ج7 - الأذان والإقامة

المقدمة السابعة
في الأذان والإقامة

الأذان لغة الاعلام ومثله الإيذان ، ومنه قوله تعالى «فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ» (4) اي اعلموا ، وعلى قراءة المد اي اعلموا من ورائكم بالحرب ، فالمد يفيد التعدي وفعله «أذن يأذن» ثم شدد للتعدية ، وشرعا أذكار مخصوصة موضوعة للاعلام بدخول أوقات الصلوات. والإقامة مصدر اقام بالمكان والتاء عوض عن الواو

__________________

(4) سورة البقرة ، الآية 279.

المحذوفة لأن أصله (إقوام) أو مصدر (أقام الشي‌ء) بمعنى ادامه ومنه «يُقِيمُونَ الصَّلاةَ» وشرعا أذكار مخصوصة عند إقامة الصلاة.

والاخبار بفضله وثوابه ـ وانه من وكيد السنن وانه وحي من الله تعالى لا ما تزعمه العامة العمياء ـ حتى انهم أجمعوا عليه ـ من نسبته إلى رؤيا عبد الله بن زيد في منامه (1) ـ مستفيضة متواترة ، ولا بأس بنقل جملة منها لان كتابنا هذا ـ كما قدمنا ذكره ـ كتاب اخبار وأحكام :

فروى الصدوق في من لا يحضره الفقيه (2) عن عبد الله بن علي قال : «حملت متاعي من البصرة إلى مصر فقدمتها فبينا انا في بعض الطريق إذا أنا بشيخ طويل شديد الادمة أبيض الرأس واللحية عليه طمران أحدهما أسود والآخر أبيض فقلت من هذا؟ فقالوا هذا بلال مولى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فأخذت الواحي فأتيته فسلمت عليه فقلت له السلام عليك ايها الشيخ فقال وعليك السلام فقلت يرحمك الله حدثني بما سمعت من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال وما يدريك من انا؟ فقلت أنت بلال مؤذن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال فبكى وبكيت حتى اجتمع الناس علينا ونحن نبكي ، قال ثم قال يا غلام من اي البلاد أنت؟ قلت من أهل العراق. قال بخ بخ ثم سكت ساعة ثم قال اكتب يا أخا أهل العراق بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول المؤذنون أمناء المؤمنين على صلاتهم وصومهم ولحومهم ودمائهم لا يسألون الله عزوجل شيئا إلا أعطاهم ولا يشفعون في شي‌ء إلا شفعوا. قلت زدني رحمك الله تعالى قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول من اذن أربعين عاما محتسبا بعثه الله عزوجل يوم القيامة وله عمل أربعين صديقا عملا مبرورا متقبلا. قلت زدني رحمك الله قال اكتب بسم الله الرحمن

__________________

(1) تيسير الوصول ج 2 ص 209.

(2) ج 1 ص 189 وفي الوسائل الباب 2 من الأذان والإقامة.


الرحيم سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول من اذن عشرين عاما بعثه الله عزوجل يوم القيامة وله من النور مثل زنة السماء. قلت زدني رحمك الله قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول من اذن عشر سنين أسكنه الله مع إبراهيم الخليل في قبته أو في درجته. قلت زدني رحمك الله قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول من اذن سنة واحدة بعثه الله عزوجل يوم القيامة وقد غفرت له ذنوبه كلها بالغة ما بلغت ولو كانت مثل زنة جبل أحد. قلت زدني رحمك الله قال نعم فاحفظ واعمل واحتسب سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول من اذن في سبيل الله صلاة واحدة إيمانا واحتسابا وتقريبا الى الله تعالى غفر الله له ما سلف من ذنوبه ومن عليه بالعصمة في ما بقي من عمره وجمع بينه وبين الشهداء في الجنة. قلت زدني يرحمك الله حدثني بأحسن ما سمعت من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال ويحك يا غلام قطعت أنياط قلبي وبكى وبكيت حتى اني والله لرحمته ثم قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول إذا كان يوم القيامة وجمع الله عزوجل الناس في صعيد واحد بعث الله عزوجل إلى المؤذنين ملائكة من نور ومعهم ألوية واعلام من نور يقودون جنائب أزمتها زبرجد أخضر وخفائفها المسك الأذفر يركبها المؤذنون فيقومون عليها قياما تقودهم الملائكة ينادون بأعلى صوتهم بالأذان. ثم بكى بكاء شديدا حتى انتحب وبكيت فلما سكت قلت مم بكاؤك؟ فقال ويحك ذكرتني شيئا سمعت حبيبي وصفيي عليه‌السلام يقول والذي بعثني بالحق نبيا انهم ليمرون على الخلق قياما على النجائب فيقولون الله أكبر الله أكبر فإذا قالوا ذلك سمعت لأمتي ضجيجا ، فسأله أسامة بن زيد عن ذلك الضجيج ما هو؟ قال الضجيج التسبيح والتحميد والتهليل فإذا قالوا اشهد ان لا إله إلا الله قالت أمتي إياه كنا نعبد في الدنيا فيقال صدقتم فإذا قالوا اشهد ان محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قالت أمتي هذا الذي أتانا برسالة ربنا جل جلاله وآمنا به ولم نره فيقال لهم صدقتم هذا


الذي أدى إليكم الرسالة من ربكم وكنتم به مؤمنين فحقيق على الله عزوجل ان يجمع بينكم وبين نبيكم فينتهي بهم الى منازلهم وفيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ثم نظر الي فقال ان استطعت ـ ولا قوة إلا بالله ـ ان لا تموت إلا وأنت مؤذن فافعل. فقلت يرحمك الله تفضل علي وأخبرني فاني فقير محتاج وأد الي ما سمعت من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإنك قد رأيته ولم أره وصف لي كما وصف لك رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بناء الجنة فقال اكتب. الحديث».

وروى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من اذن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنة».

وعن محمد بن مروان (2) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول المؤذن يغفر له مد صوته ويشهد له كل شي‌ء سمعه».

وروى الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «إذا أذنت وأقمت صلى خلفك صفان من الملائكة وإذا أقمت صلى خلفك صف من الملائكة».

وروى الصدوق مرسلا (4) «ان حد الصف ما بين المشرق والمغرب». وروى ايضا عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (5) انه قال : «من صلى بأذان واقامة صلى خلفه صفان من الملائكة لا يرى طرفاهما ومن صلى بإقامة صلى خلفه ملك».

وروى في الكافي عن عبد الرحمن بن ابي نجران رفعه (6) قال : «ثلاثة يوم القيامة على كثبان المسك أحدهم مؤذن أذن احتسابا».

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن ابن ابي عمير عن زكريا صاحب السابري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (7) قال «ثلاثة في الجنة على المسك الأذفر : مؤذن أذن ،

__________________

(1 و 2 و 6 و 7) الوسائل الباب 2 من الأذان والإقامة.

(3 و 4 و 5) الوسائل الباب 4 من الأذان والإقامة.


احتسابا ، وامام أم قوما وهم به راضون ، ومملوك يطيع الله ويطيع مواليه».

وروى في الكافي والتهذيب عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «كان طول حائط مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قامة وكان يقول لبلال إذا دخل الوقت يا بلال اعل فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان فإن الله تعالى قد وكل بالأذان ريحا ترفعه الى السماء وان الملائكة إذا سمعوا الأذان من أهل الأرض قالت هذه أصوات امة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بتوحيد الله عزوجل فيستغفرون لامة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حتى يفرغوا من تلك الصلاة».

ورؤيا في الكتابين المذكورين عن هشام بن إبراهيم (2) «أنه شكى الى ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) سقمه وانه لا يولد له فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله قال ففعلت ذلك فاذهب الله عني سقمي وكثر ولدي قال محمد بن راشد وكنت دائم العلة ما انفك منها في نفسي وجماعة خدمي وعيالي حتى كأنني كنت أبقى وما لي أحد يخدمني فلما سمعت ذلك من هشام عملت به فاذهب الله عني وعن عيالي العلل».

وروى في الكافي في الصحيح عن سليمان بن جعفر الجعفري (3) قال : «سمعته يقول اذن في بيتك فإنه يطرد الشيطان ويستحب من أجل الصبيان».

وروى في التهذيب في الصحيح عن عبد الرحمن ابي عبد الله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «إذا أذنت فلا تخفين صوتك فان الله يأجرك مد صوتك فيه».

إذا عرفت ذلك فالكلام في هذا المقام يقع في المؤذن وما يؤذن له ويقام من الصلوات وكيفية الأذان والإقامة والأحكام المتعلقة بهما فههنا مقامات أربعة :

(الأول) ـ قد صرح جملة من الأصحاب انه يشترط في المؤذن المنصوب في البلد للأذان ان يكون مسلما عاقلا ذكرا ولا يشترط فيه البلوغ بل يكفي كونه مميزا.

__________________

(1 و 4) الوسائل الباب 16 من الأذان والإقامة.

(2 و 3) الوسائل الباب 18 من الأذان والإقامة.


أقول : اما اشتراط الإسلام وان لا يكون كافرا فادعى عليه الإجماع جملة من الأصحاب ، ويدل عليه جملة من الاخبار الدالة على ان المؤذنين أمناء الناس على دينهم ومنها حديث بلال المتقدم والكافر ليس له أهلية الامانة.

وما رواه في الكافي في الموثق عن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال «سئل عن الأذان هل يجوز ان يكون من غير عارف؟ قال لا يستقيم الأذان ولا يجوز ان يؤذن به إلا رجل مسلم عارف فان علم الأذان فأذن به ولم يكن عارفا لم يجز أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به. الحديث» وفي بعض النسخ «ولا يعتد به».

وظاهر الخبر اشتراط الايمان فان لفظ العارف في الاخبار انما يطلق على العارف بالإمامة كما وقع في مواضع عديدة منها وهو الذي اختاره الشهيدان ، وظاهر عبارات أكثر الأصحاب اشتراط مجرد الإسلام فيكفي أذان المخالف بناء على حكمهم بإسلامه قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض : وهل يشترط في المؤذن مع الإسلام الإيمان؟ ظاهر العبارة عدم اشتراطه وينبه عليه ايضا حكمهم باستحباب قول ما يتركه المؤذن فإنه يشمل بإطلاقه المخالف ، وهو ظاهر فيه فان غير الناسي من المؤمنين لا يترك منه شيئا بل لو تركه اختيارا لم يعتد بأذانه ، وروى ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) «إذا نقص المؤذن الأذان وأنت تريد ان تصلي بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه». والأصح اشتراط الايمان مع الإسلام لقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (3) «يؤذن لكم خياركم». خرج منه ما اجمع على جوازه فيبقى الباقي ولقول الصادق (عليه‌السلام) (4) «لا يجوز ان يؤذن إلا رجل مسلم عارف». ولكونه أمينا. وهو الذي اختاره الشهيد فلا يعتد بأذانه وان أتمه لأن المانع الخلاف لا نقص الفصول. انتهى. وهو جيد وقوله «لان المانع الخلاف

__________________

(1 و 4) الوسائل الباب 26 من الأذان والإقامة.

(2) الوسائل الباب 30 من الأذان والإقامة.

(3) الوسائل الباب 16 من الأذان والإقامة.


أي كونه مخالفا غير مؤمن ، وربما يتوهم الخلاف يعني في المسألة ، وهو غلط محض.

وهل يصير الكافر بتلفظه بالشهادتين في الأذان أو الصلاة مسلما فيعتد بأذانه أم لا؟ المنقول عن العلامة في التذكرة الأول لأن الشهادة صريح في الإسلام ، وقد قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها». وفيه ان مجرد التلفظ بذلك غير موجب للإسلام لوقوعه من غير العارف بمعنى اللفظ كالأعجم أو على جهة الاستهزاء أو الحكاية أو الغفلة أو التأويل كما يقوله النصارى من ان محمدا نبي إلى العرب خاصة (لا يقال) ان هذا يجري أيضا في ما لو تلفظ بالشهادتين حال دعوته إلى الإسلام فيلزم ان لا يتحقق به إسلامه مع انه خلاف النص والإجماع (لأنا نقول) ذكر الشهادتين في الأذان وفي الصلاة ليس موضوعا للدلالة على الإسلام والإنباء عن اعتقاده والتدين به بل للإعلام في الأذان وكونهما جزء من العبادة في الصلاة بخلاف التلفظ بهما عند الدعوة الى الإسلام فإنهما موضوعان للدلالة على اعتقاد قائلهما بمضمونهما وان لم يكن في الواقع معتقدا لذلك فلذلك حقن بهما ماله ودمه ، وبذلك صرح الشهيدان ايضا.

واما اشتراط كونه عاقلا غير مجنون فلرفع القلم عن المجنون (2) فلا يعتد بعبادته والأمر فيه أظهر من ان يحتاج الى مزيد تطويل. نعم لو كان الجنون مما يعتوره أدوارا فلا مانع من الاعتداد بأذانه وقت إفاقته.

واما اشتراط الذكورة فهو على إطلاقه محل كلام إذ الظاهر انه لا خلاف في اعتداد النساء بأذان المرأة لهن ، قال في الذكرى : الأذان مشروع للنساء فيعتد بأذان المرأة لهن عند علمائنا وكذا لو أذنت للمحارم. وانما الإشكال في أذانها للأجانب ولعل المشترط هنا بنى على الأذان الإعلامي الذي على المنارة مثلا فيندفع عنه الإيراد بناء على ما اشتهر في

__________________

(1) صحيح مسلم ج 1 ص 39.

(2) الوسائل الباب 4 من مقدمة العبادات والباب 8 من مقدمات الحدود.


كلامهم من ان صوت المرأة عورة فلا يجوز لها إسماعه الأجانب ، إلا ان المنقول عن المبسوط هنا جواز إسماعها الأجانب والاعتداد به وان منعه من تأخر عنه ورد عليه في ذلك. وبالجملة فالمسألة مبنية عندهم على تحريم إسماع المرأة صوتها الرجال وهو مشهور عندهم ، والذي ثبت عندي ـ من تتبع الأخبار الكثيرة الدالة على تكلم النساء مع الناس في مجالس الأئمة (عليهم‌السلام) وكذا كلام فاطمة (عليها‌السلام) مع جملة من الصحابة وخروجها للمخاصمة في فدك في المسجد لجملة من فيه من الصحابة وإتيانها بعد المخاصمة والمجادلة بتلك الخطبة الطويلة المروية عند العامة والخاصة كما ذكرناها في كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن ابي الحديد ـ هو خلاف ما ذكروه وبه يظهر جواز اذانهن للأجانب ولو الأذان الإعلامي ، إلا انه ينبغي التوقف فيه من جهة أخرى وهو ان الأذان الإعلامي عبادة شرعية مبنية على التوقيف ولم يرد عنهم (عليهم‌السلام) الاذن للنساء في ذلك ولا وقوعه من النساء في زمانهم ولا الإشارة إلى شي‌ء من ذلك في أخبارهم بل انما يقع في جميع الأعصار ـ وبه خرجت الاخبار ـ من الرجال خاصة فيبقى التوقف فيه من هذه الجهة لا من جهة كون سماع صوتهن عورة فإنه لم يثبت على إطلاقه وان دل ظواهر بعض النصوص النادرة على ذلك فهو محمول على حصول الريبة بذلك ولا إشكال في التحريم مع ذلك. واما الاعتداد بأذان المميز فنقل في الذكرى الإجماع عليه ، قال فاما المميز فيعتد بأذانه إجماعا منا. أقول : ويدل عليه

ما رواه الشيخ في التهذيب مسندا عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (1) «ان عليا (عليه‌السلام) كان يقول لا بأس ان يؤذن الغلام قبل ان يحتلم».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «لا بأس ان يؤذن الغلام الذي لم يحتلم».

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 32 من الأذان والإقامة.


وفي كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (1) قال : «لا بأس ان يؤذن العبد والغلام الذي لم يحتلم».

قال شيخنا في الروض والمراد بالمميز من يعرف الأضر من الضار والأنفع من النافع إذا لم يحصل بينهما التباس بحيث يخفى على غالب الناس. واعترضه سبطه في المدارك بأنه مع عدم وضوح مأخذه رد إلى الجهالة.

أقول : لا يخفى ان الوارد في الاخبار المذكورة التي هي مستند الحكم المذكور انما هو الغلام قبل الاحتلام والتقييد بكونه مميزا انما وقع في كلامهم (رضوان الله عليهم) ولعل من عبر بذلك من المتقدمين فإنما أراد المراهق للبلوغ فإنه الأقرب الى عبارة الأخبار المذكورة. والظاهر ان ما أورده السيد على جده غير وارد ولو ثبت وجود هذا اللفظ في الاخبار فإنه متى ورد ذلك فالواجب بمقتضى قواعدهم الرجوع في معناه الى العرف ، وما ذكره جده هو مقتضى العرف في معنى التمييز.

(الثاني) قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يستحب اتصاف المؤذن للاعلام بأمور (أحدها) العدالة لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) «يؤذن لكم خياركم». وقوله (عليه‌السلام) (3) «المؤذن مؤتمن». ولانه ربما قلده ذوو الاعذار. وقطع الأصحاب عدا ابن الجنيد بصحة أذان الفاسق لكونه عاقلا كاملا فيعتبر أذانه عملا بالإطلاق ومنع ابن الجنيد ضعيف. قال في الروض واعلم ان استحباب كون المؤذن عدلا لا يتعلق بالمؤذن لصحة أذان الفاسق مع كونه مأمورا بالأذان بل الاستحباب راجع الى الحاكم بان ينصبه مؤذنا لتعم فائدته.

و (ثانيها) ان يكون صيتا اي رفيع الصوت ليحصل الغرض من الأذان وهو

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 26 من الأذان والإقامة.

(2) الوسائل الباب 16 من الأذان والإقامة.

(3) الوسائل الباب 3 من الأذان والإقامة.


الاعلام ، ويدل عليه ما تقدم من رواية عبد الله بن سنان الدالة على أمر الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بلالا بالعلو على الجدار وان يرفع صوته بالأذان.

وفي الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «لا يجزئك من الأذان إلا ما أسمعت نفسك وافهمته (2) وأفصح بالألف والهاء وصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كلما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره ، وكلما اشتد صوتك من غير ان تجهد نفسك كان من يسمع أكثر وكان أجرك في ذلك أعظم».

أقول : في هذا الحديث الشريف فوائد : منها ـ عدم اجزاء الأذان إذا لم يسمع نفسه والمراد منه الأذان الموظف في الصلاة عند إيقاعها جماعة أو فرادى إذا كان هو المؤذن.

ومنها ـ عدم الاجتزاء بسماع الهمهمة الغير المفهمة إذا كان المؤذن غيره كما أشار إليه بقوله «وافهمته» فإنه على ما ذكره شيخنا البهائي (قدس‌سره) بالبناء للمجهول ، قال وهو مضبوط كذلك في الكتب المعتبرة. ويحتمل عطفه على إسماع نفسه بان يكون عطفا تفسيريا واما الحمل على فهم معاني الأذان فبعيد جدا.

ومنها ـ استحباب الإفصاح بالألف والهاء وسيأتي ذكره في الباب ان شاء الله تعالى

ومنها ـ الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كلما ذكره الإنسان أو سمعه سواء كان في أذان أو غيره ، وهو ظاهر في الوجوب كما حققناه في موضع أليق خلافا للمشهور بين الأصحاب.

ومنها ـ رفع الصوت بالأذان من غير ان يتعب نفسه والمراد به الأذان الإعلامي ، ويؤيده في ذلك ايضا ما ورد في رواية محمد بن مروان عن الصادق (عليه‌السلام) (3) «المؤذن يغفر له مد صوته ويشهد له كل شي‌ء سمعه».

و (ثالثها) ان يكون حسن الصوت ، ذكره جمع منهم وعللوه بإقبال القلوب على

__________________

(1) الوسائل الباب 15 و 16 و 42 من الأذان والإقامة.

(2) كذا في الحبل المتين ص 200 وفي كتب الحديث «أو فهمته».

(3) الوسائل الباب 2 من الأذان والإقامة.


استماعه. وفيه ما لا يخفى فان الاستحباب حكم شرعي وإثبات الأحكام الشرعية بمثل هذه التعليلات العليلة مجازفة.

و (رابعها) ان يكون مبصرا ليتمكن من معرفة الأوقات ، ولو كان له من يسدده جاز بلا كراهة.

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (1) انه قال : «لا بأس ان يؤذن الأعمى إذا سدد وقد كان ابن أم مكتوم يؤذن لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو أعمى».

أقول : قد ورد أيضا في جملة من الاخبار عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) «إذا أذن ابن أم مكتوم فكلوا فإنه يؤذن بليل وإذا أذن بلال فأمسكوا». إلا ان يحمل أذان ابن أم مكتوم في هذا الخبر على بعض الأوقات التي يحصل له من يسدده فيها فلا اشكال

و (خامسها) ان يكون فصيحا ذكره بعضهم ، قال شيخنا الشهيد الثاني : الاولى ان يراد بالفصاحة هنا معناها اللغوي بمعنى خلوص كلماته وحروفه عن اللكنة واللثغة ونحوهما بحيث تتبين حروفه بيانا كاملا لا المعنى الاصطلاحي لأن الملكة التي يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح لا دخل لها في ألفاظ الأذان المتلقاة من غير زيادة ولا نقصان. انتهى.

أقول : وبهذا الشرط صرح في كتاب دعائم الإسلام نقلا عن علي (عليه‌السلام) (3) انه قال : «ليؤذن لكم أفصحكم وليؤمكم أفقهكم».

و (سادسها) ان يكون بصيرا بالأوقات عارفا بها ليأمن من الغلط ويقلده ذوو الاعذار. ولو اذن الجاهل في الوقت صح واعتد به لحصول المطلوب.

__________________

(1) مستدرك الوسائل نوادر ما يتعلق بأبواب الأذان والإقامة.

(2) الوسائل الباب 8 من الأذان والإقامة.

(3) مستدرك الوسائل الباب 15 من الأذان والإقامة.


و (سابعها) ان يكون متطهرا من الحدثين الأكبر والأصغر ، وهذا لا اختصاص له بالأذان الإعلامي بل يكون جاريا فيه وفي المؤذن لصلاته وحده أو جماعة. قال في المعتبر وعليه فتوى العلماء. وقال في المنتهى وعليه إجماع العلماء.

واستدل على استحباب الطهارة بقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) «حق وسنة ان لا يؤذن أحد إلا وهو طاهر». قالوا ولانه من سنن الصلاة ويستحب فيها الطهارة كالتوجه.

وأنت خبير بما في هذه الأدلة ، اما الرواية فالظاهر انها عامية لعدم وجودها في أخبارنا. واما التعليل الأخير فعليل ولا اعرف لهم دليلا غير الإجماع المدعى في المقام. نعم سيأتي في رواية كتاب دعائم الإسلام ما يدل على ذلك.

واما الأخبار الدالة على صحة الأذان من غير طهارة فهي مستفيضة : منها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) انه قال : «تؤذن وأنت على غير وضوء في ثوب واحد قائما أو قاعدا وأينما توجهت ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيأ للصلاة».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «لا بأس ان يؤذن الرجل من غير وضوء ولا يقيم إلا وهو على وضوء».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (4) قال : «سألته عن الرجل يؤذن على غير طهور؟ قال نعم».

وعن ابي بصير في الموثق (5) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) في حديث لا بأس ان تؤذن على غير وضوء».

وعن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (6) «ان عليا (عليه‌السلام) كان يقول في حديث : ولا بأس ان يؤذن المؤذن وهو جنب ولا يقيم حتى يغتسل».

__________________

(1) منتخب كنز العمال على هامش مسند احمد بن حنبل ج 3 ص 276.

(2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 9 من الأذان والإقامة.


وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن المؤذن يحدث في أذانه أو في إقامته؟ قال ان كان الحدث في الأذان فلا بأس وان كان في الإقامة فليتوضأ وليقم اقامة».

وما رواه عاصم بن حميد في كتابه عن عمرو بن ابي نصر (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) المؤذن يؤذن وهو على غير وضوء؟ قال نعم ولا يقيم إلا وهو على وضوء.».

وما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن الرجل يؤذن أو يقيم وهو على غير وضوء أيجزئه ذلك؟ قال اما الأذان فلا بأس واما الإقامة فلا يقيم إلا على وضوء. قلت فإن أقام وهو على غير وضوء أيصلي بإقامته؟ قال لا».

أقول : وهذه الأخبار المشتملة على ذكر الإقامة قد اشتركت كلها في عدم صحة الإقامة إلا متطهرا وهي صريحة في مذهب المرتضى في المصباح والعلامة في المنتهى من القول بوجوب الطهارة في الإقامة وهو الأصح وان كان المشهور الاستحباب كالأذان ولا اعرف لهم دليلا على الاستحباب زيادة على التمسك بمقتضى الأصل. وحملهم هذه الاخبار على تأكد الطهارة في الإقامة يحتاج الى المعارض وليس إلا الأصل الذي قد قرروا في غير موضع انه يجب الخروج عنه بالدليل والدليل ـ كما ترى ـ واضح.

و (ثامنها) ان يكون قائما وهذا ايضا كسابقه في عدم الاختصاص لما رواه الشيخ عن حمران (4) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الأذان جالسا؟ قال لا يؤذن جالسا إلا راكب أو مريض».

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 9 من الأذان والإقامة.

(2) مستدرك الوسائل الباب 8 من الأذان والإقامة.

(4) الوسائل الباب 13 من الأذان والإقامة.


والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان حكم الإقامة أيضا كذلك ، وقال الشيخ المفيد (قدس‌سره) في المقنعة : ولا تجوز الإقامة إلا وهو قائم متوجه إلى القبلة مع الاختيار. وهو صريح في اشتراطه القيام فيها وانها لا تجزئ مع القعود ، وقال ابن بابويه : ولا بأس بالأذان قائما وقاعدا ومستقبلا ومستدبرا وذاهبا وجائيا وهو على غير وضوء ، والإقامة على وضوء مستقبلا ، وان كان اماما فلا يؤذن إلا قائما.

أقول : والظاهر عندي من الاخبار المتكاثرة الواردة في هذا المقام هو ما ذكره شيخنا المفيد من وجوب القيام في الإقامة إلا مع العذر ، وها أنا أتلو عليك ما وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لا بأس للمسافر أن يؤذن وهو راكب ، ويقيم وهو على الأرض قائم».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) يؤذن الرجل وهو قاعد؟ قال نعم ولا يقيم إلا وهو قائم».

وعن احمد بن محمد عن عبد صالح (عليه‌السلام) (3) قال : «يؤذن الرجل وهو جالس ولا يقيم إلا وهو قائم. وقال تؤذن وأنت راكب ولا تقيم الا وأنت على الأرض». ورواه الكليني بسنده عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (4) مثله.

وعن ابي بصير في الموثق (5) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا بأس ان تؤذن راكبا أو ماشيا أو على غير وضوء ولا تقم وأنت راكب أو جالس إلا من علة أو تكون في أرض ملصة أي ذات لصوص».

وعن يونس الشيباني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (6) قال : «قلت له أؤذن وانا راكب؟ قال نعم. قلت فأقيم وانا راكب؟ قال لا. قلت فأقيم ورجلي في الركاب؟

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 13 من الأذان والإقامة.


قال لا. قلت فأقيم وانا قاعد؟ قال لا. قلت فأقيم وانا ماش؟ قال نعم ماش إلى الصلاة قال ثم قال إذا أقمت الصلاة فأقم مترسلا فإنك في الصلاة. قال قلت له قد سألتك أقيم وانا ماش قلت لي نعم فيجوز ان امشي في الصلاة؟ قال نعم إذا دخلت من باب المسجد فكبرت وأنت مع امام عادل ثم مشيت إلى الصلاة أجزأك ذلك ، وإذا الإمام كبر للركوع كنت معه في الركعة لأنه ان أدركته وهو راكع لم تدرك التكبير لم تكن معه في الركوع».

وروى في الكافي عن سليمان بن صالح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لا يقيم أحدكم الصلاة وهو ماش ولا راكب ولا مضطجع إلا ان يكون مريضا وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة فإنه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة».

وروى عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن المسافر يؤذن على راحلته وإذا أراد ان يقيم اقام على الأرض؟ قال نعم لا بأس».

وعن احمد بن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن الرضا (عليه‌السلام) (3) قال : «تؤذن وأنت جالس ولا تقيم إلا وأنت على الأرض وأنت قائم».

وروى على بن جعفر في كتابه عن أخيه (عليه‌السلام) (4) قال : «سألته عن الأذان والإقامة أيصلح على الدابة؟ قال اما الأذان فلا بأس واما الإقامة فلا حتى تنزل على الأرض».

وما رواه عاصم بن حميد في كتابه (5) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) المؤذن يؤذن وهو على غير وضوء؟ وقد تقدم الى ان قال فقلت يؤذن وهو جالس؟ فقال نعم ولا يقيم إلا وهو قائم».

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 13 من الأذان والإقامة.

(5) مستدرك الوسائل الباب 12 من الأذان والإقامة.


وفي كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (1) «لا بأس ان يؤذن الرجل على غير طهر ويكون على طهر أفضل ولا يقيم إلا على طهر».

وعنه (عليه‌السلام) (2) «لا يؤذن الرجل وهو جالس إلا مريض أو راكب ولا يقيم إلا قائما على الأرض إلا من علة لا يستطيع معها القيام».

وأنت خبير بما فيها من الظهور ـ كالنور على الطور لا يعتريه خلل ولا قصور ـ في ما ادعيناه ، وتأويلها بتأكد الاستحباب في الإقامة زيادة على الأذان فرع وجود المعارض كما في الأذان وإلا فهو مجرد مجازفة في الأحكام المبنية على التوقيف عنهم (عليهم‌السلام)

و (تاسعها) ان يكون قيامه على مرتفع ، وهذا مخصوص بالأذان الإعلامي ليكون أبلغ في الاعلام ، ويدل عليه ما تقدم في رواية ابن سنان من أمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بلالا ان يعلو جدار المسجد ويؤذن.

واما استحبابه في المنارة كما ذكره جملة من الأصحاب ففيه انه قد روى علي بن جعفر (3) قال : «سألت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) عن الأذان في المنارة أسنة هو؟ فقال انما كان يؤذن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الأرض ولم يكن يومئذ منارة».

قال الشيخ في المبسوط : لا فرق بين ان يكون الأذان في المنارة أو على الأرض. مع انه قال فيه يستحب ان يكون المؤذن على موضع مرتفع. والوجه (4) استحبابه في المنارة (أما أولا) فللأمر بوضع المنارة مع حائط المسجد غير مرتفعة ، روى السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (5) «ان عليا (عليه‌السلام) مر على منارة طويلة فأمر بهدمها ثم قال لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد». ولو لا استحباب الأذان فيها لكان الأمر بوضعها عبثا. و (اما ثانيا) فلما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 8 من الأذان والإقامة.

(2) مستدرك الوسائل الباب 12 من الأذان والإقامة.

(3 و 5) الوسائل الباب 25 من أحكام المساجد.

(4) هذا كلام العلامة في المختلف.


(عليه‌السلام) (1) قال «كان طول حائط مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). الحديث». وقد تقدم.

أقول : لا يخفى ان فيه زيادة على ما عرفت من حديث علي بن جعفر ان وضع المنارة والأمر بها لم يحصل من الامام (عليه‌السلام) حتى يسندها الى استحباب الأذان فيها بكون الأمر بوضعها عبثا ، والواضع لها انما هو الثاني في أيامه كما تقدم (2) والظاهر انه (عليه‌السلام) لما كان غير متمكن من إزالة بدعة كما ينبغي فغاية ما امكنه المنع من ارتفاعها وأشرافها على بيوت الناس التي حول المسجد. وبالجملة فرواية علي بن جعفر صريحة في ان الأذان في المنارة ليس بسنة وان الأذان للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انما كان على الأرض وغاية ما تدل عليه رواية ابن سنان هو الاستحباب على مرتفع ومفهوم رواية السكوني الاكتفاء في الارتفاع بسطح المسجد وان لم يكن في المنارة ، ولعل جعل المنارة حينئذ انما هو لأجل الطريق الى صعود السطح.

نعم يبقى الكلام في الجمع بين ما دل على كون الأذان له (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انما كان على الأرض وبين ما دل على الأمر بعلو الجدار. ويمكن الجمع اما بحمل الأذان على الجدار على كونه في بعض الأوقات وإلا فالغالب انما هو الأذان على الأرض أو بعد الأذان على الجدار باعتبار عدم ارتفاعه كالمنارة الطويلة من الأرض فهو كأنه ارض بالنسبة إلى المنارة المتعارفة يومئذ والتجوز بمثل ذلك شائع في أمثال هذا الكلام.

و (عاشرها) ان يكون مستقبلا للقبلة ونقل عليه الاتفاق ويتأكد في الشهادتين لقوله (عليه‌السلام) (3) في صحيحة ابن مسلم «وقد سأله عن الرجل يؤذن وهو يمشي قال نعم إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس». والمشهور انه كذلك في الإقامة أيضا وقال الشيخ المفيد انه لا يجوز الإقامة إلا

__________________

(1) ص 332.

(2) الوافي باب شرائط الأذان والإقامة.

(3) الوسائل الباب 13 من الأذان والإقامة.


وهو قائم متوجه إلى القبلة. وظاهره وجوب الاستقبال فيها ، ونقله في المختلف عن المرتضى في المصباح والجمل. ونقل في الذخيرة عن المرتضى انه أوجب الاستقبال في الأذان والإقامة والمنقول في المختلف انما يدل على الإقامة خاصة.

والظاهر عندي من الاخبار هو ما ذهب اليه العمدتان المذكوران من وجوب الاستقبال في الإقامة لما تقدم في رواية يونس الشيباني ورواية سليمان بن صالح ، والتقريب فيهما انهما دلتا على ان الإقامة من الصلاة والداخل فيها داخل في الصلاة فيشترط في الإقامة ما يشترط في الصلاة من الشروط المتقدمة ، وسيأتي مزيد توضيح لذلك ان شاء الله تعالى يقطع مادة الاستبعاد.

ويكره الالتفات بالأذان عندنا يمينا وشمالا سواء كان على المنارة أم لا خلافا للعامة قال في المنتهى : المستحب ثبات المؤذن على الاستقبال في أثناء الأذان والإقامة ويكره له الالتفات يمينا وشمالا ، وقال أبو حنيفة يستحب له ان يدور بالأذان في المأذنة وقال الشافعي يستحب له ان يلتفت عن يمينه عند قوله «حي على الصلاة» وعن يساره عند قوله «حي على الفلاح» (1).

أقول : روى في كتاب دعائم الإسلام عن علي (عليه‌السلام) (2) قال : «يستقبل المؤذن القبلة في الأذان والإقامة فإذا قال «حي على الصلاة حي على الفلاح» حول وجهه يمينا وشمالا». والظاهر حمله على التقية لموافقته لقول الشافعي المذكور.

(الثالث) ـ لو وقع التشاح في الأذان فقد صرح جملة من الأصحاب بأنه يقدم الأعلم بأحكام الأذان التي من جملتها معرفة الأوقات لأمن الغلط منه وتقليد أصحاب الأعذار له ومع التساوي يقرع بينهم.

قال في الروض : والاولى تقديم العدل على الفاسق والمبصر على الأعمى وجامع

__________________

(1) الفقه على المذاهب الأربعة قسم العبادات ص 230 و 231.

(2) البحار ج 18 الصلاة ص 175.


الصفات أو أكثرها على فاقدها وجامع الأقل ، فإن استووا فالأشد محافظة على الوقت على من ليس كذلك والأندى صوتا والأعف عن النظر ثم من يرتضيه الجيران ، ومع التساوي في جميع ذلك يقرع لقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) : «لو يعلم الناس ما في الأذان والصف الأول ثم لم يجدوا إلا ان يستهموا عليه لفعلوا». ولقولهم (عليهم‌السلام) (2) «كل أمر مجهول فيه القرعة». انتهى. ونحوه في الذكرى إلا انه لم يذكر الترجيح بالعدالة بل جعل ذلك منوطا بالعلم بالأوقات ثم أدرج هذه المعدودات تحته وعد الأندى صوتا ومن يرتضيه الجماعة والجيران.

وقال الشيخ في المبسوط : وإذا تشاح الناس في الأذان أقرع بينهم لقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «لو يعلم الناس ما في الأذان والصف الأول ثم لم يجدوا إلا ان يستهموا عليه لفعلوا». ولم يذكر الترجيح بالأعلمية كما هو المشهور في كلام المتأخرين.

قال العلامة في التذكرة : وهذا القول جيد مع فرض التساوي في الصفات المعتبرة في التأذين وان لم يتساووا قدم من كان أعلى صوتا وأبلغ في معرفة الوقت وأشد محافظة عليه ومن يرتضيه الجيران واعف عن النظر. وقريب منه كلامه في المنتهى.

وقال المحقق الشيخ علي في شرح القواعد : والذي يقتضيه النظر تقديم من فيه الصفات المرجحة في الأذان على غيره فان اشتركوا قدم جامع الكل على فاقد البعض وجامع الأكثر على جامع الأقل ، وينبغي تقديم العدل على الفاسق مطلقا لأن المؤذن أمين ولا امانة للفاسق إذ هي غير موثوق بها فيه ، ومع التساوي يقدم الأعلم بأحكام الأذان أو الأوقات كما في الذكرى لأمن الغلط معه ولتقليد أرباب الأعذار له والمبصر على الأعمى لمثل ذلك ، فان استووا فالأشد محافظة على الأذان في الوقت على من ليس

__________________

(1) تيسير الوصول ج 2 ص 205 «ان رسول الله «ص» قال لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا ان يستهموا عليه لاستهموا» ..

(2) الوسائل الباب 13 من كيفية الحكم.


كذلك لحصول غرض الأذان به ثم الأندى صوتا لقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) «ألقه على بلال فإنه أندى منك صوتا». ثم الأعف عن النظر للأمن من تطلعه على العورات ثم من يرتضيه الجيران ثم القرعة. انتهى.

أقول : وكلامهم هنا يرجع الى ثلاثة أقوال في المسألة : (الأول) القول بتقديم الأعلم بأحكام الأذان التي من جملتها معرفة الأوقات ثم مع التساوي فالقرعة (الثاني) القول بتقديم ذي الأوصاف المعتبرة في المؤذن وهو قول الشهيدين والمحقق الشيخ علي وان اختلفوا في تلك الشروط زيادة ونقيصة (الثالث) الرجوع الى القرعة من أول الأمر كما هو ظاهر المبسوط والى الأول يميل كلامه في المدارك وجعل الثاني أولى ولم يتعرض للثالث

والمسألة عندي محل توقف لعدم النص القاطع لمادة الاشكال ، والرواية المنقولة في كلامهم الظاهر انها من روايات العامة إذ لم أقف عليها في أخبارنا بعد التفحص والتتبع

مع انها معارضة بما رواه الشيخ في التهذيب عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (2) قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ورواه في الفقيه مرسلا (3) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) للمؤذن في ما بين الأذان والإقامة مثل أجر الشهيد المتشحط بدمه في سبيل الله. قلت يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انهم يجتلدون على الأذان؟ قال كلا انه يأتي على الناس زمان يطرحون الأذان على ضعفائهم وتلك لحوم حرمها الله على النار».

ووجه المعارضة ان مقتضى الرواية الأولى رغبة الناس في الأذان بعد سماع ما فيه من الفضل حتى انهم ليقرعون عليه ودلالة هذا الخبر على عدم الرغبة فيه بعد سماع ما فيه من الفضل حتى انهم يطرحونه على ضعفائهم لذلك «وتلك لحوم» إشارة إلى أولئك الضعفاء المؤذنين.

__________________

(1) تيسير الوصول ج 2 ص 210.

(2 و 3) الوسائل الباب 2 من الأذان والإقامة.


والظاهر ان أول من نقل هذا الخبر الشيخ في المبسوط وتبعه الأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث لم يجدوا غيره في الباب إلا انه روى في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (1) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثلاثة لو تعلم أمتي ما فيها لضربت عليها بالسهام : الأذان والغدو إلى الجمعة والصف الأول». وروى فيه ايضا عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) «انه رغب الناس وحثهم علي الأذان وذكر لهم فضائله فقال بعضهم يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لقد رغبتنا في الأذان حتى انا لنخاف ان تتضارب عليه أمتك بالسيوف فقال اما انه لن يعدو ضعفاءكم».

أقول : وهذا مضمون الحديث المتقدم نعم أخبار القرعة العامة (3) ربما أيدت مذهب الشيخ في المبسوط.

قال في الذخيرة : والتحقيق ان اختلاف الصفات ان كان بحيث تختلف به مصالح المسلمين كان تقديم الراجح متجها وان لم يحصل التشاح وإلا فإثبات التقديم بهذه المرجحات محل اشكال لفقد النص الدال عليه وعدم استقلال العقل بإثبات هذه الأمور. انتهى. وهو جيد.

(الرابع) ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم ـ الفاضلان بجواز الاجتماع في الأذان دفعة واحدة من جماعة والأفضل ان يؤذن كل واحد بعد فراغ الآخر ، وقيد بعضهم الأفضلية بسعة الوقت لذلك وفسرت سعة الوقت هنا بعدم اجتماع الأمر المطلوب في الجماعة من الامام ومن يعتاد حضوره معه من المأمومين فيجوز التعدد في هذه الصورة الى ان يجتمع الجميع لا ان المراد سعة الوقت باعتبار امتداد الوقت الى آخر وقت الاجزاء فان تأخير الصلاة عن أول وقتها لأمر غير موظف شرعا مستبعد جدا. أقول : وبموجب هذا التفسير لا يكون الحكم كليا مع ان ظاهر القائل به كون ذلك كليا لا بخصوص الجماعة.

__________________

(1 و 2) مستدرك الوسائل الباب 2 من الأذان والإقامة.

(3) ص 346.


ونقل عن الشيخ في الخلاف انه قال لا ينبغي الزيادة على اثنين واستدل بإجماع الفرقة على ما رووه من «ان الأذان الثالث بدعة» (1). وقال ولده الشيخ أبو علي في شرح نهاية والده : والزائد على اثنين بدعة بإجماع أصحابنا.

وقال الشيخ في المبسوط يجوز ان يكون المؤذنون اثنين اثنين إذا أذنوا في موضع واحد فإنه أذان واحد فاما إذا أذان واحد بعد واحد فليس ذلك بمسنون ولا مستحب. ولا بأس ان يؤذن جماعة كل واحد منهم في زاوية من المسجد لانه لا مانع منه. انتهى.

وفسر الفاضلان في المعتبر والمنتهى قوله : «واحدا بعد واحد» بان يبنى كل واحد على فصول الآخر وهو المعبر عنه بالتراسل فإنه على هذه الكيفية لا يصدق على واحد منهما انه مؤذن. واستبعد هذا التفسير جملة ممن تأخر عنهما وفسروه بما يدل عليه ظاهر اللفظ من الإتيان بأحد الاذانين بعد تمام الأخر ، وعللوا الكراهة فيه بأنه يقتضي تأخير الصلاة عن أول وقتها من غير موجب. وهو جيد. أقول : والظاهر ان الفاضلين انما اضطرهما الى هذا التفسير البعيد عن ظاهر اللفظ حكمهم بأفضلية أن يؤذن أحدهما بعد الآخر ولو كانوا أكثر من اثنين كما تقدم.

وبالجملة فإن كلامهم في هذه المسألة كما سبق في سابقتها خال من النص والذي يقتضيه النظر هنا هو الفرق بين الأذان الإعلامي وبين أذان الصلاة جماعة (اما الأول) فإن مقتضى التوقيف في العبادات وانها مبنية على الورود عن صاحب الشريعة هو كراهة الاجتماع في الأذان مطلقا دفعة أو ترتيبا بل ربما احتمل عدم المشروعية نعم لو اختلف الوقت أو المحل فلا بأس. و (اما الثاني) فالظاهر انه لا مانع منه مع تعدد الجماعات كما ذكره الشيخ في آخر عبارته في المبسوط من الجماعات المجتمعة في مسجد يؤذن لكل منها على حيالها وان اتفق في وقت واحد.

(الخامس) ـ اختلف الأصحاب في جواز أخذ الأجرة على الأذان فنقل عن

__________________

(1) الوسائل الباب 49 من صلاة الجمعة.


الشيخ في الخلاف وجمع من الأصحاب انه لا يجوز أخذ الأجرة عليه لما رواه الشيخ مسندا عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) ورواه الصدوق مرسلا عن علي (عليه‌السلام) (1) انه قال : «آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه قال : يا علي إذا صليت فصل صلاة أضعف من خلفك ولا تتخذن مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا». ونقل عن السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) القول بالكراهة وهو ظاهر المحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى واختاره في المدارك ، قال للأصل وانتفاء دلالة الخبر المتقدم على التحريم مع ضعف سنده بالسكوني وغيره.

أقول : قد روى الصدوق أيضا في الفقيه (2) مرسلا قال : «اتى رجل أمير المؤمنين (عليه‌السلام) فقال يا أمير المؤمنين والله اني لأحبك فقال له ولكني أبغضك قال ولم؟ قال لأنك تبغي في الأذان كسبا وتأخذ على تعليم القرآن اجرا».

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن علي (عليه‌السلام) (3) انه قال : «من السحت أجر المؤذن». ثم قال في الكتاب المذكور : يعني إذا استأجره القوم يؤذن لهم. وقال لا بأس ان يجرى عليه من بيت المال.

وهذه الاخبار إذا ضم بعضها الى بعض لا تقصر عن افادة التحريم ، وقوله في المدارك بانتفاء دلالة الخبر المتقدم على التحريم لا اعرف له وجها مع تضمنه للنهي الذي هو حقيقة في التحريم ، نعم تطرق التأويل اليه بحمل النهي على الكراهة ممكن إلا انه فرع وجود المعارض واما طعنه فيه بضعف السند فقد عرفت ما فيه في غير مقام.

وبالجملة فالمتجه على قواعد أصحاب هذا الاصطلاح المحدث هو القول بالكراهة لضعف الأخبار المذكورة باصطلاحهم واما من لا يعمل به فالظاهر هو التحريم واقتران هذا الحكم في خبر السكوني ومرسل الفقيه بما هو متفق على استحبابه

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 38 من الأذان والإقامة.

(3) مستدرك الوسائل الباب 30 من الأذان والإقامة.


وكراهته لا يوجب انسحاب ذلك الى الحكم المذكور لجواز اشتمال الخبر على أحكام متعددة كما ذكروه في غير موضع.

ثم ان ظاهرهم الاتفاق على جواز الارتزاق من بيت المال إذا اقتضته المصلحة لأنه معد لمصالح المسلمين والأذان من أهمها. والظاهر انه لو وجد من يتطوع به قدم على المرتزق ، صرح بذلك في الذكرى.

قيل والظاهر ان الإقامة كالأذان ، ونقل عن العلامة في النهاية عدم جواز الاستئجار عليها وان قلنا بجواز الاستئجار على الأذان فارقا بينهما بأن الإقامة لا كلفة فيها بخلاف الأذان فإن فيه كلفة مراعاة الوقت. قال في المدارك وهو غير جيد إذ لا يعتبر في العمل المستأجر عليه اشتماله على الكلفة.

أقول : لا يخفى ان مورد الأخبار المتقدمة انما هو الأذان الإعلامي الذي هو محل البحث غالبا في المقام واما الأذان والإقامة المستحبان لكل من صلى الإتيان بهما من منفرد أو جامع فلا نص فيهما بوجه ، وتكلف البحث فيهما كما ذكروه لا وجه له وهو من باب «اسكتوا عما سكت الله عنه» (1). ولانه من المعلوم من الاخبار توجه الخطاب بهما الى المصلى نفسه والاكتفاء بفعل غيره عنه يحتاج الى دليل ، نعم قام الدليل بالنسبة الى الامام بأنه يجوز ان يؤذن له ويقام له ، فإن أرادوا هذا الموضع فهو ـ مع كونه خلاف المتبادر من ظواهر النصوص المتقدمة ـ مدخول بان الظاهر ان الخطاب فيه انما هو للإمام غاية الأمر انه ورد جواز فعل الغير له رخصة لأن الناس مكلفون بالاقتداء به في صلاته وهذا من جملة أفعال صلاته فلو لم يتبرع غيره بالأذان والإقامة له رجع الحكم اليه وكان عليه القيام بذلك ، ولا دليل على انه يجوز له الاستئجار على أذان ولا إقامة إذ غاية ما دل عليه الدليل حصول الرخصة له بتبرع الغير به والا فاصل الخطاب انما تعلق به من حيث ان الأذان والإقامة من جملة أفعال صلاته ومندوباتها ومكملاتها المطلوب إيقاعه

__________________

(1) راجع ج 1 ص 50.


منه ، وهذا بخلاف الأذان الإعلامي فإن الأمر به لم يتعلق بشخص بعينه وانما هو من قبيل المستحبات الكفائية التي من قام بها كفى في امتثال الأمر. وبالجملة فإنك إذا حققت النظر في المقام وتأملت في ما ذكرناه من الكلام علمت ان بحثهم هنا في غير الأذان الإعلامي لا معنى له بالكلية. والله العالم.

(المقام الثاني) ـ في ما يؤذن له ويقام من الصلوات ، لا ريب ولا إشكال في رجحان الأذان والإقامة في الصلوات الخمس المفروضة أداء وقضاء الجملة المصلين ذكورا واناثا فرادى وجماعة ، وهل هما على جهة الاستحباب في جميع هذه المواضع أو الوجوب أو في بعض دون بعض؟ خلاف يأتي تفصيله ان شاء الله تعالى ولا يؤذن لشي‌ء من النوافل ولا لشي‌ء من الفرائض غير الخمس اليومية بل يقول المؤذن «الصلاة» ثلاثا وورد ترك الأذان والاقتصار على الإقامة في مواضع ، وورد ايضا استحبابهما في غير الصلاة أيضا في مواضع.

وتفصيل هذه الجملة كما هو حقه يتوقف على بسطه في مسائل (الأولى) اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الأذان والإقامة وجوبا واستحبابا عموما وخصوصا فذهب الشيخ في الخلاف إلى انهما مستحبان ليسا بواجبين في جميع الصلوات جماعة صليت أو فرادى. وهو اختيار السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في المسائل الناصرية وهو مذهب ابن إدريس وسلار ، والظاهر انه هو المشهور بين المتأخرين.

وأوجب الشيخان الأذان والإقامة في صلاة الجماعة واختاره ابن البراج وابن حمزة. وأوجبهما السيد المرتضى في الجمل على الرجال دون النساء في كل صلاة جماعة في حضر أو سفر وأوجبهما عليهم في السفر والحضر في الفجر والمغرب وصلاة الجمعة وأوجب الإقامة خاصة على الرجال في كل فريضة. وقال في المبسوط ومتى صلى جماعة بغير أذان ولا اقامة لم تحصل فضيلة الجماعة والصلاة ماضية.

وقال ابن الجنيد : الأذان والإقامة واجبان على الرجال للجمع والانفراد والسفر


والحضر في الفجر والمغرب والجمعة يوم الجمعة والإقامة في باقي الصلوات المكتوبات التي تحتاج الى التنبيه على أوقاتها. وجعلهما أبو الصلاح شرطا في الجماعة.

وقال المرتضى في المسائل الناصرية : اختلف قول أصحابنا في الأذان والإقامة فقال قوم انهما من السنن المؤكدة في جميع الصلوات وليسا بواجبين وان كانا في صلاة الجماعة وفي الفجر والمغرب وصلاة الجمعة أشد تأكيدا ، وهذا الذي اختاره واذهب اليه وذهب بعض أصحابنا إلى انهما واجبان على الرجال خاصة دون النساء في كل صلاة جماعة في سفر أو حضر ، ويجبان عليهم جماعة وفرادى في الفجر والمغرب وصلاة الجمعة والإقامة دون الأذان تجب عليهم في باقي الصلوات المكتوبات. وجعل في الجمل قوله في المسائل الناصرية رواية.

وقال ابن ابي عقيل : من ترك الأذان والإقامة متعمدا بطلت صلاته إلا الأذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة فإن الإقامة مجزية عنه ولا اعادة عليه في تركه واما الإقامة فإنه ان تركها متعمدا بطلت صلاته وعليه الإعادة.

والأصل في هذا الاختلاف ما يتراءى من اختلاف الأخبار والواجب أولا نقل الأخبار الواردة في هذا الباب ثم الكلام فيها بما يميز القشر من اللباب وتحصل به الهداية إلى جادة الحق والصواب بتوفيق الملك الوهاب.

فأقول : الأول ـ ما رواه في الكافي عن ابي بصير عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) قال : «سألته أيجزئ أذان واحد؟ قال ان صليت جماعة لم يجزئ إلا أذان واقامة وان كنت وحدك تبادر امرا تخاف ان يفوتك يجزئك إقامة إلا الفجر والمغرب فإنه ينبغي ان تؤذن فيهما وتقيم من أجل انه لا يقصر فيهما كما يقصر في سائر الصلوات».

الثاني ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن الصباح بن سيابة (2) قال : «قال لي أبو عبد الله

__________________

(1) الوسائل الباب 6 و 7 من الأذان والإقامة.

(2) الوسائل الباب 6 من الأذان والإقامة.


(عليه‌السلام) لا تدع الأذان في الصلوات كلها فان تركته فلا تتركه في المغرب والفجر فإنه ليس فيهما تقصير».

الثالث ـ ما رواه ايضا عن الحسن بن زياد (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة».

الرابع ـ ما رواه أيضا في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (2) «انه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة واحدة ولم يؤذن».

الخامس ـ ما رواه أيضا في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «يجزئك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان».

السادس ـ ما رواه في الموثق عن سماعة (4) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا تصلى الغداة والمغرب إلا بأذان واقامة ورخص في سائر الصلوات بالإقامة والأذان أفضل».

السابع ـ ما رواه في الصحيح عن ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «يجزئك في الصلاة إقامة واحدة إلا الغداة والمغرب».

الثامن ـ ما رواه في الصحيح عن عمر بن يزيد (6) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الإقامة بغير أذان في المغرب فقال ليس به بأس وما أحب ان يعتاد».

التاسع ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (7) «ان ادنى ما يجزئ من الأذان ان تفتتح الليل بأذان واقامة وتفتتح النهار بأذان واقامة ويجزئك في سائر الصلوات اقامة بغير أذان».

العاشر ـ ما رواه المشايخ الثلاثة في الموثق عن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (8)

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 5 من الأذان والإقامة.

(5 و 6 و 7) الوسائل الباب 6 من الأذان والإقامة.

(8) الوسائل الباب 27 من الأذان والإقامة.


قال : «سئل عن الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجي‌ء رجل آخر فيقول له نصلي جماعة هل يجوز ان يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ قال لا ولكن يؤذن ويقيم».

الحادي عشر ـ ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سمعته يقول يقصر الأذان في السفر كما تقصر الصلاة تجزئ إقامة واحدة».

الثاني عشر ـ ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «يجزئ في السفر إقامة بغير أذان».

الثالث عشر ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل هل يجزئه في السفر والحضر اقامة ليس معها أذان؟ قال نعم لا بأس به».

الرابع عشر ـ ما رواه أيضا في الصحيح عن محمد بن مسلم والفضيل بن يسار عن أحدهما (عليهما‌السلام) (4) قال : «تجزئك اقامة في السفر».

الخامس عشر ـ ما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد في الصحيح عن علي بن رئاب (5) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) قلت تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد أتجزئنا اقامة بغير أذان؟ قال نعم».

السادس عشر ـ ما رواه الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن صفوان بن مهران عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (6) في حديث قال : «ولا بد في الفجر والمغرب من أذان واقامة في الحضر والسفر لانه لا يقصر فيهما في حضر ولا سفر وتجزئك اقامة بغير أذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، والأذان والإقامة في جميع الصلوات أفضل».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ما يدل على الوجوب في الجماعة ـ كما هو أحد قولي

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 5 من الأذان والإقامة.

(6) الوسائل الباب 6 من الأذان والإقامة.


الشيخين ومن تبعهما ـ الخبر الأول وبه احتج في التهذيب على ذلك.

وأجاب عنه في المدارك بضعف السند أولا ، وثانيا بالحمل على الاستحباب لان الاجزاء كما يجوز ان يراد به الاجزاء في الصحة يجوز ان يكون المراد به الاجزاء في الفضيلة ، ويؤيد ذلك قوله (عليه‌السلام) «وان كنت وحدك تبادر امرا تخاف ان يفوتك تجزئك اقامة» قال وهذا التنزيل لازم للشيخ حيث لا يقول بوجوب الإقامة.

أقول : قد عرفت في غير موضع مما تقدم ان الطعن بضعف السند غير وارد على الشيخ ونحوه ممن لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم. واما الحمل على الاستحباب فهو فرع وجود المعارض فالواجب عليه ذكره ليتم له الجمع بينه وهذه الروايات بالحمل على الاستحباب مع الإغماض عما فيه مما عرفته سابقا في غير باب. واما الاستناد الى قوله (عليه‌السلام) «وان كنت وحدك. إلخ» ففيه ان الشيخ قائل بوجوب الإقامة أيضا كما هو أحد قوليه وان كان انما عبر هنا بالأذان فلا منافاة.

والأظهر عندي في الجواب عن ذلك انما هو بما دل عليه الخبر الثالث والخامس عشر من اكتفاء القوم مع الحضور بإقامة واحدة في الجماعة ، وفيهما إشعار بأن الغرض من الأذان هو الاعلام لمن لم يكن حاضرا من الجماعة المعتادين للصلاة جماعة في هذا المكان فمتى كانوا جميعا حاضرين سقط استحبابه واكتفى بالإقامة إلا انه أخص من المدعى.

ويمكن تأييد ذلك ايضا بالحديث التاسع الدال على الاكتفاء بالأذان في الصبح والمغرب وظاهر إطلاقه شمول الجماعة أيضا. وبالجملة فالاحتياط في الملازمة عليه في الجماعة.

ويظهر من المحدث الكاشاني الميل الى القول بالوجوب في الجماعة حيث قال في المفاتيح : وقيل بوجوبهما في الجماعة وفيه قوة.

واما ما يدل على الوجوب في الصبح والمغرب فالخبر الثاني والسادس والسابع والتاسع والسادس عشر إلا انه يعارضها جملة من الاخبار عموما وخصوصا كالخبر الثالث والرابع والخامس والثامن والخامس عشر ، لكن الجميع انما دل على ترك الأذان خاصة


دون الإقامة والتعارض بينهما انما حصل في الأذان وهذا الجمع بالاستحباب انما يتم فيه خاصة كما سيظهر لك في المقام ان شاء الله تعالى. وبالجملة فالظاهر من الأخبار المذكورة بضم بعضها الى بعض وحمل مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها هو استحباب الأذان دون وجوبه في جماعة كانت أو فرادى.

وانما الإشكال في الإقامة فإن المشهور عندهم كونها كالأذان في ذلك مع ان الاخبار المتقدمة ـ كما رأيت ـ متفقة على الإتيان بها ولم ترخص في تركها صريحا ولا اشارة بل كلها مصرحة بالإتيان بها.

وأصحاب هذا القول انما استندوا في القول باستحبابها إلى الإجماع المركب حيث اعوزتهم النصوص بالعموم والخصوص الدالة على استحبابها أو تركها لتعارض ما دل على الأمر بالإتيان بها ، فقالوا ان كل من قال بوجوب الأذان قال بوجوب الإقامة ومن قال بالاستحباب فيه قال بالاستحباب فيها فالقول باستحبابه ووجوبها خرق للإجماع المركب ، كذا احتج به العلامة في المختلف وتبعه جملة ممن تأخر عنه وعليه جمد في المدارك والذخيرة ولا يخفى على المصنف ما فيه من الضعف وهل هو إلا من قبيل التشبث بالحشيش للغريق مع ما يعلم من عدم النجاة به من ذلك المضيق؟ وكيف لا ومثل هذين العمدتين قد تكلما في الإجماع وخرقاه في مواضع من كتابيهما وان استسلقوه في مثل هذا الموضع ومما يؤيد ما ذكرنا من الفرق بينهما وانه لا يلزم من استحبابه استحبابها انه قد رخص في الاخبار في الأذان على غير طهارة ولم يرخص في الإقامة إلا مع الطهارة ورخص في الأذان الى غير القبلة ولم يرخص في الإقامة إلا الى القبلة ، ورخص في الأذان قاعدا وراكبا وماشيا وكيف شاء ولم يرخص في الإقامة إلا قائما مستقبل القبلة ، وقد تقدمت الأخبار الدالة على جميع ذلك.

بل صرح جملة منها بما يومئ الى كونها من الصلاة كما صرحت به رواية سليمان بن صالح المتقدمة وكذا رواية يونس الشيباني المتقدمة أيضا.


وتؤكده رواية أبي هارون المكفوف (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) يا أبا هارون الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلم ولا تومئ بيدك».

وفي موثقة عمرو بن ابي نصر (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أيتكلم الرجل في الأذان؟ قال لا بأس. قلت في الإقامة؟ قال لا».

وما دل عليه بعض الأخبار من جواز الكلام فيها معارض بما دل على إعادتها لو تكلم كصحيحة محمد بن مسلم (3) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا تتكلم إذا أقمت الصلاة فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة».

الى غير ذلك من المؤيدات لما قلناه ولم أعثر على من تنبه لما قلناه في هذا المقام إلا على مجمل كلام لشيخنا غواص بحار الأنوار حيث قال في الكتاب المذكور بعد نقل الخلاف في وجوب الأذان والإقامة واستحبابهما ما صورته : إذا علمت هذا فاعلم ان الاخبار مختلفة جدا ومقتضى الجمع بينها استحباب الأذان مطلقا واما الإقامة ففيها إشكال إذ الاخبار الدالة على جواز الترك انما هي في الأذان وتمسكوا في الإقامة بخرق الإجماع المركب وفيه ما فيه. والأحوط عدم ترك الإقامة في الغداة والمغرب والجمعة ولا سيما في الحضر. انتهى.

وربما تعلق بعضهم هنا بحديث حماد (4) وتعليم الصادق (عليه‌السلام) له الصلاة حيث لم يشتمل على الأذان ولا الإقامة ولو كانا واجبين لذكرا في مقام البيان. وهو أوهن متشبث لان ظاهر سياق الخبر ـ وامره حمادا بالصلاة بين يديه ثم قوله : «ما أقبح بالرجل منكم. إلخ» ووصف حماد لما فعله (عليه‌السلام) في تلك الركعتين ـ أن إنكاره (عليه‌السلام) انما كان بالنسبة إلى السنن والمستحبات التي وصفها حماد في حكايته فالمقصود بالتعليم انما هو ذلك ولم يكن القصد الى تعليمه الواجبات لان حمادا أجل من ان يجهل الواجبات في ذلك ، إلا ترى انه قال : «انا أحفظ كتاب حريز في الصلاة»

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة.

(4) الوسائل الباب 1 من الأفعال الصلاة.


مما يشعر بمعرفته بجميع أحكام الصلاة من واجب ومستحب. فكيف يدعى ان المراد تعليم حماد للصلاة كملا من واجب وغيره حتى يتجه الاحتجاج بالخبر على ان المقام مقام بيان فلو كان الأذان والإقامة واجبين لذكرا ، ما هذه إلا غفلة أو تغافل ولكن المضطر يتشبث بالاحتمالات البعيدة والتمحلات الغير السديدة.

وبما حققناه في المقام وكشفنا عنه نقاب الاشكال والإبهام يظهر لك ما في كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة ، فإنه ـ بعد ان نقل الخلاف في المسألة وجملة من الاخبار واستشكل في الحكم باستحباب الإقامة من حيث عدم الترخيص فيها في الأخبار بل وقع الأمر بها في اخبار كثيرة واعترف بان في كثير من الأخبار التي قدمها ظهورا في وجوبها ، ونقل عن الشيخ انه ذكر أخبارا ثلاثة دالة على ان الإقامة من الصلاة لكن في طريقها ضعف ـ قال ما صورته : والأصح استحبابها للأصل بناء على انه خارج عن حقيقة الصلاة ، للاتفاق ، ولما دل على ان أول الصلاة التكبير فلا يتوقف تحصيل اليقين بالبراءة من التكليف بالصلاة عليه ، ولعدم القائل بالفصل كما نقله المصنف في المختلف ولا شعار خبر زرارة وحماد بالاستحباب وعدم وضوح دلالة الأوامر في الاخبار السالفة على أكثر من التأكيد والرجحان المطلق. والاحتياط ان لا يترك بحال. انتهى.

وفيه زيادة على ما قد مر هنا ان الاستناد الى الأصل في مقابلة الدليل مما لا يعول عليه عند ذوي التحصيل ، وخروجها عن حقيقة الصلاة لا منافاة فيه للقول بالوجوب فان من قال بوجوب الأذان لم يدع كونه جزء من الصلاة فيجوز ان يكون واجبا خارجا فلا منافاة ، ولا ينافيه حينئذ ما دل على ان أول الصلاة التكبير ولا خبر حماد الذي استند اليه ، مع ما عرفت في الاستناد الى خبر حماد في هذا المقام من الوهن الذي لا يخفى على ذوي الأفهام.

واما قوله ـ فلا يتوقف تحصيل اليقين بالبراءة من التكليف بالصلاة عليه ـ فممنوع فان يقين البراءة متوقف على الإتيان بالصلاة التي أولها التكبير كما ذكر مع كل ما


توقفت عليه من الشروط الواجبة الخارجة مما تقدم في المقدمات المتقدمة ومنها الإقامة المذكورة في هذه المقدمة كما هو المدعى ، والمدعى للوجوب ـ كما عرفت ـ لا يدعى دخولها في حقيقة الصلاة وانها جزء منها حتى انه متى انتفت الجزئية انتفى توقف اليقين بالبراءة من الصلاة عليها.

واما قوله ـ «ولعدم القائل بالفصل» إشارة إلى الإجماع المركب الذي احتج به في المختلف ـ فهو أوهن من بيت العنكبوت وانه لا وهن البيوت كما تقدم القول في ذلك مرارا ومن رجع الى كلامه وما أطال به في القدح في الإجماع في باب غسل الجنابة في مسألة الوطء في الدبر يعرف حقيقة ما سجلنا به عليه هنا.

واما قوله ـ «ولا شعار خبر زرارة» وهو ما قدمه في صدر البحث وصورته (1) «انه سأل أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة قال فليمض في صلاته فإنما الأذان سنة». ـ ففيه وان كان قد سبقه الى الاستناد الى هذا الخبر وخبر حماد صاحب المدارك ايضا انه ليس في الخبر ـ كما ترى ـ أزيد من الدلالة على صحة الصلاة مع نسيان الإقامة الى ان دخل في الصلاة وهو لا يمنع من وجوبها فان واجبات الصلاة مغتفرة بالنسيان في أثناء الصلاة اتفاقا متى فات محل تداركها ، على ان هذه الرواية معارضة بما دل على خلافها كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) انه قال : «في رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة؟ قال ان كان ذكره قبل ان يقرأ فليصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وليقم وان كان قد قرأ فليتم صلاته». ومثلها صحيحة الحسين بن ابي العلاء (3) وصحيحة الحلبي (4) «انه يعود للأذان والإقامة متى نسيهما ما لم يركع. الحديث». وهذه الروايات أرجح من تلك الرواية لصحتها وتعددها.

واما قوله ـ وعدم وضوح دلالة الأوامر في الاخبار السالفة على أكثر من التأكيد

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 29 من الأذان والإقامة.


والرجحان المطلق ـ ففيه انه مجرد دعوى بلا دليل بل الدليل على خلافه واضح النهج والسبيل كما حققناه في مقدمات الكتاب بالآيات والروايات ، مضافا الى ما حققه أئمة الأصول من القول بالوجوب وقد تقدم الكلام في ذلك في مواضع من الكتاب زيادة على ما في المقدمات ، وأوضحنا ان في هذا القول الذي تفرد به هذا الفاضل خروجا من الدين من حيث لا يشعر قائله عصمنا الله تعالى من زلات الاقدام وطغيان الأقلام في أحكام الملك العلام.

(المسألة الثانية) ـ قد أجمع الأصحاب على مشروعية الأذان للنساء إلا انه لا يتأكد في حقهن كما في الرجال ، قال في المنتهى : ليس على النساء أذان ولا اقامة ولا نعرف فيه خلافا لأنهما عبادة شرعية يتوقف توجه التكليف بهما على الشرع ولم يرد. ويجوز ان تؤذن المرأة للنساء ويعتددن به ذهب إليه علماؤنا ، الى ان قال قال علماؤنا إذا أذنت المرأة أسرت بصوتها لئلا يسمعه الرجال وهو عورة. وقال الشيخ يعتد بأذانهن للرجال وهو ضعيف لأنها إن جهرت ارتكبت معصية والنهي يدل على الفساد وإلا فلا اجتزاء به لعدم السماع. انتهى أقول : الظاهر ان المراد من صدر كلامه هو نفي الوجوب لدلالة باقي الكلام عليه ، ويؤيده ما ذكره في التذكرة حيث قال يستحب في صلاة جماعة النساء ان تؤذن إحداهن وتقيم لكن لا تسمع الرجال عند علمائنا والاستحباب في حق الرجال آكد ، ثم قال ويجزئها التكبير والشهادتان لقول الصادق (عليه‌السلام) ثم نقل الخبر وسيأتي ان شاء الله تعالى (1)

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار في هذا المقام ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة تؤذن للصلاة فقال حسن ان فعلت وان لم تفعل أجزأها أن تكبر وان تشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وعن زرارة في الصحيح (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) النساء

__________________

(1) وهو صحيح عبد الله بن سنان.

(2) الوسائل الباب 14 من الأذان والإقامة.

(3) الوسائل الباب 14 من الأذان والإقامة. والمروي عنه في كتب الحديث هو أبو جعفر «ع».


عليهن أذان؟ فقال إذا شهدت الشهادتين فحسبها».

وعن جميل بن دراج في الصحيح (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة أعليها أذان واقامة؟ فقال لا». ورواه في الكافي عن ابن ابي عمير في الصحيح مثله (2).

وعن ابي مريم الأنصاري في الصحيح (3) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول إقامة المرأة ان تكبر وتشهد ان لا إله إلا الله وان محمد عبده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (4) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) ليس على المرأة أذان ولا إقامة إذا سمعت أذان القبيلة وتكفيها الشهادتان ولكن إذا أذنت وأقامت فهو أفضل». قال «وقال الصادق (عليه‌السلام) ليس على النساء أذان ولا اقامة. ولا جمعة ولا جماعة. الحديث».

وبإسناده في آخر الكتاب عن حماد بن عمرو وانس بن محمد عن أبيه عن جعفر ابن محمد عن آبائه (عليهم‌السلام) في وصية النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعلي (عليه‌السلام) (5) قال : «ليس على المرأة أذان ولا اقامة».

وروى في كتاب العلل في الصحيح عن زرارة بن أعين عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (6) قال : «قلت له المرأة عليها أذان واقامة؟ فقال ان كانت سمعت أذان القبيلة فليس عليها أكثر من الشهادتين فان الله تبارك وتعالى قال للرجال ﴿ أَقِيمُوا الصَّلاةَ (7) وقال للنساء ﴿ وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ (8). الخبر».

وروى في كتاب الخصال (9) في ما اوصى به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عليا

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 14 من الأذان والإقامة.

(7) سورة الأنعام ، الآية 71.

(8) سورة الأحزاب ، الآية 33.

(9) مستدرك الوسائل الباب 13 من الأذان والإقامة.


(عليه‌السلام) «يا علي ليس على النساء جمعة ولا جماعة ولا أذان ولا اقامة».

وروى فيه بسنده عن جابر الجعفي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «ليس على النساء أذان ولا اقامة».

والظاهر من مجموع هذه الاخبار بضم بعضها الى بعض هو استحباب الأذان والإقامة لهن لكن ليس على نحو ما ورد في حق الرجال فرخص لهن في تركه والاكتفاء بالتكبير والشهادتين خاصة عوضا عن الأذان وربما اجتزأت بالشهادتين ايضا عوضا عن الإقامة مع التكبير أو بدونه.

وظاهر هذه الأخبار هو أذانها لصلاتها منفردة فلا يدخل فيه الأذان الإعلامي كما تقدم تحقيقه في صدر المقام الأول ولا الأذان لجماعة النساء ، وما ذكره الأصحاب من أذانها لجماعة النساء والاعتداد به لهن فالظاهر انهم انما استندوا فيه الى الأدلة العامة في صلاة الجماعة وانه يجوز ان يتولى الأذان الإمام أو غيره وان هذا الحكم لا فرق فيه بين جماعة النساء والرجال.

قال المحقق في المعتبر ويجوز ان تؤذن للنساء ويعتددن به وعليه إجماع علمائنا لما روى من جواز إمامتها لهن (2) وإذا جاز ان تؤمهن جاز ان تؤذن لهن لان منصب الإمامة أتم. وتسر أذانها. ولا تؤذن للرجال لان صوتها عورة ولا يجتزأ به ، وقال في المبسوط يعتد به ويقيمون لأنه لا مانع منه ، لنا ـ انها ان أجهرت فهو منهي عنه والنهي يدل على الفساد وان اخفتت لم يجتزأ به لعدم السماع.

أقول : وقد تقدم نحو هذا الكلام عن المنتهى ايضا وهو مبني على ما هو المشهور في كلامهم من تحريم سماع صوت الأجنبية ، وقد قدمنا انه لا دليل عليه بل ظاهر الاخبار الجواز ولعل كلام الشيخ في المبسوط مبني على ذلك ، الا انه يمكن تطرق الإشكال إلى

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 13 من الأذان والإقامة وفي البحار ج 18 الصلاة ص 163 وكذا النسخ الخطية عن ابي جعفر «ع».

(2) الوسائل الباب 20 من صلاة الجماعة.


اعتداد الرجال به وان جوزنا سماع صوت الأجنبية من حيث عدم ورود النقل بذلك والعبادات مبنية على التوقيف ، كذا صرح به في المدارك.

ويمكن الجواب بان ما يدل على الاعتداد بسماع الأذان وان كان ظاهره كون المؤذن رجلا إلا انه لا تعلم هنا خصوصية للرجل في ذلك ، فيتعدى الحكم بطريق المناط القطعي الى كل مؤذن من رجل وامرأة كما في سائر جزئيات الأحكام وان صرح بالرجل فإنهم لا يختلفون في تعدية الحكم الى النساء ما لم تعلم الخصوصية ، ولا يخفى على المتتبع ان أكثر الأحكام الشرعية المتفق على عمومها للرجال والنساء انما وردت في الرجال لكونه هو المسؤول عنه أو ان يقع ذلك ابتداء من الامام (عليه‌السلام) ولو خصت الأحكام بموارد الاخبار وان لم تعلم الخصوصية لضاقت الشريعة ولزم القول بجملة من الأحكام من غير دليل وهو ظاهر البطلان.

قال في الذكرى : وفي حكم المرأة الخنثى فتؤذن للمحارم من الرجال والنساء ولا جانب النساء لا لأجانب الرجال ، ثم قال ولعل الشيخ يجعل سماع الرجل صوت المرأة في الأذان كسماعها صوته فيه فان صوت كل منهما بالنسبة إلى الآخر عورة. انتهى.

أقول : لا يخفى ما بين هذين الكلامين من التدافع فان ظاهر الكلام الأخير انه يحرم على المرأة سماع صوت الرجل وانه عورة بالنسبة إليها كما يحرم عليها النظر اليه ومقتضى هذا ان الخنثى لا تؤذن لا جانب النساء من حيث احتمال الرجولية مع انه جوزه. ثم ان ما ذكره ـ من ان صوت الرجل عورة بالنسبة إلى المرأة كبدنه فيحرم عليها سماع صوته كما يحرم عليها النظر الى جسده ـ لم أقف له على دليل بل الدليل على خلافه واضح السبيل ، نعم تحريم النظر الى جسده منصوص اما سماع الصوت فلا ولا اعلم ايضا قائلا بذلك سواه ، وقد عرفت ان ما ظاهرهم الاتفاق عليه من تحريم سماع صوت المرأة لا دليل عليه بل الدليل دال على خلافه فالعكس اولى بالجواز. والله العالم.

(المسألة الثالثة) ـ قد عرفت انه لا يؤذن لشي‌ء من النوافل ولا الفرائض


غير الخمس ، قال في المعتبر انه مذهب علماء الإسلام. ويعضده ان الأذان وظيفة شرعية فيتوقف كيفية وكمية ومحلا على الورود عن صاحب الشريعة والمنقول عنه فعله في الصلوات الخمس خاصة إلا ان الأصحاب ذكروا انه يقول المؤذن «الصلاة» ، ثلاثا ولم أقف عليه في غير صلاة العيد.

بقي هنا جملة من المواضع قد ورد فيها استحباب الأذان أو مع الإقامة غير الصلاة :

منها ـ الفلوات الموحشة كما ذكره في الذكرى ثم قال روى ابن بابويه عن الصادق (عليه‌السلام) (1) «إذا تغولت بكم الغول فأذنوا». وفي الجعفريات عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) «إذا تغولت بكم الغيلان فأذنوا بأذان الصلاة». ورواه العامة (3) وفسره الهروي بان العرب تقول ان الغيلان في الفلوات تراءى للناس تتغول تغولا اي تتلون تلونا فتضلهم عن الطريق وتهلكهم وروى في الحديث «لا غول» وفيه إبطال لكلام العرب فيمكن ان يكون الأذان لدفع الخيال الذي يحصل في الفلوات وان لم يكن له حقيقة. انتهى كلام الذكرى.

أقول : قال في كتاب دعائم الإسلام : وعن علي (عليه‌السلام) (4) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا تغولت بكم الغيلان فأذنوا بالصلاة». وقال في النهاية الأثيرية فيه : «لا غول ولا صفر» الغول أحد الغيلان وهي جنس من الجن والشياطين كانت العرب تزعم ان الغول في الفلاة تترآى للناس فتغول تغولا اي تتلون تلونا في صور شتى وتغولهم اي تضلهم عن الطريق وتهلكهم فنفاه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأبطله. وقيل قوله «لا غول» ليس نفيا لعين الغول ووجوده وانما فيه إبطال زعم العرب

__________________

(1) الوسائل الباب 46 من الأذان والإقامة.

(2 و 4) مستدرك الوسائل الباب 35 من الأذان والإقامة.

(3) نهاية ابن الأثير مادة «غول» كما يأتي منه «قدس‌سره».


في تلونه بالصور المختلفة واغتياله فيكون المعنى بقوله «لا غول» انها لا تستطيع ان تضل أحدا ، ويشهد له الحديث الآخر «لا غول ولكن السعالى سحرة الجن» اي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخبيل ، ومنه الحديث «إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان». اي ادفعوا شرها بذكر الله تعالى ، وهذا يدل على انه لم يرد بنفيها عدمها. انتهى.

ومنها ـ المولود يستحب الأذان في اذنه اليمنى والإقامة في اليسرى كما ورد عن الصادق (عليه‌السلام) (1).

ومنها ـ من ساء خلقه ، روى في كتاب المحاسن عن هشام بن سالم في الصحيح (2) قال : «اللحم ينبت اللحم ومن تركه أربعين يوما ساء خلقه ومن ساء خلقه فأذنوا في اذنه». ومثله رواه في الكافي عن هشام بن سالم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في الصحيح أو الحسن (3).

وروى عن أبان الواسطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «ان لكل شي‌ء قرما وان قرم الرجل اللحم فمن تركه أربعين يوما ساء خلقه ومن ساء خلقه فأذنوا في اذنه اليمنى».

وروى فيه ايضا عن حفص (5) الابار عن ابي عبد الله عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (6) قال «كلوا اللحم فان اللحم من اللحم ومن لم يأكل اللحم أربعين يوما ساء خلقه وإذا ساء خلق أحدكم من انسان أو دابة فأذنوا في اذنه الأذان».

ومنها ـ ما تقدم في حديث سليمان بن جعفر الجعفري (7) قال : «سمعته يقول اذن في بيتك فإنه يطرد الشيطان ويستحب من أجل الصبيان». إلا انه يمكن حمله على أذان الصلاة. والله العالم.

__________________

(1) الوسائل الباب 35 من أحكام الأولاد.

(2 و 3 و 4 و 6) الوسائل الباب 12 من الأطعمة المباحة.

(5) وفي المحاسن ص 466 والوسائل عن ابي حفص.

(7) الوسائل الباب 18 من الأذان والإقامة.


(المسألة الرابعة) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تارك الأذان والإقامة حتى يدخل في الصلاة فنقل عن السيد المرتضى في المصباح والشيخ في الخلاف انه ان كان متعمدا مضى في صلاته وان كان ساهيا رجع ما لم يركع ، ونقل ذلك عن الأكثر. وقال الشيخ في النهاية من ترك الأذان والإقامة متعمدا ودخل في الصلاة فلينصرف وليؤذن وليقم ما لم يركع ثم يستأنف الصلاة ، وان تركهما ناسيا حتى دخل في الصلاة ثم ذكر مضى في صلاته ولا اعادة عليه ، وبه قال ابن إدريس وهو عكس القول الأول. وأطلق الشيخ في المبسوط فقال متى دخل منفردا في الصلاة من غير أذان واقامة استحب له الرجوع ما لم يركع ويؤذن ويقيم ويستقبل الصلاة فإن ركع مضى في صلاته. ولم يفرق بين العمد والنسيان. وقال ابن ابي عقيل من نسي الأذان في الصلاة الصبح والمغرب حتى اقام رجع فاذن واقام ثم افتتح الصلاة ، وان ذكر بعد ما دخل في الصلاة انه قد نسي الأذان قطع الصلاة واذن واقام ما لم يركع فان كان قد ركع مضى في صلاته ولا اعادة عليه ، وكذلك ان سها عن الإقامة من الصلوات كلها حتى دخل في الصلاة رجع الى الإقامة ما لم يركع فان كان قد ركع مضى في صلاته ولا اعادة عليه إلا ان يكون قد تركه متعمدا استخفافا فعليه الإعادة. وظاهر هذا القول هو الرجوع الى الأذان وحده في صلاتي الصبح والمغرب لو تركه ناسيا ما لم يركع ولو نسي الإقامة وحدها فإنه يرجع لها في جميع الصلوات ما لم يركع وان تركها عمدا فعليه الإعادة مطلقا. وما صرح به ابن ابي عقيل موافق لما قدمنا نقله عنه في صدر المسألة الاولى من قوله : واما الإقامة فإنه ان تركها متعمدا بطلت صلاته وعليه الإعادة.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذن وتقيم ثم ذكرت قبل ان تركع فانصرف واذن وأقم واستفتح الصلاة وان كنت

__________________

(1) الوسائل الباب 29 من الأذان والإقامة.


قد ركعت فأتم على صلاتك».

وعن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «قلت له رجل ينسى الأذان والإقامة حتى بكبر؟ قال يمضي على صلاته ولا يعيد».

وعن نعمان الرازي (2) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) وسأله أبو عبيدة الحذاء عن حديث رجل نسي أن يؤذن ويقيم حتى كبر ودخل في الصلاة قال ان كان دخل المسجد ومن نيته ان يؤذن ويقيم فليمض في صلاته ولا ينصرف».

وعن ابي الصباح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن رجل نسي الأذان حتى صلى؟ قال لا يعيد».

وعن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «سألته عن رجل نسي أن يقيم الصلاة حتى انصرف يعيد صلاته؟ قال لا يعيدها ولا يعود لمثلها».

وعن داود بن سرحان في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) «في رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة؟ قال ليس عليه شي‌ء».

وعن عبيد بن زرارة عن أبيه في الصحيح (6) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة؟ قال فليمض في صلاته فإنما الأذان سنة».

وعن علي بن يقطين في الصحيح (7) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل ينسى ان يقيم الصلاة وقد افتتح؟ الصلاة قال ان كان قد فرغ من صلاته فقد تمت صلاته وان لم يكن فرغ من صلاته فليعد».

وما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (8) انه قال : «في الرجل ينسى الأذان والإقامة حتى يدخل في الصلاة؟ قال

__________________

(1 و 2 و 5 و 6 و 8) الوسائل الباب 29 من الأذان والإقامة.

(3 و 4 و 7) الوسائل الباب 28 من الأذان والإقامة.


ان كان ذكر قبل ان يقرأ فليصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وليقم وان كان قد قرأ فليتم صلاته».

وروى في الفقيه (1) قال : «سأل زيد الشحام أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة. الحديث».

وما رواه الشيخ في الحسن عن الحسين بن ابي العلاء عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن الرجل يستفتح صلاته المكتوبة ثم يذكر انه لم يقم؟ قال فان ذكر انه لم يقم قبل ان يقرأ فليسلم على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم يقيم ويصلي وان ذكر بعد ما قرأ بعض السورة فليتم على صلاته».

وعن زكريا بن آدم (3) قال : «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) جعلت فداك كنت في صلاتي فذكرت في الركعة الثانية وانا في القراءة اني لم أقم فكيف اصنع؟ قال اسكت موضع قراءتك وقل «قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة» ثم امض في قراءتك وصلاتك وقد تمت صلاتك».

أقول : والمستفاد من هذه الأخبار بعد ضم بعضها الى بعض هو استحباب الرجوع الى الأذان والإقامة أو الإقامة وحدها ما لم يركع إذا ترك ذلك ساهيا ، إلا ان صحيح علي بن يقطين دل على وجوب الإعادة بنسيان الإقامة متى ذكر في أثناء الصلاة ، ولعله مستند ابن ابي عقيل في ما تقدم نقله عنه من وجوب الإعادة بترك الإقامة ، إلا ان مورد الرواية النسيان وكلام ابن ابي عقيل مقيد بالتعمد فلا يمكن جعلها مستندا له. والعلامة في المختلف قد حملها على ان المراد بما قبل الفراغ ما قبل الركوع ، ولا يخفى ما فيه من البعد والتمحل. وحملها الشيخ على الاستحباب قال في المعتبر وما ذكره محتمل لكن فيه تهجم على إبطال الفريضة بالخبر النادر. انتهى. أقول وكيف كان فهذا الخبر وان صح سنده لا يبلغ قوة في معارضة ما ذكرناه من الأخبار الدالة على صحة الصلاة بتركهما

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 29 من الأذان والإقامة.


أو أحدهما فلا بد من ارتكاب التأويل فيه وان بعد أو طرحه.

ومورد هذه الاخبار كلها النسيان ولا تعرض فيها لحكم العمد بالكلية ومقتضى الأصل صحة الصلاة سيما على القول المشهور من استحباب الأذان والإقامة ، وعلى تقدير القول بالوجوب فإنه لا قائل بدخولهما في حقيقة الصلاة بل غايتهما ان يكونا من الواجبات الخارجة كما تقدم بيانه ، ومن ذلك يظهر قوة القول الأول.

بقي الكلام في صحيحة محمد بن مسلم وحسنة الحسين بن ابي العلاء ورواية زيد الشحام الدالة على انه إذا نسي الأذان والإقامة أو الإقامة وحدها ثم ذكر قبل القراءة فإنه يصلي على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أو يسلم عليه ثم يقيم ويصلي ، فان ظاهر الأصحاب حملها على قطع الصلاة والرجوع.

قال في المدارك : والظاهر ان الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والسلام عليه إشارة إلى قطع الصلاة ، ويمكن ان يكون ذلك نفسه قاطعا ويكون من خصوصيات هذا الموضع لان ذلك لا يقطع الصلاة في غير هذا المحل. انتهى.

أقول : من المحتمل قريبا في معنى الأخبار المذكورة ان المراد انما هو انه إذا ذكره في ذلك الوقت صلى على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقال «قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة» كما هو ظاهر خبر زكريا بن آدم بل صريحه ، ونحوه في كتاب الفقه الرضوي (1) حيث قال (عليه‌السلام) «فان استيقنت انك تركت الأذان والإقامة ثم ذكرت فلا بأس بترك الأذان وتصلي على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم قل قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة». وعلى هذين الخبرين يحمل إجمال الأخبار المذكورة إذ لا تصريح ولا ظهور فيها بقطع الصلاة وابطالها ولا إعادتها من رأس ، وحينئذ فمعنى قوله في حسنة الحسين بن ابي العلاء «ثم يقيم ويصلي» يعني يأتي بهذه العبارة مرتين ويستمر في صلاته ، وقول السيد هنا وقبله الشهيد في الذكرى ـ ان الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والسلام عليه إشارة إلى

__________________

(1) البحار ج 18 الصلاة ص 176.


قطع الصلاة ويكون ذلك قاطعا ويكون من خصوصيات هذا الموضع ـ بعيد غاية البعد. وبالجملة فإن خبري زكريا بن آدم وكتاب الفقه ظاهران بل صريحان في ما ذكرناه وتلك الأخبار مجملة والقاعدة في مثله حمل المجمل على المفصل.

نعم يبقى الاشكال من وجه آخر نبه عليه شيخنا في الذكرى حيث قال بعد نقل خبر زكريا بن آدم : ويشكل بأنه كلام ليس من الصلاة ولا من الأذكار. وأجاب عنه شيخنا البهائي بالحمل على انه يقول ذلك مع نفسه من غير ان يتلفظ به وقوله (عليه‌السلام) «اسكت موضع قراءتك وقل.» ربما يؤذن بذلك إذ لو تلفظ بالإقامة لم يكن ساكتا في موضع القراءة ، وحمل السكوت على السكوت عن القراءة لا عن غيرها خلاف الظاهر. انتهى

وأنت خبير بأنه لقائل أن يقول ان ما ذكره شيخنا المتقدم من كونه ليس من الصلاة ولا من الأذكار وان كان كذلك إلا ان النص متى دل على جوازه فلا وجه لرده ولا استبعاد فيه سيما مع وجود النظائر المتفق عليها بينهم ، وليس هذا بأبعد مما دلت عليه النصوص وقالوا به من غير خلاف يعرف من جواز الأفعال الخارجة عن الصلاة في أثناء الصلاة من غسل دم الرعاف وقتل الحية وإرضاع الصبي ونحو ذلك من الأفعال الخارجة عن الصلاة التي لو لا هذه النصوص الواردة بها لأبطلوا بها الصلاة البتة لكونها أفعالا أجنبية عنها خارجة عن حقيقتها ، والأمر في الموضعين كذلك غاية الأمر انه قد تكاثرت الاخبار بهذا الحكم حتى عدوه الى غير موارد النصوص بتنقيح المناط القطعي دون هذا الجزئي الذي هو محل البحث فيجب الاقتصار فيه على مورد النص.

هذا. واما ما ذكره ابن ابي عقيل ـ من القطع ما لم يركع والرجوع الى الأذان خاصة في صلاة المغرب والصبح. ونحوه ما ذكره المحقق في الشرائع من الرجوع الى الأذان مطلقا ـ فلم أقف فيه على دليل وبذلك اعترف في المدارك فقال : واعلم ان هذه الروايات إنما تعطي استحباب الرجوع لاستدراك الأذان والإقامة أو الإقامة وحدها وليس فيها ما يدل على جواز القطع لاستدراك الأذان مع الإتيان بالإقامة ، ولم أقف على مصرح به سوى


المصنف في هذا الكتاب وابن ابي عقيل على ما نقل عنه ، وحكى فخر المحققين في الشرح الإجماع على عدم الرجوع اليه مع الإتيان بالإقامة وعكس الشارح (قدس‌سره) فحكم بجواز الرجوع لاستدراك الأذان وحده دون الإقامة وهو غير واضح. انتهى.

(المسألة الخامسة) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن القاضي للصلوات الخمس وان استحب له الأذان والإقامة لكل صلاة صلاة إلا انه رخص له في الاقتصار على أذان واحد في أول ورده. وظاهرهم ان الأذان والإقامة لكل صلاة أفضل وان الاقتصار على الأذان في الاولى من ورده دونه في الفضل ، وهو صريح عبارة الشرائع ، وجملة منهم عبروا بالسقوط بقول مطلق.

اما استحباب الأذان والإقامة لكل فريضة فاستدل عليه في المنتهى بقوله (عليه‌السلام) (1) : «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته». وقد كان من حكم الفائتة استحباب تقديم الأذان والإقامة لها فكذا قضاؤها ، ورواية عمار الساباطي (2) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإقامة؟ قال نعم».

واعترضه في المدارك بان في الروايتين ضعفا في السند وقصورا من حيث الدلالة والظاهر ان ضعف الدلالة بالنسبة إلى الأول من حيث ان المتبادر من قوله : «كما فاتته» بجملة اجزائها وصفاتها الداخلة تحت حقيقتها دون الأمور الخارجة عنها. ويحتمل ـ ولعله الأظهر ـ حمل الخبر على كون الفائت فريضة واحدة فإنه يؤذن لها ويقيم. واما بالنسبة الى الثاني فلعدم دلالته على انه يعيد لكل صلاة مع انه يعارضه ما رواه الشيخ في التهذيب عن موسى بن عيسى (3) قال : «كتبت اليه رجل يجب عليه إعادة الصلاة أيعيدها بأذان

__________________

(1) الوسائل الباب 6 من قضاء الصلوات.

(2) الوسائل الباب 8 من قضاء الصلوات.

(3) الوسائل الباب 37 من الأذان والإقامة.


واقامة؟ فكتب يعيدها بإقامة». وبالجملة فإن الدليل المذكور لا يخلو من القصور.

واما الاكتفاء بأذان واحد في أول ورده ثم الإقامة لكل صلاة فيدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل صلى الصلوات وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة ثم ذكر بعد ذلك؟ قال يتطهر ويؤذن ويقيم في أولادهن ثم يصلي ويقيم بعد ذلك في كل صلاة بغير أذان حتى يقضى صلاته».

وعن زرارة في الصحيح أو الحسن عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولادهن فأذن لها وأقم ثم صلها ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة».

وحكى الشهيد في الذكرى قولا بأن الأفضل ترك الأذان لغير الاولى لما روى (3) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) شغل يوم الخندق عن اربع صلوات فأمر بلالا فأذن للأولى واقام ثم أقام للبواقي من غير أذان». وهو حسن. قال في المدارك وهو حسن بل لو قيل بعدم مشروعية الأذان لغير الاولى من الفوائت مع الجمع بينها كان وجها قويا لعدم ثبوت التعبد به على هذا الوجه. انتهى.

أقول : ما استدل به شيخنا الشهيد (قدس‌سره) هنا من الرواية عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وانه شغل عن اربع صلوات يوم الخندق انما هي من طرق المخالفين وليس في أخبارنا لها اثر ولا توافق أصولنا ، فإن ظاهر الأصحاب الاتفاق على عدم جواز ذلك عليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعصمته المانعة عن جواز ذلك عليه ، ولأن الصلاة لها مراتب لا يحصل الفوات فيها إلا مع انقطاع الشعور بالكلية كما ذكروه في صلاة الحرب وصلاة المريض ، فلا حجة في الخبر المذكور ولا ضرورة تلجئ اليه حتى انه يتكلف بالذب عنه ودفع ما يرد عليه من الاشكال حيث قال (قدس‌سره) في المقام : ولا ينافي العصمة

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من قضاء الصلوات.

(2) الوسائل الباب 63 من المواقيت.

(3) تيسير الوصول ج 2 ص 190.


لوجهين (أحدهما) ما روى (1) من ان الصلاة كانت تسقط أداء مع الخوف ثم تقضى حتى نسخ ذلك بقوله تعالى «وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ... الآية» (2). (الثاني) جاز ان يكون ذلك لعدم تمكنه من استيفاء أفعال الصلاة ولم يكن قصر الكيفية مشروعا ، وهو عائد إلى الأول وعليه المعمول. انتهى.

أقول : وفي الثاني الذي عليه المعول عنده ان الاعتماد في ذلك على مجرد الاحتمال والجواز ـ بان يكون المعنى انه يحتمل ان يكون تركه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الصلاة من حيث عدم التمكن من استيفاء أفعالها ـ من قبيل الرمي في الظلام من حيث الخروج بذلك عن ظواهر الأدلة من غير مخصص في المقام ، إذ الأحاديث الدالة على قصر الكيفية في المواضع المنصوصة من خوف ومرض ونحوهما لا اشعار فيها بوقت دون وقت ولا زمان دون زمان ولا حال دون حال على ان الظاهر ان الرواية التي أشار إليها في الوجه الأول ليست من طرقنا ولعله لهذا عدل عن الاستناد إليها واعتمد على مجرد هذا الاحتمال والتجويز.

والعجب منه (قدس‌سره) وكذا من السيد السند في نقله له وجموده عليه بل استحسانه ذلك ، وكيف عولوا في الاستدلال على هذه الرواية العامية وروايات الأصحاب ظاهرة الدلالة واضحة المقالة في ما دلت عليه هذه الرواية العامية كصحيحتي زرارة ومحمد ابن مسلم المتقدمتين ونحوهما ما في كتاب الفقه الرضوي (3) حيث قال (عليه‌السلام) «وقال العالم من أجنب ثم لم يغتسل حتى يصلي الصلوات كلهن فذكر بعد ما صلى فان عليه الإعادة يؤذن ويقيم ثم يفصل بين كل صلاتين بإقامة». ويمكن حمل رواية «من فاتته فريضة» وكذا رواية عمار على الفريضة الواحدة لقوله في الأول «من فاتته فريضة» وفي الثاني «أعاد الصلاة» ولا كلام في استحباب الإعادة في الصلاة الواحدة وحينئذ فلا تنافي بين أخبار المسألة ، ومنه يظهر قوة ما ذكره السيد السند من قوله : بل لو قيل بعدم مشروعية الأذان لغير الاولى

__________________

(1) لم نعثر على هذه الرواية حتى الآن بعد الفحص عنها في مظانها.

(2) سورة النساء ، الآية 103.

(3) البحار ج 18 الصلاة ص 176.


من الفوائت مع الجمع لكان وجها قويا. واما ما دلت عليه رواية موسى بن عيسى فهو محمول على الرخصة والجواز.

ثم انه مما يجب التنبيه عليه انه لا يخفى ان طعن السيد في سند خبر «من فاتته فريضة» بالضعف ليس في محله فان سنده حسن بإبراهيم بن هاشم على المشهور الذي هو صحيح عندنا وعند جملة من المحققين إلا ان يكون ذلك طعنا منه في إبراهيم بن هاشم كما في غير موضع من اضطراب كلامه فيه ، لكن يرد عليه انه وصف رواية زرارة التي نقلها هنا بالصحة وفي سندها إبراهيم بن هاشم ايضا.

وقال الشهيد (قدس‌سره) في الدروس : ويجتزئ القاضي بالأذان لأول ورده والإقامة للباقي وان كان الجمع بينهما أفضل ، وهو ينافي سقوطه عن من جمع في الأداء إلا ان يقول السقوط فيه تخفيف أو ان الساقط أذان الإعلام لحصول العلم بأذان الاولى لا الأذان الذكرى ويكون الثابت في القضاء الأذان الذكرى. وهذا متجه. انتهى واعترضه في المدارك بعدم المنافاة بين الحكمين لو ثبت دليلهما.

أقول : الظاهر ان مبنى المنافاة في كلام الدروس على انه لما كان الدليل على استحباب الجمع بين الأذان والإقامة في القضاء هو حديث «من فاتته فريضة.» بالتقريب الذي ذكره العلامة في المنتهى فجعل القضاء تابعا في ذلك للأداء والحال انهم صرحوا انه لو جمع بين الفرضين في الأداء سقط الأذان للثانية فحصول المنافاة والحال هذه مما لا ريب فيه ، فان إثباتهم له في القضاء انما هو بالتفريع على الأداء كما عرفته من استدلال العلامة والحال انه في الأداء ساقط في مقام الجمع كما عرفت. والظاهر ان هذا هو مراد شيخنا الشهيد (قدس‌سره) بالمنافاة في هذا المقام وهو ظاهر وان كان للمناقشة في أصل دليل المنافاة مجال ـ كما عرفت ـ آنفا من عدم ظهور الدليل الذي استند اليه العلامة في ما استدل به عليه.

واما جوابه في الدروس عن الاشكال المذكور ـ بان الساقط في صورة الجمع


في الأداء انما هو أذان الإعلام. إلخ» واليه يشير قوله في الذكرى كما سيأتي نقله ان شاء الله تعالى في مسألة الجمع : ان الساقط مع الجمع الغير المستحب أذان الاعلام ويبقى أذان الذكر والإعظام ـ ففيه انه لا يخفى ان المستفاد من الاخبار على وجه لا يقبل الاستتار ولا الإنكار هو ان الأذان على نوعين (أحدهما) المقصود به الاعلام بدخول الوقت لكافة الناس وهذا الذي تقدمت أكثر الروايات في صدر المقدمة بالحث عليه وعلى ما فيه من الثواب. و (ثانيهما) الأذان والإقامة بالنسبة الى كل مكلف من ذكر وأنثى وهذا هو الذي تقدم الاختلاف فتوى ورواية في وجوبه واستحبابه في مواضع وافراد معينة. وهذا النوع الثاني لا ارتباط له بأول الوقت بل اي وقت صلى المصلي استحب له الإتيان به ، وهذا هو الذي خرجت فيه روايات القضاء بأنه يؤذن في أول ورده ثم يقيم لكل صلاة صلاة ولا تعلق لهذا بالإعلام لوقوعه في سائر أجزاء الوقت ، فقول شيخنا المشار اليه ـ ان الساقط في صورة الجمع في الثانية أذان الإعلام لحصول العلم بأذان الاولى لا الأذان الذكرى ـ لا معنى له بالكلية لأنه لا يلزم ان تكون صلاته في أول الوقت حتى يكون أذان الاولى أذان إعلام ، ومع فرض كون صلاته في أول الوقت لا يعتبر في أذانه للصلاة الاولى ولا يشترط فيه قصد الاعلام ولا شروط الأذان الإعلامي بالكلية بل لو اذن خفيا وحده في مكان لا يراه أحد ولا يسمع صوته سامع فقد أدى السنة الموظفة. وبالجملة فإن هذا الذي تعلق به الخطاب لهذا المكلف بخصوصه من حيث صلاته المخصوصة لا مدخل له في أذان الإعلام. نعم قام الدليل على الاجتزاء بأذان الاعلام لمن سمعه على الخلاف الآتي ان شاء الله تعالى في العموم للإمام وغيره أو التخصيص بالإمام. وبالجملة فإن كلامه (قدس‌سره) هنا لا اعرف له وجها وجيها. والله العالم.

(المسألة السادسة) ـ اختلف الأصحاب في أذان العصر يوم الجمعة فأطلق الشيخ في المبسوط سقوطه وهو ظاهر المفيد في المقنعة على ما نقله الشيخ في التهذيب ، وقال الشيخ في النهاية انه غير جائز.


وقال ابن إدريس انه يسقط عن من صلى الجمعة دون من صلى الظهر ونقل ، ذلك عن ابن البراج في الكامل.

ونقل عن المفيد في الأركان وابن البراج انهما استحبا الأذان لعصر يوم الجمعة كغيره من الأيام ، قال في المدارك وهو اختيار المفيد (قدس‌سره) في المقنعة على ما وجدته فيها ، قال بعد ان أورد تعقيب الاولى : ثم قم فاذن للعصر وأقم الصلاة. قال والى هذا القول ذهب شيخنا المعاصر سلمه الله تعالى وهو المعتمد لإطلاق الأمر الخالي من التقييد ثم نقل عن الشيخ في التهذيب انه احتج على ما حكاه من كلام المقنعة المتضمن للسقوط بما رواه في الصحيح عن ابن أذينة عن رهط : منهم ـ الفضيل وزرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين». وعن حفص ابن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (2) قال : «الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة». ثم قال : ويتوجه عليه ان الرواية الأولى انما تدل على جواز ترك الأذان للعصر والعشاء مع الجمع بين الفرضين في يوم الجمعة وغيره وهو خلاف المدعى. واما الرواية الثانية فضعيفة السند قاصرة المتن فلا تصلح لمعارضة الأخبار الصحيحة المتضمنة لمشروعية الأذان في الصلوات الخمس. انتهى المقصود من نقل كلامه.

احتج ابن إدريس على ما نقل عنه بأن الإجماع منعقد على استحباب الأذان لكل صلاة من الخمس خرج عنه المجمع عليه وهو من صلى الجمعة فيبقى الباقي على العموم. واعترض عليه بمنع الإجماع على السقوط مع صلاة الجمعة لتصريح بعض الأصحاب بالاستحباب مطلقا كما تقدم.

أقول وبالله التوفيق والهداية إلى سواء الطريق لا يخفى ان محل الخلاف في هذه المسألة

__________________

(1) الوسائل الباب 36 من الأذان والإقامة.

(2) الوسائل الباب 49 من صلاة الجمعة.


في كلامهم غير مشخص ولا معين من انه حال الجمع أو حال التفريق والمسألة بخصوصها خالية من النص إلا ان الذي يقتضيه النظر في الأخبار هو ان القول بالسقوط في عصر الجمعة انما يتم مع الجمع ، وذلك فإن السنة يوم الجمعة في صلاة الظهر حيث لا نافلة بعد الزوال كما في سائر الأيام هو ان يبادر بالصلاة بعد تحقق الزوال ، والسنة في صلاة العصر حيث لا نافلة يومئذ أن يصليها في وقت الظهر في سائر الأيام كما استفاضت بجميع ذلك الاخبار ومن هنا يعلم ان السقوط انما هو من حيث الجمع وان استدلال الشيخ على ما نقله عن المقنعة بصحيحة الرهط المذكورة جيد واعترض السيد عليه بأنه خلاف المدعى ليس في محله. لان المدعى ليس إلا ان عصر الجمعة يسقط أذانها يعني إذا اتى بها على الوجه المندوب اليه والمأمور به والموظف فيها من الجمع بينها وبين الظهر في وقت واحد كما ذكرناه. وقد صرح بذلك الشيخ المفيد (قدس‌سره) في المقنعة في باب عمل ليلة الجمعة ويومها حيث قال : والفرق بين الصلاتين في سائر الأيام مع الاختيار وعدم العوارض أفضل قد ثبتت السنة به إلا في يوم الجمعة فإن الجمع بينهما أفضل وهو السنة. انتهى. وهذا الكلام قد تقدم نقله في كلام السيد في المدارك في المسألة الخامسة من المسائل المرسومة في شرح قول المصنف «الثانية في المواقيت. إلخ» ومراد شيخنا المشار اليه الفرق بين الصلاتين بالنوافل الموظفة أو بالتأخير إلى المثل الثاني الذي هو وقت فضيلة العصر عندهم كما تقدم ، هذا في غير الجمعة واما يوم الجمعة فإن السنة فيه هو الجمع وعدم التفريق لا بنافلة ولا بزمان ، وحينئذ فما نقله السيد عن عبارة المقنعة من ذكر الأذان للعصر في العبارة المذكورة يمكن حمله على حصول التفريق بالوقت كما هو ظاهر سياق العبارة من الاشتغال بالأعمال والأذكار بعد صلاة الظهر الى دخول وقت العصر.

واما ما نقله السيد عن شيخه نور الله تربتيهما واختاره ان أريد به استحباب الأذان يوم الجمعة مطلقا ولو في صورة الجمع فهو باطل مردود بالصحيحة المذكورة وغيرها


مما دل على ما دلت عليه ، وان أريد مع التفريق فهو في محله وليس فيه منافاة لكلام الشيخ كما عرفت.

واما رواية غياث المذكورة فإنها لإجمالها وتعدد الاحتمال فيها لا يمكن الاعتماد عليها في إثبات حكم شرعي ، وسيجي‌ء تحقيق الكلام في معناها في باب صلاة الجمعة ان شاء الله تعالى.

ومما يدل على سقوط أذان الثانية في صورة الجمع زيادة على صحيحة الرهط المتقدمة رواية صفوان الجمال (1) قال : «صلى بنا أبو عبد الله (عليه‌السلام) الظهر والعصر عند ما زالت الشمس بأذان وإقامتين. الحديث».

وصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (2) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علة بأذان وإقامتين».

ومما يدل على ان الجمع عبارة عن عدم النافلة بين الفرضين وانه مع النافلة لا جمع وان كان في وقت واحد موثقة محمد بن حكيم (3) قال : «سمعت أبا الحسن (عليه‌السلام) يقول الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوع فإذا كان بينهما تطوع فلا جمع». وفي رواية أخرى له ايضا (4) قال : «سمعت أبا الحسن (عليه‌السلام) يقول إذا جمعت بين الصلاتين فلا تطوع بينهما».

ومن هذه الاخبار يعلم حصول التفريق الموجب للأذان للثانية بالنافلة ، والظاهر ايضا حصوله بالتأخير إلى وقت الصلاة الثانية كما يفهم من كلام الشيخ والجماعة بل حصوله بالفصل بما يعتد به سيما مع تخلل بعض العوارض الخارجة الغير المرتبطة بالصلاة كما اختاره الفاضل الخراساني في الذخيرة.

__________________

(1) الوسائل الباب 31 من المواقيت.

(2) الوسائل الباب 32 من المواقيت.

(3 و 4) الوسائل الباب 33 من المواقيت.


قال في الذكرى : ولو جمع الحاضر أو المسافر بين الصلاتين فالمشهور ان الأذان يسقط في الثانية ، قاله ابن ابي عقيل والشيخ وجماعة سواء جمع بينهما في وقت الأولى أو الثانية لأن الأذان إعلام بدخول الوقت وقد حصل بالأذان الأول ، وليكن الأذان للأولى ان جمع بينهما في وقت الاولى وان جمع بينهما في وقت الثانية اذن للثانية ثم اقام وصلى الاولى لمكان الترتيب ثم أقام للثانية. انتهى.

أقول : ما ذكره في تعليل سقوط أذان الثانية من ان الأذان إعلام بدخول الوقت عليل كما عرفت مما قدمنا بيانه إذ لا دليل عليه ، والأذان الإعلامي منفرد لا تعلق له بأذان الصلاة المخاطب به كل فرد فرد من افراد المكلفين بخطابهم بالصلاة لما أسلفناه من الأخبار المتعلقة بكل منهما على حدة والفروع والأحكام المترتبة على كل منهما على حدة. وأضعف من ذلك قوله : «وليكن الأذان للأولى ان جمع بينهما في وقت الأولى. إلخ» فإنه لا دليل عليه وان وافقه الشهيد الثاني على ذلك وصار اليه والنصوص خالية من هذا التفصيل. والظاهر ان هذا الكلام مبني على ما ذكره أولا من ان الأذان للإعلام فإنه متى كان القصد به الاعلام يكون وظيفة صاحبة الوقت فيقصد به صاحبة الوقت خاصة وهو كالمبني عليه في الضعف وعدم الدليل. وأشد ضعفا في كلامه في هذا المقام ما ذكره من انه لو اتفق الجمع مع عدم استحبابه فإنه يسقط أذان الاعلام ويبقى أذان الذكر والإعظام ، وقد تقدم ما فيه. والله العالم.

(المسألة السابعة) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في سقوط أذان عصر عرفة وعشاء المزدلفة.

ويدل عليه من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «السنة في الأذان يوم عرفة ان يؤذن ويقيم للظهر ثم يصلي ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة».

__________________

(1) الوسائل الباب 36 من الأذان والإقامة.


وعن منصور بن حازم في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «صلاة المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين». الى غير ذلك من الأخبار الآتية في كتاب الحج ان شاء الله تعالى.

انما الخلاف بينهم في حكم السقوط في حال الجمع مطلقا وخصوص عصري الجمعة وعرفة وعشاء المزدلفة هل هو على سبيل الرخصة وان كان مستحبا أو الكراهة كما في سائر مكروهات العبادات أو انه محرم؟ أقوال ، فذهب جمع من الأصحاب : منهم ـ العلامة إلى التحريم في الثلاثة الأخيرة وأطلق الباقون سقوطه مع مطلق الجمع.

واختلف كلام شيخنا الشهيد (قدس‌سره) في المسألة ففي الذكرى توقف في كراهته في الثلاثة المشار إليها استنادا الى عدم وقوفه فيه على نص ولا فتوى ثم حكم بنفي الكراهة وجزم بانتفاء التحريم فيها وببقاء الاستحباب في الجمع بغير الثلاثة المذكورة مأولا الساقط بأنه أذان الاعلام وان الباقي أذان الذكر والإعظام. وقريب منه كلامه في الدروس فإنه قال : وربما قيل بكراهته في الثلاثة وبالغ من قال بالتحريم. وقال في البيان ان الأقرب ان الأذان في الثلاثة حرام مع اعتقاد شرعيته. وتوقف في غيرها.

والمفهوم من كلام شيخنا الشهيد الثاني في الروض والروضة هو التحريم في المواضع الأربعة حيث قال في الروضة بعد ذكرها : وهل سقوط الأذان في هذه المواضع رخصة فيجوز الأذان أم عزيمة فلا يشرع؟ وجهان من انه عبادة توقيفية ولا نص عليها هنا بخصوصه والعموم مخصص بفعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإنه جمع بين الظهرين والعشاءين لغير مانع بأذان وإقامتين وكذا في تلك المواضع والظاهر انه لمكان الجمع لا لخصوصية البقعة ، ومن انه ذكر الله ولا وجه لسقوطه أصلا بل تخفيفا ورخصة. ثم استشكل في الوجه الثاني بمنع كونه بجميع فصوله ذكرا ، وبان الكلام في خصوصية العبادة لا في مطلق الذكر ، الى ان قال بعد نقل الخلاف : والظاهر التحريم في ما لا إجماع على

__________________

(1) الوسائل الباب 34 من المواقيت.


استحبابه منها لما ذكرناه. انتهى.

وظاهر السيد السند في المدارك اختيار التحريم في خصوص عصر عرفة وعشاء المزدلفة خاصة حيث قال بعد إيراد صحيحة ابن سنان المتقدمة : وهل سقوط الأذان هنا على سبيل الرخصة أو الكراهة أو التحريم؟ أوجه ذهب الى كل منها ذاهب والأصح التحريم كما اختاره العلامة في المنتهى والشهيد في البيان لأنه مخالفة للسنة فيكون بدعة وقد صح عن الصادق (عليه‌السلام) (1) انه قال : «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها الى النار». وعلى نهجه نهج الفاضل الخراساني في الذخيرة أيضا للخبر المذكور وستعرف ما فيه ان شاء الله تعالى. واما في موضع الجمع فإنه قال : لا يبعد ان يقال انه مكروه في موضع يستحب الجمع بالمعنى المتعارف في العبادات بمعنى ان الإتيان به أقل ثوابا من الإتيان بالصلاة من غير تفريق ، قال واما في غير موضع استحباب الجمع فتركه مرخص فيه بمعنى عدم التأكيد في استحبابه كما في غيره لا انه مكروه أو مباح.

أقول وبالله التوفيق إلى هداية سواء الطريق : الأظهر عندي في هذه المسألة ما رجحه شيخنا الشهيد الثاني (روح الله روحه) من التحريم في المواضع الأربعة المتقدمة الراجعة في التحقيق الى مطلق الجمع :

(اما أولا) فلان العبادات توقيفية مبنية على التوظيف من الشارع ولم يعلم منه الأذان للثانية في صورة الجمع مطلقا بل المعلوم من الاخبار خلافه وانه لا أذان ثمة :

فمنها ـ ما دل على حكاية فعله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وفعل الأئمة (عليهم‌السلام) كما تقدم في صحيحة الرهط ورواية صفوان الجمال وصحيحة عبد الله بن سنان ، ومثلها رواية عبد الله بن سنان (2) قال : «شهدت المغرب ليلة مطيرة في مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فحين كان قريبا من الشفق نادوا وأقاموا الصلاة فصلوا المغرب

__________________

(1) الوسائل الباب 10 من نافلة شهر رمضان.

(2) الوسائل الباب 31 من المواقيت.


ثم أمهلوا الناس حتى صلوا ركعتين ثم قام المنادي في مكانه في المسجد فأقام الصلاة فصلوا العشاء ثم انصرف الناس الى منازلهم ، فسألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن ذلك فقال نعم قد كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عمل بهذا».

ومنها ـ ما دل على أمر المكلفين بذلك كصحيحتي عبد الله بن سنان ومنصور بن حازم المتقدمتين صدر هذه المسألة ونحوهما صحيحة حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) «في رجل يقطر منه البول من انه يتخذ كيسا يجعل فيه قطنا ، الى ان قال يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر بأذان وإقامتين يؤخر الظهر ويعجل العصر وكذا يؤخر المغرب ويعجل العشاء ويجمع بينهما بأذان وإقامتين».

ولم يرد في شي‌ء من روايات الجمع الإشارة فضلا عن التصريح الى أذان الثانية بالكلية ومنه يعلم انه لا أذان للثانية في صورة الجمع مطلقا من المواضع الثلاثة وغيرها لعدم ثبوت التعبد به ، والاستناد الى الأخبار المطلقة هنا ضعيف لان هذه الاخبار خاصة فيخصص بها إطلاق تلك الاخبار كما هو القاعدة المتفق عليها.

والعجب ان السيد السند (قدس‌سره) ذكر ـ في مسألة أذان المرأة للرجال الأجانب بناء على عدم تحريم سماع صوتها بعد ان نقل عن ظاهر المبسوط الجواز ـ ما صورته : ويمكن تطرق الإشكال إلى اعتداد الرجال بأذانهن على هذا التقدير ايضا لتوقف العبادة على التوقيف وعدم ورود النقل بذلك. انتهى ، وحينئذ فإذا احتاج الى التوقيف في هذه الصورة مع دخولها تحت إطلاق أخبار الأذان وعدم ورود نص في خصوصها بالمنع فكيف لا يحتاج الى التوقيف في ما دلت النصوص على السقوط فيه بل يعمل بإطلاق تلك الأخبار ويلغى هذه النصوص الدالة على السقوط أو يتأولها.

وقال أيضا في مسألة الأذان في قضاء الصلوات الخمس بعد ان نقل عن الأصحاب استحباب الأذان والإقامة لكل صلاة وكلام في البين : ولو قيل بعدم مشروعية الأذان

__________________

(1) الوسائل الباب 19 من نواقض الوضوء.


لغير الاولى من الفوائت مع الجمع بينها كان وجها قويا لعدم ثبوت التعبد به على هذا الوجه. انتهى. وهذا بعينه آت في ما نحن فيه فان الروايات ـ كما قدمناها في تلك المسألة ـ دلت على ان الأذان للأولى خاصة وان ما بعدها بإقامة إقامة فيخص بها أخبار الأذان المطلقة ، وبه يظهر ان التعبد به في هذه الصورة غير ثابت وكذا ما نحن فيه فان الاخبار كما عرفت قد تكاثرت في صورة الجمع بأنه يؤذن للأولى خاصة ويقيم للثانية من غير أذان. والتقريب المذكور الذي رجح به عدم إعادة الأذان في بقية الفرائض المقضية آت في ما نحن فيه فكيف غفل عن ذلك وحكم بالتحريم بعصر عرفة وعشاء المزدلفة ومثله الفاضل الخراساني الذي تبعه في تينك المسألتين المتقدمتين ايضا.

و (اما ثانيا) فلصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة والتقريب فيها ان الظاهر ـ كما صرح به جملة من الأصحاب ـ ان ترك الأذان في الصورتين المذكورتين فيها ليس الا لخصوص الجمع لا للبقعة وقد دلت على ان السنة هو ترك الأذان فيكون الآتي به مخالفا للسنة وليس بعد ذلك إلا كونه بدعة وبه يثبت ان الإتيان به في مقام الجمع ـ حيثما كان ـ بدعة.

ويعضد ما ذكرناه من ان ترك الأذان في عصر عرفة وعشاء المزدلفة انما هو من حيث الجمع لا لخصوص البقعة خبر حريز المذكور في السلس فإنه من الظاهر ان ذلك ايضا ليس من حيث خصوصية السلس بل من حيث مقام الجمع وان السنة في مقام الجمع حيثما كان وكيفما كان هو سقوط أذان الثانية فيجب اطراد الحكم في روايات المستحاضة الدالة على الجمع وان لم يصرح فيها بالأذان والإقامة بالتقريب المذكور في هذه الأخبار.

واما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة هنا من الاحتمالات والمناقشات التي ليس في التعرض لنقلها كثير فائدة فضعفها يعلم مما حققناه. والله العالم.

(المسألة الثامنة) ـ لو صليت الفريضة جماعة في المسجد ثم جاء آخرون وأرادوا الصلاة جماعة أو فرادى لم يؤذنوا ولم يقيموا وبنوا على أذان الجماعة السابقة وإقامتها ما لم تتفرق الصفوف وإلا أذنوا وأقاموا ، قال الشيخ : والوجه ان الأذان إعلام بدخول الوقت


وقد حصل فلا معنى لإعادته اما إذا تفرقت الصفوف فان صلاته بعد ذلك كالصلاة المستأنفة. أقول : لا يخفى ما في هذا التعليل العليل من الضعف بل الوجه انما هو دلالة النصوص على ذلك :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن ابي علي (1) قال : «كنا عند ابي عبد الله (عليه‌السلام) فأتاه رجل فقال جعلت فداك صلينا في المسجد الفجر وانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح فدخل علينا رجل المسجد فاذن فمنعناه ودفعناه عن ذلك؟ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) أحسنت ادفعه عن ذلك وامنعه أشد المنع. فقلت فان دخلوا فأرادوا أن يصلوا فيه جماعة؟ قال يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر بهم امام».

وما رواه في الكافي عن ابي بصير (2) قال : «سألته عن الرجل ينتهي الى الامام حين يسلم؟ فقال ليس عليه ان يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم فإن وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان».

وما رواه في التهذيب عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «قلت الرجل يدخل المسجد وقد صلى القوم أيؤذن ويقيم؟ قال ان كان دخل ولم يتفرق الصف صلى بأذانهم وإقامتهم وان كان تفرق الصف اذن واقام».

وعن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه (عليهم‌السلام) (4) قال : «دخل رجلان المسجد وقد صلى علي (عليه‌السلام) بالناس فقال لهما ان شئتما فليؤم أحدكما صاحبه ولا يؤذن ولا يقيم».

وعن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (5) انه كان يقول «إذا دخل الرجل المسجد وقد صلى اهله فلا يؤذنن ولا يقيمن ولا يتطوع حتى يبدأ بصلاة الفريضة ولا يخرج منه الى غيره حتى يصلي فيه».

__________________

(1) الوسائل الباب 65 من صلاة الجماعة.

(2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 25 من الأذان والإقامة.


وفي كتاب زيد النرسي عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا أدركت الجماعة وقد انصرف القوم ووجدت الامام مكانه وأهل المسجد قبل ان يتفرقوا أجزأك أذانهم وإقامتهم فاستفتح الصلاة لنفسك ، وإذا وافيتهم وقد انصرفوا عن صلاتهم وهم جلوس أجزأ إقامة بغير أذان ، وان وجدتهم وقد تفرقوا وخرج بعضهم من المسجد فاذن وأقم لنفسك».

قال في المدارك : بعد ان أورد مستندا للحكم المذكور رواية أبي بصير الثانية ورواية ابي علي : وعندي في هذا الحكم من أصله توقف لضعف مستنده باشتراك راوي الأولى بين الثقة والضعيف وجهالة راوي الثانية فلا يسوغ التعلق بهما.

أقول : لا يخفى ما في هذه المناقشة الواهية لأن ضعف هذين الخبرين بناء على تسليم هذا الاصطلاح مجبور بعمل الطائفة بهما إذ لأراد لهذا الحكم ولا مخالف فيه ، وقد سلم في غير موضع العمل بالخبر الضعيف المجبور بعمل الأصحاب وان خالف في مواضع أخر كما في هذا الموضع ، وقد عرفت ان هذين الخبرين معتضدان بغيرهما من الأخبار المذكورة.

إلا انه قد ورد ايضا ما ظاهره المناقضة لهذه الاخبار في ما دلت عليه من سقوط الأذان في هذه الصورة :

ومنها ـ ما رواه في الفقيه في الموثق عن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) «انه سئل عن الرجل أدرك الإمام حين سلم؟ قال عليه ان يؤذن ويقيم ويفتتح الصلاة». ورواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن عمار مثله (3).

وما رواه في الفقيه ايضا عن معاوية بن شريح (4) في حديث قال : «ومن

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 22 من الأذان والإقامة.

(2 و 3) الوسائل الباب 25 من الأذان والإقامة.

(4) الوسائل الباب 65 من صلاة الجماعة.


أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة وليس عليه أذان ولا اقامة ، ومن أدركه وقد سلم فعليه الأذان والإقامة».

والمحدث الكاشاني في الوافي حمل موثقة عمار على صورة التفرق ، والظاهر بعده حيث انها اشتملت على انه أدركه حين سلم وتفرق الناس حين التسليم خلاف المعروف المعهود بين الناس والموظف شرعا من الجلوس للتعقيب ولو قليلا. وذكر ايضا ـ بعد نقل رواية معاوية بن شريح وانها رويت في التهذيب عارية عن هذه الزيادة ـ انه يحتمل ان تكون هذه الزيادة من كلام الصادق (عليه‌السلام) ويحتمل ان تكون من كلام الصدوق

أقول : والظاهر حمل هذين الخبرين على الجواز على كراهية بمعنى حمل النهي في تلك الاخبار على الكراهة جمعا بين الأخبار ـ ولا ينافيه قوله في خبر ابي علي «ادفعه عن ذلك وامنعه أشد المنع» فإنه محمول على تأكيد الكراهة ، وبذلك يظهر ان السقوط هنا ليس كالسقوط في ما تقدم من تلك الصور التي وقع فيها الاختلاف.

بقي في المسألة فوائد يحسن التنبيه عليها لضرورة الرجوع إليها : (الأولى) قال شيخنا الصدوق (عطر الله مرقده) في كتاب الفقيه : لا يجوز جماعتان في مسجد في صلاة واحدة. ثم نقل حديث ابي علي المتقدم في صدر المسألة ، وتبعه على هذا القول المحدث الكاشاني ، وهو بناء منهما على ان قوله (عليه‌السلام) في آخر الخبر «لا يبدو لهم امام» بالواو أو «لا يبدر لهم امام» بالراء عوض الواو أو «لا يبدر بهم» على اختلاف النسخ في هذا الخبر بمعنى لا يظهر لهم امام وهو كناية عن عدم الصلاة جماعة ، والمفهوم من كلام الأصحاب هو الجواز من غير خلاف ينقل في كلامهم لكن يراعى في الأذان والإقامة التفرق وعدمه كما دلت عليه الاخبار المتقدمة حتى اني لم أقف على ناقل لخلاف الصدوق هنا مع ان عبارته ـ كما ترى ـ صريحة في ذلك.

وقال الشيخ المفيد (قدس‌سره) في المقنعة : وإذا صلى في مسجد جماعة لا يجوزان يصلى دفعة أخرى جماعة بأذان واقامة. وظاهر هذه العبارة تحريم الأذان والإقامة للجماعة


الثانية ان خص النهي بالرجوع الى القيد كما هو المشهور ، وان رجع الى القيد والمقيد كان فيه دلالة على تحريم الجماعة مرة ثانية مع الأذان والإقامة. والأمران مشكلان ، والشيخ في التهذيب بعد ان ذكر هذه العبارة أورد حديث ابي علي دليلا عليها ، ثم قال بعد نقل الحديث بتمامه : والذي يدل على ما قلناه من انه لا يؤذن ولا يقيم متى أرادوا الجماعة ما رواه محمد بن احمد بن يحيى ، ثم ساق رواية زيد بن علي المتقدمة. وحينئذ فمعنى آخر الخبر على ما فهمه الأصحاب انما هو لا يبدو لهم أو يبدر يعني بأذان واقامة. وهذا الخبر وان كان مجملا في الدلالة على هذا المعنى إلا ان حديث زيد المذكور صريح في ذلك. وما ذكره المحدث الكاشاني في تأويله ـ حيث انه اختار مذهب الصدوق من حمله على الرخصة في خصوص الاثنين حيث انه مورد الخبر ـ بعيد غاية البعد. والاحتياط لا يخفى.

(الثانية) ـ قد علق إعادة الأذان في خبري أبي بصير على تفرق الصف فان تفرقوا اذن واقام ، والتفرق يصدق بذهاب بعضهم وبقاء بعض ، وحينئذ فيؤذن ويقيم في هذه الصورة ولا يترك الأذان والإقامة إلا مع بقائهم جميعا الذي هو مصداق عدم التفرق ، وعلى هذا تلزم المنافاة لخبر ابي علي الدال على انه مع انصراف بعضهم وبقاء بعض فإنه لا يؤذن ولا يقيم ، فالواجب حمل التفرق في الخبرين المذكورين على انصراف الجميع وذهابهم كلهم جمعا بين الاخبار ، فلو بقي بعضهم ولو واحدا كفى في سقوط الأذان وهو اختيار شيخنا الشهيد الثاني. ويمكن جعل المناط في سقوط الأذان بقاءهم كملا أو بقاء الأكثر وان ذهب الأقل. إلا ان ظاهر خبر زيد النرسي مما يؤيد ظاهر الخبرين المذكورين ، فان الظاهر ان معناه هو انك إذا أدركت الجماعة وقد انصرف القوم اي فرغوا من الصلاة ووجدت الامام مكانه وأهل المسجد لم يتفرقوا يعني لم يخرجوا من المسجد بل بقوا مشتغلين بالتعقيب والذكر فإنه يجزيك أذانهم وإقامتهم ، وإذا وافيتهم وقد فرغوا من صلاتهم وهم جلوس لغير التعقيب بل لأمور أخر فأقم بغير أذان ، وان وجدتهم قد تفرقوا وخرج بعضهم من المسجد فأذان وأقم. وهو غريب لا قائل به في ما اعلم.


وقال الشيخ في المبسوط : إذا اذن في مسجد دفعة لصلاة بعينها كان ذلك كافيا لمن يصلي تلك الصلاة في ذلك المسجد ويجوز له ان يؤذن في ما بينه وبين نفسه وان لم يفعل فلا شي‌ء عليه. وظاهر كلامه يؤذن باستحباب الأذان سرا وان السقوط عام يشمل التفرق وعدمه وهو خلاف ظاهر الأخبار المتقدمة.

(الثالثة) ـ هل يكون الحكم هنا مقصورا على المسجد أو عام له ولغيره؟ وجهان بل قولان اختار أولهما المحقق في المعتبر والنافع والشهيد الثاني واختاره في المدارك عملا بمدلول الروايتين ، قال : ويجوز ان تكون الحكمة في السقوط مراعاة جانب امام المسجد الراتب بترك ما يحث على الاجتماع ثانيا. وقال في الذكرى : الأقرب انه لا فرق بين المسجد وغيره وذكره في الرواية على الأغلب.

أقول : لا يخفى ان أكثر أخبار المسألة المتقدمة قد اشتملت على المسجد وما أطلق منها فالظاهر حمله عليه لأن الأحكام الشرعية انما تبنى على الغالب المتكرر ولا ريب ان صلاة الجماعة انما تتكرر وتعاد في المساجد ووقوعها نادرا لعلة في بعض المواضع لا يقدح ، وحينئذ فإذا كان مورد النصوص المسجد فالخروج عن ذلك يحتاج الى دليل. وبالجملة فإنه يقتصر في ترك ما علم ثبوته واستحبابه بالأدلة القاطعة على الموضع المتيقن.

(الرابعة) ـ الظاهر شمول الحكم للجامع والمنفرد كما هو ظاهر كلام الأصحاب ونقل عن ابن حمزة انه خصه بالجماعة وهو ناشى‌ء عن الغفلة عن مراجعة الأخبار التي قدمناها فإنها صريحة في المنفرد.

(الخامسة) ـ هل يختص الحكم بالفريضة المؤداة أو يعم ما لو دخل الداخل وأراد ان يصلي قضاء؟ إشكال ينشأ من ان إطلاق النصوص بصلاة الداخل شامل للأداء والقضاء ، ومن ان قرائن الحال من قصد المسجد والمسارعة إلى الدخول مع الامام ونحو ذلك انما ينصرف إلى الأداء. ولم أقف على تصريح لأحد من الأصحاب بذلك.

(المسألة التاسعة) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في انه لو اذن المنفرد


ثم أراد الصلاة جماعة فإنه يعيد أذانه وإقامته.

ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سئل عن الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجي‌ء رجل آخر فيقول له نصلي جماعة هل يجوز ان يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ قال لا ولكن يؤذن ويقيم». ورواه الكليني مثله (2).

وطعن في المعتبر ومثله في المدارك في الرواية بضعف السند لان رواتها فطحية لكن قال في المعتبر ان مضمونها استحباب تكرار الأذان والإقامة وهو ذكر الله وذكر الله حسن ، ثم استقرب الاجتزاء بالأذان والإقامة وان نوى الانفراد ، وأيد ذلك بما رواه صالح بن عقبة عن ابي مريم الأنصاري (3) قال : «صلى بنا أبو جعفر (عليه‌السلام) في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا اقامة فلما انصرف قلت له عافاك الله صليت بنا في قميص بلا إزار ولا رداء ، ولا أذان ولا اقامة؟ فقال ان قميصي كثيف فهو يجزئ ان لا يكون علي إزار ولا رداء ، واني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك». قال وإذا اجتزأ بأذان غيره مع الانفراد فبأذانه أولى. انتهى.

وقال الشهيد في الذكرى بعد ذكر الحكم المذكور والاستدلال بالرواية المذكورة ما صورته : وبها أفتى الأصحاب ولا راد لها سوى الشيخ نجم الدين فإنه ضعف سندها بأنهم فطحية وقرب الاجتزاء بالأذان والإقامة أولا لأنه قد ثبت جواز اجتزائه بأذان غيره فبأذان نفسه اولى. قلت ضعف السند لا يضر مع الشهرة في العمل والتلقي بالقبول والاجتزاء بأذان غيره لكونه صادف نية السامع للجماعة فكأنه اذن للجماعة بخلاف الناوي بأذانه الانفراد.

قال في المدارك : بعد ان نقل ملخص هذا الكلام عن الذكرى : ويشكل بما

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 27 من الأذان والإقامة.

(3) التهذيب ج 1 ص 216 وفي الوسائل الباب 30 من الأذان والإقامة.


بيناه مرارا من ان مثل هذه الشهرة لا تقتضي تسويغ العمل بالخبر الضعيف ، وان ظاهر الخبر ترتب الاجزاء على سماع الأذان من غير مدخلية لما عدا ذلك فيه ، الى ان قال والمعتمد الاجتزاء بالأذان المتقدم كما اختاره في المعتبر وان كانت الإعادة أولى. انتهى.

أقول : لا يخفى ما في هذه المناقشة الواهية التي هي لبيت العنكبوت ـ وانه لا وهن البيوت ـ مضاهية.

والكلام في هذا المقام اما بالنسبة الى صاحب المعتبر ففيه (أولا) انه قد صرح في صدر كتابه وجعله من المقدمات لمثل هذه الأحكام والأصول التي يجب البناء عليها في كل مقام بما صورته : قد أفرط الحشوية في العمل بخبر الواحد حتى انقادوا الى كل خبر وما فطنوا الى ما تحته من التناقض فان من جملة الأخبار قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) «ستكثر بعدي الفالة على». وقول الصادق (عليه‌السلام) (2) «ان لكل رجل منا رجلا يكذب عليه». واقتصر بعض عن هذا الإفراط فقال كل سليم السند يعمل به وما علم ان الكاذب قد يصدق وما تنبه ان ذلك طعن في علماء الشيعة وقدح في المذهب إذ لا مصنف إلا وهو قد يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر العدل ، وأفرط آخرون في رد الخبر حتى أحال استعماله عقلا ونقلا. الى ان قال وكل هذه الأقوال منحرفة عن السنن والتوسط أقرب ، فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته عمل به وما أعرض الأصحاب عنه أو شذ وجب إطراحه ، ثم استدل على ذلك بأدلة من أحب الوقوف عليها فليرجع الى الكتاب المذكور. فانظر أيدك الله تعالى الى خروجه في هذا المقام عما قدمه وجعله أساسا لجملة الأحكام فان الخبر المذكور لا راد له من الأصحاب قبله كما سمعته من كلام شيخنا الشهيد فكيف استجاز هذا التناقض في كتابه.

و (ثانيا) انه قد اعتمد على الاخبار الموثقة في غير مقام من كتابه : منها ـ في باب غسل النفاس فإنه قال بعد نقل موثقة لعمار المذكور هنا ما صورته : وهذه وان كان

__________________

(1 و 2) البحار ج 1 ص 137 و 139.


سندها فطحية لكنهم ثقات في النقل. وقال بعد نقل رواية عن السكوني : والسكوني عامي لكنه ثقة. فانظر الى هذا الاضطراب في كلامه.

و (ثالثا) انه من العجب طعنه في موثقة عمار واعتضاده برواية أبي مريم وهي في الضعف الى حد لا نهاية له ـ كما صرح به في المدارك ـ بصالح بن عقبة ، قال فقد قيل انه كان كذابا غاليا لا يلتفت اليه. انتهى.

واما بالنسبة الى صاحب المدارك فهو ايضا كذلك وأعظم من ذلك لتصريحه في غير موضع من كتابه بموافقة الأصحاب في مثل هذا الباب ، واستشكله بعد نقل كلام الذكرى ـ بقوله انه قد بين مرارا ان مثل هذه الشهرة لا تقتضي تسويغ العمل بالخبر الضعيف ـ مردود بما قلناه حيث قال ـ في مسألة ما إذا أدرك الطهارة وركعة من الوقت بعد إيراد بعض الأخبار الضعيفة دليلا على ذلك ـ ما صورته : وهذه الروايات وان ضعف سندها إلا ان عمل الطائفة عليها ولا معارض لها فينبغي العمل عليها. وقال في مسألة غسل التوبة نقلا عن المحقق في المعتبر بعد ذكر رواية مرسلة باستحباب الغسل والطعن فيها ـ ما صورته : والمعتمد فتوى الأصحاب منضما الى ان الغسل خير. إلخ.

وجمد عليه. وقال في مسألة غسل المولود بعد ان نقل رواية سماعة الدالة على ان غسل المولود واجب : والمعتمد الاستحباب. مع انه لا دليل عليه وراء الرواية إلا عمل الأصحاب حيث ان المشهور الاستحباب. وقال في مسألة جواز غسل الجمعة يوم الخميس بعد نقل بعض الروايات الضعيفة : ولو لا ما اشتهر من التسامح في أدلة السنن لأمكن المناقشة في هذا الحكم. مع انه رد هذه الشهرة في صدر الكتاب فقال : وما قيل من ان أدلة السنن يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها فمنظور فيه لان الاستحباب حكم شرعي فيتوقف على الدليل الشرعي كسائر الأحكام. وقال ـ بعد نقل مرسلة ابن ابي عمير الواردة في ضبط الكر بألف ومأتي رطل بعد ما نقل عن المعتبر ان على هذا عمل الأصحاب ـ ما صورته : وظاهره اتفاق الأصحاب على العمل بمضمونها فيكون الإجماع جابرا لإرسالها. انتهى.


وتستره في هذه العبارات في جبر الخبر الضعيف بالإجماع دون الشهرة وفرقه بين الأمرين مما لا يسمن ولا يغني من جوع ، فإنه لا مدعى للإجماع في هذه المواضع التي أشرنا إليها مما اعتمدوا فيها على تلك الأخبار الضعيفة وانما المدعى شهرة العمل بها وعدم وجود الراد لها والمخالف فيها ، فتسميته له ـ في بعض المواضع التي يضطر الى العمل بها إجماعا ويجعله جابرا لضعف الخبر وفي الموضع الذي لا يرتضيه شهرة ويمنع كونه جابرا لضعفه ـ ترجيح من غير مرجح ناشئ مما ذكرناه في غير موضع مما تقدم من ضيق الخناق في هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب من الصلاح. على ان الإجماع عنده ليس بدليل شرعي كما أشار إليه في صدر كتابه وذكر انه صنف رسالة في رده وان استسلقه تأييدا في بعض المواضع فكيف جاز له الاعتماد عليه في جبر الخبر الضعيف؟

هذا. واما ما ذكره في المعتبر ـ ومثله جمود السيد عليه في كتابه من تأييد ما ذكراه برواية أبي مريم الأنصاري ـ

ففيه (أولا) انه لا يخرج عن القياس لان المدعى الاجتزاء بأذان الإنسان نفسه متى أذن بنية الانفراد ومورد الرواية الاجتزاء بأذان الغير ، وكونه مفهوم أولوية لا يخرجه عن القياس كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب.

و (ثانيا) ما ذكره شيخنا الشهيد (قدس‌سره) من الفرق. وما أجاب به في المدارك ـ من ان الظاهر ترتب الاجزاء على سماع الأذان وعدم مدخلية لما عدا ذلك ـ مردود بأنه لا ريب ان ظاهر سياق الخبر ان الباقر (عليه‌السلام) حين سماعه لأذان جعفر (عليه‌السلام) وإقامته كان قاصدا إلى الجماعة لقوله في الاعتذار إلى المأمومين عن ترك الأذان والإقامة «إني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم» يعني في حال خروجه قاصدا الى المكان الذي فيه الجماعة ، فظاهر الخبر يدل على مدخلية قصد الجماعة كما ذكره شيخنا المذكور.

واما قوله في المدارك : «والمعتمد الاجتزاء بالأذان المتقدم كما اختاره في المعتبر» فقد ظهر لك بما ذكرناه انه غير معتمد ولا معتبر ، ونزيده بأنه متى ثبت استحباب الأذان


للجماعة وتأكده فيها بالأخبار حتى قيل بوجوبه كما عرفت فسقوطه في موضع من المواضع يحتاج الى دليل واضح وبرهان لائح سيما مع ورود الموثقة المذكورة بتأييد عموم تلك الأخبار. واما رواية أبي مريم فهي مع ضعف سندها عنده كما صرح به لا دلالة فيها على المدعى ، فبأي دليل استجاز الخروج عن مقتضى الاستحباب والتأكيد في تلك الاخبار؟ ما هذه إلا مجازفات ظاهرة ومناقشات قاصرة ، ولله در الفاضل الخراساني في الذخيرة في هذا المقام مع متابعته لصاحب المدارك في جل الأحكام حيث عدل عنه هنا وصرح باختيار القول المشهور. والله العالم.

(المقام الثالث) ـ في كيفية الأذان والإقامة

وفيه أيضا مسائل : (الأولى) ـ لا خلاف بين الأصحاب انه في غير الصبح لا يؤذن إلا بعد دخول الوقت واما في الصبح فالمشهور الرخصة في تقديمه قبل الصبح ثم إعادته بعد طلوع الصبح ، قال ابن ابي عقيل. الأذان عند آل الرسول (صلوات الله عليهم) للصلوات الخمس بعد دخول وقتها إلا الصبح فإنه جائز ان يؤذن لها قبل دخول وقتها ، بذلك تواترت الأخبار عنهم (عليهم‌السلام) (1) وقالوا «كان لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مؤذنان أحدهما بلال والآخر ابن أم مكتوم وكان أعمى وكان يؤذن قبل الفجر ويؤذن بلال إذا طلع الفجر وكان (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول إذا سمعتم أذان بلال فكفوا عن الطعام والشراب».

ومنع ابن إدريس من تقديمه في الصبح ايضا وهو اختيار المرتضى في المسائل الناصرية ، ونقل عن ابن الجنيد وابي الصلاح والجعفي ، قال السيد (رضي‌الله‌عنه) في الكتاب المذكور : قد اختلفت الرواية عندنا في هذه المسألة فروى انه لا يجوز الأذان لصلاة قبل دخول وقتها على كل حال ، وروى انه يجوز ذلك في صلاة الفجر خاصة (2) وقال أبو حنيفة ومحمد والثوري لا يؤذن للفجر حتى يطلع الفجر ، وقال مالك وأبو يوسف

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 8 من الأذان والإقامة.


والأوزاعي والشافعي يؤذن للفجر قبل طلوع الفجر (1) والدليل على صحة مذهبنا ان الأذان دعاء إلى الصلاة وعلم على حضورها فلا يجوز قبل وقتها لانه وضع للشي‌ء في غير موضعه ، وايضا ما روى (2) «ان بلالا اذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يعيد الأذان». وروى عياض بن عامر عن بلال (3) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال له لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا». ومد يديه عرضا.

قال في المختلف بعد نقله : والجواب المنع من حصر فائدة الأذان في إعلام وقت الصلاة بل قد ذكرنا له فوائد قبل طلوع الفجر ، قال المفيد (قدس‌سره) الأذان الأول لتنبيه النائم وتأهبه لصلاته بالطهور ونظر الجنب في طهارته ثم يعاد بعد الفجر ولا يقتصر على ما تقدم ، إذ ذاك لسبب غير الدخول في الصلاة وهذا للدخول فيها. وعن الحديث الثاني بأنا نقول بموجبه إذ يستحب للمؤذن إعادة أذانه بعد الفجر. وعن الثالث بأنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) امره بذلك لان ابن أم مكتوم كان يؤذن قبل الفجر فجعل أذان بلال علامة على طلوعه. انتهى.

أقول : ومما يدل على القول المشهور زيادة على ما ذكره ابن ابي عقيل ما رواه الشيخان في الكافي والتهذيب في الصحيح عن عمران بن علي (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الأذان قبل الفجر فقال إذا كان في جماعة فلا وإذا كان وحده فلا بأس».

وروى الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «قلت له ان لنا مؤذنا يؤذن بليل؟ فقال اما ان ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة واما السنة فإنه ينادى مع طلوع الفجر ولا يكون بين الأذان والإقامة إلا الركعتان».

__________________

(1) عمدة القارئ ج 2 ص 650.

(2) سنن البيهقي ج 1 ص 383.

(3) سنن ابى داود ج 1 ص 211 والراوي فيه شداد مولى عياض.

(4 و 5) الوسائل الباب 8 من الأذان والإقامة.


وعن ابن سنان (1) قال «سألته عن النداء قبل طلوع الفجر؟ فقال لا بأس واما السنة فمع الفجر وان ذلك لينفع الجيران يعني قبل الفجر».

وروى الصدوق عن معاوية بن وهب في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) في حديث قال : «لا تنتظر بأذانك وإقامتك إلا دخول وقت الصلاة واحدر إقامتك حدرا. قال وكان لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مؤذنان أحدهما بلال والآخر ابن أم مكتوم وكان ابن أم مكتوم أعمى وكان يؤذن قبل الصبح وكان بلال يؤذن بعد الصبح فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان ابن أم مكتوم يؤذن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال. فغيرت العامة هذا الحديث عن جهته وقالوا انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال ان بلالا يؤذن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم».

أقول : قد نقل صاحب الوسائل الحديث المذكور كما نقلناه وظاهره حمل قوله : «فغيرت العامة هذا الحديث. إلخ» على انه من قول الامام (عليه‌السلام) والأقرب انه من كلام الصدوق كما هي عادته في إدخال كلامه في الاخبار على وجه يحصل به الالتباس كما في هذا الموضع ، وهو ظاهر شيخنا الشهيد في الذكرى فإنه نسب هذه الزيادة الى الصدوق.

وروى ثقة الإسلام في الصحيح وبسند آخر في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «كان بلال يؤذن للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وابن أم مكتوم ـ وكان أعمى ـ يؤذن بليل ويؤذن بلال حين يطلع الفجر».

وعن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال هذا ابن أم مكتوم وهو يؤذن بليل فإذا أذن بلال فعند ذلك فأمسك».

أقول : والى هذه الاخبار أشار ابن ابي عقيل بتواتر الاخبار وهي ـ كما ترى ـ

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 8 من الأذان والإقامة.


واضحة الدلالة في المدعى إلا ان من شأن للسيد وابن إدريس الاعتماد على الأدلة العقلية بزعمهما وعدم مراجعة الأدلة السمعية كما لا يخفى على المتتبع لكلامهما العارف بقواعدهما ، ولا سيما المرتضى (رضي‌الله‌عنه) كما تصفحت جملة من كتبه فإنه في مقام الاستدلال على الأحكام التي يذكرها انما يورد أدلة عقلية ولا يلم بالأخبار بالكلية.

إلا ان هنا جملة من الروايات الدالة على مذهب المرتضى (رضي‌الله‌عنه) ومن تبعه نقلها شيخنا المجلسي في كتاب البحار (1) من كتاب زيد النرسي :

منها ـ عن ابي الحسن (عليه‌السلام) «انه سمع الأذان قبل طلوع الفجر فقال شيطان ثم سمعه عند طلوع الفجر فقال الأذان حقا».

ومنها ـ عن ابي الحسن (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الأذان قبل طلوع الفجر فقال لا إنما الأذان عند طلوع الفجر أول ما يطلع. قلت فان كان يريد ان يؤذن الناس بالصلاة وينبههم؟ قال فلا يؤذن ولكن ليقل وينادي ب «الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم» يقولها مرارا وإذا طلع الفجر فلم يكن بينه وبين ان يقيم إلا جلسة خفيفة بقدر الشهادتين وأخف من ذلك».

ومنها ـ ايضا عن ابي الحسن (عليه‌السلام) قال «الصلاة خير من النوم بدعة بني أمية وليس ذلك من أصل الأذان ولا بأس إذا أراد الرجل ان ينبه الناس للصلاة ان ينادي بذلك ولا يجعله من أصل الأذان فإنا لا نراه أذانا».

أقول : وكان الاولى بمن ذهب الى القول المذكور الاستناد الى هذه الاخبار إلا ان صحة الكتاب المذكور والاعتماد عليه محل اشكال. وكيف كان فالظاهر ان هذه الاخبار لا تبلغ قوة المعارضة لما قدمناه من الأخبار المعتضدة بعمل أكثر الأصحاب وروايتها في الأصول المعتمدة ، ولا يبعد خروج هذه الاخبار مخرج التقية فإنه مذهب أبي حنيفة واتباعه كما تقدم ذكره (2).

__________________

(1) ج 18 الصلاة ص 179.

(2) ص 394.


فرع

قال في الذكرى : لأحد لهذا التقديم عندنا بل ما قارب الفجر ، وتقديره بسدس الليل أو نصفه تحكم وروى (1) «انه كان بين اذاني بلال وابن أم مكتوم نزول هذا وصعود هذا» وينبغي ان يجعل ضابطا في التقديم ليعتمد عليه الناس. ولا فرق بين رمضان وغيره في التقديم. ولا يشترط في التقديم مؤذنان فلو كان واحدا جاز له تقديمه نعم يستحب له إعادته بعده ليعلم بالأول قرب الوقت وبالثاني دخوله لئلا يتوهم طلوع الفجر بالأول.

(المسألة الثانية) ـ قد اختلفت الأخبار وكذا كلمة الأصحاب في عدد فصول الأذان والإقامة ، والمشهور ان فصول الأذان ثمانية عشر فصلا : التكبير أولا أربعا ثم الشهادة بالتوحيد ثم الشهادة بالرسالة ثم (حي على الصلاة) ثم (حي على الفلاح) ثم (حي على خير العمل) ثم التكبير ثم التهليل مرتين في كل منها. واما الإقامة فهي سبعة عشر بإسقاط تكبيرتين من الأربع التي في الأذان وزيادة عوضهما (قد قامت الصلاة) مرتين قبل التكبير الأخير والاقتصار في التهليل على مرة في الآخر. قال في المعتبر : وفصوله على أشهر الروايات خمسة وثلاثون فصلا : الأذان ثمانية عشر والإقامة سبعة عشر ، وهو مذهب السبعة ومن وليهم. وقال في المنتهى ذهب إليه علماؤنا ونقل ابن زهرة إجماع الفرقة عليه. وحكى الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب انه جعل فصول الإقامة مثل فصول الأذان وزاد فيها (قد قامت الصلاة) مرتين. وقال ابن الجنيد التهليل في آخر الإقامة مرة واحدة إذا كان المقيم قد اتى بها بعد الأذان فإن كان قد اتى بها بغير أذان ثنى (لا إله إلا الله) في آخرها. وقال الشيخ في النهاية بعد ما ذكر الأذان والإقامة كما هو المشهور : هذا الذي ذكرناه هو المختار المعمول عليه ، وقد روى سبعة وثلاثون فصلا

__________________

(1) سنن البيهقي ج 1 ص 382.


في بعض الروايات وفي بعضها ثمانية وثلاثون فصلا وفي بعضها اثنان وأربعون فصلا ، فاما من روى سبعة وثلاثين فصلا فإنه يقول في أول الإقامة أربع مرات (الله أكبر) ويقول في الباقي كما قدمناه ، ومن روى ثمانية وثلاثين فصلا يضيف الى ما قدمناه قول (لا إله إلا الله) مرة أخرى في آخر الإقامة ، ومن روى اثنين وأربعين فصلا فإنه يجعل في آخر الأذان التكبير اربع مرات وفي أول الإقامة أربع مرات وفي آخرها ايضا مثل ذلك اربع مرات ويقول (لا إله إلا الله) مرتين في آخر الإقامة. فإن عمل عامل على احدى هذه الروايات لم يكن مأثوما. انتهى. وظاهره التخيير في جميع ما ورد والجمع بين الاخبار بذلك.

واما الاخبار الواردة في المسألة فمنها ـ ما رواه ثقة الإسلام عن إسماعيل الجعفي (1) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفا فعد ذلك بيده واحدا واحدا : الأذان ثمانية عشر حرفا والإقامة سبعة عشر حرفا». وهذه الرواية إنما تنطبق على القول المشهور في عدد الفصول في كل منهما إلا انها مجملة في بيان الفصول وعدم معلومية النقص والزيادة.

ويؤيدها بالنسبة إلى عدد فصول الأذان وبيان الإجمال الذي فيه جملة من الروايات الآتية المشتملة على هذا العدد في فصول معينة وهي التكبير أربعا والشهادة بالتوحيد والرسالة. إلى آخر الفصول المذكورة فيها مرتين مرتين في الجميع. ولكن ينافيها بعض الأخبار الآتية الدالة على تثنية التكبير في الأول.

واما بالنسبة إلى الإقامة فأكثر الأخبار قد دل على التثنية في الفصول المتوسطة وانما الإشكال في التكبير في أولها والتهليل في آخرها فإن الأخبار قد اضطربت فيه ، وحينئذ فمتى دل الخبر المذكور على انها سبعة عشر فصلا مع ما عرفت من تثنية الفصول المتوسطة وعدم الاشكال فيها فهذا العدد لا يتم إلا بجعل التكبير مرتين في أولها والتهليل

__________________

(1) الوسائل الباب 19 من الأذان والإقامة.


مرة واحدة في آخرها وإلا فلو جعل التكبير أربعا كما تدل عليه الأخبار الآتية زاد العدد على السبعة عشر سيما إذا ثني التهليل في آخرها فإنها تصير عشرين فصلا.

وبالجملة فإنك متى لا حظت هذا العدد ـ وضممت إليه دلالة الأخبار على تثنية الفصول المتوسطة وانما الخلاف في الطرفين وان هذا العدد لا يتجه ولا يحصل إلا بتثنية التكبير في الأول ووحدة التهليل في الآخر ـ ظهر لك صحة ما ذكرناه. ويعضد ذلك شهرة العمل بها بين الأصحاب حتى ادعى عليه الإجماع كما عرفت. والشهرة وان لم تكن عندنا دليلا شرعيا لكنها مؤيدة.

ويؤكد ذلك ايضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاذ بن كثير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي ان هو اذن واقام أن يركع فليقل قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله». فإنها ظاهرة في تخصيص النقص في تلك الرواية من بين سائر فصول الإقامة بالتهليل ، إذ الظاهر من هذه الرواية هو الاكتفاء عن الإقامة ـ عند ضيق الوقت عن الإتيان بها كملا. حيث قد عرفت سابقا ان الظاهر من الأخبار عدم جواز الإخلال بها في الصلاة ـ بهذه الفصول الثلاثة الأخيرة منها.

ويؤيده أيضا ما في كتاب فقه الرضا (عليه‌السلام) (2) من وحدة التهليل في آخر الإقامة وان كان قد جعل التكبير في أولها أربعا فجعل فصولها تسعة عشر.

وما في كتاب دعائم الإسلام عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «الأذان والإقامة مثنى مثنى وتفرد الشهادة في آخر الإقامة تقول (لا إله إلا الله) مرة واحدة». وهذه الرواية منطبقة على المشهور بالنسبة إلى الإقامة. والكتاب المذكور وان كانت اخباره تقصر عن إثبات الأحكام الشرعية لعدم شهرة الاعتماد عليه لكنها لا تقصر عن التأييد.

__________________

(1) الوسائل الباب 34 من الأذان والإقامة.

(2) البحار ج 18 الصلاة ص 172.

(3) مستدرك الوسائل الباب 18 من الأذان والإقامة.


ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام والشيخ في الصحيح عن صفوان الجمال (1) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول الأذان مثنى مثنى والإقامة مثنى مثنى». وما رواه في الكافي عن زرارة في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : قال «يا زرارة تفتتح الأذان؟ بأربع تكبيرات وتختمه بتكبيرتين وبتهليلتين». وهذه الرواية موافقة للمشهور في الأذان.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الأذان قال تقول الله أكبر الله أكبر اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح حي على خير العمل حي على خير العمل الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله لا إله إلا الله».

وهذه الرواية مخالفة للقول المشهور من حيث نقص التكبيرتين من أول الأذان ، وحملها الشيخ على انه قصد إفهام السائل كيفية التلفظ بالتكبير وكان معلوما ان التكبير في أول الأذان أربع مرات. وحمله غيره على الاجزاء وبقية الأحاديث على الأفضلية ، قيل ولذلك استقر عليه عمل الشيعة.

وما رواه عن المعلى بن خنيس (4) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يؤذن فقال الله أكبر الله أكبر اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان لا إله إلا الله.». وذكر ما في حديث عبد الله بن سنان المذكور. أقول : وهو منطبق على المشهور بالنسبة إلى الأذان.

وما رواه الشيخ في التهذيب عن زرارة والفضيل بن يسار عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (5) قال : «لما اسرى برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فبلغ البيت المعمور حضرت الصلاة فأذن جبرئيل (عليه‌السلام) واقام فتقدم رسول الله (صلى الله عليه

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 19 من الأذان والإقامة.


وآله) وصف الملائكة والنبيون خلف رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال فقلنا له كيف اذن؟ فقال الله أكبر الله أكبر اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان لا إله إلا الله.». ثم ساق الأذان كما في الحديثين المتقدمين. ثم قال «والإقامة مثلها إلا ان فيها (قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة) بين (حي على خير العمل حي على خير العمل) وبين (الله أكبر) فأمر بها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بلالا فلم يزل يؤذن بها حتى قبض الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله». أقول : هذا الخبر مخالف للقول المشهور في الأذان بنقصان تكبيرتين من اوله وفي الإقامة بزيادة تهليل في آخرها.

وما رواه الصدوق بإسناده عن ابي بكر الحضرمي وكليب الأسدي جميعا ـ ورواه الشيخ عنهما ايضا ـ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) «انه حكى لهما الأذان قال الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح حي على خير العمل حي على خير العمل الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله لا إله إلا الله ، والإقامة كذلك».

أقول : وهذا الخبر موافق للمشهور في الأذان ومخالف له في الإقامة من جهات ثلاث : (إحداها) زيادة تكبيرتين في الأول (الثانية) ترك (قد قامت الصلاة) بالكلية (الثالثة) زيادة تهليل في الآخر ، فهو أشد الأخبار مخالفة فيها.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال والأظهر عندي ان منشأ هذا الاختلاف انما هو التقية لا بمعنى قول العامة بذلك بل التقية بالمعنى الذي قدمناه في المقدمة الأولى من مقدمات الكتاب ، ولكن الأمر مجهول في تعيينه في أي منها والأظهر هو الجواز بكل ما وردت به الروايات لاذنهم (عليهم‌السلام) وتوسيعهم في العمل والرد الى العالم من آل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وان كان القول المشهور لا يخلو من قوة لما ذكرناه

__________________

(1) الوسائل الباب 19 من الأذان والإقامة.


في صدر الكلام. والله العالم.

وفي المقام فوائد (الأولى) قال شيخنا الصدوق في الفقيه بعد نقل خبر ابي بكر الحضرمي وكليب الأسدي : قال مصنف هذا الكتاب هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه والمفوضة (لعنهم الله) قد وضعوا اخبارا وزادوا في الأذان «محمد وآل محمد خير البرية» مرتين وفي بعض رواياتهم بعد «اشهد ان محمدا رسول الله» «اشهد ان عليا ولي الله» مرتين ومنهم من روى بدل ذلك «اشهد ان عليا أمير المؤمنين حقا» مرتين ، ولا شك في ان عليا ولي الله وانه أمير المؤمنين حقا وان محمدا وآل محمد (صلوات الله عليهم) خير البرية ولكن ليس ذلك في أصل الأذان. وانما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض المدلسون أنفسهم في جملتنا. انتهى.

أقول : ظاهر قوله «هذا هو الأذان الصحيح» من غير إشارة إلى الإقامة مع تضمن الخبر لها يومئ الى ان مذهبه في الإقامة ليس كما دل عليه الخبر ، فقول شيخنا في البحار ـ بعد ان نقل عنه في الهداية انه صرح بتثنية التهليل في آخر الإقامة ، الى ان قال بعد نقل كلام الصدوق المذكور : وظاهره العمل بهذا الخبر في الإقامة أيضا ـ لا يخفى ما فيه فإنه ـ كما ترى ـ انما حكم بصحة الأذان ولم يتعرض لذكر الإقامة في هذا الكلام ، وهذا مما يومئ الى توقفه في الإقامة وانها ليست كذلك لا الى ان مذهبه ان الإقامة كذلك.

ثم ان ما ذكره (قدس‌سره) من قوله : «والمفوضة لعنهم الله. إلخ» ففيه ما ذكره شيخنا في البحار حيث قال ـ ونعم ما قال ـ أقول لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الاجزاء المستحبة للأذان لشهادة الشيخ والعلامة والشهيد وغيرهم بورود الاخبار بها ، قال الشيخ في المبسوط : واما قول «اشهد ان عليا أمير المؤمنين وآل محمد خير البرية» على ما ورد في شواذ الاخبار فليس بمعمول عليه في الأذان ولو فعله الإنسان لم يأثم به غير انه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله. وقال في النهاية : فأما ما روي


في شواذ الأخبار من قول «ان عليا ولي الله وان محمدا وآله خير البشر». فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة فمن عمل به كان مخطئا. وقال في المنتهى : واما ما روى في الشاذ من قول «ان عليا ولي الله ومحمد وآل محمد خير البرية» فمما لا يعول عليه. ويؤيده ما رواه الشيخ احمد بن ابي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن القاسم بن معاوية (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) هؤلاء يروون حديثا في معراجهم انه لما اسرى برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رأى على العرش (لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر الصديق) فقال سبحان الله غيروا كل شي‌ء حتى هذا؟ قلت نعم. قال ان الله عزوجل لما خلق العرش كتب عليه (لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علي أمير المؤمنين عليه‌السلام) ثم ذكر (عليه‌السلام) كتابة ذلك على الماء والكرسي واللوح وجبهة إسرافيل وجناحي جبرئيل وأكناف السموات والأرضين ورؤوس الجبال والشمس والقمر ، ثم قال (عليه‌السلام) فإذا قال أحدكم لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فليقل علي أمير المؤمنين». فيدل على استحباب ذلك عموما والأذان من تلك المواضع ، وقد مر أمثال ذلك في أبواب مناقبه (عليه‌السلام) ولو قاله المؤذن أو المقيم لا بقصد الجزئية بل بقصد البركة لم يكن آثما فان القوم جوزوا الكلام في أثنائهما مطلقا وهذا من أشرف الأدعية والأذكار. انتهى. وهو جيد

أقول : أراد بالمفوضة هنا القائلين بأن الله عزوجل فوض خلق الدنيا الى محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعلي (عليه‌السلام) والمشهور بهذا الاسم انما هم المعتزلة القائلون بأن الله عزوجل فوض الى العباد ما يأتون به من خير وشر.

(الثانية) ـ قد صرح جملة من الأصحاب بأن الأذان والإقامة يقصران مع العذر وفي السفر ، وقال ابن الجنيد إذا أفرد الإقامة من الأذان ثنى (لا إله إلا الله) في آخرها وان اتى بها معه فواحدة ، وقال لا بأس للمسافر ان يفرد كلمات الإقامة مرة مرة

__________________

(1) البحار ج 18 الصلاة ص 162.


إلا التكبير في أولها فإنه مرتان.

أقول : روى الشيخ في الصحيح عن ابي عبيدة الحذاء (1) قال : «رأيت أبا جعفر (عليه‌السلام) يكبر واحدة واحدة في الأذان فقلت له لم تكبر واحدة واحدة؟ فقال لا بأس به إذا كنت مستعجلا».

وعن بريد بن معاوية عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة الأذان واحدا واحدا والإقامة واحدة واحدة».

وعن نعمان الرازي (3) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول يجزئك من الإقامة طاق طاق في السفر».

وعن بريد مولى الحكم عن من حدثه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «سمعته يقول لأن أقيم مثنى مثنى أحب إلى من ان أؤذن وأقيم واحدا واحدا». أقول : يعني الاكتفاء بالإقامة على وجهها عن الأذان أحب إليه من الإتيان بهما على جهة التقصير.

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «الإقامة مرة مرة إلا قول (الله أكبر الله أكبر) فإنه مرتان». وهذا الخبر ظاهر في ما تقدم نقله عن ابن الجنيد لكنه خص التكبير بالأول وظاهر الخبر الإطلاق فيشمل الأول والأخير.

(الثالثة) ـ الظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في اشتراط الترتيب بين الأذان والإقامة وبين فصول كل منهما لأنها عبادة شرعية مبنية على التوقيف فالواجب الإتيان بها على الوجه الذي ورد به الأمر وبدونه لا يكون مجزئا.

ويدل على ذلك مضافا الى ما ذكرنا ما رواه ثقة الإسلام عن زرارة في الصحيح

__________________

(1 و 2 و 3 و 5) الوسائل الباب 21 من الأذان والإقامة.

(4) الوسائل الباب 20 من الأذان والإقامة.


عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «من سها في الأذان فقدم أو أخر أعاد على الأول الذي أخره حتى يمضي على آخره». ورواه الشيخ عن زرارة في الصحيح مثله (2)

وعن عمار الساباطي في الموثق (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) أو معته يقول ان نسي الرجل حرفا من الأذان حتى يأخذ في الإقامة فليمض في الإقامة فليس عليه شي‌ء فان نسي حرفا من الإقامة عاد الى الحرف الذي نسيه ثم يقول من ذلك الموضع الى آخر الإقامة. الحديث».

وروى الصدوق (نور الله مرقده) في الفقيه مرسلا (4) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) تابع بين الوضوء. الى ان قال وكذلك في الأذان والإقامة فابدأ بالأول فالأول ، فإن قلت «حي على الصلاة» قبل الشهادتين تشهدت ثم قلت حي على الصلاة».

وعن عمار الساباطي في الموثق (5) «انه سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي من الأذان حرفا فذكره حين فرغ من الأذان والإقامة؟ قال يرجع الى الحرف الذي نسيه فليقله وليقل من ذلك الحرف الى آخره ولا يعيد الأذان كله ولا الإقامة».

وروى عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (6) قال : «سألته عن الرجل يخطئ في أذانه وإقامته قبل ان يقوم في الصلاة ما حاله؟ قال ان كان أخطأ في أذانه مضى على صلاته وان كان في إقامته انصرف وأعادها وحدها وان ذكر بعد الفراغ من ركعة أو ركعتين مضى على صلاته وأجزأه ذلك».

أقول : ما اشتمل عليه موثق عمار الأول ـ من انه متى نسي حرفا من الأذان حتى أخذ في الإقامة فإنه يمضي في الإقامة ـ محمول على الرخصة بخلاف الإقامة فإنه لا رخصة في المضي ما لم يدخل في الصلاة بل يرجع ويرتب وهو من قبيل ما تقدم من الفروق بين الأذان والإقامة ، ويؤكده خبر الحميري المذكور هنا. واما ما اشتمل عليه موثق عمار الثاني من الرجوع

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 33 من الأذان والإقامة.


إلى الحرف الذي نسيه ثم يرتب عليه ما بعده فإنه مبني على ما هو الأصل في الحكم المذكور فلا منافاة. ومعنى اشتراط الترتيب بينهما وفيهما عدم اعتبارهما بدونه فلا يعتد بهما في الجماعة ويأثم لو اعتقدهما أذانا واقامة وغير ذلك مما يترتب على صحتهما. وقد علم من الروايات المذكورة انه لا فرق في عدم الاعتداد بغير المرتب بين كون فعله عمدا أو سهوا لان الترتيب شرط والمشروط عدم عند عدم شرطه كالطهارة إلا ما خرج بدليل. والله العالم.

(الرابعة) ـ يجوز الاقتصار على الإقامة بغير أذان جماعة وفرادى لعذر كان أو غيره كما تكاثرت به الاخبار :

ومنها ـ ما رواه الصدوق عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن الصادق (عليه‌السلام) (1) في الصحيح قال : «يجزئ في السفر اقامة بغير أذان».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل هل يجزئه في السفر والحضر اقامة ليس معها أذان؟ قال نعم لا بأس به».

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «يجزئك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان».

وعن الحلبي في الصحيح عن ابي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (4) «انه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة ولم يؤذن».

وعن محمد بن مسلم والفضيل بن يسار عن أحدهما (عليهما‌السلام) (5) قال :

«يجزئك اقامة في السفر».

وعن الحسن بن زياد (6) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة».

وروى في كتاب قرب الاسناد عن علي بن رئاب في الصحيح (7) قال : «سألت

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7) الوسائل الباب 5 من الأذان والإقامة.


أبا عبد الله (عليه‌السلام) قلت تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد أتجزئنا اقامة بغير أذان؟ قال نعم».

أقول : والأصل في هذه الاخبار ان الأذان لما كان مستحبا وليس بواجب كما هو الأشهر الأظهر حسبما تقدم تحقيقه بخلاف الإقامة لما تقدم ايضا وردت الرخصة في تركه دونها لعذر كان أولا لعذر بخلافها فإنه لا بد من الإتيان بها ولم يرد الترخيص فيها في خبر من هذه الاخبار ولا غيرها وهو دليل ما قيل فيها من الوجوب كما لا يخفى على المتأمل المنصف.

(المسألة الثالثة) ـ قد تقدم في المقام الأول جملة من المستحبات في الأذان والإقامة في شروط المؤذن وبقي جملة من ذلك مما يتعلق بالأذان والإقامة كراهة واستحبابا :

فمنها ـ انه يستحب الوقوف على أواخر الفصول في الأذان والإقامة إجماعا كما ادعاه جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم).

ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن زرارة (1) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) إذا أذنت فأفصح بالألف والهاء. الحديث».

وعن زرارة (2) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء والإقامة حدر».

ورواه الشيخ مثله (3). وروى الصدوق عن خالد بن نجيح عن الصادق (عليه‌السلام) (4) انه قال : «التكبير جزم في الأذان مع الإفصاح بالهاء والألف».

وعن خالد بن نجيح عنه (عليه‌السلام) (5) انه قال : «الأذان والإقامة مجزومان». قال الصدوق وفي خبر آخر (6) «موقوفان».

أقول : قد اشتملت هذه الاخبار على الأمر بالإفصاح بالألف والهاء ومثلها أيضا صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (7) قال : «لا يجزئك من الأذان إلا

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7) الوسائل الباب 15 من الأذان والإقامة.


ما أسمعت نفسك وافهمته (1) وأفصح بالألف والهاء. الحديث». وقد تقدم في صدر المقام الأول.

قال شيخنا الشهيد في الذكرى : قلت الظاهر انه ألف «الله» الأخيرة غير المكتوبة وهاؤه في آخر الشهادتين ، وعن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) «لا يؤذن لكم من يدغم الهاء» وكذا الالف والهاء في الصلاة من «حي على الصلاة».

وقال في المنتهى : يكره ان يكون المؤذن لحانا ويستحب له ان يظهر الهاء في لفظتي «الله» و «الصلاة» والحاء من «الفلاح» لما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه قال : «لا يؤذن لكم من يدغم الهاء. قلنا وكيف يقول؟ قال يقول اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وقال ابن إدريس : ينبغي ان يفصح فيهما بالحروف وبالهاء في الشهادتين ، والمراد بالهاء هاء «إله» لا هاء «اشهد» ولا هاء «الله» لأن الهاء في «اشهد» مبينة يفصح بها لا لبس فيها ، وهاء «الله» موقوفة مبينة لا لبس فيها ، وانما المراد هاء «إله» فإن بعض الناس ربما أدغم الهاء في لا إله إلا الله. انتهى.

وقال الشيخ البهائي (قدس‌سره) بعد نقل ملخص ذلك عن ابن إدريس : هذا كلامه وكأنه فهم من الإفصاح بالهاء إظهار حركتها لا إظهارها نفسها.

واعترضه شيخنا المجلسي (قدس‌سره) فقال انه لا وجه لكلامه أصلا إذ كونها مبينة لا يستلزم عدم اللحن فيها وكثير من المؤذنين يقولون «أشد» وكثير منهم لا يظهرون الهمزات في أول الكلمات ولا الهاءات في أواخرها فالأولى حمله على تبيين كل الف وهمزة وهاء فيهما. انتهى.

أقول : الظاهر ضعف هذه المؤاخذة من شيخنا المجلسي على شيخنا البهائي (عطر الله

__________________

(1) كذا في الحبل المتين ص 200 وفي كتب الحديث «أو فهمته».

(2) المغني ج 1 ص 430.


مرقديهما) فان ما اعترض به عليه وارد ايضا على ابن إدريس فلا وجه لتخصيصه بهذه المؤاخذة وكلام شيخنا المذكور مبني على فهمه من كلام ابن إدريس وتخصيصه الإفصاح بهذا الموضع دون الموضعين المنفيين في كلامه ان الجميع مشترك في البيان والإفصاح بكل من الحروف المذكورة فلا وجه لافراده هذا الموضع إلا باعتبار الإفصاح بالحركة.

وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروض : ولو فرض ترك الوقف أصلا سكن أواخر الفصول ايضا وان كان ذلك في أثناء الكلام ترجيحا لفضيلة ترك الاعراب على المشهور من حال الدرج ، ولو أعرب أواخر الفصول ترك الأفضل ولم تبطل الإقامة لأن ذلك لا يعد لحنا وانما هو ترك وظيفة وكذا القول في الأذان. اما اللحن ففي بطلانهما به وجهان وقد اختلف كلام المصنف فيه فحرمه في بعض كتبه وأبطلهما به والمشهور العدم. نعم لو أخل بالمعنى كما لو نصب لفظ «رسول الله» أو مد لفظة «أكبر» بحيث صار على صيغة «أكبار» جمع «كبر» وهو الطبل له وجه واحد اتجه البطلان. ولو أسقط الهاء من اسمه تعالى أو من الصلاة أو الحاء من الفلاح لم يعتد به لنقصان حروف الأذان فلا يقوم بعضه مقامه ولما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، ثم أورد الحديث المتقدم في كلام المنتهى.

ومنها ـ ان يتأنى في الأذان ويحدر في الإقامة بمعنى انه لما كان الأفضل كما تقدم هو الوقوف على أواخر الفصول فالأفضل أن يجعل الوقف على آخر الفصول في الإقامة اقصر منه على آخر فصول الأذان وهو المراد من الحدر هنا ، فإنه وان كان لغة بمعنى الإسراع ـ قال في الصحاح حدر في قراءته وأذانه يحدر حدرا أي أسرع ـ لكن المراد هنا الإسراع على الوجه المذكور لا ترك الوقف بالكلية لما عرفت سابقا من استحبابه في حد ذاته.

والذي يدل على هذا الحكم روايات : منها ـ ما تقدم (1) من قوله (عليه‌السلام)

__________________

(1) ص 408.


في رواية زرارة «والإقامة حدر».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن وهب (1) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الأذان فقال اجهر وارفع به صوتك فإذا أقمت فدون ذلك ، ولا تنتظر بأذانك ولا إقامتك إلا دخول وقت الصلاة ، واحدر إقامتك حدرا».

وما رواه في الكافي عن الحسن بن السري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «الأذان ترتيل والإقامة حدر». ورواه الشيخ مثله (3) والترتيل لغة التأني.

ومنها ـ انه يستحب ان يفصل بين الأذان والإقامة بركعتين أو سجدة أو نحوهما مما يأتي ذكره ، قال في المعتبر ويستحب الفصل بينهما بركعتين أو بجلسة أو سجدة أو خطوة خلا المغرب فإنه لا يفصل بين اذانيها إلا بخطوة أو سكتة أو تسبيحة وعليه علماؤنا. ونحوه في المنتهى. وكلامهما يشعر بدعوى الإجماع على ذلك. وقال الشيخ في النهاية ويستحب ان يفصل الإنسان بين الأذان والإقامة بجلسة أو خطوة أو سجدة وأفضل ذلك السجدة إلا في المغرب خاصة فإنه لا يسجد بينهما ويكفي الفصل بينهما بخطوة أو جلسة خفيفة. وقال ابن إدريس من صلى منفردا فالمستحب له ان يفصل بين الأذان والإقامة بسجدة أو جلسة أو خطوة والسجدة أفضل إلا في الأذان للمغرب خاصة فإن الجلسة أو الخطوة السريعة فيها أفضل ، وإذا صلى جماعة فمن السنة ان يفصل بين الأذان والإقامة بشي‌ء من نوافله ليجتمع الناس في زمان تشاغله بها إلا صلاة المغرب فإنه لا يجوز ذلك فيها.

أقول : قد ذكر جملة من المتأخرين ومتأخريهم انهم لم يقفوا على نص يتعلق بالخطوة وبه اعترف في الذكرى ، ولا على ما يتعلق بالفصل بالسجدة حتى ان الشهيد الثاني انما التجأ إلى إمكان دلالة ما ورد في حديث الجلوس عليه فإنه جلوس وزيادة وسيأتي لك ما يدل على الجميع.

__________________

(1) الوسائل الباب 16 و 8 من الأذان والإقامة.

(2 و 3) الوسائل الباب 24 من الأذان والإقامة.


والواجب أولا ذكر ما وصل إلينا من الأخبار عنهم (عليهم‌السلام) ليتضح لك ما في كلام أصحابنا (رضوان الله عليهم) في مواضع من هذا المقام من الغفلة الناشئة عن عدم إعطاء التأمل حقه في الأخبار :

فمن الأخبار المذكورة ما رواه في الكافي عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن ابى الحسن (عليه‌السلام) (1) قال : «القعود بين الأذان والإقامة في الصلوات كلها إذا لم يكن قبل الإقامة صلاة يصليها».

وما رواه الشيخ عن الحسن بن شهاب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) «لا بد من قعود بين الأذان والإقامة».

وعن سليمان بن جعفر الجعفري في الصحيح (3) قال : «سمعته يقول افرق بين الأذان والإقامة بجلوس أو ركعتين».

وعن إسحاق الجريري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال قال : «من جلس في ما بين أذان المغرب والإقامة كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله».

وعن سيف بن عميرة عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «بين كل أذانين قعدة إلا المغرب فان بينهما نفسا».

أقول : لا يخفى ان جملة هذه الأخبار المتقدمة عموما في بعض وخصوصا في آخر ما عدا الرواية الأخيرة ظاهرة الدلالة في الفصل بالجلوس بين أذان المغرب وإقامتها.

ويعضدها ايضا ما رواه الشيخ في كتاب المجالس بسنده فيه عن زريق (6) قال «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : من السنة الجلوس بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة وصلاة المغرب وصلاة العشاء ليس بين الأذان والإقامة سبحة ، ومن السنة ان يتنفل بركعتين بين الأذان والإقامة في صلاة الظهر والعصر».

وما رواه السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاوس في كتاب فلاح

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 11 من الأذان والإقامة.


السائل بإسناده عن هارون بن موسى التلعكبري عن محمد بن همام عن حميد بن زياد عن الحسن ابن محمد بن سماعة عن الحسن بن معاوية بن وهب عن أبيه (1) قال «دخلت على ابي عبد الله (عليه‌السلام) وقت المغرب فإذا هو قد اذن وجلس فسمعته وهو يدعو بدعاء ما سمعت بمثله فسكت حتى فرغ من صلاته ثم قلت يا سيدي لقد سمعت منك دعاء ما سمعت بمثله قط؟ قال هذا دعاء أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ليلة بات على فراش رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو : يا من ليس معه رب يدعى يا من ليس فوقه خالق يخشى يا من ليس دونه إله يتقى يا من ليس له وزير يرشى يا من ليس له بواب ينادى يا من لا يزداد على كثرة السؤال إلا كرما وجودا يا من لا يزداد على عظم الجرم الا رحمة وعفوا صل على محمد وآل محمد وافعل بي ما أنت أهله فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة وأنت أهل الجود والخير والكرم».

ولا يعارض هذه الاخبار إلا مرسلة سيف المذكورة وهي تقصر عن ذلك فرد هذه الأخبار على كثرتها وصحة بعضها في مقابلة هذا الخبر الضعيف مشكل مع إمكان حمله على ضيق الوقت.

قال السيد ابن طاوس في الكتاب المذكور : وقد رويت روايات ان الأفضل ان لا يجلس بين أذان المغرب وإقامتها وهو الظاهر من عمل جماعة من أهل التوفيق ، ولعل الجلوس بينهما في وقت دون وقت أو لفريق دون فريق. انتهى. وظاهره (قدس‌سره) الميل الى القول المشهور وحمل هذه الرواية على ما ذكره. وفيه ان ما ذكره من الروايات الدالة على ان الأفضل ان لا يجلس بين أذان المغرب وإقامتها لم يصل إلينا منها إلا المرسلة المذكورة والروايات كلها على خلافها كما عرفت.

ومن اخبار المسألة ما رواه السيد المذكور أيضا في الكتاب المشار اليه بسنده فيه

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 11 من الأذان والإقامة.


عن ابي علي الأنماطي عن ابي عبد الله أو أبي الحسن (عليهما‌السلام) (1) قال : «يؤذن للظهر على ست ركعات ويؤذن للعصر على ست ركعات بعد الظهر». أقول : ورواه الشيخ في التهذيب عن ابي علي صاحب الأنماط عن ابي عبد الله أو أبي الحسن (عليهما‌السلام) مثله (2).

وقد تقدم في رواية زريق المنقولة عن مجالس الشيخ «ان من السنة ان يتنفل بركعتين بين الأذان والإقامة في صلاة الظهر والعصر». وهو مطلق فيجب حمله على هذا الخبر بان تكون الركعتان من الثمان الموظفة قبل كل من الفرضين.

وفي كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (3) «ولا بد من فصل بين الأذان والإقامة بصلاة أو بغير ذلك ، وأقل ما يجزئ في ذلك في صلاة المغرب التي لا صلاة قبلها ان يجلس بعد الأذان جلسة يمس فيها الأرض بيده».

وفيه إشارة الى أن الفريضة التي تكون قبلها صلاة يستحب ان يجعل منها ركعتين بين أذان تلك الفريضة وإقامتها ، وعلى ذلك تدل رواية أحمد بن محمد بن ابي نصر المتقدمة

ويعضدها ما تقدم في صحيحة ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) في حديث أذان الصبح قال : «السنة ان ينادى مع طلوع الفجر ولا يكون بين الأذان والإقامة إلا الركعتان».

وربما أشعرت هذه الروايات بان استحباب الفصل بالركعتين مخصوص بهذه الصلوات حيث ان قبلها صلاة إلا ان صحيحة الجعفري المتقدمة مطلقة في الأمر بالفرق بجلوس أو ركعتين فيمكن حمل إطلاقها على هذه الأخبار.

والمشهور بين الأصحاب هو استحباب الفصل بالركعتين مطلقا ولعلهم يحملون

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 31 من الأذان والإقامة.

(2 و 4) الوسائل الباب 39 من الأذان والإقامة.

(3) مستدرك الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة.


هذه الروايات على تأكد الفصل بالركعتين في هذه المواضع الثلاثة.

وروى الشيخ في الصحيح عن الحلبي (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الأذان في الفجر قبل الركعتين أو بعدهما؟ فقال إذا كنت اماما تنتظر جماعة فالأذان قبلهما وان كنت وحدك فلا يضرك قبلهما أذنت أو بعدهما». وهذه الرواية تدل على أفضلية الفصل بركعتي الفجر في الجماعة زيادة على ما تقدم من حيث انتظار الاجتماع للصلاة.

ومنها ـ ما رواه السيد المتقدم ذكره في كتاب فلاح السائل أيضا بسنده فيه عن بكر بن محمد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال «كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) يقول لأصحابه من سجد بين الأذان والإقامة فقال في سجوده «رب سجدت لك خاضعا خاشعا ذليلا» يقول الله تعالى ملائكتي وعزتي وجلالي لأجعلن محبته في قلوب عبادي المؤمنين وهيبته في قلوب المنافقين».

وما رواه ايضا فيه بسنده عن ابن ابي عمير عن أبيه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «رأيته أذن ثم أهوى للسجود ثم سجد سجدة بين الأذان والإقامة فلما رفع رأسه قال يا أبا عمير من فعل مثل فعلى غفر الله له ذنوبه كلها. وقال من اذن ثم سجد فقال (لا إله إلا أنت ربي سجدت لك خاضعا خاشعا) غفر الله له ذنوبه».

أقول : وهذان الخبران هما مستند المتقدمين في ما ذكروه من استحباب الفصل بالسجدة إلا انه لم يصل الى أكثر المتأخرين فوقعوا في ما وقعوا فيه من الاشكال وتمحلوا في طلب الدليل بالاحتمال.

ومنها ـ ما ذكره في كتاب الفقه الرضوي (4) فقال (عليه‌السلام) «وان أحببت أن تجلس بين الأذان والإقامة فافعل فان فيه فضلا كثيرا وانما ذلك على الإمام

__________________

(1) الوسائل الباب 39 من الأذان والإقامة.

(2 و 3) الوسائل الباب 11 من الأذان والإقامة.

(4) ص 6.


واما المنفرد فيخطو تجاه القبلة خطوة برجله اليمنى ثم يقول بالله استفتح وبمحمد أستنجح وأتوجه اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين. وان لم تفعل أيضا أجزأك». أقول : وهذا هو دليل الخطوة التي ذكرها المتقدمون إلا ان كلامهم مطلق في ذلك بالنسبة الى كل مصل وظاهر الخبر التخصيص بالمنفرد.

ومنها ـ ما رواه الصدوق والشيخ في الموثق عن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا قمت إلى صلاة فريضة فأذن وأقم وافصل بين الأذان والإقامة بقعود أو تسبيح أو كلام». وزاد في الفقيه (2) قال : «وسألته كم الذي يجزئ بين الأذان والإقامة من القول؟ قال الحمد لله».

وروى الشيخ في التهذيب عن عمار في الموثق (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل نسي أن يفصل بين الأذان والإقامة بشي‌ء حتى أخذ في الصلاة أو أقام للصلاة؟ قال ليس عليه شي‌ء وليس له ان يدع ذلك عمدا. سئل ما الذي يجزئ من التسبيح بين الأذان والإقامة؟ قال الحمد لله». أقول : والعمل بجميع ما اشتملت عليه هذه الاخبار حسن وان تفاوت في الفضل.

وروى الشيخ في الصحيح عن ابن مسكان (4) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) اذن واقام من غير ان يفصل بينهما بجلوس». أقول : لعله فصل بتسبيح أو تحميد أو نفس ان كان في المغرب.

وربما قيد بعضهم استحباب الفصل بالركعتين بما إذا لم يدخل وقت فضيلة الفريضة والظاهر انه استند في ذلك الى ما تقدم في مقدمة الأوقات من المنع من النافلة بعد دخول وقت الفريضة. وفيه اشكال لتعارض العمومين فتخصيص أحدهما بالآخر يحتاج الى دليل وان كان الاحتياط في ما ذكره. والله العالم.

ومنها ـ الترجيع وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) فيه (أولا) كراهة

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 11 من الأذان والإقامة.


وتحريما فقال الشيخ في المبسوط والخلاف انه غير مسنون ، وقال ابن إدريس وابن حمزة انه محرم وهو ظاهر الشيخ في النهاية ، وذهب آخرون إلى الكراهة ، قال في المنتهى : الترجيع مكروه ذهب إليه علماؤنا. وهو مشعر بالاتفاق على الكراهة ولعله ـ وان بعد ـ أراد ما هو أعم من التحريم.

وثانيا ـ في حقيقته وانه عبارة عما ذا؟ فقال الشيخ في المبسوط انه تكرار التكبير والشهادتين في أول الأذان. وقال العلامة في المنتهى انه تكرار الشهادتين مرتين. وقال الشهيد في الذكرى انه تكرار الفصل زيادة على الموظف. وذكر جماعة من أهل اللغة : منهم ـ صاحب القاموس وصاحب المغرب انه تكرار الشهادتين جهرا بعد إخفائهما. ونقل عن بعض أهل اللغة انه فسره بترديد القراءة.

أقول : لا يخفى ان الترجيع بأي معنى فسر مما ذكره الأصحاب ان اتى به المكلف من حيث اعتقاد كونه من الأذان فلا ريب في تحريمه لأن الأذان عبادة شرعية متلقاة من الشارع فالزيادة فيها باعتقاد انها منها تشريع محرم ، وان كان لا باعتبار ذلك فلا يبعد القول بالكراهة ، وبه يجمع بين القولين المتقدمين إذ مرجع قول الشيخ انه ليس بمسنون إلى انه مكروه أو محرم لأنها عبادة ومتى انتفت عنها المسنونية فليس إلا أحد الفردين المذكورين إذ لا معنى للجواز هنا بالمعنى الأخص. والى القول بالتحريم متى اعتقد الشرعية مال في المدارك والذخيرة ولا ريب فيه كما عرفت.

وذكر الشيخ وجمع من الأصحاب ـ بل نقل عليه في المختلف الاتفاق ـ انه لو قصد بالترجيع اشعار المصلين فلا منع فيه.

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن محبوب عن علي بن أبي حمزة عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لو ان مؤذنا أعاد في الشهادة وفي (حي على الصلاة أو حي على الفلاح) المرتين والثلاث وأكثر من ذلك إذا كان اماما يريد

__________________

(1) الوسائل الباب 23 من الأذان والإقامة.


جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به بأس». وظاهر هذه الرواية ربما دل على ما ذهب إليه في الذكرى من تفسير معنى الترجيع بحمل ما ذكر في الرواية على مجرد التمثيل.

ومما يدل على النهي عن الترجيع ما في كتاب الفقه الرضوي (1) حيث قال (عليه‌السلام) بعد ذكر فصول الأذان وعددها «ليس فيها ترجيع ولا تردد ولا الصلاة خير من النوم». والظاهر ان عطف التردد تفسيري للترجيع. أقول : ومن المحتمل قريبا ان المراد بالترجيع المنهي عنه هنا هو ترجيع الصوت وترديده على جهة الغناء لا تكرار الكلمات كلا أو بعضا. والتعبير بالترجيع لم أقف عليه في شي‌ء من الأخبار سوى هذا الخبر وانما وقع ذلك في كلام الأصحاب وقد عرفت اختلافهم في معناه ورواية أبي بصير المذكورة انما اشتملت على لفظ الإعادة ، وذكرهم الترجيع والاختلاف فيه تحريما وكراهة وكذا في معناه مع عدم وروده في الأخبار عجيب إلا ان يكون المستند فيه هو كتاب الفقه المذكور ولا بعد فيه لما عرفت في غير موضع مما تقدم من وجود كثير من الأدلة التي أنكرها المتأخرون على المتقدمين في كتاب المذكور. والله العالم.

ومنها ـ التثويب وقد وقع الخلاف هنا أيضا في حقيقته وحكمه والمشهور بين الأصحاب انه عبارة عن قول «الصلاة خير من النوم» صرح به الشيخ في المبسوط وابن ابي عقيل والسيد المرتضى وغيرهم (رضوان الله عليهم) قال في المنتهى التثويب في أذان الغداة وغيرها غير مشروع وهو قول : «الصلاة خير من النوم» ذهب إليه أكثر علمائنا وهو قول الشافعي ، وأطبق أكثر الجمهور على استحبابه في الغداة ، لكن عن أبي حنيفة روايتان في كيفيته فرواية كما قلناه والأخرى ان التثويب عبارة عن قول المؤذن بين أذان الفجر وإقامته «حي على الصلاة» مرتين «حي على الفلاح» مرتين (2)

__________________

(1) ص 6.

(2) بدائع الصنائع ج 1 ص 148 والبحر الرائق ج 1 ص 274 والمبسوط ج 1 ص 130 الا ان فيهما «قدر ما يقرأ عشرين آية».


ثم قال في موضع آخر من المنتهى ايضا : يكره ان يقول بين الأذان والإقامة «حي على الصلاة حي على الفلاح» وبه قال الشافعي ، وقال محمد بن الحسن كان التثويب الأول «الصلاة خير من النوم» مرتين بين الأذان والإقامة ثم أحدث الناس بالكوفة «حي على الصلاة حي على الفلاح» مرتين بينهما وهو حسن. وقال بعض أصحاب أبي حنيفة يقول بعد الأذان «حي على الصلاة حي على الفلاح» بقدر ما يقرأ عشر آيات. انتهى كلام المنتهى. وقال الشيخ في النهاية التثويب تكرير الشهادتين والتكبيرات زائدا على العدد الموظف شرعا. وقال ابن إدريس هو تكرير الشهادتين دفعتين لأنه مأخوذ من «ثاب» إذا رجع.

واما كلام أهل اللغة هنا فإنه قال في النهاية : الأصل في التثويب أن يجي‌ء الرجل مستصرخا فيلوح بثوبه ليرى ويشهر فسمى الدعاء تثويبا لذلك وكل داع مثوب. وقيل انما سمى تثويبا من «ثاب يثوب» إذا رجع فهو رجوع الى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة فإن المؤذن إذا قال «حي على الصلاة» فقد دعاهم إليها فإذا قال بعدها «الصلاة خير من النوم» فقد رجع الى كلام معناه المبادرة إليها. واما في القاموس فإنه فسره بمعان : منها ـ الدعاء إلى الصلاة وتثنية الدعاء وان يقول في أذان الفجر «الصلاة خير من النوم» مرتين. وقال في المغرب التثويب القديم هو قول المؤذن في أذان الصبح «الصلاة خير من النوم» والمحدث «الصلاة الصلاة» أو «قامت قامت».

واختلفوا أيضا في حكمه لو لم يكن المقام مقام تقية فذهب ابن إدريس وابن حمزة وجمع من المتأخرين إلى التحريم وهو ظاهر الشيخ في النهاية ، وقال الشيخ في المبسوط والمرتضى في الانتصار بالكراهة وهو اختيار المحقق ، وعن ابن الجنيد انه لا بأس به في أذان الصبح ، وعن الجعفي يقول في أذان صلاة الصبح بعد قوله «حي على خير العمل حي على خير العمل» «الصلاة خير من النوم» مرتين وليستا من أصل الأذان. هذا ما يتعلق بالمقام من كلام العلماء الاعلام.


واما ما يتعلق بذلك من اخبار أهل الذكر عليهم الصلاة والسلام. فمنه ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التثويب الذي يكون بين الأذان والإقامة فقال ما نعرفه». ورواه الكليني والصدوق وابن إدريس في السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب (2).

وعن زرارة في الصحيح (3) قال : «قال لي أبو جعفر (عليه‌السلام) يا زرارة تفتتح الأذان بأربع تكبيرات وتختمه بتكبيرتين وتهليلتين وان شئت زدت على التثويب «حي على الفلاح» مكان الصلاة خير من النوم».

وعن محمد بن مسلم في الموثق عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (4) قال : «كان ابي ينادي في بيته ب (الصلاة خير من النوم) ولو رددت ذلك لم يكن به بأس».

وعن ابي بصير في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «النداء والتثويب في الإقامة من السنة».

وروى المحقق في المعتبر نقلا من كتاب احمد بن محمد بن ابي نصر عن عبد الله ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (6) قال : «إذا كنت في أذان الفجر فقل (الصلاة خير من النوم) بعد (حي على خير العمل) ولا تقل في الإقامة (الصلاة خير من النوم) انما هذا في الأذان».

أقول : التحقيق في هذا المقام هو ما ذكرناه في سابقه من ان كلا من الأذان والإقامة عبادة شرعية متلقاة من الشارع ، وأخبارهما الواردة في كيفيتهما عن أئمة الهدى (عليهم‌السلام) خالية من هذه الزيادات في أثناء أحدهما أو بينهما كما تقدم ذكره وبه يظهر التحريم متى اعتقد دخولها في الكيفية أو التعبد بها ، ولما كان جمهور العامة على استحباب ذلك ـ كما تقدم في كلام المنتهى ويعضده ما تقدم في رواية زيد النرسي (7)

__________________

(1 و 2 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 22 من الأذان والإقامة.

(3) الوسائل الباب 19 و 22 من الأذان والإقامة.

(7) ص 397.


«ان الصلاة خير من النوم بدعة بني أمية». ـ فالواجب حمل ما دل على جوازه من الأخبار المذكورة هنا وغيرها على التقية.

واما ما ذكره المحقق في هذا المقام حيث قال بعد ان نقل عن الشيخ حمل الأخبار المذكورة على التقية : ولست ارى هذا التأويل شيئا فإن من جملة الأذان (حي على خير العمل) وهو انفراد الأصحاب فلو كان للتقية لما ذكره لكن الأوجه ان يقال فيه روايتان عن أهل البيت (عليهم‌السلام) أشهرهما تركه. أقول : بل الأظهر هو ما ذكره الشيخ إذ هو الموافق لمقتضى الأخبار المستفيضة عن أئمة الهدى (عليهم‌السلام) من عرض الأخبار في مقام الاختلاف على مذهب العامة والأخذ بخلافهم وان كان هو وغيره قد الغوا هذه القواعد المنصوصة وألقوها ورواء ظهورهم واتخذوا قواعد لا أصل لها في الشريعة كما أوضحناه في غير مقام مما تقدم.

واما ما توهم منه المنافاة للحمل على التقية ـ من قوله (عليه‌السلام) في الخبر الذي نقله : فقل «الصلاة خير من النوم» بعد «حي على خير العمل» ـ فيجب ارتكاب التأويل فيه بحمل قول «حي على خير العمل» خفية إذ ليس في الخبر تصريح بالإعلان بها ويكون المعنى انه إذا قال ذلك سرا قال بعدها «الصلاة خير من النوم» ويمكن ايضا ـ كما ذكره شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحار ـ حمله على المماشاة مع العامة بالجمع بين ما ينفرد به الشيعة وبين ما ينفردون به ، وهو جيد. ومما يؤيد حمل الرواية المذكورة على التقية اشتمالها على التهليل في آخر الأذان مرة واحدة فإن العامة أجمعوا على الوحدة (1) كما ان الشيعة أجمعت على التثنية كما نقله شيخنا في البحار. وبالجملة فالحكم بالتحريم في المسألة أظهر الأقوال. والله العالم.

__________________

(1) اتفقت كتبهم في بيان فصول الأذان على ذلك حتى انهم في مقام بيان الاختلاف في كيفيته لا يذكرون خلافا في ذلك وكذا اخبارهم ، راجع المحلى ج 3 ص 239.


(المقام الرابع) ـ في الأحكام وقد تقدم جملة منها في الأبحاث السابقة وبقي مواضع :

(الأول) ـ أنه يستحب حكاية الأذان بلا خلاف كما ذكره في المنتهى ويدل عليه جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا سمع المؤذن يؤذن قال مثل ما يقول في كل شي‌ء».

وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (2) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) لمحمد بن مسلم : يا ابن مسلم لا تدعن ذكر الله على كل حال ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عزوجل وقل كما يقول المؤذن». ورواه في كتاب العلل مسندا في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (3) انه قال «يا ابن مسلم. الحديث».

وروى في الفقيه مرسلا (4) قال : «روى انه من سمع الأذان وقال كما يقول المؤذن زيد في رزقه».

وروى في العلل عن زرارة في الصحيح (5) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) ما أقول إذا سمعت الأذان؟ قال اذكر الله مع كل ذاكر».

وروى في الفقيه عن الحارث بن المغيرة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (6) قال : «من سمع المؤذن يقول اشهد ان لا إله إلا الله واشهد ان محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال مصدقا محتسبا وانا اشهد ان لا إله إلا الله واشهد ان محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اكتفى بهما عن من ابى وجحد وأعين بهما من أقر وشهد كان له من الأجر عدد من أنكر وجحد ومثل عدد من أقر وعرف».

__________________

(1 و 2 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 45 من الأذان والإقامة. والرواية رقم «2» مسندة كما في الوسائل واللفظ في رقم «6» للكافي.

(3) الوسائل الباب 8 من أحكام الخلوة.


وروى في كتاب العلل بسنده عن ابي بصير (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان سمعت الأذان وأنت على الخلاء فقل مثل ما يقول المؤذن ولا تدع ذكر الله عزوجل في تلك الحال لان ذكر الله حسن على كل حال. ثم قال لما ناجى الله عزوجل موسى بن عمران قال موسى يا رب أبعيد أنت مني فأناديك أم قريب فأناجيك؟ فأوحى الله تعالى اليه يا موسى انا جليس من ذكرني. فقال موسى يا رب اني أكون في حال أجلك أن ذكرك فيها قال يا موسى اذكرني على كل حال».

وروى في كتاب العلل بسنده عن سليمان بن مقبل (2) قال : «قلت لموسى ابن جعفر (عليه‌السلام) لأي علة يستحب للإنسان إذا سمع الأذان ان يقول كما يقول المؤذن وان كان على البول والغائط؟ قال ان ذلك يزيد في الرزق».

وروى في الخصال بإسناده عن سعيد بن علاقة عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (3) قال : «إجابة المؤذن تزيد في الرزق».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان في المقام فوائد (الأولى) الظاهر من الحكاية في هذه الاخبار هو الإتيان بجميع الفصول التي يأتي بها المؤذن وقال الشيخ في المبسوط روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «انه كان يقول إذا قال حي على الصلاة لا حول ولا قوة إلا بالله». قال في المدارك بعد نقل ذلك : وهذه الرواية مجهولة الإسناد. أقول : بل الظاهر انها عامية فإنه قد روى مسلم في صحيحة (4) وغيره في غيره بأسانيد عن عمر ومعاوية «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر قال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال اشهد ان لا إله إلا الله قال اشهد ان لا إله إلا الله ثم قال اشهد ان محمدا رسول الله قال اشهد ان محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 8 من أحكام الخلوة.

(3) مستدرك الوسائل الباب 34 من الأذان والإقامة.

(4) ج 4 ص 85 وسنن النسائي ج 2 ص 25.


ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة».

(الثانية) ـ قال في المبسوط من كان خارج الصلاة وسمع المؤذن يؤذن فينبغي ان يقطع كلامه ان كان متكلما وان كان يقرأ القرآن فالأفضل له ان يقطع القرآن ويقول كما يقول المؤذن لأن الخبر على عمومه. وهو جيد عملا بعموم الأخبار المذكورة.

ثم انه (قدس‌سره) صرح أيضا بأنه لا يستحب حكايته في الصلاة وبه قطع العلامة في التذكرة على ما نقل عنه ، وقال ايضا متى قاله في الصلاة لم تبطل صلاته إلا في قوله (حي على الصلاة) فإنه متى قال ذلك مع العلم بأنه لا يجوز فإنه يفسد الصلاة لأنه ليس بتحميد وتكبير بل هو من كلام الآدميين المحض ، فان قال بدلا من ذلك «لا حول ولا قوة إلا بالله» لم تبطل صلاته. وتبعه على ذلك جمع من الأصحاب.

أقول : الظاهر ان الوجه فيه هو عدم تيقن العموم في الاخبار على وجه يشمل الصلاة مع ان بعض فصوله ليست ذكرا فيشكل الإتيان به في الصلاة فيكون موجبا لبطلانها كما ذكره ، وأنت خبير بان ظاهر هذه الاخبار إطلاق الذكر على الأذان بجميع فصوله من الحيعلات وغيرها فان ظاهر قوله (عليه‌السلام) في صحيحة محمد بن مسلم المروية في العلل المرسلة في الفقيه «لا تدعن ذكر الله على كل حال ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء». هو كون مجموع الأذان ذكرا وان القصد إلى المبالغة في الإتيان بهذا الذكر ولو على هذه الحالة ثم أكده بقوله : «فاذكر الله عزوجل وقل كما يقول المؤذن» وهو كالصريح في ما ادعيناه والفصيح في ما وعيناه ، ونحوه رواية أبي بصير ايضا وقوله فيها : «فقل مثل ما يقول المؤذن ولا تدع ذكر الله في تلك الحال لان ذكر الله حسن على كل حال». وهو ظاهر في ان جميع ما يقوله المؤذن ذكر الله ولو خص ذكر الله بما عدا الحيعلات لاختل النظام في هذا الكلام ، على ان الحيعلات بمقتضى كلامهم من الكلام المتعارف الذي ليس بذكر الله وهو مكروه على الخلاء اتفاقا نصا


وفتوى إلا ما استثنى فكيف يجامع هذا التأكيد بالإتيان به على الخلاء لو لم يكن ذكرا وبالجملة فإن ما ذكرناه هو ظاهر النصوص المذكورة كما عرفت وان كان الاحتياط في الوقوف على ما ذكروه.

(الثالثة) ـ لو فرغ من الصلاة ولم يحكه فالظاهر سقوط الحكاية لفوات محله صرح به جملة من الأصحاب : منهم ـ الشهيد وغيره ، وقال الشيخ في المبسوط انه مخير واختاره العلامة في التذكرة ، وقال في الخلاف يؤتى به لا من حيث كونه أذانا بل من حيث كونه ذكرا. ولا ريب في ضعفها.

(الرابعة) ـ قال في الذخيرة : لو دخل المسجد والمؤذن يؤذن ترك صلاة التحية إلى فراغ المؤذن استحبابا ، قاله المصنف وغيره وهو حسن. انتهى.

أقول : لا اعرف لهذا الحسن وجها وجيها فإن شرعية صلاة التحية وقت الدخول وتأخيرها عن ذلك الوقت إخلال بها ، وبالجملة فهنا مستحبان تعارضا وتقديم أحدهما على الآخر يحتاج الى دليل. نعم لو ثبت ان تأخير صلاة التحية عن وقت الدخول جائز وان وقتها لا يفوت بذلك تم ما ذكروه إلا ان الظاهر ان الأمر ليس كذلك.

(الخامسة) ـ ذكر جماعة من الأصحاب ان المستحب حكاية الأذان المشروع فلو لم يكن مشروعا كأذان العصر يوم عرفة ويوم الجمعة والأذان الثاني يوم الجمعة وكذا أذان المجنون والصبي الغير المميز لم يكن كذلك. وأنت خبير بان عد أذان العصر في يومي عرفة والجمعة ينبغي ان يكون مبنيا على القول بالتحريم وإلا فلو قيل بالكراهة كما هو أحد الأقوال المتقدمة في المسألة فلا.

وعد شيخنا الشهيد ايضا من ذلك أذان الجنب في المسجد ، وتنظر فيه في الذخيرة بأن تحريم الكون في المسجد لا يقتضي فساد أذانه. أقول : فيه انه مناف لما حققه في مسألة الصلاة في المكان المغصوب فإن المسألتين من باب واحد ، وهم قد ذكروا ثمة ان العبادة منهي عنها في هذا المكان والنهي في العبادة يستلزم الفساد وهذا يجري في الأذان أيضا. وقد


مضى تحقيق الكلام في ذلك وبيان الجواب عما احتجوا به على البطلان. وبالجملة فكلام شيخنا المشار اليه مبني على ذلك فلا وجه لاعتراضه عليه مع موافقته ثمة عليه.

(الموضع الثاني) ـ الكلام بعد الإقامة وقد اختلف كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك فالمشهور الكراهة وقيل بالتحريم ذهب اليه الشيخان في المقنعة والنهاية والمرتضى في المصباح وابن الجنيد واختاره المحدث الكاشاني في كتبه الثلاثة على تفصيل يأتي ، وهو الأظهر عندي أيضا.

ويدل على القول بالتحريم ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابي عمير (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يتكلم في الإقامة؟ قال نعم فإذا قال المؤذن قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلا ان يكونوا قد اجتمعوا من شتى وليس لهم امام فيقول بعضهم لبعض تقدم يا فلان».

وما رواه في الفقيه عن زرارة في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الامام وأهل المسجد إلا في تقديم امام».

وعن سماعة في الموثق (3) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا أقام المؤذن الصلاة فقد حرم الكلام إلا ان يكون القوم ليس يعرف لهم امام».

ومما استدلوا به على القول المشهور صحيحة حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) «في الرجل يتكلم بعد ما يقيم الصلاة؟ قال نعم».

ورواية الحلبي (5) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يتكلم في أذانه أو في إقامته؟ قال لا بأس».

وعن الحسن بن شهاب (6) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لا بأس ان يتكلم الرجل وهو يقيم الصلاة وبعد ما يقيم ان شاء».

ونقل ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب محمد بن علي بن محبوب

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة.


عن جعفر بن بشير عن عبيد بن زرارة (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) قلت أيتكلم الرجل بعد ما تقام الصلاة؟ قال لا بأس».

ومنه ايضا من الكتاب المذكور عن جعفر بن بشير عن الحسن بن شهاب (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) قلت أيتكلم الرجل بعد ما تقام الصلاة؟ قال لا بأس».

وأصحاب هذا القول حملوا الروايات المتقدمة على الكراهة الشديدة والشيخ (قدس‌سره) حمل هذه الأخبار على الضرورة أو ما يتعلق بالصلاة من تقديم إمام أو تسوية صف أو نحو ذلك.

وأنت خبير بأنه لا تنافي بين هذه الاخبار عند التأمل فيها بعين التحقيق والاعتبار ليحتاج الى الجمع بينها بما ذكره كل منهما ، وذلك فان مورد الأخبار المتقدمة الجماعة ومورد الأخبار الثانية المنفرد فالواجب في كل منهما بقاؤه على مورده ولا تنافي ، وبذلك يظهر لك ان الحق في هذه المسألة هو التفصيل بما ذكرناه لا ما ذكره كل منهما من العموم مع انه لا دليل عليه.

هذا. واما ما دلت عليه هذه الاخبار من جواز الكلام في الإقامة وبعدها فهي معارضة بالأخبار الدالة على النهي عن ذلك :

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن ابي هارون المكفوف (3) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) يا أبا هارون الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلم ولا تومئ بيدك».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عمرو بن ابي نصر (4) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أيتكلم الرجل في الأذان؟ قال لا بأس. قلت في الإقامة؟ قال لا». ورواه في الكافي مثله (5).

والقول بالتحريم كما هو ظاهر هذه الأخبار منقول عن الشيخ المفيد والمرتضى (رضي

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة.


الله عنهما) ويؤيده ما تقدم في روايتي سليمان بن صالح ويونس الشيباني مما يدل على انه إذا أخذ في الإقامة فهو في الصلاة ، وحينئذ فيراعى فيها ما يراعى في الصلاة كما عرفت من الأخبار المتقدمة في اشتراط كون الإقامة قائما مستقبل القبلة متطهرا وإعادتها مع اختلال هذه الشروط.

ويعضده ما ورد هنا ايضا من انه متى تكلم في إقامته فإنه يعيدها كما رواه زرارة في الصحيح (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا تتكلم إذا أقمت الصلاة فإنك إن تكلمت أعدت الإقامة». وبهذا الخبر يقيد إطلاق تلك الأخبار الواردة في جواز التكلم حال الإقامة أو بعدها فإنه وان جاز له ذلك لكن لا بد من إعادتها وعدم الاعتداد بها وبه يتم المطلوب كما ادعاه مفيد الطائفة ومرتضاها (رضي‌الله‌عنهما).

فائدة

روى الصدوق في كتاب المجالس بسنده عن عبد الله بن الحسين بن زيد عن أبيه عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) (2) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان الله كره الكلام بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة حتى تقضى الصلاة ونهى عنه».

أقول : ظاهر هذا الخبر كراهة الكلام بين الأذان والإقامة في خصوص صلاة الغداة ولم يذكره أكثر الأصحاب وانما حكموا بكراهة الكلام أو تحريمه كما عرفت في خلال الإقامة أو بعد تمامها ، نعم نقل ذلك عن الفقيه يحيى بن سعيد في الجامع فإنه قال يكره الكلام بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة. ونحوه قال شيخنا الشهيد في النفلية ورواه ايضا الصدوق في وصية النبي لعلي عليهما الصلاة والسلام (3).

__________________

(1) الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة. والراوي لهذه الرواية في كتب الحديث هو محمد بن مسلم ولم نعثر على رواية لزرارة بهذا اللفظ.

(2) مستدرك الوسائل الباب 9 من الأذان والإقامة.

(3) الوسائل الباب 10 من الأذان والإقامة.


(الموضع الثالث) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه إذا سمع الإمام أذان مؤذن جاز له ان يجتزئ به في الجماعة.

ويدل عليه من الاخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا أذن مؤذن فنقص الأذان وأنت تريد ان تصلي بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه».

وعن ابي مريم الأنصاري (2) قال : «صلى بنا أبو جعفر (عليه‌السلام) في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا اقامة فلما انصرف قلنا له عافاك الله صليت بنا في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا اقامة؟ فقال ان قميصي كثيف فهو يجزئ ان لا يكون علي إزار ولا رداء ، واني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك».

وعن عمرو بن خالد عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (3) قال : «كنا معه فسمع اقامة جار له بالصلاة فقال قوموا فقمنا فصلينا معه بغير أذان ولا اقامة وقال يجزئكم أذان جاركم».

بقي الكلام هنا في مواضع (الأول) إطلاق النص والفتوى يقتضي انه لا فرق في المؤذن بين كونه مؤذن مصر أو مسجد أو منفردا ، وخصه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بالأولين ومنع من الاجتزاء بأذان المنفرد. وأنت خبير بأنه لا يظهر لهذا التخصيص وجه بل لو ادعى عليه العكس لكان أظهر فإن الظاهر من الخبرين المذكورين كون كل من المؤذن والمقيم منفردا.

(الثاني) ـ قال في المدارك : الظاهر انه لا فرق في هذا الحكم بين الامام والمنفرد وان كان المفروض في عبارات الأصحاب اجتزاء الإمام ، لأنه إذا ثبت اجتزاء الامام بسماع الأذان فالمنفرد اولى. انتهى.

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 30 من الأذان والإقامة.

(2) التهذيب ج 1 ص 216 وفي الوسائل الباب 30 من الأذان والإقامة.


أقول : لا يخفى عليك ما في هذا الكلام من الوهن وتطرق الاشكال وان كان قد سبقه اليه الشهيد في الذكرى حيث قال : وفي اجتزاء المنفرد بهذا الأذان نظر أقربه ذلك لانه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى. وفيه انه متى اعترف بكون مورد النصوص انما هو الامام كما يظهر من كلامهم فحمل المنفرد عليه قياس محض ، والتستر بكونه اولى وانه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى لا يجدي نفعا ، على انه لو ثبتت الأولوية فالخروج عن القياس محل بحث قد سلف تحقيقه في مقدمات الكتاب. نعم يمكن ان يقال ان ظاهر إطلاق صحيحة ابن سنان المتقدمة يشمل المصلي منفردا وأكثر الأصحاب لم يذكروها في أدلة المسألة وانما ذكروا الروايتين الأخيرتين المشتملتين على الجماعة ، إلا أن لقائل أن يقول يمكن ان يكون إطلاقها محمولا على تقييد الروايتين المذكورتين. وبالجملة فإن مقتضى الأدلة ثبوت الأذان والإقامة مطلقا إلا ما قام الدليل الواضح على خروجه فيجب الحكم به ويبقى ما عداه ، ويعضده اقتضاء الاحتياط ذلك.

(الثالث) ـ المستفاد من روايتي أبي مريم وعمرو بن خالد الاجتزاء بسماع الإقامة أيضا إلا أن رواية أبي مريم قيدته بعدم الكلام بعد الإقامة أو في خلالها. وهو جيد لما عرفت آنفا من ان الكلام في الإقامة أو بعدها موجب لإعادتها ففي السماع بطريق اولى (1).

(الرابع) ـ هل يستحب إعادة الأذان والإقامة في هذه الصورة للسامع المنفرد على القول به أو للإمام أو لمؤذنه في الجماعة أم لا؟ وجهان أقربهما نعم لظاهر صحيحة ابن سنان فان ظاهر قوله : «وأنت تريد ان تصلي بأذانه» التخيير بين الصلاة وعدمها ، ويؤيده ان ظاهر سياق رواية أبي مريم المذكورة ان جميع ما ذكر فيها انما خرج مخرج الرخص ، والى ما ذكرنا يميل كلام السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني

__________________

(1) انظر الى انه كيف عمل بالأولوية في المقام مع نفيه ذلك في غير مقام لا سيما الموضع الثاني المتقدم على هذا الموضع فافهم. سيد على «قدس‌سره».


في الذخيرة. واولى بالإعادة ما إذا اتسع الوقت بين الأذان المسموع وبين صلاة المصلي به

وظاهر الشهيد في الذكرى التوقف في ذلك حيث قال : وهل يستحب تكرار الأذان والإقامة للإمام السامع أو لمؤذنه أو للمنفرد؟ يحتمل ذلك وخصوصا مع اتساع الوقت. أقول قد تقدم ان المنفرد إذا أذن ثم أراد الجماعة أعاد أذانه والفرق بينه وبين السامع غير ظاهر.

وكيف كان فإنه يجب ان يستثني من هذا الحكم المؤذن والمقيم للجماعة فإنه لا يستحب الإعادة معه لأن أذانه وإقامته لهم ، واستدل عليه بإطباق المسلمين كافة على تركه ولو كان مستحبا لما أطبقوا على تركه.

(الخامس) ـ قال الشيخ في المبسوط إذا اذن في مسجد دفعة لصلاة بعينها كان ذلك كافيا لكل من يصلي تلك الصلاة في ذلك المسجد ويجوز له ان يؤذن ويقيم في ما بينه وبين نفسه وان لم يفعل فلا شي‌ء عليه. انتهى. ووجهه غير واضح.

(الموضع الرابع) قال في الشرائع : من أحدث في أثناء الصلاة تطهر وأعادها ولا يعيد الإقامة إلا ان يتكلم. انتهى. وظاهره ان الحدث في الصلاة لا يوجب إعادة الإقامة مع انه قد صرح قبل هذه المسألة بان من أحدث في أثناء الإقامة فالأفضل أن يعيد الإقامة. وربما ظهر من كلامه في الموضعين الفرق بين الحدث في أثناء الإقامة فإنه يعيدها وبينه في أثناء الصلاة فلا يعيدها. وهو مشكل.

ومما يدل على إعادة الإقامة بتخلل الحدث ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن المؤذن يحدث في أذانه أو في إقامته؟ قال ان كان الحدث في الأذان فلا بأس وان كان في الإقامة فليتوضأ وليقم اقامة».

والسيد السند في المدارك انما استدل على ذلك بخبر ابي هارون المكفوف المتقدم

__________________

(1) الوسائل الباب 9 من الأذان والإقامة.


وقوله (عليه‌السلام) فيه : «الإقامة من الصلاة» ثم قال ومن حكم الصلاة الاستئناف بطرو الحدث في أثنائها فتكون لإقامة كذلك انتهى. وهو ناشى‌ء عن عدم اطلاعه على الخبر المذكور.

وكيف كان فالظاهر هو إعادة الإقامة في صورة بطلان الصلاة بتخلل الحدث لانه لا يخرج عن وقوع الحدث بعد الإقامة وهو موجب لإعادتها.

(الموضع الخامس) ـ من صلى خلف من لا يقتدى به اذن لنفسه واقام فإن خشي فوت الركعة اقتصر على «قد قامت الصلاة» مرتين وتثنية التكبير والتهليل مرة ، قالوا ويأتي ببقية ما يتركه المؤذن بمعنى انه إذا أخل بشي‌ء من فصول الأذان استحب للمأموم الإتيان به.

فاما ما يدل على الحكم الأول فما رواه الشيخ عن محمد بن عذافر عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «اذن خلف من قرأت خلفه». ورواه الصدوق مرسلا (2) وما تقدم في موثقة عمار المتقدمة في صدر المقام الأول (3) من قوله (عليه‌السلام) حيث «سئل عن الأذان هل يجوز ان يكون من غير عارف؟ قال لا يستقيم الأذان ولا يجوز ان يؤذن به إلا رجل مسلم عارف فان علم الأذان واذن به ولم يكن عارفا لم يجزئ أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به».

واما ما يدل على الحكم الثاني فهو ما رواه في الكافي عن معاذ بن كثير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي ان هو اذن واقام أن يركع فليقل (قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله) وليدخل في الصلاة».

وعبارات الأصحاب هنا لا تخلو من خلل حيث انهم عبروا بقولهم اقتصر على تكبيرتين وقوله «قد قامت الصلاة».

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 34 من الأذان والإقامة.

(3) الوسائل الباب 26 من الأذان والإقامة.


قال في المدارك بعد ذكر عبارة المصنف بالصورة المذكورة والاستدلال لهم بالرواية المذكورة : وعبارات الأصحاب قاصرة عن افادة ما تضمنته فصولا وترتيبا ، ثم اعترض الرواية بأنها ضعيفة السند ومقتضاها تقديم الذكر المستحب على القراءة الواجبة وهو مشكل جدا ، قال ومن ثم حمل جدي (قدس‌سره) في بعض حواشيه عبارة المصنف على ان المراد بفوات الصلاة فوات ما يعتبر في الركعة من القراءة وغيرها ، وهو مع مخالفته للظاهر بعيد عن مدلول الرواية إلا انه لا بأس بالمصير اليه. انتهى.

أقول : اما الطعن بضعف الرواية فقد عرفت ما فيه في غير موضع. واما الاستشكال من حيث دلالتها على تقديم الذكر المستحب على القراءة الواجبة فليس في محله مع دلالة النص عليه.

ويؤيد ذلك ما هو أظهر دلالة على هذا الحكم كما رواه الشيخ في التهذيب عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن احمد بن عائذ (1) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) اني ادخل مع هؤلاء في صلاة المغرب فيعجلونني الى ما ان أؤذن وأقيم فلا أقرأ شيئا حتى إذا ركعوا واركع معهم أفيجزئني ذلك؟ قال نعم».

وهذا الخبر وان حمله الشيخ في التهذيب على انه لم يزد على الحمد إلا انه جوز ايضا تخصيصه بحال التقية وهو الأظهر بسياق الخبر المذكور مع الخبر المتقدم. واما حمله على قراءة الحمد وانه لم يتمكن من الزيادة عليها فهو أبعد بعيد عن سياق الخبر.

واما حمل جده الفوات على ما ذكره ففيه ان الرواية ظاهرة في خوف فوات الركوع لقوله «فخشي ان هو أذان واقام أن يركع» لا فوات الصلاة. ثم تأويله بفوات ما يعتبر في الركعة من القراءة فإنه تكلف لا ضرورة تلجئ اليه مع وضوح النصوص

__________________

(1) التهذيب ج 1 ص 256 ورواه أيضا في ص 256 عن البزنطي عن ابى الحسن «ع» إلا ان فيه هكذا «ولا اقرأ إلا الحمد حتى يركع». ورواه في الوسائل بالإسناد الثاني في الباب 33 من صلاة الجماعة.


في المطلوب ، وهذا الاستبعاد الذي أوجب لهم هذه التكلفات مدفوع بظاهر الخبرين المذكورين.

واما ما ذكروه من استحباب إتيان المأموم بما أخل به الامام المخالف أو مؤذنه من الفصول فهو لا يخلو من الإشكال لدلالة الخبرين المتقدمين على عدم الاعتداد بأذان المخالف وانه يستحب للمأموم الإتيان بالأذان والإقامة لنفسه كما هو أصل المسألة فكيف يعتد بأذان المخالف ويبنى عليه ويتم ما نقصه؟ وما تكلفه شراح كلامهم في هذا المقام لهذه العبارة ـ من ان ذلك مستحب برأسه وان كان الأذان غير معتد به أو جعل هذه المسألة منفصلة عن الكلام السابق وانها محمولة على غير المخالف كناسي بعض فصول الأذان أو تاركه أو تارك الجهر تقية ـ فهو تمحل بعيد عن سياق كلام أولئك القائلين والله العالم.

ختام به الإتمام يشتمل على فصول من الأحكام

فصل

الأذان عند أهل البيت (صلوات الله عليهم) وحي نزل به جبرئيل (عليه‌السلام) على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) واذن له به في صلاته بالنبيين والملائكة في حديث المعراج. وأطبق المخالفون على خلاف ذلك واحتجوا

بما رواه عبد الله بن زيد (1) قال «لما أمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالناقوس ليجتمع به الناس طاف بي وانا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت أتبيع الناقوس؟ فقال وما تصنع به؟ قلت ندعو به الناس الى الصلاة. فقال ألا ادلك على ما هو خير من ذلك؟ قلت بلى. قال تقول : الله أكبر. إلى آخر الأذان ، قال ثم استأخر غير بعيد ثم قال تقول إذا قمت إلى الصلاة : الله أكبر. إلى آخر الإقامة ، فلما أصبحت أتيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)

__________________

(1) تيسير الوصول ج 2 ص 209 باختلاف في بعض الألفاظ.


فأخبرته بما رأيت فقال إنها رؤيا حق ان شاء الله تعالى فقم مع بلال فالق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك فقمت مع بلال فجعلت القى عليه ويؤذن به فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه فقال يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلله الحمد».

أقول : وقد كذب أهل البيت (عليهم‌السلام) هذه الرواية واستفاضت اخبارهم بأن الأذان والإقامة وحي من الله عزوجل كما ذكرناه :

فروى ثقة السلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن منصور بن حازم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لما هبط جبرئيل (عليه‌السلام) بالأذان على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان رأسه في حجر علي (عليه‌السلام) فأذن جبرئيل واقام فلما انتبه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال يا علي سمعت؟ قال نعم قال حفظت؟ قال نعم. قال ادع لي بلالا فعلمه فدعا علي (عليه‌السلام) بلالا فعلمه». ورواه الصدوق بطريقه إلى منصور بن حازم.

وفي الصحيح عن زرارة والفضيل عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «لما اسرى برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الى السماء فبلغ البيت المعمور وحضرت الصلاة فأذن جبرئيل (عليه‌السلام) واقام فتقدم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وصف الملائكة والنبيون خلف محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة الدالة على صلاة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالملائكة في السماء ايضا وكلها واردة في اخبار المعراج.

قال ابن ابي عقيل من متقدمي علمائنا : أطبقت الشيعة (3) على ان الصادق (عليه‌السلام) لعن قوما زعموا ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أخذ الأذان من عبد الله بن

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 1 من الأذان والإقامة.


زيد فقال ينزل الوحي على نبيكم فتزعمون انه أخذ الأذان من عبد الله بن زيد.

أقول : هذه الرواية قد نقلها في كتاب دعائم الإسلام عن الحسين (عليه‌السلام) (1) قال : «وروينا عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) عن أبيه عن جده عن الحسين بن علي (عليهما‌السلام) انه سئل عن قول الناس في الأذان ان السبب كان فيه رؤيا رآها عبد الله بن زيد فأخبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فأمر بالأذان؟ فقال (عليه‌السلام) الوحي ينزل على نبيكم وتزعمون انه أخذ الأذان من عبد الله بن زيد والأذان وجه دينكم؟ وغضب وقال بل سمعت ابي علي بن ابي طالب (عليه‌السلام) يقول اهبط الله ملكا حتى عرج برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.». وساق حديث المعراج بطوله وما وقع فيه من الأذان والإقامة والصلاة.

وقال السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاوس (نور الله تعالى مرقده) في كتاب الطرائف : ومن طريف ما سمعت ووقفت عليه ان أبا داود وابن ماجة ذكرا في كتاب السنن (2) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هم بالبوق وأمر بالناقوس فأرى عبد الله بن زيد في المنام رجلا عليه ثوبان أخضران فعلمه الأذان».

أقول : وقد وقع في بعض الاخبار نسبة الرؤيا المذكورة الى ابي بن كعب وهو ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن عمر بن أذينة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «ما تروي هذه الناصبة؟ فقلت جعلت فداك فيما ذا؟ فقال في أذانهم وركوعهم وسجودهم. فقلت انهم يقولون ان ابي بن كعب رآه في النوم فقال كذبوا فان دين الله أعز من ان يرى في النوم. قال فقال له سدير الصيرفي جعلت فداك فأحدث لنا من ذلك ذكرا فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان الله تعالى لما عرج بنبيه

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 1 من الأذان والإقامة.

(2) سنن ابى داود ج 1 ص 195 الى 200 وسنن ابن ماجة ج 1 ص 239.

(3) الوافي باب بدو الصلاة وعللها وروى في الوسائل قطعة منه في الباب 15 من الوضوء.


(صلى‌الله‌عليه‌وآله) الى سماواته السبع.». ثم ساق (عليه‌السلام) الخبر وهو طويل جدا يشتمل على الأذان والصلاة وان ذلك كان في مبدأ التكليف. وما اشتمل عليه هذا الخبر من نسبة الرؤيا الى ابي بن كعب خلاف ما اشتهر بين الخاصة والعامة من انه عبد الله بن زيد كما تقدم. والله العالم.

فصل

روى الصدوق في كتاب العلل والعيون عن الفضل بن شاذان في ما رواه من العلل عن الرضا (عليه‌السلام) (1) «فان قال : أخبرني عن الأذان لم أمروا به؟ قيل لعلل كثيرة : منها ـ ان يكون تذكيرا للساهي وتنبيها للغافل وتعريفا لمن جهل الوقت واشتغل عن الصلاة وليكون ذلك داعيا الى عبادة الخالق مرغبا فيها مقرا له بالتوحيد مجاهرا بالايمان معلنا بالإسلام مؤذنا لمن ينساها وانما يقال مؤذن لأنه يؤذن بالصلاة ، فإن قال فلم بدئ فيه بالتكبير قبل التهليل؟ قيل لأنه أراد ان يبدأ بذكره واسمه لان اسم الله تعالى في التكبير في أول الحرف وفي التهليل في آخر الحرف فبدأ بالحرف الذي اسم الله في أوله لا في آخره ، فان قال فلم جعل مثنى مثنى؟ قيل لان يكون مكررا في آذان المستمعين مؤكدا عليهم ان سها أحد عن الأول لم يسه عن الثاني ولأن الصلاة ركعتان ركعتان فلذلك جعل الأذان مثنى مثنى ، فان قال لم جعل التكبير في أول الأذان أربعا؟ قيل لأن أول الأذان إنما يبدو غفلة وليس قبله كلام ينبه المستمع له فجعل ذلك تنبيها للمستمعين لما بعده في الأذان ، فإن قال لم جعل بعد التكبير شهادتين؟ قيل لأن أول الإيمان انما هو التوحيد والإقرار لله عزوجل بالوحدانية والثاني الإقرار للرسول بالرسالة وان طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان ، ولأن أصل الإيمان انما هو الشهادة فجعل شهادتين شهادتين في الأذان كما جعل في سائر الحقوق شهادتين ، فإذا أقر لله بالوحدانية وأقر للرسول بالرسالة فقد أقر بجملة

__________________

(1) الوسائل الباب 19 من الأذان والإقامة.


الايمان لأن أصل الإيمان انما هو الإقرار بالله وبرسوله ، فان قال فلم جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة؟ قيل لأن الأذان إنما وضع لموضع الصلاة وهو نداء إلى الصلاة فجعل النداء إلى الصلاة في وسط الأذان فقدم المؤذن قبلها أربعا : التكبيرتين والشهادتين وأخر بعدها أربعا : يدعو الى الفلاح حثا على البر والصلاة ثم دعا الى خير العمل مرغبا فيها وفي عملها وفي أدائها ثم نادى بالتكبير والتهليل ليتم بعدها أربعا كما أتم قبلها أربعا وليختم كلامه بذكر الله تعالى كما فتحه بذكر الله ، فان قال فلم جعل آخرها التهليل ولم يجعل آخرها التكبير كما جعل في أولها التكبير؟ قيل لان التهليل اسم الله في آخره فأحب الله ان يختم الكلام باسمه كما فتحه باسمه ، فان قال فلم لم يجعل بدل التهليل التسبيح والتحميد مع ان اسم الله في آخرهما؟ قيل لان التهليل هو إقرار لله تعالى بالتوحيد وخلع الأنداد من دون الله تعالى وهو أول الايمان وأعظم من التسبيح والتحميد».

فصل

روى الصدوق في كتاب العلل بسنده عن ابن ابي عمير (1) «انه سأل أبا الحسن (عليه‌السلام) عن (حي على خير العمل) لم تركت من الأذان؟ فقال تريد العلة الظاهرة أو الباطنة؟ قلت أريدهما جميعا. فقال اما العلة الظاهرة فلئلا يدع الناس الجهاد اتكالا على الصلاة واما الباطنة فإن خير العمل الولاية فأراد من أمر بترك (حي على خير العمل) من الأذان ان لا يقع حث عليها ودعاء إليها».

وروى في الكتاب المذكور بسنده عن عكرمة (2) قال : «قلت لابن عباس أخبرني لأي شي‌ء حذف من الأذان «حي على خير العمل»؟ قال أراد عمر بذلك ان لا يتكل الناس على الصلاة ويدعوا الجهاد فلذلك حذفها من الأذان».

ونظير هذا التعليل العليل ما نقله أولياؤه عنه أيضا في تحريم متعة الحج من قوله (3)

__________________

(1) الوسائل الباب 19 من الأذان والإقامة.

(2) البحار ج 18 الصلاة ص 170.

(3) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج.


«كرهت ان يخرجوا الى الحج ورؤوسهم تقطر من نسائهم» وقوله (1) «كرهت ان يكونوا معرسين تحت الأراك ثم يخرجون الى الحج ورؤوسهم تقطر من نسائهم» أرأيت ان الله عزوجل الذي أمر بهذين الحكمين لا يعلم بهذا الأمر الذي علل هذا المرتد به في كل من الموضعين فذهب ذلك عن علم الله سبحانه وانما اهتدى إليه هو؟ ولقد صدق عليه قوله عزوجل «ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ» (2).

وروى في كتاب معاني الأخبار بسنده عن محمد بن مروان عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (3) قال : «أتدري ما تفسير (حي على خير العمل)؟ قال قلت لا. قال دعاك الى البر أتدري بر من؟ قلت لا. قال الى بر فاطمة وولدها (عليهم‌السلام)».

أقول : لا منافاة بين هذه الاخبار وبين ما تقدم في علل الفضل بن شاذان من تفسير خير العمل بالصلاة فإن اخبارهم كالقرآن لها ظهر وبطن.

وفي كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم (4) قال : «علة الأذان ان تكبر الله وتعظمه وتقر بتوحيد الله وبالنبوة والرسالة وتدعو إلى الصلاة وتحث على الزكاة ، ومعنى الأذان الاعلام لقوله تعالى «وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ» (5) أي إعلام وقال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) «كنت أنا الأذان في الناس بالحج» وقوله «وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ» (6) أي أعلمهم وادعهم ، فمعنى «الله» انه يخرج الشي‌ء من حد العدم الى حد الوجود ويخترع الأشياء لا من شي‌ء وكل مخلوق دونه يخترع الأشياء من شي‌ء إلا الله فهذا معنى «الله» وذلك فرق بينه وبين المحدث ، ومعنى «أكبر» أي أكبر من ان يوصف في الأول وأكبر من كل شي‌ء لما خلق الشي‌ء ،

__________________

(1) تيسير الوصول ج 1 ص 288.

(2) سورة محمد ، الآية 10.

(3) البحار ج 18 الصلاة ص 170.

(4) مستدرك الوسائل نوادر ما يتعلق بأبواب الأذان والإقامة.

(5) سورة التوبة ، الآية 3.

(6) سورة الحج ، الآية 28.


ومعنى قوله «اشهد ان لا إله إلا الله» إقرار بالتوحيد ونفي الأنداد وخلعها وكل ما يعبد من دون الله ، ومعنى «اشهد ان محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» إقرار بالرسالة والنبوة وتعظيم لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وذلك قول الله عزوجل «وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ» (1) اي تذكر معي إذا ذكرت ، ومعنى «حي على الصلاة» أي حث على الصلاة ومعنى «حي على الفلاح» اي حث على الزكاة ، وقوله «حي على خير العمل» اي حث علي الولاية ، وعلة أنها خير العمل ان الأعمال كلها بها تقبل (2) «الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله محمد رسول الله» فالقى معاوية من آخر الأذان «محمد رسول الله» (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال أما يرضى محمد ان يذكر في أول الأذان حتى يذكر في آخره. ومعنى الإقامة هي الإجابة والوجوب ومعنى كلماتها فهي التي ذكرناها في الأذان ، ومعنى «قد قامت الصلاة» أي قد وجبت الصلاة وحانت وأقيمت ، واما العلة فيها فقال الصادق (عليه‌السلام) إذا أذنت وصليت صلى خلفك صف من الملائكة وإذا أذنت وأقمت صلى خلفك صفان من الملائكة. ولا يجوز ترك الأذان إلا في صلاة الظهر والعصر والعتمة يجوز في هذه الصلوات الثلاث اقامة بلا أذان والأذان أفضل ولا تجعل ذلك عادة. ولا يجوز ترك الأذان والإقامة في صلاة المغرب وصلاة الفجر ، والعلة في ذلك ان هاتين الصلاتين تحضرهما ملائكة الليل وملائكة النهار».

قال في البحار بعد نقل ذلك : لعل الحث على الزكاة في الأذان لكون قبول الصلاة مشروطا بها وكون الشهادة بالرسالة في آخر الأذان غريب لم أره في غير هذا الكتاب

فصل

روى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال والمجالس والعيون بسنده عن عباس

__________________

(1) سورة الانشراح ، الآية 4.

(2) هكذا عبارة الحديث في المستدرك والبحار ج 18 الصلاة ص 178.


مولى الرضا (عليه‌السلام) (1) قال : «سمعته يقول من قال حين يسمع أذان الصبح : اللهم إني أسألك بإقبال نهارك وادبار ليلك وحضور صلواتك وأصوات دعاتك وتسبيح ملائكتك أن تتوب علي انك أنت التواب الرحيم وقال مثل ذلك إذا سمع أذان المغرب ثم مات من يومه أو من ليلته تلك كان تائبا».

أقول : في رواية المجالس (2) «كان أبو عبد الله الصادق (عليه‌السلام) يقول.» وفي كتاب مصباح الشيخ (3) «اذن للمغرب وقل» وذكر الدعاء. قال في البحار : الباء في قولك «بإقبال نهارك» اما سببية أي كما أنعمت علي بتلك النعم فأنعم علي بتوفيق التوبة أو بقبولها ، أو قسمية ، ويحتمل الظرفية على بعد ، قوله «دعاتك» في بعض النسخ بالهمزة وفي بعضها بالتاء جمع داع كقاض وقضاة ، وبعده «وتسبيح ملائكتك» في أكثر الروايات وليس في بعضها.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (4) : «تقول بين الأذان والإقامة في جميع الصلوات اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صل على محمد وآل محمد وأعط محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يوم القيامة سؤله آمين رب العالمين اللهم إني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأقدمهم بين يدي حوائجي كلها فصل عليهم واجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين واجعل صلاتي بهم مقبولة ودعائي بهم مستجابا وامنن علي بطاعتهم يا ارحم الراحمين. تقول هذا في جميع الصلوات وتقول بعد أذان الفجر اللهم إني أسألك بإقبال نهارك. الى آخر ما مر ، وان أحببت أن تجلس بين الأذان والإقامة فافعل فان فيه فضلا كثيرا. الى آخر ما تقدم في مسألة استحباب الفصل بين الأذان والإقامة.

__________________

(1) الوسائل الباب 43 من الأذان والإقامة.

(2 و 3) البحار ج 18 الصلاة ص 179.

(4) ص 6.


وقال الشيخ في المصباح (1) : يستحب ان يقول في السجدة بين الأذان والإقامة «اللهم اجعل قلبي بارا ورزقي دارا واجعل لي عند قبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مستقرا وقرارا». وفي كتاب البلد الأمين (2) «. ورزقي دارا وعيشي قارا واجعل لي عند قبر نبيك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.». وفي الرسالة النفلية (3) «. وعيشي قارا ورزقي دارا.» وفي بعض كتب الدعاء (4) بعد ذلك «وعملي سارا» وفي بعضها (5) «عند رسولك» بغير القبر. وفي الكافي في حديث مرفوع (6) «يقول الرجل إذا فرغ من الأذان وجلس : اللهم اجعل قلبي بارا ورزقي دارا واجعل لي عند قبر نبيك قرارا ومستقرا».

قال شيخنا الشهيد الثاني في شرح النفلية (7) : «اللهم اجعل قلبي بارا» البار المطيع والمحسن والمعنى عليهما سؤال الله ان يجعل قلبه مطيعا لسيده وخالقه ومحسنا في تقلباته وحركاته وسكناته فإن الأعضاء تتبعه في ذلك كله «وعيشي قارا» الأجود كون القار هنا متعديا والمفعول محذوفا اي قارا لعيني ، يقال أقر الله عينك اي صادف فؤادك ما يرضيك من العيش فتقر عينك من النظر الى غيره قاله الهروي. ويجوز كونه لازما اي مستقرا لا يحوج الى الخروج إليه في سفر ونحوه ، وقد روى «ان من سعادة الرجل ان تكون معيشته في بلده» أو قارا في الحالة المهناة لا يتكدر بشي‌ء من المنغصات فيضطرب «ورزقي دارا» اي يزيد ويتجدد شيئا فشيئا كما يدر اللبن «واجعل لي عند قبر رسولك مستقرا وقرارا» المستقر المكان والقرار المقام أي اجعل لي عنده مكانا أقر فيه. وقيل هما مترادفان. ونقل المصنف في بعض تحقيقاته ان المستقر في الدنيا والقرار في الآخرة كأنه يسأل ان يكون المحيا والممات عنده واختص الدنيا بالمستقر لقوله تعالى «وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ» (8) والآخرة بالقرار لقوله تعالى «وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 7) البحار ج 18 الصلاة ص 181.

(6) الوسائل الباب 12 من الأذان والإقامة.

(8) سورة البقرة ، الآية 34.


الْقَرارِ» (1) وفيه ان القبر لا يكون في الآخرة وإطلاق الآخرة على الممات خاصة بعيد نعم في بعض روايات الحديث «واجعل لي عند رسولك» بغير ذكر القبر ويمكن تنزيل التأويل حينئذ عليه بان يكون السؤال بأن يكون مقامه في الدنيا والآخرة في جواره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : الظاهر ان استدراك شيخنا المذكور على المصنف ليس في محله فان باب المجاز واسع وقد ورد «ان من مات فقد قامت قيامته» مع ان الموت والانتقال الى عالم البرزخ ليس من القيامة حقيقة التي هي الدار الآخرة. وبالجملة فباب التجوز أوسع من ذلك. والله العالم.

__________________

(1) سورة المؤمن ، الآية 42.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *