ج7 - ما يستحب ويكره

المطلب الثالث

في ما يستحب ويكره

وتفصيل ذلك يقع في مواضع :

(منها) ـ انه يستحب الصلاة في النعل العربية عند علمائنا بغير خلاف يعرف.

ويدل عليه ما رواه الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) انه قال : «إذا صليت فصل في نعليك إذا كانت طاهرة فإن ذلك من السنة». وفي التهذيب «فإنه يقال ذلك من السنة».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار (3) قال «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يصلي في نعليه غير مرة ولم أره ينزعهما قط».

وعن علي بن مهزيار في الصحيح (4) قال «رأيت أبا جعفر (عليه‌السلام) صلى حين زالت الشمس يوم التروية ست ركعات خلف المقام وعليه نعلاه لم ينزعهما».

وما رواه في الكافي عن محمد بن الحسين عن بعض الطالبيين يلقب برأس

__________________

(1) نهج الفصاحة ص 275.

(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 37 من لباس المصلي.


المدري (1) قال : «سمعت الرضا (عليه‌السلام) يقول أفضل موضع القدمين للصلاة النعلان».

وروى في كتاب العلل في الصحيح أو الحسن (2) قال : «وكان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا أقيمت الصلاة لبس نعليه وصلى فيهما».

وأنت خبير بأنه قد وقع في عبارات الأصحاب التصريح بالعربية بمعنى انهم خصوا الاستحباب بالنعل العربية والروايات ـ كما ترى ـ مطلقة ، ولعل الوجه في ذلك فهمهم انها هي التي كانت متعارفة في وقتهم (عليهم‌السلام) والاحتياط يقتضي الاقتصار على ذلك وان كان ظواهر الأخبار الدلالة على ما هو أعم من العربية وغيرها.

وقد تقدم جملة من المستحبات في هذا الباب في الأبحاث السابقة كاستحباب ستر البدن كملا للرجل إذ الواجب هو ستر العورتين ، واستحباب وضع شي‌ء على عاتقه إذا صلى مكشوف الظهر ونحو ذلك مما تقدم ، وتقدمت الأخبار الدالة على جميع ذلك فلا ضرورة إلى إعادتها

و (منها) استحباب الطيب بالمسك وغيره ، فروى في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «كانت لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ممسكة إذا هو توضأ أخذها بيده وهي رطبة وكان إذا خرج عرفوا انه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) برائحته».

وعن الحسن بن علي عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (4) قال : «كان يعرف موضع سجود ابي عبد الله (عليه‌السلام) بطيب ريحه».

وعن علي بن إبراهيم رفعه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) في حديث قال : «صلاة متطيب أفضل من سبعين صلاة بغير طيب».

وعن عبد الله بن الحارث (6) قال : «كانت لعلي بن الحسين (عليه‌السلام)

__________________

(1) الوسائل الباب 37 من لباس المصلي.

(2) الوسائل الباب 63 من لباس المصلي.

(3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 43 من لباس المصلي.


قارورة مسك في مسجده فإذا دخل للصلاة أخذ منه فتمسح به».

وروى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال بسنده عن المفضل بن عمر عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «ركعتان يصليهما متعطر أفضل من سبعين ركعة يصليهما غير متعطر». الى غير ذلك من الاخبار.

و (منها) ـ انه يكره الصلاة في الثياب السود عدا العمامة والخف والكساء وهو ثوب من صوف ومنه العباء ، كذا نقل عن الجوهري.

ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن احمد بن محمد رفعه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «يكره السواد إلا في ثلاثة : الخف والعمامة والكساء».

وروى في كتاب الزي من الكتاب المذكور عن احمد بن ابي عبد الله عن بعض أصحابه رفعه (3) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يكره السواد إلا في ثلاث : الخف والعمامة والكساء».

وعن حذيفة بن منصور (4) قال : «كنت عند ابي عبد الله (عليه‌السلام) بالحيرة فأتاه رسول ابي العباس الخليفة يدعوه فدعا بممطر أحد وجهيه اسود والآخر أبيض فلبسه ثم قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) اما إني ألبسه وانا اعلم انه لباس أهل النار».

أقول : في القاموس الممطر والممطرة بكسرهما ثوب صوف يتوقى به من المطر. ثم أقول : يحتمل ان يكون لبسه (عليه‌السلام) له في تلك الحال لضرورة دفع المطر أو تقية حيث انه المعمول عليه عند المخالفين يومئذ.

وروى الصدوق في الفقيه (5) مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) انه قال في ما علم أصحابه «لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون».

وروى بإسناده عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق (عليه‌السلام) (6) انه قال

__________________

(1) الوسائل الباب 43 من لباس المصلي.

(2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 19 من لباس المصلي.


«أوحى الله الى نبي من أنبيائه قل للمؤمنين لا يلبسوا ملابس أعدائي ولا يطعموا مطاعم أعدائي ولا يسلكوا مسالك أعدائي فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي».

أقول : قال الصدوق في كتاب عيون الاخبار بعد نقل هذا الخبر بسند آخر عن علي بن ابي طالب عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : قال المصنف (رضي‌الله‌عنه) : لباس الأعداء هو السواد ، ومطاعم الأعداء هو النبيذ والمسكر والفقاع والطين والجري من السمك والمارماهي والزمير والطافي وكل ما لم يكن له فلس من السمك والأرنب والضب والثعلب وما لم يدف من الطير وما استوى طرفاه من البيض والدبا من الجراد وهو الذي لا يستقل بالطيران والطحال ، ومسالك الأعداء مواضع التهمة ومجالس شرب الخمر والمجالس التي فيها الملاهي ومجالس الذين لا يقضون بالحق والمجالس التي تعاب فيها الأئمة والمؤمنون ومجالس أهل المعاصي والظلم والفساد. انتهى. وحاصله يرجع الى التخصيص بالمحرمات في ما عدا اللباس حملا للنهي علي التحريم. والأظهر الحمل على ما هو أعم من التحريم أو الكراهة مثل لباس اليهود والنصارى ومآكلهم وكذا لباس المخالفين ومآكلهم المعلومة مخالفة ذلك للسنن النبوية والشريعة المحمدية (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ويؤيده وقوع المناهي في الاخبار عن جملة من الأشياء من حيث دخولها في مضمون هذا الخبر مثل النهي عن البرطلة لأنها من زي اليهود (1) وإسدال الرداء لانه من زيهم (2) وشم النرجس في الصوم لانه من فعل المجوس (3) والأكل بالملاعق كما يفعله الروم والمخالفون لمخالفته لسنة الأكل باليد (4) وجر الثياب على الأرض كما يفعلونه ايضا لمنافاته التشمير المأمور به (5) وجز اللحى واعفاء الشوارب كما يفعلونه لمخالفته للسنة النبوية

__________________

(1) الوسائل الباب 31 من أحكام الملابس.

(2) الوسائل الباب 25 من لباس المصلي.

(3) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم.

(4) الوسائل الباب 68 من آداب المائدة.

(5) الوسائل الباب 22 من أحكام الملابس.


في العكس (1) وأمثال ذلك. فان الظاهر دخول الجميع تحت الخبر.

ثم أقول : لا يبعد استثناء لبس السواد في مأتم الحسين (عليه‌السلام) من هذه الاخبار لما استفاضت به الاخبار من الأمر بإظهار شعائر الأحزان ، ويؤيده ما رواه شيخنا المجلسي (قدس‌سره) عن البرقي في كتاب المحاسن (2) انه روى عن عمر بن زين العابدين (عليه‌السلام) انه قال «لما قتل جدي الحسين المظلوم الشهيد لبس نساء بني هاشم في مأتمه ثياب السواد ولم يغيرنها في حر أو برد وكان الامام زين العابدين (عليه‌السلام) يصنع لهن الطعام في المأتم». والحديث منقول من كتاب جلاء العيون بالفارسية ولكن هذا حاصل ترجمته.

وأشد السواد كراهة القلنسوة السوداء لما رواه في الكافي عن محسن بن احمد عن من ذكره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «قلت له أصلي في القلنسوة السوداء؟ فقال لا تصل فيها فإنها لباس أهل النار». ورواه في الفقيه مرسلا (4)

هذا ، ومما يدل على كراهة بعض الألوان غير السواد ما رواه الكليني والشيخ في الموثق عن حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «تكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم». أقول : المفدم لغة الشديد الحمرة أو اللون ، وعلى الثاني فيكون تأكيدا للمشبع فيكون فيه دلالة على كراهة كل لون مشبع من حمرة أو صفرة أو خضرة أو نحو ذلك ، ومن هنا نقل عن الشيخ وابن الجنيد وابن إدريس كراهة الصلاة في الثياب المقدمة بلون من الألوان.

وما رواه في التهذيب عن يزيد بن خليفة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (6) «انه كره الصلاة في المشبع بالعصفر المضرج بالزعفران». قال في الوافي : المضرج

__________________

(1) الوسائل الباب 67 من آداب الحمام.

(2) ص 420.

(3 و 4) الوسائل الباب 20 من لباس المصلي.

(5 و 6) الوسائل الباب 59 من لباس المصلي.


بالضاد المعجمة والجيم المصبوغ بالحمرة دون المفدم وفوق المورد.

وما رواه في الكافي عن مالك بن أعين (1) قال : «دخلت علي ابي جعفر (عليه‌السلام) وعليه ملحفة حمراء شديدة الحمرة فتبسمت حين دخلت فقال كأني أعلم لم ضحكت ضحكت من هذا الثوب الذي هو علي ، ان الثقفية أكرهتني عليه وانا أحبها فأكرهتني على لبسها ، ثم قال انا لا نصلي في هذا ولا تصلوا في المشبع المضرج. قال ثم دخلت عليه وقد طلقها فقال سمعتها تبرأ من علي (عليه‌السلام) فلم يسعني ان أمسكها وهي تبرأ منه».

وبالجملة فالظاهر من الاخبار كراهية الصلاة في المفدم بمعنييه المتقدمين والمعصفر المضرج بالزعفران ، وبذلك صرح ايضا الفاضلان في المعتبر والمنتهى. اما لبسه في غير الصلاة فظاهر جملة من الاخبار جوازه وان الأئمة (عليهم‌السلام) كانوا يلبسونه في مقام استحباب إظهار الزينة كما عرفت من حديث مالك بن أعين المذكور ومثله اخبار أخر نقلها في الكافي في كتاب الزينة واللباس.

و (منها) ـ انه يكره ان يأتزر فوق القميص على المشهور ذكره الشيخان وأتباعهما ، ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن هشام بن سالم عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «لا ينبغي ان تتوشح بإزار فوق القميص وأنت تصلي ولا تتزر بإزار فوق القميص إذا أنت صليت فإنه من زي الجاهلية».

وانما حملنا لفظ «لا ينبغي» على الكراهة في الرواية مع ورود استعماله في الاخبار بمعنى التحريم كثيرا كما تقدم ذكره في غير مقام لما رواه الشيخ في الصحيح عن موسى بن القاسم البجليّ (3) قال : «رأيت أبا جعفر الثاني (عليه‌السلام) يصلي في قميص قد اتزر فوقه بمنديل وهو يصلي». وفي الصحيح عن موسى بن عمر

__________________

(1) الوسائل الباب 59 من لباس المصلي.

(2 و 3) الوسائل الباب 24 من لباس المصلي.


بن بزيع (1) قال «قلت للرضا (عليه‌السلام) أشد الإزار والمنديل فوق قميصي في الصلاة؟ فقال لا بأس به».

وأكثر المتأخرين ومنهم صاحب المدارك انما نقلوا رواية أبي بصير عن التهذيب وهي فيه هكذا قال : «لا ينبغي ان تتوشح بإزار فوق القميص إذا أنت صليت فإنه من زي الجاهلية» ولهذا اعترض في المدارك بعد نقله عن الشيخ الرواية بهذه الصورة بأنها غير دالة على المدعى وانما تدل على كراهة التوشح فوق القميص وهو خلاف الاتزار. وأنت خبير بان الظاهر ان الرواية المذكورة في الكتابين واحدة لأن الشيخ انما رواها في التهذيب عن محمد بن يعقوب بالسند الذي في الكافي وأسقط منها موضع الاستدلال وهو ناشى‌ء عن الغفلة والاستعجال وانتقل نظره من لفظ القميص الأول الى الثاني فسقط ما بين ذلك. وأكثرهم لم يراجع الكافي في المقام. وما ذكرناه ظاهر لا يخفى على من له أنس بملاحظة كتاب التهذيب وتدبره ما وقع للشيخ في اخباره متنا وسندا من التغيير والتبديل والتحريف والتصحيف وقلما يخلو خبر من شي‌ء من ذلك. وبذلك يظهر ان ما اعترض به (قدس‌سره) على هذه الرواية ـ من عدم الدلالة في المقام وان تبعه من تبعه من الاعلام وطعنوا به على المتقدمين من عدم وجود مستند للقول بالكراهة ـ ليس في محله وممن وقع في ذلك ايضا صاحب المعتبر فنقل رواية أبي بصير من التهذيب وتبعه من تأخر عنه من غير ملاحظة لكتاب الكافي ، وحيث لم تكن مشتملة على الاتزار حكم بالجواز بغير كراهة للصحيحتين المتقدمتين ، والحق ما ذكرناه.

و (منها) ـ انه يكره التوشح والاخبار بذلك متكاثرة : منها ـ ما تقدم في رواية أبي بصير ، ومنها ـ ما رواه الشيخ عن محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهما‌السلام) (2) قال : «الارتداء فوق التوشح في الصلاة مكروه والتوشح فوق القميص مكروه».

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 24 من لباس المصلي.


ومنها ـ ما رواه في الفقيه عن زياد بن المنذر عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) «انه سأله رجل وهو حاضر عن الرجل يخرج من الحمام أو يغتسل فيتوشح ويلبس قميصه فوق إزاره فيصلي وهو كذلك؟ قال هذا من عمل قوم لوط. فقلت انه يتوشح فوق القميص؟ قال هذا من التجبر. الحديث». ورواه الشيخ في التهذيب (2) ايضا.

ومنها ـ موثقة عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) «سئل عن الرجل يؤم بقوم يجوز له ان يتوشح قال لا لا يصلي الرجل بقوم وهو متوشح فوق ثيابه وان كانت عليه ثياب كثيرة لأن الإمام لا يجوز له الصلاة وهو متوشح».

ومنها ـ ما رواه في كتاب العلل عن الهيثم بن واقد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «انما كره التوشح فوق القميص لانه من فعل الجبابرة».

وما رواه فيه ايضا عن يونس عن جماعة من أصحابه عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام) (5) «انه سئل ما العلة التي من أجلها لا يصلي الرجل وهو متوشح فوق القميص؟ فقال لعلة التكبر في موضع الاستكانة والذل».

وما رواه في كتاب الخصال عن ابي بصير ومحمد بن مسلم عن ابي عبد الله عن آبائه (عليهم‌السلام) (6) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا يصلي الرجل في قميص متوشحا به فإنه من أفعال قوم لوط».

واما ما يدل على الجواز فحسنة حماد بن عيسى (7) قال : «كتب الحسن بن علي ابن يقطين الى العبد الصالح (عليه‌السلام) هل يصلي الرجل الصلاة وعليه إزار متوشح به فوق القميص؟ فكتب نعم».

وما رواه علي بن جعفر في كتاب المسائل وقرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (8) قال : «سألته عن الرجل يتوشح بالثوب فيقع على

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7) الوسائل الباب 24 من لباس المصلي.

(8) الوسائل الباب 23 و 24 من لباس المصلى.


الأرض أو يجاوز عاتقه أيصلح ذلك؟ قال لا بأس».

وقال في من لا يحضره الفقيه (1) بعد ان روى ما يدل على الكراهة : «وقد رويت رخصة في التوشح بالإزار فوق القميص عن العبد الصالح وعن ابي الحسن الثالث وعن ابي جعفر الثاني (عليهم‌السلام) وبها آخذ وافتي». وما ذكره من الرواية عن ابي جعفر الثاني وعن ابي الحسن الثالث (عليهما‌السلام) فلم تصل إلينا في ما وصل من المنقول ولكنه الصدوق في ما يقول.

وبما ذكرنا يظهر لك ما في كلام صاحب المدارك حيث نفى الكراهة فقال : ولا يبعد عدم كراهة التوشح لما رواه حماد بن عيسى ، ثم أورد الرواية المتقدمة. والعجب انه نقل في صدر الكلام روايتي أبي بصير ومحمد بن إسماعيل المتقدمتين في صدر هذه الروايات وهما صريحتان في الكراهة مع ما علم من طريقته من عدم المناقشة في أدلة الاستحباب والكراهة

وظاهر الصدوق في ما ذكرناه من عبارته الجمع بين أخبار المسألة بحمل اخبار الجواز على الرخصة. وظاهر الشيخ في الجمع بين ما ذكره في كتابه من اخبار الطرفين هو حمل أخبار النهي على الالتحاف بالثوب كما تلتحف اليهود وان يشتمل به كما يفعلونه واخبار الجواز على ان يتوشح بالإزار ليغطي ما قد كشف منه ويستر ما تعرى من بدنه ، واحتج لهذا بما رواه في الموثق عن سماعة (2) قال : «سألته عن الرجل يشتمل في صلاته بثوب واحد؟ قال لا يشتمل بثوب واحد فاما ان يتوشح فيغطي منكبيه فلا بأس». وأنت خبير بأن حسنة حماد الدالة على الجواز صريحة في ان التوشح فوق القميص فلا يجري فيها ما ذكره ، وظاهر التعليلات الواردة في أخبار النهي ان المنع من ذلك انما هو حيث كونه فعل الجبابرة وأصحاب التكبر ، والتعليل بالتشبه باليهود انما ورد في إسدال الرداء واشتمال الصماء كما وقع في جملة من الأخبار فلا يتم

__________________

(1) الوسائل الباب 24 من لباس المصلي.

(2) الوسائل الباب 25 من لباس المصلى.


ما ذكره أيضا في اخبار النهي. وبذلك يظهر ان الأظهر ما ذكره الصدوق (قدس‌سره) من الجمع بالحمل على الرخصة.

بقي الكلام في معنى التوشح وانه عبارة عما ذا فنقل السيد في المدارك عن الجوهري قال يقال توشح الرجل بثوبه وسيفه إذا تقلدهما. ونقل عن بعض أهل اللغة ان التوشح بالثوب هو إدخاله تحت اليد اليمنى وإلقاؤه على المنكب الأيسر كما يفعله المحرم. أقول : وبالأول من هذين المعنيين صرح في القاموس فقال : توشح بسيفه وثوبه تقلد. وبالثاني صرح الفيومي في المصباح المنير فقال : وتوشح به وهو ان يدخله تحت إبطه الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم. ونحوه في كتاب المغرب قال : توشح الرجل وهو ان يدخل الرجل ثوبه تحت يده اليمنى ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعل المحرم وكذلك الرجل يتوشح بحمائل سيفه فتقع الحمائل على عاتقه اليسرى وتكون اليمنى مكشوفة. وقال في نهاية ابن الأثير : فيه «انه كان يتوشح بثوبه» اي يتغشى به والأصل فيه من الوشاح. ونقل عن النووي في شرح مسلم (1) ان التوشح أن يأخذ طرف الثوب الذي ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى ويأخذ طرفه الذي ألقاه على الأيسر تحت يده اليمنى ثم يعقد هما على صدره ، والمخالفة بين طرفيه والاشتمال بالثوب بمعنى التوشح. ولا يخفى ما في هذه العبارات من الاختلاف ولعل الأظهر ما ذكره في كتاب المصباح المنير وفي المغرب لما ذكره الفقهاء في لبس ثوب الإحرام الأعلى من التوشح على النحو المذكور.

و (منها) ـ انه يكره اشتمال الصماء ، ولا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما اعلم ، والأصل فيه ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «إياك والتحاف الصماء. قلت وما التحاف الصماء؟ قال ان تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد».

وروى في كتاب معاني الاخبار عن القاسم بن سلام بأسانيد متصلة بالنبي (صلى

__________________

(1) ج 4 ص 223.

(2) الوسائل الباب 25 من لباس المصلى.


الله عليه وآله) (1) «انه نهى عن لبستين : اشتمال الصماء وان يلتحف الرجل بثوب ليس بين فرجه وبين السماء شي‌ء» قال وقال الصادق (عليه‌السلام) «التحاف الصماء هو ان يدخل الرجل رداءه تحت إبطه ثم يجعل طرفيه على منكب واحد». وظاهر الخبرين المذكورين كراهيته مطلقا ، والظاهر ان ذكر الأصحاب لهذا الحكم في هذا المقام انما هو من حيث عموم الأخبار المذكورة لحال الصلاة.

بقي الكلام في معناه وانه عبارة عما ذا قال في كتاب معاني الأخبار بعد ذكر الخبر المذكور فيه : قال الأصمعي اشتمال الصماء عند العرب ان يشتمل الرجل بثوبه فيجلل به جسده كله ولا يرفع منه جانبا فيخرج منه يده. واما الفقهاء فإنهم يقولون هو ان يشتمل الرجل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فيبدو منه فرجه. ثم قال : قال الصادق (عليه‌السلام) التحاف الصماء. الى آخر ما قدمناه. ثم قال وهذا هو التأويل الصحيح. انتهى. وقال الجوهري : قال أبو عبيد واشتمال الصماء ان تجلل جسدك بثوبك نحو شملة الأعراب بأكسيتهم وهو ان يرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن فيغطيهما جميعا. وذكر أبو عبيد ان الفقهاء يقولون هو ان يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فيبدو منه فرجه فإذا قلت اشتمل فلان الصماء كأنك قلت اشتمل الشملة التي تعرف بهذا الاسم لان الصماء ضرب من الاشتمال. وذكر في القاموس نحوا منه. وقال الجزري : فيه «ولا تشتمل اشتمال اليهود» الاشتمال افتعال من الشملة وهو كساء يتغطى به ويتلفف فيه والمنهي عنه هو التجلل بالثوب وأسباله من غير ان يرفع طرفه ، ومنه الحديث «نهى عن اشتمال الصماء» وهو ان يتجلل الرجل بثوبه ولا يرفع منه جانبا ، وانما قيل له صماء لانه يسد على يديه ورجليه المنافذ كلها كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق ولا صدع والفقهاء

__________________

(1) الوسائل الباب 25 من لباس المصلى.


يقولون هو ان يتغطى بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فتنكشف عورته. وقال النووي في شرح مسلم : يكره على الأول لئلا تعرض له حاجة من دفع بعض الهوام أو غيره فيتعذر عليه أو يعسر ، ويحرم على الثاني ان انكشف بعض عورته وإلا يكره. وهو بمهملة ومد.

أقول : وعلى هذا النحو كلام جملة من علماء العامة ومنه يعلم معناه عند اللغويين منهم وعند فقهائهم. واما ما ذكره أصحابنا (رضوان الله عليهم) فقال الشيخ في المبسوط والنهاية هو ان يلتحف بالإزار ويدخل طرفيه تحت يده ويجمعهما على منكب واحد كفعل اليهود وهو المشهور والمراد بالالتحاف ستر المنكبين. وقال ابن إدريس في السرائر : ويكره السدل في الصلاة كما يفعل اليهود وهو ان يتلفف بالإزار ولا يرفعه على كتفيه ، وهذا تفسير أهل اللغة في اشتمال الصماء وهو اختيار السيد المرتضى فاما تفسير الفقهاء لاشتمال الصماء الذي هو السدل ، قالوا هو ان يلتحف بالإزار ويدخل طرفيه من تحت يده ويجعلهما جميعا على منكب واحد. أقول : ظاهر كلامه اتحاد السدل واشتمال الصماء وهو خلاف ما عليه الأصحاب كما سيأتي ان شاء الله تعالى قريبا ، وكيف كان فالعمل على ما دلت عليه صحيحة زرارة المتقدمة وهو قول الشيخ المتقدم وبه قال في المعتبر.

إلا انه بقي هنا شي‌ء وهو انه هل المراد من قوله (عليه‌السلام) في الخبر : «تدخل الثوب من تحت جناحك» بمعنى إدخال أحد طرفي الثوب من تحت أحد الجناحين والطرف الآخر من تحت الجناح الآخر ثم جعلهما على منكب واحد بان يراد بالجناح الجنس أو ان المراد إدخال طرفي الثوب معا من تحت جناح واحد سواء كان الأيمن أو الأيسر ثم وضعه على منكب واحد؟ كل محتمل إلا ان الأظهر الثاني حملا للفظ على ظاهره والا لكان الأظهر أن يقول «جناحيك».

و (منها) ـ كراهة الصلاة في عمامة لا حنك لها على المشهور وأسنده في المعتبر إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، وقال الصدوق في كتابه : وسمعت مشايخنا


(رضوان الله عليهم) يقولون لا تجوز الصلاة في الطابقية ولا يجوز للمعتم ان يصلي إلا وهو متحنك. وجملة من الأصحاب : منهم ـ صاحب المدارك وغيره صرحوا بان المستفاد من الاخبار كراهة ترك التحنك حال الصلاة وغيرها ولا خصوصية للصلاة بذلك وانما يكون دخولها من حيث العموم على نحو ما أشرنا إليه في اشتمال الصماء.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بالتحنك ما رواه الشيخ في الحسن عن ابن ابي عمير عن من ذكره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «من تعمم ولم يتحنك فاصابه داء لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه».

وعن عيسى بن حمزة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «من اعتم فلم يدر العمامة تحت حنكه فاصابه ألم لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه».

وروي ابن بابويه في الفقيه في الموثق عن عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «من خرج في سفر فلم يدر العمامة تحت حنكه فاصابه ألم لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه».

وقال في الفقيه (4) : وقال (عليه‌السلام) «اني لا عجب ممن يأخذ في حاجة وهو معتم تحت حنكه كيف لا تقضى حاجته». وقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الفرق بين المسلمين والمشركين التلحي بالعمائم. وذلك في أول الإسلام وابتدائه» ثم قال وقد نقل عنه أهل الخلاف ايضا انه أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط الى هنا كلام الفقيه.

ونقل العلامة في المختلف وكذا من تأخر عنه عن الصدوق القول بالتحريم وكلامه المتقدم نقله وان كان ظاهره التحريم إلا انه إنما أسنده إلى مشايخه إلا ان يقال انه باعتبار عدم إنكاره ورده دال على القول به وفيه ما فيه لإمكان توقفه.

وقال شيخنا البهائي (قدس‌سره) لم نظفر في شي‌ء من الأحاديث بما يدل على استحبابه لأجل الصلاة ، ومن ثم قال في الذكرى واستحباب التحنك عام ولعل حكمهم

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 26 من لباس المصلي.


في كتب الفروع بذلك مأخوذ من كلام علي بن بابويه فإن الأصحاب كانوا يتمسكون بما يجدونه في كلامه عند إعواز النصوص ، فالأولى المواظبة على التحنك في جميع الأوقات ومن لم يكن متحنكا وأراد ان يصلي به فالأولى ان يقصد انه مستحب في نفسه لا انه مستحب لأجل الصلاة. انتهى.

أقول : وعندي في ما ذكروه هنا من استحباب التحنك دائما إشكال لأن ذلك وان كان هو ظاهر الاخبار المتقدمة إلا ان هنا جملة من الاخبار ظاهرة المنافاة لذلك حيث ان ظاهرها ان المستحب للمعتم دائما انما هو الإسدال دون التحنك :

ومنها ـ ما رواه الكليني في الصحيح عن الرضا (عليه‌السلام) (1) «في قول الله عزوجل «مُسَوِّمِينَ» (2) قال العمائم اعتم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فسدلها من بين يديه ومن خلفه واعتم جبرئيل فسدلها من بين يديه ومن خلفه».

وعن ابي جعفر (عليه‌السلام) (3) قال : «كانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم بدر».

وعن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «عمم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عليا (عليه‌السلام) بيده فسدلها بين يديه من وقصرها من خلفه قدر أربع أصابع ثم قال أدبر فأدبر ثم قال اقبل فأقبل ثم قال هكذا تيجان الملائكة».

وعن ياسر الخادم (5) قال : «لما حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا (عليه‌السلام) يسأله أن يركب ويحضر العيد ويصلي ويخطب فبعث الرضا (عليه‌السلام) اليه يستعفيه فألح عليه فقال ان لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأمير المؤمنين (عليه‌السلام) فقال له المأمون اخرج كيف شئت ، وساق الحديث الى ان قال : فلما طلعت الشمس قام (عليه‌السلام) فاغتسل واعتم بعمامة بيضاء من قطن القى طرفا

__________________

(1 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 3 من أحكام الملابس.

(2) سورة آل عمران ، الآية 121.


منها على صدره وطرفا بين كتفيه. الخبر».

وروى الطبرسي في المكارم (1) بسنده «ان علي بن الحسين (عليه‌السلام) دخل المسجد وعليه عمامة سوداء القى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه. الخبر».

ونقل السيد الزاهد رضي الدين بن طاوس في كتاب الأمان عن ابي العباس بن عقدة (2) في كتابه الذي سماه كتاب الولاية بإسناده قال : «بعث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يوم غدير خم الى علي (عليه‌السلام) فعممه واسدل العمامة بين كتفيه وقال هكذا أيدني ربي يوم حنين بالملائكة معممين قد أسدلوا العمائم وذلك حجز بين المسلمين والمشركين. الى آخر الخبر». وقال في الحديث الآخر (3) «عمم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عليا (عليه‌السلام) يوم غدير خم عمامة سدلها بين كتفيه وقال هكذا أيدني ربي بالملائكة». ثم قال السيد أقول : هذا لفظ ما رويناه أردنا أن ندكره ليعلم وصف العمامة في السفر الذي نخشاه. انتهى.

أقول : وهذه الاخبار كلها ظاهرة في ما ذكرناه نيرة في ما سطرناه ومفهومها ان السنة في لبس العمامة انما هو بهذه الكيفية كما فعلوه (عليهم‌السلام) من إسدال أحد طرفي العمامة على الصدر والآخر بين الكتفين أو الاكتفاء بأحد الاسدالين دون الإدارة تحت الحنك الذي هو معنى التحنك.

ولم أقف على من تفطن لهذا الإشكال إلا شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في البحار إلا انه وقع في ما هو أشكل منه فزعم حمل ما ذكرناه من الاخبار الدالة على الإسدال على انه التحنك المأمور به في تلك الأخبار المتقدمة مع ان التحنك لغة وعرفا كما ذكره علماؤنا (رضوان الله عليهم) انما هو ادارة جزء من العمامة تحت الحنك من أحد الجانبين الى الآخر والإسدال انما هو إرسال طرف العمامة على الصدر أو على القفاء من خلفه ، ولا بأس بنقل كلامه وبيان ما فيه من نقضه وإبرامه لئلا يغتر به من لم يعض

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 30 من أحكام الملابس.


على المسألة بضرس قاطع ويحسبه الظمآن ماء وهو سراب لامع ، قال (طيب الله مرقده) بعد نقل اخبار التحنك المتقدمة ما صورته : ولنرجع الى معنى التحنك فالظاهر من كلام بعض المتأخرين هو ان يدير جزء من العمامة تحت حنكه ويغرزه في الطرف الآخر كما يفعله أهل البحرين في زماننا ويوهمه كلام بعض اللغويين ايضا ، والذي نفهمه من الاخبار هو إرسال طرف العمامة من تحت الحنك وإسداله كما مر في تحنيك الميت وكما هو المضبوط عند سادات بني حسين أخذوه عن أجدادهم خلفا عن سلف ولم يذكر في تعمم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (عليهم‌السلام) الا هذا ، ولنذكر بعض عبارات اللغويين وبعض الاخبار ليتضح لك الأمر في ذلك ، قال الجوهري : التحنك التلحي وهو ان تدير العمامة من تحت الحنك. وقال الاقتعاط شد العمامة على الرأس من غير ادارة تحت الحنك ، وفي الحديث «انه نهى عن الاقتعاط وأمر بالتلحي». وقال التلحي تطويق العمامة تحت الحنك ، ثم ذكر الخبر. وقال الفيروزآبادي : اقتعط تعمم ولم يدر تحت الحنك. وقال العمة الطابقية هي الاقتعاط. وقال تحنك أدار العمامة تحت حنكه. وقال الجزري : فيه «انه نهى عن الاقتعاط» هو ان يعتم بالعمامة ولا يجعل منها شيئا تحت ذقنه وقال : فيه «انه نهي عن الاقتعاط وأمر بالتلحي» هو جعل بعض العمامة تحت الحنك والاقتعاط ان لا يجعل تحت حنكه منها شيئا. وقال الزمخشري في الأساس : اقتعط العمامة إذا لم يجعلها تحت حنكه ، ثم ذكر الحديث. وقال الخليل في العين : يقال اقتعط بالعمامة إذا اعتم بها ولم يدرها تحت الحنك. واما الاخبار ، ثم نقل جملة ما قدمناه من الأخبار الدالة على الإسدال ، الى ان قال : وقال السيد ابن طاوس (قدس‌سره) روينا عن ابي العباس احمد بن عقدة. إلى آخر ما قدمنا نقله عنه ، ثم قال : وأقول : ولم يتعرض في شي‌ء من تلك الروايات لإدارة العمامة تحت الحنك على الوجه الذي فهمه أهل عصرنا مع التعرض لتفصيل أحوال العمائم وكيفيتها ، وأكثر كلمات اللغويين لا يأبى عما ذكرناه إذ إدارة رأس العمامة من خلف الى الصدر إدارة أيضا ، بل كلام الجزري والزمخشري ـ حيث قالا ان


لا يجعل شيئا منها تحت حنكه ـ فيما ذكرناه أظهر ، والظاهر من كلام السيد ايضا ان فهمه موافق لفهمنا لانه قال أولا : الفصل الثاني في ما نذكره من التحنك بالعمامة عند تحقق عزمك على السفر لتسلم من الخطر ، ثم قال بعد إيراد الروايتين ما قدمنا ذكره ، فظهر انه فسر التحنك بما ورد شرحه في الروايتين من إسدال العمامة وروى الكليني والشيخ عن عثمان النوا (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) اني اغسل الموتى قال أو تحسن؟.» ثم ساق الرواية وفيها قال : «خذ العمامة من وسطها وانشرها على رأسه ثم ردها الى خلفه واطرح طرفيها على صدره». ثم قال : وكذا سائر أخبار تعميم الميت ليس فيها غير إسدال طرفي العمامة على صدره كما عرفت في باب التكفين. انتهى.

أقول : لا يخفى ان ما ذكره (قدس‌سره) لا يخلو من تعسف ظاهر وتكلف لا يخفى على الخير الماهر ، وينبغي ان يعلم أولا انه لا ريب ان كلمات أهل اللغة كلها منطبقة على الاخبار المتقدمة في التحنك ومتفقة معها على وجه لا يداخله التشكيك. والاخبار الأخيرة الدالة على الإسدال مخالفة لتلك الاخبار ولكلام أهل اللغة مخالفة ظاهرة والجمع بما ذكره بين الجميع تعسف ظاهر ، نعم يمكن الجمع بما سيأتي ذكره في آخر البحث.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن وجوه النظر في كلامه (قدس‌سره) عديدة :

(أحدها) ـ انه لا يخفى على ذي الذوق السليم والفهم القويم ان كلمات أهل اللغة التي نقلها كلها متفقة الدلالة ظاهرة المقالة في الانطباق على المعنى المشهور وان تفاوتت في البيان والظهور ولا سيما قول الجوهري «التلحي تطويق العمامة تحت الحنك» يعني جعلها كالطوق كما نقله عن علماء البحرين وهو مرادف لقوله أولا «التحنك التلحي وهو ان تدير العمامة من تحت الحنك» وإلا لزم الاضطراب في كلامه ، وحينئذ فحيثما ذكرت هذه العبارة أعني قوله : «تدير العمامة من تحت الحنك» فإنما المراد بها التطويق وجعلها كالطوق واين هذا من الإسدال الذي دلت عليه تلك الأخبار؟ وكذا قول الجزري في تفسير

__________________

(1) الوسائل الباب 16 من التكفين.


الاقتعاط : «هو ان يعتم بالعمامة ولا يجعل شيئا منها تحت ذقنه» المؤذن بان التلحي الذي هو مقابل الاقتعاط هو جعل شي‌ء من العمامة تحت الذقن ، وحينئذ فقوله في تتمة كلامه في تفسير التلحي : «هو جعل بعض العمامة تحت الحنك» يعني تحت الذقن والذقن مجمع عظمي اللحيين واين هذا من الإسدال؟ ومن هاتين العبارتين يعلم ما قلناه من انه حيثما قيل : «التحنك إدارة العمامة تحت الحنك» فان المراد به التطويق وجعلها تحت الذقن بان يخرج طرفها الى الجانب الآخر الذي هو غير ما دخلت منه.

و (ثانيها) ـ ان الحنك على ما يفهم من كلام أهل اللغة انما هو ما انحدر عن الذقن أو ما حاذاه من داخل الفم ، قال في القاموس : الحنك محركة باطن أعلى الفم من داخل والأسفل من طرف مقدم اللحيين. وقال في كتاب مجمع البحرين : والحنك ما تحت الذقن من الإنسان وغيره وأعلى داخل الفم والأسفل في طرف مقدم اللحيين من أسفلهما. انتهى. أقول : ومنه ما ورد في الاخبار من استحباب تحنيك المولود عند الولادة بالتمر أو الحلو أو ماء الفرات أو التربة الحسينية على مشرفها أفضل السلام والتحية (1) بمعنى إدخال ذلك الى حنكه وهو أعلى داخل الفم ، ولا ريب أن الإسدال الذي تضمنته تلك الروايات انما يمر بأعلى أحد اللحيين من اليسار أو اليمين لا بالأسفل والأسفل من كل من اللحيين هو مجمعهما المسمى بالذقن وهذا هو الذي أشارت إليه العبارتان المتقدمتان ، وحينئذ فالتحنك انما هو عبارة عن المرور بالعمامة على الحنك الذي هو هذا الموضع الذي يرجع الى الذقن واين هذا من الإسدال؟ وبذلك يظهر لك ما في قوله : «ان أكثر كلمات اللغويين لا يأبى عما ذكرنا. إلخ» فإن فيه (أولا) منع صدق الإدارة لأن طرف العمامة لم يأت من الخلف حتى يحصل إدارته إلى الصدر وانما اتى من جانب واسدل من المكان الذي خرج منه ، ومع تسليمه فالمراد الإدارة تحت الحنك لا مطلقا والحنك قد عرفت معناه والإسدال لا يتصل به ولا يصل إليه.

__________________

(1) الوسائل الباب 36 من أحكام الأولاد.


و (ثالثها) ـ ان قوله : «لم يتعرض في شي‌ء من تلك الروايات لإدارة العمامة. إلخ» مسلم ومنه نشأ الاشكال وحصل في المسألة الداء العضال ، حيث ان هذه الروايات كلها اتفقت على ان السنة في العمامة انما هو الإسدال وتلك الأخبار المعتضدة بكلام أهل اللغة دلت على ان السنة في العمامة هو التحنك بها وهو الإدارة تحت الحنك كما عرفت ، وكيف كان فإنهم (عليهم‌السلام) لم يتعرضوا في هذه الاخبار الأخيرة إلى لفظ التحنك حتى يمكن تفسير التحنك بالإسدال كما زعمه (طاب ثراه) وجعله وجه جمع بين أخبار المسألة. وبحثنا وكلامنا انما هو في معنى التحنك وهو غير موجود فيها ، على ان روايات الإسدال مختلفة فبعضها يدل على إسدال طرف على الصدر وطرف من خلف وبعضها يدل على الإسدال من خلف خاصة ، وهو قد حمل الجميع على التحنك مع ظهور أن الإسدال من خلف لا يدخل في التحنك قطعا.

و (رابعها) ـ ان من العجب قوله بعد نقل كلام السيد رضي الدين بن طاوس (قدس‌سره) وكلامه الذي في البين «والظاهر من كلام السيد ايضا ان فهمه موافق لفهمنا لانه قال. إلخ» فإن فيه (أولا) ان الخبرين اللذين نقلهما عن السيد انما تضمنا إسدال العمامة من خلف بين الكتفين فكيف يمكن تفسير التحنك الذي هو الإدارة تحت الحنك كما عرفت بالإسدال من خلف؟ ما هو إلا سهو ظاهر نشأ من الاستعجال ، وهل يفهم أحد ممن له ذوق فضلا عن السيد المزبور وعن من مثله (طاب ثراه) لو لا الاستعجال في هذا المجال دخول الإسدال بين الكتفين تحت التحنك؟ و (ثانيا) ان نقله هنا عن السيد المزبور قد اشتمل على خلل وقصور. فان ظاهر كلامه هنا ونقله عن السيد ان السيد المذكور قال في الفصل المذكور في التحنك بالعمامة ولم يورد إلا هذين الخبرين فكلامه يدل حينئذ على انه فسر الإسدال في الخبرين بالتحنك الذي عنون به الفصل ، والحال ان الأمر ليس كذلك بل السيد لما عنون الفصل بما ذكره صدره أولا بما يدل على التحنك فقال : روينا ذلك من كتاب الآداب الدينية عن الطبرسي في ما رواه عن مولانا


موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (1) انه قال : «انا ضامن ثلاثا لمن خرج يريد سفرا معتما تحت حنكه : ان لا يصيبه السرق ولا الغرق ولا الحرق». ورويناه ايضا عن البرقي من كتاب المحاسن بإسناده الى ابي الحسن (عليه‌السلام) ثم قال أقول : وقد روينا في العمامة عند التوجه للمهمات روايات عن ابي العباس احمد بن عقدة. إلى آخر ما قدمناه ، الى ان قال في آخر الكلام : أقول : هذا لفظ ما رويناه أردنا أن نذكره ليعلم وصف العمامة في السفر الذي نخشاه. ومن الظاهر ان الرواية الأولى التي نقلها عن الطبرسي والمحاسن هي التي عنون لها الفصل المذكور حيث اشتملت على ذكر التحنك وما نقله أخيرا عن ابن عقدة فإنما قصد به بيان استحباب العمامة على هذه الكيفية مطلقا لا بخصوص السفر ، ويشير اليه كلامه في الأخير وهو قوله : «هذا لفظ ما رويناه. إلخ» بمعنى بيان وصف العمامة في السفر ووصفها في الحضر ، ولو أراد السيد ما زعمه من حمل الروايتين الأخيرتين على الرواية الأولى بمعنى ان التحنك عبارة عما اشتملت عليه روايتا ابن عقدة لورد على السيد ايضا ما أوردناه عليه من ان دعوى كون الإسدال بين الكتفين تحنكا مما لا يقول به ادنى من له روية من الرجال فضلا عن العلماء الأعلام ذوي الكمال ، والشبهة التي عرضت لشيخنا المذكور انما هو من حيث الإسدال على الصدر بمرور العمامة على أحد اللحيين لا ما إذا كانت بين الكتفين وهذا بحمد الله ظاهر لكل ذي عينين.

و (خامسها) ـ ان ما استند اليه ـ من اخبار تحنيك الميت وإيراده رواية عثمان النوا الدالة على صورة التعميم وقوله بعدها «وكذا سائر أخبار تعميم الميت.» ـ ففيه انه لا يخفى ان ههنا حكمين أحدهما استحباب التعميم والآخر استحباب تحنيكه بالعمامة وليس كل خبر دال على التعميم يستلزم التحنيك كما لا يخفى على من أحاط خبرا بأخبار المسألة ، والتحنيك على ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) ومنهم المحقق

__________________

(1) الوسائل الباب 59 من آداب السفر.


في الشرائع هو ان يلف رأسه بها لفا ويخرج طرفاها من تحت الحنك ويلقيان على صدره وقد استندوا في ذلك الى رواية يونس ، قال السيد السند في المدارك بعد ذكر عبارة المصنف : واما استحباب إخراج طرفي العمامة من تحت الحنك وإلقائهما على صدره فمستنده رواية يونس عنهم (عليهم‌السلام) (1) قال : «ثم يعمم يؤخذ وسط العمامة فيثنى على رأسه بالتدوير ثم يلقى فضل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ويمد على صدره». ولا ريب ان هذه الهيئة تشتمل على التحنيك كما هو المشهور لا الإسدال ، لأنه متى أخذ طرف العمامة الذي من اليمين واخرج من تحت حنك الميت الى الجانب الأيسر وأخذ الخارج من الجانب الأيسر واخرج كذلك الى الجانب الأيمن فإن العمامة من الجانبين قد استوعبت الحنك وغطته وحصل بها التحنيك الذي ندعيه. والرواية التي أوردها لم يذكر فيها أزيد من التعميم وانه يطرح طرفي العمامة على صدره وليس فيها تعرض لذكر التحنيك بل هي مجملة كما يمكن حملها على التحنيك كما ذكرناه في رواية يونس يمكن حملها على مجرد الإسدال على الصدر من غير ان يدار بكل من الطرفين الى الجانب الآخر ويحنك بهما كما لا يخفى ، وهذا المعنى الثاني هو الذي فهمه منها السيد في المدارك فقال بعد نقل رواية يونس أولا ثم نقل جملة من الروايات ومنها رواية عثمان المذكورة :

والرواية الأولى هي المشهورة بين الأصحاب (رضوان الله عليهم). وبالجملة فكلام شيخنا المشار اليه (قدس‌سره) في هذا المجال لا يخلو من غفلة واستعجال أو اشتغال وتوزع في البال نعم يبقى الكلام في الجمع بين أخبار المسألة فإن الروايات المشتملة على التحنك لمن اعتم دالة بظاهرها على ما فهمه الأصحاب (رضوان الله عليهم) من استحباب التحنك بالعمامة مطلقا لا بخصوص الصلاة وان السنة فيها ذلك ويعضده كلام أهل اللغة والروايات المشتملة على الإسدال دالة على انه المستحب دائما وهو خلاف التحنك كما ظهر لك ، والذي يقرب بخاطري العليل ويدور في فكري الكليل هو ان يقال لا ريب ان

__________________

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب التكفين.


اخبار التحنك بعضها دل على استحبابه في السفر وبعضها دل على استحبابه في السعي لقضاء الحاجة وبعضها بمجرد التعمم ، ولا يخفى ان المنافي لاخبار الإسدال ظاهرا انما هو اخبار القسم الثالث حيث انها ـ كما فهمه الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ تدل على دوام ذلك واستمراره ما دام معتما ، وحينئذ فيمكن القول ببقاء اخبار الفردين الآخرين على ظاهرها من غير تأويل إذ لا منافاة فيهما فان موردها خاص بهذين الفردين فيختص بها أخبار الإسدال ، ووجه الجمع حينئذ هو حمل اخبار القسم الثالث على ان المراد التحنك وقت التعمم بان يدير العمامة بعد فراغه من التعمم تحت حنكه لا دائما كما فهمه الأصحاب وبما ذكرنا يشعر ظاهر الأخبار المذكورة فإن ظاهر قوله «ولم يتحنك» ـ من حيث كونه حالا من الفاعل في قوله : «من تعمم» والحال قيد في فاعلها ـ يعطي أن التحنك وقت التعمم ، واما استمرار ذلك فيحتاج الى دليل وليس إلا ما قدمنا مما هذه صورته ، وحينئذ تبقى اخبار الإسدال على ظاهرها فيكون المستحب دائما هو الإسدال والتحنك مخصوص بهذه الصور الثلاث. ولا قدح يتطرق الى ما ذكرناه إلا مجرد مخالفة الأصحاب في ما فهموه من هذه الاخبار حيث لم أقف على قائل بما ذكرناه لكن لا يحضرني وجه للجمع بينها غير ذلك ، والظاهر انه الى ذلك يشير ما قدمناه من كلام السيد ابن طاوس بالتقريب الذي قدمنا ذكره. والله العالم.

و (منها) ـ كراهة الإمامة بغير رداء ، والحكم بذلك مشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) لا اعرف فيه مخالفا. وظاهر الشهيدين استحباب الرداء للمصلي مطلقا.

وقال شيخنا المجلسي في كتاب البحار : والذي يظهر لنا من الأخبار ان الرداء انما يستحب للإمام وغيره إذا كان في ثوب واحد لا يستر منكبيه أو لا يكون صفيقا وان ستر منكبيه لكنه في الإمام آكد ، وإذا لم يجد ثوبا يرتدي به مع كونه في إزار وسراويل فقط يجوز ان يكتفي بالتكة والسيف والقوس ونحوها ، ويمكن القول باستحباب


الرداء مع الأثواب المتعددة أيضا لكن الذي ورد التأكيد الشديد فيه يكون مختصا بما ذكرناه.

وقال السيد السند في المدارك : وهذا الحكم أعني كراهة الإمامة بغير رداء مشهور بين الأصحاب واحتجوا عليه بصحيحة سليمان بن خالد (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أم قوما في قميص ليس عليه رداء؟ قال لا ينبغي إلا ان يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها». وهي انما تدل كراهة الإمامة بدون الرداء في القميص وحده لا مطلقا ويؤكد هذا الاختصاص قول ابي جعفر (عليه‌السلام) لما أم أصحابه في قميص بغير رداء (2) : «ان قميصي كثيف فهو يجزئ ان لا يكون علي إزار ولا رداء». ثم نقل عن جده (قدس‌سره) انه قال وكما يستحب الرداء للإمام يستحب لغيره من المصلين وان كان للإمام آكد. قال واحتج عليه بتعليق الحكم على مطلق المصلي في عدة أخبار كصحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (3) انه قال : «ادنى ما يجزئك ان تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف». وصحيحة عبد الله بن سنان (4) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل ليس معه إلا سراويل فقال يحل التكة فيضعها على عاتقه ويصلي وان كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد السيف ويصل قائما». وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (5) قال : «إذا لبس السراويل فليجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا». ثم قال : ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من الضعف لاختصاص الروايتين الأخيرتين بالعاري وعدم ذكر الرداء في الرواية الاولى بل أقصى ما تدل عليه استحباب ستر المنكبين سواء كان بالرداء أم بغيره. وبالجملة فالأصل في هذا الباب رواية سليمان بن خالد وهي انما تدل على كراهة الإمامة بدون الرداء في القميص وحده فإثبات ما زاد على ذلك يحتاج الى دليل. انتهى.

أقول وبالله التوفيق لبلوغ المأمول ونيل المسؤول : لا يخفى ان المفهوم من تتبع

__________________

(1 و 3 و 4) الوسائل الباب 53 من لباس المصلي.

(2 و 5) الوسائل الباب 22 من لباس المصلي.


الأخبار ـ كما لا يخفى على من جاس خلال الديار ـ ان الرداء في الصدر الأول ليس إلا من جملة الثياب التي يلبسها الناس يومئذ مثل القميص والقباء ونحوهما لا اختصاص له بمصل ولا غيره فضلا عن ان يكون إماما أو غير امام ، والمستفاد من اخبار هذا الباب انه يستحب للمصلي إماما كان أو غيره ان يصلي في ثوبين أحدهما فوق الآخر رداء كان الثوب الأعلى أو قباء أو غيرهما ، وانه متى كان ظهره مكشوفا فإنه يستحب تغطيته بان يضع على عاتقه رداء أو قباء أو نحو ذلك مما يستر ظهره ، ولو تعذر فإنه يجزئه ولو مثل حمائل السيف وتكة السروال ونحوهما ، وانه يتأكد ذلك في الموضعين في الامام ، وحينئذ فالسؤال والجواب في صحيحة سليمان بن خالد التي استندوا إليها في استحباب الرداء للإمام لا دلالة فيها على خصوصية الرداء ولا الإمام إلا من حيث السؤال ، والكلام فيها انما خرج مخرج التمثيل وإلا فهما من قبيل الأسئلة الآتية في كل مصل وفي كل ثوب ، وبه يظهر انه لا دلالة في الرواية على ما ادعوه ، ويؤيد ذلك ما أشار إليه السيد من الرواية عن ابي جعفر (عليه‌السلام) وقوله : «ان قميصي كثيف فهو يجزئ ان لا يكون علي إزار ولا رداء» فان فيه ما يشير الى عدم استحباب الرداء من حيث هو رداء ، ولا ينافي ما ذكرناه من استحباب الثوبين لجواز خروجها مخرج الجواز لأنهم كثيرا ما يتركون المستحبات ويفعلون المكروهات لبيان الجواز كما صرح به غير واحد من الأصحاب.

ثم ان مما يدل على ما ذكرناه من الأحكام مضافا الى الروايات المتقدمة صحيحة علي بن جعفر المذكورة في كتابه عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في قميص واحد أو قباء وحده؟ قال ليطرح على ظهره شيئا. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يؤم في سراويل ورداء؟ قال لا بأس به وسألته عن المرأة هل يصلح لها ان تصلى في ملحفة ومقنعة ولها درع؟ قال لا يصلح لها إلا ان تلبس درعها. وسألته عن المرأة هل يصلح لها ان تصلي في إزار وملحفة ومقنعة ولها درع؟

__________________

(1) ارجع الى ص 26.


قال إذا وجدت فلا يصلح لها الصلاة إلا وعليها درع وسألته عن المرأة هل يصلح لها ان تصلي في إزار وملحفة تقنع بها ولها درع؟ قال لا يصلح ان تصلي حتى تلبس درعها. وسألته عن السراويل هل يجزئ مكان الإزار؟ قال نعم. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في إزار وقلنسوة وهو يجد رداء؟ قال لا يصلح. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يؤم في سراويل وقلنسوة قال لا يصلح. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يؤم في ممطر وحده أوجبه وحدها؟ قال إذا كان تحته قميص فلا بأس. وسألته عن الرجل هل يؤم في قباء وقميص؟ قال إذ كان ثوبين فلا بأس».

وأنت خبير بأنه يستفاد من مجموع هذه الأجوبة المنقولة عنه (عليه‌السلام) ما قدمنا ذكره من ستر أعالي البدن متى كان مكشوفا وعليه تدل صحيحة زرارة المتقدمة وما بعدها ، واستحباب الصلاة للرجل في ثوبين كما تدل عليه صحيحة سليمان بن خالد ، فإنها ليست إلا من قبيل هذه الأسئلة المتضمنة للثوبين ، وان وقع فيها السؤال عن الامام والرداء فليس الإمام إلا كغيره من المصلين وليس الرداء إلا كغيره من الثوبين في هذا الخبر ، نعم لو كان الرداء انما يختص لبسه بحال الصلاة لكان للتخصيص به وجه إلا ان الأمر ليس كذلك كما أشرنا إليه آنفا بل هو من جملة الثياب المتعارفة اللبس دائما فسبيله كسبيل غيره منها ، وبذلك يظهر انه لا اثر لاستحباب الرداء في الصلاة لإمام كان أو غيره كما يشير اليه كلام شيخنا المجلسي (قدس‌سره).

بقي في المقام فوائد يجب التنبيه عليها (الاولى) قد اضطرب كلام جملة من علماء الخاصة والعامة في معنى الإسدال للرداء بعد اتفاقهم على كراهة السدل ، فقال في التذكرة : يكره السدل وهو ان يلقى طرف الرداء من الجانبين ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى ولا يضم طرفيه بيده. وقال الشهيد (قدس‌سره) في النفلية هو ان يلتف بالإزار فلا يرفعه على كتفيه. وقال شيخنا الشهيد الثاني : واعلم انه ليس في الاخبار وأكثر عبارات الأصحاب بيان كيفية لبس الرداء بل هي مشتركة في انه يوضع على


المنكبين. وفي التذكرة هو الثوب الذي يوضع على المنكبين ، ومثله في النهاية. فيصدق أصل السنة بوضعه كيف اتفق ، لكن لما روى كراهة سدله ـ وهو ان لا يرفع أحد طرفيه على المنكب وانه فعل اليهود وروى علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح ان يجمع طرفي ردائه على يساره؟ قال لا يصلح جمعهما على اليسار ولكن اجمعهما على يمينك أودعهما». ـ تعين ان الكيفية الخالية عن الكراهة هي وضعه على المنكبين ثم يرد ما على الأيسر على الأيمن ، وبهذه الهيئة فسره بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) لكن لو فعله على غير هذه الهيئة خصوصا ما نص على كراهته هل يثاب عليه؟ لا يبعد ذلك لصدق مسمى الرداء وهو في نفسه عبادة لا يخرجها كراهتها عن أصل الرجحان ، ويؤيده إطلاق بعض الاخبار وكونها أصح من الاخبار المقيدة. انتهى. وقد تقدم كلام ابن إدريس الدال على كراهية السدل كما تفعله اليهود وهو ان يتلفف بالإزار ولا يرفعه على كتفيه وان هذا هو اشتمال الصماء عند أهل اللغة.

أقول : مما وقفت عليه من الاخبار الدالة على النهي عن السدل ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة (2) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) خرج أمير المؤمنين (عليه‌السلام) على قوم فرآهم يصلون في المسجد قد سدلوا أرديتهم فقال لهم ما لكم قد سدلتم ثيابكم كأنكم يهود خرجوا من فهرهم؟ ـ يعني بيعتهم ـ إياكم وسدل ثيابكم». وهذا الخبر هو الذي أشار إليه شيخنا الشهيد (قدس‌سره) وكذلك ابن إدريس ، ولا ريب ان هذا الخبر بحسب ظاهره مناف لصحيحة علي بن جعفر المذكورة في كلام شيخنا المشار إليه ، فإنها دالة على التخيير بين إرسال طرفي الثوب وبين وضعهما على اليمين وانما كره (عليه‌السلام) جمعهما على اليسار ، والظاهر ان تخصيص شيخنا المذكور الكيفية الخالية من الكراهة بصورة الجمع على اليمين حيث ان حديث زرارة قد عارض صورة الإسدال الذي هو أحد الفردين المخيرين واما صورة الوضع على اليمين فلا معارض

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 25 من لباس المصلي.


لها فبقيت على أصل الاستحباب. وفيه ان ظاهر التخيير مساواة الأمرين في الاستحباب ويؤيده ما رواه في الفقيه عن عبد الله بن بكير (1) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي ويرسل جانبي ثوبه؟ قال لا بأس به».

والأظهر عندي في وجه الجمع بين الصحيحتين المذكورتين أحد أمرين : اما حمل رواية النهي عن الإسدال على ما إذا صلى في إزار بغير قميص كما يدل عليه ما رواه في كتاب قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (2) قال : «انما كره السدل على الأزر بغير قميص فاما على القميص والجباب فلا بأس». واما على وضع الرداء على الرأس والتقنع به وإسداله ، وبه فسر الخبر المذكور في النهاية قال : فيه «انه نهى عن السدل في الصلاة» وهو ان يلتحف بثوبه ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد وهو كذلك وكانت اليهود تفعله فنهوا عنه ، وهذا مطرد في القميص وغيره من الثياب. وقيل هو ان يضع وسط الإزار على رأسه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير ان يجعلهما على كتفيه ، ومنه حديث على (عليه‌السلام) انه رأى قوما يصلون قد سدلوا ثيابهم فقال كأنهم اليهود خرجوا من فهرهم. انتهى. وظاهر كلام جملة من علمائنا وعلماء العامة ان اليهود كذلك يفعلون ، وحينئذ فيبقى ما دل عليه صحيح علي بن جعفر من التخيير بين الإسدال والوضع على اليمين صحيحا لا اشكال فيه ولا كراهة تعتريه. وكلامه في النهاية متضمن لتفسير الإسدال المكروه بمعنيين آخرين غير المعنيين المتقدمين.

(الثانية) ـ قال في المدارك : وينبغي الرجوع في الرداء الى ما يصدق عليه الاسم عرفا وانما تقوم التكة ونحوها مقامه مع الضرورة كما تدل عليه رواية ابن سنان واما ما اشتهر في زماننا من اقامة غيره مقامه مطلقا فلا يبعد ان يكون تشريعا. انتهى.

أقول : فيه انه مبني على ثبوت استحباب الرداء بخصوصه وقد عرفت ما فيه وانه

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 25 من لباس المصلي.


محل المنع ويشير الى ما ذكرناه ما تقدم من كلام شيخنا المجلسي (قدس‌سره) ايضا ، وقال شيخنا المشار إليه أيضا زيادة على ما تقدم : ويحتمل ان يكون القباء وشبهه أيضا قائما مقام الرداء بل الرداء شامل له ، وقال الفاضلان الرداء هو ثوب يجعل على المنكبين. وفي القاموس انه ملحفة. انتهى. وهو جيد إلا ان قوله : «بل الرداء شامل له» محل نظر فان الرداء لغة وعرفا ثوب مخصوص كغيره من الثياب المخصوصة المتعينة في حد ذاتها فكيف يحتمل دخول القباء ونحوه تحت إطلاقه؟ وعبارة الفاضلين لا دلالة لها على ما ادعاه لان مرادهما الإشارة إلى أنه ثوب معلوم يجعل على المنكبين إشارة إلى تبادره ومعلوميته كغيره من أصناف الثياب لا ان مرادهما اي ثوب كان وبالجملة فإن المستفاد من الاخبار هو ما قدمنا تحقيقه من انه يستحب ان يكون على المصلي ثوبان أحدهما على الآخر كائنا من كان وكائنا ما كان.

(الثالثة) ـ قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحث عن الرداء : واما ما هو الشائع من جعل منديل أو خيط على الرقبة في حال الاختيار مع لبس الأثواب المتعددة ففيه شائبة بدعة أقول : وجه البدعية ظاهر إذ فعل شي‌ء باعتقاد شرعيته وتوظيفه من الشارع والحال انه ليس كذلك تشريع. وقد حضرت في صغر سني بعض من يتسمى بالفضل ويدعيه يفعل ذلك في حال إمامته بالناس ولعل منشأ الشبهة عندهم اخبار وضع التكة وحمائل السيف ونحو ذلك ، ولم يتفطنوا الى ان ذلك مخصوص بمن كان ظهره مكشوفا كما هو مورد الأخبار.

(الرابعة) ـ روى في الكافي بسنده عن معلى بن خنيس عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «ان عليا (عليه‌السلام) اشترى ثلاثة أثواب بدينار : القميص الى فوق الكعب والإزار الى نصف الساق والرداء من بين يديه الى ثدييه ومن خلفه الى ألييه ثم رفع يده الى السماء فلم يزل يحمد الله على ما كساه حتى دخل منزله ثم قال هذا

__________________

(1) الوسائل الباب 22 من أحكام الملابس.


اللباس الذي ينبغي للمسلمين ان يلبسوه. قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ولكن لا يقدرون ان يلبسوا هذا اليوم ولو فعلنا لقالوا مجنون ولقالوا مراء والله تعالى يقول : «وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ» (1) قال وثيابك ارفعها ولا تجرها وإذا قام قائمنا كان هذا اللباس».

أقول : وفي هذا الخبر فوائد : (منها) ما قدمنا ذكره ردا على شيخنا المجلسي (قدس‌سره) من ان الرداء ثوب معلوم معهود لا كل ما يتردى به ليشمل مثل القباء والعباء ونحوهما. و (منها) ان السنة في الرداء ان يكون عرض الثوب بحيث يصل الى الأليين وطوله بقدر ما يصل الى ثدييه. و (منها) ان الرداء في زمان الصادق (عليه‌السلام) كان يزيد على ذلك كما يستفاد من تتبع الاخبار والسير بحيث انه يجر على الأرض. و (منها) جواز ترك السنة ان كانت مهجورة بين الناس وكان عامة الناس يعيبونها ويتكلمون في عرض من يفعلها ، قال في الوافي في ذيل هذا الخبر : وفي الحديث دلالة على انه ينبغي عدم الإتيان بما لا يستحسنه الجمهور وان كان مستحبا كالتحنك بالعمامة في بلادنا. انتهى.

و (منها) ـ كراهة اللثام للرجل إذا لم يمنع القراءة والإحرام. وكذا الحكم في النقاب للمرأة ، وأطلق الشيخ المفيد في المقنعة المنع من اللثام للرجل وحمله في المعتبر على إرادته الكراهة. وهو حسن للأخبار الدالة على الجواز :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ فقال لا بأس بذلك إذا سمع الهمهمة». وفيه دلالة على انه مع عدم سماع الهمهمة يحرم كما صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم) ايضا.

وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن سنان (3) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ قال لا بأس بذلك».

__________________

(1) سورة المدثر ، الآية 4.

(2 و 3) الوسائل الباب 35 من لباس المصلي.


وما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسن بن علي عن من ذكره من أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) «انه قال لا بأس بأن يقرأ الرجل في الصلاة وثوبه على فيه».

وما رواه الشيخ عن سماعة في الموثق (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي ويقرأ القرآن وهو متلثم؟ فقال لا بأس به».

واما ما يدل على الكراهة فهو ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (3) قال : «سألته عن الرجل يصلي فيتلو القرآن وهو متلثم؟ فقال لا بأس به وان كشف عن فيه فهو أفضل. قال وسألته عن المرأة تصلي متنقبة؟ قال ان كشفت عن موضع السجود فلا بأس به وان أسفرت فهو أفضل».

وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (4) قال : «قلت له أيصلى الرجل وهو متلثم؟ فقال اما على وجه الأرض فلا واما على الدابة فلا بأس». قال في الوافي : لعل الوجه في الفرق ان الراكب ربما يتلثم لئلا يدخل فاه الغبار فيلزمه ذلك بخلاف الواقف على الأرض.

والشيخ قد حمل روايات نفي البأس على ما إذا سمع الهمهمة لصحيحة الحلبي المتقدمة والأظهر حمل ذلك على الجواز وان كان الأفضل عدمه لموثقة سماعة إلا ان الجواز مقيد بما إذا لم يمنع السماع لصحيحة الحلبي.

ومنها ـ ما ذكره جملة من الأصحاب من كراهة الصلاة في القباء المشدود إلا في الحرب ، وقال الشيخ المفيد في المقنعة : ولا يجوز لأحد ان يصلي وعليه قباء مشدود إلا ان يكون في الحرب فلا يتمكن ان يحله فيجوز ذلك للاضطرار. وظاهره التحريم ونقل عن صاحب الوسيلة انه حرمة. قال الشيخ في التهذيب : ذكر ذلك علي بن الحسين ابن بابويه وسمعناه من الشيوخ مذاكرة ولم اعرف به خبرا مسندا. وحاول الشهيد (قدس

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 35 من لباس المصلي.


سره) في الذكرى الاستدلال عليه بما رواه العامة عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) انه قال : «لا يصلي أحدكم وهو محزم». ورد بأنه فاسد لان شد القباء غير التحزم ونقل في البيان عن الشيخ كراهة شد الوسط. ومنهم من حمل القباء المشدود على القباء الذي شدت أزراره مع انهم صرحوا بكراهة حل الأزرار في الصلاة وانه من عمل قوم لوط كما ورد به الخبر (2) إلا ان يخص كراهة حل الأزرار بالقميص الواسع الجيب كما تقدم تحقيقه. وبالجملة فإن الحكم لا مستند له ولا دليل عليه كما عرفت فتطويل البحث فيه مما لا ثمرة له مهمة.

ومنها ـ كراهة الصلاة في الحديد إذا كان بارزا غير مستور على المشهور وربما قيل بالتحريم ، قال الشيخ في النهاية : ولا تجوز الصلاة إذا كان مع الإنسان شي‌ء من حديد مشهر مثل السكين والسيف فان كان في غمد أو قراب فلا بأس بذلك. ونقل في المختلف عن ابن البراج انه عد في جملة ما لا تصح الصلاة فيه على حال ثوب الإنسان إذا كان فيه سلاح شهير مثل سكين أو سيف ، قال : وكذلك إذا كان في كمه مفتاح حديد إلا ان يلفه بشي‌ء وإذا كان معه دراهم سود إلا ان يلفها بشي‌ء.

والذي وقفت عليه من الاخبار الواردة في هذا المقام كلها دالة على هذا القول ومنها ـ ما رواه الشيخ عن السكوني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يصلي الرجل وفي يده خاتم حديد». وعن موسى بن أكيل النميري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) «انه حلية أهل

__________________

(1) لم نعثر عليه فيما وقفنا عليه من اخبار العامة نعم في نهاية ابن الأثير مادة «حزم» : وفيه «نهى ان يصلى الرجل بغير حزام». ومنه الحديث «نهى ان يصلى الرجل حتى يحتزم» والحديث الآخر انه أمر بالتحزم في الصلاة. وفي التذكرة في ما يكره فيه الصلاة «و» عن النبي «ص» «لا يصلى أحدكم إلا وهو محزم».

(2) الوسائل الباب 23 من لباس المصلي.

(3 و 4) الوسائل الباب 32 من لباس المصلي.


النار ، قال : وجعل الله الحديد في الدنيا زينة الجن والشياطين فيحرم على الرجل المسلم ان يلبسه في الصلاة إلا ان يكون قبال عدو فلا بأس به. قال قلت فالرجل في السفر يكون معه السكين في خفه لا يستغني عنه أو في سراويله مشدودا ، والمفتاح يخشى ان وضعه ضاع أو يكون في وسطه المنطقة من حديد؟ قال لا بأس بالسكين والمنطقة للمسافر في وقت ضرورة وكذلك المفتاح إذا خاف الضيعة والنسيان ، ولا بأس بالسيف وكل آلة السلاح في الحرب ، وفي غير ذلك لا يجوز الصلاة في شي‌ء من الحديد فإنه نجس ممسوخ».

وروى في كتاب العلل في الموثق عن عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) «في الرجل يصلي وعليه خاتم حديد؟ قال لا ولا يتختم به الرجل لانه من لباس أهل النار. الحديث».

وعن احمد بن محمد بن ابي الفضل المدائني عن من حدثه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «لا يصلي الرجل وفي تكته مفتاح حديد». قال الكليني : وروى إذا كان المفتاح في غلاف فلا بأس.

وهذه الاخبار ـ كما ترى ـ ظاهرة في القول المذكور والأصحاب لم يتمسكوا في مقابلتها الا بالأصل ، قال في المدارك بعد نقل قول الشيخ (قدس‌سره) في النهاية : والمعتمد الكراهة ، لنا على الجواز الأصل وإطلاق الأمر بالصلاة فلا يتقيد إلا بدليل ، وعلى الكراهة ما رواه الشيخ ، ثم نقل روايتي السكوني وموسى بن أكيل المذكورتين. وهذا الكلام جيد على أصله من رد الأخبار الضعيفة والاعتماد على الأصل في مقابلتها وان عمل بها في الكراهة والاستحباب وقد عرفت ما فيه في غير باب ، بل قال في المدارك هنا : ويمكن القول بانتفاء الكراهة مطلقا لضعف المستند. انتهى. وهو خلاف ما هو عليه في غير مقام من الأحكام كما لا يخفى على من لاحظ كتابه.

وبالجملة فالحكم عند من يحكم بصحة الاخبار ولا يرى العمل بهذا الاصطلاح

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 32 من لباس المصلي.


المحدث لا يخلو من اشكال إلا ان ظاهر حديث النميري ان العلة في المنع من الصلاة فيه انما هو من حيث انه نجس ممسوخ ، وقد قدمنا في كتاب الطهارة ان الأصح طهارته وحينئذ فيضعف الاعتماد على هذه الاخبار.

ويعضد ذلك ما رواه في كتاب الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري في ما كتبه الى صاحب الزمان عجل الله فرجه (1) «انه سأله عن الرجل يصلي وفي كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد هل يجوز ذلك؟ فكتب في الجواب جائز».

ورواه الشيخ في كتاب الغيبة. وروى الصدوق في كتاب العلل بإسناده عن عبد خير (2) قال : «كان لعلي ابن ابي طالب (عليه‌السلام) أربعة خواتيم يتختم بها : ياقوت لنيله وفيروزج لنصره والحديد الصيني لقوته وعقيق لحرزه. الحديث». وفيه دلالة على جواز لبس الحديد الصيني إلا انه لا يدل على جواز الصلاة فيه صريحا ، مع ان ظاهر سند الخبر انه عامي فيضعف الاعتماد عليه في تخصيص اخبار المنع من الحديد مطلقا سيما وقد روى الشيخ في التهذيب في باب فضل الكوفة حديثا يتضمن كراهة التختم به.

وكيف كان فتسقط الكراهة بستره كما دلت عليه مرسلة الكليني وبه صرح الأصحاب ، قال في المعتبر وتسقط الكراهة مع ستره وقوفا بالكراهة على موضع الاتفاق ممن كرهه.

و (منها) ـ كراهة الصلاة في ثوب المتهم بعدم توقي النجاسات وكذا من يعلم انه لا يتوقى النجاسات على المشهور بين الأصحاب ومنهم الشيخ في النهاية حيث قال إذا عمل مجوسي ثوبا لمسلم يستحب ان لا يصلي فيه إلا بعد غسله وكذا إذا استعار ثوبا من شارب خمرا ومستحل شي‌ء من النجاسات يستحب ان يغسل أولا ثم يصلى فيه. وقال الشيخ في المبسوط إذا عمل كافر ثوبا لمسلم فلا يصلي فيه إلا بعد غسله وكذلك إذا صنعه له لأن

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 32 من لباس المصلي.


الكافر نجس وسواء كان كافر أصل أو كافر ردة أو كافر ملة. وهو ظاهر في التحريم واختاره ابن إدريس وجعل قول الشيخ في النهاية خبرا واحدا أورده إيرادا لا اعتقادا بل اعتقاده وفتواه ما ذكره في المبسوط. وقال ابن الجنيد : فان كان استعاره من ذمي أو ممن الأغلب على ثوبه النجاسة أعاد خرج الوقت أو لم يخرج. وهو مؤذن بقول الشيخ في المبسوط مع انه قبل ذلك ـ على ما نقله العلامة في المختلف عنه ـ قال : واستحب تجنب ثياب المشركين ومن لا يؤمن على النجاسة من ثوبه والتنظيف لجسده منها وخاصة منازلهم وما سفل من أثوابهم التي يلبسونها وما يجلسون عليه من فرشهم ، ولو صلى عليه أو فيه ثم علم بنجاسته اخترت له الإعادة في الوقت وغير الوقت وهي في الوقت أوجب منها إذا خرج. انتهى ولا يخفى ما بين الكلامين من المدافعة إلا ان يحمل كلامه الأول على الاستحباب وان كان خلاف ظاهره اعتمادا على ما قدمه من هذا الكلام المذكور. وقال الشيخ : يجوز للرجل ان يصلي في ثوب المرأة إذا كانت مأمونة. وعد ابن البراج في المكروه ثوب المرأة للرجل وأطلق.

وأقول : قد تقدم في مباحث المقصد الثاني من الباب الخامس من كتاب الطهارة تحقيق ان الأصل في الأشياء الطهارة وانه لا يخرج عن أصالة الطهارة بمجرد ظن النجاسة بل لا بد من العلم ، وجملة الأخبار الدالة على هذا الأصل ، ومنها جملة من الاخبار في الثياب التي يعملها المجوس. وان بإزائها أخبارا دالة على خلاف ذلك من العمل بظن النجاسة ، وان الشيخ ومن تبعه قد حملوا الأخبار المخالفة على الاستحباب ، ولا بأس بنقل بعض اخبار الطرفين في المقام إذ ربما يعسر على الناظر هنا الرجوع الى ذلك الكتاب

فنقول : مما يدل على ما هو مقتضى القاعدة المتفق عليها صحيحة معاوية بن عمار (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الثياب السابرية يعملها المجوس وهم أخباث وهم يشربون الخمر ونساؤهم على تلك الحال ألبسها ولا اغسلها وأصلي فيها؟

__________________

(1) الوسائل الباب 73 من النجاسات.


قال نعم قال معاوية فقطعت له قميصا وخطته وفتلت له أزرارا ورداء من السابري ثم بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما أريد فخرج فيها إلى الجمعة».

وصحيحة عبد الله بن سنان (1) قال : «سأل أبي أبا عبد الله (عليه‌السلام) وانا حاضر : اني أعير الذمي ثوبي وانا اعلم انه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرده علي فاغسله قبل ان أصلي فيه؟ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) صل فيه ولا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجسه.».

ورواية المعلى بن خنيس (2) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لا بأس بالصلاة في الثياب التي يعملها المجوس والنصارى واليهود». الى غير ذلك من الاخبار المتعلقة بالثياب وغيرها.

ومما يدل على خلاف ذلك من البناء على ظن النجاسة كما هو مذهب المبسوط وابن إدريس صحيحة عبد الله بن سنان (3) قال : «سأل أبي أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجري ويشرب الخمر فيرده أيصلي فيه قبل ان يغسله؟ قال لا يصلي فيه حتى يغسله». ومن ذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ورواية أبي بصير المتقدمتان في المقام الأول من المطلب الثاني في ما يجوز لبسه للمصلي وما لا يجوز (4) ونحوهما غيرهما مما تقدم ثمة.

واما ما يدل على الحمل على الاستحباب كما فهمه الأصحاب فرواية ابي علي البزاز عن أبيه (5) قال : «سألت جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) عن الثوب يعمله أهل الكتاب أصلي فيه قبل ان يغسل؟ قال لا بأس وان يغسل أحب الي».

وصحيحة الحلبي (6) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في ثوب المجوسي فقال يرش بالماء». والتقريب في هذا الخبر ما علم من الاخبار المتكاثرة من

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 74 من النجاسات.

(2 و 5 و 6) الوسائل الباب 73 من النجاسات.

(4) ص 52.


استحباب الرش في موضع يقين الطهارة إذا عرض ما يؤذن بظن النجاسة أو النفرة أو نحو ذلك كملاقاة الكلب والخنزير باليبوسة ونحوهما.

ومن الأخبار الظاهرة في هذه المسألة بالنسبة إلى المتهم بعدم توقي النجاسات ما رواه الكليني والشيخ عن العيص بن القاسم (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي في ثوب المرأة وفي إزارها ويعتم بخمارها؟ قال نعم إذا كانت مأمونة». ورواه الصدوق عن العيص وطريقه إليه في المشيخة صحيح فيكون الخبر صحيحا ، وهو دال بمفهومه على المنع من غير المأمونة.

و (منها) ـ كراهة صلاة المرأة في خلخال له صوت فلو كان أصم جاز من غير كراهة ، ويدل على كل من الحكمين ما رواه علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (2) «انه سأله عن الخلاخل هل يصلح لبسها للنساء والصبيان؟ قال ان كانت صماء فلا بأس وان كان لها صوت فلا يصلح». ولا اختصاص للرواية بحال الصلاة كما يظهر من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) نعم تدل على ذلك بإطلاقها وقال ابن البراج لا تصح الصلاة في خلاخل النساء إذا كان لها صوت.

و (منها) ـ كراهة الصلاة في ثوب فيه تماثيل أو خاتم كذلك على المشهور ، وقال الشيخ في المبسوط : الثوب إذا كان فيه تماثيل وصور لا تجوز الصلاة فيه. وقال فيه ايضا : لا تصل في ثوب فيه تماثيل ولا خاتم كذلك. ونحوه في النهاية. ونقل عن ابن البراج انه حرم الصلاة في الخاتم الذي فيه صورة ولم يذكر الثوب. وظاهر كلام الأكثر عدم الفرق في المثال بين صور الحيوان وغيره وقال ابن إدريس : إنما تكره الصلاة في الثوب الذي عليه الصور والتماثيل من الحيوان فاما صور غير الحيوان فلا بأس. وقال في الذكرى : ولعله نظر الى تفسير قوله تعالى «يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ» (3)

__________________

(1) الوسائل الباب 49 من لباس المصلي.

(2) الوسائل الباب 62 من لباس المصلي.

(3) سورة السبإ ، الآية 12.


فعن أهل البيت (عليهم‌السلام) (1) انها كصور الأشجار.

أقول : وها انا انقل هنا ما وصل الي من الاخبار المتعلقة بهذا المقام مما تضمن الثياب وغيرها واذيلها بما يفهم منها من الأحكام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر عليهم الصلاة والسلام :

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) قال : «سألت أحدهما (عليهما‌السلام) عن التماثيل في البيت؟ فقال لا بأس إذا كانت عن يمينك وعن شمالك ومن خلفك أو تحت رجلك ، وان كانت في القبلة فالق عليها ثوبا».

وعن عبد الله بن سنان بسند فيه محمد بن عيسى عن يونس عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) «انه كره ان يصلى وعليه ثوب فيه تماثيل».

وعن عمار بن موسى في الموثق (4) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في ثوب في علمه مثال طير أو غير ذلك؟ قال لا. وعن الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك؟ قال لا تجوز الصلاة فيه».

وروى الصدوق في حديث المناهي المذكور في الفقيه (5) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان ينقش شي‌ء من الحيوان على الخاتم».

وما رواه الصدوق عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (6) «انه سأله عن الدراهم السود تكون مع الرجل وهو يصلي مربوطة أو غير مربوطة؟ قال ما اشتهى ان يصلي ومعه هذه الدراهم التي فيها التماثيل ، ثم قال ما للناس بد من حفظ بضائعهم فإن صلى وهي معه فلتكن من خلفه ولا يجعل شيئا منها بينه وبين القبلة».

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من أحكام المساكن.

(2 و 3 و 4 و 6) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي.

(5) الوسائل الباب 46 من لباس المصلي.


وعن محمد بن إسماعيل بن بزيع في الصحيح عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (1) «انه سأله عن الصلاة في الثوب المعلم فكره ما فيه من التماثيل».

وما رواه في التهذيب عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «لا بأس ان تكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة منه».

وما رواه في كتاب الخصال بإسناده عن علي (عليه‌السلام) في حديث الأربع مائة (3) قال : «لا يسجد الرجل على صورة ولا على بساط فيه صورة ويجوز ان تكون الصورة تحت قدميه أو يطرح عليها ما يواريها ، ولا يعقد الرجل الدراهم التي فيها صورة في ثوبه وهو يصلي ويجوز ان تكون الدراهم في هميان أو في ثوب إذا خاف ويجعلها في ظهره».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (4) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) أصلي والتماثيل قدامي وانا انظر إليها؟ قال لا. اطرح عليها ثوبا ولا بأس بها إذا كانت عن يمينك أو شمالك أو خلفك أو تحت رجلك أو فوق رأسك ، وان كانت في القبلة فالق عليها ثوبا وصل».

وعن محمد بن ابي عمير في الصحيح عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «سألته عن التماثيل تكون في البساط لها عينان وأنت تصلي؟ فقال

__________________

(1 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي.

(2) الوسائل الباب 45 من لباس المصلى. ولم يصف هذه الرواية بالصحة فيما وقفنا عليه من النسخ والظاهر انها هي صحيحة محمد بن مسلم الآتية بعد صحيحة ليث المرادي التي يرويها عن الشيخ بمقتضى سياق كلامه ولم نعثر في كتب الحديث على رواية بهذا اللفظ إلا في موضع واحد من التهذيب فقط. نعم في مكارم الأخلاق ص 29 رواية بهذا اللفظ : «لا بأس ان تكون التماثيل في البيوت إذا غيرت الصورة» وعليه فالرواية المذكورة تكون مكررة في كلامه (قدس‌سره).


ان كان لها عين واحدة فلا بأس وان كان له عينان فلا» ورواه في الكافي الا انه قال : «تقع عينك عليه وأنت تصلي».

وعن حماد بن عثمان في الصحيح (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الدراهم السود فيها التماثيل أيصلي الرجل وهي معه؟ فقال لا بأس بذلك إذا كانت مواراة».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «لا بأس ان تصلي على كل التماثيل إذا جعلتها تحتك».

وعن ليث المرادي في الصحيح (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الوسائد تكون في البيت فيها التماثيل عن يمين أو شمال؟ فقال لا بأس ما لم تكن تجاه القبلة فإن كان شي‌ء منها بين يديك مما يلي القبلة فغطه وصل ، وإذا كان معك دراهم سود فيها تماثيل فلا تجعلها من بين يديك واجعلها من خلفك».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (4) قال : «لا بأس ان تكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة منه».

وما رواه في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (5) قال : «سألته عن فراش حرير ومصلى حرير ومثله من الديباج ، الى ان قال : وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في بيت فيه أنماط فيها تماثيل قد غطاها؟ قال لا بأس. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في بيت على بابه ستر خارجه فيه التماثيل ودونه مما يلي البيت ستر آخر ليس فيه تماثيل؟ هل يصلح له ان يرخي الستر الذي ليس فيه تماثيل حتى يحول بينه وبين الستر الذي فيه تماثيل أو يجيف الباب دونه ويصلي؟ قال نعم لا بأس. وسألته عن البيت قد صور فيه طير أو سمكة أو شبهه يعبث به أهل البيت هل تصلح الصلاة فيه؟ قال لا حتى يقطع رأسه أو يفسده وان كان قد صلى فليس عليه اعادة. وسألته عن الدار والحجرة فيها التماثيل أيصلى فيها؟

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي.


قال : لا تصل فيها وشي‌ء منها مستقبلك إلا ان لا تجد بدا فتقطع رؤوسها وإلا فلا تصل».

ورواه في كتاب المحاسن عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في بيت على بابه ستر. الى آخر الأسئلة والأجوبة».

وما رواه في كتاب المكارم عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «ربما قمت أصلي وبين يدي وسادة فيها تماثيل طائر فجعلت عليه ثوبا. وقال قد أهديت الي طنفسة من الشام فيها تماثيل طائر فأمرت به فغير رأسه فجعل كهيئة الشجر. وقال ان الشيطان أشد ما يهم بالإنسان إذا كان وحده».

وعن محمد بن مسلم (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن تماثيل الشجر والشمس والقمر؟ قال لا بأس ما لم يكن فيه شي‌ء من الحيوان».

وعن ابي بصير (4) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) انما نبسط عندنا الوسائد فيها التماثيل ونفر شبها؟ قال لا بأس بما يبسط منها ويفترش ويوطأ إنما يكره منها ما نصب على الحائط والسرير».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (5) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي وفي ثوبه دراهم فيها تماثيل؟ فقال لا بأس بذلك».

وما رواه الكليني في الصحيح عن البزنطي عن الرضا (عليه‌السلام) (6) «انه أراه خاتم ابي الحسن (عليه‌السلام) وفيه وردة وهلال في أعلاه».

__________________

(1 و 5) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي.

(2) الوسائل الباب 4 من أحكام المساكن.

(3) مكارم الأخلاق ص 69.

(4) مكارم الأخلاق ص 69 ورواه في الوسائل عن الشيخ في الباب 94 من ما يكتسب به.

(6) الوسائل الباب 46 من أبواب لباس المصلى.


وروى في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «لا بأس بتماثيل الشجر».

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن تماثيل الشجر والشمس والقمر؟ فقال لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان».

وما رواه في كتاب الخصال عن ابي بصير ومحمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا يعقد الرجل الدراهم التي فيها صورة في ثوبه وهو يصلي ، ويجوز ان تكون الدراهم في هميان أو في ثوب إذا خاف ويجعلها في ظهره».

هذا ما حضرني من الاخبار المتعلقة بهذا المقام والكلام فيها يقع في مواضع :

(الأول) لا يخفى ان أكثر هذه الاخبار وان كان ظاهره التحريم باعتبار ظاهر النهي وما ورد من المبالغة في الزجر عن ذلك إلا ان جملة منها مما يدل على الجواز مثل صحيحة محمد بن مسلم الأخيرة الدالة على نفى البأس عن صلاة الرجل وفي ثوبه دراهم وفيها تماثيل ، وصحيح البزنطي الدال على الوردة والهلال في خاتم ابي الحسن (عليه‌السلام) كما تقدم ، وصحيحة محمد بن مسلم الدالة على نفي البأس عن تماثيل الشجر والشمس والقمر ، وحديث الطنفسة المنقول من المكارم الدال على تغيير صورة الطير إلى صورة الشجر ، وبعض الأخبار الواردة بلفظ «لا اشتهي ولا أحب» مضافا ذلك الى اتفاق جمهور الأصحاب على الكراهة ، فالقول بالتحريم ضعيف.

(الثاني) ـ ان ظاهر أكثر الأخبار عموم الكراهة في الصورة من ذوي الأرواح وغيرها إلا ان صحيح زرارة الدال على نفي البأس عن تماثيل الشجر ـ وصحيحة

__________________

(1) الوسائل الباب 94 من ما يكتسب به.

(2) الوسائل الباب 3 من أحكام المساكن.

(3) الوسائل الباب 45 من لباس المصلى ولا يخفى ان رواية أبي بصير ومحمد بن مسلم هي حديث الأربعمائة وقد تقدمت في الحديث 8 من هذه الأحاديث.


محمد بن مسلم الدالة على زيادة الشمس والقمر على الشجر في ذلك ، وكذلك حديث الطنفسة ، وكذلك خبر البزنطي المذكور فيه خاتم ابي الحسن (عليه‌السلام) ـ يدل على تخصيص الكراهة بذي الروح كما ذهب اليه ابن إدريس.

ومن ذلك ينقدح هنا اشكال باعتبار الاستدلال بهذه الاخبار على عموم الكراهة حيث انها دلت على الجواز فتحمل أخبار النهي على الكراهة جمعا بينها وبين هذه الاخبار كما تقدم ، ومتى حملت هذه الاخبار على عدم تعلق الكراهة بغير ذي الروح وخصت الكراهة بذي الروح لم يبق دليل على الكراهة لأن الأخبار دالة على النهي الذي هو حقيقة في التحريم مؤكدا ذلك بما اشتملت عليه الاخبار من المبالغة في ذلك ولا معارض لها مع قول البعض بالتحريم كما عرفت.

نعم يمكن ان يستدل على ما ذهب اليه ابن إدريس من ان محل الخلاف في المسألة تجويزا ومنعا انما هو التماثيل من ذي الروح بما تضمنه جملة من هذه الاخبار مما يدل على كون المثال من ذوي الأرواح كالتصريح بالطائر في بعض وقطع الرأس في بعض وطمس العين في بعض ونحو ذلك.

ويعضده الأخبار الدالة على ان التحريم مخصوص بتصوير ذي الروح واما غير ذي الروح من الأشجار ونحوها فلا بأس بها فعن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) «في تفسير قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ...» (2) هم المصورون يكلفون يوم القيامة ان ينفخوا فيها الروح». وفي حديث المناهي المروي في الفقيه عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (3) «من صور صورة كلفه الله يوم القيامة ان ينفخ فيها وليس بنافخ. الخبر».

ويعضد ذلك كلام بعض اللغويين الدال على ان التمثال انما هو ذو الروح ، قال المطرزي في المغرب التمثال ما تصنعه وتصوره مشبها بخلق الله من ذوات الروح والصورة عام ، ويشهد لهذا ما ذكر في الأصل انه صلى وعليه ثوب فيه تماثيل كره له ذلك ، قال

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 3 من أحكام المساكن و 94 من ما يكتسب به.

(2) سورة الأحزاب ، الآية 57.


وإذا قطعت رؤوسها فليس بتماثيل. وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) : «لا تدخل الملائكة بيتا فيه تماثيل أو تصاوير». كأنه شك من الراوي. واما قولهم ويكره التصاوير والتماثيل فالعطف للبيان ، واما تماثيل شجر فمجاز ان صح. انتهى. وقال في المصباح المنير : التمثال الصورة المصورة ، وفي ثوبه تماثيل اي صور حيوانات مصورة.

قال في الذكرى : خص ابن إدريس (قدس‌سره) الكراهة بتماثيل الحيوان لا غيرها كالأشجار وكأنه نظر الى تفسير قوله تعالى «يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ» (2) فعن أهل البيت (عليهم‌السلام) انها كصور الأشجار. وقد روى العامة في الصحاح (3) «ان رجلا قال لابن عباس إني أصور هذه الصور فأفتني فيها فقال سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا فيعذبه في جهنم ، وقال ان كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له». وفي مرسل ابن ابي عمير عن الصادق (عليه‌السلام) «في التماثيل في البساط لها عينان. الحديث». كما قدمناه (4) ثم قال وعن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (5) قال : «لا بأس ان تكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة منه». وأكثر هذه يشعر بما قاله ابن إدريس وان أطلقه كثير من الأصحاب (رضوان الله عليهم) انتهى كلامه زيد مقامه. وهو يؤذن بميله الى ما ذهب اليه ابن إدريس ولا يخلو من قوة كما عرفت وان كان العمل بالقول المشهور أحوط إلا انه ـ كما قدمنا ذكره ـ يلزم ما ذكره في المبسوط من القول بالتحريم في تمثال ذي الروح وهو الذي جعله ابن إدريس محل الخلاف في المسألة إذ الاخبار التي قدمناها ظاهرة في الجواز موردها تمثال غير ذي الروح وهو خارج عن محل البحث بناء على مذهب ابن إدريس. نعم يمكن الاستدلال على الكراهة

__________________

(1) الوسائل الباب 33 من مكان المصلي.

(2) سورة السبإ ، الآية 12.

(3) صحيح مسلم باب «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة» من كتاب اللباس والزينة.

(4) ص 151.

(5) الوسائل الباب 45 من لباس المصلي.


حينئذ بما في ألفاظ بعض تلك الاخبار من لفظ الكراهة ولفظ «لا أحب ولا اشتهي» ونحو ذلك. وفيه ما فيه سيما مع تصريح موثقة عمار المتقدمة المشتملة على تمثال الطير بعدم الجواز والنهي.

وبالجملة فالمسألة عند التأمل في أدلتها لا تخلو من شوب الاشكال ، والمتأخرون قد أخذوها مسلمة ولم يذكروا للكراهة دليلا منقحا ورواء نقل بعض هذه الاخبار وهي على ما عرفت ، وبذلك على ما ذكرنا ان صاحب الذخيرة قد استدل للقول بالكراهة هنا بموثقة عمار المذكورة وصحيحة محمد بن إسماعيل المشتملة على سؤاله من الرضا (عليه‌السلام) عن الثوب المعلم فكره ما فيه التماثيل ، ولم يذكر غيرهما ، وظاهره الاعتماد في الحكم بالكراهة على لفظه «كره» في هذه الرواية فنظمها مع موثقة عمار الدالة على عدم الجواز والنهي عن تمثال الطير دليلا واحدا لأجل هذا اللفظ مع ما صرح به هو وغيره من ان ورود لفظ الكراهة في الاخبار أكثر كثير في التحريم كما تقدم قريبا ، ومع هذا الاستدلال الظاهر الاختلال نقل قول ابن إدريس بالتخصيص بصور الحيوان وقول الشيخ في المبسوط وردهما بالضعف والحال ما ترى.

(الثالث) ـ ظاهر كثير من هذه الاخبار زوال الكراهة أو التحريم على القول به بقلع رأس الصورة لو كانت صورة حيوان أو طمس عين منها ، وظاهر ذلك نقص عضو من أعضاء تلك الصورة كما يشير اليه قوله (عليه‌السلام) في صحيحة محمد ابن مسلم : «إذا غيرت الصورة منه» وفي هذا ما يؤيد أيضا قول ابن إدريس لأنه إذا زالت الكراهة عن صورة الحيوان بمجرد نقص عضو مع ان سائر اجزائه مماثلة لما وجد منها في الخارج فالشجر وأمثاله أولى بالجواز. وتزول الكراهة بما لو لم تكن الصورة في القبلة بل كانت عن يمين أو شمال أو تحت أو فوق ، وتزول ايضا بما لو كانت في القبلة والقى عليها سترا. واما ما رواه في كتاب المحاسن في الموثق عن علي بن جعفر (1)

__________________

(1) الوسائل الباب 32 من مكان المصلى.


قال : «سألت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) عن البيوت يكون فيها التماثيل أيصلى فيها قال لا». فالظاهر تقييده بالأخبار المذكورة.

(الرابع) ـ قد اتفقت الاخبار على النهي عن الصلاة في الدراهم السود مصحوبة أو مطروحة بين يديه ، وتزول الكراهة بشدها في ثوب أو جعلها الى خلفه ، إلا ان ظاهر صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج تضمنت انه يشدها في صلاته على ظهره ولا يجعلها مما يلي القبلة لأنه أبعد من توهم المشابهة لعبادة الأصنام التي على تلك الدراهم وهي السبب الموجب لكراهة الصلاة وهي بارزة ، لا بمعنى انه يطرحها خلفه وقت الصلاة فإنه مناف للحفظ الذي لأجله سوغ الصلاة فيها بل ربما كان ذلك أعظم في تشويش باله وعدم توجهه في الصلاة وإقباله ، وأوضح منه في الدلالة على ما ذكرنا حديث ابي بصير ومحمد ابن مسلم وهو الأخير من الاخبار. واما صحيحة ليث المرادي فالظاهر حملها على صورة عدم الخوف عليها وان تكون مطروحة على الأرض فإنه يجعلها من خلفه وان لم يشدها في شي‌ء. واما صحيحة حماد بن عثمان فغاية ما تدل عليه زوال الكراهة بمواراتها في أي جهة كانت وان كان الأفضل ان تكون مواراتها في جهة الخلف كما تدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج. والمستفاد من هذه الاخبار واخبار الدراهم البيض ان الدراهم في الصدر الأول بيض اي من فضة بيضاء ويكتب عليها أسماء الله تعالى كما تقدم في باب الحيض في حديث الدراهم البيض توضع على لحم الخنزير وتأخذها الزانية وفيها أسماء الله تعالى (1) وسود اى من فضة سوداء وعليها صور الأصنام. ولا يخفى ما في هذه المناسبة من الحسن في المقام.

(الخامس) ـ جميع ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا الباب مخصوص بالتماثيل والصور المنقوشة على الثياب أو الستور أو الخاتم أو الجدران أو نحو ذلك ، اما لو كانت الصورة مستقلة غير منقوشة على شي‌ء كصورة طير ونحوه فلم يتعرضوا للكلام فيها ولا ذكرها في ما أعلم أحد. وظاهر قوله (عليه‌السلام) في حديث علي بن جعفر المتقدم

__________________

(1) ج 3 ص 48.


المنقول في كتابي قرب الاسناد والمحاسن وقوله فيه : «وسألته عن البيت قد صور فيه طير أو سمكة يعبث به أهل البيت. إلخ» هو كراهة الصلاة في ذلك البيت الذي فيه تلك الصورة حتى يقطع رأس الصورة أو يفسدها بنقص بعض أعضائها ، ويحتمل كون تلك الصورة منقوشة على جدران البيت إلا ان الظاهر من كونها يعبث بها أهل البيت بمعنى اللعب بها انما هو الأول ، وحينئذ فالأحكام المذكورة جارية في التماثيل والصور منقوشة كانت أو مستقلة.

و (منها) ـ كراهة الخضاب عند الشيخ (قدس‌سره) ومن تبعه ، والاخبار الواردة في الصلاة في الخضاب لا تخلو من تدافع ، والشيخ جمع بينها بما ذكره من الكراهة فأثبته في مكروهات الصلاة ، والظاهر انه غير متعين للجمع ليكون حكما شرعيا بذلك.

ولا بد من نقل الأخبار المتعلقة بذلك وبيان ما اشتملت عليه ، ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الرجل والمرأة يختضبان أيصليان وهما بالحناء والوسمة؟ فقال إذا أبرز الفم والمنخر فلا بأس».

وعن رفاعة (2) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن المختضب إذا تمكن من السجود والقراءة أيصلي في حنائه؟ قال نعم إذا كانت خرقة طاهرة وكان متوضئا».

وعن محمد بن سهل بن اليسع الأشعري عن أبيه عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته أيصلي الرجل في خضابه إذا كان على طهر؟ فقال نعم».

وعن عمار الساباطي في الموثق (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة تصلي ويداها مربوطتان بالحناء؟ فقال ان كانت توضأت للصلاة قبل ذلك فلا

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 39 من لباس المصلي.


بأس بالصلاة وهي مختضبة ويداها مربوطتان».

وما رواه في الكافي عن ابي بكر الحضرمي في الصحيح اليه (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي وعليه خضابه؟ قال لا يصلي وهو عليه ولكن ينزعه إذا أراد ان يصلي. قلت ان حناءه وخرقته نظيفة؟ فقال لا يصلي وهو عليه والمرأة أيضا لا تصلي وعليها خضابها».

وما رواه الصدوق في كتاب العلل في الحسن عن مسمع بن عبد الملك (2) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لا يصلي المختضب. قلت ولم؟ قال لانه محتضر».

وعن يونس بن عبد الرحمن عن جماعة من أصحابنا (3) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) ما العلة التي من أجلها لا يحل للرجل ان يصلى وعلى شاربه الحناء؟ قال لانه لا يتمكن من القراءة والدعاء».

وما رواه في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (4) قال : «سألته عن الرجل والمرأة يصلح لهما ان يصليا وهما مختضبان بالحناء والوسمة؟ قال إذا برز الفم والمنخر فلا بأس».

وأنت خبير بأنه كما يحتمل حمل رواية الحضرمي على الكراهة كما ذكره الشيخ (قدس‌سره) ومن تبعه وجعلوه بذلك حكما شرعيا ومسألة مستقلة ، يمكن ـ بل هو الأظهر ـ حمل الخبر المذكور على المانع من القراءة أو من الإتيان بها على الوجه الأكمل كما يدل عليه خبر يونس المذكور ، وعلى هذا فالمنع محمول على التحريم على الأول وعلى الكراهة على الثاني.

و (منها) ـ كراهة ما يستر ظهر القدم مما لا ساق له وان قل على المشهور بين أكثر المتأخرين وبه صرح الشيخ في المبسوط وابن حمزة ، ومثلوا له بالشمشك والنعل السندي ، وصرح جملة من المتقدمين بالتحريم كالشيخين في المقنعة والنهاية وابن البراج

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 39 من لباس المصلي.


وسلار والفاضلين. واما ما لا يستر الظهر أو يستره وله ساق وان قل كالخف والجورب ـ وظاهرهم انهما مما له ساق ـ والنعل العربية مما لا يستر ظهر القدم فلا خلاف فيه بينهم وقال في التذكرة انه موضع وفاق بين العلماء.

وغاية ما استدل به في المعتبر على القول بالتحريم فعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعمل الصحابة والتابعين فإنهم لم يصلوا في هذا النوع. قال في المدارك : وهو استدلال ضعيف (أما أولا) فلأنه شهادة على نفي غير محصور فلا يسمع. ثم لو سلمنا ذلك لم يدل على عدم الجواز لجواز ان يكون تركه لكونه غير معتاد لهم لا لتحريم لبسه و (اما ثانيا) فلان هذا الاستدلال لو تم لاقتضى تحريم الصلاة في كل ما لم يصل فيه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو معلوم البطلان. انتهى. وهو جيد.

ثم ان ظاهرهم ان مستندهم في الحكم بالكراهة انما هو تفصيا من ارتكاب ما وقع فيه الخلاف ، ولا يخفى ما فيه فان الكراهة حكم شرعي يتوقف على الدليل الواضح. نعم نقل العلامة في المختلف وغيره عن ابن حمزة انه عد النعل السندي والشمشك في ما يكره الصلاة فيه ، قال وروى ان الصلاة محظورة في النعل السندي والشمشك. وهذه الرواية لم تصل إلينا ، وروى الشيخ في كتاب الغيبة والطبرسي في كتاب الاحتجاج مما كتبه الحميري إلى الناحية المقدسة (1) «هل يجوز للرجل ان يصلي وفي رجليه بطيط لا يغطى الكعبين أم لا يجوز؟ فخرج الجواب جائز». قال في القاموس : البطيط رأس الخف بلا ساق. وهذا الخبر مما يؤيد القول بالجواز وهو المعتمد ، والاحتياط لا يخفى سيما مع دعوى ورود الخبر بالنهي كما يشعر به كلام ابن حمزة المتقدم.

و (منها) كراهة البرطلة جمعا بين ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن هشام بن الحكم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) «انه كره لباس البرطلة». وما رواه

__________________

(1) الوسائل الباب 38 من لباس المصلي.

(2) الوسائل الباب 42 من لباس المصلى.


الشيخ في الموثق عن يونس بن يعقوب (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلى وعليه البرطلة؟ فقال لا يضره». ومما يؤيد الكراهة أيضا ما ورد من النهي عن الطواف بها (2) معللا في بعض تلك الأخبار بأنها من زي اليهود ولأجل ذلك كرهوا الطواف فيها ، بل قيل بالتحريم ايضا كما سيأتي ان شاء الله تعالى في كتاب الحج. والبرطلة بضم الباء الموحدة وإسكان الراء وضم الطاء المهملة وتشديد اللام المفتوحة وربما خففت : قلنسوة طويلة كانت تلبس قديما.

__________________

(1) الوسائل الباب 42 من لباس المصلي.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *