الرسالة الصلاتية - الصلاة
الباب الثاني
وفيه مطالب:
اعلم أن الفرائض سبع عشرة ركعة بإجماع المسلمين والضرورة من الدين فللظهر أربع ركعات وللعصر مثلها وللمغرب ثلاث وللعشاء أربع ركعات وللصبح اثنتان.
وأما النوافل فأكثر الأخبار وأشهرها على أنها أربع وثلاثون ركعة، وقد وردت الأخبار بأنه لما كان الغرض من النافلة تتميم الفريضة واستدراك ما يفوت منها بعدم الإقبال عليه لأنه قد ورد أنه لا تقبل الصلاة إلا ما أقبل عليه بقلبه، فربما يرفع من الصلاة ثلثها أو ربعها أو أقل أو أكثر باعتبار الإقبال وعدمه، والشارع لمزيد لطفه وكرمه وضع النافلة وجعل بإزاء كل ركعة من الفريضة ركعتين من النافلة تسد مسدها متى حصل خلل في الإقبال عليها، فلذا صار عدد النافلة أربعاً وثلاثين ركعة، ثمان قبل الظهر وثمان قبل العصر وأربع بعد المغرب وركعتان بعد العشاء الآخرة وهي الوتيرة تعدان بركعة وثلاث عشرة صلاة الليل.
والمفهوم من الأخبار أن الوتيرة ليست من الرواتب الموظفة وإنما زيدت وجعلت ركعتين بحساب ركعة لأجل أن ينتظم بها العدد ويصير في مقابلة كل ركعة من الفريضة ركعتان من النافلة، ولهذا إن الظاهر من الأخبار وإن كان خلاف ما هو مشهور بين علمائنا الأبرار إنها لا تسقط سفراً بتقصيرها كما سقطت نوافل الظهرين بتقصيرهما.
ثم إنه قد ورد في الأخبار ما يدل على الرخصة في سقوط بعض النوافل والنقصان عن أربع وثلاثين فروي أنها ثلاث وثلاثون بإسقاط الوتيرة، وروي أنها تسع وعشرون بإسقاط الوتيرة وأربع من العصر، وروي أنها سبع وعشرون بإضافة ركعتين من نافلة المغرب إلى ما تقدم والجمع بينها بالحمل على ترتب الفضل وتأكده، إذ ليس فيما دل على الأقل نفي استحباب الأكثر وإنما المراد أن العدد الأول أكد استحباباً من غيره فلا ينبغي النقيصة.
ثم اعلم إن المستفاد من الأخبار استحباب التطويل في النافلة والتالي فيها والإقبال عليها وما اشتهر بين الناس لاسيما في هذه الأوقات من المساهلة فيها حتى إنهم لا يتمون ركوعها ولا سجودها فهو ناشئ عن ضعف الإيمان وعدم المعرفة بمن هو المقصود بها وبمن تهدى إليه، والنافلة مثل الفريضة متى لم يتم ركوعها ولا سجودها فهي باطلة بلا إشكال فإذا ركع ينبغي أن يتم ركوعه وإذا رفع رأسه ينبغي أن ينتصب معتدلاً وإذا سجد ثم رفع رأسه ينبغي أن يجلس مطمئناً ثم يعود إلى السجدة الثانية، نسأل الله التوفيق لنا ولإخواننا المؤمنين بما يوجب الزلفى لديه في الدنيا والدين.
الفصل الثاني
في الأوقات
ووقت الظهر -وهي أول الفرائض التي أوجبها الله على نبيه صلّى اللّه عليه وآله-زوال الشمس عن دائرة نصف النهار، وهي القاسمة للفلك نصفين شرقي وغربي إلى طرف المغرب ويعرف ذلك بعلامات:
منها: ما إذا استقبل نقطة الجنوب فإذا كانت الشمس بين الحاجبين فهي على دائرة نصف النهار وإذا مالت إلى الحاجب الأيمن فقد حصل الزوال وخروجها عن الدائرة المذكورة.
ومنها: أن ينصب شاخصاً قبل الزوال ويلاحظ ظل الشاخص ويعلم كل ساعة على رأسه علامة فما دام الفيء يأخذ في النقصان فالشمس لم تزل فإذا ابتدأ في الزيادة علم بذلك زوالها.
والمشهور بين الأصحاب أن الظهر يختص من أول الوقت بقدر أريع ركعات بنسبة حال المكلف من قصر أو تمام واستكمال الشرائط وعدمه ومن عادته في تطويل الصلاة وعدمه، وبالجملة فهذا الوقت لا انضباط له في حد ذاته وإنما يتفاوت بتفاوت حال المكلف في هذه الأمور والمحصل إنه لو اشتغل بالفرض كامل الشرائط أو سعى في تحصيل الشرائط أولاً لأتمه فهذا القدر المستوعب لذلك هو قدر الأربع في حقه بحسب حاله، وإن زاد أو نقص باعتبار حال غيره لا بمعنى أربع ركعات كيف اتفق، فإذا مضى هذا المقدار اشترك الوقتان إلى قبل الغروب بقدر أربع ركعات فيختص بالعصر على نهج ما تقدم في قدر الأربع التي في أول الوقت.
وقيل أنه متى زالت الشمس دخل الوقتان معاً الظهر والعصر إلى غروب الشمس إلا أن هذه قبل هذه بمعنى أن الواجب الترتيب بينهما وتقديم الظهر على العصر وأكثر الأخبار تدل على هذا القول وتظهر فائدة الخلاف في مواضع:
منها: لو صلى العصر في أول الوقت قبل الظهر ناسياً فإنها تقع باطلة على القول المشهور لأنه وقت مختص بالظهر وصحيحة على قول الثاني لأنه وقت لهما معاً، غاية الأمر أن الواجب عليه الترتيب بينهما وتقديم الظهر، وقد أخل بذلك نسياناً كما لو أخل بواجب من واجبات الصلاة نسياناً فإن صلاته صحيحة.
ومنها: لو كان في يوم غيم وظن دخول الوقت فصلى الظهر والعصر ثم انكشف أن صلاة العصر كانت في ذلك الوقت المختص بالظهر فإنها تكون باطلة على القول المشهور، وصحيحة القول الثاني إلى غير ذلك من الفروع الكثيرة.
ويستحب التنفل قبل الظهر بثماني ركعات وهي صلاة الأوابين وقبل العصر بثمانٍ أيضاً.
وقد اختلف الأصحاب في تحديد وقت النافلة فقيل إن حد النافلة الظهر ومنتهاه إلى بلوغ قدمين من الزوال وهو ذراع بمعنى كون الظل الزائد بالنسبة إلى قامة الإنسان التي هي سبعة أقدام بأقدامه ينتهي إلى قدمين فإذا انتهى إلى قدمين وجب تقديم الفريضة وخرج وقت النافلة، وقيل انه يمتد وقتها إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، وقيل يمتد بامتداد الفريضة وقس على ذلك نافلة العصر، فعلى القول الأول أربعة أقدام، وعلى القول الثاني إلى المثلين، وعلى القول الثالث إلى ما يسع النافلة قبل أداء الفريضة، والمعتمد هو القول الأول وعليه العمل.
ووقت المغرب غروب الشمس المعلوم بزوال الحمرة المشرقية وانتقالها إلي طرف المغرب على الأشهر الأظهر وقيل بأنه عبارة عن استتار القرص في الأفق عن الناظر مع عدم الحائل، واستدل عليه بظواهر جملة من الأخبار.
والتحقيق: إن جملة منها يمكن حملها علي أخبار القول المشهور، وما كان منها صريحاً فهو محمول على التقية لإطباق العامة قديما وحديثا على القول بذلك، وقد استفاضت الأخبار بالأخذ بخلافهم.
ويستحب التنفل بعدها بأربع ركعات، والمشهور أن وقتها إلى ذهاب الشفق المغربي ولم نقف له على دليل، وقيل بامتداده امتداد وقت الفريضة وهو الأقوى وعليه الفتوى.
والكلام هنا في اشتراك الوقت من أوله بين المغرب والعشاء إلى انتصاف الليل واختصاص المغرب من أوله بقدر ثلاث ركعات على نهج ما سبق في الظهر، ثم يشترك الوقتان إلى قبل الانتصاف بقدر أربع ركعات فيختص بالعشاء جار على ما جرى في وقت الظهر، ويتفرع على الخلاف هنا ما ذكرنا هناك.
وزيادة على ما تقدم انه لو سها ونام حتى لم يبق من الوقت إلا قدر أربع ركعات فإنه على القول المشهور يجب عليه صلاة العشاء خاصة ثم يقضي المغرب، وعلى القول الثاني يجب عليه صلاة المغرب أولاً ثم تصلي العشاء أداء باعتبار إدراك ركعة من الوقت وإن وقع الباقي في خارج الوقت لأن من أدرك من الوقت ركعة أدرك الوقت كله.
ويستحب أن يصلي بعد العشاء ركعتين من جلوس وهي صلاة الوتيرة المعدودة بركعة قائماً لإتمام عدد النوافل وهي مستحبة سفراً وحضراً كما أشرنا إليه آنفاً خلافاً لما هو المشهور بين الأصحاب من سقوطها سفراً.
ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس فإذا طلعت كانت قضاء.
ووقت صلاة الليل من بعد الانتصاف إلى طلوع الفجر الثاني، وهي ثماني ركعات صلاة الليل وإن أطلقت على مجموع الثلاث عشرة تجوزاً، وثلاث ركعات صلاة الوتر وركعتا الفجر ويستحب إيقاع الوتر في الفجر إلى الأسفار، والأظهر عندي إن آخر وقتها الفجر الثاني، فمتى طلع الفجر بدأ بالفريضة لصحيحة زرارة وما عارضها محمول على التقية كما تدل عليه رواية أبي بصير.
وأما أول وقتها فقبل طلوع الفجر الأول وإن وردت الرخصة في دسّها في صلاة الليل ولو قبل ذلك الوقت، وقيل أنه بعد الفراغ من صلاة الليل والكل حسن.
الفصل الثالث
في المكان
يشترط في مكان المصلي أن لا يكون غصباً بأن يكون مملوكاً للمصلي عيناً أو منفعة أو مأذوناً فيه صريحاً كقوله صل في هذا المكان أو فحوى كالضيف ونحوه، أو بشاهد الحال كالصحارى التي يعلم من مالكها عدم المضايقة في الصلاة فيها، وجوّز بعض علمائنا الصلاة في المكان المغصوب وإن أثم بالتصرف فيه ودليله لا يخلو من قوة إلا أن الأحوط الذي عليه الفتوى العدم.
ويشترط أن يكون خالياً من النجاسة المتعدية إلى ثوب المصلي وبدنه والمشهور بل الظاهر انه إجماع بينهم اشتراط طهارة موضع الجبهة من متعدية وغيرها، ولم نقف له على دليل صريح إلا أنه الأوفق بالاحتياط وقيل باشتراط طهارة جميع مكان المصلي وقيل باشتراط طهارة مواضع المساجد السبعة، ولم نقف لهما على دليل.
ويشترط أن يكون السجود على الأرض أو ما أنبتت مما لا يؤكل ولا يلبس عادة، وقد ورد النص بجواز السجود على القرطاس وقال به الأصحاب وهو مستثنى من القاعدة المذكورة.
وقد اختلف أصحابنا في جواز السجود على القطن والكتان اختياراً والأشهر الأظهر المنع، وفي جواز السجود على الخزف تردد لما أشرنا إليه سابقاً من الشك في بقائه على الأرضية وخروجه عنها بالطبخ.
والأفضل مساواة الموقف لموضع السجود وإن جاز التفاوت بينهما ارتفاعاً وانخفاضاً بقدر اللبنة وهي قدر أربعة أصابع مضمومة كما نص عليه الأصحاب.
وفي جواز محاذاة المرأة للرجل في الصلاة أو تقدمها عليه قولان، فقيل بالتحريم وقيل بالجواز على كراهية والأقرب الأول وعليه الفتوى، ويزول ذلك بالبعد بينهما بقدر عشرة أذرع أو حائل أو تقدم الرجل ولو بصدره أو حيث يكون سجودها في محاذاة ركوعه.
الفصل الرابع
في اللباس
يجب على المصلي ستر العورة وهي من الرجل القبل والدبر والأنثيان ، وقيل من السرة إلى الساق ولم نقف لهما على دليل والعمل على الأول.
ومن المرأة الحرة جميع البدن عدا الوجه والكفين والقدمين والظاهر أنه لا فرق بين ظاهرهما وباطنهما.
وأما الأمة فيجوز لها كشف الرأس بل ظاهر بعض الأخبار كراهة ستره.
ويشترط في لباس المصلي أن يكون غير مغصوب حسبما تقدم التفصيل في المكان وقيل بصحة الصلاة في المغصوب أيضاً حسبما عرفت، ثم وإن أثم والكلام في الموضعين واحد .
ويشترط أن لا يكون حريراً خالصاً للرجل إلا مع الضرورة الموجبة إلى لبسه فإن الضرورات تبيح المحظورات، وفي جواز ذلك للمرأة قولان المشهور الجواز وقيل بالعدم كالرجل وهو أحوط ، لأن في الأخبار ما يدل عليه.
وفي جواز الصلاة في الحرير الذي لا يتم الصلاة فيه كالتكة والقلنسوة ونحوهما قولان: المشهور الجواز على كراهة وقيل بالتحريم وهو قوي والاحتياط يقتضيه.
وأن لا يكون متخذاً من غير المأكول بأن يصلي في جلده أو شعره أو وبره إلا وبر الخز إجماعا وجلده على الأظهر فيجوز الصلاة فيهما للنص الدال على خروجه واستثنائه.
وهنا أشياء أخر وقد اختلفت النصوص فيها جوازاً ومنعاً واختلفت كلمة الأصحاب كذلك.
منها السنجاب جلده ووبره، والثعالب والأرانب والمسألة محل تردد والاحتياط فيها واجب لتعارض الأدلة وتصادم الجمع بينها.
وأن لا يكون متخذاً من جلد ميتة ذي النفس السائلة، وذهب بعضهم إلى التحريم وإن لم يكن الميتة من ذي النفس والظاهر ضعفه وتحريم الصلاة فيه وإن كان مما لا تتم الصلاة فيه.
وأن لا يكون ذهباً فو صلّى فيه خالصاً كان أو مموهاً به الثوب أو منسوجاً به كانت صلاته باطلة ولا خلاف في تحريم لبسه على الرجال أيضاً ولو في غير الصلاة، ولو لم يتم الصلاة فيه كالخاتم والمشهور أيضاً التحريم وبطلان الصلاة، وقيل بصحة الصلاة والأول أظهر لتصريح النصوص بالنهي عن الصلاة فيه ولو كان الخاتم مموهاً به فالأظهر أيضاً ذلك ومال بعض مشايخنا إلى العدم.
وضابط الستر ما لم يحك اللون وفيما يحكى الحجم احتمال والاحتياط لا يخفى.
ولا تسقط الصلاة بتعذّر الساتر بل يصلي عارياً إجماعا، نعم وقع الخلاف في أنه يصلي قائماً مطلقاً مومئا للركوع والسجود برأسه أو قاعداً كذلك أو التفصيل بأنه إن أمن المطلع صلى قائماً وإلا جالساً أقوال أشهرها الأخير ولعله الأظهر.
والأحوط عدم الصلاة في فضلة مالا يوكل لحمه من الشعر والوبر الملقى على الثوب والروث واللبن والمخاط والريق ونحو ذلك.
وأما شعر الإنسان نفسه بالنسبة إليه وإلى غيره فالأظهر عدم تناول الحكم له وكذا عرقه وريقه وأظفاره ونحو ذلك وكذا ما لا نفس له سائلة فالظاهر عدم تناول الأخبار له فلا بأس بالصلاة في الشمع المتخذ من العسل في خاتم كان أو على ثوب وبالجملة فالأظهر استثناء هذين الفردين من الحكم المذكور.
الفصل الخامس
في القبلة
يجب على المصلي استقبال القبلة وهي عبارة عن عين الكعبة لمن يشهدها وجهتها لغيره،. وقيل أنها عبارة عن عين لمن في المسجد والمسجد لمن في الحرم والحرم لمن بعد، وبه جملة من الأخبار والظاهر انطباق الأخبار على القول الأول أيضاً، وإن التعبير خرج فيها مخرج التجوز، وكيف كان فالأول أحوط.
ويجوز التعويل على قبلة البلد التي بنيت عليها مساجدها ودفنت أمواتها ما لم يعلم الغلط فيها.
ولو كان في بر أو بحر واشتبهت عليه القبلة عول على الأمارات الموجبة لظن القبلة من النجوم وطلوع الشمس والقمر عند غروبهما ونحوهما مما يفيده ظناً بذلك.
ولو خفيت الأمارات اجتهد وتحرّى ما يودي إليه ظنه وعمل عليه وإن تعذر عليه ذلك، فالمشهور أنه يصلي إلى أربع جهات وقيل بالصلاة إلى أي جهة شاء وهو الأظهر المؤيد بالأخبار.
والأعمى يقلد من يفيده قوله الظن أعم من أن يكون عدلاً أو غيره.
ومن صلى معتمداً على الظن ثم تبين له الانحراف عن جهة القبلة فإن كان ذلك في أثناء الصلاة والحال أن انحرافه لم يبلغ إلى محض اليمين أو الشمال أو إلى ما خرج منهما إلى دبر القبلة استقبل الصلاة.
وإن كان تبين الانحراف إنما وقع بعد الفراغ من الصلاة فإنه يعيد في الوقت خاصة لا في خارجه ما تبين الانحراف إلى محض اليمين أو الشمال أو ما خرج عنهما إلى دبر القبلة دون ما لم يبلغ محض اليمين أو الشمال فإنه لا إعادة عليه في الوقت ولا في خارجه، وقيل بوجوب القضاء على المستدبر في هذه الصورة، وهو أحوط وإن كان دليله قاصراً عن إفادة ذلك.
الفصل السادس
في الأذان والإقامة
وهما مستحبان مؤكدان في الصلاة اليومية على الأشهر الأظهر، وإن كانت الإقامة أكد، بل ربما ظهر من الأخبار ما يشعر بالوجوب فيها وقيل بوجوبهما في بعض الصلوات كصلاة الجماعة والصلاة الجهرية وخصوصاً الغداة والمغرب، وفي المسألة أقوال أخر لا فائدة في التطويل بنقلها والمعتمد هو القول الأول وما استندوا إليه من الأخبار في هذه الأقوال محمول على تأكد الاستحباب جمعاً بينه وبين ما عارضه مما هو صريح في الاستحباب.
ويستحب أن يكون كل من الأذان والإقامة على طهارة وهو في الإقامة آكد إذ لم يرخّص في الإتيان بها دون ذلك، وأن يكون قائماً مستقبل القبلة وهو في الإقامة أيضاً كما تقدم معللاً بأنه في صلاة ومنها نشأ ما قدمنا الإشارة إليه.
ويستحب الترتيل في الأذان بالتأني فيه وإطالة الوقوف والحدر في الإقامة وهو الإسراع فيها.
ويكره الكلام في خلالهما، ويكره الكلام بعد الإقامة كراهة مؤكدة، وقيل بالتحريم استناداً إلى بعض الأخبار إلا أن موردها الجماعة فإنها دلت على تحريم الكلام لأهل المسجد بعد الإقامة إلا بما يتعلق بالصلاة من تقديم إمام أو نحوه، وحينئذٍ فالاستناد إليها في عموم التحريم حتى للمنفرد ليس في محله.
وقد وردت الرخصة بسماعهما عن الإتيان بهما ما لم يتكلم وموردها الجماعة إلا أن ظاهر الأصحاب العموم.
ولو صليت جماعة في مسجد ثم بعد فراغها أتت جماعة أخرى فلهم الصلاة جماعة على الأشهر الأظهر، ولكنهم يكتفون بأذان الأولى وإقامتها، وقيل بتحريم الصلاة جماعة مرة أخرى.
وكذا يجتزي المنفرد لو دخل ولم يتفرق الصفوف كملاً بل كان الباقي أكثرهم، ولو أذن وأقام أيضاً فلا بأس.
ويسقط الأذان أيضاً لو جمع بين الصلاتين في وقت واحد ولم يفصل بينهما بنافلة ومنه يوم الجمعة لعدم النافلة في ذلك الوقت، ويسقط أيضاً في الجمع بين الظهرين في عرفات، وبين العشائين في المزدلفة.
وهل السقوط في مواضع الجمع عزيمة فيحرم الإتيان به أو رخصة، فيجوز الإتيان به قولان: وفي الأول قوة.
ومن نسي الأذان والإقامة في صلاته استحب له الرجوع لهما متى ذكر ما لم يركع، فإذا ركع مضى في صلاته، ويتأكد الرجوع لهما معاً ما لم يقرأ ويستحب الفصل بين الأذان والإقامة بركعتين أو جلسة أو سجدة أو تسبيح والمشهور عد الخطوة أيضاً وهي مروية في كتاب الفقه الرضوي.
وصفة الأذان على المشهور أن يكبر أربع تكبيرات ثم الشهادة التوحيد ثم الشهادة بالرسالة، ثم حي على الصلاة ثم حي على الفلاح ثم حي على خير العمل ثم التكبير ثم التهليل كل مثنى مثنى.
وكذا فصول الإقامة ترتيباً وعدداً إلا أنه ينقص من أولها تكبيرتان ومن آخرها تهليلة، وتزيد بعد الحيعلات قد قامت الصلاة مرتين، وقيل غير ذلك وظواهر الأخبار هنا مضطربة جداً على وجه لا يمكن جمعها والعمل على المشهور.
المطلب الثاني
في كيفيتها
وفيه مسائل:
الأولى: يستحب للمصلي بعد الإقامة التوجّه بسبع تكبيرات بينها أدعية ثلاثة، أحدها تكبيرة الإحرام فيكبر ثلاث تكبيرات ثم يقول: اللهم أنت الملك الحق المبين لا إله إلا أنت سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
ثم يكبّر تكبيرتين ويقول: لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك، والمهدي من هديت لا ملجأ إلا إليك، سبحانك وحنانيك تباركت وتعاليت، سبحانك رب البيت.
ثم يكبّر التكبيرتين ويقول: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
والمشهور بين الأصحاب أن المكلف مخير في عقد الإحرام بأيها شاء وإن الأفضل جعله الأخيرة، والذي ظهر لي من الأخبار بعد إمعان النظر فيها أن تكبيرة الإحرام منها هي الأولى، والأحوط للمكلف جعلها الأولى.
وهي ركن إجماعا تبطل الصلاة بتركها عمداً وسهواً، وما ورد في شواذ الأخبار من صحة الصلاة مع نسيانها متأول وغير معمول على ظاهره عند الطائفة المحقّة.
ويجب الإتيان بها حال الانتصاب والقيام معتدلاً إلا لعذر فيأتي بالممكن.
ويستحب أن يرفع يديه لها وكذا بباقي التكبيرات محاذياً بها وجهه، وأكمل الرفع أن يبلغ الأذنين وأدناه إلى نحره مستقبلاً بباطن كفيه القبلة، وقيل بوجوب رفع اليدين في التكبيرات التي في الصلاة كلها ولا يخلو من قوة ، والاحتياط يقتضي المحافظة عليه، ولتكن تكبيرة الإحرام بعد النية والأمر فيها سهل عندنا كما قدمنا الإشارة إليه، فلذا لم نفرد لها كلاماً وبحثاً على حيالها، وقد قدمنا إنما اعتبروه فيها من القيود التي أوجبت طول البحث فيها لا دليل على شيء منه غير قصد القربة والإخلاص لله سبحانه.
بقي الكلام هنا في أنه قد صرح جملة من الأصحاب بل الظاهر أنه المشهور عندهم بأنه لو قصد بعبادته تحصيل الثواب أو النجاة من العقاب فهي باطلة، وهو في محل المنع بل هي صحيحة بلا إشكال، كما اختاره جملة من محققي متأخري المتأخرين، وقد حققنا الكلام فيه في محل أليق.
الثانية: من جملة واجبات الصلاة القيام، وهو عبارة عن الإنتصاب معتدلاً بحيث يقيم صلبه، والمشهور أنه ركن ، وقد اختلفوا في تعيين القدر الركني منه على أقوال ليس في التعرض لها كثير فائدة بعد الإحاطة بمبطلات الصلاة ومصححاتها كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
ويجب أن يكون مستقراً، وهل يجب أن يكون مستقلاً غير معتمد على شيء؟ أو يجوز الاعتماد اختياراً؟ قولا: والمشهور الأول ، وفي الثاني قوة إلا أن الاحتياط في العمل بالقول المشهور.
ولو عجز عن القيام مستقلاً جاز الاعتماد اتفاقاً نصاً وفتوى.
ولو عجز عن أصل القيام فإن أمكن الإتيان به في بعضها أتى بالممكن، وإن لم يمكنه القيام بالمرة صلى جالساً، ولو عجز عن الجلوس يصلي مضطجعاَ على جانبه الأيمن، وإن تعذّر فعلى الأيسر، فإن تعذر استلقى، وفي جميع حالات الاضطجاع يومي برأسه إلى الركوع والسجود، جاعلاً الإيماء للسجود أخفض من الإيماء للركوع، وإن تعذر عليه الإيماء جعل الركوع والسجود تغميض عينيه والرفع منهما فتحهما، وكذا يجعل القيام للنية وتكبيرة الإحرام والقراءة فتحهما، وبالجملة فالتغميض إنما يقع بدلاً من الركوع والسجود خاصة.
ولو تجددت قدرة العاجز في أثناء الصلاة انتقل إلى الحالة العليا، كما انه لو تجدد عجز القادر في أثنائها انتقل إلى الحالة الدنيا.
الثالثة: يجب قراءة الحمد في الثنائية وأولى غيرها، وقيل بالركنية وهو ضعيف.
وهل تجب السورة أو بعدها أو تكون مستحبة؟ قولان والمسألة عندي محل تردد لتعارض الأخبار فيها على وجه يعسر الجمع بينها، ومن ذهب إلى الوجوب حمل أخبا العدم على التقية، ومن ذهب إلى العدم حمل أخبار الوجوب على الاستحباب.
ولا ريب في أن الحمل الأول أنسب بالقواعد المروية، إلا أن أخبار الوجوب مع ضعف أسانيد أكثرها لا صراحة فيها في الوجوب، وأخبار العدم صريحة صحيحة، وبالجملة فأنا في المسألة من المتوقفين، والاحتياط فيها واجب عندي لاشتباه الحكم من أدلة المسألة، وحينئذٍ الأحوط الوجوب ما لم يفت بها الوقت فيقتصر على الحمد اتفاقاً، وكذا يسقط الوجوب في حال الضرورة من خوف أو مرض اتفاقاً وفتوى ورواية في الموضعين، والخلاف فيها وجوباً واستحباباً إنما هو فيما عدا الموضعين المذكورين.
والمشهور بين الأصحاب تحريم قراءة سورة العزيمة في الفريضة وقيل بالجواز وأكثر الأخبار وأصحها يدل على الجواز، وحينئذ فيحتمل العمل بأخبار الجواز كما هو القول الثاني، وحمل الأخبار النافية على الكراهة، ويحتمل العمل على الأخبار الدالة على المنع وحمل ما دل على الجواز مطلقاً على النافلة، وما كان صريحاً في الجواز على التقية، والمسألة لذلك عندي محل تردد والاحتياط بالعدم فيها واجب.
والمشهور بين المتأخرين كراهة القِران وهو أن يقرن بين السورتين في كل ركعة، وقيل بالتحريم، وهو الأظهر عندي من الأخبار، وعليه العمل.
ويجب الجهر بالقراءة في الصبح وأوليي العشائين والإخفات في الباقي على الأشهر والأظهر وقيل بالاستحباب وهو ضعيف.
ولو أخل المكلف بهما جهلاً أو نسياناً فلا شيء عليه.
والمشهور تحريم الجهر بالقراءة بل وغيرها من أفعال الصلاة على المرأة مع سماع الأجنبي لصوتها، قالوا لأن صوتها عورة مثل بدنها، وإنها تتخيّر بين الجهر والإخفات مع عدم السماع هذا في الصلاة الجهرية، وأما في الإخفاتية فيجب عليها الإخفات بناءاً على القول بالوجوب.
وفي هذا التفصيل نظر فإنه لم يقم لنا دليل على ما ادعوه من تحريم سماع الأجنبي لصوتها مطلقاً بل الأدلة على خلافه.
نعم يحرم ذلك مقام الريبة والتلذذ، وكذا قولهم بوجوب الإخفات عليها في الإخفاتية ، وبالجملة فما ذكروه وإن كان فيه ما عرفت إلا أن الاحتياط في العمل به، وأما الأذكار الباقية فيتخير المكلف فيها بين الجهر والإخفات، نعم إذا كان مأموماً فالأفضل له الإخفات.
ويجب القراءة بأحد القراءات السبع المشهورة.
والمشهور بل الظاهر الاتفاق عليه أن يتخير في أخيرتي الرباعية وثالثة المغرب بين التسبيح وبين القراءة، وإنما الخلاف في الأفضل منهما على أقوال ستة، والظاهر عندي أفضلية التسبيح مطلقاً بل لولا الإجماع على التخيير لامكن القول بتعيينه.
وفيه صورة منصوصة قد قيل بها منها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر مرة واحدة أو ثلاثاً بدون ضم التكبير فيكون تسعاً، وفي رواية أنها عشرة بضم التكبير في الأخيرة، وهو أحد الأقوال في المسألة.
وأما القول بإجزاء مطلق الذكر فالظاهر ضعفه، وقيل بالإثني عشر بتكرار الصورة الأولى ثلاث مرات ولم أقف على دليله، وينبغي ضم الاستغفار إلى التسبيح وفيه قول بالوجوب.
الرابعة: يجب الركوع وهو ركن تبطل الصلاة بتركه عمداً وسهواً إجماعاً نصاً وفتوى، وفي الزيادة مطلقاً إشكال مع الاتفاق على استثناء بعض المواضع منها كما سيأتي إن شاء الله.
وهو عبارة عن الانحناء بقدر ما تصل كفاه ركبتيه ويستحب وضع كفيه على عيني الركبتين.
وهل الواجب فيه مجرد الذكر أو يتيعن فيه التسبيح؟ قولان: أظهرهما الأول وأحوطهما الثاني لأن فيه جمعاً بين القولين وبه يخرج عن عهدة التكليف إجماعا، والأفضل أن يأتي بالتسبيح المذكور ثلاثاً والسبع أبلغ في الفضل.
ويجب الطمأنينة في الركوع وهي عبارة عن سكون الأعضاء واستقرارها على تلك الهيئة، ويستحب له النظر بين رجليه حال ركوعه والتكبير له قبل الهوي، وقيل بالوجوب.
ومن مستحبات الركوع أيضاً مد العنق، وتسوية الظهر ورد الركبتين إلى الخلف والتجنيح بالمرفقين، ثم يجب رفع الرأس منه حتى يقوم منتصباً معتدلاً مطمئناً قائلاً بعد الرفع كذلك سمع الله لمن حمده استحباباً، وفي بعض الأخبار ما يدل على أن للمأموم أن يقول عند سمعلة الإمام الحمد لله رب العالمين.
وقيل بركنية الطمأنينة في الموضعين، وهو ضعيف.
ولو عجز عن الانحناء بالقدر المذكور لمرض أو علة أتى بالقدر الممكن.
والراكع خلفه يزيد الانحناء يسيراً احتياطاً، وللأصحاب في هذه الزيادة قولان: فقيل بالوجوب وقيل بالاستحباب، والمسألة عارية من النص، والأصل العدم ولذا استندنا المسألة إلى الاحتياط المستحب.
الخامسة: يجب السجود، وهو سجدتان في كل ركعة، وهما ركن عند الأصحاب وقيل بركنية السجدة الواحدة وهو ضعيف.
وهو عبارة عن الانحناء حتى يساوي جبهته موضع رجليه على الأفضل أو يحصل التفاوت بينهما بقدر لبنة كما تقدمت الإشارة إليه.
ويجب أن يكون السجود على الأعضاء السبعة وهي الجبهة والكفان والركبتان وإبهاما الرجلين إجماعا نصاً وفتوى.
ويستحب إضافة إرغام الأنف استحباباً مؤكداً، والمشهور الاكتفاء بأي جزء وقع منه على الأرض، وقيل أعلاه وهو العرنين، وفي بعض الأخبار ما يشير إليه.
والواجب من الجبهة حال السجود هو المسمّى على الأشهر وقيل بتقديره بقدر الدرهم وهو محمول على الأفضل والاستحباب، وأفضل منه السجود على الجبهة كملاً، وكذا صرّح الأصحاب بالاكتفاء المسمى في باقي أعضاء السجود.
ويستحب التكبير للسجود والرفع منه فيكبّر لكل سجدة تكبيرتان، وقيل بالوجوب في تكبير السجود كما في الركوع.
ويجب الذكر حال السجود، وهل الواجب مطلق الذكر أو التسبيح قولا كما تقدم في الركوع والأظهر هنا ما اخترناه هناك من الوجوب والاستحباب بمراتبه.
وتجب الطمأنينة بقدر الذكر وقيل بركنيتها أيضاً وهو ضعيف.
ويستحب النظر حال سجوده إلى طرف أنفه، وأن يكون باسطاً كفيه مضمومتي الأصابع حيال وجهه مجنحاً بمرفقيه.
وإذا رفع رأسه من السجدة وجب أن يجلس مطمئناً، ويستحب أن يكون جلوسه متوركاً على الأيسر مكبراً بعد الرفع كما تقدم قائلاً: أستغفر الله وأتوب إليه ثم يكبر للسجدة الثانية، ويسجد على الوجه المتقدم هيئته وذكراً ثم يرفع رأسه حتى يجلس مطمئناً استحباباً وهي جلسة الاستراحة إن لم يكن موضع تشهد، والأظهر استحبابها وقيل بوجوبها، والأحوط الإتيان بها والمحافظة عليها مكبراً حال جلوسه وهي تكبيرة الرفع من السجدة الثانية متوركاً حال جلوسه كما تقدم، وأن يقوم إذا كان في موضع قيام ذاكراً الله بقوله بحول الله وقوته أقوم وأقعد وغيره من الصور المروية أيضاً.
وقد تقدم أن العاجز عن السجود يومي برأسه إن أمكن وإلا فبعينيه بأن يغمضهما وكذا في حال الركوع أيضاً.
ومن كان به دمل في موضع سجوده بحيث يمتنع عليه وضعه على ما يصح السجود عليه يتخذ له حفيرة في الأرض أو يعمل شيئاً مجوفاً من طين أو خشب ونحو ذلك ويسجد على السليم من الجبهة.
وإن تعذّر السجود على هذه الكيفية فالمشهور أنه يسجد على أحد الجبينين، وقيل بتقديم الأيمن وجوباً فأن تعذّر فعلى ذقنه.
السادسة: لا خلاف في أرجحية القنوت في الصلاة وفضله، وإنما الخلاف في وجوبه واستحبابه، والمشهور الثاني، وقيل بوجوبه ولا سيما في الجهرية والأخبار لا تخلو من تعارض وتصادم إلا أن الذي يقرب منها بعد رد بعضها إلى بعض وتأليف مختلفاتها وجمع متفرقاتها هو القول المشهور، والاحتياط يقتضي المحافظة عليه.
ومحله الركعة الثانية قبل الركوع على الأظهر الأشهر، وقيل بالتخيير بين إيقاعه قبل الركوع وبعده وهو ضعيف.
ويستحب الجهر به إلا للمأموم، ومن نسي القنوت في محل تداركه بعد الركوع وإن لم يذكره إلا بعد الدخول في السجود أتى به بعد فراغه من الصلاة.
ويستحب رفع يديه للقنوت حيال وجهه متلقياً بباطنهما السماء، والمشهور أنه يستحب النظر حال القنوت إلى باطن الكفين ولم نقف فيه على نص لكن لا بأس به لما فيه من حبس النظر عن الالتفات يميناً وشمالاً مع كراهة التغميض في الصلاة، وكراهة النظر إلى السماء، ويستحب التكبير للقنوت.
السابعة: يجب التشهد في كل صلاة ثنائية عقيب الركعة مرة، وفي الثلاثية والرباعية مرتين الأولى بعد الثانية، والثانية بعد الثالثة من الثلاثية والرابعة من الرباعية، وفي كيفيته وصورته اختلاف شديد في النصوص والأكمل منه الذي لا خلاف في أجزائه أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلّ على محمد وآل محمد.
ويجب أن يكون مطمئناً في جلوسه بقدر تشهده.
ويستحب أن يكون متوركاً على الأيسر، والمشهور أنه يستحب له النظر إلى حجره حال تشهده ولم نقف فيه على نص إلا ما في كتاب الفقه الرضوي، ولا بأس به لما عرفت في القنوت.
ويستحب أن يضع يديه على فخذيه حال التشهد ممدودتي الأصابع غير مقبوضة مضمومة الأصابع بعضها إلى بعض.
ويستحب أن يقدم قبل التشهد الواجب الذي تقدم ذكره ما أمكن من الأذكار المروية في الأخبار وأقله أن يقول: بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله كما في بعضها وأن يزيد في التشهد الأول بعد الاتيان بالواجب منه قوله وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجته ويحمد الله مرتين أو ثلاثاً وأن يدعو في حال قيامه بما تقدم ذكره وإن شاء قال: بحولك وقوتك أقوم وأقعد.
الثامنة: يجب التسليم ولأصحابنا فيه اختلاف زايد وجوباً واستحباباً دخولاً وخروجاً كمية وكيفاً، لا يقوم هذا الإملاء بذكره والأظهر عندي وعليه أعمل هو وجوبه، وإنه خارج من الصلاة وإن كيفيته هي قولنا: السلام عيكم وقد بسطنا الكلام في ذلك في رسالة في المسألة أحاطت بتوضيح الحال وقطع مواد الإشكال، وكذا في أجوبة مسائل بعض ذوي الكمال.
والأولى تقديم السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لأنها هي المخرجة من الصلاة ثم الإتيان بالصيغة المذكورة، والأحوط أن يضيف إليها ورحمة الله وبركاته .
ويستحب إن كان إماماً أن يسلم تسليمة واحدة عن يمينه، وإن كان مأموما فواحدة عن يمينه وأخرى عن شماله، وإن كان منفرداً فواحدة تجاه القبلة.
المطلب الثالث
في أحكام الخلل الواقع فيها
وفيه أيضاً مسائل:
الأولى: لا خلاف بينهم في أن الصلاة تبطل بتعمد ترك بعض واجباتها ولو جهلاً وما ذكروه بالنسبة إلى العامد العالم فلا إشكال فيه، وأما بالنسبة إلى الجاهل فهو على إطلاقه مشكل لاستفاضة الأخبار بمعذورية الجاهل على تفصيل بسطنا فيه الكلام في محل أليق.
والمشهور بينهم أنه يستثنى من حكم الجاهل مسألتان، مسألة القصر والإتمام كما سيأتي إنشاء الله محله، ومسألة الجهر والإخفات كما سلف ذكره.
وتبطل أيضاً بترك بعض أركانها عمداً كان أو سهواً إجماعاً والنصوص به مستفيض، وما ورد في نسيان تكبيرة الإحرام قد عرفت الكلام فيه.
والمشهور بين الأصحاب بطلانها أيضاً بزيادة ركن وهو على إطلاقه مما قد أوضحناه في شرح رسالة الصلاة.
وتبطل أيضاً بترك الطهارة إجماعا نصاً وفتوى عمداً كان أو سهواً.
وتبطل أيضاً بمبطلاتها على المشهور.
وقد وقع الاختلاف في مواضع دلت عليها الأخبار:
منها من أحدث في الصلاة ساهياً فأنه قد ذهب جمع إلى أنه يتطهّر ويبني على ما مضى من صلاته وعليه تدل جملة من الأخبار حملها على التقية طريق الجمع بينها وبين ما دل على الإبطال كما هو قول المشهور.
ومنها ما لو صلّى بتيمم ثم أحدث سهواً واتفق وجود الماد فإنه يتطهر ويبني على قول والمشهور البطلان، والمسألة محل تردد.
ومنها من ترك ركعة أو ركعتين ساهياً، ولم يذكر إلا بعد مضي زمان قد تخلل فيه الحدث بل الأحداث العديدة فإنه يبني على ما مضى وبه روايات صحاح صراح، والأحوط في جميع هذه المواضع الجمع بين القولين من الطهارة والبناء ثم الإعادة من رأس جمعاً بين الأخبار المذكورة أيضاً.
وتبطل أيضاً بتعمّد الكلام الخارج عن الصلاة ما لم يكن قرآناً ولا ذكراً ولا دعاء ولا رد سلام بمثله ، وتسميت عاطس وهو أن يقول يرحمك الله.
ولا بأس بالتنحنح والتنخّم والتأوّه والنفخ وإن اشتمل على حرفين أو أكثر لأنه لا يسمّى كلاماً لغة ولا عرفاً فلا ينصرف إليه إطلاق الأخبار الدالة على النهي عن الكلام في الصلاة .
وتبطل أيضاً بالالتفات إلى ما وراءه سواء كان بالوجه خاصة ،أو مجموع البدن، عمداً كان أو سهواً.
وبالالتفات بالبدن عمداً وإن لم يصل إلى محض اليمين والشمال، ولو كان سهواً فإن لم يبلغ محض اليمين واليسار فإنه لا شيء عليه بل تصح صلاته، ولو بلغ أعاد في الوقت خاصّة وفي القضاء إشكال والأحوط ذلك، هذا كله في الالتفات بجميع البدن، وأما الالتفات بالوجه فإن كان عمداً وبلغ إلى محض اليمين والشمال تبطل أيضاً على تردد والاحتياط لا يخفى، وإن كان سهواً فلا شيء عليه بل صلاته صحيحة، وأولى بالصحة ما لم يصل إلى محضها.
وتبطل أيضاً بتعمد القهقهة وهو الضحك المشتمل على قه قه.
وتبطل أيضاً بالشك في أعداد الثنائية والثلاثية وأوليي الرباعية، وكذا لو لم يدر كم صلى على الأشهر الأظهر، وقيل بالبناء على الأقل في هذه المواضع وهو ضعيف.
والمشهور أنها تبطل بتعمد الفعل الكثير ولم أقف فيه على نص فيجب تقييده بم تمحى به صورة الصلاة، ويخرج عن كونه مصلياً.
والمشهور أيضاً إنها تبطل أيضاً بتعمد التكفير، وهو وضع اليمين على الشمال مطلقاً أو حال القراءة، وقيل بمجرد التحريم من غير أن تبطل الصلاة وقيل بالكراهة ولعله أقوى.
وتبطل أيضاً بالبكاء لأمور الدنيا، وأما الآخرة فهو من أفضل الأعمال.
وظاهر الأصحاب أن المبطل من البكاء هو ما اشتمل على مد الصوت دون مجرد خروج الدمع، وظاهر الأخبار والعموم وهو الأقوى.
وتبطل أيضاً بقصد الرياء على الأظهر الأشهر، وقيل بصحة عبادة المرائي وإن لم تكن مقبولة وهو ضعيف لاستفاضة الآيات والروايات بوجوب الإخلاص لله سبحانه بالعبادة، ودلالة جملة من الأخبار بأن الرياء شرك بالله عزوجل.
والمشهور أيضاً أنها تبطل أيضاً بالتأمين، وهو قول المصلي آمين بعد الحمد أو في الصلاة مطلقاً، وقيل بجوازه عقيب الحمد على كراهية، وقيل بالتحريم خاصة من غير إبطال والقول المشهور وهو المعتمد.
الثانية: يكره في حال الصلاة أمور قد ورد النهي عنها في الأخبار كالتثاوب والتمطي وتتأكد في مدافعة الأخبثين حتى روي أن من صلى كذلك كان بمنزلة من كان في ثيابه والعبث في يديه وفي رأسه أو لحيته أو نحو ذلك وفرقعة الأصابع والإقعاء كإقعاء الكلاب، والقيام إليها متكاسلاً أو متناعساً والنفخ في موضع السجود وعقص الشعر للرجل، وقيل بتحريمه ، وتعمد الالتفات بالوجه غير البالغ إلى محض اليمين أو الشمال، والإمتخاط والبصاق، ونحو ذلك مما وردت به الأخبار.
الثالثة: من سها عن واجب وجب عليه تداركه ما لم يدخل في ركن كما لو سها عن القراءة وذكر قبل أن يركع فإنه يجب أن يقرأ ولو ركع مضى في صلاته وصحّت صلاته ولاشيء عليه.
أو يلزم من تداركه زيادة ركن كما لو سها عن الذكر الواجب في الركوع أو الطمأنينة الواجبة فيه حتى يرفع رأسه فإنه لو أعاد إلى تداركه لزم زيادة ركن فتبطل الصلاة، بل الحكم أنه يمضي في صلاته بلا خلاف ولا إشكال فيها.
ويستثنى من ذلك السهو عن الجهر والإخفات فإنه لا يتداركه وإن لم يدخل في ركن.
ومن سها عن سجدة أو تشهد حتى فات محل تداركه وجب قضاؤه بعد تمام الصلاة، وأن يسجد للسهو على المشهور، وقيل بأن نسيان السجدة مطلقاً مبطل للصلاة وهو قول من قال بركنية السجدة الواحدة، وقيل بأنها كانت من الركعتين الأوليين كانت الصلاة باطلة، وهو قول من يقول بأن كل شك أو سهو يلحق الأوليين في أعدادهما وأقوالهما فهو موجب لبطلان الصلاة، والقولان ضعيفان عندي.
وقيل بأن من نسي التشهد فإنما عليه بعد الفراغ من الصلاة أن يسجد سجدتي السهو خاصة، وليس عليه قضاء التشهد والتشهد الذي في سجدتي السهو يجزي عن التشهد المنسي، وهذا القول أظهر دليلاً من القول بقضاء التشهد.
وكذا المفهوم من الأخبار أيضاً بالنسبة إلى السجدة المنسية أنه ليس فيها سجود السهو وإن عليه قضاء السجدة خاصة، وبالجملة فالظاهر من الأدلة بالنسبة إلى التشهد عدم قضائه وإنما عليه سجدتا السهو خاصة من غير سجود السهو وهو المختار وإن كان الأحوط العمل بما هو المشهور.
ومن سها عن ركن يرجع إليه ما لم يدخل في ركن آخر من غير أن تبطل صلاته، ويستثنى من ذلك من سها عن تكبيرة الإحرام حتى قرأ فإنه مبطل وموجب للاستئناف، ولو لم يدخل في ركن لأنه لا تنعقد الصلاة إلا بتكبيرة الإحرام.
ولو سها عن الركن حتى دخل في ركن آخر فالمشهور بطلان الصلاة مطلقاً، وقد وقع الخلاف في موضعين:
أحدهما: أن من أخل بالركوع ناسياً حتى سجد فقيل أنه إنما يبطل فيما عدا أخيرتي الرباعية وأما فيهما فإنه يحذف الزائد، وهو ما أتى به من السجود واحدة كانت أو اثنتين، ويأتي بالفائت ويتم صلاته وقيل أيضاً بهذا التلفيق، وإن كان في الأوليين وهو ظاهر الخبر الذي استدل به القائل الأول، وقيل أيضاً أنه يسقط السجود ثم يعيد الركوع ثم يعيد السجود وإن كان في الركعة الثانية ولم أقف له على دليل والأظهر هو القول المشهور، إلا أن الأحوط العمل بالتلفيق أولا ثم الإعادة.
وثانيهما: أن من ترك سجدتين من الركعتين الأخيرتين حتى يركع فإنه يبني على الركوع ولم أقف له على دليل، ومقتضى القاعدة المتقدمة أنه قد أخل بركن حتى دخل في آخر فإن عاد إليه فقد زاد ركناً في صلاته، وكلاهما مبطل بالجملة فالقول المذكور ضعيف.
ومن سها عن ركعة من صلاته حتى سلم فإن ذكرها بعد التسليم وقبل فعل المنافي أتى بما نسيه وأتم صلاته، وصحّت صلاته إجماعا نصاً وفتوى.
وإن لم يذكرها إلا بعد فعل المنافي فإن كان ذلك المنافي من المنافيات عمداً خاصة كالكلام مثلاً فالحكم فيه كالأول على الأشهر الأظهر، وقيل بوجوب الإعادة في غير الرباعية، وهما ضعيفان وإن كان ذلك المنافي من المنافيات عمداً وسهواً كالحدث بناء على المشهور من كونه مبطلاً للصلاة ونحوها فإشكال ينشأ من تعارض الأخبار الصحاح الصراح في كل من القولين فإن جملة من الأخبار الصحاح الصراح تدل على الأبطال كما هو المشهور، وجملة منها تدل على البناء على ما مضى وإن بلغ الصين والجمع بينهما مشكل، والاحتياط في المسألة واجب بالبناء أولا ثم الإعادة من رأس.
ومن سها وزاد في صلاته واجباً فعليه سجود السهو خاصة ، وصلاته صحيحة ومن زاد ركوعها سهواً أو سجدتين استأنف الصلاة إلا ما استثني من بعض المواضع المنصوصة في الأخبار وكلام الأصحاب كمن سبق الإمام في ركوعه أو سجوده سهواً فإنه يرجع ويركع أو يسجد مرة أخرى معه.
ومن سها فزاد ركعة في صلاته استأنف الصلاة وأعادها إلا في الصلاة الرباعية وتشهد فإنه لا تبطل صلاته لأنه لم يخل إلا بالتسليم خاصة، وقد عرفت أن مذهبنا فيه انه واجب خارج من الصلاة، وحينئذ فهذه الركعة التي زادها والحال هذه إنما وقعت خارجة عن الصلاة.
أما لو جلس بقدر التشهد من غير أن يتشهد بالفعل، فالمشهور البطلان، وقيل بالصحة استناداً إلى جملة من الأخبار الصحيحة الدالة على أنه إذا جلس بقدر التشهد فقد تمت صالته، والتحقيق أن المعني في هذه الأخبار والمراد منها إنما هو الجلوس والتشهد بالفعل لا مجرد الجلوس بقدره من غير تشهد وإن وقع التعبير بذلك مجازاً كما أوضحناه في محل أليق، وبالجملة فالعمل على القول المشهور.
ومما ذكرناه يعلم أنه متى زاد تلك الركعة سهواً بعد التشهد وقبل التسليم فإنه على القول باستحباب التسليم كما هو أحد القولين المتقدمين في المسألة، وعلى القول بكونه واجباً خارجاً كما هو المختار تكون الصلاة صحيحة لوقوع الزيادة خارج الصلاة، وعلى القول بكونه واجباً داخلاً في الصلاة تبطل الصلاة ويجب إعادتها من رأس وهو الأحوط.
والظاهر حينئذ بناء على ما ذكرناه أنه لا خصوصية للرباعية بذلك كما ذكره الأصحاب، وإن كان مورد النص الرباعية فإنها تحمل على مجرد التمثيل ، نعم على القول الآخر من حيث أن الحكم على هذا القول جاء على خلاف القواعد فيقتصر فيه على مورد النص ربما يتجه الاختصاص.
ومن سها عن بعض القراءة وما يتجاوز المحل الذي هو الدخول في الركن يأتي بما سها عنه وبما بعده لوجوب الترتيب في القراءة على الوجه المنزل.
ومن سها عن الركوع حتى هوى للسجود ولما يسجد يقوم منتصباً لوجوب الهوي للركوع عن قيام حتى عد جملة منهم القيام المتصل بالركوع ركناً ثم يركع، ولو عرض له السهو وهو في حد الراكع مضى في صلاته على الأقوى لأن غايته ترك بعض الواجبات من الذكر والطمأنينة وإلا فالركوع الذي هو عبارة عن الانحناء المخصوص قد حصل وترك الواجب سهواً غير مبطل كما عرفت.
الرابعة: من شك في فعل واجب في صلاته وجب عليه الإتيان به ما لم يدخل في آخر، فإذا دخل في غيره مضى في صلاته سواء وقع ذلك في الركعتين الأوليين أو الأخيرتين على الأشهر الأظهر، وقيل إن كل سهو يلحق الأوليين ففيه الإعادة سواء كان في أعدادهما أو أفعالهما، ولو تلافى ما شك في محله قبل الدخول في فعل آخر ثم ذكر فعله سابقاً، فلا يخلو إما أن يكون ذلك الفعل من أركان الصلاة أو من واجباتها فإن كان من أركانها استأنف الصلاة وأعادها لأن زيادة الركن مبطلة عمداً وسهواً إلا ما استثني وليس هذا منه.
نعم وقع الخلاف والإشكال هنا في موضع وهو أنه لو شك في الركوع ولما يسجد ثم قام منتصباً وركع ثم ذكر في أثناء ركوعه أنه قد ركع سابقاً فهل يرسل نفسه إلى السجود ولا شيء عليه، أو يستأنف الصلاة ويعيدها لزيادة الركن لأن الركوع عبارة عن الانحناء بقصد الرفع منه والذكر والطمأنينة واجبات خارجة عن حقيقته قولان : أشبههما بالقواعد الشرعية وأقربهما إلى الضوابط المرعية هو الثاني إلا أن المسألة غير منصوصة على الخصوص، وثقة الإسلام الذي هو من أرباب النصوص من القائلين بالقول الأول، ويبعد أن يقول ذلك من غير نص وصل إليه، وإن لم ينقله في كتابه وحينئذ فالأحوط أن يرسل نفسه ويتم صلاته ثم يعيدها من رأس.
وإن كان ذلك الفعل الذي تلافاه من واجبات الصلاة مضى في صلاته لأنه من قبيل زيادة الواجب سهواً وهي غير مبطلة سجدة كان ما تلافاه أو غيرها على الأشهر الأظهر، وقيل أنه كان ذلك سجدة تبطل صلاته هذا كله فيما إذا كان الشك في الكيفية.
وأما الشك في الكمية وهو عدادها فقد تقدم بيان المبطل في المسألة الأولى، وأما الذي يصح منه فهو خمس صور:
الأولى: الشك بين الاثنتين والثلاث بأن يشك إنما فعله ومضى هل هو ركعتان أو ثلاث وأما لو شك حال قيامه أو بعد ركوعه وقبل سجوده بأن هذه الركعة ثانية أو ثالثة فهو ليس من هذه الصورة في شيء، بل هو شك مبطل لعدم تيقن إكمال الأوليين.
والحكم في أصل الصورة المذكورة أنه يبني على الأكثر، ويحتاط بركعة قائماً، وقد ذكر جملة من الأصحاب أنهم لم يقفوا في هذه الصورة على نص يدل عليها حتى ذكر شيخنا الشهيد الثاني أنهم إنما أجروها مجرى الشك بين الثلاث والأربع، وهو مردود بما أوضحناه في جملة من مؤلفاتنا من وجوه الدليل الدال وإن اعترى بعضهم فيه شبهة الاحتمال بما يخرجه عن الاستدلال إلا أنه ليس كذلك عند المتأمل في تحقيق الحال.
والمشهور أنه يتخيّر في الاحتياط بين ركعة قائماً وركعتين جالساً ولم أقف له على دليل من دليل المسألة، إنما هو الركعة من قيام خاصة، وقيل بالبناء على الأقل ولا احتياط وقيل بالإبطال في هذه الصورة، وهما ضعيفان والرواية الدالة على الإبطال وإن صح سندها معارضة بما هو أكثر عدداً وأصرح دلالة فيجب تأويلها وربما قيل بالاحتياط هنا بالإعادة بعد العمل بما هو المشهور ولا بأس به وإن كان ضعيفاً.
الثانية: الشك بين الثلاث والأربع على الوجه المتقدم بمعنى أنه شك فيما تقدم من فعله ومضى هل هو ثلاث أو أربع وأما لو كان في أثناء الركعة وقبل إتمامها شك أنها ثالثة أو رابعة فالظاهر أنه ليس من أفراد الصورة المذكورة كما سيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله في الصورة الخامسة.
ثم إن الحكم في هذه الصورة هو البناء على الأكثر ثم يحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس والأولى اختيار الركعتين من جلوس بل قيل بتعيينهما والاحتياط خاصة وقيل بالتخيير في هذه الصورة بين البناء على الأقل، ولا احتياط وبين البناء على الأكثر وهو ضعيف.
الثالثة: الشك بين الاثنتين والأربع فالحكم فيها يبني على الأربع ويحتاط بركعتين من قيام على الأشهر الأظهر، واحتمل بعض أيضاً التخيير بين البناء على الأقل ولا احتياط والبناء على الأكثر وقيل بالإعادة والكل ضعيف.
الرابعة: الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع والحكم فيها هو البناء على الأكثر، ويحتاط بركعتين من قيام ثم بركعتين من جلوس وقيل يحتاط بركعة من قيام وركعتين من جلوس وهو قوي ، والقول بالتخيير ليس ببعيد، وقيل في الاحتياط أيضاً أقوال أخرى عديدة لكنها شاذة عارية من الدليل ليس في التعرض لها كثير فائدة.
الخامسة: الشك بين الأربع والخمس وفي هذه الصورة صور عديدة، قد ذكرها جملة من الأصحاب وهي في التحقيق تجري في الصور المتقدمة كما أشرنا إليه آنفاً إلا أنها ترجع إلى ثلاث صور فليؤخذن حكم ما تقدم منها بالمقايسة:
أحدها: أن يشك في حال قيامه قبل الركوع في أن قيامي هذا لرابعة أو خامسة وهذا ليس من الصور المذكورة في شيء بل الحكم فيه إنما هو من صور الشك بين الثلاث والأربع فيجب عليه أن يجلس ويبني على الأربع ويحتاط بما تقدم في تلك الصورة.
الثانية: أن يشك كذلك بعد تمام ذكر السجدة الثانية وإن لم يرفع رأسه منها أو بعد الرفع وهذه هي الصورة المنصوصة المتفق عليها نصاً وفتوى، والحكم فيها أن يبني على الأربع ويسجد سجدتي السهو على الأشهر الأظهر ، وقيل أن يجب الاحتياط بركعتين جالساً وهو مع شذوذه عار عن الدليل.
الثالثة: أن يشك بعد الركوع وقبل تمام ذكر السجدة الثانية في أي جزء من هذه المسافة والمشهور عندهم أن الحكم فيها كالحكم في الصورة الثانية، وقيل بالإبطال، وهذا هو الأوفق بقواعدهم وإن خرجوا عنه وخالفوه.
وتوضيح ذلك أن مقتضى الأخبار الواردة في صور هذه الشكوك مثل قولهم عليهم السلام إذا لم تدر أربعاً صليت أو خمسا؟ وقوله في الرجل يصلي فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثاً أم أربعاً ونحو ذلك من العبارات، إن المراد منها أن الشاك قد شك فيما تقدم منه ومضى من صلاته هل هو كذا أو كذا وحينئذ فلا يتناول ذلك ما لو لم يمض من صلاته بل كان في أثنائه ولا يدخل في تلك الصورة المنصوصة.
ومبنى هذا ما صرّح به الأصحاب من أن الركعة عبارة عن الركوع مع السجود، وإنما تتم الركعة بتمام ذكر السجدة الثانية كما صرحوا به في الشك المتعلق بهما وإن لم يتم ذكر السجدة الثانية، وحينئذ فمقتضى ما ذكرنا من ذلك يتجه الأبطال في الصورة المذكورة لعدم دخولها تحت النص الوارد فيها كما عرفت وهكذا يتجه في غيرها من صورة انقلاب الشك أيضاً من صورة إلى أخرى.
والعجب من شيخنا الشهيد الثاني أنه استدلال للأبطال في الروضة بهذا الدليل وهو عدم اندراج هذه الصورة تحت النص لعدم تمام الركعة ولم يجب عنه بشيء مع أنه وغيره صرّحوا في صورة الشك بين الثلاث والأربع أنه لو شك بعد ركوع الثالثة وقبل السجود فإنه يبني على الأربع كما صرحوا بنظير ذلك في هذه الصورة، وبالجملة فكلامهم في هذا الباب كما ترى غير خال من الاضطراب حيث أنهم في مسألة الأوليين للسلامة من البطلان صرحوا بأن الركعة لا تتم ولا يترتب عليها حكم الشك إلا بإتمام ذكر السجدة الثانية، وفي هذه المواضع قد خالفوا ذلك واكتفوا بمجرد الركوع.
نعم قد صرح المحقق (قدس سره) في أجوبة المسائل البغدادية بأن الركعة عبارة عن مجرد الركوع فرن ثبت ذلك ارتفع الإشكال هنا، وتم كلامهم في إدراجهم الشك بعد الركوع وقبل السجود تحت النصوص الواردة في هذه الصورة إلا أنه يخالف ما قرروه في حكم الأوليين كما عرفت هذا بالنسبة إلى كلامهم في معنى الركعة.
وأما بالنسبة إلى الأخبار فإنها ربما أطلقت الركعة فيها تارة على مجرد الركوع وتارة على ما يشتمل دخول السجدتين وتارة على ما يشمل مع ذلك التشهد أيضاً، وبالجملة فالمسألة في جميع أفراد الشكوك متى وقع الشك بعد الركوع وقيل تمام السجدة الثانية محل إشكال والاحتياط فيها لازم على كل حال بالعمل بما قالوه ثم إعادة الصلاة من رأس.
هذه هي الصورة المنصوصة وما عداها من الصور المحتملة فقد كثرت فيها الاحتمالات واختلفت فيها المقالات وطريق السلامة العمل بالاحتياط وهو العالم بحقيقة الحال.
السادسة: ينبغي أن يعلم أن العمل بالشك وما يترتب عليه في جميع الموارد إنما هو مع تساوي الاحتمالين في ظن المكلف وإلا فلو رجح أحدهما وكان هو الغالب على ظنّه بنى على ما هو الراجح عنده ولا حكم للشك حينئذ.
وكذا لا حكم للشك مع كثرته على المكلف، والمشهور الرجوع في تحديد الكثرة إلى العرف ويتحقق عندهم بثلاث مرات متواليات فما زاد، ومعنى كونه لا حكم له أن يبني على وقوع المشكوك فيه وإن كان محله باقياً ما لم يستلزم الزيادة بأن شك في حصول الزيادة المبطلة فإنه لا يبني على الوقوع الموجب لبطلان الصلاة بل يبني على المصحح وهو عدم الوقوع، لأن العلة في عدم العمل بحكم الشك في هذه الصورة هو المحافظة على تصحيح الصلاة وعدم نقصها لدفع الشيطان عن المعاودة له متى أبطلها أو عمل بموجب الشك فإن الشك من الشيطان، والشيطان معتاد لما عوده الإنسان من نفسه.
ولا حكم أيضاً لشك الإمام مع حفظ المأموم واحداً كان أو متعدداً، ولا لشك المأموم مع حفظ الإمام بل يرجع كل منهما إلى الآخر.
السابعة: يجب في صلاة الاحتياط المذكورة في صور الشكوك المتقدمة ما يجب في صلاة اليومية من الشرائط والأركان والأجزاء وتتعين فيها سورة الفاتحة على الأشهر الأظهر.
وقيل بأنه يتخيّر بينها وبين التسبيح نظراً لأن صلاة الاحتياط قائمة مقام الأخيرتين فيجب فيها ما يجب فيهما، وهو اجتهاد في مقابلة النصوص وتعليله عليل فرنها وإن كانت تقوم مقام الأخيرتين لو ظهر الاحتياج إليها إلا أنها تكون صلاة مستقلة لو ظهر الاستغناء عنها كما صرحت به النصوص، ولا صلاة إلا بفاتحة الكتاب.
ولو فعل المبطل من حدث ونحوه قبلها فهل تبطل الصلاة وتجب إعادتها من رأس أو يجب الإتيان بصلاة الاحتياط خاصّة؟ قولان: يلتقيان إلى كونها جزءاً من الصلاة المتقدمة أو خارجة بمعنى كونها صلاة مستقلة برأسها، والمشهور الثاني وهو الأقرب بالنسبة إلى القواعد الشرعية، والأنسب بالضوابط المرعية إلا أن المسألة لما كانت عارية من النص الصريح والدليل الفصيح فالأحوط بعد العمل بما هو المشهور الإعادة من رأس.
الثامنة: قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بوجوب سجدتي السهو في مواضع:
منها في قضاء الأجزاء المنسية كالتشهد والسجدة الواحدة.
ومنها القيام في موضع القعود سهواً وبالعكس.
ومنها كل زيادة ونقيصة غير مبطلتين.
ومنها الشك في الزيادة والنقيصة كصور الشك المتقدّمة.
ومنها التسليم في غير موضعه، وبعض هذه الصور وإن كان للمناقشة فيها مجال إلا أن الاحتياط يقتضي الوقوف على ما ذكروه (نور الله مراقدهم).
ومحل السجدتين المذكورتين بعد الفراغ من الصلاة والتسليم على الأشهر الأظهر.
وقيل أنهما إن كانتا للزيادة فبعد التسليم، وإن كانتا للنقيصة فقبله، وقيل بكونهما قبل التسليم مطلقاً وهما ضعيفان ودليلهما محمول على التقية.
وأما كيفيتها أن ينوي حال قعوده وإرادة فعلهما معيناً السبب الموجب لهما إحتياطاً، وأوجبه بعضهم لاسيما مع تعدد الأسباب، ثم يضع جبهته على ما يصح السجود عليه ذاكراً بالمأثور وهو: بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد ، وإن شاء قال: بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، ثم يرفع رأسه من السجود مطمئناً ثم يسجد مرة أخرى ذاكراً بأحد الأذكار المتقدمة، ثم يجلس ويتشهد تشهداً خفيفاً مقتصراً فيه على الواجب دون الأذكار المستحبة في التشهد ويسلم.
وقيل باستحباب التشهد فيها وإن الواجب يتأدى بمجرد الإتيان بالسجدتين، والأصح الأول، والمشهور بين الأصحاب استحباب التكبير للسجود مثل سجود الصلاة، والدليل قاصر عن إفادة ما ادعوه، وليس الإتيان بهما شرطاً في صحة الصلاة بل تصح وإن لم يأت بهما على الأشهر الأظهر، وقيل ببطلان الصلاة بتركهما وهو ضعيف.