ج23 - التحريم - النكاح الصحيح

المطلب الثالث

فيما يحرم بالمصاهرة

وهي على ما ذكره الأصحاب علاقة تحدث بين الزوجين وأقرباء كل منهما بسبب النكاح توجب الحرمة ، ويلحق بالنكاح الوطي والنظر واللمس على وجه مخصوص.

قال شيخنا الشهيد الثاني : هذا هو المعروف من معناها لغة وعرفا فلا يحتاج إلى إضافة وطئ الأمة والشبهة والزنا ونحوه إليها وإن أوجب حرمة على بعض الوجوه ، إذ ذاك ليس من المصاهرة بل من جهة ذلك الوطي وإن جرت العادة بإلحاقها بها في بابها. انتهى.

أقول : وكيف كان فلا بد من الكلام على كل من هذه المذكورات وتحقيق الحال فيها ، ثم الكلام فيما يلحق بذلك ، فهنا مقصدان :

الأول : في الكلام على هذه المذكورات ، وذلك يكون في مقامات.

الأول : في النكاح الصحيح وفيه مسائل :

الأولى : من وطأ امرأة بالعقد الصحيح دواما أو متعة أو بالملك حرم على الواطئ أم الموطوءة وبناتها وإن سفلن ، تقدمت ولادتهن أو تأخرت ولو لم تكن في حجره.

قال السيد السند في شرح النافع : هذه الأحكام مجمع عليها بين المسلمين فلا حاجة إلى التشاغل بأدلتها. انتهى.

ولا يتوهم من ظاهر الآية اشتراط كون الربائب في الحجر حيث وصف الربائب المحرمات بكونهن في الحجر ، فإنه إنما خرج مخرج الغالب ، وقد وقع الاتفاق نصا وفتوى على أن هذا الوصف غير معتبر ، والأخبار من الخاصة والعامة مستفيضة بالتحريم ، سواء كن في الحجر أم لا ، فالوصف للتعريف لا للتخصيص.


فروى الشيخ في التهذيب عن غياث بن إبراهيم (1) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام «أن عليا عليه‌السلام قال : إذا تزوج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالأم ، فإذا لم يدخل بالأم فلا بأس أن يتزوج بالابنة ، فإن تزوج الابنة فدخل بها أو لم يدخل بها فقد حرمت عليه الام ، وقال : الربائب عليكم حرام ، كن في الحجر أو لم يكن».

وروى في الفقيه (2) قال : «قال علي عليه‌السلام : الربائب عليكم حرام» الحديث.

وعن إسحاق بن عمار (3) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام «أن عليا عليه‌السلام كان يقول : الربائب عليكم حرام مع الأمهات اللاتي قد دخلتم بهن ، هن في الحجور وغير الحجور سواء» الحديث.

وروى في الكافي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (4) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة متعة ، أيحل له أن يتزوج ابنتها؟ قال : لا».

وروى الشيخ عن محمد بن مسلم (5) في الصحيح قال : «سألت أحدهما عليهما‌السلام عن رجل كانت له جارية فأعتقت فتزوجت فولدت ، أيصلح لمولاها الأول أن يتزوج بنتها؟ قال : لا ، هي عليه حرام وهي ابنته ، والحرة والمملوكة في هذا سواء».

وما رواه في الفقيه عن العلاء عن محمد بن مسلم (6) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل كانت له جارية وكان يأتيها فباعها ، فأعتقت وتزوجت فولدت ابنة

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 273 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 351 ح 4.

(2) الفقيه ج 3 ص 262 ح 33 ، الوسائل ج 14 ص 352 ح 6.

(3) التهذيب ج 7 ص 273 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 351 ح 3.

(4) الكافي ج 5 ص 422 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 277 ح 11 ، الوسائل ج 14 ص 350 ح 1.

(5) التهذيب ج 7 ص 277 ح 12 ، الوسائل ج 14 ص 358 ح 6.

(6) الفقيه ج 3 ص 287 ح 11 ، الوسائل ج 14 ص 358 ح 6.


هل يصلح ابنتها لمولاها الأول؟ قال : هي حرام عليه».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن جميل بن دراج (1) عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما‌السلام «في رجل كانت له جارية فوطأها ثم اشترى أمها أو بنتها ، قال : لا تحل له» وزاد في الكافي «أبدا».

إلى غير ذلك من الأخبار المتكاثرة في حكم الإماء الدالة على التحريم ولكن قد ورد في مقابلتها أخبار أخر ـ وإن كانت أقل عددا ـ دالة على عدم التحريم في الإماء ، وإنما ذلك مخصوص بالحرائر.

ومنها ما رواه الشيخ عن رزين بياع الأنماط (2) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام رجل كانت له جارية فوطأها فباعها أو ماتت ، ثم وجد ابنتها أيطأها؟ قال : نعم ، إنما هذا من الحرائر ، أما الإماء فلا بأس». ومثلها رواية أخرى لرزين (3) أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام.

ورواية الفضل بن يسار (4) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كانت له مملوكة يطأها فماتت ثم يصيب بعد ، ابنتها قال : لا بأس ليست بمنزلة الحرة».

وأجاب الشيخ عن هذه الأخبار بتأويلات لا يخلو من بعد ، ولا أعلم قائلا بهذه الأخبار ، بل قد عرفت مما قدمنا نقله عن صاحب المدارك في شرح النافع دعوى الإجماع على التحريم في تلك الأشياء المعدودة التي من جملتها هذا الفرد.

وكيف كان فإنه كما يحرم على الواطئ أم الموطوءة وبناتها كما تقدم يحرم على الموطوءة أبو الواطئ وإن علا وأولاده وإن سفلوا تحريما مؤبدا.

ولو تجرد العقد عن الوطي حرمت المعقود عليها على أب العاقد وإن علا ،

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 431 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 276 ح 7 ، الوسائل ج 14 ص 357 ح.

(2 و 3 و 4) التهذيب ج 7 ص 278 ح 17 و 18 وص 279 ح 20 ، الوسائل ج 14 ص 360 ح 16 و 14 و 15.


وأولاده وإن سفلوا.

أما تحريمها على أب العاقد بمجرد العقد فلقوله تعالى (1) «وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ» الشامل لمن كانت مدخولا بها وغيرها ، وقوله تعالى (2) «وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ» والنكاح حقيقة في العقد كما صرح به جمع من الأصحاب ولو نوقش بأنه حقيقة في الوطي أو مشترك فالآية الأولى كافية في الاستدلال.

وأما تحريمها على ابنه فيدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة والفضيل (3) عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث العامرية والكندية ، «قال أبو جعفر عليه‌السلام : لو سألتهم عن رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها أتحل لابنه؟ قالوا : لا ، فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أعظم حرمة من آبائهم».

وما رواه في التهذيب عن يونس بن يعقوب (4) قال : «قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام رجل تزوج امرأة فمات قبل أن يدخل بها أتحل لابنه؟ فقال : إنهم يكرهونه». والمراد بالكراهة هنا التحريم كما هو شائع في الأخبار.

الى غير ذلك من الأخبار ، وحرمت بنتها على العاقد جمعا لا عينا ، فلو فارق الام ولم يدخل بها جاز له تزويج البنت لقوله تعالى (5) «وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ» وهو صريح في الحكم المذكور.

وهل تحرم أمها بنفس العقد أم لا تحرم إلا بالدخول بالبنت؟ المشهور الأول ، وذهب ابن أبي عقيل إلى الثاني ، والأخبار في المسألة مختلفة ، وإن كان الظاهر هو المشهور وحيث إن بعض محققي متأخري المتأخرين استشكل في

__________________

(1 و 2) سورة النساء ـ آية 23 و 22.

(3) الكافي ج 5 ص 421 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 313 ح 4.

(4) التهذيب ج 7 ص 281 ح 27 ، الوسائل ج 14 ص 315 ح 9.

(5) سورة النساء ـ آية 23.


المسألة غاية الاشكال وبعضا آخر (1) كذلك أيضا قد جعلها مما يرجى حكمه حتى يظهر الحق لما فيها من الإعضال ، رأيت أن أبسط الكلام في المقام بتوفيق الملك العلام بما لم يسبق إليه سابق من علمائنا الأعلام.

فأقول وبه سبحانه الثقة لا دراك المأمول ونيل المسؤل : من الأدلة الدالة علي القول المشهور قوله عزوجل في تعداد المحرمات «وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ».

والتقريب فيها أن ظاهر قوله تعالى «وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ» في تعداد المحرمات المعدودة ، هو الشمول للمدخول بهن وغيرهن ، فإن الجمع المضاف يفيد العموم كما قرر في محله ، وبهذا المعنى وردت الأخبار المأثورة في تفسير الآية المذكورة كما ستمر بك إن شاء الله.

ونقل شيخنا الشهيد الثاني في المسالك (2) عن ابن عباس في هذه الآية أنه قال : أبهموا ما أبهم الله ، يعني عمموا حيث عمم بخلاف الربائب ، فإنه قيدهن بالدخول بأمهاتهن فيتقيدن.

وأنت خبير بأن ظاهر قوله سبحانه «وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ» نعت للنساء اللواتي هن أمهات الربائب لا غير ، وعلى ذلك أيضا تدل الأخبار الآتية ، وبذلك يظهر لك صحة دلالة الآية بطرفيها على القول المذكور.

وأما على تقدير قول ابن أبي عقيل ، فإنهم قد حملوا الآية على أن قيد الدخول راجع إلى المعطوف والمعطوف عليه ، وأن يكون قوله تعالى «مِنْ نِسائِكُمُ» راجعا

__________________

(1) أما الأول فهو السيد السند صاحب المدارك في شرحه على النافع ، والثاني هو المحقق المدقق الشيخ أحمد بن الشيخ محمد بن يوسف البحراني صاحب رياض المسائل وحياض الدلائل (منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) المسالك ج 1 ص 477.


إلى الجميع أيضا لا إلى الجملة الأخيرة ، فيكون المعنى بالنسبة إلى تعلقه بالجملة الاولى «وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ... مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ».

ورد الحمل المذكور (أولا) بأن الوصف والشرط والاستثناء المتعقب للجمل يجب عوده للأخيرة ، كما حقق في الأصول ، إلا مع قيام القرينة الدالة على خلاف ذلك.

و (ثانيا) أن رجوع «مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ» إليهما غير مستقيم حيث إن (من) على تقدير التعلق بالجملة الأولى تكون بيانية لبيان الجنس وتمييز المدخول بهن من غير المدخول بهن ، فيكون التقدير حرمت عليكم أمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن.

وعلى تقدير التعلق بربائبكم تكون ابتدائية ، لابتداء الغاية كما تقول : بنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خديجة (رضي‌الله‌عنها) ، ويمتنع أن يراد بالكلمة الواحدة في الخطاب الواحد معنيان مختلفان.

و (ثالثا) ما نقله في كتاب مجمع البيان عن الزجاج من أن الخبرين إذا اختلفا لم يكن نعتهما واحدا ، قال : لا يجيز النحويون «مررت بنسائكم وهربت من نساء زيد الظريفات» على أن يكون الظريفات نعتا لهؤلاء النساء وهؤلاء النساء. انتهى.

أقول : ونحوه ما نقله بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين عن أحمد بن محمد المقري في شرح الوجيز للشافعي حيث قال ـ بعد كلام في المقام ـ : وذهب بعض الأمة المتقدمين إلى جواز نكاح الأم إذا لم يدخل بالبنت ، وقال : الشرط الذي في الآية يعم الأمهات والربائب وجمهور العلماء على خلافه ، لأن أهل العربية ذهبوا إلى أن الخبرين إذا اختلفا لا يجوز أن يوصف الاسمان بوصف واحد ، فلا يجوز «قام عمرو وقعد زيد الظريفان» وعلله سيبويه باختلاف العامل في الصفة لأن العامل في الصفة هو العامل في الموصوف.


وبيانه في الآية أن قوله «اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ» يعود عند القائل إلى «نِسائِكُمْ» وهو مخفوض بالإضافة ، وإلى «رَبائِبُكُمُ» وهو مرفوع ، والصفة الواحدة لا تتعلق بمختلفي الاعراب ولا بمختلفي العامل كما تقدم. انتهى.

و (رابعا) وهو أقواها وأمتنها وأظهرها وأبينها ـ وإن كانت هذه الوجوه كلها ظاهرة بينة الدلالة على المطلوب ـ الأخبار الواردة بتفسير الآية حيث إنها فصلت بين الجملتين وصرحت بأن الجملة الأولى مطلقة شاملة للمدخول بها وغيرها ، والثانية مقيدة وأن القيد المذكور راجع إليها على الخصوص ، ومنه يعلم دلالة الأخبار أيضا على الحكم المذكور ، وتطابق القرآن معها على الدلالة على القول المشهور ويظهر بطلان ما ادعوه من حمل الآية على ذلك المعنى أتم الظهور.

فمن الأخبار المشار إليها رواية إسحاق بن عمار (1) «عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام «أن عليا عليه‌السلام كان يقول : الربائب عليكم حرام مع الأمهات اللاتي قد دخلتم بهن في الحجور وغير الحجور سواء ، والأمهات مبهمات دخل بالبنات أم لم يدخل ، فحرموا وأبهموا ما أبهم الله».

وهذه الرواية كما ترى صريحة الظهور في القول المشهور ، وفيها إشارة إلى تفسير الآية بالإطلاق في الجملة الاولى والتقييد في الثانية ، فإن قوله عليه‌السلام : «والأمهات مبهمات» مأخوذ من إبهام الباب ، بمعنى إغلاقه ، وأمر مبهم لا مأتي له ، أو من أبهمت الشي‌ء إبهاما إذا لم يتبينه ، أو من قولهم فرس مبهم ، وهو الذي لا يخالط لونه لون أحمر ، والمعنى أنها مغلقة في التحريم لا مدخل للحل فيها بوجه ، أو أنها لم تبين وتفصل أو أنها لم تميز تميز الربائب بوقوع التقييد بالدخول الذي أوجبه الاستثناء فيها ، فكأنه لم يخلط صفة حرمتها بحل ، فهي كالمصمتة لا يخالطها لون سوى لونها.

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 273 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 351 ح 3.


ومنها رواية غياث (1) وقد تقدمت بتمامها في صدر المسألة وهي أيضا صريحة الدلالة على القول المشهور.

ومنها موثقة أبي بصير (2) قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، فقال : تحل له ابنتها ولا تحل له أمها». وهي أيضا صريحة الدلالة على المراد.

ومنها ما رواه العياشي في تفسيره عن أبي حمزة (3) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة وطلقها قبل أن يدخل بها ، أتحل له ابنتها؟ قال : فقال : وقد قضى في هذا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لا بأس به إن الله تعالى يقول «وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ». ولكنه لو تزوج الابنة ثم طلقها قبل أن يدخل بها لم تحل له أمها ، قال : قلت : أليس هما سواء؟ قال : فقال : لا ليس هذه مثل هذه ، إن الله تعالى يقول «وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ» لم يستثن في هذه كما اشترط في تلك ، هذه هنا مبهمة ليس فيها شرط وتلك فيها شرط.

أقول : وهذه الرواية نص في المطلوب صريحة في المعنى الذي حملنا عليه الآية ، وبه يظهر ضعف تلك التخريجات الباردة والتوهمات الشاردة في حمل الآية على القول الآخر.

ومما استدل به للقول الآخر صحيحة منصور بن حازم (4) المروية في الكافي قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام ، فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوج امرأة

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 273 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 351 ح 4.

(2) التهذيب ج 7 ص 273 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 352 ح 5.

(3) تفسير العياشي ج 1 ص 230 ح 74 ، الوسائل ج 14 ص 356 ح 7.

(4) الكافي ج 5 ص 422 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 274 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 354 ح 1.


فماتت قبل أن يدخل بها ، أيتزوج بأمها؟ فقال : أبو عبد الله عليه‌السلام قد فعله رجل منا فلم نر به بأسا ، فقلت : جعلت فداك ما تفخر الشيعة إلا بقضاء علي عليه‌السلام في هذه الشمخية التي أفتاها ابن مسعود أنه لا بأس بذلك.

ثم أتى عليا عليه‌السلام فسأله ، فقال له علي عليه‌السلام : من أين أخذتها؟ فقال : من قول الله عزوجل (1) «وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ» فقال علي عليه‌السلام : إن هذه مستثناة ، وهذه مرسلة وأمهات نسائكم ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام للرجل : أما تسمع ما يروى هذا عن علي عليه‌السلام؟ فلما قمت ندمت وقلت : أي شي‌ء صنعت يقول هو : قد فعله رجل منا فلم نر به بأسا ، وأقول أنا : قضى علي عليه‌السلام فيها فلقيته بعد ذلك فقلت له : جعلت فداك مسألة الرجل إنما كان الذي قلت يقول كان ذلة منى ، فما تقول فيها؟ فقال : يا شيخ تخبرني أن عليا عليه‌السلام قضى بها وتسألني ما تقول فيها؟».

وروى هذه الرواية أيضا العياشي في تفسيره عن منصور بن حازم (2) وفيها «فقلت له : والله ما تفخر الشيعة على الناس إلا بهذا ، إن ابن مسعود أفتى في هذه الشمخية أنه لا بأس بذلك». إلى آخر ما تقدم.

قوله عليه‌السلام «إن هذه مستثناة» إشارة إلى تحريم الربائب ، ومعنى كونها «مستثناة» أي مقيدة ، فإن التحريم مقيد بالدخول بالأم ، والكلام المقيد من حيث القيد فيه استثناء لما خرج عن محل القيد ، فكأنه قيل حرمت عليكم الربائب إلا مع عدم الدخول بالأم.

وقوله «هذه مرسلة» راجع إلى تحريم الأمهات ، ومعنى كونها «مرسلة» أي مطلقة مأخوذ من قولهم «دابة مرسلة» أي غير مربوط : وهو يقابل التقييد

__________________

(1) سورة النساء ـ آية 22.

(2) تفسير العياشي ح 1 ص 231 ح 75 ، الوسائل ج 14 ص 354 ح 1.


الذي في الاولى ، والمراد أن تحريم الأمهات مع العقد على البنات مطلق ، سواء دخل بالبنت أم لا ، فقوله «وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ» بدل من قوله «وهذه مرسلة» ، والواو من الكلام المحكي فلا يتوهم كونها عاطفة.

وهذه الرواية مما استدل به لابن أبي عقيل ، وهي ـ عند التأمل الصادق في سياقها ـ بالدلالة على القول المشهور أشبه ، فإن عدوله عليه‌السلام عن الجواب الصريح بالجواز في قوله «قد فعله رجل منا فلم نر به بأسا» ، مع احتمال كون الفعل المنفي بالياء وضمير الغائب مجهولا أو معلوما إنما كان لنوع علة في المقام ، والظاهر أنها للتقية.

والاستدلال بالخبر مبني على كون الفعل المنفي بالنون ، ليكون دالا على أنهم لا يرون بذلك بأسا ، وهو غير متعين.

ويؤيده بأظهر تأييد قول منصور بن حازم ونقله عن علي عليه‌السلام ما نقله مع عدم تكذيب الامام عليه‌السلام له ولا إنكاره عليه ، بل ظاهره تقريره على ذلك ، سيما ما تضمنه الكلام من افتخار الشيعة بقضاء علي عليه‌السلام في هذه الواقعة المؤيد بما تضمنته الأخبار المتقدمة من حكاية ذلك عن علي عليه‌السلام ، ونسبته إلى الشيعة بطريق الجزم يشعر باستفاضته يومئذ إن لم ندع أنه مجمع عليه إذ لا يقصر عن قول ـ بعض الفقهاء في كتبهم ـ وهذا مذهب الشيعة فإنهم يجعلونه مؤذنا بدعوى الإجماع ، بل إجماعا حقيقة ، وأن قول الصادق عليه‌السلام أخيرا لما اعتذر إليه منصور بن حازم من تعرضه عليه «يا شيخ تخبرني أن عليا عليه‌السلام قضى فيها وتسألني ما تقول» مراد به : أن قولي قول علي عليه‌السلام في ذلك وقضائه ، فكيف تسألني بعد علمك بقضاء علي عليه‌السلام فيها.

وبالجملة فسوق الكلام ينبئ عن الإبهام في جوابه عليه‌السلام لذلك الرجل ، ولعل وجه الإبهام ما ذكره بعض مشايخنا الاعلام من متأخري المتأخرين من أنه حيث كان نقل الشيعة عن علي عليه‌السلام في هذه الواقعة خلاف ما نقله العامة عنه


حيث قال العلامة في التذكرة ، ونقل العامة عن علي عليه‌السلام أنه يشترط في تحريم الام الدخول بالبنت كالبنت ، وبه قال أنس بن مالك ، ومجاهد وداود الأصفهاني وبشر المريسي كان عدم التصريح بتصحيح ما نقله منصور بن حازم من تقية ، وعدم التصريح بجواب أصل المسألة دفعا لما يدل عليه الجواب من تصحيح أحد النقلين. وبالجملة فالرواية لما فيها من الإجمال والاحتمال لا تصلح للاستدلال.

ومنها صحيحة جميل وحماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام على ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في كتابيه (1) قال : «الام والابنة سواء إذا لم يدخل بها ، يعني إذا تزوج المرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها فإنه إن شاء تزوج أمها وإن شاء تزوج ابنتها» (2).

وأنت خبير بأنه لا دلالة في هذه الرواية صريحا ولا ظاهرا إلا بمعونة التفصيل المذكور وهو غير معلوم كونه من الامام عليه‌السلام ، بل الظاهر أنه من بعض الرواة ، وحينئذ فلا يكون حجة.

وبالجملة فإن حجية الاستدلال به موقوفة على كون ذلك عن الامام عليه‌السلام وهو غير معلوم ولا ثابت. وأما أصل الرواية مع قطع النظر عن هذا التفسير المذكور فيحتمل أن يكون المعنى فيه أنه إذا تزوج الام ولم يدخل بها فالام والبنت

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 421 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 273 ح 4 وفيه «الام والبنت» ، الوسائل ج 14 ص 355 ح 3.

(2) قال الشيخ (رحمه‌الله) بعد نقل هذا الخبر : هذا الخبر مخالف للقرآن فلا يجوز العمل عليه ، لانه روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام أنهم قالوا إذا جائكم عنا حديث فاعرضوه على كتاب الله ، فإذا وافق كتاب الله فخذوه وما خالف فاطرحوه وردوه إلينا. قال : ويجوز أن يكون ورد مورد التقية لأنه موافق لمذهب بعض العامة ، انتهى.

أقول : قد عرفت مما ذكرنا في الأصل أن ما ذكره غير محتاج اليه الا مع ثبوت كون تلك الزيادة عنه عليه‌السلام وهو غير معلوم. (منه ـ قدس‌سره ـ).


سواء في أصل الإباحة فإن شاء دخل بالأم وإن شاء فارقها وتزوج البنت ، ويؤيده إفراد الضمير فإنه راجع إلى الأم.

ويحتمل أن يكون معناه أنه إذا تزوج الام والبنت ولم يدخل بهما فهما سواء في التحريم جمعا لا عينا.

ومما يؤيد ما ذكرنا ـ من أن التفسير ليس من أصل الرواية ـ أن صاحب الوسائل نقل هذه الرواية في أخبار المسألة من كتاب النوادر لأحمد بن محمد بن عيسى (1) عارية عن هذه الزيادة.

نعم روى هذه الرواية الصدوق في الفقيه بما هذه صورته : عن جميل بن دراج (2)» أنه سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها أتحل له ابنتها؟ قال : الام والابنة في هذا سواء إذا لم يدخل بإحداهما حلت له الأخرى».

وهذه الرواية وإن كانت صريحة الدلالة على القول المذكور ، إلا أنه من المحتمل قريبا أن قوله ـ «إذا لم يدخل بإحداهما حلت له الأخرى» ـ تفسير بالمعنى من الصدوق (رحمه‌الله) تبعا لما فسر به في تلك الرواية لما علم من تصرفه في الأخبار على حسب ما ذهب إليه فهمه.

ويؤيده اختلاف المحدثين في نقل الخبر فبين من نقله عاريا من التفسير بالكلية وبين ما نقله بلفظ يعني كما في الرواية المتقدمة ، وبين من نقله بما يوهم كونه من أصل الخبر كما فعله في الفقيه ، ومع هذا الاحتمال فلا يتم الوثوق والاعتماد على الخبر المذكور.

نعم ربما كان نقل الصدوق للخبر بهذه الكيفية مؤذنا بكون مذهبه ذلك بناء على قاعدته في كتابه ، إلا أن فيه أنا قد تحدينا مواضع عديدة في كتابه

__________________

(1) الوسائل ج 14 ص 355 ح 3.

(2) الفقيه ج 3 ص 262 ح 32 ، الوسائل ج 14 ص 356 ح 6.


وقت قراءة بعض الأعلام الكتاب علينا فوجدناه في جملة من المواضع قد جمع فيها بين الأخبار المتنافية التي لا يمكن جعلها جميعا مذهبا له ، ولم يذكر وجه الجمع فيها بما يوجب رجوع بعضها إلى بعض ، كما لا يخفى على من راجع الكتاب ، وتأمله حق التأمل في هذا الباب.

ومنها معلقة محمد بن إسحاق بن عمار (1) قال : «قلت له رجل تزوج امرأة فهلكت قبل أن يدخل بها تحل له أمها ، وما الذي يحرم عليه منها ولم يدخل بها». وهذه الرواية أوضح ما استدل به لهذا القول.

وكيف كان فالقول الفصل ـ في هذا المقام والمذهب والذي لا يعتريه شائبة الإبهام ـ هو أن يقال : لا ريب في صراحة الروايات الأول في الدلالة على القول المشهور ، ولا شبهة في مطابقتها للكتاب العزيز ، ولا سيما مع ما ورد من تفسيرها بذلك عنهم عليهم‌السلام كما دريت.

وقد استفاض عنهم عليهم‌السلام عرض الأخبار عند التعارض والاختلاف عليه ، والأخذ بما وافقه وطرح ما خالفه ، وهذه الأخبار الدالة على هذا القول الآخر ظاهرا أو احتمالا مخالفة له فيجب طرحها بمقتضى القاعدة المذكورة ، ومع التحاشي عن طرحها بالكلية فما كان منها قابلا للحمل على ما يجتمع به على تلك الأخبار يجب أن يصار إليه ، تفاديا من طرحها ، وما لا يكون قابلا لذلك يجب حمله على التقية التي هي الأصل في اختلاف الأخبار في جميع الأبواب.

ويعضد ذلك شهرة الحكم بالقول المشهور سابقا ولا حقا كما سمعت من صحيحة منصور بن حازم (2) بتقريب ما ذيلناها به.

وأما نسبة هذا القول إلى الصدوق كما ذكره في المختلف ففيه ما عرفت ، ويؤيده أيضا أنه قال في كتاب المقنع إذا تزوج البنت فدخل بها أو لم يدخل

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 275 ح 6 ، الوسائل ج 14 ص 356 ح 5.

(2) التهذيب ج 7 ص 274 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 354 ح 1.


فقد حرمت عليه الام.

وقد روى «أن الأم والبنت في هذا سواء إذا لم يدخل بإحداهما حلت له الأخرى».

وهو ظاهر في فتواه بالقول المشهور ، ونسبة القول الآخر إلى الرواية ، والمعلوم من حاله وعادته أنه لا يختلف فتواه في كتبه كغيره من المجتهدين.

وبالجملة فهو قرينة ظاهرة فيما نقلناه ، ويعضد أخبار القول المشهور موافقتها للاحتياط الذي هو أحد المرجحات المنصوصة عند التعارض كما تضمنه مرفوعة زرارة.

وبما قررناه في هذه السطور وأوضحناها بما لا يداخله القصور يظهر لك قوة القول المشهور ، وأنه المؤيد المنصور.

وأما من استشكل في هذه المسألة من المحققين المتقدمين ، فإن منشأ ذلك بالنسبة إلى أولهما أنه حيث كان من أرباب هذا الاصطلاح المحدث ، ولا يعمل من الأخبار إلا على الصحيح منها أو الحسن.

وأخبار إلا على الصحيح منها أو الحسن. وأخبار القول المشهور وإن كانت ضعيفة باصطلاحه ، إلا أن المشهور العمل بها ، حصل له الاشكال والتوقف لمعارضة صحة تلك الروايات بشهرة العمل بهذه الروايات ، وهذا الاشكال مفروغ عنه عندنا ، حيث إنه لم يقم لنا دليل على صحة هذا الاصطلاح ، بل الأدلة قائمة على خلافه وأنه إلى الفساد أقرب من الصلاح ، كما تقدم إيضاحه في مقدمات الكتاب في الجلد الأول من كتاب الطهارة (1).

وأما ثانيهما فإنه قال ـ بعد الكلام في المقام بإبرام النقض ونقض الإبرام ـ : ويمكن ترجيح قول ابن أبي عقيل بأصالة الحل ، وقوله عليه‌السلام (2) «كل شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه». وظاهر الكتاب لا يأباه ، بحيث إن

__________________

(1) ج 1 ص 14.

(2) الكافي ج 5 ص 313 ح 40 التهذيب ج 7 ص 226 ح 9 ، الوسائل ج 12 ص 60 ح 4.


الخبر المخالف له يعد مخالفا للكتاب المخالفة الموجبة للرد.

واحتمال إطلاق أخبار التحريم شدة الكراهة المقتضي للجمع بين الأخبار الذي هو أولى من العمل بها المقتضى لطرح أخبار الجواز أصلا ورأسا ، والمسألة قوية الإشكال جدا ، ثم ساق الكلام إلى أن قال : هذه المسألة من المعضلات المأمور بالإرجاء حتى يظهر الحق. انتهى كلامه ، علت في الفردوس أقدامه.

وفيه نظر من وجوه : الأول : أن أصالة الحل التي استند إليها فهو مما يجب الخروج عنها بعد قيام الدليل على خلافها ، وقد تقدم ذلك من الكتاب والسنة على وجه واضح الظهور ، بل كالنور على الطور.

الثاني : أن ما استند إليه من خبر «كل شي‌ء لك حلال» مردود بأن الظاهر أن أفراد هذه الكلية إنما هي موضوعات الحكم الشرعي ، لا نفس الحكم الشرعي كما تقدم إيضاحه في مسألة الإنائين من كتاب الطهارة ، وفي مقدمات الكتاب من جلد كتاب الطهارة ، وكذا مثل ذلك في كتاب الدرر النجفية ، فأفراد هذه الكلية إنما هي الأفراد المعلوم حلها ثم يعرض لها ما يوجب الشك في التحريم ، فإنه يجب استصحاب الحكم بحلها المعلوم أولا حتى يثبت التحريم ، فلا يكتفي في ذلك بالظن فضلا عن الشك.

والغرض من ذلك بيان سعة الشريعة وسهولتها ، ودفع الوساوس الشيطانية ، وحينئذ فافرادها الجهل بمعروض الحكم الشرعي ، لا أن إفرادها الجهل بالحكم الشرعي ، ومن أحب تحقيق الكلام في هذا المقام ، فليرجع إلى المواضع المذكورة.

الثالث : قوله «وظاهر الكتاب لا يأباه» فإن فيه ما عرفت سابقا من الوجوه الدالة على بطلان حمل الآية على هذا المعنى فظهور الآية في إبائه مما لا يستراب فيه ، ولا شك يعتريه كما لا يخفى على من نظر إلى ما قدمناه بعين الإنصاف ، وبه يكون مخالفتها موجبة للرد بلا ريب ولا إشكال.

الرابع : قوله «واحتمال إطلاق أخبار التحريم شدة الكراهة فإنه بعيد


غاية البعد عن سياق تلك الأخبار سيما ما تضمن منها تفسير الآية مع اعتضادها بظاهر الآية وعدم صراحة المخالف من الأخبار في المخالفة سوى الرواية الأخيرة التي يضعف عن مقاومة تلك الأخبار.

وما تمسك به ـ من لزوم طرح المقابل متى عمل على أخبار التحريم ـ مردود بما ذكرنا سابقا من أن الأخبار المقابلة منها ما ليس بصريح في المخالفة ، بل يمكن حمله على تلك الأخبار.

وما كان صريحا أو ظاهرا يمكن حمله على التقية ولو لم يكن قائلا به من العامة بالكلية كما تقدم بيانه في غير موضع ، فكيف مع وجود القائل ، فلا يلزم ما توهمه من طرحها بالكلية.

وبالجملة فأخبار التحريم مع صراحتها مؤيدة بالقرآن ، والشهرة في قوله عليه‌السلام (1) «خذ بما اشتهر بين أصحابك». والاحتياط الذي هو كما عرفت من جملة المرجحات ، وليعلم أن ما ذكرنا هنا من هذا التحقيق قد سبق لنا قبل تصنيف هذا الكتاب ، فأثبتنا هنا كما هو ، لما فيه من الإحاطة بأطراف الكلام في الباب ، والله العالم.

المسألة الثانية : لا خلاف بين الأصحاب (رضي‌الله‌عنهم) في أنه لا يحرم مملوكة الأب على الابن ولا العكس بمجرد الملك ، وأما مع وطئ كل منهما مملوكته ، فإنها تحرم على الآخر : قال السيد السند في شرح النافع : هذان الحكمان إجماعيان منصوصتان.

أقول : أما عدم التحريم بمجرد الملك فلأن الأصل الإباحة حتى يقوم دليل على التحريم ، والمحرمات معدودة في الأخبار وكلام الأصحاب ، وليس منها بمجرد ملك الأب أو الابن بالنسبة إلى الآخر ، وهو ظاهر.

__________________

(1) عوالي اللئالي ج 3 ص 129 ح 12 ، مستدرك الوسائل ج 3 ص 185 ب 9 ح 2.


وأما حصول التحريم بالوطء فلقوله عزوجل (1) «وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ» بناء على كون النكاح حقيقة في الوطي ، وقوله عزوجل (2) «وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ» والحليلة : فعلية بمعنى المفعول ، والمراد المحللة وهي شاملة للزوجة والمملوكة.

ويمكن المناقشة بأن التحليل يحصل بمجرد العقد والملك فإنها تكون محللة بأيهما حصل ، والمراد هنا الوطي ، فالآية أعم من المطلوب ، والأظهر الرجوع في ذلك إلى الأخبار.

ومنها رواية زرارة المروية في الكافي (3) قال أبو جعفر عليه‌السلام في حديث : «إذا أتى الجارية وهي حلال فلا تحل تلك الجارية أبدا لابنه ولا لأبيه».

وتدل عليه الأخبار الكثيرة الآتية الدالة على التحريم بالنظر بشهوة والتقبيل ونحو ذلك ، فإنه إذا أوجب ذلك التحريم أوجبه الوطي بطريق أولى.

وبالجملة فإن الحكم اتفاقي لا خلاف فيه ولا يجوز لكل من الأب والابن أن يطأ مملوكة الآخر إلا بعقد أو ملك أو تحليل لقبح التصرف في مال الغير بغير إذنه عقلا وشرعا ، وعموم الأدلة الدالة على ذلك لكل من الأب والابن بالنسبة إلى مال الآخر جارية كان أو غيرها ، نعم يجوز للأب أن يقوم جارية ابنه الصغير على نفسه ثم يطأها لدلالة الأخبار على ذلك.

ومنها ما رواه في الكافي عن داود بن سرحان (4) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل تكون لبعض ولده جارية ، وولده صغار ، فقال : لا يصلح أن يطأها حتى

__________________

(1 و 2) سورة النساء ـ آية 22.

(3) الكافي ج 5 ص 419 ح 7 ، التهذيب ج 7 ص 281 ح 25 ، الوسائل ج 14 ص 318 ح 5.

(4) الكافي ج 5 ص 471 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 271 ح 87 ، الوسائل ج 14 ص 544 ح 4.


يقومها قيمة عدل ثم يأخذها ، ويكون لولده عليه ثمنها».

وعن عبد الرحمن بن الحجاج (1) في الصحيح أو الحسن قال : «قلت له : الرجل يكون لابنه جارية ، إله أن يطأها ، فقال : يقومها على نفسه قيمة ويشهد على نفسه بثمنها أحب إلي». وإطلاقه محمول على الابن الصغير.

وعن محمد بن إسماعيل (2) والظاهر أنه ابن بزيع ، فيكون الخبر صحيحا قال : «كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام في جارية لابن لي صغير ، أيجوز لي أن أطأها؟ فكتب : لا ، حتى تخلصها».

أقول : الظاهر أن المراد بقوله «حتى تخلصها» أي تخرجها عن ملكه بالشراء وضمان القيمة كما دل عليه غيره من الأخبار.

وأما ما رواه في الكافي والتهذيب (3) عن الحسن بن محبوب في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام : إني كنت وهبت لابنتي جارية حيث زوجتها فلم تزل عندها في بيت زوجها حتى مات زوجها ، فرجعت إلي هي والجارية ، أفتحل لي الجارية أن أطأها فقال : قومها بقيمة عادلة ، واشهد على ذلك ، ثم إن شئت تطأها».

فهو محمول على اذن البنت بذلك ، كما يدل عليه ما رواه في الكتابين (4) المذكورين عن الحسن بن صدقة قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام فقلت : إن بعض أصحابنا روى أن للرجل أن ينكح جارية ابنه وجارية ابنته ولي ابنة وابن ولا بنتي جارية اشتريتها لها من صداقها ، أفيحل لي أن أطأها؟ فقال : لا ، إلا

__________________

(1 و 2) الكافي ج 5 ص 471 ح 3 و 4، الوسائل ج 14 ص 543 ح 3 و 2.

(3) الكافي ج 5 ص 471 ح 5 ، التهذيب ج 6 ص 345 ح 91 ، الوسائل ج 12 ص 198 ح 1.

(4) الكافي ج 5 ص 471 ح 6 ، التهذيب ج 7 ص 272 ح 89 ، الوسائل ج 14 ص 544 ح 5.


بإذنها ، قال الحسن بن الجهم : أليس قد جاء أن هذا جائز؟ قال : نعم ذاك إذا كان هو سببه ، ثم التفت إلي وأومى نحوي بالسبابة فقال : إذا اشتريت أنت لابنك وكان الابن صغيرا ولم يطأها حل لك أن تقتضها فتنكحها ، وإلا فلا ، إلا بإذنهما».

قال في المسالك : ويجوز للأب تقويم أمة الصغير على نفسه بأن يتملكها بعقد شرعي مملك لا بمجرد التقويم ، إذ لا ينتقل الملك به ، وبدون الانتقال لا يباح الوطي. انتهى.

أقول : قد عرفت من هذه الأخبار ومثلها غيرها أيضا مما لم ننقله أنه لا تعرض فيها ولو بالإشارة إلى هذا العقد ، وقد عرفت في غير موضع مما تقدم أن الأمر في العقود أوسع دائرة مما ذكروه وضيقوا به من تلك الصيغ الخاصة بالترتيب والشروط التي ذكروها ، فإنه لم يقم على شي‌ء منه دليل ، بل الدليل على خلافه واضح السبيل.

وقد صرح جمع من الأصحاب ـ منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ـ بأنه لا يشترط وجود المصلحة في ذلك للابن ، بل يكفى انتفاء المفسدة ، والظاهر أن المستند في ذلك إطلاق النصوص المذكورة. وهل يتعدى الحكم إلى الجد أم لا؟ قال في المسالك : وجهان أجودهما ذلك لاشتراكهما في المعنى ، وقال سبطه في شرح النافع : ولا يتعدى ذلك إلى الجد ولا إلى غيره من الأولياء.

أقول : والمسألة محل إشكال من حيث إن مورد النصوص الأب ، والحكم على خلاف الأصول فيقتصر فيه على مورد النص ، ومن حيث صدق الأب على الجد وإن علا ، ومشاركته للأب في أحكام كثيرة ، ولا ريب أن الأحوط العدم ، وظاهر الأصحاب أيضا أنه لا فرق في جواز ذلك بين كون الأب مليا أم لا ، عملا بإطلاق النصوص.


تنبيهات :

الأول : لو وطأ أحدهما مملوكة الآخر من غير شبهة فلا ريب في كونه زانيا ، وإنما الكلام في تحريمها بذلك على الآخر وسيأتي الكلام فيه ـ إن شاء الله ـ في التحريم بالزناء وعدمه ، ويحد الابن دون الأب.

قال في المسالك : والفرق بين الأب والابن بعد النص إن الأب أصل له فلا يناسبه إثبات العقوبة عليه بخلاف العكس. انتهى.

ولو كان ثمة شبهة ، فلا حد على واحد فيهما ، ولو حملت مملوكة الأب من الابن بوطى‌ء الشبهة انعتق الولد ، ولا قيمة على الابن ، لأن ولد الولد ينعتق على جده من حين الولادة ، ولو حملت مملوكة الابن من الأب لم ينعتق ، لأن المالك للجارية هو الابن ، وهو أخو المولود ، والأخ لا ينعتق على أخيه ، وعلى الأب فكه بالقيمة ، نعم لو كان المولود أنثى عتقت على أخيها.

الثاني : تحرم أخت الزوجة جمعا لا عينا ، فيحرم الجمع بينهما في الدائم والمنقطع ، وفي النكاح بالملك سواء كانت الأختية لأب وأم أو لأحدهما ، ولو أراد نكاح الأخت الأخرى بعد أن نكح الاولى فليس له ذلك حتى تخرج الاولى من العدة أو يكون الطلاق بائنا.

وإذا انقضى أجل المتعة فلا يجوز العقد على أختها حتى تنقضي العدة على الصحيح ، وإن كان المشهور خلافه ، حتىقال ابن إدريس في كتابه وقد روي في المتعة (1) «إذا انقضى أجلها أنه لا يجوز العقد على أختها حتى تنقضي عدتها» ، وهي رواية شاذة مخالفة لأصول المذهب لا يلتفت إليها ، ولا يجوز التصريح عليها. انتهى وهو جيد على أصله الغير الأصيل المخالف لما عليه كافة العلماء جيلا بعد جيل.

__________________

(1) السرائر ص 290 ، الكافي ج 5 ح 431 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 287 ح 45 ، الوسائل ج 14 ص 369 ح 1.


والذي يدل على هذه الأحكام جملة من الأخبار منها ما رواه في الكافي عن جميل بن دراج (1) في الصحيح عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما‌السلام «أنه قال في رجل تزوج أختين في عقدة واحدة ، قال : هو بالخيار يمسك أيتهما شاء ويخلى سبيل الأخرى».

وعن أبي بكر الحضرمي (2) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام رجل نكح امرأة ثم أتى أرضا فنكح أختها وهو لا يعلم ، قال : يمسك أيتهما شاء ، ويخلي سبيل الأخرى».

وعن أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل اختلعت منه امرأته ، أيحل له أن يخطب أختها من قبل أن تنقضي عدة المختلعة؟ قال : نعم ، قد برءت عصمتها منه ، وليس له عليها رجعة».

وعن الحلبي (4) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل طلق امرأته أو اختلعت أو بارئت ، إله أن يتزوج بأختها؟ قال : فقال : إذا برءت عصمتها ولم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أختها ، قال : وسئل عن رجل كانت عنده اختان مملوكتان فوطئ إحداهما ثم وطئ الأخرى ، قال : إذا وطأ الأخرى فقد حرمت عليه الاولى حتى تموت الأخرى ، قال : أرأيت إن باعها أتحل له الأولى؟ قال : إن كان يبيعها لحاجة ولا يخطر على قلبه من الأخرى شي‌ء فلا أرى بذلك بأسا ، وإن كان إنما يبيعها ليرجع إلى الاولى فلا ، ولا كرامة».

وعن زرارة (5) في الحسن «عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل طلق امرأته وهي

__________________

(1 و 2) الكافي ج 5 ص 431 ح 3 و 2، التهذيب ج 7 ص 285 ح 39 و 41، الوسائل ج 14 ص 368 ح 2 وص 369 ح 2.

(3) الكافي ج 6 ص 144 ح 9 ، الوسائل ج 15 ص 480 ح 1.

(4) الكافي ج 5 ص 432 ح 7 الوسائل ج 15 ص 480 ح 2.

(5) الكافي ج 5 ص 432 ح 8 لكن عن أبى جعفر عليه‌السلام ، التهذيب ج 7 ص 286 ح 44 ، الوسائل ج 14 ص 371 ح 2.


حبلى أيتزوج أختها قبل أن تضع؟ قال : لا يتزوجها حتى يخلو أجلها».

وعن ابن أبي حمزة (1) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل طلق امرأته أيتزوج أختها؟ قال : لا ، حتى تنقضي عدتها ، قال : وسألته عن رجل ملك أختين أيطؤهما جميعا؟ فقال : يطؤ إحداهما ، وإذا وطئ الثانية حرمت عليه الاولى التي وطئ حتى تموت الثانية ، أو يفارقها ، وليس له أن يبيع الثانية من أجل الأولى ليرجع إليها ، إلا أن يبيع لحاجة أو يتصدق بها أو تموت ، قال : وسألته عن رجل كانت له امرأة فهلكت ، أيتزوج أختها؟ فقال : من ساعته إن أحب».

وما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد (2) في الصحيح قال : «قرأت في كتاب رجل إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : جعلت فداك الرجل يتزوج المرأة متعة إلى أجل مسمى فينقضي الأجل بينهما ، هل له أن ينكح أختها من قبل أن تنقضي عدتها؟ فكتب : لا يحل له أن يتزوجها حتى تنقضي عدتها».

وسيأتي تحقيق الكلام في جملة من هذه الأحكام المذكورة في هذه الأخبار في الأبحاث الآتية إن شاء الله.

الثالث : قالوا : لو وطئ الأب زوجة ابنه لشبهة لم تحرم على ابنه لسبق الحل كما هو أحد القولين ، لأن وطئ الشبهة إنما يحرم بناء على القول المشهور به إذا كان سابقا على النكاح ، فلو كان متأخرا كما هنا لم يحرم ، ولو قلنا بأنه يحرم سابقا ولا حقا حرمت على الابن.

قالوا : ويتفرع على الخلاف ما لو وطأها الابن ثانيا ، فإن قلنا بأنه يحرم لا حقا فقد حرمت عليه ، فلو وطأها ثانيا وكانا عالمين بالتحريم فهو زان ولا مهر

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 432 ح 9 ، التهذيب ج 7 ص 290 ح 54 لكن ليست فيه الفقرة الأولى ، الوسائل ج 15 ص 481 ح 3.

(2) الكافي ج 5 ص 431 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 287 ح 45 ، الوسائل ج 14 ص 369 ح 1.


لها سوى الأول ، وإن كانا جاهلين أو هي جاهلة فإن لها بهذا الوطي مهر المثل كغيره من وطئ الشبهة ، فيكون لها على الولد مهران حينئذ : المسمى الأول ، ومهر المثل ثانيا ، ولها على أبيه أيضا مهر المثل لوطء الشبهة.

المسألة الثالثة : في الجمع بين العمة وبنت أخيها ، والخالة وبنت أختها أجمع العامة على تحريم الجمع في النكاح بين ما ذكرناه لقوله عليه‌السلام (1) «لا تجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها». والضابط عندهم تحريم الجمع بين كل امرأتين لو كانت إحداهما ذكرا لحرم عليه نكاح الأخرى.

قال في المسالك : وهذا ضابط حسن ، لأنه يدخل فيه الجمع بين الأختين ، وبين البنت وأمها وإن علت وابنتها وإن سفلت ، ويبقي الكلام في الجمع بين العمة مع بنت الأخ ، والخالة مع بنت الأخت.

أقول : صحة هذه الضابطة وثبوت كونه ضابطا يتوقف على قيام الدليل بتحريم الجمع مطلقا في تلك الأفراد ، فأي فرد قام الدليل عليه كذلك صح اندراجه تحت هذا الضابط ، ومحل البحث لما كان بمقتضى أدلتهم كونه كذلك صح اندراجه.

وأما مقتضى أدلتنا وأخبارنا فحيث إنه لم يكن كذلك لجواز الجمع مع الرضاء والاذن كما سيظهر لك إن شاء الله فإنه لا يندرج تحت الضابط المذكور بل يكون الضابط المذكور مخصوصا بالأختين والبنت وأمها والام وبنتها.

وكيف كان فالكلام هنا يقع في موضعين (أولهما) المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) حتى كاد يكون إجماعا ، بل نقل الإجماع العلامة في التذكرة وقبله المرتضى في الانتصار والشيخ في الخلاف ، جواز الجمع بين من ذكرناه بشرط رضاء العمة والخالة ، فبدونه يحرم ذلك ، ونقل عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 332 ح 3 وفيه «لا يحل للرجل أن يجمع الى آخره» ، الوسائل ج 14 ص 376 ح 7.


الجواز مطلقا ، وعن الصدوق في المقنع مطلقا ، والظاهر هو القول المشهور.

وأما ما يدل على الجواز في الجملة فعموم قوله عزوجل (1) «وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ» بعد أن عدد المحرمات جمعا وعينا.

وما رواه علي بن جعفر (2) قال : «سألت أخي موسى عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة على عمتها أو خالتها؟ قال : لا بأس ، لأن الله عزوجل قال (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ)».

أقول : وهذه الرواية لم تصل إلينا في كتب الأخبار المشهورة ، وإنما نقلها العلامة في المختلف عن ابن أبي عقيل في ضمن كلامه ، وسيأتي نقل صورة عبارته ، وأنا أذكر هنا ما وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمقام.

فمنها ما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم (3) في الموثق عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا تتزوج ابنة الأخ ولا ابنة الأخت على العمة ولا على الخالة إلا بإذنهما ، وتزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما».

ورواه الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم (4) عنه (عليه‌السلام) مثله إلا أنه قال : «لا تنكح وتنكح».

وعن أبي عبيدة الحذاء (5) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها إلا بإذن العمة والخالة».

وما رواه الشيخ عن علي بن جعفر (6) عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام «قال :

__________________

(1) سورة النساء ـ آية 24.

(2) الوسائل ج 14 ص 377 ح 11.

(3) الكافي ج 5 ص 424 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 375 ح 1.

(4) الفقيه ج 3 ص 260 ح 23 ، الوسائل ج 14 ص 375 ح 1.

(5) الكافي ج 5 ص 424 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 375 ح 2.

(6) التهذيب ج 7 ص 333 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 375 ح 3.


سألته عن امرأة تزوجت على عمتها وخالتها؟ قال : لا بأس ، وقال : تزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت ، ولا تزوج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلا برضا منهما ، فمن فعل فنكاحه باطل».

وعن محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «تزوج العمة والخالة على بنت الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما».

وبالإسناد عن محمد بن مسلم (2) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا تزوج ابنة الأخت على خالتها إلا بإذنها ، وتزوج الخالة على ابنة الأخت بغير إذنها».

وعن أبي الصباح الكناني (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها».

وعن أبي عبيدة (4) قال : «سمعت أبا عبد الله يقول : لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على أختها من الرضاعة».

وما رواه الصدوق والكليني مثله (5).

وعن مالك بن عطية (6) عنه عليه‌السلام قال : «لا يتزوج المرأة على خالتها ، ويتزوج الخالة على ابنة أختها».

وما رواه الصدوق في كتاب العلل عن محمد بن مسلم (7) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إنما نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تزويج المرأة على عمتها وخالتها إجلالا للعمة

__________________

(1 و 2) التهذيب ج 7 ص 332 ح 1 و 2، الوسائل ج 14 ص 376 ح 5 و 6.

(3 و 4) التهذيب ج 7 ص 332 ح 3 و 6، الوسائل ج 14 ص 376 ح 7 و 8.

(5) الكافي ج 5 ص 445 ح 11 ، الفقيه ج 3 ص 260 ح 21 ، الوسائل ج 14 ص 376 ح 8.

(6) الفقيه ج 3 ص 260 ح 22 ، الوسائل ج 14 ص 377 ح 9.

(7) العلل ص 499 ب 257 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 377 ح 10.


والخالة ، فإذا أذنت في ذلك فلا بأس».

وما رواه أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره بسنده عن محمد بن مسلم (1) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا تنكح ابنة الأخت على خالتها ، وتنكح الخالة على ابنة أختها ، ولا تنكح ابنة الأخ على عمتها ، وتنكح العمة على ابنة أخيها».

وبسنده عن محمد بن مسلم (2) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا تنكح الجارية على عمتها ولا على خالتها إلا بإذن العمة والخالة ، ولا بأس أن تنكح العمة والخالة على بنت أخيها وبنت أختها».

وما رواه الشيخ عن السكوني (3) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام «إن عليا عليه‌السلام أتي برجل تزوج امرأة على خالتها فجلده وفرق بينهما».

هذا ما وقفت عليه من أخبار المسألة ، وأنت خبير متى ضم بعضها إلى بعض يحمل مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها كما هو القاعدة المطردة في غير مقام من الأحكام فإنها ظاهرة في المراد ، عارية عن وصمة الإيراد.

وربما يقال إن هذا الجواب إنما يتم على تقدير جواز تخصيص القرآن بخبر الواحد ، وفيه أنه وإن وقع الخلاف في ذلك في الأصول إلا أن المختار ـ كما صرح به جمع من المحققين منهم شيخنا الشهيد الثاني في هذه المسألة ـ هو الجواز فلا منافاة.

فأما خبر السكوني المذكور فحمله الشيخ (رحمه‌الله) على عدم الرضاء وانتفاء الاذن ، وجوز حمله على التقية.

أقول : وهو الأظهر فإن العامة كما عرفت مجمعون على تحريم الجمع مطلقا ، وبذلك يظهر لك قوة القول المشهور ، وأنه المؤيد المنصور.

وقال ابن أبي عقيل على ما نقله عنه في المختلف لما عد المحرمات في الآية

__________________

(1 و 2) الوسائل ج 14 ص 377 ح 12 و 13.

(3) التهذيب ج 7 ص 332 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 376 ح 4.


قال : فهذه جملة النساء التي حرم الله نكاحهن وأحل نكاح ما سواهن ألا تسمعه يقول بعد هذه الأصناف الستة «وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ» فمن ادعى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرم عليه غير هذه الأصناف وهو يسمع الله يقول «وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ» فقد أعظم القول على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد قال : ألا لا يتعلقن على أحد بشي‌ء فإني لا أحل إلا ما أحل الله ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه ، وكيف أقول ما يخالف القرآن وبه هداني الله عزوجل.

وقد روي عن علي بن جعفر (1) قال : «سألت أخي موسى عليه‌السلام». ثم ساق الرواية كما قدمناه ، وقال ابن الجنيد : وقول الله عزوجل «وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ» غير حاظر الجمع بين العمة وابنة الأخ أو الخالة وابنة الأخت والحديث الذي روى فيه إنما هو نهي احتياط لا تحريم.

وقد روي جوازه إذا تراضيا عن أبي جعفر عليه‌السلام وموسى بن جعفر عليه‌السلام قال يحيى بن الحسن وعثمان المثنى : والاحتياط عندي ترك ذلك ، ومن عقده لم ينفسخ كما ينفسخ نكاح الأخت على الأخت ، والأم علي البنت انتهى.

وظاهره في المسالك المنع من دلالة كلاميهما على الجواز مطلقا ، كما فهمه الأصحاب قال : لأنهما أطلقا القول بالجواز واستدلا بالآية ، وهو مذهب الأصحاب

وإنما الكلام في أمر آخر وهو غير مناف لما أطلقاه مع أن ابن الجنيد قال ـ عقيب ذلك ـ : وقد روي جوازه إذا تراضيا عن أبي جعفر وموسى بن جعفر عليهما‌السلام وعادته في كتابه أن يعد قول الأئمة كذلك مع اختياره له ، وحجتهما الآية والخبر السابق عن الكاظم عليه‌السلام الدالان على الحل ، وجوابه أنهما مطلقان والأخبار الأخرى مقيدة ، فيجب الجمع بحمل المطلق على المقيد. انتهى.

أقول : الظاهر ـ بعد ما تكلفه (قدس‌سره) ـ أن ظاهر كلاميهما إنما هو الجواز وإن لم يحصل الرضاء من العمة والخالة ، ألا ترى ابن الجنيد حمل الأخبار

__________________

(1) الوسائل ج 14 ص 377 ح 11.


المطلقة في المنع على الاحتياط الراجع إلى الكراهة ، وعضد ذلك بالرواية عن أبي جعفر وموسى عليهما‌السلام الدالة على الجواز مع التراضي.

ولو كان الأمر كما زعمه (قدس‌سره) لكان الواجب على ابن الجنيد أن يخصص خبر النهي بخبر التراضي ، فيقول إنه منهي عنه إلا مع التراضي.

وبالجملة فالظاهر من كلاميهما هو ما نقله الأصحاب عنهما من الجواز مطلقا.

وأما الصدوق فإنه قال في المقنع : ولا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على ابنة أخيها ولا على بنت أختها فعمم المنع ولم يفرق بين دخول العمة والخالة على بنت الأخ وبنت الأخت وبين العكس ، مع أن الأخبار كما عرفت قد صرحت بالفرق ، وهو (قدس‌سره) قد نقل جملة من هذه الأخبار في الفقيه ، فقوله بالتعميم هنا عجب خارج عن مقتضى قاعدته وعادته في فتاويه ، ويمكن تقييد إطلاقه هنا بالأخبار المذكورة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن تحقيق الكلام في المقام يتوقف على بيان أمور.

أحدها : أن المفهوم من الأخبار المتقدمة وبه صرح الأصحاب أنه ليس له إدخال بنت الأخ وبنت الأخت على العمة والخالة إلا مع إذن العمة والخالة (1) ، وله إدخال العمة والخالة على بنت الأخ وبنت الأخت من غير استيذان المدخول عليها ، ولا يعرف هنا مخالف إلا ما يظهر من ظاهر عبارة المقنع ، إلا أنك قد عرفت أن الأخبار على خلافه ، فإنها قد صرحت بجواز إدخال العمة والخالة وإن لم ترض المدخول عليها.

وثانيها : أنه هل يشترط علم العمة والخالة بكون المدخول عليها ابنة أخ

__________________

(1) أقول : المخالف في الصورة الأولى ابن أبى عقيل وابن الجنيد في ظاهر كلاميهما كما عرفت ، حيث قالا بالجواز مطلقا وفي الصورة الثانية ظاهر عبارة المقنع كما ذكرنا.

(منه ـ قدس‌سره ـ).


أو بنت أخت ويرضيان بذلك أم لا؟ أطلق أكثر الأصحاب الجواز ولم يشترطوا ذلك ، كما نقله السيد السند في شرح النافع ، وجزم العلامة في جملة من كتبه باشتراط ذلك ، ومستنده غير ظاهر من الأخبار التي قدمناها ، وهي أخبار المسألة كملا بل ظاهر إطلاقها عدمه.

وثالثها : أنه على تقدير القول باعتباره واشتراطه ، فلو أدخلهما جاهلتين بالحال فهل يقع العقد باطلا أم يتوقف عقد الداخلة على رضاها ، أم عقدها وعقد المدخول بها؟ أوجه : واستوجه في المسالك الوسط منها ، محتجا بأن جواز عقد الداخلة مشروط برضاها فلا وجه لإبطاله بدونه ، بل يقع موقوفا على الرضاء فإن حصل صح ، وإلا فلا ، ولهذا بطل الوجه الأول ، وعقد السابقة قد حكم بصحته ولزومه قبل العقد الثاني فيستصحب.

والحق في ذلك للداخلة ، فيتخير في عقد نفسها بين فسخه والرضاء بمصاحبة المدخول عليها ، وبهذا بطل الوجه الثالث ، قال : وكون رضاها شرطا في صحة جواز الجمع لا يدل على أزيد من ذلك ، لأن العقد لا يقصر عن عقد الفضولي ، وسيأتي تحقيقه. انتهى.

واختار سبطه في شرح النافع الأول من الوجوه الثلاثة قال : لأن إلحاق ذلك بعقد الفضولي لا يخرج عن القياس ، وهو جيد.

ورابعها : هل يختص هذا الحكم بالجمع بينهما بالزوجية ، فلا يحرم الجمع في الوطي بملك اليمين أو يعم التحريم؟ : وجهان : استظهر الأول منهما شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، وسبطه في شرح النافع مستندين إلى أن أكثر الروايات إنما وردت بلفظ التزويج ، وبعضها وإن عبر فيه بلفظ النكاح ، لكن الظاهر منه إرادة العقد سيما مع القول بكونه حقيقة في العقد ، وأيدوه بأن المملوكة ليست أهلا للإذن والسلطنة في النكاح ، فلا يكون استيذانها معتبرا.

وعلى هذا فلو كانت العمة والخالة أمتين ، وأدخل عليهما بنت الأخ والأخت


أمتين جاز ذلك للتعليل المذكور ، وأولى بالجواز لو كانت بنت الأخ وبنت الأخت حرتين ، فإنه لا يستأذن العمة ولا الخالة.

ولو كانت العمة والخالة حرتين وأدخلت عليهما بنت الأخ وبنت الأخت بالملك احتملا اعتبار استيذانهما ، لأن توقف إدخال الحرة عليهما على الاذن يقتضي توقف إدخال المملوكة عليه بطريق أولى ، إلا أنه ربما يناقش في ثبوت الأولوية من حيث عدم استحقاق الأمة للاستمتاع ، والاحتياط في أمثال هذه المواضع مما لا ينبغي تركه بل ربما كان واجبا.

و (ثانيهما) أنك قد عرفت أنه لا يجوز إدخال بنت الأخ وبنت الأخت على العمة والخالة إلا برضاهما ، وحينئذ فلو عقد عليهما وأدخلهما بدون ذلك ، فهل يقع عقد الداخلة باطلا خاصة مع لزوم عقد الاولى المدخول عليها ، أو يبطل عقد الداخلة ويتزلزل عقد المدخول عليها ، فلها أن يفسخ عقد نفسها ، أو يتزلزل العقدان السابق والطارئ ، أو يتزلزل العقد الطارئ خاصة بحيث يكون موقوفا على رضا المدخول عليها مع لزوم عقد المدخول عليها أقوال :

(أولها) للمحقق في كتابيه ، والوجه فيه أما بالنسبة في لزوم عقد الاولى فلانعقاده لازما ، والأصل بقاؤه حتى يقوم دليل على خلافه ، والنهي في الأخبار إنما توجه إلى العقد الثاني ، فلا موجب لتأثر الأول بوجه.

وأما بالنسبة إلى بطلان العقد الثاني فللنهي عنه في الأخبار المتقدمة المقتضي للفساد ولتصريح رواية علي بن جعفر (1) المتقدمة بأنه مع عدم رضاء العمة والخالة باطل ، ولأن ظاهر الأخبار المتقدمة أن رضاء العمة والخالة شرط في صحة العقد لأن قوله عليه‌السلام «لا يتزوج ابنة الأخت على العمة والخالة إلا بإذنهما» يقتضي النهي إلا مع مصاحبة الاذن واتصافه به ، فيجب حصوله وقت التزويج بمقتضى

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 333 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 375 ح 3.


ذلك.

واعترض على هذه الأدلة في المسالك فقال : إن النهى لا يدل على الفساد في المعاملات كما حقق في الأصول ، والخبر المصرح بالبطلان ـ مع ضعف سنده ـ يمكن حمله على البطلان مع كراهتهما لذلك جمعا بين الأدلة.

قال : ونمنع شرطية الرضاء في صحة العقد ، والأخبار لا يدل عليه ، لما عرفت من أن النهي لا يدل على الفساد بنفسه ، ودلالتها على اعتبار مصاحبة الاذن في وقوعه لازما أو غير منهي عنه لا مطلقا.

ثم قال : فإن قيل إن النهي في المعاملات وإن لم يدل على الفساد بنفسه ، لكنه إذا دل على عدم صلاحية المعقود عليها للنكاح ، فهو دال على الفساد من هذه الجهة كالنهي عن نكاح الأخت والعمة والخالة ، وكما في النهي عن بيع الغرر ، والنهي في محل النزاع من هذا القبيل.

قلنا : لا نسلم دلالته على عدم صلاحية المعقود عليها للنكاح ، فإنها عند الخصم صالحة له ، ولهذا صلحت مع الاذن بخلاف الأخت ، وبيع الغرر فإنهما لا يصلحان أصلا.

وصلاحية الأخت على بعض الوجوه كما لو فارق الأخت لا يقدح ، لأنها حينئذ ليست أختا للزوجة ، بخلاف بنت الأخت ونحوها فإنها صالحة للزوجية مع كونها بنت أخت الزوجة ، والأخبار دلت على النهي عن تزويجها ، وقد عرفت أنه لا يدل على الفساد ، فصار النهي عن هذا التزويج من قبيل ما حرم لعارض كالبيع وقت النداء لا لذاته ، والعارض هو عدم رضاء الكبيرة ، فإذا لحقه الرضاء زال النهي. انتهي كلامه زيد مقامه.

أقول : أما حمله ـ رواية علي بن جعفر الصريحة بالبطلان ـ على البطلان مع كراهتهما لذلك ، ففيه من البعد ما لا يخفى ، فإن لفظ الرواية هكذا «ولا يتزوج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلا برضاء منهما ، فمن فعل فنكاحه باطل». يعني من فعل بغير الرضا منهما فهو باطل ، وهو ظاهر في اشتراط مصاحبة الرضاء


للتزويج ، وإلا كان التزويج باطلا فالبطلان مترتب على عدم الرضاء وقت التزويج الذي هو أعم من الكراهة (1).

وأما ما ادعاه ـ من أن دلالة الأخبار على اعتبار مصاحبة الاذن إنما هو في وقوعه لازما أو غير منهي عنه لا مطلقا ، ـ فهو تقييد للأخبار من غير دليل ، بل ظاهرها إنما هو مصاحبته مطلقا ، لأن قولهم عليهم‌السلام في جملة من تلك الروايات المتقدمة «لا يتزوج ابنة الأخ وابنة الأخت على العمة والخالة إلا بإذنهما». ظاهر في اشتراط وقوع التزويج مطلقا بمصاحبة الإذن بمعنى أنه لا بد في وقوع العقد من الاذن ليصح ويترتب عليه أحكامه.

وأما ما ذكره من أن النهي لا يدل على الفساد في المعاملات ففيه ما ذكره سبطه السيد السند في شرح النافع من أن النهي وإن لم يقتض الفساد في المعاملات لكن الحكم بصحة العقد الذي تعلق به النهي يحتاج إلى دليل يدل عليه بخصوصه أو عمومه ، وبدونه يجب الحكم بالفساد ، وليس على صحة العقد الذي تعلق به النهي دليل من نص أو إجماع فيجب القول بعدم الترتب عليه لأن ذلك مقتضى الأصل ومنه يظهر اختياره (قدس‌سره) لهذا القول.

وحاصله أنه بعد نهي الشارع عن هذا العقد الدال على عدم اعتباره في نظره ، وإلا لما نهي عنه ـ لا يمكن الحكم بترتب أثر من الآثار عليه كما في غيره من العقود التي لم يتعلق بها نهي فلا بد للحكم بصحته وترتب آثار العقود عليه من دليل من خارج.

وبالجملة فإنه بواسطة النهي عنه قد صار محلا للريبة وتطرق البطلان إليه وإن لم يمكن الجزم ببطلانه ، وهو كلام موجه ، وكيف كان فإن الظاهر هو البطلان كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة ، ويؤيده أوفقيته للاحتياط المطلوب

__________________

(1) لان عدم الرضا يصدق مع علمهما وكراهتهما ذلك ويصدق مع عدم العلم بالكلية. (منه ـ قدس‌سره ـ).


سيما في النكاح.

و (ثانيها) لابن إدريس ، ودليله على بطلان عقد الداخلة النهي الوارد في الأخبار لدلالته على الفساد ، وأما تزلزل عقد المدخول عليها فلم يتعرض لدليله ، وكأنه أخذه من كلام الشيخ الآتي حيث انه نقل عنه أن العمة والخالة تتخير بين إمضاء عقد الداخلة وبين فسخ عقديهما والاعتزال ، ثم اعترض عليه بالنسبة إلى إمضاء عقد الداخلة بأنه لوقوعه من غير إذن عقد باطل للنهي عنه في الأخبار ، فلا بد من تجديد عقد جديد عند الرضاء ، وجمد على باقي كلامه.

وضعف هذا القول أظهر من أن يخفى ، فإن عقد الداخلة إذا وقع فاسدا كما حكم به لم يبق لتخيرها في فسخ عقد نفسها وجه لأن المقتضي للفسخ إنما هو حصول الجمع بين العمة وبنت أخيها ، والخالة وبنت أختها ، ومع وقوع العقد فاسدا لم يتحقق الجمع ، فلا موجب للفساد بالكلية.

و (ثالثها) للشيخين ومن تبعهما فإنهما قالا : تتخير العمة والخالة بين إمضاء عقد الداخلة وفسخه ، وبين فسخ عقد أنفسهما السابق والاعتزال ، ويكون اعتزالهما بمنزلة الطلاق وإن أمضيا العقد كان ماضيا ، ولم يكن لهما بعد ذلك فسخه.

وعلل القول المذكور بوقوع العقدين صحيحين ، وأما الأول فظاهر ، وأما الثاني فلأنه عقد صار من أهله في محله جامعا بشرائطه. ولا يؤثر تجدد البطلان بفسخ العمة والخالة في صحته الأصلية كغيره من العقود الموقوفة على رضاء الغير ، وإذا وقع صحيحا كانت نسبة العقدين إلى العمة والخالة على السواء ، ولما كان الجمع موقوفا على رضاهما تخيرتا في رفع الجمع بما شائتا من فسخ عندهما وعقد الداخلة.

وأورد عليه بأن العقد الأول لازم بالأصل ، والأصل يقتضي بقاءه على اللزوم إلى أن يثبت المزيل ، وما ذكر لا يصلح له ، لأن رفع الجمع يحصل بفسخ العقد الطارئ ، وهو متعلق الرضا ، ورفع الجمع وإن كان يحصل بفسخ أحد العقدين إلا أن فسخ السابق قد منع منه مانع شرعي وهو لزومه ، فتسلط على رفع الثاني خاصة ، وهو جيد.

و (رابعها) للعلامة في جملة من كتبه وجمع من المتأخرين ، ووجهه : أما بالنسبة إلى لزوم عقد المدخول عليها فلما تقدم.

وأما بالنسبة إلى تزلزل الطارئ من غير أن يكون باطلا فوجهه في المسالك قال : لعموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1) فإن المتنازع فيه إذا تعقبه رضاء من يعتبر رضاه اندرج في هذا العموم فوجب الحكم بصحته ، فقبل الرضاء لا يكون فاسدا ، وإلا لم ينقلب صحيحا ، ولا معنى للموقوف إلا ذلك.

قال : ولأنه عقد صدر بدون رضاء من يعبر رضاه في صحته ، فكان كالفضولي وقد تقدم صحة الفضولي في النكاح ، فهنا أولى ، لأن المدخول عليها ليس لها أولوية مباشرة العقد بل الرضاء به بخلاف الزوجة في عقد الفضولي فإن بيدها مباشرته والرضاء به ، فإذا صح في الأقوى لزم مثله في الأضعف بطريق أولى ، والنهي السابق في الأخبار قد عرفت أنه لا يدل على الفساد على المنع منه بدون الاذن ، وهو أعم من السابق واللاحق ، وعلى تقدير إرادة السابق لا يلزم الفساد ، قال : وهذا هو الأقوى. انتهى كلامه.

وأنت خبير بما فيه أما (أولا) فلما عرفت في غير مقام مما قدمناه من أن بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات التقريبية لا يخلو من مجازفة.

و (ثانيا) أنك قد عرفت مما قدمنا في القول الأول أن الأظهر هو البطلان في هذا العقد المتأخر ، وإليه يميل كلام سبطه في شرح النافع كما يدل عليه كلامه الذي قدمنا نقله ثمة.

و (ثالثا) أن المفهوم من الأخبار اعتبار تقدم الإذن ، فإن قوله عليه‌السلام «لا يتزوج إلا بإذن العمة والخالة». يعني لا يقع العقد إلا بعد الاذن ، سواء كانت الباء للمصاحبة أو السببية ، وحينئذ فلا يجزى الرضاء بعد وقوع العقد ليلحق ذلك بالفضولي ، أو يكون أولى منه ، وبه يظهر عدم اندراج هذا العقد تحت قوله «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» كما تكلفه ، إلى آخر ما ذيله به فإنها مجرد ادعاء ، ويمنعها الخصم.

وبالجملة فكلامه (قدس‌سره) هنا غير موجه عندي والأظهر عندي في المسألة هو القول الأول. والله العالم.

__________________

(1) سورة المائدة ـ آية 1.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *