ج24 - أسباب التحريم - الكفر
بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على خير خلقه وأفضل
بريته محمد وآله الطاهرين.
المطلب السادس
وفيه بحوث : الأول : وفيه مسائل :
الاولى : لا خلاف بين
الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ كما نقله غير واحد من محققيهم في أنه لا يجوز للمسلم
أن ينكح غير الكتابية.
وأما الكتابية فقد اختلفوا فيها على أقوال ستة ، والأصل
في ذلك اختلاف ظاهر الآيات والروايات في ذلك ، واختلاف الأفهام في الجمع بينها.
والأول من الأقوال المذكورة التحريم مطلقا ، وهو مذهب
المرتضى والشيخ في أحد قوليه ، وهو أحد قولي الشيخ أيضا ، وقواه ابن إدريس ، قال
المرتضى : مما انفردت به الإمامية حظر نكاح الكتابيات ، وقال الشيخ في الخلاف :
المحصلون من أصحابنا يقولون : لا يحل نكاح من خالف الإسلام ، لا اليهود ولا
النصارى ولا غيرهم ، وقال قوم من أصحاب الحديث من أصحابنا : يجوز ذلك ، واختار في
كتابي الأخبار التحريم أيضا مطلقا.
والثاني : الجواز
مطلقا ، وهو منقول عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه وابنه ، وابن أبي عقيل ، قال
الشيخ علي المذكور على ما نقله عنه في المختلف : وإن تزوجت يهودية أو نصرانية
فامنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، واعلم
أن عليك في دينك في تزويجك إياها
غضاضة. ونحوه قال ابنه في المقنع ، وزاد : وتزويج المجوسية حرام ، ولكن إذا كان
للرجل أمة مجوسية ، فلا بأس أن يطأها ويعزل عنها ولا يطلب ولدها.
وقال ابن العقيل : وأما المشركات فقوله تعالى «وَلا
تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ» (1) إلا ما استثناه من عفائف أهل الكتاب
، فقال «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ» (2) ثم قال في
موضع آخر ، قال الله عزوجل «وَلا
تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ ـ إلى قوله ـ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ» وذكر مشركي
أهل الكتاب فقال «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ ـ إلى قوله ـ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ».
وأهل الشرك عند آل الرسول (صلىاللهعليهوآله) صنفان : صنف
أهل الكتاب ، وصنف مجوس وعبدة أوثان وأصنام ونيران ، فأما الصنف الذي بدأنا ذكره
فقد حرم الله نساءهم حتى يسلموا ، وأما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى فلا بأس
بنكاح نسائهم متعة وإعلانا ، ولا يجمع في نكاح الإعلان منهن إلا أربع فما دون.
الثالث
: جواز متعة اليهود والنصارى اختيارا والدوام اضطرارا ،
وهو مذهب الشيخ في النهاية وابن حمزة وابن البراج ، قال في النهاية : لا يجوز
للرجل المسلم أن يعقد على المشركات على اختلاف أصنافهن يهودية كانت أو نصرانية ،
أو عابدة وثن ، فإن اضطر إلى العقد عليهن عقد على اليهودية والنصرانية ، وذلك جائز
عند الضرورة ، ولا بأس أن يعقد على هذين الجنسين عقد المتعة مع الاختيار. انتهى ،
وعلى هذا النهج كلام الفاضلين الآخرين.
الرابع : عدم جواز العقد بحال ، وجواز ملك اليمين ، ونقل
عن الشيخ في أحد قوليه.
أقول : وبهذا القول صرح الشيخ المفيد على ما نقله عنه في
المختلف حيث قال : وقال المفيد : نكاح الكافرة محرم بسبب كفرها ، سواء كانت عابدة
وثن أو
__________________
(1) سورة البقرة ـ آية 221.
(2) سورة المائدة ـ آية 5.
مجوسية أو يهودية أو نصرانية ، قال
الله عزوجل «وَلا
تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ» وقال في باب
العقد على الإماء : وتنكح بملك اليمين اليهودية والنصرانية ولا يجوز له ذلك بعقد
نكاح ولا يجوز وطؤ المجوسية والصابئية والوثنية على حال.
وقال في باب السراري : ولا بأس أن يطأ اليهودية
والنصرانية بملك اليمين ، ولا يجوز له وطؤ المجوسية على حال ، وكذا الصابئيات
والوثنيات حرام وطؤهن بالعقود وملك اليمين.
الخامس : جواز المتعة وملك اليمين ، وتحريم الدوام ،
ونقل عن أبي الصلاح وسلار ، وأنه اختيار المتأخرين.
أقول : وهو ظاهر كلام الشيخ في المبسوط حيث قسم المشركين
فيه إلى أقسام ثلاثة : من له كتاب ، وهم اليهود والنصارى ، أهل التوراة وأهل
الإنجيل ، قال : فهؤلاء عند المحصلين من أصحابنا لا يجوز أكل ذبائحهم ولا تزويج
حرائرهم ، بل يقرون على أديانهم إذا بذلوا الجزية ، وفيه خلاف بين أصحابنا ، وقال
جميع الفقهاء : يجوز أكل ذبائحهم ونكاح حرائرهم.
فأما السامرة والصابئون فقد قيل : إن السامرة قوم من
اليهود ، والصابئون قوم من النصارى ، فعلى هذا يحل جميع ذلك ، والصحيح في الصابئة
أنهم غير النصارى ، لأنهم يعبدون الكواكب ، فعلى هذا لا يحل جميع ذلك بلا خلاف ،
وأما غير هذين الكتابين من الكتب كصحف إبراهيم عليهالسلام وزبور داود عليهالسلام ، فلا يحل
نكاح حرائر من كان من أهلها ولا أكل ذبائحهم.
ومن لا كتاب له ولا شبهة كتاب كعبدة الأوثان ، فلا يحل
نكاحهم ، ولا أكل ذبائحهم ولا يقرون على أديانهم بلا خلاف.
ومن له شبهة كتاب ، وهم المجوس قال قوم : هم أهل الكتاب
، كان لهم كتاب ثم نسخ ، ورفع من بين أظهرهم ، وقال آخرون : ما كان لهم كتاب أصلا
، وغلب التحريم ، فقيل على القولين ، يحقن دماؤهم ببذل الجزية ، وتحريم مناكحهم
وذبائحهم بلا خلاف وقد اختار أصحابنا
كلهم التمتع بالكتابية ووطأها بملك اليمين ، ورووا رخصة في التمتع بالمجوسية.
انتهى.
السادس : تحريم نكاحهن مطلقا اختيارا ، وتجويزه مطلقا
اضطرارا. وتجويز الوطي بملك اليمين ، ونقل عن ابن الجنيد ، قال في المختلف : وقال
ابن الجنيد : واختار لمن وجد الغناء ـ عن نكاح أهل الكتابين ـ ترك مناكحتهن بالعقد
في دار الإسلام ، أما في دار حربهم فلا يجوز ذلك ، فإن رغبت إلى ذلك ضرورة في دار
الإسلام أن يكون الأبكار منهن ، وأن يمنعهن أكل وشرب ما هو محرم في دار الإسلام ،
ولا يحل نكاح من كان نصارى من بني تغلب وذميمة العرب ومشركيهن.
ومن لم يصح له كتاب من الصابئين وغيرهن واجتناب مناكحتهن
أحب إلي ، وأما السامرة فيجرون مجرى اليهود ، وإن كانوا من بني إسرائيل ، ولا بأس
بوطىء من ملك من هذه الأصناف كلها بملك اليمين ولكن لا يطلب الولد من غير
الكتابية ، وقال في نكاح الحر للإماء : ولا يحل للمسلم التزويج على إماء أهل
الكتاب. انتهى.
ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف الأخبار كما أشرنا إليه آنفا
، فإنها خرجت في هذا المقام على أنواع متعددة.
الأول : على الجواز مطلقا ، وهي ما رواه المشايخ الثلاثة
(1) ـ رضوان الله
عليهم ـ عن معاوية بن وهب وغيره في الصحيح عن ابي عبد الله عليهالسلام «في الرجل
المؤمن يتزوج النصرانية واليهودية ، قال : إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية
والنصرانية : فقلت : يكون له فيها الهوى ، فقال : إن فعل فليمنعها من شرب الخمر
وأكل لحم الخنزير واعلم أن عليه في دينه في تزويجه إياها غضاضة».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 356 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 298 ح 6 ، الفقيه ج
3 ص 257 ح 7 ، الوسائل ج 14 ص 412 ح 1.
وما رواه في الكافي (1) في الصحيح كما عن ابن رئاب عن ابي
بصير وهو مشترك إلا أن الأظهر عندي عده في الصحيح كما تقدمت الإشارة إليه عن ابي
جعفر عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل له امرأة نصرانية له أن يتزوج عليها يهودية؟ فقال : إن أهل الكتاب مماليك
للإمام ، وذلك موسع منا عليكم خاصة ، فلا بأس أن يتزوج قلت : فإنه يتزوج عليها أمة؟
قال : لا يصلح له أن يتزوج ثلاث إماء ، فإن تزوج عليهما حرة مسلمة ولم تعلم أن له
امرأة نصرانية ويهودية ثم دخل بها فإن لها مما أخذت من المهر فإن شاءت أن تقيم بعد
معه أقامت ، وإن شاءت أن تذهب إلى أهلها ذهبت ، وإذا حاضت ثلاثة حيض أو مرت لها
ثلاثة أشهر حلت للأزواج ، قلت : فإن طلق عليها اليهودية والنصرانية قبل أن تنقضي
عدة المسلمة ، له عليها سبيل أن يردها إلى منزله؟ قال : نعم» (2).
وما رواه في الكافي والتهذيب (3) عن منصور بن
حازم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل تزوج ذمية على مسلمة ، ولم يستأمرها ، قال : ويفرق بينهما ،
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 358 ح 11 ، والتهذيب ج 7 ص 449 ح 5 ، الوسائل
ج 14 ص 420 ح 1.
(2) أقول : ومما يدل على كونهم مماليك للإمام عليهالسلام صحيحة زرارة عن أبى جعفر عليهالسلام قال : سألته عن نصرانية كانت تحت
نصراني فطلقها ، هل عليها عدة مثل عدة المسلمة؟ فقال : لا ، لأنه أهل الكتاب
مماليك الإمام ، ألا ترى أنهم يؤدون الجزية كما يؤدى العبد الضريبة ، ثم قال : قلت
: فان مات عنها وهي نصرانية وهو نصراني ، فأراد الرجل من المسلمين تزويجها ، قال :
لا يتزوجها المسلم حتى تعد من النصراني أربعة أشهر وعشرا. (منه ـ قدسسره ـ). وما رواه ـ قدسسره ـ موجود في التهذيب ج 7 ص 478 ح 126 ،
الكافي ج 6 ص 174 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 477 ح 1.
(3) الكافي ج 7 ص 241 ح 8 ، التهذيب ج 10 ص 144 ح 3 ، الوسائل
ج 18 ص 415 ب 49 ح 1.
قلت : فعليه أدب؟ قال : نعم اثنى عشر
سوطا ونصف ثمن حد الزاني وهو صاغر ، قلت : فإن رضيت المرأة الحرة المسلمة بفعله
بعد ما كان فعل؟ قال : لا يضرب ولا يفرق بينهما يبقيان على النكاح الأول» ، أقول :
في التهذيب «أمة» مكان «ذمية».
وما رواه في الفقيه (1) في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن هشام
بن سالم عن ابي عبد الله عليهالسلام «في رجل تزوج
ذمية على مسلمة قال : يفرق بينهما ، ويضرب ثمن الحد اثنى عشر سوطا ونصفا ، فإن
رضيت المسلمة ضرب ثمن الحد ولم يفرق بينهما ، قلت : كيف يضرب النصف؟ قال : يؤخذ
بالسوط بالنصف فيضرب به».
وما رواه الشيخ في التهذيب (2) عن أبى مريم
الأنصاري عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته
عن طعام أهل الكتاب ونكاحهم حلال هو؟ قال : نعم قد كان تحت طلحة يهودية».
وعن محمد بن مسلم (3) في الموثق عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «سألته
عن نكاح اليهودية والنصرانية ، فقال : لا بأس ، أما علمت أنه كان تحت طلحة بن عبد
الله يهودية على عهد النبي صلىاللهعليهوآله».
وما رواه في الكافي (4) عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال :
«سألت أبا عبد الله عليهالسلام هل للرجل أن
يتزوج النصرانية على المسلمة ، والأمة على الحرة؟ فقال : لا يتزوج واحدة منهما على
المسلمة ، ويتزوج المسلمة على الأمة والنصرانية ، وللمسلمة الثلثان وللأمة
والنصرانية الثلث».
وعن سماعة (5) في الموثق قال : «سألته عن اليهودية
والنصرانية أيتزوجها
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 269 ح 64 ، الوسائل ج 14 ص 419 ح 4.
(2) التهذيب ج 7 ص 298 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 416 ح 3.
(3) التهذيب ج 7 ص 298 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 419 ح 3.
(4) الكافي ج 5 ص 359 ح 5 ، الوسائل ح 14 ص 419 ح 3.
(5) الكافي ج 5 ص 357 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 419 ح 2.
الرجل على المسلمة؟ قال : لا ، ويتزوج
المسلمة على اليهودية والنصرانية».
وما في كتاب الفقه الرضوي (1) حيث قال عليهالسلام : وإن تزوجت
يهودية أو نصرانية فامنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، واعلم أن عليك في دينك
في تزويجك إياها غضاضة ، ولا يجوز تزويج المجوسية ، ولا يجوز أن تزوج من أهل
الكتاب ولا من الإماء إلا اثنتين». إلى آخره.
وكلام الشيخ علي بن بابويه المتقدم نقله عين صدر هذه
العبارة ، وقد تقدم التنبيه على أن أكثر عبائره وفتاويه في الرسالة مأخوذ من هذا
الكتاب ، وهذه الأخبار هي مستند قول الثاني.
والنوع الثاني : ما دل على التحريم مطلقا ، ومنها ما
رواه في الكافي والتهذيب (2) عن الحسن بن
الجهم في الموثق قال : «قال لي أبو الحسن الرضا عليهالسلام : يا أبا محمد
ما تقول في رجل يتزوج نصرانية على مسلمة؟ قلت : جعلت فداك ، وما قولي بين يديك ،
قال : لتقولن فإن ذلك يعلم به قولي ، قلت : لا يجوز تزويج النصرانية على مسلمة ،
ولا على غير مسلمة ، قال : لم؟ قلت : لقول الله عزوجل «وَلا
تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ» (3) قال : فما تقول في هذه الآية؟. «وَالْمُحْصَناتُ
مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ» (4) قلت فقوله «وَلا
تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ» نسخت هذه الآية فتبسم ثم سكت».
وعن زرارة (5) عن ابي جعفر عليهالسلام قال : «لا
ينبغي نكاح أهل الكتاب ، قلت :
__________________
(1) فقه الرضا ص 31 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 584 ح 2 مع اختلاف
يسير.
(2) الكافي ج 5 ص 357 ح 6 ، التهذيب ج 7 ص 297 ح 1 ، الوسائل ج
14 ص 410 ح 3.
(3) سورة البقرة ـ آية 221.
(4) سورة المائدة ـ آية 5.
(5) الكافي ج 5 ص 358 ح 7 ، التهذيب ج 7 ص 297 ح 2 ، الوسائل ج
14 ص 411 ح 4.
جعلت فداك وأين تحريمه؟ قال : قوله «وَلا
تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» (1).
وعن زرارة في الصحيح أو الحسن (2) قال : «سألت
أبا جعفر عليهالسلام عن قول الله
سبحانه «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ» فقال : هذه منسوخة بقوله «وَلا
تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ».
وما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره (3) عن ابي جعفر عليهالسلام في تفسير قوله
«وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» أن من كانت
عنده امرأة كافرة يعني على غير ملة الإسلام وهو على ملة الإسلام فليعرض عليها
الإسلام فإن قبلت فهي امرأته ، وإلا فهي بريئة منه ، فنهى الله أن يمسك بعصمهم.
وما رواه الراوندي في نوادره (4) بإسناده عن
موسى بن جعفر عن أبيه عليهماالسلام قال : «قال
علي عليهالسلام : لا يجوز
للمسلم التزويج بالأمة اليهودية ولا النصرانية ، لأن الله تعالى قال (مِنْ
فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ)» الحديث.
وروى العياشي في تفسيره (5) عن مسعدة بن
صدقة ، قال : سئل أبو جعفر عليهالسلام عن قول الله «وَالْمُحْصَناتُ
مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ» قال : نسختها «وَلا
تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ».
وهذه الأخبار أدلة القول الأول.
والنوع الثالث : ما دل على الجواز للضرورة ، ومنها ما
رواه في الكافي (6)
__________________
(1) سورة الممتحنة ـ آية 10.
(2) الكافي ج 5 ص 358 ح 8 ، التهذيب ج 7 ص 298 ح 3 ، الوسائل ج
14 ص 410 ح 1.
(3) تفسير القمي ج 2 ص 363 ، الوسائل ج 14 ص 417 ح 7.
(4) نوادر الراوندي ص 48 ، البحار ج 103 ص 380 ح 20 طبعة
الاخوندى.
(5) تفسير العياشي ج 1 ص 296 ح 38 عن ابن سنان عن أبى عبد الله
، مستدرك الوسائل ج 2 ص 584 ح 1 عن مسعدة بن صدقة.
(6) الكافي ج 5 ص 360 ح 8 ، الوسائل ج 14 ص 412 ح 3.
عن يونس عنهم عليهمالسلام قال : «لا
ينبغي للمسلم الموسر أن يتزوج الأمة إلا أن لا يجد حرة ، فكذلك لا ينبغي له أن
يتزوج امرأة من أهل الكتاب إلا في حال الضرورة ، حيث لا يجد مسلمة حرة ولا أمة».
وعن محمد بن مسلم في الصحيح (1) وإن اشتمل على
إرسال ابن أبي عمير لعدهم مرسلاته في الصحاح عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «لا
ينبغي للمسلم أن يتزوج يهودية ولا نصرانية وهو يجد مسلمة حرة أو أمة». والتقريب فيه
بحمل «لا ينبغي» على التحريم كما هو ظاهر الخبر الأول.
والنوع الرابع : ما دل على الجواز على كراهة ، ومنه
صحيحة معاوية ابن وهب (2) المتقدمة في
صدر روايات الجواز.
وما رواه في الكافي (3) في الصحيح أو الحسن عن عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث قال :
«وما أحب للرجل المسلم أن يتزوج اليهودية ولا النصرانية مخافة أن يتهود ولده أو
يتنصر».
وما رواه في كتاب قرب الاسناد (4) عن أبي
البختري عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام «أنه كره
مناكحة أهل الحرب».
إلا أن هذا مبني على أن لفظ «لا أحب» ولفظ «كره» بمعنى
المكروه المستعمل بين الناس ، وهو في الأخبار أعم من ذلك ، فإنه قد ورد بمعنى
التحريم كثيرا فهما من الألفاظ المتشابهة كما تقدم تحقيقه.
والنوع الخامس : ما دل على تخصيص الجواز بالبله كما رواه
في الكافي (5) عن
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 358 ح 9 ، التهذيب ج 7 ص 302 ح 17 ، الوسائل
ج 14 ص 421 ح 5.
(2) الكافي ج 5 ص 356 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 298 ح 6 ، الفقيه ج
3 ص 257 ح 7 ، الوسائل ج 14 ص 412 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 351 ح 15 ، الوسائل ج 14 ص 411 ح 5.
(4) قرب الاسناد ص 65 ، الوسائل ج 14 ص 411 ح 6.
(5) الكافي ج 5 ص 356 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 299 ح 7 مع اختلاف
يسير ، الوسائل ج 14 ص 414 ح 1.
زرارة قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن نكاح
اليهودية والنصرانية فقال : لا يصلح للمسلم أن ينكح يهودية ولا نصرانية ، وإنما
يحل منهن نكاح البله».
ولفظ «لا يصلح» وإن كان ظاهرا في الكراهة باعتبار اصطلاح
الناس ، إلا أنه في الأخبار من الألفاظ المتشابهة المستعملة في التحريم أيضا ،
وقرينة التحريم هنا قوله «إنما يحل».
والنوع السادس : ما ورد في التمتع بهن ، ومن ذلك ما رواه
في التهذيب (1) عن الحسن بن
علي بن فضال في الموثق عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : لا بأس
أن يتمتع الرجل باليهودية والنصرانية وعنده حرة».
وعن زرارة (2) قال : «سمعته يقول : لا بأس بأن
يتزوج اليهودية والنصرانية متعة ، وعنده امرأة».
وعن محمد بن سنان (3) عن الرضا عليهالسلام قال : «سألته
عن نكاح اليهودية والنصرانية ، فقال : لا بأس ، فقلت : فمجوسية ، فقال : لا بأس به
، يعني متعة».
أقول : قوله «يعني متعة» من كلام الراوي ، وهو تفسير
لكلامه عليهالسلام وبيان لإجماله
، لعلمه بذلك بقرينة الحال يومئذ ، إلا أن هذا التفسير يمكن ان يكون للمجوسية خاصة
، وأن نفي البأس عنها إنما هو بالنسبة إلى المتعة دون الدائم ، وحينئذ فنفي البأس
في اليهودية والنصرانية أعم من المتعة والدائم ، وبهذا تكون هذه الرواية من روايات
النوع الأول ، وهذا هو الأقرب ، ويحتمل أن يكون للجميع.
وعن منصور الصيقل (4) عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «لا بأس
بالرجل أن يتمتع
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 256 ح 28 ، الوسائل ج 14 ص 415 ح 1.
(2) التهذيب ج 7 ص 256 ح 29 ، الوسائل ج 14 ص 415 ح 2.
(3) التهذيب ج 7 ص 256 ح 31 ، الوسائل ج 14 ص 462 ح 4.
(4) التهذيب ج 7 ص 256 ح 32 ، الوسائل ج 14 ص 462 ح 5.
بالمجوسية».
وعن إسماعيل بن سعد الأشعري (1) في الصحيح قال
: «سألته عن الرجل يتمتع من اليهودية والنصرانية؟ قال : لا أرى بذلك بأسا ، قال :
قلت : بالمجوسية؟ قال : وأما المجوسية فلا». وحمل في التهذيبين المنع عن المجوسية
على الكراهة عند التمكن من غيرها ، هذا ما ورد من الأخبار على ما عرفت من الاختلاف
ومثلها الآيات القرآنية ، فإنها مختلفة أيضا.
فمما يدل على التحريم قوله عزوجل في سورة
البقرة «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ ـ إلى قوله ـ وَلا
تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا» (2). وقوله عزوجل في سورة
الممتحنة «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ
مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ
عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ
لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ـ إلى قوله ـ وَلا
تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» (3).
ومما يدل على الجواز قوله عزوجل في سورة
المائدة «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ» (4).
وأنت خبير بأن أكثر الأخبار دال على الجواز وإن كان على
كراهة كما يفهم من الأخبار الأخر المتقدمة ، ولا ينافي ذلك روايات المتعة إن لم
تؤكده ، لدلالتها على الجواز في الجملة ، ولهذا مال إلى الجواز شيخنا في المسالك
وسبطه السيد السند في شرح النافع.
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 256 ج 30 ، الوسائل ج 14 ص 461 ح 1.
(2) سورة البقرة ـ آية 221.
(3) سورة الممتحنة ـ آية 10.
(4) سورة المائدة ـ آية 5.
ويؤيده ما رواه النعماني في تفسيره (1) عن علي عليهالسلام وصرح به الثقة
الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره (2) أيضا في بيان ما نصفه منسوخ من
الآيات ونصفه باق من أن قوله «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى
يُؤْمِنَّ»
قد نسخ بقوله تعالى في سورة المائدة «الْيَوْمَ
أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ـ إلى قوله ـ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ» (3) وقوله «وَلا
تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا» لم ينسخ إلى
آخر كلامهما زيد في إكرامهما ، وحينئذ ربما يمكن القول بترجيح الجواز ، إلا أن
إجماع العامة على الجواز كما نقله الشيخ وغيره.
وقد تقرر في طريق الترجيح في مقام اختلاف الأخبار ، عرض
الأخبار على مذهبهم والأخذ بخلافه كما تضمنته مقبولة عمر بن حنظلة (4) ، ورواية
زرارة وغيرها حتى ورد أنهم ليسوا من الحنيفية على شيء ، وأن الرشد في خلافهم ،
وبلغ الأمر إلى أنهم أمروا شيعتهم بأنه متى أعوزهم الحكم الشرعي رجعوا إلى قضاة
العامة ، وأخذوا بخلاف ما يفتون به ، وحينئذ فيشكل العمل بأخبار الجواز ، لإمكان
الحمل على التقية.
فإن قيل : إن من جملة القواعد أيضا العرض على الكتاب
العزيز ، والأخذ بما وافقه ، بل العرض عليه والترجيح مقدم في الأخبار على رتبة
العرض على مذهب العامة.
قلنا : نعم الأمر وإن كان كذلك ، لكن الآيات كما عرفت
مختلفة ، والجمع بينها مشكل ، إلا أنه يمكن أن يقال : إن مقتضى ما قدمنا نقله عن
تفسير النعماني وعلي بن إبراهيم أن آية «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ» (5) الدالة على التحريم قد
__________________
(1) المحكم والمتشابه ص 34 و 35 ، الوسائل ج 14 ص 413 ح 6.
(2) تفسير القمي ج 1 ص 73.
(3) سورة المائدة ـ آية 5.
(4) الفقيه ج 3 ص 5 ح 2 ، الوسائل ج 18 ص 75 ح 1.
(5) سورة البقرة ـ آية 221.
نسخت بآية «وَالْمُحْصَناتُ
مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» (1) الدالة على الجواز ، ولهذا جعلنا ذلك
مؤيدا للجواز.
ومقتضى ما دلت عليه حسنة زرارة أو صحيحته ، وكذا روايته
الأخرى المتقدمتين في النوع الثاني أن آية التحريم إنما هي «وَلا
تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» (2) وأن هذه الآية قد نسخت آية «وَالْمُحْصَناتُ
مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» ويؤيد ذلك
الروايات الواردة في تفسير «وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» المتقدمة في
الموضع المذكور.
وأما آية «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ» فالظاهر من
إيراده في الاستدلال على التحريم في حسنة زرارة وروايته بآية «وَلا
تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» دونها ، مع أنه
أصرح في التحريم : أنها قد نسخت بآية المائدة كما نقله الشيخان المتقدم ذكرهما في
تفسيريهما ، ولعله بعد ذلك نسخت آية المائدة بآية «وَلا
تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» كما صرحت به
الروايتان المذكورتان.
وما يقال من أن المائدة آخر القرآن نزولا غير معلوم على
إطلاقه ، نعم بعض آياتها كذلك ، فإن الظاهر من الأخبار أن السور لم تنزل دفعة
واحدة بل القرآن كله إنما نزل نجوما بحسب الأحكام المتجددة والوقائع المتعددة ،
ولهذا صرحوا بأنه لم يتكامل في نزوله إلا بعد عشرين سنة ، وحينئذ فيكون القرآن
دليلا على التحريم بمعونة هذه الروايات ، لأنا لا نفهم من القرآن إلا ما أفهمونا
إياه ، وأوقفونا عليه ، سيما عند تشابهه علينا ، ونسخ بعضه بعضا.
ومن ذلك يظهر ترجيح القول بالتحريم بالنظر إلى هاتين
القاعدتين الواردتين في مقام الترجيح ، لأن العرض على مذهب العامة والأخذ بخلافه
لا يتم إلا على القول بالتحريم والعرض على الكتاب بالتقريب الذي أوضحناه
__________________
(1) سورة المائدة ـ آية 5.
(2) سورة الممتحنة ـ آية 10.
يقتضي القول بالتحريم ، فإنه هو
المفهوم من الآيات بمعونة هذه الروايات.
وأما ما ذكره شيخنا في المسالك ـ من أن إثبات النسخ بهذه
الرواية يعني حسنة زرارة مشكل ، خصوصا مع عدم صحة سندها ـ محل نظر ، فإن حسنها
إنما هو بإبراهيم بن هاشم الذي لا راد لروايته لما هو عليه من علو الشأن ورفعة
المكان ، حتى عد روايته في الصحيح جملة من محققي متأخري المتأخرين كالشيخ البهائي
ووالده ، وشيخنا المجلسي ووالده المولى محمد تقي وغيرهم.
وهو قد اعترف في غير موضع ، وكذا سبطه السيد السند بأنه
لا راد لروايته ، وإن نظموها في قسم الحسن ، فالمناقشة في ذلك واهية على أنها كما
عرفت قد عاضدها رواية زرارة الثانية ، ورواية تفسير الشيخ علي بن إبراهيم ، وحينئذ
فتحمل تلك الروايات الدالة على الجواز على التقية.
ويؤيده ما سيأتي تحقيقه ـ إن شاء الله تعالى ـ في مسألة
اشتراط الكفاءة في في النكاح التي هي عبارة عن التساوي في الايمان ـ كما هو
المشهور ـ أو الإسلام ـ كما هو القول الآخر ـ فإنه وإن كان المشهور اختصاص ذلك
بجانب الزوج إلا أن الأظهر هو اشتراط ذلك من الجانبين ، كما هو مذهب سلار ، حيث
قال : ومن الشرائط أن تكون مؤمنة أو مستضعفة ، فإن كانت ذمية أو مجوسية أو معاندة
لم يحل نكاحها قط ، لأن الكفاءة في الدين مراعاة عندنا في صحة هذا العقد ، فأما في
عقد المتعة والإماء فجائز في الذميات خاصة ، دون المجوسية ، انتهى.
وأما ما ذكره السيد السند في شرح النافع وإليه أشار جده
في المسالك من أن آية «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ»
(1) الدالة على
الجواز. لا ينافيها قوله تعالى «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى
يُؤْمِنَّ»
(2) لأن الأولى
خاصة ، والعمل على الخاص مقدم.
__________________
(1) سورة المائدة ـ آية 5.
(2) سورة البقرة ـ آية 221.
ففيه أنه جيد لو لم تعارضه الرواية عنهم عليهمالسلام فإن موثقة
الحسن بن الجهم (1) دلت على أن
آية «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ» قد نسخت آية «وَالْمُحْصَناتُ» وهو وإن وقع في
كلام الراوي إلا أنه عليهالسلام قد قرره على
ذلك ، لكن هذه الرواية معارضة بما قدمنا نقله عن تفسير النعماني.
وكلام الشيخ علي بن إبراهيم في تفسيره ـ من أن آية «وَلا
تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ» قد نسخت بقوله
تعالى في سورة المائدة «الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ـ إلى قوله ـ وَالْمُحْصَناتُ» (2) وما ذكروه من
الجمع بين الآيتين بتخصيص إحداهما بالأخرى ـ لا يتم على كل من الروايتين ، بل
الروايتان ظاهرتان في
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 357 ح 6 ، والتهذيب ج 7 ص 297 ح 1 ، الوسائل
ج 14 ص 410 ح 3.
(2) أقول : وبذلك يظهر لك ما في قوله في المسالك ـ من أنه لا
وجه للنسخ بعد إمكان الجمع بين الآيتين بتخصيص عموم آية «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ» بآية «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ»
فان فيه أن الروايات قد صرحت بالنسخ وان اختلف في أن أيتهما الناسخة وأيتهما
المنسوخة.
فقوله
«لا وجه للنسخ فيه» نوع اعتراض على الامام ـ عليهالسلام ـ في حكمه بالنسخ ، وهو لا يخلو
من سوء أدب. نعم لو كان ذلك في مقابلة دعوى من ادعى ذلك بغير دليل اتجه ما ذكره.
وكذا
قوله «وأما آية النهي عن التمسك بعصم الكوافر فليست صريحة في إرادة النكاح ، ولا
فيما هو أعم منه» فان فيه أنه وان كان الأمر كذلك بالنظر الى ظاهر الآية ، ولكن
بعد ورود الروايات يكون «وَلا
تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» ناسخة
لاية «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ»
وورود تفسير
الآية بالنكاح كما قدمنا نقله عن تفسير على بن إبراهيم ، فلا وجه لهذا الكلام ،
وهل هو الا نوع رد على الامام ـ عليهالسلام ـ فيما فسر به الآية في المقام.
وبالجملة
فإن كلامه هنا بعيد عن التحقيق ، وسحيق في ذلك ، وأى سحيق (منه ـ قدسسره ـ).
في التعارض ، وأنه لا مخرج من ذلك إلا
بنسخ إحداهما للثانية ، وإن وقع الاختلاف بينهما في أن أيتهما الناسخة وأيتهما
المنسوخة.
وكيف كان فالمسألة بمحل من الاشكال ، لما عرفت من
الاختلاف في الآيات والروايات ، وإن كان ما ذكرناه هو الذي يترجح في النظر القاصر
والذهن الفاتر ، والله العالم.
تنبيهات
الأول : ظاهر
الأصحاب أن المجوس ليسوا داخلين تحت إطلاق أهل الكتاب ، وأن أهل الكتاب حقيقة إنما
هم اليهود والنصارى ، وهذا البحث المتقدم مخصوص بهم وإن ألحقوا بهم في بعض
الأحكام.
قال شيخنا في المسالك بعد تمام البحث في اليهود والنصارى
: بقي الكلام في المجوسية ، فإن الظاهر عدم دخولها في أهل الكتاب ، لقول النبي صلىاللهعليهوآله (1) «سنوا بهم سنة
أهل الكتاب». فإن فيه إيماء إلى أنهم ليسوا منهم ولذلك قيل : إنهم ممن لهم شبهة
كتاب ، وقد روي (2) أنهم حرقوا
كتابهم فرفع. وأيضا فلا يلزم أن يسن بهم سنتهم في جميع الأحكام ، وظاهر الرواية
كونه في الجزية ، ويؤيده أنهم رووا فيها أيضا غير ناكحي نسائهم ولا أكل ذبائحهم ،
فيضعف الاحتجاج ببعضها دون بعض ، والرواية عامية ، انتهى.
أقول : المفهوم من بعض الأخبار كونهم من أهل الكتاب وأنه
كان لهم نبي وكتاب ، فروى في الكافي والتهذيب (3) عن أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابنا
__________________
(1) الفقيه ج 2 ص 29 ح 11 ، الوسائل ج 11 ص 97 ح 5.
(2) التهذيب ج 6 ص 175 ح 28 ، الوسائل ج 11 ص 97 ح 5.
(3) الكافي ج 3 ص 567 ح 4 ، التهذيب ج 4 ص 113 ح 1 ، الوسائل ج
11 ص 96 ح 1.
قال : «سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن المجوس كان
لهم نبي؟ فقال : نعم. أما بلغك كتاب رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى أهل مكة
أن أسلموا وإلا نابذتكم بحرب ، فكتبوا إلى النبي صلىاللهعليهوآله أن خذ منا
الجزية ودعنا على عبادة الأصنام ، فكتب إليهم النبي صلىاللهعليهوآله : إني لم آخذ
الجزية إلا من أهل الكتاب ، فكتبوا إليه صلىاللهعليهوآله يريدون بذلك
تكذيبه صلىاللهعليهوآله : زعمت أنك لا
تأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ثم أخذت الجزية من مجوس هجر ، فكتب إليهم النبي صلىاللهعليهوآله : أن المجوس
كان لهم نبي فقتلوه ، وكتاب فأحرقوه ، أتاهم نبيهم بكتابهم في اثنى عشر ألف جلد
ثور».
وما رواه في التهذيب (1) عن أبي يحيى الواسطي قال : «سئل أبو
عبد الله عليهالسلام عن المجوس
فقال : كان لهم نبي قتلوه وكتاب أحرقوه ، أتاهم نبيهم بكتابهم في اثنى عشر ألف جلد
ثور.».
«وقال الصدوق في الفقيه (2) المجوس تؤخذ
منهم الجزية ، لأن النبي صلىاللهعليهوآله قال : سنوا
بهم سنة أهل الكتاب ، وكان لهم نبي اسمه جاماست فقتلوه ، وكتاب يقال إنه كان يقع
في اثنى عشر ألف جلد ثور فحرقوه».
وروى الصدوق في كتاب المجالس (3) بسنده عن
الأصبغ بن نباتة أن عليا عليهالسلام قال على
المنبر : سلوني قبل أن تفقدوني ، فقام إليه الأشعث فقال : يا أمير المؤمنين عليهالسلام كيف تؤخذ
الجزية عن المجوس ولم ينزل عليهم كتاب ولم يبعث إليهم نبي فقال : بلى يا أشعث قد
أنزل الله عليهم كتابا وبعث إليهم نبيا». الحديث.
وروى الشيخ الطوسي في كتاب مجالسه (4) عن علي بن علي
بن دعبل أخي
__________________
(1) التهذيب ج 6 ص 175 ح 28 ، الوسائل ج 11 ص 97 ح 3.
(2) الفقيه ج 2 ص 29 ج 11 ، الوسائل ج 11 ص 97 ح 5 ، وفيهما
اختلاف مع الأصل.
(3) المجالس ص 206 ح 55 ، الوسائل ج 11 ص 98 ح 7.
(4) مجالس ابن الشيخ ج 2 ص 375 المجلس ـ 13 ، الوسائل ج 11 ص
98 ح 9.
دعبل بن علي عن علي بن موسى الرضا عليهالسلام عن أبيه عن
آبائه عليهمالسلام عن علي بن
الحسين عليهالسلام أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : سنوا
بهم سنة أهل الكتاب يعني المجوس».
وروى الشيخ المفيد في المقنعة (1) عن أمير
المؤمنين عليهالسلام مرسلا أنه قال
: المجوس إنما ألحقوا باليهود والنصارى في الجزية والديات لأنه قد كان لهم في ما
مضى كتاب».
أقول : الظاهر أنه حيث لم يشتهر نبي المجوس وكتابهم
كشهرة كتابي اليهود والنصارى ونبيهما بل كانوا عند الناس أولا وآخرا أنهم ليسوا
بأهل الكتاب ولا نبي وقع التعبير بأن يسن بهم سنة أهل الكتاب المشهورين ويلحقوا
بهم.
وظاهر أكثر هذه الأخبار أن ذلك إنما هو بالنسبة إلى
الجزية ، وظاهر خبر الشيخ المفيد الإلحاق في الديات أيضا ، والظاهر أنه لهذا لم
تجر عليهم أحكام أهل الكتاب المذكورة في هذا المقام بالنسبة إلى الكلام المتقدم
نصا وفتوى ، وإن كانت الأخبار مختلفة فيهم أيضا لكن لا على الوجه المذكور.
ومن ذلك ما تقدم في النوع الأول من قول الرضا عليهالسلام في كتاب
الفقيه (2) «ولا يجوز
تزويج المجوسية».
وما تقدم في النوع السادس من رواية محمد بن سنان (3) عن الرضا عليهالسلام قال : «سألته
عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال : لا بأس ، فقلت : فمجوسية ، فقال : لا بأس به
يعني متعة». بالتقريب المذكور في ذيلها ثمة.
ورواية منصور الصيقل (4) المتقدم نقلها ثمة أيضا عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «لا بأس
بالرجل أن يتمتع بالمجوسية».
__________________
(1) المقنعة ص 44 ، الوسائل ج 11 ص 98 ح 8.
(2) الفقه الرضوي ص 235 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 584.
(3 و 4) التهذيب ج 7 ص 256 ح 31 و 32، الوسائل ج 14 ص 462 ح 4 و
5.
وصحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري (1) المتقدمة ثمة أيضا
قال : «سألته عن الرجل يتمتع من اليهودية والنصرانية : قال : لا أرى بذلك بأسا قال
: قلت : بالمجوسية؟ قال : أما المجوسية فلا».
وروى الشيخ في التهذيب (2) في الصحيح عن
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته
عن الرجل المسلم يتزوج المجوسية؟ فقال : لا ، ولكن إن كانت له أمة مجوسية فلا بأس
أن يطأها ويعزل عنها ولا يطلب ولدها».
قال في المسالك : وليس في حكم المجوسية أوضح من هذه
الرواية ، وقد دلت على النهي عن تزويجها مطلقا الشامل للدوام والمتعة ، ونفي البأس
عن وطئها بملك اليمين ، ويمكن أن يستنبط منها جواز المتعة ، لما روي أن المتمتع
بها بمنزلة الأمة ، إلا أن يلحق بأهل الكتاب حقيقة أو حكما ، وفيه نظر لأن الرواية
عامية. انتهى.
أقول : قد دلت صحيحة محمد بن مسلم وكلامه عليهالسلام في الفقه
الرضوي على تحريم التزويج بالمجوسية ، وظاهرهما الإطلاق أعم من أن يكون دائمة أو
متعة إلا أن غيرهما من هذه الأخبار قد اختلفت في المتعة ، فمما يدل على الجواز
رواية محمد بن سنان ومنصور الصيقل ، ومما يدل على المنع صحيحة إسماعيل بن سعد.
وحينئذ فمن يعمل بالأخبار كلها ضعيفها وصحيحها فوجه
الجمع عنده هو حمل صحيحة إسماعيل على ما ذكره الشيخ من الكراهة عند التمكن من غير
المجوسية ، وتخصيص إطلاق كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه
وصحيحة محمد بن مسلم بهذه الأخبار الدالة على جواز المتعة ، فيحمل ذلك الإطلاق على
الدائمة وهذا هو الأظهر.
ومن يعمل على الاصطلاح المحدث كشيخنا الشهيد الثاني في
المسالك وغيره ،
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 256 ح 30 ، الوسائل ج 14 ص 461 ح 1.
(2) التهذيب ج 8 ص 292 ح 63 ، الفقيه ج 3 ص 258 ح 8 ، الوسائل
ج 14 ص 418 ح 1.
فإنهم يقفون على إطلاق الصحيحة
المذكورة ونحوها فيمنعون من التزويج بها مطلقا ، إلا أن فيه أنك قد عرفت الروايات
المتقدمة أنها دالة على أن المجوس من جملة أهل الكتاب فيلحقهم في هذا المقام ما
يلحق اليهود والنصارى من الأحكام ولا سيما التمتع الذي تكاثرت به الأخبار.
وقوله في المسالك : أن الرواية بكونهم ملحقين بأهل
الكتاب عامية ـ بناء على ما قدمنا نقله عنه من إيراد تلك الرواية العامية ـ ضعيف
لما عرفت من الروايات التي أوردناها من طرق أصحابنا ـ رضوان الله عليهم.
وبالجملة فالأظهر هو المنع من تزويجها دواما ، وأنه يجوز
تزويجها متعة وبملك اليمين.
وأما قوله في المسالك ـ بعد ذكر صحيحة محمد بن مسلم ـ أنه
ليس في روايات المسألة أوضح من هذه الرواية يعني باعتبار السند وصحته ، ففيه أن
صحيحة إسماعيل مثلها في الصحة لأنه نقلها في التهذيب عن أحمد بن محمد بن عيسى عن
إسماعيل ، وطريقه إلى أحمد المذكور صحيح كما صرحوا به في الرجال ، وهي في المعنى
مؤكدة لظاهر إطلاق صحيحة محمد بن مسلم.
الثاني : قد اختلف كلام
الأصحاب في الصابئة ودينهم فقال الشيخ في المبسوط كما قدمنا نقله : فأما السامرة
والصابئون فقد قيل (1) إن السامرة
قوم من اليهود ، والصابئون قوم من النصارى ، والصحيح في الصائبة أنهم غير النصارى
، لأنهم يعبدون الكواكب.
وقال الفيومي في كتاب المصباح المنير (2) : وصبأ من دين
الى دين يصبأ ـ مهموز
__________________
(1) أقول : وهذا القول حكاه أيضا العلامة في القواعد فقال :
وأما السامرة فقيل : أنهم من اليهود ، والصابئون من النصارى ، والأصل أنهم ان
كانوا يخالفون القبلتين في فروع الدين فهم منهم ، فان خالفوهم في أصله فهم ملاحدة
لهم حكم الحربيين ، انتهى. (منه ـ رحمهالله ـ).
(2) المصباح المنير ج 1 ص 454.
بفتحتين ـ : خرج ، فهو صابئ ، ثم جعل
هذا اللقب علما على طائفة من الكفار يقال أنهم تعبد الكواكب في الباطن ، وتنسب إلى
النصرانية في الظاهر ، وهم الصابئة والصابئون ويدعون أنهم على دين صابئ بن شيث بن
آدم ، ويجوز التخفيف فيقال : الصابون.
وقال في القاموس (1) : والصابئون يزعمون أنهم على دين نوح
عليهالسلام وقبلتهم من
مهب الشمال عند منتصف النهار.
وقال في الصحاح : هم جنس من أهل الكتاب. ونقل العلامة في
التذكرة عن الشافعي أنهم مبتدعة النصارى كما أن السامرة مبتدعة اليهود.
أقول : والظاهر أن هذا هو القول الذي رده الشيخ في
المبسوط.
وقال المحقق الشيخ علي في شرح القواعد : ويقال إن
الصابئين فرقتان ، فرقة توافق النصارى في أصول الدين ، والأخرى تخالفهم فيعبدون
الكواكب السبعة ، وتضيف الآثار إليها وتنفي الصانع المختار.
قال : وكلام المفيد قريب من هذا ، لأنه قال : إن جمهور
الصابئين توحد الصانع في الأزل ، ومنهم من يجعل معه هيولى في القدم صنع منها
العالم ، فكانت عندهم الأصل ، ويعتقدون في الفلك وما فيه الحياة والنطق أنه المدبر
في هذا العالم الدال عليه وعظموا الكواكب وعبدوها من دون الله ، وسموها بعضهم
ملائكة ، وجعلها بعضهم آلهة وبنوا لها بيوتا للعبادات ، انتهى.
وفي كتاب تفسير الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي (2) : الصابئون
قوم لا مجوس ولا يهود ولا نصارى ولا مسلمون ، ولكنهم يعبدون الكواكب والنجوم.
وفي التبيان (3) للشيخ أبي جعفر الطوسي ، ومجمع
البيان (4) لأبي علي
الطبرسي :
__________________
(1) القاموس ج 1 ص 21.
(2) تفسير على بن إبراهيم القمي ج 1 ص 48.
(3) التبيان ج 1 ص 283.
(4) مجمع البيان ج 1 ص 126.
إنه لا يجوز عندنا أخذ الجزية عن
الصابئة لأنهم ليسوا من أهل الكتاب.
إلى غير ذلك من أقوال العلماء المختلفة فيهم ، ولا سيما
في كتاب الملل والنحل ، فإنهم تكلم فيهم في مواضع وأطال.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه الطائفة ما
نقله الشيخ فخر الدين ابن طريح في كتاب مجمع البحرين (1) عن الصادق عليهالسلام قال : «سمي
الصابئون لأنهم صبوا إلى تعطيل الأنبياء والرسل والشرائع ، وقالوا كلما جاءوا به
باطل ، فجحدوا توحيد الله ونبوة الأنبياء ورسالة المرسلين ، ووصية الأوصياء ، فهم
بلا شريعة ولا كتاب ولا رسول» ، ومن هذا الخبر يظهر أنهم ملاحدة كفار ، ولا مجرى
لهم في هذا المضمار.
وأما السامرة فظاهر كلام من تعرض لذكرهم أنهم قوم من
اليهود كما تقدم في عبارة الشيخ في المبسوط ، والشيخ إنما أنكر ذلك في الصابئين ،
ولم يتعرض لذكر السامرة ، وربما أشعر كلامه بالموافقة على ما ذكره.
قال في كتاب المصباح المنير (2) : فالسامرة
فرقة من اليهود وتخالف في أكثر الأحكام. ونحو ذلك نقل العلامة ـ أجزل الله إكرامه
ـ في القواعد ، وحينئذ فالظاهر إجراء أحكام اليهود عليهم لصدق الاسم ، ودوران
الأحكام مداره ، والله العالم.
الثالث : قال في
المسالك : واعلم أنه لا فرق في أهل الكتاب بين الحربي منهم والذمي لشمول الاسم
لهما ، ولكن تتأكد الكراهة في نكاح الحربية حذرا من أن يسترق وهي حامل منه ، ولا
يقبل قولها في أن حملها من مسلم.
أقول : الظاهر بعد ما ذكره ـ قدسسره ـ من الشمول
للحربي في هذا الحكم ، فإنه وإن كان الأمر كذلك من حيث الإطلاق ، وإلا أن حكم الحربي
لما كان إنما هو القتل أو الدخول في الإسلام كتابيا أو غير كتابي وجب تخصيص
__________________
(1) مجمع البحرين ج 1 ص 259.
(2) المصباح المنير ج 1 ص 392.
الحكم بغير الحربي ، وإلا لجاز نكاح
الحربية من غير أهل الكتاب ، لأن الجميع واحد من حيث الأحكام ، مع أنه لا يقول به.
على أن بعض روايات المسألة تضمن التعبير بالذمية كرواية
منصور بن حازم (1) ورواية هشام
بن سالم (2) المتقدمتين في
النوع الأول ، وحينئذ فيجب حمل ما عداهما من أخبار المسألة عليهما ، ويصير الحكم
مختصا بالذمية دون الحربية ، وبالجملة فإن ما ذكره من العموم عندي محل إشكال.
ثم إنه قال في المسالك أيضا : وإنما اختص أهل الكتاب
باليهود والنصارى دون غيرهم ممن يتمسكون بكتب الأنبياء كصحف شئت وإدريس وإبراهيم
أو بالزبور ، لأن تلك الكتب لم تنزل عليهم بنظم تدرس وتتلى ، وإنما أوحي إليهم
معانيها ، وقيل : إنها كانت حكما ومواعظ لم تتضمن أحكاما وشرائع ، ولذلك كان كل
خطاب في القرآن لأهل الكتاب مختصا بهاتين الملتين ، انتهى.
المسألة الثانية : في ارتداد
أحد الزوجين أو إسلامه ، والكلام هنا يقع في مواضع :
الأول : قد صرح
الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ بأنه لو ارتد أحد الزوجين عن الإسلام قبل الدخول
انفسخ العقد بينهما في الحال ، ونسب ذلك إلى عامة أهل العلم من الأصحاب وغيرهم ،
سواء كان الارتداد عن ملة أو عن فطرة ، لأن الارتداد نوع من أنواع الكفر الذي لا
يباح التناكح معه.
ثم إنه لا يخلو إما أن يكون المرتد هو الزوجة أو الزوج ،
فإن كان الزوجة فإنه لا شيء لها لأن الفسخ جاء من قبلها قبل الدخول بها ، ويمكن
الاستدلال بفحوى ما يدل على أن النصرانية إذا أسلمت قبل الدخول انفسخ نكاحها ولا
مهر لها ، كما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، فإن
ذلك
__________________
(1) الكافي ج 7 ص 241 ح 8 ، التهذيب ج 10 ص 144 ح 3 ، الوسائل
ج 18 ص 415 ب 49 ح 1.
(2) الفقيه ج 3 ص 269 ح 64 ، الوسائل ج 14 ص 419 ح 4.
يقتضي سقوط المهر هنا بطريق أولى (1).
وإن كان المرتد الزوج فعليه نصف المهر المسمى إن كانت
التسمية صحيحة ، لأن الفسخ جاء من قبله فأشبه الطلاق ، وإن كانت التسمية فاسدة
فنصف مهر المثل وإن لم يكن سمى شيئا فالمتعة ، كذا صرح جملة منهم.
وقيل بثبوت جميع المهر في الصورة المذكورة ، لأنه هو
الثابت بالعقد ، وتنصيفه يحتاج إلى دليل ، وقيام الدليل على التنصيف بالطلاق أو
بإضافة الموت على قول لا يوجب إلحاق ما لا دليل عليه إلا بطريق القياس المحظور في
الشريعة.
واختار هذا القول شيخنا في المسالك ، وسبطه السيد السند
في شرح النافع وقوته ظاهره (2) إلا أنه قد
روي في الكافي والتهذيب (3) عن السكوني عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال
أمير المؤمنين عليهالسلام في مجوسية
أسلمت قبل أن يدخل بها زوجها فقال أمير المؤمنين عليهالسلام لزوجها : أسلم
، فأبى زوجها أن يسلم ، فقضى لها عليه نصف الصداق ، قال : ولم يزدها الإسلام إلا
عزا».
والظاهر أنه إنما قضى عليهالسلام لها بنصف
المهر عليه ، لأن الفسخ جاء من قبله بعد إسلامه بعد تكليفه له عليهالسلام بذلك ، فإنه
لو أسلم لكانا على نكاحهما ، فيكون من قبيل ما نحن فيه ، وفيه إشكال يأتي التنبيه
عليه ، قالوا : ولو وقع الارتداد
__________________
(1) وجه الأولوية أنه إذا كان المهر يسقط بالإسلام فإنه يسقط
بالكفر بطريق أولى (منه ـ قدسسره ـ).
(2) وبنحو ذلك صرح سبطه في شرح النافع فقال : ان كان الارتداد
بعد الدخول وقف انفساخ العقد على انقضاء العدة إذا كان الارتداد من الزوجة وكان عن
ملة فإن رجع المرتدة قبل انقضائها ثبت النكاح ، والا تبين انفساخه من حين الارتداد
من غير خلاف عندنا وعند أكثر العامة. انتهى ، والرواية كما ترى بخلافه (منه ـ قدسسره ـ).
(3) الكافي ج 5 ص 436 ح 6 ، التهذيب ج 8 ص 92 ح 234 ، الوسائل
ج 14 ص 422 ح 7.
منهما دفعة انفسخ النكاح إجماعا ، كذا
نقل عن التذكرة ، وهل يسقط المهر أم لا؟ وجهان ، والأصل يقتضي العدم.
هذا فيما إذا كان الارتداد قبل الدخول ، وأما بعد الدخول
، فإن كانت المرتدة هي المرأة ملية كانت أو فطرية وقف انفساخ العقد على انقضاء
العدة وهي عندهم عدة الطلاق ، ولم أقف فيها على نص ، فإن انقضت العدة ولم ترجع إلى
الإسلام فقد بانت ، ولا يجوز له في ضمن العدة التزويج بأختها ولا بخامسة لأنها
كالعدة الرجعية ، حيث إنه يرجى رجوعها وعودها في كل وقت ، كذا ذكروه ، ولا يحضرني
الآن نص في أنها هل تبين بمجرد الارتداد ، أو يقف على انقضاء العدة كما ذكروه.
وإن كان المرتد هو الزوج فإن كان عن ملة وقف الفسخ على
انقضاء العدة وهي كعدة الطلاق ، فإن عاد قبل انقضاء عدتها فهو أملك بها ، وإلا فقد
بانت منه ، كذا قالوا ، وبه صرح في المسالك.
والذي حضرني من الأخبار المتعلقة بهذه الصورة حسنة أبي
بكر الحضرمي (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «إذا
ارتد الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلقة ثلاثا وتعتد منه
كما تعتد المطلقة ، فإن رجع إلى الإسلام وتاب قبل أن يتزوج فهو خاطب من الخطاب ،
ولا عدة عليها منه ، وإنما عليها العدة لغيره ، فإن قتل أو مات قبل انقضاء العدة
اعتدت منه عدة المتوفى عنها زوجها ، وهي ترثه في العدة ولا يرثها إن ماتت ، وهو مرتد
عن الإسلام».
وهذه الرواية ـ كما ترى ـ دالة على أنها تبين منه بمجرد
الارتداد كما تبين المطلقة ثلاثا ، وأنه لو تاب وهي في العدة فهو خاطب من الخطاب ،
وهو أيضا صريح في البينونة بمجرد الارتداد ، غاية الأمر أن له أن يتزوجها في العدة
، حيث
__________________
(1) الكافي ج 7 ص 153 ح 3 مع اختلاف يسير ، التهذيب ج 9 ص 373
ح 1 وج 10 ص 142 ح 24 ، الفقيه ج 4 ص 242 ب 169 ح 2 ، الوسائل ج 17 ص 386 ح 4.
إنها عدته ، وأما غيره فلا يتزوجها
إلا بعد انقضاء العدة.
ومورد الخبر هو الملي ، لأن الفطري ـ كما سيأتي الكلام
فيه ـ يجب قتله ، ولا يتزوج ولا يقبل توبته بالنسبة إلى التزويج ونحوه ، وهم قد
ذكروا ـ كما قدمنا نقله عنهم ـ أنه يقف فسخ عقد النكاح على انقضاء عدة المرأة منه
، وأنه إن عاد إلى الإسلام قبل انقضاء العدة فهو أملك بها ولا يحتاج إلى عقد آخر
والرواية ـ كما ترى ـ على خلافه ، وقد صرحوا بأنه لا يسقط من المهر هنا شيء
لاستقراره بالدخول ، وهو كذلك.
وإن كان ارتداد الزوج عن فطرة فإن زوجته تبين منه في
الحال ، وتعتد عدة الوفاة لوجوب قتله وعدم قبول توبته بالنسبة إلى الأحكام
الدنيوية من بينونة زوجته ، وقسمة أمواله ووجوب قتله ، وإن قبلت فيما بينه وبين
الله عزوجل ، كما تقدم
تحقيقه في باب القضاء من كتاب الصلاة ، والأخبار بما ذكرنا من حكم المرتد الفطري
متظافرة.
منها ما رواه في الكافي (1) في الصحيح عن
محمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن المرتد ،
فقال : من رغب عن الإسلام وكفر بما أنزل الله على محمد صلىاللهعليهوآله بعد إسلامه
فلا توبة له ، وقد وجب قتله ، وبانت منه امرأته ، ويقسم ما ترك على ولده».
وما رواه المشايخ الثلاثة (2) عن عمار
الساباطي في الموثق قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : كل
مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام وجحد محمدا صلىاللهعليهوآله نبوته وكذبه ،
فإن دمه مباح لكل من سمع ذلك منه ، وامرأته بائنة منه يوم ارتد ، فلا تقربه ،
ويقسم ماله على ورثته ، وتعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها ، وعلى
__________________
(1) الكافي ج 7 ص 153 ح 4 ، التهذيب ج 10 ص 136 ح 1 ، الوسائل
ج 18 ص 544 ح 2.
(2) الكافي ج 7 ص 257 ح 11 ، التهذيب ج 10 ص 136 ح 2 ، الفقيه
ج 3 ص 89 ح 1 ، الوسائل ج 18 ص 544 ح 3.
الامام أن يقتله ، ولا يستتيبه». إلى
غير ذلك من الأخبار ، ويثبت المهر أيضا في هذه الصورة كما في سابقتها للعلة
المتقدمة.
بقي هنا شيء ، وهو أنهم قالوا : لو كان ارتداده عن فطرة
وبانت منه فلو وطأها شبهة عليها فعليه مهر آخر للشبهة ، والظاهر أنه مما لا إشكال
فيه.
وإن كان ارتداده عن ملة وكان بعد الدخول بها فإنه يقف
نكاحه على العدة ـ كما تقدم ـ فإن رجع إلى الإسلام فيها استمر على نكاحه الأول ،
وإن بقي على ارتداده تبين انفساخ النكاح من حين الردة ، وعلى هذا لو وطأها بشبهة
على المرأة فإن رجع في العدة فلا شيء عليه ، لأن إسلامه كشف عن كونها زوجته حال
النكاح ، ومن ثم إنه بنى على العقد الأول.
وإن بقي على كفره حتى مضت العدة ، فهل عليه مهر لو وطأ
الشبهة زائدا على الأول أم لا؟ قولان :
أولهما للشيخ ، قال : لأن عدم عوده إلى الإسلام كشف عن
بطلان النكاح بالردة فكانت كالأجنبية.
وقيل (1) : لا يلزمه لهذا الوطي مهر لأنها في
حكم الزوجة وإن حرمت عليه ولهذا لو رجع لم يفتقر إلى عقد جديد ، بل يبني على الأول
، فدل على بقاء حكمه وإن حصل التحريم ، غايته أن يكون الردة كالطلاق الرجعي ، وهو
لا يوجب البينونة.
قال في المسالك : ولعل هذا أقوى ، والظاهر أنه بناء على
ما اختاره في المسالك من أنه لا حد عليه لو وطأها لأنها في حكم الزوجة وإن كان
ممنوعا من وطئها.
وأما على مذهب الشيخ فيشكل ذلك بما ذكرنا ، وما ذكره من
كونها بحكم الأجنبية ، إلا أن يحمل كلامه على أنها بحكم الأجنبية بالنسبة إلى
المهر لوطء
__________________
(1) هذا هو القول الثاني.
الشبهة خاصة.
قال في المسالك : ويجب العدة لهذا الوطي ، وهما عدتان من
شخص واحد فهو بمثابة ما لو طلق امرأته ثم وطأها في العدة واجتماعهما في الإسلام
بمثابة الرجعة هناك ، انتهى.
وأنت خبير بأن ظاهر كلام الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ أن
الأصل في مسألة المرتد هو ما تقدم في الكافر الغير الكتابي من عدم جواز مناكحته ،
بناء على الاشتراك في الكفر كما تقدمت الإشارة إلى صدر المسألة فبنوا الأحكام في
جميع شقوقها المذكورة على ذلك.
وأيده ببعض ما ورد في أحكام المرتد ، وللنظر في ذلك مجال
، فإن الأدلة الدالة على تحريم نكاح الكفارة ذكورا واناثا من الآيات والروايات
إنما يتبادر منها المشرك الغير الكتابي مثل قوله عزوجل «وَلا
تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ» «وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا» (1) «وَلا
تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» (2) ونحو ذلك الروايات أيضا ، وليس بعد
ذلك إلا الأخبار الواردة في المرتد ، وهي غير وافية بالأحكام المذكورة هنا ،
وحينئذ فيشكل الحكم في جملة منها كما أشرنا إليه آنفا سيما بما عرفته من كلامهم في
حكم المرتد الملي إذا كان بعد الدخول ، ودلالة الرواية على خلاف ما ذكروه.
الثاني : قالوا إذا أسلم زوج الكتابية فهو على نكاحه
سواء كان إسلامه قبل الدخول. أو بعده ، وهو موضع وفاق من العلماء المجوزين نكاح
الكتابية والمانعين ، ومحل الخلاف المتقدم إنما هو في ابتداء نكاح المسلم الكتابية
دون استدامته ، قالوا : ولا فرق في هذا الحكم بين أن يكون الزوج كتابيا أو غير
كتابي من أصناف الكفار.
__________________
(1) سورة البقرة ـ آية 221.
(2) سورة الممتحنة ـ آية 10.
أقول : يمكن الاستدلال على ذلك بما رواه في الكافي (1) عن محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «إن أهل
الكتاب وجميع من له ذمة إذا أسلم أحد الزوجين فهما على نكاحهما» الخبر.
فإنه بإطلاقه شامل لما نحن فيه إلا أنه قد روي في الكافي
(2) أيضا عن منصور
ابن حازم قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل أو
مشرك من غير أهل الكتاب كانت تحته امرأة فأسلم أو أسلمت قال : ينظر بذلك انقضاء
عدتها وإن هو أسلم أو أسلمت قبل أن تنقضي عدتها فهما على نكاحهما الأول ، وإن هو
لم يسلم حتى تنقضي العدة فقد بانت منه».
وما رواه في التهذيب (3) عن أحمد بن محمد أبي نصير في الصحيح
قال : «سألت الرضا عليهالسلام عن الرجل تكون
له الزوجة النصرانية فتسلم ، هل يحل لها أن تقيم معه؟ قال : إذا أسلمت لم تحل له ،
قلت : جعلت فداك فإن الزوج أسلم بعد ذلك أيكونان على النكاح؟ قال : لا ، بتزويج
جديد (4).
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 358 ح 9 ، التهذيب ج 7 ص 302 ح 17 ، الوسائل
ج 14 ص 421 ح 5.
(2) الكافي ج 5 ص 435 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 301 ح 16 مع اختلاف
يسير ، الوسائل ج 14 ص 421 ح 3.
(3) التهذيب ج 7 ص 300 ح 13 ، الوسائل ج 14 ص 417 ح 5.
(4) أقول. قد وقع في رواية هذا الخبر اختلاف في النسخ ، ففي
بعضها بغير لفظ «لا» ، قال : بتزويج جديد ، وفي بعض ـ كما ذكرنا في الأصل ـ قال :
لا ، بتزوج جديد ، وفي بعضها بالتائين الفوقيتين مع لفظ لا وهو «لا تتزوج» وعلى
هاتين النسختين فكلمة «لا» منفصلة ، وعلى الأخرى يحتمل اتصالها وان بعد ، فيحمل
قوله بعد ذلك على ما قبل انقضاء العدة جمعا بين الاخبار ، كذا ذكره في الوافي.
أقول
: ونحو هذا الخبر ما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن أحمد بن محمد ابن عيسى
عن البزنطي «قال : سمعت رجلا يسأل أبا الحسن عليهالسلام عن النصراني
قوله «فإن الزوج أسلم بعد ذلك» ينبغي حمله على انقضاء
العدة ، أي أسلم بعد انقضاء العدة كما دل عليه الخبر المتقدم ، والمفهوم منهما أنه
مع إسلام أحدهما فإنه يكون ثبوت النكاح واستمراره مشروطا بإسلام الآخر قبل انقضاء
العدة ، وإطلاقهما شامل لما نحن فيه.
وعلى هذا يمكن تقييد خبر محمد بن مسلم المتقدم بمورده ،
وهو أهل الذمة خاصة بأن يكون الزوج والزوجة ذميين ، ويكون من جملة الأخبار
المتقدمة الدالة على جواز نكاحهن ، إلا أنه يشكل بما يدل عليه على إطلاقه من جواز
نكاح المسلمة ، والأقرب تقييده بخبر منصور بن حازم بأن يكون معنى قوله «يكونان على
نكاحهما» يعني إذا أسلم الآخر قبل انقضاء العدة.
وكيف كان فالظاهر أنه لا مستند لما ذكروه من الحكم الذي
قدمنا نقله عنهم إلا الإجماع المدعى في المقام ، إذ لم أقف في الأخبار بعد الفحص
على ما يدل على ذلك بخصوصه ، والله العالم.
الثالث : إذا أسلمت زوجة الكافر فإن كان قبل الدخول
انفسخ النكاح في الحال ، لعدم العدة وامتناع كون الكافر زوجا للمسلمة ، ولا مهر
لأن الفرقة جاءت من قبلها ، ويدل على ذلك ما رواه ثقة الإسلام (1) في الصحيح عن
عبد الرحمن بن الحجاج
__________________
تسلم امرأته ثم يسلم زوجها ، أيكونان على النكاح الأول؟ قال :
لا ، يجددان نكاحا آخر». وهذا الخبر أيضا لا يخلو عن اشكال ، لاحتمال أن يكون «لا»
منفصلة ، وبها حصل الجواب عن السؤال بمعنى أنهما لا يكونان على النكاح الأول ، بل
يجددان نكاحا آخر ، وهذا هو الظاهر ، ويحتمل أن يكون متصلة دالة على النهى عن
تجديد نكاح آخر ، وحاصله أنهما يكونان على النكاح الأول ولا يجددان نكاحا آخر ،
وعلى كل منهما فهو مشكل من حيث التفصيل الذي عرفته في الأصل بالإسلام قبل انقضاء
العدة وبعدها وأنه انما يصح النكاح على الأول دون الثاني. (منه ـ قدسسره ـ) والرواية المذكورة في التعليقة في
قرب الاسناد ص 167 ، والوسائل ج 14 ص 417 ذيل ج 5.
(1) الكافي ج 5 ص 436 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 422 ح 6.
عن أبي الحسن «في نصراني تزوج نصرانية
فأسلمت قبل أن يدخل بها ، قال : قد انقطعت عصمتها منه ولا مهر لها ولا عدة عليها
منه».
أقول : ما دل عليه الخبر من عدم المهر لها في هذه الصورة
هو المعروف من مذهب الأصحاب كما صرحوا به ، إلا أنه قد تقدم في رواية السكوني (1) المذكورة في
صدر المسألة عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) «في مجوسية
أسلمت قبل أن يدخل بها زوجها فقضى (عليهالسلام) أن لها عليه
نصف الصداق».
ويمكن الجمع بين الروايتين : بأن رواية السكوني قد تضمنت
أن أمير المؤمنين (عليهالسلام) قد دعاه إلى
الإسلام فلم يجب ، ولو أجاب لكانا على نكاحهما ، فلما لم يجب كان الفسخ من قبله
فيكون في حكم الطلاق ، بخلاف صحيحة عبد الرحمن ، فإنها لم تتضمن ذلك ، فكان الفسخ
من قبل الزوجة ، ولعل قصر رواية السكوني على موردها ، والعمل بما دلت عليه الصحيحة
المذكورة أولى ، سيما مع اعتضادها بفتوى الأصحاب (2).
وإن كان بعد الدخول وقف انفساخ العقد على انقضاء العدة ،
وهي عدة الطلاق من حين إسلامها فإن انقضت العدة وهو على كفره تبين أنها قد بانت
منه حين إسلامها ، وإن أسلم قبل انقضائها تبين بقاء النكاح.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 436 ح 6 ، التهذيب ج 8 ص 92 ح 234 مع اختلاف
يسير ، الوسائل ج 14 ص 422 ح 7.
(2) أقول : ومن هنا يظهر أن غير الكتابي محل اتفاق فيما ذكرناه
من الحكم ، وأنه مع عدم الدخول يجب انفساخ العقد ، ومع الدخول يقف على انقضاء
العدة ، فإنه ان كانت المسلمة هي الزوجة فلا سبيل للكافر عليها ـ كما تقدم دلالة
الآيات عليه ـ ولا تحل له ، وان كان هو الزوج فقد عرفت أن المسلم انما يجوز له
التزويج بالكتابية على الخلاف المتقدم ، هذا في الابتداء ، وأما الاستدامة فقد
تقدم أن الجواز متفق عليه ، وأما غير الكتابية فلا دليل على جوازه ، بل الآيات
والاخبار دالة على المنع منه ، وبالجملة فالمسألة ليس محل اشكال. (منه ـ رحمهالله ـ).
ويدل على هذا رواية منصور بن حازم (1) المتقدمة في
سابق هذا الموضع ، ونحوها ما رواه الشيخ في التهذيب (2) عن السكوني «عن
جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (عليهمالسلام) إن امرأة
مجوسية أسلمت قبل زوجها ، قال علي (عليهالسلام) : أتسلم؟ قال
: لا ، ففرق بينهما ، ثم قال : إن أسلمت قبل انقضاء عدتها فهي امرأتك ، وإن انقضت
عدتها قبل أن تسلم ثم أسلمت فأنت خاطب من الخطاب».
والمشهور بين الأصحاب أنه لا فرق فيما ذكرناه بين أن
يكون الزوج كتابيا أو غير كتابي ، وذهب الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار إلى
اختصاص الحكم المذكور بغير الكتابي ، أما الكتابي فإنه ذهب فيه إلى بقاء النكاح
وعدم انفساخه إذا كان الزوج بشرائط الذمة ، ولكنه لا يمكن من الدخول عليها ليلا ،
ولا من الخلوة بها نهارا.
واستدل على المشهور بما تقدم من أخبار المسألة ، وصحيحة
أحمد بن محمد بن أبي نصر (3) المتقدمة في
سابق هذا الموضع.
ويدل على ما ذهب إليه الشيخ (4) ما رواه عن
جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهماالسلام) «أنه قال في
اليهودي والنصراني والمجوسي إذا أسلمت امرأته ولم يسلم قال : هما على نكاحهما ،
ولا يفرق بينهما ، ولا يترك أن يخرج بها من دار الإسلام إلى دار الكفر».
وعن محمد بن مسلم (5) في الحسن بإبراهيم بن هاشم مع إرسال
ابن أبي عمير
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 435 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 301 ح 16 مع اختلاف
يسير ، الوسائل ج 14 ص 421 ح 3.
(2) التهذيب ج 7 ص 301 ح 15 ، الوسائل ج 14 ص 421 ح 2.
(3) التهذيب ج 7 ص 300 ح 13 ، الوسائل ج 14 ص 417 ح 5.
(4) التهذيب ج 7 ص 300 ح 12 ، الوسائل ج 14 ص 420 ح 1.
(5) الكافي ج 5 ص 358 ح 9 ، التهذيب ج 7 ص 302 ح 17 ، الوسائل
ج 14 ص 421 ح 5.
الذي ينظمون مرسلاته في الصحاح عن أبي
جعفر عليهالسلام قال : «إن أهل
الكتاب وجميع من له ذمة إذا أسلم أحد الزوجين فهما على نكاحهما وليس له أن يخرجها
من دار الإسلام إلى غيرها ، ولا يبيت معها ، ولكنه يأتيها بالنهار ، وأما المشركون
مثل مشركي العرب وغيرهم فهم على نكاحهم إلى انقضاء العدة ، فإن أسلمت المرأة ثم
أسلم الرجل قبل انقضاء عدتها فهي امرأته ، وإن لم يسلم إلا بعد انقضاء العدة فقد
بانت منه ولا سبيل له عليها ، وكذلك جميع من لا ذمة له (1).
وما رواه في الكافي (2) عن يونس قال : «الذمي تكون له المرأة
الذمية فتسلم امرأته ، قال : هي امرأته يكون عندها بالنهار ، ولا يكون عندها
بالليل ، قال : فإن أسلم الرجل ولم تسلم المرأة يكون الرجل عندها بالليل والنهار».
وطعن السيد السند في شرح النافع في الروايتين الأولتين
بضعف السند من حيث إرسال الاولى مع اشتمال سندها على علي بن حديد ، وإرسال الثانية
، حيث إن ابن أبي عمير قد رواها عن بعض أصحابه وهو مشعر باعترافه بصراحة دلالة
الخبرين ، وحينئذ فمن لا يرى العمل بهذا الاصطلاح المحدث يتحتم عليه العمل
بالروايتين المذكورتين سيما مع تصريحه هو وغيره بقبول مرسلات ابن أبي عمير ، وأنها
في حكم المسانيد عندهم.
وقال المحدث الكاشاني في الوافي ـ بعد إيراد خبر محمد بن
مسلم وما قبله ـ ما لفظه : أفتى في التهذيبين بهذا الخبر في حكم أهل الذمة ، وأول
المقيد من الأخبار بانقضاء العدة فيهم بما إذا أخلوا بشرائط الذمة ، وفيه بعد ، بل
هذا الخبر وما قبله أولى بالتأويل مما تقدمها لمخالفتها قوله عزوجل «وَلَنْ
يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى
__________________
(1) وروى الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه عن أبيه عن جعفر عن أبيه
عليهمالسلام في امرأة تسلم تحت نصراني ، قال : هي
امرأته ما لم يخرجها من دار الهجرة ، وهذه الرواية في معنى مرسلة جميل المذكورة في
الأصل ورواية محمد بن مسلم. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) الكافي ج 5 ص 437 ح 8 ، الوسائل ج 14 ص 422 ح 8.
الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» (1) انتهى.
أقول : فيه (أولا) إن الأخبار المتضمنة للتقييد بانقضاء
العدة بمعنى أنه لا يحكم بالبينونة إلا بعد انقضاء العدة ليست إلا رواية منصور بن
حازم ، ورواية السكوني ، وليس في شيء منهما ما يدل على أن الزوج كان ذميا بل هما
مطلقتان بل رواية منصور ظاهرة في كون الزوج ليس من أهل الذمة ، ورواية محمد بن
مسلم المذكورة قد فصلت حكم الذمي وغيره ، ومقتضى القاعدة حمل المجمل على المفصل
والمطلق على المقيد.
و (ثانيا) ما استند إليه في الاستدلال على ما اختاره من
جعل التأويل في جانب هذه الروايات الثلاثة من الآية المذكورة تبعا للأصحاب فيما
استدلوا به في جملة من الأبواب بهذه الآية ، مع أنه روى في تفسيره الصافي (2) عن الرضا عليهالسلام ما يدل على أن
المراد من السبيل إنما هو من حيث الحجة والدليل لا الاستيلاء والغلبة ، فإن
استيلاء الكفرة والفراعنة على المؤمنين بل الأنبياء والأئمة المعصومين عليهمالسلام بالقتل
والإهانة أمر لا ينكر ـ كما صرح به عليهالسلام في الخبر ـ وقد
تقدم ذكرنا ذلك في غير موضع.
وبالجملة فإن قول الشيخ المذكور قوي لا أعرف له علة إلا
ما يتخيل من ضعف أخباره ، بناء على هذا الاصطلاح المحدث الذي هو إلى الفساد أقرب منه
إلى الصلاح ، وروايات المسألة التي استدل بها للقول المشهور مطلقة قابلة للتقييد
بهذه الأخبار (3).
__________________
(1) سورة النساء ـ آية 141.
(2) تفسير الصافي ج 1 ص 406.
(3) أقول : وغاية ما استدل به العلامة ـ للقول المشهور ـ الاية
المذكورة المتضمنة لنفي السبيل من الكافرين على المؤمنين ، وصحيحة البزنطي ، وأنت
خبير بما في الاستدلال بالآية كما ذكرنا في الأصل.
وأما
الرواية فإنما عبر فيها عن الزوج بالرجل ، وهو أعم من كونه ذميا أو غيره ، فهو
قابل في التقييد بما استدل به الشيخ من التفصيل ، ومثلها أيضا رواية السكوني التي
استدل بها ثمة ، فإنها تضمنت لفظ «الزوج» وهو أعم أيضا.
قال السيد السند في شرح النافع : والعجب أن الشيخ في
الخلاف وافق الجماعة على انفساخ النكاح بخروجها من العدة محتجا بإجماع الفرقة ، مع
اختياره لهذا القول في النهاية وكتابي الأخبار.
أقول : من يعرف حال الشيخ وطريقته في دعوى الإجماع
واختلاف أقواله وفتاويه في كتبه لا يتعجب منه ، فإنه في بعض كتبه كالخلاف والمبسوط
من رؤوس المجتهدين ، وفي بعض آخر كالنهاية وكتابي الأخبار من رؤوس الأخباريين
وشتان ما بين الحالتين.
وقال في المسالك : واعلم أنه على قول الشيخ بعدم بطلان
النكاح في الذمي لا فرق بين كون إسلامها قبل الدخول وبعده لتناول الأدلة للحالتين
، وربما فهم من عبارة بعض الأصحاب اختصاص الخلاف بما لو كان الإسلام بعد الدخول
وليس كذلك.
__________________
وأما الرواية التي أشرنا إليها في تفسير الآية بأن المراد بالسبيل
انما هو من طريق الحجة والدليل فهي ما رواه الصدوق في كتاب عيون الأخبار(1) عن الرضا عليهالسلام في حديث قال فيه : وفيهم قوم يزعمون أن
الحسين بن على عليهماالسلام لم يقتل ، وأنه القى شبهة على حنظلة بن
أسعد الشامي ، وأنه رفع الى السماء كما رفع عيسى بن مريم ويحتجون بهذه الآية «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» فقال : كذبوا ، عليهم غضب الله ولعنته ـ الى أن قال ـ فأما
قوله عزوجل «وَلَنْ
يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» فإنه يقول لن يجعل الله لكافر على
مؤمن حجة ، ولقد أخبر الله عن كفار قتلوا نبيين بغير الحق ومع قتلهم إياهم لن يجعل
الله لهم على أنبيائه ـ عليهمالسلام ـ ، سبيلا من طريق الحجة. انتهى.
أقول
: فإذا كان معنى الآية انما هو ما ذكره ـ عليهالسلام ـ ، فكيف يصح الاستدلال بها في
أمثال هذه المقامات على هذه الأحكام ، لكن يمكن العذر لأصحابنا من حيث عدم الوقوف
على الخبر المذكور ، وأما مثل المحدث الكاشاني ـ رحمة الله عليه ـ الذي ذكره في
تفسيره الصافي(2) فكيف يسوغ معه الاستدلال به هنا
تبعا للأصحاب ، والله العالم. (منه ـ قدسسره ـ).
(1)
عيون أخبار الرضا ـ عليه السلام ـ ج 2 ص 204 ح 5 طبع النجف الاشرف.
(2) تفسير الصافي ج 1 ص 474 طبع بيروت نقلا عن العيون.
انتهى وهو جيد.
تذنيب
لو انتقلت زوجة الذمي من دين الكفر الذي كانت عليه إلى
دين آخر من أديان الكفر أيضا قالوا : وقع الفسخ في الحال ، وإن عادت بعد ذلك إلى
دينها ، وظاهره أن الدين الذي انتقلت إليه أعم من أن يقر أهله عليه أم لا ، لعموم
قوله تعالى «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ
مِنْهُ»
(1) وقوله صلىاللهعليهوآله (2) «من بدل دينه
فاقتلوه» وحينئذ فيقع الفسخ بينهما في الحال لأنها لا تقر على ذلك ، وإنما الحكم
فيها القتل ، أو الدخول في الإسلام ، وعلى التقديرين ينفسخ النكاح بينهما وبين
الذمي.
وأورد عليه أنه محل نظر من وجهين : (أحدهما) إن حكمنا
على الذمي بذلك غير لازم لجواز انتقالها إلى دين يصح فيه التناكح في دينهم ، فلا
ينفسخ ما دامت حية ، وعلى تقدير قتلها فالانفساخ من جهته لا من جهة الكفر.
(الثاني) إنه على تقدير الإسلام لا ينبغي إطلاق الحكم
بالانفساخ بل يجيء فيه التفصيل السابق حتى لو كان بعد الدخول فوقف الانفساخ على
انقضاء العدة قبل إسلامه ، ولو كان انتقالها إلى دين يقر أهله عليه كما لو انتقلت
اليهودية إلى النصرانية ، فيبني على أنها هل تقر على ذلك أم لا؟ وعلى تقدير عدم
إقرارها لو عادت إلى دينها هل تقر على ذلك كما كانت تقر ابتداء أم لا؟ خلاف ، ذكر
في بحث الجهاد. انتهى.
أقول : وحيث كانت المسألة عارية من النص ، فالكلام فيها
مشكل ، إلا أن هذا خلاصة ما ذكروه في المقام.
__________________
(1) سورة آل عمران ـ آية 85.
(2) في هامش الجامع الصغير ج 2 ص 101.
المسألة الثالثة : إذا أسلم
الذمي على أكثر من أربع منكوحات بالعقد الدائم من الحرائر وأمتين وحرتين فارق ما
زاد على العدد المذكور ، ولو كان عبدا استدام حرتين أو حرة وأمتين وفارق ما زاد ،
واستدل عليه في المسالك (1) بأن النبي صلىاللهعليهوآله قال لغيلان «أمسك
أربعا وفارق سائرهن». حيث إنه أسلم وعنده ثمان نسوة فقال له النبي صلىاللهعليهوآله ذلك.
أقول : الظاهر أن الخبر المذكور من أخبار العامة فإني لم
أقف عليه في كتب أخبارنا ، والموجود فيها ما رواه في الكافي والتهذيب (2) عن عقبة بن
خالد عن أبي عبد الله عليهالسلام «في المجوسي
أسلم وله سبع نسوة وأسلمن معه كيف يصنع؟ قال : يمسك أربعا ويطلق ثلاثا». إلا أن
مورد هذه الرواية خارج عما نحن فيه لكونها متضمنة لاسلامهن معه ، ومحل البحث بقاء
الزوجات على دينهن ، نعم الرواية الأولى دالة بإطلاقها على ذلك ، إلا أنك قد عرفت
ما فيها ، والظاهر أن قوله في الرواية المذكورة «يطلق» من الإطلاق من باب الأفعال
، أو يحتمل على التطليق اللغوي بمعنى التخلية والترك ، فإن المعلوم من كلام الأصحاب
أنه ينفسخ عقد الزائد على من يختاره من الأربع ولا يتوقف على طلاق ، إلا أني لم
أقف لهم على نص فيه ، والخروج عن ظاهر الخبر بغير معارض مشكل.
وكيف كان فلا بد من تقييد هذا الحكم المذكور في صدر
المسألة بقيود ، منها تقييد الزوجات بكونهن كتابيات مثله ليصح استدامة نكاح العدد
المعتبر لما تقدم في الموضع الثاني من سابق هذه المسألة من أن الخلاف في نكاح
المسلم الكتابية إنما هو في الابتداء دون الاستدامة ، فإن الجواز فيها موضع وفاق ،
وحينئذ فيجب تخصيص الزوجات بالذميات ، فلو كن كافرات غير ذميات فلا بد
__________________
(1) مستدرك الوسائل ج 2 ص 584 ب 4 ح 3.
(2) الكافي ج 5 ص 436 ح 7 ، التهذيب ج 7 ص 295 ح 74 ، الوسائل
ج 14 ص 404 ح 1.
من مراعاة ما تقدم فيهن من أنه إن
أسلمن معه في العدة إن كان بعد الدخول ، أو مطلقا إن كان قبله ، وإلا انفسخ نكاحهن
بإسلامه لعدم جواز تزويج المسلم الكافرة الغير الكتابية.
ومنها أنه يجب تقييدهن بكونهن ممن يجوز نكاحهن في دين
الإسلام كما نبه عليه بعض الأعلام وهو واضح.
ومنها أن تخيير الحر أمتين وحرتين كما تقدم مبني على
جواز نكاح الأمة بدون الشرطين ، وحينئذ اعتبرنا الشرطين في جواز نكاح الأمة كما هو
أحد القولين احتمل انفساخ النكاح ههنا إذا جامعت حرة لفوات الشرط ، ويحتمل عدم
الانفساخ بناء على أن اعتبار الشرطين إنما هو بالنسبة إلى ابتداء النكاح لا في
استدامته ، وإلى هذا مال في التذكرة ونسبه إلى علمائنا واستوجهه في المسالك ،
قالوا : ولا فرق في جواز اختياره لمن شاء منهن على تقدير زيادتهن على العدد الشرعي
بين من ترتب عقدهن أو اقترن ، ولا بين الأوائل والأواخر ، ولا بين من دخل بهن
وغيرهن.
وظاهر العلامة في التذكرة أن ذلك موضع وفاق بين علمائنا
حيث إنه إنما نقل الخلاف في ذلك عن بعض العامة (1) واستدل على هذا الحكم بحديث غيلان
المتقدم من حيث إن عدم الاستفصال فيه يفيد العموم. قال في شرح النافع : وفي السند
والدلالة نظر ، ولا فرق عندهم في هذا الحكم بين ما لو أسلم بعض تلك الزوجات وعدمه
، فإن التخيير باق حتى لو كان عنده ثمان فأسلم معه أربع منهن لم يمنع ذلك من
اختيار الكتابيات ، لأن الإسلام لا يمنع الاستمرار على نكاح الكتابية ولا يوجب
تحتم نكاح المسلمة. نعم الأولى والأفضل اختيار المسلمات لشرف المسلمة
__________________
(1) أقول : الخلاف المنقول عن بعض العامة هنا هو أنه إذا
تزوجهن في عقد واحد اندفع نكاح الجميع وان كان في عقود مترتبة لزمه الأربع الأوائل
، وأصحابنا لم يعتدوا به. (منه ـ قدسسره ـ).
على الكافرة ، إلا أنه قد تقدمت
الإشارة إلى أنا لم نقف لهم على نص يدل على ما ذكروه من هذه الدعوى ، وليس إلا ما
ينقل من اتفاقهم على ذلك كما تقدم في آخر الموضع الثاني من سابق هذه المسألة ، ثم
إن من أراد فراقها لا يخلو إما أن يكون قد دخل بها أم لا ، وعلى الثاني فلا مهر
لها ، وعلى الأول فالمسمى إن كان ، على قول ، وقواه في المسالك ، وقيل يثبت لها
مهر المثل لفساد نكاح ما زاد على العدد فيكون كوطئ الشبهة.
تذنيبان
الأول : روى الصدوق
في الفقيه والشيخ في التهذيب (1) في الموثق عن
عمار الساباطي قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل أذن
لعبده في تزويج امرأة حرة فتزوجها ، ثم إن العبد أبق من مواليه فجاءت امرأة العبد
تطلب نفقتها من مولى العبد فقال : ليس لها على مولى العبد نفقة وقد بانت عصمتها
منه ، لأن إباق العبد طلاق امرأته ، وهو بمنزلة المرتد عن الإسلام ، قلت : فإن هو
رجع إلى مولاه أترجع امرأته إليه؟ قال : إن كانت انقضت عدتها منه ثم تزوجت زوجا
غيره فلا سبيل له عليها ، وإن كانت لم تتزوج «ولم تنقض العدة» فهي امرأته على
النكاح الأول». هكذا في رواية الشيخ ، الخبر.
وفي رواية الصدوق له هكذا «وإن كانت لم تتزوج فهي امرأته
على النكاح الأول» ولفظ «ولم تنقض العدة» غير مذكور في البين ، وظاهر رواية الصدوق
أنها من انقضاء العدة تبقى على نكاحها ما لم تتزوج ، وأما على رواية الشيخ فهو
مسكوت عنه ، والقول بمضمون هذه الرواية منقول عن الشيخ في النهاية وابن حمزة إلا
أن ابن حمزة قيده بكون الزوجة أمة غير سيدة ، وتزوجها بإذن السيد ثم
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 288 ح 16 ، التهذيب ج 8 ص 207 ح 37 مع اختلاف
يسير ، الوسائل ج 15 ص 402 ح 1.
أبق ، وعلل الحكم مع الرواية بأن
الارتداد خروج العبد عن طاعة السيد ، وهذا المعنى حاصل في الإباق ، فإنه كما يجب
على المكلف الحر طاعة الله كذلك يجب على العبد طاعة سيده ، فيتجه الحكم مع اتحاد
علته ، ورد بأن طريق الرواية ضعيف ، وفي التعليل فساد ، لمنع كون الارتداد خروج
العبد عن طاعة سيده مطلقا ، بل خروجه عن طاعة الله معتقدا عدم وجوب الطاعة وما في
معنى ذلك ، والإباق ليس كذلك ، وإلا لزم قتل الآبق كما يقتل المرتد.
قال في المسالك بعد ذكر ذلك : والحق بقاء الزوجية ووجوب
النفقة على مولاه لعدم دليل صالح يخرجها عن الأصل ، انتهى. وقال سبطه السيد السند
في شرح النافع بعد ذكر الرواية : ونقل قول الشيخ وابن حمزة بذلك والمعتمد بقاء
الزوجية إلى أن تقع البينونة بطلاق أو غيره ، لأن هذه الرواية لا تبلغ حجة في
إثبات هذا الحكم ، انتهى.
أقول : والحكم في هذا المقام لا يخلو من شوب الاشكال
لخروج هذه الرواية على خلاف القواعد المقررة والضوابط المعتبرة المستفادة من
الأخبار المتكاثرة ، وإمكان تخصيص تلك القواعد بهذا الخبر والعمل بمضمونه في هذا
الفرد كما تقدم نظائر ذلك في مواضع عديدة ، والله العالم.
الثاني : قد صرح جملة
من الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ بأنه ليس للمسلم إجبار زوجته الذمية على الغسل من
حيض كان أو جنابة ، لأن ذلك حق الله عزوجل ، لا حق الزوج
، والحال أنها قد أقرت على دينها شرعا فليس له اعتراضها هذا إن قلنا بجواز الوطي
قبل الغسل من الحيض ، ولو قلنا بالتحريم كما هو أحد القولين أوجبنا عليها ذلك ،
فللزوج إجبارها على ذلك لتوقف الاستمتاع الذي هو حقه عليه ، وإن كان الذي يجبر
عليه إنما هو صورة الغسل مع النية ، لأن الغسل وكذا غيره من العبادات لا يصح منها
حال الكفر.
قالوا : وله إجبارها أيضا على كل ما ينقض الاستمتاع بدون
فعله ، وإزالة
كل ما ينقصه بقاؤه كالوسخ الكثير
والنتن الغالب ، وطول الأظفار وشعر الإبط والعانة ، وشرب الخمر المؤدي إلى الإسكار
، لأن السكر مانع من تمام الاستمتاع ، وكذا أكل لحم الخنزير ومباشرة النجاسات
المنفرة للنفس ، ولا فرق بين قليل السكر وكثيره ، لاختلاف الناس في مقدار ما يسكر
، فربما أسكر القليل منه فينافي المقصود ، لكن قيل : بأنه يشكل هذا الإطلاق بنحو
تناول القطرات اليسيرة التي يعلم قطعا عدم إسكارها ، وكذلك إطلاق منعها من استعمال
النجاسات إنما يتم على تقدير إيجابه نفرة ، أو على القول بطهارة بدنها كما يعتبره
العامة هنا ، أما على قول أصحابنا من نجاستها بدونه ، فلا يظهر وجه المنع من
مباشرتها لها مطلقا بل من حيث إنها تنافي الاستمتاع وتوجب نفرة الطبع ، ومثل هذا
لا يختص بالكافرة بل تشاركها فيه المسلمة ، حتى أن له منعها من تناول كل ذي رائحة
خبيثة توجب ذلك كالثوم والبصل ، وكذا له منعها من الخروج إلى البيع والكنائس وغيرها
لمنافاته الاستمتاع الواجب عليها في كل وقت ، كما له منع المسلمة من الخروج إلى
المساجد ونحوها من بيوت الأقارب والجيران ، فإن هذا الحكم يشترك بين الزوجات مطلقا
، ولا فرق بين الشابة والمسنة وإن كان المنع في حق الشابة أقوى خوفا من الفتنة ،
والله العالم.
البحث الثاني : في كيفية الاختيار :
قالوا : وهو إما بالقول أو بالفعل ، والأول إما بالتصريح
أو الكناية.
أما (الأول) فهو كل ما دل من الألفاظ على الإمساك للنكاح
، مثل اخترت نكاحك ، أو اخترت تقرير نكاحك ، أو اخترت بقاءك على النكاح ، ونحو ذلك
، وفي اخترتك وأمسكتك مطلقا إشكال من حيث عدم النكاح ، وعده في الشرائع من الألفاظ
الدالة على ذلك.
وأما (الثاني) وهو ما يدل بالكناية ، فهو ما يدل عليه
اللفظ بالالتزام كما
لو كان عنده ثمان نسوة فاختار أربعا
للفسخ فإنه يلزم نكاح الأربع الباقيات ، وإن لم يتلفظ في حقهن بشيء ، فإن الشارع
قد جعل له الخيار في أن يفسخ عقد من شاء ، فإذا اختار فسخ نكاح أربع ثبت عقد
البواقي بدون لفظ يدل على الاختيار ، بل لا مجال للاختيار هنا بعد خروج أولئك
بالفسخ.
وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك عد لفظ «اخترتك» و
«أمسكتك» في هذا القسم لما قلناه من عدم التصريح بإرادة الإمساك للنكاح والاختيار
له.
وأما (الثالث) وهو الاختيار بالفعل فمثل أن يطأ ، فإن
ظاهر ذلك أنه لا يطأ إلا من يختار نكاحها لدلالته على الرغبة فيها ، عملا بحمل
أفعال المسلم على الصحة وصيانته عن الزنا ، ولهذا عد ذلك رجوعا في الطلاق ، وفسخا
على تقدير الخيار للبائع ، وعلى هذا لو وطأ أربعا ثبت عقدهن ، واندفع البواقي.
ويظهر من جماعة من الأصحاب عدم الخلاف في ذلك عندنا.
أقول : الأظهر أن يقال : إنه إن اقترن ذلك بالقصد إلى
الاختيار فما ذكروه في محله ، وإلا فهو محل إشكال ، لأن الاختيار الذي به يتحقق بقاء
نكاح من يختارهن إنما هو عبارة عن القصد واللفظ ، والفعل إنما جعل موجبا لذلك ،
لأنه دال عليه ومبني عنه ، وحينئذ فإطلاق القول يكون مجرد الوطي اختيارا بالفعل
كما ذكروه لا يخلو من إشكال.
ثم إنهم قالوا : لو لمس أو قبل بشهوة فإنه يمكن أن يكون
اختيارا ، بتقريب ما ذكر في الوطي من حيث الدلالة على الرغبة ، وصيانة حال المسلم
، فإنه قائم في الموضعين ، وحينئذ فيدلان على الاختيار ، كما أنهما يدلان على
الرجعة لا بطريق القياس عليها بل المراد تشبيه الاختيار بالرجعة لتقاربها في
المعنى ، ويمكن أن لا يكون ذلك اختيارا من حيث إنهما أضعف دلالة من الوطي ،
والاحتمال فيهما يتطرق من حيث إنهما قد يوجدان في الأجنبية.
أقول : والأظهر أن يقال هنا ما قدمناه أيضا من أنه إن
اقترن ذلك بالقصد
إلى الاختيار ، فالظاهر أنه موجب
للاختيار ، وإلا فهو محل إشكال.
تتمة
قد صرحوا بأن من جملة الألفاظ الدالة على الاختيار
الطلاق ، لواحدة أو أزيد ، لأن الطلاق موضوع لازالة قيد النكاح ، فلا تواجه به إلا
الزوجة ، فإذا خاطب واحدة منهن به كان ذلك دليلا على اختيارها زوجة أو لا ، ثم يقع
بها الطلاق إن حصلت شرائطه ، وينقطع نكاح الأربع المطلقات بالطلاق ، ويندفع نكاح الباقيات
بالشرع ، والأصل في ذلك أن الاختيار ليس باللفظ ، بل بالقصد ، واللفظ وضع دالا
عليه ، والطلاق يدل على إرادة النكاح كما قررناه.
أما لفظ الظهار والإيلاء فليس كذلك على المشهور ، إذ لا
دلالة فيهما على الاختيار ، وهو وجه الفرق بينهما وبين الطلاق.
وتوضيحه : إن الظهار وصف بتحريم المرأة المواجهة به ،
والإيلاء حلف على الامتناع من وطئها وكل منهما بالأجنبية أليق منه بالزوجة ، غاية
الأمر أن الظهار إذا خوطبت به الزوجة ترتب عليه أحكام مخصوصة ، وإذا خوطبت به
الأجنبية لم تترتب عليه الأحكام ، وكان قولا صحيحا بالنسبة إليها ، وفي الإيلاء لو
حلف على الامتناع من وطئ الأجنبية فتزوجها ووطأها كان عليه الكفارة ، وكذلك
بالزوجة مع زيادة أحكام أخر.
والحاصل : إن نفس المخاطبة بهما لا تستلزم الزوجية ، فلا
يكون أحدهما اختيارا ، بخلاف الطلاق فإنه رافع للنكاح ، والنكاح جزء مفهومه ، أو لازمه
لزوما بينا ، فإثباته يستلزم إثباته.
ونقل عن الشيخ إن كل واحدة من الظهار والإيلاء يكون
تعيينا للنكاح كالطلاق ، لأنهما تصرفان مخصوصان بالنكاح ، فأشبها لفظ الطلاق ، كذا
أفاده شيخنا ـ قدسسره ـ في المسالك
، وعندي في أصل الحكم المذكور توقف لعدم
النص بما ذكروه ، فإثبات الأحكام
الشرعية بأمثال هذه التقريبات العقلية عندي محل إشكال.
ولم أقف في هذا الباب إلا على خبر عقبة بن خالد المتقدم (1) ، وغاية ما
يدل عليه أنه يمسك أربعا ويطلق ثلاثا ، والمتبادر من الإمساك هو القصد إلى اختيار
بقاء أربع معينات من تلك السبع والمفارقة للباقين.
على أنك قد عرفت دلالة ظاهر الخبر المذكور على توقف فسخ
نكاح من لا يريدهن على الطلاق ، وإن كانوا لا يقولون به ، إلا أن الخبر كما عرفت
لا معارض له إلا مجرد شهرة الحكم بينهم بما قالوه.
وبالجملة فالخروج عما ظاهرهم الاتفاق عليه مشكل ،
والخروج عن ظاهر الأخبار بذلك أشكل ، والله العالم.
البحث الثالث في اللواحق :
وهي مسائل مترتبة على اختلاف الدين الأولى : إذا تزوج الكافر امرأة وبنتها ثم
أسلم ، فلا يخلو إما أن يكون قد دخل بهما معا ، أو لم يدخل بواحدة منهما ، أو دخل
بالأم دون البنت ، أو بالعكس ، فههنا صور أربع.
الاولى : أن يكون قد دخل بهما ، فيحرمان عليه معا ، أما
الأم فللعقد على البنت فضلا عن الدخول بها ، وأما البنت فللدخول بالأم ، وعلى هذا
فيسقط الاختيار لتحريم كل منهما عليه كما عرفت.
الثانية : أن يدخل بالأم خاصة ، وهو موجب لتحريمهما معا
أيضا ، أما البنت فللدخول بالأم ، وأما الأم فللعقد على البنت كما عرفت في سابق
هذه الصورة.
الثالثة : أن يدخل بالبنت خاصة ، وحينئذ تحرم الأم خاصة
للعقد على البنت فضلا عن الدخول المفروض هنا ، وأما البنت فنكاحها صحيح لا موجب
لتحريمها
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 436 ح 7 ، التهذيب ج 7 ص 295 ح 74 ، الوسائل
ج 14 ص 404 ح 1.
لأن مجرد العقد على الام لا يحرمها ،
وإنما يحرمها الدخول مع ذلك.
الرابعة : أن لا يدخل بواحدة منهما ، وفيها قولان :
(أحدهما) وهو المشهور بين المتأخرين أن هذه الصورة
كسابقتها في أنها تحرم عليه الأم خاصة ، ويبطل عقدها للعقد على البنت ، فإنه موجب
لتحريم الام وإن لم يقترن به دخول ، وأما البنت فيلزم نكاحها لعدم الموجب لبطلانه
، لأن نكاح الكفر صحيح ، ومن ثم يتخير أربعا لو أسلم على أزيد منهن ، ويصح نكاحهن
بغير تجديد عقد آخر.
و (ثانيهما) وهو المنقول عن الشيخ ـ رحمهالله ـ القول بأن
له اختيار أيتهما شاء بناء على أن عقد المشرك لا يحكم صحته إلا بانضمام الاختيار
في حال الإسلام ، وإلا فهو في حد ذاته باطل بدون ذلك ، فإنه لو تزوج بعشر واختار
منهن أربعا لم يكن للبواقي مهر ولا نفقة ولا متعة ، بل هن بمنزلة من لم يقع عليهن
عقد ، ولأنه لو أسلم على أختين قد تزوجهما دفعة تخير أيتهما شاء ، ولو كان العقد
الذي صدر حال الكفر صحيحا لزم بطلانه كالمسلم ، وليس له الاختيار ، وعلى هذا فإن
اختار نكاح البنت استقر نكاحها وحرمت الأم مؤبدا ، وإن اختار نكاح الام لم تحرم
البنت بدون الدخول.
وأجيب بأن ما ذكر من سقوط المهر والنفقة لا يدل على
بطلان العقد ، بل الوجه فيه أنه فسخ جاء لا من قبل الزوج ، ولأن العقد لو لم يكن
صحيحا لم يكن ، لانضمام الاختيار أثر في صحته ، كما في كل عقد باطل.
هذا ما ذكروه ـ نور الله تعالى مراقدهم ـ في هذا المقام
، ولم أقف على نص في ذلك عنهم عليهمالسلام وأنت خبير بان
الظاهر أن الكلام في هذه المسألة مبني على ما هو المشهور بينهم ، وكذا بين العامة
، بل الظاهر اتفاق الجميع عليه حيث لم ينقلوا الخلاف فيه إلا عن أبي حنيفة من أن
الكافر مكلف بالفروع ، والخطابات الشرعية متوجهة إليه كما تتوجه إلى المسلم ، وإن
كان قبول ذلك وصحته منه
موقوفا على الإسلام ، وحينئذ فما دل
من الأخبار على تحريم الام بالعقد على البنت أو الدخول بها ، وكذا ما دل على تحريم
البنت بالدخول بالأم دون مجرد العقد عليها ، ونحو ذلك شامل للكافر كالمسلم فيؤخذ
به بعد الإسلام ويحكم عليه بذلك.
وأما على ما يظهر من جملة من الأخبار من أن الخطابات
الشرعية والتكاليف الفرعية لا تتناول الكافر في حال كفره ، بل هي مختصة بالمسلم ،
وإنما يخاطب بها ويكلف بأحكامها بعد الإقرار بالإسلام ، فمن الجائز أن يقال : إن
جميع ما فعله في حال كفره من العقد والتزويج بكل من كان وكيف كان وعلى أي نحو كان
لا يترتب عليه أثر ولا حكم بالنظر إلى شريعتنا ، وإنما يترتب على أحكام شريعتهم
وملتهم.
نعم متى دخل في الإسلام تعلقت به التكاليف الإسلامية ،
وتوجهت إليه الخطابات الشرعية ، وحينئذ فإذا أسلم على امرأة وبنتها قد تزوجهما في
حال الكفر لم ينظر فيما فعله في حال الكفر من دخول أو عدمه أو نحو ذلك مما رفعوه
وذكروه ، بل الواجب التفريق بينه وبينهما ، حيث إن ذلك غير جائز في شريعة الإسلام.
بقي الكلام في جواز اختيار إحداهما وعدمه ، والمسألة غير
منصوصة كما عرفت ، إلا أنه بالنظر إلى ما ورد في إسلام الكافر على أزيد من أربع
أنه يختار أربعا ويفارق الباقي (1) يمكن القول هنا بذلك ، لأن الجميع من
باب واحد فيختار إحداهما حينئذ ، ويثبت نكاحها بالاختيار ، وينفسخ نكاح الثانية.
ومن الأخبار المشار إليها ما رواه ثقة الإسلام في الكافي
(2) في الصحيح عن
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 436 ح 7 ، التهذيب ج 7 ص 295 ح 74 الوسائل ج
14 ص 404 ح 1.
(2) الكافي ج 1 ص 180 ح 3.
زرارة قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام أخبرني عن
معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال : «إن الله عزوجل بعث محمدا صلىاللهعليهوآله إلى الناس
أجمعين رسولا وحجة لله على جميع خلقه في أرضه ، فمن آمن بالله وبمحمد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم واتبعه وصدقه
، فإن معرفة الإمام منا واجبة عليه ، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتبعه ولم
يصدقه ويعرف حقهما ، فكيف يجب عليه معرفة الامام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف
حقهما» الحديث.
والحديث صحيح صريح في المدعى ، والتقريب فيه أنه إذا لم
يجب عليه معرفة الإمام الحامل للشريعة والمستودع أحكامها فبطريق الأولى لا يجب على
القيام بتلك الأحكام ولا تعرفها ولا الفحص عنها التي هي لا تؤخذ إلا منه ، وهذا
بحمد الله سبحانه واضح لا خفاء عليه.
وما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره (1) عن الصادق عليهالسلام في تفسير قوله
تعالى «وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ، الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ
وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ» (2) قال عليهالسلام : أترى أن
الله تعالى طلب من المشركين زكاة أموالهم وهم مشركون به ، حيث قال : (وَوَيْلٌ
لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ
كافِرُونَ) ، إنما دعا
العباد إلى الايمان ، فإذا آمنوا بالله ورسوله افترض عليهم الفرض».
وما رواه في كتاب الاحتجاج (3) في حديث
الزنديق الذي جاء إلى أمير المؤمنين عليهالسلام مستدلا بآي من
القرآن على تناقضه واختلافه ، حيث قال عليهالسلام «فكان أول ما
قيدهم به الإقرار بالوحدانية والربوبية والشهادة أن لا إله إلا الله ، فلما أقروا
بذلك تلاه بالإقرار لنبيه صلىاللهعليهوآله بالنبوة ،
والشهادة بالرسالة ، فلما انقادوا لذلك
__________________
(1) تفسير على بن إبراهيم ج 2 ص 262.
(2) سورة فصلت ـ آية 6 و 7.
(3) الاحتجاج ص 128 طبعة سنة 1302.
فرض عليهم الصلاة ثم الصوم ثم الحج»
الحديث.
ولم أر من تنبه لما ذكرناه في هذا المقام ولا حام حوله
من العلماء الأعلام إلا المحدثين الأمين الأسترآبادي في كتابه الفوائد المدينة ،
والمحسن الكاشاني في كتابه الوافي وتفسيره الصافي ، فقال في الأول بعد نقل الخبر
الأول : وفي هذا الحديث دلالة على أن الكفار ليسوا مكلفين بشرائع الإسلام كما هو الحق
، خلافا لما اشتهر بين متأخري أصحابنا.
وقال في الثاني بعد نقل الخبر الثاني : هذا الحديث يدل
على ما هو التحقيق عندي من أن الكفار غير مكلفين بالأحكام الشرعية ما داموا باقين
على الكفر ، انتهى.
ونحن قد بسطنا الكلام في هذا المقام بما لا يحوم حوله
نقض ولا إبرام في كتابنا الدرة النجفية من الملتقطات اليوسفية ، وتقدم نبذة منه في
الجلد الأول من كتاب الطهارة في باب غسل الجنابة (1) وأوردنا جملة
من الأدلة العقلية والنقلية زيادة على ما ذكرناه ، وأبطلنا ما استدل به للقول
المشهور بما هو واضح الظهور فليرجع إليه من أحب الوقوف عليه.
وبالجملة فإنه لو قام لهم دليل في هذا المقام على ما
ذكروه من هذه الأحكام من الأخبار الواردة عنهم عليهمالسلام لوجب علينا
الانقياد ، وجذب أعنة الأقلام من هذا الكلام ، وحيث لا دليل فالمانع مستظهر ، كما
هو ظاهر لذوي الأفهام وإن كان هذا يكبر في صدور الآلفين بتقليد المشهورات ، ولا
سيما إذا زخرفت بالإجماعات ، والله الهادي لمن يشاء.
تذنيبات
الأول : قالوا بناء
على ما تقدم : لو أسلم من أمة وبنتها وهما مملوكتان له ، فإن كان قد وطأهما حرمتها
معا ، وإن كان وطأ إحداهما حرمت الأخرى ،
__________________
(1) ج 3 ص 39.
وإن لم يكن وطئ واحدة منهما تخير ،
وعلل الحكم الأول بأن وطئ كل من الام والبنت يحرم الأخرى سواء وقع بعقد أو ملك أو
شبهة.
وعلل الثاني بأنها أم امرأة مدخول بها أو بنتها ،
وكلتاهما محرم ، وأما المدخول بها أيتهما كانت ، فإنه يستقر حل وطئها إذ لا موجب
لتحريمها.
وعلل الثالث بما تقدم في المسلم إذا تزوج الأختين دفعة
أو ملكهما فإنه يتخير لنكاح أيتهما شاء ، وقد تقدم الكلام في ذلك.
الثاني : قالوا : لو
أسلم عن أختين تخير أيتهما شاء وإن كان قد وطأها ، بخبر فيروز الديلمي (1) حيث أسلم عن
أختين فخيره النبي صلىاللهعليهوآله في إمساك أي
الأختين شاء ، ووطئهما لا دخل له في التحريم هنا ، إذ ليستا مثل الام والبنت ويصير
حكم غير المختارة حكم الزائد على العدد الشرعي.
الثالث : لو أسلم عن
عمة وبنت أخيها ، أو خالة وبنت أختها فإن رضيت العمة أو الخالة بالجمع بينها وبين
بنت أخيها أو بنت أختها فلا بحث ، وإن اختارتا عدم الجمع تخير بين العمة وبنت
أخيها والخالة وبنت أختها فكل من اختارها صح نكاحها وبطل نكاح الأخرى كما في
الأختين ، ولو أسلم عن حرة وأمة ، فإن رضيت الحرة بالجمع فلا إشكال ، وإلا انفسخ
عقد الأمة وبقيت الحرة وحدها ، ثم أنه على تقدير رضى الحرة بالجمع فعند الأصحاب
أنه لا يبنى على القول بجواز نكاح الأمة بدون الشرطين بل هو جاز على القولين ، لأن
محل الخلاف كما تقدمت الإشارة إليه إنما هو في ابتداء نكاح الأمة لا في استدامته ،
ويجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء ، كما أنه ليس له العقد على الكتابية
على القول به ، وله استدامته على هذا القول ، ولا فرق في رضى العمة أو الخالة أو
الحرة بالجمع بين كونه في حال الكفر أو حال الإسلام ، فلو رضين في حال الكفر فليس
لهن الرجوع عنه بعد الإسلام تمسكا بالاستصحاب ولأن نكاح الكفر صحيح ، فإذا
__________________
(1) سنن البيهقي ج 7 ص 184.
وقع مستجمعا للأمور المعتبرة في شرع
الإسلام كان لازما.
هذا ما صرحوا به ـ نور الله تعالى مراقدهم ـ في المقام ،
وهو كما عرفت فيما تقدم خال عن الروايات الدالة على شيء من هذه الأحكام ، ولا ريب
أن هذه الفروع كلها ـ ما ذكر وما يأتي ، وكذا ما تقدم في الكتب السابقة كما تقدمت
الإشارة إليه ـ إنما أخذت الأصحاب من كتب المخالفين لعدم وجود أمثال هذه التفريعات
في كتب أصحابنا المتقدمين حيث إنها مقصورة على مجرد نقل الأخبار.
نعم ربما أمكن ارتباط بعضها بالأدلة العامة ، وربما وجد
نص في بعضها ، وما ذكرناه من البحث سابقا يمكن تطرقه إلى بعض هذه المواضع أيضا.
وبالجملة فالوقوف على جادة الاحتياط فيما لا دليل واضح
عليه طريق السلامة ، وحيث كان بقية مسائل هذا البحث من هذا القبيل ضربنا صفحا عن
ذكرها ، وطوينا كشحا عن نشرها ، لعدم الأدلة الواضحة فيما ذكروه فيها من الأحكام
سيما مع كونها مما لا وقوع لها بين الأنام في جملة من الأيام والأعوام ، ورأينا
التشاغل بغيرها مما هو أهم ونفعه أعم أولى بالمسارعة إليه لدى الملك العلام ،
والله العالم.
مسائل من لواحق العقد قد حصلت الغفلة عن ذكرها ثمة ،
فذكرناها في آخر هذا الفصل.
الاولى : لا خلاف بين
الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ في اشتراط الكفاءة في صحة النكاح ، وهي لغة التساوي
والمماثلة ، من قولهم تكافأ القوم أي تماثلوا ، وشرعا التساوي في الايمان على
المشهور ، وقيل : إنها عبارة عن التساوي في الإسلام وهو اختيار المحقق في كتابيه ،
والشهيد الثاني في المسالك ، والمحدث الكاشاني في المفاتيح ، ونقل في المسالك عن
الشيخ المفيد وابن حمزة قال : للإجماع على اعتباره وعدم الدليل الصالح لاعتبار
غيره ، ثم قال : ووافقهم ابن الجنيد في غيره من تحرم عليه الصدقة.
أقول : لا بد قبل الخوض في البحث من تقديم مقدمة في
المقام ، ليتضح بها
محل الخلاف ، ويبتني عليها الكلام ،
فنقول قد عرفت فيما تقدم أنه لا يجوز للمسلم التزويج بالكافرة مطلقا ، وهو موضع نص
ووفاق ، ولا يجوز للمسلم التزويج بالكافرة أيضا إلا ما استثني من جواز نكاح
الكتابية استدامة وابتداء على الخلاف المتقدم ، والمراد من الإسلام هنا هو التصديق
بالشهادتين وجميع ما جاء به النبي صلىاللهعليهوآله عدا الإمامة ،
والايمان عبارة عن الاعتقاد بالإمامة مع الإسلام المذكور ، ثم أنه على تقدير القول
المشهور ، وهو اعتبار الايمان ، فمذهب الأكثر اعتباره في جانب الزوج دون الزوجة ،
بمعنى أنه لا يجوز للمؤمنة التزويج بالمخالف دون العكس ، وهو تزويج المؤمن
بالمخالفة ، وحكى الشهيد الثاني في الروضة عن بعضهم أنه ادعي الإجماع على ذلك ،
وعلى هذا فالكفاءة إنما تشترط في جانب الزوج دون الزوجة.
وقد نقل في المختلف عن سلار ما يشعر باشتراط الكفاءة من
جانب الزوجة فإنه قال : وقال سلار : ومن الشرائط أن تكون المرأة مؤمنة أو مستضعفة
، وإن كانت ذمية أو مجوسية أو معاندة لم يحل نكاحها قط غبطة ، لأن الكفاءة في
الدين مراعاة عندنا في صحة هذا العقد ، انتهى وهو المؤيد بالأخبار الآتية في المقام
فإنها صريحة في المنع إلا من المستضعفين والشكاك.
وبالجملة فالذي يظهر لي من الروايات اعتبار الكفاءة من
الطرفين ، نعم دلت على استثناء المستضعفة فيجوز تزويجها من حيث إسلامها على كلام
يأتي في ذلك إن شاء الله.
والظاهر أن الحامل لأكثر المتأخرين ـ على القول بجواز
تزويج المخالفة وأن الكفاءة غير مشترطة في جانب المرأة ـ هو الأخبار الدالة على
جواز التزويج بالذمية فجعلوا المخالفة من قبيل ذلك ، وفيه ما قدمنا تحقيقه من أن
الروايات وإن اختلفت في ذلك إلا أن الأقرب حمل روايات الجواز على التقية.
وكيف كان فمظهر الخلاف بين القولين المتقدمين عند
أصحابنا هو المخالفون
أهل السنة والمستضعفون من الفريقين.
وأنت خبير بأن هذا إنما يتمشى على مذهب المتأخرين
القائلين بإسلام المخالفين ووجوب إجراء أحكام الإسلام عليهم ، وأما على مذهب
المتقدمين القائلين بكفر المخالفين ونصبهم وعدم جواز إجراء شيء من أحكام الإسلام
عليهم إلا أن يكون للتقية كما هو الظاهر من الأخبار الواضحة المنار الساطعة
الأنوار كما حققناه في كتاب «الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب» وما يترتب عليه
من المطالب ، فلا يتم هذا الكلام ، بل يجب الحكم بعدم صحة مناكحتهم كسائر أفراد
الكفار ، كما ستأتيك به الأخبار إن شاء الله في المقام ، مكشوفة القناع لذوي
الأفهام ، وعلى هذا فإنما مظهر الخلاف المستضعف خاصة.
إذا تقرر ذلك فاعلم أن ما يدل من الأخبار على اشتراط
الايمان ، وجواز نكاح في المستضعف والشكاك خاصة ما رواه المشايخ الثلاثة (1) ـ عطر الله
مراقدهم ـ عن الحسين بن بشار قال : «كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليهالسلام أسأله عن
النكاح فكتب عليهالسلام : من خطب
إليكم فرضيتم دينه وأمانته «كائنا من كان» فزوجوه ، (إِلّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ
كَبِيرٌ)» ، وقوله «كائنا
من كان» في رواية الفقيه خاصة.
وما رواه في الكافي (2) في الصحيح عن علي بن مهزيار قال : «كتب
علي بن أسباط إلى أبي جعفر عليهالسلام في أمر بناته
، وأنه لا يجد أحدا مثله ، فكتب إليه أبو جعفر عليهالسلام : فهمت ما
ذكرت من أمر بناتك ، وأنك لا تجد أحدا مثلك ، فلا تنظر في ذلك رحمك الله ، فإن
رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : إذا
جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 347 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 396 ح 9 ، الفقيه ج
3 ص 248 ح 1 مع زيادة فيه ، الوسائل ج 14 ص 51 ح 3.
(2) الكافي ج 5 ص 347 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 396 ج 10 ، الوسائل
ج 14 ص 50 ح 1.
وبهذا المضمون أخبار عديدة ، والتقريب فيها إن غير
المؤمن لا يرضى دينه ، والخلق في هذه الرواية وغيرها بمعنى الدين كما صرح به أهل
اللغة ، لأنه وإن كان لغة بمعنى السجية والطبيعة أيضا فهو مستعمل في المعنيين.
قال في القاموس (1) : والخلق بالضم وبضمتين : السجية
والطبيعية والمروة والدين ، وقال في كتاب مجمع البحرين (2) : إن هذا إلا
خلق الأولين بسكون اللام يريد مذهبهم إلى أن قال : والخلق بالضم السجية لأنه لا
قائل هنا باشتراط حسن الخلق والطبع في صحة النكاح ، ولا ورد بذلك نص ، فيتعين حمله
على المعنى الثاني ، وحينئذ فيكون من قبيل عطف المرادف.
وبذلك يظهر لك أن ما طعن به في المسالك على هذه الروايات
من أن ذكر الخلق هنا وإضافته إلى الدين مع أن الخلق غير معتبر في الكفاءة إجماعا
قرينة على أن اشتراط كل من الأمرين إنما قصد به الكمال ، والأمر بتزويج من هو كذلك
لكماله ، فلا يلزم منه تحريم تزويج غيره ، فإن فيه إنه إنما يتم ما ذكره لو انحصر
معنى الخلق في السجية والطبيعة ، وأما إذا كان بمعنى الدين كما صرحوا به أيضا
فالواجب حمل اللفظ عليه دون المعنى الآخر لتأيده بالروايات المتكاثرة الدالة على
اشتراط الايمان ، وأيضا فإن الفتنة والفساد الكبير إنما يترتب على ترك تزويج من
اتصف بالمعنى الذي ذكرناه ، لا بالمعنى الذي ذهب إليه.
ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب (3) عن أبي بصير
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : تزوجوا
في الشكاك ، ولا تزوجوهم لأن المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه».
__________________
(1) ج 3 ص 229 فصل الخاء باب القاف.
(2) ج 5 ص 156.
(3) الكافي ج 5 ص 348 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 304 ح 24.
ورواه في الفقيه (1) عن صفوان عن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام مثله ، وطريقه
إلى صفوان حسن بإبراهيم بن هاشم فيكون الحديث كالصحيح.
وما رواه الشيخ (2) عن زرارة في الصحيح قال : «قلت لأبي
عبد الله عليهالسلام : أتزوج مرجئة
أو حرورية؟ قال : لا ، عليك بالبله من النساء ، قال زرارة : فقلت : والله ما هي
إلا مؤمنة أو كافرة ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : وأين أهل
ثنوي الله عزوجل (3) قول الله عزوجل أصدق من قولك (إِلَّا
الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ
حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً)» (4).
وما رواه في الكافي (5) عن زرارة في الصحيح أو الحسن قال : «قلت
لأبي جعفر عليهالسلام : إني أخشى أن
لا يحل لي أن أتزوج من لم تكن على أمري ، فقال : ما يمنعك من البله من النساء؟ قلت
: وما البله؟ قال : هن المستضعفات من اللاتي لا ينصبن ولا يعرفن ما أنتم عليه».
وعن حمران بن أعين (6) قال : «كان بعض أهله يريد التزويج
ولم يجد امرأة مسلمة موافقة فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليهالسلام فقال : أين
أنت من البله الذين لا يعرفون شيئا».
وما رواه في الفقيه (7) عن حمران بن أعين في الحسن أو الموثق
«وكان بعض أهله يريد التزويج فلم يجد امرأة يرضاها ، فذكر ذلك لأبي عبد الله عليهالسلام فقال : أين
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 258 ح 11 ، الوسائل ج 14 ص 428 ح 2.
(2) التهذيب ج 7 ص 304 ح 25 ، الوسائل ج 14 ص 428 ح 1.
(3) أى الذين استثناهم الله تعالى بقوله «إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ . الى آخر الآية».
(4) سورة النساء ـ آية 101.
(5) الكافي ج 5 ص 349 ح 7 ، الوسائل ج 14 ص 428 ح 3.
(6) الكافي ج 5 ص 349 ح 9 ، الوسائل ج 14 ص 430 ح 7.
(7) الفقيه ج 3 ص 258 ح 12 ، الوسائل ج 14 ص 430 ح 7 مع
الاختلاف.
أنت من البلهاء واللواتي لا يعرفن
شيئا؟ قلت : إنا نقول : إن الناس على وجهين كافر ومؤمن ، فقال : فأين الذين خلطوا
عملا صالحا وآخر سيئا؟ وأين المرجون لأمر الله؟ وأين عفو الله».
وما رواه في الكافي (1) عن زرارة في الموثق عن أبى جعفر عليهالسلام قال : «قلت : ما
تقول في مناكحة الناس فإني قد بلغت ما ترى وما تزوجت قط ، قال : وما يمنعك من ذلك؟
قلت : ما يمنعني إلا أخشى أن لا يكون يحل لي مناكحتهم ، فما تأمرني؟ قال : كيف
تصنع وأنت شاب أتصبر؟ ثم ساق الخبر إلى أن قال : قلت : أصلحك الله فما تأمرني
أنطلق فأتزوج بأمرك؟ فقال : إن كنت فاعلا فعليك بالبلهاء من النساء ، قلت : وما
البلهاء؟ قال : ذوات الخدور العفائف ، قلت : من هو على دين سالم بن أبي حفصة؟ فقال
: لا ، فقلت : من هو على دين ربيعة الرأي؟ فقال : لا ، ولكن العواتق اللاتي لا
ينصبن ولا يعرفن ما تعرفون».
وما رواه في التهذيب (2) في الصحيح عن زرارة قال : «قال أبو
جعفر عليهالسلام : عليك بالبله
من النساء التي لا تنصب والمستضعفات» (3).
أقول : قد دلت هذه الأخبار على أن زرارة ونحوه كانوا
يعتقدون الناس يومئذ إما مؤمن أو كافر ، وأنه لا تحل مناكحة الكافرة ، والامام عليهالسلام قد أقرّه على
الحكم بالكفر ، وأن نكاحها لا يجوز لذلك ، وإنما رد عليه في حصره الناس في القسمين
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 350 ح 12 ، الوسائل ج 14 ص 430 ح 9.
(2) التهذيب ج 7 ص 304 ح 26 ، الوسائل ج 14 ص 431 ح 10.
(3) أقول : روى العياشي في تفسيره عن سماعة قال : سألت أبا عبد
الله ـ عليهالسلام ـ عن المستضعفين؟ قال : هم أهل الولاية
، قلت : أى ولاية تعني قال : ليست ولاية الدين ولكنها في المناكحة والمواريث
والمخالطة ، وهم ليسوا بالمؤمنين ولا الكفار ومنهم المرجون لأمر الله». (منه ـ قدسسره ـ) والرواية في تفسير العياشي ج 1 ص
257 ح 194 ، وليس فيه كلمة «الدين» لكن موجود في البحار نقلا عنه ، مستدرك الوسائل
ج 2 ص 586 ب 9 ح 7.
المذكورين مع وجود قسم ثالث ، ومنهم
البله والمستضعفون الذين ليسوا بمؤمنين ولا كافرين ، فإنهم من المسلمين.
وقوله عليهالسلام في هذه
الأخبار «لا ينصبون» كناية عن المخالف الذي حكم أصحابنا بإسلامه ، وظاهر هذه
الأخبار كما ترى هو كفره ، وقوله عليهالسلام «ولا يعرفون»
كناية عن المؤمنين القائلين بإمامة الأئمة عليهمالسلام ، وهذا هو
الموافق للأخبار المستفيضة (1) الدالة على أن
الناس في زمانهم عليهمالسلام على أقسام
ثلاثة : مؤمن وكافر وضال ، والمراد بالضال الشكاك والمستضعفون ، وقد نقلناها بكمالها
في كتابنا الشهاب الثاقب المتقدم ذكره ، وهي صريحة في كفر المخالفين كما عليه جل
علمائنا المتقدمين حسبما أوضحناه في الكتاب المشار إليه.
ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب (2) عن الفضيل بن
يسار عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا
يتزوج المؤمن الناصبة المعروفة بذلك».
وما رواه في الكافي (3) عن ربعي عن الفضيل بن يسار في الصحيح
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال له
الفضيل : أتزوج الناصبة؟ قال : لا ، ولا كرامة ، قلت : جعلت فداك والله إني لأقول
لك هذا ، ولو جاءني ببيت ملآن دراهم ما فعلت».
وعن الفضيل بن يسار (4) قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إن لامرأتي
أختا عارفة على رأينا ، وليس على رأينا بالبصرة إلا قليل فأزوجها ممن لا يرى رأيها؟
قال : لا ولا نعمة ولا كرامة إن الله عزوجل يقول «فَلا
تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ ، وَلا هُمْ يَحِلُّونَ
لَهُنَّ».
__________________
(1) الكافي ج 2 ص 381 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 348 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 302 ح 18 ، الوسائل
ج 14 ص 423 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 348 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 423 ح 1.
(4) الكافي ج 5 ص 349 ح 6 ، الوسائل ج 14 ص 424 ح 4.
وعن الفضيل بن يسار (1) في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن نكاح
الناصب فقال : لا وجه والله ما يحل ، قال فضيل : ثم سألته مرة أخرى فقلت : جعلت
فداك ما تقول في نكاحهم؟ قال : والمرأة عارفة؟ قلت : عارفة ، قال : إن العارفة لا
توضع إلا عند عارف».
وما رواه في التهذيب (2) عن فضيل بن يسار قال : «سألت أبا
جعفر عليهالسلام عن المرأة
العارفة هل أزوجها الناصب؟ قال : لا ، لأن الناصب كافر ، قال : فأزوجها الرجل غير
الناصب ولا العارف؟ فقال : غيره أحب إلي منه».
أقول : أفعل التفضيل هنا ليس على بابه ، بل هو بمعنى أصل
الفعل كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.
وما رواه في الكافي (3) عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي
عبد الله عليهالسلام «أنه أتاه قوم
من أهل خراسان من وراء النهر فقال لهم : تصافحون أهل بلادكم وتناكحونهم أما إنكم
إذا صافحتموهم انقطعت عروة من عرى الإسلام ، وإذا ناكحتموهم انهتك الحجاب بينكم
وبين الله عزوجل».
وعن أبي بصير (4) عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال : «تزوج
اليهودية والنصرانية أفضل ـ أو قال ـ خير من تزوج الناصب والناصبية».
وما رواه في الكافي والتهذيب (5) عن عبد الله
بن سنان في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الناصب
الذي قد عرف نصبه وعداوته ، هل نزوجه المؤمنة وهو قادر على رده ، وهو لا يعلم برده؟
قال : لا يزوج المؤمن الناصبة ولا يتزوج الناصب
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 350 ح 11 ، الوسائل ج 14 ص 424 ح 5.
(2) التهذيب ج 7 ص 303 ح 21 ، الوسائل ج 14 ص 431 ح 11.
(3) الكافي ج 5 ص 352 ح 17 ، الوسائل ج 14 ص 426 ح 12.
(4) الكافي ج 5 ص 351 ح 16 ، الوسائل ج 14 ص 426 ح 11.
(5) الكافي ج 5 ص 349 ح 8 ، التهذيب ج 7 ص 302 ح 19 ، الوسائل
ج 14 ص 424 ح 3.
المؤمنة ، ولا يتزوج المستضعف مؤمنة».
إلى غير ذلك من الأخبار البالغة حد التواتر المعنوي ،
والمفهوم من الأخبار أن الناصب حيثما يطلق إنما يراد به المخالف الغير المستضعف
كما أشرنا إليه في ذيل روايات زرارة ، لأن بعضا ورد بأنه عبارة عن المقدم للجبت
والطاغوت وبعضا آخر ورد بأنه المبغض للشيعة من حيث التشيع ، والمعنيان متلازمان
كما هو المؤيد بالوجدان ، وأصحابنا المتأخرون الحاكمون بإسلام المخالفين جعلوا
الناصب هو المبغض لأهل البيت عليهمالسلام أو المعلن
ببغضهم فجعلوه أخص من المخالف ، والحق أن المستفاد من الأخبار هو حصول البغض لهم عليهمالسلام من جميع
المخالفين ، فإن مجرد التقديم عليهم في الإمامة بغض لهم كما اعترف به شيخنا الشهيد
الثاني الحاكم بإسلامهم هنا في كتاب روض الجنان (1) مضافا إلى
استفاضة الأخبار بثبوت البعض لهم (2) كما نقلناه في كتابنا المتقدم ذكره ،
وبذلك يظهر لك
__________________
(1) قال في باب السؤر من الكتاب المذكور ص 157 ونعم ما قال حيث
ذكر المصنف سؤر الكافر والناصب ما هذا لفظه : والمراد به من نصب العداوة لأهل
البيت ـ عليهمالسلام ـ أو لأحدهم الى أن قال : وروى الصدوق
بن بابويه عن عبد الله بن مسكان عن الصادق ـ عليهالسلام ـ قال : ليس الناصب من نصب لنا أهل
البيت لأنك لا تجد رجلا يقول أنا أبغض محمدا وآل محمد ويتظاهر به ، ولكن الناصب من
نصب لكم وهو يعلم أنكم تتولونا وأنكم من شيعتنا. وفي بعض الاخبار كل من قدم الجبت
والطاغوت فهو ناصب ، واختاره بعض الأصحاب إذ لا عداوة أعظم ممن قدم المنحط عن
مراتب الكمال ، ويفضل المنخرط في سلك الأغبياء والجهال على من تسنم أوج الجلال حتى
شك في أنه الله المتعال. انتهى (منه ـ قدسسره ـ). والرواية في عقاب الأعمال ص 247 ح
3.
(2) ومن ذلك ما رواه في الكافي (3) عن أبى عبد الله ـ عليهالسلام ـ قال : إياكم وذكر على وفاطمة
ـ عليهماالسلام. وعن إبراهيم بن أبى بشير (4) قال : قال الصادق
(3)
الكافي ج 8 ص 159 ح 156.
(4)
الكافي ج 8 ص 81 ح 38 مع اختلاف في الراوي والرواية.
ضعف قوله في المسالك بعد الخلاف في أن
الناصب هل هو المعلن بعداوة أهل البيت عليهمالسلام أو لا يشترط
الإعلان؟ وعلى التقديرين فهذا أمر عزيز في المسلمين الآن لا يكاد يتفق إلا نادرا ،
فلا تغتر بمن يتوهم خلاف ذلك ، انتهى.
فإنه كلام باطل لا يلتفت إليه وعاطل لا يعرج عليه ،
وإنما نشأ من عدم التعمق في الأخبار وملاحظتها بعين الاعتبار ، وذيل البحث في
المقام واسع ، ومن أراد الاستقصاء في ذلك فليرجع إلى كتابنا المذكور ، وإلى كتاب
الأنوار الخيرية والأقمار الدرية في أجوبة المسائل الأحمدية.
وبالجملة فالحكم بالكفر وتحريم المناكحة مما لا ريب فيه
ولا شك يعتريه.
وبذلك يظهر لك ما في كلامه في المسالك من المجازفة حيث
نقل بعض الروايات الضعيفة السند وردها بذلك ، ونقل بعض روايات «إذا جاءكم من ترضون
خلقه ودينه» ورده بما قدمنا نقله عنه ، وقد عرفت جوابه ، ونقل من جملة ذلك
__________________
ـ
عليهالسلام ـ : أحببتمونا وأبغضنا الناس ،
وصدقتمونا وكذبنا الناس ، ووصلتمونا وجفانا الناس. الحديث. وفي الحديث عن إسماعيل
الجعفي قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليهالسلام ـ : رجل يحب أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ ولا يتبرء من عدوه ، يقول :
هو أحب الى ممن خالفه ، فقال : هو مخلط هو عدو لا تصل خلفه ولا كرامة الا أن
تتقيه. والاخبار في ذلك أكثر من أن يسع المقام ذكرها ، وقد أتينا إليها في كتابنا
المشار إليه في الأصل ، ومنها أخبار عديدة في تفسير قوله عزوجل «ما
جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ» (1)
ففي بعضها (2) عن الصادق ـ عليهالسلام ـ (ما
جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) يحب بهذا قوما ويحب بهذا أعداءهم ، وفي أخرى (3) عن أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ قال : لا يجتمع حبنا وحب
عدونا في جوف إنسان ، ان الله لم يجعل لرجل من قلبين في جوفه فيحب بهذا ويبغض
بهذا. الى غير ذلك من الاخبار. (منه ـ قدسسره ـ)
(1)
سورة الأحزاب ـ آية 4.
(2)
مجمع البيان ج 8 ص 336.
(3)
تفسير القمي ج 2 ص 171.
رواية أبي بصير المروية في الكافي (1) الدالة على
النهي عن تزويج الشكاك معللا بأن المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه ،
وردها بضعف السند ثم طعن في متنها بأن النهي عن الشكاك لا يستلزم النهي عن غيرهم ،
وقد عرفت أنها وإن كانت ضعيفة برواية صاحب الكافي إلا أن الصدوق رواها في الفقيه
كما قدمناه عن صفوان عن زرارة وطريقه إلى صفوان حسن بإبراهيم بن هاشم الذي هو في
حكم الصحيح على المشهور ، وصحيح على القول الآخر.
وأما طعنه في متنها فستعرف ما فيه إن شاء الله ثم ، نقل
صحيحة عبد الله بن سنان (2) ، وهي الأخيرة
من الروايات التي قدمناها الدالة على أنه لا يتزوج المستضعف مؤمنة ، ثم قال : وهي
وإن كانت صحيحة إلا أن المستضعف يطلق على معان ، منها ما هو أسوء حالا من المخالف
العارف ، فلا يلزم من النهي عن نكاح المستضعف النهي عن نكاح غير المؤمن مطلقا ،
وإن كان في أفراده ما هو أحسن حالا من المخالف. انتهى ، ثم نقل موثقة الفضيل بن
يسار (3) الدالة على أن
العارفة لا توضع إلا عند عارف ، ثم طعن في سندها ، ثم حمل النهي على الكراهة ،
واستدل برواية الفضيل الأخرى (4) الدالة على أن
«غيره أحب إلي منه».
والعجب أنه بعد نقل هذه الروايات التي ذكرناها عنه قال :
فهذه جملة الروايات للقول المشهور في هذا الباب إيذانا بأنه لا دليل للقول المشهور
سواها ، وهو غلط محض وسهو صرف ناش من عدم إعطاء التأمل حقه في تتبع الأخبار
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 348 ح 1 ، الفقيه ج 3 ص 258 ح 11 ، الوسائل ج
14 ص 428 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 349 ح 8 ، التهذيب ج 7 ص 302 ح 19 ، الوسائل
ج 14 ص 429 ح 6.
(3) الكافي ج 5 ص 350 ح 11 ، الوسائل ج 14 ص 424 ح 5.
(4) التهذيب ج 7 ص 303 ح 21 ، الوسائل ج 14 ص 427 ح 15.
كما لا يخفى على من جاس خلال الديار ،
والموجود في الأخبار مما يدل على تحريم المناكحة ما يزيد على ما قدمناه أضعافا
مضاعفة ، ثم أنه استدل على القول الذي اختاره بما قدمنا نقله عنه في صدر المسألة
من الإجماع على اعتبار الإسلام ، وعدم الدليل الصالح لاعتبار غيره ، ثم قال في آخر
البحث : وروى عبد الله بن سنان (1) في الصحيح قال
: «سألت أبا عبد الله عليهالسلام : بم يكون
الرجل مسلما يحل مناكحته وموارثته ، وبم يحرم دمه؟ فقال : يحرم دمه بالإسلام إذا
أظهر وتحل مناكحته وموارثته». وهو أصح ما في الباب سندا وأظهر دلالة ، فقد ظهر
بذلك قوة ما اختاره المصنف وإن كان الاحتياط في الفروج أولى ، انتهى.
أقول : ووجه النظر يتطرق إلى مواضع من هذا الكلام :
الأول : ما قدمنا نقله من قوله في الجواب عن رواية أبي بصير المروية في الفقيه عن
صفوان عن زرارة ـ أن النهي عن الشكاك لا يستلزم النهي عن غيرهم ـ فإن فيه منعا
ظاهرا ، كيف وتعليله عليهالسلام ذلك بأن
المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه ، ينادي باستلزام النهي عن تزويج
الشكاك النهي عن تزويج المخالفين الذين هم أسوء حالا وأثقل أحمالا وأسوء عقيدة من
الشكاك كما لا يخفى على من له أدنى ذوق وروية ، وقد ساعدنا على هذه المقالة سبطه
السيد السند ـ قدسسره ـ في شرح
النافع ، فقال بعد نقله الصحيحة المذكورة : ووجه الدلالة أن المنع من تزويج الشكاك
يقتضي المنع من تزويج غيره من المعتقدين لمذهب أهل الخلاف بطريق أولى ، ويؤيده
التعليل المستفاد من قوله عليهالسلام : لأن المرأة
تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه ، انتهى.
الثاني : ما أجاب به عن صحيحة عبد الله بن سنان من قوله
: إن المستضعف يطلق ـ إلى آخر ما قدمنا نقله عنه ـ فإن فيه أن ما ذكره من هذا
المعنى لم ينقله ناقل من علمائنا ، ولا ورد به خبر من أخبارنا ، والظاهر أنه
ألجأته إليه ضرورة التعصب لهذا القول الضعيف والمذهب السخيف ، فإن جملة من الأصحاب
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 303 ح 23 ، الوسائل ج 14 ص 427 ح 17.
فسروا المستضعف بتفسيرات متقاربة
ومعان متناسبة ، لا مدخل لهذا القول الذي تحمله فيها ، وقد فسره ابن إدريس ـ طاب
ثراه ـ بمن لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب ولا يبغض أهل الحق على اعتقادهم.
وعرف في الذكرى بأنه الذي لا يعرف الحق ولا يعاند عليه ،
ولا يوالي أحدا بعينه.
وعرفه الشيخ المفيد في المسائل الغرية بأنه لا يعرف
بالولاء ، ويتوقف عن البراءة ، وهذه التعاريف كلها متقاربة في المعنى ، وتعاريف
الأصحاب كلها من هذا القبيل ، كما صرحوا به في بحث الصلاة على الأموات ، وأما
الأخبار في تفسيره فمن هذا القبيل أيضا ، وقد عقد له في الكافي بابا وسماه باب
المستضعف (1) وأخباره كلها
كما ذكرناه ، ففي جملة منها أنه عبارة «عمن لا يستطيع أن يؤمن ، ولا يستطيع أن
يكفر» وفي بعضها هم النساء والأولاد ، وفي بعضها من لم يعرف اختلاف الناس ، وفي
بعضها من لم ترفع له حجة ، ومرجعها كلها إلى ضعف العقل ، على أن ما ذكره من المعنى
فاسد في حد ذاته ، حيث إنه لا يفهم من الأسوء حالا من المخالف العارف ، وهو المعنى
الذي فسر به المستضعف هنا إلا الأشد عنادا في مذهبه الباطل وتعصبا في دينه العاطل
، وليس ذلك إلا بعداوة أهل البيت أو عداوة شيعتهم لأجلهم ، لأنا لا نعقل من
المخالف متى أطلق إلا المخالف في الإمامة ، والمقدم فيها سيما مع وصفه بالعارف ،
وحينئذ فالأسوء حالا منه إنما هو الناصب المجاهر بالعداوة ، وقد عرفت أن الرواية
تضمنت حكم الناصب أولا فلا معنى لذكره ثانيا. وبالجملة فإن كلامه هنا مختبط لا
يظهر له وجه استقامة بالكلية.
الثالث : فيما استند اليه من رواية الفضيل بحمل قوله عليهالسلام ـ بعد قول
السائل فأزوجها الغير الناصب ولا العارف ـ : «وغيره أحب إلي منه» على إرادة
التفضيل من هذه الصيغة ، فإنه يقتضي كون تزويج الغير الناصب والعارف وهو المستضعف
__________________
(1) الكافي ج 2 ص 404 ح 1.
والشكاك محبوبا في الجملة ، فإن فيه
أنه يجب حمل أفعل التفضيل هنا على غير بابه جمعا بين هذا الخبر وغيره مما دل على
اشتراط الايمان في الرجل فإن ذلك شائع ذائع ، ومن ذلك قوله عزوجل «ما
عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ» (1) الآية ، وقوله عليهالسلام في صحيحة عبد
الله بن سنان (2) وقد سأله أبوه
عن نكاح اليهودية والنصرانية ، فقال عليهالسلام «نكاحهما أحب
إلي من نكاح الناصبية». فإنه بمقتضى ما قاله يدل على جواز نكاح الناصبية مع أنه
حرام نصا وإجماعا. ونحوها رواية أبي بصير المتقدمة الدالة على أن تزويج اليهودية
والنصرانية أفضل ، أو قال : خير من تزويج الناصب والناصبية.
وبذلك يظهر لك أن الاستدلال بهذه الرواية على إسلام
المخالفين أشد بعدا ، لأن موردها المستضعف ، فإنه هو المراد من غير الناصب ولا
العارف ، والناصب هنا بقرينة المقابلة بالعارف إنما أريد به المخالف كما تقدم في
أخبار زرارة من قوله عليهالسلام «اللواتي لا
يعرفن ولا ينصبن». فإن ذلك مبني على نصب المخالفين وكفرهم ، فلا يعبر عنهم إلا بهذا
اللفظ.
وأما ما اشتهر بين المتأخرين من تخصيص الناصب بفرد آخر
غير المخالف فهو باطل لا دليل عليه كما تقدمت الإشارة إليه.
الرابع : ما استدل به على ما اختاره من القول بالإسلام
من الإجماع على اعتبار الإسلام ، وعدم الدليل الصالح لاعتبار غيره فإنه باطل مردود
بالأخبار الدالة على كفر القوم ونصبهم وشركهم ، وحل أموالهم ودمائهم ، كما أوضحناه
في كتابنا المتقدم ذكره بما لا يحوم حوله شبهة للناظرين ، والدليل الصالح لاعتبار
الايمان قد عرفته ساطع البيان مشيد الأركان.
وأما صحيحة عبد الله بن سنان التي نوه بأنها أصح ما في الباب
سندا وأظهر
__________________
(1) سورة الجمعة ـ آية 10.
(2) الكافي ج 5 ص 351 ح 15 ، الوسائل ج 14 ص 426 ح 10.
دلالة ، فأما ما ذكره من أنها أصح ما
في الباب سندا فهو جيد بالنسبة إلى ما أورده من الروايات التي ادعى أنها هي
الروايات القول المشهور ، وأنه ليس غيرها في الباب ، وإلا فإن فيما قدمناه من
الأخبار ما هو مثلها ، وكذا ما لم ننقله من أخبار المسألة.
وأما ما ذكره من أنها أظهر دلالة على مدعاه ، فهو على
الضد والعكس مما قاله وادعاه ، بل هي أخفى من السهى الذي لا يكاد أحد يراه.
وبيان ذلك أن السائل سأل عما به يحصل الإسلام لتجري عليه
تلك الأحكام ، لأنه قال : بم يكون الرجل مسلما تحل مناكحته ، والامام عليهالسلام لم يجبه عن
سؤاله ، وإنما ذكر له أن هذه الأحكام مترتبة على الإسلام ، وهذا ليس من محل السؤال
في شيء.
وبالجملة فإن السؤال عن معنى الإسلام وبيان حقيقته ، ونحن
لا نخالف في أنه متى ثبت الإسلام لأحد فإنه يجب أن تجري عليه تلك الأحكام ،
والمدعى في المقام ثبوت الإسلام لأولئك المخالفين ، وليس في الخبر دلالة عليه بوجه
، لأنه عليهالسلام لم يذكر أن
الإسلام يحصل بكذا وكذا ، وأن هذا الذي يحصل به الإسلام موجود في المخالفين ليحكم
بإسلامهم لذلك ، ولعل في عدول الامام عليهالسلام عن صريح
الجواب إلى التعمية والإبهام ما ينبئ عن تقية في المقام ، فإن السائل سأل عن
الإسلام بم يحصل ويتحقق حتى يحكم بإسلام المتصف به وإجراء أحكام الإسلام عليه ،
ولم يجب عن أصل السؤال ، وهذا بحمد الله سبحانه واضح ، ولما ذكره من الاستدلال
بالرواية على مدعاه فاضح ، والله العالم.
تنبيهات
الأول : حيث إن
السيد السند صاحب المدارك في شرح النافع إختار عدم الحكم بمناكحة المخالفين مع
قوله بإسلامهم أجاب عن صحيحة عبد الله بن سنان المذكورة ، قال : الظاهر أن المراد
من حل المناكحة والموارثة الحكم بصحة
نكاحهم وموارثتهم ، لا جواز تزويجهم ،
انتهى.
وأنت خبير بما فيه من البعد ، ولكنه لا مندوحة له عن
ارتكابه حيث إنه ممن يحكم بإسلام أولئك المخالفين.
والتحقيق أن الرواية المذكورة بمعزل عن الدلالة على ما
ذكروه ، فلا يحتاج إلى تأويل لما أوضحناه من الاشتباه فيها المؤدي إلى طرحها
والاعراض عنها في هذا المقام ، كما هو ظاهر لمن سرح بريد النظر فيما قدمناه من
الكلام.
الثاني : قد عرفت
دلالة صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة على أنه لا يتزوج المستضعف المؤمنة ،
ونحوها صحيحة زرارة المروية في الفقيه الدالة على جواز التزويج في الشكاك ، وعدم
جواز نكاحهم المؤمنة ، المعلل بأن المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه ،
وهو مشكل غاية الإشكال ، حيث إنه لا خلاف ولا إشكال في كون الشكاك والمستضعفين من
أفراد المسلمين ، وقد استفاضت الأخبار بأنه متى حكم بإسلام أحد وجب أن تجري عليه
أحكامه من حل المناكحة والموارثة ، وحقن المال والدم ونحوها ، فكيف يتم المنع من
مناكحته ، وتؤيد الصحيحتين المذكورتين أيضا قوله عليهالسلام في بعض روايات
الفضيل المتقدمة «العارفة لا توضع إلا عند عارف». وقوله في أخرى «غيره أحب إلي منه».
أي غير المستضعف كما تقدم بيانه ، ويؤكده أيضا الأخبار الكثيرة الدالة على أنه «إذا
جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ، وإلا تفعلون تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». فإن
مفهومها أن من لا يرضى دينه لا يزوجوه ، والشكاك والمستضعفين ممن لا يرضى دينه
البتة فلا يزوجوه ، وحمل النهي على الكراهة وإن أمكن لكنه بعيد عن سياق نظامها
ومقتضى مقامها ، والاحتياط لا يخفى.
الثالث : قد عرفت أن
المشهور بين المتأخرين هو المنع من مناكحة المخالفين مع قولهم بإسلامهم ،
لاشتراطهم ، الايمان في صحة المناكحة ، ولم يذهب منهم
إلى الاكتفاء بالإسلام إلا المحقق
والشهيد الثاني والمحدث الكاشاني كما قدمنا ذكره.
وفيه (أولا) إن هذا القول بالنظر إلى الأخبار لا يخلو من
تدافع وتناقض ، فإن مقتضى الحكم بالإسلام جواز المناكحة وغيرها من الأحكام
المترتبة على الإسلام كما عرفت آنفا ، ففي رواية حمران بن أعين (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام «والإسلام ما
ظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها وبه حقنت الدماء وعليه
جرت المواريث وجاز النكاح» الحديث.
وفي رواية سماعة (2) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : الإسلام
شهادة أن لا إله إلا الله ، والتصديق برسول الله صلىاللهعليهوآله وبه حقنت
الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره عامة الناس».
وفي حسنة الفضيل بن يسار (3) «والإسلام ما
عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء». إلى غير ذلك من الروايات التي يقف عليها
المتتبع.
و (ثانيا) إنه من المعلوم في زمنه صلىاللهعليهوآله جواز مناكحة
المنافقين المظهرين للإسلام مع العلم بنفاقهم ، وأنه صلىاللهعليهوآله قد نكح وأنكح
بناء على ظاهر الإسلام ، وإن علم بالنفاق ، وليس ذلك إلا باعتبار الاكتفاء
بالإسلام في صحة المناكحة ، وعدم اشتراط الايمان.
وبالجملة فالقول بالإسلام والمنع من المناكحة مما لا
يجتمعان ، فالقائل بإسلامهم يتحتم عليه القول بجواز مناكحتهم كما هو أحد القولين ،
والقائل بالمنع من مناكحتهم لا يتم له إلا مع القول بكفرهم وعدم إسلامهم بالكلية
كما هو القول الفصل ، والمذهب الجزل ، المؤيد بتظافر الآيات والروايات ، وهذه
الأخبار المانعة من المناكحة إنما منعت من حيث الكفر ، ولكن جل هؤلاء القائلين
بالإسلام قد وقعوا لذاك في مضيق الإلزام ، فاختل نظامهم وانحل زمامهم ،
__________________
(1 و 2 و 3) الكافي ج 2 ص 26 ح 5 وص 25 ح 1 وص 26 ح 3.
وقد وقع لهم مثل هذا الخبط والخلط في
مسألة غسل المخالفين كما تقدم في غسل الأموات من كتاب الطهارة ، وكذا الصلاة على
الأموات ، حيث منعوا من الغسل والصلاة أو توقفوا مع حكمهم بالإسلام.
الرابع : روى الصدوق (1) ـ عطر الله
مرقده ـ في الصحيح عن العلاء بن رزين «أنه سأل أبا جعفر عليهالسلام عن جمهور
الناس ، فقال : هم اليوم أهل هدنة ترد ظالتهم وتؤدى أمانتهم وتجوز مناكحتهم
وموارثتهم في هذه الحال».
وهذه الرواية بحسب ظاهرها منافية لما قدمناه ، والأظهر
عندي حملها على التقية ، وإلى ذلك أشار صاحب الوسائل أيضا حيث قال : باب جواز
مناكحة الناصب عند الضرورة والتقية ، ثم أورد الرواية المذكورة وأورد فيها برواية
تزويج عمر أم كلثوم (2) ، وظاهر السيد
السند في شرح النافع حمل هذه الرواية على ما حمل عليه صحيحة عبد الله بن سنان
المتقدمة من أن المراد بجواز مناكحتهم يعني بعضهم في بعض ، قال بعد ذكر ما قدمنا
نقله عنه في التنبيه الأول : وأوضح منها دلالة على هذا المعنى ما رواه ابن بابويه
في الصحيح عن العلاء بن رزين. ثم ساق الرواية إلى آخرها ، وهو بعيد بل الأظهر إنما
هو الحمل على التقية ، ويؤيده ما رواه الشيخ (3) عن محمد بن علي الحلبي قال : «استودعني
رجل من بني مروان ألف دينار ، فغاب فلم أدر ما أصنع بالدنانير ، فأتيت أبا عبد
الله عليهالسلام فذكرت ذلك له
، وقلت : أنت أحق بها ، فقال : لا إن أبي عليهالسلام كان يقول :
نحن فيهم بمنزلة هدنة نؤدي أمانتهم ونرد ضالتهم ونقيم الشهادة لهم وعليهم ، فإذا
تفرق الأهواء لم يسمع أحد المقام».
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 302 ح 31 ، الوسائل ج 14 ص 433 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 346 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 433 ح 2.
(3) التهذيب ج 6 ص 350 ح 110 ، الوسائل ج 13 ص 224 ح 10.
وعن الحسين الشيباني (1) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له
: رجل من مواليك يستحل مال بني أمية ودماءهم ، وإنه وقع لهم عنده وديعة ، فقال :
أدوا الأمانات إلى أهلها وإن كان مجوسيا ، فإن ذلك لا يكون حتى يقوم قائمنا فيحل
ويحرم».
المسألة الثانية : المشهور بين
الأصحاب ـ رضياللهعنهم ـ أن التمكن
من النفقة ليس شرطا في الكفاءة بل يحصل الكفاءة ويصح العقد وإن كان عاجزا عن ذلك ،
وقيل باشتراط ذلك ، وظاهرهم أنه شرط في صحة النكاح ، وهو منقول عن الشيخ في
المبسوط والعلامة في التذكرة ، قال في المبسوط على ما نقله في المختلف : والكفاءة
معتبرة في النكاح ، وهي عندنا شيئان : الايمان وإمكان القيام بالنفقة واليسار
المراعى ما يملك القيام بمئونة المرأة وكفايتها لا أكثر من ذلك.
وقيل وهو ظاهر ابن إدريس : إن ذلك ليس شرطا في صحة العقد
وإنما للمرأة الخيار إذا تبين كونه غير مؤسر بنفقتها ، ولا يكون العقد باطلا بل
لها الخيار وليس كذلك خلاف الإيمان الذي هو الكفر إذا بان كافرا فإن العقد باطل
ولا يكون للمرأة الخيار كما كان لها في اليسار ، ثم أمر بأن يلحظ ذلك ويتأمل (2).
واستوجهه العلامة في المختلف ، وقال : إن المرأة لو نكحت
ابتداء بفقير
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 132 ح 2 ، التهذيب ج 6 ص 351 ح 114 ، الوسائل
ج 13 ص 222 ح 5.
(2) قال في السرائر : عندنا أن الكفاءة المعتبرة في النكاح
أمران : الايمان واليسار بقدر ما يقوم بأمرها ، والإنفاق عليها ، ولا يراعى ما
وراء ذلك من الأنساب والصنائع ، والاولى أن يقال : ان اليسار ليس بشرط في صحة
العقد ، وانما للمرأة الخيار إذا لم يكن موسرا بنفقتها ، ولا يكون العقد باطلا بل
الخيار إليها ، وليس كذلك خلاف الإيمان الذي هو الكفر إذا بان كافرا فان العقد
باطل ، ولا يكون للمرأة الخيار كما كان لها في اليسار ، ثم أمر ان يلحظ ذلك ويتأمل
، وما نقلناه في الأصل هو ملخص ذلك. (منه ـ قدسسره ـ).
عالمة بذلك صح نكاحها إجماعا ، ولو
كانت الكفاءة شرطا لم يصح ، وإذا صح مع العلم وجب أن يصح مع الجهل ، لوجود المقتضى
السالم عن معارضة كون الفقر مانعا. نعم أثبتنا لها الخيار دفعا للضرر عنها ، ودفعا
للمشقة اللاحقة بها.
واستشكل السيد السند في شرح النافع في ثبوت هذا الخيار
هنا ، من جهة التمسك بلزوم العقد إلى أن يثبت ما يزيله ، ومن لزوم الضرر ببقائها
معه كذلك المنفي بالآية والرواية ، قال : والمسألة محل تردد.
وقال الشيخ المفيد : المسلمون الأحرار يتكافؤون بالإسلام
والحرية في النكاح وإن تفاضلوا في الشرف والنسب ، كما يتكافؤون في الدماء والقصاص
، فالمسلم إذا كان واجدا طولا للإنفاق بحسب الحاجة إلى الأزواج مستطيعا للنكاح
مأمونا على الأنفس والأموال ، ولم يلزمه آفة في عقله ولا سفه في رأيه ، فهو كفو في
النكاح.
وقال ابن الجنيد : والإسلام جامع وأهلوه إخوة متكافؤ
دماءهم إلا أن لمن حرمت عليه الصدقة فضلا على غيرهم ، فوجب ألا يتزوج فيهم إلا من
هو منهم ، لئلا يستحل بذلك الصدقة من حرمت عليه إذا كان الولد منسوبا إلى من يحل
له الصدقة ، انتهى.
أقول : ومما يدل على القول المشهور (أولا) إطلاق الأخبار
الدالة على الاكتفاء في الكفاءة بمجرد الايمان ، كالأخبار المتقدمة الدالة على أنه
(1) «إذا جاءكم من
ترضون خلقه ودينه فزوجوه ، (إِلّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ
كَبِيرٌ)».
ومنها زيادة على ما قدمناه ما رواه الكليني في الكافي (2) مرسلا عن
الصادق عليهالسلام قال : «إن
الله عزوجل لم يترك شيئا
مما يحتاج إليه إلا علمه نبيه ، فكان من تعليمه إياه أنه صعد المنبر ذات يوم فحمد
الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 347 ح 1 و 2 و 3 ، الوسائل ج 14 ص 50 ح 1 وص
51 ح 2 و 3.
(2) الكافي ج 5 ص 337 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 39 ح 2.
إن جبرئيل أتاني عن اللطيف الخبير
فقال : إن الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر ، إذا أدرك ثمرة فلم يجتنى أفسدته الشمس
ونثرته الرياح ، وكذلك الأبكار إذا أدركن ما يدرك النساء فليس لهن دواء إلا
البعولة ، وإلا لم يؤمن عليهن الفساد لأنهن بشر ، قال : فقام إليه رجل فقال : يا
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فمن نزوج؟
فقال : الأكفاء ، فقال : يا رسول الله ومن الأكفاء؟ فقال : المؤمنون بعضهم أكفاء
بعض».
وروى الصدوق في كتاب علل الشرائع وعيون أخبار الرضا (1) بسنده عن أبي
جون مولى الرضا عنه عليهالسلام قال : «نزل
جبرئيل على النبي صلىاللهعليهوآله فقال : يا
محمد إن ربك يقرؤك السلام ، ويقول : إن الأبكار من النساء بمنزلة الثمر على الشجر
، فإذا أينع الثمر فلا دواء له إلا اجتناؤه ، وإلا أفسدته الشمس وغيرته الريح ،
وإن الأبكار إذا أدركن ما تدرك النساء فلا دواء لهن إلا البعول ، وإلا لم يؤمن
عليهن الفتنة ، فصعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المنبر فخطب
الناس ثم أعلمهم ما أمر الله تعالى به ، فقالوا : ممن يا رسول الله؟ فقال : من
الأكفاء ، فقالوا : ومن الأكفاء؟ فقال : المؤمنون بعضهم أكفاء بعض ، ثم لم ينزل
حتى زوج ضباعة المقداد بن الأسود ، ثم قال : أيها الناس إنما زوجت ابنة عمي
المقداد ليتصنع النكاح».
و (ثانيا) خصوص قوله عزوجل «إِنْ
يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ» (2).
وما رواه في الكافي (3) في الصحيح عن أبي حمزة الثمالي قال :
«كنت عند أبي جعفر عليهالسلام إذا استأذن
عليه رجل فأذن له فدخل عليه فسلم فرحب أبو جعفر عليهالسلام وأدناه وسأله
، فقال الرجل : جعلت فداك إني خطبت إلى مولاك فلان ابن أبي رافع ابنته ، فردني
ورغب عني وازدرأني لدمامتي وحاجتي وغربتي ، وقد دخلني من
__________________
(1) العلل ص 578 ح 4 ، العيون ج 1 ص 225 ح 37 ، الوسائل ج 14 ص
39 ح 3.
(2) سورة النور ـ آية 32.
(3) الكافي ج 5 ص 339 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 43 ح 1.
ذلك غضاضة هجمة غض لها قلبي تمنيت
عندها الموت ، فقال أبو جعفر عليهالسلام : اذهب فأنت
رسولي إليه ، وقل له : يقول لك محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهمالسلام زوج منجح بن
رباح مولاي ابنتك فلانة ولا ترده ، قال أبو حمزة : فوثب الرجل فرحا مسرعا برسالة
أبي جعفر عليهالسلام فلما أن توارى
الرجل قال أبو جعفر عليهالسلام : إن رجلا كان
من أهل اليمامة يقال له جويبر أتى رسول الله صلىاللهعليهوآله منتجعا
للإسلام (1) فأسلم وحسن
إسلامه وكان رجلا قصيرا دميما محتاجا عاريا ـ ثم ساق الخبر المشتمل على فقر جويبر
وأنه من جملة أهل الصفة الذين كانوا يتعاهدهم رسول الله صلىاللهعليهوآله بالبر والتمر
والشعير إلى أن قال : فقال له : يا جويبر لو تزوجت امرأة فعففت بها فرجك وأعانتك
على دنياك وآخرتك ، فقال له جويبر : يا رسول الله بأبي أنت وأمي من يرغب في؟
فوالله ما من حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال ، فأية امرأة ترغب في؟ فقال له رسول
الله صلىاللهعليهوآله : يا جويبر إن
الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفا ، وشرف بالإسلام من كان في
الجاهلية وضيعا ، وأعز بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلا ، وأذهب بالإسلام ما كان
من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشائرها ، وباسق (2) أنسابها ـ إلى أن قال ـ : ثم قال له
: انطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد فإنه من أشرف بني بياضة حسبا فيهم فقل له : إني
رسول الله إليك ، وهو يقول لك : زوج جويبرا ابنتك الذلفاء». ثم ساق الكلام بما
يتضمن تزويج جويبر المرأة المذكورة.
والخبر المذكور ظاهر بالنظر الى صدره في المطلوب والمراد
، وصريح بالنظر إلى حكاية قصة جويبر بأوضح صراحة لا يعتريها الإيراد.
ومما يدل على ذلك قول الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي (3) «إذا خطب
__________________
(1) انتجع القوم : إذا ذهبوا بطلب الكلاء ، وانتجع فلانا : طلب
معروفه. «النهاية».
(2) الباسق : المرتفع في علوه. «النهاية».
(3) الفقه الرضوي ص 31 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 537 ب 24 ح 3.
إليك رجل رضيت دينه وخلقه فزوجه ، ولا
يمنعك فقره وفاقته ، قال الله تعالى «وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا
مِنْ سَعَتِهِ» (1) ، وقال «إِنْ
يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ، وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» (2). وهو كما ترى أيضا صريح في المدعى ،
وتؤيده الآيات والروايات الدالة على ضمان الله عزوجل الرزق لمن خلق
وتكفله به.
واستدل للقول الثاني بما رواه في الكافي (3) في الصحيح عن
أبان عن رجل عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «الكفو
أن يكون عفيفا وعنده يسار».
ورواه الشيخ في التهذيب (4) عن محمد بن
الفضيل ، عمن ذكره عن أبي عبد الله عليهالسلام مثله.
وأجاب عنه في المختلف بالحمل على الأولوية والاستحباب ،
وهو جيد ويشير إليه اشتراط العفة التي هي عبارة عن التقوى ، فإنه لم يشترطها أحد
في الكفاءة وصحة النكاح ، وإلا لبطل بدونه ، وعلى هذا ينبغي حمل كلام الشيخ المفيد
فيما قدمنا من عبارته.
وأما ما ذهب إليه ابن الجنيد فإنه استدل له في المختلف
بما رواه في الكافي (5) عن علي بن
بلال قال : «لقي هشام بن الحكم بعض الخوارج فقال : يا هشام ما تقول في العجم يجوز
أن يتزوجوا في العرب؟ قال : نعم ، قال : فالعرب يتزوجوا من قريش؟ قال : نعم ، قال
: فقريش يتزوج في بني هاشم؟ قال : نعم ، قال : عمن أخذت هذا؟ قال : عن جعفر بن
محمد عليهالسلام سمعته يقول : أتتكافأ
دماؤكم ، ولا تتكافأ فروجكم؟ قال : فخرج الخارجي حتى أتى أبا عبد الله عليهالسلام فقال : إني
لقيت هشاما فسألته
__________________
(1) سورة النساء ـ آية 130.
(2) سورة النور ـ آية 32.
(3) الكافي ج 5 ص 347 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 51 ح 4.
(4) التهذيب ج 7 ص 394 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 52 ح 5.
(5) الكافي ج 5 ص 345 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 46 ح 3.
عن كذا ، فأخبرني بكذا ، وذكر أنه
سمعه منك ، قال : نعم قد قلت ذلك ، فقال الخارجي : فها أنا ذا قد جئتك خاطبا ،
فقال له أبو عبد الله عليهالسلام : إنك لكفو في
دمك وحسبك في قومك ، ولكن الله عزوجل صاننا عن
الصدقة ، وهي أوساخ أيدي الناس فنكره أن نشرك فيما فضلنا الله به من لم يجعل الله
مثل ما جعل الله لنا ، فقام الخارجي وهو يقول : تالله ما رأيت رجلا مثله قط ردني
والله أقبح رد ، وما خرج من قول صاحبه».
وحمله في المختلف على الأولوية أيضا ، ويحتمل أن هذا
الكلام إنما خرج في مقام دفع الخارجي بما لا يستوحش منه من كفره وعدم جواز مناكحته
، ولا يراد به ظاهره بالنسبة إلى غيره من الإمامية ، فإنهم يتزوجون في بني هاشم من
غير خلاف ولا كراهة ، كما دل عليه صدر الخبر المذكورة ، وحديث تزويج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ضباعة بنت
الزبير بن عبد المطلب من المقداد بن الأسود ، كما دلت عليه جملة من الأخبار ، منها
الخبر المتقدم.
ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب (1) عن أبي بكر
الحضرمي «عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إن رسول
الله صلىاللهعليهوآله زوج المقداد
بن الأسود ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وإنما زوجه لتتصنع المناكح وليتأسوا
برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وليعلموا أن
أكرمهم عند الله أتقاهم».
ورواه في الكافي (2) بسند آخر عن هشام بن سالم عن رجل عن
أبي عبد الله عليهالسلام مثله ، وزاد
فيه «وكان الزبير أخا عبد الله وأبي طالب لأبيهما وأمهما».
وروى في التهذيب (3) عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إن
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 344 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 395 ح 6 ، الوسائل ج
14 ص 45 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 344 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 45 ح 2.
(3) التهذيب ج 7 ص 395 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 47 ح 5.
رسول الله صلىاللهعليهوآله زوج ضبيعة بنت
الزبير بن عبد المطلب من مقداد بن الأسود ، فتكلمت في ذلك بنو هاشم فقال رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : إني إنما
أردت أن تصنع المناكحة». وبالجملة فإن القول المذكور بمكان من الضعف والقصور.
وأما ما ذهب إليه ابن إدريس والعلامة في المختلف من
الخيار للمرأة لو ظهر كون الزوج فقيرا بعد عقدة عليها ، فإن أثر له في أخبار
المسألة ، وما استدلوا به من دفع الضرر عن المرأة مدفوع بما ذكرنا من الآيات
والأخبار الدالة على أن الله سبحانه ضامن بالرزق ومتكفل به سواء أجراه على يد
الزوج أو غيره ، ألا ترى إلى قوله عزوجل «وَإِنْ
يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ» (1) ، فإن فيه إشارة إلى أن التفرق
الموجب لقطع إنفاق الزوج على المرأة أو استعانة الزوج بالمرأة على ذلك لا يكون
موجبا لاحتياج كل منهما وفقره بالله سبحانه يغني كلا من سعته وكرمه وكذا قوله «إِنْ
يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ» (2) فإن فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي الرد
عن التزويج لأجل الفقر ، فإن الله عزوجل هو الرزاق لا
الزوج ، وقد ضمن ذلك في كتابه وهو لا يخلف الميعاد ، فلا يمنعه التزويج لأجل فقره
، والآية ظاهرة في الرد على هذا القائل بأوضح ظهور ، الظاهر أنه إلى ما ذكرنا يشير
كلام الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي (3) حيث استدل
بهذه الآية والآية التي بعدها على عدم منع الفقير من تزويج من رضي دينه ، وبذلك
يظهر قوة التمسك بلزوم العقد حتى يقوم دليل على جواز فسخه ، ويظهر أيضا ضعف
استشكال السيد السند في المسألة كما قدمنا نقله عنه.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنهم قد صرحوا بأن هذا الشرط ليس على
نهج ما قبله من شرط الايمان أو الإسلام للاتفاق هنا على جواز تزويج الفقير المؤمن
،
__________________
(1) سورة النساء ـ آية 130.
(2) سورة النور ـ آية 32.
(3) الفقه الرضوي ص 237.
وإنما يظهر فائدة هذا الاشتراط هنا
على تقدير القول به في الوكيل المطلق والولي ، فإنه ليس لهما أن يزوجاها إلا من
كفو ، فإذا اعتبرنا اليسار في الكفاءة لم يصح لهما تزويجهما بالفقير ، وإن زوجاها
تخيرت في الفسخ كما تتخير في العيوب.
واختلف كلام العلامة في كتبه هذه المسألة ففي التذكرة
اشتراط في الكفاءة اليسار كما قدمنا نقله عنه ، وجوز للولي أن يزوجها بالفقير ،
ولو كان الذي يزوجها السلطان لم يكن له أن يزوجها إلا بكفو في الدين واليسار ،
وهذا الكلام لا يخلو من تدافع كما عرفت ، وفي المختلف لم يعتبر اليسار ، واكتفي
بالايمان لكنه حكم بأنها لو تزوجت الفقير جاهلة بفقره كان لها الخيار إذا علمت ،
وهو قول ابن إدريس كما تقدم ، وفي القواعد لم يجعل اليسار شرطا ولا أثبت لها
الخيار.
وكيف كان فالظاهر أن اليسار شرط في وجوب الإجابة عليها
أو على الولي فلو لم يكن ذا يسار لم تجب إجابته ، لأن الصبر على الفقر ضرر يدفع
الوجوب ، وإن ترجحت الإجابة مع كمال دينه كما في قضية جويبر ونحوه ، والمعتبر في
اليسار من النفقة كونه مالكا لها بالفعل أو القوة القريبة منه ، بأن يكون قادرا
على تحصيلها بحرفة يحترفها أو تجارة يتجرها ، ولا يشترط اليسار في المهر وإنما محل
البحث والخلاف في النفقة خاصة ، والله العالم.
المسألة الثالثة : المشهور بين
الأصحاب أنه لو تجدد عجز الزوج عن النفقة فليس للمرأة الفسخ ، ونقل عن ابن الجنيد
أنها تتخير بين الفسخ وعدمه ، وقيل : بأن الحاكم يبينهما ، وهذا القول نقله السيد
السند في شرح النافع ، قال : نقل المحقق الشيخ فخر الدين عن المصنف أنه نقل عن بعض
علمائنا قولا بأن الحاكم يبينهما.
حجة القول المشهور أن النكاح عقد لازم ، فيستصحب ،
ولظاهر قوله تعالى
«وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ
إِلى مَيْسَرَةٍ» (1) وما رواه الشيخ
في التهذيب (2) عن السكوني «عن
جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهمالسلام أن امرأة
استعدت على زوجها أنه لا ينفق عليها وكان زوجها معسرا ، فأبى علي عليهالسلام أن يحبسه ،
وقال : إن مع العسر يسرا». ولو كان لها الفسخ لعرفها به ليندفع عنها الضرر الذي
استعدت لأجله ، وحجة ما ذهب إليه ابن الجنيد ما رواه الصدوق (3) في الصحيح عن
ربعي والفضيل بن يسار «عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله عزوجل «وَمَنْ
قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ» قال : إن أنفق
عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة ، وإلا فرق بينهما».
وما رواه في الفقيه (4) أيضا عن عاصم
بن حميد عن أبي بصير ـ والظاهر أنه ليث المرادي ـ فتكون الرواية صحيحة قال : «سمعت
أبا جعفر عليهالسلام يقول : من
كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على
الامام أن يفرق بينهما». والظاهر أن هذه الرواية هي مستند القول الثالث ، وإلى هذا
القول ـ بما نقل عن ابن الجنيد ـ مال السيد السند في شرح النافع للصحيحتين
المذكورتين ، قال : والروايتان صحيحتا السند ، فيتجه العمل بهما مضافا إلى ما يلزم
في كثير من الموارد من الحرج العظيم المنفي بقوله تعالى «وَما
جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» (5) والعسر الزائد الذي هو غير مراد لله عزوجل.
أقول : والرواية الأولى قد رواها في الكافي (6) أيضا عن روح
بن عبد الرحيم قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : قول الله عزوجل «وَمَنْ
قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ» الحديث. كما تقدم.
__________________
(1) سورة البقرة ـ آية 280.
(2) التهذيب ج 6 ص 299 ح 44 ، الوسائل ج 13 ص 148 ح 2.
(3) الفقيه ج 3 ص 279 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 223 ح 2.
(4) الفقيه ج 3 ص 279 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 462 ح 61 مع اختلاف
يسير ، الوسائل ج 15 ص 223 ح 1.
(5) سورة الحج ـ آية 78.
(6) الكافي ج 5 ص 512 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 224 ح 6.
ويقرب من هذين الخبرين ما رواه في الكافي (1) في الصحيح أو
الحسن عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج قال : «لا يجبر الرجل إلا في نفقة الأبوين
والولد ، قال ابن ابي عمير : قلت لجميل : والمرأة؟ قال : قد روى عنبسة عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : إذا
كساها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها أقامت معه وإلا طلقها» الحديث ،. وحاصل
معنى الخبر أنه في العمودين يجبر على النفقة ، وأما في الزوجة فإنها ليست لازمة له
لزوم العمودين ، بل يجبر على النفقة أو الطلاق.
ويعضد ذلك ما ورد في خبر رواه في أصول الكافي (2) في باب سيرتهم
عليهمالسلام مع الناس إذا
ظهر أمرهم «قال فيه : والرجل ليس له على عياله أمر ولا نهي إذا لم يجر عليهم
النفقة» (3).
والعلامة في المختلف بعد أن نقل الاستدلال للقول المشهور
باستصحاب لزوم العقد ورواية السكوني ، ولابن الجنيد بلزوم الضرر ، والرواية عن
الصادق عليهالسلام وعارضها
برواية السكوني (4) قال في آخر
كلامه : ونحن في المسألة من المتوقفين.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 512 ح 8 ، التهذيب ج 6 ص 293 ح 22 وص 296 ح
23 وص 348 ح 98 ، الوسائل ج 15 ص 224 ح 4.
(2) أصول الكافي ج 1 ص 406 ح 6.
(3) أقول. والحديث المذكور مروي عن أبى عبد الله ـ عليهالسلام ـ أن النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ قال : أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ،
وعلى أولى به من بعدي ، فقيل له : ما معنى ذلك؟ فقال : قول النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ من ترك دينا أو ضياعا فعلى ، ومن ترك
مالا فلورثته ، فالرجل ليست له على نفسه ولاية إذا لم يكن له مال ، وليس له على
عياله أمر ولا نهى إذا لم يجر عليهم النفقة والنبي وأمير المؤمنين ـ عليهماالسلام ومن بعدهما ألزمهم هذا ، فمن هناك
صاروا أولى بهم من أنفسهم ، وما كان سبب إسلام عامة اليهود الا من بعد هذا القول
من رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ وأنهم آمنوا على أنفسهم وعلى
عيالاتهم. (منه ـ قدسسره ـ).
(4) التهذيب ج 6 ص 299 ح 44 ، الوسائل ج 13 ص 148 ح 2.
وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك التوقف ايضا حيث
اقتصر على نقل الأقوال وأدلتها ولم يرجح شيئا في البين ، إلا أن الظاهر أنه لم يقف
على صحة الخبرين اللذين قدمناهما دليلا لابن الجنيد ، فإنه إنما نقل رواية ربعي
والفضيل عارية عن وصفها بالصحة ، والظاهر أنه أخذها من التهذيب ، فإنها فيه ضعيفة
وإلا فهي في الفقيه صحيحة ، وأما صحيحة أبي بصير فلم يتعرض لها ، والظاهر أنه لو
وقف على صحة هاتين الروايتين لما عدل عنها بناء على عادته وطريقته كما علمته من
سبطه في شرح النافع.
إذا عرفت هذا فاعلم أن الظاهر عندي في المقام بالنظر إلى
هذه الأخبار ـ بناء على قاعدتنا في العمل بجميع الأخبار من غير التفات إلى هذا
الاصطلاح المحدث ـ أمر آخر غير ما ذكروه ، وذلك فإن صريح رواية السكوني كون الزوج
معسرا ، وأما صحيحة ربعي والفضيل وكذا صحيحة أبي بصير فإنهما مطلقتان ، وحينئذ
فيمكن حمل إطلاقهما على ما صرحت به رواية السكوني من التقييد ، فينتج من ذلك أن
الزوج متى كان معسرا وجب عليها الصبر ، عملا باستصحاب لزوم العقد ولا تتخير في فسخ
عقدها ، ولا يجوز أن يفرق بينهما ، وأما إذا كان ذا يسار ولم ينفق عليها فإن الحكم
فيه ما دلت عليه الصحيحتان من التفريق بينهما ، ويؤيد ما ذكرناه ما هو المفهوم من
رواية جميل بن دراج كما ذيلناها به من أنه يجبر على الإنفاق عليها أو الطلاق ، ومن
الظاهر أن الخبر على الإنفاق إنما هو مع إمكانه ، وعلى ما ذكرناه لا تكون
الصحيحتان من محل البحث في شيء لتخصيصهما بمن كان ذا يسار ، ومحل البحث إنما هو
العاجز عن الإنفاق.
وبالجملة فالأظهر عندي في الجميع بين الأخبار هو ما
ذكرته ، وبه يظهر قوة القول المشهور ، وأنه هو المؤيد المنصور.
ثم أنه لا يخفى أن الذي ذكروه هنا ـ بناء على قول ابن
الجنيد ـ هو تخير المرأة في فسخ العقد وعدمه ، والذي دلت عليه الصحيحتان التفريق ،
وهو
أعم من ذلك لاحتمال أن يكون المراد به
الطلاق بمعنى أنه يجبر على طلاقها ، وإلا طلقها الحاكم الشرعي ، ويؤيده ما قدمنا
نقله من صحيحة جميل أو حسنته الظاهرة في الطلاق إن لم ينفق عليها ، بمعنى أنه يجبر
عليه مع عدمه الإنفاق عليها.
ونقل عن فخر المحققين أنه بني الخلاف في هذه المسألة على
أن اليسار بالنفقة ليس شرطا في لزوم العقد فلو جعلناه شرطا تسلطت بتجدد العجز بغير
إشكال ، قال في المسالك : وهذا البناء ليس بعيد ، إلا أن عبارات الأصحاب مطلقة ،
بحيث يحتمل كون الخلاف هنا جاريا على القولين ، إذ يحتمل على القول بأن اليسار جزء
من الكفارة أن يختص بالابتداء ، ولا يلزم مثله في الاستدامة كما في العيوب الموجبة
للخيار ابتداء ، ولا يثبت مع تجددها كما سيأتي ، وعلى كل حال فكلام فخر الدين
موجه. انتهى.
المسألة الرابعة : قالوا : لو
خطب المؤمن القادر على النفقة وجبت إجابته على الولي ، وإن كان أخفض نسبا ، وإن
منعه الولي كان عاصيا ، وقيد بعضهم وجوب الإجابة بعدم قصد الأعلى مع وجوده بالفعل
أو القوة ، فلو قصد الأعلى مع وجوده لم تجب الإجابة بل يتخير بينهما ، وهل يعتبر
في وجوب الإجابة بلوغ المرأة ، أم يجب على الولي الإجابة وإن كانت صغيرة؟ احتمالان
، من إطلاق الأمر وانتفاء الحاجة ، وعلل تخصيص الأولياء بالحكم بأن الولي هو
المجيب ، والمانع غالبا وإن لم يكن له ولاية شرعية ، كما تشير إليه صحيحة علي بن
مهزيار (1) المتقدمة
الدالة على أنه «كتب علي بن أسباط إلى أبي جعفر عليهالسلام في أمر بناته
أنه لا يجد أحدا مثله ، فكتب إليه أبو جعفر عليهالسلام : فهمت ما
ذكرت في أمر بناتك ، وأنك لا تجد أحدا مثلك ، فلا تنظر في ذلك» الخبر.
والأصل في هذا الحكم من أصله الأخبار الكثيرة المتقدمة
الدالة على قوله عليهالسلام (2) «إذا جاءكم من
ترضون خلقه ودينه فزوجوه ، وإلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». والتقريب
فيها أن مقتضى الأمر الوجوب ، وأن مخالفته معصية.
__________________
(1 و 2) الكافي ج 5 ص 347 ح 1 و 2 و 3، الوسائل ج 14 ص 51 ح 1 و
2 و 3.
ويمكن أن يناقش في دلالة الأمر على الوجوب هنا حيث إن
الظاهر من السياق كونه للإباحة ، ولا ينافي ذلك «إِلّا
تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ» إذ الظاهر أن
المراد أنه إذا حصل الامتناع من الإجابة لكون المخاطب حقيرا في نسبة لا لغيره من
الأغراض فإنه يترتب على ذلك الفساد أو الفتنة من نحو التفاخر بالعشائر والمباهاة
بالتكاثر كما في زمن الجاهلية ، وما يترتب على ذلك من القبائح الخارجة عن جادة
الدين.
ويعضد ما ذكرناه ما صرح به ابن إدريس في كتابه حيث قال :
وروي أنه إذا خطب المؤمن إلى غيره بنته وكان عنده يسار بقدر نفقتها ، وكان ممن
يرضى فعاله وأمانته ولا يكون مرتكبا لشيء يدخل به في جملة الفساق وإن كان حقيرا
في نسبه قليلا في ماله فلا يزوجه إياها كان عاصيا لله تعالى مخالفا لسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ووجه الحديث
في ذلك أنه إنما يكون عاصيا إذا رده ولم يزوجه لما هو عليه من الفقر ، والأنفة منه
لذلك ، واعتقاده أن ذلك ليس بكفو في الشرع ، فأما إن رده ولم يزوجه لا لذلك ، بل
لأمر آخر وغرض غير ذلك من مصالح دنياه فلا حرج عليه ولا يكون عاصيا ، فهذا فقه
الحديث. انتهى كلامه زيد إكرامه ، وهو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.
ومنه يعلم ما قدمنا ذكره من أن الولي لو ترك الإجابة
لأجل العدول إلى الأعلى لا يكون عاصيا ، وكذا لو ترك الإجابة لما هو عليه من
الصفات الذميمة من فسق ونحوه ، فإنه لا حرج عليه ولا يكون عاصيا ، والظاهر من
الروايات المذكورة أن الخطاب فيها والأمر بالتزويج والنهي عن الرد إنما توجه إلى
الأولياء بالتقريب الذي قدمناه ، وعلى هذا ففي تعلق الحكم بالثيب والبكر البالغ
التي لا ولي لها ووجوب الإجابة عليها إن قلنا بالوجوب على الولي إشكال ، من حيث إن
ظاهر النصوص كما عرفت أن توجه الخطاب فيها إنما هو لخصوص الولي ، فلا يتعلق بغيره
، وإطلاق هذه الأخبار شامل لجواز مناكحة الأخفض نسبا والأدنى صنعة
وحرفة ونحو ذلك ، لأن المدار فيها على
المماثلة في الأيمان أو الإسلام خاصة ، وأنت خبير بأنها بإطلاقها شاملة للقادر على
النفقة والعاجز عنها ، وهم قد قيدوا وجوب الإجابة بالقدرة على النفقة ، وكأنهم
نظروا إلى أن في الصبر على الفقر ضررا عظيما فخصصوا إطلاق هذه الأخبار بذلك ، وفيه
ما لا يخفى كما تقدم الكلام عليه في شرط الكفاءة ، ومقتضى الأخبار المذكورة أيضا
تزويج الفاسق ، ولا سيما شارب الخمر ، إلا أنه قد ورد في النهي عنه أخبار عديدة
حملها أكثر الأصحاب على الكراهة جمعا ، ومنع منه بعض الأصحاب ، لقوله تعالى «أَفَمَنْ
كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ» (1).
وفيه إن الظاهر من أكثر آيات القرآن أن إطلاق الفسق فيها
إنما هو بمعنى الكفر ، لا بمعنى المشهور الآن من الأمور المخلة بالعدالة ، سيما ما
ورد في تفسير هذه الآية من أن المؤمن أمير المؤمنين عليهالسلام والفاسق
الوليد أخو عثمان لامه (2).
ومن الأخبار الواردة في النهي عن تزويج شارب الخمر ما
رواه في الكافي (3) عن أحمد بن
محمد رفعه قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام : من زوج
كريمته من شارب الخمر فقد قطع رحمها».
وعن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه (4) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «قال
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : شارب الخمر
لا يزوج إذا خطب». إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة ، إلا
__________________
(1) سورة السجدة ـ آية 18.
(2) تفسير على بن إبراهيم ج 2 ص 170.
(3) الكافي ج 5 ص 347 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 398 ح 14 ، الوسائل
ج 14 ص 53 ح 1.
(4) الكافي ج 5 ص 348 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 398 ح 15 ، الوسائل
ج 14 ص 53 ح 4.
أنها محمولة عند الأصحاب على الكراهة
جمعا بينها وبين ما تقدم.
المسألة الخامسة : المشهور بين
الأصحاب أنه إذا تزوج امرأة ثم علم أنها كانت زنت فليس له الفسخ ، ولا الرجوع على
الولي بالمهر ، وعلل الأول بأن ذلك مقتضى العقد اللازم ، وأما عدم الرجوع بالمهر
فلأن ذلك مقتضى الأصل.
أقول : ويدل على الأول أيضا ما رواه الصدوق (1) في الصحيح عن
الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إنما
يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل».
وفي رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله المروية في
التهذيب (2) قال : «وترد
المرأة من العفل والبرص والجذام والجنون وأما سوى ذلك فلا».
وذهب ابن بابويه في المقنع إلى أنه يفرق بينهما ولا صداق
لها ، لأن الحديث كان من قبلها ، ويدل عليه ما رواه المشايخ الثلاثة (3) عن السكوني عن
أبي عبد الله عليهالسلام عن أبيه عليهالسلام قال : «قال
أمير المؤمنين عليهالسلام في المرأة إذا
زنت قبل أن يدخل بها الرجل يفرق بينهما ولا صداق لها لأن الحديث كان من قبلها».
ويدل عليه أيضا ما رواه في الفقيه (4) عن الحسن بن
محبوب عن الفضل بن يونس في الموثق قال : «سألت أبا الحسن موسى عليهالسلام عن رجل تزوج
امرأة فلم يدخل بها فزنت ، قال : يفرق بينهما وتحد الحد ولا صداق لها» ، ورد
المتأخرون هذه الروايات بضعف السند.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 406 ح 6 ، الفقيه ج 3 ص 273 ح 4 ، التهذيب ج
7 ص 424 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 593 ح 6.
(2) التهذيب ج 7 ص 425 ح 9 ، الوسائل ج 14 ص 595 ح 13.
(3) الكافي ج 5 ص 566 ح 45 ، التهذيب ج 7 ص 473 ح 105 ، الفقيه
ج 3 ص 263 ح 38 ، الوسائل ج 14 ص 601 ح 3.
(4) التهذيب ج 7 ص 490 ح 177 ، الفقيه ج 3 ص 263 ح 39 ،
الوسائل ج 14 ص 601 ح 2.
ونقل عن الشيخ المفيد وجماعة أن له الخيار في المحدودة (1) ، قال في شرح
النافع : ولم نقف لهم في ذلك على مستند سوى ما في الالتزام بها من الضرر ،
لاشتماله على العار ، ويضعف بأنه قادر على طلاقه ، وبه يندفع الضرر ، ثم نقل صحيحة
الحلبي التي قدمنا نقلها عن الصدوق ، وعقبها بما رواه
الكليني (2) عن رفاعة بن موسى قال : «سألت أبا
عبد الله عليهالسلام عن المحدود
والمحدودة ، هل ترد من النكاح؟ قال : لا».
أقول : ونحو هذه الرواية ما رواه الحسين بن سعيد في
كتابه عن فضالة عن رفاعة بن موسى (3) قال : «سألته عن المحدودة؟ قال : لا
يفرق بينهما ولا يترادان النكاح» الحديث ، وهو صحيح صريح ، والظاهر أن المستند
للشيخ المفيد ـ فيما نقل عنه ـ هو ما قدمناه من الأخبار الدالة على مذهب ابن
بابويه ، وإلا فلم نقف على غيرها.
وذهب الشيخ في النهاية إلى أنها لا ترد ، وكذلك التي
كانت زنت قبل العقد
__________________
(1) أقول : قال الشيخ المفيد ـ رحمهالله ـ : ترد المحدودة في الفجور ، وبه قال
: سلار وابن البراج واختاره ابن الجنيد وأبو الصلاح وقطب الدين الكيدري ، وقال
الشيخ في النهاية : المحدودة في الزنا ترد ، وأما التي قد زنت قبل العقد فليس
للرجل ردها الا أن له أن يرجع على وليها بالمهر ، وليس له فراقها الا بالطلاق ،
وقال ابن إدريس : الذي في نفسي أن المحدودة لا ترد بل يرجع على وليها بالمهر إذا
كان عالما بدخيلة أمرها ، فإن أراد فراقها طلقها ، انتهى. كذا نقله العلامة في
المختلف ، ثم قال : والأقرب عندي عدم الرد للأصل وما رواه الحلبي في الصحيح ، ثم
ساق الرواية كما ذكرناه في دليل القول الأول ، واحتج لما ذكره المفيد ـ رحمهالله ـ باشتماله على العار فكان موجبا
للتسلط على الفسخ ، وقد عرفت ما فيه. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) الكافي ج 5 ص 407 ح 9 ، الوسائل ج 14 ص 600 ح 2.
(3) البحار ج 103 ص 365 ح 22.
إلا أن له الرجوع على وليها بالمهر ،
وقريب منه قول ابن إدريس ، إلا أنه قيل الرجوع عليه بعلمه بحالها.
أما عدم ردها وفسخ نكاحها فلما تقدم في القول المشهور.
وأما الرجوع على وليها فلما رواه الشيخ في التهذيب (1) عن عبد الرحمن
بن أبي عبد الله قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل تزوج
امرأة فعلم بعد ما تزوجها أنها قد كانت زنت ، قال : إن شاء زوجها أخذ الصداق ممن
زوجها ولها الصداق بما استحل من فرجها ، وإن شاء تركها ، قال : وترد المرأة من
العفل والبرص والجذام». إلى آخر ما تقدم في أدلة القول الأول.
وروى هذا الخبر الكليني في الكافي (2) في الصحيح عن
معاوية بن وهب بدون الزيادة التي في آخره ، ومنه يظهر قوة القول بالرجوع إلى المهر
لكن ينبغي تقييده بما ذكره ابن إدريس من علم الولي بالزنا ، وعدم إخباره الزوج (3) والظاهر أن
مراد الشيخ ذلك وإن أطلق ، ويؤيده عموم الأخبار الدالة على الرجوع على الولي إذا
كان عالما بالعيب ، والزنا من أظهر العيوب وأفحشها.
وخصوص ما رواه في الكافي (4) في الصحيح أو
الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 425 ح 9 ، الوسائل ج 14 ص 601 ح 4.
(2) الكافي ج 5 ص 355 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 601 ح 4.
(3) والى ما اخترناه من العمل بهذه الاخبار يميل كلام شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك ، حيث انه بعد نقل صحيحة معاوية بن وهب التي في الكافي
قال : ولو عمل به لم يكن به بأس ، وحمله ـ على ما لو شرط للزوج كونها عفيفة ـ خلاف
الظاهر ، وكون مقتضى النكاح أن المهر على الزوج ، وانما يرجع به على الولي لكونه
غره بإخفاء أمر المرأة. انتهى وهو جيد ، ويعضد كلامه الأخير تكاثر الاخبار بكون
المهر على الولي إذا علم بالعيب ، ولم يخبر الزوج بذلك ، والزنا من أفحش العيوب
فلا اشكال. (منه ـ قدسسره ـ).
(4) الكافي ج 5 ص 408 ح 15 ، الوسائل ج 14 ص 600 ب 6 ح 1.
عليهالسلام قال : «سألته
عن المرأة تلد من الزنا ولا يعلم بذلك أحد إلا وليها ، أيصلح له أن يزوجها ويسكت
على ذلك إذا كان قد رأى منها توبة أو معروفا؟ فقال : إن لم يذكر ذلك لزوجها ، ثم
علم بعد ذلك ، فشاء أن يأخذ صداقها من وليها مما دلس عليه ، كان له ذلك على وليها
، وكان الصداق الذي أخذت لها لا سبيل عليها فيه بما استحل من فرجها ، وإن شاء
زوجها أن يمسكها فلا بأس».
ورواه الحسين بن سعيد في كتابه عن ابن أبي عمير عن حماد
عن الحلبي (1) قال : «سألته
عن المرأة» الحديث ، وهو صحيح وبما ذكرنا يظهر ضعف ما تقدم في القول الأول من
تعليل عدم الرجوع بالمهر ، من أن ذلك مقتضى الأصل فإن فيه أنه وإن كان ذلك مقتضى
الأصل لكن يجب الخروج عنه بالدليل وقد عرفته.
بقي الكلام في الروايات المتعارضة في الفسخ وعدمه ،
والظاهر ترجيح الروايات الدالة على العدم ، وقد تقدم الكلام في هذا المقام بالنسبة
إلى الرد بالزنا وعدمه في المطلب الثالث فيما يحرم بالمصاهرة في الإلحاق الذي في
آخر المقام الثاني في الزنا ، وإنما ذكرناه هنا بالنسبة إلى ما يتعلق به من الرجوع
بالمهر وعدمه ، ومما يؤيد أخبار عدم الرد أيضا صحيحة رفاعة المتقدمة ثمة ، وإن كان
موردها إنما هو زنا الزوج ، إلا أن الصدوق قائل بالرد وفسخ العقد بالزنا ، أعم من
أن يكون من الزوج أو الزوجة كما تضمنته عبارة المقنع المتقدمة ثمة.
المسألة السادسة : قال الشيخ في
النهاية ، إذا ائتمن الرجل إلى قبيلة وتزوج ، فوجد على خلاف ذلك بطل التزويج ،
واختاره ابن الجنيد وابن حمزة ، وجعله ابن البراج في كتابيه معا رواية.
وقال الشيخ في المبسوط : إن كان الغرور بالنسب ، فهل لها
الخيار أم لا؟
__________________
(1) البحار ج 103 ص 365 ح 23 الطبع الحديد ـ طهران ، الوسائل ج
14 ص 600 ب 6 ح 1.
قولان ، والأقوى أن الاختيار لها ،
وفي الناس من قال لها الخيار وقد روي ذلك في أخبارنا ، واختار ابن إدريس المنع ،
قال : وقد روي (1) أن الرجل إذا
انتسب إلى قبيلة فخرج من غيرها ، سواء كان أرذل أو أعلى ، يكون للمرأة الخيار في
فسخ النكاح. والأظهر أنه لا يفسخ بذلك النكاح لقوله تعالى «أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ» (2) ونسب ما قاله
الشيخ في النهاية إلى أنه خبر واحد ، ثم قال : إلا أن هذا وإن لم يكن عيبا ، فإنه
يرد به لأنه تدليس ، فرددناه من حيث التدليس بالاشتراط ، لا من حيث إنه عيب يرد به
من غير اشتراط ، لأن العيوب في الخلقة يرد بها النكاح وإن لم يشترط السلامة في حال
العقد ، بل بمجرد العقد يرد النكاح بعيب الخلقة ، فأما التدليس فإنه إذا اشترط أنه
حر فخرج عبدا أو انتسب إلى قبيلة فخرج بخلافها ، سواء كان أعلى منها أو أدنى ،
وكذلك السواد والبياض إذا شرطه فخرج بخلافه ، وما أشبه ذلك ، فلا يرد به النكاح
إلا إذا اشترط خلافه ، وأما بمجرد العقد دون تقدم الشرط فلا يرد به النكاح ، فهذا
الفرق بين عيب الخلقة وبين التدليس.
وقال في المختلف بعد نقل هذه الأقوال : والأقرب أنه إذا
انتسب إلى قبيلة فبان أدنى منها بحيث لا يلائم شرف المرأة كان لها الخيار في الفسخ
، لما فيه من الفضاحة والنقص والتضرر بذلك.
وما رواه الحلبي (3) في الصحيح «قال في رجل يتزوج المرأة
، فيقول لها أنا من بني فلان ، فلا يكون كذلك؟ قال : تفسخ النكاح أو قال : ترد
النكاح». انتهى.
أقول : وهذا التفصيل صار قولا ثالثا في المسألة لأن
المشهور فيها القولان المتقدمات خاصة من الخيار مطلقا ، أو عدمه مطلقا ، وأنت خبير
بأن الرواية
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 432 ح 35 ، الوسائل ج 14 ص 614 ح 1.
(2) سورة المائدة ـ آية 1.
(3) التهذيب ج 7 ص 432 ح 35 ، الوسائل ج 14 ص 614 ح 1.
مطلقة لا دلالة لها على ما ذكره من
التفصيل كما عرفت من كلام ابن إدريس.
وإلى القول بعدم الخيار يميل كلام المحقق في كتابيه ،
وهو اختيار شيخنا في المسالك حيث قال ـ بعد نقل الصحيحة المذكورة ـ ما لفظه :
والرواية موقوفة لا تصلح للحجية على فسخ مثل هذا العقد اللازم المعتضد بقوله تعالى
«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» وأصالة بقاء
النكاح ، نعم لو شرط ذلك في متن العقد توجه التسلط على الفسخ بالإخلال بالشرط ،
وإن لم يرد في ذلك رواية عملا بالعموم.
وفي المختلف وافق الشيخ على الفسخ بدون الشرط بزيادة قيد
آخر ، وهو ظهوره أدنى مما انتسب إليه بحيث لا يلائم شرف المرأة ، والأقوى عدم
الخيار بدون الشرط في متن العقد وهو قول الشيخ في المبسوط والأكثر ، انتهى.
وظاهر السيد السند في شرح النافع الميل إلى العمل
بالرواية المذكورة ، فقال ـ مشيرا إلى الجواب عما طعن به جده على الرواية ، ونعم ما
قال ـ : وهذه الرواية صحيحة السند ، لكن ردها المتأخرون بالإضمار ، حيث إن المسؤول
فيها غير مذكور ، وعندي أن ذلك غير قادح إذ من المعلوم أن الحلبي إنما يروي عن
الامام عليهالسلام خاصة ، والوجه
في وقوع هذه الإضمار في روايات الأصحاب أن الحلبي وغيره من الرواة إذا أورد عدة
أحاديث عن الامام عليهالسلام يصرح أولا
باسم المروي عنه ثم يرجع الضمير إليه ، فيقول وسألته عن كذا إلى أن يستوفي
الأحاديث التي رواها ، فلما نقل من بعده تلك الروايات ، وفرقها ذلك الناقل على
مقتضى ما أراد ، اتفق فيها مثل هذه الإضمار ، وهو غير قادح قطعا ، انتهى.
أقول : وبمثل ذلك صرح المحقق الشيخ حسن في مقدمات منتقى
الجمان وغيره من الأعيان.
ثم قال السيد المذكور : ومقتضى الرواية تسلط المرأة على
الفسخ إذا انتسب الرجل إلى قبيلة ، فبان بخلاف ذلك ، وكان الباعث على تزويجه ذلك
الانتساب ، والعمل بها متجه ، ولو بشرط ذلك في متن العقد وظهر بخلافه تسلط على
الفسخ
بغير إشكال. انتهى ، وهو جيد.
ونقل في المختلف عن ابن الجنيد أنه قال : لو انتسب أحد
الزوجين إلى نسب أو صناعة ولم يكن كذلك كان النكاح منفسخا إن لم يرضه الآخر بعد
علمه به ، فإن تأول تأويلا يكون به صادقا لم يبطل النكاح ، وقد روي «أن رجلا تزوج
على أنه يبيع الدواب ، فوجد بايعا للسنانير لم يفسخ أمير المؤمنين عليهالسلام نكاحه ، وقال
: السنانير دواب».
وقال في المختلف بعد ذلك : والبحث هنا يقع في مقامين :
الأول : هل حكم الصنعة حكم القبيلة؟ نص ابن الجنيد عليه
في كلامه ، هذا وفي الرواية دلالة ما من حيث المفهوم عليه.
الثاني : هل الانتساب إلى القبيلة مشترك بين الرجل
والمرأة؟ نص ابن الجنيد عليه ، وهو قول ابن حمزة ولم يتعرض الشيخ في النهاية
لانتساب المرأة ، انتهى.
أقول : والرواية التي أشار إليها ابن الجنيد هي ما رواه الشيخ
في التهذيب (1) عن حماد بن
عيسى عن أبي عبد الله عليهالسلام عن أبيه عليهالسلام قال : «خطب
رجل إلى قوم ، فقالوا : ما تجارتك؟ فقال : أبيع الدواب ، فزوجوه ، فإذا هو يبيع
السنانير ، فاختصموه إلى أمير المؤمنين عليهالسلام فأجاز نكاحه
وقال : السنانير دواب». ويفهم منه أن إجازة النكاح إنما هو من حيث صدق الدواب على
السنانير ، فلو لم يثبت صدقها عليها لم يجز النكاح ، وحينئذ يكون حكم الصنعة حكم
القبيلة والله العالم.
المسألة السابعة : قد صرح
الأصحاب بأنه لا يجوز التعريض بالخطبة لذات العدة الرجعية لأنها زوجة ، ويجوز للمطلقة
ثلاثا من الزوج وغيره ، ولا يجوز التصريح لها منه ولا من غيره ، أما المطلقة تسعا
للعدة ينكحها بينها رجلان فلا يجوز
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 433 ح 39 ، الوسائل ج 14 ص 615 ح 2.
التعريض لها من الزوج ويجوز من غيره ،
ولا يجوز التصريح في العدة منه ولا من غيره.
وأما المعتدة البائنة فيجوز التعريض من الزوج وغيره ،
والتصريح من الزوج دون غيره.
أقول : التصريح هو الخطاب بما لا يحتمل إلا النكاح ،
مأخوذ من الصراحة وهو الخلوص ، ومنه تسمية اللبن الخالص من المذق بالصريح مثل أن
يقول : أتزوجك بعد العدة ، ونحوه ، والتعريض هو الخطاب بما يحتمل الرغبة في النكاح
وغيرها ، وإن كان في النكاح أقرب كما سيأتي في الأخبار إن شاء الله.
وأما تحريم التعريض لذات العدة الرجعية فلما ذكروه من
أنها زوجة ، فيتعلق بها ما يتعلق بالزوجة ، ومن ذلك تحريم خطبتها تعريضا وتصريحا
بواسطة وغيرها من غير خلاف يعرف.
وأما جواز التعريض للمعتدة في العدة البائنة دون التصريح
لها فقيل بأنه موضع وفاق ، واستدل عليه بقوله «وَلا
جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ ، أَوْ
أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ، عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ
وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا ، إِلّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً» (1).
وبالجملة فالضابط عندهم في جميع ما ذكر أن التصريح
بالخطبة للمعتدة حرام مطلقا ، إلا من الزوج في العدة التي يجوز له نكاحها بعدها
بحيث لا تكون محرمة عليه كالعدة الرجعية ، وكذا إذا كانت بائنا إذا كانت تحل له في
الحال ، وإن توقف الحل على رجوعها في البذل كما في المختلعة ، والتعريض جائز من كل
من يجوز له تزويجها بعد العدة ، ومن الزوج وإن لم يجز له تزويجها حينئذ كالمطلقة
ثلاثا قبل المحلل ما لم تكن محرمة عليه مؤبدا.
__________________
(1) سورة البقرة ـ آية 235.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذا المقام ما
رواه في الكافي (1) في الصحيح أو
الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته
عن قول الله عزوجل «وَلكِنْ
لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً» قال : هو الرجل
يقول للمرأة قبل أن تنقضي عدتها : أوعدك بيت آل فلان ، ليعرض لها بالخطبة ، ويعني
بقوله «إِلّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً» التعريض
بالخطبة «ولا يعزم عقدة النكاح (حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ)».
وعن عبد الله بن سنان (2) في الصحيح قال
: «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزوجل «وَلكِنْ
لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا» الآية ، قال : السر أن يقول الرجل
موعدك بيت آل فلان ثم يطلب إليها أن لا تسبقه بنفسها إذا انقضت عدتها ، فقلت.
فقوله «إِلّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً»؟ قال : هو طلب
الحلال في غيره أن يعزم عقدة النكاح (حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ)».
وعن علي بن أبي حمزة (3) قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن قول الله عزوجل «وَلكِنْ
لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا» قال : يقول الرجل أواعدك بيت آل فلان
يعرض لها بالرفث ويرفث ، يقول الله عزوجل «إِلّا
أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً» والقول المعروف
التعريض بالخطبة على وجهها وحلها «وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ
حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ».
وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (4) عن أبي عبد
الله عليهالسلام في قول الله عزوجل «إِلّا
أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً» قال : يلقاها
فيقول إني فيك لراغب وإني للنساء
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 434 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 383 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 434 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 383 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 435 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 471 ح 94 ، الوسائل
ج 14 ص 384 ح 3.
(4) الكافي ج 5 ص 435 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 384 ح 4.
لمكرم ، ولا تسبقيني بنفسك ، والسر لا
يخلو معها حيث وعدها».
وعن عبد الرحمن بن سليمان عن خالته (1) «قالت : دخل
علي أبو جعفر محمد بن علي وأنا في عدتي ، فقال : قد علمت قرابتي من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وحق جدي علي
وقدمي في الإسلام ، فقلت له : غفر الله لك أتخطبني وأنا في عدتي ، وأنت يؤخذ عنك ،
فقال : أو قد فعلت؟ إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وموضعي ، وقد
دخل رسول الله صلىاللهعليهوآله على أم سلمة
وكانت عند ابن عمها أبي سلمة فتوفي عنها فلم يزل يذكر لها منزلته من الله وهو
متحامل على يده حتى أثر الحصير في يده من شدة تحامله عليها فما كانت تلك خطبة».
وروى أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع
البيان (2) عن الصادق عليهالسلام في قوله «لا
جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ
أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ـ إلى قوله ـ وَلكِنْ
لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا» قال : «لا تصرحوا لهن بالنكاح
والتزويج» قال : «ومن السر أن يقول لها موعدك بيت آل فلان».
وروى العياشي في تفسيره (3) عن أبي بصير
عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله عزوجل «وَلكِنْ
لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً» قال : المرأة
في عدتها تقول لها قولا جميلا ، ترغبها في نفسك : ولا تقول : إني أصنع كذا وأصنع
كذا القبيح من الأمر في البضع وكل أمر قبيح».
وعن مسعد بن صدقة (4) عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله «إِلّا
أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً» قال : «يقول
الرجل للمرأة وهي في عدتها : يا هذه ما أحب إلا ما أسرك ولو قد مضى عدتك لا تفوتني
إن شاء الله فلا تسبقيني بنفسك ، وهذا كله من غير أن يعزموا عقدة النكاح».
__________________
(1) مستدرك الوسائل ج 2 ص 581.
(2) مجمع البيان ج 1 ص 339 ط صيدا ، الوسائل ج 14 ص 384 ح 5.
(3 و 4) تفسير العياشي ج 1 ص 123 ، الوسائل ج 14 ص 384 ح 6 وص
385 ح 7.
وقال الشيخ علي بن إبراهيم في تفسيره (1) وقوله «وَلا
جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ
أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ» فهو أن يقول
الرجل للمرأة في العدة إذا توفي عنها زوجها : لا تحدثي حدثا ، ولا يصرح لها
بالنكاح والتزويج ، فنهى الله عن ذلك ، والسر في النكاح ، فقال «وَلكِنْ
لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً» قال : من السر
أيضا أن يقول الرجل في عدة المرأة موعدك بيت آل فلان ، انتهى.
وأنت خبير بأنه ليس في هذه الأخبار ما يفي بالتفصيل الذي
ذكروه في أفراد العدد من العدة الرجعية والبائنة بينونة مؤبدة ، أو يمكن الرجوع
فيها بعد المحلل من الزوج وغيره.
نعم ظاهر كلام الشيخ علي بن إبراهيم فرض ما ذكره في عدة
الوفاة ، لكنه لا يفيد الاختصاص ، وغاية ما يستفاد من هذه الأخبار ـ بعد ضم بعضها
إلى بعض ـ هو أنه إذا خطبها لا يصرح لها بالنكاح ، وإنما يعرض بها تعريضا ، ولا
يخلو بها ، ويقول بها ما يستهجن من القول ترغيبا لها ، مثل أنه عظيم الآلة أو أني
كثير المجامعة للنساء ، ونحوه ، وإليه يشير خبر علي بن أبي حمزة ، وأصرح منه خبر
العياشي وتفسير «السر» المواعدة في مكان كما في أكثر هذه الأخبار كأن فيه إشارة
إلى أنهم في السابق هكذا كانوا يفعلون ، بأن يواعدها في مكان ويخلو بها ويقول لها
من تلك الأقوال القبيحة ، فنهى في الآية عنه إلا أن يقولوا قولا سديدا ، وهو
التعريض الذي دلت الأخبار على جوازه ، فالنهي راجع إلى الخلوة بها على المذكور.
وبالجملة فإن ما ذكروه من التفصيل ، الظاهر أنه لا مستند
له إلا اتفاقهم كما يظهر من بعض عباراتهم ، ثم أن ما قدمنا نقله عنهم من جواز
التعريض للمطلقة ثلاثا قبل المحلل للزوج وغيره دون التصريح ظاهر السيد السند في
شرح
__________________
(1) تفسير القمي ج 1 ص 77.
النافع المناقشة فيه بالنسبة إلى
الزوج حيث قال ـ بعد نقل ذلك عنهم ـ : والأجود تحريمهما معا ، لامتناع نكاحه لها
قبل المحلل ، وهو جيد بناء على ما يفهم من كلامهم من أنه متى كانت المرأة محرمة
مؤبدا ، فإنه لا يجوز التصريح ولا التعريض لها كالمطلقة تسعا للعدة ، وهذه قبل
المحلل كذلك ، إلا أنك قد عرفت ما في أصل هذه الأحكام من عدم دليل واضح حتى
بالنسبة إلى التعريض ، بل التصريح في العدة الرجعية حيث إنها زوجة ، بل الزوجة
فضلا عن العدة ، فأي دليل دل على التحريم (1) فإني لم أقف على نص يقتضيه ،
والتحريم حكم شرعي يترتب عليه المؤاخذة والعقاب من الله سبحانه ، وثبوت الفسق مع
المخالفة ، والحكم به من غير دليل مشكل.
ومن الممكن أن يقال : إنه لغو من القول لا أثر يترتب
عليه. نعم يمكن أن يقال : إن النهي في الآية عن الخلوة بها وهي في العدة وقول ما
هو غير المعروف من التصريح بالخطبة أو الكلام المستهجن يدل على النهي عن ذلك لذات
الزوج بطريق أولى.
وفيه ما فيه إذ يمكن منع الأولوية بأنه يجوز أن يكون
للعدة خصوصية في ذلك ، نعم اتفاقهم على الحكم المذكور كما يظهر من كلامهم من أقوى
المؤيدات.
وبالجملة فباب المناقشة غير مسدود ، وكيف كان فإنه لو
صرح بالخطبة في موضع المنع فالظاهر كما صرحوا به أيضا أنه لا يفيد أزيد من الإثم ،
فلو نكحها بعد انقضاء العدة فنكاحه صحيح ، ولا يؤثر فيه ما صنعه أولا كما لو نظر
إليها محرما ثم تزوجها ، ولم ينقل الخلاف هنا إلا عن بعض العامة.
__________________
(1) وأما حديث الباقر ـ عليهالسلام ـ الدال على إنكاره الخطبة حيث اعترضت
عليه المرأة بذلك فهو غير صريح في التحريم ، بل يمكن حمله على الكراهة.
(منه ـ قدسسره ـ).
المسألة الثامنة : قالوا : إذا
تزوجت المطلقة ثلاثا وشرطت في العقد أنه إذا حللها فلا نكاح بينهما بطل العقد ،
وربما قيل بلغوا الشرط ، فلو شرطت الطلاق قيل يصح النكاح ويبطل الشرط ، وإن دخل
بها فلها مهر المثل ، وأما لو لم يصرح بالشرط في العقد ، وكان ذلك في نيته أو نية
الزوجة أو الولي لم يفسد ، وكل موضع قيل يصح العقد فمع الدخول تحل للمطلق مع
الفرقة وانقضاء العدة ، وكل موضع قيل يفسد لا تحل له ، لأنه لا يكفي الوطي ما لم
يكن عن عقد صحيح.
أقول : وتفصيل هذه الجملة وبيان ما اشتملت عليه من
الأحكام يقع في مواضع :
الأول : فيما إذا شرطت في العقد أنه بعد التحليل فلا
نكاح بينهما ، والظاهر أنه لا ريب في بطلان هذا الشرط لمنافاته لمقتضى العقد ، إذ
قضيته بقاء التزويج إلى أن يحصلا ما يزيله شرعا من طلاق ونحوه بما علم من الشارع
كونه مزيلا ورافعا للنكاح ، ولم يثبت من الشارع أن شرط ارتفاعه من نفسه وإن كان
على هذا الوجه المعين من جملة ذلك ، فقضية الأصل بمعنى الاستصحاب الشرعي المتفق
على صحة الحكم به بقاء النكاح وبطلان هذا الشرط.
بقي الكلام في صحة العقد على هذا التقدير وعدمه ،
والمشهور بين المتأخرين بطلانه ، وعللوه بأن التراضي بالعقد إنما وقع على هذا
الوجه المخصوص ولم يتم لهما ، فلو لم يبطل النكاح لزم صحته بدون التراضي ، وهو
باطل ، ومرجعه إلى أن العقود بالقصود ، فلو قيل بالصحة للزم أن ما وقع غير مقصود ،
وما قصد غير واقع.
وذهب جمع من الأصحاب إلى صحة العقد وإن بطل الشرط ، منهم
الشيخ وابن الجنيد وابن البراج وابن إدريس استنادا إلى ما دل على أن الأصل في
العقد الصحة ، وقال في المسالك ـ بعد أن نقل أن القول بالبطلان للأكثر بل ادعى
عليه
الشيخ الإجماع ، ثم علله بما ذكرناه ـ
ما لفظه : والقول بصحة العقد دون الشرط لم يظهر قائله ، وينسب إلى الشيخ وقد صرح
بخلافه. نعم هو بابن إدريس أنسب لأنه صرح في غير موضع من النكاح وغيره أن فساد
الشرط لا يفسد العقد محتجا عليه بعموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» ، ولأنهما
شيئان كل منهما منفك عن الآخر ، فلا يلزم من بطلان أحدهما بطلان الآخر.
وجوابه : أن الوفاء بالعقد العمل بمقتضاه من صحة وبطلان
، سلمنا أن المراد به العمل بمضمونه لكنه مشروط بوقوعه صحيحا بالتراضي ولم يحصل
هنا ، وانفكاك العقد عن الشرط في نفسه مسلم ، لكنه في العقد المخصوص مرتبط به ،
لأن التراضي إنما وقع كذلك ، والأقوى بطلان العقد أيضا. انتهى ، وفيه أن ما ذكره
من أن القول بصحة العقد دون الشرط لم يظهر قائله إن أراد به في خصوص هذه المسألة
فهو ممكن ، إلا أن ما ذكره بقوله «وهو بابن إدريس أنسب» ـ حيث إنه صرح في مواضع
عديدة بأن الشرط الفاسد لا يفسد العقد ـ يجري أيضا في غيره ممن قال بهذا القول
ومنهم الشيخ والجماعة الذين قدمنا ذكرهم ، وقد تقدم في كتاب البيع في الفصل الثاني
عشر في نكت متفرقة ذكر المسألة ، وأنه لو اشتمل العقد على شرط فاسد ، فهل يبطل
الشرط خاصة مع صحة العقد أو يبطل العقد أيضا؟ وأن العلامة ـ رحمهالله ـ نقل في
المختلف القول الأول عن الشيخ وابن الجنيد وابن البراج ، وقد حققنا في الموضع
المذكور وكذا في مواضع أخر مما تقدم ولا سيما في مقدمات الكتاب في أول جلد كتاب
الطهارة أن ما ذكروه من هذا التعليل وإن كان المتسارع إلى الذهن صحته وقبوله ، إلا
أنه بالنظر إلى الروايات الواردة في ذلك واختلافها فيما هناك فالحكم لا يخلو من
الاشكال ، حيث إن جملة من الأخبار ظاهرة بل صريحة في القول بصحة العقد وفساد الشرط
خاصة وبعضا دل على بطلان العقد من أصله.
ومن الأخبار الدالة على صحة العقد وفساد الشرط خاصة
زيادة على ما
قدمناه ثمة من الأخبار ما رواه الشيخ
في التهذيب (1) عن زرارة قال
: «سئل أبو جعفر عليهالسلام عن النهارية
يشترط عليها عند عقدة النكاح أن يأتيها متى شاء كل شهر أو كل جمعة يوما ، ومن
النفقة كذا وكذا؟ فليس ذلك الشرط بشيء ، ومن تزوج امرأة فلها ما للمرأة من النفقة
والقسمة» الحديث.
أقول : والنهارية على ما ذكره بعض محققي المحدثين هو أن
الرجل يخاف من زوجته فيتزوج امرأة أخرى سترا عنها ، ويشترط على الثانية إلا يأتيها
ليلا ، وحاصل كلامه عليهالسلام أن أصل العقد
صحيح والشرط باطل ، وأنه بعد تمام عقد النكاح تستحق المرأة القسمة والنفقة كغيرها
من الزوجات ، وهو صريح كما ترى في المدعى ، ومنه يظهر أن جعل ذلك قاعدة كلية كما
يظهر من كلامهم بالنظر إلى هذا التعليل الذي ذكره غير جيد ، بل الواجب الوقوف على
مقتضى الأدلة إن وجدت ، وإلا فالتمسك بالاحتياط في هذا الموضع وغيره ، والمسألة
عارية هنا من النص فيتحتم الاحتياط فيها.
وأما ما ذكره في معنى قوله عزوجل «أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ» من أنه العمل بمقتضاه من صحة وبطلان
فهو بعيد غاية البعد ، بل المعنى فيه إنما هو ما سلمه من أن المراد بالعمل بمضمونه
كما هو الظاهر لكل ناظر. نعم ما اعترضه به جيد في الظاهر إلا أنه بالرجوع إلى
الأخبار يزول عنه الاعتبار كما ذكرناه ، ومن أراد تحقيق المسألة رجع إلى أحد
المواضع التي أشرنا إليها.
الثاني : فيما لو شرط الطلاق ، والكلام يجري على نحو ما
تقدم في سابقه ، قال في المسالك : وبطلان الشرط هنا متفق عليه ، ثم إنه على القول
بصحة العقد وبطلان الشرط يبطل المهر ، لأن الشرط جزء من العقد ومحسوب منه وله قسط
من المهر ، فيتجهل المهر حيث فات منه ما يجهل نسبته إلى المجموع فيبطل ،
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 403 ح 4 مع اختلاف يسير ، التهذيب ج 7 ص 372
ح 68 ، الوسائل ج 15 ص 48 ح 3 مع اختلاف يسير.
وحينئذ فيجب مع الدخول مهر المثل ،
وعلى القول ببطلان العقد من أصله ، فإن كانت جاهلة بالتحريم ودخل بها صار نكاح
شبهة والواجب فيه مهر المثل ، وإلا فلا مهر لها لأنها بغي.
الثالث : ما لو لم يصرح بالشرط ، وإن كانت ذلك في نية
أحدهما فإن النكاح صحيح ، قال في المسالك : وهو موضع اتفاق ، وهو الدليل مضافا إلى
عموم الوفاء بالعقود ، حيث لم يثبت المخصص ، ونية الطلاق من حيث العقد لم يثبت
كونها مانعة من الصحة وإنما المانع اشتراطه في متن العقد.
أقول : ويؤيده ما ورد في بعض الأخبار من أنه إنما يحرم
الكلام.
الرابع : ما ذكره من أن كل موضع قيل فيه بصحة العقد. إلى
آخره ، فإنه مما لا إشكال فيه ، لأنه شرط التحليل التزويج ، والدخول بالزوجة ،
وهذا لا يحصل إلا بصحة العقد مع الدخول بها ، فلو قيل بفساد العقد ـ كما هو أحد
القولين في المسألة ـ لم يترتب عليه التحليل وإن نكح ، لأنه نكاح لا عن تزويج وعقد
، وهو ظاهر.
المسألة التاسعة : قد صرح
الأصحاب بأن نكاح الشغار باطل ـ وهو بكسر الشين وفتحها ثم الغين المعجمتين ، نكاح
كان معمولا عليه في الجاهلية وهو أن يجعل بضع امرأة مهرا لأخرى.
قال الجواهري : الشغار ـ بكسر الشين ـ نكاح كان في
الجاهلية ، وهو أن يقول الرجل لآخر : زوجني ابنتك أو أختك على أن أزوجك ابنتي أو
أختي على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى.
وقريب منه في القاموس والمصباح المنير ، وهو مأخوذ إما
من شغر الكلب برجله ليبول أي رفعها ، وشغرت المرأة رفعت رجلها للنكاح ، ومنه قول
زياد لبنت معاوية التي كانت عند ابنه عبيد الله بن زياد لما افتخرت عليه يوما
وتطاولت فشكاها إلى أبيه فدخل عليهما بالدرة ليضربها ، وهو يقول : أشغرا وفخرا. أو
مأخوذ من شغر البلد إذا خلا من القاضي
والسلطان ، لخلوه من المهر ، وهو باطل بإجماع العلماء والأخبار.
ومنها ما رواه في الكافي (1) عن غياث بن
إبراهيم قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : قال
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا جلب ولا
جنب ولا شغار في الإسلام ، والشغار أن يزوج الرجل ابنته أو أخته ، ويتزوج هو ابنة
المتزوج أو أخته ولا يكون بينهما مهر غير تزويج هذا من هذا وهذا من هذا».
أقول : الظاهر أن هذا التفسير في الخبر من الامام عليهالسلام لكلامه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأما الجلب
والجنب ، محركين ـ فلهما معان.
منها : أن ينزل عامل الصدقات موضعا ثم يرسل من يجلب إليه
الأموال من أماكنها ليأخذ صدقاتها ، والجنب أيضا أن ينزل العامل بأقصى مواضع
الصدقة ثم يأمر بالأموال أن تجنب إليه أي تحضر بين يديه.
ومنها : أن يجنب رب المال بماله ، أي يبعده عن موضعه ،
حتى يحتاج العامل إلى الابعاد في طلبه.
ومنها : أي يجلب الرجل على فرسه في السباق حثا له على
الجري ، يقال : أجلب عليه إذا صاح به واستحسنه.
ومنها : أي يجنب فرسا في السياق إلى فرسه الذي يسابق
عليه ، فإذا عجز المركوب تحول إلى المجنوب ، والظاهر أن المراد في الخبر إنما هو
بالنسبة إلى عامل الصدقات في كل من اللفظين كما تقدم في كتاب الزكاة.
ومنها ما رواه في الكافي (2) عن ابن جمهور
عن أبيه رفعة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «نهى
رسول الله صلىاللهعليهوآله عن نكاح
الشغار وهي الممانحة وهو أن يقول الرجل
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 361 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 355 ح 8 ، الوسائل ج
14 ص 229 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 360 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 229 ح 3.
للرجل : زوجني ابنتك حتى أزوجك ابنتي
على أن لا مهر بينهما». قال في الوافي : الممانحة إما بالنون من المنحة بمعنى
العطية ، أو الياء التحتانية المثناة من الميح ، وهو إيلاء المعروف ، وكلاهما
موجودان في النسخ.
وما رواه (1) عن ابن بكير في الموثق عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر عليهالسلام أو أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «نهى عن
نكاح المرأتين ليس لواحدة منهما صداق إلا بضع صاحبتها ، وقال : لا يحل أن ينكح
واحدة منهما إلا بصداق ونكاح المسلمين».
ولم ينقل الخلاف في عدم صحته عند العامة ، إلا عن أبي
حنيفة فإنه قال : بصحته.
المسألة العاشرة : في جملة من
مكروهات النكاح زيادة على ما تقدم ، ومنها العقد على القابلة وبنتها ، والمشهور
بين الأصحاب الكراهة ، وخص الشيخ والمحقق وجماعة الكراهة بالقابلة المربية ، وظاهر
الصدوق في المقنع التحريم حيث قال في الكتاب المذكور : ولا تحل القابلة للمولود
ولابنتها ، وهي كبعض أمهاته ، وفي حديث إن قبلت ومرت فالقوابل أكثر من ذلك ، وإن
قبلت وربت حرمت عليه ، انتهى.
والذي وقفت عليه من الأخبار ما رواه في الكافي (2) عن عمرو بن
شمر عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له
: الرجل يتزوج قابلته؟ قال : لا ، ولا ابنتها».
وما رواه في التهذيب (3) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا
يتزوج المرأة التي قبلته ولا ابنتها».
وما رواه المشايخ الثلاثة (4) عن جابر بن
يزيد عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 361 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 229 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 447 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 386 ح 3.
(3) التهذيب ج 7 ص 455 ح 30 ، الوسائل ج 14 ص 387 ح 8.
(4) الكافي ج 5 ص 447 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 455 ح 31 ، الفقيه ج
3 ص 259 ح 16 ، الوسائل ج 14 ص 386 ح 1.
عن القابلة أيحل للمولود أن ينكحها؟
فقال : لا ، ولا ابنتها هي كبعض أمهاته».
أقول : وهذه الروايات ظاهرة الدلالات على ما ذهب إليه
الصدوق.
وقال في الكافي وكذا في الفقيه (1) وفي رواية
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إن قبلت
ومرت فالقوابل أكثر من ذلك ، وإن قبلت وربت حرمت عليه» ، وهذه هي الرواية التي
أشار إليها في المقنع بقوله «وفي حديث.» والظاهر أن المراد بقوله «قبلت ومرت» أي
تقدمت ومضت ولم تكلفه ولم تربه ، والقوابل بهذا المعنى أكثر من أن يقال بتحريمهن ،
ونظيره ما ورد في رواية نجاسة أبوال الدواب (2) ، بعد الحكم بنجاسة الأبوال «وأما
أرواثها فهي أكثر من ذلك» يعني أكثر من أن يحكم بنجاسته وهو كناية عن القول
بطهارته.
ومنها ما رواه في الكافي (3) عن إبراهيم عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا
استقبل الصبي القابلة بوجهه حرمت عليه وحرم عليه ولدها».
أقول : وهذه الرواية أيضا ينتظم في سلك تلك الروايات
السابقة : والظاهر أن المراد باستقبال الصبي القابلة بوجهه يعني وقت الولادة
وخروجه من بطن امه ، وهو ظاهر في التحريم بمجرد كونها قابلة.
وما رواه في التهذيب (4) عن إبراهيم بن عبد الحميد في الصحيح
قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن القابلة
تقبل الرجل ، إله أن يتزوجها؟ فقال : إن كانت قبلته المرة والمرتين والثلاثة فلا
بأس ، وإن كانت قبلته وربته وكفلته فإني أنهى عنها
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 448 ح 2 ، الفقيه ج 3 ص 259 ح 17 ، الوسائل ج
14 ص 386 ح 2.
(2) الكافي ج 3 ص 57 ح 5 ، التهذيب ج 1 ص 265 ح 62 ، الوسائل ج
2 ص 1011 ح 8.
(3) الكافي ج 5 ص 448 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 386 ح 4.
(4) التهذيب ج 7 ص 455 ح 32 ، الوسائل ج 14 ص 387 ح 7.
نفسي وولدي». وفي خبر آخر «وصديقي».
وأنت خبير بأنه لا يظهر لقوله «إن كان قبلته المرة
والمرتين والثلاثة» وجه ظاهر ، لأن القبالة بكسر القاف إنما هي عبارة عن تلقي
القابلة الولد عند خروجه ، ولا معنى للفظ غير ما ذكرناه ، وهذا لا يتكرر ولا يتعدد
بحيث يكون مرتين وثلاثا ، إلا أن يراد بالقابلة ما هو أعم من التربية والكفالة ،
فيصير معنى الخبر إن كانت كفلته بعد الولادة في بعض من الزمان دفعات غير مستمرة
ولا متصلة فلا بأس ، وإن استمرت بعد القبالة على كفالته وتربيته فإنه قد نهى عنها
، وهذا النهي محتمل لكونه نهي تحريم كما يدعيه الصدوق أو نهي كراهة كما يدعيه
الأصحاب حيث استدلوا بهذه الرواية على الكراهة.
وقد ورد في جملة من الأخبار (1) «قولهم عليهمالسلام «أحلتهما آية
وحرمتهما آية أخرى وأنا أنهى عنهما نفسي وولدي». مع حكمهم بكون النهي هناك نهي
تحريم كما تقدم في نكاح الأختين المملوكتين ، وبالجملة فإنه ظاهر فيما ذهب إليه
الصدوق (2).
ومنها ما رواه الشيخ في التهذيب (3) عن أحمد بن
محمد بن أبي نصر في الصحيح قال : «قلت للرضا عليهالسلام : يتزوج الرجل
المرأة التي قبلته؟ فقال : سبحان الله ما حرم الله عليه من ذلك».
وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد (4) عن أحمد بن
محمد بن أبي نصر في
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 289 ح 51 ، الوسائل ج 14 ص 372 ح 3.
(2) قال المحقق الشيخ على في شرح القواعد بعد نقل كلام الصدوق
والاستدلال برواية جابر المتضمنة لأنها كبعض أمهاته ، والجواب الطعن في السند أولا
ثم الحمل على الكراهة لما رواه إبراهيم بن عبد الحميد ثم ساق الرواية ثم قال :
فإنها ظاهرة في الكراهة. انتهى ، وفيه ما عرفت في الأصل. (منه ـ قدسسره).
(3) التهذيب ج 7 ص 455 ح 29 ، الوسائل ج 14 ص 387 ح 6.
(4) قرب الاسناد ص 170 ، الوسائل ج 14 ص 387 ح 5.
الصحيح عن الرضا عليهالسلام قال : «سألته
عن المرأة تقبلها القابلة فتلد الغلام ، يحل للغلام أن يتزوج قابلة امه قال :
سبحان الله وما يحرم عليه من ذلك». وهذان الخبران صريحان في الجواز وهما مستند
القول المشهور ، إلا أن الأصحاب لم ينقلوا في كتب الاستدلال إلا الرواية الاولى ،
والظاهر أنه بناء منهم على عدم الاعتماد إلا على أخبار الكتب الأربعة كما هو
المشهور بينهم ، والشيخ في كتابي الأخبار حمل النهي المطلق على المقيد بالتربية ،
ثم حمل الجميع على الكراهة جمعا ، كما تقدم نقله عنه في صدر المسألة ، ويمكن حمل
الأخبار الدالة على التربية مثل صحيحة إبراهيم بن عبد الحميد ، ورواية معاوية بن
عمار ، على ما إذا أرضعته بأن يكون التعبير بالتربية والكفالة كناية عن الرضاع ،
فالتحريم إنما جاء من قبل الرضاع.
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من نوع إشكال ، وإن كان القول
المشهور أقرب ولا يحضرني الآن مذهب العامة في المسألة ، فلعل بعض أخبارها خرج مخرج
، التقية ، والله العالم.
ومنها أن يزوج ابنه بنت زوجته من غيره إذا ولدتها بعد
مفارقته ، ولا بأس بتزويجه ابنتها التي ولدتها من زوج آخر قبله ، والظاهر أن مستند
الكراهة هنا هو الجمع بين ما دل على المنع والجواز.
والذي وصل إلي من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه
الشيخ في التهذيب (1) عن أبي همام
إسماعيل بن همام في الصحيح قال : «قال أبو الحسن عليهالسلام : قال محمد
ابن علي عليهالسلام في الرجل
يتزوج المرأة ويزوج بنتها ابنه فيفارقها ، ويتزوجها آخر بعد فتلد منه بنتا ، فكره
أن يتزوجها أحد من ولده لأنها كانت امرأته فطلقها فصار بمنزلة الأب ، وكان قبل ذلك
أبا لها».
وعن علي بن إدريس (2) قال : «سألت الرضا عليهالسلام عن جارية كانت
في ملكي
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 7 ص 453 ح 20 و 21، الوسائل ج 14 ص 365 ح 5 و
6.
فوطأتها ثم خرجت من ملكي فولدت جارية
، يحل لابني أن يتزوجها؟ قال : نعم لا بأس به قبل الوطي وبعد الوطي واحد».
وما رواه في الكافي (1) عن العيص بن القاسم في الصحيح عن أبي
عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن الرجل يطلق امرأته ثم خلف عليها رجل بعده فولدت للآخر هل يحل ولدها من الآخر
لولد الأول من غيرها؟ قال : نعم ، قال : وسألته عن رجل أعتق سرية له ثم خلف عليها
رجل بعده ثم ولدت للآخر ، هل يحل ولدها لولد الذي أعتقها؟ قال : نعم».
وما رواه في الكافي والتهذيب (2) عن شعيب
العقرقوفي قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يكون
له الجارية يقع عليها يطلب ولدها فلم يرزق منها ولدا فوهبها لأخيه أو باعها فولدت
له أولادا ، أيزوج ولده من غيرها ولد أخيه منها؟ فقال : أعد علي ، فأعدت عليه ،
فقال : لا بأس به».
وعن الحسين بن خالد الصيرفي (3) قال : «سألت
أبا الحسن عليهالسلام عن هذه
المسألة ، فقال : كررها علي ، قلت له : إنه كانت لي جارية فلم ترزق مني ولدا
فبعتها ، فولدت من غيري ولدا ، ولي ولد من غيرها ، فأزوج ولدي من غيرها ولدها؟ قال
: تزوج ما كان لها من ولد قبلك يقول : قبل أن يكون لك».
وعن زيد بن الجهم الهلالي (4) قال : سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل
يتزوج
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 399 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 451 ح 16 ، الوسائل
ج 14 ص 363 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 399 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 452 ح 17 ، الوسائل
ج 14 ص 364 ح 2.
(3) الكافي ج 5 ص 399 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 452 ح 18 ، الوسائل
ج 14 ص 364 ح 3.
(4) الكافي ج 5 ص 400 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 452 ح 19 ، الوسائل
ج 14 ص 364 ح 4.
المرأة ويزوج ابنه ابنتها؟ فقال : إن
كانت الابنة لها قبل أن يتزوج بها فلا بأس».
وما رواه في الفقيه (1) عن صفوان بن يحيى عن زيد بن الجهم
الهلالي قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل
يتزوج المرأة ولها ابنة من غيره أيزوج ابنه ابنتها؟ قال : إن كانت من زوج قبل أن
يتزوجها فلا بأس ، وإن كانت من زوج بعد ما تزوجها فلا».
أقول : هذا ما حضرني من أخبار المسألة وقد اشتركت في
الدلالة على جواز التزويج بين ولد الزوج وولد المرأة الذين كانوا لها قبل أن يتزوج
به ، وإنما اختلف في المناكحة بين أولاد الزوج وأولادها الذين تجددوا بعد مفارقة
الزوج لها ، وقد دلت رواية الحسين بن خالد الصيرفي ورواية زيد بن الجهم الاولى
وكذا الثانية على المنع من ذلك ، وقد حملها الشيخ ومن تأخر عنه على الكراهة جمعا
بينها وبين ما دل على الجواز ، واستدل على ذلك بصحيحة إسماعيل ابن همام (2) لاشتمالها على
الكراهة ، وهو جيد وإن كان لفظ الكراهة في الأخبار أعم ، إلا أن ظاهر التعليل
المذكور في الرواية مؤذن بذلك ، مضافا إلى ما دل على الجواز.
ومن الأخبار المذكورة في هذا المقام ما رواه الشيخ في
التهذيب (3) عن الصفار عن
محمد بن عيسى قال : «كتبت إليه خشف أم ولد عيسى بن علي بن يقطين في سنة ثلاث
ومائتين تسأل عن تزويج ابنتها من الحسين بن عبيد : أخبرك يا سيدي ومولاي إن ابنة
مولاك عيسى بن علي بن يقطين أملكتها من ابن عبيد بن يقطين ، فبعد ما أملكتها ذكروا
أن جدتها أم عيسى بن علي بن يقطين كانت لعبيد بن يقطين ثم صارت إلى علي بن يقطين
فأولدها عيسى بن علي ، فذكروا أن ابن عبيد
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 272 ح 76 ، الوسائل ج 14 ص 364 ح 4.
(2) التهذيب ج 7 ص 453 ح 20 ، الوسائل ج 14 ص 365 ح 6.
(3) التهذيب ج 7 ص 456 ح 34 ، الوسائل ج 14 ص 365 ح 7.
قد صار عمها من قبل جدتها أم أبيها
أنها كانت لعبيد بن يقطين ، فرأيك يا سيدي ومولاي أن تمن على مولاتك بتفسير منك ،
وتخبرني هل تحل له؟ فإن مولاتك يا سيدي في غم ، الله به عليم : فوقع عليهالسلام في هذا الموضع
بين السطرين : إذا صار عما لا تحل له ، والعم والد وعم».
قال الشيخ : هذا الخبر يحتمل شيئين : (أحدهما) ما تضمنه
حديث زيد بن الجهم والحسين بن خالد الصيرفي أنه إذا كانت للرجل سرية وطأها ثم صارت
إلى غيره فرزقت من الآخر أولادا لم يجز أن يتزوج أولاده من غيرها بأولادها من غيره
، لمكان وطئه لها ، وقد بينا أن ذلك محمول على ضرب من الكراهة ، وأنه لا فرق بين
أن يكون الولد قبل الوطي أو بعده في أن ذلك ليس بمحظور.
و (الوجه الآخر) هو أن يكون إنما صار عمها لأن جدتها لما
كانت لعبيد ابن يقطين ولدت منه الحسين بن عبيد وليس في الخبر أن الحسين كان من
غيرها ، ثم لما أدخلت على علي بن يقطين ولدت منه أيضا عيسى ، فصارا أخوين من جهة
الأم وابني عمين من جهة الأب ، فإذا رزق عيسى بنتا كان أخوه الحسين بن عبيد من قبل
أمها عما لها ، فلم يجز أن يتزوجها ، ولو كان الحسين بن عبيد مولودا من غيرها لم
تحرم بنت عيسى عليه على وجه ، لأنه كان يكون ابن عم له لا غير ، وذلك غير محرم على
حال ، انتهى.
أقول : لا يخفى أن الاحتمال الأول لا وجه له ، لأن جواب
الامام عليهالسلام صريح في أن
التحريم إنما هو لصيرورته عما لها ، والصواب الحق إنما هو الثاني.
بقي هنا شيء وهو أن المحقق الشيخ علي في شرح القواعد
والشهيد الثاني في المسالك بعد أن ذكرا من أدلة المسألة صحيحة إسماعيل بن همام
وصحيحة العيص اعترضا على عبارة المتن ، بأنه لو أبدل الابن والبنت بالولد ليشمل
الذكر والأنثى كما ورد في صحيحة العيص لكان أجود.
وفيه أن مستند الكراهة في المسألة إنما هي صحيحة إسماعيل
بن همام
وموردها إنما هو ابن الزوج وبنت
المرأة لا مطلق الولد كما تضمنته الروايات الدالة على الجواز من صحيحة العيص
وغيرها ، وحينئذ فتلك الروايات الدالة على الجواز إنما يستثني منها هذا الفرد خاصة
، وأما غيره فلا كراهة فيه ، هذا بالنسبة إلى ما ذكروه من الروايتين المتقدمتين
حيث إنهما إنما اعتمدا عليهما لصحتهما.
وأما على ما نقلناه من الأخبار كملا فإن التعارض بينهما
قد حصل في مطلق الولد ، فإن كلا من روايات المنع وروايات الجواز عدا رواية أبي
همام قد اشتملت على مطلق الولد ، ووجه الجمع بينهما حمل المنع على الكراهة ،
وحينئذ فيتم ما ذكروه إلا أنهم لا يرتضونه لعدم عملهم بالروايات المذكورة لضعفها
باصطلاحهم ، والله العالم.
(ومنها) أن يتزوج ضرة كانت لامه مع غير أبيه ، ويدل على
ذلك ما رواه الشيخ (1) في الصحيح عن
زرارة قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : ما أحب
للرجل المسلم أن يتزوج ضرة كانت لامه مع غير أبيه».
وخص المحقق في الشرائع الكراهة بمن كانت ضرة لامه قبل
أبيه ، واعترضه في المسالك بأن الرواية شاملة للمتقدمة والمتأخرة.
(ومنها) أن يتزوج الرجل أخت أخيه ، لما رواه الشيخ (2) عن إسحاق بن
عمار قال : «سألته عن الرجل يتزوج أخت أخيه؟ قال : ما أحب له ذلك».
ويدل على الجواز ما رواه في الفقيه (3) عن صفوان بن
يحيى عن أبي جرير القمي قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام أزوج أخي من
أمي أختي من أبي؟ فقال أبو الحسن عليهالسلام : زوج إياها
إياه ، أو زوج إياه إياها». وقد مر في الرضاع ما يدل على
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 472 ح 103 وص 489 ح 172 ، الوسائل ج 14 ص
389 ب 42 ح 1.
(2) التهذيب ج 7 ص 472 ح 101 ، الوسائل ج 14 ص 280 ح 4.
(3) الفقيه ج 3 ص 269 ح 60 ، الوسائل ج 14 ص 279 ح 1.
الجواز على الكراهة في الإخوة
الرضاعية.
(ومنها) التزويج بالزانية قبل التوبة عند أكثر الأصحاب ،
وقيل بالتحريم ، وقد تقدم تحقيق الكلام في هذا المقام في الإلحاق المذكور ذيل
المقام الثاني من المطلب الثالث فيما يحرم بالمصاهرة.
(ومنها) نكاح المرأة المتولدة من الزنا بالعقد أو الملك ،
ويتأكد في استيلادها ، روى الكليني ـ رحمهالله عليه ـ عن عبد
الله بن سنان (1) في الصحيح قال
: «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام ولد الزنا
ينكح؟ قال : نعم ، ولا يطلب ولدها».
وعن محمد بن مسلم (2) في الصحيح قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام : الخبيثة
يتزوجها الرجل؟ قال : لا ، وقال : إن كان له أمة وطأها ولا يتخذها أم ولده».
وعن محمد بن مسلم (3) في الصحيح عن أبي جعفر عليهالسلام قال : سألته
عن الخبيثة أتزوجها ، قال : لا».
وعن محمد بن مسلم (4) في الصحيح عن أحدهما عليهماالسلام «في الرجل
يشتري الجارية أو يتزوجها لغير رشدة ويتخذها لنفسه ، فقال : إن لم يخف العيب على
ولده فلا بأس».
وعن الحلبي (5) في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سئل عن
الرجل يكون له الخادم ولد زنا ، عليه جناح أن يطأها؟ قال : لا ، وإن تنزه عن ذلك
فهو أحب إلي».
وروى البرقي في المحاسن عن ثعلبة وعن عبد الله بن هلال (6) عن أبي عبد
الله
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 353 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 337 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 353 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 337 ح 2.
(3) الكافي ج 5 ص 353 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 337 ح 3.
(4) الكافي ج 5 ص 353 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 337 ح 4.
(5) الكافي ج 5 ص 353 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 338 ح 5.
(6) لم نعثر عليها في المحاسن بل وجدناها في التهذيب ج 7 ص 477
ح 125 ، الفقيه ج 3 ص 271 ح 71 ، الوسائل ج 14 ص 338 ح 8.
عليهالسلام «في الرجل
يتزوج ولد الزنا؟ قال : لا بأس ، إنما يكره ذلك مخافة العار ، وإنما الولد للصلب ،
وإنما المرأة وعاء ، قلت : الرجل يشتري خادما ولد زنا فيطأها قال : لا بأس».
(ومنها) نكاح المجنونة ، فروى في الكافي والتهذيب (1) عن محمد بن
مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سأله
بعض أصحابنا عن الرجل المسلم تعجبه المرأة الحسناء أيصلح له أن يتزوجها وهي مجنونة؟
قال : لا ، ولكن إن كانت عنده أمة مجنونة فلا بأس بأن يطأها ولا يطلب ولدها».
(ومنها) نكاح الحمقاء ، فروى في الكافي والتهذيب (2) عن السكوني عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال
أمير المؤمنين عليهالسلام : إياكم
وتزويج الحمقاء ، فإن صحبتها بلاء وولدها ضياع».
وروى في الكافي (3) في الصحيح عن أحمد بن أبي عبد الله
عن أبيه عمن حدثه عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : زوجوا
الأحمق ولا تزوجوا الحمقاء ، فإن الأحمق ينجب والحمقاء لا تنجب».
(ومنها) تزويج شارب الخمر ، وقد مر بعض الأخبار الدالة
على المنع من تزويجه في المسألة الرابعة.
(ومنها) تزويج سيئ الخلق ، ويدل عليه ما رواه الصدوق (4) بطريقه إلى
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 354 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 406 ح 33 ، الوسائل
ج 14 ص 57 ب 34 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 353 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 406 ح 31 ، الوسائل
ج 14 ص 56 ب 33 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 354 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 406 ح 32 ، الوسائل
ج 14 ص 57 ح 2.
(4) الكافي ج 5 ص 563 ح 30 ، الفقيه ج 3 ص 259 ح 13 ، الوسائل
ج 14 ص 54 ح 1.
يعقوب بن يزيد عن الحسين بن بشار
الواسطي قال : «كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليهالسلام : إن لي قرابة
قد خطب إلي ابنتي وفي خلقه سوء ، قال : لا تزوجه إن كان سيئ الخلق».
(ومنها) تزويج المخنث ، فروى عبد الله بن جعفر الحميري
في قرب الاسناد (1) عن عبد الله
بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه قال : «سألته أن أزوج ابنتي غلاما فيه لين
وأبوه لا بأس به ، قال : إذا لم يكن فاحشة فلا بأس به». يعني المخنث. ورواه علي بن
جعفر في كتابه مثله.
(ومنها) تزويج الزنج والأكراد والخزر ، فروى في الكافي
والتهذيب (2) عن مسعدة بن
صدقة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال
أمير المؤمنين عليهالسلام : إياكم ونكاح
الزنج فإنه خلق مشوه». قيل : الزنجي بالفتح والكسر : صنف من السودان واحدهم زنجي.
وروى في الكافي (3) عن أبي ربيع الشامي قال : «قال لي
أبو عبد الله عليهالسلام : لا تشتر من
السودان أحدا ، فإن كان لا بد فمن النوبة ، فإنهم من الذين قال الله عزوجل «وَمِنَ
الَّذِينَ قالُوا إِنّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمّا
ذُكِّرُوا بِهِ» (4) أما إنهم
سيذكرون ذلك الحظ ، وسيخرج مع القائم عليهالسلام منا عصابة
منهم ، ولا تنكحوا من الأكراد أحدا فإنهم جنس من الجن كشف عنهم الغطاء».
__________________
(1) قرب الاسناد ص 108 ، بحار الأنوار ج 10 ص 286 ، الوسائل ج
14 ص 54 ح 2 مع اختلاف يسير.
(2) الكافي ج 5 ص 352 ح 1 وفيه «مسعدة بن زياد» التهذيب ج 7 ص
405 ح 29 ، الوسائل ج 14 ص 54 ب 31 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 352 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 405 ح 30 ، الوسائل
ج 14 ص 56 ب 32 ح 1.
(4) سورة المائدة ـ آية 14.
وروى في الكافي (1) عن علي بن داود الحداد عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «لا
تناكحوا الزنج والخزر (2) ، فإن لهم
أرحاما تدل على غير الوفاء ، قال : والهند والسند والقند ليس فيهم نجيب يعني
القندهار.
قال في الوافي : خوز : بالضم صنف من الناس ، وفي بعض
النسخ الخزر بالمعجمتين ثم المهملة وهو محركة ضيق العين وصفرها سمي به صنف من
الناس هذه صفتهم.
(ومنها) تزويج الأعرابي بالمهاجرة ، لما رواه في الفقيه (3) في الصحيح عن
الحسن بن محبوب عن العلاء «والخراز» عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام «قال : لا
يتزوج الأعرابي المهاجرة فيخرجها من دار الهجرة إلى الأعراب».
ومن هذه الأخبار الدالة على كراهة تزويج شارب الخمر وسيئ
الخلق ونحوهما من الأفراد المعدودة يعلم صحة ما ذكره ابن إدريس في معنى الحديث
النبوي صلىاللهعليهوآلهوسلم كما تقدم نقله
عنه في المسألة الرابعة من أن النهي عن رده متى كان ممن يرضى خلقه ودينه وترتيب
الفتنة والفساد على الرد ، وعدم التزويج إنما هو فيما إذا رده من حيث الفقر
والمسكنة والحقارة في نسبه لا أن يكون رده لا تصافه بهذه الأوصاف المنهي عنهما
شرعا ، والله العالم.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 352 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 55 ح 2.
(2) الخزر : هو ضيق العين وصغرها كأنه ينظر بمؤخرها ، والخزر :
جبل من الناس «الصحاح».
(3) الفقيه ج 3 ص 269 ح 65 وفيه «وأبي أيوب عن محمد بن مسلم» ، الوسائل ج 14 ص 435 ب 14 ح 1.