ج10 - الصلوات المندوبة

الفصل الخامس

في الصلوات المندوبة

وقد تقدم الكلام في الرواتب منها في محلها وبقي ما عداها وهو مما لا حصر له لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) «الصلاة خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر». إلا أنا نذكر هنا ما ذكره أصحابنا (رضوان الله عليهم) من مهمات هذه الصلوات جريا على وتيرتهم في ما قعدوا فيه وقاموا وأسامة لسرح اللحظ حيث اساموا ، وذلك يقع في مطالب :

المطلب الأول ـ في صلاة الاستسقاء وهو طلب السقيا من الله عزوجل يعنى نزول المطر عند الحاجة اليه.

وقد كان مشروعا في الزمن الأول والملل السابقة قال الله تعالى «وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ» (2).

وروى الصدوق (عطر الله مرقده) عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «ان سليمان بن داود (عليه‌السلام) خرج ذات يوم مع أصحابه يستسقى فوجد نملة قد رفعت قائمة من قوائمهما الى السماء وهي تقول : «اللهم انا خلق من خلقك ولا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب بنى آدم. فقال سليمان (عليه‌السلام) لأصحابه ارجعوا فقد سقيتم بغيركم».

وهي مستحبة عند غور الأنهار وفتور الأمطار لكون ذلك علامة غضب

__________________

(1) الوسائل الباب 42 من أحكام المساجد والمستدرك الباب 10 من أعداد الفرائض.

(2) سورة البقرة الآية 57.

(3) الفقيه ج 1 ص 333 وفي الوسائل الباب 1 من صلاة الاستسقاء.


الله تعالى على عباده كما رواه الشيخ في التهذيب مرسلا عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) قال : «إذا غضب الله تعالى على امة ثم لم ينزل بها العذاب غلت أسعارها وقصرت أعمارها ولم تربح تجارها ولم تزك ثمارها ولم تعذب أنهارها وحبس عنها أمطارها وسلط عليها أشرارها».

وعن عبد الرحمن بن كثير عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا فشت أربعة ظهرت أربعة : إذا فشا الزنا ظهرت الزلازل وإذا أمسكت الزكاة هلكت الماشية وإذا جار الحكام في القضاء أمسك القطر من السماء وإذا خفرت الذمة نصر المشركون على المسلمين».

واستحبابها ثابت بالإجماع والنصوص ، أما الأول فقد نقله العلامة في التذكرة والمنتهى ، قال : اجمع كل من يحفظ عنه العلم على استحباب صلاة الاستسقاء إلا أبا حنيفة فإنه قال ليس له صلاة بل مجرد الدعاء (3).

وها انا اذكر أولا ما وقفت عليه من الأخبار في المقام ثم أعطف ان شاء الله تعالى الكلام على ما دلت عليه وصرحت به علماؤنا الأعلام :

الأول ـ ما رواه في الكافي عن مرة مولى محمد بن خالد (4) قال : «صاح أهل المدينة الى محمد بن خالد في الاستسقاء فقال لي : انطلق الى ابى عبد الله (عليه‌السلام) فاسأله ما رأيك؟ فإن هؤلاء قد صاحوا إلي فأتيته فقلت له فقال لي قل له فليخرج قلت له متى يخرج جعلت فداك؟ قال يوم الاثنين. قلت كيف يصنع؟ قال يخرج المنبر ثم يخرج يمشى كما يمشى يوم العيدين وبين يديه المؤذنون في أيديهم عنزهم حتى إذا انتهى الى المصلى يصلى بالناس ركعتين بغير أذان ولا اقامة ، ثم يصعد المنبر فيقلب رداءه فيجعل الذي على يمينه على يساره والذي على يساره على يمينه ، ثم يستقبل القبلة فيكبر الله

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 7 من صلاة الاستسقاء.

(3) في المغني ج 2 ص 430 «قال أبو حنيفة لا تسن الصلاة للاستسقاء ولا الخروج لها. الى ان قال : وخالفه أبو يوسف ومحمد بن الحسن فوافقا سائر العلماء».

(4) الوسائل الباب 1 من صلاة الاستسقاء.


مائة تكبيرة رافعا بها صوته ، ثم يلتفت الى الناس عن يمينه فيسبح الله مائة تسبيحة رافعا بها صوته ، ثم يلتفت الى الناس عن يساره فيهلل الله مائة تهليلة رافعا بها صوته ، ثم يستقبل الناس فيحمد الله مائة تحميدة ، ثم يرفع يديه فيدعو ثم يدعون فإني لأرجو ان لا يخيبوا. قال ففعل فلما رجعنا قالوا هذا من تعليم جعفر» وفي رواية يونس (1) «فما رجعنا حتى أهمتنا أنفسنا».

الثاني ـ ما رواه في الكتاب المذكور في الصحيح أو الحسن عن هشام بن الحكم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن صلاة الاستسقاء فقال مثل صلاة العيدين : يقرأ فيها ويكبر كما يقرأ ويكبر فيها ، يخرج الامام ويبرز الى مكان نظيف في سكينة ووقار وخشوع ومسكنة ويبرز معه الناس ، فيحمد الله ويمجده ويثنى عليه ويجتهد في الدعاء ويكثر من التسبيح والتهليل والتكبير ، ويصلى مثل صلاة العيدين ركعتين في دعاء ومسألة واجتهاد ، فإذا سلم الامام قلب ثوبه وجعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر والذي على الأيسر على الأيمن فإن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كذلك صنع».

الثالث ـ ما رواه عن محمد بن يحيى رفعه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن تحويل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رداءه إذا استسقى فقال علامة بينه وبين أصحابه يحول الجدب خصبا». ورواه في الفقيه مرسلا (4) والشيخ في التهذيب مسندا عن ابن محبوب عن على بن السندي عن محمد بن عمرو بن سعيد عن محمد بن يحيى الصيرفي عن محمد بن سفيان عن رجل عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) مثله (5).

الرابع ـ ما ذكره في الكافي (6) قال : وفي رواية ابن المغيرة قال «يكبر في صلاة الاستسقاء كما يكبر في العيدين في الأولى سبعا وفي الثانية خمسا ويصلى قبل الخطبة ويجهر بالقراءة ويستسقى وهو قاعد».

__________________

(1 و 2 و 6) الوسائل الباب 1 من صلاة الاستسقاء.

(3 و 4 و 5) الوسائل الباب 3 من صلاة الاستسقاء.


الخامس ـ ما رواه في الكافي (1) عن ابى العباس عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «اتى قوم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقالوا له ان بلادنا قد قحطت وتوالت السنون علينا فادع الله يرسل السماء علينا فأمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالمنبر فاخرج واجتمع الناس فصعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ودعا وأمر الناس ان يؤمنوا. الحديث».

السادس ـ ما رواه في التهذيب عن حماد السراج (2) قال : «أرسلني محمد بن خالد الى ابى عبد الله (عليه‌السلام) أقول له ان الناس قد أكثروا على في الاستسقاء فما رأيك في الخروج غدا؟ فقلت ذلك لأبي عبد الله (عليه‌السلام) فقال لي قل له ليس الاستسقاء هكذا فقل له يخرج فيخطب الناس ويأمرهم بالصيام اليوم وغدا ويخرج بهم اليوم الثالث وهم صيام. قال فأتيت محمدا فأخبرته بمقالة ابى عبد الله (عليه‌السلام) فجاء فخطب الناس وأمرهم بالصيام كما قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) فلما كان في اليوم الثالث أرسل إليه ما رأيك في الخروج؟». وفي غير هذه الرواية (3) انه (عليه‌السلام) أمره ان يخرج يوم الاثنين فيستسقي.

السابع ـ ما رواه في التهذيب في الموثق عن عبد الله بن بكير (4) قال «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول في الاستسقاء قال يصلى ركعتين ويقلب رداءه الذي على يمينه فيجعله على يساره والذي على يساره على يمينه ويدعو الله فيستسقي».

الثامن ـ ما رواه عن أبي البختري عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (5) انه قال : «مضت السنة انه لا يستسقى إلا بالبراري حيث ينظر الناس الى السماء ولا يستسقى في المساجد إلا بمكة». ورواه في الفقيه مقطوعا مرسلا (6).

التاسع ـ ما رواه عن طلحة بن زيد عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (7)

__________________

(1) الروضة ص 207 وفي الوسائل الباب 1 و 9 من صلاة الاستسقاء.

(2 و 3) الوسائل الباب 2 من صلاة الاستسقاء.

(4) الوسائل الباب 3 من صلاة الاستسقاء.

(5) الوسائل الباب 4 من صلاة الاستسقاء. وفي التهذيب ج 1 ص 297 والوسائل «عن أبيه عن على» وفي الوافي كما هنا.

(6) ج 1 ص 334.

(7) الوسائل الباب 5 من صلاة الاستسقاء.


«ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلى للاستسقاء ركعتين وبدأ بالصلاة قبل الخطبة وكبر سبعا وخمسا وجهر بالقراءة».

العاشر ـ ما رواه في الفقيه مرسلا (1) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصلى للاستسقاء ركعتين ويستسقى وهو قاعد. وقال بدأ بالصلاة قبل الخطبة وجهر بالقراءة».

الحادي عشر ـ ما رواه في التهذيب عن إسحاق بن عمار في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة ويكبر في الأولى سبعا وفي الأخرى خمسا».

الثاني عشر ـ ما رواه في عيون الأخبار عن الحسن بن على العسكري عن الرضا (عليهم‌السلام) (3) في حديث «ان المطر احتبس فقال له المأمون لو دعوت الله عزوجل فقال الرضا (عليه‌السلام) نعم. قال : فمتى تفعل ذلك؟ وكان يوم الجمعة ، فقال يوم الاثنين فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أتاني البارحة في منامي ومعه أمير المؤمنين (عليه‌السلام) فقال يا بنى انتظر يوم الاثنين وابرز إلى الصحراء واستسق فان الله عزوجل سيسقيهم بك. قال فلما كان يوم الاثنين خرج الى الصحراء ومعه الخلائق».

الثالث عشر ـ ما رواه في كتاب قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن على (عليهم‌السلام) (4) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يكبر في العيدين والاستسقاء في الأولى سبعا وفي الثانية خمسا ويصلى قبل الخطبة ويجهر بالقراءة».

الرابع عشر ـ ما ذكره الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (5) حيث قال : اعلم يرحمك الله ان صلاة الاستسقاء ركعتان بلا أذان ولا اقامة : يخرج الامام يبرز

__________________

(1 و 4) الوسائل الباب 1 من صلاة الاستسقاء.

(2) الوسائل الباب 5 من صلاة الاستسقاء.

(3) الوسائل الباب 2 من صلاة الاستسقاء.

(5) ص 15.


الى تحت السماء ويخرج المنبر والمؤذنين امامه فيصلي بالناس ركعتين ثم يسلم ويصعد المنبر ، فيقلب رداءه الذي على يمينه على يساره والذي على يساره على يمينه مرة واحدة ، ثم يحول وجهه إلى القبلة فيكبر مائة تكبيرة يرفع بها صوته ، ثم يلتفت عن يمينه ويساره الى الناس فيهلل مائة تهليلة رافعا صوته ، ثم يرفع يديه الى السماء فيدعو الله ويقول : اللهم صل على محمد وآل محمد ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا مجلجلا طبقا مطبقا جللا مونقا راجيا غرقا مغدقا طيبا مباركا هاطلا مهطلا متهاطلا رغدا هنيئا مريئا دائما رويا سريعا عاما مسبلا نافعا غير ضار تحيي به العباد والبلاد وتنبت به الزرع والنبات وتجعل فيه بلاغا للحاضر منا والباد ، اللهم انزل علينا من بركات سمائك ماء طهورا وأنبت لنا من بركات أرضك نباتا مسيغا وتسقيه مما خلقت أنعاما وأناسي كثيرا ، اللهم ارحمنا بالمشايخ ركعا وصبيان رضيع وبهائم رتع وشبان خضع. قال وكان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) يدعو عند الاستسقاء بهذا الدعاء يقول : يا مغيثنا ومعيننا على ديننا ودنيانا بالذي تنشر علينا من الرزق نزل بنا عظيم لا يقدر على تفريجه غير منزله عجل على العباد فرجه ، فقد أشرفت الأبدان على الهلاك فإذا هلكت الأبدان هلك الدين ، يا ديان العباد ومقدر أمورهم بمقادير أرزاقهم لا تحل بيننا وبين رزقك وهبنا ما أصبحنا فيه من كرامتك معترفين ، قد أصيب من لا ذنب له من خلقك بذنوبنا ارحمنا بمن جعلته أهلا لاستجابة دعائه حين يسألك يا رحيم ، لا تحبس عنا ما في السماء وانشر علينا نعمك وعد علينا برحمتك وابسط علينا كنفك وعد علينا بقبولك واسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ولا تهلكنا بالسنين ولا تؤاخذنا بما فعل المبطلون ، وعافنا يا رب من النقمة في الدين وشماتة القوم الكافرين يا ذا النفع والنصر انك ان أجبتنا فبجودك وكرمك ولإتمام ما بنا من نعمائك وان ترددنا فبلا ذنب منك لنا ولكن بجنايتنا على أنفسنا ، فاعف عنا قبل ان تصرفنا واقلبنا بإنجاح الحاجة يا الله. انتهى.

هذا مجموع ما حضرني من الأخبار في هذا المقام والكلام فيها يقع في مواضع :


الأول : ان ما دل عليه الخبر الثاني من أن كيفية هذه الصلاة مثل كيفية صلاة العيدين في القراءة والتكبيرات والقنوتات مما اتفقت عليه كلمة الأصحاب (رضوان الله عليهم) وحكى الإجماع عليه في المنتهى إلا انهم قالوا يجعل مواضع القنوت الذي في العيدين الدعاء هنا بالرحمة واستعطاف الله عزوجل بإرسال الغيث.

بقي الكلام في انه هل يدخل الوقت في إطلاق المماثلة أو يخص بمجرد الكيفية دون الأمور الخارجة؟ قولان.

وبالأول صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ شيخنا الشهيد الثاني في الروض حيث قال بعد قول المصنف «كالعيد» ما لفظه : في كونها ركعتين بين طلوع الشمس والزوال يقرأ فيهما ما مر ويكبر فيهما التكبيرات الزائدة ويقنت بعد كل تكبيرة منها. انتهى. والظاهر انه اقتفى أثر الشهيد في البيان حيث قال : ووقتها وقت العيد.

ونقل في الذكرى عن ظاهر كلام الأصحاب ان وقتها وقت صلاة العيدين ، ونقل عن ابن ابى عقيل التصريح بان الخروج في صدر النهار وعن ابى الصلاح عند انبساط الشمس وابن الجنيد بعد صلاة الفجر ، قال : والشيخان لم يعينا وقتا إلا أنهما حكما بمساواتها للعيد.

وبالثاني صرح الفاضلان بل قال في النهاية وفي أي وقت خرج جاز وصلاها إذ لا وقت لها إجماعا. ونحوه قال في التذكرة ثم قال : والأقرب عندي إيقاعها بعد الزوال لأن ما بعد العصر أشرف ، قال في الذكرى : ونقله ابن عبد البر عن جماعة العلماء من العامة. وقال في البيان بعد قوله المتقدم نقله عنه : وربما قيل بعد الزوال وهو مشهور بين العامة (1).

__________________

(1) في المغني ج 2 ص 432 «ليس لصلاة الاستسقاء وقت معين إلا انها لا تفعل في وقت النهى بغير خلاف والاولى فعلها في وقت العيد. ثم قال وقال ابن عبد البر الخروج إليها عند زوال الشمس عند جماعة العلماء إلا أبا بكر بن حزم وهذا على سبيل الاختيار ، وفي بداية المجتهد ج 1 ص 198 «قال جماعة العلماء ان الخروج لها عند الخروج لصلاة العيدين إلا أبا بكر بن محمد بن عمر بن حزم قال الخروج لها عند الزوال».


أقول : لا ريب في أن الأخبار المتقدمة مطلقة لا اشارة فيها فضلا عن التصريح الى وقت معين ، واستفادة التوقيت من المماثلة للعيدين لا يخلو من بعد لوقوع المخالفة بينهما في مواضع عديدة ، وما ذكره كل من هؤلاء من تعيين وقت مخصوص بان يكون بعد الفجر كما نقل عن ابن الجنيد أو صدر النهار كما نقل عن ابن ابى عقيل أو انبساط الشمس عند ابى الصلاح فلم نقف له على مستند ، وبذلك يظهر أرجحية القول الثاني. وأما إيقاعها بعد الزوال فقد عرفت انه مذهب العامة كما ذكره ابن عبد البر من علمائهم. والله العالم.

الثاني ـ قد دلت الرواية الاولى والثانية عشرة على استحباب الخروج يوم الاثنين ، وبه صرح الصدوق والشيخ وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس وغيرهم والظاهر ان المشهور في كلام المتأخرين التخيير بين يوم الاثنين ويوم الجمعة ، بل نقل عن الشيخ المفيد وابى الصلاح انهما لم يذكرا سوى الجمعة ، وعن ابن الجنيد وابن ابى عقيل وسلار انهم لم يعينوا يوما ، ونقله في الذكرى عن الشيخ المفيد ايضا ولعله في غير المقنعة.

وعلل جملة من الأصحاب اضافة الجمعة إلى الاثنين والتخيير بينهما بشرف الجمعة وكونه محلا لإجابة الدعاء ، وقد ورد (1) «ان العبد يسئل الله الحاجة فيؤخر إجابتها إلى يوم الجمعة». وهو حسن.

ولعل من عين الجمعة خاصة وكذا من لم يعين يوما مع ورود النص بيوم الاثنين نظر الى ما ورد من الأخبار في ذم يوم الاثنين وانه يوم نحس لا تطلب فيه الحوائج وان بنى أمية تتبرك به وتتشأم به آل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لقتل الحسين (عليه‌السلام) فيه حتى ورد ان من صامه أو طلب الحوائج فيه متبركا به حشر مع بنى أمية (2) وان

__________________

(1) الوسائل الباب 41 من صلاة الجمعة.

(2) الوسائل الباب 21 من الصوم المندوب و 4 و 6 و 7 من آداب السفر.


هذه الأخبار ظاهرة الرجحان على الخبرين المذكورين.

والحق انه لو لا النص ولا سيما الخبر الثاني عشر المشتمل على أمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) للرضا (عليه‌السلام) بالخروج فيه لكان ينبغي المنع من الخروج فيه لما عرفت ، إلا انه بعد الخبرين المذكورين المعتضدين بفتوى الأصحاب بذلك لا بد من التسليم لإمكان وجود خصوصية فيه لا نعلمها. والله العالم.

الثالث ـ قد تضمنت الرواية السادسة انه يستحب للإمام ان يخطب الناس ويأمرهم في جملة خطبته بالصيام ثلاثة أيام ويكون الثالث هو يوم الخروج ، وإطلاق غيرها من الأخبار يكون محمولا عليها ، ويمكن حمل هذه الرواية على الفضل والاستحباب وان جاز الاستسقاء بدون صيام إلا ان الظاهر من كلام الأصحاب هو الأول.

الرابع ـ من مستحبات هذه الصلاة ان يصحر بها كما في العيدين وادعى على ذلك الإجماع جمع منا ، ويدل عليه مضافا الى الإجماع المذكور والتأسي بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الرواية الثامنة والثانية عشرة صريحا وأكثر الروايات ظاهرا ، فان المراد من الخروج فيها سيما مع نقل المنبر وخروج المؤذنين بين يدي الإمام انما هو الى الصحراء ، وعلى ذلك يحمل قوله في الخبر الثاني «إلى مكان نظيف» وفي الرابع عشر «يبرز الى تحت السماء».

نعم دلت الرواية الثامنة على استثناء مكة وانه يصلى في مسجدها ، ومنه يعلم ان أهل مكة يستسقون في مسجدها ، قال في المنتهى وهو قول علمائنا أجمع وأكثر أهل العلم. والحق ابن الجنيد به مسجد المدينة ولم نقف على مستنده ، بل ظاهر الخبر الخامس يرده. وجمع من الأصحاب كالمفيد وابن ابى عقيل لم يستثنوا المسجد الحرام على ما حكاه الشهيد في الذكرى.

الخامس ـ يستحب ان يكونوا حال الخروج حفاة بالسكينة والوقار كما ذكره الأصحاب ، إلا ان الحفاء غير مذكور في الأخبار وانما عللوه بأنه أقرب الى الخشوع


والتذلل المطلوب في هذا المقام. واما الخروج بالسكينة والوقار فقد دل عليه الخبر الثاني ويشير اليه قوله في الخبر الأول «ثم يخرج يمشى كما يمشى يوم العيدين» مع ما تقدم من استحباب ذلك في الخروج الى العيد.

السادس ـ ومن المستحبات التي ذكرها الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا مع خلو النصوص منها انهم يخرجون معهم الشيوخ والأطفال والعجائز والبهائم.

قالوا : لأنه أقرب الى الرحمة وأسرع إلى الإجابة ، استنادا الى ما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) انه قال : «لولا أطفال رضع وشيوخ ركع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا».

وزاد بعضهم انه يفرق بين الأطفال وأمهاتهم ليكثروا من الضجيج والبكاء ويكون سببا لإدراك الرحمة.

أقول : وربما يؤيد ما ذكروه من إخراج هؤلاء بما تقدم في الخبر الرابع عشر من قوله : «اللهم ارحمنا بالمشايخ ركعا. إلخ».

وما ورد في الخطب من قوله (عليه‌السلام) (2) «اللهم ارحم أنين الآنة وحنين الحانة أرحم تحيرها في مراتعها وأنينها في مرابضها».

ويعضده ايضا خبر استسقاء سليمان بن داود (عليه‌السلام) المتقدم (3) وقول النملة ما قالت ، إلا ان الحكم لا يخلو من شوب الإشكال.

قال في المنتهى : ويمنع أهل الذمة والكفار من الخروج معهم لقوله تعالى «وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلّا فِي ضَلالٍ» (4) ثم ذكر ما روى عن الصادق (عليه‌السلام) (5)

__________________

(1) في الجامع الصغير ج 2 ص 132 والسنن الكبرى ج 3 ص 245 عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «لولا شباب خشع وبهائم رتع وشيوخ ركع وأطفال رضع لصب عليكم العذاب صبا».

(2) التهذيب ج 3 ص 151 والفقيه ج 1 ص 335 الطبع الحديث.

(3) ص 478.

(4) سورة الرعد الآية 15.

(5) ص 488.


في حكاية دعاء فرعون حين غار ماء النيل. ورجح عدم المنع.

أقول : ومما يؤيد عدم المنع خروج المنافقين مع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإنهم أكثر الناس أو كثير منهم يومئذ وكذا خروج المخالفين مع الرضا (عليه‌السلام) كما تضمنه الخبر الثاني عشر فإنهم الأكثر يومئذ بغير شك.

ويعضده ايضا ما ورد في بعض الأخبار (1) من ان الله عزوجل ربما حبس الإجابة عن المؤمن لحب سماع دعائه وتضرعه والحاحه ويعجل الإجابة للكافر لبغض سماع صوته ، على انهم يطلبون ما ضمنه الله لهم من رزقهم وهو سبحانه لا يخلف الميعاد.

واما خبر فرعون المشار اليه فهو ما رواه الصدوق عن الصادق (عليه‌السلام) (2) انه جاء أصحاب فرعون اليه فقالوا غار ماء النيل وفيه هلاكنا فقال انصرفوا اليوم فلما كان من الليل توسط النيل ورفع يديه الى السماء وقال : اللهم انك تعلم انى لا علم انه لا يقدر على أن يجي‌ء بالماء إلا أنت فجئنا به. فأصبح الماء يتدفق.

السابع ـ ومن المستحبات هنا ايضا ان يقلب الامام رداءه إذا صعد المنبر بعد الصلاة فيجعل الذي على يمينه على يساره وبالعكس ، وقد تقدم في الخبر الأول والثاني والثالث والسابع والرابع عشر.

وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروضة : ولو جعل مع ذلك أعلاه أسفله وظاهره باطنه كان حسنا ويترك محمولا حتى ينزع. انتهى. وفيه ما لا يخفى على المتأمل.

والظاهر من الاخبار ان التحويل انما هو من الامام مرة واحدة بعد الصلاة وصعود المنبر ، إلا ان في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا نوع تشويش واضطراب فان بعضهم ذكر ان هذا التحويل بعد الفراغ من الخطبة.

ولعل هذا القائل نظر الى ظاهر الخبر الثالث وقوله «تحويل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رداءه إذا استسقى» يعني إذا فرغ من الخطبة.

__________________

(1) الوسائل الباب 21 من الدعاء.

(2) الفقيه ج 1 ص 334.


وفيه ـ مع كونه من كلام السائل ـ ان المراد به انما هو إذا أراد الاستسقاء كما يظهر من الأخبار الباقية.

وقال الشيخ المفيد وسلار وابن البراج : يحول الامام رداءه ثلاث مرات : بعد الفراغ من الصلاة وبعد الصعود على المنبر وبعد الفراغ من الخطبة.

وفيه ما سيظهر لك ان شاء الله تعالى من أن هذا وان توهم في بادئ الرأي قبل إعطاء التأمل حقه في الأخبار إلا انه يرجع عند التأمل إلى أمر واحد كما ستقف عليه.

وفي المبسوط أثبته للمأموم وفي الخلاف خصه بالإمام ، وقال في الروض : ولا فرق في ذلك بين الامام وغيره ومن ثم أطلقه المصنف ، وللشيخ قول باختصاصه بالإمام وتبعه المحقق في الشرائع ، والعلتان توجبان الاشتراك. انتهى.

أقول : وتحقيق المقام اما بالنسبة إلى وقت التحويل فان المستفاد من الاخبار انه بعد الفراغ من الصلاة وصعود الامام المنبر قبل الخطبة.

ومن الأخبار الواضحة في ذلك الخبر الأول وقوله (عليه‌السلام) فيه : «فإذا انتهى الى المصلى صلى بالناس ركعتين بغير أذان ولا اقامة ثم يصعد المنبر فيقلب رداءه. إلخ» وقوله (عليه‌السلام) في الخبر الرابع عشر «يصلى بالناس ركعتين ثم يسلم ويصعد المنبر فيقلب رداءه».

واما قوله (عليه‌السلام) في الخبر الثاني «إذا سلم الامام قلب ثوبه. إلخ» فالمراد منه بعد صعود المنبر وان كان صعود المنبر غير مذكور في الخبر إلا ان إطلاقه محمول على الخبرين المفصلين المذكورين حمل المطلق على المقيد. ولا يخفى ان الخبر المذكور في حد ذاته لا يخلو من إجمال بالنسبة الى ما فصلته باقي الأخبار.

واما قوله (عليه‌السلام) في الحديث السابع «يصلى ركعتين ويقلب رداءه» فالحكم فيه كما ذكرنا في سابقه من تقييد إطلاقه بالخبرين المتقدمين بمعنى انه بعد أن يصلى ركعتين ويصعد المنبر يقلب رداءه.


وبالجملة فإن ذكر القلب بعد الصلاة لا ينافي صعود المنبر بعد الصلاة والقلب بعد الصعود إذ البعدية المذكورة صادقة بذلك ، وليس هنا مدة بين الفراغ وصعود المنبر حتى يلزم أن يقال ان المتبادر من البعدية القريبة ، فإنها في ما ذكرناه قريبة غير بعيدة كما لا يخفى.

واما بالنسبة إلى اختصاص الامام بذلك أو شمول الحكم للمأموم فلا يخفى انه بناء على ما ذكرنا من حمل مطلق الأخبار على مقيدها يكون ذلك مختصا بالإمام وإثباته للمأموم يحتاج الى دليل وليس فليس. ومع العمل بإطلاق هذين الخبرين وعدم تقييدهما بالخبرين الأخيرين يلزم استحباب القلب مرتين : إحداهما بعد الصلاة إماما كان أو مأموما ، وثانيتهما بعد صعود المنبر بالنسبة الى الإمام. إلا ان مقتضى القاعدة المعمول عليها انما هو الأول. والله العالم.

الثامن ـ ما دل عليه الخبر الأول ـ من تكبير الإمام إلى القبلة مائة مرة ثم يسبح عن يمينه مائة تسبيحة وعن يساره يهلل مائة تهليلة ثم يستقبل الناس فيحمد الله مائة تحميدة ـ وهو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وبه قال الشيخ واتباعه.

وقال الشيخ المفيد يكبر إلى القبلة مائة ويسبح الى اليمين مائة ويحمد الى اليسار مائة ويستغفر عند استقبال الناس مائة ، ونقل ذلك في المختلف عن ابى الصلاح وسلار وابن البراج.

والشيخان قد اتفقا في التكبير والتسبيح واختلفا بعد ذلك ، فالشيخ الطوسي جعل التهليل الى اليسار مائة ثم التحميد عند استقبال الناس مائة كما هو المشهور ، والشيخ المفيد جعل عند الالتفات الى اليسار التحميد وعند استقبال الناس الاستغفار ولم يذكر التهليل بالكلية.

والصدوق وافق الشيخين في التكبير والتسبيح إلى القبلة واليمين وخالف الشيخ الطوسي في التهليل والتحميد فعكس فيهما ، حيث ان الشيخ جعل التهليل الى اليسار


والتحميد عند استقبال الناس وهو جعل التحميد الى اليسار والتهليل عند استقبال الناس.

وأنت خبير بانا لم نقف في هذا المقام إلا على الرواية الأولى وهي صريحة في القول المشهور ، وعبارة كتاب الفقه الرضوي ، ونسخة الكتاب لا تخلو من الغلط وما نقلناه هنا صورة ما في النسخة التي تحضرني والظاهر انها غير خالية من الغلط ، والظاهر ان ما ذهب اليه الصدوق إنما أخذه من الكتاب على النهج الذي عرفته غالبا. وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور.

ثم ان الأصحاب قد ذكروا متابعة المأمومين للإمام في هذه الأذكار ومنهم الشيخ المفيد في المقنعة وغيره ممن تأخر عنه ، واما انهم يلتفتون معه الى هذه الجهات كما يلتفت فلم أقف عليه في كلامهم ، وظاهرهم انما هو المتابعة في هذه الأذكار وكذا في رفع الصوت بها ، وعن ابن الجنيد انهم يتابعونه في التكبير بدون رفع الصوت ، والنص الذي هو مستند هذا الحكم وهو الخبر الأول وكذا الخبر الرابع عشر خال من ذلك بل ظاهره الاختصاص بالإمام.

التاسع ـ ما اشتملت عليه الرواية الأولى ـ من انه بعد الأذكار المذكورة يرفع يديه فيدعو ثم يدعون ـ الظاهر انه هو المراد بالاستسقاء في الأخبار وكذا التعبير بالخطبة ، فإن المراد انما هو هذا الدعاء والابتهال والتضرع اليه سبحانه ، ولهذا وقع في عبائر الأصحاب (رضوان الله عليهم) : ثم يخطب ويبالغ في السؤال. إلا ان خطبة على (عليه‌السلام) المشهورة في الاستسقاء (1) تدل على استحباب الخطبة بالمعنى المشهور والظاهر ان كلا من الأمرين جائز ، ومنه يفهم تقديم الذكر على الخطبة وهو مذهب ابن ابى عقيل والشيخ وابن حمزة وهو المشهور بين المتأخرين.

ونسب في الذكرى القول بان الذكر بعد الخطبة إلى المشهور ، قال في الكتاب المذكور : والمشهور ان هذا الذكر يكون بعد الخطبتين وقال ابن ابى عقيل والشيخ وابن حمزة قبلهما ، وفي تعليم الصادق (عليه‌السلام) (2) محمد بن خالد انه يصعد المنبر فيقلب

__________________

(1) التهذيب ج 3 ص 151 والفقيه ج 1 ص 325 الطبع الحديث.

(2) ص 479.


رداءه ثم يأتي بالأذكار قال «ثم يرفع يديه ويدعو» ولم يذكر الخطبة بعد ذلك وظاهره ان هذه الأذكار تفعل على المنبر فكأنها من جملة الخطبة ولو فعل ذلك جاز. انتهى. وفي البيان ان كلا الأمرين جائزان.

ثم ان ظاهر الخبر الخامس الاكتفاء بتأمين الناس دون المتابعة في الدعاء كما دل عليه الخبر الأول ، ولعل الوجه التخيير جمعا بين الخبرين المذكورين.

وقد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن الأفضل في الخطبة والدعاء هو المأثور عن أصحاب العصمة (صلوات الله عليهم) وهو كذلك ، وقد مر ما اشتمل عليه كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه إلا ان نسخة الكتاب المنقول منه لا تخلو من الغلط.

وقال شيخنا المفيد في المقنعة بعد ذلك الأذكار التي إلى الجهات الأربع : ثم حول وجهه إلى القبلة فدعا ودعا الناس معه فقال : اللهم رب الأرباب ومعتق الرقاب ومنشئ السحاب ومنزل القطر من السماء ومحيي الأرض بعد موتها يا فالق الحب والنوى ويا مخرج الزرع والنبات ومحيي الأموات وجامع الشتات ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا غدقا مغدقا هنيئا مريئا تنبت به الزرع وتدر به الضرع وتحيي به الأرض بعد موتها وتسقى به مما خلقت أنعاما وأناسي كثيرا.

العاشر ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو استحباب الخطبة بعد الصلاة بل قال في التذكرة انه قول علمائنا اجمع ، وعليه تدل الرواية التاسعة والعاشرة والرابعة عشرة ، وأما ما دلت عليه الرواية الحادية عشرة من كون الخطبة قبل فقد ردها الشيخ في التهذيب بأنها غير معمول عليها ، لأن الأخبار تضمنت ان هذه الصلاة كالعيدين وقد بينا ان صلاة العيدين الخطبة بعدها فيجب ان تكون هذه الصلاة جارية مجراها. انتهى. وهو جيد.

قال في المختلف : المشهور ان الامام يصلى ركعتي الاستسقاء ثم يصعد المنبر ويخطب ، وقال ابن إدريس في بعض الروايات ان هذه الخطبة تكون قبل الصلاة


وقال ابن الجنيد ويصعد الامام المنبر قبل الصلاة وبعدها ، ثم قال : لنا ـ حديث مرة مولى خالد. ثم ساق الحديث (1) ثم ذكر رواية إسحاق بن عمار التي تضمنت تقديم الخطبة على الصلاة وردها بما ذكره الشيخ. ثم قال : وأحسن حديث بلغنا في هذا الباب ما رواه هشام بن الحكم (2) وساق الخبر ، ثم قال وهذا الحديث وان دل بقوله «مثل صلاة العيدين» على ما قلناه لكن دلالته على ما اختاره ابن الجنيد أقوى. انتهى ملخصا.

أقول : لا ريب انه وان كان هذا الخبر صحيح السند لكن دلالته على ما ذكره لا تخلو من إجمال واشكال لعدم التعرض لذكر الخطبة فيه صريحا ، ويمكن فهمها من قوله (عليه‌السلام) «فيحمد الله ويمجده. الى آخره» بناء على ان الخطبة عبارة عن ذلك وان قدم في اللفظ إلا ان عطف الصلاة عليه بالواو التي هي لمطلق الجمع ، وطريق الجمع بينه وبين باقي الأخبار هو حمل هذه الأذكار على الخطبة وجعلها مؤخرة عن الصلاة من قبيل حمل المجمل على المبين والمطلق على المقيد ، فلا منافاة في الخبر المذكور ولا دلالة فيه على كون الخطبة قبل الصلاة ولا صعود المنبر قبل الصلاة كما لا يخفى.

هذا. وقد قدمنا ان المراد بالخطبة هنا ما هو أعم من المعنى المشهور فيها أو مجرد الدعاء والتضرع والابتهال.

وقال في الذكرى : يستحب ان يخطب بالمأثور عن أهل البيت (عليهم‌السلام) وقد ذكر في التهذيب (3) خطبة بليغة لأمير المؤمنين (عليه‌السلام) «الحمد لله سابغ النعم. الى آخرها» ولو خطب بغير ذلك مما يتضمن حمدا وثناء ووعظا جاز. والظاهر ان الخطبة الواحدة غير كافية بل يخطب اثنتين تسوية بينها وبين صلاة العيد. ويستحب المبالغة في التضرع والإلحاح في الخطبتين وخصوصا الثانية. انتهى.

أقول : لا يخفى ان ما علل به تثنية الخطبتين من التسوية بين هذه الصلاة

__________________

(1) تقدم ص 479.

(2) ص 480.

(3) ج 3 ص 151 وفي الفقيه ج 1 ص 335 الطبع الحديث.


وصلاة العيد لا يخلو من النظر ، فإن المشابهة لا تقتضي المساواة من جميع الوجوه سيما مع دلالة جملة من النصوص كما عرفت على الاكتفاء بمجرد الدعاء عن الخطبة المؤذن بأن المراد بالخطبة ذلك.

الحادي عشر ـ من وظائف هذه الصلاة إخراج المنبر الى الصحراء كما دل عليه الخبر الأول والخامس والرابع عشر ، وقد صرح المرتضى وجماعة بأنه يخرج ويحمل بين يدي الإمام إلى الصحراء ، ونسب ابن إدريس الى بعض أصحابنا انه قال : المنبر لا يخرج بل يستحب أن يكون مثل منبر العيد معمولا من الطين. ثم قال انه الأظهر في الرواية (1) والقول بثبوت هذه الصلاة كصلاة العيد. وهو اجتهاد في مقابلة النصوص اللهم إلا أن يكون لم يطلع على الأخبار المذكورة.

ومنها ـ خروج المؤذنين بين يديه ايضا وفي أيديهم عنزهم كما دل عليه الخبر الأول.

الثاني عشر ـ ما دل عليه الخبر الأول والرابع عشر من عدم الأذان والإقامة مما دل عليه إجماع الأصحاب (رضوان الله عليهم) كما ذكره الفاضلان في المعتبر والمنتهى بل قال في المنتهى : وعليه إجماع كل من يحفظ عنه العلم.

وصرحوا بأنه يقول المؤذن : الصلاة (ثلاثا) وكأنه مأخوذ من التشبيه بصلاة العيد التي يقال فيها ذلك ، فإن أخبار المسألة التي قدمناها خالية من ذلك ولا اعرف غيرها ، اللهم إلا أن يكون وصل إليهم ما لم يصل إلينا.

الثالث عشر ـ من وظائف هذه الصلاة استحباب الجهر بالقراءة كما دل عليه الخبر الرابع والتاسع والعاشر والثالث عشر ، وبه صرح الأصحاب أيضا ، وأضافوا الى ذلك الجهر بالقنوت كما في صلاة العيدين ، ولا بأس به تحقيقا للمشابهة.

الرابع عشر ـ قال في الذكرى : يجوز الاستسقاء بغير صلاة اما في خطبة

__________________

(1) يمكن أن يكون نظره الى حديث هشام ص 480 المتضمن للمماثلة بين الصلاتين.


الجمعة والعيدين أو في أعقاب المكتوبات أو يخرج الإمام إلى الصحراء فيدعو والناس يتابعونه.

أقول : ويدل على ما ذكروه من الفرد الأخير ظاهر الخبر الخامس فإنه لم يشتمل على أزيد من صعود رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) المنبر بعد اجتماع الناس والاستسقاء بالدعاء وأمر الناس أن يؤمنوا.

الخامس عشر ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان هذه الصلاة تصلى جماعة وفرادى وان كان الجماعة أفضل.

وأنت خبير بان ظواهر جملة الأخبار التي قدمناها وهي أخبار المسألة التي وقفنا عليها متفقة على الجماعة ، ولم أقف على خبر ظاهر في جواز صلاتها فرادى كما ذكروه ، اللهم إلا ان يكون قاسوها على العيدين لقضية التشبيه. وفيه ما فيه.

السادس عشر ـ قد تضمن الخبر الرابع انه يستسقى وهو قاعد ، والحديث العاشر ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يستسقى وهو قاعد ، مع ان أحدا من الأصحاب لم يعدوا ذلك من مستحبات هذه الصلاة بل ظاهر كلامهم انما هو الوقوف حال الاستسقاء والدعاء والخطبتين ، ولم اطلع في كلامهم على من تعرض لما دل عليه هذان الخبران من القعود حال الاستسقاء والكلام فيه نفيا أو إثباتا. وحمل ذلك على العذر في بعض الأوقات ينافيه لفظ «كان» في الحديث العاشر الدال على استمرار ذلك في جميع الأوقات أو أكثرها.

السابع عشر ـ ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يستحب ان يكرر الخروج لو تأخرت الإجابة وربما ادعى عليه الإجماع ، ولم أقف عليه في النصوص إلا انه ربما أمكن الاستناد فيه الى العمومات الدالة على الحث على الدعاء وتكراره وان الله سبحانه ربما أخر الإجابة لحب سماعه صوت عبده المؤمن فلا ينبغي اليأس والقنوط بعدم الإجابة أول مرة (1) على ان حديث سليمان (عليه‌السلام) (2) قد دل على تكرار

__________________

(1) الوسائل الباب 21 من الدعاء.

(2) 478 ولم يذكر فيه تكرار الخروج.


الخروج ثلاث مرات وان قول النملة ما قالت كما قدمناه انما هو في المرة الثالثة.

فائدة

قد ورد الدعاء لدفع المطر مع كثرته وخوف ضرره كما ورد لقلته وحصول الضرر بذلك :

روى في الكافي (1) بسنده عن رزيق ابى العباس عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «اتى قوم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقالوا يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان بلادنا قد قحطت وتوالت السنون علينا فادع الله تعالى يرسل السماء علينا فأمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالمنبر فاخرج واجتمع الناس فصعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ودعا وأمر الناس ان يؤمنوا ، فلم يلبث ان هبط جبرئيل (عليه‌السلام) قال يا محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أخبر الناس ان ربك قد وعدهم ان يمطروا يوم كذا وكذا وساعة كذا وكذا ، فلم يزل الناس ينتظرون ذلك اليوم وتلك الساعة حتى إذا كانت تلك الساعة أهاج الله تعالى ريحا فأثارت سحابا وجللت السماء وأرخت عزاليها فجاء أولئك النفر بأعيانهم إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقالوا يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ادع الله لنا أن يكف السماء عنا فانا كدنا أن نغرق فاجتمع الناس ودعا النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأمر الناس أن يؤمنوا على دعائه ، فقال له رجل من الناس يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أسمعنا فإن كل ما تقول ليس نسمع فقال قولوا : اللهم حوالينا ولا علينا اللهم صبها في بطون الأودية وفي منابت الشجر وحيث يرعى أهل الوبر اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا».

المطلب الثاني في صلاة التسبيح

وها نحن نذكر الأخبار المتعلقة بهذا المقام ونذيلها ان شاء الله تعالى بما يفهم منها من الأحكام :

الأول ـ ما رواه في الكافي عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «قال

__________________

(1) الروضة ص 217 وفي الوسائل الباب 1 من صلاة الاستسقاء.

(2) الوسائل الباب 1 من صلاة جعفر.


رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لجعفر يا جعفر إلا أمنحك ألا أعطيك ألا أحبوك؟ فقال له جعفر (عليه‌السلام) بلى يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال فظن الناس انه يعطيه ذهبا أو فضة فتشوف الناس لذلك فقال له انى أعطيك شيئا ان أنت صنعته في كل يوم كان خيرا لك من الدنيا وما فيها وان صنعته بين يومين غفر لك ما بينهما أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة غفر لك ما بينهما ، تصلي أربع ركعات : تبتدئ فتقرأ وتقول إذا فرغت : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. تقول ذلك خمس عشرة مرة بعد القراءة فإذا ركعت قلته عشر مرات فإذا رفعت رأسك من الركوع قلته عشر مرات فإذا سجدت قلته عشر مرات فإذا رفعت رأسك من السجود فقل بين السجدتين عشر مرات فإذا سجدت الثانية فقل عشر مرات فإذا رفعت رأسك من السجدة الثانية قلت عشر مرات وأنت قاعد قبل ان تقوم ، فذلك خمس وسبعون تسبيحة في كل ركعة : ثلاثمائة تسبيحة في أربع ركعات : الف ومائتا تسبيحة وتهليلة وتكبيرة وتحميدة. إن شئت صليتها بالنهار وان شئت صليتها بالليل».

الثاني ـ ما رواه في الفقيه عن أبي حمزة الثمالي ـ في القوى وقيل في الصحيح كما عده العلامة ـ عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لجعفر بن ابى طالب (عليه‌السلام) يا جعفر إلا أمنحك ألا أعطيك ألا أحبوك ألا أعلمك صلاة إذا أنت صليتها لو كنت فررت من الزحف وكان عليك مثل رمل عالج وزبد البحر ذنوبا غفرت لك؟ قال بلى يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال تصلى أربع ركعات إذا شئت ان شئت كل ليلة وان شئت كل يوم وان شئت فمن جمعة الى جمعة وان شئت فمن شهر الى شهر وان شئت فمن سنة الى سنة ، تفتتح الصلاة ثم تكبر خمس عشرة مرة : تقول الله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ، ثم تقرأ الفاتحة وسورة وتركع وتقولهن في ركوعك عشر مرات ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولهن عشر مرات وتخر ساجدا وتقولهن عشر مرات في سجودك ثم ترفع رأسك من

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة جعفر.


السجود فتقولهن عشر مرات ثم تخر ساجدا فتقولهن عشر مرات ثم ترفع رأسك من السجود فتقولهن عشر مرات ثم تنهض فتقولهن خمس عشرة مرة ثم تقرأ الفاتحة وسورة ثم تركع فتقولهن عشر مرات ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولهن عشر مرات ثم تخر ساجدا فتقولهن عشر مرات ثم ترفع رأسك من السجود فتقولهن عشر مرات ثم تسجد فتقولهن عشر مرات ثم ترفع رأسك من السجود فتقولهن عشر مرات ثم تتشهد وتسلم ، ثم تقوم وتصلى ركعتين أخراوين تصنع فيهما مثل ذلك ثم تسلم. ثم قال أبو جعفر (عليه‌السلام) فذلك خمس وسبعون مرة في كل ركعة ثلاثمائة تسبيحة تكون ثلاثمائة مرة في الأربع الركعات : الف ومائتا تسبيحة يضاعفها الله تعالى ويكتب لك بها اثنتي عشرة ألف حسنة ، الحسنة منها تكون مثل أحد وأعظم».

الثالث ـ ما رواه الشيخ عن صفوان عن بسطام في الصحيح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «قال له رجل جعلت فداك أيلتزم الرجل أخاه؟ فقال نعم ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يوم افتتح خيبر أتاه الخبر ان جعفرا قد قدم فقال والله ما أدري بأيهما أنا أشد سرورا بقدوم جعفر أم بفتح خيبر ، قال فلم يلبث ان جاء جعفر (عليه‌السلام) قال فوثب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فالتزمه وقبل ما بين عينيه ، قال فقال له الرجل : الأربع ركعات التي بلغني ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمر جعفرا ان يصليها؟ فقال لما قدم عليه قال له يا جعفر إلا أعطيك ألا أمنحك ألا أحبوك؟ قال فتشوف الناس ورأوا أنه يعطيه ذهبا أو فضة ، قال بلى يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال صل اربع ركعات متى ما صليتهن غفر الله لك ما بينهن ، ان استطعت كل يوم وإلا فكل يومين أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة فإنه يغفر لك ما بينهما. قال كيف أصليها؟ قال تفتتح الصلاة ثم تقرأ ثم تقول خمس عشرة مرة وأنت قائم : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. فإذا ركعت قلت ذلك عشرا وإذا رفعت رأسك فعشرا وإذا سجدت فعشرا وإذا رفعت رأسك فعشرا وإذا سجدت الثانية فعشرا وإذا رفعت رأسك فعشرا ،

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة جعفر.


فذلك خمس وسبعون تكون ثلاثمائة في أربع ركعات فهن الف ومائتان. وتقرأ في كل ركعة بقل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون».

الرابع ـ ما في الكافي والتهذيب : وفي رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن (عليه‌السلام) (1) «يقرأ في الأولى إذا زلزلت وفي الثانية والعاديات وفي الثالثة إذا جاء نصر الله وفي الرابعة بقل هو الله أحد. قلت فما ثوابها؟ قال لو كان عليه مثل رمل عالج ذنوبا غفر له. ثم نظر الى فقال : انما ذلك لك ولأصحابك».

الخامس ـ ما رواه في الكافي عن ذريح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «تصليها بالليل وتصليها بالنهار وتصليها في السفر بالليل والنهار ، فإن شئت فاجعلها من نوافلك».

السادس ـ ما في الفقيه (3) قال : وفي رواية ابن المغيرة ان الصادق (عليه‌السلام) قال : «اقرأ في صلاة جعفر بقل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون».

السابع ـ ما رواه عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال قال : «صل صلاة جعفر أى وقت شئت من ليل أو نهار ، وان شئت حسبتها من نوافل الليل وان شئت حسبتها من نوافل النهار تحسب لك من نوافلك وتحسب لك من صلاة جعفر».

الثامن ـ ما رواه في التهذيب مسندا عن إبراهيم بن ابى البلاد (5) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) ـ وفي الفقيه مرسلا (6) عن إبراهيم عن ابى الحسن (عليه‌السلام) يعنى موسى بن جعفر ـ أي شي‌ء لمن صلى صلاة جعفر؟ قال لو كان عليه مثل رمل عالج وزبد البحر ذنوبا لغفرها الله له. ثم قال قلت هذه لنا؟ قال فلمن هي إلا لكم خاصة. قال قلت فأي شي‌ء اقرأ فيها قال وقلت اعترض القرآن؟ قال لا اقرأ فيها إذا زلزلت الأرض وإذا جاء نصر الله وانا أنزلناه في ليلة القدر وقل هو الله أحد».

__________________

(1 و 3 و 5 و 6) الوسائل الباب 2 من صلاة جعفر.

(2 و 3) الوسائل الباب 5 من صلاة جعفر.


التاسع ـ ما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «قلت له من صلى صلاة جعفر هل يكتب له من الأجر مثل ما قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لجعفر؟ قال اى والله». ورواه في الفقيه مرسلا (2).

العاشر ـ ما رواه في التهذيب في الصحيح عن ذريح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «ان شئت صل صلاة التسبيح بالليل وان شئت بالنهار وان شئت في السفر وان شئت جعلتها من نوافلك وان شئت جعلتها من قضاء صلاة».

الحادي عشر ـ ما رواه في الكافي والتهذيب عن على بن سليمان (4) قال : «كتبت الى الرجل (عليه‌السلام) اسأله ما تقول في صلاة التسبيح في المحمل؟ فكتب إذا كنت مسافرا فصل».

الثاني عشر ـ ما رواه في التهذيب عن سعد عن عبد الله بن جعفر عن على بن الريان ، وفي الفقيه عن على بن الريان (5) انه قال : «كتبت الى الماضي الأخير (عليه‌السلام) اسأله عن رجل صلى صلاة جعفر ركعتين ثم تعجله عن الركعتين الأخيرتين حاجة أو يقطع ذلك بحادث يحدث أيجوز له أن يتمها إذا فرغ من حاجته وان قام عن مجلسه أم لا يحتسب بذلك إلا ان يستأنف الصلاة ويصلى الأربع ركعات كلها في مقام واحد؟ فكتب : بلى ان قطعه عن ذلك أمر لا بد منه فليقطع ثم ليرجع فليبن على ما بقي منها ان شاء الله تعالى».

الثالث عشر ـ ما رواه في الكافي عن ابان (6) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : من كان مستعجلا يصلى صلاة جعفر مجردة ثم يقضى التسبيح وهو ذاهب في حوائجه».

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 1 من صلاة جعفر.

(3 و 4) الوسائل الباب 5 من صلاة جعفر.

(5) الوسائل الباب 6 من صلاة جعفر.

(6) الوسائل الباب 8 من صلاة جعفر.


الرابع عشر ـ ما رواه في الفقيه عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال «إذا كنت مستعجلا فصل صلاة جعفر مجردة ثم اقض التسبيح».

الخامس عشر ـ ما رواه في الكافي عن الحسن بن محبوب رفعه (2) قال : «تقول في آخر سجدة من صلاة جعفر : يا من لبس العز والوقار يا من تعطف بالمجد وتكرم به يا من لا ينبغي التسبيح إلا له يا من احصى كل شي‌ء علمه يا ذا النعمة والطول يا ذا المن والفضل يا ذا القدرة والكرم أسألك بمعاقد العز من عرشك وبمنتهى الرحمة من كتابك وباسمك الأعظم الأعلى وكلماتك التامات ان تصلى على محمد وآل محمد وان تفعل بي كذا وكذا».

السادس عشر ـ ما رواه الثقة الجليل احمد بن ابى طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج (3) مما ورد عن صاحب الزمان (عجل الله فرجه) الى محمد بن عبد الله ابن جعفر الحميري في جواب مسائله حيث «سأله عن صلاة جعفر إذا سها في التسبيح في قيام أو قعود أو ركوع أو سجود وذكر في حالة اخرى قد صار فيها من هذه الصلاة هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكره أم يتجاوز في صلاته؟ التوقيع : إذا سها في حالة عن ذلك ثم ذكر في حالة اخرى قضى ما فاته في الحالة التي ذكره». ورواه الشيخ في كتاب الغيبة بإسناده فيه (4).

السابع عشر ـ ما رواه في الكتاب المذكور أيضا عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان (عجل الله فرجه) (5) «انه كتب إليه يسأله عن صلاة جعفر بن ابى طالب في أي وقت أفضل ان تصلى فيه؟ وهل فيها قنوت؟ وان كان كان ففي أي ركعة منها؟ فأجاب أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة ثم في أي

__________________

(1) الوسائل الباب 8 من صلاة جعفر.

(2) الوسائل الباب 3 من صلاة جعفر.

(3 و 4) الوسائل الباب 9 من صلاة جعفر.

(5) الوسائل الباب 4 من صلاة جعفر.


الأيام شئت ، وأى وقت صليتها من ليل أو نهار فهو جائز. والقنوت فيها مرتان في الثانية قبل الركوع وفي الرابعة بعد الركوع. وسألته عن صلاة جعفر في السفر هل يجوز ان تصلى أم لا؟ فأجاب يجوز ذلك».

الثامن عشر ـ ما ذكره الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (1) قال : عليك بصلاة جعفر بن ابى طالب فان فيها فضلا كثيرا ، وقد روى أبو بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) انه من صلى صلاة جعفر كل يوم لا تكتب عليه السيئات وتكتب له بكل تسبيحة فيها حسنة وترفع له درجة في الجنة فان لم يطق كل يوم ففي كل جمعة فان لم يطق ففي كل شهر فان لم يطق في كل سنة فإنك إن صليتها محي عنك ذنوبك ولو كانت مثل رمل عالج أو مثل زبد البحر ، وصل أى وقت شئت من ليل أو نهار ما لم يكن في وقت فريضة ، وان شئت حسبتها من نوافلك ، وان كنت مستعجلا صليت مجردة ثم قضيت التسبيح. فإذا أردت أن تصلى فافتتح الصلاة بتكبيرة واحدة ثم اقرأ في أولها بفاتحة الكتاب والعاديات وفي الثانية إذا زلزلت وفي الثالثة إذا جاء نصر الله وفي الرابعة قل هو الله أحد وان شئت كلها بقل هو الله أحد ، وان نسيت التسبيح في ركوعك أو سجودك أو في قيامك فاقض حيث ذكرت على اى حال تكون. تقول بعد القراءة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر «خمس عشرة مرة» وتقول في ركوعك عشر مرات وإذا استويت قائما عشر مرات وفي سجودك وبين السجدتين عشرا عشرا فإذا رفعت رأسك تقول عشرا قبل أن تنهض فذلك خمس وسبعون مرة ، ثم تقوم في الثانية وتصنع مثل ذلك ثم تشهد وتسلم وقد مضى لك ركعتان ، ثم تقوم وتصلى ركعتين أخريين على ما وصفت لك ، فيكون التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير في أربع ركعات ألف مرة ومائتي مرة. وتصلى بها متى شئت ومتى ما خف عليك فان في ذلك فضلا كثيرا. فإذا فرغت تدعو بهذا الدعاء. ثم ساق الدعاء.

__________________

(1) ص 15.


التاسع عشر ـ ما رواه الصدوق في كتاب عيون الأخبار عن رجاء بن ابى الضحاك (1) انه حكى في حديث له صلاة الرضا (عليه‌السلام) ونقل فيه انه كان يصلى في آخر الليل اربع ركعات بصلاة جعفر (عليه‌السلام) يسلم في كل ركعتين ويقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع وبعد التسبيح ويحتسب بها من صلاة الليل. الخبر.

هذا ما حضرني من الروايات المتعلقة بهذه الصلاة. والكلام فيها يقع في مواضع

الأول ـ ان أكثر الأخبار المذكورة في المقام دلت على ان التسبيح حال القيام بعد القراءة وان صورته «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» وهو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ذهب اليه الشيخان وابن الجنيد وابن إدريس وابن ابى عقيل والمتأخرون ، وقد دل الخبر الثاني على كونه قبل القراءة وانه الله أكبر إلى آخر ما هو مذكور في الخبر.

وظاهر الصدوق في الفقيه العمل بالخبر المذكور في الموضعين حيث قال في الكتاب المذكور (2) بعد نقله الخبر المشار اليه : وقد روى ان التسبيح في صلاة جعفر بعد القراءة وان ترتيب التسبيح «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» فبأي الحديثين أخذ المصلي فهو مصيب وجائز له. انتهى.

وظاهره الجمع بين الأخبار بالتخيير في الموضعين ، وهو جيد إلا ان الأحوط والأولى العمل بالقول المشهور لتكاثر الأخبار بتأخير التسبيح عن القراءة وانه بالصورة المشهورة دون هذه الصورة التي نقلها في خبر الثمالي.

الثاني ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في قراءتها فالمشهور انه يقرأ في الأولى بعد الحمد الزلزلة وفي الثانية والعاديات وفي الثالثة النصر وفي الرابعة التوحيد ، وهو اختيار السيد المرتضى وابن الجنيد والصدوق وابى الصلاح وابن البراج وسلار ، وقال ابن بابويه : يقرأ في الاولى والعاديات وفي الثانية الزلزلة وفي

__________________

(1) الوسائل الباب 13 من أعداد الفرائض رقم 24.

(2) ج 1 ص 348 وفي الوسائل الباب 1 من صلاة جعفر.


الباقيتين كما تقدم ، قال وان شئت صلها كلها بالتوحيد. وقال الصدوق في المقنع بالتوحيد في الجميع ، وعن ابن ابى عقيل في الأولى الزلزلة وفي الثانية النصر وفي الثالثة والعاديات وفي الرابعة قل هو الله أحد.

أقول : والذي يدل على المشهور من الأخبار المتقدمة الخبر الرابع وما سيأتي ان شاء الله تعالى في خبر المفضل بن عمر عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) في نوافل شهر رمضان وفيه «تقرأ في صلاة جعفر في الركعة الأولى الحمد وإذا زلزلت وفي الثانية الحمد والعاديات وفي الثالثة الحمد وإذا جاء نصر الله وفي الرابعة الحمد وقل هو الله أحد. الحديث».

والذي يدل على ما ذهب اليه الشيخ على بن الحسين بن بابويه الخبر الثامن عشر كما هي قاعدته المطردة ومنه أخذ عبارته في هذا الموضع وغيره.

واما القولان الباقيان فلم نقف لهما على مستند والذي وردت به الأخبار هو ما عرفت من القول المشهور وقول على بن بابويه.

وفي الخبر الثالث : يقرأ في كل ركعة بقل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون ونحوه في الخبر السادس ، والظاهر انه على جهة التخيير بين هاتين السورتين أو قراءة إحداهما في موضع والأخرى في آخر.

وفي الخبر الثامن انه يقرأ فيها إذا زلزلت الأرض وإذا جاء نصر الله وانا أنزلناه وقل هو الله أحد ، والظاهر ان المراد الترتيب في هذه السور وان كان العطف بالواو لا يدل عليه إلا انه كثير الوقوع في الاخبار. والعمل بكل ما روى حسن ان شاء الله تعالى.

الثالث ـ قال في الذكرى : وهي بتسليمتين على الأظهر ويظهر من الصدوق في المقنع انه يرى أنها بتسليمة واحدة وهو نادر. انتهى. وتبعه في هذه المقالة جملة ممن تأخر عنه.

أقول : صورة عبارة المقنع على ما نقله في البحار هكذا : تبدأ فتكبر ثم

__________________

(1) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.


تقرأ فإذا فرغت من القراءة فقل «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» خمس عشرة مرة فإذا ركعت قلتها عشرا فإذا رفعت رأسك من الركوع قلتها عشرا فإذا سجدت قلتها عشرا فإذا رفعت رأسك من السجود قلتها عشرا فإذا سجدت قلتها عشرا فإذا رفعت رأسك من السجود الثاني قلتها عشرا وأنت جالس قبل ان تقوم ، فذلك خمس وسبعون تسبيحة وتحميدة وتكبيرة وتهليلة في كل ركعة : ثلاثمائة في أربع ركعات فذلك الف ومائتان ، وتقرأ فيها قل هو الله أحد وروى : اقرأ في الركعة الأولى من صلاة جعفر الحمد وإذا زلزلت وفي الثانية الحمد والعاديات وفي الثالثة الحمد وإذا جاء نصر الله وفي الرابعة الحمد وقل هو الله أحد. انتهى

وأنت خبير بان لا دلالة في هذه العبارة على ما ادعاه من ان الأربع بتسليمة واحدة ، إذ الظاهر ان الغرض من سياق هذا الكلام انما هو بيان مواضع التسبيح وقدره كما يشير اليه قوله «فذلك خمس سبعون. الى آخره» ومن ثم انه لم يتعرض لذكر الركعة الثانية ولا للتشهد ولا للقنوت ، اما لما ذكرناه من أن الغرض من سياق الكلام انما هو ما ذكرناه أو من حيث ظهور ذلك فاكتفى بظهوره عن ذكره. ويؤيد ما قلناه ان سياق عبارته المذكورة وقعت على نحو عبارة الخبر الأول والثالث فان السياق في الجميع واحد ، فان كانت عبارة المقنع بهذه الكيفية دالة على ما قاله فكذلك عبارة كل من الخبرين المذكورين تدل على ذلك. وبالجملة فإن ما ذكره (قدس‌سره) وان تبعه فيه من تبعه لا يخلو من قصور تأمل في العبارة المذكورة.

وبما ذكرنا من عدم ظهور ما ادعاه في الذكرى من هذه العبارة صرح شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحار ايضا حيث قال بعد نقل عبارة المقنع التي قدمناها نقلا عنه وذكر كلام الذكرى ـ ما صورته : وأقول لا دلالة في عبارة المقنع إلا من حيث انه لم يذكر التسليم ولعله احاله على الظهور كالتشهد والقنوت وغيرهما والعمل على المشهور. انتهى.

إلا ان العلامة في المختلف قال : قال أبو جعفر بن بابويه (قدس‌سره) في


كتاب المقنع : وروى انها بتسليمتين. وهو يشعر انه يقول بأنها بتسليمة واحدة والمشهور الأول. انتهى.

وعلى هذا فالظاهر ان كلام شيخنا في الذكرى انما ابتنى على هذا الكلام الذي نقله في المختلف إلا ان شيخنا المجلسي كما عرفت انما عزاه إلى العبارة التي نقلها عنه في البحار. وبالجملة فإن كتاب المقنع لا يحضرني الآن ليمكن معرفة صحة أحد النقلين وفساد الآخر في البين.

الرابع ـ المشهور انه يستحب العشر بعد السجدة الثانية من الركعة الأولى قبل القيام إلى الثانية وكذا من الركعة الثالثة قبل القيام إلى الرابعة ، ذهب اليه الشيخان والمرتضى وابن بابويه وأبو الصلاح وابن البراج وسلار وغيرهم.

وقال ابن ابى عقيل : ثم يرفع رأسه من السجود وينهض قائما ويقول ذلك عشرا ثم يقرأ.

ولم نقف له على دليل لان ما قدمناه من الأخبار ما بين صريح الدلالة وظاهرها على القول المشهور ، ففي الرواية الأولى «فإذا رفعت رأسك من السجدة الثانية قلت عشر مرات وأنت قاعد قبل أن تقوم» وفي الرواية الثانية «ثم ترفع رأسك من السجود فتقولهن عشر مرات ثم تنهض فتقولهن خمس عشرة مرة» وهاتان الروايتان صريحتان كما ترى في المدعى ، وفي الرواية الثالثة «وإذا رفعت رأسك فعشرا فذلك خمس وسبعون» وهي ظاهرة لانه رتب ذلك على رفع الرأس ولم يذكر النهوض ، وفي الرواية الثامنة عشرة «فإذا رفعت رأسك تقول عشرا قبل أن تنهض» وهي صريحة في المدعى كما ترى. ولعله وصل إليه في ذلك ما لم يصل إلينا حيث انه من قدماء الأصحاب.

الخامس ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز احتسابها من النوافل الراتبة الليلية والنهارية ، صرح به الشيخ على بن بابويه وابن ابى عقيل وغيرهما. وقال ابن الجنيد : ولا أحب احتسابها من شي‌ء من التطوع الموظف


عليه ولو فعل وجعلها قضاء للنوافل أجزأه.

وأنت خبير بأن جملة من الأخبار المتقدمة ظاهرة في الدلالة على القول المشهور كالخبر الخامس والسابع والعاشر والثامن عشر والتاسع عشر ، وقد تضمن الخبر العاشر جواز جعلها قضاء للنوافل وهو الذي رخصه ابن الجنيد ، وحينئذ فلا وجه لمنع ابن الجنيد من استحبابها من النوافل أداء. وحمله على الغفلة عن هذه الاخبار وعدم اطلاعه عليها بعيد ، وعلى الاطلاع عليها والقول بخلافها أبعد.

وقال في الذكرى : ويظهر من بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز جعلها من الفرائض أيضا إذ ليس فيه تغيير فاحش.

أقول : ربما أشعر نقله (قدس‌سره) للقول المذكور وعدم تعرضه لرده اختياره القول بجوازه ، واليه يميل كلام بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين ، وهو محل اشكال وأى تغيير أفحش مما عليه هذه الصلاة بالنسبة إلى غيرها من الصلوات الخالية من هذه الأذكار.

وبالجملة فإن العبادات توقيفية فإذا كان المرسوم عن صاحب الشرع هو إيقاع الفريضة على النحو الذي وردت عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فتغييرها إلى كيفية أخرى ـ ولو بزيادة أذكار وأدعية وتسبيحات خارجة من الموظف فيها سيما مع كثرته وتفاحشه كما في هذه الصلاة ـ يتوقف على الدليل.

ويعضد ما قلناه عدم حصول يقين البراءة إلا بما ذكرناه. ويعضده ايضا المقابلة بالنوافل الحاضرة ، فإن قوله في الخبر المذكور «وان شئت جعلتها من نوافلك» أى الحاضرة المؤداة فيكون قوله «وان شئت جعلتها من قضاء صلاة» يعنى قضاء النوافل وحاصله التخيير بين جعلها من النوافل المؤداة والمقضية. والله العالم.

السادس ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ان فيها قنوتين في الثانية من الركعتين الأوليتين والثانية من الركعتين الأخيرتين وانه بعد القراءة وقبل الركوع فيهما ، ويدل على ذلك صريحا الخبر التاسع عشر مضافا الى


الأخبار العامة في قنوت سائر الصلوات (1).

والمستفاد من الخبر السابع عشر ان قنوت الركعتين الأولتين قبل الركوع وقنوت الركعتين والأخيرتين بعد الركوع ، ولم أقف على من تنبه له من الأصحاب ، ولعله من حيث عدم رواية الخبر في كتب الحديث الأربعة التي مدار استدلالهم عليها ورجوعهم إليها. وبالجملة فإن الأظهر هو ما دلت عليه الأخبار العامة وخصوص الخبر التاسع عشر ، وهذا الخبر مرجوع الى قائله (عليه‌السلام).

السابع ـ قد اشتملت جملة من الأخبار المتقدمة على أحكام عديدة لذوي الأعذار في هذه الصلاة :

أحدها ـ ما اشتمل عليه الخبر الثالث عشر والرابع عشر من جواز الصلاة مجردة عن التسبيح إذا أعجلت به حاجة ثم يقضى التسبيح وهو ذاهب.

وثانيها ـ ما اشتمل عليه الخبر الثاني عشر من انه لو صلى منها ركعتين ثم أعجلته الحاجة أو أحدث حدثا فإنه يبنى على ما صلى أولا بعد زوال العارض ويتم بالركعتين الباقيتين ، والأحوط ان لا يفرق فيها إلا لعذر وقوفا على ظاهر الخبر وان كان الظاهر الجواز مطلقا.

وثالثها ـ ما دل عليه الخبر السادس عشر من انه إذا سها عن التسبيحات في بعض أحوال هذه الصلاة قضاها في الحال التي يذكرها فيها ، فان كان يفوته سهوا في حال القيام ثم يذكره في حال الركوع أو السجود فإنه يقضى ما فاته كلا أو بعضا في تلك الحال.

الثامن ـ قد تكرر في الأخبار المتقدمة ان وقتها أى وقت شاء من ليل أو نهار وانها جائزة سفرا وحضرا ، إلا ان الخبر السابع عشر قد صرح بأن أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة ، ويحتمل أن يكون بعده في الفضل جعلها من نوافل الليل كما يشعر به الخبر التاسع عشر من مداومة الرضا (عليه‌السلام) على جعلها منها كما ينبئ عنه لفظ «كان».

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من القنوت.


فائدة

قال في الذكرى : زعم بعض متعصبي العامة ان الخطاب بهذه الصلاة وتعليمها كان العباس عم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ورواه الترمذي (1) ورواية أهل البيت (عليهم‌السلام) أوفق إذ أهل البيت أعلم بما في البيت ، على انه يمكن أن يكون قد خاطبهما بذلك في وقتين ولا استبعاد فيه. انتهى.

أقول ـ بل الظاهر ان هذا الخبر انما هو من مخترعات الأموية بغضا لعلى (عليه‌السلام) ومن يمت به ولا سيما أخيه المذكور ، ونسبوه للعباس ليكون أدخل في العقول وتلقيه بالقبول. وقد ذكرنا في كتاب سلاسل الحديد بحثا رشيقا في اختراعهم الأحاديث الكاذبة في زمان معاوية تقربا اليه. والله العالم.

المطلب الثالث في نافلة شهر رمضان

والكلام فيها يقع في مقامين الأول ـ استحباب هذه النافلة مذهب أكثر الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل نقل عن سلار دعوى الإجماع عليه.

ونقل في المعتبر قال وقال بعض أصحاب الحديث منا لم يشرع في شهر رمضان زيادة نافلة عن غيره ، وذكر بعض الأصحاب ان على بن بابويه وابن ابى عقيل لم يتعرضا لها بنفي ولا إثبات وان الصدوق قال لا نافلة فيه زيادة على غيره.

ورد هذا النقل عن الصدوق جمع من محققي متأخري المتأخرين بأن كلامه في الفقيه لا يدل على نفى المشروعية بل الظاهر انه انما ينفي تأكد الاستحباب لصراحته بأنه لا يرى بأسا بالعمل بما ورد فيها من الأخبار ، ولهذا قال في المدارك : والظاهر انه لا خلاف في جواز الفعل وانما الكلام في التوظيف.

أقول : صورة ما ذكره الصدوق في الكتاب المذكور انه قال ـ في باب

__________________

(1) سنن الترمذي مع شرحه لابن العربي ج 2 ص 267. وقد ضعف السيوطي في اللئالئ المصنوعة ج 2 ص 21 أحاديث هذه الحبوة في العباس.


الصلاة في شهر رمضان من كتاب الصوم بعد ذكره الأخبار الآتية الدالة على عدم الزيادة في شهر رمضان ـ ما لفظه : وممن روى الزيادة في التطوع في شهر رمضان زرعة عن سماعة وهما واقفيان ، قال سألته. وساق الحديث الدال على ذلك (1) ثم قال قال مصنف هذا الكتاب (رحمه‌الله) إنما أوردت هذا الخبر في هذا الباب مع عدولي عنه وتركي لاستعماله ليعلم الناظر في كتابي هذا كيف يروى ومن رواه وليعلم من اعتقادي فيه انى لا أرى بأسا باستعماله. انتهى. والظاهر ان مرجعه الى ما ذكروه من عدم تأكد الاستحباب.

واما قوله في المدارك ـ انه لا خلاف في جواز الفعل وانما الكلام في التوظيف ـ فلا يخلو من الإشكال الظاهر ، وذلك لأن الجواز هنا لا معنى له فإنها عبادة فإن ثبت شرعيتها وتوظيفها ترتب عليه الاستحباب وإلا كانت محرمة وغير مشروعة ، ألا ترى ان صلاة الضحى لما لم تثبت شرعيتها صرحت الأخبار ببدعيتها وتحريمها (2) وليست من الأمور المباحة التي تتصف بالجواز.

ثم ان مما يدل على عدم توظيف هذه النافلة ما رواه الصدوق عن عبد الله بن سنان بسندين صحيحين ورواه الشيخ عنه ايضا بسند صحيح (3) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في شهر رمضان فقال ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتان قبل صلاة الفجر ، كذلك كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصلى ولو كان فضلا لكان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اعمل به وأحق».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي والشيخ عنه أيضا في الصحيح (4) بتفاوت ما في المتن قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في شهر رمضان فقال ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الصبح قبل الفجر ، كذلك كان رسول الله

__________________

(1) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.

(2) الوسائل الباب 31 من أعداد الفرائض ونوافلها.

(3 و 4) الوسائل الباب 9 من نافلة شهر رمضان.


(صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصلى وانا كذلك أصلي ولو كان خيرا لم يتركه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)».

وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم (1) بإسناد لا يبعد الحاقه بالموثقات قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا صلى العشاء الآخرة آوى الى فراشه لا يصلى شيئا إلا بعد انتصاف الليل لا في شهر رمضان ولا في غيره».

ونقل المحقق في المعتبر (2) الاحتجاج للنافين بما رواه الأصحاب عن محمد ابن مسلم قال : «سمعت إبراهيم بن هشام (3) يقول هذا شهر رمضان فرض الله صيامه وسنن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قيامه. فذكرت ذلك لأبي جعفر (عليه‌السلام) فقال كذب ابن هشام كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصلى بالليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتان قبل الفجر في شهر رمضان وغيره».

واما الأخبار الدالة على استحباب هذه الصلاة فهي كثيرة جدا تفصيلا وإجمالا.

ومن الثاني ما رواه الشيخ في الموثق ـ وعده في المنتهى في الصحيح ـ عن ابى بصير (4) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) أيزيد الرجل الصلاة في رمضان؟ قال نعم ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قد زاد في الرمضان في الصلاة».

ونحوها صحيحة البقباق وعبيد بن زرارة عنه (عليه‌السلام) (5) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يزيد في صلاته في شهر رمضان : إذا صلى العتمة صلى بعدها فيقوم الناس خلفه فيدخل ويدعهم ثم يخرج أيضا فيجيئون ويقومون خلفه فيدخل ويدعهم (مرارا)

__________________

(1) الوسائل الباب 9 من نافلة شهر رمضان.

(2) ص 225.

(3) لم يذكره الذهبي في ميزان الاعتدال وابن حجر في تهذيب التهذيب والبخاري في التاريخ الكبير وابن ابى حاتم الرازي في الجرح والتعديل. نعم في لسان الميزان ج 1 ص 122 وميزان الاعتدال ج 1 ص 24 إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني مات سنة 238. فلا ينطبق على المذكور في هذه الرواية.

(4 و 5) الوسائل الباب 2 من نافلة شهر رمضان.


قال وقال لا تصل بعد العتمة في غير شهر رمضان». وبهذا النحو رواية جابر ورواية محمد بن يحيى ورواية ابى خديجة (1).

ومن الأول رواية المفضل بن عمر عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) انه قال : «يصلى في شهر رمضان زيادة ألف ركعة. قال قلت ومن يقدر على ذلك؟ قال ليس حيث تذهب أليس يصلى في شهر رمضان زيادة ألف ركعة : في تسع عشرة منه في كل ليلة عشرين ركعة وفي ليلة تسع عشرة منه مائة ركعة وفي ليلة احدى وعشرين مائة ركعة وفي ليلة ثلاث وعشرين مائة ركعة ويصلى في ثمان ليال منه في العشر الأواخر ثلاثين ركعة؟ فهذه تسعمائة وعشرون ركعة. قال : قلت جعلني الله فداك فرجت عنى لقد كان ضاق بي الأمر فلما ان أتيت لي بالتفسير فرجت عنى فكيف تمام الألف ركعة؟ قال تصلى في كل جمعة في شهر رمضان اربع ركعات لأمير المؤمنين (عليه‌السلام) وتصلى ركعتين لابنة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وتصلى بعد الركعتين اربع ركعات لجعفر الطيار (عليه‌السلام) وتصلى في ليلة الجمعة في العشر الأواخر لأمير المؤمنين (عليه‌السلام) عشرين ركعة وتصلى في عشية الجمعة ليلة السبت عشرين ركعة لابنة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله). ثم قال اسمع وعه وعلم ثقات إخوانك هذه الأربع والركعتين فإنهما أفضل الصلوات بعد الفرائض. إلى آخرها». الى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نشرها المقام.

والشيخ بعد ذكر الأخبار المتقدمة عدا خبر المعتبر قال : فالوجه في هذه الأخبار وما جرى مجراها انه لم يكن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصلى صلاة النافلة جماعة في شهر رمضان ولو كان فيه خير لما تركه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولم يرد انه لا يجوز ان يصلى على الانفراد.

واحتج على هذا التأويل بما رواه عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل في الصحيح (3) قالوا : «سألناهما عن الصلاة في رمضان نافلة بالليل جماعة؟

__________________

(1) الوسائل الباب 2 من نافلة شهر رمضان.

(2) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.

(3) الوسائل الباب 10 من نافلة شهر رمضان.


فقالا ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان إذا صلى العشاء الآخرة انصرف الى منزله ثم يخرج من آخر الليل الى المسجد فيقوم فيصلي ، فخرج في أول ليلة من شهر رمضان ليصلي كما كان يصلى فاصطف الناس خلفه فهرب منهم الى بيته وتركهم ، ففعلوا ذلك ثلاث ليال فقام في اليوم الرابع على منبره فحمد الله واثنى عليه ثم قال : ايها الناس ان الصلاة بالليل في شهر رمضان النافلة في جماعة بدعة وصلاة الضحى بدعة ألا فلا تجمعوا ليلا في شهر رمضان لصلاة الليل ولا تصلوا صلاة الضحى فان ذلك معصية ، ألا وان كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها الى النار. ثم نزل وهو يقول قليل في سنة خير من كثير في بدعة». ألا ترى انه لما أنكر الصلاة في شهر رمضان أنكر الجماعة فيها ولم ينكر نفس الصلاة ولو كان نفس الصلاة منكرا مبتدعا لأنكره كما أنكر الجماعة فيها.

ورد هذا التأويل جملة من أفاضل متأخري المتأخرين بالبعد وهو كذلك. وفيه ايضا ان الرواية التي أوردها موردها انما هو الجماعة في صلاة الليل لا في الصلاة التي هي محل البحث حتى يتم قوله «أنكر الجماعة فيها ولم ينكر الصلاة» فإن الصلاة التي اجتمعوا خلفه فيها انما هي صلاة الليل كما هو ظاهر سياق الخبر ، وحينئذ فلا حجة في ما أورده كما لا يخفى.

والعلامة في المختلف قد أجاب عن صحيحة عبد الله بن سنان بجواز أن يكون السؤال وقع عن النوافل الراتبة هل تزيد في شهر رمضان أو لا؟ فأجاب (عليه‌السلام) بعدم الزيادة ، فإنه نقل عن ابن الجنيد انه قال : وقد روى عن أهل البيت (عليهم‌السلام) زيادة في صلاة الليل على ما كان يصليها الإنسان في غيره اربع ركعات تتمة اثنتي عشرة ركعة. وهذا التأويل أيضا لا يخلو من بعد وان كان أقل من الأول.

وقال المحدث الكاشاني (طاب ثراه) في الوافي بعد نقل اخبار الطرفين : أقول من حاول أن لا يبعد في التأويل كثيرا ولا يرد أحد الحديثين فالصواب ان يحمل حديث الإثبات على التقية (1) أو حديث النفي على نفى كونها سنة موقوفة

__________________

(1) ارجع الى التعليقة 2 ص 514.


موظفة لا ينبغي تركها كالرواتب اليومية بل ان كانت فهي من التطوعات التي من أحبها وقوى عليها فعلها كما يشعر به حديث سماعة وغيره.

وهو وان كان بعيدا أيضا إلا انه أقل بعدا مما تقدم ، وجه البعد أما بالنسبة الى اخبار القول المشهور فان تكاثرها واستفاضتها ـ بل ربما يدعى تواترها معنى إجمالا وتفصيلا كما لا يخفى على من راجعها ـ يبعد خروجها كملا مخرج التقية سيما مع اقترانها بفتوى الطائفة قديما وحديثا إلا الشاذ. وأما بالنسبة إلى حمل اخبار القول بنفيها على نفى التأكيد ففيه ان الأخبار قد تصادمت في فعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لها وعدمه ، فهذه الأخبار ظاهرها ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يفعل ذلك مدة حياته وتلك الأخبار قد تكاثرت وتعاضدت بأنه كان يصليها ، ولا معنى هنا للجمع بالتأكيد وعدمه بل ليس إلا الترجيح لاخبار أحد الطرفين ورمى الآخر من البين.

وبالجملة فإن المسألة من مشكلات المسائل واليه يميل كلام صاحب المدارك وان كان قد يقوى بعد ذلك القول المشهور بما ذكره من الوجوه.

وبعض المحققين من متأخري المتأخرين القائلين بالقول المشهور حمل الأخبار الدالة على نفى هذه النافلة على التقية ، قال لأنها موافقة لبعض ما روته العامة كما في صحيح البخاري (1) «انه قيل لعائشة كيف كانت صلاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في شهر رمضان؟ فقالت ما كان يزيد في شهر رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ، يصلى اربع ركعات ثم يصلى أربعا ثم يصلى ثلاثا». قال ولهذا جعل ابن طاوس من جملة محامل هذه الأخبار التقية متأيدا بما تقدم في رواية ابن مطهر من تكذيب الراوي والدعاء عليه ، وربما يؤيده أيضا ما مر سابقا من حديث جابر ، واما تلك الأخبار فهي مع كثرتها ليست بهذه المثابة لأن العامة انما يقولون بالتراويح وهي عند أكثرهم كما ذكرنا سابقا ستمائة ركعة في كل ليلة عشرون ركعة بعد العشاء وعند مالك في كل ليلة ست وثلاثون ركعة بعد العشاء ايضا (2) وكلاهما مخالفان لما

__________________

(1) ج 1 ص 175 باب القيام بالليل في رمضان وغيره.

(2) المغني ج 2 ص 167 وعمدة القارئ ج 3 ص 598.


ذكر في تلك الأخبار ، مع ان في مفصلات تلك الأخبار ذكرت أشياء مباينة لمذاهب العامة كما هو واضح على من تأمل فيها فلا يناسب حملها على التقية ، ومن احتمل ذلك فيها لم يلاحظها حتى ملاحظتها. انتهى.

وأشار برواية ابن مطهر الى ما رواه الشيخ عن احمد بن محمد بن مطهر (1) قال «كتبت الى ابى محمد (عليه‌السلام) ان رجلا روى عن ابائك (عليهم‌السلام) ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما كان يزيد من الصلاة في شهر رمضان على ما كان يصليه في سائر الأيام؟ فوقع كذب فض الله فاه صلى في كل ليلة من شهر رمضان عشرين ركعة إلى عشرين من الشهر. الحديث». وسيأتي تمامه ان شاء الله تعالى ، وقد روى الكليني هذا الخبر ايضا (2) بهذا اللفظ في تكذيب الراوي ومتنه أبسط.

إلا ان ما دل عليه هذا الخبر معارض بمثله مما تقدم نقله (3) عن المحقق في المعتبر من تكذيب ابى جعفر (عليه‌السلام) لمن نقل عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه سن هذه الصلاة ثم ذكر (عليه‌السلام) انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انما كان يصلى صلاة الليل خاصة. وبذلك يظهر لك قوة الإشكال الذي أشرنا إليه آنفا.

وأما حديث جابر الذي أشار إليه فهو ما رواه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4) انه قال له : «ان أصحابنا هؤلاء أبوا أن يزيدوا في صلاتهم في شهر رمضان وقد زاد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في صلاته في شهر رمضان». أقول : لا يبعد ان حصول المخالفة من أصحابه (عليه‌السلام) يومئذ انما كان لعدم ثبوت المشروعية عندهم ، ويحمل كلامه (عليه‌السلام) في قوله «وقد زاد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على الخروج مخرج التقية في النقل وإلا فلا معنى لكونهم أصحابه (عليه‌السلام) مع عدم علمهم بقوله (عليه‌السلام). ومن المحتمل قريبا في خبر احمد بن محمد بن مطهر الحمل على ما ذكرنا من أن تكذيب الراوي والدعاء عليه انما وقع تقية لإظهار

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.

(3) ص 511.

(4) الوسائل الباب 2 من نافلة شهر رمضان.


ذلك الرجل ما هو مأمور بإظهار خلافه.

وبالجملة فذيل الكلام واسع في المقام وباب الاحتمال غير منغلق كما لا يخفى على ذوي الأفهام ، والأمر هنا باعتبار تعارض الأخبار متردد بين الاستحباب والتحريم وطريق الاحتياط في مثله الترك لذلك ، إلا انه يشكل بشهرة عمل الأصحاب باخبار الاستحباب. والله العالم.

المقام الثاني ـ في كيفية هذه الصلاة وقد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) لها صورتين (الأولى) ـ ان يصلى في عشرين ليلة من الشهر كل ليلة عشرين ركعة ثمان منها بعد المغرب واثنتا عشرة بعد العشاء الآخرة ، هذا هو المشهور بين الأصحاب وخير الشيخ في النهاية بين ذلك وبين جعل اثنتي عشرة ركعة بين العشاءين وثمان بعد العشاء ، واختاره المحقق في المعتبر.

ويدل على القول المشهور رواية أبي بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) وفيها «فصل يا أبا محمد زيادة في رمضان فقال كم جعلت فداك؟ فقال في عشرين ليلة تمضى في كل ليلة عشرين ركعة ثماني ركعات قبل العتمة واثنتي عشرة ركعة بعدها سوى ما كنت تصلى قبل ذلك. الحديث».

وفي رواية محمد بن احمد بن مطهر المروية في الكافي عن ابى محمد (عليه‌السلام) (2) «صل في شهر رمضان في عشرين ليلة في كل ليلة عشرين ركعة ثماني بعد المغرب واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة».

وفي رواية مسعدة بن صدقة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). الى ان قال منذ أول ليلة إلى تمام عشرين ليلة في كل ليلة عشرين ركعة ثماني ركعات منها بعد المغرب واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة. الحديث».

وفي رواية أبي بصير الأخرى عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4) «صل في العشرين من شهر رمضان ثمانيا بعد المغرب واثنتي عشرة ركعة بعد العتمة». ونحو ذلك في رواية

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.


محمد بن سليمان عن عدة من الأصحاب (1) ورواية الحسن بن على عن أبيه (2).

والذي يدل على عكس ذلك موثقة سماعة (3) قال : «سألته عن رمضان. الى ان قال : كان يصلى قبل ذلك من هذه العشرين اثنتي عشرة ركعة بين المغرب والعتمة وثماني ركعات بعد العتمة. الحديث».

وأصحاب القول الثاني قالوا بالتخيير جمعا بين الاخبار الأولة وبين هذه الموثقة والأظهر العمل بالأخبار الكثيرة لترجحها بالكثرة وقول جمهور الأصحاب بها واحتمال حمل الموثقة المذكورة على وجه آخر غير التخيير. هذا بالنسبة الى ما يفعل في العشرين ليلة.

واما ما يصلى في العشر الباقية فهي ثلاثون ركعة في كل ليلة وقد اختلف هنا في تقسيم هذه الثلاثين ، فالمشهور انه يصلى منها ثمان بعد المغرب والباقي بعد العشاء الآخرة ، صرح به العلامة في المنتهى ، ونقل عن ابى الصلاح وابن البراج انه يصلى اثنتي عشرة ركعة بعد المغرب والباقي بعد العشاء الآخرة ، وخير المحقق بين الصورتين والذي يدل على الأول وهو المشهور

قول الصادق (عليه‌السلام) في رواية أبي بصير وهي الأولى من روايتيه المتقدمتين (4) «فإذا دخل العشر الأواخر فصل ثلاثين ركعة في كل ليلة ثماني ركعات قبل العتمة واثنتين وعشرين ركعة بعدها. الخبر».

وقول ابى جعفر (عليه‌السلام) في خبر الحسن بن على عن أبيه (5) «وفي العشر الأواخر ثماني ركعات بين المغرب والعتمة واثنتين وعشرين ركعة بعد العتمة».

وقول ابى الحسن (عليه‌السلام) في رواية محمد بن سليمان عن عدة من أصحابنا (6) «فلما كان في ليلة اثنتين وعشرين زاد في صلاته فصلى ثماني ركعات بعد المغرب واثنتين وعشرين ركعة بعد العشاء الآخرة».

وأما ما يدل على القول الثاني فمنه قول ابى محمد (عليه‌السلام) في رواية محمد بن أحمد

__________________

(1 و 2 و 3 و 5 و 6) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.

(4) ص 516.


ابن مطهر في الكافي (1) «وصل فيها ثلاثين ركعة اثنتي عشرة بعد المغرب وثماني عشرة بعد العشاء الآخرة».

وقول ابى عبد الله (عليه‌السلام) في رواية مسعدة (2) «ويصلى في العشر الأواخر في كل ليلة ثلاثين ركعة اثنتي عشرة منها بعد المغرب وثماني عشرة بعد العشاء الآخرة». ومن هنا جمع المحقق بين هذه الأخبار بالتخيير.

والحاصل مما ذكرناه سبعمائة ركعة. ثم انه يصلى ثلاثمائة ركعة تمام الالف منها مائة ركعة في الليلة التاسعة عشرة ومائة في ليلة احدى وعشرين ومائة في ليلة ثلاث وعشرين. هذه احدى الصورتين المشار إليهما آنفا ، ونسب القول بهذه الصورة في الذكرى الى طائفة من أصحابنا وفي المنتهى الى أكثر الأصحاب.

والصورة الثانية نسبها في الذكرى الى أكثر الأصحاب ، وعلى هذه الصورة رتب الشيخ الدعوات المختصة بالركعات في المصباح وهي انه يقتصر في ليالي الافراد على المائة في كل ليلة منها ، وعلى هذا فتبقى عليه ثمانون ركعة وظائف هذه الثلاث على تقدير الصورة الأولى ، قالوا ويفرقها على الشهر بهذه الكيفية : يصلى في كل جمعة عشر ركعات أربعا منها بصلاة على (عليه‌السلام) وركعتين بصلاة فاطمة (عليها‌السلام) وأربعا بصلاة جعفر (رضوان الله عليه) وفي ليلة آخر جمعة من الشهر يصلى عشرين ركعة بصلاة علي (عليه‌السلام) وفي عشيتها ليلة السبت عشرين بصلاة فاطمة (عليها‌السلام) والمستند في هذه الصورة رواية المفضل بن عمر المتقدمة (3).

إذا عرفت ذلك فاعلم انا لم نقف في الروايات الواردة في هذا الباب على ما يقتضي هذه الكيفية على التفصيل الذي ذكره الأصحاب لمزيد اختلافها وعدم ائتلافها إلا انه يمكن حصول ذلك من مجموعها باعتبار ضم بعضها الى بعض.

قال الشهيد في الذكرى : والمشهور أنها ألف ركعة زيادة على الراتبة رواه

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.

(3) ص 512.


جميل بن صالح عن الصادق (عليه‌السلام) (1) وعلى بن أبي حمزة أيضا (2) وإسحاق بن عمار عن ابى الحسن (عليه‌السلام) وسماعة بن مهران عن الصادق (عليه‌السلام) (3).

وربما أشعر هذا الكلام بأن هؤلاء قد رووا الألف على الوجه الذي ذكره الأصحاب مع ان الأمر ليس كذلك ، فإن رواية جميل بن صالح انما تضمنت استحباب الإكثار من الصلاة في شهر رمضان وغيره في اليوم والليلة وان عليا (عليه‌السلام) كان يصلى ألف ركعة في اليوم والليلة ، ورواية على بن أبي حمزة (4) عارية عن زيادة المئات في ليالي الافراد ، ورواية إسحاق بن عمار انما تضمنت ذكر المئات خاصة في ليالي الافراد (5) وروايتا ابن مطهر المنقولتان في الكافي والتهذيب (6) تضمنتا إسقاط المائة من ليلة تسع عشرة ، وفي موثقة لسماعة (7) صلاة مائة ركعة لكل من ليلتي تسع عشرة وثلاث وعشرين ولم يتعرض لزيادة على ذلك ، ورواية مسعدة مثل روايتي ابن مطهر في ذكر جملة النوافل الموظفة كما ذكره الأصحاب إلا أنه أسقط مائة ركعة من ليلة تسع عشرة ، ومثل ذلك أيضا موثقة أخرى لسماعة (8) وفي رواية لأبي بصير ايضا ذكر العشرين ركعة إلى تمام عشرين يوما من الشهر ومائة ركعة في الليلة التي يرجى فيها ما يرجى ولم يذكر فيها سوى ذلك ، وفي رواية محمد بن سليمان عن العدة إسقاط وظيفة ليلة تسع عشرة واحدى وعشرين وثلاث وعشرين من العدد المتقدم ذكره والاقتصار في كل منها على مائة ركعة ، وبموجبه قد نقص من الالف ثمانون ركعة ولم يتعرض لها كما تعرض لها في خبر المفضل المتقدم. واما رواية المفضل المذكورة (9)

__________________

(1) الوسائل الباب 5 من نافلة شهر رمضان.

(2 و 3 و 4 و 6 و 8) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.

(5) ان كان المراد من رواية إسحاق رواية محمد بن سليمان عن العدة ومنهم إسحاق ابن عمار وسماعة فسيأتي التعرض منه «قدس‌سره» لها بعد أسطر وان كان غيرها فلم نقف عليها في كتب الحديث.

(7) الوسائل الباب 1 من نافلة شهر رمضان وليس فيها تسع عشرة وانما جاء فيها ليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين.

(9) ص 512.


فإنها ظاهرة في الصورة الثانية كما قدمنا ذكره إلا انها مجملة في تقسيم العشرين والثلاثين وقد عرفت الخلاف في الموضعين نصا وفتوى.

هذا مجمل الكلام في روايات المسألة وما اشتملت عليه ، وبه يظهر ما ذكرناه من عدم وجود المستند لما ذكره الأصحاب من الكيفية في الصورة الأولى ، واما الثانية فليس في مستندها إلا الإجمال الذي ذكرناه وإلا فالعدد تام كما لا يخفى.

قال السيد الزاهد العابد المجاهد رضى الدين بن طاوس (عطر الله مرقده) في كتاب الإقبال نقلا عن الرسالة الغرية للشيخ المفيد (طيب الله مضجعه) قال يصلى في العشرين ليلة كل ليلة عشرين ركعة ثماني بين العشاءين واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة ويصلى في العشر الأواخر كل ليلة ثلاثين ركعة ويضيف الى هذا الترتيب في ليلة تسع عشرة وليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين كل ليلة مائة ركعة وذلك تمام الألف ركعة ، قال : وهي رواية محمد بن أبي قرة في كتاب عمل شهر رمضان في ما أسنده عن على بن مهزيار عن مولانا الجواد (عليه‌السلام) (1). وظاهر هذا الكلام كما ترى ورود الخبر بهذه الكيفية.

ونحو ذلك ما ذكره شيخنا المفيد (روح الله تعالى روحه) في كتاب مسار الشيعة (2) قال : أول ليلة من شهر رمضان فيها الابتداء بصلاة نوافل شهر رمضان وهي ألف ركعة من أول الشهر. الى آخره بترتيب معروف في الأصول عن الصادقين (عليهم‌السلام). الى آخره.

فوائد

الأولى ـ المشهور ان الوتيرة تصلى بعد وظيفة العشاء من تلك النوافل لتكون خاتمة النوافل ، ونقل عن سلار أنها مقدمة على الوظيفة المذكورة ، وقد تقدم في آخر المسألة الثانية من المقصد الثاني في مواقيت الرواتب من المقدمة الثالثة في المواقيت من كتاب الصلاة (3) نبذة من الكلام في هذا المقام.

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.

(3) ج 6 ص 223.


ويدل على ما ذكره سلار هنا قوله (عليه‌السلام) في رواية محمد بن سليمان عن عدة من أصحابنا (1) «فلما صلى العشاء الآخرة وصلى الركعتين اللتين كان يصليهما بعد العشاء الآخرة وهو جالس في كل ليلة قام فصلى اثنتي عشرة ركعة. الى ان قال في الخبر المذكور : فلما اقام بلال لصلاة العشاء الآخرة خرج النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فصلى بالناس فلما انفتل صلى الركعتين وهو جالس كما كان يصلى في كل ليلة ثم قام فصلى مائة ركعة».

أقول : وهذا الخبر قد جاء على خلاف ما صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم) من جعل الوتيرة خاتمة صلاته في تلك الليلة كما انه اشتمل على خلاف ما دلت عليه الأخبار الكثيرة ـ كما قدمنا ذكره في المقدمة الثانية من مقدمات كتاب الصلاة ـ من انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما كان يصلى الوتيرة معللا في بعضها بأنه يعلم انه يعود ولا يموت في تلك الليلة مع دلالة ظاهر هذا الخبر على المداومة عليها. وبالجملة فهو لا يخلو من الإشكال في الموضعين المذكورين. والله سبحانه وقائله أعلم.

وقال في الذكرى : وأما الوتيرة فالمشهور انها تفعل بعد وظيفة العشاء لتكون خاتمة النوافل ، وقال سلار بل الوتيرة مقدمة على الوظيفة وهي في رواية محمد بن سليمان عن الرضا (عليه‌السلام) والظاهر ايضا جواز الأمرين. انتهى.

الثانية ـ لا ريب ان الجماعة في هذه النافلة محرمة عند أصحابنا (رضوان الله عليهم) وقد تكاثرت به اخبارهم (عليهم‌السلام).

ومنها ـ ما رواه في التهذيب والفقيه عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهما‌السلام) (2) قالوا «سألناهما عن الصلاة في شهر رمضان نافلة بالليل جماعة فقالا ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله). الحديث». وقد تقدم في المقام الأول (3) إلا ان مورد الخبر كما ذكرناه ثمة انما هو الجماعة في صلاة الليل.

__________________

(1) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.

(2) الوسائل الباب 10 من نافلة شهر رمضان.

(3) ص 512.


وما رواه في الكافي (1) عن سليم بن قيس في خطبة لأمير المؤمنين (عليه‌السلام) قال : فيها «قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) متعمدين لخلافه ناقضين لعهده مغيرين لسنته ولو حملت الناس على تركها. لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي أو مع قليل من شيعتي. الى ان قال : والله لقد أمرت الناس إلا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة فنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معى : يا أهل الإسلام غيرت سنة عمر ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا. الحديث».

وما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن الصلاة في رمضان في المساجد فقال لما قدم أمير المؤمنين (عليه‌السلام) الكوفة أمر الحسن بن على (عليه‌السلام) ان ينادى في الناس : لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة. فنادى في الناس الحسن بن على (عليه‌السلام) بما امره به أمير المؤمنين (عليه‌السلام) فلما سمع الناس مقالة الحسن بن على (عليه‌السلام) صاحوا واعمراه واعمراه فلما رجع الحسن الى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) قال له ما هذا الصوت؟ فقال يا أمير المؤمنين الناس يصيحون واعمراه واعمراه فقال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) قل لهم صلوا».

وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب ابى القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهما‌السلام) (3) قالا «لما كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) بالكوفة أتاه الناس فقالوا له اجعل لنا اماما يؤمنا في شهر رمضان فقال لا ، ونهاهم ان يجتمعوا فيه ، فلما أمسوا جعلوا يقولون ابكوا شهر رمضان وأشهر رمضاناه ، فاتى الحارث الأعور في أناس فقال يا أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ضج الناس وكرهوا قولك قال فقال عند ذلك دعوهم وما يريدون ليصل بهم من شاؤوا. ثم قال (وَمَنْ). (يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً)» (4). ورواه العياشي

__________________

(1) الروضة ص 58 وفي الوسائل الباب 10 من نافلة شهر رمضان.

(2 و 3) الوسائل الباب 10 من نافلة شهر رمضان.

(4) سورة النساء الآية 115 وفيها شي‌ء من النقل بالمضمون.


في تفسيره عن حريز عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام) مثله (1).

وما رواه الحسن بن على بن شعبة في تحف العقول عن الرضا (عليه‌السلام) (2) قال : «ولا يجوز التراويح في الجماعة».

أقول : وسيأتي تمام الكلام في ذلك في بحث صلاة الجماعة ان شاء الله تعالى.

الثالثة ـ قال في الذكرى : لو فات شي‌ء من هذه النوافل ليلا فالظاهر انه يستحب قضاؤها نهارا لعموم قوله تعالى «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً» (3) وما ورد في تفسيره مما أسلفناه من قبل ، وبذلك افتى ابن الجنيد قال : وكذا لو فاتته الصلاة في ليلة الشك ثم ثبتت الرؤية. انتهى.

وقال في المدارك : قال الشهيد في الذكرى ولو فات شي‌ء من هذه النوافل ليلا فالظاهر انه يستحب قضاؤها نهارا. وهو غير واضح. انتهى.

أقول : لا يخفى ان الشهيد كما نقلناه من عبارته قد استدل على ذلك بعموم الآية وما ورد في تفسيرها من الأخبار كما قدمه ، ولا ريب ان ظاهر الآية دال على ما ذكره والأخبار الواردة في تفسيرها تساعده.

ومنها ـ قول الصادق (عليه‌السلام) في ما رواه في الفقيه (4) «كل ما فاتك بالليل فاقضه بالنهار قال الله تعالى (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً). يعنى ان يقضى الرجل ما فاته بالليل بالنهار وما فاته بالنهار بالليل». وفي معنى هذه الرواية غيرها.

وبذلك يظهر لك ما في قوله «وهو غير واضح» وكان الواجب عليه ذكر الجواب عن دليله المذكور ليندفع عنه ما في كلامه من القصور. والجواب بحمل ذلك على غير هذه النافلة من الصلاة اليومية والنافلة الراتبة يحتاج الى مخصص ، فان عموم

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 10 من نافلة شهر رمضان.

(3) سورة الفرقان الآية 63.

(4) الوسائل الباب 57 من المواقيت.


الآية والخبر المذكور الشامل لموضع البحث.

الرابعة ـ ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا فرق في استحباب هذه الصلاة بين الصائم وغيره عملا بمقتضى العموم ، وزاد في الروض التعليل بأنها عبادة زيدت لشرف الزمان فلا تسقط بسقوط الصوم عن المسافر ونحوه. ثم نقل ان في كلام بعض الأصحاب ما يدل على اختصاصه بالصائم ، قال في الذخيرة : وهو ظاهر ابى الصلاح.

الخامسة ـ ما ذكر في خبر المفضل (1) ـ في تفريق الثمانين الباقية من الصلاة في كل جمعة عشر ركعات ـ الظاهر انه مبنى على الغالب من اشتمال الشهر على اربع جمعات ، فلو اتفق فيه خمس جمع ففي كيفية بسط الثمانين احتمالات أقربها ـ كما استظهره في الذخيرة ـ سقوط العشر في الجمعة الأخيرة لا عطاء كل جمعة حقها.

المطلب الرابع في جملة من الصلوات

الأولى ـ صلاة الاستخارة وينبغي ان يعلم أولا ان الاستخارة هي طلب الخيرة من الله تعالى قاله في القاموس والنهاية وغيرهما. وقال ابن إدريس : الاستخارة في كلام العرب الدعاء ، وقال ايضا معنى «استخرت الله» استدعيت إرشادي ، قال وكان يونس بن حبيب اللغوي يقول ان معنى «استخرت الله» استفعلت الله الخير أي سألت الله ان يوفقني خير الأشياء التي أقصدها.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المفهوم من الأخبار انها قد جاءت فيها على معان عديدة : منها ـ ما ورد بمعنى طلب الخيرة من الله تعالى كما قدمنا نقله عن القاموس والنهاية بمعنى أنه يسأل الله في دعائه أن يجعل له الخير ويوفقه في الأمر الذي يريده وعلى هذا المعنى يحمل

ما رواه في الكافي عن عمرو بن حريث في الصحيح على الأظهر (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) صل ركعتين واستخر الله فوالله ما استخار الله مسلم إلا خار له البتة».

__________________

(1) ص 512.

(2) الوسائل الباب 1 من صلاة الاستخارة.


وفي رواية أخرى عنه (عليه‌السلام) (1) «من استخار الله راضيا بما صنع الله خار الله له حتما». وفي معناهما أخبار أخر أيضا.

ومنها ـ ما ورد بمعنى طلب تيسر ما فيه الخيرة كما في حسنة مرازم المروية في الفقيه (2) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا أراد أحدكم شيئا فليصل ركعتين ثم ليحمد الله وليثن عليه ويصلى على محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعلى أهل بيته ويقول : اللهم ان كان هذا الأمر خيرا لي في ديني ودنياي فيسره لي وقدره وان كان غير ذلك فاصرفه عني. فسألته أي شي‌ء اقرأ فيهما؟ فقال اقرأ فيهما ما شئت وان شئت قرأت فيهما قل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون. الخبر». وبمضمونه بتفاوت يسير رواية جابر عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (3) وهذا المعنى قريب من المعنى الأول بل الظاهر ان مآلهما غالبا الى واحد بحيث تحمل الاخبار الأول على هذا.

ومنها ـ ما ورد بمعنى طلب العزم على ما فيه الخير كما في موثقة ابن أسباط (4) قال : «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) جعلت فداك ما ترى آخذ برا أو بحرا فان طريقنا مخوف شديد الخطر؟ فقال اخرج برا ولا عليك ان تأتي مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وتصلى ركعتين في غير وقت فريضة ثم تستخير الله مائة مرة ومرة ثم تنظر فان عزم الله لك على البحر. الخبر».

وموثقة الحسن بن على بن فضال (5) قال : «سأل الحسن بن الجهم أبا الحسن (عليه‌السلام) لابن أسباط فقال ما ترى له ـ وابن أسباط حاضر ونحن جميعا ـ يركب البحر أو البر الى مصر؟ وأخبره بخير طريق البر فقال البر ، وايت المسجد في غير وقت صلاة الفريضة فصل ركعتين واستخر الله مائة مرة ثم انظر أي شي‌ء يقع في قلبك فاعمل به».

وهذه الثلاثة المعاني تكون بالصلاة والدعاء وربما تكون بالدعاء خاصة كما

__________________

(1) الوسائل الباب 1 و 7 من صلاة الاستخارة.

(2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 1 من صلاة الاستخارة.


روى في الفقيه عن معاوية بن ميسرة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «ما استخار الله عبد سبعين مرة بهذه الاستخارة إلا رماه الله بالخيرة يقول : يا أبصر الناظرين ويا اسمع السامعين ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم الراحمين ويا أحكم الحاكمين صلى على محمد وأهل بيته وخر لي في كذا وكذا».

وفي صحيحة حماد عن ناجية عن الصادق (عليه‌السلام) (2) انه كان إذا أراد شراء العبد أو الدابة أو الحاجة الخفيفة أو الشي‌ء اليسير استخار الله عزوجل فيه سبع مرات فإذا كان امرا جسيما استخار الله فيه مائة مرة.

إلا انه يحتمل ايضا تقييد هذه الأخبار بما تقدم بان يكون هذا الدعاء مضافا الى الصلاة.

ومنها ـ ما ورد بمعنى طلب تعرف ما فيه الخيرة ، وهذا هو المعروف الآن بين الناس ، ولكن لا بد هنا من انضمام شي‌ء آخر إلى الصلاة والدعاء معا أو الدعاء وحده من الرقاع أو البنادق أو فتح المصحف أو أخذ السبحة أو القرعة أو الأخذ من لسان المشاور.

فمن الأخبار الواردة بذلك ما رواه الكليني والشيخ عن هارون بن خارجة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) ورواه الشيخ المفيد وابن طاوس ورواية ابن طاوس بعدة طرق انه قال (عليه‌السلام) «إذا أردت أمرا فخذ ست رقاع فاكتب في ثلاث منها : بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة افعل. وفي ثلاث منها : بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة لا تفعل. ثم ضعها تحت مصلاك ثم صل ركعتين فإذا فرغت فاسجد سجدة وقل فيها مائة مرة : أستخير الله برحمته خيرة في عافية. ثم استو جالسا وقل : اللهم خر لي واختر لي في جميع أموري في يسر منك وعافية. ثم اضرب بيدك الى الرقاع فشوشها واخرج

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 5 من صلاة الاستخارة.

(3) الوسائل الباب 2 من صلاة الاستخارة.


واحدة واحدة فإن خرج ثلاث متواليات «افعل» فافعل الأمر الذي تريده ، وان خرج ثلاث متواليات «لا تفعل» فلا تفعله ، وان خرجت واحدة «افعل» والأخر «لا تفعل» فاخرج من الرقاع الى خمس فانظر أكثرها فاعمل به ودع السادسة لا تحتاج إليها».

ومنها ـ ما رواه الكليني والشيخ عن على بن محمد رفعه عنهم (عليهم‌السلام) (1) «انه قال لبعض أصحابه وقد سأله عن الأمر يمضي فيه ولا يجد أحدا يشاوره كيف يصنع؟ قال شاور ربك قال فقال له كيف؟ قال انو الحاجة في نفسك ثم اكتب رقعتين في واحدة «لا» وفي واحدة «نعم» واجعلهما في بندقتين من طين ثم صل ركعتين واجعلهما تحت ذيلك وقل : يا الله انى أشاورك في امرى هذا وأنت خير مستشار ومشير فأشر على بما فيه صلاح وحسن عاقبة. ثم ادخل يدك فان كان فيها «نعم» فافعل وان كان فيها «لا» فلا تفعل ، هكذا شاور ربك».

وقد ذكر السيد الزاهد العابد المجاهد رضى الدين على بن طاوس (عطر الله مرقده) في رسالة الاستخارات أنواعا عديدة في الاستخارة بالرقاع والبنادق والقرعة وأنكرها ابن إدريس تمام الإنكار وقال انها من أضعف أخبار الآحاد وشواذ الاخبار لان رواتها فطحية ملعونون مثل زرعة وسماعة وغيرهما فلا يلتفت الى ما اختصا بروايته ، قال : والمحصلون من أصحابنا ما يختارون في كتب الفقه إلا ما اخترناه ولا يذكرون البنادق والرقاع والقرعة إلا في كتب العبادات دون كتب الفقه ، وذكر ان الشيخين وابن البراج لم يذكروها في كتبهم الفقهية. ووافقه المحقق هنا فقال : واما الرقاع وما يتضمن «افعل ولا تفعل» ففي حيز الشذوذ فلا عبرة بها.

قال في الذكرى : وإنكار ابن إدريس الاستخارة بالرقاع لا مأخذ له مع اشتهارها بين الأصحاب وعدم راد لها سواه ومن حذا حذوه كالشيخ نجم الدين ، قال وكيف تكون شاذة وقد دونها المحدثون في كتبهم والمصنفون في مصنفاتهم وقد

__________________

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الاستخارة. والشيخ يرويه عن الكليني.


صنف السيد العالم العابد صاحب الكرامات الظاهرة والمآثر الباهرة رضي الدين أبو الحسن على بن طاوس الحسيني (قدس‌سره) كتابا ضخما في الاستخارات واعتمد فيه على روايات الرقاع وذكر من آثارها عجائب وغرائب أراه الله تعالى إياه ، وقال إذا توالى الأمر في الرقاع فهو خير محض وان توالى النهى فذلك الأمر شر محض وان تفرقت كان الخير والشر موزعا بحسب تفرقها على أزمنة ذلك الأمر بحسب ترتبها. انتهى

ومن الاستخارات الاستخارة بالعدد ، قال في الذكرى : ولم تكن هذه مشهورة في العصور الماضية قبل زمان السيد الكبير العابد رضى الدين محمد بن محمد الآوي الحسيني المجاور بالمشهد المقدس الغروي (رضى الله عنه) وقد رويناها عنه وجميع مروياته عن عدة من مشايخنا عن الشيخ الكبير الفاضل جمال الدين بن المطهر عن والده (رضى الله عنهما) عن السيد رضى الدين عن صاحب الأمر (عليه الصلاة والسلام) (1) يقرأ الفاتحة عشرا وأقله ثلاث مرات ودونه مرة ثم يقرأ القدر عشرا ثم يقول هذا الدعاء ثلاثا : اللهم إني أستخيرك لعلمك بعاقبة الأمور وأستشيرك لحسن ظني بك في المأمول والمحذور ، اللهم ان كان الأمر الفلاني مما قد نيطت بالبركة اعجازه وبواديه وحفت بالكرامة أيامه ولياليه فخر لي اللهم فيه خيرة ترد شموسة ذلولا وتقعض أيامه سرورا ، اللهم إما أمر فأئتمر واما نهى فانتهى ، اللهم إني أستخيرك برحمتك خيرة في عافية. ثم يقبض على قطعة من السبحة ويضمر حاجته ان كان عدد تلك القطعة زوجا فهو افعل وان كان فردا لا تفعل أو بالعكس. ثم قال في الذكرى وقال ابن طاوس (قدس‌سره) في كتاب الاستخارات وجدت بخط أخي الصالح الرضي الآوي محمد بن محمد الحسيني ضاعف الله سيادته وشرف خاتمته ما هذا لفظه : عن الصادق (عليه‌السلام) (2) من أراد أن يستخير الله تعالى فليقرأ الحمد عشر مرات وانا أنزلناه عشر مرات ثم يقول. وذكر الدعاء إلا انه قال عقيب «والمحذور» : اللهم ان كان امرى هذا قد نيطت. وعقيب «سرورا» : يا الله اما

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 8 من صلاة الاستخارة.


أمر فآتمر واما نهى فانتهى ، اللهم خير لي برحمتك خيرة في عافية «ثلاث مرات» ثم يأخذ كفا من الحصى أو سبحة. انتهى.

بيان : قوله في الدعاء المذكور «نيطت» من ناط الشي‌ء بالشي‌ء علقه به وربطه ، واعجاز الشي‌ء أواخره جمع عجز ، وبواديه أوله جمع بادية ، وبادئ الرأي أوله ، وحفه يحفه إذا إحاطة قال الله عزوجل «حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ» (1) أى مستديرين ، والكرامة مصدر كرم ، و «خر لي» بمعنى اجعل لي فيه الخير ، و «خيرة» بكسر الخاء المعجمة وسكون الياء اسم مصدر من قولك «خار الله لك كذا» وأما «خيرة» بكسر الخاء وفتح الياء كعنبة فهو اسم من قولك «اختاره الله» كما ورد في زيارته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «السلام عليك يا خيرة الله» و «ترد» أى تغير وتحول ومن ثم تعدى الى مفعولين ، و «شموس» على وزن فعول كصبور للمبالغة والماضي شمس بفتح الميم يشمس على مثال كتب يكتب ، وشمس الفرس يشمس شماسا بكسر الشين وشموسا بضمها بمعنى حزن ومنع ظهره أن يركب ، والذلول خلافه من الذل بالذال المعجمة مكسورة ومضمومة ضد الصعوبة ، تقول ذل يذل إلا فهو ذلول ، والمعنى فخر لي خيرة تسهل صعبة وتيسر عسيره ، و «تقعض» بالقاف والعين المهملة والضاد المعجمة على وزن يكتب مضارع «قعض» مثال كتب بمعنى عطف ، قال في الصحاح قعضت العود عطفته كما تعطف عروش الكرم والهودج.

أقول : وفي هذا الباب استخاره غريبة لم أقف عليها إلا في كلام والدي (قدس‌سره) قال (طيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه) في كتاب السعادات : خيرة مروية عن الامام الناطق جعفر بن محمد الصادق (عليه‌السلام) «يقرأ الحمد مرة والإخلاص ثلاثا ويصلى على محمد وآله خمس عشرة مرة ثم يقول : اللهم إني أسألك بحق الحسين وجده وأبيه وامه وأخيه والأئمة التسعة من ذريته ان تصلى على محمد وآل محمد وان تجعل لي الخيرة في هذه السبحة وأن تريني ما هو أصلح لي في الدين والدنيا ، اللهم

__________________

(1) سورة الزمر الآية 75.


ان كان الأصلح في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله فعل ما أنا عازم عليه فأمرني وإلا فانهني انك على كل شي‌ء قدير. ثم يقبض قبضة من السبحة ويعدها «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله» الى آخر القبضة ، فإن كان الأخير «سبحان الله» فهو مخير بين الفعل والترك وان كان «الحمد لله» فهو أمر وان كان «لا إله إلا الله» فهو نهى».

ثم قال (قدس‌سره) أقول : لا يخفى على المتأمل بعين البصيرة ان هذه الاستخارة الشريفة أيضا تضمنت تقسيم الأمر المستخار فيه الى أمر ونهى ومخير والأكثر في الاستخارات انما تضمنت الأمر والنهى ، بل هذه الرواية أيضا تضمنت ما يقتضي الانحصار فيهما لقوله (عليه‌السلام) «وإلا فانهني» ولم يذكر التخيير في الدعاء وذكره في آخر الرواية ، والذي ينبغي ان يقال في وجه الجمع ان الأمر والنهى هنا ليس على نحوهما في العبادات من البلوغ الى حد الوجوب والتحريم بل انه لمجرد الإرشاد والاستصلاح ، إذ الغرض من الاستخارة طلب ما هو الأصلح والأنجح لما في الدخول في الأمور والتهجم عليها من غير استخاره من احتمال تطرق المهالك وعدم الأمن من المعاطب في جميع المسالك ، وأقله احتمال حرمان المطلوب وعدم الظفر بالأمر المحبوب كما جاء في الخبر (1) «من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال فلا يستخرنى». ولانه بعد الاستخارة يكون آمنا من تطرق أسباب الحرمان وسالما من آفات العطب والخذلان ، فكان العمل بالاستخارة أمرا راجحا وطريقا واضحا عند كل من له عقل سليم وذهن قويم ، وحيث كان راجحا بترتب المنافع واندفاع المكاره ومرجوحا بالعكس من ذلك أو متساوي الطرفين بان يكون الأمر ان الفعل والترك سواء في ترتب الأمرين كالأمر الذي يتخير فيه الإنسان لا يخلو من الثلاثة الأقسام كما دلت عليه الرواية الشريفة وأما الروايات المنحصرة في الأمر والنهى فالظاهر ان الأمر فيها ما يشمل الراجح والمساوي بأن يراد به القدر الأعم أعني الأمن من الضرر سواء كان فيه مصلحة أو عدم مشقة أو انتفاء المفسدة فقط.

__________________

(1) الوسائل الباب 7 من صلاة الاستخارة.


وبالجملة ان الأمر الخارج في هذه الاستخارة نص في رجحان الفعل المأمور به واشتماله على المصلحة والمنفعة ، والتخيير فيها بمعنى مساواة الفعل والترك بلا رجحان لأحدهما على الآخر ، والنهى نص في مرجوحية ذلك الأمر وعدم حصول مصلحة فيه ووجود مفسدة واما الأمر في ذات الوجهين فقد عرفت انه القدر الأعم أعني الأمن من الضرر سواء حصلت فيه مصلحة أم لا ، ومن ثم يجوز نظرا الى ذلك أخذ خيرة اخرى على مقابل ذلك الأمر المأمور به ، فان خرجت أمرا كذلك دل على تساوى الأمرين والتخيير بينهما ، وان خرجت نهيا دل على رجحان ذلك الأمر المأمور به أولا. وأما بالنظر الى هذه الرواية المشتملة على الشقوق الثلاثة فلا ينبغي معاودة الخيرة في مقابل ما خرج مطلقا لاشتمالها على التفصيل القاطع للاحتمال. والله العالم. انتهى كلامه طيب الله مرقده وأعلى في جوار الأئمة مقعده.

فائدتان

الأولى ـ المستفاد من الأخبار استحباب الاستخارة لكل شي‌ء وتأكدها حتى في المستحبات ، وان الأفضل وقوعها في الأوقات الشريفة والأماكن المنيفة والرضا بما خرجت به وان كرهته النفس.

ومما يؤكد هذا ما رواه ابن طاوس بأسانيد عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال «كنا نتعلم الاستخارة كما نتعلم السورة من القرآن. ثم قال ما أبالي إذا استخرت الله على أى جنبي وقعت» وفي رواية أخرى «على اى طريق وقعت».

وروى البرقي في المحاسن عن محمد بن مضارب (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) من دخل في أمر بغير استخاره ثم ابتلى لم يؤجر». ورواه ابن طاوس بأسانيد عديدة (3) وفيه دلالة على ذم تارك الاستخارة في الأمور التي يأتي بها.

وروى في المحاسن ايضا عنه (عليه‌السلام) (4) انه قال «قال الله عزوجل من شقاء

__________________

(1) الوسائل الباب 1 و 7 من صلاة الاستخارة.

(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 7 من صلاة الاستخارة.


عبدي أن يعمل الأعمال فلا يستخيرني».

وروى في المحاسن أيضا بإسناده عن عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) من أكرم الخلق على الله؟ قال أكثرهم ذكرا لله وأعملهم بطاعته. قلت من أبغض الخلق الى الله؟ قال من يتهم الله. قلت واحد يتهم الله؟ قال نعم من استخار الله فجاءته الخيرة بما يكره فسخط بذلك الذي يتهم الله».

وروى الشيخ في التهذيب عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن على (عليه‌السلام) (2) قال : «قال الله عزوجل ان عبدي يستخيرني فأخير له فيغضب».

الثانية ـ المفهوم من ظواهر الأخبار الواردة في الاستخارة ان صاحب الحاجة هو المباشر للاستخارة ولم أقف على نص صريح أو ظاهر في الاستنابة فيها إلا ان من عاصرناهم من العلماء كلهم على العمل بالنيابة.

ولم أقف أيضا في كلام أحد من أصحابنا على من تعرض للكلام في ذلك إلا على كلام المحقق الشريف ملا ابى الحسن العاملي المجاور بالنجف الأشرف حيا وميتا في شرحه على المفاتيح وشيخنا ابى الحسن الشيخ سليمان البحراني في كتاب الفوائد النجفية.

أما الأول منهما فإنه قال في بحث صلاة الاستخارة : ثم لا يخفى ان المستفاد من جميع ما مر ان الاستخارة ينبغي أن تكون ممن يريد الأمر بأن يتصداها هو بنفسه ، ولعل ما اشتهر من استنابة الغير على جهة الاستشفاع ، وذلك وان لم نجد له نصا إلا أن التجربات تدل على صحته.

وأما الثاني منهما فإنه قال : فائدة في جواز النيابة عن الغير في الاستخارة ، لم أقف على نص في جواز النيابة ويمكن الاستدلال على ذلك بوجوه ، ثم ذكر وجوها عشرة أكثرها عليلة قد اعترف بالطعن فيها وأقربها إلى الاعتبار وجوه أربعة (أحدها) ـ ما ذكره من قوله : من القواعد ان كل ما يصح مباشرته يصح

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 7 من صلاة الاستخارة.


التوكيل فيه إلا في مواضع مخصوصة ذكرها العلماء واختلفوا في أشياء منها وليس هذا الموضع من تلك المواضع. و (ثانيها) ـ ما ذكره من أن العلماء في زماننا مطبقون على استعمال ذلك ولم نجد أحدا من مشايخنا الذين عاصرناهم يتوقف فيه ونقلوا عن مشايخهم نحو ذلك. ولعله كاف في مثل ذلك. و (ثالثها) ـ ان الاستخارة مشاورة لله تعالى كما ورد به النص عن مولانا الصادق (عليه‌السلام) (1) ولا ريب أن المشاورة تصح النيابة فيها ، فان من استشار أحدا فقد يستشير بنفسه وقد يكلف من يستشير له كما في استشارة على بن مهزيار للجواد (عليه‌السلام) (2) و (رابعها) ان مشاورة المؤمن نوع من أنواع الاستخارة وقد ورد في رواية على بن مهزيار ما هو صريح في النيابة فيها ولا فرق بين هذا النوع وغيره. الى ان قال (قدس‌سره) فهذه عشرة وجوه ومجموعها يصلح مدركا لمثل هذا الأمر ومسلكا لهذا الشأن وان تطرق على بعضها المناقشة. والله العالم. انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : ومما خطر على البال في هذه الحال انه لا ريب ان الاستخارة بأي المعاني المتقدمة ترجع الى الطلب منه سبحانه ، ولا ريب انه من المتفق عليه بين ذوي العقول وساعدت عليه النقول عن آل الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هو أن من طلب حاجة من سلطان عظيم الشأن فإن الأنجح في قضائها والأرجح في حصولها وإمضائها هو ان يوسط بعض مقربي حضرة ذلك السلطان في التماسها منه بحيث يكون نائبا عن صاحب الحاجة في سؤالها من ذلك السلطان ، والنيابة في الاستخارة منه سبحانه من هذا القبيل ، وهذا بحمد الله أوضح برهان على ذلك ودليل. والله العالم.

الثانية ـ صلاة يوم الغدير والعيد الكبير وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام.

__________________

(1) الوسائل الباب 4 و 5 من صلاة الاستخارة وتقدم ص 527 حديث على بن محمد.

(2) الوسائل الباب 5 من صلاة الاستخارة.


رواها الشيخ في التهذيب (1) بسند فيه محمد بن موسى الهمداني ـ وهو مجروح عند علماء الرجال ـ عن على بن الحسين العبدي قال : «سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه‌السلام) يقول صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا لو عاش انسان ثم صام ما عمرت الدنيا لكان له ثواب ذلك ، وصيامه يعدل عند الله عزوجل في كل عام مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات ، وهو عيد الله الأكبر ، وما بعث الله عزوجل نبيا قط إلا وتعيد في هذا اليوم وعرف حرمته ، واسمه في السماء يوم العهد المعهود وفي الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود ، ومن صلى فيه ركعتين ـ يغتسل عند زوال الشمس من قبل ان تزول مقدار نصف ساعة يسأل الله عزوجل يقرأ في كل ركعة سورة الحمد وعشر مرات قل هو الله أحد وعشر مرات آية الكرسي وعشر مرات إنا أنزلناه ـ عدلت عند الله عزوجل مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة ، وما سأل الله عزوجل حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيت له كائنة ما كانت الحاجة وان فاتتك الركعتان والدعاء قضيتهما بعد ذلك ، ومن فطر فيه مؤمنا كان كمن أطعم فئاما وفئاما. فلم يزل يعد الى أن عقد بيده عشرا ، ثم قال وتدري كم الفئام؟ قلت لا. قال مائة ألف كل فئام كان له ثواب من أطعم بعددها من النبيين والصديقين والشهداء في حرم الله عزوجل وسقاهم في يوم ذي مسغبة ، والدراهم فيه بألف ألف درهم. قال لعلك ترى ان الله عزوجل خلق يوما أعظم حرمة منه لا والله لا والله لا والله. ثم قال وليكن من قولكم إذا التقيتم أن تقولوا : الحمد لله الذي أكرمنا بهذا اليوم وجعلنا من الموفين بعهده إلينا وميثاقه الذي واثقنا به من ولاية ولاة امره والقوام بقسطه ولم يجعلنا من الجاحدين والمكذبين بيوم الدين. ثم قال وليكن من دعائك في دبر هاتين الركعتين ان تقول ربنا اننا سمعنا مناديا. الدعاء الى آخره». وهو مذكور في المصباح (2).

__________________

(1) ج 3 ص 143 الطبع الحديث وفي الوسائل الباب 3 من بقية الصلوات المندوبة.

(2) ص 521.


ويعضد هذا الخبر ما رواه الشيخ في المصباح (1) والشيخ المفيد وغيره عن داود بن كثير عن ابى هارون العبدي قال : «دخلت على ابى عبد الله (عليه‌السلام) في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة فوجدته صائما فقال لي هذا يوم عظيم. الى أن قال فقيل له ما ثواب صوم هذا اليوم؟ قال انه يوم عيد وفرح وسرور ويوم صوم شكرا لله وان صومه يعدل صوم ستين شهرا من الأشهر الحرم ، ومن صلى فيه ركعتين أى وقت شاء وأفضله قرب الزوال وهي الساعة التي أقيم فيها أمير المؤمنين (عليه‌السلام) بغدير خم علما للناس. فمن صلى في ذلك الوقت ركعتين ثم سجد يشكر الله مائة مرة ودعا بعقب الصلاة اجابه».

وكذا يؤيده ما رواه ايضا (2) عن زياد بن محمد عنه (عليه‌السلام) وذكر الحديث في فضل هذا اليوم الى أن قال (عليه‌السلام) «ينبغي لكم ان تتقربوا فيه الى الله عزوجل بالبر والصدقة والصلاة وصلة الرحم. الخبر».

وكذا ما رواه فرات بن إبراهيم في تفسيره (3) بإسناده عن فرات بن أحنف عنه (عليه‌السلام) انه قال في فضل هذا اليوم «انه يوم عبادة وصلاة وشكر لله. الخبر».

وما رواه ابن طاوس في كتاب الإقبال (4) عن المفضل عنه (عليه‌السلام) انه قال في فضل هذا اليوم «انه ليوم صيام وقيام وإطعام وصلة الأخوان».

والظاهر ان ما ذكرناه من هذه الاخبار مع ما اشتهر من التسامح في أدلة السنن صار سببا في اشتهار هذه الصلاة بين قدماء الأصحاب ومتأخريهم ، ولم يعبأوا بما ذكره الصدوق وشيخه محمد بن الحسن بن الوليد على ما نقله عنه في باب صوم التطوع حيث انه بعد ان روى ثواب صوم الغدير قال : واما خبر صلاة يوم غدير خم والثواب المذكور فيه لمن صامه فان شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد (قدس‌سره) كان لا يصححه ويقول انه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان غير ثقة

__________________

(1) ص 513 وفي الوسائل الباب 3 من بقية الصلوات المندوبة.

(2) ص 512 وفيه بدل الصدقة الصوم.

(3) ص 12.

(4) ص 466.


وكل ما لم يصححه ذلك الشيخ ولم يحكم بصحته من الأخبار فهو عندنا متروك غير صحيح. واعترضه المحقق في المعتبر بأنه قد وردت في هذه الصلاة روايات منها رواية داود بن كثير. وفيه انك قد عرفت ان الرواية المذكورة لم تشتمل على هذه الصلاة كما ادعاه وانما دلت على صلاة ركعتين مطلقا ، لكن ربما يشير الى ذلك أفضلية قرب الزوال كما تضمنته رواية العبدي مما يعلم هي من المؤيدات كما ذكرناه.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه نقل في المختلف عن ابى الصلاح انه قال في صفة صلاة الغدير : ومن وكيد السنة الاقتداء برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في يوم الغدير وهو الثامن عشر من ذي الحجة الحرام بالخروج الى ظاهر المصر وعقد الصلاة قبل أن تزول الشمس بنصف ساعة لمن تتكامل له صفات إمامة الجماعة بركعتين ، ويقرأ في كل ركعة منهما الحمد وسورة الإخلاص عشرا وسورة القدر عشرا وآية الكرسي عشرا ويقتدى به المؤتمون وإذا سلم دعا بدعاء هذا اليوم ومن صلى خلفه. وليصعد المنبر قبل الصلاة فيخطب خطبة مقصورة على حمد الله والثناء عليه والصلاة على محمد وآله الطاهرين والتنبيه على عظم حرمة يومه وما أوجب الله فيه من امامة أمير المؤمنين (عليه‌السلام) والحث على امتثال أمر الله سبحانه ورسوله ، ولا يبرح أحد من المأمومين والامام يخطب فإذا انقضت الخطبة تصافحوا وتهانئوا وتفرقوا. انتهى.

أقول : وهذا الكلام قد دل على جملة من الأحكام منها ما ذكر في كلام علمائنا الأعلام ومنها ما لم يذكر في هذا المقام ولا علم من نصوصهم (عليهم‌السلام) فمنها ـ القراءة والظاهر انه لا خلاف في تقديم التوحيد بعد الحمد وانما الخلاف في آية الكرسي و «انا أنزلناه» وتقديم إحداهما على الأخرى ، والنص وان كان العطف فيه بالواو التي هي لمطلق الجمع إلا ان الترتيب الذكرى وقع بتقديم آية الكرسي على «انا أنزلناه» وبه صرح ابن إدريس ، ثم نقل ان بالعكس أيضا رواية قال على ما نقله عنه في المختلف : يقرأ في كل واحدة منهما الحمد مرة و «قل هو الله أحد» عشر مرات وآية الكرسي عشر مرات و «انا أنزلناه» عشر مرات ، وروى


ان آية الكرسي تكون أخيرا وقبلها «إنا أنزلناه» قال في المختلف : وهذا يدل على ان الواو قصد بها هنا الترتيب. والشيخ رتب كترتيبه بالواو وكذا سلار. وأما أبو الصلاح وابن البراج وكذا الشيخ المفيد فإنهم قالوا يقرأ في كل واحدة منهما الحمد مرة وسورة الإخلاص عشر مرات و «انا أنزلناه» عشر مرات وآية الكرسي عشر مرات. قال في المختلف : فان قصدوا بالواو هنا الترتيب صارت المسألة خلافية وإلا فلا. وكيف كان فالأحوط الإتيان بالترتيب الذي اشتملت عليه الرواية لاحتمال كون الترتيب الذكرى فيه منظورا لحكمة لا نعلمها وان عبر فيه بالواو فان مثله في كلامهم (عليهم‌السلام) غير عزيز.

ومنها ـ ذكر الجماعة في هذه الصلاة والخطبة والخروج الى الصحراء ، ولهذا قال العلامة في المختلف بعد نقل عبارته المذكورة : ولم يصل إلينا حديث يعتمد عليه يتضمن الجماعة فيها ولا الخطبة بل الذي ورد صفة الصلاة والدعاء بعدها.

أقول : من المحتمل قريبا انه أخذ الخطبة من فعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يوم غدير خم فإنه خطب في ذلك اليوم وأمرهم بالتصافح وان يهنّئ بعضهم بعضا (1) وأخذ الصحراء من كونه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان ذلك اليوم في الصحراء.

واما ذكره الصلاة جماعة فلا نعرف له مستندا أصلا بل سيأتي في باب صلاة الجماعة ان شاء الله تعالى ما يظهر منه كونها بدعة محرمة.

واما ما تشبث به بعض المتأخرين ـ من الاستدلال على الجماعة في هذه الصلاة بأمره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان ينادى في الناس «الصلاة جامعة» ـ

ففيه أولا ـ أن الأخبار الواردة في يوم الغدير خالية من ذكر هذه الصلاة في ذلك الموضع.

__________________

(1) لم يذكر في الأحاديث تهنئة بعض المسلمين لبعضهم وانما الموجود فيها تهنئتهم لعلي (عليه‌السلام) لما أفرد له النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خيمة ودخلوا عليه يهنئونه بالولاية ومن جملتهم عمر راجع الغدير ج 1 ص 245.


وثانيا ـ ان النداء بهذه العبارة كان متعارفا في طلب اجتماع الناس وإعلامهم بذلك ليحضروا وان لم تكن ثمة صلاة كما لا يخفى على من جاس خلال الديار وتصفح الأخبار. ومن المحتمل ان مذهب ابى الصلاح القول بجواز الجماعة في غير الفريضة مطلقا فذكرها في هذه الصلاة بناء على ذلك. والله العالم.

الثالثة ـ صلاة أول ذي الحجة كذا ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم)

ولا يخفى انه محتمل لأمرين (أحدهما) أن يكون المراد به ما ذكره الشيخ في المصباح (1) حيث قال : ويستحب فيه ـ يعني في أول ذي الحجة ـ صلاة فاطمة (عليها‌السلام). ثم روى انها اربع ركعات مثل صلاة أمير المؤمنين (عليه‌السلام) كل ركعة بالحمد مرة وخمسين مرة «قل هو الله أحد». إلا ان الشيخ نقل قبل كلامه هذا ان ذلك اليوم يوم تزويج فاطمة (عليها‌السلام) فمن المحتمل قريبا أن نقل الشيخ هذه الصلاة لأجل التناسب لا لرواية تدل عليه ، وهذا فهمه الكفعمي حيث قال (2) : وفي أول يوم من ذي الحجة تزوج على بفاطمة (عليهما‌السلام) فصل فيه صلاة فاطمة (عليها‌السلام). وعلى هذا فلا وجه لذكر هذه الصلاة سيما ان كثيرا منهم عد صلاة فاطمة (عليها‌السلام) مع هذه الصلاة.

وثانيهما ـ أن يكون المراد به ما نقله شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في البحار من ورود بعض الأخبار بصلاة ركعتين في هذا اليوم قبل الزوال بنصف ساعة بكيفية صلاة الغدير. ولعل هذا الاحتمال أوفق بالعد في هذا المقام وان كان لم يذكر هذه الصلاة أكثر علمائنا الأعلام (رضوان الله عليهم).

الرابعة ـ صلاة يوم المبعث وصلاة ليلته ، أما صلاة اليوم فقد رواها ثقة الإسلام في الكافي عن على بن محمد رفعه (3) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) يوم سبعة

__________________

(1) ص 465 وفي الوسائل الباب 10 من بقية الصلوات المندوبة.

(2) ص 659.

(3) الوسائل الباب 9 من بقية الصلوات المندوبة.


وعشرين من رجب نبئ فيه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من صلى فيه أى وقت شاء اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة بأم القرآن وسورة ما تيسر فإذا فرغ وسلم جلس مكانه ثم قرأ أم القرآن اربع مرات والمعوذات الثلاث كل واحدة أربع مرات فإذا فرغ وهو في مكانه قال : «لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله» اربع مرات ثم يقول : الله الله ربى لا أشرك به شيئا (أربع مرات) ثم يدعو فلا يدعو بشي‌ء إلا استجيب له. الخبر».

وقد روى هذه الرواية الشيخ (1) نقلا من الكافي والشيخ المفيد في المقنعة وكتاب مسار الشيعة لكن بدون قوله «والمعوذات الثلاث كل واحدة أربع مرات». وكأنه سقط من القلم ، لان الشيخ روى هذه الصلاة بعينها في المصباح (2) مع ما يقرأ بعدها عن الريان بن الصلت عن ابى جعفر الثاني (عليه‌السلام) بما هذه صورته قال : «صام أبو جعفر (عليه‌السلام) لما كان ببغداد يوم النصف من رجب ويوم سبع وعشرين منه وصام معه جميع حشمه وأمرنا أن نصلي هذه الصلاة التي هي اثنتا عشرة ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد وسورة فإذا فرغت قرأت الحمد أربعا و «قل هو الله أحد» أربعا والمعوذتين أربعا وقلت : لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم (أربعا) الله الله ربى لا أشرك به شيئا (أربعا) لا أشرك بربي أحدا (أربعا). ومن هذه الرواية يعلم ان المراد بالمعوذات الثلاث في الرواية المتقدمة هي التوحيد مع المعوذتين.

واما صلاة ليلة المبعث فهي أيضا اثنتا عشرة ركعة ، والظاهر ان المستند فيها ما ذكره الشيخ في المصباح (3) في ليلة النصف من رجب حيث روى عن داود بن سرحان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال «تصلى ليلة النصف من رجب اثنتي عشرة ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد وسورة فإذا فرغت من الصلاة قرأت بعد ذلك الحمد والمعوذتين وسورة

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 9 من بقية الصلوات المندوبة.

(3) الوسائل الباب 5 من بقية الصلوات المندوبة.


الإخلاص وآية الكرسي أربع مرات وتقول بعد ذلك : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر (أربع مرات) ثم تقول : الله الله ربى لا أشرك به شيئا ما شاء الله لا قوة إلا بالله العلى العظيم وتقول في ليلة سبع وعشرين مثله».

قال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين : والظاهر ان قوله «وتقول. الى آخره» من تتمة الحديث وان المراد مجموع الصلاة والأقوال ، وعلى هذا فهي كصلاة يومه والتفاوت اليسير في الذكر وكذا زيادة آية الكرسي غير مناف في أمثال هذه الأشياء. انتهى. وفيه ان ظاهر هذه العبارة بناء على تسليم كونها من الحديث انما هو قول هذه الأذكار لا نفس الصلاة.

والأظهر ان المراد بصلاة الليلة المذكورة انما هو ما رواه الشيخ في المصباح ايضا (1) مرسلا عن ابى جعفر الثاني (عليه‌السلام) انه قال «ان في رجب لليلة هي خير مما طلعت عليه الشمس وهي ليلة سبع وعشرين من رجب نبئ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في صبيحتها وان للعامل فيها من شيعتنا أجر عمل ستين سنة. قيل له وما العمل فيها أصلحك الله؟ قال إذا صليت العشاء الآخرة وأخذت مضجعك ثم استيقظت أي ساعة شئت من الليل الى قبل الزوال صليت اثنتي عشرة ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد وسورة من خفاف المفصل الى الجحد فإذا سلمت في كل شفع جلست بعد التسليم وقرأت الحمد سبعا والمعوذتين سبعا «وقل هو الله أحد» و «قل يا ايها الكافرون» سبعا سبعا «وانا أنزلناه وآية الكرسي سبعا سبعا ، وقل بعقب ذلك الدعاء.». وذكر الدعاء.

وروى الشيخ في المصباح ايضا (2) عن صالح بن عقبة عن ابى الحسن موسى ابن جعفر (عليه‌السلام) انه قال : «صل ليلة سبع وعشرين من رجب أى وقت شئت من الليل اثنتي عشرة ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد والمعوذتين وقل هو الله أحد (أربع مرات) فإذا فرغت قلت وأنت في مكانك اربع مرات : لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله

__________________

(1 و 2) ص 566 وفي الوسائل الباب 9 من بقية الصلوات المندوبة.


وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثم ادع بعد ذلك بما شئت». والعمل بكل من الروايتين حسن ان شاء الله تعالى.

الخامسة ـ صلاة ليلة النصف من شعبان ، وقد ورد في هذه الليلة صلوات عديدة : منها ـ ما رواه الكليني مرفوعا عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا كان ليلة النصف من شعبان فصل اربع ركعات تقرأ في كل ركعة الحمد مرة و «قل هو الله أحد» مائة مرة فإذا فرغت فقل : اللهم إني إليك فقير. الدعاء». ورواه الشيخ المفيد في كتاب مسار الشيعة مرسلا (2) ورواه الشيخ في التهذيب عن الكليني وفي المصباح عن أبي يحيى الصنعاني عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهما‌السلام) (3) ثم قال ورواه عنهما ثلاثون رجلا ممن يوثق بهم.

ومنها ـ ما رواه الشيخ في المصباح عن أبي يحيى عن ابى عبد الله ورواه ايضا ابنه في أماليه بإسناد متصل عن أبي يحيى عنه (عليه‌السلام) (4) قال : «سئل الباقر (عليه‌السلام) عن فضل ليلة النصف من شعبان ، وذكر فضائل تلك الليلة الى ان قال أبو يحيى فقلت لسيدنا الصادق (عليه‌السلام) وأي شي‌ء أفضل الأدعية؟ فقال إذا أنت صليت العشاء الآخرة فصل ركعتين تقرأ في الأولى الحمد وسورة الجحد واقرأ في الركعة الثانية الحمد وسورة التوحيد فإذا أنت سلمت قلت : «سبحان الله» ثلاثا وثلاثين مرة و «الحمد لله» ثلاثا وثلاثين مرة و «الله أكبر» أربعا وثلاثين مرة ثم قل.». وذكر الدعاء وهو مذكور في المصباح.

ومنها ـ ما رواه الشيخ في المصباح ايضا عن عمرو بن ثابت عن محمد بن مروان عن الباقر (عليه‌السلام) (5) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من صلى ليلة النصف من شعبان مائة ركعة وقرأ في كل ركعة الحمد مرة و «قل هو الله أحد» عشر مرات لم يمت حتى يرى منزله في الجنة أو يرى له».

ومنها ـ ما رواه أيضا في المصباح عن محمد بن صدقة العنبري (6) قال حدثنا

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 8 من بقية الصلوات المندوبة.


موسى بن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) قال : «الصلاة ليلة النصف من شعبان اربع ركعات تقرأ في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد مائتين وخمسين مرة ثم تدعو بعد التسليم.». وذكر الدعاء (1) ثم روى صلوات آخر من طرق العامة (2) والعمل بكل من هذه الروايات حسن والجمع أحسن.

السادسة ـ صلاة الهدية وهي التي تجعل هدية للمعصومين (عليهم‌السلام) يعني النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والزهراء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين).

والظاهر ان المراد بها ما رواه الشيخ في المصباح (3) حيث قال : روى عنهم (عليهم‌السلام) انه يصلى العبد في يوم الجمعة ثماني ركعات : أربعا يهدى الى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأربعا يهدى الى فاطمة الزهراء (عليها‌السلام) ويوم السبت اربع ركعات تهدى الى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ثم كذلك كل يوم الى واحد من الأئمة (عليهم‌السلام) الى يوم الخميس أربع ركعات تهدى الى جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) ثم في يوم الجمعة أيضا ثماني ركعات أربع ركعات تهدى الى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأربع ركعات إلى فاطمة (عليها‌السلام) ثم يوم السبت أربع ركعات تهدى الى موسى بن جعفر (عليه‌السلام) ثم كذلك الى يوم الخميس أربع ركعات تهدى الى صاحب الزمان (عليه‌السلام).

ويحتمل أن يكون مرادهم بها ما رواه السيد رضى الدين بن طاوس في كتاب جمال الأسبوع (4) قال : حدثنا أبو محمد الصيمري عن احمد بن عبد الله البجليّ بإسناده يرفعه إليهم (عليهم‌السلام) قال : «من جعل ثواب صلاته لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأمير المؤمنين (عليه‌السلام) والأوصياء من بعده (عليهم‌السلام) أضعف الله ثواب صلاته أضعافا مضاعفة حتى ينقطع النفس ويقال له قبل أن تخرج روحه من جسده يا فلان هديتك إلينا وألطافك لنا فهذا يوم مجازاتك ومكافاتك فطب نفسا وقر عينا بما أعد الله لك وهنيئا لك بما صرت اليه. فقلت كيف يهدى صلاته ويقول؟ قال

__________________

(1) المصباح ص 582.

(2) الوسائل الباب 8 من بقية الصلوات المندوبة.

(3 و 4) الوسائل الباب 44 من بقية الصلوات المندوبة.


ينوي ثواب صلاته لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (عليهم‌السلام) ولو أمكنه أن يزيد على صلاة الخمسين شيئا ولو ركعتين في كل يوم ويهديها الى واحد منهم : يفتتح الصلاة في الركعة الأولى مثل افتتاح صلاة الفريضة بسبع تكبيرات أو ثلاث مرات أو مرة في كل ركعتين ويقول بعد تسبيح الركوع والسجود ثلاث مرات : «صلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين» في كل ركعة فإذا تشهد وسلم قال : اللهم أنت السلام ومنك السلام. الى آخر الدعاء».

السابعة ـ صلاة الحاجة ، وصلاة الحاجة كثيرة مذكورة في الكتب الأربعة وغيرها لا سيما مصباحي الشيخ والكفعمي ، ولنذكر منها واحدة مشتملة على صلاة الهدية لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله).

وهي ما رواه ثقة الإسلام والصدوق (عطر الله مرقديهما) بسند موثق عن عبد الرحيم القصير (1) وهو مجهول قال : «دخلت على ابى عبد الله (عليه‌السلام) فقلت له جعلت فداك انى اخترعت دعاء قال دعني من اختراعك إذا نزل بك أمر فافزع الى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وصل ركعتين تهديهما الى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). قلت كيف أصنع؟ قال تغتسل وتصلى ركعتين تستفتح بهما افتتاح الفريضة وتشهد تشهد الفريضة فإذا فرغت من التشهد وسلمت قلت : اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك السلام يرجع السلام اللهم صل على محمد وآل محمد وبلغ روح محمد منى السلام وأرواح الأئمة الصادقين سلامي واردد على منهم السلام والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته ، اللهم ان هاتين الركعتين هدية منى الى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فأثبني عليهما ما أملت ورجوت فيك وفي رسولك يا ولي المؤمنين. ثم تخر ساجدا وتقول : يا حي يا قيوم يا حي لا يموت يا حي لا إله إلا أنت يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين (أربعين مرة) ثم ضع خدك الأيمن فتقولها أربعين مرة ثم ضع خدك الأيسر فتقولها أربعين مرة ثم ترفع رأسك وتمد يدك وتقول ذلك أربعين مرة ثم تردد يدك الى رقبتك

__________________

(1) الوسائل الباب 28 من بقية الصلوات المندوبة.


وتلوذ بسبابتك وتقول ذلك أربعين مرة ثم خذ لحيتك بيدك اليسرى وابك أو تباك وقل : يا محمد يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أشكو الى الله وإليك حاجتي والى أهل بيتك الراشدين حاجتي وبكم أتوجه الى الله في حاجتي. ثم تسجد وتقول : يا الله يا الله ـ حتى ينقطع نفسك ـ صل على محمد وآل محمد وافعل بي كذا وكذا. قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) فانا الضامن على الله ان لا يبرح حتى تقضى حاجته».

وقد ورد في اخبار عديدة الاكتفاء بمطلق الصلاة والدعاء في طلب الحاجة كما في موثقة الحارث بن المغيرة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا أردت حاجة فصل ركعتين وصل على محمد وآل محمد وسل تعطه».

ويظهر من بعضها استحباب أن يكون ذلك في الأماكن المشرفة كما في صحيحة الحلبي (2) قال : «شكى رجل حاله الى ابى عبد الله (عليه‌السلام) فأمره أن يأتي مقام رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بين القبر والمنبر فيصلي ركعتين. الخبر». وفي رواية أخرى (3) «وان شئت ففي بيتك». وفي روايات عديدة (4) الأمر بدخول المسجد والصلاة والدعاء.

ويظهر من بعضها اشتراط الإقلاع من الذنوب كما في رواية يونس بن عمار (5) قال «شكوت الى ابى عبد الله (عليه‌السلام) رجلا كان يؤذيني فقال لي ادع عليه فقلت قد دعوت عليه فقال ليس هكذا ولكن أقلع عن الذنوب وصم وصل وتصدق فإذا كان آخر الليل فأسبغ الوضوء ثم قم فصل ركعتين وادع. الخبر». ومنه يظهر استحباب كون ذلك في الأوقات الشريفة وبعد الصوم والصلاة ، ويؤيده غيره من الأخبار ايضا.

الثامنة ـ صلاة الشكر وهي التي تستحب عند تجدد النعمة ومن ذلك لبس الثوب الجديد :

__________________

(1) الوسائل الباب 28 من بقية الصلوات المندوبة.

(2) الوسائل الباب 22 من بقية الصلوات المندوبة.

(3 و 5) الوسائل الباب 33 من بقية الصلوات المندوبة.

(4) الوسائل الباب 22 و 28 و 29 من بقية الصلوات المندوبة.


روى ثقة الإسلام والصدوق في الخصال عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) إذا كسا الله المؤمن ثوبا جديدا فليتوضأ وليصل ركعتين يقرأ فيهما أم الكتاب وآية الكرسي و «قل هو الله أحد» و «انا أنزلناه» ثم ليحمد الله الذي ستر عورته وزينه في الناس ، وليكثر من قول «لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم» فإنه لا يعصى الله فيه وله بكل سلك فيه ملك يقدس له ويستغفر له ويترحم عليه».

وروى الكليني عن هارون بن خارجة الثقة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «قال في صلاة الشكر إذا أنعم الله عليك بنعمة فصل ركعتين تقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب و «قل هو الله أحد» وتقرأ في الثانية بفاتحة الكتاب و «قل يا ايها الكافرون» وتقول في الركعة الأولى في ركوعك وسجودك : الحمد لله شكرا شكرا وحمدا ، وتقول في الركعة الثانية في ركوعك وسجودك : الحمد لله الذي استجاب دعائي وأعطاني مسألتي».

ومن الروايات الواردة في الصلاة عند لبس الثوب الجديد ما رواه الصدوق في المجالس وفي ثواب الأعمال وما في أمالي الشيخ (قدس‌سره) وفي كتاب كشف الغمة (3).

التاسعة ـ صلاة تحية المسجد وهي ما رواه الصدوق في الفقيه عن الصادق (عليه‌السلام) (4) في حديث المناهي قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا تجعلوا المساجد طرقا حتى تصلوا فيها ركعتين».

وما رواه في معاني الأخبار والخصال بإسناده عن ابى ذر (رضى الله عنه) (5)

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 26 من أحكام الملابس.

(2) الوسائل الباب 35 من بقية الصلوات المندوبة.

(4) الوسائل الباب 67 من أحكام المساجد.

(5) الوسائل الباب 42 من أحكام المساجد.


قال : «دخلت على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو في المسجد جالس فقال يا أبا ذر ان للمسجد تحية. قلت وما تحيته؟ قال ركعتان تركعهما. الخبر». ورواه الشيخ أيضا في كتاب المجالس بإسناده عن ابى ذر (رضى الله عنه) في وصية النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1).

والمشهور ان هذه الصلاة قبل الجلوس استحبابا ، وهو الظاهر من فحاوي الاخبار وان لم تدل عليه صريحا. قالوا ويكفى فيها الفريضة أو نافلة غيرها.

العاشرة ـ صلاة هدية الميت ليلة الدفن وهذه الصلاة لم نظفر بها في كتب الأخبار مسندة عن أحد الأئمة الأبرار (صلوات الله عليهم) وانما رواها الكفعمي في مصباحه (2) من كتاب الموجز لابن فهد وهو نقلها عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله).

قال «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يأتي على الميت أشد من أول ليلة فارحموا موتاكم بالصدقة فان لم تجدوا فليصل أحدكم ركعتين : يقرأ في الأولى الحمد وآية الكرسي وفي الثانية الحمد والقدر عشرا فإذا سلم قال : اللهم صل على محمد وآل محمد وابعث ثوابهما الى قبر فلان. فإنه تعالى يبعث من ساعته الف ملك الى قبره مع كل ملك ثوب وحلة. الخبر».

قال وفي رواية أخرى (3) «يقرأ بعد الحمد التوحيد مرتين في الأولى وفي الثانية بعد الحمد التكاثر عشرا ثم الدعاء المذكور». ثم نقل الكفعمي عن والده رواية ثالثة (4) مثل الرواية الثانية لكن بزيادة آية الكرسي مرة في الركعة الأولى.

وروى هذه الصلاة السيد رضى الدين بن طاوس في كتاب فلاح السائل عن حذيفة بن اليمان عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالرواية الثانية.

وأما ما اشتهر الآن بين الناس من استحباب أربعين رجلا يصلون هذه الصلاة ليلة الدفن فلم أقف له على مستند ولا قول معتمد.

__________________

(1) الوسائل الباب 42 من أحكام المساجد.

(2 و 3) الوسائل الباب 44 من بقية الصلوات المندوبة.

(4) ارجع الى الاستدراكات رقم (37).


والذي يقرب عندي ان أخبار هذه الصلاة انما هي من روايات العامة (1) واليه يشير كلام بعض مشايخنا المعاصرين حيث قال : وهذه الصلاة وان لم يظهر كونها مروية من طريق أهل البيت (عليهم‌السلام) لكن يعضدها ما ورد من الأخبار الدالة على انتفاع الميت من الأعمال الصالحة بفعل غيره (2) وعلى التأكيد في ذلك ، وهي متفرقة في أبواب الوقوف والصدقات والصلاة والحج والصوم والجنائز ، ثم ذكر من ذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن عمر بن يزيد الثقة الجليل (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أيصلى على الميت؟ قال نعم حتى انه يكون في ضيق فيوسع الله عليه ذلك الضيق ثم يؤتى فيقال له خفف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك». ثم نقل جملة من الأخبار التي من هذا الباب وستأتي ان شاء الله تعالى في باب القضاء عن الميت.

أقول : والحكم عندي لا يخلو من نوع اشكال ، فان ما ذكره وان كان كذلك من حيث الإهداء للميت لكن شرعية هذه الصلاة على هذا الوجه المخصوص من الكيفية والزمان وكمية العدد المشهور فيها ونحو ذلك لما لم يثبت من طريق أهل البيت (عليهم‌السلام) فهو لا يخلو من احتمال البدعية وعدم المشروعية ، فإن العبادة وان كانت من حيث كونها عبادة راجحة ومستحبة لكن لو انضم الى ذلك أمر آخر من التخصيص بكيفية مخصوصة أو زمان مخصوص أو نحو ذلك من المشخصات مع عدم ثبوت ذلك شرعا فإنه يكون تشريعا ، ألا ترى ان الأخبار قد استفاضت بتحريم صلاة الضحى (4) مع كونها صلاة والصلاة خير موضوع (5) إلا انه لما انضم الى

__________________

(1) لم نقف عليها في كتبهم بعد الفحص حتى ان ابن قدامة في المغني ج 2 ص 567 ذكر ما ينتفع به الميت من دعاء واستغفار وغير ذلك ولم يذكر هذه الصلاة.

(2 و 3) الوسائل الباب 28 من الاحتضار.

(4) الوسائل الباب 31 من أعداد الفرائض ونوافلها.

(5) ارجع الى التعليقة 1 ص 478.


ذلك تخصيص استحبابها بهذا الوقت المخصوص والعدد المخصوص ونحو ذلك من الخصوصيات مع عدم ثبوت ذلك شرعا حصلت الحرمة وصارت بدعة ، والحكم كذلك في هذه الصلاة مع عدم ثبوت مشروعيتها على هذا الوجه المذكور عن أهل البيت (عليهم‌السلام) واحتمال كون تلك الأخبار من طرق العامة كما لا يخفى. والله العالم.

الحادية عشرة ـ صلاة الاستطعام أي الصلاة له عند الجوع رواها الكليني والشيخ عن شعيب العقرقوفي (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) من جاع فليتوضأ وليصل ركعتين ثم يقول : يا رب انى جائع فأطعمني. فإنه يطعم من ساعته».

الثانية عشرة ـ صلاة الحبل بمعنى أن يطلب ان يحبل له رواها الشيخ والكليني عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «من أراد أن يحبل له فليصل ركعتين بعد الجمعة يطيل فيهما الركوع والسجود ثم يقول : اللهم إني أسألك بما سألك به زكريا إذ قال رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ، اللهم هب لي ذرية طيبة إنك سميع الدعاء اللهم باسمك استحللتها وفي أمانتك أخذتها فإن قضيت لي في رحمها ولدا فاجعله غلاما ولا تجعل للشيطان فيه نصيبا ولا شركا».

الى غير ذلك من الصلوات المذكورة في كتب الدعاء كالمصباح للشيخ ومصباح الكفعمي وغيرهما ومن أرادها فليرجع إليها ، والاشتغال بغيرها مما هو أهم في المقام اولى من التطويل بذكرها زيادة على ما ذكرنا. والله العالم.

تم الجزء العاشر من كتاب الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة

ويتلوه الجزء الحادي عشر والحمد لله أولا وآخرا

__________________

(1) الوسائل الباب 25 من بقية الصلوات المندوبة.

(2) الوسائل الباب 38 من بقية الصلوات المندوبة.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *