ج3 - غسل الحيض
في غسل الحيض ، والكلام فيه يتوقف على بيان الحيض وانه
عبارة عما ذا ، وما يترتب عليه من الأحكام ، وأحكام الحائض وما يجوز لها وما لا
يجوز ، وحينئذ فالبحث هنا يقع في مقاصد ثلاثة :
(الأول) ـ في بيان الحيض ، وهو الدم المتصف بالصفات الآتية ، الذي لا ينقص عن ثلاثة ولا يزيد على عشرة ، الخارج من الجانب الأيسر أو الأيمن على الخلاف الآتي المستنقع مع اشتباهه بالعذرة ، الذي تراه المرأة بعد بلوغ تسع سنين الى ان تبلغ سن اليأس وفي مجامعته الحمل قولان ، وتفصيل هذه الجملة يقع في مسائل :
(الأولى) ـ دم الحيض في الأغلب هو الأسود الحار الخارج
بحرقة ولذع ، وانما قيد بالأغلب لما سيجيء ان شاء الله تعالى من ان ما تراه
المرأة في أيام العادة وان كان حمرة أو صفرة فهو حيض.
ويدل على ذلك من الأخبار روايات عديدة : منها ـ ما في
الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن حفص بن البختري (1) قال : «دخلت
على ابي عبد الله (عليهالسلام) امرأة فسألته
عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري حيض هو أو غيره؟ قال فقال لها : ان دم الحيض
حار عبيط اسود له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة اصفر بارد ، فإذا كان للدم حرارة
ودفع وسواد فلتدع الصلاة. قال : فخرجت وهي تقول : والله لو كان امرأة ما زاد على
هذا».
وعن معاوية بن عمار في الصحيح (2) قال قال أبو
عبد الله (عليهالسلام): «ان دم
الاستحاضة والحيض ليسا يخرجان من مكان واحد ، ان دم الاستحاضة بارد وان دم الحيض
حار».
وعن إسحاق بن جرير في الموثق (3) قال : «سألتني
امرأة منا ان أدخلها على ابي عبد الله (عليهالسلام) فاستأذنت لها
فاذن لها فدخلت ومعها مولاة لها ، فقالت له يا أبا عبد الله ما تقول في المرأة
تحيض فتجوز أيام حيضها؟ فقال ان كان أيام حيضها دون عشرة أيام استظهرت بيوم واحد
ثم هي مستحاضة. قالت فان الدم استمر بها الشهر والشهرين والثلاثة كيف تصنع بالصلاة؟
قال تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين قالت ان أيام حيضها تختلف عليها وكان
يتقدم الحيض اليوم واليومين والثلاثة ويتأخر مثل ذلك فما علمها به؟ قال دم الحيض
ليس به خفاء هو دم حار تجد له حرقة ، ودم الاستحاضة دم فاسد بارد. قال فالتفتت الى
مولاتها فقالت أتراه كان امرأة مرة؟».
__________________
(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب الحيض.
والمستفاد من هذه الاخبار انه حيثما وجدت هذه الأوصاف
يجب الحكم بالحيض وحيث انتفت انتفى إلا ما خرج بدليل.
(الثانية) ـ لو اشتبه دم الحيض بدم العذرة ـ بضم العين
المهملة وسكون الذال المعجمة : البكارة بفتح الباء الموحدة ـ اعتبر بخروج القطنة
بعد وضعها في الفرج على الوجه الآتي ، فإن خرجت مطوقة حكم به للعذرة ، وان خرجت
مستنقعة حكم به للحيض ، صرح به الشيخ ومن تأخر عنه من الأصحاب.
والمستند فيه ما رواه في الكافي عن خلف بن حماد الكوفي
في الصحيح (1) قال : «تزوج
بعض أصحابنا جارية معصرا لم تطمث ، فلما افتضها سال الدم فمكث سائلا لا ينقطع نحوا
من عشرة أيام ، قال : فاروها القوابل ومن ظنوا بأنه يبصر ذلك من النساء فاختلفن :
فقال بعض هذا من دم الحيض وقال بعض هو من دم العذرة ، فسألوا عن ذلك فقهاءهم كأبي
حنيفة وغيره من فقهائهم فقالوا : هذا شيء قد أشكل والصلاة فريضة واجبة ، فلتتوضأ
ولتصل وليمسك عنها زوجها حتى ترى البياض ، فان كان دم الحيض لم تضرها الصلاة وان
كان دم العذرة كانت قد أدت الفريضة ، ففعلت الجارية ذلك ، وحججت في تلك السنة فلما
صرنا بمنى بعثت الى ابى الحسن موسى (عليهالسلام) فقلت : جعلت
فداك ان لنا مسألة قد ضقنا بها ذرعا فإن رأيت أن تأذن لي فآتيك وأسألك عنها؟ فبعث
الي إذا هدأت الرجل وانقطع الطريق فاقبل ان شاء الله تعالى قال خلف فرعيت الليل
حتى إذا رأيت الناس قد قل اختلافهم بمنى توجهت الى مضربه ، فلما كنت قريبا إذا أنا
بأسود قاعد على الطريق فقال من الرجل؟ فقلت رجل من الحاج فقال ما اسمك؟ قلت خلف بن
حماد. فقال ادخل بغير اذن فقد أمرني أن اقعد ههنا فإذا أتيت أذنت لك ، فدخلت فسلمت
فرد السلام وهو جالس على فراشه وحده ما في الفسطاط غيره ، فلما صرت بين يديه سألني
وسألته عن حاله فقلت له : ان رجلا
__________________
(1) روي قطعة منه في الوسائل في الباب 2 من أبواب الحيض.
من مواليك تزوج جارية معصرا لم تطمث
فلما افتضها سال الدم فمكث سائلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام ، وان القوابل اختلفن
في ذلك فقال بعضهن دم الحيض وقال بعضهن دم العذرة فما ينبغي لها ان تصنع؟ قال :
فلتتق الله تعالى فان كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر وليمسك عنها
بعلها ، وان كان من العذرة فلتتق الله تعالى ولتتوضأ ولتصل ويأتيها بعلها ان أحب
ذلك. فقلت : وكيف لهم ان يعلموا مما هو حتى يفعلوا ما ينبغي؟ قال فالتفت يمينا
وشمالا في الفسطاط مخافة ان يسمع كلامه أحد قال ثم نهد الي فقال : يا خلف سر الله
سر الله فلا تذيعوه ولا تعلموا هذا الخلق أصول دين الله بل ارضوا لهم ما رضي الله
تعالى لهم من ضلال ، قال ثم عقد بيده اليسرى تسعين ثم قال تستدخل القطنة ثم تدعها
مليا ثم تخرجها إخراجا رفيقا فان كان الدم مطوقا في القطنة فهو من العذرة وان كان
مستنقعا في القطنة فهو من الحيض. قال خلف فاستخفني الفرح فبكيت فلما سكن بكائي قال
ما أبكاك؟ قلت : جعلت فداك من يحسن هذا غيرك؟ قال فرفع يده الى السماء وقال : انى
والله ما أخبرك إلا عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن جبرئيل عن
الله عزوجل».
وما رواه في التهذيب عن خلف بن حماد (1) قال : «قلت
لأبي الحسن الماضي : جعلت فداك ان رجلا من مواليك سألني أن أسألك عن مسألة فتأذن
لي فيها؟ فقال لي هات فقلت جعلت فداك رجل تزوج جارية أو اشترى جارية طمثت أو لم
تطمث أو في أول ما طمثت فلما افترعها غلب الدم فمكث أياما وليالي ، فأريت القوابل
فبعض قال من الحيضة وبعض قال من العذرة؟ قال فتبسم وقال : ان كان من الحيض فليمسك عنها
بعلها ولتمسك عن الصلاة وان كان من العذرة فلتوضأ ولتصل ويأتيها بعلها ان أحب. قلت
جعلت فداك وكيف لها ان تعلم من الحيض هو أو من العذرة؟ فقال : يا خلف سر الله فلا
تذيعوه تستدخل قطنة ثم
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب الحيض.
تخرجها فان خرجت القطنة مطوقة بالدم
فهو من العذرة وان خرجت مستنقعة بالدم فهو من الطمث».
وما رواه في الكافي والشيخ أيضا في التهذيب في الصحيح عن
زياد بن سوقة (1) قال : «سئل
أبو جعفر (عليهالسلام) عن رجل افتض
امرأته أو أمته فرأت دما كثيرا لا ينقطع عنها يومها كيف تصنع بالصلاة؟ قال تمسك
الكرسف فان خرجت القطنة مطوقة بالدم فإنه من العذرة تغتسل وتمسك معها قطنة وتصلي ،
فإن خرج الكرسف منغمسا بالدم فهو من الطمث تقعد عن الصلاة أيام الحيض».
وفي الفقه الرضوي (2) «وان افتضها
زوجها ولم يرق دمها ولا تدري دم الحيض هو أم دم العذرة فعليها ان تدخل قطنة فان
خرجت القطنة مطوقة بالدم فهو من العذرة وان خرجت منغمسة فهو من الحيض ، واعلم ان
دم العذرة لا يجوز الشفرين ودم الحيض حار يخرج بحرارة شديدة ودم الاستحاضة بارد
يسيل وهي لا تعلم». انتهى. وهذه العبارة بلفظها نقلها في الفقيه عن أبيه في رسالته
اليه.
وهذه الاخبار كلها متطابقة الدلالة على الحكم المذكور.
وظاهر كلام المحقق في الشرائع والنافع وصريحه في المعتبر التوقف في الحكم بكونه
حيضا مع الاستنقاع ، قال في المعتبر : «لا ريب انها إذا خرجت مطوقة كان من العذرة
فإن خرجت مستنقعة فهو محتمل ، فإذن يقتضي انه من العذرة مع التطوق قطعا فلهذا
اقتصر في الكتاب على الطرف المتيقن» واعترضه في المدارك بان فيه نظرا من وجهين : (أحدهما)
ـ ان المسألة في كلامه في المعتبر مفروضة فيما إذا جاء الدم بصفة دم الحيض ومعه لا
وجه للتوقف في كونه مع الاستنقاع حيضا ، لاعتبار سند الخبرين وصراحتهما في الدلالة
على الحكمين ومطابقتهما للروايات الدالة على اعتبار الأوصاف. و (ثانيهما) ـ انه (رحمهالله) صرح بعد ذلك
بان ما تراه المرأة من الثلاثة إلى العشرة يحكم بكونه حيضا وبأنه لا عبرة
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب الحيض.
(2) ص 22.
بلونه ما لم يعلم انه لقرح أو لعذرة
ونقل عليه الإجماع ، وهو مناف لما ذكره هنا من التوقف في هذه المسألة ، إذ المفروض
فيها انتفاء العلم بكون الدم للعذرة بل انتفاء الظن بذلك باعتبار استنقاعه كما هو
واضح. انتهى. وهو جيد وان كان ما ذكره المحقق لا يخلو من وجه بالنظر الى الاعتبار
، إلا انه لا وجه له في مقابلة الاخبار ولا سيما مع تصريحه بما نقله عنه في
الموضعين. ثم انه لا يخفى ان ما ذكره المحقق هنا من تقييد الدم الذي هو محل البحث
بان يكون بصفة دم الحيض تقييد للنص بغير دليل ، واي مانع من الحكم بكونه حيضا
مطلقا مع عدم التطوق؟ سيما على القاعدة المقررة المعتمدة عندهم من ان ما أمكن ان
يكون حيضا فهو حيض ، واليه يشير كلامه في الوجه الثاني الذي نقله عنه في المدارك.
بقي هنا شيء وهو انه قد نقل في المدارك عن الشهيد (رحمهالله) في الشرح ان
طريق معرفة التطوق وعدمه ان تضع قطنة بعد ان تستلقي على ظهرها وترفع رجليها ثم
تصبر هنيئة ثم تخرج القطنة إخراجا رفيقا ، ونقل عن جده أيضا في الروض ان مستند هذا
الحكم روايات عن أهل البيت (عليهمالسلام) لكن في بعضها
الأمر باستدخال القطنة من غير تقييد بالاستلقاء وفي بعضها إدخال الإصبع مع
الاستلقاء ، وطريق الجمع حمل المطلق على المقيد والتخيير بين الإصبع والكرسف الا
ان الكرسف أظهر في الدلالة ، ثم اعترضه بان ما ذكره (رحمهالله) لم أقف عليه
في شيء من الأصول ولا نقله ناقل في كتب الاستدلال. انتهى. وما ذكره (رحمهالله) جيد وجيه ،
فانا لم نقف في المسألة إلا على ما قدمنا من الاخبار وليس في شيء منها ما يدل على
الاستلقاء ولا وضع الإصبع ، ولا يبعد عندي ان منشأ توهم شيخنا المشار اليه هو
رواية القرحة الآتية للأمر فيها بالاستلقاء ووضع الإصبع ، فربما جرى على خاطره وقت
الكتابة ان مورد الرواية هو افتضاض البكر وزوال العذرة فعدها في جملة روايات
المسألة وجمع بينها بما ذكره من غير ان يراجعها ، وجريان الأقلام على الاستعجال
بأمثال هذا المقال غير عزيز في كلامهم.
(المسألة الثالثة) ـ لو اشتبه دم الحيض بدم القرحة فقد
اختلف الأصحاب في ذلك ، فقيل ان كان خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض وان
كان من الجانب الأيمن فهو من القرحة ، وبه صرح الصدوق في كتابه والشيخ في النهاية
واتباعه قال في الفقيه : «وان اشتبه عليها دم الحيض ودم القرحة فربما كان في فرجها
قرحة ، فعليها أن تستلقي على قفاها وتدخل إصبعها فإن خرج الدم من الجانب الأيمن
فهو من القرحة وان خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض» وظاهر هذا الكلام ان
مخرج دم الحيض دائما انما هو من الجانب الأيسر ، وعن ابن الجنيد انه عكس ذلك فقال
: «دم الحيض اسود عبيط تعلوه حمرة يخرج من الجانب الأيمن وتحس المرأة بخروجه ، ودم
الاستحاضة بارد رقيق يخرج من الجانب الأيسر» واضطرب كلام الشهيد فأفتى في البيان
بالأول وفي الدروس والذكرى بالثاني ، قيل : ومنشأ الاختلاف هنا اختلاف متن الرواية
حيث انه قد روى في الكافي عن محمد بن يحيى رفعه عن ابان (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) فتاة منا بها
قرحة في جوفها والدم سائل لا تدري من دم الحيض أم من دم القرحة؟ فقال : مرها
فلتستلق على ظهرها ثم ترفع رجليها ثم تستدخل إصبعها الوسطى ، فان خرج الدم من
الجانب الأيمن فهو من الحيض وان خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة». والشيخ قد
نقل الرواية المذكورة بعينها في التهذيب وساق الحديث الى ان قال : «فان خرج الدم
من الجانب الأيسر فهو من الحيض وان خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة». وربما
قيل بترجيح رواية التهذيب لان الشيخ اعرف بوجوه الحديث وأضبط خصوصا مع فتواه
بمضمونها في النهاية والمبسوط. وفيه انه لا يخفى على من راجع التهذيب وتدبر اخباره
ما وقع للشيخ (رحمهالله) من التحريف
والتصحيف في الاخبار سندا ومتنا وقلما يخلو حديث من أحاديثه من علة في سند أو متن
، واما فتواه (رحمهالله) فالكلام فيها
أظهر من ان يخفى على
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب الحيض.
من ملوس الفن ، والترجيح بهذه القاعدة
في جانب رواية الكافي أظهر ، ويعضده ان في الذكرى نقل انه وجد الرواية في كثير من
نسخ التهذيب كما في الكافي ، وفي المدارك عن ظاهر كلام ابن طاوس ان نسخ التهذيب
القديمة كلها موافقة له ايضا وبه يظهر ترجيحها. نعم عبارة الفقه الرضوي صريحة في
القول الأول حيث قال (عليهالسلام) (1) : «وان اشتبه
عليها الحيض بدم القرحة فربما كان في فرجها قرحة فعليها أن تستلقي على قفاها وتدخل
إصبعها فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من القرحة وان خرج من الجانب الأيسر فهو
من الحيض». وعبارة الصدوق المتقدمة عين هذه العبارة ، ومنه يعلم أنه أخذها من
الكتاب المذكور وافتى بها وان مستنده في هذا الحكم انما هو الكتاب المذكور ،
والصدوق في كتابه قد ذكر بعد هذه العبارة بلا فصل عبارة كتاب الفقه المتقدمة (2) في اشتباه دم
الحيض بدم العذرة وقال بعدها ذكره أبي في رسالته الي ، ومنه يعلم ـ كما عرفت
وستعرف ان شاء الله تعالى في مطاوي أبحاث هذا الكتاب ـ اعتماد الصدوقين على الكتاب
المذكور وأخذ عبائره والإفتاء بها ، والظاهر ان مستند من قال بالقول الأول انما هو
ما في رسالة علي بن الحسين بن بابويه من العبارة المأخوذة من كتاب الفقه لا من
رواية التهذيب كما قيل ، لما عرفت من نقل الشيخين المتقدمين ان نسخ التهذيب
القديمة موافقة للكافي ، وحينئذ فالتعارض انما هو بين رواية الكافي وكتاب الفقه ،
والمسألة لذلك لا تخلو من اشكال ، ويؤكده ان احتمال القرحة لا يختص بجانب دون جانب
فلا يتم الحكم كليا بكونها في جانب اليمين كما في كتاب الفقه أو الأيسر كما في
رواية الكليني. والله العالم.
(المسألة الرابعة) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضياللهعنهم) في ان أقل
الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة ، وهي أقل الطهر ، واما أكثره فلا حد له على الأشهر الأظهر.
__________________
(1) ص 22.
(2) ص 154.
فأما الأول فالأخبار به مستفيضة : (منها) ـ ما رواه في
الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «أقل ما
يكون الحيض ثلاثة أيام وأكثره ما يكون عشرة أيام». وعن صفوان بن يحيى (2) قال : «سألت
أبا الحسن الرضا (عليهالسلام) عن ادنى ما
يكون من الحيض؟ فقال أدناه ثلاثة وأبعده عشرة». وما رواه الشيخ في الصحيح عن يعقوب
بن يقطين عن ابي الحسن (عليهالسلام) (3) : «ادنى الحيض
ثلاثة وأقصاه عشرة». الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة. واما ما رواه الشيخ في الصحيح
عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليهالسلام) (4) من «ان أكثر
ما يكون الحيض ثمان وادنى ما يكون منه ثلاثة». فقد أجاب الشيخ عنه بأنه خبر شاذ
أجمعت العصابة على ترك العمل به ، قال : «ولو صح لكان معناه ان المرأة إذا كان من
عادتها ان لا تحيض أكثر من ثمانية أيام ثم استحاضت واستمر بها الدم وهي لا يتميز
لها دم الحيض من دم الاستحاضة ، فإن أكثر ما تحتسب به أيام الحيض ثمانية أيام
حسبما جرت عادتها قبل استمرار الدم» انتهى. ولا يخفى بعده. وحمله في المنتقى على
إرادة الأكثر بحسب العادة والغالب في الشرع. وهو جيد فان بلوغ العشرة في العادة
نادر.
واما الثاني فيدل عليه بعد الإجماع الأخبار الكثيرة ،
ومنها ـ مرسلة يونس الآتية (5) ومنها ما رواه
في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليهالسلام) (6) قال : «لا
يكون القرء في أقل من عشرة أيام فما زاد ، أقل ما يكون عشرة من حين تطهر الى ان
ترى الدم». وهي متضمنة لحكم الأقل وانه عشرة ولحكم الأكثر وهو عشرة فما زاد من غير
الانتهاء الى حد ، وعن ابي الصلاح انه حد الأكثر بثلاثة أشهر ، ولم نقف له على
مستند ، وحمله العلامة على ان مراده باعتبار الغالب. وفي صحيحة محمد بن مسلم
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب
الحيض.
(6) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب الحيض.
الآتية (1) ونحوها موثقته
(2) «إذا رأت الدم
بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة».
وكيف كان فكل من هذه الأحكام لا خلاف فيه ، انما الخلاف
في اشتراط التوالي في الثلاثة التي تكون أقل الحيض فهل يشترط تواليها أم يكفي
كونها في جملة العشرة؟
المشهور الأول وبه قال الشيخ (رحمهالله) في الجمل
والمرتضى وابنا بابويه ، قال في الفقيه نقلا عن أبيه في رسالته إليه : «فإن رأت
الدم يوما أو يومين فليس ذلك من الحيض ما لم تر الدم ثلاثة أيام متواليات ، وعليها
ان تقضي الصلاة التي تركتها في اليوم أو اليومين».
أقول : وهذه العبارة عين عبارة الفقه الرضوي كما سيأتي
نقله في هذا المقام ان شاء الله تعالى ، وهكذا ما بعدها
وقال الشيخ في النهاية : «ان رأت يوما أو يومين ثم رأت
قبل انقضاء العشرة ما يتم به الثلاثة فهو حيض ، وان لم تر حتى تمضي عشرة فليس من
الحيض» والى هذا القول ذهب ابن البراج ، واليه مال جملة من متأخري المتأخرين :
منهم ـ المولى الأردبيلي (رحمهالله) في شرح
الإرشاد والشيخ الحر في رسالته والشيخ عبد الله بن صالح البحراني ، ونقله عن الشيخ
احمد بن الشيخ محمد بن يوسف البحراني صاحب رياض المسائل ، وهو الأظهر عندي.
ويدل عليه روايات : (منها) ـ ما رواه الشيخ عن يونس عن
بعض رجاله عن الصادق (عليهالسلام) (3) قال : «ادنى
الطهر عشرة أيام ، وذلك ان المرأة أول ما تحيض ربما كانت كثيرة الدم فيكون حيضها
عشرة أيام ، فلا تزال كلما كبرت نقصت حتى ترجع إلى ثلاثة أيام فإذا رجعت الى ثلاثة
أيام ارتفع حيضها ولا يكون أقل من ثلاثة أيام ، فإذا رأت المرأة الدم في أيام
حيضها تركت الصلاة ، فإن استمر بها الدم ثلاثة أيام فهي حائض
__________________
(1 و 3) المروية في الوسائل في الباب 12 من أبواب الحيض.
(2) المروية في الوسائل في الباب 10 من أبواب الحيض.
وان انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو
يومين اغتسلت وصلت وانتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيام ، فإن رأت في تلك العشرة
أيام من يوم رأت الدم يوما أو يومين حتى يتم لها ثلاثة أيام فذلك الذي رأته في أول
الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة فهو من الحيض ، وان مر بها من يوم رأت
الدم عشرة أيام ولم تر الدم فذلك اليوم واليومان الذي رأته لم يكن من الحيض انما
كان من علة اما قرحة في جوفها واما من الجوف ، فعليها ان تعيد الصلاة تلك اليومين
التي تركته لأنها لم تكن حائضا فيجب ان تقضى ما تركت من الصلاة في اليوم واليومين
، وان تم لها ثلاثة أيام فهو من الحيض وهو ادنى الحيض ولم يجب عليها القضاء ولا
يكون الطهر أقل من عشرة أيام ، وإذا حاضت المرأة وكان حيضها خمسة أيام ثم انقطع
الدم اغتسلت وصلت ، فإن رأت بعد ذلك الدم ولم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام فذلك
من الحيض تدع الصلاة ، وان رأت الدم من أول ما رأت الثاني الذي رأته تمام العشرة
أيام ودام عليها عدت من أول ما رأت الدم الأول والثاني عشرة أيام ثم هي مستحاضة
تعمل ما تعمله المستحاضة ، وقال كل ما رأت المرأة في أيام حيضها من صفرة أو حمرة
فهو من الحيض وكل ما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض».
أقول : لا يخفى ما في الخبر المذكور من الصراحة والظهور
في الدلالة على القول المذكور ، وظاهره ايضا ان النقاء الذي بين أيام الدم
المتفرقة طهر حيث خص الحيض بأيام الدم المتقدمة والمتأخرة (لا يقال) : انه قد
استفاضت الأخبار بان أقل الطهر عشرة أيام (لأنا نقول) : نعم وهذا الخبر من جملتها
ايضا حيث قال فيه : «ولا يكون الطهر أقل من عشرة أيام» ولكن وجه الجمع ـ بين ما دل
عليه الخبر المذكور ونحوه من الحكم بكون النقاء المتخلل بين الثلاثة الأيام
المذكورة هنا طهرا وبين تلك الاخبار ـ بحمل الطهر في تلك الأخبار على ما كان بين
حيضتين مستقلتين كما في العدد ونحوها فلا ينافيه ما كان في أثناء الحيضة الواحدة ،
ويشير الى ذلك ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم
المتقدمة التي هي مستندهم في هذا
الحكم (1) من قوله (عليهالسلام) : «أقل ما
يكون عشرة من حين تطهر الى ان ترى الدم» بعد قوله : «لا يكون القرء في أقل من عشرة»
وقوله (عليهالسلام) ـ : «فإن رأت
بعد ذلك الدم ولم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام فذلك من الحيض» ـ معناه انه إذا
كان حيضها خمسة أيام ـ مثلا ـ ثم انقطع الدم فإنها تغتسل وتصلي ، فإن عاد الدم بعد
مضي عشرة أيام من انقطاعه فلا إشكال في كونه حيضة ثانية لتوسط أقل الطهر بين
الدمين ، وان كان قبل تمام العشرة فإنه يكون من الحيضة الاولى وما بينهما طهر
حسبما تقدم في الثلاثة المتفرقة ، نعم انما يحكم بكون الدمين حيضا ما لم يتجاوز
الجميع عشرة أيام التي هي أكثر الحيض وإلا فلو تجاوز كان ما زاد على العشرة
استحاضة ، والى هذا أشار (عليهالسلام) بقوله في
تتمة الخبر : «وان رأت الدم من أول ما رأت الثاني. إلخ» بمعنى انه ان رأت هذا الدم
الثاني من أول ما رأته متمما للعشرة التي مبدأها أول اليوم الأول ثم دام وتجاوز
العشرة عدت أيام الدم الأول وأيام الدم الثاني وجعلت حيضها منه عشرة أيام وعملت في
الباقي ما تعمله المستحاضة ، وفي قوله : «عدت من أول ما رأت الدم الأول والثاني
عشرة أيام» إشارة الى ان ما بين الدمين طهر لأنها انما تعد أيام الدم خاصة.
و (منها) ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن
بإبراهيم بن هاشم عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
رأت المرأة الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الاولى وان كان بعد العشرة فهو من
الحيضة المستقبلة».
وما رواه الشيخ في الموثق عن محمد بن مسلم عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) (3) قال : «أقل ما
يكون الحيض ثلاثة أيام ، وإذا رأت الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الاولى ، وإذا
رأته بعد عشرة أيام فهو من حيضة أخرى مستقبلة».
__________________
(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 11 من أبواب الحيض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الحيض.
والتقريب فيهما انهما ظاهرتان في انه إذا رأت المرأة
الدم بعد ما رأته أولا سواء كان الأول يوما أو أزيد ، فإن كان بعد توسط عشرة أيام
خالية من الدم كان الدم الثاني حيضة مستقلة ، وان كان قبل ذلك كان من الحيضة
الاولى.
واما ما ذكره في المدارك ـ بعد ان نقل عن الشيخ
الاستدلال على هذا القول برواية يونس وصحيحة محمد بن مسلم حيث قال : «والجواب ان
الرواية الأولى ضعيفة مرسلة والثانية غير دالة على المطلوب صريحا ، إذ مقتضاها ان
ما تراه في العشرة فهو من الحيضة الاولى ولا نزاع فيه لكن لا بد من تحقق الحيض
أولا ، قال في المعتبر بعد ان ذكر نحو ذلك : ونحن لا نسمي حيضا إلا ما كان ثلاثة
فصاعدا ، فمن رأت ثلاثة ثم انقطع ثم جاء في العشرة ولم يتجاوز فهو من الحيضة
الأولى لا انه حيض مستأنف ، لأنه لا يكون بين الحيضتين أقل من عشرة. وهو حسن»
انتهى ـ
ففيه (أولا) ـ ان ما طعن به على رواية يونس من الضعف لا
يقوم حجة على الشيخ ونحوه من المتقدمين الذين لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم ، بل
اعترف جملة من محققي أصحاب هذا الاصطلاح كالمحقق الشيخ حسن في المنتقى والبهائي في
مشرق الشمسين بصحة الأخبار كملا عند المتقدمين لوضوح الطرق الدالة على صحتها لديهم
، وان هؤلاء المتأخرين إنما جددوا هذا الاصطلاح لخفاء تلك القرائن التي أوجبت صحة
الأخبار عند المتقدمين عليهم. و (ثانيا) ـ ما قدمناه في مقدمات هذا الكتاب من
بطلان هذا الاصطلاح. و (ثالثا) ـ ان ما ذكره في صحيحة محمد بن مسلم من عدم دلالتها
على المطلوب صريحا مؤذن بأنها دالة عليه ظاهرا وهو كاف في الاستدلال ، فإنها وان
لم تكن في الصراحة كرواية يونس المذكورة إلا انها ظاهرة في ذلك ، وما ارتكبوه في
تأويلها خلاف الظاهر بل تعسف محض كما لا يخفى على الخبير الماهر ، وذلك فان ظاهر
الخبر المذكور ومثله الموثقة التي بعده ان العشرة التي وقع التفصيل فيها في الخبر
بكون رؤية الدم قبل تمامها فيكون من الحيضة الأولى أو بعده فيكون حيضة مستقلة انما
هي عشرة
واحدة وهي ما بعد رؤية الدم الأول
سواء كان يوما أو يومين أو ثلاثة ، ومبدأها انقطاع الدم الأول ، واللام في العشرة
الثانية عهدية كما في قوله تعالى : «...
أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ ...» (1) وعلى هذا بنى
الاستدلال بالرواية المذكورة ، وعلى ما ذكروه يلزم ان يكون مبدأ العشرة من أول
الدم ، وهو وان تم لهم بالنسبة إلى أول الترديدين إلا انه لا يتم لهم بالنسبة إلى
الترديد الثاني وهو قوله : «وان كان بعد العشرة» فإنها عبارة عن عشرة أيام الطهر
البتة ، وبالجملة فإن مبنى كلامهم على ان المراد بالعشرة الاولى مبدأ الدم الأول
والعشرة الثانية من انقطاعه. ولا يخفى ما فيه من التمحل بل البطلان ، إذ المتبادر
من الترديد المذكور هو اتحاد العشرة لا تعددها.
ومما يؤيد ما ذكرناه من ان العشرة التي وقع الترديد فيها
هي عشرة الطهر ما رواه الشيخ في التهذيب عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المرأة
إذا طلقها زوجها متى تكون أملك بنفسها؟ فقال إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فهي
أملك بنفسها. قلت فان عجل الدم عليها قبل أيام قرءها؟ فقال : إذا كان الدم قبل
العشرة أيام فهو أملك بها وهو من الحيضة التي طهرت منها ، وان كان الدم بعد العشرة
فهو من الحيضة الثالثة فهي أملك بنفسها».
والتقريب فيها كما مر في صحيحة محمد بن مسلم الا ان هذه
أظهر في كون الطهر يكون أقل من عشرة أيام ، وان ما ذكروه من حمل العشرة الاولى في
تلك الرواية على مبدأ الدم الأول لا يجري في هذه الرواية ، بل المراد بالعشرة فيها
في الموضعين هي عشرة الطهر الخالي من الدم ، وذلك فان معناها انها إذا حاضت الحيضة
الثانية وطهرت ثم أتاها الدم ، فان كان قبل تمام العشرة أيام الطهر فله الرجوع
فيها لأنها باقية في العدة ، وان
__________________
(1) سورة المزمل. الآية 15 و 16.
(2) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب العدد.
كان بعد تمام العشرة فقد خرجت عن عدته
لحصول الأقراء الثلاثة التي هي عبارة عن الاطهار وتقريب الاستدلال بهذه الروايات
الثلاث بناء على ما ذكرناه زيادة على ما عرفت ان الحكم بكون ما تراه قبل تمام
العشرة من الحيضة الأولى انما يتم على إطلاقه بناء على الحكم بكون أيام النقاء
المتخللة طهرا ، والا فلو فرضنا ان حيضها الأول خمسة أيام أو ستة أيام ثم بعد
الطهر والغسل رأت الدم في اليوم السابع أو الثامن من طهرها قبل تمام العشرة فإنه (عليهالسلام) في هذه
الاخبار حكم بكون الدم من الحيضة الاولى ، فلو حكم بكون النقاء ايضا حيضا كما
يدعونه للزم زيادة الحيض على عشرة أيام ، وهو باطل إجماعا نصا وفتوى ، وفي معنى
هذه الرواية ما صرح به في الفقه الرضوي (1) حيث قال : «وربما تعجل الدم من
الحيضة الثانية ، والحد بين الحيضتين القرء وهو عشرة أيام بيض ، فإن رأت الدم بعد
اغتسالها من الحيض قبل استكمال عشرة أيام بيض فهو ما بقي من الحيضة الاولى ، وان
رأت الدم بعد العشرة البيض فهو ما تعجل من الحيضة الثانية». انتهى. وهو ظاهر في ان
ما تخلل من النقاء بين الدمين ـ متى كان في العشرة ـ طهر لما فرضناه من المثال
المتقدم ونحوه ، وفي هذا الكلام ما يشير الى ما قدمناه من حمل روايات «أقل الطهر
عشرة». على ما كان بين حيضتين لا مطلقا.
ومما حققناه في هذا المقام يظهر ان ما يأتي ان شاء الله
تعالى في كلامهم ـ من انه متى رأت الدم ثلاثة ـ مثلا ـ وانقطع ثم رأته قبل العاشر
ولم يتجاوز العشرة فإن جميع العشرة حيضة ـ لا وجه له ، فان ظاهر هذه الاخبار ان
الحيض أيام الدم خاصة كما عرفت واما قول صاحب المعتبر فيما نقله عنه في المدارك : «ونحن
لا نسمي حيضا الا ما كان ثلاثة فصاعدا. إلخ» ففيه انه أول المسألة لأن مراده
بالثلاثة يعنى المتوالية ، وإطلاق الحيض في الرواية على الدم المتقدم وان كان أقل
من ثلاثة كما ندعيه انما وقع من حيث رجوع الدم في العشرة الموجب لكون المتقدم
بانضمام المتأخر اليه حيضا واحدا وبهذا يصح إطلاق الحيض على الدم الأول وان كان
أقل من ثلاثة ، لظهور كونه حيضا
__________________
(1) ص 21.
بانضمام الدم الأخير اليه. وبالجملة
فالرواية مطلقة بالنسبة إلى الدم المتقدم ، وإطلاق الحيض على ما كان أقل من ثلاثة
أيام صحيح بما ذكرناه ، فالعمل بها على إطلاقها لا يعتريه وصمة الإشكال.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان ما استدلوا به على ما ذكروه من
القول المشهور أمور :
(الأول) ـ ان الصلاة ثابتة في الذمة بيقين فلا يسقط
التكليف بها إلا مع تيقن السبب ولا تيقن بثبوته مع انتفاء التوالي.
(الثاني) ـ ان المتبادر من قولهم : «ادنى الحيض ثلاثة
وأقله ثلاثة» (1). كونها
متوالية ، ذكر ذلك في المدارك والأول منهما العلامة في المختلف ايضا.
(الثالث) ـ ان تقدير الحيض أمر شرعي غير معقول فيقف على
مورد الشرع. ولم يثبت في المتفرق التقدير الشرعي ، احتج به العلامة في المختلف.
(الرابع) ـ ان اللازم من القول بخلاف القول المشهور كون
الطهر أقل من عشرة وهو خلاف الإجماع نصا وفتوى.
(الخامس) ـ ما ذكره (عليهالسلام) في الفقه
الرضوي (2) حيث قال : «وان
رأت يوما أو يومين فليس ذلك من الحيض ما لم تر ثلاثة أيام متواليات ، وعليها ان
تقضى الصلاة التي تركتها في اليوم واليومين». وهذه العبارة عين العبارة المتقدم
نقلها عن الصدوق في رسالة أبيه اليه وكذا ما بعدها ايضا ، ومنه يعلم ان مستنده في
هذا الحكم انما هو الكتاب المذكور كما عرفت وستعرف ان شاء الله تعالى.
والجواب (اما عن الأول) فإن ما ذكروه من ثبوت الصلاة في
الذمة بيقين مسلم الا انه قد دلت الأخبار المتفق عليها على انها تسقط بالحيض الذي
أقله ثلاثة ، وهي مطلقة شاملة بإطلاقها لما لو كانت متوالية أو متفرقة في ضمن
العشرة ، ومدعى التقييد بالتوالي عليه الدليل وليس فليس ، بل الأدلة بصريحها
وظاهرها عاضدة لهذا الإطلاق كما عرفت.
__________________
(1) المروي في الوسائل في الباب 10 من أبواب الحيض.
(2) ص 21.
و (اما عن الثاني) فبالمنع من هذه الدعوى (اما أولا) ـ فلأنه
لو نذر المكلف صيام ثلاثة أيام على الإطلاق فاللازم بمقتضى ما ذكره وجوب التوالي
فيها وهو لا يلتزمه و (اما ثانيا) ـ فلانه لو تم ذلك في الثلاثة للزم مثله في
العشرة لاشتراكهما في الإطلاق في اخبار هذه المسألة كما تقدم وهم لا يقولون به. و
(اما ثالثا) ـ فلانه لو سلم ذلك فإنه يجب الخروج عنه بقيام الدليل على خلافه وهو
الاخبار المتقدمة.
و (اما عن الثالث) فبما عرفت من ان غاية ما دلت عليه
الاخبار ان أقله ثلاثة وهي أعم من ان تكون متوالية أو متفرقة ، ومدعى التقييد
بالتوالي يحتاج الى الدليل ، وتخرج الأخبار التي ذكرناها شاهدة على ذلك.
و (اما عن الرابع) فيما تقدم آنفا من ان وجه الجمع بين
الاخبار يقتضي حمل أخبار «أقل الطهر عشرة أيام» على الطهر الواقع بين حيضتين بمعنى
انه لا يحكم بتعدد الحيض إلا مع توسط العشرة لا الواقع في حيضة.
ومما يعضد ما ذكرناه من وقوع الطهر في أقل من عشرة أيام ما
رواه الشيخ في الموثق عن يونس بن يعقوب (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : المرأة ترى
الدم ثلاثة أيام أو أربعة؟ قال تدع الصلاة. قلت : فإنها ترى الطهر ثلاثة أيام أو
أربعة؟
قال : تصلي. قلت فإنها ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة؟
قال تدع الصلاة. قلت فإنها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة؟ قال تصلي. قلت فإنها
ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة؟ قال تدع الصلاة تصنع ما بينها وبين شهر فان انقطع
الدم عنها والا فهي بمنزلة المستحاضة». ونحوها رواية أبي بصير ايضا (2).
و (اما عن الخامس) فالظاهر ان كلامه (عليهالسلام) هنا خرج مخرج
البناء على الغالب لا انه حكم كلي ، لأنه قد صرح قبيل هذا الكلام بما قدمنا نقله
عنه قريبا مما هو ظاهر المنافاة لو حمل هذا الكلام على ظاهره ، فان ظاهر الكلام هو
انه قد يكون
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الحيض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الحيض.
الطهر أقل من عشرة إذا كان في حيضة
واحدة ، فلا بد من حمل هذا الكلام على ما ذكرناه جمعا.
وينبغي التنبيه على أمور (الأول) ـ قال في الروض : «وعلى
هذا القول ـ يعني عدم اعتبار التوالي ـ لو رأت الأول والخامس والعاشر فالثلاثة حيض
لا غير» واعترضه سبطه بان مقتضاه ان أيام النقاء المتخللة بين أيام رؤية الدم تكون
طهرا ، وهو مشكل لان الطهر لا يكون أقل من عشرة أيام إجماعا ، وايضا قد صرح المصنف
في المعتبر والعلامة في المنتهى وغيرهما من الأصحاب بأنها لو رأت ثلاثة ثم رأت
العاشر كانت الأيام الأربعة وما بينهما من النقاء حيضا ، والحكم في المسألتين واحد
انتهى. وفيه نظر من وجهين : (أحدهما) ـ ان قوله : «ان الطهر لا يكون أقل من عشرة
إجماعا» على إطلاقه ممنوع ، فان ذلك انما هو فيما إذا كان بين حيضتين يعني لا يحكم
بتعدد الحيض الا مع توسط العشرة ، كما يشير اليه كلامه (عليهالسلام) في الفقه
الرضوي حسبما نبهنا عليه آنفا ، وقد عرفت دلالة الأخبار على انه لا مانع منه في
الحيضة الواحدة ، وهذا معظم الشبهة عندهم في اطراح هذا القول ، وفيه ما عرفت. و (ثانيهما)
ـ ان ما نقله عن المعتبر والمنتهى وغيرهما انما استندوا فيه الى صحيحة محمد بن
مسلم وموثقته المتقدمتين بناء على ما توهموه من المعنى الذي زعموه ، وقد أوضحنا
بعده ومخالفته لظاهر الخبرين المذكورين كما يفصح عنه خبر عبد الرحمن بن ابي عبد
الله وكلامه (عليهالسلام) في كتاب
الفقه ، فإنهما صريحان في المدعى كما أوضحناه آنفا ، وحينئذ فما ذكروه خال من
الدليل بل الدليل على خلافه واضح السبيل. وبالجملة فإن الروايات المذكورة كملا قد
اشتركت في الدلالة على ان ما تراه في عشرة الطهر قبل تمامها فهو من الحيضة الاولى
وان ما بين الدمين طهر ، وإلا لزم المحذور الذي قدمنا ذكره من زيادة الحيض على
العشرة وهو باطل ، الا انها مختلفة في الظهور شدة وضعفا ، وهم انما حكموا بكون
النقاء المتوسط حيضا بشبهة ان الطهر لا يكون أقل من عشرة ، وقد أوضحنا فساده فلا
اشكال بحمد الله المتعال.
(الثاني) ـ اعلم ان ظاهر الأصحاب (رضياللهعنهم) ان محل
الخلاف في هذه المسألة الثلاثة مطلقا أعم من ان تكون في أيام العادة أم لا ، وصريح
رواية يونس هو كونها في أيام العادة ، وظاهر روايتي محمد بن مسلم وان كان الإطلاق
بناء على ما ذكرناه من معناهما الا انه يمكن حمله على رواية يونس حمل المطلق على
المقيد ، وبذلك يجمع بين هذه الاخبار وكلامه (عليهالسلام) في كتاب
الفقه بحمله على غير أيام العادة ، ولا بأس به اقتصارا في الخلاف على القدر
المتيقن ، الا انه صلح من غير تراضي الخصمين.
(الثالث) ـ قد صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ الشهيد
الثاني في الروض بان المراد بالأيام الثلاثة ما يدخل فيها الليالي اما تغليبا واما
لدخول الليل في مسمى اليوم عرفا ، قال : «وقد صرح بدخولها في بعض الاخبار وفي
عبارة بعض الأصحاب» أقول : هو ابن الجنيد على ما نقله عنه بعض أصحابنا. والظاهر ان
المراد بالثلاثة مقدارها من الزمان ولو بالتلفيق لا خصوص الثلاثة ، فلو رأته من
أول الظهر ـ مثلا ـ اعتبر الامتداد الى ظهر اليوم الرابع.
(الرابع) ـ اختلف الأصحاب في المعنى المراد من التوالي
على تقدير القول المشهور فقيل بأنه عبارة عن استمراره في الثلاثة بلياليها بحيث
متى وضعت الكرسف تلوث ، وهو اختيار الشيخ علي في شرح القواعد بعد ان ذكر انه لا
يعرف الآن في كلام أحد من المعتبرين تعيينا له ، ثم قال : «وقد يوجد في بعض
الحواشي الاكتفاء بحصوله فيها في الجملة وهو رجوع الى ما ليس له مرجع» ونقل هذا
القول عن الشيخ جمال الدين ابن فهد في التحرير. وقيل بالاكتفاء بوجوده في كل يوم
من الثلاثة وقتاما ، ونقله في المدارك عن ظاهر الأكثر عملا بالعموم ، وهو اختيار
الروض قال : «ظاهر النص الاكتفاء بوجوده في كل يوم من الثلاثة وان لم يستوعبه لصدق
رؤيته ثلاثة أيام لأنها ظرف له ، ولا تجب المطابقة بين الظرف والمظروف ، وهذا هو الظاهر
من كلام المصنف» انتهى وقيل انه يعتبر ان يكون في أول الأول وآخر الآخر وفي أي جزء
من الوسط ، فإذا
رأته في أول جزء من أول ليلة من الشهر
فلا بد ان تراه في آخر جزء من اليوم الثالث بحيث يكون عند غروبه موجودا وفي اليوم
الوسط يكفي أي جزء كان ، ونسب هذا القول الى الفاضل السيد حسن ابن السيد جعفر
معاصر شيخنا الشهيد الثاني ، واستبعده في المدارك ونفى عنه البعد في الحبل المتين
، قال بعد نقله : «وهذا التفسير لبعض مشايخنا المتأخرين وهو غير بعيد ، وانما
اعتبر وجود الدم في أول الأول وآخر الآخر عملا بما ثبت بالنص والإجماع من انه لا
يكون أقل من ثلاثة أيام. إذ لو لم يعتبر وجوده في الطرفين المذكورين لم يكن الأقل
مما جعله الشارع أقل فلا تغفل» انتهى. أقول : والمسألة عندي لا تخلو من شوب
الاشكال ، لعدم النص الموضح لهذا الإجمال والتعليلات متدافعة ، وان كان القول بما
عليه ظاهر الأكثر لا يخلو عن قرب. والله العالم.
(المسألة الخامسة) ـ لا خلاف بين الأصحاب في ان ما تراه
المرأة من الدم قبل إكمال التسع فليس بحيض وما تراه بعد بلوغ سن اليأس فليس بحيض ،
فالكلام هنا يقع في مقامين :
(الأول) ـ في ما تراه قبل التسع ، وهو ـ كما عرفت ـ إجماعي
حتى من العامة (1) ويدل عليه من
الاخبار صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : ثلاث
يتزوجن على كل حال ، وعد منها التي لم تحض ومثلها لا تحيض ـ قال قلت وما حدها؟ قال
: إذا اتى لها أقل من تسع سنين ـ والتي لم يدخل بها والتي قد يئست من المحيض
ومثلها لا تحيض. قال قلت وما حدها؟ قال : إذا كان لها خمسون سنة».
__________________
(1) كما في بدائع الصنائع ج 1 ص 41 وفي المغني ج 1 ص 307 وفي
الفروع لابن مفلح ج 1 ص 177 وفي المهذب ج 1 ص 37 وفي المدونة لمالك ج 1 ص 54 وفي
شرح الزرقانى على مختصر ابى الضياء في فقه مالك ج 1 ص 133 وفي الميزان للشعرانى ج
1 ص 117.
(2) المروية في الوسائل في الباب 2 من أبواب العدد.
وعن عبد الرحمن بن الحجاج أيضا في الموثق (1) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : ثلاث
يتزوجن على كل حال : التي يئست من المحيض ومثلها لا تحيض ـ قلت ومتى تكون كذلك؟
قال إذا بلغت ستين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض ـ والتي لم تحض ومثلها
لا تحيض ـ قلت ومتى تكون كذلك؟ قال ما لم تبلغ تسع سنين فإنها لا تحيض ومثلها لا
تحيض ـ والتي لم يدخل بها».
وههنا اشكال مشهور وهو ان الأصحاب ذكروا من علامات بلوغ
المرأة الحيض وحكموا ههنا بان ما تراه المرأة قبل التسع فليس بحيض ، وهو بحسب
الظاهر مدافع للأول ، فما الذي يعلم به البلوغ؟
وأجيب عن ذلك بحمل ما هنا على من علم بلوغها التسع ،
فإنه لا يحكم على الدم الذي تراه قبل التسع بكونه حيضا ، وحمل ما ذكروه من ان
الحيض علامة البلوغ على من جهل سنها مع خروج الدم الجامع لصفات الحيض ، فإنه يحكم
بكونه حيضا ويعلم به البلوغ كما ذكره الأصحاب ونقلوا عليه الإجماع.
أقول : ويؤيده رواية عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة وكتبت عليه السيئة وعوقب ، وإذا بلغت
الجارية تسع سنين فكذلك ، وذلك انها تحيض لتسع سنين». ويستفاد من هذه الرواية ان
الحيض لازم للتسع ، وحينئذ فمتى كان سنها مجهولا وحصل لها الحيض فإنه دليل على
بلوغ التسع.
واما ما أجيب به عن الاشكال المذكور ـ من ان البلوغ مما
اختلف فيه فقيل انه بالتسع وقيل بالعشر فلو رأت دما بعد التسع وقبل بلوغ العشر حكم
بالبلوغ ـ فأورد عليه بان هذا انما يتم على قول من قال بالعشر واما من قال بان
بلوغها بالتسع فإنه لا يكون
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب العدد.
(2) المروية في الوسائل في الباب 44 من أبواب الوصايا.
الدم هنا دليلا على البلوغ عنده ، بل
الحق هو الأول.
(الثاني) ـ في ما تراه بعد بلوغ سن اليأس ، وقد عرفت انه
لا خلاف بينهم في انه ليس بحيض ، وعليه تدل الأخبار التي في المسألة.
انما الخلاف في ما به يتحقق اليأس ، فقيل بأنه يتحقق
ببلوغ خمسين سنة مطلقا ، ذهب اليه الشيخ في النهاية والجمل واختاره المحقق في كتاب
الطلاق من الشرائع. وقيل ببلوغ الستين مطلقا ، واختاره العلامة في بعض كتبه
والمحقق في الشرائع في باب الحيض. وقيل بالتفصيل بين القرشية وغيرها واعتبار الستين
فيها والخمسين في غيرها ، واختاره الشيخ في أكثر كتبه ، وهو ظاهر الصدوق في الفقيه
ايضا حيث قال (1) : «وقال
الصادق (عليهالسلام) : المرأة إذا
بلغت خمسين سنة لم تر حمرة إلا ان تكون امرأة من قريش ، وهو حد المرأة التي تيأس
من الحيض». انتهى. وهذا الكلام بعينه عين مرسلة ابن ابي عمير الآتية ، ورجحه
المحقق في المعتبر ، والظاهر انه المشهور. وربما الحق بعض أصحاب هذا القول
بالقرشية النبطية كالشهيد في كتبه الثلاثة.
والذي وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة روايتا عبد
الرحمن المتقدمتان وصحيحة أخرى له ايضا عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «حد
التي يئست من المحيض خمسون سنة». ورواية أحمد بن محمد بن ابي نصر عن بعض أصحابنا (3) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) : المرأة
التي قد يئست من المحيض حدها خمسون سنة». رواها الكليني والشيخ في الضعيف والمحقق
في المعتبر عن كتاب احمد بن محمد بن ابى نصر وعلى هذا فلا يضر ضعف السند بناء على
الاصطلاح الغير المعتمد ، ومرسلة ابن ابي عمير عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليهالسلام) (4) قال : «إذا
بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة الا ان تكون امرأة من قريش».
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) المروية في الوسائل في الباب 31 من أبواب
الحيض.
حجة القول الأول رواية عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة في
المقام الأول وصحيحته المنقولة هنا ورواية ابن ابي نصر.
وحجة القول الثاني موثقة عبد الرحمن الثانية من روايتيه
المتقدمتين في المقام الأول ، ورواية مرسلة ذكرها في الكافي (1) بعد نقل رواية
أحمد بن محمد بن ابي نصر قال : «وروى ستون سنة ايضا».
حجة القول الثالث الجمع بين الاخبار ، ومستند هذا الجمع
مرسلة ابن ابي عمير التي هي في عداد المسانيد عندهم ، حيث دلت على الخمسين الا ان
تكون امرأة من قريش وأورد على ذلك عدم صراحة الرواية في كون الحمرة التي تراها
القرشية بعد الخمسين حيضا ، إذ لا منافاة بين رؤيتها الحمرة وعدم اعتبار الشارع
تلك الحمرة حيضا ، مع انه ليس في الخبر ذكر الستين.
أقول : يمكن الجواب عن الأول بأن الظاهر ان لفظ الحمرة
هنا كناية عن الحيض والا فإنه يصير معنى الكلام مغسولا متهافتا يجل عنه كلام
الإمام الذي هو امام الكلام وعن الثاني (أولا) ـ بأنه لما كانت الروايات عنهم (عليهمالسلام) قد صرحت
بالخمسين مطلقا تارة وبالستين كذلك اخرى وقد نفى الخمسين عن القرشية فإنه يعلم منه
ان مراده الستون ، إذ لم يخرج عنهم سوى هذين العددين وبنفي أحدهما يتعين الآخر. و
(ثانيا) ـ انه نقل عن المبسوط انه قال (2) : «تيأس المرأة إذا بلغت خمسين سنة
إلا ان تكون امرأة من قريش فإنه روى انها ترى دم الحيض الى ستين سنة». وقال المفيد
في المقنعة (3) «روى ان
القرشية من النساء والنبطية تريان الدم الى ستين سنة». وكلام الشيخين المذكورين
مؤذن بوصول رواية لهما دالة على الستين في القرشية بل النبطية ، ومراسيل هذين
الشيخين لا تقصر عن مراسيل ابن ابي عمير ونحوه ، وحينئذ فيجب تقييد إطلاق المرسلة
المذكورة بهذه الرواية المرسلة في كلام الشيخين ، وبه يظهر قوة القول بالتفصيل ،
وبذلك يظهر
__________________
(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب الحيض.
ايضا لك ما في كلام جملة من متأخري
المتأخرين : منهم ـ صاحب المدارك من الطعن على المفيد ومن تبعهم بأنهم ذكروا
النبطية معترفين بعدم النص عليها ، وعبارة المفيد ـ كما سمعت ـ ظاهرة في وصول النص
اليه بذلك.
وأنت خبير بان من يرى العمل بهذا الاصطلاح المحدث يترجح
عنده العمل بروايات الخمسين لصحة سند بعضها وتأيده بالباقي وضعف ما يعارضها ولذلك
مال في المدارك الى هذا القول ، واما من يرى العمل بالاخبار مطلقا فيمكن القول
بالتفصيل لما ذكرناه الا انه غير خال من شوب الاشكال. وبالجملة فالمعلوم من
الأخبار المذكورة عدم اليأس قبل الخمسين وتحققه بعد الستين مطلقا وانما يبقى الشك
فيما بين ذلك.
واما ما قيل ـ من انه لا تعارض بين روايات عبد الرحمن في
المنطوق إذ التحديد بالخمسين يستدعي كون ذات الستين آيسة البتة ، نعم مفهوم موثقة
الستين يعطى عدم اليأس بدون بلوغ الستين فيشمل الخمسين فيكون ذلك المفهوم بعمومه
منافيا لتحديد الخمسين ، والمفهوم مع خصوصه لا يصلح لمعارضة المنطوق بل يجب إلغاؤه
معه فكيف مع عمومه وخصوص المنطوق؟ بل يجب تخصيصه به كما هي القاعدة حتى في غيره
فلا تعارض. انتهى ـ فظني بعده بل عدم استقامته ، وذلك لان ثبوت التعارض بين
الروايتين أظهر من ان ينكر وانما هذه شبهة عرضت لهذا القائل ، وبيان ذلك انه قد
علم من الشارع تكليف النساء بأحكام مخصوصة من الحيض وما يترتب عليه من الصوم
والصلاة والعدد وما يترتب عليها ونحو ذلك ، وجعل لهذه الأحكام غاية وحدّا تنقطع
وترتفع ببلوغه وهو سن اليأس ، وهاتان الروايتان قد تصادمتا وتخاصمتا في بيان هذا
الحد الذي تسقط عنده هذه الأحكام ، فمقتضى رواية الخمسين سقوطها ببلوغ هذا الحد
ومقتضى رواية الستين انها تستمر بعد الخمسين ولا تسقط إلا ببلوغ هذا الحد وبذلك
حصل التعارض ، فيجب بناء على الرواية الأولى العمل بتلك الأحكام واستصحابها الى حد
الخمسين خاصة ويجب على الثانية إلى حد الستين ، والروايتان لم تتعارضا في أصل ثبوت
التكاليف وعدمه حتى يقال ان رواية
الستين تدل على عدمه بالمنطوق والمفهوم يضعف عن معارضة المنطوق ، فان تلك الأحكام
ثابتة معلومة من الشارع واجب استصحابها والعمل بها الى وجود المانع والتعارض هنا
وقع في بيان هذا الحد ، فان ثبت كونه الخمسين وجب استصحاب الأحكام إليها خاصة وان
ثبت كونه الستين فكذلك ، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا خفاء عليه ولا يأتيه
الباطل من خلفه ولا من بين يديه ، ونظير ذلك اخبار البلوغ المختلفة ببلوغ الأربعة
عشرة والخمسة عشرة والثلاثة عشرة والعشر ، الا ان اخبار البلوغ اختلفت في الحد
الموجب للاحكام وهذه اختلفت في الحد الذي به تسقط تلك الأحكام. على ان ما ذكره من
ضعف المفهوم وعدم معارضة المنطوق ممنوع وان كان قد ذكره غيره من الأصوليين ، فإن
المفهوم هنا مفهوم شرط وقد قدمنا لك في مقدمات الكتاب الآيات والأخبار الدالة على
حجيته شرعا فهو لا يقصر في الحجية عن المنطوق ، وكلام الأصوليين مبني على ما
استدلوا به على الحجية من الأدلة الاقناعية والوجوه التخريجية التي قد طال فيها
التشاجر إبراما ونقضا ، واما ما دلت عليه الآيات والروايات ـ كما أوضحناه في
المقدمات ـ فليس كذلك ، فإنه متى كان الدليل من الطرفين انما هو الاخبار والآيات
فالطعن بالضعف غير متجه وانما الواجب الترجيح بالمرجحات الخارجة كما هو القاعدة
المعروفة.
وبالجملة فالاحتياط في المسألة لما عرفت مما لا ينبغي
تركه ، وهو من بعد كمال الخمسين الى كمال الستين بان تعمل ما تعمله الطاهر في وقت
الدم وتقضي الصوم بعد ذلك ، هذا بالنسبة إلى العبادة ، واما بالنسبة إلى العدة
فتعتد بالأشهر إن طابقت الاطهار المحتملة بأن تقع الأطهار الثلاثة في ثلاثة أشهر
وإلا فأكثر الأمرين بمعنى انه إذا لم تحصل المطابقة المذكورة بأن تقع الأطهار
الثلاثة في أربعة أشهر أو شهرين ففي الأول تعتد بالأطهار وفي الثاني بالأشهر
الثلاثة لكونهما أكثر الأمرين ، ولا ينبغي لزوجها ان يراجعها في هذه العدة وان
يجري عليها النفقة فيها ونحو ذلك. والله العالم.
فوائد
(الأولى) ـ اعلم ان المراد بالقرشية هي المنتسبة الى
قريش وهو النضر بن كنانة جدهم ، وظاهر جملة من الأصحاب ان المراد الانتساب اليه
ولو بالأم وبعضهم جعله احتمالا من حيث ان للام مدخلا في ذلك بسبب تقارب الأمزجة ،
ومن ثم اعتبر نحو ذلك في المبتدأة كما سيأتي ان شاء الله تعالى من الرجوع الى
الخالات وبناتها ، إلا انه لا يخفى انه لا يعلم في مثل هذه الأزمان من هؤلاء سوى
الهاشميين فالأصل يقتضي عدم القرشية واستصحاب التكليف في غير الهاشمية بناء على
القول المشهور.
(الثانية) ـ قد اختلف في معنى النبط ، قال في المصباح
المنير : «النبط جيل من الناس كانوا ينزلون سواد العراق ثم استعمل في أخلاط الناس
وعوامهم ، والجمع أنباط مثل سبب وأسباب ، الواحد نباطي بزيادة الألف والنون تضم
وتفتح ، قال الليث ورجل نبطي ومنعه ابن الأعرابي» انتهى. وقيل انهم عرب استعجموا
أو عجم استعربوا. وقيل انهم قوم من العرب دخلوا في العجم والروم واختلطت أنسابهم
وفسدت ألسنتهم ، وذلك لمعرفتهم بإنباط الماء أي استخراجه لكثرة فلاحتهم ، ونقل في
الصحاح عن بعضهم ان أهل عمان عرب استنبطوا وأهل البحرين نبط استعربوا. وفي النهاية
الأثيرية «أنهم جيل معروف كانوا ينزلون بالبطائح بين العراقين. قال وفي حديث ابن
عباس نحن معاشر قريش من النبط من أهل كوثى ، قيل لأن إبراهيم الخليل (عليهالسلام) ولد بها وكان
النبط سكانها ، ومنه حديث عمرو بن معدي كرب سأله عمر عن سعد ابن ابي وقاص فقال
أعرابي في حبوته نبطي في جبوته ، أراد انه في جباية الخراج وعمارة الأرضين كالنبط
حذقا بها ومهارة فيها لأنهم كانوا سكان العراق وأربابها ، وفي حديث الشعبي ان رجلا
قال لآخر يا نبطي فقال لا حد عليه كلنا نبط يريد الجوار والدار دون الولادة»
انتهى. ومنه يستفاد سيما من هذه الاخبار التي نقلها ان النبط جيل من العرب يسكنون
العراق ، وكيف كان فهم
لا وجود لهم في أمثال هذه الأيام
وانما الغرض بيان الخلاف وتحقيق المقام.
(الثالثة) ـ قال المحقق الشيخ علي بعد اعترافه بان الحكم
في النبطية خال عن مستند قوي سوى الشهرة : «ويمكن ان يستأنس له بأن الأصل عدم
اليأس فيقتصر فيه على موضع الوفاق ، وفي بعض الأخبار الصحيحة عن الصادق (عليهالسلام) (1) «حد التي يئست
من الحيض خمسون سنة». وفي بعضها استثناء القرشية ، والأخذ بالاحتياط ـ في بقاء
الحكم بالعدة وتوابع الزوجية استصحابا لما كان لعدم القطع بالمنافي ـ أولى» وتنظر
فيه في الذخيرة قال : «لان التمسك بأن الأصل العدم والاستصحاب ضعيف عندي لا يصلح
لتأسيس الحكم الشرعي عليه وان اشتهر الاستناد اليه بين كثير من المتأخرين ، وتمام
تحقيقه في الأصول ، والاحتياط الذي ذكره معارض بمثله» انتهى.
أقول : لا يخفى ان التمسك بأصالة العدم والاستصحاب هنا
انما هو تمسك بعموم الدليل ، وهذا أحد معاني الأصل والاستصحاب كما تقدم في مقدمات
الكتاب ، وذلك فإن الأخبار دلت على ان الدم الذي تراه المرأة بعد بلوغ التسع
بالشروط المقررة ثمة حيض ودلت على أحكام تتعلق بكونه حيضا وعلى هذا اتفقت كلمة
الأصحاب ، واختلفت الاخبار وكذا كلمة الأصحاب في الحد الذي يرتفع به الحيض وترتفع
به تلك الأحكام ، فالمحقق المذكور ادعى العمل بعموم تلك الأدلة والاقتصار على موضع
الوفاق في النبطية إلى بلوغ الستين إذ لا خلاف بعد بلوغ الستين في حصول اليأس
وانقطاع تلك الأحكام ، هذا حاصل كلامه ، وليس الاستصحاب في كلامه عبارة عن
الاستصحاب المختلف في حجيته كما يوهمه ظاهر كلامه ، بل هذا من قبيل استصحاب عموم
الدليل أو إطلاقه الى ان يثبت الرافع ، وكذا الاستصحاب في قوله : «والأخذ
بالاحتياط في بقاء الحكم بالعدة وتوابع الزوجية استصحابا لما كان» فإنه أيضا من
قبيل الأول ، فإن الأدلة مطلقة أو عامة في وجوب العدة على المطلقة وأحكام الزوجية
من النفقة والكسوة والسكنى في العدة ونحو ذلك فيجب استصحابها الى ان
__________________
(1) المروي في الوسائل في الباب 31 من أبواب الحيض.
يثبت الرافع ، ومن هذا الباب في
الأحكام الفقهية ما لا يحصى ، كما إذا وقع الخلاف في صحة الطلاق مثلا أو البيع أو
نحو ذلك ، فإن للقائل أن يقول الأصل صحة النكاح الى ان يثبت المزيل والأصل بقاء
الملك الى ان يثبت الناقل ونحو ذلك ، وبالجملة فالظاهر ان مناقشته غير واضحة. نعم
يمكن المناقشة فيه بان هذا الأصل قد انتفى بما ورد من النصوص في هذه المسألة الدال
بعضها على التفصيل القاطع للشركة وبعضها على الإطلاق فلا يمكن العمل عليه ولا
استصحابه ، بل الواجب الرجوع الى الأخبار المذكورة والجمع بينها واستنباط الحكم
منها ، والاحتياط المذكور معارض بمثله فان الحكم بصحة الرجعة ولحوق أحكام الزوجية
مع وجود الدليل الدال على نفيها يوجب التهجم على الفروج والأموال بما لا يصلح سندا
، والاستصحاب المدعى قد انقطع بالدليل المذكور. والله العالم.
(المسألة السادسة) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في الحبلى هل تحيض أم لا؟ قيل بالأول وعليه الأكثر ، ومنهم الصدوق والمرتضى ، وقال
الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار : «ما تجده المرأة الحامل في أيام عادتها يحكم
بكونه حيضا وما تراه بعد عادتها بعشرين يوما فليس بحيض» وقال في الخلاف انه حيض
قبل ان يستبين الحمل لا بعده ونقل فيه الإجماع ، وقال المفيد وابن الجنيد لا يجتمع
حيض مع حمل ، وهو اختيار ابن إدريس ، وكلام الخلاف يرجع الى هذا القول.
والذي وقفت عليه من الاخبار في هذه المسألة ما رواه
الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن الصادق (عليهالسلام) (1) «انه سئل عن
الحلبي ترى الدم أتترك الصلاة؟
فقال : نعم ان الحبلى ربما قذفت بالدم».
وفي الصحيح عن صفوان (2) قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الحبلى
ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أيام تصلي؟ قال : تمسك عن الصلاة».
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) (3) قال : «سألته
عن الحبلى
__________________
(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب الحيض.
ترى الدم كما كانت ترى أيام حيضها
مستقيما في كل شهر؟ قال : تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها فإذا طهرت صلت».
وعن حريز عمن أخبره عن الباقر والصادق (عليهماالسلام) (1) «في الحبلى ترى
الدم؟ قالا : تدع الصلاة فإنه ربما بقي في الرحم الدم ولم يخرج وتلك الهراقة».
وعن ابي بصير في الموثق عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن الحبلى ترى الدم؟ قال : نعم انه ربما قذفت المرأة الدم وهي حبلى».
وعن سماعة (3) قال : «سألته عن امرأة رأت الدم في
الحبل؟ قال : تقعد أيامها التي كانت تحيض فإذا زاد الدم على الأيام التي كانت تقعد
استظهرت بثلاثة أيام ثم هي مستحاضة».
وما رواه الكليني في الحسن عن سليمان بن خالد (4) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) جعلت فداك الحبلى
ربما طمثت؟ فقال : نعم وذلك ان الولد في بطن امه غذاؤه الدم فربما كثر ففضل عنه
فإذا فضل دفقته فإذا دفقته حرمت عليها الصلاة». قال وفي رواية أخرى «إذا كان كذلك
تأخر الولادة».
وعن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح (5) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) عن الحبلى
ترى الدم وهي حامل كما كانت ترى قبل ذلك في كل شهر هل تترك الصلاة؟ قال تترك
الصلاة إذا دام».
وهذه الاخبار هي مستند القول المشهور وهي ظاهرة فيه تمام
الظهور.
ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن نعيم
الصحاف (6) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : ان أم ولدي
ترى الدم وهي حامل كيف تصنع بالصلاة؟ قال فقال لي : إذا رأت الحامل الدم بعد ما
يمضي عشرون يوما من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه فان
ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضأ
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب
الحيض.
ولتحتش بكرسف وتصل ، وإذا رأت الحامل
الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من
الحيضة فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها التي كانت تقعد في حيضها فان انقطع الدم عنها
قبل ذلك فلتغتسل ولتصل. الحديث». وبهذه الرواية احتج الشيخ (رحمهالله) في كتابي
الاخبار على ما قدمنا نقله عنه في النهاية وفي كتابي الاخبار.
ومنها ـ ما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) (1) قال : «قال
النبي (صلىاللهعليهوآله) : ما كان
الله تعالى ليجعل حيضا مع حبل يعني إذا رأت المرأة الدم وهي حامل لا تدع الصلاة
الا ان ترى على رأس الولد إذا ضربها الطلق ورأت الدم تركت الصلاة».
وعن حميد بن المثنى في الصحيح (2) قال : «سألت
أبا الحسن الأول (عليهالسلام) عن الحبلى
ترى الدفقة والدفقتين من الدم في الأيام وفي الشهر والشهرين؟فقال تلك الهراهة ليس
تمسك هذه عن الصلاة».
وبهاتين الروايتين استدل في المختلف لابن الجنيد ومن
تبعه ثم زاد في الاحتجاج قال : «ولانه زمن لا يصادفها الحيض فيه غالبا فلا يكون ما
رأته فيه حيضا كاليائسة ، ولانه يصح طلاقها مع رؤية الدم إجماعا ولا يصح طلاق الحائض
إجماعا فلا يكون الدم حيضا».
أقول وبالله التوفيق : اما ما نقل دليلا لقول المفيد
وابن الجنيد وابن إدريس من رواية السكوني فقد حملها أصحابنا على محامل أقربها عندي
الحمل على التقية ، فإن هذا القول قد نقله في المنتهى عن أكثر العامة وهو المشهور
بينهم (3) واما رواية
حميد بن
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب الحيض.
(3) في شرح الزرقانى على موطإ مالك ج 1 ص 118 «ذهب ابن المسيب
وابن شهاب ومالك في المشهور عنه والشافعي في الجديد وغيرهم الى ان الحامل تحيض ،
الى أن قال :
المثنى فلا دلالة فيها وان ما ذكر
فيها لم يستجمع شرائط الحيض. واما ما ذكره العلامة في المختلف من التعليلات فمع
قطع النظر عن انها لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية ، فإنه قد أجاب عن الأول بالفرق
بأن اليائسة لا يصح منها الحيض لارتفاعه منها بالكلية بخلاف الحامل التي يكون لحرارة
مزاجها وفور دم الحيض بحيث يفضل عن غذاء الصبي ما تقذفه المرأة من الرحم ، واما عن
الثاني ـ وبه استدل ابن إدريس حيث قال : «أجمعنا على بطلان طلاق الحائض مع الدخول
والحضور وعلى صحة طلاق الحامل مطلقا ولو كانت تحيض لحصل التناقض» ـ فأجاب بالمنع
عن كون الحائض لا يصح طلاقها ولهذا جوزنا طلاق الغائب مع الحيض. انتهى. وبالجملة
فهذا القول بمكان من الضعف لا يخفى لعدم الدليل الواضح. بقي الكلام فيما ذهب اليه
الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار فإن صحيحة الصحاف المذكورة ظاهرة فيه ، واما ما
أجاب به عنها في المنتهى ـ من ان الغالب ان المرأة إذا تجاوزت عادتها وقتها لا
يكون الدم حيضا ـ فالظاهر بعده والذي يقرب عندي هو حمل الأخبار المتقدمة على هذه
الصحيحة بأن يقال ان ما تجده الحبلى في أيام العادة كما كانت تراه قبل فإنه يجب
الحكم بكونه حيضا وما لم يكن كذلك فلا ، وفي بعض الاخبار المشار إليها إشارة الى
ذلك مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وصحيحة محمد ابن مسلم ، وبالجملة فأخبار
المسألة ما بين مطلق في ذلك ومقيد وان كان التقييد في بعضها أظهر من بعض ، والواجب
بمقتضى القاعدة المقررة حمل مطلقها على مقيدها ، وبه يظهر ان ما اشتهر بينهم من
القول بحيضها مطلقا ليس كذلك ، قال في المدارك ـ بعد نقل جملة
__________________
وذهب أبو حنيفة وأصحابه واحمد والثوري إلى انها لا تحيض» وفي
الميزان للشعرانى ج 1 ص 118 «اتفق أبو حنيفة واحمد على ان الحامل لا تحيض ومالك
والشافعي في أرجح قوليهما انها تحيض» وفي بدائع الصنائع في فقه الحنفية ج 1 ص 42
«دم الحامل ليس بحيض وان كان ممتدا عندنا ، وقال الشافعي هو حيض في حق ترك الصوم
والصلاة وحرمة القربان لا في حق أقراء العدة» وفي المغني لابن قدامة الحنبلي ج 1 ص
306 نفى الحيض عن الحامل.
من روايات القول المشهور ثم الاستدلال
للشيخ بصحيحة الصحاف ـ ما صورته : «وهي مع صحتها صريحة الدلالة في المدعى فيتجه
العمل بها وان كان الأول لا يخلو من قوة» انتهى وفيه من الإجمال والاشكال ما لا
يخفى ، فإنه لا يخفى ان اتجاه العمل بهذه الرواية لا يتم إلا بتقييد تلك الأخبار
بها ، وإلا للزم الترجيح من غير مرجح لصحة الأخبار التي قدمها بل الترجيح لتلك
الاخبار لكثرتها ، وكون الأول لا يخلو من قوة انما يتم مع طرح هذه الصحيحة الصريحة
باعترافه والا كان الواجب عليه بيان معنى لها تحمل عليه
بقي هنا شيء يجب التنبيه عليه وهو ان الأصحاب قد نقلوا
عن الصدوق القول بما هو المشهور من كون الحامل كالحائل في التحيض ، وعبارة الفقيه
لا تساعد على هذا الإطلاق حيث قال : «والحلبي إذا رأت الدم تركت الصلاة فإن الحبلى
ربما قذفت الدم وذلك إذا رأت الدم كثيرا احمر فان كان قليلا اصفر فلتصل وليس عليها
الا الوضوء» وظاهر هذه العبارة التحيض بخصوص ما كان بصفة دم الحيض والرجوع الى
التمييز ، ويدل على ذلك ايضا ظواهر جملة من الأخبار : منها ـ رواية محمد بن مسلم
عن أحدهما (عليهماالسلام) (1) قال : «سألته
عن المرأة الحبلى قد استبان حبلها ترى ما ترى الحائض من الدم؟ قال تلك الهراقة من
الدم ان كان دما احمر كثيرا فلا تصل وان كان قليلا اصفر فليس عليها الا الوضوء». والظاهر
ان عبارة الصدوق مأخوذة من هذه الرواية ، ومنها ـ
صحيحة أبي المغراء (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الحبلى قد
استبان ذلك منها ترى كما ترى الحائض من الدم؟ قال تلك الهراقة ان كان دما كثيرا
فلا تصلين وان كان قليلا فلتغتسل عند كل صلاتين». وموثقة إسحاق بن عمار (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المرأة
الحبلى ترى الدم اليوم واليومين؟ قال ان كان دما عبيطا فلا تصل ذينك اليومين وان
كانت صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين». والظاهر ان المراد بالكثرة والقلة في صحيحة أبي
المغراء ما هو عبارة عن
__________________
(1 و 2 و 3) المروية في الوسائل في الباب 30 من أبواب الحيض.
الثخانة والغلظة وقوة الدفع التي هي
من صفات دم الحيض وما قابلها الذي هو من صفات دم الاستحاضة. وفي الفقه الرضوي (1) قال (عليهالسلام): «والحامل
إذا رأت الدم في الحمل كما كانت تراه تركت الصلاة أيام الدم فإن رأت صفرة لم تدع
الصلاة». وهذه الاخبار كلها ظاهرة في اعتبار التمييز في دمها بأنه ان كان بصفة
الحيض تحيضت والا عملت عمل المستحاضة ، ولم أقف على من تنبه لهذا التفصيل من كلام
الصدوق ولا من هذه الاخبار مع ظهور الجميع في ذلك. وبالجملة فإن ظاهر الأصحاب
القائلين بتحيضها هو التحيض بما تراه لا سيما في أيام العادة مطلقا وعليه تدل
ظواهر الأخبار المتقدمة ، وهذه الاخبار صريحة في التفصيل كما ترى ، ووجه الجمع
بينها وبين الاخبار المتقدمة ممكن اما بحمل الأخبار الأولة على الدم في أيام
العادة وهذه على ما لم يكن كذلك ، واما بإبقاء الأدلة على إطلاقها وتقييدها بهذه
الاخبار وحينئذ فيعتبر التمييز فيها. والله العالم.
(المقصد الثاني) ـ في ما يترتب عليه بعد معلومية كونه
حيضا ، وذلك اما ان تكون مبتدأة أو ذات عادة أو مضطربة ، ويدل على هذا التقسيم مع
بعض أحكام كل من الأقسام الثلاثة رواية يونس الطويلة ، وانا اذكرها بطولها لعموم
نفعها وجودة محصولها ، وهي ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في التهذيب (2) عن يونس عن
غير واحد «سألوا أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الحيض
والسنة في وقته فقال (عليهالسلام) : ان رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) سن في الحيض
ثلاث سنن بين فيها كل مشكل لمن سمعها وفهمها حتى لم يدع لأحد مقالا فيه بالرأي ،
أما إحدى السنن فالحائض التي لها أيام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها ثم
استحاضت واستمر بها الدم وهي في ذلك تعرف أيامها ومبلغ عددها ، فإن امرأة يقال لها
فاطمة بنت ابى حبيش استحاضت فاتت أم سلمة فسألت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن ذلك فقال
تدع الصلاة قدر أقرائها أو قدر حيضها وقال انما هو عزف وأمرها ان تغتسل وتستثفر
بثوب وتصلي ، قال أبو عبد الله
__________________
(1 و 2) ص 21.
(عليهالسلام) : هذه سنة
النبي (صلىاللهعليهوآله) في التي تعرف
أيام أقرائها لم تختلط عليها ، ألا ترى انه لم يسألها كم يوم هي؟ ولم يقل إذا زادت
على كذا يوما فأنت مستحاضة وانما سن لها أياما معلومة ما كانت من قليل أو كثير بعد
ان تعرفها ، وكذلك أفتى ابى (عليهالسلام) وسئل عن
المستحاضة فقال : انما ذلك عزف عامر أو ركضة من الشيطان فلتدع الصلاة أيام أقرائها
ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة. قيل وان سال؟ قال : وان سال مثل المثعب ، قال أبو عبد
الله (عليهالسلام) : هذا تفسير
حديث رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وهو موافق له
، فهذه سنة التي تعرف أيام أقرائها لا وقت لها إلا أيامها قلت أو كثرت. واما سنة
التي قد كانت لها أيام متقدمة ثم اختلط عليها من طول الدم فزادت ونقصت حتى أغفلت
عددها وموضعها من الشهر فان سنتها غير ذلك ، وذلك ان فاطمة بنت ابى حبيش أتت النبي
(صلىاللهعليهوآله) فقالت إني
أستحاض فلا اطهر؟ فقال النبي : ليس ذلك بحيض انما هو عزف فإذا أقبلت الحيضة فدعي
الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي. وكانت تغتسل في كل صلاة وكانت تجلس في
مركن لأختها وكانت صفرة الدم تعلو الماء ، قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : أما تسمع
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أمر هذه بغير
ما أمر به تلك ، ألا تراه لم يقل لها دعي الصلاة أيام أقرائك ولكن قال لها إذا
أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي ، فهذا يبين ان هذه امرأة قد
اختلط عليها أيامها لم تعرف عددها ولا وقتها ، ألا تسمعها تقول إني أستحاض فلا
اطهر. وكان ابي (عليهالسلام) يقول انها
استحيضت بسبع سنين ، ففي أقل من هذا تكون الريبة والاختلاط فلهذا احتاجت الى ان
تعرف إقبال الدم من إدباره وتغير لونه من السواد الى غيره وذلك ان دم الحيض اسود
يعرف ، ولو كانت تعرف أيامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم لأن السنة في الحيض ان
تكون الصفرة والكدرة فما فوقها في أيام الحيض إذا عرفت حيضا كله ان كان الدم أسود
أو غير ذلك ، فهذا يبين لك ان قليل الدم وكثيره أيام الحيض حيض كله إذا كانت
الأيام معلومة ، فإذا جهلت الأيام
وعددها احتاجت الى النظر حينئذ إلى إقبال الدم وإدباره وتغير لونه ثم تدع الصلاة
على قدر ذلك ، ولا أرى النبي (صلىاللهعليهوآله) قال اجلسي
كذا وكذا يوما فما زادت فأنت مستحاضة كما لم يأمر الأولى بذلك وكذلك ابي (عليهالسلام) أفتى في مثل
هذا ، وذلك ان امرأة من أهلنا استحاضت فسألت ابي عن ذلك فقال : إذا رأيت الدم
البحراني فدعي الصلاة وإذا رأيت الطهر ولو ساعة من نهار فاغتسلي وصلي. قال أبو عبد
الله وارى جواب ابي ههنا غير جوابه في المستحاضة الأولى ، ألا ترى انه قال تدع
الصلاة أيام أقرائها لأنه نظر الى عدد الأيام وقال ههنا إذا رأت الدم البحراني
فلتدع الصلاة وأمرها ههنا ان تنظر الى الدم إذا اقبل وأدبر وتغير ، وقوله البحراني
شبه معنى قول النبي (صلىاللهعليهوآله) ان دم الحيض
اسود يعرف ، وانما سماه ابى بحرانيا لكثرته ولونه ، فهذه سنة النبي (صلىاللهعليهوآله) في التي
اختلط عليها أيامها حتى لا تعرفها وانما تعرفها بالدم ما كان من قليل الأيام
وكثيرها. قال : واما السنة الثالثة ففي التي ليس لها أيام متقدمة ولم تر الدم قط
ورأت أول ما أدركت واستمر بها فإن سنة هذه غير سنة الاولى والثانية ، وذلك ان
امرأة يقال لها حمنة بنت جحش أتت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقالت اني
استحضت حيضة شديدة فقال احتش كرسفا فقالت انه أشد من ذلك اني أثجه ثجا؟ فقال تلجمي
وتحيضي في كل شهر في علم الله تعالى ستة أيام أو سبعة ثم اغتسلي غسلا وصومي ثلاثة
وعشرين يوما أو أربعة وعشرين ، واغتسلي للفجر غسلا واخرى الظهر وعجلي العصر
واغتسلي غسلا واخرى المغرب وعجلي العشاء واغتسلي غسلا. قال أبو عبد الله (عليهالسلام) فأراه قد سن
في هذه غير ما سن في الاولى والثانية وذلك لان أمرها مخالف لأمر تينك ، ألا ترى ان
أيامها لو كانت أقل من سبع وكانت خمسا أو أقل من ذلك ما قال لها تحيضي سبعا فيكون
قد أمرها بترك الصلاة أياما وهي مستحاضة غير حائض ، وكذلك لو كان حيضها أكثر من
سبع وكانت أيامها عشرة أو أكثر لم يأمرها بالصلاة وهي حائض ، ثم مما يزيد هذا
بيانا قوله (صلىاللهعليهوآله) لها : «تحيضي»
وليس يكون التحيض
إلا للمرأة التي تريد ان تكلف ما تعمل
الحائض ، إلا تراه لم يقل لها أياما معلومة تحيضي أيام حيضك ، ومما يبين هذا قوله
لها : «في علم الله تعالى» لانه قد كان لها وان كانت الأشياء كلها في علم الله
وهذا بين واضح ان هذه لم يكن لها أيام قبل ذلك قط ، وهذه سنة التي استمر بها الدم
أول ما تراه أقصى وقتها سبع وأقصى طهرها ثلاث وعشرون حتى تصير لها أيام معلومة
فتنتقل إليها. فجميع حالات المستحاضة تدور على هذه السنن الثلاث لا تكاد ابدا تخلو
من واحدة منهن ، ان كانت لها أيام معلومة من قليل أو كثير فهي على أيامها وخلقها
الذي جرت عليه ليس فيه عدد معلوم موقت غير أيامها ، وان اختلطت الأيام عليها
وتقدمت وتأخرت وتغير عليها الدم ألوانا فسنتها إقبال الدم وإدباره وتغير حالاته
وان لم يكن لها أيام قبل ذلك واستحاضت أول ما رأت فوقتها سبع وطهرها ثلاث وعشرون
فان استمر بها الدم أشهرا فعلت في كل شهر كما قال لها ، فان انقطع الدم في أقل من
سبع أو أكثر من سبع فإنها تغتسل ساعة ترى الطهر وتصلي فلا تزال كذلك حتى تنظر ما
يكون في الشهر الثاني ، فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأول سواء حتى توالى عليها
حيضتان أو ثلاث فقد علم الآن ان ذلك قد صار لها وقتا وخلقا معروفا تعمل عليه وتدع ما
سواه وتكون سنتها فيما يستقبل ان استحاضت قد صارت سنة الى ان تجلس أقراءها وانما
جعل الوقت ان توالى عليها حيضتان أو ثلاث لقول رسول الله (صلىاللهعليهوآله) للتي تعرف
أيامها : «دعي الصلاة أيام أقرائك» فعلمنا انه لم يجعل القرء الواحد سنة لها فيقول
دعي الصلاة أيام قرءك ولكن سن لها الأقراء وأدناه حيضتان فصاعدا ، وان اختلط عليها
أيامها وزادت ونقصت حتى لا تقف منها على حد ولا من الدم على لون عملت بإقبال الدم
وإدباره وليس لها سنة غير هذا لقول رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : «إذا أقبلت
الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي» ولقوله : «ان دم الحيض اسود يعرف» كقول
أبي «إذا رأيت الدم البحراني» فان لم يكن الأمر كذلك ولكن الدم أطبق عليها فلم تزل
الاستحاضة دارة وكان الدم على لون واحد
وحالة واحدة فسنتها السبع والثلاث
والعشرون لأن قصتها كقصة حمنة حين قالت : إني أثجه ثجا».
أقول : ويستفاد من هذه الرواية أحكام عديدة يطول الكلام
بنقلها الا ان (منها) ـ ان سنة المضطربة التحيض بما كان بصفة دم الحيض مطلقا وانه
لا تقييد بما قيدوه به من الشروط الآتية ، وهذا ايضا هو المفهوم من إطلاق موثقة
إسحاق بن جرير وكذا إطلاق حسنة حفص بن البختري المتقدمتين في المسألة الاولى من
المقصد الأول (1) فإن موردهما
وكذا مورد هذا الخبر هو الدم المستمر ، وقد أمر (عليهالسلام) في كل من
الاخبار الثلاثة بالتحيض بما كان بصفة دم الحيض قليلا كان أو كثيرا فيمكن ان يخص
هذا الحكم بهذا الموضع ، ويؤيد ذلك موثقة يونس بن يعقوب وموثقة أبي بصير
المتقدمتان في المسألة الرابعة (2) وتحمل الأخبار الدالة على ان أقل
الحيض ثلاثة وأكثره عشرة على غير هذا الموضع ، ويشير الى ذلك ايضا انه في آخر هذه
الرواية جعل العدول الى التحيض بالسبعة للمضطربة تفريعا على كون الدم على لون واحد
وحالة واحدة يعني لم يحصل فيه اختلاف بالكلية ، ومفهومه انه مع الاختلاف كيف كان
تتحيض به ، والأصحاب قد حكموا عليها بالرجوع الى الروايات وان اختلف الدم إذا فقدت
الشرائط المعتبرة عندهم وهو خلاف ظاهر الخبر كما ترى. و (منها) ـ ان ظاهر الخبر
انه مع عدم التمييز بان يكون دمها لونا واحدا فإنه يجب عليها التحيض بسبعة أيام لا
غير ، والأصحاب قد أوجبوا عليها الرجوع الى الروايات التي هي موثقة سماعة وموثقتا
ابن بكير الآتيات (3) بأي عدد كان
من ايها ، ومورد الروايات المذكورة انما هو المبتدأة كما سيأتي بيانه ان شاء الله
تعالى وليس في شيء من الاخبار ما يدل على رجوع المضطربة إلى الأيام بعد فقد
التمييز الا هذه الرواية الدالة على السبع كما عرفت. و (منها) ـ ان حكم المبتدأة
الرجوع من أول الأمر إلى الأيام كما في موثقتي ابن بكير الآتيتين (4) ان شاء الله
تعالى ، الا ان موثقة
__________________
(1) ص 151.
(2) ص 166.
(3 و 4) ص 188 وص 189.
سماعة دلت على رجوعها أولا إلى نسائها
ثم مع تعذر ذلك الى الأيام وحينئذ يقيد بها إطلاق ما عداها ، والأصحاب قد ذكروا
أولا رجوعها الى التمييز ثم مع فقده الى الروايات والروايات الدالة على التمييز
كما تحتمل تقييد روايات المبتدأة بها كذلك تحتمل العكس وقصر التمييز على المضطربة
كما هو ظاهر هذا الخبر ورواية إسحاق بن جرير المشار إليها آنفا إذا عرفت ذلك فاعلم
ان الكلام في هذا المقصد يستدعي بسطه في مطالب ثلاثة
(الأول) ـ في المبتدأة بكسر الدال أو فتحها اسم فاعل أو
اسم مفعول وهي التي ابتدأت الحيض أو ابتدأها الحيض ، وفسرها المحقق في المعتبر
بأنها التي رأت الدم أول مرة ، وربما قيل بأنها من لم تستقر لها عادة والظاهر ضعفه
، والذي دلت عليه الاخبار انما هو الأول كما عرفت من رواية يونس المذكورة ، ومثلها
ما سيأتي ان شاء الله تعالى في المقام من موثقتي سماعة وابن بكير. والبحث في هذا
المطلب يقع في مقامين
(الأول) ـ هل تتحيض المبتدأة بمجرد رؤية الدم أو بعد مضي
ثلاثة أيام تستظهر فيها بالعبادة؟ قولان : أولهما للشيخ والعلامة في المنتهى
والمختلف وغيرهما ، وثانيهما للمرتضى وابن الجنيد وابي الصلاح وابن إدريس والمحقق
والعلامة في بعض كتبه ، وفي المدارك ان موضع الخلاف ما إذا كان الدم المرئي بصفة
الحيض كما صرح به في المختلف وغيره. وفيه ان ما نقله عن العلامة وغيره ليس كذلك بل
ظاهر كلام الجميع هو عموم مجل الخلاف لا تخصيصه بما ذكر ، قال في المختلف «قال
الشيخ : المبتدأة تترك الصلاة والصوم إذا رأت الدم يوما أو يومين كذات العادة وقال
المرتضى : لا تترك الصلاة والصوم حتى يمضي لها ثلاثة أيام وهو اختيار ابي الصلاح
وابن إدريس ، والوجه عندي الأول وهو الذي اخترناه في كتاب منتهى المطلب ، واخترنا
في التحرير الثاني» انتهى. وهو ظاهر ـ كما ترى ـ في العموم ، ويؤكده ما يشير اليه
كلام الشيخ حيث شبه المبتدأة هنا بذات العادة التي لا خلاف في تحيضها بمجرد رؤية
الدم أعم من ان يكون بصفة دم الحيض أم لا ، نعم ان العلامة قد استدل
على ما اختاره من التحيض برؤية الدم
ببعض اخبار التمييز ، ومجرد هذا الاستدلال لا يوجب تخصيص محل الخلاف ولهذا اعترضه
في الذكرى بان الدليل أخص من المدعى. وقال في الروض : «واعلم انه مع رؤية المعتادة
الدم قبل العادة كما هو المفروض هنا هل تترك العبادة بمجرد رؤيته أم يجب الصبر الى
مضى ثلاثة أو الى وصول العادة؟ يبنى على إيجاب الاحتياط بالثلاثة على المبتدأة
والمضطربة وعدمه ، فان لم نوجبه عليهما كما هو اختيار المصنف في المختلف لم يجب
عليها بطريق اولى ، وان أوجبناه كما اختاره المرتضى وابن الجنيد والمحقق في
المعتبر احتمل إلحاقها بهما. الى آخره» ولا أراك في شك من ظهور العبارة المذكورة
في العموم غاية الظهور ، ونحو ذلك كلام المعتبر والذكرى الا ان المحقق رجح مذهب
السيد والشهيد رجح مذهب الشيخ ، واما في الدروس والبيان فرجح مذهب المرتضى على
تفصيل في الثاني منهما ، فقال فيه : «وفي المبتدأة قولان أقواهما قول المرتضى بمضي
ثلاثة أيام بالنسبة إلى الأفعال واما التروك فالأحوط تعلقها برؤية الدم المحتمل»
انتهى. والظاهر انه أشار بالمحتمل الى ما كان بصفة الحيض وحينئذ يصير هذا قولا
ثالثا في المسألة ، وإذا أضيف الى ذلك ما اختاره في المدارك من التحيض بما إذا كان
بصفة دم الحيض صار قولا رابعا أيضا.
أقول : والظاهر عندي من هذه الأقوال هو مذهب الشيخ ،
وعليه تدل من الاخبار موثقة سماعة (1) قال : «سألته عن الجارية البكر أول
ما تحيض تقعد في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة أيام يختلف عليها لا يكون طمثها في
الشهر عدة أيام سواء؟ قال فلها ان تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز
العشرة فإذا اتفق شهران عدة أيام سواء فتلك أيامها». ولا يخفى ظهور دلالتها في
المراد على وجه لا يتطرق إليه الإيراد.
وموثقة ابن بكير عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «المرأة
إذا رأت الدم
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب الحيض.
(2) المروية في الوسائل في الباب 8 من أبواب الحيض.
في أول حيضها فاستمر الدم تركت الصلاة
عشرة أيام. الحديث».
وموثقته الأخرى (1) قال : «في الجارية أول ما تحيض يدفع
عليها الدم فتكون مستحاضة إنها تنتظر بالصلاة فلا تصلي حتى يمضي أكثر ما يكون من
الحيض ، فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيام فعلت ما تفعل المستحاضة.».
والمناقشة في ذلك ـ بأنه لا يصدق أول حيضها كما في
الاولى وأول ما تحيض كما في الثانية إلا بعد ثلاثة أيام ، إذ بذلك يعلم كونه حيضا
كما ذكره في الذخيرة ـ مردودة بأن باب المجاز واسع وإطلاق الحيض على أول الدم انما
هو باعتبار ما يؤول اليه ، والرواية الثانية ظاهرة فيما ذكرناه تمام الظهور ، فان
قوله فيها : «انها تنتظر بالصلاة فلا تصلي حتى يمضي أكثر ما يكون من الحيض فإذا
مضى ذلك وهو عشرة أيام فعلت ما تفعل المستحاضة» ظاهر في كون مبدإ العشرة التي تركت
الصلاة فيها هو أول الدم كما لا يخفى.
ويؤيد هذه الاخبار ايضا إطلاق جملة من الروايات كصحيحة
منصور بن حازم عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «اي
ساعة رأت الدم فهي تفطر الصائمة.».
وموثقة محمد بن مسلم عن الباقر (عليهالسلام) (3) وقد سأله عن
المرأة التي ترى الدم غدوة أو ارتفاع النهار أو عند الزوال قال : «تفطر.».
وموثقة ثانية له ايضا عن الباقر (عليهالسلام) (4) «في المرأة
تطهر في أول النهار في رمضان ، الى ان قال وفي المرأة ترى الدم من أول النهار في
شهر رمضان أتفطر أم تصوم؟ قال تفطر انما فطرها من الدم».
ورواية أبي الورد (5) قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن المرأة
التي تكون في صلاة الظهر وقد صلت ركعتين ثم ترى الدم؟ قال تقوم من مسجدها ولا
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 8 من أبواب الحيض.
(2 و 3 و 4) المروية في الوسائل في الباب 50 من أبواب الحيض.
(5) المروية في الوسائل في الباب 48 من أبواب الحيض.
تقضي الركعتين. الحديث». ونحو ذلك
موثقة عمار (1) وموثقة الفضل
بن يونس (2)
وفي المعتبر قد نقل بعض هذه الاخبار حجة للشيخ ثم أجاب
عنها بان الحكم بالإفطار عند رؤية الدم غير مراد فينصرف الى المعهود وهو دم الحيض
ولا يحكم بكونه حيضا إلا إذا كان في العادة فيحمل على ذلك. وفيه ان دعوى المعهودية
ممنوعة والاخبار بعمومها أو إطلاقها شاملة لموضع النزاع ، ولو فرض خروج بعض
الأفراد فإنها تبقى حجة في الباقي ، على انه يمكن ان يقال ان كون الدم حيضا اما ان
يكتفى فيه بصلاحيته لان يكون حيضا أو يعتبر فيه وجود ما يعلم به كونه حيضا ، وعلى
الثاني يلزم ان ما تراه ذات العادة من أول الدم لا يتحقق كونه حيضا لجواز ان ينقطع
قبل الثلاثة ، مع انه قائل بوجوب تحيضها به وليس الا للصلاحية المذكورة وهي مشتركة
بين ذات العادة وما نحن فيه.
هذا. وما ذكره الأصحاب من الاحتياط بالثلاثة في أول
الحيض لم أقف له على دليل من الأخبار في شيء من أقسام الحائض بالكلية معتادة كانت
أم مبتدأة أم مضطربة وانما الموجود الاستظهار في آخر الدم كما سيأتي بيانه ان شاء
الله تعالى ، وغاية ما استدل به في المعتبر على هذا القول الذي اختاره ان مقتضى
الدليل لزوم العبادة حتى يتيقن المسقط ولا يتيقن قبل استمراره ثلاثة. وفيه ان
المسقط الأخبار التي قدمناها لدلالتها على التحيض بمجرد رؤية الدم خصوصا وعموما ،
ثم مع قطع النظر عن الاخبار المذكورة فدعوى التيقن ممنوعة بل يكفي الظهور والظن
والا لم يتم الحكم بوجوب التحيض بمجرد الرؤية لذات العادة لجواز انقطاعه قبل بلوغ
الثلاثة كما ذكرنا ، بل لا يتم الحكم بكون الثلاثة بعد كمالها حيضا يقينا لجواز ان
يكون الحيض انما هو ما بعدها ، ثم قال موردا على نفسه ومجيبا : «ولو قيل لو لزم ما
ذكرته قبل الثلاثة لزم بعدها لجواز ان ترى ما هو أسود
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 50 من أبواب الحيض.
(2) المروية في الوسائل في الباب 48 و 49 من أبواب الحيض.
ويتجاوز فيكون هو حيضها لا الثلاثة.
قلنا الفرق ان اليوم واليومين ليس حيضا حتى يستكمل ثلاثة والأصل عدم التتمة حتى
يتحقق ، واما إذا استمر ثلاثا فقد كمل ما يصلح ان يكون حيضا ولا يبطل هذا الا مع
التجاوز والأصل عدمه ما لم يتحقق» انتهى. واعترضه في المدارك بأن أصالة العدم لا
تكفي في حصول اليقين الذي قد اعتبره سابقا.
أقول : وتوضيح جوابه في بيان الفرق المذكور ان الدم في
اليوم واليومين وان صلح لان يكون حيضا الا ان الأصل عدم بلوغ الثلاثة لجواز
انقطاعه قبلها فلا يكون حيضا حتى تتم الثلاثة ويتحقق الحيض ، واما إذا كملت
الثلاثة فقد كمل ما يصلح ان يكون حيضا ولا يبطل هذا الحكم الا مع تجاوزه عنه الى
الدم الذي بعد الثلاثة والأصل عدمه. ووجه ما أورده عليه في المدارك انه قد حكم
سابقا بوجوب العبادة حتى يتيقن المسقط وما التجأ إليه هنا من ان الأصل عدم سقوط
هذا الحكم عن الثلاثة لا يوجب التيقن بوجود المسقط ، لأن أصالة العدم لا تفيد يقين
العدم فيبقى وجوب التكليف بالعبادة في الثلاثة ثابتا حتى يتحقق المسقط ، إذ غاية
ما يفيده الأصل المذكور رجحان العدم وظنه لا يقينه. وبالجملة فباب المناقشات في
التعليلات العقلية واسع ومن ثم ذكرنا في غير موضع انها لا تصلح لتأسيس الأحكام
الشرعية.
(المقام الثاني) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في أن
المبتدأة إذا انقطع دمها لدون العشرة وكذا المعتادة إذا انقطع دمها على العادة
فعليها الاستبراء بالقطنة فإن خرجت نقية اغتسلت وان خرجت ملطخة صبرت حتى تنقى أو
تمضي لها عشرة أيام.
اما الحكم الأول وهو وجوب الاستبراء فيدل عليه جملة من
الاخبار :
منها ـ صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
أرادت الحائض ان تغتسل فلتستدخل قطنة فان خرج فيها شيء من الدم فلا تغتسل وان لم
تر شيئا فلتغتسل وان رأت بعد ذلك صفرة فلتتوضأ ولتصل».
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 17 من أبواب الحيض.
ورواية يونس عمن حدثه عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سئل عن
امرأة انقطع عنها الدم فلا تدري أطهرت أم لا؟ قال تقوم قائما وتلزق بطنها بحائط
وتستدخل قطنة بيضاء وترفع رجلها اليمنى فان خرج على القطنة مثل رأس الذباب دم عبيط
لم تطهر وان لم يخرج فقد طهرت تغتسل وتصلي».
وموثقة سماعة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «قلت له
المرأة ترى الطهر وترى الصفرة أو الشيء فلا تدري طهرت أم لا؟ قال : فإذا كان كذلك
فلتقم فلتلصق بطنها إلى حائط وترفع رجلها على حائط كما رأيت الكلب يصنع إذا أراد
ان يبول ثم تستدخل الكرسف فإذا كان ثمة من الدم مثل رأس الذباب خرج ، فان خرج دم
فلم تطهر وان لم يخرج فقد طهرت».
ورواية شرحبيل الكندي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «قلت له
كيف تعرف الطامث طهرها؟ قال تعمد برجلها اليسرى على الحائط وتستدخل الكرسف بيدها
اليمنى فان كان ثم مثل رأس الذباب خرج على الكرسف».
وفي الفقه الرضوي (4) «وإذا رأت
الصفرة أو شيئا من الدم فعليها ان تلصق بطنها بالحائط وترفع رجلها اليسرى كما ترى
الكلب إذا بال وتدخل قطنة فان خرج فيها دم فهي حائض وان لم يخرج فليست بحائض». وهذه
العبارة مع ما بعدها نقلها الصدوق في الفقيه من رسالة أبيه اليه.
وهل يكفي وضع القطنة كيف اتفق عملا بإطلاق صحيحة محمد بن
مسلم وحملا للروايات المذكورة بعدها على الاستحباب ، أو يجب الرفع على الكيفية
التي تضمنتها هذه الاخبار ويحمل إطلاق صحيحة محمد بن مسلم عليها؟ وجهان اختار
أولهما في المدارك والذخيرة ، والظاهر الثاني كما يدل عليه لفظة «عليها» في عبارة
الفقه الرضوي ، والظاهر فتوى الصدوقين بذلك ، ويؤيده أنه الأحوط. بقي ان رواية
يونس دلت على الأمر
__________________
(1 و 2 و 3) المروية في الوسائل في الباب 17 من أبواب الحيض.
(4) ص 22.
برفع الرجل اليمنى ورواية شرحبيل وكذا
عبارة صاحب الفقه على الرجل اليسرى والظاهر حصوله بأيهما اتفق.
واما ما يدل على الثاني وهو الصبر حتى تنقى أو تمضي عشرة
أيام زيادة على الإجماع المدعى في المقام فقوله (عليهالسلام) في موثقة
سماعة المتقدمة (1) : «فلها ان
تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة.». ونحوها في الدلالة على
الانتهاء إلى العشرة ـ موثقتا ابن بكير (2).
ولو استمر دمها بعد العشرة فقد امتزج حيضها بطهرها ،
والمذكور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) انها ترجع الى التمييز واعتبار الدم
فما شابه الحيض تجعله حيضا وما شابه دم الاستحاضة تجعله طهرا بشرط ان يكون دم
الحيض لا ينقص عن ثلاثة أيام ولا يزيد على عشرة ، فان لم يحصل لها شرائط التمييز
رجعت الى عادة نسائها إن اتفقن. وقيل أو عادة ذوي أسنانها من بلدها ، فان اختلفن
رجعت الى الروايات الآتية وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع
(الأول) ـ في حكمهم (رضوان الله عليهم) مع الاستمرار
بأنها ترجع الى التمييز بالشروط المتقدمة. وهذا مجمع عليه بينهم كما يظهر من
المعتبر والمنتهى حيث أسنداه إلى علمائنا مؤذنين بدعوى الإجماع عليه ، واستدلوا
عليه بالروايات المشتملة على أوصاف الحيض وقد تقدمت في المسألة الاولى من المقصد
الأول (3) واشترطوا في
العمل بالتمييز أمورا : (أحدها) ـ ان لا يقصر ما شابه دم الحيض عن أقله ولا يتجاوز
أكثره. و (ثانيها) ـ توالي الثلاثة بناء على المشهور من اشتراط التوالي فيها كما
تقدم. و (ثالثها) ـ بلوغ الضعيف مع أيام النقاء أقل الطهر ، وقيل هنا بالعدم
للعموم ، قال في المدارك : «وضعفه ظاهر» ثم ان المشابهة تحصل باللون فالأسود قوي
الأحمر وهو قوي الأشقر وهو قوي الأصفر ، والقوام فالثخين قوى الرقيق ، والرائحة
فالنتن قوي بالنسبة إلى غيره ، ومتى اجتمع في دم خصلة وفي آخر اثنتان فهو
__________________
(1) ص 188.
(2) ص 188 و 189.
(3) ص 151.
أقوى ، ولو استوى العدد كما لو كان في
أحدهما الثخانة وفي الأخر الرائحة فلا تمييز ، هذا ملخص كلامهم هنا.
وعندي فيه اشكال من وجوه : (الأول) ـ ان الذي وقفت عليه
من الاخبار المتعلقة بالمبتدأة وبيان ما يجب عليها مع استمرار الدم لم يشتمل شيء
منه على ما يدل على الأخذ بصفات الدم والتمييز فيه بالكلية فضلا عن اعتبار الشروط
المتفرعة عليه ، وانما دلت على الأخذ بالأيام ، ومنها رواية يونس المتقدمة (1) فإنها قد دلت
على ذلك على أبلغ وجه حيث صرح فيها بذلك مع ما في صدرها من «انه سن في الحيض ثلاث
سنن بين فيها كل مشكل لمن سمعها وفهمها حتى لم يدع لأحد مقالا فيه بالرأي» وجعل
التمييز سنة المضطربة خاصة وسنة المبتدأة انما هو الرجوع الى الأيام وكرر ذلك في
الرواية ، ومثلها ـ وان لم يكن بهذا التأكيد ـ موثقة ابن بكير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) «المرأة إذا
رأت الدم في أول حيضها فاستمر تركت الصلاة عشرة أيام ثم تصلي عشرين يوما فان استمر
بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام وصلت سبعة وعشرين يوما». قال الحسن :
وقال ابن بكير : وهذا مما لا يجدون منه بدا. وما رواه الشيخ في الموثق عن ابن بكير
ايضا (3) قال : «في
الجارية أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة إنها تنتظر بالصلاة فلا تصلي
حتى يمضي أكثر ما يكون من الحيض ، فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيام فعلت ما تفعله
المستحاضة ثم صلت فمكثت تصلي بقية شهرها ، ثم تترك الصلاة في المرة الثانية أقل ما
تترك امرأة الصلاة وتجلس أقل ما يكون من الطمث وهو ثلاثة أيام ، فإن دام عليها
الحيض صلت في وقت الصلاة التي صلت وجعلت وقت طهرها أكثر ما يكون من الطهر وتركها
الصلاة أقل ما يكون من الحيض».
وموثقة سماعة (4) قال : «سألته عن جارية حاضت أول
حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف أيام أقرائها؟ قال أقراؤها مثل أقراء
نسائها فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام وأقله ثلاثة أيام». وهي ـ كما
ترى ـ ظاهرة فيما قلناه ، فلو كان الرجوع
__________________
(1) ص 182.
(2 و 3 و 4) المروية في الوسائل في الباب 8 من أبواب الحيض.
الى التمييز فيها واجبا كما ذكروه
لذكر ولو في بعضها لان المقام فيها مقام البيان ، وبالجملة فإني لا اعرف لهم
مستندا في الحكم المذكور سوى ما يدعونه من الإجماع ، وكأنهم خصصوا هذه الاخبار
بروايات التمييز لأنها أظهر في الحكم بالتحيض متى حصلت شرائط التمييز ، الا ان فيه
(أولا) ـ ما قدمنا ذكره ذيل رواية يونس من انه يمكن العكس وهو تخصيص روايات
التمييز بهذه الاخبار. و (ثانيا) ـ ان هذا التخصيص في رواية يونس بعيد ، حيث جعل
التمييز فيها سنة المضطربة خاصة وانها بعد اختلال شرائط التمييز ترجع إلى الأيام ،
فلو كانت المبتدأة كذلك لشركها معها في الحكم المذكور.
(الثاني) ـ ان ما اشترطوه هنا من انه لا يقصر ما شابه دم
الحيض عن أقله وهو الثلاثة ولا يتجاوز أكثره لا تساعده الروايات الواردة في هذه
المسألة ، فإنها مطلقة في التحيض بما شابه دم الحيض قليلا كان أو كثيرا كما أشرنا
إليه آنفا ذيل رواية يونس.
(الثالث) ـ ان ما اشترطوه من بلوغ الضعيف مع أيام النقاء
أقل الطهر لا دليل عليه هنا بل ظاهر الاخبار يرده ، ومنها ـ موثقة أبي بصير (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المرأة
ترى الدم خمسة أيام والطهر خمسة أيام وترى الدم أربعة أيام وترى الطهر ستة أيام؟
فقال : ان رأت الدم لم تصل وان رأت الطهر صلت ما بينها وبين ثلاثين يوما ، فإذا
تمت ثلاثون يوما فرأت دما صبيبا اغتسلت واستثفرت واحتشت بالكرسف في وقت كل صلاة
فإذا رأت صفرة توضأت». وموثقة يونس بن يعقوب (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) المرأة ترى
الدم ثلاثة أيام أو أربعة؟ قال تدع الصلاة. قلت فإنها ترى الطهر ثلاثة أيام أو
أربعة؟ قال تصلي. قلت : فإنها ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة؟ قال تدع الصلاة. قلت
فإنها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة؟ قال تصلي قلت فإنها ترى الدم ثلاثة أيام أو
أربعة؟ قال تدع الصلاة تصنع ما بينها وبين شهر فان انقطع عنها الدم والا فهي
بمنزلة المستحاضة». وحملها في الاستبصار على مضطربة اختلط حيضها
__________________
(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 6 من أبواب الحيض.
أو مستحاضة استمر بها الدم واشتبهت
عادتها قال : «ففرضها ان تجعل ما يشبه دم الحيض حيضا والآخر طهرا صفرة كانت أو
نقاء ليتبين حالها» وفيه ـ كما ترى ـ دلالة ظاهرة على انه لا يشترط في مقام
استمرار الدم كون الدم الضعيف أقل الطهر وهو العشرة ، ونحوه ما ذكره في المبسوط
حيث صرح بأنه إن اختلط عليها أيامها فلا تستقر على وجه واحد تركت العبادة كلما رأت
الدم وصلت كلما رأت الطهر الى ان تستقر عادتها ، وهو جار على ظاهر الخبرين
المذكورين ، وبنحو ذلك صرح في الفقيه ايضا فقال : «وإذا رأت الدم خمسة أيام والطهر
خمسة أيام أو رأت الدم أربعة أيام والطهر ستة أيام فإذا رأت الدم لم تصل وإذا رأت
الطهر صلت ، تفعل ذلك ما بينها وبين ثلاثين يوما. الى آخره» وكذا الشيخ في النهاية
، وبالجملة فظاهر أكثر من تعرض لهذه المسألة هو القول بمضمون الخبرين وان اختلفوا
في تنزيلهما على المبتدأة أو ذات العادة التي اضطربت عادتها ، وقال المحقق بعد نقل
تأويل كلام الشيخ : «وهذا تأويل لا بأس به ، ولا يقال : الطهر لا يكون أقل من عشرة
، لأنا نقول : هذا حق لكن ليس هذا طهرا على اليقين ولا حيضا بل دم مشتبه تعمل فيه
بالاحتياط» وفيه ما قدمنا ذكره في مسألة اشتراط توالي الأيام الثلاثة التي هي أقل
الحيض وعدمه من ان اشتراط كون أقل الطهر عشرة على إطلاقه ممنوع ، ومما ذكرنا يعلم
ان اشتراط هذا الشرط هنا لا وجه له وان الأظهر هو القول الآخر للعموم كما عرفت.
وظاهر الذكرى يميل الى ذلك حيث قال بعد نقل خبر يونس المذكور وتأويل الشيخ له بما
ذكرناه : «وهو تصريح بعدم اشتراط كون الضعيف أقل الطهر» واما في البيان والدروس
فلم يذكر هذا الشرط في شروط التمييز بالكلية وهو مؤذن بعدم اشتراطه ، والى ما
ذكرنا ايضا يميل كلام الذخيرة ، وهو الأظهر كما عرفت.
(الرابع) ـ انهم ذكروا تفريعا على الخلاف في اشتراط هذا
الشرط انها لو رأت خمسة أسود ثم أربعة اصفر ثم عاد الأسود عشرة فعلى الأول لا
تمييز لها وعلى الثاني حيضها خمسة ، كذا صرح في المدارك ومثله الشهيد في الذكرى
تفريعا على الخلاف
المذكور ، حيث قال : «فلو رأت خمسة
أسود ثم تسعة اصفر وعاد الأسود ثلاثة فصاعدا فعلى الأول لا تمييز لها وهو ظاهر
المعتبر وعلى الثاني حيضها خمسة» ثم نقل عن ظاهر المبسوط تخصيص الحيض بالدم العائد
بعد الدم الأصفر ان لم يتجاوز العشرة قال : «لأن الصفرة لما خرجت عن الحيض خرج ما
قبلها» انتهى. أقول : وعبارة المبسوط على ما في الذخيرة هكذا : «فإن رأت ثلاثة
أيام مثلا دم الحيض ثم رأت ثلاثة أيام دم الاستحاضة ثم رأت إلى تمام العشرة دم
الحيض ، الى ان قال : وان جاوز العشرة الأيام ما هو بصفة الحيض فبلغ ستة عشر يوما
كانت العشرة الأيام كلها حيضا وقضت الصوم والصلاة في الستة الأولى» انتهى. أقول :
ان كلامهم في هذا المقام لا يخلو عندي من الإشكال ، فإن تخصيص الحيض بالدم المتقدم
كما هو ظاهر عبارتي المدارك والذكرى أو المتأخر كما هو ظاهر عبارة المبسوط لا اعرف
له وجها ، إذ لا يخفى ان قضية الرجوع الى التمييز مع إلغاء هذا الشرط كما هو
المفروض هو التحيض بالدم المتقدم والمتأخر في الأمثلة المذكورة في كلامهم ، لأنهم
قرروا في التمييز مع اختلاط الدم هو انه متى رأت المرأة الدم بصفة الحيض ولم ينقص
عن ثلاثة أيام ولم يزد على العشرة فإنها تتحيض به والدم الأخر المخالف له تتعبد
فيه وان كان أقل من عشرة بناء على إلغاء هذا الشرط ، ومما يعضد ذلك موثقتا ابى
بصير ويونس بن يعقوب المتقدمتان ، وبذلك اعترف أيضا في الذكرى حيث قال بعد نقل خبر
يونس وعبارة المبسوط على أثره : «وهو مطابق لظاهر الخبر» ومراده المطابقة له في
عدم اعتبار مضي الأقل بين الدمين اللذين هما بصفة دم الحيض ، وكل هذا ظاهر في
التحيض بما كان بصفة دم الحيض متقدما ومتأخرا كما ذكرناه والتعبد فيما خالف ذلك
الدم في صفاته.
(الموضع الثاني) ـ في الحكم بالرجوع إلى نسائها ثم ذوي
أقرانها ، والمراد بنسائها على ما صرحوا به هم الأقارب من الأبوين أو أحدهما ، قيل
ولا تعتبر العصبة هنا لأن المعتبر الطبيعة وهي جارية من الطرفين ، صرح بذلك جملة
من الأصحاب ،
واعترضهم بعض مشايخنا المحدثين من
متأخري المتأخرين قال : «أقول : في إخراج العصبة نظر لصدق إطلاق نسائها عليها عرفا»
أقول : الظاهر ان مرادهم من هذه العبارة انما هو نفي تخصيص العصبة كما صرح به في
الذكرى فقال : «ولا اختصاص للعصبة هنا لان المعتبر الطبيعة وهي جارية من الطرفين»
لا إخراج العصبة بالكلية كما توهمه ، وقد صرحوا بان المراد الأقارب من الأبوين أو
أحدهما.
والحكم بالرجوع إلى نسائها بعد فقد التمييز مما لا خلاف
فيه عندهم ، وعزاه في المعتبر إلى الخمسة واتباعهم ، واحتج عليه بان الحيض يعمل
فيه بالعادة وبالأمارة كما يرجع الى صفات الدم ومع اتفاقهن يغلب أنها كإحداهن إذ
من النادر ان تشذ واحدة عن جميع الأهل ، قال : ويؤكد ذلك ما رواه محمد بن يعقوب عن
احمد بن محمد رفعه عن زرعة عن سماعة (1) قال : «سألته عن جارية حاضت أول
حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف أيام أقرائها؟ قال أقراؤها مثل أقراء
نسائها ، فإن كان نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام وأقله ثلاثة». وعن زرارة
ومحمد بن مسلم عن الباقر (عليهالسلام) (2) قال : «يجب
للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ثم تستظهر على ذلك بيوم». ثم قال : «واعلم
ان الروايتين ضعيفتان ، أما الأولى فمقطوعة السند والمسؤول فيها مجهول ، والثانية
في طريقها علي بن فضال وهو فطحي ومع ذلك تتضمن الرجوع الى بعض نسائها وهو خلاف
الفتوى ، ولان الاقتراح في الرجوع الى واحدة من النساء مع إمكان مخالفة الباقيات
معارض للرواية الأولى ، لكن الوجه في ذلك اتفاق الأعيان من فضلائنا على الفتوى
بذلك ، وقوة الظن بأنها كإحداهن مع اتفاقهن كلهن على تردد عندي» وتبعه في المدارك
على الطعن بضعف السند في الخبرين المذكورين فقال : «ان في الروايتين قصورا من حيث
السند ، أما الأولى فبالإرسال والإضمار واشتمال سندها على عدة من الواقفية ، واما
الثانية فلان في طريقها علي بن الحسن بن فضال وهو
__________________
(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 8 من أبواب الحيض.
فطحي ، وأيضا فإنها تتضمن الرجوع الى
بعض نسائها وهو خلاف الفتوى ، لكن الشيخ في الخلاف نقل على صحة الرواية إجماع
الفرقة فإن تم فهو الحجة والا أمكن التوقف في هذا الحكم لضعف مستنده» انتهى.
أقول : اما ما ذكره في المعتبر من التعليل العقلي فهو
تعليل عليل لا يهدي الى سبيل فلا اعتماد عليه ولا تعويل ، والحجة في الحقيقة هي
الروايتان المذكورتان ، واما طعنه في سند الخبرين المذكورين فهو مناف لما صرح به
في صدر كتابه حيث قال : «أفرط الحشوية في العمل بخبر الواحد حتى انقادوا الى كل
خبر وما فطنوا الى ما تحته من التناقض ، فان من جملة الأخبار قول النبي (صلىاللهعليهوآله): «ستكثر بعدي
القالة علي». وقول الصادق (عليهالسلام): «ان لكل رجل
منا رجلا يكذب عليه». واقتصر بعض عن هذا الإفراط فقال كل سليم السند يعمل به ، وما
علم ان الكاذب قد يصدق ، وما تنبه ان ذلك طعن في علماء الشيعة وقدح في المذهب ، إذ
لا مصنف الا وهو يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر العدل ، وأفرط آخرون في طرف رد
الخبر حتى أحال استعماله عقلا ونقلا ، واقتصر آخرون فلم يروا العقل مانعا لكن
الشرع لم يأذن به ، وكل هذه الأقوال منحرفة عن السنن والتوسط أصوب ، فما قبله
الأصحاب أو دلت القرائن على صحته عمل به ، وما أعرض الأصحاب عنه أو شذ وجب إطراحه»
ثم استدل على ذلك بأدلة تركنا التعرض لها اختصارا ، والمناقضة بين الكلامين ظاهرة.
واما ما ذكره في المدارك فهو من المناقشات الواهية (أما أولا) ـ فلما ذكرنا في غير
موضع ان الطعن بضعف سند الاخبار لا يصلح حجة على المتقدمين الذين لا اثر لهذا
الاصطلاح عندهم بل الأخبار عندهم كلها صحيحة ، والصحة والبطلان انما هو باعتبار
متون الاخبار وما اشتملت عليه لا باعتبار الأسانيد ، وقد اعترف بذلك جملة من أرباب
هذا الاصطلاح : منهم ـ صاحب المنتقى فيه والبهائي في مشرق الشمسين وغيرهما ، حيث
ذكروا ان الاخبار كلها صحيحة عند المتقدمين لوفور القرائن الدالة على صحتها وقرب
العهد ، وان المتأخرين
إنما عدلوا عنه الى هذا الاصطلاح
المحدث لما بعدت المدة وخفيت القرائن كما تقدم ذكره منقحا في مقدمات الكتاب. و (اما
ثانيا) ـ فلتصريحه في غير موضع في شرحه بان الإضمار في الاخبار غير مضر ، فكيف
يطعن هنا في موثقة سماعة بذلك وهو قد قبلها ونحوها في غير موضع من الأحكام؟ و (اما
ثالثا) ـ فلأن الحكم متفق عليه كما ذكره هو نفسه في صدر البحث. فقال : «وهذا اعنى
رجوع المبتدأة مع فقد التمييز إلى عادة نسائها هو المعروف من مذهب الأصحاب» وهو قد
وافق الأصحاب في أمثال ذلك مع ضعف دليلهم بزعمه في غير موضع من شرحه ، وقد أوضحنا
جملة من ذلك في شرحنا على الكتاب.
نعم يبقى الإشكال في الجمع بين الخبرين المذكورين حيث ان
ظاهر موثقة سماعة اشتراط اتفاق نسائها في الرجوع إليهن فلو اختلفن فلا رجوع ، وبه
صرح العلامة في النهاية فقال : «حتى لو كن عشرا فاتفق فيهن تسع رجعت الى الأقران»
وظاهر موثقة زرارة ومحمد بن مسلم الاكتفاء بالبعض الا انه لا قائل به من الأصحاب.
ويمكن حملها على تعذر الرجوع الى جميع نسائها لتفرقهن في البلد فيكتفى بالرجوع الى
البعض الا اني لم أعلم قائلا به ، وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، قال
في المدارك : «ورجح الشهيد اعتبار الأغلب مع الاختلاف وهو ضعيف جدا ، لأنه ان
استند في الحكم إلى مقطوعة سماعة وجب القطع بالانتقال عن نسائها لمجرد الاختلاف
كما هو منطوق الرواية ، وان استند إلى رواية زرارة ومحمد بن مسلم وجب القول
برجوعها الى بعض نسائها مطلقا ولا قائل به» انتهى.
ثم ان ظاهر موثقة زرارة ومحمد بن مسلم (1) الاستظهار
بيوم بعد الاقتداء بأقرائها ، وبذلك صرح في الذكرى وأوجب على المبتدأة الاستظهار
بيوم بعد الرجوع الى نسائها
__________________
(1) ص 198.
للرواية المذكورة ، وأنت خبير بان بحث
الأصحاب عن هذه الرواية في حكم المبتدأة ـ في جميع ما ذكرناه ونقلناه عنهم مع انها
لم تشتمل على ذكر المبتدأة وانما المذكور فيها المستحاضة بقول مطلق ـ لا يخلو من
اشكال ، وكلهم فهموا ذلك من الأمر بالرجوع الى بعض نسائها حيث انه لم يقع الأمر
بالرجوع الى النساء إلا في المبتدأة.
بقي الكلام فيما ذكروه من الرجوع الى الأقران فإني لم
أقف فيه على خبر يدل عليه ، وهذا الحكم ذكره الشيخ وتبعه عليه جملة من الأصحاب ،
ورده في المعتبر فقال بعد نقله عنه : «ونحن نطالب بدليله فإنه لم يثبت. ولو قيل
كما يغلب في الظن انها كنسائها مع اتفاقهن يغلب في الأقران ، منعنا ذلك فان ذوات
القرابة بينها مشابهة في الطباع والجنسية والأصل فقوى الظن مع اتفاقهن بمساواتها
لهن ، ولا كذا الأقران إذ لا مناسبة تقتضيه لأنا قد نرى النسب يعطي شبها ولا نرى
المقارنة لها أثر فيه» انتهى. وأجاب عنه في الذكرى فقال بعد نقل ذلك عنه : «ولك ان
تقول لفظ «نسائها» دال عليه فان الإضافة تصدق بأدنى ملابسة وما لابستها في السن
والبلد صدق عليهن النساء ، واما المشاكلة فمع السن واتحاد البلد تحصل غالبا ،
وحينئذ ليس في كلام الأصحاب منع منه وان لم يكن تصريح به ، نعم الظاهر اعتبار
اتحاد البلد في الجميع لان للبلد أثرا ظاهرا في تخالف الأمزجة» وأورد عليه ان
الملابسة المذكورة لو كانت كافية في صحة المراجعة لم يستقم اشتراط اتحاد البلد
والسن بل يلزم صحة الاكتفاء بأحدهما لصدق الملابسة معه ، بل لا تنحصر الملابسة في
أحدهما لتكثر وجوه الملابسات وذلك يؤدي الى ما هو منفي بالإجماع ، وتوقف تمامية
المشاكلة ومقارنة الطبيعة على اجتماع الأمرين لا يصلح مخصصا لعموم النص.
أقول : والتحقيق هو ما أشرنا إليه في غير موضع من ان
بناء الأحكام الشرعية على هذه التخريجات العقلية والتقريبات الظنية لا يخلو من
مجازفة في الأحكام الشرعية ، والنص المذكور ظاهر في الأقارب خاصة إذ هو المتبادر
من حاق هذا اللفظ ، والتعدي عنه يحتاج الى دليل واضح والا لدخل في القول على الله عزوجل بغير علم كما
لا يخفى على المنصف
وحينئذ فالظاهر اطراح هذا القول من
البين. والله العالم.
(الموضع الثالث) ـ في الرجوع الى الروايات بعد تعذر
الرجوع الى المراتب المتقدمة ، وقد اختلف كلام الأصحاب في ذلك على أقوال عديدة :
منها ـ انها تتخير بين التحيض في الشهر الأول ثلاثة أيام وفي الشهر الثاني عشرة
وبين التحيض في كل شهر سبعة ، وهذا قول الشيخ في الجمل وموضع من المبسوط. ومنها ـ انها
تجعل عشرة أيام حيضا وعشرة أيام طهرا وعشرة أيام حيضا وهكذا ، وهو قول الشيخ في
موضع من المبسوط. ومنها ـ التخيير بين التحيض في كل شهر بسبعة أيام وبين التحيض في
الشهر الأول عشرة وفي الشهر الثاني ثلاثة ، وهو ظاهره في النهاية ، هكذا نقله عنه
في الذخيرة ، والذي في النهاية انها تترك الصلاة والصوم في كل شهر سبعة أيام وتصلي
وتصوم ما بقي ثم لا تزال هذا دأبها الى ان تعلم حالها وتستقر على حال ، وقد روى
انها تترك الصلاة والصوم في الشهر الأول عشرة أيام وتصلي عشرين يوما وهي أكثر أيام
الحيض ، وفي الشهر الثاني ثلاثة أيام وتصلي سبعة وعشرين يوما وهي أقل الحيض ، وهو
ظاهر في ان مذهبه فيه انما هو التحيض بالسبعة دائما واما العشرة والثلاثة فإنما
نسبها إلى الرواية ، فما ذكره من نسبة التخيير بين الأمرين المذكورين اليه ليس في
محله كما لا يخفى ومنها ـ التخيير بين الثلاثة من الأول والعشرة من الثاني وبين
الستة وبين السبعة ، وهو قوله في الخلاف ، كذا نقله عنه في الذخيرة أيضا ، والذي
نقله عنه في المختلف انما هو التحيض بالثلاثة من الأول والعشرة من الثاني ، ثم قال
: وقد روى انها تترك الصلاة في كل شهر ستة أيام أو سبعة ، ونسبته إلى الرواية بعد
إفتائه بالأول يؤذن بأن مذهبه هو الأول وانما حكى هذا رواية ، فنسبة القول له
بالتخيير كما ذكره (قدسسره) ليس في محله
، وحينئذ فمذهبه هنا يرجع الى ما نقل عن ابن البراج. ومنها ـ التخيير بين الثلاثة
من شهر وعشرة من آخر وبين الستة وبين السبعة ، وهو مختار العلامة وجمع من الأصحاب.
ومنها ـ التحيض في الشهر الأول بثلاثة وفي الشهر الثاني بعشرة ، وهو قول ابن
البراج
ومنها ـ عكس ذلك ، نقله ابن إدريس عن
بعض الأصحاب. ومنها ـ التحيض في كل شهر بعشرة أيام ، نقله في المعتبر عن بعض
فقهائنا. ومنها ـ ان تجلس بين ثلاثة إلى عشرة وهو قول المرتضى (رضياللهعنه) وهو
ظاهر ابن بابويه حيث قال : «أكثر جلوسها عشرة أيام في كل شهر» ومنها ـ انها تترك
الصلاة في كل شهر ثلاثة أيام وتصلي سبعة وعشرين يوما ، وهو قول ابن الجنيد واختاره
في المعتبر.
واختلاف أكثر هذه الأقوال انما نشأ من اختلاف أخبار
المسألة المتقدمة في الموضع الأول (1) ومنها ـ رواية يونس الطويلة (2) وفيها التخيير
بين الستة والسبعة ، وبهذه الرواية استدل الشيخ ومن تبعه على التحيض بالسبعة كما
هو مذهبه في النهاية على ما أوضحناه وفيه ان ظاهر الرواية التخيير بين الستة
والسبعة فهي غير منطبقة على المدعى ومنها ـ موثقتا ابن بكير (3) وبهما استدلوا
على التحيض بالعشرة من الأول وبالثلاثة من الثاني وهكذا ، وظاه رهما انما هو
التحيض بالعشرة في الدور الأول والثلاثة بعد ذلك دائما لا ان العشرة والثلاثة
دائما في كل دور كما ذكروه ، وأيضا فإن الشيخ في الجمل والمبسوط جعل الثلاثة في
الدور الأول والعشرة في الثاني مع ان الموثقتين صريحتان في عكس ذلك ، ومنها ـ موثقة
سماعة (4) وظاهرها يدل
على مذهب المرتضى وابن بابويه ومنه يعلم عدم انطباق الأخبار المذكورة على أكثر
الأقوال المتقدمة ، فإن هذه أخبار المسألة الموجودة في كتب الأخبار وكلام الأصحاب.
وطعن جملة من متأخري المتأخرين في هذه الاخبار بضعف الأسانيد وتقدمهم في ذلك
المحقق في المعتبر ، فقال بعد نقل رواية يونس (5) وموثقة ابن بكير الاولى (6) : «واعلم ان
الروايتين ضعيفتان (أما الأولى) فلما ذكره ابن بابويه عن ابن الوليد انه لا يعمل
بما تفرد به محمد بن عيسى عن يونس.
و (اما الثانية) فرواية عبد الله بن بكير وهو فطحي لا
اعمل بما ينفرد به لكن لما كان الغالب في عادة النساء الستة والسبعة قضينا
بالغالب. والوجه عندي ان تتحيض
__________________
(1) ص 193.
(2 و 5) ص 182.
(3 و 4 و 6) ص 194.
كل واحدة منهما ثلاثة أيام لأنه
اليقين في الحيض وتصلي وتصوم بقية الشهر استظهارا وعملا بالأصل في لزوم العبادة»
انتهى. قال في المدارك بعد نقل ذلك : «هذا كلامه ولا يخلو من قوة ، وتؤيده
الروايتان المتقدمتان والإجماع ، فإن الخلاف واقع في الزائد عن الثلاثة».
أقول : لا يخفى ما في هذا الكلام من الضعف والوهن الظاهر
لمن أعطى التأمل حقه في المقام (اما أولا) ـ فإن ما طعن به في سند الروايتين بما
ذكره فيه ان هذا مناف لما صرح به في صدر كتابه كما قدمنا نقله عنه قريبا.
و (اما ثانيا) ـ فإنه قال في باب غسل النفاس بعد نقل
موثقة عمار الساباطي ما لفظه : «وهذه وان كان سندها فطحية لكنهم ثقات في النقل»
وقال بعد نقل رواية السكوني : «والسكوني عامي لكنه ثقة» وأنت خبير بان ما ورد في
حق عبد الله بن بكير من المدح حتى عد في جملة من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح
عنه لا يكاد يوجد في أحد من هؤلاء الذين قد حكم هنا بتوثيقهم. وقد أجاب في الذكرى
عن ذلك فقال ـ ونعم ما قال ـ ان الشهرة في النقل والإفتاء بمضمونه حتى عد إجماعا
يدفعهما ، قال : «ويؤيده ان حكمة الباري أجل من ان يدع امرا مبهما يعم به البلوى
في كل زمان ومكان ولم يبينه على لسان صاحب الشرع مع لزوم العسر والحرج فيما قالوه
، وهما منفيان بالآي والاخبار وغير مناسبين للشريعة السمحة».
و (اما ثالثا) ـ فلانه لا يخفى ان إثبات الأحكام الشرعية
التوقيفية على الوقف من الشارع بهذه التخريجات لا يخلو من المجازفة سيما مع وجود
الأخبار في المسألة (فإن قيل) : ان كلامه هذا مبني على الاحتياط الذي صرحتم في غير
موضع بأنه يجب الأخذ به مع عدم وجود النصوص ، والفرض هنا كذلك حيث ان هذه النصوص
عندهم غير ثابتة ، فالوقوف على الاحتياط لا بأس به (قلنا) : لا يخفى انه مع
الإغماض عن المناقشة في طرح النصوص المذكورة فإن هذا الاحتياط للعبادة فيما زاد على
الأيام الثلاثة المحتملة
لكونها حيضا معارض بمخالفة الاحتياط
في تحليل ما حرم الله تعالى على الحائض من نكاحها وجلوسها في المساجد وأمثال ذلك
من المحرمات والمكروهات ، وحينئذ فالاحتياط المدعى غير تام بجميع موارده.
و (اما رابعا) ـ فلان الظاهر من اخبار «ان أقل الحيض
ثلاثة» (1). انما هو
بالنسبة الى من انقطع عنها الدم لدون ثلاثة ، فإنه لا يحكم بكونه حيضا وبها يستدل
في هذا المقام ، واما من دام دمها بعد الثلاثة واستمر وحكم بكونه حيضا قطعا ولكن
وقع التردد في مقداره كمحل البحث فإنه لا مجال للاستدلال بالأخبار المذكورة ، لأن
الشارع قد جعل ما تراه من الدم الى تمام العشرة صالحا لان يكون حيضا وعادات النساء
قد جرت على ذلك ، فكل فرد فرد من افراد هذه الاعداد صالح لان يكون فردا وترجيح
بعضها على بعض يحتاج الى مرجح شرعي ، ويشير الى ذلك ما في موثقة سماعة (2) من التخيير
بين الثلاثة إلى تمام العشرة ، حيث ان هذا المقدار هو الذي علم من الشارع جعله
حيضا ، وبذلك يظهر ان قوله : «لانه اليقين في الحيض» على إطلاقه ممنوع بل انما
يتعين بالنسبة الى ما نقص عن هذا العدد ، واما ما زاد عليه إلى العشرة وهو حد
الأكثر من الحيض فالحكم باليقينية ممنوع ، نعم العشرة يقين بالنسبة الى ما زاد
عليها كما لا يخفى.
و (اما خامسا) ـ فلان قوله : «الأصل لزوم العبادة» مدفوع
بأنه يجب الخروج عن هذا الأصل بتحقق الحيض ، والحيض هنا متحقق وانما وقع الشك في
أيامه زيادة ونقيصة ، وترجيح بعضها على بعض من غير مرجح ممتنع ، والاستناد الى
اخبار «أقل الحيض ثلاثة» (3). غير مجد هنا
لما عرفت ، على ان هذا الأصل معارض بأصالة تحريم ما حرم الله تعالى على الحائض من
المحرمات المشار إليها آنفا ، وهذه حائض بالاتفاق وبالجملة فما ذكراه هنا وفي
المضطربة كما سيأتي ان شاء الله تعالى ـ من التحيض بالثلاثة خاصة استضعافا للاخبار
ـ ضعيف.
__________________
(1 و 3) ص 158.
(2) ص 194.
و (اما سادسا) ـ فان المستفاد من الأخبار على وجه لا
يعتريه الشك والإنكار هو انه متى تعذر الوقوف على الدليل في الحكم الشرعي فالواجب
الوقوف عن الفتوى والعمل بالاحتياط متى احتيج الى العمل ، ومن ذلك صحيحة عبد
الرحمن بن الحجاج عن الكاظم (عليهالسلام) الواردة في
جزاء الصيد (1) قال فيها : «قلت
ان بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه؟ فقال (عليهالسلام) : إذا أصبتم
بمثل ذلك فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا». وفي رواية زرارة عن
الباقر (عليهالسلام) (2) «ما حق الله
تعالى على العباد؟ فقال : ان يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون». ومثلها
موثقة هشام بن سالم (3) الى غير ذلك
من الاخبار.
إذا عرفت ذلك فالظاهر عندي هو التخيير بين ما دلت عليه
هذه الروايات ، إذ لا اعرف طريقا الى الجمع بينها بعد صحتها وصراحتها فيما دلت
عليه غير ذلك.
فوائد
(الأولى) ـ هل المراد بقوله (عليهالسلام) في رواية
يونس (4) : «ستة أو
سبعة». التخيير أو العمل بما يؤدي إليه اجتهادها وظنها بأنه الحيض؟ قيل بالثاني ،
وعن العلامة في النهاية قال : «لانه لو لا ذلك لزم التخيير بين فعل الواجب وتركه»
ونقض بأيام الاستظهار. ونقل عن المحقق (رحمهالله) الأول تمسكا
بظاهر اللفظ قال : «وقد يقع التخيير في الواجب كما يتخير المسافر بين القصر
والإتمام في بعض المواضع» وهو جيد
(الثانية) ـ قد صرح الشهيد الثاني ـ بعد ان ذكر أنها مخيرة
في أخذ عشرة من شهر وثلاثة من آخر أو سبعة من كل شهر أو الستة ـ ان الأفضل اختيار
__________________
(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 12 من أبواب صفات القاضي.
(3) المروية في الوسائل في الباب 12 من أبواب صفات القاضي ،
وفيما عثرنا عليه من النسخ المطبوعة والمخطوطة (هشام بن الحكم) والرواية لهشام بن
سالم كما في الكافي والوافي والوسائل.
(4) ص 182.
ما يوافق مزاجها ، فتأخذ ذات المزاج
الحار السبعة والبارد الستة والمتوسط الثلاثة والعشرة وفيه انه تقييد للنص من غير
دليل واجتهاد في مقابلة النص فلا عمل عليه.
(الثالثة) ـ قال في الذكرى : معنى قوله (عليهالسلام) (1) : «في علم
الله» اختصاص علمه بالله إذ لا حيض لها معلوم عندها ، أو فيما علمك الله من عادات
النساء فإنه القدر الغالب عليهن ، ثم حمل خبري الرجوع الى نسائها (2) على المعنى
الثاني ، قال : «فيكون قوله ستة أو سبعة للتنويع اي ان كن يحضن ستة فتتحيض ستة وان
كن يحضن سبعة فتتحيض سبعة فإن زدن عن السبع أو نقصن عن الست فالمعتبر عادتهن ، لأن
الأمر بالستة أو السبعة بناء على الغالب ، ويمكن أخذ الستة ان نقصن والسبعة ان زدن
عملا بالأقرب الى عادتهن في الموضعين» أقول : لا يخفى ما في حمل الخبر المذكور على
المعنى الذي ذكره وفرع عليه ما بعده من البعد ، بل الظاهر انما هو المعنى الأول
كما يدل عليه سياق الخبر من قوله (عليهالسلام) بعد ما ذكر
ان أمر هذه مخالف للأوليين وانه ليس لها أيام سابقه : «ومما يبين هذا قوله لها : «في
علم الله» لانه قد كان لها وان كانت الأشياء كلها في علم الله» قال في الوافي : «قوله
: «لانه قد كان لها» لعل المراد به قد كان لها في علم الله ستة أو سبعة وذلك لانه
ليس لها قبل ذلك أيام معلومة».
(الرابعة) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه متى
اختارت عددا كان لها وضعه متى شاءت من الشهر وان كان الأول أولى ، ومقتضى موثقتي
ابن بكير (3) أخذ الثلاثة
بعد العشرة ثم أخذها بعد السبعة والعشرين دائما ، قال في المدارك : «ولا ريب انه
الأولى».
(المطلب الثاني) ـ في ذات العادة وفيه مسائل (الأولى) ـ لا
يخفى ان العادة مشتقة من العود فما لم يعد مرة أخرى لم يصدق اسم العادة ، وهو
اتفاق بين
__________________
(1) في مرسلة يونس المتقدمة ص 182.
(2) ص 198.
(3) ص 194.
أصحابنا وأكثر العامة ، وقال بعض
العامة تثبت بالمرة الواجدة (1) وهو باطل لما
ذكرنا وتصير ذات عادة بأن ترى الدم مستكملا لصفات الحيض دفعة ثم ينقطع أقل الطهر
فصاعدا ثم تراه ثانيا مثل ذلك العدد الأول ، ويدل على ثبوتها بالمرتين مضافا الى
الاتفاق على ذلك قول ابي عبد الله (عليهالسلام) في رواية
يونس الطويلة المتقدمة في صدر المقصد (2) : «... فان انقطع الدم لوقته في
الشهر الأول سواء حتى توالت عليها حيضتان أو ثلاث فقد علم الآن ان ذلك قد صار لها
وقتا وخلقا معروفا تعمل عليه وتدع ما سواه وتكون سنتها فيما تستقبل ان استحاضت قد
صارت سنة الى ان تجلس أقراءها ، وانما جعل الوقت ان توالى عليها حيضتان أو ثلاث
لقول رسول الله (صلىاللهعليهوآله) للتي تعرف
أيامها : دعي الصلاة أيام أقرائك ، فعلمنا انه لم يجعل القرء الواحد سنة لها فيقول
دعي الصلاة أيام قرءك ولكن سن لها الأقراء وأدناه حيضتان.». وقوله (عليهالسلام) في موثقة
سماعة (3) : «... إذا
اتفق شهران عدة أيام سواء فتلك عادتها».
ثم ان ذات العادة اما ان تكون متفقة عددا ووقتا أو عددا
خاصة أو وقتا خاصة فههنا أقسام ثلاثة : (الأول) ـ ان يتفق عددا ووقتا وهذه أنفع
العادات تتحيض بمجرد رؤية الدم وترجع اليه بعد التجاوز عند الأصحاب ، كأن تراه
سبعة في أول الشهر ثم تراه في أول الثاني أيضا سبعة.
(الثاني) ـ ان يتفق في العدد دون الوقت كما إذا رأت في
أول الشهر سبعة ثم رأت بعد مضي أقل الطهر سبعة فقد استقر عددها ولكن تكون بالنسبة
إلى الوقت كالمضطربة عند الأصحاب ، فإذا رأت دما ثالثا وتجاوز العشرة رجعت الى
العدد عندهم ، وهذه تستظهر عندهم في أول الدم لعدم استقرار الوقت بناء على القول
باستظهار المضطربة والمبتدأة.
(الثالث) ـ ان يتفق في الوقت خاصة كما لو رأت سبعة في
أول الشهر وثمانية
__________________
(1) في المغني ج 1 ص 316 «لم يختلف المذهب ان العادة لا تثبت
بمرة وظاهر مذهب الشافعي انها تثبت بمرة.
(2) ص 182.
(3) ص 188.
في أول الآخر فتستقر بحسب الوقت فإذا
رأت الدم الثالث في الوقت تركت العبادة ، وهل تكون مضطربة بحسب العدد فتستظهر
بتحيض ثلاثة أو يثبت لها أقل العددين لتكرره؟ وجهان ، نقل أولهما عن المحقق الشيخ
علي واستجوده الشهيد الثاني ، قال : «لعدم صدق الاستواء والاستقامة» وثانيهما عن العلامة
في النهاية والشهيد في الذكرى.
وهل يشترط في استقرار العادة عددا ووقتا استقرار عادة
الطهر وهو تكرر طهرين متساويين وقتا أم لا؟ قولان ، أولهما للشهيد في الذكرى
فاشترط تكرر الطهرين متساويين وقتا ، ولو تساويا عددا واختلفا وقتا استقر العدد لا
غير فحينئذ تستظهر برؤية الدم الثالث ثلاثة على تقدير القول بوجوب الاستظهار على
المبتدأة والمضطربة ، وثانيهما للعلامة واختاره في الروض ، فعلى هذا لو رأت سبعة
في أول الشهر وسبعة في أول الثاني فقد ثبتت العادة وقتا وعددا على القول الثاني ،
وعلى القول الأول لا تثبت الوقتية حتى تعود الى الطهر مرة ثانية في الوقت المتقدم
فلو تقدم عليه لم تثبت الوقتية وانما يثبت العدد خاصة ، قال في الذكرى بعد نقل
القول الثاني عن العلامة : «وتظهر الفائدة لو تغاير في الوقت الثالث فان لم نعتبر
استقرار الطهر جلست لرؤية الدم وان اعتبرناه فبعد الثلاثة أو حضور الوقت ، هذا ان
تقدم على الوقت ولو تأخر أمكن ذلك استظهارا ويمكن القطع بالحيض هنا».
أقول : لا يخفى ان ظاهر الخبرين المتقدمين انه بمجرد
رؤية الدم بعد استقرار العادة بمضي شهرين عدة أيام سواء فإنها تتحيض به ، فعلى هذا
لو رأت سبعة من أول الشهر الأول ثم سبعة من أول الثاني فقد تحققت العادة الموجبة
للتحيض بمجرد رؤية الدم بعد مضي أقل الطهر ، فلو رأت الدم الثالث بعد عشرة من
الشهر الثاني تحيضت بمجرد رؤيته ، وما ذكره (قدسسره) من الشرط
المذكور لا اعرف له وجها وجيها.
وهل المراد بالشهر في تحقق العادة هو الهلالي كما هو
الشائع في الاستعمال المتبادر إلى الأفهام الغالب وقوع الحيض فيه للنساء ، أم ما
يمكن ان يفرض فيه حيض وطهر
صحيحان المعبر عنه بشهر الحيض؟ قولان
، صرح بأولهما جملة من الأصحاب : منهم ـ الشيخ علي لما ذكرناه ، وثانيهما صرح به
العلامة في النهاية حيث قال بعد قوله : وتثبت العادة بتوالي شهرين ترى فيهما الدم
أياما سواء : «والمراد بشهرها المدة التي لها فيها حيض وطهر وأقله عندنا ثلاثة عشر
يوما» وبذلك صرح ابنه فخر المحققين وكتبه الشهيد على قواعده ناقلا له عنه ،
وعبارات الأصحاب في المقام مجملة قابلة لاحتمال كل منهما وان كان المفهوم من إطلاق
الأخبار انما هو الهلالي ، وقال في الذكرى : «لا يشترط في العادة تعدد الشهر وما
ذكر في الخبر من الشهرين بناء على الغالب ، فلو تساوى الحيضان في شهر واحد كفى في
العددية ، صرح به في المبسوط والخلاف ، وكذا لو تساويا في زيادة على شهرين» قال في
الروض : «ويرجح اعتبار الهلالي ايضا ان اتفاق الوقت بدمين فيما دونه لا يتفق إلا
مع تكرر الطهر وهو خروج عن المسألة ، لكن قبل تكرر الطهر تثبت العادة بالعدد خاصة
فيرجع في الثالث اليه مع عبوره العشرة بعد احتياطها بالطهر ثلاثة في أوله» أقول :
ثبوت الاتفاق في الوقت بتكرر الطهر كما ذكره لا يخلو من غموض واشكال ولا سيما
بالنظر الى ظاهر النصوص الدالة على الشهر الهلالي ، وان المتبادر من الوقت هو
الزمان المعين مثلا أول الشهر أو وسطه أو آخره ونحو ذلك لا ما كان بعد أيام معينة
وعدد مخصوص ، قال الشيخ علي تفريعا على ما اختاره من الشهر الهلالي : «ان العادة
الوقتية لا تحصل الا بالشهرين الهلاليين لان الشهر في كلام النبي والأئمة (صلوات
الله وسلامه عليهم) انما يحمل على الهلالي نظرا إلى أنه الأغلب في عادات النساء
وفي الاستعمال ، فلو رأت ثلاثة ثم انقطع عشرة ثم رأت ثلاثة ثم انقطع عشرة ثم رأته
وعبر العشرة فلا وقت لها لعدم تماثل الوقت باعتبار الشهر» واعترضه في الروض بان
فيما ذكره نظرا لان تكرر الطهر يحصل الوقت كما قلناه ، وقد صرح بذلك في المعتبر
والذكرى وحكاه فيه عن المبسوط والخلاف ناقلا عبارتهما في ذلك ، واحتجاجه بان الشهر
في كلامهم (عليهمالسلام) يحمل على
الهلالي انما يتم لو كان في النصوص المقيدة الدالة على العادة
ذكر الشهر ، وقد بينا في أول المسألة
حكايتها خالية من ذكر الشهر فيما عدا الحديثين الأخيرين ، وفي الاحتجاج بهما اشكال
لضعف أولهما بالإرسال وثانيهما بجرح سماعة وانقطاع خبره. انتهى.
أقول : لا يخفى انه ليس عندهم دليل على تفسير العادة
بالمعنى المعروف بينهم سوى هذين الخبرين كما لا يخفى على من راجع كلامهم وراجع
الاخبار ، وقوله : «انه قد بين في أول المسألة الأخبار خالية من ذكر الشهر فيما
عدا الحديثين» عجيب فإنه لم يذكر سواهما وكذا غيره إذ ليس في الباب سواهما ،
وحينئذ فإن عمل بهما ففي الموضعين وإلا فلا ، على ان حديث يونس (1) مما استدلوا
به في أحكام عديدة حتى قال هو نفسه بعد الاستدلال بجملة منه على أحكام في كتابه
المشار اليه : «وهو حديث شريف يدل على أمور مهمة في هذا الباب» وبذلك يظهر لك قوة
ما ذكره المحقق الشيخ علي ومن وافقه على القول المذكور وضعف ما اعترض به هنا ،
ومنه يظهر ضعف القول الآخر أيضا.
(المسألة الثانية) ـ اعلم ان الأصحاب (رضوان الله عليهم)
قد صرحوا بان ذات العادة تتحيض بمجرد رؤية الدم ، قال في المعتبر : «تترك ذات
العادة الصلاة والصوم برؤية الدم في أيامها وهو مذهب أهل العلم ، لان المعتاد
كالمتيقن ، ولما رواه يونس عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «... إذا
رأت المرأة الدم في أيام حيضها تركت الصلاة». أقول : ويدل على ذلك أيضا صحيحة محمد
بن مسلم (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المرأة
ترى الصفرة في أيامها؟ فقال لا تصلي حتى تنقضي أيامها فإن رأت الصفرة في غير
أيامها توضأت وصلت». وفي رواية يونس عن بعض رجاله عنه (عليهالسلام) (4) «... كل ما
رأت المرأة في أيام حيضها فهو حيض وإذا رأت بعدها فليس من الحيض». الى غير ذلك من
الاخبار. وبالجملة فإن الحكم لا اشكال فيه
__________________
(1) ص 182.
(2 و 4) ص 159.
(3) المروية في الوسائل في الباب 4 من أبواب الحيض.
نعم يبقى الكلام في الحمل على معاني المعتادة المتقدمة ،
والظاهر انه لا إشكال في الحمل على المعتادة بالمعنى الأول وانها تتحيض بمجرد
الرؤية. وكذا بالمعنى الثالث إذا وقعت الرؤية في أيام العادة ، كما لا اشكال ولا
خلاف بينهم في عدم الحمل على المعتادة بالمعنى الثاني ، فإنها عندهم لا تتحيض
بمجرد الرؤية بل حكمها عندهم كرؤية المبتدأة والمضطربة في إيجاب الاستظهار عليها
بالثلاثة ، وتفصيل هذه الجملة بالنسبة إلى المعنى الأول والثالث انه لا يخلو اما
ان تكون رؤية الدم في وقت العادة وأيامها أو قبل ذلك أو بعده ، فأما الأول فإنه لا
إشكال في التحيض بمجرد الرؤية للأخبار المتقدمة. واما قبل العادة فظاهر كلام جملة
من الأصحاب الحكم بكونه حيضا لأن الحيضة ربما تقدمت وتأخرت ، قال في المبسوط : «إذا
استقرت العادة ثم تقدمها أو تأخر عنها الدم بيوم أو يومين إلى العشرة حكم بأنه حيض
وان زاد على العشرة فلا» وظاهر كلام الشهيد الثاني في المسالك الاستظهار كالمبتدأة
والمضطربة حيث قال بعد حكمه بالتحيض برؤية الدم في القسم الأول من أقسام المعتادة
والقسم الثالث بشرط ان تراه في أيام العادة : «واما القسم المتوسط وما تراه متقدما
عنها فهو كرؤية المبتدأة والمضطربة» واعترضه سبطه في المدارك فقال بعد نقل ذلك : «هذا
كلامه وهو يقتضي ثبوت الاحتياط لذات العادة في أغلب الأحوال بناء على وجوبه في
المبتدأة لندرة الاتفاق في الوقت ، وهو مع ما فيه من الحرج مخالف لظاهر الأخبار
المستفيضة كما ستقف عليه ان شاء الله تعالى» ثم نقل عن المصنف في كتبه الثلاثة ان
الذي يلوح منه عدم وجوب الاحتياط لذات العادة مطلقا ، ثم انه (قدسسره) استظهر ان ما
تجده المعتادة في أيام العادة يحكم بكونه حيضا مطلقا وكذا المتقدم والمتأخر مع
كونه بصفة الحيض ، وتبعه على ذلك جملة من أفاضل متأخري المتأخرين كالفاضل
الخراساني في الذخيرة وغيره ، وحينئذ يصير هذا قولا ثالثا في المسألة ، وقال في
الروض : واعلم انه مع رؤية المعتادة الدم قبل العادة كما هو المفروض هنا هل تترك
العبادة بمجرد رؤيته أو يجب الصبر الى مضي ثلاثة أو وصول العادة؟ يبنى على إيجاب
الاحتياط بالثلاثة على
المبتدأة والمضطربة وعدمه ، فان لم
نوجبه عليهما كما هو اختيار المصنف في المختلف لم يجب عليها بطريق اولى ، وان
أوجبناه كما اختاره المرتضى وابن الجنيد والمحقق في المعتبر احتمل إلحاقها بهما ،
لان تقدمه على العادة الملحقة بالأمور الجبلية يوجب الشك في كونه حيضا فتكون فيما
سبق على أيام العادة كمعتادة العدد المضطربة الوقت ، ولظاهر قول ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) : «... إذا
رأت المرأة الدم أيام حيضها تركت الصلاة.». إذ الظاهر ان المراد بأيام حيضها
العادة ، ومثله قوله (عليهالسلام) (2) : «المرأة ترى
الصفرة أيام حيضها لا تصلي». ويحتمل قويا عدمه لصدق الاعتياد عليها ، ولأن العادة
تتقدم وتتأخر وعموم رواية منصور بن حازم عنه (عليهالسلام) (3) «اي ساعة رأت
الصائمة الدم تفطر.». ومثله خبر محمد بن مسلم عن الباقر (عليهالسلام) (4) «تفطر انما
فطرها من الدم».
أقول : الأظهر الاستدلال للقول الأول وهو التحيض برؤية
الدم بما ورد من الاخبار دالا على تقدم العادة وانها تتحيض برؤية الدم قبل العادة
وان كان بغير صفة دم الحيض ، مثل موثقة سماعة (5) قال : «سألته عن المرأة ترى الدم قبل
وقت حيضها؟ قال فلتدع الصلاة فإنه ربما تعجل بها الوقت». وموثقة أبي بصير عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) (6) «في المرأة ترى
الصفرة؟ فقال ان كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض وان كان بعد الحيض فليس من
الحيض». ورواية علي بن محمد (7) قال : «سئل
__________________
(1) في مرسل يونس ص 159.
(2) في صحيحة محمد بن مسلم ص 211.
(3 و 4) المروية في الوسائل في الباب 50 من أبواب الحيض.
(5) المروية في الوسائل في الباب 15 من أبواب الحيض.
(6) المروية في الوسائل في الباب 4 من أبواب الحيض.
(7) هذه الرواية مروية في الكافي عن (على بن أبي حمزة) كما في
التهذيب وليس في سندها من اسمه «على بن محمد» نعم في الكافي يرويها بسنده عن محمد
بن خالد عن القاسم
أبو عبد الله (عليهالسلام) وانا حاضر عن
المرأة ترى الصفرة؟ قال ما كان قبل الحيض فهو من الحيض وما كان بعد الحيض فليس منه».
ورواه الشيخ عن علي بن أبي حمزة (1) قال سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) وذكر مثله ،.
وموثقة معاوية بن حكيم (2) قال : قال : «الصفرة
قبل الحيض بيومين فهو من الحيض وبعد أيام الحيض ليس من الحيض وهي في أيام الحيض
حيض». وفي الفقه الرضوي (3) «والصفرة قبل
الحيض حيض وبعد أيام الحيض ليست من الحيض». ويؤيده أيضا صحيحة العيص بن القاسم (4) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن امرأة ذهب
طمثها سنين ثم عاد إليها شيء قال تترك الصلاة حتى تطهر». وأيده بعضهم بلزوم الحرج
والعسر في الاستظهار ، وان تقدم العادة كثيرا غالب. واما ما ذكره (رحمهالله) من بناء
الحكم في هذه المسألة على ما ذكره من الخلاف في المبتدأة والمضطربة ففيه (أولا) ـ انك
قد عرفت انه لا دليل على ما ذكروه من وجوب الاستظهار عليها. و (ثانيا) ـ انه مع
وجود الدليل فيهما فإلحاق المعتادة بهما قياس لا يوافق قواعد مذهبنا لتغاير
الفردين وتقابل القسمين. وبالجملة فالأظهر هو القول بالتحيض بمجرد الرؤية من غير
استظهار للأخبار التي ذكرناها ، ويؤيدها إطلاق الأخبار المذكورة في كلام شيخنا
المذكور. واما ما ذكره في المدارك من تقييد ذلك باتصافه بصفات دم الحيض مستدلا على
ذلك بعموم قوله (عليهالسلام) في حسنة حفص
بن البختري (5) : «... إذا
كان للدم دفع وحرارة وسواد فلتدع الصلاة». ففيه (أولا) ـ ان إطلاقها مقيد
بالروايات التي ذكرناها
__________________
ابن محمد عن على بن أبي حمزة ، وفي التهذيب عن محمد بن خالد عن
على بن أبي حمزة. وقد رواها في الوسائل عن الكافي والتهذيب في الباب 4 من أبواب
الحيض.
(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 4 من أبواب الحيض.
(3) ص 21.
(4) المروية في الوسائل في الباب 32 من أبواب الحيض.
(5) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب الحيض.
و (ثانيا) ـ ان دلالتها انما هو
بالمفهوم وما ذكرناه من الاخبار بالمنطوق وهو أقوى دلالة فيجب تقديم العمل به.
واما رؤية الدم بعد العادة فالذي دلت عليه الأخبار ـ كما
سيأتي ان شاء الله تعالى نقلها في محلها ـ هو ان الدم متى تجاوز العادة وجب عليها
الاستظهار بترك العبادة يومين أو ثلاثة ثم تعمل عمل المستحاضة ان استمر الدم ،
وحينئذ فما دلت عليه الاخبار المتقدمة من ان الصفرة قبل الحيض حيض وبعده ليست بحيض
ينبغي حملها على البعدية عن أيام الاستظهار لدخول أيام الاستظهار في الحيض كما
عرفت ، فيصدق انه بعد الحيض اي ما حكم الشارع بكونه حيضا لا ما كان حيضا من حيث
العادة. والعجب من الفاضل الخراساني في الذخيرة فإنه قال بعد ان اختار مذهب
المدارك. من تخصيص دم القبلية والبعدية بالمتصف بصفات التمييز واستدل بدليله قال :
واما ما رواه الكليني والشيخ ، ثم أورد رواية أبي بصير ، ورواية علي بن أبي حمزة
التي قدمنا نقلها عن علي بن محمد ، وموثقة معاوية بن حكيم ثم قال : «فلا ينافي ما
ذكرناه لان قوله (عليهالسلام) : «ما كان
بعد الحيض فليس من الحيض» المراد به ما إذا رأت الدم في أيام العادة وانقضت فما كان
بعد ذلك بيومين ليس من الحيض ، بل لا يبعد ان يقال تلك الأخبار مؤيدة لما ذكرناه
في الجملة» انتهى.
أقول : وجه المدافعة في هذه الاخبار لما اختاروه انما هو
من حيث انهم قيدوا الدم المتقدم على العادة بالاتصاف بصفات دم الحيض ، وهو مؤذن
بان ما لم يتصف بصفات دم الحيض فلا يحكم بكونه حيضا ، وعلى هذا فالصفرة قبل العادة
ليست بحيض مع ان الاخبار المذكورة دلت على كونها حيضا وكان الواجب عليه الجواب عن
ذلك ، على ان في كلامهم أيضا مناقشة أخرى وهو انهم قيدوا الدم المتأخر عن العادة
بذلك ايضا ، ومقتضاه ان ما لم يكن كذلك لا يحكم بكونه حيضا ، والمستفاد من كلام
الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف ـ كما سيأتي ذكره في موضعه ان شاء
الله تعالى ـ ان الدم متى تجاوز
العادة فإنها تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة وبعد أيام الاستظهار تعمل ما تعمله
المستحاضة من غير تفصيل في الدم باتصافه بصفات دم الاستحاضة وعدمه ، والاخبار وان
اختلفت في الاستظهار وعدمه الا انه لا تفصيل في شيء منها بين الاتصاف بذلك وعدمه
فما ذكروه من هذا التفصيل في الدم الأخير لا مستند له من الاخبار ولا من كلام
الأصحاب ، وبه يظهر سقوط هذا القول بالكلية والله العالم.
(المسألة الثالثة) ـ المفهوم من كلام الأصحاب (رضوان
الله عليهم) من غير خلاف يعرف انه مع تجاوز الدم أيام العادة فإنها تستظهر إذا
كانت عادتها أقل من عشرة ثم تعمل أعمال المستحاضة فإن انقطع الدم بعد الاستظهار أو
على العاشر فالجميع حيض فتقضي الصيام ان عملته استظهارا إلى العشرة ، وان تجاوز
العشرة تحيضت بأيام عادتها خاصة وقضت ما أخلت به أيام الاستظهار ، ولو اجتمع لها
مع العادة تمييز فهل تعمل على العادة أو التمييز أو تتخير؟ أقوال : وبيان ما
اشتملت عليه يقع في مواضع :
(الأول) ـ أجمع الأصحاب على ثبوت الاستظهار لذات العادة
مع تجاوز دمها العادة إذا كانت عادتها دون عشرة كما قدمناه ، والمراد بالاستظهار
طلب ظهور الحال باستصحاب ما كانت عليه سابقا من التحيض بعد العادة ثم الغسل بعد
ذلك ، وهل هو على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ قولان ، نقل أولهما عن الشيخ في
النهاية والجمل والمرتضى في المصباح ، والثاني نقله في المدارك عن عامة المتأخرين
، وقال في المعتبر بعد نقل القولين المذكورين : «والأقرب عندي انه على الجواز أو
ما يغلب عند المرأة في حيضها» ويظهر من كلامه ان هذا قول ثالث في المسألة ، وقد
نقل في الذخيرة القول بالجواز ايضا قولا ثالثا ولعله استند فيه الى عبارة المعتبر
، والظاهر ان صاحب المعتبر انما أراد بالعبارة بذلك الاستحباب كما فهمه صاحب
المدارك ، حيث نقل القول بالاستحباب عنه وعمن تأخر عنه.
والأصل في هذا الاختلاف اختلاف الأخبار الواردة في
المسألة ، ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليهالسلام) (1) : «في الحائض
إذا رأت دما بعد أيامها التي كانت ترى الدم فيها فلتقعد عن الصلاة يوما أو يومين
ثم تمسك قطنة فان صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كل صلاتين بغسل».
وفي الصحيح عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن الرضا (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن الحائض كم تستظهر؟ فقال : تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة».
وفي الصحيح عن محمد بن عمرو بن سعيد عن الرضا (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن الطامث كم حد جلوسها؟ قال تنتظر عدة ما كانت تحيض ثم تستظهر بثلاثة أيام ثم هي
مستحاضة».
وعن زرارة في الصحيح (4) قال : «قلت له النفساء متى تصلي؟ قال
تقعد قدر حيضها وتستظهر بيومين فان انقطع الدم والا اغتسلت ، الى ان قال : قلت
فالحائض؟ قال مثل ذلك سواء فان انقطع عنها الدم وإلا فهي مستحاضة تصنع مثل النفساء
سواء ثم تصلي.».
وعن سعيد بن يسار في الموثق (5) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المرأة
تحيض ثم تطهر فربما رأت بعد ذلك الشيء من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها؟ قال
تستظهر بعد أيامها بيومين أو ثلاثة ثم تصلي».
وعن زرارة في الموثق بابن بكير عن الباقر (عليهالسلام) (6) قال : «سألته
عن الطامث
__________________
(1) لم نعثر على هذه الرواية من الشيخ «قده» في مظانها ، نعم
رواها صاحب الوسائل عن المحقق في المعتبر في الباب 13 من أبواب الحيض و (1) من
أبواب الاستحاضة ، كما سيأتي من المصنف «قده» روايتها عن المحقق ايضا ص 218.
(2 و 3 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 13 من أبواب الحيض.
(4) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاستحاضة.
تقعد بعدد أيامها كيف تصنع؟ قال
تستظهر بيوم أو يومين ثم هي مستحاضة. الحديث».
وعن سماعة في الموثق (1) قال : «سألته عن المرأة ترى الدم قبل
وقت حيضها؟ قال فلتدع الصلاة فإنه ربما تعجل بها الوقت ، فإذا كان أكثر من أيامها
التي كانت تحيض فيهن فلتتربص ثلاثة أيام بعد ما تمضي أيامها ، فإذا تربصت ثلاثة
أيام فلم ينقطع الدم عنها فلتصنع كما تصنع المستحاضة».
وعن عبد الله بن المغيرة عن رجل عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) : «في المرأة
ترى الدم؟ فقال ان كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة وان كانت أيامها عشرة لم
تستظهر».
وعن داود مولى ابي المغراء عمن أخبره عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن المرأة تحيض ثم يمضي وقت طهرها وهي ترى الدم؟ قال فقال تستظهر بيوم ان كان
حيضها دون العشرة أيام فإن استمر الدم فهي مستحاضة وان انقطع الدم اغتسلت وصلت».
وعن زرارة في الموثق عن الباقر (عليهالسلام) (4) قال : «المستحاضة
تستظهر بيوم أو يومين».
وروى المحقق في المعتبر عن الحسن بن محبوب في كتاب
المشيخة عن أبي أيوب الثقة عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليهالسلام) (5) «في الحائض إذا
رأت دما بعد أيامها التي كانت ترى الدم فيها فلتقعد عن الصلاة يوما أو يومين ثم
تمسك قطنة فان صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كل صلاتين بغسل ويصيب منها زوجها
ان أحب وحلت لها الصلاة».
أقول : وهذه الاخبار كلها ـ كما ترى ـ ظاهرة الدلالة في القول
بالوجوب لورود الأمر فيها بذلك ، وهو حقيقة في الوجوب كما تقرر في محله.
ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار
عن ابي عبد الله
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 13 من أبواب
الحيض.
(عليهالسلام) (1) قال : «المستحاضة
تنظر أيامها فلا تصلي فيها ولا يقربها بعلها فإذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب
الكرسف اغتسلت للظهر والعصر. الحديث». وعن عبد الله بن سنان في الموثق عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «سمعته
يقول : المرأة المستحاضة التي لا تطهر قال تغتسل عند صلاة الظهر فتصلي ، الى ان
قال لا بأس بأن يأتيها بعلها متى شاء إلا أيام قرئها.».
وعن سماعة في الموثق (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المستحاضة؟
قال فقال : تصوم شهر رمضان إلا الأيام التي كانت تحيض فيها.».
وعن ابن ابي يعفور عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «المستحاضة
إذا مضت أيام أقرائها اغتسلت واحتشت. الحديث».
وفي رواية يونس الطويلة المتقدمة (5) نقلا عنه (صلىاللهعليهوآله) «تحيضي أيام
أقرائك».
وبهذه الأخبار أخذ القائل بالاستحباب جمعا بينها وبين
الاخبار المتقدمة كما هي قاعدتهم المطردة عندهم في الجمع بين الاخبار.
وفيه نظر (أما أولا) ـ فإنه لا دليل عليه من سنة ولا
كتاب وان اشتهر بين الأصحاب. و (اما ثانيا) ـ فان الاستحباب من جملة الأحكام
الشرعية المتوقف ثبوتها على الدليل كالوجوب والتحريم ونحوهما ، ومجرد اختلاف
الاخبار ليس دليلا من الأدلة المقررة لإثبات الأحكام. و (اما ثالثا) ـ فلان حمل ما
ظاهره الوجوب على الاستحباب لا يصار اليه إلا مع القرينة ، ووجود المعارض ليس من
قرائن المجاز. قال في المدارك بعد ان نقل القول بالاستحباب عن المعتبر ومن تأخر
عنه جمعا بين الاخبار : «ويمكن الجمع بينها بحمل اخبار الاستظهار على ما إذا كان
الدم بصفة دم الحيض والاخبار المتضمنة للعدم على ما إذا لم يكن كذلك ، قال واحتمله
المصنف في المعتبر» انتهى. واعترضه في الذخيرة
__________________
(1 و 2 و 4) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاستحاضة.
(3) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب الاستحاضة.
(5) ص 182.
بان هذا التفصيل غير مستفاد من نص دال
عليه والقول به بدون ذلك تحكم ، ورد الحمل على الاستحباب أيضا بأن استحباب ترك
العبادة لا وجه له ، والتزام وجوب العبادة أو استحبابها على تقدير الغسل بعيد جدا
، واختار فيها حمل اخبار الاستظهار على الجواز ، والظاهر انه يرجع الى التخيير بين
الاستظهار وعدمه وإلا فالعبادة لا تتصف بالجواز ، إلا ان جواز الاستظهار وعدمه
يرجع الى جواز العبادة وعدمه وهو باطل. وكيف كان فلا ريب في بعده. هذا. واما ما
اعترض به كلام السيد في المدارك ـ من انه تحكم إذ لا يستفاد من النصوص ـ ففيه انه
لا يخفى ان الظاهر ان السيد (رحمهالله) انما قيد
اخبار الاستظهار مع إطلاقها بالاتصاف بصفة دم الحيض بناء على ما تقدم نقله عنه في
سابق هذه المسألة من ان المتقدم على العادة والمتأخر عنها يحكم بكونه حيضا بشرط
اتصافه بصفة دم الحيض ، وهو قد وافق السيد على هذه المقالة كما قدمنا نقله عنه ،
ولا ريب ان ما نحن فيه أحد جزئيات تلك المسألة فكيف يعترضه بما ذكره مع لزوم ذلك
له؟
والذي يقرب عندي في الجمع بين الاخبار المذكورة أحد
وجهين : إما حمل الأخبار الأخيرة على التقية ، ويعضده اتفاق الأصحاب على العمل
بالأخبار الأولة وان اختلفوا في كونه وجوبا أو استحبابا ، ومنشأ الاستحباب عندهم
هو الجمع بين الاخبار كما عرفت ، والعمل بالأخبار الأولة متفق عليه في الجملة ،
والقول بالاقتصار على العادة من دون استظهار مذهب الجمهور إلا مالكا على ما ذكره
في المنتهى ، قال ـ بعد ان نقل عن مالك الاستظهار بثلاثة أيام : «وخالف باقي
الجمهور في الاستظهار واقتصروا على العادة خاصة» (1)
__________________
(1) في المدونة ج 1 ص 54 «قال ابن القاسم : كل امرأة كانت
أيامها أقل من خمسة عشر يوما فإنها تستظهر بثلاثة ما بينها وبين خمسة عشر ، مثلا ـ
التي أيامها اثنا عشر تستظهر بثلاث والتي أيامها ثلاثة عشر تستظهر بيومين والتي
أيامها أربعة عشر تستظهر بيوم والتي أيامها خمسة عشر لا تستظهر بشيء وتغتسل وتصلى
ويأتيها زوجها ، ولا تقيم امرأة في حيض أكثر من خمسة عشر باستظهار كان أو غيره»
وفي ص 55 «قال ابن القاسم قال مالك إذا رأت المرأة الدم يوما ثم انقطع عنها يومين
ثم رأته
وإما تخصيص إطلاق أخبار الاستظهار
بغير مستقيمة الحيض وتقييد الأخبار الأخيرة بمن كانت مستقيمة الحيض لا زيادة فيها
ولا نقصان ولا تقدم ولا تأخر كالوقتية العددية التي لا يتقدم دمها ولا يتأخر
والعددية كذلك ، وحيث ان وجود الحيض بهذا التقييد نادر جدا ـ والأغلب مع الاعتياد
هو التقدم والتأخر والزيادة والنقصان ـ تكاثرت الاخبار بالاستظهار لها لأجل ذلك ،
والمستند في هذا الجمع صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المستحاضة
أيطأها زوجها وهل تطوف بالبيت؟ قال تقعد قرءها الذي كانت تحيض فيه فان كان قرؤها
مستقيما فلتأخذ به وان كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ولتغتسل. الحديث». ويشير
الى ذلك ايضا قول الباقر (عليهالسلام) في رواية
مالك بن أعين (2) وقد سأله عن
المستحاضة كيف يغشاها زوجها؟ قال : «ينظر الأيام التي كانت تحيض فيها وحيضتها
مستقيمة فلا يقربها في عدة تلك الأيام من ذلك الشهر ويغشاها فيما سوى ذلك من
الأيام ، ولا يغشاها حتى يأمرها فتغتسل ثم يغشاها ان أراد».
ثم لا يخفى انه على تقدير القول باستحباب الاستظهار ـ كما
هو المشهور بين المتأخرين ـ فقد أورد عليه انه متى كان الاستظهار مستحبا فإنه يجوز
تركه واختيار العبادة وحينئذ يلزم الإشكال في اتصاف العبادة بالوجوب ، إذ يجوز
تركها واختيار العبادة ، وحينئذ يلزم الإشكال في اتصاف العبادة بالوجوب ، إذ يجوز
تركها لا الى بدل ولا شيء من الواجب كذلك. وأجيب بأن العبادة واجبة مع اختيارها
عدم الاستظهار
__________________
يوما وانقطع يوما أو يومين ثم رأته ـ بعد ذلك يوما أو يومين
قال إذا اختلط هكذا حسبت أيام الدم وألغت ما بين ذلك من الأيام التي لم تر فيها
الدم فإذا استكملت من أيام الدم قدر أيامها التي كانت تحيضها استظهرت بثلاثة أيام»
ويظهر من فقه المذاهب الأخر عدم العبرة بالاستظهار وان عليها الغسل إذا انتهى
حيضها المعتاد أو أكثر أيام الحيض وهي عند بعض عشرة وعند الأخر خمسة عشر.
(1) المروية في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاستحاضة.
(2) المروية في الوسائل في الباب 24 من أبواب الحيض و (3) من
الاستحاضة.
لا مطلقا ، بمعنى ان التخيير انما وقع
في الاستظهار نفسه فلها ان تستظهر نفسه ولها ان تترك الاستظهار لكنها متى اختارت
ترك الاستظهار وجبت عليها الصلاة ، فوجوب الصلاة عليها منوط باختيارها عدم
الاستظهار فقط لا ان التخيير بين الفعل والترك يتعلق بالصلاة نفسها فحينئذ لا يخرج
الواجب عن الوجوب. أقول : لا يخفى ما فيه فان التخيير في الاستظهار يوجب التخيير
في العبادة فإن اختارت الاستظهار فلا عبادة وان اختارت عدم الاستظهار وجبت العبادة
، غاية الأمر ان التخيير في العبادة هنا وان لم يكن أولا وبالذات لكنه ثانيا
وبالعرض ، فالتخيير لازم البتة وان كان متفرعا على التخيير في الاستظهار ، فهي
مخيرة حينئذ بين العبادة ان اختارت عدم الاستظهار وبين تركها ان اختارت الاستظهار
، فقول شيخنا البهائي في الحبل المتين بعد نقل الاستحباب عن متأخري الأصحاب : «ولا
استبعاد في وجوب العبادة عليها باختيارها عدم الاستظهار ولا يلزم جواز ترك الواجب
لا الى بدل كما لا يخفى» لا اعرف له وجها وجيها ، والظاهر انه قصد بهذا الكلام
الرد على صاحب المدارك حيث قال في هذه المسألة : «ثم ان قلنا بالاستحباب واختارت
فعل العبادة ففي وصفها بالوجوب نظر من حيث جواز تركها لا الى بدل ولا شيء من
الواجب كذلك اللهم الا ان يلتزم وجوب العبادة بمجرد الاغتسال. وفيه ما فيه» انتهى.
وهو جيد ، وبذلك يظهر ترجيح القول بالوجوب كما اخترناه زيادة على ما تقدم.
(الثاني) ـ اختلف الأصحاب في قدر الاستظهار واجبا كان أو
مستحبا ، فقال الشيخ في النهاية تستظهر بعد العادة بيوم أو يومين ، وهو مذهب ابن
بابويه والمفيد وقال الشيخ في الجمل ان خرجت ملوثة بالدم فهي بعد حائض تصبر حتى
تنقى. وقال المرتضى تستظهر عند استمرار الدم إلى عشرة أيام فإن استمر عملت ما تعمله
المستحاضة ونقل ذلك عن ابن الجنيد ايضا ، وقواه في الذكرى مطلقا وفي البيان مقيدا
بظنها بقاء الحيض ، قال في الروض : «وكأنه يريد به ظن الانقطاع على العشرة وإلا
فمع التجاوز ترجع ذات العادة إليها وان ظنت غيرها» واختار في المدارك التخيير بين
اليوم واليومين
والثلاثة ، وهو المفهوم من الاخبار
المتقدمة. واما ما في المنتهى ـ من عدم جواز الحمل على التخيير لعدم جواز التخيير
في الواجب ، ثم قال : «بل التفصيل اعتمادا على اجتهاد المرأة في قوة المزاج وضعفه
الموجبين لزيادة الحيض وقلته» ـ فالظاهر ضعفه ، وكيف والتخيير في الواجب واقع في
جملة من الأحكام ، مثل تخيير المسافر في المواضع الأربعة والتخيير في ذكر
الأخيرتين والتخيير في ذكري الركوع والسجود وأمثال ذلك ، واما حمل الأخبار
المذكورة على مزاج المرأة فبعده أظهر من ان يخفى. واما ما نقل عن المرتضى فيدل
عليه مرسلة عبد الله بن المغيرة المتقدمة (1) وموثقة يونس بن يعقوب (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) امرأة رأت
الدم في حيضها حتى جاوز وقتها متى ينبغي لها ان تصلي؟ قال تنتظر عدتها التي كانت
تجلس ثم تستظهر بعشرة أيام فإن رأت الدم دما صبيبا فلتغتسل في وقت كل صلاة». قال
الشيخ (رحمهالله) : «معنى قوله
بعشرة أيام إلى عشرة أيام وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض» وطعن فيهما في
المدارك بضعف السند. وفيه ما عرفت في غير موضع. وكيف كان فالعمل بكل ما دلت عليه
الأخبار المذكورة وجه الجمع بينها. والله العالم.
(الثالث) ـ قد صرح الأصحاب انه ان انقطع دمها على العاشر
كان ذلك كاشفا عن كون العشرة حيضا فتقضي صوم العشرة وان كانت قد صامت بعضها ، وان
تجاوز العشرة كان ذلك كاشفا عن كون الزائد على العادة طهرا وان صومها وصلاتها بعد
أيام الاستظهار كانا صحيحين ووجب عليها قضاء ما أخلت به منهما أيام الاستظهار. ولم
نقف لهم في هذا التفصيل على دليل بل ظواهر الأخبار ترده ، وكأنهم بنوا الحكم بكون
العشرة كملا حيضا لو انقطع الدم عليها على القاعدة المشهورة بينهم بان كل ما أمكن
كونه حيضا فهو حيض. وهي محل البحث كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى في محله ، مع
ان الأخبار المتقدمة ظاهرة في انه متى زاد الدم على أيام العادة فان الواجب عليها
الاستظهار بالأيام المذكورة
__________________
(1) ص 218.
(2) المروية في الوسائل في الباب 13 من أبواب الحيض.
ثمة ، ثم انها بعد الاستظهار تعمل عمل
المستحاضة وتصلي وتصوم من غير فرق بين تجاوز الدم العشرة وانقطاعه عليها أو دونها
، وما ذكروه ـ من التكليف المتفرع على الانقطاع على العشرة وكذا التكليف المتفرع
على تجاوز العشرة ـ لا مستند له ، ويعضدها الأخبار الأخيرة الدالة على انها تعمل
ما تعمل المستحاضة بعد مضي أيام العادة من غير استظهار ، ولو كان لما ذكروه من هذا
التفصيل أصل لوقعت الإشارة اليه ولو في خبر من هذه الأخبار على كثرتها وتعددها
وليس فليس ، ومما يدل على ذلك زيادة على الأخبار المتقدمة صحيحة الحسين بن نعيم
الصحاف (1) وفيها «... وإذا
رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر
فإنه من الحيضة فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها التي كانت تقعد في حيضها ، فان انقطع
الدم عنها قبل ذلك فلتغتسل ولتصل ، وان لم ينقطع الدم عنها إلا بعد ما تمضي الأيام
التي كانت ترى فيها الدم بيوم أو يومين فلتغتسل ثم تحتش وتستذفر وتصل الظهر والعصر.
الحديث». ثم ذكر أعمال المستحاضة الى ان قال : «وكذلك تفعل المستحاضة فإنها إذا
فعلت ذلك اذهب الله تعالى بالدم عنها». وموثقة سماعة (2) قال : «سألته
عن امرأة رأت الدم في الحبل؟ قال تقعد أيامها التي كانت تحيض فإذا زاد الدم على
الأيام التي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيام ثم هي مستحاضة».
قال بعض فضلاء متأخري المتأخرين ـ بعد اعترافه بان
الدليل على القول المشار اليه غير صريح ـ ما صورته : «قلت : قد يستفاد من رواية
يونس عن غير واحد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) الرجوع الى
العادة مع التجاوز ومع الرجوع الى العادة يثبت ما ذكروه من الأحكام ، وهو وان كان
غير صحيح الا ان الأصحاب قد أجمعوا على العمل بمضمونه ، واما الرجوع الى العشرة مع
عدم التجاوز فلما روي عنهم (عليهم
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاستحاضة.
(2) المروية في الوسائل في الباب 13 من أبواب الحيض.
(3) المتقدمة ص 182.
السلام) من «ان الدم في أيام الحيض
حيض» (1). وفسره الشيخ
وجماعة بما يمكن ان يكون حيضا ، ومع عدم التجاوز الإمكان ثابت ، وبالجملة هذه
الأحكام تستنبط من الروايات وان لم يكن عليها بصراحتها رواية ، فتأمل» انتهى.
أقول : لا يخفى ما فيه ، اما ما استند اليه من رواية
يونس ففيه ان مورد الرواية من أولها إلى آخرها وما اشتملت عليه من السنن الثلاث
انما هو فيما إذا استمر الدم ودام عليها أشهرا عديدة بل سنين عديدة ، فإن سنة ذات
العادة ان تتحيض بأيام عادتها ، وسنة المضطربة التمييز ان أمكن والا فالرجوع الى
العدد المذكور فيها ، وسنة المبتدأة العمل بالستة أو السبعة ، ومحل البحث هنا ـ كما
هو مورد الأخبار المتقدمة وصريح كلام الأصحاب ـ انما هو بالنسبة إلى أول الدم إذا
تجاوز العادة ، ولهذا يفصلون بين انقطاعه على العشرة وتجاوزه لها وان لكل منهما حكما
غير الآخر ، وبذلك يظهر لك ان ما استند اليه ليس من محل البحث في شيء. واما ما
استند اليه من قولهم : «ان الدم في أيام الحيض حيض» فالمراد بأيام الدم أيام
العادة لا ما يمكن ان يكون حيضا ، فان تفسيره بذلك تعسف محض سواء وقع من الشيخ أو
غيره ، ويؤيد ما قلناه ما تقدم من الاخبار ومثله في كلام الأصحاب «ان الصفرة في
أيام الحيض حيض» (2). فان المراد
انما هي أيام العادة كما عليه اتفاق كلمة الأصحاب ، وبالجملة فإن كلامه في البطلان
أظهر من ان يحتاج الى مزيد بيان.
(الرابع) ـ لو اجتمع لها مع العادة تمييز فلا يخلو اما
ان يتفقا وقتا وعددا وحينئذ فلا اشكال ، واما ان يختلفا وحينئذ فان مضى بينهما أقل
الطهر فالذي صرح به جملة من الأصحاب انها تتحيض بهما معا لتوسط أقل الطهر بينهما ،
واستشكل فيه بعض فضلاء متأخري المتأخرين نظرا الى النصوص ، فان مقتضاها ان
المستحاضة تجعل أيامها حيضا والباقي استحاضة ، قال : «والظاهر الرجوع الى العادة»
وهو جيد. ويظهر من
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب الحيض.
العلامة في النهاية التردد بين جعلهما
حيضا وبين التعويل على التمييز وبين التعويل على العادة والظاهر ضعفه لما عرفت من
ان ظاهر الأخبار التعويل على العادة مطلقا ، ومن أظهر الأخبار زيادة على ما قدمنا موثقة
إسحاق بن جرير (1) قال : «سألتني
امرأة منا ان أدخلها على ابي عبد الله (عليهالسلام) فاستأذنت لها
فاذن لها فدخلت ومعها مولاة لها ، فقالت له : يا أبا عبد الله ما تقول في المرأة
تحيض فتجوز أيام حيضها؟ قال : ان كان أيام حيضها دون عشرة أيام استظهرت بيوم واحد
ثم هي مستحاضة. قالت : فان الدم يستمر بها الشهر والشهرين والثلاثة فكيف تصنع
بالصلاة؟ قال تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين. قالت له : ان أيام حيضها تختلف
عليها وكان يتقدم الحيض اليوم واليومين والثلاثة ويتأخر مثل ذلك فما علمها به؟ قال
دم الحيض ليس به خفاء هو دم حار تجد له حرقة ودم الاستحاضة دم فاسد بارد.». ألا
ترى كيف شدد عليها الرجوع الى العادة كلما راجعته في الكلام ولم يأمرها بالرجوع
الى التمييز إلا حيث أخبرته باختلاف العادة واضطرابها ، وبالجملة فإن ترك
الاستفصال مع قيام الاحتمال يدل على العموم في المقال كما قرروه في غير موضع. وان
لم يمض بينهما أقل الطهر فإن أمكن الجمع بينهما بان لا يتجاوز المجموع العشرة
فالمنقول عن غير واحد من المتأخرين انه يجمع بينهما ، وعن الشيخ فيه قولان أحدهما
ترجيح التمييز والآخر ترجيح العادة ولعله الأقرب الى الأخبار. وان لم يمكن الجمع
بينهما كما إذا رأت في أيام العادة صفرة وقبلها أو بعدها بصفة دم الحيض وتجاوز
الجميع العشرة فالمشهور بين الأصحاب ـ ومنهم الشيخ في الجمل والمبسوط وابن الجنيد
والمرتضى ـ الرجوع الى العادة ، وقال الشيخ في النهاية بالرجوع الى التمييز ، وحكى
في الشرائع قولا بالتخيير ولم ينقل هذا القول في المعتبر ولا نقله ناقل من الأصحاب
كما اعترف به في المدارك ، وكيف كان فالمعتمد هو القول الأول للأخبار الكثيرة
المتقدمة (2) ونقل في
المدارك عن الشيخ انه احتج لما ذهب إليه في النهاية بصحيحة حفص بن البختري
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب الحيض.
(2) ص 213.
المتقدمة (1) ونحوها من
الأخبار الدالة على صفات دم الحيض ، ثم أجاب بأن صفة الدم يسقط اعتبارها مع العادة
لأن العادة أقوى في الدلالة ، ولما رواه محمد بن مسلم في الصحيح (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المرأة
ترى الصفرة والكدرة في أيامها؟ قال لا تصل حتى تنقضي أيامها فإن رأت الصفرة في غير
أيامها توضأت وصلت». أقول : قد سبقه الى ما ذكره هنا جده (قدسسره) في الروض ،
والظاهر ان وجه استدلالهما بصحيحة محمد بن مسلم المذكورة هو انه لما كانت الصفرة
والكدرة ليستا من صفات الحيض بل من صفات الطهر فلو رجح العمل بالتمييز لحكم بالطهر
بوجودهما في أيام العادة مع ان الأمر بالعكس في الخبر ، فهو يدل على انه إذا
تعارضت العادة والتمييز قدمت العادة فيجب تقديمها في محل البحث. وهو جيد. اما ما
ذكره من التعليل الأول فإنه محض مصادرة لانه عين الدعوى ، نعم يصلح ان يكون وجها
للنص المذكور وبيانا لوجه الحكمة فيما اشتمل عليه من الحكم. والأظهر هو الاستدلال
على ذلك بموثقة إسحاق بن جرير المذكورة ، حيث انه (عليهالسلام) أمرها أولا
مع استمرار الدم بالجلوس أيام الحيض حصل لها تمييز أم لم يحصل ثم بعد ان أخبرته
باضطراب عادتها بالتقدم والتأخر والزيادة والنقصان أمرها بالرجوع الى التمييز ،
وعلى هذا ينبغي ان تحمل حسنة حفص (3) ونحوها. وفي المختلف بعد ان أورد
حسنة حفص المذكورة حجة للشيخ أجاب بان ما دلت عليه حكم المضطربة والمبتدأة ، اما
ذات العادة المستقرة فممنوع. وبالجملة فروايات التمييز مطلقة وهذه الروايات مختصة
بذات العادة فيجب تخصيص اخبار التمييز بهذه الاخبار.
والمراد بالعادة التي يجب الأخذ بها هنا ما هو أعم من
العادة الحاصلة بالأخذ والانقطاع بالنسبة إلى ذات العادة والعادة الحاصلة من
التمييز بالنسبة الى ما عداها من المبتدأة والمضطربة عند الأصحاب والمضطربة خاصة
عندنا إذ لم نجد للتمييز في المبتدأة مستندا
__________________
(1 و 3) ص 151.
(2) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب الحيض.
وعن المحقق الشيخ علي انه رجح تقديم
العادة المستفادة من الأخذ والانقطاع دون المستفادة من التمييز حذرا من لزوم زيادة
الفرع على أصله ، قال في المدارك : «وهو ضعيف» وهو كذلك. والله العالم.
(المسألة الرابعة) ـ قد صرح الأصحاب بأن العادة كما تحصل
بالأخذ والانقطاع كذا تحصل بالتمييز ، فلو مر بها شهران قد رأت الدم فيهما بصفات
دم الحيض متفقا في الوقت ثم اختلف الدم في باقي الأشهر فإنها ترجع الى عادتها في
الشهرين وتتحيض بها ولا تعتبر باختلاف الدم لأن الأول صار عادة ، قال في المنتهى :
«العادة تثبت بالتمييز فإن رأت في الشهرين الأولين خمسة أيام دما اسود وما بينهما
دما احمر ثم رأت في الثالث وما بينهما تحيضت بالخمسة. لنا ان المبتدأة ترجع الى
التمييز لما يأتي فتتحيض به فإذا عاودها صار عادة فوجب الرجوع في الثالث اليه ولا
نعرف فيه خلافا» انتهى. وما ذكره من
رجوع المبتدأة إلى التمييز قد عرفت انه لا دليل عليه وانما هو في المضطربة كما
سيأتي ان شاء الله تعالى بيانه ، وحينئذ فالعادة الحاصلة من التمييز انما هو
بالنسبة إليها حيث انها هي التي ورد في حقها العمل بالتمييز ، والوجه في حصول
العادة بذلك هو ان الشارع قد جعل التمييز ـ متى حصل ـ قرء لها تتحيض به فمتى تكرر
في الشهر الثاني وقتا وعددا فقد حصلت العادة بتقريب ما تقدم في العادة الحاصلة من
الأخذ والانقطاع ، وتدخل حينئذ تحت إطلاق تلك الأخبار مثل قوله (عليهالسلام) في موثقة
سماعة المتقدمة (1) : «إذا اتفق
شهران عدة أيام سواء فتلك عادتها». وقوله (صلىاللهعليهوآله) في حديث يونس
(2) : «تحيضي أيام
أقرائك». وأدناه حيضتان بالتقريب الذي ذكره الصادق (عليهالسلام) في الخبر
المشار اليه. وبالجملة فالظاهر ان الحكم لا اشكال فيه بالنسبة الى من ورد في حقها
العمل بالتمييز. واما ما ذكره الأصحاب من التمييز في المبتدأة فقد عرفت انه لا
مستند له. وما ذكروه في ذات العادة إذا استمر بها الدم ففيه ايضا ما عرفت
__________________
(1) ص 188.
(2) ص 182.
في سابق هذه المسألة من انه لا دليل
عليه وانما حكمها الرجوع الى العادة اعني الأيام التي اعتادتها بالأخذ والانقطاع.
وينبغي التنبيه على فوائد (الأولى) ـ قد صرح الأصحاب بان ما
تراه المرأة من الثلاثة إلى العشرة مما يمكن ان يكون حيضا فهو حيض تجانس أو اختلف
، قال في المعتبر :
«وهو إجماع» وقال الشهيد الثاني : «والمراد بالإمكان هنا
معناه العام وهو سلب الضرورة عن الجانب المخالف للحكم ، فيدخل فيه ما تحقق كونه
حيضا لاجتماع شرائطه ولارتفاع موانعه كرؤية ما زاد على الثلاثة في زمن العادة
الزائدة عنها بصفة دم الحيض وانقطاعه عليها ، وما احتمله كرؤيته بعد انقطاعه على
العادة ومضى أقل الطهر متقدما على العادة فإنه يحكم بكونه حيضا لإمكانه ، ويتحقق
عدم الإمكان بقصور السن عن التسع سنين وزيادته على الخمسين أو الستين وبسبق حيض
محقق لم يتخلل بينهما أقل الطهر أو نفاس كذلك وكونها حاملا على مذهب المصنف وغير
ذلك» انتهى. وظاهر المدارك التوقف في أصل الحكم المذكور حيث قال بعد نقل ذلك عنهم
: وهو مشكل جدا من حيث ترك المعلوم ثبوته في الذمة تعويلا على مجرد الإمكان ، ثم
قال : والأظهر انه انما يحكم بكونه حيضا إذا كان بصفة دم الحيض لعموم قوله (عليهالسلام) (1) : «إذا كان
للدم دفع وحرارة وسواد فلتدع الصلاة». أو كان في
العادة لصحيحة محمد بن مسلم قال : «سألت أبا
عبد الله (عليهالسلام) عن المرأة
ترى الصفرة في أيامها. الحديث». وقد تقدمت
قريبا (2).
أقول : يمكن الاستدلال لما ذكره الأصحاب من انه بعد تحقق
الحيض فكل ما رأته المرأة في العشرة التي مبدأها الدم الأول فهو حيض برواية يونس
الدالة على عدم اعتبار التوالي في الأيام الثلاثة التي هي أقل الحيض ، وقد تقدمت
في المسألة المشار إليها (3) ونحوها صحيحة
محمد بن مسلم وموثقته المتقدمتان ثمة (4) الدالتان على انه إذا رأت
__________________
(1) في صحيحة حفص المتقدمة ص 151.
(2) ص 227.
(3) ص 159.
(4) ص 161.
الدم قبل إتمام العشرة فهو من الحيضة
الاولى ، ونحو ذلك كلامه (عليهالسلام) (1) في الفقه
الرضوي حيث قال : «فإن رأت الدم بعد اغتسالها من الحيض قبل استكمال عشرة أيام بيض
فهو ما بقي من الحيضة الاولى ، وان رأت الدم بعد العشرة البيض فهو ما تعجل من
الحيضة الثانية». انتهى. وكان
الاولى في الاستدلال لما ذكروه هو هذه الاخبار لا التعليل بمجرد الإمكان الذي
جعلوه كالقاعدة الكلية في غير مكان فإنه عليل لا يصلح لتأسيس الأحكام الشرعية
حسبما أورده عليهم في المدارك. نعم يبقى الإشكال في انه قد دلت الأخبار المتقدمة
على ان ما تراه المرأة بعد أيام العادة والاستظهار أو العادة خاصة كما في الاخبار
الأخر فهو استحاضة أعم من ان ينقطع على العشرة أو يتجاوز ، ويمكن الجمع بتخصيص
عموم الاخبار المشار إليها بهذه الاخبار بان يستثني منها حكم ذات العادة ويقال ان
كل دم رأته المرأة في العشرة فهو حيض ما عدا مورد هذه الاخبار المتعلقة بذات
العادة. هذا. واما ما استظهره في المدارك من الحكم بكونه حيضا مع الإنصاف بضفة دم
الحيض فلا يتم كليا لان من فروع هذه القاعدة عندهم من زاد دمها على العادة ثم
استمر حتى انقطع على العاشر فإنهم حكموا بكون الجميع حيضا ، اما دم العادة فظاهر
واما ما زاد فبهذه القاعدة وهو انه يمكن ان يكون حيضا فيجب ان يكون حيضا ،
والمستفاد ـ كما عرفت آنفا ـ من اخبار المسألة ان ما زاد على أيام العادة أو مع
أيام الاستظهار فهو استحاضة مطلقا انقطع على العاشر أم لا بصفة الحيض كان أم لا ،
وبذلك صرح هو نفسه في الموضع الخامس من شرح قول المصنف (رحمهالله) : «الثالثة ـ
إذا انقطع الدم لدون العشرة فعليها الاستبراء» حيث قال : «والمستفاد من الاخبار ان ما بعد
أيام الاستظهار استحاضة. إلخ» واما على ما ذكرنا من الاستناد الى ما نقلناه من
الأخبار والجمع بينها بما ذكرناه فلا إشكال في المقام بتوفيق الملك العلام.
__________________
(1) ص 21.
(الثانية) ـ قد صرحوا بأنه لو رأت الدم ثلاثة ثم انقطع
ورأته قبل العاشر كان الجميع من الدمين وما بينهما من النقاء حيضا ، اما الدم
الأول فلا يخلو اما ان يكون دم عادة فلا إشكال أولا فيكون مما يمكن ان يكون حيضا ،
واما الثاني فهو مما يمكن ان يكون حيضا فيجب الحكم بكونه حيضا ، واما النقاء
فلكونه أقل من عشرة فلا يمكن الحكم بكونه طهرا. ولو تأخر بمقدار عشرة أيام ثم رأته
كان الأول حيضا منفردا والثاني يمكن ان يكون حيضا مستأنفا لمضي أقل الطهر بينهما ،
قال في المدارك : «فان ثبتت الكلية المدعاة في كلامهم تحيضت برؤيته ـ يعني الدم
الثاني الذي بعد العشرة ـ وإلا وجب مراعاة الصفات على ما تقدم من التفصيل».
أقول : اما ما ذكروه من الحكم بكون النقاء المتوسط بين
الدمين حيضا متى كان أقل من عشرة فقد تقدم الكلام فيه ، لان كلامهم هذا مبني على
قاعدة أقل الطهر عشرة مطلقا ، وهو ممنوع لما قدمناه من انه مخصوص بالطهر المتوسط
بين حيضتين ، بمعنى انه لا يحكم بتعدد الحيض إلا بتوسط العشرة اما إذا كان في حيضة
واحدة فلا مانع منه ، وعليه تدل الأخبار المتقدمة في مسألة اشتراط توالي الثلاثة وعدمه
كما أوضحناه ثمة (1) والمستفاد
منها انه متى رأت الدم المحكوم بكونه حيضا ثم انقطع فان مضت عشرة أيام خالية من
الدم ثم عاد فإنه يحكم بكونه حيضا ثانيا مع بلوغه الثلاثة وان لم تمض العشرة فإنه
من الحيضة الاولى ، وهو صريح في إبطال كلامهم في هذه المسألة ، لان من جملة فروض
المسألة ما لو تحيضت أولا بخمسة أيام ثم انقطع الدم ثمانية أيام مثلا ثم عاد خمسة
، فمقتضى قواعدهم من البناء على قاعدة الإمكان بتقدير إجرائه في هذا المكان لانه
لا يمكن الحكم بالتحيض على ما عدا الدم الأول فالدم الثاني عندهم استحاضة ، ولا
يمكن الحكم بكونه حيضا مستقلا لعدم توسط أقل الطهر عندهم ، ولا بانضمامه الى الدم
الأول مع النقاء المتوسط للزوم الزيادة على العشرة التي هي أكثر
__________________
(1) ص 159.
الحيض ، والمفهوم من الاخبار المشار
إليها ان الدم الثاني من الحيضة الأولى ، ومنه يلزم ان النقاء المتوسط طهر وإلا
لزم المحذور المذكور ، ومن أظهر الروايات الدالة على ذلك رواية الفقه الرضوي
المتقدمة قريبا ، ورواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله المتقدمة في مسألة توالي
الأيام الثلاثة (1) ونحوهما
روايتا محمد بن مسلم (2) واما ما ذكره
في المدارك ـ من ان التحيض بالدم الثاني الذي بعد العشرة مبني على الكلية المدعاة
فإن ثبتت والا وجب مراعاة الصفات ـ ففيه ان الحكم المذكور ثابت بالنصوص التي أشرنا
إليها ، ولعلها مستند الأصحاب في هذه الكلية ، الا انه لا عموم فيها على الوجه
الذي يدعونه بحيث يكون حكما كليا بل يجب الاقتصار فيها على مواردها. والله العالم.
(الثالثة) ـ قد صرح الأصحاب بان ما تراه المرأة في أيام
الحيض من الصفرة والكدرة حيض وما تراه في أيام الطهر طهر ، وفسر في الروض أيام
الحيض بما يمكن ان يكون حيضا ، قال : «والمراد بأيام الحيض ما يحكم على الدم
الواقع فيها بأنه حيض سواء كانت أيام العادة أم غيرها فتدخل المبتدأة ومن تعقب
عادتها دم بعد أقل الطهر ، وضابطه ما أمكن كونه حيضا ، وربما فسرت بأيام العادة
والنصوص دالة بعمومها على الأول» قال في المدارك بعد ان نقل عن جده ذلك : «هذا
كلامه (رحمهالله) وأقول ان هذا
التفسير أولى ، إذ الظاهر اعتبار الأوصاف في غير المعتادة مطلقا كما بيناه» أقول :
أشار بقوله «هذا التفسير» الى التفسير الأخير وهو التفسير بأيام العادة. وهو
الظاهر فإنه المتبادر من النصوص بالخصوص لا العموم كما ادعاه ، ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المرأة
ترى الصفرة في أيامها؟ فقال لا تصل حتى تنقضي أيامها وان رأت الصفرة في غير أيامها
توضأت وصلت».
وموثقة معاوية بن حكيم (4) قال قال : «الصفرة
قبل الحيض بيومين فهو من
__________________
(1) ص 163.
(2) ص 161.
(3) المروية في الوسائل في الباب 4 من أبواب الحيض.
(4) المروية في الوسائل في الباب 4 من أبواب الحيض.
الحيض وبعد أيام الحيض ليس من الحيض
وفي أيام الحيض حيض». وفي مرسلة يونس عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) «كل ما رأت
المرأة في أيام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض ، وكل ما رأته بعد أيام حيضها
فليس من الحيض». ورواية إسماعيل الجعفي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
رأت المرأة الصفرة قبل انقضاء أيام عادتها لم تصل وان كانت صفرة بعد انقضاء أيام
قرئها صلت». الى غير ذلك من الاخبار الظاهرة في المراد ، فان التعبير بأيامها في
الخبر الأول انما ينصرف الى المعهود من أيام عادتها لا ما يمكن كونه حيضا ، وقرينة
التقسيم في الثانية ظاهرة في العادة ، وكذا في الثالثة والرابعة ، وبالجملة فإن
تبادر ذلك من الاخبار أظهر من ان ينكر. واما ما ذكره في المدارك من ان الظاهر
اعتبار الأوصاف في غير المعتادة مطلقا فهو على إطلاقه ممنوع بل الأظهر الوقوف على
الأخبار ان وجدت وإلا فالرجوع إلى الأوصاف كما ذكره ، وقد قدمنا جملة من الاخبار
الدالة على التحيض بما يتفق في العشرة ونحوها الأخبار الدالة على التحيض بالدم
الثاني بعد توسط أقل الطهر ، ومثل ذلك أخبار المبتدأة فإنه قد تقدم ما يدل على
تحيضها برؤية الدم مطلقا ، وهذه كلها خارجة عن أيام العادة مع دلالة الاخبار على
التحيض فيها برؤية الدم وافق دم الحيض أو خالفه. والله العالم.
(المطلب الثالث) ـ في المضطربة وفيه مسائل (الأولى) ـ قد
اضطرب كلامهم في تفسير المضطربة ، ففسرها في المعتبر بأنها التي لم تستقر لها عادة
وجعل الناسية للعادة قسيما لها ، والذي صرح به العلامة ومن تأخر عنه انها من
استقرت لها عادة ثم اضطرب عليها الدم ونسيتها. أقول : وهذا المعنى الثاني هو الذي
صرحت به رواية يونس الطويلة المتقدمة (3) حيث قال (عليهالسلام): «واما سنة
التي قد كانت لها أيام متقدمة ثم اختلط عليها من طول الدم فزادت ونقصت حتى أغفلت
عددها وموضعها من الشهر. الحديث». وظاهره ان المضطربة هي ناسية الوقت والعدد ،
وتعرف هذه
__________________
(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 4 من أبواب الحيض.
(3) ص 182.
عند الفقهاء بالمتحيرة لتحيرها في
نفسها والمحيرة للفقيه في أمرها ، وظاهر الأصحاب رجوع المضطربة بتفسيريها الى
التمييز ، وعلله في المدارك بعموم الأدلة الدالة على ذلك ثم نقل عن بعض المحققين
انه قال : وقد تقدم ان المضطربة من نسيت عادتها اما عددا أو وقتا أو عددا ووقتا ،
والحكم برجوعها الى التمييز مطلقا لا يستقر لأن ذاكرة العدد الناسية للوقت لو عارض
تمييزها عدد أيام العادة لم ترجع الى التمييز بناء على ترجيح العادة على التمييز ،
وكذا القول في ذاكرة الوقت ناسية العدد ، ويمكن الاعتذار عنه بان المراد برجوعها
الى التمييز ما إذا طابق تمييزها العادة بدليل ما ذكره من ترجيح العادة على
التمييز. هذا كلامه (رحمهالله) ثم قال : «ولا
يخفى انه على هذا الاعتذار لا يظهر لاعتبار التمييز فائدة ، ويمكن ان يقال باعتبار
التمييز في الطرف المنسي خاصة أو تخصيص المضطربة بالناسية للوقت والعدد» انتهى.
أقول : لا يخفى انه لم يرد في الاخبار ما يدل على معنى
المضطربة وحكمها من الرجوع الى التمييز إلا رواية يونس المشار إليها (1) وقد عرفت ان
الذي تضمنته انما هو ناسية الوقت والعدد خاصة ، واما من لم تستقر لها عادة ـ كما
فسرها به في المعتبر أو ناسية العدد خاصة كما ذكره المحقق المشار اليه ـ فلا اعرف
له مستندا ، ومنه يظهر عدم ورود ما أورده من الإشكال الذي تكلف الجواب عنه. ويمكن
استفادة المضطربة بالمعنى الذي ذكره المحقق المشار اليه وهي الناسية للعدد خاصة أو
الوقت خاصة بما ورد في رواية إسحاق بن جرير (2) حيث قال فيها : «قالت فان الدم يستمر
بها الشهر والشهرين والثلاثة فكيف تصنع بالصلاة؟ قال تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل
صلاتين. قالت له ان أيام حيضها تختلف عليها وكان يتقدم الحيض اليوم واليومين
والثلاثة ويتأخر مثل ذلك فما علمها به؟ قال : دم الحيض ليس به خفاء هو دم حار تجد
له حرقة ودم الاستحاضة
__________________
(1) المتقدمة ص 182.
(2) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب الحيض.
دم فاسد بارد. الحديث». والتقريب فيه
انه إذا كان الاضطراب يحصل بالتقدم والتأخر على الوجه المذكور فلان يحصل بنسيان
العدد أو الوقت بطريق اولى. وفيه ما فيه ، على انه يحتمل ان يكون المعنى في الخبر
المذكور انه تنظر الى هذا الدم الذي يأتيها في أيام العادة مع ما هي عليه من
التقدم والتأخر على الوجه المذكور فتجعل ما تجده بصفة الحيض حيضا وما كان بصفة
الاستحاضة استحاضة ، وبذلك يظهر انه لا يكون حكما كليا كما هو المدعى. والتحقيق
انه ان عارض التمييز العادة فالترجيح للعادة لما عرفت فيما تقدم ، وإلا فإن وجد في
الأخبار ما يدل على التحيض بذلك الدم مطلقا فالواجب الأخذ به والا فالعمل على
التمييز ، إذ الظاهر من اخبار التمييز هو الرجوع إليه في مقام اشتباه الدم ، ففي
صحيحة حفص بن البختري (1) قال : «دخلت
على ابي عبد الله (عليهالسلام) امرأة فسألته
عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري حيض هو أو غيره؟ قال فقال لها : ان دم الحيض
حار عبيط اسود له دفع وحرارة ودم الاستحاضة اصفر بارد فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد
فلتدع الصلاة.». وحينئذ فيجب الرجوع الى التمييز في جميع أقسام المضطربة ما لم
تعارضه ثمة عادة ، هذا بالنسبة إلى العادة العددية الوقتية ، اما العددية خاصة فلو
عارضها التمييز كان تكون عادتها خمسة مثلا ورأت الدم بصفات دم الحيض أقل أو أكثر
منها فظاهر إطلاق كلام الأصحاب هو الرجوع الى التمييز حيث انهم أطلقوا رجوع
المضطربة بجميع أقسامها إلى التمييز ، واحتمال الرجوع الى العادة قوى ، والأحوط
هنا الجمع بينهما بجعل الجميع حيضا وقضاء عبادات ما زاد أو نقص عن أيام العادة ،
واما الوقتية فمتى عارضها التمييز فالظاهر رجحان العادة ، فلو رأت في ذلك الوقت ما
هو بصفة دم الاستحاضة وفي غيره ما هو بصفة دم الحيض فالأقرب تحيضها بما رأته في
الوقت المذكور لقوة دلالة الوقت وعموم الأخبار الدالة على ان الصفرة والكدرة في
وقت
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب الحيض.
الحيض حيض (1). والله
العالم.
(المسألة الثانية) ـ قد تقدم ان ظاهر كلام الأصحاب انه
يجب الاستظهار على المبتدأة والمضطربة بان تتعبد في أول الدم ثلاثة أيام ليتحقق
كونه حيضا ، وقد عرفت انه في المبتدأة لا دليل عليه بل الدليل واضح في خلافه ،
وكذا هنا ، قال في المدارك ـ بعد ان نقل عن المصنف وجوب الاحتياط على المضطربة
بأقسامها الثلاثة المتقدمة ـ ما لفظه : «والحكم بوجوب الاحتياط عليها انما يتم في
ناسية الوقت اما ذاكرته فإنها تتحيض برؤية الدم قطعا ، وقد تقدم ان الأظهر تحيض
الجميع برؤية الدم إذا كان بصفة دم الحيض» أقول : اما ما ذكره ـ من تحيض ذاكرة
الوقت بمجرد رؤية الدم ـ فلا اشكال فيه ، واما ما ذكره ـ من ان الأظهر كما تقدم
تحيض الجميع برؤية الدم إذا كان بصفة دم الحيض إشارة الى ما قدمه في المبتدأة ـ فقد
عرفت ما فيه ثمة ، الا ان الحكم في المضطربة لما كان هو الرجوع الى التمييز الذي
هو الأخذ بصفات دم الحيض فإنه يختص التحيض بما إذا كان الدم بصفة دم الحيض البتة ،
واما ما ذكره الأصحاب من الاحتياط بان لا تترك العبادة ثلاثة أيام فإن أرادوا به
الاحتياط في صورة كون الدم بصفة دم الحيض فهو خلاف النص الذي هو رواية يونس المتقدمة
(2) فإنه قد تكرر
فيها الأمر بالتحيض بصفات الدم كقوله (صلىاللهعليهوآله): «فإذا أقبلت
الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي». وقول الباقر (عليهالسلام): «إذا رأيت
الدم البحراني فدعي الصلاة وإذا رأيت الطهر ولو ساعة من نهار فاغتسلي». وان أرادوا
به الاحتياط في غير الصورة المذكورة فهو ليس باحتياط بل هو الحكم الشرعي في ذلك ،
فإنها مع عدم اتصاف الدم بصفات دم الحيض فالحكم الشرعي فيها وجوب العبادة عليها
كما عرفت من قوله (صلىاللهعليهوآله) : «وإذا
أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي» والمراد بإقبال الدم وإدباره هو الاتصاف بصفات دم
الحيض وعدمه ، ونحوه قول الباقر
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 4 من أبواب الحيض.
(2) ص 182.
(عليهالسلام) : «وإذا رأيت
الطهر ساعة» يعني ما ليس بصفة دم الحيض ، وبالجملة فإني لا اعرف لهذا الاحتياط هنا
محلا ولا دليلا.
(المسألة الثالثة) ـ قد صرح الأصحاب بأن المضطربة متى
فقدت التمييز فلا يخلو اما ان تكون ناسية الوقت والعدد معا أو ناسية للوقت خاصة
ذاكرة للعدد أو بالعكس فههنا صور ثلاث :
(الأولى) ـ ناسية الوقت والعدد وهي المشهورة بالمتحيرة
كما تقدم ، قيل بأنها ترجع الى الروايات بان تتحيض في كل شهر بستة أيام أو سبعة أو
عشرة من شهر وثلاثة من آخر ، ومتى اختارت عددا جاز لها وضعه في أي موضع شاءت لعدم
الترجيح في حقها ولا اعتراض للزوج ، وهل يجب في الشهر الثاني وما بعده المطابقة في
الوقت لما عليه في الأول أو يكون التخيير باقيا وكذا التخيير في الأعداد؟ احتمالان
، وهذا هو المشهور عندهم بل نقل عليه الشيخ في الخلاف الإجماع ، مع انه في المبسوط
افتى بوجوب الاحتياط عليها بان تعمل في الزمان كله ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل
للحيض في كل وقت يحتمل انقطاع الدم فيه وهو بعد الثلاثة لكل صلاة ، لاحتمال انقطاع
الدم عنها إذ ما من زمان بعد الثلاثة الا ويحتمل الحيض والطهر والانقطاع ، وتقضي
صوم عادتها وأوجب عليها اجتناب ما تجنبه الحائض ، وجعل العلامة في القواعد هذا
القول أحوط. وقال الشيخ في الجمل ترجع الى التمييز فان فقدته تركت الصلاة في كل
شهر سبعة أيام. وقال في النهاية : «فإن كانت المرأة لها عادة الا انه اختلطت عليها
العادة واضطربت وتغيرت عن أوقاتها وأزمانها فكلما رأت الدم تركت الصوم والصلاة
وكلما طهرت صلت وصامت الى ان ترجع الى حال الصحة. وقد روى انها تفعل ذلك ما بينها
وبين شهر ثم تفعل ما تفعله المستحاضة» وقريب منه كلام الصدوق في الفقيه ، وقال أبو
الصلاح انها ترجع إلى عادة نسائها فان لم يكن لها نساء تعرف عادتهن اعتبرت صفة
الدم ، فان كان الدم بصفة واحدة تحيضت في كل شهر سبعة أيام ، قال في المختلف : «وهذا
القول مخالف للمشهور في
أمرين : (الأول) ـ انه جعل للمضطربة
رجوعا إلى نسائها والمشهور ان ذلك للمبتدأة خاصة (الثاني) ـ انه جعل التمييز
مرجوعا اليه بعد فقد النساء» وقال ابن إدريس : إذا فقدت التمييز كان فيها الأقوال
الثلاثة المذكورة في المبتدأة ، وكان قد ذكر في المبتدأة ستة أقوال : (الأول) ـ انها
تتحيض في الشهر الأول بثلاثة أيام وفي الثاني بعشرة. (الثاني) ـ عكسه (الثالث) ـ سبعة
أيام (الرابع) ـ ستة أيام (الخامس) ـ ثلاثة أيام في كل شهر (السادس) ـ عشرة في كل
شهر. ورجح المحقق في المعتبر انها تتحيض بثلاثة أيام وتصلي وتصوم بقية الشهر
استظهارا وعملا بالأصل في لزوم العبادة. قال في المدارك بعد نقله عنه : «وهو متجه»
هذا ما وقفت عليه من أقوالهم في هذه المسألة. والذي وقفت عليه من الاخبار في هذه
المسألة رواية يونس المتقدمة (1) وقد تضمنت
انها مع فقد التمييز تتحيض بسبعة أيام حيث قال (عليهالسلام) في آخر
الرواية بعد الأمر بالعمل بالتمييز والأخذ بإقبال الدم وإدباره : «فان لم يكن
الأمر كذلك ولكن الدم أطبق عليها فلم تزل الاستحاضة دارة وكان الدم على لون واحد
وحالة واحدة فسنتها السبع والثلاث والعشرون. الحديث». ومن ذلك يظهر قوة ما ذهب
إليه في الجمل لدلالة هذا الخبر عليه. واما القول المشهور فهو مبني على الاستدلال
بموثقتي ابن بكير وموثقة سماعة المتقدمات في بحث المبتدأة (2) وموردها انما
هو المبتدأة كما عرفت فالاستدلال بها هنا لا اعرف له وجها ، والعجب من غفلة الجميع
عن ذلك ولا سيما متأخري المتأخرين الذين عادتهم المناقشة في الأدلة كصاحب المدارك
ونحوه. واما قول الشيخ في النهاية ونحوه الصدوق فمستنده موثقتا يونس بن يعقوب وابي
بصير المتقدمتان في الموضع الأول من المقام الثاني من المطلب الأول في المبتدأة من
المقصد الثاني (3) بحمل
الروايتين على من اختلط دمها كما عبر به في النهاية ونحوه في الاستبصار كما تقدم
ثمة. وفيه ان الظاهر ان الحكم المذكور كلي في جميع أفراد المضطربة والخبران لا
يساعدان
__________________
(1) ص 182.
(2) ص 194.
(3) ص 195.
عليه لتخصيصهما ذلك بالشهر أو
الثلاثين يوما ثم تعمل عمل المستحاضة ، وبالجملة فالظاهر هو القول بهما والوقوف
على موردهما كما يشعر به كلام الصدوق وان كان ظاهر عبارة الفقيه كونه حكما كليا
حيث أوجب عليها ذلك الى ان ترجع الى حال الصحة ، فإنه لا دليل عليه في المقام سوى
الخبرين المذكورين وهما قاصران عن الدلالة على ما ادعاه. واما ما ذهب إليه أبو
الصلاح من التحيض بسبعة بعد فقد التمييز فهو جيد لما عرفت من الدليل وان كان ما
ادعاه من الرجوع الى نسائها أولا لا دليل عليه. واما ما ذكره ابن إدريس فقد عرفت
ما فيه مما أوردناه على القول المشهور. واما ما ذكره المحقق فقد تقدم الكلام فيه
وأوضحنا ما يكشف عن ضعف باطنه وخافية في بحث المبتدأة في الموضع الثالث من المقام
الثاني من المطلب الأول في المبتدأة من المقصد الثاني. واما ما ذكره الشيخ من
الاحتياط المذكور فقد رده جملة من الأصحاب باستلزامه الحرج المنفي في الآية
والاخبار ، قال في الذكرى : «والقول بالاحتياط عسر منفي بالآية والرواية» وقال في البيان
: «الاحتياط هنا بالرد الى أسوأ الاحتمالات ليس مذهبا لنا» وفيه إشارة إلى كونه
قولا للعامة ، وهو كذلك فإنه نقله في المنتهى عن الشافعي ، وبالجملة فهو قول لا
دليل عليه بل الدليل ظاهر في خلافه كما عرفت. وبالجملة فالظاهر عندي في المسألة هو
ما ذهب اليه الشيخ في الجمل لما عرفت. والله العالم.
(الثانية) ـ ناسية الوقت ذاكرة العدد ، والمشهور بين
الأصحاب (رضوان الله عليهم) انها تعمل على العدد المذكور وتتخير في وضعه في أي
موضع أرادت من الشهر ، وعن المبسوط انها تعمل بالاحتياط المتقدم ، واختاره العلامة
في الإرشاد ونسبه في الشرائع إلى القيل واقتصر عليه ، ومثله في المعتبر حيث نقل
ذلك عن الشيخ واقتصر عليه ، وهو مؤذن باختياره ، وقال في الروض : «ويتفرع على هذا
القول فروع جليلة ومسائل مشكلة» ثم انه ينبغي ان يعلم ان موضع الخلاف هنا ما إذا
لم يحصل لها وقت معلوم في الجملة بحيث يتحقق فيه الحيض كما لو لم تعرف قدر الدور
وابتداءه فإنها لا تخرج
عن المتحيرة إلا في نقصان العدد التي
حفظته أو زيادته عما في الروايات ، كما لو قالت كان حيضي سبعة لكن لا أعلم في كم
أضللتها ، أو قالت مع ذلك دوري ثلاثون ولكن لا اعلم ابتداءه ، أو قالت دوري يبتدئ
يوم كذا ولكن لا اعرف قدره ، ففي هذه الصور ترجع الى الروايات على المشهور لاحتمال
الحيض والطهر والانقطاع في كل وقت ، أو تعمل بالاحتياط في كل الزمان عند من ذهب
اليه ، وان حفظت قدر الدور وابتداءه مع العدد كما لو قالت حيضي سبعة في كل شهر
هلالي فقدر العدد من اوله لا يحتمل الانقطاع وانما يحتمل الحيض والطهر وبعده يحتمل
الثلاثة إلى آخر الدوران كان الإضلال فيه اجمع ، وان تيقنت سلامة بعضه كالعشرة
الأخيرة من الشهر ـ مثلا ـ حكمت بكونه طهرا ، والحكم حينئذ في العشرين الباقية
انها تتحيض بالعدد المذكور وتتخير في وضعه بين الأيام التي أضلت فيها وتجعل الدور
استحاضة ، أو تعمل بالاحتياط عند من ذهب إليه في جميع أوقات الإضلال ، وهو ان
تغتسل للحيض في كل وقت يحتمل الانقطاع وهو ما زاد على العدد من أول الدور لعدم
إمكان الانقطاع قبل انقضائه وهكذا ما بعده من الأوقات التي يحتمل فيها الانقطاع ،
تغتسل لكل عبادة مشروطة به ، وتترك تروك الحائض ، ولزمها مع ذلك تكليف المنقطعة من
العبادات والأغسال أو الوضوءات ، وتقضي صوم عادتها خاصة وهو العدد الذي حفظته ان
علمت عدم الكسر والا لزمها قضاء يوم آخر ، وبالجملة فإن الاحتياط على القول به
وعدم تحقق الحيض انما يكون فيما إذا لم يحصل لها وقت معلوم في الجملة بأن تضل
العدد في وقت يزيد نصفه عن ذلك العدد أو يساويه ، كما لو أضلت خمسة أو أربعة في
عشرة فإنها لا حيض لها متيقن لمساواة العدد لنصف الزمان ونقصانه ، اما لو زاد
العدد على نصف الزمان كما إذا أضلت سبعة في عشرة فإنه يتعين كون الزائد وضعفه حيضا
بيقين وهو السادس والخامس لاندراجهما بتقدير تقدم الحيض وتأخره وتوسطه ويتعلق
احتمال الانقطاع بالسادس الى تمام العشرة ، فعلى العمل بالمشهور تضم الى هذين
اليومين بقية العدد المذكور متقدما
أو متأخرا أو بالتفريق ، وعلى العمل
بالاحتياط تجمع في الأربعة الأولى بين أفعال المستحاضة وتروك الحائض وفي الأربعة
الأخيرة تزيد على ذلك غسل الانقطاع عند كل صلاة ، ولو أضلت خمسة في التسعة الأولى
فالخامس خاصة حيض لان العدد يزيد عن نصف الوقت الذي وقع فيه الضلال بنصف يوم فهو
مع ضعفه يوم كامل حيض ، ولو أضلت سبعة في العشرة فالمتحقق حيضا أربعة وهو الرابع
والسابع وما بينهما ، والحكم في ذلك بناء على القولين ما تقدم في مسألة إضلال
الستة في العشرة ، ومن هنا يعلم أحكام مسائل المزج المشهورة في كلامهم وأمثلتها
كثيرة ، ولنذكر منها مثالين للتدرب بهما في تحصيل نظائرهما (فمنها) ـ ما لو قالت
حيضي ستة وكنت أمزج أحد نصفي الشهر بالآخر بيوم ، فهذه أضلت ستة في العشرة الأواسط
فلها يومان حيض متيقن وهما الخامس عشر والسادس عشر والعشرة الأولى من الشهر طهر
بيقين ويتعلق احتمال الانقطاع بالسادس عشر الى العشرين ، والعمل في الأربعة
المتقدمة والمتأخرة كما تقدم. و (منها) ـ ما لو قالت حيضي عشرة وكنت أمزج أحد نصفي
الشهر بالآخر بيوم فقد اضلتها في ثمانية عشر ، فالزائد من العشرة عن نصفها وهو يوم
وضعفه حيض في وسط وقت الضلال وهو ما بين السادس والخامس والعشرين ، والخامس عشر
والسادس عشر حيض متيقن كما ان الستة الاولى من الشهر والستة الأخيرة طهر متيقن ،
ويتعلق احتمال الانقطاع بالسادس عشر الى الرابع والعشرين ، فعلى الاحتياط تغتسل
عليها للحيض وتجمع في الثمانية السابقة على اليومين والثمانية اللاحقة بين أفعال
المستحاضة وتروك الحائض ، وعلى المشهور تضم اي الثمانيتين شاءت الى اليومين ، وعلى
ذلك فقس.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان المسألة المذكورة لما كانت عارية
من النصوص على العموم والخصوص فالواجب فيها الرجوع الى الاحتياط كما أمروا به (عليهمالسلام) في مقام
اشتباه الأحكام ، اما لعدم الدليل أو لاشتباهه وعدم ظهور المعنى المراد منه ،
وبذلك يظهر قوة ما ذهب اليه الشيخ (رحمهالله) هنا ، وما
رده به بعض الأصحاب من لزوم
العسر والحرج غير مسموع في مقابلة
النصوص الدالة على وجوبه في مثل ذلك ، ولو لا ان الدليل في الصورة الأولى موجود
لما كان عن القول بالاحتياط فيها ايضا معدل.
(الثالثة) ـ ذاكرة الوقت ناسية العدد ، وهذه لا تخلو اما
ان تذكر أول الوقت أو آخره أو وسطه أو شيئا منه في الجملة ، فههنا ايضا صور أربع :
(الاولى) ـ ان تذكر اوله وحينئذ فيجب أن تكمله بيومين
لتبين كون الجميع حيضا ويبقى الزائد عنها الى تمام العشرة محل شك واشكال لاحتمال
الطهر والحيض فيها ، فيحتمل ان تجعل طهرا بناء على ان تلك الثلاثة هي وظيفة الشهر
والحيض المتيقن ، واختاره الشهيد في البيان ، ونقله في المدارك عن المعتبر
واستحسنه جريا على ما قدمنا نقله عنه سابقا. وفيه ما عرفت ثمة. وقيل ـ وهو المشهور
ـ ترجع الى الروايات بان تجعل حيضها عشرة أو ستة أو سبعة فتضم إلى الثلاثة ما تكمل
بما تختاره منها ، لصدق النسيان الموجب للحكم في حديث السنن (1) وتجعل الباقي
استحاضة ، ونقله في الروض عن الشهيد ايضا. وفيه ان ظاهر مورد حديث السنن انما هو
ناسية الوقت والعدد معا كما قدمنا ذكره لا ناسية أحدهما ، حيث قال فيه : «واما سنة
التي قد كانت لها أيام متقدمة ثم اختلط عليها من طول الدم فزادت ونقصت حتى أغفلت
عددها وموضعها من الشهر ، ثم قال (عليهالسلام) بعد كلام في
البين : فهذا يبين ان هذه امرأة قد اختلط عليها أيامها لم تعرف عددها ولا وقتها.
الحديث» وحينئذ فلا دلالة في الخبر على هذه الصورة كما لا دلالة فيه على سابقتها.
وقيل بالعمل بالاحتياط كما ذكره الشيخ ومن تبعه بالجمع بين التكاليف الثلاثة :
الحيض والاستحاضة والانقطاع ، فتغتسل للانقطاع بعد الثلاثة وعند كل صلاة أو غاية
مشروطة بالطهارة ، وحينئذ ان قلنا بالتداخل بين الأغسال ـ كما هو الحق في المسألة
ـ يجب عليها للصلوات الخمس خمسة أغسال ، وان قلنا بعدم التداخل يجب عليها للصلوات
الخمس ثمانية أغسال مع كثرة الدم ، خمسة للانقطاع وثلاثة للاستحاضة.
__________________
(1) وهو مرسل يونس المتقدم ص 182.
(الثانية) ـ ان تذكر آخره فيكون نهاية الثلاثة فتجعلها
حيضا بيقين ، والكلام في السبعة المتقدمة حسبما تقدم ، الا انه لا مجال هنا لإمكان
الانقطاع فتقتصر على أفعال المستحاضة وتروك الحائض ، وغسل الانقطاع انما يكون بعد
الثلاثة المتيقنة.
(الثالثة) ـ ان تذكر وسطه خاصة بالمعنى المعروف لغة وهو
ما بين الطرفين ومرجعه الى ان تعرف كونه في أثناء الحيض ، فان ذكرت يوما واحدا
حفته بيومين حيضا محققا وضمت إلى الثلاثة ما يكمل باختيارها من الروايات ـ على
القول بالرجوع الى الروايات ـ قبل المتيقن أو بعده أو بالتفريق ، وان ذكرت يومين
حفتهما بيومين آخرين فيتحقق لها أربعة أيام حيضا محققا وتضم إليها تمام الرواية
التي تختارها ، وعلى القول بالاحتياط تكمل ما تحققته عشرة قبله أو بعده أو
بالتفريق وتعمل في الزائد على ما تحققته بالتكاليف الثلاثة متى كان متأخرا عما
تحققته والا بما عدا الانقطاع لو كان متقدما ، ولو ذكرت الوسط بالمعنى الحقيقي
أعني المحفوف بمتساويين ، فان كان يوما فالحكم فيه ما تقدم في اليوم من الوسط
بالمعنى الأول ، الا انها هنا على تقدير العمل بالروايات لا تختار من الروايات
زوجا كالستة لعدم تحقق الحافتين بل اما تأخذ سبعة أو ثلاثة ، وعلى تقدير القول
بالاحتياط تضم إلى الثلاثة المتيقنة ثلاثة أخرى قبلها وثلاثة أخرى بعدها وتكتفي
بالتسعة للعلم بانتفاء العاشر حينئذ.
(الرابعة) ـ ان تذكر شيئا منه في الجملة فهو الحيض
المتيقن ، فعلى القول بالرجوع الى الروايات ان ساوى إحداها أو زاد اقتصرت عليه
حسبما يتصور وان قصر عنها أكملته بإحداها قبله أو بعده أو بالتفريق ، وعلى القول
بالاحتياط تكمله عشرة أو تجعله نهاية عشرة. إذا عرفت ذلك فاعلم ان الواجب في هذه
الصورة بمقتضى ما قدمناه من عدم وجود النص ووجوب العمل بالاحتياط في أمثال ذلك هو
العمل بالاحتياط الذي ذكره الشيخ فيما زاد على المتيقن من الفروض المذكورة. والله
العالم.
(المقصد الثالث) ـ في الأحكام وفيه أيضا مسائل (الأولى) المشهور
بين الأصحاب جواز وطء الحائض بعد انقطاع الدم قبل الغسل على كراهية ، ونقلوا عن
الصدوق في الفقيه القول بالتحريم ، واعترضهم جملة من متأخري المتأخرين : منهم ـ بل
ربما كان أولهم ـ صاحب المدارك وتبعه من تبعه بان كلامه في الفقيه غير ظاهر في
التحريم لتصريحه بجواز مجامعتها لو كان الزوج شبقا. أقول وعبارة الفقيه هكذا : «ولا
يجوز مجامعة المرأة في حيضها لان الله عزوجل نهى عن ذلك
فقال : «... وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ...» (1) يعني بذلك
الغسل من الحيض ، فان كان الرجل شبقا وقد طهرت المرأة وأراد ان يجامعها قبل الغسل
أمرها ان تغسل فرجها ثم يجامعها» انتهى. ومن نقل عنه القول بالتحريم استند الى صدر
عبارته الدال على ان الله سبحانه نهى عن ذلك حتى تغتسل ، ولا ريب ان هذا الكلام
صريح فيما ذكروه ونسبوه اليه من القول بالتحريم ، ومن نقل عنه القول بالجواز استند
الى قوله : «فان كان الرجل شبقا. إلخ» وأنت خبير بان المفهوم من هذه العبارة انه
يرى التحريم كما هو صريح صدر عبارته ولكنه يستثني هذا الفرد للأخبار الدالة عليه (2) فكأنه يخصص
عموم الآية بالأخبار المذكورة ولو لا ذلك لكان التدافع في كلامه أظهر ظاهر ، فان
صدر كلامه ظاهر في التحريم حتى تغتسل عملا بظاهر الآية التي استند إليها وهي قراءة
«يطهرن» بالتشديد ، إذ المراد بالطهارة الغسل البتة ، وبالجملة فالظاهر عندي هو
صحة ما نسبوه اليه من القول بالتحريم وان استثنى منه هذا الفرد بخصوصه.
والواجب أولا تحقيق الكلام في معنى الآية ثم العطف على
الأخبار الواردة في المسألة ، فنقول : قد استدل على القول المشهور بقراءة السبعة :
«وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ» (3) بالتخفيف اي
يخرجن من الحيض ، يقال طهرت المرأة إذا انقطع حيضها ، فجعل سبحانه
__________________
(1 و 3) سورة البقرة. الآية 221.
(2) المروية في الوسائل في الباب 27 من أبواب الحيض.
غاية التحريم انقطاع الدم فيثبت الحل
بعده عملا بمفهوم الغاية ، لأن الحق انه حجة بل صرح الأصوليون بأنه أقوى من مفهوم
الشرط ، قالوا : ولا ينافي ذلك قراءة التشديد (أما أولا) ـ فلان «تفعل» قد جاء في
كلامهم بمعنى «فعل» كقولهم تبين وتبسم وتطعم بمعنى بان وبسم وطعم ، قيل ومن هذا
الباب المتكبر في أسماء الله تعالى بمعنى الكبير ، وإذا ثبت إطلاق هذه البنية على
هذا المعنى كان الحمل عليه اولى صونا للقراءتين عن التنافي. و (اما ثانيا) ـ فلا
مكان حمل النهي في هذه القراءة على الكراهة توفيقا بين القراءتين وكون النهي عن
المباشرة بعد انقطاع الدم لسبق العلم بتحريمها حالة الحيض من صدر الآية أعني قوله
تعالى : «... فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ...» (1) هكذا قرره في
المدارك. وفيه (أولا) ـ ان مدار الاستدلال على حجية مفهوم الغاية كما ذكره ، وهو
وان سجل على حجيته بما ذكره الا انه غير ظاهر عندي لما قدمناه في مقدمات الكتاب من
انه لم يقم دليل شرعي على حجية شيء من المفاهيم المذكورة سوى مفهوم الشرط كما
تقدم ، والتعويل على مجرد ما يذكر في الأصول من الدعاوي التي يزعمونها أدلة غير
ثابت عندي ، بل المدار عندي في الاستدلال انما هو على الكتاب والسنة وهما الثقلان
اللذان أمر (صلىاللهعليهوآله) بالتمسك بهما
بعده. و (ثانيا) ـ فان ما ادعاه ـ من ان «يطهرن» بالتخفيف اي يخرجن من الحيض ـ مبني
على تفسير الطهارة بالمعنى اللغوي ، ولم لا يجوز الحمل على المعنى الشرعي؟ سيما مع
القول بالحقائق الشرعية لا بد لنفيه من دليل. و (ثالثا) ـ ان ما ذكره من حمل صيغة «تَطَهَّرْنَ» بالتشديد على «طهرن»
مجاز لا يصار اليه مع إمكان الحمل على الحقيقة ، وما ادعاه ـ من ان الحمل عليه
اولى لصون القراءتين عن التنافي ـ مردود بأنه يمكن دفع التنافي بحمل الطهارة في
قراءة التخفيف على المعنى الشرعي فتجتمع مع قراءة التشديد الصريحة في المعنى
الشرعي. و (رابعا) ـ ان التعارض انما وقع بين مفهوم الغاية على تقدير قراءة
التخفيف وبين
__________________
(1) سورة البقرة. الآية 221.
منطوق قراءة التشديد ، ومع تسليم حجية
المفهوم المذكور في حد ذاته فترجيحه على المنطوق ممنوع بل حجية المنطوق أقوى ،
ويؤيده أيضا مفهوم الشرط في قوله سبحانه : «...
فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ...» (1) فإن الأمر
للإباحة ومفهومه ان قبل التطهر غير مباح إتيانهن وكذا قوله في آخر الآية : «... إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ
الْمُتَطَهِّرِينَ» فان هذه المحبة إنما تترتب على من
فعل الطهارة واتى بها التي هي عبارة عن الغسل لا على من حصلت له قهرا بانقطاع
الدم.
وكيف كان فالاستناد الى الآية المذكورة مما لا يخلو من
شوب الاشكال لما عرفت من تعدد الاحتمال فلم يبق الا الرجوع الى الاخبار :
ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن
الباقر (عليهالسلام) (2) : «في المرأة
ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيامها؟ قال إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغسل فرجها
ثم يمسها ان شاء قبل ان تغتسل».
وما رواه الشيخ في الموثق عن علي بن يقطين عن ابي الحسن (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن الحائض ترى الطهر أيقع عليها زوجها قبل ان تغتسل؟ قال لا بأس وبعد الغسل أحب
الي».
وفي الموثق عن عبد الله بن بكير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «إذا
انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها ان شاء».
وعن عبد الله بن المغيرة عمن سمعه عن العبد الصالح (عليهالسلام) (5) «في المرأة إذا
طهرت من الحيض ولم تمس الماء فلا يقع عليها زوجها حتى تغتسل وان فعل فلا بأس به ،
وقال تمس الماء أحب الي».
أقول : وبهذه الأخبار أخذ من قال بالقول المشهور.
ومنها ـ ما رواه الشيخ في الموثق عن ابي بصير عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) (6)
__________________
(1) سورة البقرة. الآية 221.
(2 و 3 و 4 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب
الحيض.
قال : «سألته عن امرأة كانت طامثا
فرأت الطهر أيقع عليها زوجها قبل ان تغتسل؟ قال : لا حتى تغتسل. قال : وسألته عن
امرأة حاضت في السفر ثم طهرت فلم تجد ماء يوما أو اثنين أيحل لزوجها ان يجامعها
قبل ان تغتسل؟ قال : لا يصلح حتى تغتسل».
وفي الموثق عن ابان بن عثمان عن عبد الرحمن (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن امرأة
حاضت ثم طهرت في سفر فلم تجد الماء يومين أو ثلاثة هل لزوجها ان يقع عليها؟ قال لا
يصلح لزوجها ان يقع عليها حتى تغتسل».
وعن سعيد بن يسار في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «قلت له
المرأة تحرم عليها الصلاة ثم تطهر فتتوضأ من غير ان تغتسل أفلزوجها أن يأتيها قبل
ان تغتسل؟ قال : لا حتى تغتسل».
وهذه الاخبار مما دل بظاهرها على التحريم قبل الغسل
والأصحاب قد حملوها على الكراهة جمعا بين الاخبار. أقول : لا إشكال في الحكم
بالكراهة لدلالة الأخبار المتقدمة عليها ، والأظهر عندي في هذه الاخبار الحمل على
التقية فإن جل العامة على التحريم في هذه المسألة (3) ونقله في
المنتهى عن الشافعي والزهري وربيعة ومالك والليث والثوري واحمد وإسحاق وابي ثور ،
ونقل عن أبي حنيفة انه ان انقطع الدم لأكثر الحيض حل وطؤها وان انقطع لدون ذلك لم
يبح حتى تغتسل أو تتيمم أو يمضي عليها وقت الصلاة (4).
أقول : ومن اخبار المسألة ما رواه في الكافي (5) عن ابي عبيدة
قال : «سألت
__________________
(1 و 5) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب الحيض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب الحيض.
(3) كما في المغني لابن قدامة الحنبلي ج 1 ص 338 والبداية لابن
رشد المالكي ج 1 ص 52.
(4) كما في المغني ج 1 ص 338 والبداية ج 1 ص 52 والبحر الرائق
ج 1 ص 202.
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المرأة
الحائض ترى الطهر في السفر وليس معها من الماء ما يكفيها لغسلها وقد حضرت الصلاة؟
فقال : إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ثم تتيمم وتصلي. قلت : فيأتيها
زوجها في تلك الحال؟ قال : نعم إذا غسلت فرجها وتيممت فلا بأس».
وعن عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن المرأة إذا تيممت من الحيض هل تحل لزوجها؟ قال : نعم».
وربما يفهم من هذين الخبرين توقف الحل متى تعذر الغسل
على التيمم بل وغسل الفرج ، وفي المعتبر ان ظاهر بعض عباراتهم وجوب غسل الفرج.
أقول : لا يبعد حمل توقف الحل على التيمم في هذين الخبرين على التقية لموافقته
لمذهب أبي حنيفة كما قدمنا نقله (2) والله العالم.
(المسألة الثانية) ـ المشهور بين الأصحاب انه متى حاضت
وقد مضى من الوقت ما يسع الطهارة والصلاتين معا ولم تصلهما وجب عليها قضاؤهما بعد
الطهر ولو لم يسع إلا الاولى ولم تصلها وجب قضاؤها خاصة ، وكذا المشهور ـ بل ادعى
عليه الإجماع ـ انها متى طهرت من حيضها وقد بقي من الوقت ما يسع الطهارة والصلاتين
وجب عليها الأداء ومع التفريط القضاء حتى لو لم تدرك إلا بقدر الطهارة وركعة وجب
عليها الإتيان بما أدركت وقته والا فالقضاء ، فههنا مقامان :
(الأول) ـ فيما لو حاضت وقد مضى من الوقت ما يسع الطهارة
والصلاة ، فإنه يجب عليها الأداء ومع التفريط القضاء ، ولو لم يمض القدر المذكور
فإنه لا يجب عليها القضاء ، ويدل على الحكم الأول موثقة يونس بن يعقوب عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) (3) قال : «في
امرأة دخل عليها وقت الصلاة وهي طاهر فأخرت الصلاة حتى
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب الحيض.
(2) ص 247.
(3) المروية في الوسائل في الباب 48 من أبواب الحيض.
حاضت؟ قال : تقضي إذا طهرت». ورواية
عبد الرحمن بن الحجاج (1) قال : «سألته
عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس ولم تصل الظهر هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال : نعم».
ويؤيده عموم ما دل على وجوب قضاء الفوائت واما الحكم الثاني فاستدل عليه العلامة
في المنتهى بان وجوب الأداء ساقط لاستحالة التكليف بما لا يطاق ووجوب القضاء تابع
لوجوب الأداء. وفيه انه منقوض بوجوب الصلاة على الساهي والنائم وقضاء الصوم على
الحائض. والتحقيق ان يقال ان الأصل براءة الذمة مما لم يقم دليل على التكليف به ،
وان القضاء لا ترتب له على الأداء بل انما يجب بأمر جديد كما عليه جملة من
المحققين ، ويدل على ذلك موثقة سماعة (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن امرأة صلت
من الظهر ركعتين ثم انها طمثت وهي جالسة؟ فقال : تقوم من مكانها ولا تقضي الركعتين».
بحملها على كون صلاتها في أول الوقت. ونقل هنا عن المرتضى والصدوق (رضياللهعنهما) الاكتفاء في
وجوب القضاء بخلو الوقت عن الحيض بمقدار أكثر الصلاة. ورده الأصحاب بعدم الوقوف
على مأخذه. أقول : يمكن ان يكون مأخذه رواية أبي الورد المروية في الكافي والتهذيب
(3) قال : «سألت
أبا جعفر (عليهالسلام) عن المرأة
التي تكون في صلاة الظهر وقد صلت ركعتين ثم ترى الدم؟ قال : تقوم من مسجدها ولا
تقضي الركعتين ، قال : فإن رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد صلت ركعتين فلتقم من
مسجدها فإذا تطهرت فلتقض الركعة التي فاتتها من المغرب». وبهذه الرواية عبر الصدوق
في الفقيه فقال : «فان صلت المرأة من الظهر ركعتين ثم رأت الدم قامت من مجلسها
وليس عليها ان طهرت قضاء الركعتين ، فان كانت في صلاة المغرب وقد صلت منها ركعتين
قامت من مجلسها فإذا طهرت قضت الركعة» والتقريب في الرواية المذكورة بالحمل على
الصلاة في أول الوقت ، حيث فرق فيها بين الظهر والمغرب فأوجب قضاء الباقي من
المغرب دون الباقي من الظهر ، لمضي أكثر الصلاة بالنسبة إلى المغرب دون الظهر.
__________________
(1 و 2 و 3) المروية في الوسائل في الباب 48 من أبواب الحيض.
وظاهر الرواية المذكورة انما هو قضاء
الباقي من الصلاة ، والمعروف من كلام الأصحاب ـ وهو الموافق للأدلة ـ انما هو قضاء
الصلاة كملا لو مضى من الوقت مقدارها مع الطهارة ثم طرأ الحدث لا البناء على ما
مضى والإتمام لها ، وان كان هذا مما ينطبق على مذهب الصدوق في من نسي ركعة أو
ركعتين ثم ذكر فإنه يقضي ما بقي ولو بلغ الصين ، وبالجملة فهذا القول ضعيف مرغوب
عنه وروايته ضعيفة متهافتة وهي مردودة إلى قائلها وهو اعلم بها. واما ما أجاب به
العلامة في المختلف ـ من حملها على انها فرطت في المغرب دون الظهر ، قال : «وانما
يتم قضاء الركعة بقضاء الباقي ويكون إطلاق الركعة على الصلاة مجازا» انتهى ـ فلا
يخفى بعده.
(المقام الثاني) ـ فيما لو طهرت من حيضها وقد بقي من
الوقت ما يسع الطهارة والصلاتين أو إحداهما ، فإنه يجب عليها الأداء ومع التفريط
القضاء.
ويدل عليه جملة من الاخبار : منها ـ صحيحة عبيد بن زرارة
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال قال : «أيما
امرأة رأت الطهر وهي قادرة على ان تغتسل في وقت صلاة ففرطت فيها حتى يدخل وقت صلاة
اخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها ، وان رأت الطهر في وقت صلاة فقامت
في تهيئة ذلك فجاز وقت الصلاة ودخل عليها وقت صلاة أخرى فليس عليها قضاء وتصلي
الصلاة التي دخل وقتها».
ومنها ـ صحيحة ابي عبيدة الحذاء عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
رأت المرأة الطهر وهي في وقت الصلاة ثم أخرت الغسل حتى يدخل وقت صلاة اخرى كان
عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها ، وإذا طهرت في وقت فأخرت الصلاة حتى يدخل
وقت صلاة أخرى ثم رأت دما كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها».
ورواية منصور بن حازم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «إذا
طهرت
__________________
(1 و 3) المروية في الوسائل في الباب 49 من أبواب الحيض.
(2) المروية في الوسائل في الباب 48 و 49 من أبواب الحيض
بالتقطيع.
الحائض قبل العصر صلت الظهر والعصر
فان طهرت في آخر وقت العصر صلت العصر».
ورواية أبي الصباح الكناني عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب والعشاء وان طهرت قبل ان تغيب الشمس صلت
الظهر والعصر».
وصحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصل الظهر والعصر وان طهرت من آخر الليل فلتصل
المغرب والعشاء».
ونحوها رواية داود الزجاجي (3) ورواية عمر بن
حنظلة (4) فإنهما
مشتملتان على هذا التفصيل بالنسبة إلى الظهرين والعشاءين حسبما في سابقتيهما.
وبإزاء هذه الأخبار ما هو ظاهر المنافاة ، ومنه ـ صحيحة
معمر بن يحيى (5) قال : «سألت
أبا جعفر (عليهالسلام) عن الحائض
تطهر عند العصر تصلي الاولى؟ قال : لا انما تصلي الصلاة التي تطهر عندها». وبهذا
المضمون عبر في الفقيه فقال : «والمرأة التي تطهر من حيضها عند العصر فليس عليها
ان تصلي الظهر انما تصلي الصلاة التي تطهر عندها» والرواية المذكورة محمولة على
الوقت المختص جمعا بينها وبين ما تقدم ، وحينئذ فإن أراد الصدوق ذلك والا كان ما
ذكره مخالفا للمشهور بين الأصحاب.
ومنه ـ موثقة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) (6) قال : «قلت
المرأة ترى الطهر عند الظهر فتشتغل في شأنها حتى يدخل وقت العصر؟ قال تصلى العصر
وحدها فان ضيعت فعليها صلاتان». ويجب حملها ايضا على الوقت المختص. والمراد
باشتغالها في شأنها يعني السعي في تحصيل أسباب الغسل.
ورواية أبي همام عن ابي الحسن (عليهالسلام) (7) «في الحائض إذا
اغتسلت
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7) المروية في الوسائل في الباب 49
من أبواب الحيض.
في وقت العصر تصلي العصر ثم تصلي
الظهر». ويجب حملها على ما إذا طهرت في وقت يسع الظهر والعصر ثم توانت بالغسل الى
الوقت المختص.
ومن ذلك ـ موثقة الفضل بن يونس (1) قال : «سألت
أبا الحسن الأول (عليهالسلام) قلت : المرأة
ترى الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة؟ قال : إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من
زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصلي إلا العصر ، لان وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم
وخرج عنها الوقت وهي في الدم فلم يجب عليها ان تصلى الظهر ، وما طرح الله تعالى
عنها من الصلاة وهي في الدم أكثر ، قال : وإذا رأت المرأة الدم بعد ما يمضي من زوال
الشمس أربعة أقدام فلتمسك عن الصلاة فإذا طهرت من الدم فلتقض صلاة الظهر ، لان وقت
الظهر دخل عليها وهي طاهر وخرج عنها وقت الظهر وهي طاهر فضيعت صلاة الظهر فوجب
عليها قضاؤها».
وظاهر الشيخ في التهذيب الجمع بين الاخبار المتقدمة بهذا
الخبر حيث قال : «ان المرأة إذا طهرت بعد زوال الشمس الى ان يمضي منه أربعة أقدام
فإنه يجب عليها قضاء الظهر والعصر معا. وإذا طهرت بعد أن يمضي أربعة أقدام فإنه
يجب عليها قضاء العصر لا غير ويستحب لها قضاء الظهر إذا كان طهرها الى مغيب الشمس».
والى هذا القول مال في الذخيرة فقال بعد نقل كلام الشيخ
: «وبهذا الوجه جمع بين الاخبار المختلفة الواردة في هذا الباب ، ونحوه قال في
النهاية والمبسوط ، وما ذكره الشيخ طريقة حسنة في الجمع بين الاخبار» ثم نقل جملة
من روايات الطرفين وقال بعدها : «ويمكن الجمع بين هذه الأخبار بوجهين : (الأول)
حمل خبر الفضل على التقية. و (الثاني) حمل خبر ابن سنان وما في معناه على
الاستحباب ، والثاني أقرب لعدم ظهور كون مدلول خبر الفضل معمولا به بين العامة بل
المشتهر بينهم خلافه (2)
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 48 و 49 من أبواب الحيض
بالتقطيع.
(2) في المغني لابن قدامة ج 1 ص 396 «قال الخرقي إذا طهرت
الحائض وأسلم ـ
فتعين الثاني ، فظهر ان قول الشيخ قوي
متجه» انتهى.
أقول : فيه (أولا) ـ ما عرفت من ان ما عدا رواية الفضل
فإنه محمول على وجه يمكن انطباقه على الأخبار الأولة وبه يرتفع التنافي بينهما
فيجب المصير اليه جمعا بين الاخبار المذكورة ، والحمل على الاستحباب ـ كما ذهب
اليه الشيخ ومن تبعه من الأصحاب في جملة الأبواب ـ قد عرفت انه لا دليل عليه من
سنة ولا كتاب ، مع انه مجاز لا يصار اليه إلا بقرينة في الباب ، واختلاف الاخبار
ليس من قرائن المجاز كما لا يخفى على ذوي الألباب.
و (ثانيا) ـ ان ما ذكره الشيخ من حمل الأخبار الثانية
على ما دلت عليه موثقة الفضل بن يونس موجب للحكم بكون آخر وقت الظهر هو مضى أربعة
أقدام ، وهو وان كان منقولا عنه في باب الأوقات إلا انه مردود بالآية والروايات
التي ربما بلغت التواتر المعنوي من امتداد وقت الظهرين الى الغروب إلا بمقدار صلاة
العصر
__________________
الكافر وبلغ الصبي قبل ان تغرب الشمس صلوا الظهر فالعصر ، وان
بلغ الصبي وأسلم الكافر وطهرت الحائض قبل ان يطلع الفجر صلوا المغرب والعشاء
الآخرة. وروى هذا القول في الحائض تطهر عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس ومجاهد
والنخعي والزهري وربيعة ومالك والليث والشافعي وإسحاق وابى ثور ، وقال الإمام احمد
: عامة التابعين يقولون بهذا القول الا الحسن وحده قال لا تجب إلا الصلاة التي
طهرت في وقتها وحدها وهو قول الثوري وأصحاب الرأي لأن وقت الاولى خرج في حال عذرها
فلم تجب كما لو لم تدرك من وقت الثانية شيئا. وحكى عن مالك انه إذا أدرك خمس ركعات
من وقت الثانية وجبت الأولى لأن قدر الاولى من الخمس وقت للصلاة الاولى في حال
العذر فوجبت بإدراكه كما لو أدرك ذلك من وقتها المختار بخلاف ما لو أدرك دون ذلك»
وفي المحلى لابن حزم ج 2 ص 176 «إذا طهرت الحائض في آخر وقت الصلاة بمقدار ما لا
يمكنها الغسل والوضوء حتى يخرج الوقت فلا تلزمها ولا قضاؤها ، وهو قول الأوزاعي
وأصحابنا وقال الشافعي واحمد عليها ان تصلى».
واتفاق الأصحاب سلفا وخلفا على ذلك ،
وليس المخالفة منحصرة في اخبار هذه المسألة كما ظنه فزعم قوة ما ذهب اليه الشيخ
هنا للجمع بينها ، بل المخالفة في تلك الاخبار المشار إليها المتفق عليها أظهر
وأشنع ، وحينئذ فما جنح اليه من موافقة الشيخ على هذا الحمل مما لا ينبغي ان يلتفت
اليه.
و (ثالثا) ـ ان الحمل على التقية لا يختص بوجود القائل
من العامة كما حققناه في المقدمة الاولى من مقدمات الكتاب ، على ان مذاهب العامة
في الصدر الأول لا انحصار لها في عدد بل لهم في كل عصر مذهب ، والانحصار في هذه
الأربعة انما وقع أخيرا في سنة ستمائة تقريبا كما صرح به علماؤنا وعلماؤهم ،
وبالجملة فإن الخبر المذكور ظاهر المخالفة للقرآن العزيز والسنة المستفيضة بل
المتواترة معنى وما عليه كافة العلماء سلفا وخلفا ومنهم هذا القائل ، فيجب طرحه في
مقابلتها ويتعين حمله على ما ذكرنا. والله العالم
(المسألة الثالثة) ـ يحرم عليها أمور
(الأول) ـ كل ما يشترط فيه الطهارة كالصلاة والطواف ومس
كتابة القرآن إجماعا في الأولين وعلى المشهور في الثالث ، وعن ابن الجنيد انه
مكروه ، وحمله على التحريم غير بعيد فإن عبائر المتقدمين تجري على الاخبار التي قد
كثر فيها إطلاق الكراهة على التحريم.
ومن الاخبار في المسألة زيادة على الاتفاق ما رواه في
الكافي في الصحيح عن زرارة عن الباقر (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
كانت المرأة طامثا فلا تحل لها الصلاة.».
وما رواه في العلل والعيون عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
حاضت المرأة فلا تصوم ولا تصلي ، لأنها في حد نجاسة فأحب الله تعالى ان لا يعبد
إلا طاهرا ، ولانه لا صوم لمن لا صلاة له. الحديث». وما في كتاب نهج البلاغة عن
أمير المؤمنين (عليهالسلام) (3) قال : «معاشر
الناس ان النساء نواقص الايمان نواقص العقول نواقص الحظوظ ، فاما نقصان ايمانهن
فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن ،
__________________
(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 39 من أبواب الحيض.
واما نقصان عقولهن فشهادة امرأتين
كشهادة الرجل الواحد ، واما نقصان حظوظهن فمواريثهن على الإنصاف من مواريث الرجال».
واما الطواف فستأتي الأخبار الدالة عليه في كتاب الحج ان
شاء الله تعالى ، واما مس كتابة القرآن فقد مر ما يدل عليه في مبحث الوضوء (1) وفي غسل
الجنابة (2)
(الثاني) ـ الصوم الا انه يجب قضاؤه عليها دون الصلاة ،
ويدل على ذلك زيادة على ما تقدم في الاخبار السابقة ما رواه الشيخ في الموثق عن
سماعة (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المستحاضة؟
فقال تصوم شهر رمضان إلا الأيام التي كانت تحيض فيها ثم تقضيها بعد». وفي قضاء
المنذور وشبهه الذي وافق الحيض وجهان أقربهما عند العلامة عدم الوجوب ، واختار
الشهيد الوجوب وهو الأحوط. واما عدم قضاء الصلاة فإجماعي نصا وفتوى ، وفي جملة من
الأخبار تعليل قضاء الصوم دون الصلاة بأنه محض تعبد ، وفي بعضها بأنه دليل على
بطلان القياس ، ففي رواية الحسن بن راشد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) لما سأله عن
وجه الفرق بينهما قال : «ان أول من قاس إبليس». وفي بعضها بان الصوم انما هو في
السنة مرة والصلاة في كل يوم وليلة ، وأكثر الاخبار على الثاني. ثم انه لا يخفى ان
ظاهر النصوص الاختصاص بالصلوات اليومية ، وهل يلحق بها غيرها من الصلوات الواجبة
عند عروض أسبابها في وقت الحيض كالكسوف والخسوف؟ وجهان أحوطهما العدم. واما
الزلزلة فالظاهر ان وقتها العمر كما سيأتي تحقيقه في محله ان شاء الله تعالى. وهل
تتوقف صحة صومها على الغسل أم لا؟
قولان يأتي الكلام فيهما ان شاء الله في كتاب الصوم.
(الثالث) ـ اللبث في المساجد والاجتياز في المسجدين
الحرمين ، قال في
__________________
(1) ج 2 ص 122.
(2) ج 2 ص 46.
(3) رواه في الوسائل في الباب 39 من أبواب الحيض.
(4) المروية في الوسائل في الباب 41 من أبواب الحيض.
المدارك بعد ذكر الحكم الأول : «هذا
الحكم مجمع عليه بين الأصحاب بل قال في المنتهى انه مذهب عامة أهل العلم» أقول :
لا يخفى ان دعوى الإجماع هنا لا تخلو من غفلة عن خلاف سلار في المسألة حيث قال في
التحرير في أحكام الحائض : «يحرم عليها اللبث في المساجد إجماعا إلا من سلار» وقال
في الروض : «وعد سلار اللبث في المساجد للجنب والحائض ووضع شيء فيها مما يستحب
تركه ولم يفرق بين المسجدين وغيرهما» والحق انه متحقق اللهم إلا ان يقال الإجماع
انعقد بعده أو ان مخالفة معلوم النسب غير قادح في الإجماع.
ويدل على الحكم المذكور ما رواه الشيخ في الصحيح أو
الحسن على المشهور عن محمد بن مسلم (1) قال قال أبو جعفر (عليهالسلام): «الجنب
والحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب ويقرءان من القرآن ما شاءا إلا السجدة
ويدخلان المسجد مجتازين ولا يقعدان فيه ولا يقربان المسجدين الحرمين».
وما رواه الصدوق في العلل في الصحيح عن زرارة ومحمد بن
مسلم عن الباقر (عليهالسلام) (2) قالا : «قلنا
له الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟ فقال : الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا
مجتازين. الحديث».
ولم نقف لسلار على دليل معتد به إلا التمسك بالأصل ولا
ريب في وجوب الخروج عنه بما ذكرناه من الدليل.
(الرابع) ـ وضع شيء في المساجد ، ولا خلاف فيه إلا من
سلار فإنه نقل عنه الكراهة ، ويدل على المشهور صحيحة عبد الله بن سنان (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الجنب
والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه؟ قال : نعم
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 15 و 19 من أبواب الجنابة
بالتقطيع.
(2) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب الجنابة.
(3) المروية في الوسائل في الباب 17 من أبواب الجنابة.
ولكن لا يضعان في المسجد شيئا». وصحيحة
زرارة وابن مسلم المتقدم نقلها من العلل حيث قال فيها : «ويأخذ ان من المسجد ولا
يضعان فيه. قال زرارة فقلت له فما بالهما يأخذان منه ولا يضعان فيه؟ قال : لأنهما
لا يقدران على أخذ ما فيه إلا منه ويقدران على وضع ما بيدهما في غيره. الحديث». وما
رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن زرارة عن الباقر (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد ولا تضع فيه؟ فقال : لأن الحائض تستطيع ان تضع
ما في يدها في غيره ولا تستطيع أن تأخذ ما فيه إلا منه».
(الخامس) ـ قراءة سور العزائم ، وقصر جملة من متأخري
المتأخرين التحريم على آية العزيمة هنا وفي الجنب ، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك
في المسألة الرابعة من المقصد الخامس من مقاصد غسل الجنابة (2) واما ما يدل
على ذلك ويتعلق به من البحث فقد تقدم في المقصد الثاني من فصل غسل الجنابة (3).
بقي الكلام هنا في موضعين (الأول) ـ لو تلت السجدة أو
سمعتها هل يجب عليها السجود أم لا؟ ظاهر الأكثر ذلك ، وعن الشيخ انه حرم عليها
السجود مستندا إلى انه يشترط في السجود الطهارة من النجاسات مدعيا على ذلك الاتفاق
، والأظهر هو القول المشهور لما رواه الكليني في الصحيح والشيخ في الموثق عن ابي
عبيدة الحذاء (4) قال : «سألت
أبا جعفر (عليهالسلام) عن الطامث
تسمع السجدة؟ قال : ان كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها». وفي الموثق عن ابي
بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (5) قال : «ان
صليت مع قوم فقرأ الامام «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ...» الى ان قال
والحائض تسجد إذا سمعت السجدة». وعن ابي بصير ايضا (6) قال قال : «إذا
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 35 من أبواب الحيض.
(2) ص 141.
(3) ص 55.
(4 و 6) رواه في الوسائل في الباب 36 من أبواب الحيض.
(5) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب الحيض.
قرئ شيء من العزائم الأربع فسمعتها
فاسجد وان كنت على غير وضوء وان كنت جنبا وان كانت المرأة لا تصلي ، وسائر القرآن
أنت فيه بالخيار ان شئت سجدت وان شئت لم تسجد».
واما ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد
الله عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) ـ قال : «سألته
عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال تقرأ ولا تسجد». قال في
الوافي : وفي بعض النسخ «لا تقرأ ولا تسجد» وحمله في الاستبصار على جواز الترك ،
ومثله ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب
عن محمد بن الحسين عن محمد بن يحيى الخزاز عن غياث عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهمالسلام) (2) قال : «لا
تقضى الحائض الصلاة ولا تسجد إذا سمعت السجدة». ـ فسيأتي الجواب عنهما.
ومن العجيب ان الشيخ (رحمهالله) في التهذيب
حمل خبر ابي عبيدة وخبر ابي بصير الثاني على الاستحباب مع انه حكم بتحريم السجود
وانه لا يجوز إلا لطاهر من النجاسات استنادا إلى صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله
المذكورة.
وأجاب في المختلف عن صحيحة عبد الرحمن المذكورة بالحمل
على المنع من قراءة العزائم ، قال «وكأنه (عليهالسلام) قال «تقرأ
القرآن ولا تسجد» اي ولا تقرأ العزيمة التي تسجد فيها وإطلاق المسبب على السبب
مجازا جائزا» ولا يخفى ما فيه من البعد. وأجاب عنها المتأخرون بالحمل على السجدات
المستحبة بدليل قوله «تقرأ» وحينئذ فالدلالة منتفية. وفي المدارك انه يمكن حملها
على السماع الذي لا يكون معه الاستماع ، قال فإن : صحيحة أبي عبيدة إنما تضمنت
وجوب السجود عليها مع الاستماع.
أقول : والكل تكلف مستغنى عنه ، والأظهر حمل الخبر
المذكور وكذا خبر غياث على التقية فإن جمهور الجمهور على المنع من السجود ، ونقله
في المنتهى عن أبي حنيفة
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 36 من أبواب الحيض.
والشافعي واحمد ، ونقل عن بعض أنها
تومئ برأسها (1) واما على ما
نقله في الوافي من نسخة «لا تقرأ ولا تسجد» فلا منافاة في الخبر المذكور ، وبذلك
يظهر ما في كلام صاحب الذخيرة تبعا لبعض نسخ المدارك من التوقف في المسألة وانها
موضع إشكال ينشأ من الاحتمالات السابقة في حمل الصحيحة المشار إليها ، وعلى ما
ذكرناه فلا اشكال ، ولكنهم حيث ضربوا صفحا عن الترجيح بين الاخبار بهذه القاعدة مع
استفاضة النصوص بها وقعوا في ما وقعوا فيه. والله العالم.
(الثاني) ـ اختلف الأصحاب في موجب سجود التلاوة في هذا
الموضع وغيره هل هو مجرد السماع وان كان من غير قصد أو الاستماع الذي هو عبارة عن
الإصغاء والقصد الى ذلك؟ قولان يأتي تحقيق الكلام فيهما في بحث السجود من كتاب
الصلاة ان شاء الله تعالى.
(المسألة الرابعة) ـ لا خلاف بين الأصحاب في انه لا يصح
طلاقها بعد الدخول وحضور الزوج أو ما في حكمه وهو قربه منها بحيث يمكنه استعلام
حالها كالمحبوس ونحوه ، فغير المدخول بها يصح طلاقها وان كانت حائضا وكذا مع غيبة
الزوج ، الا انه قد وقع الخلاف في حد الغيبة المجوزة ، فقيل انه ثلاثة أشهر ، وقيل
شهر ، وقيل المعتبر ان يعلم انتقالها من الطهر الذي واقعها فيه الى آخر بحسب
عادتها وهو المشهور بين المتأخرين ، وسيأتي تحرير الكلام في المسألة في محلها ان
شاء الله تعالى من كتاب الطلاق.
__________________
(1) في بدائع الصنائع ج 1 ص 186 ومجمع الانهر ج 1 ص 157 «لا
تجب سجدة التلاوة على الحائض والنفساء دون الجنب» وفي البحر الرائق ج 2 ص 121 «لا
يجب السجود على الحائض بتلاوتها كما لا يجب بسماعها» وفي المغني ج 1 ص 620 «لا
نعلم خلافا في اشتراط السجود للتلاوة بالطهارتين من الحدث والخبث وستر العورة
واستقبال القبلة والنية إلا ما روى عن عثمان بن عفان في الحائض تسمع السجدة تومئ
برأسها وبه قال سعيد بن المسيب».
(المسألة الخامسة) ـ لا خلاف بين الأصحاب في تحريم وطء
الحائض في القبل بل نقل عن جمع منهم التصريح بكفر مستحله حيث انه من ضروريات الدين
، إلا ان يدعى في ذلك شبهة ممكنة كقرب عهده بالإسلام أو نشوه في بادية بعيدة عن
العلم بمعالم الدين وتحقيق البحث في المقام يقع في مواضع
(الأول) ـ قال في المدارك : «ولا ريب في فسق الواطئ بذلك
ووجوب تعزيره بما يراه الحاكم مع علمه بالحيض وحكمه ، ويحكى عن ابى علي ولد الشيخ
تقديره بثمن حد الزاني ولم نقف على مأخذه» وتبعه في هذه المقالة الفاضل الخراساني
في الذخيرة وغيره ، وتقدمه فيها جده في الروض وغيره ، والعجب منهم (رضوان الله
عليهم) في عدم وقوفهم على حد التعزير في الصورة المذكورة حتى أرجعوه إلى الحاكم مع
تكاثر الاخبار بذلك ، ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام والشيخ عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي
(1) قال : «سألت
أبا الحسن عن رجل أتى اهله وهي حائض؟ قال يستغفر الله ولا يعود. قلت فعليه أدب؟
قال : نعم خمسة وعشرون سوطا ربع حد الزاني وهو صاغر لانه اتى سفاحا». وروى الشيخان
المذكوران ايضا عن محمد بن مسلم (2) قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن الرجل
يأتي المرأة وهي حائض؟ قال : يجب عليه في استقبال الحيض دينار وفي استدباره نصف
دينار. قلت جعلت فداك يجب عليه شيء من الحد؟ قال : نعم خمسة وعشرون سوطا ربع حد
الزاني لانه اتى سفاحا». وروى الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) (3) انه قال : «من
اتى امرأته في الفرج في أول أيام حيضها فعليه ان يتصدق بدينار وعليه ربع حد الزاني
خمسة وعشرون جلدة ، وان أتاها في آخر أيام حيضها فعليه ان يتصدق بنصف دينار ويضرب
اثنتي عشرة جلدة ونصفا». وظاهر الخبرين الأولين التعزير بالخمسة والعشرين مطلقا في
أول الحيض أو آخره وظاهر الخبر الثالث التخصيص بأوله ، ويمكن الجمع بتقييد إطلاق
الخبرين الأولين بالخبر
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 13 من أبواب التعزيرات.
(3) المروية في الوسائل في الباب 28 من أبواب الحيض.
الثالث ، ويمكن ترجيح الخبرين الأولين
برواية الشيخين المشار إليهما لما ذكراه مسندا وإرسال هذه الرواية. ولو جهل الحيض
أو نسيه أو جهل الحكم أو نسيه فالظاهر انه لا شيء عليه لعدم توجه الخطاب في هذه
الحالات اليه ، وبذلك صرح جملة منهم (رضوان الله عليهم).
(الثاني) ـ قال في المدارك : «ولو اشتبه الحال فان كان
لتحيرها فسيأتي حكمه وان كان لغيره كما في الزائد على العادة فالأصل الإباحة ،
وأوجب عليه في المنتهى الامتناع ، قال لان الاجتناب حالة الحيض واجب والوطء حالة
الطهر مباح فيحتاط بتغليب الحرام لان الباب باب الفروج. وهو حسن إلا انه لا يبلغ
حد الوجوب» انتهى أقول : لا يخفى ان هذا الكلام انما يتمشى على ما هو المشهور في
كلامهم من ان ما زاد على العادة يراعى بالانقطاع قبل العشرة أو تجاوزها ، فان
انقطع حكم بكون الجميع حيضا وان تجاوز علم ان ما زاد على العادة استحاضة ، فعلى
هذا يكون الدم بعد العادة وقبل وصول العشرة محتملا للحيض والطهر ، وبه يتجه ما
قاله هنا من ان الأصل الإباحة وكذا ما نقله عن العلامة ، واما على ما هو المفهوم
من الاخبار ـ كما نبهنا عليه فيما تقدم من انه بعد تجاوز الدم عن أيام العادة
فإنها تستظهر بيومين أو ثلاثة ثم بعد ذلك تعمل عمل المستحاضة انقطع الدم على
العشرة أو تجاوز ـ فلا وجه لهذا الكلام بل التحقيق فيه ان الدم في أيام الاستظهار
ـ حيث الحقه الشارع بالحيض ـ في حكم الحيض بالنسبة إلى ترك العبادة وجماع الزوج
ونحو ذلك من أحكام الحائض ، وما بعد أيام الاستظهار فالواجب عليها العمل بما تعمله
المستحاضة وتكون بذلك طاهرة يجوز لزوجها إتيانها ، وحينئذ فلا يكون ما بعد أيام
العادة محل احتمال ولا شك لا في أيام الاستظهار ولا فيما بعدها. والعجب منه انه
ناقش الأصحاب فيما تقدم في هذا الحكم الذي ذكرناه وصرحوا بان الروايات لا تساعده
ومع هذا تبعهم في هذا المقام وحذا حذوهم بهذا الكلام.
(الثالث) ـ الظاهر انه لا اشكال ولا خلاف في قبول قولها
لو أخبرت بالحيض ما لم تكن متهمة بتضييع حق الزوج ، لظاهر قوله تعالى : «... وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ
يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي
أَرْحامِهِنَّ ...» (1) ولولا وجوب القبول لما حرم الكتمان ،
ويدل عليه من الاخبار ايضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن الباقر (عليهالسلام) (2) انه قال : «العدة
والحيض الى النساء». وما رواه الكليني في الحسن عن زرارة عن الباقر (عليهالسلام) (3) انه قال : «العدة
والحيض الى النساء إذا ادعت صدقت». واما ما يشير الى عدم القبول مع التهمة فهو ما
رواه الشيخ عن إسماعيل بن ابى زياد عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) (4) «ان أمير
المؤمنين (عليهالسلام) قال في امرأة
ادعت انها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض فقال كلفوا نسوة من بطانتها ان حيضها كان
فيما مضى على ما ادعت فان شهدن صدقت وإلا فهي كاذبة». ورواه الصدوق مرسلا (5) وحمل الشيخ
هذا الخبر على صورة تكون المرأة متهمة ، قال بعض الأصحاب : «ومفاد الخبر على تقدير
العمل به أخص مما ذكره الشيخ ، إذ الدعوى فيه مخالفة للعادة الجارية قليلة الوقوع»
وهو جيد إلا انه غير خال من الاشعار بذلك. ولو ظن الزوج كذبها قيل : لا يجب القبول
واليه مال الشهيد الثاني ، وقيل يجب وهو اختيار العلامة في النهاية والشهيد في
الذكرى ، وهو الأقوى عملا بظاهر الخبرين المتقدمين.
(الرابع) ـ المشهور بين الأصحاب تخصيص التحريم بالجماع
في القبل وانه يجوز له الاستمتاع بما عدا ذلك ، وعن المرتضى في شرح الرسالة انه
قال : «لا يحل الاستمتاع منها إلا بما فوق المئزر ومنه الوطي في الدبر».
احتج المجوزون بقوله عزوجل : «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلّا عَلى
أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ» (6) وهو ظاهر في
عدم اللوم على الاستمتاع كيف كان ، خرج منه موضع الدم بالنص وبقي الباقي على أصل
الجواز ، وبالأخبار الكثيرة
__________________
(1) سورة البقرة. الآية 227.
(2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 47 من أبواب الحيض.
(6) سورة المؤمنون. الآية 5 و 6.
ومنها ـ موثقة عبد الله بن بكير عن
بعض بأصحابه عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم». ورواية عبد الملك بن عمرو (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عما لصاحب
المرأة الحائض منها؟ قال كل شيء ما عدا القبل بعينه». وصحيحة عمر بن يزيد (3) قال «قلت : لأبي
عبد الله (عليهالسلام) ما للرجل من
الحائض؟ قال ما بين أليتيها ولا يوقب». ورواية معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «سألته
عن الحائض ما يحل لزوجها منها؟ قال : ما دون الفرج». ورواية عبد الله بن سنان (5) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) ما يحل للرجل
من امرأته وهي حائض؟ قال : ما دون الفرج». وموثقة هشام بن سالم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (6) «في الرجل يأتي
المرأة فيما دون الفرج وهي حائض؟ قال : لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع». ونحوها
روايات أخر أعرضنا عن التطويل بذكرها.
احتج المرتضى بقوله عزوجل : «... وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ...» (7) وقوله تعالى :
«... فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ...» (8) أي في وقت
الحيض ، وصحيحة الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (9) «في الحائض ما
يحل لزوجها منها؟ قال : تتزر بإزار إلى الركبتين وتخرج سرتها ثم له ما فوق الإزار.».
أقول : ويدل عليه أيضا موثقة أبي بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (10) قال : «سئل عن
الحائض ما يحل لزوجها منها؟ قال : تتزر بإزار إلى الركبتين وتخرج ساقيها وله ما
فوق الإزار». ويؤيد ذلك أيضا رواية حجاج الخشاب (11) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الحائض
والنفساء ما يحل لزوجها منها؟ قال : تلبس درعا ثم تضطجع معه».
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) المروية في الوسائل في الباب 25 من
أبواب الحيض.
(7 و 8) سورة البقرة. الآية 221.
(9 و 10 و 11) المروية في الوسائل في الباب 26 من أبواب الحيض.
والظاهر هو القول المشهور المؤيد بالأدلة المذكورة ،
واما ما يدل على مذهب المرتضى (رضياللهعنه) فقد أجاب في المختلف عن الآية الأولى
بأن حقيقة القرب ليست مرادة بالإجماع فيحمل على المجاز المتعارف وهو الجماع في
القبل لان غيره نادر ، وعن الثانية بأنه يحتمل ارادة موضع الحيض بل هو المراد قطعا
فان اعتزال النساء مطلقا ليس مرادا بل اعتزال الوطء في القبل. أقول : اما ما أجاب
به عن الاولى فهو جيد ، لما عرفت في غير موضع من ان الإطلاق انما ينصرف الى
الافراد الشائعة المتكررة وبعد تعذر الحمل على الحقيقة فالفرد المتكرر انما هو
الجماع في القبل ، ويؤيده ما ذكره المفسرون في سبب النزول من ان اليهود كانوا
يعتزلون النساء فلا يواكلوهن ولا يباشروهن مدة الحيض فسئل النبي (صلىاللهعليهوآله) عن ذلك فنزلت
هذه الآية فقال النبي : «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» (1) واما ما أجاب
به عن الثانية فتوضيحه ان الظاهر ان المحيض هنا اسم مكان بمعنى موضع الحيض كالمبيت
والمقيل واحتمال كونه مصدرا أو اسم زمان يوجب الإضمار والتخصيص للإجماع على عدم وجوب
اعتزالهن بالكلية. وأيده بعضهم بان الحكم بالاعتزال على تقدير ان يكون اسم زمان أو
مصدرا لا يشمل ما بعد زمان الحيض بوجه فكان منتهاه معلوما فتقل الفائدة في قوله
تعالى : «حَتّى يَطْهُرْنَ».
واما الأخبار فالجواب عنها من وجوه : (أحدها) ـ انها
معارضة بما هو أكثر عددا وأصرح دلالة فيجب الجمع بينهما بحمل هذه الروايات على
كراهة ما تحت الإزار و (ثانيها) ـ ان قصارى ما دلت عليه هذه الاخبار ان له
الاستمتاع بما فوق المئزر ونحن نقول به ، ودلالتها على تحريم ما عداه انما هو
بمفهوم اللقب وهو ضعيف كما قرروه في الأصول. و (ثالثها) ـ ان المراد بما يحل هو
المعنى المتعارف عند الفقهاء والأصوليين وهو ما يتساوى طرفاه المرادف للمباح ، ولا
ريب ان نفيه لا يستلزم الحرمة لجواز إرادة الكراهة ، ونحن لا نخالف فيها جمعا بين
الأدلة لان من حام حول الحمى
__________________
(1) رواه البغوي في مصابيح السنة ج 1 ص 38 وغيره.
أو شك ان يقع فيه و (رابعها) ـ وهو
المعتمد ـ حمل هذه الاخبار على التقية ، لموافقتها لمذهب العامة كما ذكره الشيخ ،
لأن العامة ما بين محرم ومكره ، فنقل في المنتهى التحريم عن أبي حنيفة والشافعي
ومالك وابي يوسف (1) والكراهة عن
عكرمة وعطاء والشعبي والثوري وإسحاق والأوزاعي وابي ثور وداود ومحمد بن الحسن
والنخعي وابي إسحاق المروزي وابن المنذر (2) وبذلك يظهر ان ما دلت عليه هذه
الاخبار ـ من عدم حل ما تحت الإزار تحريما أو كراهة ـ فهو محمول على التقية ، وبه
يظهر ضعف حمل الأخبار المذكورة على الكراهة كما هو المشهور. والله العالم.
(المسألة السادسة) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في وجوب الكفارة بالوطء في الحيض واستحبابها ، والمشهور بين المتقدمين الأول وبه
قال الشيخ في الجمل والمبسوط والمفيد والمرتضى وابنا بابويه وابن البراج وابن حمزة
وابن إدريس ، والمشهور بين المتأخرين الثاني وبه قال الشيخ في النهاية ، واما
الاخبار الواردة في المسألة فأكثرها ـ وان ضعف سند جملة منها بالاصطلاح المحدث ـ يدل
على الوجوب :
(منها) ـ ما رواه الشيخ عن داود بن فرقد عن ابي عبد الله
(عليهالسلام) (3) «في كفارة
الطمث انه يتصدق إذا كان في أوله بدينار وفي أوسطه بنصف دينار وفي آخره بربع
دينار. قلت : فان لم يكن عنده ما يكفر؟ قال : فليتصدق على مسكين واحد وإلا استغفر
الله تعالى ولا يعود ، فان الاستغفار توبة وكفارة لمن لم يجد السبيل إلى شيء من
الكفارة».
__________________
(1) كما في المحلى لابن حزم ج 1 ص 176 والبحر الرائق لابن نجيم
ج 1 ص 197 ونيل الأوطار للشوكانى ج 1 ص 241.
(2) كما في نيل الأوطار للشوكانى ج 1 ص 241 والمهذب للشيرازي ج
1 ص 37 والبحر الرائق ج 1 ص 197.
(3) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب الحيض.
وعن عبد الملك بن عمرو (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اتى
جاريته وهي طامث؟ قال : يستغفر الله ربه. قال عبد الملك : فان الناس يقولون عليه
نصف دينار أو دينار؟ فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) : فليتصدق
على عشرة مساكين».
وعن محمد بن مسلم (2) قال : «سألته عن من اتى امرأته وهي
طامث؟ فقال يتصدق بدينار ويستغفر الله تعالى».
وعن ابي بصير في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «من اتى
حائضا فعليه نصف دينار يتصدق به».
وعن عبيد الله بن علي الحلبي في الحسن عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) «في الرجل يقع
على امرأته وهي حائض ما عليه؟ قال يتصدق على مسكين بقدر شبعه».
وقد حمل الأصحاب إطلاق ما بعد الرواية الأولى على ما
تضمنته من التفصيل في افراد الكفارة ، وهو جيد ، وقال في المقنع (5) : «روى ان من
جامعها في أول الحيض فعليه ان يتصدق بدينار وان كان في نصفه فنصف دينار وان كان في
آخره فربع دينار». أقول : وقد تقدم في الموضع الأول (6) رواية محمد بن
مسلم الدالة على انه يجب عليه في استقبال الدم دينار وفي استدباره نصف دينار ،
ونحوها رواية تفسير علي بن إبراهيم.
واما ما يدل على القول الثاني فما رواه الشيخ في الصحيح
عن عيص بن القاسم (7) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل واقع
امرأته وهي طامث؟ قال : لا يلتمس فعل ذلك وقد نهى الله تعالى ان يقربها. قلت فان
فعل أعليه كفارة؟ قال : لا اعلم فيه شيئا يستغفر الله تعالى».
وعن زرارة في الموثق عن أحدهما (عليهماالسلام) (8) قال : «سألته
عن الحائض
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب
الحيض.
(6) ص 260.
(7 و 8) رواه في الوسائل في الباب 29 من أبواب الحيض.
يأتيها زوجها؟ قال : ليس عليه شيء
يستغفر الله تعالى ولا يعود».
وعن ليث المرادي (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وقوع
الرجل على امرأته وهي طامث خطأ؟ قال : ليس عليه شيء وقد عصى ربه».
وحمل المتأخرون الأخبار الأولة لضعف أسانيدها على
الاستحباب وأيدوا ذلك باختلافها في تقدير الكفارة. وفيه ما عرفت فيما تقدم في غير
مقام.
وفي المدارك عن المحقق في المعتبر انه قال بعد طعنه في
الاخبار بضعف الأسانيد : «ولا يمنعنا ضعف طريقها عن تنزيلها على الاستحباب لاتفاق
الأصحاب على اختصاصها بالمصلحة الراجحة اما وجوبا أو استحبابا ، فنحن بالتحقيق
عاملون بالإجماع لا بالرواية» ثم قال في المدارك : وهو حسن.
أقول : بل هو عن الحسن بمعزل (أما أولا) ـ فلمنافاة هذا
الكلام لما قدمه في صدر كتابه مما هو كالقاعدة في أمثال المقام من قوله : «أفرط
الحشوية في العمل بخبر الواحد. إلخ» وقد تقدم نقله في الموضع الثاني من المقام
الثاني من المطلب الأول في المبتدأة من المقصد الثاني (2) وملخصه عدم
الطعن في الاخبار بضعف السند وانما المرجع الى قبول الأصحاب للخبر أو دلالة
القرائن على صحته ، والأمران المذكوران حاصلان في جانب هذه الاخبار ، اما قبول
الأصحاب لها فظاهر لما عرفت من ان القول بها هو المشهور بين المتقدمين ، ولهذا ان
الشهيد في الذكرى استند الى جبرها بالشهرة ، واما دلالة القرائن فلتدوينها في
الأصول المعتمدة التي عليها المدار.
و (اما ثانيا) ـ فلان مرجع هذا الإجماع الذي استند اليه
في الاستحباب انما هو الاخبار المذكورة ، حيث انهم أجمعوا على العمل بها وجوبا عند
بعض واستحبابا عند آخرين ، وكيف كان فحملها على الاستحباب مع دلالتها بظاهرها على
الوجوب لا يخرج عن طرحها ، إذ مقتضى الوجوب هو تحتم الفعل مع ثبوت العقوبة على
تركه ، ومقتضى
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 29 من أبواب الحيض.
(2) ص 199.
الاستحباب جواز الترك وعدم العقوبة ،
والقول بالاستحباب ظاهر في طرحها وعدم العمل بما دلت عليه من الوجوب الذي إنما
خرجوا عنه لضعف السند وإلا فلو صحت أسانيدها لحكموا بالوجوب.
و (اما ثالثا) ـ فان ظاهر كلامهم انهم انما حملوا هذه
الاخبار على الاستحباب من حيث ضعف أسانيدها تفاديا من طرحها والا فلو صحت أسانيدها
لقالوا بالوجوب كما هو ظاهرها ، وأنت خبير بان الحمل على الاستحباب حينئذ مجاز لا
يصار اليه الا مع القرينة الظاهرة ، وضعف الأسانيد ليس من جملة قرائن المجاز ، ولا
وجود المخالف من الاخبار في ذلك الحكم ، ويرجح القول بالوجوب أنه الأوفق بالاحتياط
وهو أحد المرجحات الشرعية ، وبالجملة فإن حمل الأخبار المشار إليها على الاستحباب
بعيد عن جادة الصواب. وحمل الشيخ (رحمهالله) الأخبار
الأخيرة على الجاهل بالحيض. ولا يخفى بعده في الخبر الأول.
والأقرب عندي حمل الأخبار الأخيرة على التقية التي هي في
اختلاف الاخبار والأحكام الشرعية أصل كل بلية ، فإن ذلك مذهب جمهور المخالفين ،
قال في المنتهى بعد نقل القول بالوجوب : «وهو احدى الروايتين عن احمد وأحد قولي
الشافعي» وقال بعد نقل القول بالاستحباب : «وهو قول مالك وابى حنيفة وأكثر أهل
العلم» واما ما طعنوا به من اختلاف المقادير في الكفارة فقد عرفت انه محمول على ما
صرحت به الرواية الاولى من المراتب في الصدقة ومع تعذرها فالاستغفار. وبالجملة
فإنك قد عرفت في غير مقام ما في الجمع بين الأخبار بالاستحباب ، فإن القاعدة
المروية عنهم (عليهمالسلام) هو العرض على
مذهب العامة في مقام اختلاف الأخبار والأخذ بما يخالفه وهو هنا في روايات القول
بالوجوب ، وبه يظهر ان القول بالوجوب هو الأقوى. قال في الذكرى : «واما التفصيل
بالمضطر وغيره والشاب وغيره ـ كما قاله الراوندي ـ فلا عبرة به» والله العالم
وههنا فوائد (الأولى) ـ المشهور انه على تقدير القول
بالكفارة وجوبا
أو استحبابا فهي دينار في اوله ونصف
دينار في وسطه وربع دينار في آخره كما دلت عليه رواية داود المتقدمة ، والمراد
بأوله الثلث الأول منه وبوسطه الثلث الثاني وبآخره الثلث الثالث ، فالأول لذات
الثلاثة اليوم الأول ولذات الأربعة هو مع ثلث الثاني ولذات الخمسة هو مع ثلثيه
ولذات الستة اليومان الأولان وعلى هذا القياس ، ومثله في الوسط والأخير ، وعن سلار
ان الوسط ما بين الخمسة إلى السبعة ، واعتبر الراوندي العشرة دون العادة ، ويلزم
على قوليهما خلو بعض العادات عن الوسط والأخير ، والظاهر ان مرجع قولي سلار
والراوندي إلى جعل محل هذا التقدير هو العشرة خاصة دون العادة ، لكن سلار يعتبر
الوسط منها ما بين الخمسة إلى السبعة فما تحت الخمسة وهو الأربعة يجعله أولا وما
فوق السبعة وهي الثلاثة يجعله أخيرا فالوسط على هذا ثلاثة ، والراوندي يثلث العشرة
كما يقوله الأصحاب في ذات العشرة ، فخلافه للأصحاب في تخصيص ذلك بالعشرة دون
العادة ، وخلاف سلار في ذلك في عدم التثليث في العشرة ، وعلى هذا فإذا كانت العادة
سبعة ـ مثلا ـ فلا آخر لها عندهما ولو كانت ثلاثة ـ مثلا ـ فلا آخر ولا وسط لها
عندهما ايضا. ويدفعهما ـ زيادة على ندورهما ـ رجوع الضمير في قوله (عليهالسلام) (1) : «يتصدق إذا
كان في أوله بدينار». الى الحيض من غير تفصيل وعن الصدوق في المقنع انه قال : «يتصدق
على كل مسكين بقدر شبعه» ونسب دليل القول المشهور إلى الرواية مع انه في الفقيه
وافق الأصحاب ، والظاهر انه استند الى حسنة الحلبي المتقدمة (2) وهي محمولة
على ما عرفت من عدم إمكان ما زاد على ذلك.
(الثانية) ـ قد ذكر الأصحاب ان المراد بالدينار هو
المثقال من الذهب المضروب الخالص وكانت قيمته في زمانه (عليهالسلام) عشرة دراهم ،
فلا تجزئ القيمة كباقي الكفارات ولا التبر لعدم تناول النص لهما ، وقد قطع العلامة
في جملة من كتبه بعدم اجزاء القيمة ، وهو كذلك كما عرفت. قال في الذكرى : «قدر
الشيخان
__________________
(1) في رواية داود بن فرقد المتقدمة ص 265.
(2) ص 266.
الدينار بعشرة دراهم والخبر خال منه ،
فان لم نقل به ففي جواز إخراج القيمة نظر التفاتا الى عدم اجزاء القيم في الكفارات
، وعلى قولهما لا يجزئ دينار قيمته أقل من عشرة ، والظاهر ان المراد به المضروب
فلا يجزئ التبر لانه المفهوم من الدينار» انتهى. وقال في المنتهى : «لا افرق في
الإخراج بين المضروب والتبر لتناول الاسم لهما. ويشترط ان يكون صافيا من الغش ،
وفي إخراج القيمة نظر أقربه عدم الاجزاء لأنه كفارة فاختص ببعض أنواع المال كسائر
الكفارات» ونحوه في التحرير ، وظاهره اجزاء التبر وهو غير المضروب ، وفي تناول
الاسم له ـ كما ادعاه ـ إشكال ، إذ المتبادر منه انما هو المضروب بسكة المعاملة
كما عرفت من كلام الذكرى.
(الثالثة) ـ قد صرح الأصحاب من غير خلاف يعرف بان مصرف
هذه الكفارة الفقراء والمساكين من أهل الايمان ، ويكفي الواحد ولا يجب التعدد عملا
بإطلاق الخبر ، وهو كذلك.
وظاهرهم ايضا انه لا فرق في الزوجة بين الدائمة
والمنقطعة الحرة والأمة للإطلاق ، وهو كذلك ايضا.
قيل : وهل يلحق بها الأجنبية المشتبهة أو المزني بها؟
وجهان منشأهما استلزام ثبوت الحكم في الأدنى ثبوته في الأعلى ، ومن حيث عدم النص
سيما مع احتمال كون الكفارة مسقطة للذنب ، فلا يتعدى الى الأقوى لأنه بتفاحشه قد
لا يقبل التكفير وانما يناسبه الانتقام كما في كفارة الصيد ثانيا.
أقول : والأظهر هو الأول ، لا لما ذكروه بل لما تقدم (1) في رواية أبي
بصير من قوله (عليهالسلام): «من اتى
حائضا.». فإنه شامل بإطلاقه للزوجة والأجنبية ، ونقل القول بذلك عن العلامة
والشهيد استنادا إلى الرواية المذكورة. أقول : ونحوها ايضا قوله في رواية محمد بن
مسلم (2) قال : «سألت
أبا جعفر (عليهالسلام) عن الرجل
يأتي
__________________
(1) ص 266.
(2) ص 260.
المرأة وهي حائض؟ قال : يجب عليه في
استقبال الحيض دينار. الحديث». وقد تقدم.
ولو كانت الحائض الموطوءة امة قال الشيخ في النهاية
والصدوق انه يتصدق بثلاثة أمداد من طعام ، وبه قال العلامة أيضا في المنتهى الا
انه حمل التصدق على الاستحباب ، قال في المقنع : «وان جامعت أمتك وهي حائض تصدقت
بثلاثة أمداد من طعام» ونقل الأصحاب في كتب الاستدلال ان بذلك رواية وان ردوها
بضعف السند ، ولم أقف عليها ، مع انه قد تقدم في رواية عبد الملك بن عمرو (1) ما يدل على
التصدق على عشرة مساكين على من اتى جاريته ، قال في الروض : «ولا فرق حينئذ بين
أول الحيض وأوسطه وآخره لإطلاق الرواية والفتوى ، ولا بين الأمة القنة والمدبرة
وأم الولد والمزوجة وان حرم الوطء».
(الرابعة) ـ اختلف الأصحاب فيما لو تكرر الوطء فهل تتكرر
الكفارة مطلقا أولا مطلقا أو تتكرر مع اختلاف الزمان كما إذا كان بعضه في أول
الحيض وبعضه في وسطه مثلا أو سبق التكفير وعدمه بدونهما؟ أقوال : اختار أولها
الشهيد الثاني في الروض والأول في البيان وثانيها ابن إدريس على ما نقله في المختلف
، قال : «وقال ابن إدريس إذا كرر الوطء فالأظهر ان عليه تكرار الكفارة ، لأن عموم
الأخبار يقتضي ان عليه بكل دفعة كفارة ، ثم قال : والأقوى عندي والأصح ان لا تكرار
في الكفارة ، لأن الأصل براءة الذمة وشغلها بواجب أو ندب يحتاج إلى دلالة شرعية ،
واما العموم فلا يصح التعلق به في أمثال هذه المواضع لأن هذه أسماء الأجناس
والمصادر ، ألا ترى ان من أكل في نهار رمضان متعمدا وكرر الأكل لا يجب عليه تكرار
الكفارة بلا خلاف» وهذا القول ظاهر الشيخ ايضا حيث قال في المبسوط : «انه لا نص
لأصحابنا في ذلك وعموم الأخبار يقتضي ان يكون عليه بكل دفعة كفارة ، ثم قال : وان
قلنا انه لا يتكرر لانه لا دليل عليه والأصل براءة الذمة كان قويا» وثالثها لجملة
من الأصحاب : منهم ـ العلامة في المختلف
__________________
(1) ص 266.
والمنتهى والشهيد في الذكرى وغيرهما
من الأصحاب واختاره في المدارك.
حجة القول الأول ـ كما قرره في الروض ـ ان كل وطء سبب في
الوجوب والأصل عدم التداخل بل اختلاف الأسباب يوجب اختلاف المسببات ، قال : «وعلى
هذا يصدق تكرر الوطء بالإدخال بعد النزع في وقت واحد ويتحقق الإدخال بغيبوبة
الحشفة لأنه مناط الوطء شرعا» حجة القول الثاني ما سمعت من كلام ابن إدريس. حجة
القول الثالث كما ذكره في المختلف فقال : «لنا على التكرر مع تغاير الوقت انهما
فعلان مختلفان في الحكم فلا يتداخلان كغيرهما من العقوبات المختلفة على الأفعال
المختلفة ، وعلى التكرر مع تخلل التكفيران الكفارة انما تجب أو تستحب بعد موجب العقوبة
فلا تؤثر المتقدمة في إسقاط ما يتعلق بالفعل المتأخر ، وعلى عدم التكرر مع عدم أحد
الأمرين ان الكفارة معلقة على الوطء من حيث هو هو وكما يصدق في الواحد يصدق في
المتعدد فيكون الجزاء واحدا فيهما».
أقول : ويرد على الحجة الاولى ان ما ادعوه ـ من ان
اختلاف الأسباب يقتضي اختلاف المسببات ـ مما لم يقم عليه دليل ، بل الدليل على
خلافه واضح السبيل لما قدمنا في أبحاث النية في الوضوء (1) من دلالة
الأخبار على تداخل الأغسال بما لا يداخله شك ولا اشكال ، وغاية ما يلزم من وجوب
السبب الذي هو الوطء هنا ـ وان تكرر ـ وجوب الكفارة واما كونها كفارة مغايرة لما
يلزم بسبب آخر فلا ، وهذا غاية ما يفهم من إطلاق الأدلة ، فمن ادعى تخصيص كل سبب
بفرد من الكفارة غير الآخر فعليه البيان ، وبه يظهر ضعف قولهم بأن الأصل عدم
التداخل. ويرد على الحجة الثانية ما قرروه في الحجة الثالثة. وعلى الحجة الثالثة
ان ما ذكروه في الاستدلال على عدم التكرر مع عدم الأمرين من ان الكفارة معلقة على
الوطء من حيث هو هو لو تم للزم مثله مع تغاير الوقت ، لان حاصله ان وجوب الكفارة
معلق على الوطء من حيث هو هو بحيث لا مدخل
__________________
(1) ج 2 ص 200.
للافراد فلا يؤثر في ذلك تغاير الوقت
على وجه يقتضي التعدد.
وكيف كان فالمسألة لخلوها عن النص لا تخلو من الاشكال ،
والركون الى هذه التعليلات مع سلامتها من الإيرادات لا يخلو من المجازفة في
الأحكام الشرعية التي أوجب فيها الشارع الرجوع الى الأدلة القطعية من آية قرآنية
أو سنة نبوية.
(المسألة السابعة) ـ المشهور بين الأصحاب انه يستحب
للحائض أن تتوضأ في وقت كل صلاة وتجلس في مصلاها فتذكر الله تعالى بمقدار صلاتها ،
وفي المختلف عن علي بن بابويه القول بالوجوب ، ونقل ذلك جملة من الأصحاب عن ابنه
ايضا ، وقال في الفقيه : «وقال ابي في رسالته الي : اعلم ان أقل الحيض ثلاثة أيام
، الى ان قال : ويجب عليها عند حضور كل صلاة ان تتوضأ وضوء الصلاة وتجلس مستقبلة
القبلة وتذكر الله بمقدار صلاتها كل يوم» والأصحاب قد استدلوا على الاستحباب بحسنة
زيد الشحام (1) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : ينبغي
للحائض أن تتوضأ عند وقت كل صلاة ثم تستقبل القبلة فتذكر الله تعالى مقدار ما كانت
تصلي». قال في المدارك : «ولفظ ينبغي ظاهر في الاستحباب» ثم نقل عن ابن بابويه
القول بالوجوب لحسنة زرارة عن الباقر (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
كانت المرأة طامثا فلا تحل لها الصلاة وعليها ان تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت كل
صلاة ثم تقعد في موضع طاهر فتذكر الله عزوجل وتسبحه وتهلله
وتحمده بمقدار صلاتها ثم تفرغ لحاجتها». قال : «وهو مع صراحته في الوجوب محمول على
الاستحباب جمعا بين الأدلة» أقول : اما الاستناد في الاستحباب الى لفظ «ينبغي» في
الرواية الأولى ففيه ما عرفت في غير موضع من ان لفظ «ينبغي ولا ينبغي» وان اشتهر
في العرف انه بمعنى الاولى وعدم الأولى إلا أنه في الاخبار ربما استعمل في
الاستحباب والكراهة وربما استعمل في الوجوب والتحريم بل هو الغالب في الاخبار كما
لا يخفى على من له بها مزيد انس ، وحينئذ فينبغي ان يكون
__________________
(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 40 من أبواب الحيض.
التأويل في جانب هذه الرواية لصراحة
الأخيرة ـ كما اعترف به ـ في الوجوب وإجمال هذه فينبغي ان يحمل لفظ «ينبغي» هنا
على الوجوب جمعا. واما ما استدل به لابن بابويه من حسنة زرارة فليس في محله ، بل
الظاهر ان دليل ابن بابويه انما هو الفقه الرضوي فإن عبارة أبيه في الرسالة التي
قدمنا نقلها عن الفقيه عين عبارة كتاب الفقه الرضوي ، حيث قال (عليهالسلام) (1) : «ويجب عليها
عند حضور كل صلاة ان تتوضأ وضوء الصلاة وتجلس مستقبلة القبلة وتذكر الله تعالى
بمقدار صلاتها كل يوم». وكذا ما بعد هذه العبارة مما نقله في الفقيه عين عبارة
الكتاب المذكور ، ومنه يعلم ان مستنده انما هو الكتاب المذكور وان كانت الرواية
المشار إليها دالة على ذلك ، ولكن أصحابنا حيث لم يقفوا على ذلك استدلوا له بهذه
الرواية. ثم انه لا يخفى ان ظاهر صاحب الكافي أيضا القول بالوجوب حيث عنون به
الباب فقال : «باب ما يجب على الحائض في أوقات الصلاة» (2) ثم ذكر
الأخبار الواردة في المسألة المشتملة على الحكم المذكور ، ومن ذلك يظهر ان القول
بالوجوب أرجح ، وقد تقدم مزيد بحث في المسألة ونقل جملة من رواياتها في المقصد
الثاني في الغاية المستحبة من المطلب الثاني من الباب الثاني في الوضوء (3).
(المسألة الثامنة) ـ قد صرح الأصحاب بأنه يكره لها أشياء
: (منها) ـ الخضاب ويدل عليه ما رواه الشيخ عن عامر بن جذاعة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «سمعته
يقول : لا تختضب الحائض ولا الجنب. الحديث». وعن ابي بصير في الموثق عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) (5) «هل تختضب
الحائض؟ قال : لا ، يخاف عليها الشيطان عند ذلك». ورواه الصدوق في العلل عن ابي
بكر الحضرمي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (6) مثله إلا انه
قال : «لا لانه يخاف عليها الشيطان». وروى الحميري في قرب الاسناد عن محمد بن عبد
الحميد عن أبي جميلة عن ابي الحسن موسى (عليهالسلام) (7) قال :
__________________
(1) ص 21.
(2) ج 1 ص 29.
(3) ج 2 ص 142.
(4 و 5 و 6 و 7) رواه في الوسائل في الباب 42 من أبواب الحيض.
«لا تختضب الحائض».
وحمل الأصحاب هذه الاخبار على الكراهة لما ورد من نفي
البأس عنه في عدة اخبار : منها ـ ما رواه الكليني عن محمد بن سهل بن اليسع عن أبيه
(1) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) عن المرأة
تختضب وهي حائض؟ قال : لا بأس به». وعن علي بن أبي حمزة (2) قال : «قلت
لأبي إبراهيم (عليهالسلام) تختضب المرأة
وهي طامث؟ قال : نعم». وما رواه الشيخ عن ابي المغراء عن العبد الصالح (عليهالسلام) (3) في حديث قال :
«قلت : المرأة تختضب وهي حائض؟ قال : ليس به بأس». ونحو ذلك موثقة سماعة (4) «الجنب والحائض
يختضبان؟ قال : لا بأس».
و (منها) ـ مس ورق المصحف غير الكتابة وحمله ، وقد تقدم
الكلام فيه مستوفى في بحث غسل الجنابة (5).
و (منها) ـ قراءة ما عدا العزائم الأربع من القرآن من
غير استثناء للسبع أو السبعين المجوز للجنب قراءتها ، قال في المسالك ـ بعد قول
المصنف : «لا يجوز لها قراءة شيء من العزائم ، ويكره لها ما عدا ذلك ـ ما لفظه : «مقتضاه
كراهة السبع المستثناة للجنب ، وهو حسن لانتفاء النص المقتضى للتخصيص» انتهى.
واعترضه سبطه في المدارك بأنه غير جيد قال : «بل المتجه عدم كراهة قراءة ما عدا
العزائم بالنسبة إليها مطلقا ، لانتفاء ما يدل على الكراهة بطريق الإطلاق أو
التعميم حتى يحتاج استثناء السبع الى المخصص ، ورواية سماعة التي هي الأصل في
كراهة قراءة ما زاد على السبع مختصة بالجنب فتبقى الأخبار الصحيحة المتضمنة لإباحة
قراءة الحائض ما شاءت سالمة عن المعارض» انتهى. أقول : قد تقدم في باب الجنب رواية
الصدوق في الخصال (6) عن السكوني عن
الصادق عن آبائه عن علي (عليهمالسلام) قال : «سبعة
لا يقرأون القرآن.».
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 42 من أبواب الحيض.
(5) ص 146.
(6) ج 2 ص 10.
وعد منهم الجنب والنفساء والحائض ،
قال الصدوق في الكتاب المذكور بعد نقل الخبر : «هذا على الكراهة لا على النهي وذلك
ان الجنب والحائض مطلق لهم قراءة القرآن إلا العزائم الأربع» والخبر المذكور ظاهر
في إطلاق المنع للحائض من قراءة القرآن ، مضافا ذلك الى ما ادعوه من الإجماع في المسألة
كما يشعر به كلامه في الروض ، والظاهر ان السيد لم يقف على الرواية بل الظاهر انه
لو وقف عليها لردها بضعف السند بناء على الاصطلاح الغير المعتمد ، ومما ذكرنا يظهر
وجه القول المشهور من كراهة ما عدا العزائم ، إلا انه قد قدمنا في بحث الجنابة ان
الأظهر حمل ما دل على المنع من قراءة الجنب والحائض القرآن على التقية (1) والله العالم.
و (منها) ـ الجواز في المسجد ، ذكره في الخلاف وتبعه الأصحاب ، وقال في المنتهى انه لم يقف فيه على حجة ثم احتمل كون سبب الكراهة اما جعل المسجد طريقا واما إدخال النجاسة اليه. وأورد على الأول بأنه لا وجه لتخصيص الكراهة بالحائض بل يعم كل مجتاز ، وعلى الثاني ان ذلك محرم عنده فكيف يكون سببا في الكراهة؟ وعللها في الروض بالتعظيم ولا بأس به. والحق جماعة من الأصحاب بالمساجد المشاهد ، قال في الروض : «وهو حسن بل الأمر في المشاهد أعظم لتأديتها فائدة المسجد وتزيد بشرف المدفون بها» والله العالم.
__________________
(1) ص 144.