإيمان ، ولا يمكن الحكم بكفره بالنظر الى أنه متدين بظاهر
الإيمان كما هو المفروض ، ومن ذلك يعلم أن الحكم بوجوب الصلاة عليه لا يخلو من
الإشكال لعدم الوقوف على خبر نفيا أو إثباتا في ذلك يتضح به الحال.
الرابع ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم)
بأنه يلحق بالمسلم الواجب الصلاة عليه الطفل البالغ ست سنين ، ولا خلاف ولا اشكال
فيه إذا كان متولدا من مسلم كما تقدم الكلام فيه.
فاما إذا كان لقيطا في دار الإسلام أو دار الكفر وفيها
مسلم يمكن تولده منه ذكرا كان الملحق بالمسلم أو أنثى حرا كان أو عبدا فظاهر كلام
الأصحاب انه كذلك ايضا تغليبا للإسلام ، بل صرح جملة منهم بإلحاق الطفل المسبي
المتولد من كافر بالسابي إذا كان مسلما فيتبعه في الطهارة والحكم بالإسلام ،
ومقتضاه وجوب الصلاة عليه ايضا
وقد قدمنا في آخر المسألة الثالثة من المسائل الملحقة
بالفصل السابع في الكافر من المقصد الأول في النجاسات من كتاب الطهارة ضعف ما
ذهبوا اليه من الحكم بالطهارة والإسلام بالنسبة إلى المسبي ولحوقه بالسابي.
وأما حكم اللقيط في دار الإسلام أو دار الحرب وفيها من
يمكن تولده منه من المسلمين فلا يحضرني الآن دليل من الأخبار يدل عليه ، والشهيدان
في الذكرى والروض انما عللاه بتغليب الإسلام ، وأنت خبير بما في هذا التعليل
العليل من عدم الصلاح لتأسيس الأحكام. والله العالم.
المطلب الثاني ـ في من يصلي والكلام فيه يقع أيضا في
مسائل الأولى ـ لا خلاف
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما
أعلم في أن أولى الناس بالميت يعنى الأحق بالقيام بأحكامه من غسل وصلاة ونحوهما
أولاهم بميراثه يعنى ان من يرث من الأقرباء أولى ممن لا يرث بالكلية ، وأما تقديم
بعض الورثة على بعض فسيأتي الكلام فيه ان شاء الله تعالى.
قال في المدارك : وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب
وظاهرهم انه مجمع عليه ، واستدلوا عليه بقوله تعالى «وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» (1) وما رواه الكليني عن ابن ابى عمير عن
بعض أصحابه عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «يصلى
على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب». وعن احمد بن محمد بن ابى نصر عن بعض
أصحابنا عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «يصلى
على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب». وفي الجميع نظر أما الآية الشريفة
فلانتفاء العموم فيها على وجه يتناول موضع النزاع. واما الروايتان فضعيفتا السند
بالإرسال واشتمال سند الثانية على سهل بن زياد وهو عامي ، ومع ذلك فليس فيها تصريح
بان المراد الأولوية في الميراث ، مع ان مقتضى ما ذكروه من تقديم بعض الوراث على
بعض كالأب على الابن وان كان أقل نصيبا منه كون المراد بالأولى ذلك البعض لا مطلق
الوارث. ولو قيل ان المراد بالأولى هنا أمس الناس بالميت رحما وأشدهم به علاقة من
غير اعتبار لجانب الميراث لم يكن بعيدا. انتهى.
أقول : فيه (أولا) انه قد تقدم منه نظير هذا الكلام في
مسألة غسل الميت في كتاب الطهارة وقد قدمنا ثمة (4) تحقيق الكلام
في المقام وبينا ضعف ما توهمه وان تبعه فيه جملة من الأعلام ، وملخصه ان المراد
بالأولى في جميع أحكام الميت من غسل وصلاة وتلقين وقضاء عبادات ونحوها انما هو
الولي المالك للتصرف والتدبير كولي الطفل وليس المراد به الجري على صيغة التفضيل
كما توهمه ، واما
__________________
(1) سورة الأنفال الآية 76.
(2 و 3) الوسائل الباب 23 من صلاة الجنازة.
(4) ج 3 ص 378.
كون الولي المشار اليه هو من كان اولى
بالميراث فقد دلت عليه صحيحة حفص التي قدمناها ثمة (1) ومن أراد
تحقيق الحال في صحة ما ذكرنا من المقال فليرجع الى الموضع المشار اليه من كتاب
الطهارة.
ثم ان من قبيل الروايتين المذكورتين قول الرضا (عليهالسلام) في كتاب
الفقه (2) «ويصلى عليه
أولى الناس به».
وثانيا ـ ان ما ذكره من عدم العموم في الآية على وجه
يتناول موضع النزاع ممنوع لو كان المراد من الآية العموم كما توهمه إلا ان الأمر
ليس كذلك بل الذي دلت عليه اخبار أهل البيت (عليهمالسلام) ـ الذي نزل
ذلك القرآن فيه فهم أعرف الناس بباطنه وخافية ـ ان مورد الآية انما هو بالنسبة إلى
الميراث بمعنى ان من كان أقرب الى الميت في النسب فهو أولى بميراثه ، وقد عرفت مما
قدمناه سابقا من التحقيق وأشرنا إليه هنا ان ولى الميت المالك للتصرف في أموره هو
الاولى بميراثه فتكون الآية بمعونة الأخبار الدالة على ما ذكرناه دالة ايضا على
الأولوية في الأحكام المذكورة وان كان بطريق الاشعار والفحوى ، لأنها قد دلت على
ان الأقرب من أولى الأرحام هو الأولى بالميراث وكل من كان أولى بالميراث فهو
الأولى بالميت في جميع أحكامه بالأخبار المشار إليها.
وأما الأخبار الواردة في معنى الآية فمنها ـ ما رواه في
الكافي عن الصادق (عليهالسلام) (3) قال «كان على (صلوات
الله عليه) إذا مات مولى له وترك ذا قرابة لم يأخذ من ميراثه شيئا ويقول (وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ)» (4).
وما رواه فيه عن محمد بن قيس عن ابى جعفر (عليهالسلام) (5) قال : «قضى
أمير المؤمنين (عليهالسلام) في خالة جاءت
تخاصم في مولى رجل فقرأ هذه الآية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ
اللهِ)» (6).
__________________
(1) ج 3 ص 378.
(2) ص 20.
(3 و 5) الوسائل الباب 1 من ميراث ولاء العتق.
(4 و 6) سورة الأنفال الآية 76.
وفي تفسير العياشي عن ابى بصير عن ابى جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «الخال
والخالة يرثون إذا لم يكن معهم أحد غيرهم ان الله يقول «وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ» (2) إذا التقت القرابات فالسابق أحق
بالميراث من قرابته». والمراد بالسابق يعنى الأقرب اليه.
وروى فيه عن زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) (3) «في قول الله عزوجل (وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (4) ان بعضهم أولى
بالميراث من بعض لأن أقربهم إليه رحما أولى به».
وفي تفسير الثقة الجليل على بن إبراهيم بن هاشم (5) ان هذه الآية
نسخت قوله تعالى (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ)» (6).
وبمثل ذلك صرح شيخنا أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع
البيان (7) ونقله عن ابن
عباس والحسن وجماعة من المفسرين ، وقال : قالوا صار ذلك نسخا لما قبله من التوارث
بالمعاقدة والهجرة وغير ذلك من الأسباب فقد كانوا يتوارثون بالمؤاخاة وان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان آخى بين
المهاجرين والأنصار. انتهى.
ومما يزيد ذلك إيضاحا وتأكيدا ان ثبوت الميراث بالقرابة
وهم غير أصحاب الفروض انما استندوا فيه الى هذه الآية بإجماع الأصحاب والأخبار
التي ذكرنا بعضها في أصل المسألة.
ويمكن ان يقال ان المراد بالآية انما هو العموم وورود
هذا الفرد في هذه الأخبار لا يقتضي قصر الحكم عليه إذ لا دلالة في شيء منها على
ذلك وانما غايتها الدلالة على دخول هذا الفرد تحت هذه الآية.
__________________
(1) الوسائل الباب 5 من ميراث الأعمام والأخوال.
(2 و 4) سورة الأنفال الآية 76.
(3) الوسائل الباب 8 من باب موجبات الإرث.
(5) تفسير الصافي عنه ص 121.
(6) سورة النساء الآية 37.
(7) ج 3 ـ 4 ص 563.
ويؤيد ما قلناه ورود بعض الأخبار في استدلال على (عليهالسلام) على استحقاق
الإمامة وراثة من إبراهيم (على نبينا وآله وعليهالسلام) في مقام الرد
على معاوية كما نقلناه في كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن ابى الحديد.
ومما يزيد ما ذكرناه في أصل المسألة تأييدا وعلى منارة
تشييدا ما رواه في الكافي في الصحيح عن بريد الكناسي عن ابى جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «ابنك
اولى بك من ابن ابنك وابن ابنك أولى بك من أخيك. قال وأخوك لأبيك وأمك أولى بك من
أخيك لأبيك. قال وأخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأمك. قال وابن أخيك لأبيك وأمك أولى
بك من ابن أخيك لأبيك. قال وابن أخيك من أبيك أولى بك من عمك. قال وعمك أخو أبيك
من أبيه وامه أولى بك من عمك أخي أبيك من أبيه قال وعمك أخو أبيك لأبيه أولى بك من
عمك أخي أبيك لأمه. قال وابن عمك أخي أبيك من أبيه وامه أولى بك من ابن عمك أخي
أبيك لأبيه. قال وابن عمك أخي أبيك من أبيه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأمه». فإن
الأولوية في الخبر كما ترى دائرة مدار الإرث فمن كان الوارث فهو الأولى من غير الوارث.
وفيه دلالة ايضا على ان الأكثر إرثا أولى من الأقل كما صرح به الأصحاب (رضوان الله
عليهم).
و (ثالثا) ان ما طعن به على الخبرين المذكورين لا يقوم
حجة على المتقدمين ممن لا أصل لهذا الاصطلاح عندهم ولا على من لا يقول به من
المتأخرين بل ولا على من قال به منهم ايضا حيث ان ضعفهما مجبور بالاتفاق الذي قد
حكاه في ما قدمناه من كلامه ، على انه قد وافقهم في مواضع عديدة مما تقدم في العمل
بالأخبار الضعيفة المجبورة باتفاق الأصحاب كما نبهنا عليه ثمة ، بل تبعهم في بعض
المواضع
__________________
(1) الوسائل الباب 1 من موجبات الإرث والباب 13 من ميراث
الاخوة والأجداد و 4 من ميراث الأعمام والأخوال ، ويرجع في ضبط اسم الراوي إلى ج 1
ص 82.
مع اعترافه بعدم الدليل لهم وقال انه
لا خروج عن ما عليه الأصحاب ، ولكنه (رضوان الله عليه) ليس له قاعدة يقف عليها ولا
قاعدة يرجع إليها.
إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد قال شيخنا الشهيد الثاني في
الروض : واعلم ان ظاهر الأصحاب ان اذن الولي إنما تتوقف عليها الجماعة لا أصل
الصلاة لوجوبها على الكفاية فلا تناط برأي أحد من المكلفين فلو صلوا فرادى بغير
إذن أجزأ.
وقال في المدارك بعد نقل ذلك : وقد يقال انه لا منافاة
بين كون الوجوب كفائيا وبين إناطته برأي بعض المكلفين على معنى انه ان قام به سقط
الفرض عن غيره ، وكذا ان اذن لغيره وقام به ذلك الغير ، وإلا سقط اعتباره وانعقدت
الصلاة جماعة وفرادى بغير اذنه ، ومع ذلك فلا بأس بالمصير الى ما ذكره قصرا لما
خالف الأصل على موضع الوفاق ان تم وحملا للصلاة في قوله (عليهالسلام) (1) «يصلى على
الجنازة أولى الناس بها». على الجماعة لأنه المتبادر. انتهى.
أقول : حيث قد اشتهر في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم)
من غير خلاف يعرف أن أحكام الميت واجبة كفائية على كافة المسلمين ممن علم بالموت
وظاهر الخبرين المتقدمين اعنى بهما مرسلة ابن ابى عمير والبزنطي (2) اختصاص ولاية
الصلاة بالولي حصل هذا الإشكال في المقام واحتيج إلى التفصي في الجواب عن ذلك ،
وظاهر كلام شيخنا الشهيد الثاني في الروض الجمع بين الأخبار بتخصيص أخبار الولي
ومن يأمره بالإمامة خاصة لا أصل الصلاة ، وظاهر كلام السيد السند هو تخصيص للوجوب
كفاية بالولي بمعنى انه يجب على الولي أو من يأمره القيام بذلك ، فان قام به سقط
الفرض عن الغير وإلا سقط اعتبار الولي ووجب على الكافة صلاة كان أو غيرها.
وأنت خبير بأن منشأ الإشكال كما عرفت من دعوى كون أحكام
الميت واجبة كفائية على جميع من علم بذلك ، وهذه الدعوى لم نجد لها مستندا في
الأخبار كما
__________________
(1 و 2) ص 382.
قدمنا ذكره وأوسعنا نشره في مسألة غسل
الميت من كتاب الطهارة سوى ما يظهر من كلامه من الاتفاق على هذا الحكم حتى من
متأخري المتأخرين الذين عادتهم المناقشة في طلب الدليل ، فإنه لم يناقش أحد منهم
في هذا الحكم بل تلقوه بالقبول والتسليم ، والمفهوم من الاخبار الواردة في أحكام
الأموات هو توجه الخطاب إلى الولي من غسل وصلاة وتكفين وتلقين ونحوها ، ولو كان
الأمر على ما ذكروه من الوجوب كفائيا على كافة المسلمين فكيف تخرج الاخبار في هذه
الأحكام بما ذكرناه؟ وهم لما نظروا الى هذين الخبرين في مسألة الصلاة الدالين على
اختصاص الولي بها أوردوا هذا الإشكال وأجابوا عنه بما عرفت ، والحال ان الأمر ليس
مختصا بالصلاة كما لا يخفى على المتتبع بل هو عام لجملة أحكام الميت وحينئذ فقول
شيخنا الشهيد الثاني في الجواب هنا بما ذكره وان تم بالنسبة إلى الصلاة إلا انه لا
يحسم مادة الإشكال بالنسبة إلى غيرها من الأحكام التي ورد الخطاب فيها للولي خاصة
، وما ذكره السيد السند جيد لو قام الدليل على الوجوب الكفائي الذي يدعونه.
نعم يمكن أن يقال بالوجوب على سائر المسلمين كفاية مع
تعذر الولي أو إخلاله بالقيام بذلك كما تدل عليه أخبار العراة الذين مروا بميت
قذفه البحر الى الساحل فإنهم أمروا بالصلاة عليه ودفنه (1) ونحوها ما
تقدم في صحيحة على بن جعفر في أكيل السبع تبقى عظامه (2) قال : «يغسل
ويكفن ويصلى عليه ويدفن». فإنها تدل بإطلاقها على ذلك ، وقوله (صلىاللهعليهوآله) (3) «لا تدعوا أحدا
من أمتي بغير صلاة». وقول الباقر (عليهالسلام) (4) «صل على من مات
من أهل القبلة وحسابه على الله تعالى».
ثم انه مع وجود الولي فإن كان متصفا بشرائط الإمامة جاز
له التقدم والاستنابة وإلا تعين عليه الاستنابة وليس لأحد أن يتقدم بدون إذنه.
بقي هنا شيء وهو ان ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم)
اشتراط العدالة في إمام
__________________
(1) الوسائل الباب 36 من صلاة الجنازة.
(2) ص 375.
(3) في رواية السكوني ص 365.
(4) في رواية طلحة ص 364.
هذه الصلاة كالصلاة اليومية وغيرها من
الصلوات ، ويظهر من العلامة في المنتهى الاتفاق على ذلك.
وقال في الذخيرة : ولولا ذلك ـ يعنى دعوى الاتفاق ـ لكان
للمنازعة فيه مجال لعموم النص وعدم كونها صلاة حقيقة فلا يعتبر فيها ما يعتبر في
الصلاة الحقيقية كما يستفاد من بعض الاخبار السابقة. انتهى.
أقول : وما ذكره لا يخلو من قرب لما تكرر في الاخبار من قولهم
(عليهمالسلام) (1) «انما هو تكبير
وتسبيح كما تسبح في بيتك من غير طهر». ونحو ذلك مضافا الى عدم ما يدل على ما ذكروه
في شيء من اخبار هذه الصلاة ، وكأنهم نظروا الى مجرد صدق الصلاة عليها.
المسألة الثانية ـ قد صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله
عليهم) بأن الأب أولى من الابن ، والوالد أولى من الجد والأخ والعم ، والأخ من
الأب والام أولى ممن يتقرب بأحدهما.
والأول متفق عليه كما نقله في المدارك ، واستدل عليه بان
الأب أشفق على الميت من الابن وارق عليه فيكون دعاؤه أقرب الى الإجابة. ورد بان
ذلك انما يصلح توجيها للنص لا دليلا برأسه. وعلل الثاني بما تقدم من الأولوية في
الميراث
ونقل عن ابن الجنيد انه جعل الجد هنا أولى من الأب
والابن محتجا بان منصب الإمامة أليق بالأب من الولد والجد أب الأب فكان أولى من
الأب. ورده في المختلف بأن الأولى بالميراث أولى لعموم الآية (2).
قال في المدارك بعد نقل كلام المختلف : وقد عرفت ما فيه.
وعلى ما احتملناه من معنى الأولوية يقرب ما ذكره ابن الجنيد.
أقول : قد عرفت مما قدمناه صحة الاستدلال بالآية على ما
ذكره الأصحاب
__________________
(1) الوسائل الباب 21 من صلاة الجنازة.
(2) «وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» سورة الأنفال الآية 76.
(رضوان الله عليهم) بمعونة الأخبار
المتقدمة ، وقد عرفت ان ما احتمله في معنى الاولى ساقط لا اعتماد عليه ، وان ما
ذكره الأصحاب من أن الولي هو الأولى بالميراث هو الظاهر من الاخبار. على ان ما
احتمله لا ينطبق على مذهب ابن الجنيد لانه فسر الأولى ـ كما تقدم ـ بمن كان أمس
الناس بالميت رحما وأشدهم به علاقة ، ولا ريب ان أبا الميت أشد به علاقة وأمس به
رحما.
وعلل تقديم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب خاصة بأنه
لا يرث معه واما على الأخ من الام فعلله في المنتهى بأنه أكثر نصيبا في الميراث ،
وبان الأم لا ولاية لها في الصلاة فمن يتقرب بها أولى.
أقول : والوجه هو التعليل الأول كما سيظهر لك ان شاء
الله تعالى في المقام والثاني وان قال في المدارك انه لا بأس به فالبأس فيه أظهر
من أن يخفى على ذوي الأفهام ، فإن ما ذكره من الأولوية لا وجه له مع عدم صحة بناء
الأحكام الشرعية على أمثال هذه التعليلات العليلة.
ونقل في المعتبر عن الشيخ في المبسوط انه قال : الأب
أولى الأقارب ثم الولد ثم ولد الولد ثم الجد من قبل الأب ثم الأخ من قبل الأب
والام ثم الأخ من قبل الأب ثم الأخ من قبل الام ثم العم ثم الخال ثم ابن العم ثم
ابن الخال ، ثم قال وبالجملة من كان أولى بميراثه كان أولى بالصلاة عليه.
قال في المدارك : ومقتضى ذلك ان ترتب الأولياء على هذا
الوجه لأولوية الإرث وهو مشكل فإنه ان أراد بالأولوية ان من يرث أولى ممن لا يرث
لم يلزم منه أولوية بعض الورثة على بعض كالأب على الابن والجد على الأخ والعم على
الخال ، وان أراد بها كثرة النصيب انتقض بالأب فإنه أولى من الابن مع انه أقل
نصيبا منه ، وكذا الجد فإنه أولى من الأخ مع تساويهما في الاستحقاق. إلا ان يقال
ان التخلف في هاتين الصورتين لعارض وهو قوة جانب الأب والجد باختصاصهما بزيادة
الحنو والشفقة وحصول النسل منهما ، لكن في ذلك خروج
عن اعتبار الإرث. ولو حمل الاولى هنا
على المعنى الذي ذكرناه وجب الرجوع في تحقيق الأولوية إلى العرف وسقط جانب الإرث
مطلقا. انتهى كلامه (زيد مقامه).
أقول : لا يخفى على من تأمل في ما حققناه في المقام مما
دلت عليه اخبارهم (عليهمالسلام) ولا سيما
صحيحة بريد الكناسي (1) ان ولى الميت
هو الاولى بميراثه بمعنى من يرث دون من لا يرث.
ويستفاد من صحيحة بريد المذكورة انه مع تعدد الوارث فمن
كان أكثر نصيبا فهو الولي كما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) وبه صرح في المنتهى
في ما قدمنا نقله عنه ، وأشرنا إلى انه هو الوجه في ما علل به الحكم المتقدم لهذه
الصحيحة الصريحة في ذلك.
واما مع تساوى الورثة في الميراث فالمفهوم من صحيحة محمد
بن الحسن الصفار المروية بطرق المشايخ الثلاثة (2) ـ قال : «كتبت الى ابى محمد الحسن (عليهالسلام) رجل مات
وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان هل يجوز لهما ان يقضيا عنه جميعا
خمسة أيام أحد الوليين وخمسة أيام الآخر؟ فوقع (عليهالسلام) : يقضى عنه
أكبر ولييه عشرة أيام ولاء ان شاء الله تعالى». ونحوه قول الرضا (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي (3) «وإذا كان
للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجلين أن يقضى عنه فان لم يكن له ولى من الرجال قضى
عنه وليه من النساء». ـ ان الولي شرعا هو الأكبر.
كما انه مع تعددهم ذكورة وأنوثة فالولاية للذكر دون
الأنثى كما تشعر به صحيحة حفص الواردة في القضاء ايضا (4) لقوله فيها : «قلت
ان كان أولى الناس به امرأة
__________________
(1) ص 385.
(2) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان. وفي الفروع ج 1 ص
197 والتهذيب ج 1 ص 421 كما في الوسائل أيضا هكذا «كتبت الى الأخير (عليهالسلام)» نعم في الفقيه ج 2 ص 98 التصريح
بالاسم المبارك.
(3) ص 25.
(4) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان.
فقال لا إلا الرجال». فإنها شاملة
بإطلاقها لما لو اختصت بالولاية أو شاركها رجل ، والتقريب فيها ان ولى الميت
المخاطب بوجوب القضاء عنه هو الذي جعل إليه أحكام الميت من غسل وتكفين وتلقين
وصلاة ونحوها كما تقدم تحقيقه.
بقي الإشكال في ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) من
صورة اجتماع الأب والابن فإنهم جزموا بأن الولاية للأب إلا انهم لم يأتوا عليه
بدليل سوى ما عرفت من ذلك التخريج العليل ، وهو كما ترى مخالف لمقتضى القاعدة
المستفادة من الصحيحة المتقدمة (1) من حيث انه يفهم منها ان الأكثر
نصيبا من الوارث هو الولي للميت وبموجبه تكون الولاية للولد دون الأب. وبالجملة
فإنه لا مستند لهذا الحكم مع مخالفته لظاهر الصحيحة المذكورة إلا مجرد كلام
الأصحاب وفيه ما لا يخفى على ذوي الأفهام والألباب. ويعضد ما ذكرناه تصريح النص
بسقوط ولاية الأب مع الزوج وعليه الأصحاب من غير خلاف يعرف ، فيمكن أن يكون مع
الولد كذلك. والله العالم.
المسألة الثالثة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في أن الزوج أولى بزوجته من جميع قراباتها ، قال في الذكرى لا أعرف فيه مخالفا من
الأصحاب. وقال في المدارك : هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب.
أقول : والذي يدل عليه من الاخبار ما رواه المشايخ
الثلاثة في الكتب الثلاثة عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «قلت له
المرأة تموت من أحق الناس بالصلاة عليها؟ قال زوجها. قلت الزوج أحق من الأب والولد
والأخ؟ قال نعم ويغسلها».
ويعضد هذه الرواية ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) (3) قال «الزوج
أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها».
واعترض في المدارك هنا بان الرواية ضعيفة السند لاشتراك
راويها وهو
__________________
(1) ص 385.
(2 و 3) الوسائل الباب 24 من صلاة الجنازة.
أبو بصير بين الثقة والضعيف ، بل
الظاهر انه الضعيف الضرير بقرينة أن الراوي عنه قائده وهو على بن أبي حمزة
البطائني ، وقال النجاشي انه كان أحد عمد الواقفية ، وفي الطريق القاسم بن محمد
وهو واقفي أيضا ، قال وروى الشيخ في الصحيح عن حفص ابن البختري عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) «في المرأة
تموت ومعها أخوها وزوجها أيهما يصلى عليها؟ فقال أخوها أحق بالصلاة عليها». وعن
عبد الرحمن بن ابى عبد الله (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الصلاة
على المرأة الزوج أحق بها أو الأخ؟ قال الأخ». ثم أجاب عنهما بالحمل على التقية (3) وهو يتوقف على
وجود المعارض. انتهى
أقول : لا يخفى ان المعارض عند الشيخ وأمثاله من
المتقدمين ممن لا يرى العمل بهذا الاصطلاح موجود ، وكذا عند من يعمل به بالنظر الى
جبر الخبر باتفاق الأصحاب على العمل بمضمونه ، ولا سيما ان الرواية قد رواها
المشايخ الثلاثة بأسانيد عديدة ، وهو من أقوى المرجحات لصحتها وثبوتها ولا سيما
صاحب الفقيه بناء على ما قدمه في صدر كتابه من القاعدة التي قد احتج بها السيد
المذكور في جملة من المواضع لجبر الخبر الضعيف الذي يتمسك به ، وما تضمنته الرواية
متفق عليه بين الأصحاب سلفا وخلفا كما يشير اليه كلامه المتقدم نقله ، ولكنه لما
رأى صحة سند رواية حفص المذكورة جمد عليها كما هي عادته من دورانه مدار صحة السند
وان اشتمل المتن على خلل وعلل ، وقد تقدم منه في مسألة غسل الميت من كتاب الطهارة
المناقشة في ذلك ايضا استنادا إلى الصحيحة المذكورة بعد أن أورد دليلا للقول
المشهور رواية إسحاق بن عمار المتقدمة ثم نقل عن المعتبر ان مضمون الرواية متفق
عليه. ثم قال : قلت ان كانت المسألة إجماعية فلا بحث وإلا أمكن المناقشة فيها بضعف
السند. ونحن قد قدمنا في غير مقام ان هذه المناقشات الواهية لا تقوم حجة على
المتقدمين لعدم الدليل على هذا الاصطلاح ، واما المتأخرون فضعف هذه الاخبار عندهم
مجبور بالاتفاق على القول بمضمونها ، والحكم بما دلت
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 24 من صلاة الجنازة.
(3) ارجع الى التعليقة 1 ص 393.
عليه الصحيحة التي جمد عليها معمول
عليه عند العامة (1) وقد تقرر في
القاعدة المنصوصة عن أهل البيت (عليهمالسلام) عرض الأخبار
على مذهبهم والأخذ بخلافه (2) ومقتضاه حمل
الصحيحة المذكورة على التقية كما ذكره الشيخ.
وكيف كان فإطلاق الأخبار التي هي مستند الحكم المذكور
دال على انه لا فرق بين الدائم والمستمتع بها ولا بين الحرة والمملوكة ، فعلى هذا
يكون الزوج أولى من سيد المملوكة لو كانت لغيره.
ولا يلحق بالزوج الزوجة في هذا الحكم لعدم النص ، وذهب
بعض الأصحاب إلى مساواتها للزوج لشمول اسم الزوج لها لغة كما قال الله تعالى «وَأَصْلَحْنا
لَهُ زَوْجَهُ» (3) ويضعف بان ذلك
انما يتم مع إطلاق ولاية الزوج لا مع التصريح بأنه أحق بامرأته كما تضمنه الخبران
اللذان هما مستند الحكم المذكور (4).
المسألة الرابعة ـ لو حضر إمام الأصل فإنه أولى من الولي
كائنا من كان لقيامه مقام النبي (صلىاللهعليهوآله) الذي هو أولى
بالمؤمنين من أنفسهم (5).
وقوله (صلىاللهعليهوآله) (6) في خطبة
الغدير «ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا بلى
__________________
(1) في الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 481 «عند الحنفية
والحنابلة الزوج يتأخر في الصلاة على الميت عن ذوي الأرحام ، وعند الشافعية يتقدم
الأولى فالأولى في الميراث وعند المالكية بعد ان ذكر الترتيب في من يصلى عليه من
السلطان وغيره قال لا حق لزوج الميت في التقدم» وفي المغني ج 2 ص 483 «اما زوج
المرأة وعصبتها فظاهر كلام الخرقي تقديم العصبات وهو أكثر الروايات عن احمد وهو
قول سعيد بن المسيب والزهري وبكير ابن الاشبح ومذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي إلا
أن أبا حنيفة يقدم زوج المرأة على ابنها ، وروى عن احمد تقديم زوج المرأة على
العصبات لأن أبا بكر صلى على امرأته ولم يستأذن إخوتها».
(2) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يقضى به.
(3) سورة الأنبياء الآية 9.
(4) ص 391.
(5) لقوله تعالى في سورة الأحزاب الآية 6 «النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ
مِنْ أَنْفُسِهِمْ».
(6) الغدير لآية الله الأميني ج 1 ص 11 وص 294 الى 313.
يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال من كنت
مولاه فعلى مولاه».
وما رواه في الكافي والتهذيب عن طلحة بن زيد عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
حضر الإمام الجنازة فهو أحق الناس بالصلاة عليها».
وما رواه الشيخ في التهذيب عن السكوني عن جعفر بن محمد
عن أبيه عن آبائه (عليهمالسلام) (2) قال : «قال
أمير المؤمنين (عليهالسلام) إذا حضر
سلطان من سلطان الله جنازة فهو أحق بالصلاة عليها ان قدمه ولى الميت وإلا فهو غاصب».
فان الظاهر ان المراد بالسلطان هنا هو الامام المعصوم لان سلطنته من جهة الله
تعالى على عباده سلطنة حقيقية.
وظاهر إطلاق الخبر الأول عدم التوقف على اذن الولي ، وهو
ظاهر ابى الصلاح حيث قال : الإمام أولى فإن تعذر حضوره واذنه فولي الميت. إلا ان
ظاهر الخبر الثاني التوقف على الاذن فان لم يأذن له الولي فإنه يكون غاصبا لحق الامام
(عليهالسلام) وهذا هو
المنقول عن الشيخ في المبسوط استنادا الى الخبر المذكور وبه صرح العلامة في
المنتهى.
وظاهر الشهيد في الذكرى العمل على الخبر الأول وتأول
الخبر الثاني بالحمل على غير إمام الأصل ، قال لان تنكيره مشعر بالكثرة وفيه اشعار
باستحباب تقديم الولي إياه. انتهى.
والظاهر بعده فان نسبة السلطنة إلى كونها من الله عزوجل لا تتبادر إلا
الى امام الأصل ، والأخبار المتقدمة قد عرفت صراحتها مع كثرتها واستفاضتها في أن
الاولى بالميت هو الأولى بميراثه من غير تقييد إلا ان قضية أولويته (عليهالسلام) مطلقا بالناس
من أنفسهم تمنع من توقف تقديمه على الاذن. وبذلك يظهر ان المسألة لا تخلو من شوب
الإشكال.
وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في الروض عدم التوقف على اذن
الولي في الصورة
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 23 من صلاة الجنازة.
المذكورة كما اختاره في الذكرى.
وكيف كان فالكلام في هذه المسألة تكلف مستغنى عنه الآن
الى ان يظهر صاحب الزمان عجل الله فرجه.
ونقل عن ابن الجنيد ان الأولى الإمام ثم خلفاؤه ثم إمام
القبيلة كباقي الصلوات أقول : وفي هذا إسقاط لولاية الولي المنصوص عليه إلا ان يخص
بفقده أو طفوليته وعدم لياقته للصلاة والاذن فيها.
المسألة الخامسة ـ قال الشيخ المفيد : إذا حضر الصلاة
رجل من بنى هاشم كان اولى بالتقديم للصلاة عليه بتقديم وليه له ، ويجب على الولي
تقديمه وان لم يقدمه لم يجز له التقدم.
قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : فإن أراد المفيد (قدسسره) بالرجل الذي
أشار إليه إمام الأصل فهو حق وإلا فهو ممنوع بل الأولى للولي التقديم اما الوجوب
فلا ، لنا عموم الآية (1) انتهى.
وقال في الذكرى : قال ابن بابويه والشيخان والجعفي
واتباعهم الهاشمي أولى وبالغ المفيد (قدسسره) فأوجب تقديمه
، وربما حمل كلامه على إمام الأصل وهو بعيد لانه قال : «وان حضر رجل من فضلاء بنى
هاشم» وهو صريح في كل واحد من فضلائهم ، ولم أقف على مستنده ، والصدوق عزاه إلى
أبيه في رسالته ، ولم يذكر في التهذيب عليه دليلا ، وفي المعتبر احتج بما روى عن
النبي (صلىاللهعليهوآله) (2) «قدموا
__________________
(1) «وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ» سورة الأنفال الآية 76.
(2) في الجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 85 عن أبي هريرة عن النبي (صلىاللهعليهوآله) «قدموا قريشا ولا تقدموها وتعلموا
منها ولا تعلموها». وفيه عن عبد الله بن السائب «قدموا قريشا ولا تقدموها وتعلموا
من قريش ولا تعلموها ، ولو لا ان تبطر قريش لاخبرتها ما لخيارها عند الله تعالى». وفيه
عن على (عليهالسلام) «قدموا قريشا ولا تقدموها ولولا ان
تبطر قريش لاخبرتها بما لها عند الله تعالى». قال المناوى في شرح الجامع الصغير ج
4 ص 512 استدل بهذه الأحاديث على تقديم قول الشافعي على غيره ورده عياض بان
قريشا ولا تقدموها». ولم نستثبته في
رواياتنا مع انه أعم من المدعى. انتهى.
أقول : قال الصدوق في الفقيه : وقال ابى في رسالته الى :
اعلم يا بنى ان أولى الناس بالصلاة على الميت من يقدمه ولى الميت ، فان كان في
القوم رجل من بنى هاشم فهو أحق بالصلاة عليه إذا قدمه ولى الميت فان تقدم من غير
أن يقدمه ولى الميت فهو غاصب. انتهى.
وهذه العبارة عين عبارة كتاب الفقه الرضوي بتغيير ما حيث
قال (عليهالسلام) (1) واعلم ان أولى
الناس بالصلاة على الميت الولي أو من قدمه الولي ، فإن كان في القوم رجل من بنى
هاشم فهو أحق بالصلاة عليه إذا قدمه الولي فإن تقدم من غير ان يقدمه الولي فهو
غاصب. انتهى.
ومن ذلك علم ان مستند الشيخ على بن بابويه في ما ذكره في
الرسالة والشيخ المفيد في ما تقدم نقله عنه انما هو هذا الكتاب كما أشرنا إليه في
غير مقام ، إلا ان الكتاب المذكور حيث لم يصل الى المتأخرين أنكروا الوقوف على
المستند.
ولعل السبب في عدم اشتهار هذا الكتاب ووصوله الى الشيخ
الطوسي (قدسسره) ومن كان في
عصره هو ان نسخة الكتاب في الصدر الأول لعلها كانت عزيزة الوجود ولم تصل إلا الى
الشيخ على بن بابويه وابنه الصدوق ، ولما كان كل منهما قد أخذ عبائر الكتاب وافتى
بها كما حكيناه في غير موضع مما تقدم وسيأتي في هذا الكتاب وفي كتاب الزكاة والحج
والصوم ونحو ذلك ايضا اخفيا الكتاب فلم ينتشر ولم يشتهر الى هذا العصر الأخير كما
ذكره شيخنا غواص بحار الأنوار في مقدمة كتاب البحار وكذا أبوه (قدسسره) كما وجدته
بخطه من حكاية أصل الوقوف على الكتاب المذكور ، ولذا لم تر لنقل عبائره والاستدلال
بها أثرا في غير كلام الصدوقين وان وجد قليلا في عبائر الشيخ المفيد (قدسسره) ايضا ، ولعله
__________________
المراد منها الخلافة وقد قدم النبي (صلىاللهعليهوآله) ابن حذيفة في الصلاة وخلفه قريش.
(1) ص 19.
للأخذ عنهما. والله العالم.
المسألة السادسة ـ لو اوصى الميت الى شخص بان يصلى عليه
فالمنقول عن ابن الجنيد وجوب تقديمه ، قال في المختلف : قال ابن الجنيد الموصى
إليه أولى بالصلاة من القرابات. ولم يعتبر علمائنا ذلك ، لنا عموم قوله تعالى «وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» (1) احتج بعموم قوله «فَمَنْ
بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ» (2) والجواب الوجوب مختص بالحقوق لقوله «إِنْ
تَرَكَ خَيْراً» انتهى.
ونقل عنه في الذكرى الاستدلال باشتهار ذلك بين السلف
كوصية الأول بصلاة الثاني ووصية الثاني بصلاة صهيب ووصية عائشة بصلاة أبي هريرة
ووصية ابن مسعود بصلاة الزبير ووصية ابن جبير بصلاة انس ووصية أبي شريحة بصلاة زيد
ابن أرقم فجاء عمرو بن حريث أمير الكوفة ليتقدم فأعلمه بوصيته فقدم زيدا (3) ولأن إيصاءه
إليه لظنه فيه مزية فلا ينبغي منعه منها. ثم قال في الذكرى : والفاضل (قدسسره) قال الوارث
أولى وهو أقرب للآية والخبر (4) وفعل
المذكورين ليس حجة وجاز أن يكون برضاء الوارث ونحن لا نمنعه إذا رضي بل يستحب له
إنفاذه مع الأهلية. انتهى. وهو جيد.
والأظهر التمسك في ذلك بالأخبار الدالة على اختصاص
الصلاة بمن هو الأولى بالميراث كما تقدم تحقيقه في المسألة الاولى ، وتخصيصها
يحتاج الى دليل واضح. وعموم آية «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ» (5) معارض بعموم «وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» (6).
__________________
(1 و 6) سورة الأنفال الآية 76 وسورة الأحزاب الآية 6.
(2 و 5) سورة البقرة الآية 177.
(3) ذكر ذلك كله في المغني ج 2 ص 48.
(4) اما الآية فقوله تعالى «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ
أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ» في سورة الأنفال الآية 76 ، واما
الخبر فروايتان ابن ابى عمير والبزنطي المتقدمتان ص 382.
وشيخنا الشهيد الثاني في الروض اقتصر على نقل القولين
ودليلهما ولم يرجح شيئا في البين.
المسألة السابعة ـ لو تساوى الأولياء في مرتبة الولاية قال
الشيخ في المبسوط والخلاف يقدم الأقرأ فالأفقه فالأسن ، وتبعه الفاضلان في المعتبر
والتذكرة لعموم قوله (صلىاللهعليهوآله) (1) «يؤمكم أقرؤكم».
وزاد في المبسوط بعد الأسن قال : فان تساووا أقرع بينهم.
وقال فيه ايضا ان الحر أولى من العبد والذكر أولى من
الأنثى إذا كان ممن يعقل الصلاة. وتبعه ابن إدريس. وهو يشعر بان التمييز كاف في
الإمامة كما افتى به في المبسوط والخلاف في جماعة اليومية.
أقول : أما أولوية الذكر على الأنثى فقد صرح به جملة
منهم (رضوان الله عليهم) بل قال في المنتهى انه لا خلاف فيه ، وحكى بعض المتأخرين
قولا باشتراك الورثة في الولاية.
واستدل في المدارك للقول الأول قال وربما كان مستنده قوله
(عليهالسلام) (2) «يصلى على
الجنازة أولى الناس بها». ومع وجود الذكر يصدق كونه أولى فيتعلق به الحكم.
وفيه ان ما ذكره نوع مصادرة فإنه عين الدعوى ، فإن أراد
باعتبار كون الذكر أكثر ميراثا فهو لا يتم كليا لتخلفه في ما لو انحصرت الولاية في
الأخ من قبل الام مع الأخت من قبل الأبوين فإنها أكثر ميراثا وبموجبه تكون الولاية
لها دونه. نعم يمكن استفادة ما ذكره من صحيحة حفص بالتقريب الذي ذكرناه فيها كما
تقدم في المسألة الثانية (3).
هذا إذا كانت الأنثى في طبقة الذكر كما هو المفروض وان
كانت جملة من عبائر الأصحاب مطلقة في ذلك.
أما لو لم يكن في طبقتها ذكر فالظاهر اختصاصها بالولاية لما
رواه الصدوق
__________________
(1) في سنن ابى داود ج 1 ص 159 عنه (صلىاللهعليهوآله) «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله» ...
(2) ص 382.
(3) ص 390.
والشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى
جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «قلت
المرأة تؤم النساء؟ قال لا الا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها ، تقوم وسطهن
في الصف فتكبر ويكبرن». ورواه الشيخ بسند آخر في الموثق وبسند ثالث في الضعيف (2).
وأما أولوية الحر على العبد وان كان العبد أقرب فالظاهر
انه لا خلاف فيه لانه لا يرث مع الحر ، ويعضده انه محجور من التصرف في نفسه فكذا
في غيره.
وأما ما ذكروه ـ من تقديم الاقرأ فالأفقه فالأسن كما
قدمناه وهو خيرة الأكثر أو تقديم الأفقه ثم الاقرأ ثم الأسن كما هو خيرة العلامة
في القواعد والتحرير والمحقق في الشرائع ـ فلم نقف له على نص في هذا المقام ،
وكأنهم بنوا الحكم هنا على ما ذكروه في جماعة اليومية.
قال في الذكرى بعد ذكر نحو ما ذكرنا : ولم نقف لهم على
مأخذ ذلك في خصوصية الجنازة ، وظاهرهم إلحاقها بجماعة المكتوبة وهي مرجحة بهذه
الأوصاف كلها ، ولكن ذكر العبد هنا مشكل لانه لا إرث له فيخرج عن الولاية. والمحقق
في الشرائع قدم الأفقه على الأقرأ ، وهو متوجه لأن القراءة هنا ساقطة إلا انه خلاف
فتوى الأصحاب بتقديم الأقرأ في الجماعة على الإطلاق وخلاف فتواه وفتوى الشيخ في
هذه المسألة. انتهى.
وما علل به توجه تقديم الأفقه على الأقرأ من أن القراءة
هنا ساقطة قد أورد عليه بان مرجحات القراءة معتبرة في الدعاء ولو لا ذلك لسقط
الترجيح بالقراءة مطلقا ، وانتقل جماعة : منهم ـ الشيخ إلى القرعة بعد التساوي في
السن كما تقدم ذكره ، واعتبر بعضهم بعد الأسن الأقدم هجرة ثم الأصبح وجها ، لما
سيأتي ان شاء الله تعالى في باب الجماعة منقحا موضحا.
المسألة الثامنة ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم)
بأنه لو كان المؤتم في صلاة الجنازة واحدا وقف خلف الامام ولم يقف الى جنبه كما في
جماعة اليومية ،
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 25 من صلاة الجنازة و 20 من صلاة
الجماعة.
وإذا اقتدى النساء بالرجل وقفن خلفه
ولو كان فيهن حائض انفردت عن صفهن استحبابا ، ولو اجتمع الرجال والنساء وقفن
النساء خلف الرجال.
والذي يدل على الحكم الأول ما رواه ثقة الإسلام والصدوق
عن اليسع بن عبد الله القمي (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل يصلى
على الجنازة وحده؟ قال نعم. قلت فاثنان يصليان عليها؟ قال نعم ولكن يقوم الآخر خلف
الآخر ولا يقوم بجنبه».
وعلى الحكم الثاني ما سيأتي في باب الجماعة من أن مواقف
النساء خلف الرجال وعدم جواز محاذاة المرأة للرجل.
وعلى الحكم الثالث ما رواه الشيخ في الحسن عن محمد بن
مسلم (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الحائض
تصلي على الجنازة؟ قال نعم ولا تقف معهم وتقف مفردة».
وعلى الحكم الرابع ما رواه الكليني عن السكوني عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) خير الصفوف
في الصلاة المقدم وخير الصفوف في الجنائز المؤخر. قيل يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ولم؟ قال صار
سترة للنساء».
أقول : ما دلت عليه هذه الرواية بظاهرها ـ من ان أفضل
الصفوف في صلاة الجماعة اليومية الصف الأول وهو الأقرب الى القبلة وفي صفوف صلاة
الجنائز هو الصف الأخير ـ هو الذي عليه جملة الأصحاب استنادا الى هذه الرواية.
إلا ان شيخنا المجلسي في كتاب البحار قد استظهر من الخبر
معنى آخر وطعن في المعنى المشهور بوجوه ذكرها ثمة.
قال : والذي يفهم من الرواية وهو الظاهر منها لفظا ومعنى
ان المراد بالصفوف
__________________
(1) الوسائل الباب 28 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 22 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 29 من صلاة الجنازة.
في الصلاة صفوف جميع الصلوات الشاملة
لصلاة الجنازة وغيرها ، والمراد بصفوف الجنائز انما هو الجنائز المختلفة إذا وضعت
بين يدي الإمام للصلاة عليها ، وان المراد خير الصفوف في الصلاة الصف المقدم أى ما
كان أقرب الى القبلة وخير الصفوف في الجنائز المؤخر أي ما كان أبعد من القبلة
وأقرب الى الامام ، ولما كان الأشرف في جميع المواضع متعلقا بالرجال صار كل من
الحكمين سببا لستره النساء لأن تأخرهن في الصفوف سترة لهن وتأخر جنائزهن لكونه
سببا لبعدهن عن الرجال المصلين سترة لهن ، فاستقام التعليل في الجزأين وسلم الكلام
عن ارتكاب الحذف والمجاز وصار الحكم مطابقا لما دلت عليه الأخبار. والعجب من
الأصحاب كيف غفلوا عن هذا الاحتمال الظاهر وذهبوا الى ما يحتاج الى تلك التكلفات
البعيدة الركيكة ، فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين. انتهى. وهو جيد كما لا يخفى على
الفطن النبيه.
إلا انه قال (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي (1) «وأفضل المواضع
في الصلاة على الميت الصف الأخير». وهو كما ترى موافق لما ذكره الأصحاب (رضوان
الله عليهم) وفهموه من خبر السكوني.
وقال الصدوق في الفقيه : وأفضل المواضع في الصلاة على
الميت الصف الأخير والعلة في ذلك ان النساء كن يختلطن بالرجال في الصلاة على
الجنائز فقال النبي (صلىاللهعليهوآله) «أفضل
المواضع في الصلاة على الميت الصف الأخير». فتأخرن إلى الصف الأخير فبقي فضله على
ما ذكره (عليهالسلام). وصدر عبارته
كما ترى عين عبارة كتاب الفقه.
ومن الظاهر ان العلة التي ذكرها إنما أخذها من نص وصل
اليه بذلك لانه من أرباب النصوص الذين لا يعولون إلا عليها بالخصوص دون التخريجات
العقلية وحينئذ فتكون هذه رواية ثانية مطابقة لما في كتاب الفقه ، وما ذكره شيخنا
المشار اليه وان تم في رواية السكوني إلا انه لا يتم في هذين الخبرين.
__________________
(1) ص 19.
ويمكن الجمع بين ما ذكره وذكرناه بان ما ذكره المتقدمون
من هذا الحكم لا ينحصر دليله في الرواية المذكورة ، لما عرفت في غير موضع انه
كثيرا ما يذكرون الأحكام التي لم تصل أدلتها إلى المتأخرين فيعترضونهم تارة بعدم
وجود الدليل ـ ودليله موجود في هذا الكتاب كما مر بيانه في غير مقام ـ وربما
يتكلفون لهم الاستدلال بخبر أو دليل عقلي ، ومن المحتمل ان الأمر هنا من هذا
القبيل فإن المتأخرين حيث لم يصل إليهم إلا هذا الخبر استدلوا به ظنا منهم انه
الدليل والحال ان الدليل شيء غيره مما ذكرناه ، والخبر المذكور انما خرج على
الوجه الذي ذكره شيخنا المشار اليه. والله العالم.
المطلب الثالث ـ في الكيفية وهي على ما تضمنه كلام الأصحاب
(رضوان الله عليهم) ان يكبر تكبيرة الإحرام ثم يتشهد عقيبها الشهادتين ثم يكبر
ثانية ثم يصلى على النبي (صلىاللهعليهوآله) ثم يكبر
ثالثة ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ثم يكبر رابعة ويدعو للميت ان كان مؤمنا ثم خامسة
وينصرف.
والمستند في هذه الكيفية ما رواه ثقة الإسلام في الكافي
عن محمد بن مهاجر عن امه أم سلمة (1) قالت «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول كان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا صلى على
ميت كبر وتشهد ثم كبر وصلى على الأنبياء ودعا ثم كبر ودعا للمؤمنين ثم كبر الرابعة
ودعا للميت ثم كبر وانصرف ، فلما نهاه الله عن الصلاة على المنافقين كبر وتشهد ثم
كبر وصلى على النبيين ثم كبر ودعا للمؤمنين ثم كبر الرابعة وانصرف».
ورواه الصدوق في العلل (2) بوجه أبسط
وفيه في التكبير الثاني على المؤمن «فصلى على النبي (صلىاللهعليهوآله)» عوض قوله في
رواية الكافي «على الأنبياء» ومثلها في الصلاة على المنافق.
وفي الفقيه (3) نقل متن الخبر قال : وكان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا صلى على
ميت. وساق الخبر ، وفيه في التكبير الثاني في الموضعين «ثم كبر
__________________
(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الجنازة. وفي آخر الرواية هكذا «ولم
يدع للميت».
(2) ص 109.
(3) ج 1 ص 100.
فصلى على النبي (صلىاللهعليهوآله)».
وفي معنى هذه الرواية ما رواه الشيخ في التهذيب عن
إسماعيل بن همام عن ابى الحسن (عليهالسلام) (1) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) صلى رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) على جنازة
فكبر عليه خمسا وصلى على آخر فكبر عليه أربعا ، فأما الذي كبر عليه خمسا فحمد الله
ومجده في التكبيرة الاولى ودعا في الثانية للنبي (صلىاللهعليهوآله) ودعا في
الثالثة للمؤمنين والمؤمنات ودعا في الرابعة للميت وانصرف في الخامسة. واما الذي
كبر عليه أربعا فحمد الله ومجده في التكبيرة الأولى ودعا لنفسه وأهل بيته (صلىاللهعليهوآله) في الثانية
ودعا للمؤمنين والمؤمنات في الثالثة وانصرف في الرابعة ولم يدع له لأنه كان منافقا».
وتحقيق الكلام في هذا المقام يقع في مواضع (الأول)
المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب الدعاء بين التكبيرات ، بل قال في
الذكرى ان الأصحاب بأجمعهم يذكرون ذلك في كيفية الصلاة كابني بابويه والجعفي
والشيخين وأتباعهما وابن إدريس ولم يصرح أحد منهم بندب الأذكار ، والمذكور في بيان
الواجب ظاهره الوجوب. وذهب المحقق في الشرائع صريحا وفي النافع ظاهرا الى
الاستحباب.
والأظهر الأول لوقوع الأمر به في الأخبار المتكاثرة
الآتية في المقام ووقوع ذلك في بيان كيفية الواجب كما في رواية أبي بصير (2) «انها خمس
تكبيرات بينهن أربع صلوات».
ولم نقف لما ذكره المحقق على مستند واضح إلا انه قال
السيد السند في المدارك : وربما كان مستنده إطلاق الروايات المتضمنة لأن الصلاة
على الميت خمس تكبيرات الواردة في مقام البيان الدالة بظاهرها على عدم وجوب ما عدا
ذلك. انتهى.
أقول : ومن الأخبار المشار إليها ما رواه عبد الله بن
سنان في الصحيح عن
__________________
(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 5 من صلاة الجنازة رقم 12.
ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «التكبير
على الميت خمس تكبيرات». وفي معناها غيرها.
وأنت خبير بأن إطلاق هذه الاخبار يجب تقييده بما أشرنا
إليه من تلك الأخبار حملا للمطلق على المقيد كما هي القاعدة المسلمة بينهم. وما
ذكره من كون هذه الأخبار واردة في مقام البيان يمكن أن يجاب عنه بعد الإغماض عما
ذكرنا بأنه من الجائز ان المراد انما هو بيان كمية التكبير لوقوع الاختلاف فيه بين
الخاصة والعامة (2) لا بيان كيفية
الصلاة كما ادعاه. وظاهر صاحب المدارك حيث نقل الحجة المذكورة للمحقق ولم يطعن
فيها بشيء الجمود عليها ، وفيه ما عرفت.
الثاني ـ انه على تقدير القول بالوجوب فهل يتعين فيها شيء
مخصوص أم لا؟ ظاهر المشهور بين المتأخرين الأول ، فإنه قد صرح العلامة ومن تأخر
عنه
__________________
(1) الوسائل الباب 5 من صلاة الجنازة.
(2) في بدائع الصنائع ج 1 ص 312 «اختلفت الروايات في فعل رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) فروى عنه الخمس والسبع والتسع وأكثر
من ذلك إلا ان آخر فعله (صلىاللهعليهوآله) كان اربع تكبيرات ، وعمر جمع الصحابة
حين اختلفوا في عدد التكبير وقال انكم اختلفتم في عدد التكبير ومن يأتي بعدكم يكون
أشد منكم اختلافا فانظروا آخر صلاة صلاها رسول الله (صلىاللهعليهوآله) على جنازة فخذوا به فوجدوه انه (صلىاللهعليهوآله) صلى على امرأة فكبر أربعا فاتفقوا على
ذلك فكان هذا دليلا على كون التكبيرات في صلاة الجنازة أربعا» وفي شرح صحيح مسلم
للنووي على هامش إرشاد الساري ج 4 ص 284 «كان النبي (صلىاللهعليهوآله) يكبر أربعا وخمسا وستا وسبعا وثمانيا
حتى مات النجاشي فكبر عليه أربعا وثبت على ذلك. واختلفت الصحابة في ذلك من ثلاث
تكبيرات الى تسع ، وروى عن على (عليهالسلام) انه كان يكبر على أهل بدر ستا وعلى
سائر الصحابة خمسا وعلى غيرهم أربعا. وانعقد الإجماع بعد ذلك على الأربع ، ولا
نعلم أحدا من فقهاء الأمصار يخمس إلا ابن ابى ليلى» وفي عمدة القارئ ج 4 ص 26 «فرقة
تكبر سبعا وفرقة تكبر ثلاثا وقيل ست ، وقال القاصي أبو محمد أكثره سبع تكبيرات وأقله
ثلاث. وذهبت الشيعة وابن ابى ليلى وزيد بن أرقم إلى الخمس وتبعهم الظاهرية وأبو
يوسف من أصحاب أبي حنيفة».
بوجوب التشهد في الأولى والصلاة على
النبي وآله في الثانية والدعاء للمؤمنين والمؤمنات في الثالثة والدعاء للميت في
الرابعة.
ونقل عن ابن الجنيد انه ليس في الدعاء بين التكبيرات شيء
موقت لا يجوز غيره ، والى هذا مال جماعة من متأخري المتأخرين ، وهو ظاهر الشهيد في
الذكرى ايضا ، وهو الأظهر.
ويدل عليه ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم وزرارة في
الصحيح (1) «انهما سمعا
أبا جعفر (عليهالسلام) يقول ليس في
الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت إلا أن تدعوا بما بدا لك ، وأحق الأموات أن
يدعى له أن يبدأ بالصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله)».
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم
وزرارة ومعمر ابن يحيى وإسماعيل الجعفي عن ابى جعفر (عليهالسلام) (2) قال : «ليس في
الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت تدعو بما بدا لك ، وأحق الموتى أن يدعى له
المؤمن وان يبدأ بالصلاة على رسول الله (صلىاللهعليهوآله)».
ويؤيده ما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب في الموثق (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الجنازة أيصلى
عليها على غير وضوء؟ فقال نعم انما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل. الحديث».
الثالث ـ انه على تقدير القول المشهور من وجوب الأذكار
الأربعة المتقدمة لا يتعين فيها لفظ مخصوص وبه صرح كثير من الأصحاب ، قال شيخنا
الشهيد في الذكرى : والمشهور توزيع الأذكار على ما مر ونقل الشيخ فيه الإجماع ،
ولا ريب انه كلام الجماعة إلا ابن ابى عقيل والجعفي فإنهما أوردا الأذكار الأربعة
عقيب كل تكبيرة وان تخالفا في الألفاظ ، قال الفاضل وكلاهما جائز. قلت لاشتمال ذلك
على الواجب والزيادة غير منافية مع ورود الروايات بها وان كان العمل بالمشهور أولى
، وينبغي
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 7 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 21 من صلاة الجنازة. والرواية للكليني
والشيخ يرويها عنه.
مراعاة هذه الألفاظ تيمنا بما ورد
عنهم (عليهمالسلام). انتهى.
أقول : والأخبار الواردة في المسألة مع كثرتها وتعددها
لا تجد فيها خبرا يوافق الآخر في تعيين الأذكار وتشخيصها ، ولنورد منها جملة في
المقام لتحيط خبرا بما اشتملت عليه من الكلام :
فمنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابى ولاد ورواه ثقة
الإسلام بإسنادين أحدهما من الصحيح أو الحسن عنه (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن التكبير
على الميت فقال خمس : تقول في أولاهن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
اللهم صل على محمد وآل محمد. ثم تقول : اللهم ان هذا المسجى قدامنا عبدك وابن عبدك
وقد قبضت روحه إليك وقد احتاج الى رحمتك وأنت غنى عن عذابه اللهم انا لا نعلم من
ظاهره إلا خيرا وأنت أعلم بسريرته اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وان كان مسيئا
فتجاوز عن سيئاته. ثم تكبر الثانية وتفعل ذلك في كل تكبيرة».
ومنها ـ ما رواه في الكافي عن الحلبي في الصحيح أو الحسن
عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «تكبر
ثم تشهد ثم تقول انا لله وانا إليه راجعون الحمد لله رب العالمين رب الموت والحياة
صل على محمد وأهل بيته جزى الله عنا محمدا (صلىاللهعليهوآله) خير الجزاء
بما صنع بأمته وبما بلغ من رسالات ربه. ثم تقول اللهم عبدك وابن عبدك ابن أمتك
ناصيته بيدك خلا من الدنيا واحتاج الى رحمتك وأنت غنى عن عذابه اللهم انا لا نعلم
منه إلا خيرا وأنت اعلم به منا ، اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وتقبل منه وان
كان مسيئا فاغفر له ذنبه وارحمه وتجاوز عنه برحمتك ، اللهم ألحقه بنبيك وثبته
بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، اللهم اسلك بنا وبه سبيل الهدى
واهدنا وإياه صراطك المستقيم اللهم عفوك عفوك. ثم تكبر الثانية وتقول مثل ما قلت
حتى تفرغ من خمس تكبيرات».
ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة
عن ابى عبد الله
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 2 من صلاة الجنازة.
(عليهالسلام) (1) «في الصلاة على
الميت؟ قال تكبر ثم تصلى على النبي (صلىاللهعليهوآله) ثم تقول
اللهم عبدك ابن عبدك ابن أمتك لا اعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منى ، اللهم ان
كان محسنا فزد في إحسانه وتقبل منه وان كان مسيئا فاغفر له ذنبه وافسح له في قبره
واجعله من رفقاء محمد (صلىاللهعليهوآله). ثم تكبر
الثانية وتقول ، اللهم ان كان زكيا فزكه وان كان خاطئا فاغفر له. ثم تكبر الثالثة
وتقول : اللهم لا تحرمنا اجره ولا تفتنا بعده. ثم تكبر الرابعة وتقول : اللهم
اكتبه عندك في عليين واخلف على عقبه في الغابرين واجعله من رفقاء محمد (صلىاللهعليهوآله). ثم كبر
الخامسة وانصرف».
ومنها ـ ما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن سماعة (2) قال : «سألته
عن الصلاة على الميت فقال تكبر خمس تكبيرات تقول أول ما تكبر : أشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد وآل محمد وعلى
الأئمة الهداة و (اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا
بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا
إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ،) اللهم اغفر
لأحيائنا وأمواتنا من المؤمنين والمؤمنات والف قلوبنا على قلوب أخيارنا واهدنا لما
اختلف فيه من الحق بإذنك انك تهدى من تشاء الى صراط المستقيم. فان قطع عليك
التكبيرة الثانية فلا يضرك تقول : اللهم عبدك ابن عبدك وابن أمتك أنت أعلم به منى
افتقر الى رحمتك واستغنيت عنه اللهم فتجاوز عن سيئاته وزد في إحسانه واغفر له وارحمه
ونور له في قبره ولقنه حجته وألحقه بنبيه (صلىاللهعليهوآله) ولا تحرمنا
اجره ولا تفتنا بعده. تقول هذا حتى تفرغ من خمس تكبيرات». وزاد في التهذيب (3) «فإذا فرغت
سلمت عن يمينك».
قال في الوافي ذيل هذا الخبر : قوله (عليهالسلام) «فان قطع
عليك التكبيرة الثانية فلا يضرك» كأنه أريد به انك ان كنت مأموما لمخالف فكبر
الإمام الثانية قبل فراغك من هذا الدعاء أو بعده وقبل الإتيان بما يأتي فلا يضرك
ذلك القطع بل تأتى بتمامه
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 2 من صلاة الجنازة.
أو بما يأتي بعد الثانية بل الثالثة
والرابعة حتى تتم الدعاء. وقوله (عليهالسلام) «تقول اللهم»
أى تقول هذا بعد ذاك سواء قطع عليك بأحد المعنيين أو لم يقطع ، وفي التهذيب «فقل»
بدل «تقول» وقوله في آخر الحديث «تقول هذا» يعنى تكرر المجموع أو هذا الأخير ما
بين كل تكبيرتين. وفي التهذيب «حين تفرغ» مكان «حتى تفرغ» وعلى هذا يكون معناه أن
تأتي بالدعاء الأخير بعد الفراغ من الخمس. وفيه بعد والظاهر انه تصحيف. والتسليم
شاذ ولهذا ترك في الكافي ما تضمنه من الأخبار رأسا ولم يورده في هذا الخبر ، وحمله
في التهذيب على التقية (1) وينافيه ذكر
الخمس في عدد التكبيرات. انتهى.
ومنها ـ ما رواه في التهذيب عن كليب الأسدي (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن التكبير
على الميت فقال بيده : خمسا. قلت كيف أقول إذا صليت عليه؟ قال تقول : اللهم عبدك
احتاج الى رحمتك وأنت غنى عن عذابه اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وان كان
مسيئا فاغفر له».
أقول : الظاهر ان المراد هو الإتيان بهذا الدعاء بين كل
تكبيرتين وأما احتمال انه بعد الرابعة بالخصوص بعد الإتيان بما هو الموظف في
روايتي أم سلمة وإسماعيل بن همام (3) فالظاهر بعده.
ومنها ـ ما رواه في التهذيب في الموثق عن عمار الساباطي
عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «سألته
عن الصلاة على الميت فقال تكبر ثم تقول (إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، إِنَّ اللهَ
وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
__________________
(1) في المهذب ج 1 ص 133 «في الأم يكبر في الرابعة ويسلم مثل
تسليم الصلاة ، وهل يسلم تسليمة أو تسليمتين؟ على ما ذكرناه في الصلاة» وفي المغني
ج 2 ص 491 «يسلم تسليمة واحدة عن يمينه بعد التكبير للرابعة» وفي البدائع ج 1 ص
313 «يكبر للرابعة ويسلم تسليمتين».
(2 و 4) الوسائل الباب 2 من صلاة الجنازة.
(3) ص 403.
تَسْلِيماً ،) اللهم صل على
محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم
إنك حميد مجيد ، اللهم صل على محمد وعلى أئمة المسلمين اللهم صل على محمد وعلى
امام المسلمين ، اللهم عبدك فلان وأنت أعلم به اللهم ألحقه بنبيه محمد (صلىاللهعليهوآله) وافسح له في قبره
ونور له فيه وصعد روحه ولقنه حجته واجعل ما عندك خيرا له وأرجعه إلى خير مما كان
فيه ، اللهم عندك نحتسبه فلا تحرمنا اجره ولا تفتنا بعده ، اللهم عفوك عفوك. تقول
هذا كله في التكبيرة الأولى ثم تكبر الثانية وتقول : اللهم عبدك فلان اللهم ألحقه
بنبيه محمد (صلىاللهعليهوآله) وافسح له في
قبره ونور له فيه وصعد روحه ولقنه حجته واجعل ما عندك خيرا له وأرجعه إلى خير مما
كان فيه ، اللهم عندك نحتسبه فلا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده ، اللهم عفوك اللهم
عفوك. تقول هذا في الثانية والثالثة والرابعة فإذا كبرت الخامسة فقل : اللهم صل
على محمد وآل محمد اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والف بين قلوبهم وتوفني على ملة
رسولك (صلىاللهعليهوآله) اللهم (اغْفِرْ
لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي
قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ،) اللهم عفوك
اللهم عفوك. وتسلم».
قال في الوافي في ذيل هذا الخبر : وما ذكر من الدعاء بعد
الخامسة والتسليم شاذ وكذا في الخبر الآتي كما أشرنا إليه من قبل.
ومنها ـ ما رواه في التهذيب عن يونس عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «الصلاة
على الجنائز التكبيرة الأولى استفتاح الصلاة والثانية يشهد أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) والثالثة
الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) وعلى أهل
بيته والثناء على الله تعالى والرابعة له والخامسة يسلم ويقف مقدار ما بين
التكبيرتين ولا يبرح حتى يحمل السرير من بين يديه».
ومنها ـ ما في كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليهالسلام) (2) : «وارفع يديك
__________________
(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الجنازة.
(2) ص 19.
بالتكبير الأول وقل : أشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وان الموت حق والجنة حق والنار حق
والبعث حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور. ثم كبر
الثانية وقل : اللهم صل على محمد وآل محمد أفضل ما صليت وباركت ورحمت وترحمت وسلمت
على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين انك حميد مجيد. ثم تكبر الثالثة وتقول :
اللهم اغفر لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم
والأموات تابع اللهم بيننا وبينهم في الخيرات انك مجيب الدعوات وولى الحسنات يا
ارحم الراحمين. ثم تكبر الرابعة وتقول : اللهم ان هذا عبدك وابن عبدك وابن أمتك
نزل بساحتك وأنت خير منزول به اللهم انا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا ،
اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وان كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته واغفر لنا وله ،
اللهم احشره مع من يتولاه ويحبه وأبعده ممن يتبرأه ويبغضه ، اللهم ألحقه بنبيك
وعرف بينه وبينه وارحمنا إذا توفيتنا يا إله العالمين. ثم تكبر الخامسة وتقول : (رَبَّنا
آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ). ولا تسلم ولا
تبرح من مكانك حتى ترى الجنازة على أيدي الرجال».
وقال (عليهالسلام) في موضع آخر (1) : إذا أردت أن
تصلى على الميت فكبر عليه خمس تكبيرات ، يقوم الامام عند وسط الرجل وصدر المرأة ،
ويرفع اليد بالتكبير الأول ويقنت بين كل تكبيرتين ، والقنوت ذكر الله والشهادتان
والصلاة على محمد وآله والدعاء للمؤمنين والمؤمنات ، هذا في تكبيرة بغير رفع
اليدين ولا التسليم لأن الصلاة على الميت انما هو دعاء وتسبيح واستغفار. وساق
الكلام الى ان قال : وتقول في التكبيرة الأولى في الصلاة على الميت : أشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله انا لله وانا إليه
راجعون والحمد لله رب العالمين رب الموت والحياة وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته
وجزى الله محمدا
__________________
(1) ص 20.
(صلىاللهعليهوآله) عنا خير
الجزاء بما صنع لأمته وما بلغ من رسالات ربه. ثم تقول : اللهم عبدك وابن عبدك وابن
أمتك ناصيته بيدك تخلى من الدنيا واحتاج الى ما عندك نزل بك وأنت خير منزول به
وافتقر الى رحمتك وأنت غنى من عذابه ، اللهم انا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم
به منا اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وتقبل منه وان كان مسيئا فاغفر له ذنبه
وارحمه وتجاوز عنه برحمتك ، اللهم ألحقه بنبيك وثبته بالقول الثابت في الدنيا
والآخرة ، اللهم اسلك بنا وبه سبيل الهدى واهدنا وإياه صراطك المستقيم اللهم عفوك
عفوك. ثم تكبر الثانية وتقول مثل ما قلت حتى تفرغ من خمس تكبيرات. وقال ليس فيها
تسليم. الى آخره.
وقال أيضا في الكتاب المذكور (1) : باب آخر في
الصلاة على الميت قال : تكبر ثم تصلى على النبي (صلىاللهعليهوآله) وأهل بيته ،
ثم تقول اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك لا اعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به ،
اللهم ان كان محسنا فافسح له في قبره واجعله من رفقاء محمد (صلىاللهعليهوآله). ثم تكبر
الثانية فقل : اللهم ان كان زاكيا فزكه وان كان خاطئا فاغفر له. ثم تكبر الثالثة
فقل : اللهم لا تحرمنا اجره ولا تفتنا بعده. ثم تكبر الرابعة وقل : اللهم اكتبه
عندك في عليين واخلف على أهله في الغابرين واجعله من رفقاء محمد (صلىاللهعليهوآله). ثم تكبر
الخامسة وتنصرف.
أقول : ما ذكره (عليهالسلام) في هذا الباب
الأخير هو رواية زرارة المتقدم نقلها عن الكافي وهي الثالثة من الروايات المتقدمة
، وما ذكره في سابق هذه الكيفية هو مضمون حسنة الحلبي المتقدم نقلها عن الكافي
أيضا وهي الثانية بتغيير يسير ، ولعله من قلم النساخ في إحدى النسختين واما الأولى
مما ذكره (عليهالسلام) فهو من
خصوصيات الكتاب وهي راجعة إلى الرواية المشهورة إلا ان تلك مجملة وهذه مفصلة فتكون
مؤيدة لها وعاضدة لما دلت عليه من التوزيع على النحو المخصوص. وذكره (عليهالسلام) هذه الكيفيات
الثلاث مشعر بان الأمر في ذلك موسع وانه ليس فيه
__________________
(1) ص 21.
تعيين لفظ مخصوص ولا ترتيب مخصوص كما
يفهم من الروايات الأخرى التي سردناها ايضا وان كان الأفضل العمل بالرواية
المشهورة المعتضدة بعمل الأصحاب بمضمونها سلفا وخلفا.
وبذلك يظهر لك ما في كلام صاحب المدارك هنا حيث قال بعد
ان نقل عن المصنف ان أفضل ما يقال في صلاة الجنازة ما رواه محمد بن مهاجر عن امه
أم سلمة (1) : وكأن وجه
الدلالة على أفضلية ما تضمنته الرواية قوله (عليهالسلام): «كان رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) إذا صلى على
ميت كبر وتشهد». فان لفظ «كان» يشعر بالدوام وأقل مراتب مواظبة النبي (صلىاللهعليهوآله) على ذلك
الرجحان. الى ان قال : والأولى والأفضل اعتماد ما تضمنته الروايات المعتبرة عن
أئمة الهدى (عليهمالسلام) ثم نقل صحيحة
أبي ولاد وحسنة الحلبي وحسنة زرارة.
أقول : لا يخفى ان وجه هذه الأفضلية عنده إنما نشأت من
حيث اعتبار أسانيد هذه الأخبار باصطلاحه فان فيها الصحيح والحسن بخلاف رواية ابن
المهاجر المعتضدة برواية إسماعيل بن همام حيث انهما ضعيفتا السند باصطلاحه.
وفيه انهما وان ضعف سندهما بهذا الاصطلاح إلا ان عمل
الطائفة سلفا وخلفا بما اشتملتا عليه هو المرجح لهما ، فإنه لم ينقل عن أحد القول
بما دلت عليه هذه الأخبار التي نوه بها وان صح سندها حتى من أصحاب هذا الاصطلاح بل
الكل متفقون على القول بمضمون الروايتين المذكورتين ، وكم من رواية صحيحة قد اعرض
عنها الأصحاب حتى مثل هذا القائل إذا اعوزتهم الحيلة فيها ، ومنها يعلم انه ليس
المدار على الصحة بهذا المعنى المحدث وانما المدار على الصحة بالمعنى القديم
المعمول عليه بين جمهور القدماء الذين ليس لهذا الاصطلاح عندهم اثر. على ان هذه
الأخبار التي استند إليها غير متفقة على نمط واحد بل هي مختلفة كما عرفت.
وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور وحمل هذه الأخبار على
الرخصة والتوسعة كما يشير إليه إيراده (عليهالسلام) في كتاب
الفقه هذه الكيفيات الثلاث. والله العالم.
__________________
(1) ص 402.
الرابع ـ ظاهر خبري أم سلمة وإسماعيل بن همام المتقدمين (1) انه (صلىاللهعليهوآله) في صلاته على
المنافق انصرف بعد التكبير الرابع ولم يدع له ولا عليه ، وعلى هذا فالمراد بقوله (عليهالسلام) في حديث أم
سلمة «فلما نهاه الله عن الصلاة على المنافقين» انما هو بمعنى الدعاء لهم لا ان
النهى عن أصل الصلاة ، لأن الخبرين صريحان في انه (صلىاللهعليهوآله) صلى عليهم
بعد النهى وانما ترك الدعاء لهم بعد الرابعة خاصة. وبالجملة فظاهر الخبرين
المذكورين انه ينصرف بمجرد التكبير الرابع في الصلاة على المنافق كما ينصرف
بالخامس في الصلاة على المؤمن.
وما احتمله بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين ـ من
أن المراد الانصراف بإتمام دعاء الرابعة جمعا بينه وبين ما دل على الدعاء على
المنافق كما سيأتي في الأخبار ـ فلا يخفى بعده وركاكته بالنظر الى ظاهر سياق
الخبرين المذكورين.
وبما ذكرنا صرح شيخنا الشهيد في الذكرى فقال : والظاهر
ان الدعاء على هذا القسم غير واجب لان التكبير عليه اربع وبها يخرج من الصلاة. قال
في المدارك : وهو غير جيد فان الدعاء للميت أو عليه لا يتعين وقوعه بعد الرابعة
كما بيناه.
أقول : أشار بما بينه الى ما اختاره ـ كما قدمنا نقله
عنه ـ من العمل بتلك الروايات الصحيح بعضها والحسن بعضها وطرح روايتي أم سلمة
وإسماعيل بن همام. وفيه ان كلام شيخنا الشهيد مبنى على العمل بهذين الخبرين الذين
هما مستند الأصحاب في تفريق الأدعية وتوزيعها على التكبيرات كما هو القول المشهور
بين كافة الأصحاب سلفا وخلفا. والأخبار التي أشار إليها لم يقل بها أحد سواه ومن
تبعه ، ولا ريب ان الخبرين المذكورين واضحا الدلالة في ما ذكره الشهيد من الانصراف
بمجرد التكبير الرابع وعدم الدعاء مطلقا.
نعم يبقى الكلام في الجمع بين هذين الخبرين وبين الأخبار
الدالة على الدعاء على المنافق كما عليه الأصحاب (رضوان الله عليهم) وقد عرفت بعد
ما احتمله بعض
__________________
(1) ص 402 و 403.
المحققين في الجمع بين هذه الأخبار
كما أشرنا إليه آنفا.
ويمكن التوفيق بينها بان يقال لا يخفى ان ما دل على
الانصراف بعد الرابعة انما ورد في صلاته (صلىاللهعليهوآله) على منافقي
زمانه وحكاية صلاته عليهم ، وما ورد في الدعاء عليهم انما ورد في الصلاة على
الناصب والمخالفين من أهل السنة وان عبر عنهم بالمنافقين أيضا في بعض الأخبار.
وها أنا أسوق ما وقفت عليه من الأخبار في ذلك لتطلع على
صحة ما هنالك ، فمن ذلك ما رواه في الكافي عن عامر بن السمط عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) «ان رجلا من
المنافقين مات فخرج الحسين بن على (عليهماالسلام) يمشى معه
فلقيه مولى له فقال له الحسين (عليهالسلام) أين تذهب يا
فلان؟ فقال له مولاه أوفر من جنازة هذا المنافق أن أصلي عليها. فقال له الحسين (عليهالسلام) انظر ان تقوم
على يميني فما تسمعني أقول فقل مثله. فلما ان كبر عليه وليه قال الحسين (عليهالسلام) : الله أكبر
العن فلانا عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة اللهم أخز عبدك في عبادك وبلادك وأصله
حر نارك وأذقه أشد عذابك فإنه كان يتولى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك
(صلىاللهعليهوآله)».
وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن الحلبي عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
صليت على عدو الله فقل : اللهم ان فلانا لا نعلم منه إلا انه عدو لك ولرسولك (صلىاللهعليهوآله) اللهم فاحش
قبره نارا واحش جوفه نارا وعجل به الى النار فإنه كان يتولى أعداءك ويعادي أولياءك
ويبغض أهل بيت نبيك اللهم ضيق عليه قبره. وإذا رفع فقل اللهم لا ترفعه ولا تزكه».
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم
عن أحدهما (عليهماالسلام) (3) قال : «ان كان
جاحدا للحق فقل : اللهم املأ جوفه نارا وقبره نارا وسلط عليه الحياة والعقارب وذلك
قاله أبو جعفر (عليهالسلام) لامرأة سوء من
بنى أمية صلى عليها ابى ، وقال هذه المقالة : واجعل الشيطان لها قرينا».
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 4 من صلاة الجنازة.
وقال في كتاب الفقه الرضوي (1) في تتمة
العبارة الأولى مما قدمنا نقله عنه : وإذا كان الميت مخالفا فقل في تكبيرك الرابعة
: اللهم أخز عبدك وابن عبدك هذا اللهم أصله حر نارك اللهم أذقه اليم عذابك وشديد
عقوبتك وأورده نارا واملأ جوفه نارا وضيق عليه لحده فإنه كان معاديا لأوليائك
ومتواليا لأعدائك. اللهم لا تخفف عنه العذاب واصبب عليه العذاب صبا. فإذا رفع
جنازته فقل اللهم لا ترفعه ولا تزكه».
وهذه ا؟ لروايات كلها كما ترى ظاهرة في المخالف من أهل
السنة ، وحينئذ فيجب ان يقصر كل من هذه الاخبار والخبرين المتقدمين على مورده.
ولا ينافي ذلك ما ورد في حديث عبد الله بن ابى وهو ما
رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال «لما مات
عبد الله بن ابى بن سلول حضر.
__________________
(1) ص 19.
(2) الوسائل الباب 4 من صلاة الجنازة وقد ورد مضمون هذا الحديث
في روايات العامة. ففي البخاري باب الكفن في القميص «ان ابنه عبد الله جاء إلى
النبي (صلىاللهعليهوآله) وطلب منه قميصه والصلاة عليه
والاستغفار له فأجابه رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الى ما أراد فلما قام ليصلي عليه جذبه
عمر وقال أليس نهاك الله أن تصلى على المنافقين؟ فقال أنا بين خيرتين قال : «استغفر
لهم أو لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم فصلى عليه». وفي
تفسير ابن كثير ج 2 ص 478 «قال عمر بن الخطاب لما قام النبي (صلىاللهعليهوآله) ليصلي عليه تحولت حتى قمت في صدره
وقلت أعلى عدو الله القائل يوم كذا وكذا تصلى؟ ورسول الله (صلىاللهعليهوآله) يتبسم حتى إذا أكثرت عليه قال أخر عني
يا عمر انى خيرت فاخترت ولو أعلم انى زدت على السبعين يغفر له لفعلت. ثم صلى عليه
ومشى معه وقام على قبره حتى فرغ منه. قال عمر فعجبت من جرأتى على رسول الله (صلىاللهعليهوآله) والله ورسوله أعلم». وفي تفسير السراج
المنير ج 1 ص 612 للخطيب الشربينى وأسباب النزول للواحدي ص 193 وروح المعاني للالوسى
ج 10 ص 154 «لما أكثر عليه عمر بن الخطاب قال له رسول الله «ان قميصي لا يغني عنه
من الله شيئا وانى أؤمل ان يدخل في الإسلام بسببه كثير». فيروى أنه أسلم ألف من
الخزرج. وقد أوردوا هذه القصة في تفاسيرهم في تفسير قوله تعالى في سورة التوبة
الآية 85 «وَلا تُصَلِّ عَلى
أَحَدٍ مِنْهُمْ».
النبي (صلىاللهعليهوآله) جنازته فقال
عمر لرسول الله يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ألم ينهك
الله ان تقوم على قبره؟ فسكت فقال يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ألم ينهك
الله أن تقوم على قبره؟ فقال له ويلك وما يدريك ما قلت؟ انى قلت : اللهم احش جوفه
نارا واملأ قبره نارا وأصله نارا. قال أبو عبد الله (عليهالسلام) فأبدى من
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ما كان يكره».
فإنه يمكن تخصيص الخبر به حيث انه كان رأس النفاق (1) على ان الخبر
غير ظاهر في كونه (صلىاللهعليهوآله) صلى عليه وانما
فيه انه حضر جنازته ومجرد الحضور لا يستلزم الصلاة.
ومما يعضد الأول أعني تخصيص الخبر به ما صرح به شيخنا
المفيد (عطر الله مرقده) في كتاب المقنعة (2) حيث قال : روى عن الصادقين (عليهمالسلام) انهم قالوا «كان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يصلى على
المؤمنين ويكبر خمسا ويصلى على أهل النفاق سوى من ورد النهى عن الصلاة عليهم فيكبر
أربعا». فإنه يدل على
__________________
(1) في تفسير الخازن ج 3 ص 108 نقلا عن شرح مسلم للقرطبى «كان
ابن أبي رأسا في المنافقين وأعظمهم نفاقا وأشدهم وكان المنافقون كثيرين بلغوا
ثلثمائة رجل ومائة وسبعين امرأة وانتهت إليه رئاسة الخزرج فلما ظفر النبي (صلىاللهعليهوآله) وانصرف الخزرج اليه حسد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وبالغ في العداوة له وكان ولده عبد
الله من خيار الصحابة وأصدقهم إسلاما وأكثرهم عبادة واشرحهم صدرا بارا بأبيه مع
كفره ونفاقه ، قال للنبي (صلىاللهعليهوآله) انك لتعلم انى أبر الناس بأبي وان
أمرتني لآتيك برأسه فعلت وأخشى ان تأمر أحدا بقتله فلا تدعني نفسي ان انظر الى
قاتل ابى فاقتله فأكون قد قتلت مؤمنا بكافر؟ فقال نبي الحنان (صلىاللهعليهوآله) لا يتحدث الناس ان محمدا يقتل أصحابه
بل أحسن صحبته وبر به وترفق به ما صحنا». وفي أسد الغابة ج 3 ص 197 «ان الخزرج
أجمعوا على ان يتوجوه ويملكوه أمرهم قبل الإسلام فلما جاء (صلىاللهعليهوآله) رجعوا عن ذلك فحسد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وأخذ به العزة وأضمر النفاق وهو
القائل في غزوة بني المصطلق «لَئِنْ
رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» سورة المنافقين الآية 8.
(2) الوسائل الباب 5 من صلاة الجنازة.
إن النهى انما هو عن أناس مخصوصين ،
ولا ريب ان رأس المنافقين الذي نزلت فيه سورة المنافقين هو عبد الله المذكور.
على ان حديث الحسين (عليهالسلام) غير صريح ولا
ظاهر في كونه صلى عليه الصلاة المعهودة وانما تضمن انه دعا عليه ، فان قوله «فلما
ان كبر عليه وليه قال الحسين (عليهالسلام) الله أكبر
اللهم العن فلانا. الى آخره» ظاهر في انه دعا عليه في أول تكبيرة ثم لم يزل يكرر
ذلك في كل تكبيرة.
وبالجملة فإنك قد عرفت مما قدمنا ذكره في المطلب الأول
ان المخالف لا يصلى عليه إلا ان تلجئ التقية الى ذلك ، وحينئذ فمتى صلى عليه فهو
مخير بين الدعاء عليه بعد كل تكبيرة ـ كما هو ظاهر خبر الحسين (عليهالسلام) بالتقريب
الذي ذكرناه ، وعليه يحمل ما بعده ايضا من خبري الحلبي ومحمد بن مسلم فإنهما
ظاهران في الإطلاق ـ وبين الدعاء بعد الرابعة كما هو صريح عبارة كتاب الفقه
الرضوي. وأما روايتا أم سلمة وإسماعيل بن همام (1) فقد عرفت انهما مخصوصتان بمنافقى أهل
زمانه (صلىاللهعليهوآله) لأجل تأليف
الناس ، مع ان الخبرين ليس فيهما دعاء له ولا عليه. والله العالم.
الخامس ـ روى الصدوق في كتاب العلل بسنده عن ابى بصير (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) لأي علة تكبر
على الميت خمس تكبيرات ويكبر مخالفونا اربع تكبيرات؟ قال لأن الدعائم التي بنى
عليها الإسلام خمس : الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية لنا أهل البيت ، فجعل
الله للميت من كل دعامة تكبيرة ، وانكم أقررتم بالخمس كلها وأقر مخالفوكم بأربع
وأنكروا واحدة ، فمن ذلك يكبرون على موتاهم أربع تكبيرات وتكبرون خمسا».
وروى في كتاب عيون الأخبار بسنده عن الحسن بن النضر (3) قال : «قال
الرضا (عليهالسلام) ما العلة في
التكبير على الميت خمس تكبيرات؟ قلت رووا انها
__________________
(1) ص 402 و 403.
(2 و 3) الوسائل الباب 5 من صلاة الجنازة.
اشتقت من خمس صلوات. فقال هذا ظاهر
الحديث فاما في وجه آخر فان الله فرض على العباد خمس فرائض : الصلاة والزكاة
والصوم والحج والولاية ، فجعل للميت من كل فريضة تكبيرة واحدة ، فمن قبل الولاية
كبر خمسا ومن لم يقبل الولاية كبر أربعا ، فمن أجل ذلك تكبرون خمسا ومن خالفكم
يكبر أربعا».
أقول : المعنى في هذين الخبرين ان العلة في فرض الله
سبحانه خمس تكبيرات في الصلاة على الميت المؤمن هو فرض هذه الفرائض الخمس عليه في
حال الحياة فجعل له بعد الموت من كل فريضة تكبيرة ، ولما كانت الشيعة الإمامية ممن
وفق في الحياة للقيام بالفرائض الخمس المذكورة كان الواجب عندهم في التكبير على
الميت هذا العدد فحصل لهم التوفيق بالفرضين حياة وموتا ، والمخالف لما سلب التوفيق
للقيام بالفريضة الخامسة وهي الولاية في الحياة سلب التوفيق لتكبيرها بعد الموت ،
فحصل لهم من الشبهة في الحالين الناشئة عن الخذلان وسلب التوفيق ما أوجب لهم ترك
الولاية في الحياة وترك التكبير بعد الموت.
ولعل الشبهة الموجبة لتركهم التكبير الخامس ما ورد في
بعض الأخبار عنه (صلىاللهعليهوآله) انه كان يكبر
أربعا على بعض الأموات ولم يتفقهوا الى ان ذلك انما هو في ما إذا كان الميت منافقا
كما صرحت به أخبار أهل البيت (عليهمالسلام) من انه (صلىاللهعليهوآله) كان يصلى على
بعض خمس تكبيرات وعلى أناس أربعا وانه إذا كبر اربع تكبيرات اتهم بالنفاق.
وربما أكد ذلك عندهم إصرار الشيعة على الخمس حيث انهم
يتعمدون مخالفتهم وان اعترفوا بأن السنة النبوية في ما عليه الشيعة ، بل قد صرح
بهذا الوجه بعض شراح صحيح مسلم على ما نقله بعض أصحابنا (رضوان الله عليهم) حيث
قال نقلا عنه : انما ترك القول بالتكبيرات الخمس في صلاة الجنازة لأنه صار علما
للتشيع. وقال عبد الله المالكي المغربي في كتابه المسمى بفوائد مسلم (1) ـ كما نقله
بعض أصحابنا
__________________
(1) لم نعثر على هذين الكتابين ولكنه غير بعيد بعد ما ذكر
الغزالي في الوجيز ج 1
ايضا ـ ان زيدا كبر خمسا على جنازة ،
قال وكان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يكبرها ،
وهذا المذهب الآن متروك لانه صار علما على القول بالرفض. وقد أوردنا في كتابنا
سلاسل الحديد في تقييد ابن ابى الحديد جملة من مخالفتهم التي من هذا القبيل.
قال شيخنا الشهيد في الذكرى يجب فيها خمس تكبيرات لخبر
زيد بن أرقم أنه كبر على جنازة خمسا وقال كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يكبرها ،
أورده مسلم (1) وأكثر
المسانيد ، ولفظ «كان» يشعر بالدوام ، والأربع وان رويت فالإثبات مقدم على النفي
وجاز أن يكون راوي الأربع لم يسمع الخامسة أو نسيها ، قال بعض العامة الزيادة
ثابتة عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) والاختلافات
المنقولة في العدد من جملة الاختلاف في المباح والكل شائع. وفي كلام بعض شراح مسلم
انما ترك القول بالخمس لانه صار علما للقول بالتشيع وهذا عجيب. انتهى.
هذا ، وأما الأخبار الدالة على انه (صلىاللهعليهوآله) كان يكبر على
المنافقين أربعا فإنه لا منافاة فيها لهذه العلة المذكورة في هذين الخبرين ، لان
هذه العلة إنما ذكرت بالنسبة الى من دخل في الإسلام وصدق به ودان به من الأنام دون
من لم يصدق به من المنافقين في زمنه (صلىاللهعليهوآله) وحينئذ
فصلاته عليهم أربعا الظاهر انها انما وقعت للتمييز بينهم وبين المؤمنين وإظهار
بغضهم ونفاقهم بين العالمين ، والمخالفون لخذلانهم وسلب توفيقهم للولاية قد دخلوا
في زمرتهم والتحقوا بهم. والله العالم.
السادس ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن
الواجب في الصلاة على الميت المؤمن خمس تكبيرات وبه استفاضت الأخبار عنهم (عليهمالسلام)
__________________
ص 47 ان تسنيم القبور أفضل من التسطيح مخالفة لشعار الروافض.
وفي المهذب ج 1 ص 127 «قال أبو على الطبري في زماننا يسنم القبر لان التسطيح من
شعار الرافضة» ويرجع في ذلك الى التعليقة 2 ص 466 ج 8.
(1) ج 1 ص 352 باب الصلاة على القبر من كتاب الجنائز ، وأورده
البيهقي في السنن وابن ماجة والنسائي وأبو داود.
وقد مر جملة منها في المباحث المتقدمة
ولا سيما الأخبار المتضمنة لعلة الخمس المذكورة
ومنها ـ ما رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن عبد الله بن
سنان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) انه قال : «لما
مات آدم فبلغ إلى الصلاة عليه فقال هبة الله لجبرئيل تقدم يا رسول الله فصل على
نبي الله فقال جبرئيل ان الله أمرنا بالسجود لأبيك فلسنا نتقدم أبرار ولده وأنت من
أبرهم فتقدم فكبر عليه خمسا عدة الصلوات التي فرضها الله على امة محمد (صلىاللهعليهوآله) وهي من السنة
الجارية في ولده الى يوم القيامة».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «التكبير
على الميت خمس تكبيرات».
وعن إسماعيل بن سعد الأشعري في الصحيح عن ابى الحسن
الرضا (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن الصلاة على الميت فقال أما المؤمن فخمس تكبيرات واما المنافق فأربع ، ولا سلام
فيها».
وعن ابى بصير عن ابى جعفر (عليهالسلام) (4) قال : «كبر
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) خمسا».
وعن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (5) قال : «التكبير
على الميت خمس تكبيرات».
وما رواه في الكافي عن ابى بكر الحضرمي (6) قال : «قال
أبو جعفر (عليهالسلام) يا أبا بكر
هل تدري كم الصلاة على الميت؟ قلت لا. قال خمس تكبيرات. فتدري من أين أخذت الخمس؟
قلت لا. قال أخذت الخمس تكبيرات من الخمس صلوات من كل صلاة تكبيرة».
وعن سليمان بن جعفر الجعفري عن أبيه عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (7) قال «قال
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7) الوسائل الباب 5 من صلاة الجنازة.
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان الله فرض
الصلاة خمسا وجعل للميت من كل صلاة تكبيرة».
وما رواه الشيخ عن قدامة بن زائدة (1) قال : «سمعت
أبا جعفر (عليهالسلام) يقول ان رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) صلى على ابنه
إبراهيم فكبر عليه خمسا». الى غير ذلك من الأخبار.
ومقتضى ذلك انه لا يجوز الزيادة على ذلك بقصد انها من
الصلاة لأنه تشريع محض. وهل تبطل الصلاة بالزيادة؟ قيل لا لخروجه بالخامسة من
الصلاة. ولا يجوز النقيصة عن ذلك إلا مع إمكان التدارك.
واما ما يدل على خلاف ذلك ـ مثل ما رواه الشيخ عن جابر (2) قال : «سألت
أبا جعفر (عليهالسلام) عن التكبير
على الجنازة هل فيه شيء موقت؟ فقال لا كبر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أحد عشر
وتسعا وسبعا وخمسا وستا وأربعا». ـ
فقد أجاب الشيخ عنه فقال : ما تضمن هذا الخبر من زيادة
التكبير على الخمس مرات متروك بالإجماع ، ويجوز أن يكون (عليهالسلام) أخبر عن فعل
النبي (صلىاللهعليهوآله) بذلك لانه
كان يكبر على جنازة واحدة أو اثنتين فكان يجاء بجنازة اخرى فيبتدئ من حيث انتهى
خمس تكبيرات فإذا أضيف الى ما كان كبر زاد على الخمس تكبيرات ، وذلك جائز على ما
سنبينه في ما بعد ان شاء الله تعالى. واما ما يتضمن من الأربع تكبيرات فمحمول على
التقية لأنه مذهب المخالفين (3) أو يكون أخبر
عن فعل النبي (صلىاللهعليهوآله) مع المخالفين
والمتهمين بالإسلام لانه (صلىاللهعليهوآله) كذا كان
يفعل. انتهى.
وربما حمله بعض الأصحاب على الاستحباب إذا التمس أهل
الميت ذلك وفي
__________________
(1) الوسائل الباب 5 و 14 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
(3) ارجع الى التعليقة 2 ص 404.
بعض الأخبار اشارة اليه. وبالجملة
فالمفهوم من الأخبار هو وجوب الخمس في الصلاة على المؤمن وأما المنافق والمخالف
فالأربع كما تقدم. والله العالم.
السابع ـ لا يخفى ان لهذه الصلاة واجبات ومندوبات ،
وتحقيق الكلام في ذلك يقع في مقامين (الأول) في ما يجب فيها :
ومنها ـ النية وهي قصد الفعل طاعة لله ، قالوا : ولا يجب
فيها التعرض للوجه ولا للأداء والقضاء.
أقول : والأمر في النية ـ كما عرفت في المباحث المتقدمة
ـ مفروغ عنه عندنا ونعني بها النية الحقيقية لا هذه النية الافتعالية كما تقدم
تحقيقه.
ومنها ـ وجوب الاستقبال من المصلى ولا خلاف فيه ،
واستدلوا على ذلك بأنه هو المنقول عن النبي (صلىاللهعليهوآله) والأئمة (عليهمالسلام) فيجب تحصيلا
للبراءة اليقينية لعدم ثبوت شرعيتها على وجه آخر.
ومثل هذا التعليل وان جرت لهم فيه مناقشات في غير هذا
الموضع إلا انه في هذا الموضع مسلم الثبوت بين أصحابنا تلك المناقشات.
قال في الذكرى : يجب فيها استقبال المصلي إلحاقا لها
بسائر الصلوات. ولا يخفى ما فيه وكيف كان فيقين البراءة يقتضيه.
نعم انما يجب ذلك مع الإمكان فلو تعذر من المصلى أو
الجنازة كالمصلوب الذي يتعذر إنزاله سقط الوجوب.
وروى الكليني في الصحيح الى ابى هاشم الجعفري (1) قال : «سألت
الرضا (عليهالسلام) عن المصلوب
فقال اما علمت ان جدي صلى على عمه؟ قلت أعلم ذلك ولكني لا أفهمه مبينا. قال أبينه
لك : ان كان وجه المصلوب إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن وان كان قفاه إلى القبلة
فقم على منكبه الأيسر فإن بين المشرق والمغرب قبلة وان كان منكبه الأيسر إلى
القبلة فقم على منكبه الأيمن وان كان منكبه الأيمن إلى القبلة
__________________
(1) الوسائل الباب 35 من صلاة الجنازة.
فقم على منكبه الأيسر ، وكيف كان
منحرفا فلا تزايلن مناكبه وليكن وجهك الى ما بين المشرق والمغرب ولا تستقبله ولا
تستدبره البتة. قال أبو هاشم وقد فهمته ان شاء الله تعالى فهمته والله».
قال في الذكرى : وهذه الرواية وان كانت غريبة نادرة كما
قال الصدوق وأكثر الأصحاب لم يذكروا مضمونها في كتبهم إلا انه ليس لها معارض ولا
راد ، وقد قال أبو الصلاح وابن زهرة يصلى على المصلوب ولا يستقبل وجهه الإمام في
التوجه فكأنهما عاملان بها ، وكذا صاحب الجامع الشيخ نجيب الدين بن سعيد ، والفاضل
في المختلف قال ان عمل بها فلا بأس ، وابن إدريس نقل عن بعض الأصحاب انه صلى عليه
وهو على خشبة استقبل بوجهه وجه المصلى عليه ويكون هو مستدبر القبلة ، ثم حكم بأن
الأظهر إنزاله بعد الثلاثة والصلاة عليه. قلت هذا النقل لم أظفر به وإنزاله قد
يتعذر كما في قضية زيد (عليهالسلام). انتهى.
وقال في المختلف بعد ذكر الحكم المذكور : ويحمل الصلب
على من وجب عليه قودا وفي حق المحارب إذا قتل فإنه يقتل ويصلب بعد ان يؤمر بالغسل
والكفن.
ومنها ـ القيام مع القدرة إجماعا ومع العجز يصلى بحسب
الإمكان ، قال في الذكرى بعد دعوى الإجماع على وجوبه : بل هو الركن الأظهر لأن
النبي (صلىاللهعليهوآله) والأئمة (عليهمالسلام) والصحابة
صلوا عليها قياما والتأسي واجب خصوصا في الصلاة لقول النبي (صلىاللهعليهوآله) (1) «صلوا كما
رأيتموني أصلي». ولأن الأصل بعد شغل الذمة عدم البراءة إلا بالقيام فيتعين. انتهى.
والكلام فيه كما عرفت في الأول لأنه مسلم الصحة بينهم لا راد ولا مناقش فيه.
وفي الاكتفاء بصلاة العاجز مع وجود من يمكنه القيام
اشكال ، من صدق الصلاة الواجبة بالنسبة الى ذلك المصلى ، ومن نقصها ووجود من يأتي
بالصلاة الكاملة. ورجح في المدارك الثاني معللا بأن الأصل عدم السقوط بغير الصلاة
الكاملة
__________________
(1) مسند احمد ج 5 ص 53.
وجعل الأول احتمالا. وظاهره في الذكرى
وكذا الفاضل الخراساني في الذخيرة التوقف ، وهو كذلك لعدم الدليل الواضح في
المقام.
ومنها ـ وجوب الستر مع الإمكان على خلاف فيه ، فجزم العلامة
(قدسسره) بعدم اعتباره
، قال لانه دعاء. وقال في الذكرى : الأقرب وجوب ستر العورة مع الإمكان إلحاقا لها
بسائر الصلوات وبحكم التأسي. ثم قال : وقال الفاضل ليس الستر شرطا في صلاة الجنازة
لأنها دعاء. ثم أجاب عنه وقال : قلت لا ريب انها تسمى صلاة وان اشتملت على الدعاء
فتدخل تحت عموم الصلاة ، ويعارض بوجوب القيام والاستقبال فيها. انتهى.
أقول : لا يخفى ما في كلامه (قدسسره) من الوهن
وتطرق المناقشة إليه بأن الإطلاق أعم من الحقيقة ، والاستدلال على الوجوب الإلحاق
بسائر الصلوات والتأسي مجازفة محضة في الأحكام الشرعية المطلوب فيها الثبوت
بالأدلة القطعية دون مجرد التخمينات الظنية وإلا كان قولا على الله بغير علم ، وقد
استفاضت الآيات والروايات بالنهي عنه ، ومن ذلك يظهر لك ان لا مستند لهم في جميع
هذه الأحكام أزيد من الاتفاق والإجماع الذي يدعونه ، فان جميع ما ذكروه من هذه التعليلات
العليلة وان جرى الخلف فيها على ما جرى عليه السلف لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية
، وليس في المقام دليل شرعي يمكن التمسك به سوى الاحتياط فإنه في مواضع الاشتباه
واجب كما قدمنا تحقيقه في غير مقام.
قال في الذكرى : وفي وجوب ازالة الخبث عنه وعن ثوبه نظر من
الأصل وانها دعاء وأخفية الخبث بالنسبة إلى الحدث ومن ثم صحت الصلاة مع الخبث لا
مع بقاء حكم الحدث ، ومن إطلاق التسمية بالصلاة التي يشترط فيها ذلك والاحتياط.
ولم أقف في هذا على نص ولا فتوى. انتهى.
أقول : ضعف الوجه الثاني أظهر من أن يحتاج الى بيان ،
سيما بعد ما عرفت في ما قدمناه مما ظاهرهم الاتفاق عليه في هذا المكان ، ويزيده
تأييدا ما في موثقة
يونس بن يعقوب (1) «في الصلاة على
الجنازة من غير وضوء؟ قال نعم انما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تكبر وتسبح
في بيتك».
وما في صحيحة الحلبي الواردة في جواز الصلاة حين تغيب
الشمس وحين تطلع (2) قال «انما هو
استغفار».
ومنها ـ وجوب الاستقبال بالميت بان يوضع رأسه عن يمين
المصلى مستلقيا ورجلاه الى يسار المصلى ، قال ابن حمزة بحيث لو اضطجع على يمينه
لكان بإزاء القبلة وعللوه بالتأسي بالنبي (صلىاللهعليهوآله) والأئمة (عليهمالسلام) وعدم يقين
الخروج من العهدة بدونه.
والأظهر الاستدلال عليه بما رواه الشيخ في الموثق عن
عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (3) «انه سئل عن
ميت صلى عليه فلما سلم الإمام فإذا الميت مقلوب رجلاه الى موضع رأسه قال : يسوى
وتعاد الصلاة عليه وان كان قد حمل ما لم يدفن فان دفن فقد مضت الصلاة ولا يصلى
عليه وهو مدفون».
والحكم المذكور مما لا خلاف فيه بينهم ، لكن ينبغي أن
يعلم ان ذلك انما يعتبر بالنسبة الى غير المأموم ولا بد ايضا من تقييده بصورة
الإمكان ، فلو تعذر كالمصلوب الذي يتعذر إنزاله سقط كما تقدم (4) في صلاة الصادق
(عليهالسلام) على عمه زيد
مصلوبا.
ومنها ـ انهم صرحوا بأنه لا يجوز الصلاة عليه إلا بعد
تغسيله وتكفينه إلا ان يتعذر الكفن فإنه يجعل في قبره وتستر عورته ويصلى عليه.
والحكم الأول مما ظاهرهم الاتفاق عليه ، قال في المدارك
: هذا قول العلماء كافة لأن النبي (صلىاللهعليهوآله) هكذا فعل
وهكذا الصحابة والتابعون فيكون الإتيان بخلافه تشريعا محرما.
__________________
(1) الوسائل الباب 21 من صلاة الجنازة.
(2) الوسائل الباب 20 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 19 من صلاة الجنازة.
(4) في حديث ابى هاشم ص 422.
والأظهر في الاستدلال على عدم الجواز في الصورة المذكورة
هو وجوب الاحتياط في مقام الاشتباه «حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك» (1). والحكم
الشرعي في الشبهات هو الوقوف عن الفتوى والعمل بالاحتياط في مقام العمل وفعل ذلك
الشيء ، وحينئذ فالأحوط وجوبا أن لا يصلى عليه إلا بعد الغسل والتكفين
واما الحكم الثاني فيدل عليه ما رواه الشيخ والصدوق في
الموثق عن عمار بن موسى الساباطي (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) ما تقول في
قوم كانوا في سفر لهم يمشون على ساحل البحر فإذا هم برجل ميت عريان قد لفظه البحر
وهم عراة وليس عليهم إلا إزار كيف يصلون عليه وهو عريان وليس معهم فضل ثوب يكفنونه
به؟ قال يحفر له ويوضع في لحده ويوضع اللبن على عورته فتستر عورته باللبن وبالحجر
ثم يصلى عليه ثم يدفن. قلت فلا يصلى عليه إذا دفن. الحديث».
وما رواه في التهذيب عن محمد بن أسلم عن رجل من أهل الجزيرة
(3) قال : «قلت
لأبي الحسن الرضا (عليهالسلام) قوم كسر بهم
مركب في بحر فخرجوا يمشون على الشط فإذا هم برجل ميت عريان والقوم ليس عليهم إلا
مناديل متزرين بها وليس عليهم فضل ثوب يوارون الرجل فكيف يصلون عليه وهو عريان؟
فقال إذا لم يقدروا على ثوب يوارون به عورته فليحفروا قبره ويضعوه في لحده ويوارون
عورته بلبن أو أحجار أو تراب ثم يصلون عليه ثم يوارونه في قبره. قلت ولا يصلون
عليه وهو مدفون بعد ما يدفن؟ قال لا لو جاز ذلك لأحد لجاز لرسول الله (صلىاللهعليهوآله) فلا يصلى على
المدفون ولا على العريان». ومقتضى إطلاق الأمر بالستر عدم إناطته بوجود الناظر.
وذكر الشهيد في الذكرى انه ان أمكن ستره بثوب صلى عليه
قبل الوضع في اللحد وتبعه الشهيد الثاني مصرحا بالوجوب ، والرواية الثانية دالة
عليه وان كان إطلاق
__________________
(1) الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به.
(2 و 3) الوسائل الباب 36 من صلاة الجنازة.
الأولى يدفعه والظاهر انه كذلك. قال
في المدارك بعد نقل كلام الذكرى : ولا ريب في الجواز نعم يمكن المناقشة في الوجوب.
المقام الثاني في المستحبات : ومنها ـ ان يقف الامام عند
وسط الرجل وصدر المرأة على المشهور ، وقال الشيخ في الاستبصار انه يقف عند رأس
المرأة وصدر الرجل.
ويدل على الأول ما رواه الشيخ في الحسن عن عبد الله بن
المغيرة عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «قال
أمير المؤمنين (عليهالسلام) من صلى على
امرأة فلا يقوم في وسطها ويكون مما يلي صدرها وإذا صلى على الرجل فليقم في وسطه».
وعن جابر عن ابى جعفر (عليهالسلام) (2) قال : «كان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يقوم من
الرجل بحيال السرة ومن النساء أدون من ذلك قبل الصدر».
ويدل على ما ذهب اليه الشيخ ما رواه هو وقبله الكليني عن
موسى بن بكير عن ابى الحسن (عليهالسلام) (3) قال : «إذا
صليت على المرأة فقم عند رأسها وإذا صليت على الرجل فقم عند صدره». والشيخ في
التهذيب حمل الصدر في هذا الخبر على الوسط والرأس على الصدر ، قال لأنه يعبر عن
الشيء باسم ما يجاوره. والأظهر الجمع بين الاخبار بالتخيير.
ومنها ـ استحباب الطهارة والظاهر انه لا خلاف بين
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في عدم اشتراط الطهارة من الحديث في الصلاة على الميت
، نقل اتفاقهم عليه العلامة في التذكرة.
ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الكليني في
الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) (4) قال : «سألته
عن الرجل تفجأه الجنازة وهو على غير طهر؟ قال فليكبر معهم».
وما رواه الكليني والشيخ في الموثق وابن بابويه بإسناد
فيه ضعف عن يونس
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 27 من صلاة الجنازة.
(4) الوسائل الباب 21 من صلاة الجنازة.
ابن يعقوب (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الجنازة
أصلي عليها على غير وضوء؟ فقال نعم انما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تسبح
وتكبر في بيتك على غير وضوء».
وعن محمد بن مسلم في الصحيح أو الحسن (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الحائض
تصلي على الجنازة؟ قال نعم ولا تقف معهم مفردة». كذا في التهذيب ، وفي الكافي (3) «ولا تصف معهم».
وعن عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «قلت
تصلي الحائض على الجنازة؟ قال نعم ولا تصف معهم وتقوم مفردة».
وما رواه الشيخ عن سماعة في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (5) «عن المرأة
الطامث إذا حضرت الجنازة؟ قال تتيمم وتصلى عليها وتقوم وحدها بارزة عن الصف».
وعن عبد الله بن المغيرة عن رجل عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (6) قال : «سألته
عن الحائض تصلي على الجنازة؟ فقال نعم. ولا تقف معهم والجنب يصلى على الجنازة».
وقال (عليهالسلام) في الفقه
الرضوي (7) : ولا بأس ان
يصلى الجنب على الجنازة والرجل على غير وضوء والحائض إلا ان الحائض تقف ناحية ولا
تختلط بالرجال وان كنت جنبا وتقدمت للصلاة عليها فتيمم أو توضأ وصل عليها ، وقد
أكره أن يتوضأ إنسان عمدا للجنازة لأنه ليس بالصلاة انما هو التكبير ، والصلاة هي
التي فيها الركوع والسجود. انتهى.
أقول : ما دل عليه جملة من هذه الاخبار من تأخر الحائض
يحتمل أن يكون المراد تأخرها ولو عن من تكون بصفها من النساء كما هو ظاهر الأصحاب
، قال في
__________________
(1) الوسائل الباب 21 من صلاة الجنازة.
(2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 22 من صلاة الجنازة.
(7) ص 19.
التذكرة : وإذا صلوا جماعة ينبغي أن
يتقدم الامام والمؤتمون خلفه صفوفا ، وان كان فيهم نساء وقفن آخر الصفوف ، وان كان
فيهم حائض انفردت بارزة عنهم وعنهن. ونحوه قال في المنتهى.
ويحتمل أن يكون المراد تأخرها عن صف الرجال فلا اختصاص
له بالحائض بل هذا حكم مطلق النساء ، ويؤيده لفظ الرجال في عبارة كتاب الفقه
الرضوي وتذكير ضمير «معهم» في الروايات المتقدمة ، ومن ثم قال في الذكرى : وفي
انفراد الحائض هنا نظر ، من خبر محمد بن مسلم فان الضمير يدل على الرجال وإطلاق
الانفراد يشمل النساء ، وبه قطع في المبسوط وتبعه ابن إدريس والمحقق. انتهى.
والاستدلال بهذه الأخبار على تأخرها عن النساء كما ذكره
الأصحاب (رضوان الله عليهم) لا يخلو من الإشكال ولم أقف على غيرها في هذا المجال.
وأما ما اشتملت عليه عبارة كتاب الفقه الرضوي من الوضوء
للجنب فلم أقف عليه إلا في الكتاب دون غيره من الأخبار وكلام الأصحاب وانما
المذكور التيمم للمحدث وان أمكن الغسل والوضوء. واما قوله : «واكره أن يتوضأ إنسان
عمدا للجنازة» فالظاهر ان المراد بقوله «عمدا» يعنى بنية الوجوب إذ لا خلاف في
الاستحباب نصا وفتوى. والله العالم.
واما ما يدل على الحكم الأول فمنه ما رواه الكليني
والشيخ عنه عن صفوان بن يحيى عن عبد الحميد بن سعد (1) قال : «قلت
لأبي الحسن (عليهالسلام) الجنازة يخرج
بها ولست على وضوء فان ذهبت أتوضأ فاتتني الصلاة أيجزئنى أن أصلي عليها وانا على
غير وضوء؟ قال تكون على طهر أحب الى».
وقد تقدم في باب التيمم جوازه مع وجود الماء في صلاة
الجنازة إذا خاف فوت الصلاة محافظة على الطهارة بالممكن.
__________________
(1) الوسائل الباب 21 من صلاة الجنازة.
ويدل عليه ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن (1) قال : «سئل
أبو عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
تدركه الجنازة وهو على غير وضوء فان ذهب يتوضأ فاتته الصلاة عليها؟ قال يتيمم
ويصلى».
وأطلق الشيخ وجماعة جواز التيمم لصلاة الجنازة مع وجود
الماء لموثقة سماعة (2) قال «سألته عن
رجل مرت به جنازة وهو على غير وضوء كيف يصنع؟ قال يضرب بيديه على حائط اللبن
فيتيمم».
أقول : يمكن تقييد إطلاقها بما دلت عليه رواية الحلبي
المذكورة من خوف فوت الصلاة فلا يحتاج الى الطعن فيها بضعف السند كما ذكره في
المدارك.
ومنها ـ استحباب نزع النعلين حال الصلاة وهو مذهب الأصحاب
(رضوان الله عليهم) لا يعلم فيه مخالف كما ذكره غير واحد منهم.
والأصل فيه ما رواه الشيخ عن سيف بن عميرة عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) (3) قال «لا يصلى
على الجنازة بحذاء ولا بأس بالخف». وهو مؤذن بتخصيص النهى بالنعل خاصة كما هو
المصرح به في كلام الأصحاب لأن الحذاء هو النعل ، قال في النهاية الحذاء بالمد
النعل.
واستحب المحقق في المعتبر الحفاء ، قال لأنه موضع اتعاظ
فناسب التذلل بالحفاء ولقول النبي (صلىاللهعليهوآله) (4) «من اغبرت
قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار».
وقال الصدوق في الفقيه : وقال ابى في رسالته الى «لا تصل
على الجنازة بنعل حذو ولا تجعل ميتين على جنازة».
أقول : هذه العبارة عين كلام الرضا (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي وكذا
__________________
(1) الوسائل الباب 21 من صلاة الجنازة. والراوي هو الحلبي.
(2) الوسائل الباب 21 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 26 من صلاة الجنازة.
(4) الجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 164.
ما ذكره في الفقيه بعدها ايضا حيث قال
(عليهالسلام) : ولا تصل
على الجنازة بنعل حذو ولا تجعل ميتين على جنازة واحدة. الى آخره.
قيل أراد (عليهالسلام) بالنعل
الانتعال وهو لبس النعل ، وفي الصحاح : نعلت وتنعلت إذا احتذيت. وإضافته إلى الحذو
لعله بمعنى الحذاء للتوضيح. وقيل يحتمل أن يكون مرادهم بنعل الحذو والحذاء غير
العربية من النعال الهندية والعجمية الساترة لظهر القدم أو أكثره بغير ساق.
وقال الصدوق في المقنع على ما نقله في الذكرى : وروى انه
لا يجوز للرجل أن يصلى على الجنازة بنعل حذو ، وكان محمد بن الحسن يقول : كيف تجوز
صلاة الفريضة ولا تجوز صلاة الجنازة. وكان يقول لا نعرف النهى عن ذلك إلا من رواية
محمد بن موسى الهمداني (1) وكان كذابا ،
وقال الصدوق : وصدق في ذلك إلا انى لا اعرف عن غيره رخصة واعرف النهى وان كان من
غير ثقة ولا يرد الخبر بغير خبر معارض. قال في الذكرى بعد نقل ذلك : قلت : وروى
الكليني عن عدة عن سهل ابن زياد عن إسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة ما قلناه (2) وهذا طريق غير
طريق الهمداني إلا ان يفرق بين الحذاء ونعل الحذو. انتهى.
أقول : لا يخفى ان ظاهر كلام الصدوق في عدوله عن مذهب
شيخه هنا ان الخبر وان كان ضعيفا عنده فإنه يعمل به إذا لم يكن معارض أقوى وأما مع
وجود المعارض الأقوى فإنه يطرح ولا يجب تحصيل وجه يحمل عليه ، وهو خلاف ما عليه
ظاهر الأصحاب قديما وحديثا ، فان الظاهر من كلامهم ـ كما دلت عليه الآية والرواية (3) ـ ان خبر
الفاسق من كذاب وغيره لا يثبت به حكم شرعي فكيف
__________________
(1) الرواية المشار إليها لم نقف عليها في كتب الحديث.
والعبارة المنقولة عن المقنع لم نجدها في المقنع المطبوع في مظانها.
(2) ص 430.
(3) اما الآية فقوله تعالى في سورة الحجرات الآية 6 «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ
فَتَبَيَّنُوا»
واما الرواية فيمكن أن يستفاد ذلك من ما ورد في الباب 11 من صفات القاضي وما يجوز
يتوقف رده على خبر معارض؟ وأعجب من
ذلك عدم تنبه شيخنا الشهيد (قدسسره) لما قلناه.
والعجب ايضا من شيخنا الصدوق ان عبارة أبيه في الرسالة
اليه المأخوذة كما عرفت من كتاب الفقه الرضوي الذي اعتمد عليه هو وأبوه في جميع
أبواب الفقه مما عرفت وستعرف ان شاء الله تعالى قد دلت على النهى عن ذلك فكيف لم
يستند الى ذلك واستند إلى رواية الهمداني مع اعترافه بان راويها كذاب. اللهم إلا
ان يقال ان عبارة كتاب الفقه لا صراحة فيها في الدلالة على التحريم كما هو ظاهر
عبارته في المقنع من قوله «لا يجوز» والكلام انما هو في التحريم كما تؤذن به هذه
العبارة وحينئذ يكون هذا بحثا آخر خارجا عن ظاهر كلام الأصحاب. والله العالم.
ومنها ـ استحباب ترتيب الجنائز متى تعددت بالذكورة
والأنوثة والصغرى والكبر والحرية والمملوكية.
وينبغي أن يعلم أولا انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) كما نقله في المنتهى في جواز الصلاة الواحدة على الجنائز المتعددة.
واستشكل جمع من الأصحاب الصلاة الواحدة في صورة اجتماع الصبي الذي لم يبلغ الست مع
غيره ممن تجب الصلاة عليه لاختلاف الوجه ، والحق انه لا اشكال بحمد الملك المتعال
كما سيأتي بيانه في المقام ان شاء الله تعالى.
وقد صرح جملة من الأصحاب بأن الأفضل التفريق بان يصلى
على كل جنازة على حيالها ، قال في الذكرى : والتفريق أفضل ولو كان على كل طائفة
لما فيه من تكرار ذكر الله وتخصيص الدعاء الذي هو أبلغ من التعميم ، إلا أن يخالف
حدوث أمر على الميت فالصلاة الواحدة أولى فيستحب إذا اجتمع الرجل والمرأة محاذاة
__________________
ان يقضى به من الوسائل من الأحاديث الظاهرة في إناطة أخذ الحكم
من الراوي بكونه ثقة ومأمونا ، وتعضده الأخبار الواردة في عدم قبول شهادة الفاسق
في الباب 30 من الشهادات من الوسائل.
صدرها لوسطه ليقف الامام موقف الفضيلة
وان يلي الرجل الامام ثم الصبي لست ثم العبد ثم الخنثى ثم المرأة ثم الطفل لدون ست
ثم الطفلة ، وجعل ابن الجنيد الخصى بين الرجل والخنثى ، ونقل في الخلاف الإجماع
على تقديم الصبي الذي تجب عليه الصلاة الى الامام على المرأة ، ثم قال : وأطلق
الصدوقان تقديم الصبي الى الامام. وفي النهاية أطلق تقديم الصبي إلى القبلة.
انتهى.
أقول : ما ذكره من تقييد الطفل بكونه لدون ست سنين مبنى
على ما قدمنا نقله عنهم مما اشتهر بينهم انه يستحب الصلاة عليه حيث انهم جعلوا ذلك
وجه جمع بين أخبار المسألة ، ومن أجل ذلك استشكل بعضهم ـ كما قدمنا ذكره ـ في
الصلاة الواحدة في هذه الحال لاختلاف الوجه.
قال في المدارك ـ بعد قول المصنف ولو كان طفلا جعل وراء
المرأة ـ ما لفظه المراد بالطفل هنا من لا تجب الصلاة عليه كما نص عليه في المعتبر
، واستدل على استحباب جعله وراء المرأة بأن الصلاة لا تجب عليه وتجب على المرأة
ومراعاة الواجب أولى فتكون مرتبتها أقرب الى الامام. وقال ابنا بابويه يجعل الصبي
الى الامام والمرأة إلى القبلة وأسنده المصنف في المعتبر إلى الشافعي (1) واستحسنه لما
رواه الشيخ عن ابن بكير عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «توضع
النساء مما يلي القبلة والصبيان دونهن والرجال دون ذلك». قال : وهذه الرواية وان
كانت ضعيفة لكنها سليمة من المعارض ولا بأس به. واستشكل جمع من الأصحاب الاجتزاء
بالصلاة الواحدة هنا لاختلاف الوجه ، وصرح العلامة في التذكرة بعدم
__________________
(1) في الأم ج 1 ص 244 «إذا اجتمعت جنائز رجال ونساء وصبيان
وخناثى جعل الرجال مما يلي الامام وقدم الى الامام أفضلهم ثم الصبيان يلونهم ثم
الخناثى يلونهم ثم النساء خلفهم مما يلي القبلة» وفي الوجيز ج 1 ص 46 «إذا اجتمعت
الجنائز يقرب من الامام الرجل ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة».
(2) الوسائل الباب 32 من صلاة الجنازة.
جواز جمع الجميع بنية واحدة متحدة
الوجه. ثم قال ولو قيل بإجزاء الواحدة المشتملة على الوجهين بالتقسيط أمكن. وهو
مشكل لان الفعل الواحد الشخصي لا يتصف بوصفين متنافيين. وقال في الذكرى انه يمكن
الاكتفاء بنية الوجوب لزيادة الندب تأكيدا. وهو مشكل أيضا لأن الوجوب مضاد للندب
فلا يكون مؤكدا له. والحق انه لم يثبت الاجتزاء بالصلاة الواحدة بنص أو إجماع وجب
نفيه لأن العبادة كيفية متلقاة من الشارع فيقف إثباتها على النقل ، وان ثبت
الاجتزاء بذلك كان الإشكال مندفعا بالنص كما في تداخل الأغسال الواجبة والمستحبة ،
وعلى هذا فيكون المراد ان الغرض المطلوب من الصلاة على الطفل يتأدى بالصلاة
الواجبة على هذا الوجه كما تتأدى وظيفة غسل الجمعة بإيقاع غسل الجنابة في ذلك
اليوم. انتهى.
وانما أطلنا الكلام بنقله بالتمام لتطلع بذلك على كلامهم
في المقام وما وقع لهم من النقض والإبرام وان كان نفخا في غير ضرام كما لا يخفى
على من أعطى التأمل حقه في أخبارهم (عليهمالسلام).
وذلك ان منشأ الشبهة التي أوجبت لهم هذا الاضطراب
والوقوع في هذا الإشكال الذي اختلفت في المخرج عنه كلمة الأصحاب هو الأخبار الدالة
على مذهب ابن الجنيد وهو وجوب الصلاة على من استهل وان لم يبلغ ست سنين ، وهم قد
جمعوا بينها وبين الأخبار المقيدة للوجوب بست سنين بالحمل على الاستحباب كما هي
القاعدة عندهم في جميع الأبواب ، ونحن قد أوضحنا في ما تقدم (1) خروجها مخرج
التقية بغير شك ولا ارتياب ، والصبيان الذين قد تضمنتهم مرسلة ابن بكير المذكورة
انما أريد بهم من تجب الصلاة عليه ممن بلغ ست سنين فصاعدا لا الأطفال الذين لم
يبلغوا ذلك. ومع فرض التصريح بالأطفال الذين لم يبلغوا هذا المبلغ فإنه يجب حمل
الرواية على التقية لو كان الأمر كذلك كما حملت عليه تلك الأخبار.
وأما ما نقله عن ابن بابويه من قوله : «يجعل الصبي الى
الامام والمرأة إلى
__________________
(1) ارجع الى التعليقة 3 ص 367 وص 370.
القبلة» فإنما أراد به الصبي الذي تجب
الصلاة عليه لا الطفل الذي هو محل البحث وكيف لا وهو قد روى في الكتاب صحيحة زرارة
وعبيد الله بن على الحلبي (1) الدالة على «ان
الصبي تجب عليه الصلاة إذا عقل الصلاة. قلت متى تجب الصلاة عليه؟ قال إذا كان ابن
ست سنين. ثم قال وصلى أبو جعفر (عليهالسلام) على ابن له
صبي صغير له ثلاث سنين. ثم قال لو لا ان الناس يقولون ان بنى هاشم لا يصلون على
الصغار من أولادهم ما صليت عليه» وهذا مضمون صحيحة زرارة التي قدمناها في تلك
المسألة (2) ومن هنا يعلم
ان مذهبه موافق للمشهور في تخصيص الوجوب بمن بلغ ستا وان نقص عن ذلك انما يصلى
عليه تقية ، وحينئذ فكيف ينظم عبارته بمجرد تضمنها لفظ الصبي في هذه المسألة
المخصوصة ويخصها بمن لم يبلغ هذا المقدار. وبالجملة فإن نقل الرواية المذكورة
وكلام الصدوق المذكور هنا مغالطة أو غفلة ظاهرة.
وبذلك يظهر لك ما في قوله : وأسنده المصنف في المعتبر
إلى الشافعي واستحسنه لما رواه. الى آخره. ثم قال ولا بأس به ، فان فيه ان قول
الشافعي (3) بذلك انما هو
لوجوب الصلاة عندهم على الأطفال الذين لم يبلغوا الست (4) كما هو مذهب
ابن الجنيد فهو صحيح على مذهبهم وأما عندنا فلا ، والخبر الذي قد استند اليه قد
عرفت الوجه فيه ، وبه يظهر ان نفيه البأس عن ذلك محل البأس بلا شبهة ولا التباس.
على انه لم يقم لنا دليل على اعتبار نية الوجه لا في هذا الموضع ولا في غيره ،
فالإشكال بسبب ذلك كما ذكروه ليس في محله كما لا يخفى على من راجع ما حققناه في
بحث النية في كتاب الطهارة.
ثم انه مما يدل على تقديم الرجل الى الامام وتأخير
المرأة أخبار عديدة منها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) (5) قال : «سألته
عن الرجال
__________________
(1 و 2) ص 367 و 368.
(3) ارجع الى التعليقة 1 ص 433.
(4) ارجع الى التعليقة 3 ص 367.
(5) الوسائل الباب 32 من صلاة الجنازة.
والنساء كيف يصلى عليهم؟ قال الرجال
امام النساء مما يلي الإمام يصف بعضهم على اثر بعض».
وصحيحة زرارة والحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «في
الرجل والمرأة كيف يصلى عليهما؟ قال يجعل الرجل والمرأة ويكون الرجل مما يلي
الامام».
وقال في كتاب الفقه الرضوي (2) : فإذا اجتمع
جنازة رجل وامرأة وغلام ومملوك فقدم المرأة إلى القبلة واجعل المملوك بعدها واجعل
الغلام بعد المملوك والرجل بعد الغلام مما يلي الامام ويقف الامام خلف الرجل في
وسطه ويصلى عليهم جميعا صلاة واحدة. ومما يدل على تقديم الحر على العبد والكبير
على الصغير
رواية طلحة بن زيد عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «كان
إذا صلى على المرأة والرجل قدم المرأة وأخر الرجل ، وإذا صلى على العبد والحر قدم
العبد وأخر الحر ، وإذا صلى على الصغير والكبير قدم الصغير وأخر الكبير». بحمل
التقديم فيها على التقديم إلى القبلة جمعا بينها وبين الأخبار المتقدمة.
ويحتمل أن يكون هذا الخبر على وجه الجواز والتخيير بين
الأمرين ، ويؤيده ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبيد الله الحلبي (4) قال : «سألته
عن الرجل والمرأة يصلى عليهما قال يكون الرجل بين يدي المرأة مما يلي القبلة فيكون
رأس المرأة عند وركي الرجل مما يلي يساره ويكون رأسها أيضا مما يلي يسار الامام
ورأس الرجل مما يلي يمين الإمام». فإن هذا الخبر كما ترى ظاهر بل صريح في خلاف
الصورة المتقدمة ، ولا طريق الى الجمع بينه وبين ما قدمناه من الأخبار إلا بالقول
بالتخيير كما هو ظاهر الشيخ في الاستبصار.
ومما يدل على كون الترتيب المذكور على وجه الاستحباب دون
الوجوب صحيحة هشام بن سالم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (5) قال : «لا بأس
بأن يقدم الرجل
__________________
(1 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 32 من صلاة الجنازة.
(2) ص 19.
وتؤخر المرأة ويؤخر الرجل وتقدم
المرأة يعني في الصلاة على الميت». ويحتمل ما عرفت من التخيير ايضا ، وبالأول قال
في التهذيب وبالثاني في الاستبصار ، والظاهر انه الأقرب لما عرفت من صحيحة عبيد
الله الحلبي المذكورة.
ثم ان إطلاق أكثر الأخبار الواردة في المقام دال على وضع
الجنائز مع الاختلاف قدام الإمام بأن تكون في صف واحد إلى جهة القبلة كل ميت بجنب
الآخر ، إلا انه يقدم من حقه التقديم الى الامام ويؤخر من حقه التأخير على ما تقدم
في عبارة الذكرى.
وظاهر موثقة عمار انه متى تعددت الجنائز جعلت صفا واحدا
مثل الدرج بحيث يجعل رأس الثاني عند ألية الأول ، ولو كان فيها جنائز النساء جعلت
في الصف ايضا ولكن بعد تمام صف الرجال فيجعل رأس المرأة عند ألية الرجل الأخير
وهكذا ، وان الامام يقوم وسط الرجال.
وهي ما رواه في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) «في الرجل يصلى
على ميتين أو ثلاثة موتى كيف يصلى عليهم؟ قال (عليهالسلام) ان كان ثلاثة
أو اثنين أو عشرة أو أكثر من ذلك فليصل عليهم صلاة واحدة ، يكبر عليهم خمس تكبيرات
كما يصلى على ميت واحد وقد صلى عليهم جميعا : يضع ميتا واحدا ثم يجعل الآخر إلى
ألية الأول ثم يجعل رأس الثالث إلى ألية الثاني شبه المدرج حتى يفرغ منهم كلهم ما
كانوا ، فإذا سواهم هكذا قام في الوسط فكبر خمس تكبيرات يفعل كما يفعل إذا صلى على
ميت واحد سئل فإن كان الموتى رجالا ونساء؟ قال يبدأ بالرجال فيجعل رأس الثاني إلى
ألية الأول حتى يفرغ من الرجال كلهم ثم يجعل رأس المرأة إلى ألية الرجل الأخير ثم
يجعل رأس المرأة الأخرى إلى ألية المرأة الأولى حتى يفرغ منهم كلهم ، فإذا سوى
هكذا قام في الوسط وسط الرجال فكبر وصلى عليهم كما يصلى على ميت واحد».
قال في الذكرى : لو اجتمع الرجال صفوا مدرجا يجعل رأس
الثاني الى
__________________
(1) الوسائل الباب 32 من صلاة الجنازة.
ألية الأولى وهكذا ثم يقوم الإمام في
الوسط ، ولو كان معهم نساء جعل رأس المرأة الأولى الى ألية الرجل الأخير ثم
الثانية إلى ألية الأولى وهكذا ، ثم يقوم الإمام في وسط الرجال ويصلى عليهم صلاة
واحدة ، روى ذلك كله عمار عن الصادق (عليهالسلام) (1). انتهى.
أقول : رواية عمار قد رواها الكليني في الكافي (2) والشيخ في
التهذيب (3) وهي في الكافي
كما نقلناه وذكره شيخنا المذكور ، وأما في التهذيب فان فيه «ثم يجعل رأس المرأة
الأخرى إلى رأس المرأة الأولى» ومثله في المنتهى ، والظاهر انه أخذه من التهذيب ،
ولا يبعد انه سهو من قلم الشيخ فان الموافق لسياق الرواية انما هو ما في الكافي.
وظاهر كلام شيخنا الشهيد في الذكرى تخصيص إطلاق تلك الروايات بهذه الرواية.
وكيف كان فعندي في العمل برواية عمار إشكال ، فإنه متى
طال الصف وقام الإمام في وسط الرجال فان قرب الإمام إلى الجنازة التي يقوم بحذائها
كما هو السنة في الصلاة على الجنازة لزم تأخر ميمنة الصف خلفه وان بعد على وجه
تكون الميمنة قدامه لزم خلاف السنة في الصلاة. ولم أر من تعرض لهذا الإشكال في هذا
المجال. والله العالم.
ومنها ـ استحباب كثرة المصلين ، قال في الذكرى : يستحب
كثرة المصلين لرجاء مجاب الدعوة فيهم وفي الأربعين بلاغ ، ففي الصحاح عن النبي (صلىاللهعليهوآله) (4) «ما من مسلم
يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه». وروينا
عن عمر بن يزيد عن الصادق (عليهالسلام) (5) «إذا مات
المؤمن فحضر جنازته
__________________
(1) الوسائل الباب 32 من صلاة الجنازة.
(2) الفروع ج 1 ص 48.
(3) ج 1 ص 344.
(4) صحيح مسلم ج 1 ص 351 وسنن البيهقي ج 4 ص 30.
(5) الوسائل الباب 90 من الدفن.
أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا :
اللهم انا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت اعلم به منا قال الله تعالى قد أجزت شهادتكم
وغفرت له ما علمت مما لا تعلمون» والمائة أبلغ لما في الصحاح عن النبي (صلىاللهعليهوآله) (1) «ما من ميت
يصلى عليه امة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه».
أقول : ومما يدل على ذلك من طريقنا ما نقله شيخنا
المجلسي (قدسسره) في البحار (2) عن كتاب الزهد
للحسين بن سعيد عن إبراهيم بن ابى البلاد عن سعد الإسكاف عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «كان
في بني إسرائيل عابد فأعجب به داود (عليهالسلام) فأوحى الله
تعالى اليه لا يعجبك شيء من أمره فإنه مراء ، قال فمات الرجل فاتى داود (عليهالسلام) فقيل له مات
الرجل فقال ادفنوا صاحبكم قال فأنكرت ذلك بنو إسرائيل وقالوا كيف لم يحضره؟ قال
فلما غسل قام خمسون رجلا فشهدوا بالله ما يعلمون إلا خيرا فلما صلوا عليه قام
خمسون رجلا فشهدوا بالله انهم ما يعلمون إلا خيرا قال فأوحى الله عزوجل الى داود (عليهالسلام) ما منعك أن
تشهد فلانا؟ قال الذي أطلعتني عليه من امره ، قال انه كان كذلك ولكن شهده قوم من
الأحبار والرهبان فشهدوا انهم ما يعلمون إلا خيرا فأجزت شهادتهم عليه وغفرت له مع
علمي فيه».
ثم قال شيخنا المذكور في تتمة كلامه المتقدم : وأقل
الفضل اثنان لما في الصحاح عنه (صلىاللهعليهوآله) (3) «أيما مؤمن شهد
له أربعة بخير أدخله الله الجنة. قلنا وثلاثة؟ قال وثلاثة. قلنا واثنان؟ قال
واثنان. ثم لم نسأله عن الواحد». وعنه (صلىاللهعليهوآله) من الصحاح (4) «انهم مروا
بجنازة فاثنوا عليها خيرا فقال النبي (صلىاللهعليهوآله) وجبت ثم مروا
بأخرى فاثنوا عليها شرا فقال وجبت فقيل له (صلىاللهعليهوآله) ما وجبت؟
فقال هذا اثنيتم عليه خيرا فوجبت له
__________________
(1) صحيح مسلم ج 1 ص 350 وسنن البيهقي ج 4 ص 30.
(2) ج 18 الطهارة ص 280.
(3) صحيح البخاري باب ثناء الناس على الميت كتاب الجنائز.
(4) صحيح مسلم ج 1 ص 351 باب من يثنى عليه خير أو شر.
الجنة وهذا اثنيتم عليه شرا فوجبت له
النار ، المؤمنون شهداء الله في الأرض». قال الفاضل : وليكونوا ثلاثة صفوف لما روى
عن النبي (صلىاللهعليهوآله) (1) «من صلى عليه
ثلاثة صفوف فقد أوجب». قلت : الخبر عامي ولكن فضائل الأعمال ربما تثبت بالخبر
الضعيف. انتهى.
أقول : لا يخفى ما في اعتراضه على الفاضل بان الخبر عامي
مع ان جل اخباره التي أوردها في المقام عامية ، والاعتذار الذي ذكره مما لا يسمن
ولا يغني من جوع كما تقدم تحقيقه. والله العالم.
ومنها ـ استحباب رفع اليدين بالتكبيرات كملا ، أما
استحباب الرفع في التكبير الأول فهو مجمع عليه كما نقله غير واحد من الأصحاب وانما
الخلاف في البواقي والأظهر انه كذلك ، وهو اختيار الفاضلين وظاهر الشيخ في كتابي
الأخبار واليه يميل كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة ، والمشهور العدم وانه غير
مستحب وذهب اليه الشيخ المفيد والمرتضى والشيخ في النهاية والمبسوط وابن إدريس
وغيرهم
ويدل على الأول ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن
العرزمي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «صليت
خلف ابى عبد الله (عليهالسلام) على جنازة
فكبر خمسا يرفع يده في كل تكبيرة».
وعن يونس (3) قال : «سألت الرضا (عليهالسلام) قلت جعلت
فداك ان الناس يرفعون أيديهم في التكبير على الميت في التكبيرة الأولى ولا يرفعون
في ما بعد ذلك فاقتصر على التكبيرة الأولى كما يفعلون أو ارفع يدي في كل تكبيرة؟
فقال ارفع يدك في كل تكبيرة».
وعن محمد بن عبد الله بن خالد مولى بنى الصيداء (4) «انه صلى خلف
جعفر بن محمد (عليهالسلام) على جنازة
فرآه يرفع يديه في كل تكبيرة».
__________________
(1) سنن ابى داود ج 3 ص 202.
(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 10 من صلاة الجنازة.
ويدل على الثاني ما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم عن
ابى عبد الله عن على (عليهماالسلام) (1) «انه كان لا
يرفع يده في الجنازة إلا مرة واحدة يعني في التكبير».
وعن إسماعيل بن إسحاق بن ابان الوراق عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) (2) قال : «كان
أمير المؤمنين على بن ابى طالب (عليهالسلام) يرفع يده في
أول التكبير على الجنازة ثم لا يعود حتى ينصرف».
وحملهما الشيخ في التهذيبين تارة على الجواز ورفع الوجوب
واخرى على التقية ، قال لموافقته لمذهب كثير من العامة (3). أقول : واليه
يشير قوله في رواية يونس : «ان الناس يرفعون أيديهم في التكبير على الميت في
التكبيرة الأولى».
وقال المحقق في المعتبر بعد إيراد أخبار الطرفين : ما دل
على الزيادة أولى ولأن رفع اليدين مراد الله في أول التكبير وهو دليل الرجحان
فيسوغ في الباقي تحصيلا للأرجحية ، ولأنه فعل مستحب فجاز ان يفعل مرة ويخل به اخرى
فلذلك اختلفت الروايات فيه.
واعترضه في الذكرى فقال بعد نقل كلامه : قلت رواية
النقيصة تدل على نفى الزائد صريحا فهما متعارضان في الإثبات والثاني مرغوب عنه ،
والثالث لا بأس به لولا ان «كان» تشعر بالدوام. ثم قال ولو حملت رواية عدم الرفع
على التقية كما قاله الشيخ أمكن لأن بعض العامة يرى ذلك (4) وبالجملة
الخروج عن جمهور الأصحاب بخبر الواحد فيه ما فيه. انتهى.
ولا يخفى ما فيه فان ترجيح العمل بالشهرة التي هي عبارة
عن الشهرة في
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 10 من صلاة الجنازة.
(3 و 4) في المغني ج 2 ص 490 «أجمع أهل العلم على ان المصلى
على الجنائز يرفع يديه في أول تكبيرة يكبرها ، وكان يرفع عند كل تكبيرة ابن عمر
وسالم وعمر بن عبد العزيز وعطاء وقيس بن ابى حازم والزهري وإسحاق وابن المنذر
والأوزاعي والشافعي ، وقال مالك والثوري وأبو حنيفة لا يرفع يده إلا في الأولى لأن
كل تكبيرة مقام ركعة ولا ترفع الأيدي في جميع الركعات».
الفتوى لم يقم عليه دليل ، والمرجحات
المنصوصة عن أصحاب العصمة (عليهمالسلام) وان تضمنت
الترجيح بها لكن المراد انما هو الشهرة في الرواية ، وهو في جانب الروايات الدالة
على الاستحباب في الجميع لا سيما مع صحة سند الرواية الأولى ، مضافا الى الترجيح
بالعرض على مذهب العامة وان كانوا هنا على قولين أيضا إلا ان العدم مذهب أبي حنيفة
ومالك والثوري (1) ولا يخفى قوة
مذهب أبي حنيفة وشيوعه في الصدر الأول والى ذلك تشير رواية يونس كما عرفت. وأيضا
فإن من القواعد المنصوصة (2) ـ وان كان
الأصحاب قد أعرضوا عنها كملا كما نبهنا عليه في غير مقام مما تقدم ـ انه متى ورد
خبر عن أولهم (عليهمالسلام) وخبر عن
آخرهم فإنه يؤخذ بالأخير ، وروايتا العدم قد وردتا عن الباقر والصادق (عليهماالسلام) ورواية
الاستحباب قد وردت عن الرضا (عليهالسلام) فيكون
الترجيح بمقتضى هذه القاعدة في جانب الاستحباب والله العالم.
ومنها ـ استحباب ان لا يبرح من مكانه حتى ترفع الجنازة
إماما كان أو مأموما كما صرح به جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) وخصه الشهيد
بالإمام تبعا لابن الجنيد ، وقال في الروض : ويستحب لكل مصل تأسيا به (عليهالسلام) نعم لو فرض
صلاة جميع الحاضرين استثنى منهم أقل ما يمكن به رفع الجنازة. والأقرب القول الأول
،
فروى الشيخ عن حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) (3) «ان عليا (عليهالسلام) كان إذا صلى
على جنازة لم يبرح من مصلاه حتى يراها على أيدي الرجال».
وفي رواية يونس المتقدمة (4) في الموضع
الثالث «ولا يبرح حتى يحمل السرير من بين يديه».
__________________
(1) ارجع الى التعليقة (3) و (4) ص 441.
(2) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به.
(3) الوسائل الباب 11 من صلاة الجنازة.
(4) ص 409.
وفي كتاب الفقه الرضوي (1) بعد ذكر
الصلاة : ولا تبرح من مكانك حتى ترى الجنازة على أيدي الرجال.
ومنها ـ استحباب الدعاء له عقيب الرابعة ان كان مؤمنا
وعليه ان كان مخالفا وبدعاء المستضعف ان كان كذلك وبدعاء المجهول ان كان مجهولا
وبدعاء الأطفال ان كان طفلا.
وفسر ابن إدريس المستضعف بمن لا يعرف اختلاف الناس في
المذاهب ولا يبغض أهل الحق على اعتقادهم. وعرفه في الذكرى بأنه الذي لا يعرف الحق
ولا يعاند فيه ولا يوالي أحدا بعينه. وحكى عن المفيد في الغرية أنه عرفه بأنه الذي
يعرف بالولاء ويتوقف عن البراء. وهذه التعريفات متقاربة في المعنى.
والمفهوم من الأخبار ان المستضعف هو من لا يعرف الولاية
ولم ينكر ، ففي الخبر (2) «قلت هل يسلم
الناس حتى يعرفوا ذلك؟ قال لا (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ
وَالْوِلْدانِ) الذين (لا
يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) (3) قلت من هو؟
قال أرأيتم خدمكم ونساءكم ممن لا يعرف. الحديث». وقد ورد في تفسير الآية المذكورة (4) : لا يستطيعون
حيلة إلى الكفر فيكفرون ولا يهتدون سبيلا الى الايمان فيؤمنوا. واما المجهول
فالمراد به من جهل دينه ومذهبه.
واما الأخبار الدالة على ما ذكرنا من هذه الأحكام فاما
بالنسبة إلى المستضعف والمجهول فما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهماالسلام) (5) قال : «الصلاة
على المستضعف والذي لا يعرف : الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) والدعاء
للمؤمنين والمؤمنات يقول :
__________________
(1) ص 59.
(2 و 3) تفسير البرهان ج 1 ص 406 الطبع الثاني نقلا بالمعنى.
(4) تفسير البرهان ج 1 ص 406 الطبع الثاني نقلا بالمعنى.
(5) الوسائل الباب 3 من صلاة الجنازة.
ربنا اغفر (لِلَّذِينَ
تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ). الى آخر
الآيتين» (1). والمراد
بالذي لا يعرف يعنى مذهبه كما سيأتي التصريح به في الخبر الآتي. والآية الثانية
هكذا «رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ
وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ».
وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن
ابى جعفر (عليهالسلام) (2) انه قال : «الصلاة
على المستضعف والذي لا يعرف مذهبه : يصلى على النبي (صلىاللهعليهوآله) ويدعو
للمؤمنين والمؤمنات ويقول : اللهم (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ
عَذابَ الْجَحِيمِ)».
وما رواه في الكافي في الصحيح عن عمر بن أذينة عن الفضل
بن يسار عن ابى جعفر (عليهالسلام) (3) قال : «إذا
صليت على المؤمن فادع له واجتهد له في الدعاء وان كان واقفا مستضعفا فكبر وقل :
اللهم اغفر (لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ
الْجَحِيمِ)».
والظاهر ان المراد بقوله «واقفا» أى متحيرا في دينه ،
وهو يرجع الى المستضعف بالمعنى الذي قدمنا دلالة الآية عليه وتفسيرها به. واما
الحمل على الوقف على أحد الأئمة (عليهمالسلام) فبعيد ،
وأبعد منه ما وقع من تبديل لفظ «واقفا» ب «منافقا» كما وقع في كلام بعض أصحابنا.
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن وفي الفقيه في
الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «ان كان
مستضعفا فقل : اللهم اغفر (لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ
الْجَحِيمِ) ، وإذا كنت لا
تدري ما حاله فقل : اللهم ان كان يحب الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه ،
وان كان المستضعف منك بسبيل فاستغفر له على وجه الشفاعة لا على وجه الولاية».
__________________
(1) سورة المؤمن الآية 7 و 8. والآية الأولى «رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ
رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ).».
(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 3 من صلاة الجنازة.
قال في الوافي : بيان ـ «منك بسبيل» أى له عليك حق ،
ويعني بالولاية ولاية أهل البيت (عليهمالسلام) يعنى حق من
لا ولاية له عليك لا يوجب أن تدعو له كما تدعوا لأهل الولاية بل يكفى لذلك ان
تستغفر له على وجه الشفاعة. انتهى. ولا يخفى من تكلف وبعد.
والظاهر ـ والله سبحانه وقائله أعلم ـ ان المراد بقوله «ان
كان منك بسبيل» أى قريبا منك في النسب ، والمراد بالولاية انما هي الاخوة
والإيمانية فإن المؤمنين بعضهم أولياء بعض ، والمراد انه ان كان قريبا لك في النسب
فاستغفر له على وجه الشفاعة والالتماس لا على جهة الأخوة الإيمانية الموجبة لمزيد
الجد والاجتهاد في الدعاء له كما يشير اليه قوله في حديث الفضيل المتقدم (1) «إذا صليت على
المؤمن فادع له واجتهد له في الدعاء». ولعل السر في ذلك هو ان المستضعف لما كان من
المرجأين لأمر الله إما يتوب عليه واما يعذبه كما دلت عليه الأخبار فلا ينبغي
الحتم عليه سبحانه والإلحاح في الدعاء بل ينبغي أن يكون بطريق الالتماس والشفاعة.
وما رواه في الكافي عن سليمان بن خالد عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «تقول :
اشهد أن لا إله إلا الله واشهد ان محمدا (صلىاللهعليهوآله) رسول الله
اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، اللهم صل على محمد وآل محمد وتقبل شفاعته وبيض
وجهه وأكثر تبعه اللهم اغفر لي وارحمني وتب على اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا
سبيلك وقهم عذاب الجحيم. فان كان مؤمنا دخل فيها وان كان ليس بمؤمن خرج عنها».
وعن ثابت بن ابى المقدام (3) قال «كنت مع
ابى جعفر (عليهالسلام) فإذا بجنازة
لقوم من جيرته فحضرها وكنت قريبا منه فسمعته يقول : اللهم انك أنت خلقت هذه النفوس
وأنت تميتها وأنت تحييها وأنت أعلم بسرائرها وعلانيتها منا ومستقرها ومستودعها ،
اللهم وهذا عبدك ولا أعلم منه سوء وأنت أعلم به وقد جئناك شافعين له
__________________
(1) ص 444.
(2 و 3) الوسائل الباب 3 من صلاة الجنازة.
بعد موته فان كان مستوجبا فشفعنا فيه
واحشره مع من كان يتولاه».
قال في الوافي في الحاشية : هذا الخبر أورده في الكافي
في باب الصلاة على المؤمن (1) والأنسب أن
يورد في هذا الباب كما فعلناه لأن الدعاء المذكور من قبيل دعاء المستضعفين
والمجهولين كما لا يخفى.
أقول : الظاهر ان مبنى ما ذكره في الكافي من حمل هذا
الخبر على المؤمن هو قوله في الخبر «من جيرته» أى جيرانه ويبعد على هذا أن يكون
داخلا في المجهول الذي لا يعرف مذهبه ولا دينه ، نعم ظاهر الدعاء المذكور انه ليس
بمؤمن على اليقين والظاهر انه من المستضعفين الذين هم أكثر الناس يومئذ كما يفهم
من الاخبار ، والمراد به كما قدمنا ذكره من لا يعرف ولا ينكر.
وأنت خبير بان المفهوم من هذه الأخبار على كثرتها هو ان
الصلاة على هذا الصنف هو مجرد التكبير وقول هذا المذكور في هذه الأخبار وان اختلفت
فيه زيادة ونقصانا لا ما يفهم من كلام الأصحاب من كون ذلك بعد التكبيرة الرابعة
كما قدمنا ذكره في صدر هذا الكلام وكذا في ما يأتي من اخبار الصلاة على المخالف
فإنها كذلك ، والأخبار المتقدمة في بيان كيفية الصلاة ـ منها ما اشتمل على توزيع
الأذكار بين التكبيرات الخمس ومنها ما اشتمل على جمع الأذكار بينها ـ موردها انما
هو المؤمن ولم يتعرض في شيء منها لذكر المخالف والمستضعف والمجهول ، نعم في خبر
أم سلمة وإسماعيل
__________________
(1) هذا الخبر أورده في الكافي ج 1 ص 51 باب الصلاة على
المستضعف وعلى من لا يعرف ، وحاشية الوافي ليست على هذا الخبر وانما هي على خبر
إسماعيل بن عبد الخالق بن عبد ربه ، فان صاحب الوافي قد ذكره آخر باب الصلاة على
المستضعف بعد حديث ثابت ابن ابى المقدام ، وقد أورده في الكافي في باب الصلاة على
المؤمن وفي الوسائل في الباب 2 من صلاة الجنازة رقم 4 ولم يذكره المصنف (قدسسره) هنا. واحتمال سقوطه من قلم النساخ
ينفيه ما في المتن في توجيه إيراده في الكافي في باب الصلاة على المؤمن من
الاستفادة من لفظ «جيرته» الوارد في حديث ابن ابى المقدام فان هذا اللفظ لا وجود
له في حديث إسماعيل.
ابن همام (1) نقل صلاة
الرسول (صلىاللهعليهوآله) على المنافق
بتوزيع الأذكار الثلاثة خاصة من غير ذكر دعاء للمنافق أو عليه ، وقد تقدم الكلام
في ذلك.
وظاهر كلام الأصحاب الاتفاق على ما قدمنا ذكره في صدر
المسألة من أن الأدعية المختصة بهذه الأصناف محلها بعد التكبيرة الرابعة ، وفي
فهمه من الأخبار كما عرفت إشكال إلا ما ربما يظهر من عبارة كتاب الفقه الرضوي
الآتية في المقام ان شاء الله تعالى.
وأما بالنسبة إلى الطفل فهو ما رواه الشيخ عن عمرو بن
خالد عن زيد بن على عن آبائه عن على (عليهمالسلام) (2) «في الصلاة على
الطفل انه كان يقول : اللهم اجعله لأبويه ولنا سلفا وفرطا وأجرا». أقول «الفرط»
بفتح الراء هو من يتقدم القوم ليصلح لهم ما يحتاجون اليه مما يتعلق بالمراد ، قال
النبي (صلىاللهعليهوآله) (3) «انا فرطكم على
الحوض». قال ابن الأثير : أي متقدمكم اليه ، يقال فرط يفرط فهو فارط وفرط إذا تقدم
وسبق القوم ليرتاد لهم الماء ويهيئ لهم الدلاء والأرشية ، ومنه الدعاء للطفل الميت
«اللهم اجعله لنا فرطا» أي أجرا يتقدمنا. انتهى. ومن ذلك ما سيأتي في عبارة الفقه
ايضا ان شاء الله تعالى.
واما بالنسبة إلى المخالف فمنها ما تقدم في الموضع
الرابع من حديث عامر بن السمط وصحيحة الحلبي وصحيحة محمد بن مسلم أو حسنته (4).
ومنها ـ ما في كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليهالسلام) في الموضع
الأول (5) من المواضع
الثلاثة التي قدمنا نقلها عنه في الموضع الثالث بعد ذكر الصلاة على المؤمن
بالتكبيرات الخمس والأدعية بينها موزعة «وإذا كان الميت مخالفا فقل في تكبيرك الرابعة
اللهم أخز عبدك. الى آخر ما تقدم في الموضع المذكور ، الى أن قال : واعلم ان
__________________
(1) ص 402 و 403.
(2) الوسائل الباب 12 من صلاة الجنازة.
(3) كنز العمال ج 7 ص 221 كتاب القيامة باب الحوض.
(4) ص 414.
(5) ص 415.
الطفل لا يصلى عليه حتى يعقل الصلاة
فإذا حضرت مع قوم يصلون عليه فقل : اللهم اجعله لأبويه ولنا ذخرا ومزيدا وفرطا
وأجرا ، وإذا صليت على مستضعف فقل : اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم
عذاب الجحيم ، وإذا لم تعرف مذهبه فقل : اللهم هذه النفس التي أنت أحييتها وأنت
أمتها دعوت فاجابتك اللهم ولها ما تولت واحشرها مع من أحبت وأنت أعلم بها».
وظاهر هذا الكلام محتمل لكون هذه الأدعية بعد الرابعة
كما صرح به في المخالف ، ويحتمل أن تكون صورة الصلاة هكذا مستقلة كما هو ظاهر
الأخبار المتقدمة
وقال (عليهالسلام) في الصورة
الثالثة (1) من الكيفيات
التي ذكرها بعد التكبيرات الأربع والأدعية بينها المختصة بالصلاة على المؤمن «ثم
تكبر الخامسة وتنصرف وإذا كان ناصبا فقل : اللهم انا لا نعلم إلا انه عدو لك
ولرسولك اللهم فاحش جوفه نارا وقبره نارا وعجله الى النار فإنه كان يتولى أعداءك
ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك (صلىاللهعليهوآله) اللهم ضيق
عليه قبره. وإذا رفع فقل : اللهم لا ترفعه ولا تزكه وان كان مستضعفا فقل : اللهم
اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ، وإذا لم تدر ما حاله الحق فقل
: اللهم ان كان يحب الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه ،
والكلام هنا كما تقدم من ظهور كون الصلاة على هؤلاء بهذا
النحو من غير التكبيرات الخمس التي في الصلاة على المؤمن والاحتياط في ما قاله
الأصحاب والله العالم. ومنها ـ استحباب الصلاة في المواضع المعتادة ، ذكره جملة من
الأصحاب (رضوان الله عليهم) وعللوه بأنه ليكون طريقا الى تكثير المصلين لان السامع
بموته يقصدها للصلاة عليه فيها فيكون ذلك طريقا الى تكثير المصلين الذي قد قدمنا
انه من مستحبات هذه الصلاة أيضا. ولم أقف في ذلك على نص.
نعم وقع الخلاف في الصلاة في المسجد كراهة وعدمها
والمشهور الكراهة في جميع المساجد إلا مكة المشرفة.
__________________
(1) ص 21.
استنادا الى الجمع بين ما رواه الشيخ عن ابى بكر بن عيسى
بن أحمد العلوي (1) قال : «كنت في
المسجد وقد جيء بجنازة فأردت أن أصلي عليها فجاء أبو الحسن الأول (عليهالسلام) فوضع مرفقه
في صدري فجعل يدفعني حتى أخرجني من المسجد ثم قال يا أبا بكر ان الجنائز لا يصلى
عليها في المسجد».
وبين ما رواه في الصحيح عن الفضل بن عبد الملك (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) هل يصلى على
الميت في المسجد؟ قال نعم». ورواه في الفقيه ايضا عن الفضل في الصحيح (3).
وما رواه عن الفضل بن عبد الملك ايضا (4) قال : «سألته
عن الميت هل يصلى عليه في المسجد؟ قال نعم». وما رواه ايضا عن محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهماالسلام) مثله (5).
واما استثناء مسجد مكة فقد ذكره الشيخ في الخلاف واحتج
عليه بإجماع الفرقة عقيب ذكر الكراهة والاستثناء.
وعلله العلامة في المنتهى بأن مكة كلها مسجد فلو كرهت
الصلاة في بعض مساجدها لزم التعميم فيها أجمع وهو خلاف الإجماع. وتبعه الشهيد في
ذلك.
وأورد عليه بان مسجدية ما خرج عن المسجد الحرام منها ليس
على حد المساجد لجواز تلويثه بالنجاسة واللبث فيه للجنب ونحو ذلك بخلاف المسجد. والله
العالم.
المطلب الرابع ـ في الأحكام ، وقد تقدم جملة منها في ما
قدمناه من الأبحاث المتقدمة وبقي الكلام هنا في مسائل :
الأولى ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تكرار
الصلاة على الميت فالمشهور الكراهة ، وقال ابن ابى عقيل لا بأس بالصلاة على من صلى
عليه مرة
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 30 من صلاة الجنازة.
فقد صلى أمير المؤمنين (عليهالسلام) على سهل بن
حنيف خمس مرات (1). وقال ابن
إدريس تكره جماعة وتجوز فرادى لتكرار الصحابة الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) (2) وقال الشيخ في
الخلاف من صلى على جنازة يكره له أن يصلى عليها ثانيا. وهو مشعر باختصاص الكراهة
بالمصلي المتحد. وقال الشهيد في الذكرى ظاهرهم اختصاص الكراهة بمن صلى على الميت
لما تلوناه عنهم من جواز الصلاة ممن فاتته على القبر أو يريدون بالكراهة قبل الدفن
حتى ينتظم الكلام. واحتمل الشيخ في الاستبصار استحباب التكرار من المصلى الواحد
وغيره ، وللعلامة قول بكراهة تكرار الصلاة إذا خاف على الميت ، وله ايضا قول
بكراهة التكرار عند الخوف عليه أو مع منافاته التعجيل وقيد شيخنا الشهيد الثاني
الكراهة بكون التكرار من المصلى الواحد أو يكون منافيا للتعجيل. هذا ما وفقت عليه
من أقوال الأصحاب المتعلقة بهذه المسألة.
وأما الأخبار فهي مختلفة في ذلك ومنها نشأ الاختلاف بين
الأصحاب في هذا الباب ، وها أنا أسوق ما وقفت عليه منها مذيلا لها بما رزقني الله
سبحانه فهمه منها فمنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن ابى مريم
الأنصاري عن ابى جعفر (عليهالسلام) (3) «انه سأله كيف
صلى على النبي (صلىاللهعليهوآله)؟ قال سجي
بثوب وجعل وسط البيت فإذا دخل قوم داروا به وصلوا عليه ودعوا له ثم يخرجون ويدخل
آخرون ثم دخل على (عليهالسلام) القبر.
الحديث».
وما رواه في الكافي عن ابى مريم الأنصاري عن ابى جعفر (عليهالسلام) (4) قال : «قلت له
كيف كانت الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله)؟ قال لما
غسله أمير المؤمنين (عليهالسلام) وكفنه سجاه
ثم ادخل عليه عشرة فداروا حوله ثم وقف أمير المؤمنين (عليهالسلام) في وسطهم
فقال (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (5) فيقول القوم
كما يقول حتى صلى عليه أهل المدينة وأهل العوالي».
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
(4) الأصول ج 1 ص 450 باب مولد النبي (صلىاللهعليهوآله) ووفاته.
(5) سورة الأحزاب الآية 56.
وما رواه في الكافي (1) عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) قال : «اتى
العباس أمير المؤمنين (عليهالسلام) فقال يا على
ان الناس قد اجتمعوا ان يدفنوا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في بقيع
المصلى وان يؤمهم رجل منهم فخرج أمير المؤمنين (عليهالسلام) الى الناس
فقال : يا ايها الناس ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) امام حيا
وميتا ، وقال انى ادفن في البقعة التي اقبض فيها. ثم قام على الباب فصلى عليه ثم
أمر الناس عشرة عشرة يصلون عليه ثم يخرجون».
وما رواه في الكتاب المذكور (2) عن جابر عن
ابى جعفر (عليهالسلام) قال «لما قبض
النبي (صلىاللهعليهوآله) صلت عليه
الملائكة والمهاجرون والأنصار فوجا فوجا. قال وقال أمير المؤمنين (عليهالسلام) سمعت رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) يقول في صحته
وسلامته : إنما أنزلت هذه الآية على في الصلاة على بعد قبض الله لي (إِنَّ
اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)» (3).
وما رواه الثقة الجليل احمد بن ابى طالب الطبرسي في كتاب
الاحتجاج عن سليم بن قيس عن سلمان الفارسي في حديث يصف فيه تغسيل على (عليهالسلام) له (صلىاللهعليهوآله) (4) قال فيه «فلما
غسله وكفنه أدخلني وادخل أبا ذر والمقداد وفاطمة وحسنا وحسينا (عليهمالسلام) فتقدم وصففنا
خلفه فصلى عليه ثم أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار فيصلون ويخرجون حتى لم
يبق أحد من المهاجرين والأنصار إلا صلى عليه».
وأنت خبير بأنه ربما ظهر من التأمل في هذه الأخبار
الواردة في صلاة الناس على النبي (صلىاللهعليهوآله) فوجا فوجا
انما هو بمعنى الدعاء خاصة وانه لم يصل عليه الصلاة المعهودة إلا على (عليهالسلام) مع هؤلاء
النفر الذين تضمنهم حديث الاحتجاج ، واليه
__________________
(1) الأصول باب مولد النبي (صلىاللهعليهوآله) ووفاته وفي الوسائل الباب 6 من صلاة
الجنازة.
(2) الأصول باب مولد النبي (صلىاللهعليهوآله) ووفاته.
(3) سورة الأحزاب الآية 56.
(4) الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
تشير أيضا صحيحة الحلبي أو حسنته (1) وقوله فيها : «ثم
قام على (عليهالسلام) على الباب
فصلى عليه ثم أمر الناس. الى آخره» فان ظاهر صحيح ابى مريم الأول (2) وقوله فيه «فإذا
دخل قوم داروا به وصلوا ودعوا له». انهم يحيطون به من جميع الجهات ويدعون له وهكذا
من يدخل بعدهم. وكذا قوله في حديث الثاني «ثم أدخل عليه عشرة فداروا حوله ـ يعنى
بعد ما صلى عليه أمير المؤمنين (عليهالسلام) كما دل عليه
خبر الاحتجاج ـ ثم وقف أمير المؤمنين (عليهالسلام) في وسطهم
فقال. الحديث» فإنه ظاهر في ان الصلاة كانت بهذه الكيفية كما يدل عليه قوله «فيقول
القوم كما يقول» واليه يشير قوله في حديث جابر «انه سمع رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يقول في حال
صحته ان هذه الآية نزلت عليه في الصلاة عليه بعد الموت» ولا ريب ان الصلاة في
الآية انما هي بمعنى الدعاء.
ولم أقف على من تنبه لهذا الاحتمال الذي ذكرناه إلا
الفاضل محمد تقي المجلسي في حواشي التهذيب حيث كتب على حديث ابى مريم الأنصاري
الأول منهما ما صورته : يمكن أن يكون المراد طافوا به احتراما له (صلىاللهعليهوآله) ثم صلوا عليه
بعد أو انهم جعلوه قبلة وتوجهوا اليه من كل جانب عند الصلاة عليه. ويحتمل أن يكون
المراد بالصلاة هنا الدعاء وكان صلاة الناس عليه هكذا وانما صلى عليه الصلاة
المخصوصة أمير المؤمنين (عليهالسلام) وخواصه كما
دل عليه خبر أورده في كتاب الاحتجاج (3). انتهى.
أقول : وما احتمله (قدسسره) غير بعيد
للتقريب الذي قدمناه في جملة من اخبار الصلاة عليه (صلوات الله وسلامه عليه وعلى
آله الطاهرين) وعلى هذا يسقط الاستدلال بهذه الأخبار على جواز التكرار.
ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن
ابى عبد الله
__________________
(3) 451.
(1) الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
(2) ص 450.
(عليهالسلام) (1) قال : «كبر
أمير المؤمنين (عليهالسلام) على سهل بن
حنيف وكان بدريا خمس تكبيرات ثم مشى ساعة ثم وضعه وكبر عليه خمسة أخرى فصنع ذلك
حتى كبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة».
وعن عمرو بن شمر (2) قال : «قلت لجعفر بن محمد (عليهماالسلام) جعلت فداك
انا نتحدث بالعراق ان عليا (عليهالسلام) صلى على سهل
بن حنيف فكبر عليه ستا ثم التفت الى من كان خلفه فقال انه كان بدريا؟ قال فقال
جعفر (عليهالسلام) انه لم يكن
كذا ولكنه صلى عليه خمسا ثم رفعه ومشى به ساعة ثم وضعه فكبر عليه خمسا ففعل ذلك خمس
مرات حتى كبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة».
وعن عقبة (3) قال : «سئل جعفر (عليهالسلام) عن التكبير
على الجنائز فقال ذاك الى أهل الميت ما شاءوا كبروا. فقيل انهم يكبرون أربعا؟ فقال
ذاك إليهم ثم قال أما بلغكم ان رجلا صلى عليه على (عليهالسلام) فكبر عليه
خمسا حتى صلى عليه خمس صلوات يكبر في كل صلاة خمس تكبيرات؟ قال ثم قال انه بدري
عقبي احدى وكان من النقباء الذين اختارهم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من الاثني
عشر نقيبا وكانت له خمس مناقب فصلى عليه لكل منقبة صلاة».
أقول : والمذكور في الخبر في تعداد المناقب انما هو اربع
مناقب مع قوله (عليهالسلام) ان له خمس
مناقب وان تعداد الصلاة خمسا كان بإزاء المناقب الخمس ، ولعل المنقبة الخامسة هو
إخلاص الرجل في التشيع والولاء لأمير المؤمنين وأهل بيته (عليهمالسلام) وانه كان من
السابقين الذين رجعوا اليه بعد ارتداد الناس.
واما ما تضمنه الخبر من عدم التحديد في التكبير وان ذلك
الى أهل الميت يكبرون ما شاءوا فترده الأخبار المستفيضة المتقدمة في الموضع التاسع
(4) وقد مر نظير
هذا الخبر في عدم التوقيت في التكبير ، وحمل الجميع على التقية متعين.
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
(4) ص 419 وهو الموضع السادس.
قال في المنتهى : وهي خمس تكبيرات بينها أربعة أدعية
وعليه علماؤنا أجمع وبه قال زيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان ، وقال الشافعي يكبر
أربعا وبه قال الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومالك وداود وأبو ثور ، وقال محمد بن
سيرين وأبو السقيا جابر بن زيد يكبر ثلاثا ، ورواه الجمهور عن ابن عباس ، وقال عبد
الله بن مسعود يكبر ما كبر الإمام أربعا وخمسا وسبعا وتسعا ، وعن احمد روايات
إحداها يكبر أربعا والأخرى يتابع الإمام الى خمس والأخرى يتابعه الى السبع (1) وبذلك يظهر
انه لم يوافق الإمامية في هذه المسألة إلا زيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان من
الصحابة وأما علماؤهم فكما عرفت من الاختلاف.
وبالجملة فإن كلمة الأصحاب قديما وحديثا متفقة على الخمس
في المؤمن وقد عضدها الأخبار المستفيضة المتقدم كثير منها في الموضع المشار اليه
وأقوال العامة كما ترى ، وحينئذ فلا وجه لما دل على خلاف ما قلناه إلا التقية.
ثم لا يخفى ان خبر عقبة المذكور وان لم يصرح فيه باسم
سهل بن حنيف المذكور لكنه هو المراد قطعا من الخبر المذكور بقرينة الأخبار الأخر.
ومنها ـ ما رواه في الكافي عن ابى بصير عن ابى جعفر (عليهالسلام) (2) قال «كبر رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) على حمزة
سبعين تكبيرة ، وكبر على (عليهالسلام) عندكم على
سهل بن حنيف خمسا وعشرين تكبيرة ، قال كبر خمسا كلما أدركه الناس قالوا يا أمير
المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل فيضعفه فيكبر عليه خمسا حتى انتهى الى قبره خمس
مرات».
وعن زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) (3) قال : «صلى
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) على حمزة
سبعين صلاة».
ومنها ـ قول أمير المؤمنين (عليهالسلام) على ما نقله
في كتاب نهج البلاغة (4) «ان قوما
استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين ولكل فضل حتى إذا استشهد شهيدنا قيل
__________________
(1) عمدة القارئ ج 4 ص 26 و 129 ونيل الأوطار ج 4 ص 51 وشرح
المهذب ج 5 ص 221.
(2 و 3) الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
(4) ج 3 ص 35.
سيد الشهداء وخصه رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بسبعين
تكبيرة عند صلاته عليه».
ونحوه ما نقله شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب
البحار (1) عن كتاب
الهداية للحسين بن حمدان الحصيني بسنده عن سيدنا ابى محمد العسكري (عليهالسلام) في حديث طويل
يتضمن قتل حمزة (عليهالسلام) وحزن النبي (صلىاللهعليهوآله) له قال فيه :
«وامره الله أن يكبر عليه سبعين تكبيرة ويستغفر له ما بين كل تكبيرتين منها فأوحى
الله تعالى اليه انى قد فضلت عمك حمزة بسبعين تكبيرة لعظمته عندي وكرامته على.
الحديث».
وما رواه الصدوق في كتاب عيون الأخبار (2) عن الرضا عن
آبائه عن الحسين ابن على (عليهمالسلام) قال : «رأيت
النبي (صلىاللهعليهوآله) كبر على حمزة
خمس تكبيرات وكبر على الشهداء بعد حمزة خمس تكبيرات فلحق حمزة سبعون تكبيرة».
ورواه في صحيفة الرضا (عليهالسلام) بإسناده الى
أمير المؤمنين (عليهالسلام) (3) قال «رأيت
النبي (صلىاللهعليهوآله) كبر على عمه
حمزة خمس تكبيرات وكبر على الشهداء بعد حمزة خمس تكبيرات فلحق حمزة بسبعين تكبيرة
ووضع يده اليمنى على اليسرى».
أقول : ومن هذين الخبرين يظهر ان السبعين تكبيرة على
حمزة وقعت في صلوات متعددة كل صلاة منها خمس تكبيرات ويعضده الاتفاق كما عرفت ،
وعليه دلت النصوص المستفيضة ان صلاة الميت لا تزيد على خمس تكبيرات ، وحينئذ تكون
هذه السبعون عبارة عن أربع عشرة صلاة ، ويمكن أن يكون الوجه في ذلك هو انه لما صلى
على حمزة بخمس تكبيرات جيء بجماعة بعد جماعة فكان يصلى على كل جماعة بخمس تكبيرات
وكان يشركهم في الصلاة وحمزة مع كل جماعة حتى إذا انتهت الصلاة عليهم صارت الصلوات
أربع عشرة صلاة ولحق حمزة من الجميع سبعون تكبيرة. إلا ان ظاهر كلام أمير المؤمنين
(عليهالسلام) في كتاب
النهج وكذا ظاهر خبر
__________________
(1) ج 18 الطهارة ص 285.
(2) ص 210 وفي الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
(3) مستدرك الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
الحصيني يدل على وقوع ذلك في صلاة
واحدة وان ذلك فضيلة ومزية اختص بها حمزة (رضى الله عنه) دون غيره ، فلا منافاة
فيها للأخبار التي وقع الاتفاق عليها من أن صلاة الميت لا تزيد على خمس تكبيرات.
ومنها ـ ما رواه في التهذيب عن جابر عن ابى جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «قلت له
أرأيت إن فاتتني تكبيرة أو أكثر؟ قال تقضى ما فاتك. قلت استقبل القبلة؟ قال بلى
وأنت تتبع الجنازة فإن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) خرج الى
جنازة امرأة من بنى النجار فصلى عليها فوجد الحفرة لم يمكنوا فوضعوا الجنازة فلم
يجيء قوم إلا قال لهم صلوا عليها».
وعن عمار بن موسى في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال «الميت
يصلى عليه ما لم يوارث بالتراب وان كان قد صلى عليه».
وعن يونس بن يعقوب في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن الجنازة لم أدركها حتى بلغت القبر أصلي عليها؟ قال ان أدركتها قبل ان تدفن فإن
شئت فصل عليها».
أقول : هذه جملة ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على
جواز التكرار.
واما الأخبار الدالة على العدم فمنها ـ ما رواه الشيخ عن
وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) (4) «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) صلى على جنازة
فلما فرغ جاءه أناس فقالوا يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لم ندرك
الصلاة عليها فقال لا يصلى على جنازة مرتين ولكن ادعوا لها».
وعن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (5) قال : «ان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) صلى على
جنازة فلما فرغ جاء قوم فقالوا فأتتنا الصلاة عليها فقال ان الجنازة لا يصلى عليها
مرتين ادعوا له وقولوا خيرا».
__________________
(1) الوسائل الباب 17 و 6 من صلاة الجنازة.
(2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
وما رواه في كتاب قرب الإسناد عن الحسين بن ظريف عن
الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) (1) «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) صلى على
جنازة فلما فرغ جاء قوم لم يكونوا أدركوها فكلموا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أن يعيد
الصلاة عليها فقال لهم قد قضيت الصلاة عليها ولكن ادعوا لها».
إذا عرفت ذلك فاعلم ان ما ورد في الأخبار من التعدد في
الصلاة على سهل ابن حنيف فهو محمول على خصوصية الرجل المذكور لما صرحت به رواية
عقبة المتقدمة ، وبه يظهر ضعف ما ذكره في المدارك من تخصيصه استحباب الإعادة بمن
لم يصل للتأسي وانتفاء ما ينهض حجة على اختصاص الحكم بذلك الشخص. وهو غفلة منه عن
هذه الرواية حيث انه انما أورد حسنة الحلبي وما ورد من الاخبار بالنسبة الى حمزة (سلام
الله عليه) فان حملنا السبعين على كونها في صلاة واحدة كما هو الظاهر من كلام أمير
المؤمنين (عليهالسلام) في كتاب نهج
البلاغة وخبر الحصيني المتقدم لم تكن هذه الأخبار من محل البحث في شيء ، لأن
الكلام في تعداد الصلاة وتكررها وهذه صلاة واحدة غاية الأمر أنه زيد في تكبيراتها
الموظفة لمزية هذا الشخص وإظهار فضله كما صرح به خبر الحصيني ، وان حملنا السبعين
على كونها في صلوات متعدد كما هو ظاهر خبر كتاب عيون الأخبار وخبر الصحيفة الرضوية
فالظاهر حمل التكرار هنا ايضا على المزية والفضيلة. وأما اخبار الصلاة على الرسول (صلىاللهعليهوآله) فأظهر في
الفضيلة والمزية ، وان حملناها على الاحتمال الذي قدمنا ذكره خرجت عن محل البحث.
وبالجملة فإن حمل الأخبار في هذه المواضع الثلاثة على
الاختصاص لمزيد الفضيلة مما لا يمكن إنكاره سيما خبر سهل بن حنيف الصريح في ان كل
صلاة بإزاء منقبة من مناقبه وحديث حمزة ، وحينئذ فلا يمكن الاستناد إليها في عموم
الحكم وشموله لجميع الأموات.
__________________
(1) الوسائل الباب 6 من صلاة الجنازة.
بقي الكلام في الأخبار والجمع بينها وهو ممكن بأحد وجهين
: (الأول) حمل الأخبار الدالة على التكرار على ان الصلاة فيها بمعنى الدعاء لا
الصلاة المعهودة ، ويؤيده ما يأتي ان شاء الله تعالى في مسألة الصلاة على القبر. و
(الثاني) حمل الأخبار الدالة على النهى عن التكرار على التقية فإن العلامة في
المنتهى نقل القول بالكراهة عن ابن عمر وعائشة وابى موسى والأوزاعي واحمد والشافعي
ومالك وابى حنيفة وأسنده ايضا الى على (عليهالسلام) (1) ولعله الأقرب
ويعضده ان أكثر روايات النهى من العامة.
ومما ذكرنا يظهر ضعف الأقوال المتقدمة ، اما القول
بالكراهة مطلقا كما هو المشهور عملا بالأخبار الدالة على النهى فينافيه ظاهر أمر
النبي (صلىاللهعليهوآله) بالصلاة لمن
اتى في رواية جابر (2) وكذلك التزام
أمير المؤمنين (عليهالسلام) في الصلاة
على سهل بن حنيف بالأمر المكروه خمس مرات ، وأظهر منه صلاة النبي (صلىاللهعليهوآله) على عمه (رضى
الله عنه) ومثله صلاة الناس على النبي (صلىاللهعليهوآله). واما ما
ذكره ابن إدريس من كراهة الصلاة جماعة فترده اخبار سهل بن حنيف وتكرار أمير
المؤمنين (عليهالسلام) الصلاة عليه
جماعة خمس مرات وكذا أخبار حمزة (سلام الله عليه) (3) وأما تخصيص الكراهة
بالمصلي نفسه كما نقل عن الشيخ في الخلاف فينافيه مورد الأخبار الثلاثة الدالة على
النهى ، فان موردها من لم يصل. وأما تخصيص الكراهة بما خيف على الميت أو بضم
منافاة التعجيل فلم نقف له على مستند ، وربما كان المستند حمل أخبار النهى على ذلك
، وأنت خبير بأنه لا إشعار في شيء منها بذلك فضلا عن التصريح
__________________
(1) عمدة القارئ ج 4 ص 135 وشرح المهذب ج 5 ص 249 وفي المغني ج
2 ص 512 «من صلى مرة فلا يسن له إعادة الصلاة عليها ، وإذا صلى على الجنازة مرة لم
توضع لأحد يصلى عليها ، قال القاضي لا يحسن بعد الصلاة عليه ويبادر بدفنه ، وقال
ابن عقيل لا ينتظر به أحد ، فاما من أدرك الجنازة فمن لم يصل فله ان يصلى عليها
فعل ذلك على (عليهالسلام) وانس وسلمان بن ربيعة وأبو حمزة ومعمر
بن سمير» وفي المهذب ج 1 ص 134 نحوه.
(2) ص 456.
(3) ص 454 و 455.
به أو ظهوره فيه. وبالجملة فالظاهر
عندي من اخبار المسألة هو ما ذكرته. والله العالم.
المسألة الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في
الصلاة على القبر ، فقال الشيخان (عطر الله مرقديهما) من لم يدرك الصلاة على الميت
صلى على القبر يوما وليلة فإن زاد على ذلك لم تجز الصلاة عليه ، وهو اختيار ابن
إدريس وابن البراج وابن حمزة وبه صرح المحقق في الشرائع والعلامة في الإرشاد.
وإطلاق كلامهم يقتضي جواز الصلاة عليه وان كان قد صلى عليه. ولم يقدر ابن ابى عقيل
وعلى بن بابويه لها وقتا بل قالا من لم يدرك الصلاة على الميت صلى على القبر ،
وقربه الشهيد في البيان ، وقال ابن الجنيد يصلى عليه ما لم تتغير صورته ، وقال
سلار يصلى عليه ثلاثة أيام وجعله الشيخ في الخلاف رواية ، وقال في المختلف :
والأقرب عندي انه ان لم يصل على الميت أصلا بل دفن بغير صلاة صلى على قبره وإلا
فلا. وحكم المحقق في المعتبر بعدم وجوب الصلاة بعد الدفن مطلقا قال ولا امنع
الجواز. واستدل في المعتبر على عدم الوجوب بان المدفون خرج بدفنه من أهل الدنيا
فساوى من فني في قبره ، وعلى الجواز بالأخبار الواردة بالإذن في الصلاة على القبر
كصحيحة هشام بن سالم ، ثم ساق الخبر كما يأتي ان شاء الله تعالى (1) وقال في
المدارك : والأصح ما اختاره المصنف من عدم الوجوب بعد الدفن مطلقا لكن لا يبعد
اختصاص الجواز بيوم الدفن. انتهى. والى ما ذكره المحقق في المعتبر مال العلامة في
المنتهى. هذا ما حضرني من أقوالهم.
واما الأخبار الواردة في هذه المسألة فمنها ما رواه
الشيخ في الصحيح عن هشام ابن سالم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «لا بأس
أن يصلى الرجل على الميت بعد ما يدفن».
وما رواه الشيخ في التهذيب مسندا عن مالك مولى الجهم عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) والصدوق في
الفقيه مرسلا عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «إذا
فاتتك الصلاة على الميت حتى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه وقد دفن».
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 18 من صلاة الجنازة.
وما رواه الشيخ عن عمرو بن جميع عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «كان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا فاتته
الصلاة على الميت صلى على القبر».
وعن محمد بن أسلم عن رجل من أهل الجزيرة (2) قال : «قلت
للرضا (عليهالسلام) يصلى على
المدفون بعد ما يدفن؟ قال لا لو جاز لأحد لجاز لرسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال بل لا
يصلى على المدفون ولا على العريان».
وما رواه في الكافي والتهذيب عن عمار الساباطي عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) (3) قال «سئل عن
ميت صلى عليه فلما سلم الإمام إذا الميت مقلوب رجلاه الى موضع رأسه؟ قال يسوى
وتعاد الصلاة عليه وان كان قد حمل ما لم يدفن ، فان كان قد دفن فقد مضت الصلاة ولا
يصلى عليه وهو مدفون».
وقد تقدم (4) في المسألة المتقدمة في موثقة يونس
بن يعقوب «ان أدركتها قبل أن تدفن فإن شئت فصل عليها».
وفي موثقة عمار (5) «الميت يصلى
عليه ما لم يوار بالتراب وان كان قد صلى عليه».
وما رواه في الكافي والتهذيب في تتمة حديث عمار المتقدم
في الموضع السابع من البحث المتقدم (6) قال : «قلت فلا يصلى عليه إذا دفن؟
قال لا لا يصلى على الميت بعد ما يدفن ولا يصلى عليه وهو عريان حتى توارى عورته».
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن حريز عن محمد بن مسلم
أو زرارة (7) قال : «الصلاة
على الميت بعد ما يدفن انما هو الدعاء. قال قلت فالنجاشي لم يصل عليه النبي (صلىاللهعليهوآله)؟ فقال لا
انما دعا له».
وعن جعفر بن عيسى (8) قال «قدم أبو عبد الله (عليهالسلام) مكة فسألني
عن عبد الله
__________________
(1 و 2 و 7 و 8) الوسائل الباب 18 من صلاة الجنازة.
(3) الوسائل الباب 19 من صلاة الجنازة.
(6) ص 426.
ابن أعين فقلت مات. فقال مات؟ أفتدري
موضع قبره؟ قلت نعم. قال فانطلق بنا الى قبره حتى نصلي عليه قلت نعم. فقال لا ولكن
نصلي عليه ههنا ، فرفع يديه واجتهد في الدعاء وترحم عليه».
وقال في كتاب الفقه الرضوي (1) «فان لم تلحق
الصلاة على الجنازة حتى يدفن الميت فلا بأس بأن تصلى بعد ما دفن».
هذه جملة ما حضرني من اخبار المسألة وهي ظاهرة الإشكال
لما بينها من التدافع في هذا المجال ، وما ذهب إليه الأصحاب في وجوه الجمع بينها
لا يخلو من الإشكال والاختلال.
اما ما ذكره الشيخان ومن تبعهما فلعدم وجود المستند لما
ذكروه من التقدير باليوم والليلة ، وكذا قول سلار إلى ثلاثة أيام وقول ابن الجنيد
، فان الجميع خال من الدليل ، وقد اعترف بذلك الفاضلان في المعتبر والمنتهى.
واما ما ذكره العلامة في المختلف ـ من حمل أخبار المسألة
على من دفن بغير صلاة فأوجب الصلاة عليه وحمل اخبار المنع على من صلى عليه ـ ففيه
ان ظاهر موثقة عمار الواردة في الصلاة على المقلوب رأسه الى موضع رجليه (2) يدل على المنع
وان لزم دفنه بغير صلاة ، لان من صلى عليه صلاة باطلة كمن لم يصل عليه بالكلية مع
المعارضة باحتمال حمل الصلاة في اخبار الجواز على مجرد الدعاء كما تدل عليه مضمرة
زرارة ورواية جعفر المذكورتان (3).
واما ما ذكره بعضهم ـ من حمل اخبار المنع على الكراهة
وحينئذ تجوز الصلاة عليه على كراهة إذا كان الميت قد صلى عليه وإلا فتجب الصلاة
عليه عملا بالأخبار العامة الدالة على وجوب الصلاة على الميت مطلقا من غير استثناء
(4) وان المعارض
المذكور يضعف عن المعارضة.
__________________
(1) ص 19.
(2 و 3) ص 460.
(4) الوسائل الباب 37 من صلاة الجنازة.
ففيه ما قد عرفت مرارا من أن الأحكام المودعة في الأخبار
انما تحمل على الافراد المتكررة الشائعة وهي التي يتبادر إليها الإطلاق دون الفروض
النادرة الشاذة التي ربما لا توجد إلا بطريق الاحتمال.
وأما ما ذكره في المعتبر ـ ومال إليه في المدارك من عدم
الوجوب بعد الدفن وان جاز ذلك ـ فليس فيه تعرض لاخبار المنع ولا بيان الوجه فيها
مع كونها ظاهرة بل بعضها صريحا في المنع ، وحينئذ فقوله بالجواز مع معارضتها باخبار
المنع من غير أن يجيب عنها لا وجه له. نعم ربما كان التفاتهم الى ان اخبار المنع
ضعيفة السند لا تعارض الصحيحة التي ذكروها ، ولعله لهذا الوجه جمد في المدارك على
ما ذهب اليه صاحب المعتبر ، على ان ما علل به في المعتبر عدم الوجوب في هذا المقام
عليل لا يعتمد عليه ، وان كان الأولى التمسك بأصالة العدم حتى يقوم دليل الوجوب ،
لان أخبار الصلاة المطلقة لا عموم فيها على وجه يشمل محل البحث لما عرفت.
وبالجملة فإن حمل روايات الجواز على مجرد الدعاء غير
بعيد لما عرفت من الخبرين المتقدمين. إلا ان المسألة بعد لا تخلو من شوب الإشكال
والاحتياط يقتضي ترك الصلاة على من صلى عليه والاقتصار على مجرد الدعاء على من لم
يصل عليه بل على من صلى عليه ايضا. والله العالم.
المسألة الثالثة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم)
بأنه لو فات المأموم بعض التكبيرات أتم بعد فراغ الامام ولاء ، وانه لو سبق الامام
ببعض التكبيرات استحب له الإعادة مع الامام ، فالكلام هنا يقع في موضعين :
الأول ـ من فاته بعض التكبيرات مع الامام ، والحكم فيه
كما ذكروه (رضوان الله عليهم).
ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الصدوق
والشيخ في الصحيح عن
الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
أدرك الرجل التكبيرة والتكبيرتين من الصلاة على الميت فليقض ما بقي متتابعا».
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن عيص بن القاسم (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يدرك من الصلاة على الميت تكبيرة قال يتم ما بقي».
وعن خالد بن ماد القلانسي عن رجل عن ابى جعفر (عليهالسلام) (3) قال : «سمعته
يقول في الرجل يدرك مع الإمام في الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين؟ فقال يتم التكبير
وهو يمشى معها فإذا لم يدرك التكبير كبر عند القبر ، فان كان أدركهم وقد دفن كبر
على القبر».
أقول : ربما أشعر هذا الخبر بجواز الصلاة على الميت بعد
الدفن وان كان قد صلى عليه ، إذ الظاهر من قوله «كبر على القبر» يعنى التكبير
المعهود في الصلاة وهو كناية عن الصلاة الكاملة كما وقع التعبير به في جملة من
الأخبار. ولا مجال لحمل الصلاة هنا على مجرد الدعاء كما ذكرناه في المسألة
المتقدمة ، فإن هذا الاحتمال انما يجرى لو كان التعبير بلفظ الصلاة التي معناها
لغة انما هو الدعاء لا في لفظ التكبير وفي الخبر على ما ذكرناه رد على ما ذهب إليه
في المختلف من تخصيص الصلاة بعد الدفن بمن لم يصل عليه واما من صلى عليه فإنه لا
يصلى عليه ، حيث ان الظاهر ان هؤلاء الذين دفنوه انما يدفنونه بعد الصلاة عليه
البتة. واما احتمال كون التكبير على القبر في الصورة المذكورة ولاء كما في صورة
فوات بعض التكبيرات مع الامام فالظاهر بعده.
وعن الحلبي في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «إذا
أدرك الرجل التكبيرة والتكبيرتين من الصلاة على الميت فليقض ما بقي متتابعا».
وعن زيد الشحام (5) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الصلاة
على الجنائز
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 17 من صلاة الجنازة.
والحديث «4» عين «1».
إذا فات الرجل منها التكبيرة أو
الثنتان أو الثلاث قال يكبر ما فاته».
وحمل مطلق هذه الأخبار على مقيدها يقتضي الإتيان
بالتكبير الفائت ولاء من غير الأذكار الموظفة.
وفي كتاب الفقه الرضوي (1) «فإذا فاتك مع
الامام بعض التكبير ورفعت الجنازة فكبر عليها تمام الخمس وأنت مستقبل القبلة».
وروى الثقة الجليل على بن جعفر (رضى الله عنه) في كتاب
المسائل عن أخيه موسى بن جعفر (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن الرجل يدرك تكبيرة أو اثنتين على ميت كيف يصنع؟ قال يتم ما بقي من تكبيره
ويبادره دفعة ويخفف».
وأما ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عن
أبيه (عليهماالسلام) (3) ـ «ان عليا (عليهالسلام) كان يقول لا
يقضى ما سبق من تكبير الجنائز». وفي بعض النسخ «ما بقي» ـ فقد حمله الشيخ في
التهذيبين على القضاء مع الدعاء ، قال لأنه انما يقضى متتابعا من دون فصل بالدعاء
كما كان يبتدأ به. وقال في الوافي : وفيه بعد والاولى ان يحمل على عدم الوجوب.
انتهى. أقول : ويؤيده الاتفاق على الوجوب الكفائي ولا ريب انه قد سقط الوجوب حينئذ
عن هذا المصلي بصلاة القوم على الجنازة.
وقال في الذكرى بعد ذكر الخبر : وحمله الشيخ على القضاء
الخاص وهو القضاء مشفوعا بالدعاء لا القضاء المتتابع. قلت يريد به نفى وجوب الدعاء
لحصوله من السابقين ولانه موضع ضرورة لا نفى جوازه لدلالة ما يأتي عليه ، بل يمكن
وجوبه مع الاختيار لعموم أدلة الوجوب وعموم قول النبي (صلىاللهعليهوآله) (4) «ما أدركتم
فصلوا وما فاتكم فاقضوا».
__________________
(1) ص 19.
(2 و 3) الوسائل الباب 17 من صلاة الجنازة.
(4) في المغني ج 2 ص 495 قوله (صلىاللهعليهوآله) «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا». وفي
لفظ «فاقضوا».
فحينئذ تحمل رواية إسحاق على غير
المتمكن من الدعاء بتعجيل رفعها ، وعليه يحمل قول الصادق (عليهالسلام) في رواية
الحلبي «فليقض ما بقي متتابعا» الى أن قال : بعد ذكر رواية القلانسي : وهذا يشعر
بالاشتغال بالدعاء إذ لو والى لم يبلغ الحال الى الدفن. انتهى.
أقول : ظاهر كلامه (قدسسره) تخصيص
التكبير ولاء بصورة عدم التمكن من الأذكار بينها ، ونقل ذلك عن العلامة في بعض
كتبه بل نسبه شيخنا المجلسي (قدسسره) في كتاب
البحار إلى الأكثر حيث قال : وقال الأكثر ان أمكن الدعاء يأتي بأقل المجزئ وإلا
يكبر ولاء من غير دعاء. انتهى. وربما يشير الى ذلك قوله (عليهالسلام) في صحيحة على
بن جعفر المتقدم نقلها عن كتابه «ويبادره دفعة ويخفف».
ويشكل بان ظاهر الأخبار المذكورة بالنظر الى حمل مطلقها
على مقيدها هو التكبير ولاء أمكن الإتيان بالأذكار قبل وقوع ما ينافي ذلك من البعد
والانحراف عن الميت والقبلة أم لم يمكن ، والتخصيص بما ذكروه يحتاج الى دليل واضح.
وما استند اليه من العموم على وجه يشمل محل البحث ممنوع. والحديث الذي نقله غير
معلوم كونه من طرقنا بل الظاهر انه من الأخبار العامية التي يستسلقونها في أمثال
هذه المقامات ، ويعضد ذلك ما أشرنا إليه آنفا من ان قضية الوجوب الكفائي سقوط
الوجوب في الصورة المذكورة ، وبه يظهر انه لا شمول لأدلة الوجوب لموضع البحث كما
ذكرنا.
وأما دعواه اشعار رواية القلانسي بالاشتغال بالدعاء ففيه
ان الظاهر من الرواية بعد التأمل فيها ان التكبير على القبر بعد الدفن انما هو في
صورة ما لو لم يدرك التكبير مع الإمام بالكلية كما أوضحناه آنفا ، لا أنه أدرك
بعضها وقضى البعض الباقي بعد الدفن حتى يدعى انه لو والى لم يبلغ الحال الى الدفن.
وكيف كان فالاحتياط في ما ذكروه (رضوان الله عليهم)
والله العالم.
الثاني ـ قال في الذكرى : لو سبق المأموم بتكبيرة فصاعدا
متعمدا اثم وأجزأ ، ولو كان ناسيا أو ظانا فلا اثم وأعادها معه ليدرك فضيلة
الجماعة ، وفي إعادة العامد تردد من حيث المساواة لليومية في عدم اعادة العامد
ولأنها أركان زيادتها كنقصانها ومن انها ذكر الله تعالى فلا تبطل الصلاة بتكرره.
وقال في كتاب الروض : ويستحب للمأموم إعادة ما سبق به من
التكبير على الامام ظانا أو ناسيا ليدرك فضيلة الجماعة كما يرجع إليه في اليومية
لو ركع أو رفع قبله ولا تنقطع بذلك القدوة ، ولو كان متعمدا ففي الإعادة إشكال من
ان التكبير ركن فزيادته كنقصانه ومن كونه ذكر الله تعالى. ولا ريب ان عدم العود
هنا أولى. وهو راجع الى ما في الذكرى إلا انه هنا رجح في العامد عدم العود وفي الذكرى
ظاهره التوقف حيث اقتصر على ذكر الوجهين الموجبين للإشكال.
وقال في المسالك ـ بعد قول المصنف : إذا سبق المأموم
بتكبيرة أو ما زاد استحب له إعادتها مع الامام ـ ما لفظه : ان سبقه سهوا أو ظنا
انه كبر أما لو تعمد استمر متأنيا حتى يلحقه الامام ويأثم في الأخير. أقول. وهذا
احتمال ثالث زائد على ما في الذكرى والروض.
وقال في المدارك ـ بعد ذكر حكم الساهي والظان وانهما
يعيدان مع الامام وحكم العامد وانه يستمر متأنيا حتى يلحقه الامام كما في المسالك
ـ ما لفظه : وفي الحكمين معا اشكال خصوصا الثاني ، لأن التكبير الواقع في هذا
الموضع على هذا الوجه منهي عنه والنهى في العبادة يقتضي الفساد ، بل لو قيل بوجوب
الإعادة مع العمد كان جيدا ان لم تبطل الصلاة بذلك. انتهى.
أقول : لا يخفى ان المسألة خالية من النص ، وجميع ما ذكر
فيها من التعليلات معلول لا يمكن الاعتماد عليه ، واستشكال صاحب المدارك في محله ،
ومن ثم ان الفاضل الخراساني في الذخيرة اقتصر على نقل الأقوال. والله العالم.
المسألة الرابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) انه لو حضرت
جنازة في أثناء الصلاة على اخرى تخير
بين قطع الصلاة الأولى واستئناف صلاة واحدة عليهما وبين ان يتم الصلاة على الأولى
ويستأنف على الثانية ، ذكره الصدوقان والشيخ واتباعه وهو المشهور. وقال ابن الجنيد
على ما نقل عنه يجوز للإمام جمعهما الى أن يتم على الثانية خمسا وان شاء ان يومئ
الى أهل الأولى ليأخذوها ويتم على الثانية خمسا.
استدل المتأخرون على القول الأول بما رواه الكليني
والشيخ في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهالسلام) (1) «في قوم كبروا
على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين ووضعت معها اخرى؟ قال ان شاءوا تركوا الأولى حتى
يفرغوا من التكبير على الأخيرة وان شاءوا رفعوا الأولى وأتموا ما بقي على الأخيرة
كل ذلك لا بأس به».
قال في الذكرى : والرواية قاصرة الدلالة على إفادة
المدعى إذ ظاهرها ان ما بقي من تكبير الأولى محسوب للجنازتين فإذا فرغ من تكبير
الأولى تخيروا بين تركها بحالها حتى يكملوا التكبير على الأخيرة وبين رفعها من
مكانها والإتمام على الأخيرة ، وليس في هذا دلالة على إبطال الصلاة على الأولى
بوجه. هذا مع تحريم قطع العبادة الواجبة.
أقول : ما ذكره (قدسسره) في بيان معنى
ظاهر الرواية جيد وقد اقتفاه في ذلك جملة من متأخري المتأخرين.
والتحقيق عندي في هذا المقام وان غفلت عنه علماؤنا
الاعلام ان المتقدمين سيما الصدوقين انما اعتمدوا في هذا الحكم واستندوا إلى عبارة
كتاب الفقه الرضوي حيث انه (عليهالسلام) قد صرح بذلك
وقد عرفت في غير موضع مما قدمناه وستعرف ان شاء الله تعالى أمثاله في ما يأتي أن
كثيرا من الأحكام التي ذكرها المتقدمون واعترضهم المتأخرون بعدم وجود المستند لها
فان مستنداتها قد ظهرت من هذا الكتاب ومن جملة ذلك
__________________
(1) الوسائل الباب 34 من صلاة الجنازة.
هذه المسألة ، إلا ان المتأخرين لما
نقلوا الحكم المذكور عن كلام المتقدمين ولم يصل إليهم مما يظن دلالته عليه إلا هذه
الصحيحة جعلوها دليلا للمتقدمين في ما نقلوه عنهم واعترضوها بما عرفت.
والحق ان دليلهم ليس إلا عبارة الكتاب المذكور حيث قال (عليهالسلام) (1) «وان كنت تصلى
على الجنازة وقد جاءت اخرى فصل عليهما صلاة واحدة بخمس تكبيرات وان شئت استأنف على
الثانية».
والصدوق في الفقيه قد أخذ معنى العبارة المذكورة فقال :
ومن كبر على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين فوضعت جنازة أخرى معها فان شاء كبر الآن
عليهما خمس تكبيرات وان شاء فرغ من الاولى واستأنف الصلاة على الثانية. انتهى.
نعم صحيحة على بن جعفر المذكورة ظاهرة في مذهب ابن
الجنيد ومنطبقة عليه فهي دليله ودليل المشهور انما هي العبارة المذكورة.
وظاهر كلام الشيخ في كتابي الأخبار القول بالتشريك ايضا
كما هو مذهب ابن الجنيد حيث انه ـ بعد ان نقل رواية جابر المتقدمة (2) عن ابى جعفر (عليهالسلام) الدالة على
التكبير على الميت احدى عشر وتسعا وسبعا وخمسا وستا وأربعا ـ قال ما تضمنه هذا
الخبر من زيادة التكبير على الخمس مرات متروك بالإجماع ويجوز ان يكون (عليهالسلام) أخبر عن فعل
النبي (صلىاللهعليهوآله) بذلك لأنه
كان يكبر على جنازة واحدة أو اثنتين فكان يجاء بأخرى فيبتدئ من حيث انتهى خمس
تكبيرات فإذا أضيف الى ما كان كبر زاد على الخمس تكبيرات وذلك جائز على ما سنبينه
في ما بعد ان شاء الله تعالى. انتهى ومما حررناه في المقام يظهر لك ان في المسألة
قولين : (أحدهما) ـ القول بالتشريك كما ذهب اليه ابن الجنيد وهو ظاهر الشيخ كما
عرفت ، وعليه تدل صحيحة على بن جعفر المذكورة (الثاني) ـ القول بالتخيير بين القطع
والاستئناف عليهما والإتمام على الأولى ثم الصلاة على الثانية كما هو القول
المشهور ، ومستنده ما عرفت
__________________
(1) ص 19.
(2) ص 421.
من كلامه في كتاب الفقه. والقول
بالتخيير بين الأمرين المذكورين في هذين الخبرين جمع بين الدليلين.
ثم انه على تقدير القول بالتشريك فان قلنا بالاكتفاء
بمجرد الأذكار والأدعية كيف اتفق من غير توظيف شرعي فلا اشكال ، وان قلنا بالقول
المشهور من التوظيف لكل تكبيرة بوظيفة مخصوصة فإنه يجب الإتيان بعد كل تكبيرة من
التكبيرات المشتركة بوظيفة الصلاتين من الأدعية والأذكار ، فلو اتى بالجنازة
الثانية بعد تكبيرتين ووقع التشريك في الثالثة دعا بعدها لوظيفة الأولى بدعاء
المؤمنين ولوظيفة الثانية بالشهادتين وهكذا.
هذا. وما ذكره الشهيد في الذكرى في آخر عبارته المتقدمة
من قوله «هذا مع تحريم قطع العبادة الواجبة» فقد اعترض عليه في الذخيرة فقال :
واما ما ذكره ـ من تحريم قطع العبادة الواجبة ووافقه غير واحد من المتأخرين فحكموا
بتحريم القطع هنا إلا لضرورة ـ فغير مسلم إذ عمدة ما يعول عليه في هذا الباب هو
الإجماع وهو غير تام في موضع النزاع. واما الاستناد الى قوله تعالى «وَلا
تُبْطِلُوا» (1) فغير تام كما
بيناه في المباحث السالفة. انتهى.
أقول : ويعضد ما ذكره (قدسسره) عبارة كتاب
الفقه التي هي مستند القول المشهور من جواز القطع كما عرفت ، وبالجملة فإن دعواهم
تحريم قطع الواجب مطلقا ممنوع لعدم الدليل عليه ، نعم قال الدليل عندي على ذلك في
الصلاة اليومية فإنه يحرم قطعها كما تقدم تحقيقه في كتاب الصلاة (2) وما عدا ذلك
فلا اعرف له دليلا بل الدليل على خلافه ـ كما عرفت في هذا المقام ـ واضح السبيل.
والله العالم.
المسألة الخامسة ـ قد صرح غير واحد من الأصحاب (رضوان
الله عليهم) بأنه لا قراءة عندنا في هذه الصلاة ولا تسليم.
والكلام هنا يقع في مقامين (الأول) بالنسبة إلى القراءة والذي
يدل على
__________________
(1) سورة محمد الآية 35.
(2) ج 9 ص 101.
عدمها من الأخبار ما رواه ثقة الإسلام
في الصحيح عن محمد بن مسلم وزرارة ومعمر بن يحيى وإسماعيل الجعفي عن ابى جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «ليس في
الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت تدعو بما بدا لك. الحديث». وقد تقدم.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم وزرارة (2) «أنهما سمعها
أبا جعفر (عليهالسلام) يقول ليس في
الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت. الحديث» وقد مر ايضا ويؤيده ما في كثير من
الأخبار (3) «انما هو تكبير
وتسبيح وتحميد وتهليل».
وقد ورد بإزاء هذه الأخبار ما ظاهره المعارضة كما رواه
الشيخ عن عبد الله ابن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) (4) «ان عليا (عليهالسلام) كان إذا صلى
على ميت يقرأ بفاتحة الكتاب ويصلى على النبي (صلىاللهعليهوآله)».
وعن على بن سويد عن الرضا (عليهالسلام) (5) في ما نعلم
قال : «في الصلاة على الجنائز تقرأ في الأولى بأم الكتاب وفي الثانية تصلي على
النبي (صلىاللهعليهوآله). الحديث». وقد
تقدم ايضا (6).
وهذان الخبران محمولان عند الأصحاب على التقية (7) قال الشيخ بعد
ذكر خبر على بن سويد : أول ما فيه ان الراوي شاك في كونه الرضا (عليهالسلام) وكما يكون
شاكا يجوز أن يكون قد وهم في القراءة ، ولانه رواه بطريق آخر عن الكاظم (عليهالسلام) واضطراب
النقل دليل الضعف ، وان صح حمل على التقية. ثم انه حمل ايضا خبر القداح على التقية
(8).
__________________
(1 و 2 و 4 و 5) الوسائل الباب 7 من صلاة الجنازة.
(3) هذا المضمون لم نقف عليه في غير موثقة يونس بن يعقوب
الواردة في الوسائل في الباب 7 و 9 و 17 من صلاة الجنازة ، نعم ورد في بعض الاخبار
التعبير عن صلاة الميت بأنها شفاعة وليست بصلاة فيها ركوع وسجود كما في الباب 5 و
8 أو انها دعاء ومسألة كما في الباب 21 أو انها استغفار كما في الباب 20 من صلاة
الجنازة.
(6) لم يتقدم.
(7 و 8) في المغني ج 2 ص 485 «قراءة الفاتحة واجبة في صلاة
الجنازة بعد التكبيرة الاولى وبه قال الشافعي وإسحاق وروي عن ابن عباس ، وقال
الثوري والأوزاعي
قال
في الذكرى : فروع ـ قال الشيخ في الخلاف تكره القراءة. وكأنه نظر الى انه تكليف لم
يثبت شرعيته. ويمكن ان يقال بعدم الكراهة لأن القرآن في نفسه حسن ما لم يثبت النهى
عنه والأخبار خالية من النهى وغايتها النفي وكذا كلام الأصحاب ، لكن الشيخ نقل
الإجماع بعد ذلك وقد يفهم منه الإجماع على الكراهية ونحن لم نر أحدا ذكر الكراهة
فضلا عن الإجماع عليها. انتهى.
ولا يخفى ما فيه على الفطن النبيه وذلك فان البحث ليس في
جواز قراءة القرآن من حيث هو قرآن حتى انه يحتج بان القرآن في نفسه حسن ، بل محل
البحث في انه هل القراءة هنا جزء من الصلاة من واجباتها أو مستحباتها كما هو عند
العامة أم لا؟ والاتفاق من الأصحاب على عدم ذلك كما يفهم من شيخنا الشهيد الثاني
في كتاب الروض حيث قال : ولا قراءة فيها واجبة ولا مندوبة إجماعا. واما قوله ـ والأخبار
خالية من النهى وغايتها النفي ـ فإنه مردود بأن إثبات القراءة في هذه الصلاة هو
المحتاج الى الدليل لا نفيها حتى يدعى ان الأخبار لا تدل على النهى.
وبالجملة فإن العبادات الشرعية توقيفية من الشارع فبأي
كيفية عملت من الشارع يجب الوقوف عليها ، وحيث ان إجماع الأصحاب كما عرفت على عدم
توظيفها لا وجوبا ولا استحبابا وقد تأيد بالأخبار المتقدمة الدالة على نفيها ،
فالمعلوم هو عدم دخولها في الكيفية المذكورة. بقي ما دل على ثبوتها من الخبرين
المتقدمين فحيث كانا مخالفين لما عليه الأصحاب والأخبار وكانا موافقين لكثير من
العامة تعين حملهما على التقية بغير اشكال.
والعجب من صاحب الذخيرة حيث نقل كلامه وجمد عليه ولم
يتعرض لما فيه مما ذكرنا من التنبيه ، والسبب في ذلك هو ما قدمنا ذكره في غير موضع
من
__________________
وأبو حنيفة لا يقرأ فيها شيء من القرآن لان ابن مسعود قال ان
النبي (صلىاللهعليهوآله) لم يوقت فيها قولا ولا قراءة» وفي
بداية المجتهد ج 1 ص 215 «قال مالك وأبو حنيفة ليس فيها قراءة انما هو الدعاء».
إلغائهم الاعتماد على هذه القواعد
المنصوصة عن أئمتهم (عليهمالسلام) واتخذوا لهم
قواعد أخر عكفوا عليها في جميع أبواب الفقه. والله العالم.
الثاني ـ بالنسبة إلى التسليم والذي يدل على عدمه في هذه
الصلاة من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن سعد الأشعري عن ابى
الحسن الرضا (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن الصلاة على الميت قال اما المؤمن فخمس تكبيرات واما المنافق فأربع ، ولا سلام
فيها».
وما رواه في الكافي في الصحيح عن الحلبي وزرارة عن ابى
جعفر وابى عبد الله (عليهماالسلام) (2) قالا : «ليس
في الصلاة على الميت تسليم».
وعن الحلبي (3) قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) ليس في
الصلاة على الميت تسليم».
وما رواه الحسن بن على بن شعبة في كتاب تحف العقول عن
الرضا (عليهالسلام) (4) في كتابه إلى
المأمون قال : «والصلاة على الجنازة خمس تكبيرات ، وليس في صلاة الجنازة تسليم لان
التسليم في صلاة الركوع والسجود وليس لصلاة الجنازة ركوع ولا سجود».
وفي كتاب الفقه الرضوي نحو ذلك في الموضع الأول والثاني
وقد تقدم جميع ذلك في الموضع المشار إليه (5) الى غير ذلك من الأخبار التي يقف
عليه المتتبع وبإزاء هذه الروايات مما يدل على التسليم موثقة عمار المتقدمة في
المطلب الثالث في الكيفية ومثلها رواية يونس المتقدمة ثمة أيضا (6) وغيرهما ، والجميع
محمول عند أصحابنا على التقية (7).
قال في الذكرى : أجمع الأصحاب على سقوط التسليم فيها ،
وظاهرهم عدم مشروعيته فضلا عن استحبابه ، قال في الخلاف وليس فيها تسليم ، واحتج
عليه
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 9 من صلاة الجنازة.
(5) ص 410 و 411.
(6) ص 409.
(7) ارجع الى التعليقة 1 ص 473.
بإجماع الفرقة ، ونقل عن العامة
التسليم على اختلافهم في كونه فرضا أو سنة (1) وقال ابن الجنيد : ولا يستحب التسليم
فيها فان سلم الإمام فواحدة عن يمينه. وهذا يدل على شرعيته للإمام وعدم استحبابه
لغيره أو على جوازه للإمام من غير استحباب بخلاف غيره. واحتج المرتضى بعد الإجماع
بأن مبناها على التخفيف ولهذا حذف فيها الركوع والسجود فغير منكر ان يحذف التسليم.
وقال ابن ابى عقيل لا تسليم لان التسليم في الصلاة التي فيها الركوع والسجود ولذلك
لا تسليم في صلاة الخوف التي ليس فيها ركوع ولا سجود. لنا على عدمه في الجملة
إطباق الأصحاب على تركه علما وعملا ، وخبر الحلبي عن الصادق (عليهالسلام) (2) «ليس في الصلاة
على الميت تسليم». وعن الحلبي بطريق آخر وعن زرارة عن الباقر والصادق (عليهماالسلام) (3) «ليس في الصلاة
على الميت تسليم». وعن إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا (عليهالسلام) (4) «لا سلام فيها».
وفي خبر أم سلمة (5) «ثم كبر وانصرف».
ولم يذكر التسليم ، وكذا في أكثر الأخبار ، وقد أورد في التهذيب التسليم في أربعة
أخبار : مضمر سماعة (6) «فإذا فرغت
سلمت عن يمينك». وهو يعطى التسليم مطلقا ، وخبر الحسن بن أحمد المنقري عن يونس عن
الصادق (عليهالسلام) (7) «والخامسة يسلم
ويقف مقدار ما بين التكبيرتين ولا يبرح حتى يحمل السرير من بين يديه». وخبر عمار
عن الصادق (عليهالسلام) (8) «سئل عن ميت
صلى عليه فلما سلم الإمام فإذا الميت
__________________
(1) في المغني ج 2 ص 491 «اختار القاضي ان المستحب تسليمتان
وتسليمة واحدة تجزئ وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي قياسا على سائر الصلوات» وفي ص
492 قال : «الواجب في صلاة الجنازة النية والتكبيرات والقيام وقراءة الفاتحة
والصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) وادنى دعاء للميت وتسليمة واحدة» وفي
بداية المجتهد لابن رشد ج 1 ص 216 «الجمهور على ان التسليم واحد وسبب الخلاف في
الواحدة والاثنتين هو اختلافهم في التسليم في الصلاة المكتوبة فمن قال بالواحدة
هناك قال به هنا ومن قال بالاثنتين قال به هنا».
(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 9 من صلاة الجنازة.
(5) ص 402.
(6) ص 407.
(7) ص 409.
(8) ص 425.
مقلوب». وهذان يدلان على تسليم الامام
، والثاني منهما حكاية فعل الإمام إلا انه لم يذكر إنكار المعصوم (عليهالسلام) إياه ، وخبر
عمار عنه (عليهالسلام) (1) قال «سألته عن
الصلاة على الميت فقال يكبر. الى قوله عفوك عفوك وتسلم». وهذا كالأول في إطلاق
التسليم. وهي بأسرها ضعيفة الاسناد معارضة للمشهور محمولة على التقية (2) واما شرعية
التسليم استحبابا أو جوازا فالكلام فيه كالقراءة إذ الإجماع المعلوم انما هو على
عدم وجوبه ومع التقية لا ريب فيه. انتهى كلامه زيد مقامه.
وانما نقلناه بطوله لجودة محصوله وإحاطته بأطراف الكلام
من نقل الأقوال والأخبار ، ومجمل القول فيه ـ كما قدمنا ذكره في القراءة ـ ان
العبادات مبنية على التوقيف من الشارع ، والأخبار هنا وان كانت قد تعارضت فيه إلا
ان مقتضى القاعدة المأثورة عن أصحاب العصمة (صلوات الله عليهم) في اختلاف الأخبار
وعرضها على مذهب العامة والأخذ بما خالفه هو نفى التسليم في هذه الصلاة وجوبا
واستحبابا ، واما الجواز فإنه لا معنى له هنا لان التسليم عبادة فإن شرعت فهي لا
تخرج عن الوجوب أو الاستحباب وإلا فالإتيان بها بقصد كونها جزء من الصلاة مع عدم
ثبوت الوجوب والاستحباب تشريع محض كما نبه عليه في صدر كلامه.
وقال في الروض : ولا تسليم ايضا واجبا ولا مندوبا بإجماع
الأصحاب ، قال في الذكرى : وظاهرهم عدم مشروعيته وما ورد بإثباته من الأخبار محمول
على التقية لأنه مذهب العامة (3) مع كونها
ضعيفة.
أقول : وبذلك يظهر لك ضعف ما ذهب اليه ابن الجنيد فإنه
موافق لأقوال العامة.
المسألة السادسة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) في جواز إيقاع صلاة الجنازة في جميع الأوقات ما لم تزاحم صلاة فريضة حاضرة
، ولا كراهة
__________________
(1) ص 408.
(2 و 3) ارجع الى التعليقة 1 ص 473.
ايضا لها وان كان في الأوقات
المكروهة.
قال في المعتبر : يصلى على الجنازة في الأوقات الخمسة
المكروهة ما لم يتضيق وقت فريضة حاضرة ، وبه قال الشافعي واحمد ، وقال الأوزاعي
تكره في الأوقات الخمسة ، وقال أبو حنيفة ومالك لا يجوز عند طلوع الشمس وغروبها
وقيامها (1) وقال العلامة
في التذكرة : ويصلى على الجنازة في الأوقات الخمسة المكروهة ذهب إليه علماؤنا
اجمع. وقال في الذكرى لا كراهة في فعلها في الأوقات الخمسة في أشهر الأخبار لأنها
دعاء مجرد وواجبة وذات سبب.
أقول : أما ما يدل من الأخبار على عدم الكراهة في
الأوقات الخمسة المشار إليها مضافا الى ما نقل من الإجماع فمنه ما رواه الشيخ في
الصحيح عن عبيد الله بن على الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «لا بأس
بالصلاة على الجنائز حين تغيب الشمس وحين تطلع انما هو استغفار».
وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى
جعفر (عليهالسلام) (3) قال : «يصلى
على الجنازة في كل ساعة انها ليست بصلاة ركوع ولا سجود وانما تكره الصلاة عند طلوع
الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود لأنها تغرب بين قرني شيطان
وتطلع بين قرني شيطان». ورواه الشيخ ايضا مثله (4).
__________________
(1) في المغني ج 2 ص 554 «قال احمد تكره الصلاة على الميت عند
طلوع الشمس ونصف النهار وعند غروب الشمس ، وعن ابن عمر وعطاء والنخعي والأوزاعي
والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي جواز الصلاة على الميت في هذه الأوقات الثلاث ، وحكى
عن احمد جوازها في هذه الأوقات وهو قول للشافعي» وفي بداية المجتهد لابن رشد
المالكي ج 1 ص 222 «قال قوم لا يصلى على الجنازة في الأوقات الثلاثة وقت المغرب
والطلوع والزوال ، وقال قوم لا يصلى في الغروب والطلوع فقط ، وقال قوم لا يصلى
عليها في الأوقات الخمسة التي ورد النهى عن الصلاة فيها وبه قال عطاء والنخعي وأبو
حنيفة ، وقال الشافعي يصلى عليها في كل وقت لأن النهى انما هو خارج عن النوافل لا
على السنن».
(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 20 من صلاة الجنازة.
وعن محمد بن مسلم (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) هل يمنعك شيء
من هذه الساعات عن الصلاة على الجنائز؟ قال : لا».
وما رواه في كتاب دعائم الإسلام عن ابى جعفر محمد بن على
(عليهماالسلام) (2) قال : «لا بأس
بالصلاة على الجنازة حين تطلع الشمس وحين تغرب وفي كل حين انما هو استغفار».
وروى الصدوق في كتاب عيون الأخبار وفي كتاب العلل
بإسناده عن الفضل ابن شاذان عن الرضا (عليهالسلام) (3) قال : «فان
قال فلم جوزتم الصلاة عليه قبل المغرب وبعد الفجر؟ قيل ان هذه الصلاة انما تجب في
وقت الحضور والعلة وليست هي موقتة كسائر الصلوات وانما هي صلاة تجب في وقت حدوث
الحدث وليس للإنسان فيه اختيار وانما هو حق يؤدى ، وجائز أن تؤدى الحقوق في أي وقت
كان إذا لم يكن الحق موقتا».
وأما ما رواه الشيخ في التهذيب عن عبد الرحمن بن ابى عبد
الله عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «يكره
الصلاة على الجنائز حين تصفر الشمس وحين تطلع». فقد حمل الشيخ وجه الكراهة على
التقية لموافقة الخبر مذهب العامة (5) وهو جيد لما عرفت.
وأما لو زاحمت صلاة الميت فريضة حاضرة فقال في المعتبر
انه يتخير ما لم يخف على الميت أو يخفف فوت الحاضرة جمعا بين رواية جابر عن الباقر
(عليهالسلام) (6) «وسأله عن
الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فقال عجل الميت الى قبره إلا ان تخاف فوت
الفريضة». ورواية هارون بن حمزة عن الصادق (عليهالسلام) (7) «إذا دخل وقت
المكتوبة فابدأ بها قبل الصلاة على الميت إلا أن يكون مبطونا أو نفساء أو نحو
__________________
(1 و 3 و 4) الوسائل الباب 20 من صلاة الجنازة.
(2) مستدرك الوسائل الباب 18 من صلاة الجنازة.
(5) التعليقة 1 ص 475.
(6 و 7) الوسائل الباب 31 من صلاة الجنازة.
ذلك». قال ومع التعارض يتعين التخيير.
أقول : ويعضد الرواية الثانية ما رواه الشيخ في الصحيح
عن على بن جعفر عن أخيه (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن صلاة الجنائز إذا احمرت الشمس أتصلح أو لا؟ قال لا صلاة في وقت صلاة. وقال :
إذا وجبت الشمس فصل المغرب ثم صل على الجنائز».
وظاهر المحدث الكاشاني في الوافي حمل الخبر الأول على
وقت الفضيلة فمعنى قوله : إلا ان يخاف ان يفوت وقت الفريضة» أي وقت فضيلتها ،
ومعناه انه يبدأ بالصلاة على الميت إلا أن يخاف فوت وقت الفضيلة والخبرين الآخرين
على ما إذا ضاق وقت الفضيلة فإنه يقدم الحاضرة.
وقال في الذكرى بعد نقل كلام المعتبر : قلت الأقرب
استحباب تقديم المكتوبة ما لم يخف على الميت لافضليتها وعموم أحاديث فضيلة أول
الوقت.
وقال الشيخ في المبسوط : إذا تضيق وقت فريضة بدأ بالفرض
ثم الصلاة على الميت إلا أن يكون الميت يخاف من ظهور حادثة فيه فحينئذ يبدأ
بالصلاة عليه. قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : وهذا كلام غير معتمد لان مع تضيق
وقت الحاضرة تتعين ولا يجوز الاشتغال بغيرها سواء خيف على الميت أو لا. انتهى.
وظاهر كلام ابن إدريس انه مع تضيق وقت الحاضرة تكون مقدمة على الإطلاق كما جزم به
في المختلف.
أقول : من المحتمل قريبا ان مراد الشيخ هنا بتضيق وقت
الفريضة يعني وقت فضيلتها ، فإن إطلاق الوقت عليه بقول مطلق غير عزيز في الأخبار
كما تقدم ذكره في باب الأوقات ، وحينئذ فمعناه ما قدمنا نقله سابقا عن المحدث
الكاشاني وهو انه تقدم الصلاة على الميت إلا إذا ضاق وقت الفضيلة فإنه تقدم
الفريضة الحاضرة إلا ان يخاف على الميت من حادثة فإنه تقدم صلاة الميت ، ويكون هذا
__________________
(1) الوسائل الباب 31 من صلاة الجنازة.