ج3 - غسل النفاس
الفصل الرابع
وفيه مسائل (الأولى) ـ النفاس بكسر النون يقال : نفست المرأة كفرح ونفست بالبناء للمجهول وفي الحيض بفتح النون لا غير ، والولد منفوس ، ومنه الحديث : «لا يرث المنفوس حتى يستهل صائحا» (1). والمرأة نفساء بضم النون وفتح الفاء والجمع نفاس مثل عشراء وعشار ، قال الجوهري : «ليس في كلام العرب فعلاء يجمع على فعال غير نفساء وعشراء» ويجمع ايضا على نفساوات كعشراوات. وهو اما مأخوذ من النفس بمعنى الدم كما يقال ذو نفس سائلة إذا كان يخرج دمه بعد الذبح بقوة ، وانما سمي الدم بذلك لان النفس التي هي اسم لجملة الحيوان قوامها بالدم ، أو من خروج النفس يعني الولد ، أو من تنفس الرحم بالدم ، والأشهر في كلام اللغويين المعنى الأول. وكيف كان فقد نقله الفقهاء عن معناه اللغوي إلى آخر وهو الدم الخارج في الولادة في الجملة. وقد اتفق الأصحاب على ان الخارج قبل الولادة ليس بنفاس والخارج بعد الولادة نفاس ، واما المصاحب لخروج الولد فظاهر كلامهم الخلاف فيه ، وقد نص الشيخ في المبسوط والخلاف ومثله سلار على انه الخارج عقيب الولادة أو معها ، وقال المرتضى في المصباح : «النفاس هو الدم الذي تراه المرأة عقيب الولادة» ونحوه كلام الشيخ في الجمل وابي الصلاح ، ومقتضاه ان الخارج مع الولد ليس بنفاس ، قال في المعتبر بعد إيراد القولين : «والتحقيق ان ما تراه مع الطلق ليس بنفاس وكذا ما تراه عند الولادة قبل خروج الولد ، اما ما يخرج بعد ظهور شيء من الولد فهو نفاس» وكأنه أراد بذلك الجمع بين القولين المذكورين بحمل قول المرتضى عقيب الولادة على ما هو أعم من خروج الولد أو شيء منه ، وقال في المختلف بعد نقل القولين ايضا : «والظاهر انه لا منافاة بينهما فان كلام الشيخ في الجمل محمول على الغالب لا ان النفاس يجب ان يكون عقيب الولادة» وعلل كونه نفاسا بحصول المعنى المشتق منه وخروجه بسبب الولادة فيشمله عموم الأدلة. وفيهما ما لا يخفى.
ويمكن الاستدلال لما ذهب اليه المرتضى ومن تبعه بما رواه
ثقة الإسلام في الكافي
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب ميراث الخنثى وما
أشبهه.
في الموثق عن عمار بن موسى عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) (1) : «في المرأة
يصيبها الطلق أياما أو يوما أو يومين فترى الصفرة أو دما؟ قال : تصلي ما لم تلد
فان غلبها الوجع ففاتتها صلاة لم تقدر ان تصليها من الوجع فعليها قضاء تلك الصلاة
بعد ما تطهر». وما رواه الصدوق بإسناده عن عمار بن موسى عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن امرأة أصابها الطلق اليوم واليومين وأكثر من ذلك ترى صفرة أو دما كيف تصنع
بالصلاة؟ قال : تصلي ما لم تلد فان غلبها الوجع صلت إذا برأت». والتقريب فيهما انه
(عليهالسلام) أوجب عليها
الصلاة حتى تلد ، والمتبادر من الولادة خروج الولد كملا وحينئذ فإيجاب الصلاة
عليها قبل خروج الولد كملا يوجب الحكم بكون دمها قبل خروجه دم استحاضة لا دم نفاس.
نعم روى الشيخ في المجالس بسنده عن زريق بن الزبير الخرقاني (3) قال : «سأل
رجل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن امرأة
حامل رأت الدم؟ فقال : تدع الصلاة. قال فإنها رأت الدم وقد أصابها الطلق فرأته وهي
تمخض؟ قال : تصلي حتى يخرج رأس الصبي فإذا خرج رأسه لم تجب عليها الصلاة ، وكل ما
تركته من الصلاة في تلك الحال لوجع أو لما هي فيه من الشدة والجهد قضته إذا خرجت
من نفاسها. قال قلت جعلت فداك ما الفرق بين دم الحامل ودم المخاض؟ قال : ان الحامل
قذفت بدم الحيض وهذه قذفت بدم المخاض الى ان يخرج بعض الولد فعند ذلك يصير دم
النفاس فيجب ان تدع في النفاس والحيض ، فاما ما لم يكن حيضا أو نفاسا فإنما ذلك من
فتق في الرحم». وهي صريحة في القول الأول ، وحينئذ فيجب حمل الخبرين المتقدمين على
ما يرجعان به الى هذا الخبر جمعا ، من حمل قوله «ما لم تلد» على خروج بعض من
الولد. وقريب من هذه الرواية ما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) (4) قال : «قال
النبي (صلىاللهعليهوآله) : ما كان
الله تعالى ليجعل
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب النفاس.
(3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب الحيض.
حيضا مع حبل يعني إذا رأت المرأة الدم
وهي حامل لا تدع الصلاة إلا ان ترى على رأس الولد إذا ضربها الطلق ورأت الدم تركت
الصلاة». والظاهر ان قوله : «يعني» من كلامه (عليهالسلام) بعد نقله
الحديث النبوي.
ثم انه لا يخفى ان رواية المجالس لا تخلو من اشكال ،
وذلك فإنها قد تضمنت ان الحامل إذا رأت الدم تدع الصلاة وهو ظاهر في اجتماع الحمل
مع الحيض كما هو أصح القولين وأشهرهما ، وتضمنت انها إذا رأت الدم وقد أصابها
الطلق وهي تمخض تصلي حتى يخرج رأس الصبي ، وهو ظاهر في كون هذا الدم دم استحاضة ،
والقائلون باجتماع الحمل مع الحيض لا يفرقون بين الدمين المذكورين بل الجميع حيض
عندهم مع استكمال شرائط الحيض ، وهو ايضا ظاهر الأخبار الدالة على الاجتماع. نعم
اختلف القائلون بالاجتماع في انه هل يعتبر تخلل أقل الطهر بينه وبين النفاس اما
بنقاء أو بما يحكم بكونه استحاضة كالخارج بعد العادة متجاوزا لأكثره على المشهور
أو أعم على ما اخترناه سابقا أم لا؟ قولان ، للأول انهم حكموا بان النفاس كالحيض
بل هو حيض محتبس واليه يشير بعض الأخبار ، وللثاني عدم كونه حيضا حقيقيا والمشابهة
لا تستلزم اتحاد الحقيقة وعموم الأحكام بل يكفي فيها الاتحاد في بعض المواد.
واستقرب العلامة في النهاية الأول وهو ظاهر الذكرى ، وفي المنتهى والتذكرة الثاني
، واختاره جملة ممن تأخر عنه ومنهم السيد في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة
، ويدل على الأول روايتا عمار المتقدمتان (1) وظاهر الروض الميل إليه أيضا ،
وحينئذ فلو رأت الدم ثلاثة أيام مثلا ثم ولدت قبل مضى أقل الطهر فهو استحاضة على
القول الأول لفقد شرط ما بين الحيضتين وفصل الولادة لم يثبت انه كاف عن الطهر ،
وحيض على الثاني لعدم اشتراط فصل أقل الطهر في هذا الموضع ، وقد عرفت قوة الأول
بدلالة الخبرين المذكورين.
إذا عرفت ذلك فاعلم انه يشترط عندهم في صدق الولادة
الموجبة للحكم بكون
__________________
(1) ص 309.
الدم المصاحب لها والمتأخر عنها نفاسا
خروج جزء مما يسمى آدميا أو مبدأ نشو آدمي ولو كان مضغة ، وقيدها بعضهم مع اليقين
بكونها مبدأ نشو ادمي ، اما العلقة وهي القطعة من الدم الغليظ فلا لعدم اليقين.
قال في المعتبر : «ولو وضعت مضغة كان كما لو وضعت جنينا لانه دم جاء عقيب حمل ،
اما العلقة والنطفة فلا يتيقن معهما الحمل فيكون حكمه حكم الدم السائل» ونحوه في
المنتهى. والحق العلامة في النهاية العلقة بالمضغة مع شهادة القوابل ، وقال في
الذكرى انه لو فرض العلم بكونها مبدأ نشو انسان بقول اربع من القوابل كان نفاسا.
وتوقف فيه بعض المحققين لانتفاء التسمية ، واعترضه في الروض بأنه لا وجه للتوقف
بعد فرض العلم ، قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : «وفيه ان منشأ التوقف عدم صدق
الولادة عرفا وان علم انه علقة فالتوقف في محله» أقول : لا يخفى ان ما اعترضه على
جده هنا مندفع بما ذكره عقيب هذه العبارة حيث قال بعد نقل كلام الذكرى «وتوقف فيه
بعض المحققين لانتفاء التسمية ولا وجه له بعد فرض العلم ، ولأنا ان اعتبرنا مبدأ
النشو فلا فرق بينها وبين المضغة مع العلم. نعم قد يناقش في إمكان العلم بذلك وهو
خارج عن الفرض» انتهى. ومرجعه إلى انه متى اعتبر مبدأ النشو وقد حصل ذلك في العلقة
بشهادة القوابل فإنه تصدق الولادة بعين ما اتفقوا عليه في المضغة. وهو جيد لا يرد
عليه شيء مما ذكره سبطه.
بقي الكلام في ترتب صدق الولادة والحكم بالنفاس على ما
ذكروه من مبدأ النشو مضغة كانت أو علقة ، فإن غاية ما يفهم من الأخبار ترتب النفاس
على الولادة والمتبادر من هذا اللفظ باعتبار ما هو الشائع المتكرر المتكثر هو خروج
الولد الآدمي ، لما عرفت في غير مقام من تصريحهم بأن الإطلاقات في الأخبار انما
تحمل على الأفراد الشائعة المتكثرة دون الفروض النادرة ، ويؤيده التصريح بلفظ
الولد في جملة من الأخبار ، والحكم بترك العبادة المفروضة المعلومة بالأدلة
القطعية يحتاج الى دليل واضح ، وليس في الأخبار ما يدل هنا على ما ذكروه من صدق
الولادة وحصول النفاس بخروج ما كان
مبدأ نشو آدمي ، والظاهر ان أول من
ذكر ذلك المحقق في المعتبر والعلامة وتبعهما من تأخر عنهما ، وكلام المتقدمين خال
من ذلك كما لا يخفى على من راجعه ، وبالجملة فالحكم بذلك عندي موضع توقف لما عرفت.
ثم انه قد ذكر في الروض انه تصدق المعية بخروج الجزء وان كان منفصلا ولو لحقه
الثاني كان كولادة التوأمين فابتداء النفاس من الأول وغايته من الأخير. انتهى.
وللتأمل فيه مجال. والله العالم.
(المسألة الثانية) ـ لا خلاف بين الأصحاب في انه لأحد
لقليل النفاس فيجوز ان يكون لحظة بل يجوز ان لا ترى دما مطلقا ، كل ذلك لأصالة
العدم وتوقف التكاليف الشرعية على الأدلة القطعية ، ويدل على ذلك ما رواه الشيخ عن
ليث المرادي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن النفساء كم حد نفاسها حتى يجب عليها الصلاة وكيف تصنع؟ قال : ليس لها حد». والشيخ
حمله على انه ليس له حد شرعي لا يزيد ولا ينقص بل ترجع الى عادتها ، والأظهر ان
المراد السؤال عن حده في جانب القلة ، حيث ان الاخبار قد تضمنت حده في جانب الكثرة
فسأل عن حده في جانب القلة كما في الحيض من وجود الحد بذلك فأجاب (عليهالسلام) بأنه لا حد
له. وعن علي بن يقطين في الصحيح عن ابي الحسن (عليهالسلام) (2) «انه سأله عن
النفساء فقال : تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط.». ونقل المحقق في المعتبر قال
: «وقد حكى ان امرأة وأدت على عهد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فلم تر دما
فسميت الجفوف» (3) انما الخلاف
في حد أكثره فقيل بأنه عشرة ونقله في المختلف عن علي بن بابويه والشيخ قال : وبه
افتى أبو الصلاح وابن البراج وابن إدريس. أقول ونسبه في المبسوط الى أكثر
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب النفاس.
(2) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب النفاس.
(3) في المغني لابن قدامة ج 1 ص 347 والمهذب للشيرازي الشافعي
ج 1 ص 45 «روى ان امرأة ولدت على عهد رسول الله «ص» فلم تر دما فسميت ذات الجفوف».
الأصحاب وهو مؤذن بشهرته بين
المتقدمين ، وهو اختيار المحقق في كتبه الثلاثة. وقيل انه ثمانية عشر ، ونقله في
المختلف عن المرتضى والمفيد وابن بابويه وابن الجنيد وسلار إلا ان المفيد قال : «وقد
جاءت أخبار معتمدة في أن أقصى مدة النفاس مدة الحيض عشرة أيام وعليه اعمل لوضوحه» (1) وقيل بالتفصيل
بأنها ان كانت مبتدأة أو ذات عادة غير مستقرة فعشرة أيام وان كانت ذات عادة
فعادتها. والظاهر انه هو المشهور بين المتأخرين. وقيل بأنها ان كانت ذات عادة
فعادتها وان كانت مبتدأة فثمانية عشر يوما ، وهو اختياره في المختلف حيث قال فيه
بعد نقل القولين الأولين : «والذي اخترناه نحن في أكثر كتبنا ان المرأة ان كانت
مبتدأة في الحيض تنفست بعشرة أيام فإن تجاوز الدم فعلت ما تفعله المستحاضة بعد
العشرة ، وان لم تكن مبتدأة وكانت ذات عادة مستقرة تنفست بأيام الحيض ، وان كانت
عادتها غير مستقرة فكالمبتدأة ، والذي نختاره هنا انها ترجع الى عادتها في الحيض
ان كانت ذات عادة ، وان كانت مبتدأة صبرت ثمانية عشر يوما» انتهى.
والسبب في اختلاف هذه الأقوال هو اختلاف الأخبار واختلاف
الأفكار في الجمع بينها ، وها انا انقل أولا أخبار المسألة كملا واذيلها ـ ان شاء
الله تعالى ـ بما يتضح به الحال مما ظهر لي منها بتوفيق ذي الجلال :
فمنها ـ ما رواه الشيخ عن زرارة عن أحدهما (عليهماالسلام) (2) قال : «النفساء
تكف عن الصلاة أيامها التي كانت تمكث فيها ثم تغتسل وتعمل كما تعمل المستحاضة».
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الفضيل بن
يسار وزرارة عن أحدهما (عليهماالسلام) (3) قال : «النفساء
تكف عن الصلاة أيام أقرائها التي كانت
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب النفاس.
(3) ج 1 ص 28 وفي الوسائل في الباب 3 من أبواب النفاس.
تمكث فيها ثم تغتسل وتعمل كما تعمل
المستحاضة». ورواه الشيخ بإسناد آخر في القوى (1)
وعن زرارة في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «قلت له
النفساء متى تصلي؟ قال : تقعد قدر حيضها وتستظهر بيومين فان انقطع الدم وإلا
اغتسلت واحتشت واستثفرت. الحديث».
وعن يونس بن يعقوب في الموثق (3) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول :
النفساء تجلس أيام حيضها التي كانت تحيض ثم تستظهر وتغتسل وتصلي».
وعن زرارة في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «تقعد
النفساء أيامها التي كانت تقعد في الحيض وتستظهر بيومين».
وعن يونس في الموثق (5) ـ والظاهر انه ابن يعقوب ـ قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن امرأة
ولدت فرأت الدم أكثر مما كانت ترى؟ قال : فلتقعد أيام قرئها التي كانت تجلس ثم
تستظهر بعشرة أيام فإن رأت دما صبيبا فلتغتسل عند وقت كل صلاة.». والمراد بقوله : «عشرة
أيام» يعني إلى عشرة كما ذكره الشيخ.
وعن مالك بن أعين في القوى (6) قال : «سألت
أبا جعفر (عليهالسلام) عن النفساء
يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم؟ قال نعم إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيام
عدة حيضها ثم تستظهر بيوم فلا بأس بعد ان يغشاها زوجها ، يأمرها فتغتسل ثم يغشاها
ان أحب».
وعن عبد الرحمن بن أعين (7) قال : «قلت له
ان امرأة عبد الملك ولدت فعد لها أيام حيضها ثم أمرها فاغتسلت واحتشت وأمرها ان
تلبس ثوبين نظيفين وأمرها بالصلاة فقالت له لا تطيب نفسي ان ادخل المسجد فدعني
أقوم خارجا عنه واسجد فيه. فقال قد أمر به رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال : فانقطع
الدم عن المرأة ورأت الطهر ،
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7) رواه في الوسائل في الباب 3 من
أبواب النفاس.
وأمر علي (عليهالسلام) بهذا قبلكم
فانقطع الدم عن المرأة ورأت الطهر ، فما فعلت صاحبتكم؟ قلت : ما ادري».
وعن ابي بصير في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «النفساء
إذا ابتليت بأيام كثيرة مكثت مثل أيامها التي كانت تجلس قبل ذلك واستظهرت بمثل
ثلثي أيامها ثم تغتسل وتحتشي وتصنع كما تصنع المستحاضة ، وان كانت لا تعرف أيام
نفاسها فابتليت جلست بمثل أيام أمها أو أختها أو خالتها واستظهرت بثلثي ذلك ثم
صنعت كما تصنع المستحاضة تحتشي وتغتسل». وحمل بعض الأصحاب الاستظهار بمثل ثلثي ذلك
على ما إذا كانت العادة ستة فما نقص لئلا يزيد أيام العادة والاستظهار عن العشرة.
وهذه الاخبار كلها ـ كما ترى ـ تدل على التنفس بأيام
العادة في الحيض.
ومنها ـ ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح (2) قال : «سألت
أبا جعفر (عليهالسلام) عن النفساء
كم تقعد؟ قال : ان أسماء بنت عميس نفست فأمرها رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان تغتسل
لثمان عشرة ، ولا بأس ان تستظهر بيوم أو بيومين».
وعن زرارة في الصحيح عن الباقر (عليهالسلام) (3) «ان أسماء بنت
عميس نفست بمحمد بن ابي بكر فأمرها رسول الله (صلىاللهعليهوآله) حين أرادت
الإحرام بذي الحليفة أن تحتشي بالكرسف والخرق وتهل بالحج ، فلما قدموا ونسكوا
المناسك فاتت لها ثمانية عشرة ليلة فأمرها رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان تطوف
بالبيت وتصلي ولم ينقطع عنها الدم ففعلت ذلك».
وفي الموثق عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل عن الباقر (عليهالسلام) (4) «ان أسماء بنت
عميس نفست بمحمد بن ابي بكر فأمرها رسول الله (صلىاللهعليهوآله) حين أرادت
الإحرام من ذي الحليفة أن تغتسل وتحتشي بالكرسف وتهل بالحج ، فلما
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب النفاس.
قدموا ونسكوا المناسك سألت النبي عن
الطواف بالبيت والصلاة فقال لها منذ كم ولدت؟ فقالت منذ ثمانية عشر يوما ، فأمرها
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان تغتسل وتطوف
بالبيت وتصلي ولم ينقطع عنها الدم ففعلت ذلك».
وما رواه في الكافي عن علي عن أبيه رفعه (1) قال : «سألت
امرأة أبا عبد الله (عليهالسلام) فقالت اني
كنت اقعد في نفاسي عشرين يوما حتى أفتوني بثمانية عشر يوما؟ فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) : ولم أفتوك
بثمانية عشر يوما؟ فقال رجل : للحديث الذي روي عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) انه قال
لأسماء بنت عميس حين نفست بمحمد بن ابي بكر. فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) ان أسماء
سألت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وقد اتى لها
ثمانية عشر يوما ولو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل وتفعل ما تفعل المستحاضة».
وما رواه في المنتقى عن كتاب الأغسال لأحمد بن محمد بن
عياش الجوهري عن احمد بن محمد بن يحيى عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم عن
عثمان بن عيسى عن عمر بن أذينة عن حمران بن أعين (2) قال : «قالت
امرأة محمد بن مسلم وكانت ولودا اقرأ أبا جعفر السلام وقل له انى كنت اقعد في
نفاسي أربعين يوما وان أصحابنا ضيقوا علي فجعلوها ثمانية عشر يوما؟ فقال أبو جعفر (عليهالسلام) من أفتاها
بثمانية عشر يوما؟ قال فقلت : للرواية التي رووها في أسماء بنت عميس انها نفست
بمحمد بن ابي بكر بذي الحليفة فقالت يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كيف اصنع؟
فقال لها : اغتسلي واحتشي وأهلي بالحج فاغتسلت واحتشت ودخلت مكة ولم تطف ولم تسع
حتى تقضى الحج ، فرجعت الى مكة فاتت رسول الله فقالت يا رسول الله أحرمت ولم أطف
ولم اسع؟ فقال لها رسول الله وكم لك اليوم؟ فقالت ثمانية عشر يوما. فقال اما الآن
فاخرجي الساعة فاغتسلي واحتشي وطوفي واسعي. فاغتسلت وطافت وسعت وأحلت. فقال
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب النفاس.
أبو جعفر (عليهالسلام) : انها لو
سألت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قبل ذلك
وأخبرته لأمرها بما أمرها به. قلت فما حد النفساء؟ قال تقعد أيامها التي كانت تطمث
فيهن أيام قرئها فإن هي طهرت وإلا استظهرت بيومين أو ثلاثة أيام ثم اغتسلت واحتشت
فان كان انقطع الدم فقد طهرت وان لم ينقطع الدم فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل لكل
صلاتين وتصلي».
وروى الصدوق في العلل عن حنان بن سدير (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) لأي علة
أعطيت النفساء ثمانية عشر يوما ولم تعط أقل منها ولا أكثر؟ قال : لان الحيض أقله
ثلاثة أيام وأوسطه خمسة وأكثره عشرة فأعطيت أقله وأوسطه وأكثره».
وروى في العيون عن الرضا (عليهالسلام) فيما كتبه
للمأمون (2) قال : «والنفساء
لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوما فان طهرت قبل ذلك صلت وان لم تطهر قبل
العشرين حتى تجاوز ثمانية عشر يوما اغتسلت وصلت. الحديث».
وفي الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهالسلام) (3) في حديث شرائع
الدين قال : «والنفساء لا تقعد أكثر من عشرين يوما إلا ان تطهر قبل ذلك فان لم
تطهر قبل العشرين اغتسلت واحتشت وعملت عمل المستحاضة».
ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (4) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : تقعد
النفساء سبع عشرة ليلة فإن رأت دما صنعت كما تصنع المستحاضة».
وعن محمد بن مسلم في الصحيح (5) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام): كم تقعد
النفساء حتى تصلي؟ قال ثماني عشرة سبع عشرة ثم تغتسل وتحتشي وتصلي».
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (6) قال : «تقعد
النفساء إذا لم ينقطع عنها الدم ثلاثين أو أربعين يوما الى الخمسين».
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب
النفاس.
وعن علي بن يقطين في الصحيح (1) قال : «سألت
أبا الحسن الماضي (عليهالسلام) عن النفساء
وكم يجب عليها ترك الصلاة؟ قال تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط الى ثلاثين
يوما فإذا رق وكانت صفرة اغتسلت وصلت ان شاء الله تعالى».
وعن حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهمالسلام) (2) قال : «النفساء
تقعد أربعين يوما فان طهرت وإلا اغتسلت وصلت ويأتيها زوجها وكانت بمنزلة المستحاضة
تصوم وتصلي».
وعن محمد بن يحيى الخثعمي (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن النفساء؟
فقال كما كانت تكون مع ما مضى من أولادها وما جربت. قلت فلم تلد فيما مضى؟ قال :
بين الأربعين إلى الخمسين».
وروى في كتاب نوادر الراوندي بإسناده عن موسى بن جعفر عن
آبائه عن علي (عليهمالسلام) قال : «أكثر
الحيض عشرة أيام وأكثر النفاس أربعون يوما».
وفي الفقه الرضوي (4) قال (عليهالسلام): «والنفساء
تدع الصلاة أكثره مثل أيام حيضها وهي عشرة أيام وتستظهر بثلاثة أيام ثم تغتسل فإذا
رأت الدم عملت كما تعمل المستحاضة ، وقد روى ثمانية عشر يوما ، وروى ثلاثة وعشرون
يوما ، وبأي هذه الاخبار من باب التسليم أخذ جاز».
هذا ما وقفت عليه من روايات المسألة ، ولا يخفى ما هي
عليه من التصادم والاختلاف إلا ان ظاهر الأصحاب الاعراض عن الروايات الأخيرة
المتضمنة لما زاد على الثمانية عشرة ، قال الصدوق في الفقيه ـ بعد ان افتى بأنها
تقعد عن الصلاة ثمانية عشر يوما مستدلا بحديث أسماء ـ ما صورته : «والأخبار التي
رويت في قعودها أربعين يوما وما زاد الى ان تطهر معلولة كلها وردت للتقية لا يفتي
بها إلا أهل الخلاف».
__________________
(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب النفاس.
(4) ص 21.
بقي الكلام في ان جملة من الأصحاب ـ كما عرفت ـ ذهبوا
الى ان أكثره عشرة والشيخ في التهذيب انما استدل على هذا القول باخبار العادة
المتقدمة التي تضمنت انها تكف عن الصلاة أيام أقرائها التي كانت تمكث فيها. ولا
يخفى ما فيه فان أيام الأقراء تختلف باختلاف عادات النساء فإطلاق القول بأن العشرة
أكثر النفاس إذا رأت عشرة ليس بصحيح ، نعم قال المفيد في المقنعة (1) : «وقد جاءت
أخبار معتمدة في أن أقصى مدة النفاس مدة الحيض عشرة أيام وعليه اعمل لوضوحه» أقول
: ولم يصل إلينا من هذه الاخبار إلا ما قدمناه في كتاب الفقه ونقل الشيخ محمد بن
إدريس في أوائل السرائر قال : «وذكر الشيخ محمد بن محمد بن النعمان في جواب سائل
سأله فقال كم قدر ما تقعد النفساء عن الصلاة وكم تبلغ أيام ذلك؟ فقد رأيت في كتابك
أحكام النساء أحد عشر يوما وفي الرسالة المقنعة ثمانية عشر يوما وفي كتاب الإعلام
أحد وعشرين يوما فعلى ايها العمل دون صاحبه؟ فأجابه بأن قال الواجب على النفساء ان
تقعد عشرة أيام وانما ذكرت في كتبي ما روى من قعودها ثمانية عشر يوما وما روى في
النوادر استظهارا بأحد وعشرين يوما ، وعملي في ذلك على عشرة أيام لقول الصادق (عليهالسلام) لا يكون دم
نفاس زمانه أكثر من زمان الحيض» انتهى.
إذا عرفت ذلك فالذي يظهر عندي من التأمل في اخبار
المسألة هو ان ذات العادة في الحيض ترجع الى عادتها للأخبار المتقدمة الصحيحة
الصريحة في ذلك ، وانما يبقى الإشكال في غيرها فهل تعمل على روايات الثمانية عشر
كما ذهب إليه العلامة في المختلف وجعله وجه جمع بين أخبار المسألة ، أو على روايات
العشرة كما هو المشهور بين المتأخرين؟ إشكال ينشأ من ان روايات الثمانية عشر لا
تخلو من الاضطراب ، فان صريح مرفوعة على بن إبراهيم ورواية الجوهري المنقولة من
كتاب المنتقى هو ان امره (صلىاللهعليهوآله) لأسماء بعد
الثمانية عشر بالغسل والطواف انما هو لتأخر سؤالها
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب النفاس.
وإلا فلو سألته قبل ذلك لأمرها بذلك ،
وعلى هذا المعنى حمل الشيخ أخبار المسألة مستندا إلى مرفوعة علي بن إبراهيم المشار
إليها. والحمل على هذا المعنى قريب في بعضها كموثقة محمد بن مسلم وفضيل وزرارة ،
ومحتمل على بعد في صحيحة محمد بن مسلم وصحيحة زرارة المذكورة بعدها ، وممتنع في
باقي روايات الثمانية عشر الغير المتعلقة بقصة أسماء مثل رواية حنان بن سدير
المنقولة من العلل وما بعدها من الاخبار ، وحينئذ فأخبار الثمانية عشر في حد ذاتها
تحتاج الى وجه تجتمع عليه حتى يمكن الاستدلال بها. هذا وجه الإشكال في روايات
الثمانية عشر. واما روايات العشر فقد عرفت انه لم يرد شيء منها مسندا في كتب
الاخبار الا ما عرفت من عبارة كتاب الفقه الرضوي ونقل المفيد وصول الاخبار بذلك
اليه ، ويمكن ترجيحه (أولا) ـ بأن نقله (رحمهالله) لا يقصر عن
مراسيل ابن ابي عمير ونحوه من أجلاء الأصحاب التي قد تلقاها العلماء سلفا وخلفا
بالقبول. و (ثانيا) ـ بدلالة كلامه (عليهالسلام) في الفقه
الرضوي على ذلك ، وقد عرفت ان الكتاب معتمد لاعتماد الصدوقين عليه وافتائهما
بعبائره كما عرفت وستعرف ان شاء الله تعالى في المباحث الآتية من هذا الكتاب وكتاب
الصلاة وكتاب الزكاة والصوم والحج. و (ثالثا) ـ بإمكان التأويل في اخبار الثمانية
عشر على وجه لا تصلح به للاستدلال في هذا المجال بان يحمل المطلق من اخبار أسماء
على ما دلت عليه مرفوعة علي بن إبراهيم ورواية الجوهري حمل المطلق على المقيد وما
لم يقبل ذلك فيحمل على التقية وان تضمن العلة في ذلك ، والى ذلك أشار الشيخ ورجحه
المحقق الشيخ حسن في المنتقى الا انه حمل أخبار أسماء وغيرها من اخبار الثمانية
عشر على التقية ، قال بعد ان اختار حمل أخبار أسماء على التقية : «انه يمكن ان
يكون القدر الذي يستبعد فيه ذلك منسوخا لانه متقدم والحكم بالرجوع إلى العادة
متأخر ، وإذا تعذر الجمع تعين النسخ ويكون تقرير الحكم بعد نسخه محمولا على التقية
لما قلناه من ان في ذلك تقليلا للمخالفة ، ومع تأدي التقية بالأدنى لا يتخطأ إلى
الأعلى» انتهى. وظني ان ما ذكرناه
في اخبار أسماء أقرب. و (رابعا) ـ ان
الحكم بالرجوع إلى العادة في الاخبار المتقدمة يدل على ارتباط النفاس بالحيض
واختلاف عادات النساء لا يقتضي أكثر من احتمال كون مدة حيض المبتدأة أقصى العادات
وهي لا تزيد على العشرة ، فالقدر المذكور في اخبار الثمانية عشر من التفاوت بين
المبتدأة وذات العادة لا يساعد عليه الاعتبار الذي هو للجمع ميزان ومعيار. و (خامسا)
ـ ان الظاهر من إنكار الإمامين (عليهماالسلام) في مرفوعة
إبراهيم بن هاشم وخبر الجوهري لخبر الثمانية عشران أخبار الثمانية عشر كملا انما
خرجت بالنسبة إلى ذات العادة وغيرها مطلقا كما قال به من قدمنا نقله عنه ، ولهذا
انه لما رجع له السائل في الخبر الثاني بعد إنكاره (عليهالسلام) خبر الثمانية
عشر فسأله ما حد النفساء؟ اجابه بالرجوع إلى العادة ، ولو كان الثمانية عشر انما
يعمل عليها في بعض الافراد كما ذهب إليه في المختلف لم ينكرها (عليهالسلام) مطلقا بل
يخبره بأنها مخصوصة بالفرد الفلاني دون غيره. و (سادسا) ـ ما ذكره جملة من متأخري
المتأخرين من ان أسماء تزوجت بابي بكر بعد موت جعفر بن أبي طالب (رضياللهعنه)
وكانت قد ولدت منه عدة أولاد ، ويبعد جدا ان لا يكون لها في تلك المدة كلها عادة
في الحيض ، واخبار العشرة وان كانت مطلقة إلا انه يجب حملها على ما ذكرناه من
التفصيل جمعا بينها وبين أخبار العادة.
وبالجملة فالأظهر عندي والأقرب هو ان المعتادة ترجع الى
عادتها بلا اشكال كما عرفت من الاخبار المتقدمة ، واما غيرها فالأمر فيها دائر بين
الثمانية عشر والعشرة واخبار الثمانية عشر قد عرفت ما فيها من التعارض وانه لا
يمكن الجمع بينها إلا بوجه تخرج به عن صحة الاستدلال بها مع تأيد القول بالعشرة
بما ذكرناه من الوجوه فعليه العمل وبه الفتوى.
هذا ، ولا يخفى انه على تقدير القول بالثمانية عشر مطلقا
يلزم طرح اخبار العادة المتقدمة مع ما هي عليه من الكثرة والصحة والصراحة وكذا على
تقدير القول بالعشرة
مطلقا ، قال في الذكرى : «تنبيه :
الأخبار الصحيحة المشهورة تشهد برجوعها الى عادتها في الحيض والأصحاب يفتون
بالعشرة وبينهما تناف ظاهر ، ولعلهم ظفروا باخبار غيرها وفي التهذيب قال : جاءت
أخبار معتمدة في أن أقصى مدة النفاس عشرة وعليها اعمل لوضوحها عندي. ثم ذكر
الأخبار الاولى ونحوها حتى ان في بعضها عن الصادق (عليهالسلام) : «فلتقعد
أيام قرئها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أيام» قال الشيخ : يعني إلى عشرة أيام
إقامة لبعض الحروف مقام بعض. وهذا تصريح بأن أيامها أيام عادتها لا العشرة ،
وحينئذ فالرجوع الى عادتها كقول الجعفي في الفاخر وابن طاوس والفاضل اولى وكذا الاستظهار
كما مر هناك ، نعم قال الشيخ : لا خلاف بين المسلمين في ان عشرة أيام إذا رأت
المرأة الدم من النفاس ، والذمة مرتهنة بالعبادة قبل نفاسها فلا يخرج عنها إلا
بدلالة والزائد على العشرة مختلف فيه ، فان صح الإجماع فهو الحجة ولكن فيه طرح
للأخبار الصحيحة أو تأويلها بالبعيد» انتهى. والتحقيق في المسألة ما قدمناه. والله
العالم بحقائق أحكامه.
(المسألة الثالثة) ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله
عليهم) بان ذات التوأمين فصاعدا يتعدد نفاسها عملا بالعلة لانفصال كل من الولادتين
عن الأخرى فلكل نفاس حكم نفسه ، فان وضعت الثاني لدون عشرة أيام أمكن اتصال
النفاسين ، ولو تراخت ولادة الثاني بحيث يمكن فرض استحاضة بين النفاسين حكم به ،
بل يمكن فرض حيض ايضا وان بعد ، وربما ظهر من بعض العبارات كونه نفاسا واحدا حيث
صرحوا بأنه لو تراخت ولادة التوأمين فعدد أيامها من التوأم الثاني وابتداؤه من
الأول ، وحمل على الغالب من تعاقب ولادتهما فيتحد النفاس بحسب الصورة وإلا ففي
التحقيق لكل واحد نفاس مستقل لما عرفت آنفا ، ويتفرع على كونهما نفاسين ما لو ولدت
الثاني لدون عشرة من ولادة الأول ولم تر بعد ولادة الأول إلا يوما واحدا مثلا
وانقطع في باقي الأيام المتخللة بينهما فإنه يحكم بكونه طهرا وان رأت بعد ولادة
الثاني في العشرة وانقطع عليها بخلاف
ما لو حكم بكونها نفاسا واحدا كما
يقتضيه ظاهر العبارة المتقدمة فإنه يلزم كون الدمين والنقاء المتخلل بينهما نفاسا.
وتردد المحقق في المعتبر في كون الدم الحاصل قبل ولادة الثاني نفاسا بناء على
مذهبه من عدم اجتماع الحيض والحبل ، ثم اختار كونه نفاسا لحصول مسمى النفاس فيه
وهو تنفس الرحم به بعد الولادة فيكون لها نفاسان.
بقي الكلام في الولد الواحد لو تقطع وتعدد خروجه فهل
يحكم بتعدد النفاس على ذلك التقدير أم لا؟ اشكال ، قال في الذكرى : «لو سقط عضو من
الولد وتخلف الباقي فالدم نفاس على الأقرب ، ولو وضعت الباقي بعد العشرة أمكن جعله
نفاسا آخر كالتوأمين ، وعلى هذا لو تقطع بفترات تعدد النفاس ، ولم أقف فيه على
كلام سابق» انتهى أقول : ولم أقف في الاخبار على ما يتعلق بهذه المسألة الا ان ما
ذكروه من تعدد النفاس بتعدد الولادة ربما يمكن الاستناد فيه الى العمومات
المتقدمة. والله العالم.
(المسألة الرابعة) ـ صرح جملة من المتأخرين بأنه لو لم
تر دما ثم رأت في العاشر كان ذلك نفاسا ، وهو بناء على القول بأن أكثر النفاس عشرة
مطلقا ظاهر ، واما على القول بتخصيص المعتادة بأيام عادتها وجعل العشرة لغيرها
فيجب تقييد الحكم المذكور في شموله للمعتادة بما إذا كانت عادتها عشرة أو دونها
وانقطع على العاشر كما صرحوا به والحكم هنا في المعتادة ـ لو كانت عادتها أقل من
عشرة ورأت الدم في العادة ثم انقطع على العشرة فإنه يحكم بكون الجميع نفاسا ـ مبني
على ما تقدم نقله عنهم في الحيض من انه إذا تجاوز العادة وانقطع على العاشر حكم
بكون الجميع حيضا. وقد عرفت ما فيه ثمة.
ولو رأت في العاشر وتجاوز فعلى مذهب من يرى العشرة مطلقا
فإنه يحكم باليوم العاشر خاصة. وعلى القول بالتفصيل بين ذات العادة فعادتها وغيرها
فالعشرة فكذلك أيضا في غير ذات العادة وفي ذات العادة إذا كانت عادتها عشرة ، اما
لو كانت عادتها دون العشرة فإنه لا نفاس لها إلا ما رأته في شيء من أيام العادة ،
وبالجملة فالحكم عندهم هنا تابع للحيض فكما انه مع تجاوز العشرة عندهم يرجع الى
العادة خاصة كذلك هنا
يرجع الى العشرة التي هي بمنزلة
العادة ثمة.
وظاهر المدارك الاستشكال في الحكم الأول أعني الحكم
بالنفاس على الدم الذي تراه اليوم العاشر خاصة ، قال بعد ذكر المسألة : «واعلم ان
هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، وهو محل اشكال لعدم العلم باستناد هذا الدم
إلى الولادة وعدم ثبوت الإضافة إليها عرفا».
أقول : هذا الاشكال لو تم لا خصوصية له بهذه المادة بل
يجري فيما تراه في العادة ، فإنها لو كانت ذات عادة وحكمنا بتنفسها بأيام عادتها
وولدت ثم لم تر دما إلا في اليوم الثالث أو الرابع مثلا فإنه لا يعلم ايضا استناده
إلى الولادة لانفصاله عنها وعدم ثبوت الإضافة إليها عرفا ، فعلى هذا يختص النفاس
بما يصاحب خروج الولد أو يكون بعده بلا فصل وهو بعيد غاية البعد عن ظواهر الأخبار
المتقدمة ، فإن ظاهر الحكم بالتنفس أيام العادة أعم من ان يكون أول الدم من
الولادة أم بعد ذلك من أيام العادة ، وقضية إلحاق النفاس بالحيض ـ وانه حيض في
المعنى يترتب أحكام الحيض عليه ـ هو الحكم بالنفاس على الدم الحاصل بعد الولادة في
أي وقت من أيام العادة ان كانت ذات عادة أو العشرة بناء على ما حققناه آنفا لغير
ذات العادة من العمل على العشرة ، ويؤيده قوله (عليهالسلام) في صحيحة
زرارة (1) : «ان الحائض
مثل النفساء سواء». وحينئذ فكل دم رأته في ضمن هذه المدة أولا أو آخرا أو وسطا
فإنه يحكم عليه بكونه نفاسا ، وقد تقدم منه ما يشير الى ذلك ايضا عند قول المصنف :
«ولو ولدت ولم تر دما. إلخ» حيث قال : «المراد انها لم تر دما في الأيام المحكوم
بكون الدم الموجود فيها نفاسا» وبالجملة فإنه يحكم على هذا الدم بالنفاس في الصورة
المذكورة على قياس الحيض كما لو رأت في أيام العادة ، غاية الأمر أنه لا بد في
الحكم بكونه حيضا من بلوغ الثلاثة التي هي أول الحيض ليحكم بكونه حيضا واما النفاس
فلا حد لأقله كما عرفت ، وبذلك يظهر ان ما ذكره
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاستحاضة.
الأصحاب وقطعوا به هو الموافق لمقتضى
القاعدة المقررة إلا ان المسألة حيث كانت عارية عن النصوص بالخصوص فلا ينبغي إهمال
الاحتياط فيها.
وقد صرحوا أيضا بأنه لو رأت الأول والعاشر خاصة كان
الدمان وما بينهما من النقاء نفاسا ، وهو مبني على ما صرحوا به في الحيض من انها
لو رأت ثلاثة فانقطع ثم رأت العاشر فانقطع فإن العشرة حيض ، قال في الذخيرة بعد
نقل الحكم المذكور : «وان لم يثبت إجماع على الكلية المذكورة كان للتأمل في الحكم
المذكور مجال لفقد النص الدال عليه» أقول : وفيه زيادة على ما ذكره ما تقدم تحقيقه
في هذه المسألة في باب الحيض من ان الحكم على النقاء المتخلل بين الدمين بكونه
حيضا محل بحث ، وبه يظهر ما في التفريع عليه وإلحاق النفاس به في ذلك.
ولو فرض تجاوزه العشرة في الصورة المذكورة فالحكم فيه
عندهم كما تقدم من انها ان كانت مبتدأة أو مضطربة أو عادتها عشرة فالعشرة نفاس
والا فنفاسها الدم الأول خاصة إلا ان يصادف الثاني جزء من العادة فيكون جميع
العادة نفاسا لوجود الدم في طرفيها وما بينهما أقل من عشرة فيكون الجميع نفاسا على
قياس الحيض. وفيه ما عرفت. والله العالم.
(المسألة الخامسة) ـ صرحوا بان حكم النفساء كالحائض في
كل الأحكام الواجبة والمندوبة والمحرمة والمكروهة لأنه في الحقيقة حيض احتبس ،
ونفى في المنتهى الخلاف فيه بين أهل العلم مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، وفي المعتبر
انه مذهب أهل العلم لا اعلم فيه خلافا.
وقد استثنوا من ذلك أشياء : (الأول) ـ الأقل للإجماع على
ان أقل الحيض ثلاثة ولأحد في جانب القلة للنفاس كما تقدم. وهو كذلك.
(الثاني) ـ الأكثر للخلاف في أكثر النفاس كما تقدم بخلاف
الحيض فإن أكثره عشرة اتفاقا نصا وفتوى.
(الثالث) ـ ان الحيض دليل على سبق البلوغ بخلاف النفاس ،
فإن الدلالة حصلت بالحمل لأنه أسبق من النفاس فدل على سبق البلوغ على الوضع لستة
أشهر فما زاد ، قال في الروض : «وهذا الوجه ذكره المصنف في النهاية وتبعه عليه في
الذكرى ، وفيه نظر لأن دلالة الحمل عليه لا تمنع من دلالة النفاس أيضا لإمكان
اجتماع دلالات كثيرة. لأن هذه الأمور معرفات شرعية لا علل عقلية فلا يمتنع
اجتماعها ، كما ان الحيض غالبا لا يوجد إلا بعد سبق البلوغ بغيره» أقول : الظاهر
ان كلام شيخنا المشار اليه هنا لا يخلو من نظر ، فان الظاهر من كلام الأصحاب ان
المراد بالدلالة على البلوغ انما هو باعتبار ترتب الأحكام من العبادات والحدود
ونحو ذلك على العلم بالبلوغ ، فبأي شيء يعرف ما يترتب عليه هذه الأحكام؟ لا ان
المراد الدلالة في الجملة ، ولا ريب انه متى حصل الحمل للمرأة فقد علم به البلوغ
وترتب الأحكام المذكورة عليه فلا ثمرة في دلالة النفاس حينئذ ولا اثر لهذه الدلالة
لمعلومية البلوغ قبله. واما ما ذكره ـ من ان الحيض غالبا لا يوجد إلا مع سبق
البلوغ بغيره ـ ففيه انا لا نقول بكون الحيض مطلقا دليلا على البلوغ أو على سبق
البلوغ وانما نقول بذلك فيمن جهل سنها ، واما من علم بلوغها التسع فان الحيض بعده
لا اثر له في الدلالة كما أشرنا إليه فيما تقدم في المسألة الخامسة من المقصد
الأول من الفصل الثاني في غسل الحيض (1) وبذلك صرح الأصحاب أيضا.
(الرابع) ـ ان العدة تنقضي بالحيض دون النفاس ، وذلك لان
انقضاء العدة انما يحصل بوضع الولد وان لم تر دما بالكلية فلو وضعت من غير نفاس
خرجت من العدة فلا دخل للنفاس في انقضائها بخلاف الحيض ، نعم هذا الحكم جار على
الغالب ووجه التقييد بالغالب انه ربما اتفق انقضاء العدة بالنفاس نادرا كما في
الحامل من الزنا إذا طلقها زوجها ، فإنه لو تقدمها قرءان سابقان على الوضع بناء
على مجامعة الحيض للحمل ثم رأت بعد الوضع نفاسا عد في الأقراء وانقضت به العدة ولو
لم يتقدمه قرءان عد في الأقراء.
__________________
(1) ص 170.
(الخامس) ـ ان الحائض ترجع الى عادتها في الحيض عند
تجاوز العشرة بخلاف النفساء فإنها لا ترجع إلى عادة النفاس وانما ترجع إلى عادة
الحيض. أقول : لا يخفى ان النفاس ليس له أثر عادة يبنى عليها في مادة من المواد
لما عرفت آنفا من ان ذات العادة تبني على عادتها وغيرها على العشرة وهكذا بالنسبة
إلى سائر الأقوال المتقدمة ، ومن ذلك يعلم انه ليس في النفاس عادة.
(السادس) ـ ان الحائض ترجع إلى عادة نسائها على بعض الوجوه بخلاف النفساء فإنها لا ترجع الى ذلك عند الأصحاب ، وقد تقدم في موثقة أبي بصير (1) الدلالة على الرجوع في النفاس إلى نسائها ، ونسبها في الروض وقبله العلامة في المنتهى الى الشذوذ. قال في المنتهى : «وهل ترجع إلى عادة أمها وأختها في النفاس؟ لا نعرف فتوى لأحد ممن تقدمنا في ذلك» ثم نقل موثقة أبي بصير وردها بالشذوذ وضعف السند ، ثم قال : «والأقوى الرجوع الى أيام الحيض» أقول : وهو جيد لما تقدم من ان ذات العادة تتنفس بعادتها في الحيض وغيرها بالعشرة أو الثمانية عشر على الخلاف.
__________________
(1) ص 315.