الحقائق ج1 - كتاب اللعان

كتاب اللعان
وهو لغة مصدر لاعن يلاعن، وقد يستعمل جمعا للعن وأصله الطرد والإبعاد، وشرعا كلمات معلومة جعلت حجة للمضطر إلى قذف فراشه أو إلى نفي ولده، وسميت لعانا لاشتمالها على كلمة اللعن، وخصت بهذه الصيغة القسمية لأن اللعن كلمة غريبة في مقام الحجج من الشهادات والأيمان والشيء يشتهر بما وقع فيه الغريب، وعلى ذلك جواز معظم تسمية سور القرآن. ولم يسم بما يشتق من الغضب لأن لفظ الغضب يقع في جانب المرأة وجانب الرجل أقوى، وأيضا فلعانه يسبق لعانها قد ينفك عن لعانها، أو لأن كلا من المتلاعنين يبعد عن الآخر بها ويطرده أو يحرم النكاح بينهما أبدا، وقد جاء بذلك الكتاب، قال الله تعالى ” والذين يرمون أزواجهم ” (1) الآية، وسبب نزولها مما اختلف فيه الروايات عندنا وعند العامة، ولا حاجة لنا في التعريض لما روته العامة وإن كان أكثر أصحابنا قد اقتصروا على رواياتهم كما هي عادتهم وطريقتهم، فروى الصدوق في الفقيه في الصحيح والشيخ في التهذيب في الصحيح أيضا والكليني في الكافي في الحسن عن عبد الرحمن بن الحجاج (2) ” قال: إن عباد البصري سأل أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده حاضر: كيف يلاعن الرجل المرأة ؟ فقال: إن رجلا من المسلمين أتى رسول الله
(1) سورة النور – آية 6. (2) الكافي ج 6 ص 163 ح 4، الفقيه ج 3 ص 349 ح 9، التهذيب ج 8 ص 184 ح 3، الوسائل ج 15 ص 586 ب 1 ح 1.
[ 88 ]
صلى الله عليه واله فقال: يا رسول الله أرأيت لو أن رجلا دخل منزله فرأى مع امرأته رجلا يجامعها ما كان يصنع به ؟ فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه واله فانصرف الرجل، وكان الرجل هو الذي ابتلي بذلك من امرأته، قال: فنزل الوحي من عند الله عز وجل بالحكم فيها، فأرسل رسول الله صلى الله عليه واله إلى ذلك الرجل فدعاه فقال صلى الله عليه واله: أنت الذي رأيت مع امرأتك رجلا ؟ فقال: نعم، فقال صلى الله عليه واله: انطلق فائتني بامرأتك فإن الله عز وجل قد أنزل الحكم فيك وفيها، قال: فأحضرها زوجها فأوقفها عند رسول الله صلى الله عليه واله ثم قال للزوج: اشهد أربع شهادات بالله إنك لمن الصادقين فيما رميتها به، فشهد، قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: أمسك، ووعظه ثم قال له: اتق الله فإن لعنة الله شديدة، ثم قال له: اشهد الخامسة أن لعنة الله عليك إن كنت من الكاذبين: قال: فشهد فأمر به فنحى، ثم قال صلى الله عليه واله للمرأة: اشهدي أربع شهادات بالله إن زوجك لمن الكاذبين فيما رآك به، قال: فشهدت ثم قال لها: أمسكي، فوعظها ثم قال لها: اتقي الله فإن غضب الله شديد، ثم قال لها: اشهدي الخامسة أن غضب الله عليك إن كان زوجك من الصادقين فيما رماك به، قال: فشهدت ففرق بينهما وقال لهما: لا تجتمعا بنكاح أبدا بعدما تلاعنتما “. وفي رسالة المحكم والمتشابه (1) للمرتضى نقلا عن تفسير النعماني بإسناده عن علي عليه السلام وفي تفسير القمي (2) مرسلا عنهم عليهم السلام ” قال: إن رسول الله صلى الله عليه واله لما رجع من غزاة تبوك قام إليه عويمر بن الحارث فقال: إن امرأتي زنت بشريك ابن الشمحاط، فأعرض عنه، فأعاد عليه القول فأعرض عنه، فأعاد عليه ثالثة، قال: فدخل فنزل اللعان فخرج إليه فقال: ائتني بأهلك فقد أنزل الله فيكما قرآنا، فمضى فأتاه بأهله وأتى معها قومها فوافوا رسول الله صلى الله عليه واله وهو يصلي العصر، فلما
(1) المحكم والمتشابه ص 72 ط دار الشبسترى – قم، الوسائل ج 15 ص 589 ب 1 ح 9 مع اختلاف يسير. (2) تفسير القمى ج 2 ص 98، الوسائل ج 15 ص 589 ب 1 ح 9 مع اختلاف يسير.
[ 89 ]
فرغ أقبل عليهما فقال لهما: تقدما إلى المنبر فتلاعنا، فتقدم عويمر فتلا عليهما رسول الله صلى الله عليه واله آية اللعان ” والذين يرمون أزواجهم ” الآية، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن غضب الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم شهدت بأربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماها به، فقال لها رسول الله صلى الله عليه واله: العني نفسك الخامسة فشهدت، وقالت في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماها به، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه واله: اذهبا فلن تحل لك ولن تحلي له أبدا، فقال عويمر: يا رسول الله صلى الله عليه واله فالذي أعطيتها ؟ فقال: إن كنت صادقا فهو لها بما استحللت فرجها، وإن كنت كاذبا فهو أبعد لك منه “. وأما العامة فرووا عن ابن عباس أن القضية نزلت في هلال بن امية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه واله بشريك بن شمحاط، وفي روايتهم عن سهل بن سعد الساعدي أنها نزلت في عويم العجلان، وليس في أخبارنا ما يطابق هاتين الروايتين، وعلى كل تقدير فليس الحكم مختصا بموضع النزول لأن قضية النزول لا تخصص الحكم الكلي، ولهذا جاء في تفسير الآية ما يدل على تعميمها وإعطاء الحكم الكلى. فما جاء في رواية زرارة (1) ” قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل ” والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ” (2) قال: هو القاذف الذي يقذف امرأته، فإذا قذفها ثم أقر أنه كذب عليها جلد الحد وردت إليه امرأته وإن أبى، إلا أن يمضي فليشهد عليها أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة يلعن فيها نفسه إن كان من الكاذبين، وإن أرادت أن تدرأ عن نفسها العذاب – والعذاب هو الرجم – شهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، فإن لم تفعل رجمت، فإن فعلت درأت عن نفسها
(1) الكافي ج 6 ص 162 ح 3، الوسائل ج 15 ص 588 ب 1 ح 7. (2) سورة النور – آية 6.
[ 90 ]
الحد ثم لا تحل له إلى يوم القيامة ” الحديث.
وقد اشتمل هذا الكتاب على ثلاثة مقاصد:
المقصد الأول
في سببه
وهو أمران: القذف وإنكار الولد للنصوص من الكتاب والسنة خلافا للصدوق في الفقيه والهداية وظاهر المقنع، فقال: لالعان إلا بنفي الولد، وإذا قذفها ولم ينتف من ولدها جلد ثمانين جلدة. واحتج له بخبر محمد بن مسلم (1) عن أحد هما عليهما السلام ” قال: لا يكون لعان إلا بنفي الولد، وقال: إذا قذف الرجل من امرأته لاعنها “. وبخبر أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: لا يقع اللعان إلا بنفي الولد “. وأجاب الشيخ عن ذلك في كتابي الأخبار بعد الطعن بالضعف والمعارضة لكتاب الله والأخبار المستفيضة، لأنه محمول على ما لو قذفها بدون دعوى المشاهدة فإنه لا ينعقد اللعان إلا بنفي الولد. وأجاب غيره بإضافة الحصر بالنسبة إلى مقتضى المقام، ويكون المراد أنه لا لعان بمجرد الشبهة واحتمال كون الولد من الغير، ويدل عليه نصه عليه السلام في الخبر الأول بعد الحصر المذكور باللعان إذا قذفها، فيتناقض الكلام لو أبقينا الحصر على حقيقته.
وهذا المقصد مشتمل على فصلين:
الاول: أن القذف إنما يكون سببا في اللعان لو رمى زوجته المحضة الظاهرة بالعفة المدخول بها الزنا قبلا أودبرا لعموم الأدلة والاجماع كما نقله شيخ
(1) الكافي ج 6 ص 166 ح 16، الوسائل ج 15 ص 604 ب 9 ح 1. (2) التهذيب ج 8 ص 185 ح 5، الوسائل ج 15 ص 604 ب 9 ح 2 وفيهما ” لا يقع اللعان حتى يدخل الرجل بامرأته ولايكون الا… “.
[ 91 ]
الخلاف، ولم يحك خلافا إلا عن أبي حنيفة في الدبر مع دعوى المشاهدة وعدم إقامة البينة، وفلو رمى الأجنبية أو أمته أو زوجته المشهورة بالزنا أو رمى غير المدخول بها أورماها بغير الزنا من مقدماته أو لم يدع المشاهدة فلا لعان. (أما) الأول فبالأصل والآية والنصوص والاجماع وهي كثيرة، بل قضية النزول واضحة جلية. (وأما) الثاني أعني كونها محصنة فلأن رمي المشهورة بالزنا لا يوجب اللعان بل ولا حد القذف وإن اوجب التعزير – كما سيأتي في الحدود – لأنه إنما شرع صونا لعرضهامن الانتهاك، وعرض المشهورة بالزنا منتهك، ولم أر من اشترطه من الأصحاب إلا المحقق والعلامة في الشرايع والقواعد، والمراد بالمحضنة – بفتح الصاد وكسرها – من العفيفة عن وطء محترم لا يصادف ملكا وإن اشتمل على عقد لا ما صادفه، وإن حرم كوقت الحيض والاحرام والظهار فلا يخرج به عن الاحصان وكذا وطء الشبهة ومقدمات الوطء مطلقا، أما التقييد بالدخول بها فليس بمتفق عليه لأنه موضع خلاف عندنا وعند العامة، وأما اشتراط دعوى المشاهدة ليخرج ما إذا اطلق أو صرح بعدمها، وهذا الشرط مجمع عليه بين أصحابنا، واختاره بعض العامة ووجهه مع إطلاق الآية أنه شهادة وهي مشروطة بالمشاهدة، والأخبار الواردة في النزول كما قد سمعت شاهدة بذلك، وكذلك الأخبار المستفيضة في غير النزول. فمنها صحيحة الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: إذا قذف الرجل امرأته فإنه لا يلاعنها حتى يقول رأيت بين رجليها رجلا يزني بها “. ومثله صحيحة محمد بن مسلم (2) عنها أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن الرجل
8 (1) الكافي ج 6 ص 163 ح 6، الوسائل ج 15 ص 594 ب 4 ح 4. (2) الكافي ج 6 ص 166 ح 15، الوسائل ج 15 ص 593 ب 4 ح 2 وفيهما ” أنى رأيتك “.
[ 92 ]
يفتري على امرأته، قال: يجلد ثم يخلى بينهما ولا يلاعنها حتى يقول أشهد أني قد رأيتك تفعلين كذا وكذا “. وصحيحة الحلبي (1) عن أبي عبد الله ” قال: إذا قذف الرجل امرأته، قال: لا يلاعنها حتى يقول رأيت بين رجليها رجلا يزني بها “. وموثقة أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال في الرجل يقذف امرأته: يجلد ثم يخلى بينهما ولا يلاعنها حتى يقول إنه قد رأى بين رجليها من يفجر بها “. وصحيحة سليمان بن خالد (3) عن أبي جعفر الثاني عليه السلام ” قال: قلت له: كيف صار الرجل إذا قذف امرأته كانت شهادته أربع شهادات بالله، وإذا قذف غيره أب أو أخ أو ولد أو غريب جلد الحد أو يقيم البينة على ما قال ؟ قد سئل أبو جعفر عليه السلام عن ذلك فقال: إن الزوج إذا قذف امرأته فقال رأيت ذلك بعيني كانت شهادته أربع شهادات بالله، وإذا قال إنه لم يره قيل له أقم البينة على ما قلت وإلا كان بمنزلة غيره، وذلك أن الله جعل للزوج مدخلا لا يدخله غيره والد ولاولد يدخل بالليل والنهار فجاز له أن يقول، ولو قال غيره رأيت قيل له وما أدخلك المدخل الذي ترى هذا فيه وحدك، أنت متهم ولا بد من أن يقام عليك الحد الذي أو حب الله عليك “. ومثلها رواية محمد بن سليمان (4) كما في الفقيه، ومرسلة محمد بن أسلم الجبلي (5) كما في العلل عن بعض أصحابه عن الرضا عليه السلام وزاد ” وإنما صار شهادة
(1) الكافي ج 6 ص 163 ح 6، الوسائل ج 15 ص 549 ب 4 ح 4. (2) الكافي ج 7 ص 212 ح 9، الوسائل ج 15 ص 593 ب 4 ح 1. (3) التهذيب ج 8 ص 192 ح 29، الوسائل ج 15 ص 594 ب 4 ح 5 وفيهما ” عن محمد بن سليمان “. (4) الفقيه ج 3 ص 348 ح 8، الوسائل ج 15 ص 594 ب 4 ح 5. (5) علل الشرايع ص 545 ب 336 ح 1 طبع النجف الاشرف، الوسائل ج 15 ص 594 ب 4 ح 6 وفيهما اختلاف يسير.
[ 93 ]
الزوج أربع شهادات بالله لمكان الأربعة الشهداء مكان كل شاهد يمين “. وخبر أبي خالد الهيثمي الفارسي (1) كما في المحاسن ” قال: سئل أبو الحسن عليه السلام ” وذكر نحو مع الزيادة. ورواه الكليني عن الحسن بن يوسف عن محمد بن سليمان (2) نحوه وذكر الزيادة أيضا. ومرسلة أبان عن رجل (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: لا يكون لعان حتى يزعم أنه قد عاين “. ويلزم على هذا الشرط أن الأعمى لو قذف زوجته حد لعدم إمكان اللعان في حقه لعدم إمكان المشاهدة وإنما يتوجه لعانه بسبب نفي الولد. واستشكل ثاني الشهيدين الحكم بإمكان علمه بدون المشاهدة، واحتمل في إمكان المشاهدة في لأخبار الشاهدة بذلك تخصيصها بمن يمكن في حقه أو يجعله كناية عن العلم بذلك. وفيه نظر إذ قد عرفت من صراحة تلك الأخبار وأنها معلقة على العلم الخاص، وعلى كل تقدير فلا يكفي الظن المقترن إلى القرائن أو الشياع المجرد وينبه عليه سقوط اللعان بقذف المشهورة بالزنا، وقد أيد ثاني الشهيدين ذلك التأويل بعموم قوله تعالى ” والذين يرمون أزواجهم ” وفيه ما فيه، حيث إن الأخبار، التي جاءت في سبب النزول مشتملة على دعوى المشاهدة، وكذلك فتوى الأصحاب قد أطلقوا اشتراط المعاينة نظرا إلى ظواهر تلك النصوص. وأما اشتراط عدم البينة فلظاهر قوله تعالى ” ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ” فإن مفهومه أنه لو كان له بينة لا يلاعن لامكان نفي الحد، إلا أن
(1) المحاسن ص 302 ح 11، الوسائل ج 15 ص 549 ب 4 ح 6. (2) الكافي ج 7 ص 403 ح 6 وفيه ” الحسين بن سيف “، الوسائل ج 15 ص 594 ب 4 ح 6. (3) الكافي ج 6 ص 167 ح 21، الوسائل ج 15 ص 593 ب 4 ح 3.
[ 94 ]
الأصحاب قد اختلفوا في ذلك، فذهب في الخلاف والمختلف إلى عدم اشتراطه للأصل ولأن النبي صلى الله عليه واله لاعن بين عويمر العجلاني وزوجته كما روته العامة ولم يسألهما عن البينة، فلو كان عدمها شرطا لسأل. وقوى في المبسوط الاشتراط واختاره المحقق في الشرايع وهو مذهب الأكثر لظاهر الآية وظاهر الأخبار التي قدمناها سيما الأخبار المعللة بإقامة شهادته أربع شهادات بالله مقام الأربعة الشهود. وأما اشتراط الدخول فيما إذا كان سببه القذف فهو مذهب الأكثر، وخالف ابن إدريس في ذلك لاطلاق الآية وكثير من الروايات، إلا أن مذهب الأكثر هو الأصح لصراحة الأخبار الواردة في ذلك بالخصوص مثل رواية أبي بصير (1) عن الصادق عليه السلام ” قال: لا يقع اللعان حتى يدخل الرجل بامرأته، ولايكون لعان إلا بنفي الولد “. وروايته الاخرى (2) أيضا عنه عليه السلام ” قال: لا يقع اللعان حتى يدخل الرجل بأهله “. وخبر محمد بن مضارب (3) المروي بطرق عديدة كما رواه المحمدون الثلاثة عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: من قذف امرأته قبل أن يدخل بها جلد الحد “. وخبر محمد بن مسلم (4) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: لا تكون الملاعنة ولا الايلاء إلا بعد الدخول “. وصحيحة أبي بصير ليث المرادي (5) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن رجل تزوج امرأة غائبة لم يرها فقذفها، قال: يجلد “.
(1) التهذيب ج 8 ص 185 ح 5، الوسائل ج 15 ص 604 ب 9 ح 2. (2) التهذيب ج 8 ص 192 ح 30، الوسائل ج 15 ص 604 ب 9 ح 2. (3) الكافي ج 7 ص 213 ح 14، ولم نعثر عليه في الفقيه، التهذيب ج 8 ص 196 ح 45، الوسائل ج 15 ص 591 ب 2 ح 4. (4) الكافي ج 6 ص 162 ح 2، الوسائل ج 15 ص 591 ب 2 ح 5. (5) التهذيب ج 10 ص 78 ح 68، الوسائل ج 15 ص 591 ب 2 ح 7.
[ 95 ]
ومرسلة ابن أبي عمير (1) الصحيحة إليه ” قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يقذف امرأته قبل أن يدخل بها، قال: يضرب الحد ويخلى بينه وبينها “. وخبر محمد بن مضارب (2) أيضا ” قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في رجل لاعن امرأته قبل أن يدخل بها ؟ قال: لا يكون ملاعنا إلا بعد أن يدخل بها يضرب حدا وهي امرأته ويكون قاذفا ” وربما قدح في هذه الأخبار بضعف طرقها حيث اقتصروا على روايتي أبي بصير ومحمد بن مضارب وذلك جريا على الاصطلاح الجديد. ومن هنا استحسن ثاني الشهيدين في المسالك مذهب ابن إدريس لقوة دليله عنده وهو إطلاق الآية وما اطلق من صحاح الاخبار. وفيه نظر لما سمعت أن هذه الأخبار فيها الصحيح وغيره وإطلاق الآية مقيد بها مع ما يضاف إلى ذلك من عمل الطائفة سوى ابن أدريس بها، وكأن ابن إدريس حمل الأخبار المشترطة للدخول على أنه إذا كان السبب له نفي الولد. وفيه نظر لأن الروايات التي ذكرناها المشترطة للدخول صريحة في أن سببه القذف، ويظهر من محقق الشرايع وغيره ممن تأخر عنه أن من الأصحاب وإن لم يعرف بخصوصه من قال بعدم اشتراط الدخول في اللعان مطلقا لأنه جعل التفصيل قولا ثالثا، وهو غير متوجه لما عرفت من أن الدخول شرط في لحوق الولد بالاجماع والأخبار فلا يتوقف انتفاؤه على اللعان على تقدير عدمه فالحق انحصار الخلاف في قولين، فالمشهور اشتراطه فيهما، والثاني التفصيل المنسوب لابن إدريس. نعم يمكن أن يكون ذلك القول للعامة حيث لم يشترط في اللحقوق الدخول كما مضي في حكم الأولاد.
وهاهنا مسائل:
الاولى: لو قذفها بزنا إضافة إلى ما بعد النكاح ففيه خلاف، ففي الخلاف
(1) الكافي ج 7 ص 211 ح 2، الوسائل ج 15 ص 591 ب 2 ح 3. (2) التهذيب ج 8 ص 197 ح 51 وفيه ” حتى يدخل بها “، الوسائل ج 15 ص 592 ب 2 ح 8.
[ 96 ]
ليس له اللعان اعتبارا بحالة الزنا، وفي المبسوط له ذلك، واختاره الأكثر لاطلاق الآية وإطلاق جملة من الروايات وأخبار خصوص الواقعة التي هي سبب الشرعية لا يخصص العام وأما التعليل باعتبار حال القذف أو الزنا فهو تعيين لمحل النزاع لاعلة برأسه، ولايجوز قذفها مع الشبهة ولا مع غلبة الظن ولا بإخبار الثقة ولا بشياع أن فلانا زنى بها فإن الأصل تحريم قذف الزوجة كالأجنبي وإنه يلزمه الحد، إلا أنه لما كان في بعض الحالات التي لا يصل إليه الأجنبي قد ابيح له ذلك القذف بل قد يجب التخليص النسب جعل له الشارع طريقا مخلصا عن الحد باللعان، والأجنبي لا يتخلص عن الحد إلا ببينة تقوم على المقذوف أو بإقرار المقذوف. وبالجملة: فمقتضي هذا التعليل ووجه الحكمة أنه لو قذفها بزنا متقدم على نكاحه لها أن لا يكون لعان بينهما وإن كان الاطلاق في الكتاب والسنة يؤيد القول المشهور. الثانية: لو قذفها بغير الزنا كالسحق لم يثبت اللعان في المشهور وإن أثبت حتى لو ادعى المشاهدة لأنه مشروط بالرمي بالزنا أو نفي الولد، وأما ثبوت الحد به فلأنه قذف بفاحشة توجب الحد كالزنا واللوط، وفي باب الحدود حصروا موجب الحدود بالقذف في الرمي بالزنا أو اللوط وهو يقتضي عدم ثبوت الرمي بالسحق بل التعزير خاصة، وبه صرح أبو الصلاح الحلبي وقربه في المختلف لأصالة البراءة من وجوب الحد، كما لو قذفه بإتيان البهائم. واستوجهه ثاني الشهيدين، قال في المسالك: لأن النص لم يجئ بالحد إلا على الرمي بالزنا واللوط وهو متجه، وسيجئ إن شاء الله تعالى في الحدود الكلام عليه منقحا.
الثالثة: إذا قذف زوجته في العدة الرجعية كان له اللعان لأنها زوجة يثبت بها الاحصان فله أن يلاعنها، كما يجوز أن يطلقها ويؤلي منها ويظاهر، فيصح لعانه في الحال من غير مراجعة، وتترتب عليه أحكامه بخلاف ما إذا ظاهر
[ 97 ]
عنها وآلى، حيث يتوقف أمر هما على الرجعة، لأن حكم الايلاء منوط بالمضارة ولامضارة مع الطلاق والكفارة بالظهار، و إنما تتعلق بالعود وإنما يحصل العود بالرجعة. وأما اللعان فمداره على الفراش، ولحوق النسب والرجعة في ذلك كالمنكوحة بالفعل، وفي التأخير خطر بالموت فلم يتوقف أمره على الرجعة. أما لو كان الطلاق بائنا أو قذفها بعد استيفاء العدة الرجعية وإن أضافة إلى زمن الزوجية فلا لعان بل يثبت الحد لأنها ليست زوجة حينئذ، والحكم مترتب في الكتاب والسنة وإجماع الأصحاب على رمي الزوجة، ولأنها في هذا الحال أجنبية فلا ضرورة إلى قذفها.
الرابعة: لو قذف زوجته المجنونة بالزنا فإن أطلق أو نسبه إلى زمان إفاقتها وجب عليه الحد لتحقق القذف بالفاحشة المحرمة، وإن نسبه إلى حالة الجنون فلا حد لانتفاء قذفها بالزنا المحرم منها حنيئذ. ولو كانت المقذوفة عاقلة حال القذف ولكن أضافة إلى حالة جنونها فإن علم أن لها حالة الجنون واحتمل ذلك في حقها فلا حد لانتفاء الزنا المحرم منها حينئذ، لكن يجب تعزيره للايذاء، وإن علم استقامة عقلها فمقتضى أطلاق عباراتهم أنه كذلك لتحقق القذف الصريح فتلغى الاضافة إلى تلك الحالة، واحتمل ثاني الشهيدين في المسالك العدم لأنه نسبها إلى الزنا في تلك الحالة. وإذا علم انتفاؤها لم تكن زانية فيكون ما أتى به لغوا من الكلام و محالا في العادة، فأشبه ما إذا قال زنيت وأنت رتقاء، فالأصح الأول، ثم التعزير والحد مترتبان على مطالبتها في حال الصحة، فإن أفاقت وطالبت بالحد أو التعزير كان له أن يلاعن لانتفائهما، وليس لوليها المطالبة بها ما دامت حية لأن طريق إسقاطه من جانب الزوج الملاعنة وهو لا يصح من الولي، وكذا ليس له مطالبة زوج أمته بالتعزير في قذفها ما دامت حية، فإن ماتت كان موضع خلاف، فالشيخ على أن له ذلك، واستحسنه المحقق لأن الولي بالنسبة إلى المملوك بمنزلة الوارث، وحق الحد والتعزير يورث كالمال،
[ 98 ]
وربما استشكل ذلك من حيث إن انتقاله إلى المولى إن كان بحق الملك اقتضى ثبوته له في حال الحياة وليس كذلك. وإن كان بحق الارث فالمملوك لا يورث اتفاقا. ورد بأنه حق ثبت بالقذف فلا وجه لسقوطه، ويكون السيد أحق به لا على جهة الميراث بل لأنه أولى من غيره وبأنه إنما لا يورث عنه المال، وأما غيره من الحقوق المختصة به فإنه يورث عنه، وتنظر ثاني الشهيدين في هذا الجواب، وذلك ظاهر لا يخفى، ومن هنا ذهب الأكثر إلى عدم انتقال ذلك الحق إلى المولى.
الخامسة: لفظه الصريح نحويا زانية أو قد زنيت أو زنى فرجك أو قبلك أودبرك أو بدنك دون عينيك ويدك ونحو هما، فإن المتبادر من زنائهم النظر واللمس ولا لعان عندنا بجنايات القذف، فلو قال: أنت أزنى الناس أو أزنى من فلان حتى يقول في الناس زناة وأنت أزنى منهن. أما الأول فلأن ظاهره التفضيل على جميع الناس في الزنا، ومعلوم أن الناس كلهم ليسوا زناة، وكما يحتمل أن يريد أزنى زناة الناس يحتمل إرادة نفي الزنا عنها، بمعنى أنه لو كان الناس كلهم زناة فأنت أزنى منهم، وكلاهما خلاف الظاهر، إلا أنه أراد أن يصرح أنها أزنى من زناة الناس فيكون قاذفا كما في المبسوط. وأما في الثاني فلأنه إنما يتيقن إرادة النسبة إلى الزنا إذا نسب فلانا إليها، ولما لم يصرح به احتمل إرادة النفي، أي لو كان فلانا زانيا فأنت أزنى منه إلا أن يفسره بإرادة القذف، وقوى الشيخ في الخلاف كونه قذفا لهما بظاهره، وقواه شارح القواعد في شرحه كشف اللثام لأن حقيقة لفظ التفضيل يقتضي التشريك في أصل الفعل مع زيادة في المفضل وإرادة النفي مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة الصارفة عن الحقيقة، وعلى المشهور لو ثبت زنا فلان بالبينة أو الاقرار والقاذف جاهل حين قال لها هذا القول – أعني أنت أزنى منهم – لم يكن قاذفا، وإن كان عالما بذلك فهو قاذف، ولو قال لها: يازان بالتذكير فهو قاذف لصحة إطلاق الزاني عليها، بمعنى ذات الزنا، على أنه لو سلم كونه لحنا فلا يضر لتحقق القذف نسبتها
[ 99 ]
مع تعينها إلى الزنا وإن وقع اللحن في اللفظ، وربما وجه بالترخيم وأورد عليه بأنه يختص بالأعلام واجيب بشياع يا صاح في تركيب يا صاحب، وبأن الترخيم إنما يسقط هاء التأنيث كقوله أفاطم مهلا بعض هذا التذلل، وقد اسقطت هنا مع الياء، واجيب بأن ذلك هو القياس إذا كان في آخر الكلمة حرف صحيح قبله مدة، ويمكن إسقاط الهاء هنا للترخيم والياء للوقف على أحد اللغتين في الوقف على الناقص. وللعامة قول بأنه ليس بقذف مطلقا، وآخر بأنه إن كان من أهل العربية فليس بقذف وإلا فهو قذف. وفي الخلاف للشيخ: أن الذي يقتضيه مذهبنا الرجوع إليه، فإن أراد القذف فهو قاذف وإلا فلا لأصالة البراءة وانتفاء الدليل على حكم القذف، ولو قال: رأيتك تزني فهو قاذف وإن كان أعمى لأنه صرح بنسبتها إلى الزنا وإن كذب في دعوى المشاهدة، نعم لا يثبت في طرفه اللعان كما قدمنا عن قريب، ولو قذف أجنبية ثم تزوجها وجب الحد ولالعان، فلو نسبها إلى زنا هي مستكرهة عليه أو مشتبهة أو نائمة ففى كونه قذفا إشكال من أنه إنما نسبها إلى أمر غير ملوم عليه ولا مأثوم فيه، وبه قطع الشيخ وهو الوجه لأنه لا يسمى بالزنا في عرف الشارع، ثم ظاهر الشيخ التردد في التعزير، والأقرب التعزير للايذاء بالعار وانتهاك الأستار ولا لعان على الوجهين إلا لنفي الولد، أما على الثاني فظاهر، وأما على الأول فلأن اللعان على خلاف الأصل، والمتبادر من الرمي بالزنا الرمي بما لم يكن عن إكراه فيقتصر عليه، ولأنه الذي يوجب الانتقام منها. وكذا لا لعان لو كان وطء شبهة من الجانبين إلا لنفي الولد وفي الحد والتعزير ما قد عرفت فيما تقدم، ولو قذف نسوة بلفظ واحد تعدد اللعان لأنه يمين واليمين لا يتداخل في حق الجماعة بلا خلاف، فإن تراضين بمن يبدأ بلعانها بدئ بها وإن تشاححن اقرع بينهما أو بدأ الحاكم بمن شاء ولا يتحد برضاهن بلعان واحد كما لو رضي المدعون بيمين واحدة.
[ 100 ]
ولو قال زنيت وأنت صغيرة وجب التعزير للايذاء دون الحد إذا لا إثم عليها، وفي المبسوط أنه إن فسره بما لا يحتمل القذف كأن يقول زنيت ولك سنتان أو ثلاث كان كاذبا بيقين ولا حد عليه ولا تعزير قذف ولكن تعزير سب وشتم وليس له إسقاطه باللعان، وإن فسره بما يحتمله كأن يقول زنيت ولك تسع سنين أو عشر فهذه يتأتى فيها الزنا لكن لا حد عليه لأن الصغيرة الناقصة لا يجب الحد برميها ويعزر تعزير قذف وله إسقاطه باللعان. وإن قال: زنيت وأنت مشركة كان عليه التعزير إن عهد لها ذلك أي حال شرك وإلا يعهد ذلك لها فالحد، فإنه لم يقذف المشركة كما قلنا في المجنونة بل قذف المسلمة العاقلة، وما ذكره من القيد يكون لغوا، ويحتمل هنا سقوطه رأسا إذا لم يعهد لأنه لم يلزمها بزنا يلزمه إثمه وإنما جاء بمحال، فكان كلامه بتمامه لغوا، ولو ادعت عليه القذف فأنكر فأقامت شاهدين فله أن يلاعن إن ظهر لانكاره تأويلا كأن يقول: إني كنت قلت لها زنيت وبذلك شهد الشاهدان ولكنه ليس بقذف لأني صدقت في ذلك وإلا فلا لعان ووجب الحد لأنه باللعان يكذب نفسه فإن أنشأ قذفا آخر كأن يقول: ما قذفتها ولكنها زانية فله اللعان واندفع فذلك الحد أي الحد الذي شهدت به البينة أيضا لأنه لا يتكرر الحد إذا تكرر القذف بزنا واحد، فهنا أولى، إلا إذا كانت صورة إنكاره: ما قذفت ولا زنيت، فإن قذفه بعده ينافي شهادة الابراء أعني شهادته ببراءتها إلا أن تمضي مدة يحتمل فيها طريان الزنا فله اللعان حينئذ، ولو امتنعا عن اللعان فلما عرضا للحد أو استوفى بعض الجلدات رجعا إليه جاز للعموم واللعان وإن كان يمينا، ولا رجوع إلى اليمين بعد النكول لكنه الحق هنا بالبينة لمفارقته لليمين في أن النكول عن اليمين يوجب انتقالها إلى الآخر، وليس كذلك اللعان، ومشابهة لعانه للبينة إثبات الحد عليها، ولو حد فأراد أن يلاعن بعده مكن منه إن أضاف نفي الولد إليه وإلا فلا، إذ لا فائدة فيه، لأن فائدته درء الحد وقد اخذ، وكذا لا تمكن
[ 101 ]
المرأة منه بعد إن حدت.
السادسة: لو شهد أربعة على امرأة بالزنا وكان أحدهم زوجها ثبتت الملاعنة على الزوج وجلدت ثلاثة حد القاذف ودرئ الحد عنها كما هو مذهب جماعة من القدماء، وذهب الأكثر إلى ثبوت الحد عليها بذلك لأن الزوج أحد الشهود الأربعة. ويدل على القول الأول خبر إبراهيم بن نعيم عن أبي يسار مسمع بن عبد الملك (1) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها: قال: يجلدون الثلاثة ويلاعنها زوجها ويفرق بينهما ولا تحل له أبدا “. ومثله خبر زرارة (2) عن أحد هما عليهما السلام ” قال في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها، قال: يلاعن الزوج ويجلد الآخرون “. وتمسك الأكثر بخبر أبراهيم بن نعيم الآخر (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحد هم زوجها، قال: تجوز شهادتهم “. وبما رواه الصدوق في الفقيه (4) مرسلا ” قال: روي أن الزوج أحد الشهود ” وقد رجح الشيخ وجماعة هذه الأخبار لموافقتها لظاهر القرآن، أعني قوله تعالى ” والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ” ومقتضاها ما قد عرفت من اشتراط اللعان بنفي شهادة من سواه، وبالأحاديث الدالة على على ثبوت الزنا بشهادة أربع مطلقا. وحملوا الأخبار الاولة على فسق الشهود، وسيجئ زيادة تحقيق لهذه المسألة في الحدود إن شاء الله تعالى.
(1) التهذيب ج 10 ص 79 ح 71 وفيه ” نعيم بن ابراهيم “، الوسائل ج 15 ص 606 ب 12 ح 3 وفيهما ” أبى سيار مسمع ” وكذلك ” بفجور ” بدل ” بالزنا “. (2) و (3) التهذيب ج 6 ص 282 ح 182 و 181، الوسائل ج 15 ص 606 ب 12 ح 2 و 1 (4) الفقيه ج 4 ص 37 ح 17، الوسائل ج 15 ص 606 ب 12 ح 4.
[ 102 ]
السابعة: إن من قال لامرأته: لم أجدك عذراء لم يثبت اللعان بذلك بينهما بل عليه التعزير لأنه ليس بقذف صريح وإنما يترتب عليه الايذاء. ويدل على هذا الحكم من الأخبار بعد الفتوى صحيحة زرارة وروايته عن أبي عبد الله عليه السلام وأبي جعفر عليه السلام قالا ” في رجل قال لامرأته: لم تأتني عذراء، قال: ليس بشئ لأن العذرة تذهب بغير جماع ” والخبر الأول من التهذيب (1) والثاني من العلل (2). وخبر إسحاق بن عمار عن أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: في رجل قال في إمرأته: لم أجدك عذراء، قال: يضرب، قلت: فإذا قاذف ؟ قال: يضرب فإنه يوشك أن ينتهي “. وروى الكليني هذا الحديث من طريق العبيدي عن يونس (4) وزاد فيه ” قال يونس: يضرب ضرب أدب ليس بضرب حد لئلا يؤذي امرأة مؤمنة بالتعريض “. أما ما في صحيحة الحلبي (5) عن أبي عبد الله عليه السلام كما في التهذيب ” قال: إذا قال الرجل لامرأته لم أجدك عذراء وليس له بينة، قال: يجلد الحد ويخلى بينه وبين أمراته ” وحمل الشيخ الحد هنا على التعزير لما مر ويأتي، وحمله غيره على التصريح بالقذف من غير دعوى المعاينة.
(1) التهذيب ج 8 ص 196 ح 48، الوسائل ج 15 ص 609 ب 17 ح 1. (2) علل الشرايع ص 500 ب 261 ح 1 وفيه ” ما أتيتى وأنت عذراء، قال: ليس عليه شئ قد تذهب العذرة من غير جماع “. (3) التهذيب ج 8 ص 196 ح 49، الوسائل ج 15 ص 609 ب 17 ح 2 وفيهما ” لامرأته – فان عاد ؟ “. (4) الكافي ج 7 ص 212 ح 11 وفيه ” فانه عاد – بضرب الحدود “، الوسائل ج 15 ص 609 ب 17 ح 2 وفيهما ” لامراته “. (5) التهذيب ج 8 ص 195 ح 43، الوسائل ج 15 ص 610 ب 17 ح 3.
[ 103 ]
ويدل على نفي الحد صريحا خبر حماد عن زياد بن سليمان (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في رجل قال لامرأته بعد ما دخل بها: لم أجدك عذراء، قال: لاحد عليه ” وأسند الصدوق هذه الرواية إلى حماد بن زياد بن سليمان. وأما ما في صحيحة عبد الله بن سنان (2) ” قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا قال الرجل لامرأته: لم أجدك عذراء وليست له بينة يجلد الحد ويخلي بينه وبينها ” ويحتمل مثل ما احتملته صحيحة الحلبي وإن كان التأويل الأخير بها أشبه بدليل قوله ” وليست له بينة “. المقصد الثاني: (3) في بيان السبب الثاني في اللعان وهو إنكار الولد، فإنما يثبت اللعان بنفي الولد إذا كان يلحقه ظاهرا ولا ينتفي عنه بنفيه، وذلك بأن تضعه الزوجة الدائم بستة أشهر فصاعدا من حين وطئه لم يتجاوزا أقصى مدة الحمل كما تقدم في أحكام الأولاد، وكل ولد لا يمكن كونه منه في النكاح لم يلحقه نسبه ولم يحتج انتفاؤه منه إلى لعان، كما لو ولدته لأقل من ستة من حين وطئه في النكاح أو لأكثر من أقصى مدة الحمل فإنه لا يلحق به، وإذا نفاه انتفى لغير لعان، فلو تزوج المشرقي بمغربية كذلك وأتت بولد لستة أشهر من العقد خاصة لم يلحق به لعدم الامكان عادة، ولا لعان عندنا ولا إلحاق، خلافا لبعض العامة، وفرعوا عليه فروعا واهية هي أضعف من بيت العنكبت لأن ذلك لما يفضي إلى المحال، ولو دخل بها الزوج وله أقل من عشر سنين فولدت لم يلحق به لأنه لم تجر العادة بإنزاله وإحباله كما لو ولدت لأقل من ستة أشهر.
(1) الفقيه ج 4 ص 34 ح 2 وفيه ” حماد بن زياد عن سليمان بن خالد – بعد ما دخلت عليه “، التهذيب ج 10 ص 78 ح 66 وفيه ” حماد عن زياد عن سليمان “، الوسائل ج 15 ص 610 ب 17 ح 4. (2) التهذيب ج 10 ص 78 ح 67، الوسائل ج 15 ص 610 ب 17 ح 5. (3) والصحيح ” الفصل الثاني “.
[ 104 ]
ويظهر من الشيخ والفاضلين أن الأمكان يحصل باستكمال عشر سنين، وربما قيل بالاكتفاء بالطعن فيها ولو ساعة واحدة، والأخبار والعادة لم تشهد بشئ من المذهبين. ثم إذا حكمنا بثبوت النسب الحصول الامكان بسبب البلوغ فلا إشكال، وإن لم يثبت بالبلوغ مع إمكانه ثبت النسب دون البلوغ لان النسب يثبت الاحتمال والامكان والبلوغ لا يكفي فيه الاحتمال، فلا يصح ملاعنة في تلك الحال لو نفاه، لأن شرط الملاعنة الكمال بالبلوغ والعقل، لكن لو قال: أنا بالغ بالاحتلام وكان رشيدا فله اللعان لأن ذلك مما يرجع إليه فيه ولا يعلم إلا من قبله غالبا. ثم إن مات قبل البلوغ شرعا لحقه الولد وورث منه وإن كان قد أنكره صغيرا، وإن بلغ فإن اعترف به أو لم ينكره ثبت نسبه، وإن أنكره عقيب البلوغ ولا عن انتفى عنه كغيره. ولو وطأ الزوج دبرا فحملت الحق به في المشهور لأن الوطء في الدبر بمنزلة الوطء في القبل بالنسبة إلى كثير من أحكام الوطء لاطلاق الأدلة ومنها إلحاق الولد، فإنه وإن لم يكن مسلك مجرى المني الطبيعي إلى الرحم لكن لقربه منه يمكن استرسال المني في الفرج من غير شعور وإن كان نادرا، وظاهر هم الاتفاق على هذا الحكم. وظاهر الأخبار النافية لحبل الذكر بأن لهم أرحاما منكوسة لأجل ذلك لا تحبل مما يدل على الاسترسال وإن وقع الوطء في دبر النساء، وظاهر الأصحاب الاتفاق على هذا الحكم. وقد تنظر في أصل الحكم جماعة منهم ثاني الشهيدين في المسالك ومنهم العلامة في التحرير لكنه خصه بحالة العزل. قال ثاني الشهيدين في مسالكه: وتحرير موضع الحكم فيه لا يخلوا من خفاء لأن ظاهره التعليل ما إذا وطأ دبرا وأنزل فحملت على وجه يمكن تولده من ذلك الوطء فإنه لا ينتفي عنه إلا باللعان، بل لا يجوز له نفيه أيضا بمجرد ذلك لامكان استرسال المني إلى الفرج. وعلى هذا فلو وطأ دبرا ولم ينزل لم يلحق فيما بينه وبين الله تعالى ووجب عليه نفيه كما لو لم يطأ أصلا، ولكن يبقى فيه أنهم
[ 105 ]
حكموا بأنه لو وطأ في الفرج ولم ينزل ثم أتت بولد يمكن تولده من ذلك الوطء لحق به، وعللوه بإمكان أن يسبقه المني ولا يشعر به، ويدل عليه ما تقدم في أحكام الأولاد من الأخبار الشاهدة للالحاق ولو عزل عنها معللا بذلك التعليل. ففي كتاب قرب الأسناد عن أبي البختري (1) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم السلام ” قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال: إني كنت أعزل عن جاريتي فجاءت بولد، فقال صلى الله عليه واله: الوكاء قد ينفلت، فألحق به الولد “. وهذا الاحتمال والخبر بأطلاقه يجرى في الدبر أيضا إلا أنه على بعد لأن الماء المستنزل من غير شعور المنزل يكون قليلا جدا لا يمكن عادة استرساله من الدبر إلى القبل على وجه يتولد منه، إلا أن إلحاق الوطء في الدبر بالقبل يقتضي ذلك، والتعليل المذكور مجرد توجيه للامكان وليس هو مستند الحكم. وبالجملة: فالاستبعاد قائم في الجميع والامكان مشترك فيهما وإن تفاوتت مراتبه.
فروع:
الاول: لا يلحق ولد الخصي المجبوب ويلحق ولد الخصي والمجبوب، ولا ينتفي ولد أحد هما إلا باللعان تنزيلا على الاحتمال وإن بعد. وتحرير فروع هذه المسألة إن من لم يسلم ذكره وأنثياه إما أن يفقد هما جميعا أو يفقد الذكر دون الانثيين أو بالعكس. ففي الأول لا يلحق الولد به في الأشهر من المذهب ولا يحتاج إلى اللعان لأنه لا ينزل ولم تجر العادة بأن يخلق الله من مثله وربما قيل بإلحاقه به لاطلاق أخبار الفراش، وإن الولد له ولأن معدن الماء الصلب وإنه ينتقل من ثقبه إلى الظاهر وهما باقيان. وفي الثاني يلحق به قطعا لوجود أوعية المني وما فيها من القوة المحيلة
(1) قرب الاسناد ص 65، الوسائل ج 15 ص 113 ب 15 ح 1 وفيهما اختلاف يسير.
[ 106 ]
للدم، والذكر آلة توصل الماء إلى الرحم بواسطة الايلاج وقد يفرض وصول الماء يغير إيلاج كالمساحقة مع عدم وصول الهواء إلى الماء، كما دلت عليه الأخبار الواردة في أن المرأة المجامعة لو ساحقت البكر فحبلت منه الحق الولد بصاحب الماء، وسيجي في الحدود، وكذلك الخبر الدال على أن من أراق المني على ظاهر فرج المرأة من غير إيلاج وكانت بكرا فحملت الحق به الولد ولم يجزله نفيه، و هو ما رواه في كتاب قرب الأسناد عن أبي البختري (1) عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم السلام ” أن رجلا أتى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: إن امرأتي هذه حامل وهي جارية حدثة وهي عذراء وهي حامل في تسعة أشهر ولا أعلم إلا خيرا وأنا شيخ كبير ما اقترعتها وإنها لعلى حالها، فقال له على عليه السلام: نشدتك بالله هل كنت تهريق على فرجها ؟ قال: نعم، فقال علي عليه السلام: إن لكل فرج ثقبين ثقب يدخل فيه ماء الرجل وثقب يخرج منه البول ” وساق الحديث إلى أن قال: ” وقد ألحقت بك ولدها، فشق عنها القوابل فجاءت بغلام فعاش “. ومثلها ما في كتاب إرشاد المفيد (2) مرسلا من طريق العامة والخاصة في القضية التي التبس على عثمان حكمها حيث إن امرأة نحكها شيخ كبير فحملت وزعم الشيخ أنه لم يصل إليها وأنكر حملها، فالتبس الأمر على عثمان وسأل المرأة هل افتضك الشيخ ؟ وكانت بكرا، فقالت: لا، فقال عثمان: أقيموا الحد عليها، فقال: أمير المؤمنين عليه السلام: إن للمرأة سمين سم البول وسم المحيض، فلعل الشيخ كان ينال منها فسال ماؤه في سم الحيض فحملت منه، فسألوا الرجل عن ذلك فقال: قد كنت انزل الماء في قبلها من غير وصول إليها بالافتضاض، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: الحمل له والولد ولده، وأراد عقوبته على الانكار له فصار عثمان إلى قضائه. وفي الثالث يلحق أيضا على ما اختاره الشيخ والمحقق من غير تردد لأن
(1) قرب الاسناد ص 69، الوسائل ج 15 ص 114 ب 16 ح 1 وليس فيهما ” قال: نعم “. (2) الارشاد ص 112، الوسائل ج 15 ص 114 ب 16 ح 2.
[ 107 ]
آلة الجماع باقية وقد يبالغ في الايلاج ويلتذ ووينزل ماء رقيقا، ومدار الحكم على الوطء – وهو سبب الظاهر – أولى من إرادته على الانزال الخفي ولأنه سبب الفراش، وقيل لا يلحق هنا لأن التولد موقوف على تولد المني ومحله الخصيتان وهذا هو الغالب لكن لا ينفي الأول وإن بعد.
الثاني: إذا كان الزوج حاضرا وقت الولادة ولم ينكر الولد مع ارتفاع الأعذار لم يكن له إنكاره بعد ذلك إلا أن يؤخر بما جرت به العادة كالسعي إلى الحاكم، ولو قيل له إنكاره ما لم يعترف به كان حسنا، ولو أمسك عن نفي الحمل حتى وضعت جاز له نفيه بعد الوضع على القولين لاحتمال أن يكون التوقف لتردده بين أن يكون حملا أوريحا، وإذا أتت امرأته بولد فإن أقر بنسبه لم يكن له النفي بعد ذلك لأن للمولود حقا في النسب وقد التزم تلك الحقوق، ولا يجوز إنكاره بعد لأنه حق آدمي، ثم الاقرار قد يكون صريحا وهو ظاهر وقد يكون فحوى مثل أن يهنى به فيقال له: بارك الله لك في مولودك، أو: متعك الله به، أو: جعله لك ولدا صالحا، فيقول آمين، أو: استحباب الله دعاءك. ففي رواية السكوني (1) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام ” قال: إذا أقر الرجل بالولد ساعة لم ينتف عنه أبدا وإن لم يقر بنسبه وإراد نفيه “. ففى كونه على الفور والتراخي قولان (أحد هما) وهو المشهور أن حق النفي على الفور لأنه خيار يثبت لدفع ضرر التحقيق فيكون على الفور كالرد بالعيب، ولأن الولد إذا كان منفيا وجب إظهار نفيه حذرا من استلحاق من ليس منه، وقد يعرض بالتأخير عوارض مانعة منه كالموت فجأة فيفوت التدارك وتختلط الأنساب. (والقول الثاني) للمحقق في الشرايع أنه لا يشترط وقوعه على الفور لأصالة
(1) التهذيب ج 8 ص 183 ح 63، الوسائل ج 15 ص 214 ب 102 ح 1.
[ 108 ]
عدم الاشتراط ولوجود المقتضي للعان وهو نفي الولد وانتفاء المانع إذ ليس إلا السكوت، وذلك أعم من كونه إقرار فلا يدل عليه، ولأن أمر النسب خطير، وقد ورد الوعيد في نفي من هو منه وفي استلحاق من ليس منه، وقد يحتاج إلى نظر وتأمل فتجب له المهلة. وهذا أقوى. وظاهر المحقق عدم تحديد الامهال بمدة وعليه فلا يسقط إلا بالاعتراف به أو بالاسقاط. وإذا قلنا بفوريته فأخره بلا عذر سقط عذره ولزمه الولد، وإن كان معذورا لعدم الحاكم أو لتعذر الوصول إليه أو ببلوغ الخبر ليلا فأخر حتى يصبح أو حضرت الصلاة فقدمها أو احتاج لا حراز ماله أولا أو كان ذا جوع أو عاريا فأكل أو لبس أولا أو كان محبوسا أو مريضا لم يبطل حقه، وهل يجب عليه الاشهاد على النفي ؟ وجهان، وقد سبق له نظائره كثيرة، ولو أمكن المريض أن يرسل إلى الحاكم أو يعلمه بالحال أو يستدعي منه أن يبعث إليه نائبا من عنده فلم يفعل بطل حقه لأن مثل هذا متيسر له ومثله ملائم غريمه ومن يلزمه غريمه. أما الغائب عن بلد التولد فإن كان في الموضع الذي غاب إليه قاض ونفى الولد عند وصول خبره إليه عند وصول المطلوب ولو أراد التأخير إلى أن يرجع إلى بلده جوازه وجهان: من منافات الفورية اختيارا ومن أن للتأخير غرضا ظاهرا وهو الانتقال منها بإظهار خبرها في بلدها وعند قومها، وحينئذ فإن لم يمكن المسير في الحال لعدم أمن الطريق ونحوه فينبغي أن يشهد على ذلك، وإن أمكنه فليأخذ في السفر وعند التأخير يبطل حقه، فإن لم يكن هناك قاض فالحكم كما لو كان وأراد التأخير إلى بلده وجوزناه. ومن الأعذار المسوغة لذلك التأخير عند معتبري الفورية ما لو ظهر حمل، فإنه مما يجوز له معه أن يؤخر نفيه إلى الوضع فإن متوهم الحمل مما كونه ريحا فيفسد فله أن يصبر إلى أن ينفصل الحمل وحينئذ فله النفي. وإن قال: عرفت أنه ولد ولكن أخرته طمعا في أن تجهض وتسقط فلا أحتاج إلى كشف الأمر
[ 109 ]
ورفع الستر عنها ففيه وجهان، والأقوى جواز التأخير. ومن الأعذار ما لو أخر وقال: إني لم أعلم بولادتها وكان ذلك بحيث يمكن توجه تلك الدعوى على حقه وذلك مما يختلف باختلاف المحال قربا وبعدا. ومثله ما لو قال: لم اصدق المخبر حيث إن مخبره فاسق أو صبي فيصدق بيمينه في هذا العذر، وإن أخبره عدلان لم يعذر فإنهما مصدقان شرعا، ولو أخبره من تقبل شهادته وانثى ففيه وجهان: (أحدهما) أنه يصدق ويعذر لأنه أخبره بمن لا يثبت بشهادته الحق.
(والثاني) أنه لا يصدق ويسقط حقه لأن روايته مقبولة، وسبيل هذا الخبر سبيل المخبر لا سبيل الشهادة. ولو قال: عرفت الولادة ولم أكن أعلم أن لي حق النفي فإن كان ممن لا يخفى عليه ذلك عادة لم يقبل، وإن أمكن بأن كان حديث العهد بالاسلام أو ناشئا في البوادي البعيدة عن أهل الشرع قيل: وإن كان من العوام الناشئين من بلاد الاسلام فو جهان أجود هما القول بيمينه مع إمكان صدقه.
الثالث: إذا طلق الرجل امرأته وأنكر الدخول فادعته وادعت أنها حامل منه فإن أقامت بينة أنه أرخى سترا لاعنها وحرمت عليه وكان عليه المهر، وإن لم تقم بينة كان عليه نصف المهر ولا لعان عليه وعليها مائة سوط وفاقا للشيخ في النهاية، وخالف في المبسوط ونفى إثبات الدخول بالخلوة ولا يتوجه عليه الحد لأنه لم يقذف ولا أنكر ولدا يلزمه الاقرار به. واختار هذا القول ابن إدريس والمحقق والعلامة. ومستند القول الأول صحيحة علي بن جعفر وخبره (1) كما في كتاب التهذيب
(1) التهذيب ج 8 ص 193 ح 36 وفيه ” قال: ان قامت “، بحار الانوار ج 10 ص 262 وفيه ” فادعت أنها حامل منه ما حالها ؟ “، قرب الاسناد ص 110 وفيه ” فادعت أنها حامل ما حالها ؟ قال: إذا قامت البينة “، الوسائل ج 15 ص 590 ب 2 ح 1 وفيه ” فقال: ان قامت “.
[ 110 ]
والمسائل وقرب الأسناد عن أخيه موسى عليه السلام ” قال: سألته عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها فادعت أنها حامل، فإن أقامت البينة على أنه أرخى سترا ثم أنكر الولد لا عنها ثم بانت منه وعليه المهر كملا ” وهي كما ترى قد دلت على أنه بتقدير إقامة البينة بإرخاء الستر يلزمه ثلاثة أشياء: اللعان والتحريم ووجوب المهر عملا بظاهر الصحيح عند الخلوة بالحليلة، ولا مانع من الوطء فيثبت المهر واللعان تقديما للظاهر على الأصل مع أن الخلوة وإرخاء الستر قد أثبت جماعة بها حكم الدخول والوطء، وحينئذ فيترتب على اللعان التحريم، فأما على تقدير عدم إرخاء الستر فأثبت به الشيخ ثلاثة أحكام ووجوب نصف المهر وبقي اللعان وهما لازمان لعدم الدخول ووجوب الحد عليها كملا. وهذا لا يظهر من صريح الرواية ولا من ظاهرها، ومن هنا قال المحقق: لم نظفر بمستنده. فلو علل باعترافها بالوطء والحمل وعدم ثبوت السبب المحلل الذي ادعته لم يجد نفعا في ذلك لأن هذا لا يستلزم كونه عن زنا لأنه أعم، ولا يلزم من انتفاء السبب الخاص المحلل انتفاء غيره من الأسباب وإن لم تدعه. واحتج أهل القول الثاني بأن فائدة اللعان من الزوج إما نفي الولد الذي يحكم بلحوقه شرعا وهو موقوف على ثبوت الوطء لتصير فراشا ولم يحصل، وإما لنفي حد القذف عنه ولم يقذف، وإما لاثبات حد على المرأة وهو هنا منتف بالشبهة ويلزمه ثبوت نصف المهر خاصة لما تقدم من أن الخلوة لا توجب المهر كملا في الأصح كما هو المشهور في الفتوى والأخبار، وهذا وإن كان متوجها نظرا إلى القواعد الكلية في هذه الأحكام كلها إلا أن الرواية صحيحة متكررة في الاصول المعتبرة، فردها مطلقا مشكل بل ينبغي أن يقيد بها تلك الأخبار العامة وتخصص بها تلك الكليات لوجوب تقديم الخاص على العام.
الرابع: إذا قذف امرأته بالزنا ونفى ولدها فقد جمع بين السببين الموجبين للعان فيثبت عليه الحد للقذف وله إسقاطه باللعان، أما الولد فلا ينتفي بدونه
[ 111 ]
لأن زنا الزوجة لا يوجب نفي الولد عن الفراش، فإن لاعن عنهما سقط الحد وانتفى الولد، وإن لاعن لأحد هما خاصة ترتب عليه حكمه وبقي ملزوما بحكم الآخر، وإن أقام بينة بزناها سقط عنه حد القذف لسقوط إحصانها ويعزر للايذاء بتجديد الفاحشة، وهل له إسقاطه باللعان ؟ فيه وجهان بل قولان: (أحد هما) ثبوت الملاعنة دفعا للعقوبة ولقطع النكاح ورفع العار. (والثاني) المنع، وهو الذي اختاره الشيخ في المبسوط لأن اللعان لاظهار الصدق وإثبات الزنا، والصدق ظاهر والزنا ثابت فلا معنى للعان، وهذا الذي دلت عليه الأخبار السابقة وتقدم تحقيقه وهو المنطبق عليه ظاهر الآية، وأيضا فإن التعزير هنا للسب والايذاء، فأشبه قذف الصغيرة التي لا يوطأ مثلها، ومثله ما لو ثبت زناها بإقرارها، والأجود هنا عدم اللعان أيضا فيعزر ويلاعن لنفي الولد، وكذا لو طلقها بائنا فأتت بولد يلحق به في الظاهر لم ينتف إلا باللعان، فإن ولد المطلقة كغير المطلقة متى أمكن كونه منه لحق به لكونها فراشا له وإن زال الآن إلا أن يعارضه فراش جديد يمكن إلحاقه، فإذا ولدته لأقصى الحمل فما دون من وطء المطلق ولم يكن تزوجت أو تزوجت ولم يمض لها أقل الحمل من وطء الثاني الحق بالأول ولم ينتف عنه إلا باللعان، كما لو نفاه في وقت النكاح ولا يقدح فيه زوال الزوجية إذ لا طريق إلى نفي الولد اللاحق به ظاهرا بدون اللعان بخلاف ما لو قذفها بعد البينونة فإنه يحد ولا لعان عملا بظاهر قوله تعالى ” والذين يرمون أزواجهم ” وهي الآن ليست بزوجة خلافا لبعض العامة، وقد تقدمت جملة من الأخبار في أحكام الأولاد. ففي رواية أبان بن تغلب (1) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج امرأة فلم تلبث بعدما اهديت إليه إلا أربعة أشهر حتى ولدت جارية فأنكر ولدها
(1) الفقيه ج 3 ص 301 ح 27، التهذيب ج 8 ص 167 ح 4، الوسائل ج 15 ص 117 ب 17 ح 10.
[ 112 ]
وزعمت أنها حبلت منه، قال: لا يقبل ذلك منها، وإن ترافعا إلى السلطان تلاعنا “. وفي موثقة أبي العباس (1) ” قال: إذا جاءت بولد لستة أشهر فهو للأخير، وإن كان أقل من ستة أشهر فهو للأول “. ومرسلة جميل (2) عن بعض أصحابنا عن أحد هما عليهما السلام ” في المرأة تتزوج في عدتها، قال: يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما، فإن جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر فهو للأخير، فإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر فهو للأول “. ومثلها صحيحته (3) المروية في من لا يحضره الفقيه، والأخبار بهذا الحكم مستفيضة جدا.
الخامس: لو ولدت المرأة تو أمين من زوج واحد فأقر بأحد هما ونفى الآخر لم يسمع نفيه بل يلزمه الاقرار بهما معا، فلا ملاعنة بينهما في هذا الانكار. ويدل عليه من الأخبار خبر أبي البختري (4) كما في كتاب قرب الأسناد عن جعفر عن أبيه عليهما السلام ” أنه رفع إلى علي عليه السلام امرأة ولدت جارية وغلاما في بطن وكان زوجها غائبا فأراد أن يقر بواحد وينفي الآخر، فقال: ليس ذلك له، إما أن يقربهما جميعا وإما أن ينفيهما جميعا “. وحيث ينكر هما جميعا ثبتت الملاعنة ولم يحتج إلى اللعان إلى أكثر من لعان واحد، وكذا لو نفى أولادا متعددين في الولادة دفعة واحدة فليس عليه سوى لعان واحد، نعم لو نفاهم متفرقين كان عليه لكل واحد لعان.
السادس: لو قال الزوج: لم تزن امرأتي هذه وهذا الولد ليس مني فلا حد
(1) التهذيب ج 8 ص 167 ح 7، الوسائل ج 15 ص 117 ب 17 ح 12. (2) التهذيب ج 8 ص 168 ح 8، الوسائل ج 15 ص 117 ب 17 ح 13. (3) الفقيه ج 3 ص 301 ح 24. (4) قرب الاسناد ص 71، الوسائل ج 15 ص 602 ب 7 ح 1 وفيهما ” أمر امرأة ” وكذلك ” واما أن ينكر هما “.
[ 113 ]
فلا لعان للقذف لأنه لم يقذفها ووجب اللعان لنفي الولد، ولو قال: هذا الولد من زنا أو: زنت فأتت بهذا الولد منه وجب الحد للقذف وثبت اللعان له وللنفي ويكفي لهما لعان واحد، ولو قال: ما ولدتيه وإنما التقطتيه أو استعرتيه فقالت: بل هو ولدي منك لم يضرب الحد ولم يحكم عليه – أي الولد – بالولادة إلا بالبينة لامكان إقامتها على الولادة، والأصل عدمها فهي المدعية فكانت عليها البينة، ويقبل فيها شهادة النساء منفردات ومنضمات لأنه أمر لم تطلع عليه الرجال غالبا، فإن لم يكن لها بينة حلف وانتفى عنه النسب بغير لعان إذ لم تثبت الولادة على فراشه، وإن نكل عن اليمين ردت اليمين عليها، فإذا حلفت ثبتت الولادة على الفراش ولحقه إلا أن ينفيه باللعان، وإن نكلت احتملت الوقوف إلى أن يبلغ الولد، فإن هذا اليمين تعلق به حقها وحق الولد جمعيا، فإذا بلغ فإن انتسب وحلف لحق به إلا أن ينفيه باللعان واحتمل عدم الوقوف لأنها حقها، فإذا نكلت سقطت فلا يثبت بعد.
المقصد الثالث (1)
في أركانه
وفيه ثلاثة فصول:
الاول في الملاعن: ويشترط فيه البلوغ والعقل لعدم الاعتداد بعبارة غير هما، ولأن اللعان إما أيمان أو شهادات، ولا يصح شئ منهما من غير هما، ولصراحة الأخبار الواردة في تفسير الآية وفي أحكام اللعان أجمع لتعليق الحكم فيها على الرجل والمرأة، ولايجاب الحد عليه بهذا القذف لو لم يلاعن، ولا يجب إلا بالبلوغ والعقل أما باعتبار الولد فالأمر واضح لتنافي اولادة من غير البالغ لأنه لا يتخلق إلا من منيه وهو شاهد بالبلوغ، ولا تشترط العدالة ولا الحرية ولا انتفاء الحد من قذف أو غيره
(1) والصحيح ” المقصد الثاني “.
[ 114 ]
عنه لعموم النصوص، وكون اللعان أيمان عندنا وهي تصح من الكل خلافا لبعض العامة بناء على كون اللعان شهادات فيعتبر في الملاعن ما يعتبر في الشاهد، وخص الحد عن كونه عن قذف للنص على عدم قبول شهادته في الآية وبخصوص الملوك أخبار كثيرة مثل: صحيحة جميل بن دراج (1) كما في التهذيب والكافي عن الصادق عليه السلام ” قال: سألته عن الحر بينه وبين المملوكة لعان ؟ فقال: نعم، وبين المملوك والحرة وبين العبد والأمة وبين المسلم واليهودية والنصرانية “. وصحيحة محمد بن مسلم (2) عن أحد هما عليهما السلام ” أنه سئل عن عبد قذف امرأته، قال: يتلاعنان كما يتلاعن الأحرار “. وصحيحة الحلبي (3) كما في التهذيب والكافي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث ” قال: سألته عن المرأة الحرة يقذفها زوجها وهو مملوك، قال: يلاعنها، وعن الحر تحته أمة فيقذفها، قال: يلاعنها “. وصحيحة منصور بن حازم (4) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: قلت له في عبد قذف امرأته وهي حرة، فقال: يتلاعنان، فقلت: أبمنزلة الحر سواء ؟ قال: نعم “. ومرسلته (5) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: قلت له: مملوك كان تحته حرة فقذفها، فقال: ما يقول فيها أهل الكوفة ؟ قلت: يقولون يجلد، قال: لا، ولكن يلاعنها “.
(1) الكافي ج 6 ص 164 ح 7، التهذيب ج 8 ص 188 ح 11، الوسائل ج 15 ص 596 ب 5 ح 2. (2) الكافي ج 6 ص 165 ح 14، التهذيب ج 8 ص 188 ح 10. (3) الكافي ج 6 ص 164 ح 6، التهذيب ج 8 ص 187 ح 9، الوسائل ج 15 ص 595 ب 5 ح 1. (4) التهذيب ج 10 ص 78 ح 69، الوسائل ج 15 ص 597 ب 5 ح 7. (5) التهذيب ج 8 ص 189 ح 15، الوسائل ج 15 ص 597 ب 5 ح 9 وفيهما ” كما يلاعن الحرة “.
[ 115 ]
وصحيحة هشام بن سالم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن المرأة الحرة يقذفها زوجها وهو مملوك، والحر يكون تحته المملوكة فيقذفها، قال: يلاعنها “. وظاهر الأصحاب الاطباق على نفي اشتراطه الحرية، وربما يفهم من النافع وجود قائل باعتبار الحرية. ويظهر من الشرايع وجود الرواية بذلك، ولعله إشارة إلى ما رواه السكوني (2) عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام ” أن عليا عليه السلام قال: ليس بين خمس من النساء وأزواجهن ملاعنة: اليهودية تكون تحت المسلم فيقذفها والنصرانية والأمة تكون تحت الحر فيقذفها، والحرة تكون تحت العبد فيقذفها، والمجلود في الفرية لأن الله تعالى يقول ” ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ” (3) والخرساء ليس بينها وبين زوجها لعان باللسان “. وفي الخصال عن سليمان بن جعفر البصري (4) عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام مثله. وفي قرب الأسناد عن الحسين بن علوان (5) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم السلام ” قال: أربع ليس بينهن لعان: ليس بين الحر والمملوكة، ولا بين الحرة والمملوك، ولا بين المسلم واليهودية، ولا النصرانية “. والعجب من ثاني الشهيدين في المسالك حيث أنكر رواية المنع في المملوك والحرة، وقال أيضا: ولا به قائل معلوم. والظاهر أنه أراد به ما في النافع حيث إن
(1) التهذيب ج 8 ص 189 ح 16 وفيه ” تحته الامة “، الوسائل ج 15 ص 597 ب 5 ح 10. (2) التهذيب ج 8 ص 197 ح 52، الوسائل ج 15 ص 598 ب 5 ح 12 وفيهما ” لعان انما اللعان باللسان “. (3) سورة النور – آية 4. (4) الخصال ج 1 ص 304 ح 83، الوسائل ج 15 ص 598 ب 5 ح 12 وفيهما اختلاف يسير. (5) قرب الاسناد ص 42، الوسائل ج 15 ص 598 ب 5 ح 13 وفيهما اختلاف يسير.
[ 116 ]
ظاهره وجود القائل إلا أنه غير معلوم. ولا يشترط الاسلام فيه في المشهور للأصل والعموم، ويكون اللعان أيمانا فيقبل لعان الكافر ويترتب عليه أثره، خلافا لأبي علي الاسكافي فاشترطه بناء على كون اللعان شهادات ولا تقبل شهادة الكافرة وقد عرفت الجواب عن ذلك، وظاهر عبارة الشرايع أن في لعان الكافرة روايتين بالجواب والمنع. قال شهيد المسالك في شرحه لهذا الكلام: ولم نقف عليهما بالخصوص، وربما حمله بعضهم على أن الروايتين في لعان الكافر مطلقا الشامل للرجل والمرأة، فإن الروايات المختلفة إنما وردت في لعان الكافرة – ثم قال: – ” وفيه أن البحث هنا في الملاعن دون الملاعنة، وسيأتي البحث بخصوصها وفي شرائطهما، ويمكن أن تجعل الأخبار الدالة على صحة لعان الكافرة وعدمه دالا على مثله في الزوج الكافر من حيث وجه المنع كونه شهادة وهي مشتركة بينهما، ويتصور لعان الكافر فيما إذا كان الزوجان ذميين فترافعا إلينا ويمكن فرضه الزوجة مسملة والزوج كافرا فيما إذا أسلمت وأتت بولد يلحقه شرعا فأنكره ” فالحق قبول لعان الكافر لزوجته المسلمة والكافرة. وأما الأخبار الآتية في شرائط الملاعنة المانعة من لعان المسلم للكافرة كما تضمنة خبر السكوني وخبر الخصال وخبر قرب الأسناد وسيأتي أيضا خبر الجعفريات فسبيلها التقية لأنه مذهب أولئك العامة، ولهذا اشتملت على العبد والحرة وعلى المجلود في الفرية والتعليل بعدم قبول الشهادة وذلك أمارة التقية. وأما الخرس فليس بمانع من لعان الزوج وإن منع من لعان الخرساء كما سيجئ وتقدم فإن عقلت إشارته قبل لعانه بالاشارة في المشهور كما يصح منه الاقرار والعقود والايقاعات لعموم النصوص من الكتاب والسنة ولأن اللعان إما يمين أو شهادة وكلاهما ومن الأخرس مقبول كالصحيح، وقد حكى في الخلاف عليه الاجماع والوفاق، وتوقف فيه ابن إدريس والعلامة في التحرير والمختلف، وقد أسنده
[ 117 ]
في الخلاف أيضا إلى الأخبار ولعله أراد بها العمومات. قال ابن إدريس (1): لا أقدم على أن الأخرس المذكور يصح لعانه لأن أحدا من أصحابنا غير من ذكرناه – وعبر به الشيخ في المبسوط والخلاف حيث أجازه – لم يورد في كتابه ولا وقفت على خبر بذلك ولاجماع عليه، والقائل بهذا غير معلوم للمتمسك بالآية بعيد لأنه لا خلاف في أنه غير قاذف ولارام على الحقيقة، فالنطق منه بالشهادات في حال اللعان متعذر والأصل براءة الذمة، واللعان حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي، وأيضا لو رجع عن اللعان عند من جوزه له وجب عليه الحد، والرسول صلى الله عليه واله قال: ادرأوا الحدود بالشبهات ومن المعلوم أن في أيمانه وإشاراته بالقذف شبهة، فإن أراد به القذف أو غيره وهو غير معلوم يقينا بلا خلاف – ثم قال: – فإن قلنا يصح منه اللعان كان قويا معتمدا لأنه يصح منه الاقرار والأيمان وأداء الشهادات وغير ذلك من الأحكام. وهذا الكلام كما ترى ينادي وباضطرابه في الفتوى وتردده فيها. ومن ثم قال المحقق: وربما توقف فيه شاذ منا. وقد أجاب عنه المحقق بأن إشارته مقبولة فيما هو أقوى من اللعان كالاقرار بالقتل وغيره إجماعا فيكون في اللعان كذلك، على أن فرض المسألة فيما إذا كانت إشارته مفهمة للمطلوب وإلا لسلمنا عدم صحته، وحينئذ فما استند إليه من عدم العلم بإشارته في القذف والشهادة خلاف الغرض، ودعوى الاتفاق على أنه قاذف ولارام فاسدة، إذ القذف مرجعه إلى الرمي، فإن معناه لغة الرمي وهو غير مختص بلفظ، بل بما دل على الرمي بالزنا في معرض التعبير. نعم يمكن أن يفرق بين الاقرار وغيره من العقود والمعاملات من الأخرس وبين اللعان من حيث إنه يتعين التأدية بلفظ الشهادة والغضب، واللعن وإشارته لا تفي بتفصيل الصيغ ولا ترشد إليه وإن أدت معناها، وإنهما يتوجه أن يصح منه
(1) السرائر ص 331.
[ 118 ]
ما لا يختص بصيغة ولا يمتنع إقامة الاشارة منه مقام العبارة المؤدية له دون ما يختص. أما النكاح والبيع ونحو هما من العقود اللازمة بصيغ خاصة فحقها المشاركة اللعان في المنع إلا أنه لما كان المقصود منها ما دل على المطلوب صريحا إذ لانص على الاختصاص. فإذا أفادت إشارته ذلك كفت. ويمكن الجواب أيضا بأنه قد ثبت عن الشارع والاكتفاء بإشارته فيما علم اختصاصه بصيغة خاصة كتكبيرة الاحرام في الصلاة وقراءة الحمد فيها ونحو هما من الأذكار المعينة فليكن هنا كذلك لأن الفرق بين الأمرين لا يخلو من إشكال، فالقول بوقوع اللعان من الأخرس هو المذهب وإن كان الشك فيه منقدحا. ويمكن الاستدلال للمانعين المترددين بما اشتملت عليه الروايات الثلاث التي مر ذكرها من التهذيب عن السكوني ومن الخصال ومن قرب الأسناد بل ومن الجعفريات أيضا من تعليل نفي اللعان عن الخرساء بينها وبين زوجها من أن اللعان باللسان، وبما روي في بعض الكتب عن أمير المؤمنين عليه السلام كما فشرح القواعد للفاضل الهندي أنه قال: الخرساء والأخرس ليس بينهما لعان لأن اللعان لا يكون إلا باللسان. لكن يمكن تخصيص التعليل بالخرساء أو بهما معا عند اجتماعهما فلا يمنع في ملاعنة الأخرس الصحيحة عند إفهامه، وعلى كل تقدير فلا خلاف في نفي لعانه إذا لم تكن إشارة مفهمة. واعلم أنه كما يمكن وقوع القذف واللعان معا من الأخرس يمكن وقوع القذف منه صحيحا ثم يعرض له الخرس قبل اللعان، ومعه يزول الاشكال الذى وجهه ابن إدريس من عدم تحقق القذف والرمي منه، ويبقى الكلام في اللعان خاصة وهو منحصر في الشهادة أو اليمين كما عرفت، وكلاهما يقعان من الأخرس، ولو كان يحسن الكتابة فهي من جملة إشاراته بل ربما كانت أوضح، فإذا لاعن بالكتابة وأشار بما يدل على قصدها كان أكمل، وليكتب حينئذ كلمة الشهادة وكلمة اللعن والغضب ويشير إليهما أربع مرات ولا يكلف أن يكتب أربع
[ 119 ]
مرات، ولو قذف ولا عن بالاشارة ثم عاد نطقه وقال: لم أرد اللعان بإشارتى قبل قوله فيما عليه حتى يلحقه النسب ويلزمه الحد. ولا يقبل فيما له حتى لا ترتفع الفرقة ولا التحريم المؤبد، وله أن يلاعن في الحال لاسقاط الحد ولنفي النسب إذا لم يمض من الزمان ما يسقط فيه حد النفي. ولو قال: لم أرد القذف أصلا لم يقبل قوله لأن إشارته أثبت القذف لافهامها ذلك وهو حق لغيره، ولو انقطع كلام الصحيح بعد القذف وقبل اللعان صار كالأخرس لعانه بالاشارة وإن لم يحصل اليأس من نطقه لأنه فوري والأصل البراءة من التربص إلى البرء، وللعامة قول بالتربص إن رجئ البرء.
وهاهنا فروع:
الاول: لا بد من الزوجية في الملاعن، فلا يقبل لعان الأجنبي بل يجب عليه حد القذف إن لم يأت بالبينة وإن كان ذا قرابة ورحم لصيق. ويدل عليه خبر محمد بن سليمان (1) المتقدم عن أبي جعفر الثاني عليه السلام حيث قال ” قلت له: كيف صار الرجل إذا قذف امرأته كانت شهادته أربع شهادات بالله وإذا قذفها غيره أب أو أخ أو ولد أو غريب جلد الحد أو اقيم البينة على ما قال ؟ فقال: قد سئل أبو جعفر عليه السلام عن ذلك فقال: إن الزوج إذا قذف امرأته فقال رأيت ذلك بعيني كانت شهادته أربع شهادات بالله، وإذا قال له إنه لم يره قيل له أقم البينة على ما قلت وإلا كان بمنزلة غيره، وذلك لأن الله عز وجل جعل للزوج مدخلا لم يدخله غيره لا والد ولا ولد بالليل والنهار فجاز له أن يقول رأيت ولو قال غيره رأيت قيل له ما أدخلك هذا المدخل الذي ترى فيه هذا وحدك ؟ أنت متهم ولا بد أن يقام عليك الحد الذي أوجبه الله عليك “. ومثلها رواية محمد بن أسلم الجبلي (2) وقد تقدمت أيضا، وخبر أبي الهيثم
(1) الفقيه ج 3 ص 348 ح 8، الوسائل ج 15 ص 594 ب 4 ح 5. (2) علل الشرايع ص 545 ب 336 ح 1، الوسائل ج 15 ص 594 ب 4 ح 6.
[ 120 ]
الفارسي (1) كما تقدم، وخبر الحسين بن سيف (2) كما في الكافي. لو أدعى عليه الولد المشبهة فأنكره انتفى عنه ولم يثبت اللعان وإن اعترف بالوطء لأنه نفى ولد من غير الزوجة، أما لو اعترف بالوطء ونفى وطء غيره واستدخال المني من غيره سقط اللعان والحق به وإن كان إنكاره لغوا.
الثاني: لو قذف الطفل زوجته فلا حد ولا لعان وكذا المجنون لرفع القلم عنهما حتى يبلغ ويفيق. وفي الخبر عن أمير المؤمنين عليه السلام ” لالعان بين الصبيين حتى يدركا وإن أردكا لم يتلاعنا فيما رمى امرأته وهما صغيران ” ولو أتت امرأة لمجنون بولد لحق به نسبه، ولا سبيل إلى نفيه مع زوال عقله، فإذا عقل كان له نفيه حينئذ واستلحاقه، ولو ادعى أن القذف كان حال جنونه صدق إن عرف منه ذلك مع يمينه لأصالة البراءة، وادرأوا الحد بالشبهات، وإلا فلا، فالقول قول المقذوفة مع يمينها لأن الظاهر معها.
الثالث: لو ارتد الزوج فلاعن ثم عاد إلى الاسلام في العدة عرف صحته بظهور بقاء الزوجية، وإن أصر على الكفر ظهر بطلانه لظهور البينونة فلا تحرم عليه إن رجع إلى الاسلام، ولو ظن صحة النكاح الفاسد فلاعن لم يندفع الحد باللعان الفاسد على إشكال لفساد اللعان وظهور الأجنبية ومن الحكم بالسقوط حين لاعن، ولعله يكفي في درء الحد، وكذا لا يندفع عن المرتد المصر الملاعن في ارتداده على إشكال من جهة أنها في العدة كالمطلقة الرجعية لتمكن الزوج إلى الاسلام ومن أنها كالبائن لكشف الاصرار عن البينونة بالارتداد فتكون كالأجنبية في تلك الحال.
الفصل الثاني في الملاعنة: ويعتبر فيها البلوغ وكمال العقل والسلامة من الصمم والخرس. أما الأولان
(1) المحاسن ص 302 ح 11، الوسائل ج 15 ص 594 ب 4 ح 6. (2) الكافي ج 7 ص 403 ح 6، الوسائل ج 15 ص 594 ب 4 ح 6.
[ 121 ]
فللأخبار التى قد سمعتها في الملاعن، وأن متعلق اللعان فيهما الرجل والمرأة وهما لا يكونان إلا بالغين عاقلين لالزامهما في الأيمان والشهادات ودرء الحد، ولا يكلف بذلك إلا البالغ العاقل. وأما السلامة من الصمم والخرس فالأخبار بهما مستفيضة، وقد تقدم كثير منها في النكاح فيما لو حرم على التأييد مثل صحيح أبي بصير (1) ” قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل قذف امرأته بالزنا وهي خرساء أو صماء، قال: إن كان لها بينة تشهد عند الامام جلد الحد وفرق بينه وبينها ولا تحل له أبدا، وإن لم تكن لها بينة فهي حرام عليه ما أقام معها و لا إثم عليها منه “. كذا في كتاب النكاح من التهذيب، وفي كتاب اللعان منه من الكافي ” وهي خرساء صماء ” بحذف لفظة ” أو ” فالخبر واحد متنا وسندا، فالظاهر زيادة لفضة ” أو ” في كتاب النكاح، وحينئذ لا يكون لنا خبر يدل على نفي اللعان إذا كانت صماء خاصة إلا أن يفهم من قوله عليه السلام ” لا تسمع ما قال ” أو يكون انعقد الاجماع على عدم الفرق بين الخرس والصمم وللفقيه الواحد في الكتاب الواحد اضطراب في هذا الحكم، ففي النكاح ربما اكتفى بأحد هما في التحريم المؤبد ونفي الملاعنة، وفي اللعان اعتبر اجتماعهما وربما كان العكس، وكل ذلك من اضطراب خبر أبي بصير في ذلك التعبير. ومن هنا قال شهيد المسالك في اللعان عند شرحه لعبارة الشرايع حيث اشترط السلامة من الصمم والخرس: مقتضى العبارة أن السلامة منهما معا شرط في صحة لعانها مطلقا، فلو كانت متصفة بأحد هما صح لعانها لأن الشرط وهو السلامة منها حاصل، وقد تقدم في باب التحريم المؤبد من النكاح أن أحد هما كاف في تحريمهما مع القذف، ففى الفتوى اختلاف في الموضعين مع إمكان تكلف
(1) الكافي ج 6 ص 166 ح 18، التهذيب ج 8 ص 193 ح 34، الوسائل ج 15 ص 603 ب 8 ح 2 وما في المصادر اختلاف يسير.
[ 122 ]
الجمع بينهما بحمل هذه على تلك، وقد تقدم المختار في ذلك. ثم قال: ومقتضى هذه العبارة أيضا لا يصح لعانها للقذف ولالنفي الولد لأنه جعل السلامة منهما معا شرطا في صحة لعانها مطلقا الشامل لذلك، وقد تقدم جعل قذفها موجبا لغير تحريمها بلا لعان، فنفي الولد غير داخل فيه لأن اللعان سببين كما تقدم القذف ونفي الولد وأحد هما غير الآخر وقد يجتمعان كما لو قذفها بالزنا ونفي ولدها، وقد ينفرد كل منهما عن الآخر بأن يقذفها بالزنا ويعترف بولدها، أو ينفي ولدها ويبرئها من الزنا بأن يجعله ولد شبهة أو نكاح صحيح سابق حيث يمكن، والموجود في النصوص تحريمها بمجرد القذف بدون اللعان وأنه يحد للقذف، ثم ذكر صحيحة أبي بصير المتقدمة. ثم قال: والوجه اختصاص الحكم بالقذف وقوفا فيما خالف الأصل على محل الوفاق ولعموم الآية الشامل للزوجة مطلقا خرج منه المقذوفة فيبقى الباقي ولأنه على تقدير علمه بانتفاء الولد عنه لو نفاه فحرمت عليه بدون لعان، فإن انتفى الولد بذلك لزم انتفاء ولد الزوجة الملحق به ظاهرا بمجرد النفي وهو باطل بالاجماع، وإن لم ينتف عنه ولم يجعل له طريق إليه لزم الحرج والضرر به المنفيان شرعا آية ورواية. نعم في رواية إسماعيل بن أبي زياد السكوني (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” أن عليا عليه السلام قال: ليس بين خمس من النساء وبين أزواجهن ملاعنة – وعد منها الخرساء، وقال: – إنما اللعان باللسان ” وهو يقتضي نفي اللعان للأخرس، لكنها قاصرة من إفادة المطلوب لضعف سندها فلا يقاوم بعموم ما ثبت بالآية والرواية بل الاجماع، وإنما يقتصر فيه على ما ذكرناه من محل الوفاق، وأيضا فإنه أومى إلى العلة بكون اللعان إنما يكون باللسان المقتضية لنفي لعان الأخرس بالاشارة وقد مر ما يدل على خلافه، وحينئذ يلاعنها لنفيه بالاشارة كما مر في الأخرس
(1) التهذيب ج 8 ص 197 ح 52، الوسائل ج 15 ص 598 ب 5 ح 12.
[ 123 ]
ويحد للقذف إن لم يقم عليها البينة وتحرم بغير لعان عليه مؤبدا، وإن أقام بينة سقط الحد وحرمت عليه أيضا كما دلت عليه الرواية السابقة. وربما قيل إنها لا تحرم لعدم قذفها بما يوجب اللعان، ويثبت عليها الحد بالبينة ولا ينتفي عنها بلعانها، والرواية تنافي ذلك وهي معتبرة الأسناد، لكن في الاكتفاء بها في إثباب هذا الحكم نظر، وعبارات الأصحاب في باب التحريم مصرحة باشتراط قذفها بما يوجب اللعان للآية المذكورة، فيخرح منها ما لو أقام البينة وما لو لم يدع المشاهدة، وإطلاق هذه الرواية وغيرها يتناول الجميع، والأولى الرجوع في كل موضع يحصل منه الاشتباه إلى الحكم العام. انتهى كلامه رفع في أعلا عليين مقامه، وإنما نقلناه بطوله لكثرة فوائده ومحصوله. لكن بقي هنا شئ وهو أنه لم يتعرض لسوى رواية السكوني وهي ليست منفردة بذلك، لأنك قد سمعت أن المعاضد لها من أخبار الباب ثلاثة أخبار اخر أحد ها خبر الخصال والثاني خبر قرب الأسناد عن الحسين بن علوان والثالث خبر الجعفريات، إلا أن الثلاثة مشتركة في ضعف السند أيضا على الاصطلاح الجديد، لكن قد عرفت غير مرة أن هذا الاصطلاح الجديد غير معتبر إلا عند تعارض الأخبار، وفي الحقيقة لا تعارض هنا بينها وبين خبر صحيحة أبي بصير إلا في حالة القذف دون حالة نفي الولد إذ لا معارض لها سوى العموم وكونها لضعفها غير مقابلة لتقييد غيرها، لكن يبقى فيها الطعن باحتمال التقية لاشتمالها على أصناف لا يمكن القول بها، وقد تقدم الكلام عليه منقحا فلا حاجة إلى إعادته. ويشترط فيها أيضا أن تكون منكوحة بالعقد الدائم الصحيح، أما اشتراطه مع القذف فهو مشهور بين الأصحاب، وقد ذهب إليه أكثر المتقدمين وجميع المتأخرين حتى لم ينقل المحقق هنا فيه خلافا، وكذا العلامة، لكن قد نقل الخلاف في نكاح المنقطع عن المفيد والمرتضى لعموم الآية، وسيجئ الكلام عليهما وعلى ما احتجا به، وأما بالنسبة إلى نفي الولد فالظاهر أنه موضع وفاق لأن
[ 124 ]
ولد المتمتع بها ينتفي لغير لعان اتفاقا كما تقدم في حكم الأولاد، لكن ظاهر المفيد في الرسالة الغرية أن خلافه في الجميع، وكذلك ظاهر يحيى بن سعيد، وبين الكلامين تدافع. ويدل على المشهور ما تقدم في نكاح المتعة من الأخبار التي أوردها جامع الأصل من صحيحة ابن أبي يعفور (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتع منها “. وصحيحة عبد الله بن سنان (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: لا يلاعن الحر الأمة ولا الذمية ولا التي يتمتع بها “. وصحيحة علي بن جعفر (3) عن أخيه موسى عليه السلام مثلها. واحتج المفيد والمرتضى ويحيى بن سعيد بعموم الآية، ولا ينافيه ورودها في الدائم لأن خصوصية السبب لا تخصص العام، واجيب أن عمومها مخصوص بالروايات الصحيحة بناء على ما ثبت من أن خبر الواحد يخصص الكتاب، والعجب من شهيد المسالك في مباحث المتعة حيث طعن في خبر عبد الله بن سنان بعدم الصحة لاشتراك ابن سنان بين عبد الله ومحمد بالضعف، ثم قال: والاشتراك يمنع الوصف بالصحة. وفيه نظر لما عرفت أن لااشتراك لأن محمدا لا يروي عن أبي عبد الله عليه السلام بغير واسطة والقرينة العقلية معينة له، ومن هنا جزم في اللعان بالصحة وغفل عما أورده هناك في المتعة. وأما رواية علي بن جعفر وإن ضعف طريقها في التهذيب لكنها في كتاب المسائل له صحيحة.
(1) الكافي ج 6 ص 166 ح 17، التهذيب ج 8 ص 189 ح 18 وفيهما ” يتمتع بها “، الوسائل ج 15 ص 605 ب 10 ح 1. (2) التهذيب ج 8 ص 188 ح 12، الوسائل ج 15 ص 605 ب 10 ح 2. (3) قرب الاسناد ص 109، الوسائل ج 15 ص 599 ب 5 ح 14.
[ 125 ]
وأما اعتبار اشتراك الدخول بها تقدم الكلام عليه مستوفى فلا حاجة إلى إعادته، ودليل اشتراطه قد مر مفصلا، وأن المخالف فيه غير معلوم وإنما تؤذن به بعض العبارات. نعم خلاف ابن إدريس بالنسبة إلى التفصيل حيث اشترطه في لعان نفي الولد دون الرمي بالقذف، وقد عرفت ما يدفعه إذ لامستمسك له سوى العمومات آية ورواية، وقد قيدتها الأخبار المستفيضة المشترطة للدخول، ويثبت اللعان بين الحر والمملوكة كما هو المشهور، وصور هذه المسألة أربع لأن الزوجين إما أن يكونا حرين أو مملوكين أو الزوجة حرة والزوج عبدا وبالعكس. والثلاثة الاول لا خلاف في ثبوت اللعان بينهما فيها، وإنما الخلاف في الرابع، فجوزه الأكثر الشيخ وأتباعه والمحقق والعلامة وعليه المتأخرون قاطبة، ومنعه المفيد وسلار مطلقا، وفصل ابن إدريس فصححه في نفي الولد دون القذف. حجة المشهور صحيحة جميل (1) عن الصادق عليه السلام وقد تقدمت في شرائط الملاعن ” أنه سئل هل يكون بين الحر والمملوكة لعان ؟ فقال: نعم، وبين المملوك والحرة وبين العبد والأمة وبين المسلم واليهودية والنصرانية “. وصحيحة الحلبي (2) وقد تقدمت أيضا ” قال: سألته عن المرأة الحرة يقذفها زوجها وهو مملوك، قال: يلاعنها. وعن الحر تحته أمة فيقذفها “. وصحيحة محمد بن مسلم (3) ” قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الحر يلاعن المملوكة ؟ قال: نعم إذا كان مولاها الذي زوجها إياه “. وصحيحة حريز (4) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في العبد يلاعن الحرة ؟ قال: نعم
(1) التهذيب ج 8 ص 188 ح 11، الوسائل ج 15 ص 596 ب 5 ح 2. (2) الكافي ج 6 ص 163 ح 6، الوسائل ج 15 ص 595 ب 5 ح 1. (3) التهذيب ج 8 ص 188 ح 13، الوسائل ج 15 ص 596 ب 5 ح 5. (4) التهذيب ج 8 ص 189 ح 14 وفيه ” ولاعنها “، الوسائل ج 15 ص 597 ح 6 وفيهما ” زوجه اياها “.
[ 126 ]
إذا كان مولاه زوجها إياها لاعنها بأمر مولاه كان ذلك، وقال: بين الحر والأمة والمسلم والذمية لعان “. وصحيحة محمد بن مسلم الاخرى (1) ” قال: سألته عن الحر يلاعن المملوكة ؟ قال: نعم “. وصحيحة هشام بن سالم (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن امرأة الحرة يقذفها زوجها وهو مملوك الحر تكون تحته المملوكة فيقذفها، قال: يلاعنها “. وحجة المانعين عموم قوله تعالى: ” ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات ” (3) والمملوكة ليست من أهل الشهادة. وبصحيحة عبد الله بن سنان (4) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: لا يلاعن الحر أمته ولا الذمية ولا التي يتمتع بها “. ورواية على بن جعفر (5) كما في التهذيب وصحيحته كما في المسائل عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام ” قال: سألته عن رجل مسلم تحته يهودية أو نصرانية أو أمة ينفي ولدها ويقذفها، هل عليه لعان ؟ قال: لا “. وبخبر السكوني (6) وقد مر وفيه ” أن عليا عليه السلام قال: ليس بين خمس من النساء وبين أزواجهن ملاعنة ” وساق الحديث إلى أن قال: ” والأمة تكون تحت الحر فيقذفها “
(1) التهذيب ج 10 ص 78 ح 70، الوسائل ج 15 ص 597 ب 5 ح 8. (2) التهذيب ج 8 ص 189 ح 16 وفيه ” يكون تحته الامة “، الوسائل ج 15 ص 597 ب 5 ح 10. (3) سورة النور – آية 6. (4) التهذيب ج 8 ص 188 ح 12، الوسائل ج 15 ص 596 ب 5 ح 4. (4) التهذيب ج 8 ص 188 ح 12، الوسائل ج 15 ص 596 ب 5 ح 4. (5) التهذيب ج 8 ص 189 ح 17 وفيه ” أو أمة فأولدها وقذفها فهل “، قرب الاسناد ص 109، الوسائل ج 15 ص 598 ب 5 ح 1 1 وفيهما اختلاف يسير. (6) التهذيب ج 8 ص 197 ح 52، الوسائل ج 15 ص 598 ب 5 ح 12.
[ 127 ]
ومثلها خبر سليمان بن جعفر البصري (1) كما في الخصال عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام وقد تقدم أيضا. وخبر الحسين بن علوان (2) كما في قرب الاسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم السلام ” قال: أربع ليس بينهن لعان: ليس بين الحر والمملوكة ولابين الحرة والمملوك “. ومثلهاما في كتاب الجعفريات (3) بإسنادها المشهور عن علي عليه السلام. وقد قدح على هذه الروايات بضعف أسنادها سوى الاولى، وبأنها مشتملة على تلك الأفراد التي قد ثبتت بالصحاح والفتوى الملاعنة فيها وبأنها مطابقة للتقية وباحتمال أن تكون الأمة مملوكة غير مزوجة وبما إذا تزوجها بغير إذن مولاها. وأما إطلاق الآية فمخصص بتلك الأخبار الصحاح التي قد سمعتها مع صراحتها في التزويج واحتمال هذه للملك. واحتج ابن إدريس على تفصيله بأن قذف المملوكة لا يوجب الحد فلا يتوقف نفيه على اللعان، بخلاف نفي ولدها إذا كانت زوجة وبأن اللعان حكم شرعي فيقتصر فيه على المتيقن والثاني باق على الأصل. واجيب عن ذلك بأن عموم ” والذين يرمون أزواجهم ” أخرجه عن حكم الأصل مضافا إلى النصوص المستفيضة من الصحاح وغيرها، وكما جاز اللعان لنفي الحد جاز لنفي التعزير إذ ليس في اشتراط كونه للحد وإن كان السبب موجبا له لأن العبرة بعموم اللفظ لا لخصوص السبب، وقد ظهر أن مختار الأكثر هو الأظهر، ويتعين حمل هذه الأخبار على التقية ولا يشترط فيها الاسلام كما هو مذهب الأكثر. وذهب جماعة منهم ابن الجنيد إلى اشتراط إسلامها فلا يلاعن
(1) الخصال ج 1 ص 304 ح 83، الوسائل ج 15 ص 598 ب 5 ح 12. (2) قرب الاسناد ص 42، الوسائل ج 15 ص 598 ب 5 ح 13 وفيهما اختلاف يسير. (3) الجعفريات ص 114.
[ 128 ]
المسلم الكافرة، وابن إدريس على التفصيل كما في الحر والمملوكة. وقد احتج المشهور بما قدمناه من الأخبار المشتملة على التعميم وصحيحة جميل لقوله فيها ” وبين المسلم واليهودية والنصرانية ولا يتوارثا “. وبصحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام وقد تقدمت أيضا فيها ” بين الحر والأمة والمسلم والذمية لعان “. وبصحيحة أبي ولاد الحناط (1) كما في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب ” قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن نصرانية تحت مسلم زنت وجاءت بولد فأنكره المسلم، قال: فقال: يلاعنها، قيل: والولد ما يصنع به ؟ قال: هو مع امه ويفرق بينهما ولا تحل له أبدا “. واحتج المانعون بما ذكروا في اشتراط الحرية فيها وبالأخبار التي قدمناها مثل خبر علي بن جعفر وصحيحه حيث قال فيه ” عن رجل مسلم تحته يهودية أو نصرانية أو أمة تنفي ولدها وتقذفه، (2) هل عليه لعان ؟ قال: لا “. وكذلك بخبر السكوني وبخبر الخصال عن سليمان بن جعفر البصري وقد مر عن قريب، وبخبر الحسين بن علوان كما في قرب الأسناد، وبخبر علي بن جعفر كما فيه، أيضا وبصحيحه كما في كتاب المسائل. وحملت هذه الأخبار في المشهور بعد الطعن فيها بما مر من ضعف أسنادها سوى ما شذ منها وصحيحة عبد الله بن سنان وصحيحة علي بن جعفر بما لو أقر بالولد ثم نفاه أو بكون تزويج المسلم بها غير مشروع أو بحملها على التقية بقرينة التعليل في كثير منها بعدم قبول شهادة هؤلاء وعلى كون الذمية مملوكة وما سوى التقية متكلف. وأما ما احتج به ابن إدريس على التفصيل هو عين ما احتج به على اشتراط الحرية. وظهر بهذا التحقيق قوة ما ذهب إليه المشهور من جواز الملاعنة مع الكافرة
(1) السرائر ص 481، الوسائل ج 15 ص 599 ب 5 ح 5 وفيهما اختلاف يسير. (2) كذا والصحيح ” ينفى ولدها ويقذفها ” كما تقدم قريبا.
[ 129 ]
وأنه من باب اليمين لا من باب الشهادات، ومما اختلف في اشتراطه أن لا تكون حاملا، والمشهور عدم اشتراطه، وذهب المفيد وسلار وأبو الصلاح إلى عدم جواز اللعان ما دامت حاملا، والأقوى الأول لعموم الآية سواء كان لعانها عن نفي الولد أو القذف لشموله لهما ولوجود المقتضي وانتقاء المانع، إذ ليس مانع إلا كونها حاملا وهو لا يصلح للمانعية، لأن شهادة الحامل ويمينها حال الحمل غير مناف له، والحمل غير مسوغ لتأخير ما يتوجه عليها في الحد، ولأن النبي صلى الله عليه واله وسلم لاعن بين هلال بن امية وزوجته وكانت حاملا ونفى هلال الحمل، ولما ولدت جاء على صفات من قذفها به، فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم: لو لا الأيمان لكان لي ولها شأن. وبصحيحة الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” أنه سأله عن رجل لاعن امرأته وهي حبلى وقد استبان حملها وأنكر ما في بطنها، فلما وضعت ادعاه وأقر به وزعم أنه منه، فقال: يرد عليه ولده ويرثه ولا يجلد لأن اللعان بينهما قد مضى “. ورواه الكليني (2) بطريقين أحد هما من الضعيف والآخر من الصحيح عن الحلبي مثله. واحتج المانع برواية أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: يلاعن على كل حال إلا أن تكون حاملا ” وطعن على الخبر بضعف الأسناد فلا يعارض الصحيح ولا يقيد إطلاق الكتاب وعمومه. واحتمل فيه الشيخ نفي ما يجب باللعان على الحد على تقدير نكولها أو على أن الحمل غير متيقن واللعان إنما يترتب على ما كان يقينا، ويمكن حمله على التقية أيضا لأنه مذهب
(1) التهذيب ج 8 ص 190 ح 19، الوسائل ج 15 ص 600 ب 6 ح 4. (2) الكافي ج 6 ص 165 ح 13 وج 7 ص 161 ح 7، الوسائل ج 15 ص 600 ب 6 ح 4 وج 17 ص 559 ب 2 ح 3 وما في المصادر اختلاف يسير. (3) التهذيب ج 8 ص 190 ح 20، الوسائل ج 15 ص 607 ب 13 ح 3 وفيهما ” كان أمير المؤمنين عليه السلام يلاعن في كل “.
[ 130 ]
العامة لاشتراطهم أن تكون حاملا، فالأصح إذا الجواز، ويتأخر الحد مع لنكول عن الوضع للأخبار النافية لحد الحامل وبعد ثبوته إلى أن تضع، وهذا مجمع عليه أيضا. وفي خبر سماعة بن حمران (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: إذا كانت المرأة حبلى لم ترجم “. تتمة لا تصير الأمة فراشا بالملك، فلا يلحقه الولد الذي تأتي به وإن خلت له وخلابها، وأمكن أن يكون منه بخلاف النكاح حيث يلحق الولد بمجرد الامكان كما تقدم في أحكام الأولاد، لأن المقصود بالنكاح والتزويج هو الولد، وملك اليمين قد يقصد به ذلك وقد يقصد به التجارة والاستخدام، ولهذا لا يزوج من لا تحل له ويملك باليمين من لا تحل له، وإذا كان المقصود في النكاح ذلك اكتفى فيه بمجرد الامكان. وقد اختلف الاصحاب في صيرورة الأمة فراشا في الوطء بالفعل إلى قولين وكأن منشأهما اختلاف الروايات، فذهب الشيخ في المبسوط والمحقق والعلامة وسائر المتأخرين إلى أن الأمة لا تصير فراشا لسيدها مطلقا، وذهب الباقون إلى صيرورتها فراشا بالوطء، إلا أنهم اتفقوا على انتفاء ولدها بمجرد النفي كما سيجئ تحقيقه، وقد تقدم في أحكام الأولاد الكلام على هذا الحكم أيضا وذكر طائفة من أدلته، وإنما أعدناه هنا لزيادة التحقيق واقتداء بالمحقق في شرايعه. واستند أهل القول الأول إلى صحيحة عبد الله بن سنان (2) عن أبى عبد الله عليه السلام ” أن رجلا من الأنصار أتى أبا عبد الله عليه السلام فقال: إني ابتليت بأمر عظيم،
(1) التهذيب ج 8 ص 190 ح 21، الوسائل ج 15 ص 607 ب 13 ح 2. (2) الكافي ج 5 ص 488 ح 1، الوسائل ج 14 ص 563 ب 55 ح 1 وفيهما اختلاف يسير.
[ 131 ]
أن لي جارية كنت أطأها، فوطأتها يوما فخرجت إلى حاجة لي بعد ما اغتسلت منها ونسيت نفقة لي فرجعت إلى المنزل لأخذها فوجدت غلاما لي على بطنها، فعددت لها من يومي ذلك تسعة أشهر، فولدت جارية، قال: فقال لي عليه السلام: لا ينبغي لك أن تقربها ولاتبيعها ولكن أنفق عليها من مالك ما دمت حيا، ثم أوص لها عند موتك من مالك يجعل الله عز وجل لها منخرجا “. ومثلها خبر حريز (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ومرسلة آدم بن إسحاق (2) عن رجل من أصحابنا عن عبد الحميد بن إسماعيل. وفي معنى هذه أخبار اخر قد تقدمت في أحكام الأولاد إلا أنها ضعيفة الأسناد. واحتج من أثبت الفراش بالوطء بأخبار عامية تركنا التعرض لها لعدم الفائدة في نقلها، وبرواية سعيد بن يسار (3) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وقع على جارية له تذهب وتجئ ولقد عزل عنها، ما تقول في الولد ؟ قال: أرى لا يباع هذا الولد يا سعيد. قال: وسألت أبا الحسن عليه السلام فقال: أتتهمها ؟ فقلت: أما تهمة ظاهرة فلا، فقال، فيتهمها أهلك ؟ فقلت: أما شئ ظاهر فلا، فقال: فكيف تستطيع أن لا يلزمك الولد ؟ “. وبصحيحته (4) أيضا ” قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الجارية تكون للرجل يطيف بها وهي تخرج فتعلق، فقال: يتهمها الرجل أو يتهمها أهله ؟ قلت: أما ظاهرة فلا، قال: إذا لزمه الولد “. وصحيحة سعيد الأعرج (5) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن رجلين
(1) التهذيب ج 8 ص 182 ح 59، الوسائل ج 14 ص 565 ب 56 ح 3. (2) التهذيب ج 8 ص 180 ح 54، الوسائل ج 14 ص 565 ب 56 ح 4. (3) التهذيب ج 8 ص 181 ح 58، الوسائل ج 14 ص 566 ب 56 ح 5 وفيهما اختلاف يسير. (4) التهذيب ج 8 ص 181 ح 57، الوسائل ج 14 ص 565 ب 56 ح 2. (5) التهذيب ج 8 ص 169 ح 13، الوسائل ج 14 ص 568 ب 58 ح 4.
[ 132 ]
وقعا على جارية في طهر واحد، لمن يكون الولد ؟ قال: للذي عنده، لقول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر “. وفي معناها رواية الحسن بن زياد الصيفل (1) عنه عليه السلام والطريق إلى الحسن صحيح وفيها ” الولد للذي عند الجارية وليصر لقول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر “. وهذه الأخبار صريحة في أن الأمة تصير فراشا للمولى بالوطء، وفي معناها غيرها، والظاهر أنها مرجحة على الأخبار السابقة لصحة السند وكثرة العدد. وإذا تقرر ذلك الحكم فنقول مما يترتب على كون الموطوءة فراشا أن ولدها الذي يمكن تولده من الوطء بأن تلده لستة أشهر، فما زاد من حين الوطء إلى أقصى مدة الحمل يلحق به ولا يتوقف على اعترافه به بل لا يجوز له نفيه فيما بينه وبين الله تعالى وإن ظن أنه ليس منه لتهمة امه بالفجور لأن الله تعالى قد حكم بأن الولد للفراش، فإذا كان الفراش زوجة دائمة تحقق بالاشهاد من حين العقد وإمكان وصوله إليها. ثم لها بالنسبة إلى الولد حكمان أحد هما في ظاهر الأمر وهو أنه يحكم بإلحاق الولد الذي تلده بعد العقد وإمكان الوصول إليها فيما بين أقل الحمل وأكثره بالزوج وإن لم يعترف به ولم يعلم وطؤه لها، وسواء كان من أهل الاعتراف كالبالغ العاقل أم لا كالمجنون والصبي الذى يمكن تولده منه كابن العشرة قبل أن يحكم ببلوغه على ما سبق، ولو علمنا انتفاءه عنه إن كان غائبا عنه غيبة لا يمكن وصوله إليها سرا ولا جهرا في المدة التي يمكن تولده منه ثم ولدته في زمان إمكان كونه منه وجب عليه أن يلحقه بنفسه وإن احتمل وظن خلاف ذلك كما قلناه. وإن تيقن انتفاؤه عنه لكون تولده بدون ستة أشهر من حين وطئه أو لأكثر من أقصى الحمل وجب عليه نفيه كما قررناه سابقا وإن كان في ظاهر الحال محكوما بإلحاقه
(1) التهذيب ج 8 ص 169 ح 12، الوسائل ج 14 ص 568 ب 58 ح 3.
[ 133 ]
به بأن كان قريبا منها بحيث يمكنه إصابتها، وإذا توقف ذلك النفي على اللعان وجب عليه ذلك من باب مقدمة الواجب، وإن أمكن إقامة البينة على ما يوجب انتفاؤه عنه حكم بموجبها من غير لعان إذا شهدت بذلك على وجه منضبط بأن لازمته ليلا ونهارا بحيث علمت انتفاء مجامعته لها قطعا وإن عسر ذلك وشذ. وأما الأمة فقد عرفت مما ذكر عدم كونها فراشا بمجرد الملك قطعا، ثم إذا وطأها وحكمنا بصيرورتها فراشا به فحكمه في لحوق ولدها في الحالتين كما سبق، لكنه يفارق ولد الزوجة في أمرين: (أحد هما) عدم الحكم بلحوقه به إلا بثبوت وطئه لها أما بالاقرار منه أو بالبينة المطلقة على ذلك، بخلاف ولد الزوجة، فيكفي فيه كما عملت إمكان الوطء، والوجه ما سمعت من تعليل النصوص والفتوى أن المعتبر فيها ثبوت الفراش، ولما كان في الزوجة متحققا بمجرد العقد وإمكان وصوله إليها كان المرتب على ذلك ثبوت ذلك الانتساب، ولما كانت فراشية الأمة غير متحققة إلا بالوطء اعتبر ثبوته، فمرجع الأمر فيها إلى شئ واحد وهو ثبوت الفراش إلا أنه في الزوجة يظهر غالبا لغير الزوج بحضور العقد وعلمه بإمكان وصوله إليها، وفي الأمة لا يظهر في الغالب إلا منه لأن الوطء من الامور المستورة فلا يكشف إلا عنه الاقرار به إن لم يتفق الاطلاع عليه بالبينة نادرا.
(والثاني) أن ولد الزوجة حيث كان محكوما به للزوج ظاهرا لم ينتف عنه بنفيه بل لابد من اللعان وولد الأمة ينتف بغير لعان، والسر فيه أن الولد الذي يظهر للزوج كونه منفيا عنه يليق بالحكمة الالهية أن يجعل له الشارع الحكيم منهجا واضحا إلى نفيه ليخرج عنه من ليس منه ولما جعل الولد الزوجة طريقا إلى النفي باللعان وخصه بالزوجين بقوله تعالى ” والذين يرمون أزواجهم ” فلا بد من طريق آخر يتوصل به لنفي ولد الأمة حيث يقتضي الحال نفيه، فإذا لم يمكن باللعان وبقي على الأصل الالحاق كما لو تعذر اللعان حيث أشرع لزم
[ 134 ]
أن يكون ولد الأمة أقوى اتصالا وأحسن حالا من ولد الزوجة الدائمة، فشرع لذلك انتفاؤه بمجرد نفيه من غير لعان إذ ليس هناك طريق آخر. ومخالفونا لما وافقوانا على أن ولد ملك اليمين لا ينتفى باللعان واختلفوا في طريق نفيه إذا علم انتفاؤه، فمنهم من سد الطريق عن نفيه نظرا إلى أن الولد للفراش وليس هناك طريق إلى النفي، ومنهم من أجرى فيه اللعان للضرورة حذرا من أن يكون أقوى من ولد الزوجة، ومنهم من نفاه بيمينه. وعلى تقدير صيرورتها فراشا بالوطء – كما هو القول الثاني – هل يستمر ذلك مادامت على ملكه ؟ أم يختص الحكم بالولد الذي يمكن تولده من ذلك الوطء خاصة حتى لو أتت بولد بعد أقصى الحمل من الوطء الذي ثبت بإقراره أو بالبينة لا يتحقق الالحاق به من غير الاعتراف ؟ وجهان بل قولان: من حصول شرط الفراش وهو الوطء، فينزل منزلة العقد الدائم على الحرة، لأن وطء الأمة إما تمام السبب للفراشية أو شرط فيها، فعلى التقديرين فيصير الفراش به كالعقد، فيستمر الحكم حنيئذ كاستمرار حكم الفراش في العقد، ولا يشترط بعد ذلك ظهور وطء يلحق به الولد. ومن ضعف فراشية الأمة دلالة تلك النصوص الموجبة لالحاق الولد به على كونه مولودا في زمن يمكن تولده من ذلك الوطء فيبقى غيره على الأصل ولا إشكال في انتفائه عنه بنفيه، وتظهر الفائدة لو لم ينفه، فهل يتحقق الالحاق به ظاهرا بسببيه الوطء السابق ؟ أم يتوقف على الاقرار به ؟ يبنى على الوجهين، والأقوى الثاني وإن لم يحكم بفراشيتها بالوطء، فمقتضى كلام المحقق والعلامة ومن تبعهما وقبلهما الشيخ أنه لا يلحق ولدها به إلا بالاقرار به وإن أقر بوطئها أو ما أقامت عليه البينة، وهذا الذي يناسب الحكم بعدم الفراش لأن الأصل عدم انتسابه إليه بدون الاقرار. وقال فخر المحققين في شرح قواعد أبيه: إن معنى كونها ليست فراشا أنه لا يلحق به الولد إلا بإقراره به أو بوطئها وإمكان اللحوق به. وكأنه حاول
[ 135 ]
بذلك الجمع بين كلام الأصحاب وحكمهم بعدم فراشيتها مطلقا وبين حكمهم في باب أحكام الأولاد بلحوق ولد الأمة بالمولى الواطئ، وأنه يلزمه الاعتراف به حيث يمكن كونه منه. ولو وطأها غيره الحق به دون الغير من غير تقييد بالاقرار به، فجعل مستند ذلك الوطء الواقع من المولى مجريا له مجرى الاقرار به من غير أن يعلم بكونه واطئا، وضعف بأن إلحاقه مع وطئه لها من لوازم الفراش كما سبق، فعند جعله مرتبا على عدمه بلزوم الفرق بين الفراش وغيره إلا إذا جعل هذا الوطء الموجب للفراش كافيا في إلحاق الولد به بعد ذلك، وإن لم يمكن استناده إلى ذلك الوطء الشخصي الثابت كما هو أحد الاحتمالين في المسألة فيجعل هذا الوطء القائم مقام الاقرار هو الوطء الذي يمكن استناده إلى الولد إليه (1) ومع ذلك ففيه مخالفة لما ذكروه الجميع في معنى الفراش لاطباقهم على أن فائدة لحقوق الولد به مع إمكانه وإن لم يعترف به وعدم لحوقه بمن لم تكن فراشا إلا بإقراره. والوجه أن الاكتفاء بالوطء في هذا القسم ليس في محله وأنما محله على تقدير كونها فراشا لان الوطء لابد من العلم به ليتحقق كون الأمة فراشا. وأما ما ذكروه في باب إلحاق الأولاد فهو منزل على أن ذلك الحكم الذي يلزم المولى فيما بينه وبين الله تعالى بمعنى أنه إذا وطأ الأمة وطء يمكن إلحاق الولد به يجب عليه الاعتراف به واستلحاقه ولايجوز له نفيه عنه بتهمة إلا على تلك الرواية الشاذة. وأما بالنسبة إلينا فلا يحكم بإلحاقه به ما لم يعترف به حيث لانحكم بكونها فراشا. وهكذا القول فيما لو وطأها المولى وغيره فإنه نحكم به للمولى دون الغير حيث يكون وطؤه فجورا، ولكن بالنسبة إلينا لانحكم به له إلا باعترافه به. وكذا القول في ولد المتعة فإنه لا تجتمع النصوص الدالة على الالحاق، وتحتمه بمجرد العقد والوطء وبكونها ليست فراشا إلا بالاقرار والوطء وإلا يلزم
8 (1) كذا ولعل الصحيح ” استناده الولد إليه “.
[ 136 ]
زيادة ولد المتعة على ولد الزوجة لنفي اللعان فيها كما سمعت من تلك النصوص وقد سرى هذه الوهم والاشكال في نفوس أقوام من مشايخنا منهم شيخنا صاحب هذا الكتاب في أحكام المتعة. فحكم بخصوصية المتعة بالالحاق على كل حال، وأنه لا ينتفي عنه أبدا لعدم صلاحية اللعان فيها، ولاعلان تلك الصحاح بالتغليظ في الألحاق مثل صحيحة محمد بن مسلم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: قلت له: أرأيت إن حملت – يعني المتمتع بها – قال: هو ولده “. وصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (2) ” قال: سأل رجل الرضا عليه السلام وأنا أسمع عن الرجل يتزوج المرأة متعة ويشترط عليها أن لا يطلب ولدها، فتأتي بعد ذلك بولد فينكر الولد، فشدد في ذلك وقال: يجحد ! وكيف يجحد ؟ إعظاما لذلك، قال: فإن اتهمتها ؟ قال: لا ينبغي لك أن تتزوج إلا مأمونة “. وفي صحيحة ابن أبي عمير (3) وغيره فيها ” قال: الماء ماء الرجل يضعه حيث يشاء، إلا أنه إذا جاء ولد لم ينكره، وشدد في إنكار الولد “. والجمع بما ذكرناه أوجه وأحسن لئلا يطرح أحد الدليلين. ومن شرائطه أيضا أنه لا يصح إيقاعه إلا عند السلطان العادل أو من ينصبه لذلك ولو عموما. ولو تراضيا برجل فلاعن بينهما ففي وقوع اللعان صحيحا جاريا عليهما بنفس الحكم أو يعتبر رضاهما بعد الحكم في لزومه قولان، المشهور جوازه، والمراد بالعامي هنا هو الفقيه الجامع لشرائط الفتوى حال حضور الامام لكنه منصوبا من قبله لاعموما ولاخصوصا، وسماه عاميا بالاضافة إلى المنصوب لأنه خاص بالنسبة إليه
(1) التهذيب ج 7 ص 269 ح 79، الوسائل ج 14 ص 488 ب 33 ح 1 وفيه اختلاف يسير. (2) التهذيب ج 7 ص 269 ح 82، الوسائل ج 14 ص 488 ب 33 ح 3 وفيهما ” فان اتهمها “. (3) الكافي ج 5 ص 464 ح 2، الوسائل ج 14 ص 489 ب 23 ح 5.
[ 137 ]
ويدل على أصل الحكم عندهم الأخبار الواردة في القضاء النافية للتحاكم عند غير الامام ومن نصبه الامام لأنه حكم شرعي يتعلق به كيفيات وأحكام وهيئات فتناط بالامام وخليفته لأنه المنسوب لذلك كما في المختلف، ولأن الحد يقيمه الحاكم فكذا ما يدرأه. ولصحيح محمد بن مسلم (1) ” قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الملاعن والملاعنة كيف يصنعان ؟ قال: يجلس الامام مستدبر القبلة ” الحديث. وصحيح البزنطي (2) وحسنه عن الرضا عليه السلام ” قال: قلت له: كيف الملاعنة ؟ قال: يعقد الامام ويجعل ظهره إلى القبلة ويجعل الرجل عن يمينه والمرأة عن يساره “. وما روي مرسلا (3) في بعض الاصول المعتمدة عن الصادق عليه السلام من قوله ” واللعان أن يقول الرجل لامرأته عند الوالي: إني رأيت رجلا مكان مجلسي منها، أو ينتفي من ولدها فيقول ليس مني، فإذا فعل ذلك تلاعنا عند الوالي “. وقوله عليه السلام (4) ” والملاعنة أن يشهد بين يدي الامام أربع شهادات “. وكذا ما ارسل (5) عنه صلى الله عليه واله وعن أمير المؤمنين عليه السلام من قولهما ” إذا تلاعن المتلاعنان عند الامام فرق ينهما “. أما ما ذهب إليه المشهور من أنهما لو تراضيا بالفقيه الجامع حال الحضور فلاعن بينهما جاز فربما يستدعي عليه بعمومات الأخبار وبإطلاق لفظ الامام على الفقيه الجامع لشرائط الفتوى حال الحضور والغيبة، إلا أنه لم يصرح في المبسوط
(1) الكافي ج 6 ص 165 ح 10، الوسائل ج 15 ص 587 ب 1 ح 4. (2) الفقيه ج 3 ص 346 ح 2 وفيه ” أصلحك الله كيف “، الوسائل ج 15 ص 587 ب 1 ح 2 وفيهما ” والمرأة والصبى “. (3) دعائم الاسلام ج 2 ص 281 ح 1059 وفيه ” ليس هذا معنى “. (4) دعائم الاسلام ج 2 ص 281 ح 1060. (5) دعائم الاسلام ج 2 ص 282 ح 1061.
[ 138 ]
والوسيلة بكونه عن العامة، وزاد في المبسوط أنه يجوز عندنا وعند جماعة، وقال بعضهم لا يجوز، وهو مشعر بالاتفاق، مع أنه قال قبل ذلك: اللعان لا يصح إلا عند الحاكم أو من يقوم مقامه من خلفائه. وقال أيضا: اللعان لا يصح إلا عند الحاكم أو خليفته إجماعا فلعله إذا لم يحصل التراضي بغيره، والمراد بالحاكم الامام وخلفاؤه، فيعم الفقهاء في الغيبة وبمن تراضيا عليه من الفقيه في الغيبة إذ لا يجوز عند كل من تراضيا عنده إلا إذا لم يمكن الحاكم أو منصوبه. وجعلهما في المختلف قولين واختار عدم الجواز إلا عند الحاكم أو من ينصبه، وتردد في التحرير. وبالجملة: فينبغي القول بصحة إيقاعه من الفقيه في زمن الغيبة لأنه المنصوب من قبل الامام للأحكام والحوادث والحدود وأخذ الحقوق لعموم النصوص من الكتاب والسنة، والوالي بل الامام له، على أن خبري الامام بالتعريف من النصوصية في امتناعه من غيره بل الظاهر العدم، فيثبت حكم اللعان إذا تلاعنا عند مستكمل الشرائط في زمن الحضور وإن لم يكن منصوبا لجعله له حاكما فليزمان بحكمه ولا يعتبر رضاهما بعد الحكم، وسيجئ تحقيق هذه المسألة في أحكام القضاء.
الفصل الثالث في الكيفية: وصورته أن يقول الرجل أربع مرات: اشهد بالله إني لمن الصادقين فيما قذفتها به، مع تعيينها بحيث تتميز عن الغير بالاشارة إن كانت حاضرة وبالأوصاف مع الغيبة إن كان اللعان للقذف. وإن كان لنفي الولد خاصة فليقل في أن هذا الولد ليس مني وإن جمع بينهما، ثم يعظه الحاكم ويخوفه من لعنة الله إذا تمت الأربع ويقول له: إن كان حملك على ما قلت غيره أو سبب فراجع التوبة، فإن عقاب الدنيا أهون من عقاب الآخرة، ثم يقول له: إن لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين، فإذا قال ذلك انتفى عنه
[ 139 ]
الحد وانتفى عنه النسب. ثم يقول الحاكم للمرأة: قولي – إن لم تقر بما رماها به – اشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به أربع مرات، وعليها تعيين الزوج بحيث يمتاز عن غيره، ولا حاجة بها إلى ذكر الولد فإنه ا بنتفى بأيمان الزوج وشهاداته، وإنما تلاعنه لدرء الحد والعذاب عن نفسها، فإذا قالت ذلك وعظها خوفا من عذاب الله وقال لها: إن عقاب الله في الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فإن رجعت إلى الاقرار ونكلت عن اليمين رجمها أو حدها بالجلد إن لم تستكمل شرائط الرجم، وإن أصرت قال لها: قولي إن غضب الله علي إن كان من الصادقين فيما رماني به، وحينئذ فيعتبر في اللعان امور:
الاول: التلفظ بالشهادة على الوجه الذي ذكرناه، فلو أبدل صيغة الشهادة بغيرها كشهدت بالله أو أنا شاهد أو أحلف بالله أو اقسم بالله أو أولى أو أبدل لفظ الجلالة بقوله اشهد بالرحمن أو بالخالق ونحو هما لم يقع لأنه خلاف المنقول شرعا. وكذا لو أبدل كلمة الصدق والكذب بغيرها وإن كان بمعناها، كقوله: إني لصادق أو من الصادقين بغير لام التوكيد أو لبعض الصادقين أو أنها زنت. أو قالت المرأة: إنه كاذب أو لكاذب، أو ابدل اللعن بالابعاد أو الطرد ولفظ الغضب بالسخط أو أحدهما بالآخر وإن كان الغضب أشد من اللعن، ولذلك خص بجانب المرأة لأن جريمة الزنا منها أقبح من جريمة القذف، ولأن كل مغضوب عليه ملعون ولا ينعكس. وتدل على هذه الأحكام والتفاصيل النصوص التي جاءت في بيان الكيفية، وقد تقدم منها الأخبار التي ذكرناها في سبب النزول مثل صحيحة ابن الحجاج (1). وأما ما وقع من التعبير عن الشهادات بالله لمرسلة الفقيه (2) حيث قال: وفي خبر آخر ” ثم يقوم الرجل فيحلف أربع مرات بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها
(1) الفقيه ج 2 ص 349 ح 9، الوسائل ج 15 ص 586 ب 1 ح 1. (2) الفقيه ج 3 ص 347 ح 3، الوسائل ج 15 ص 587 ب 1 ح 3 وفيهما اختلاف يسير.
[ 140 ]
به، ثم يقول له الامام: اتق الله فإن لعنة الله شديدة، ثم يقول للرجل: قل لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به، ثم تقوم المرأة فتحلف أربع مرات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماها به، ثم يقول لها الامام: اتقي الله فإن غضب الله شديد، ثم تقول المرأة: غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماها به، فإن نكلت رجمت ويكون الرجم من ورائها ويتقى الوجه والفرج، وإن كانت المرأة حبلى لم ترجم، وإن لم تنكل درئ عنها الحد وهو الرجم، ثم يفرق بينهما فلا تحل له أبدا ” الحديث، فمنزل على الشهادات المذكورة إرجاعا للمطلق لما يقيده والمجمل لما يفسره. وقد تقدم خبر زرارة (1) في تفسير الآية وفيه ” وإن أبى إلا أن يمضي فيشهد عليها أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة يلعن فيه نفسه إن كان من الكاذبين، وإن أرادت أن تدرأ عن نفسها العذاب – والعذاب هو الرجم – شهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فإن لم تفعل رجمت وإن فعلت درأت عن نفسها الحد ثم لا تحل له إلى يوم القيامة “. وفي رواية الفضيل (2) المعتبرة بل الصحيحة ” قال: سألته عن رجل افترى على امرأته، قال: يلاعنها، فإن أبى أن يلاعنها جلد الحد ” وساق الحديث إلى أن قال: ” والملاعنة أن يشهد عليها أربع شهادات بالله إني رأيتك تزني والخامسة يلعن فيها نفسه إن كان من الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين “.
(1) الكافي ج 6 ص 162 ح 3، الوسائل ج 15 ص 588 ب 1 ح 7. (2) التهذيب ج 8 ص 187 ح 8، الوسائل ج 15 ص 589 ب 1 ح 8 وفيهما ” رأيتك تزنين ” وفي التهذيب ” والخامسة يلعن نفسه ان كان من الكاذبين، فان أقرت رجمت، وان أرادت أن تدرأ عن نفسها العذاب شهدت أربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين والخامسة… “. وكذا في الوسائل مع اختلاف يسير.
[ 141 ]
وفي رواية تفسير النعماني (1) التي مر ذكرها في سبب النزول مسندة إلى علي عليه السلام ومرسلة كما في تفسير القمي (2) كما قد سمعت وفيها ” أن رسول الله صلى الله عليه واله قال لعويمر الذي هو سبب النزول: اشهد أربع شهادات، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين و الخامسة أن غضب الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم شهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماها به، فقال لها رسول الله صلى الله عليه واله: العني نفسك في الخامسة، وشهدت وقالت في الخامسة أن لعنة الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماها به، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه واله: اذهبا “.
الثاني: قيام كل منهما عند لفظه كما عليه جماعة من القيام (3) منهم الشيخ في المبسوط والصدوق قبله، لما رواه الصدوق في الصحيح عن البزنطي (4) عن الرضا عليه السلام ” قال له: أصلحك الله كيف الملاعنة ؟ قال: يقعد الامام و يجعل ظهره إلى القبلة ويجعل الرجل عن يمينه والمرأة والصبي عن يساره “. قال: وفي خبر آخر (5) ” ثم يقوم الرجل فيحلف أربع مرات ” إلى أن قال: ” ثم تقوم المرأة فتحلف أربع مرات “. وبقضية عويمر فيما روته العامة والخاصة حيث قال: إنه صلى الله عليه واله أمر عويمرا بالقيام فلماتت شهادته أمر امرأته بالقيام. والمشهور بين الأصحاب وإليه ذهب الشيخ في الفقيه والمفيد وأتباعهما وأكثر المتأخرين إلى أنهما يكونان قائمين عند تلفظ كل منهما لصحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج (6) التي مر ذكرها في نزول الآية وفيها ” قال أبو عبد الله عليه السلام: ” وحكى قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه واله و أخبره عن أهله إلى أن قال:
(1) المحكم والمتشابه ص 72 ط دار الشبسترى – قم، الوسائل ج 15 ص 589 ب 1 ح 9. (2) تفسير القمى ج 2 ص 98. (3) كذا ولعل الصحيح ” القوم “. (4) الفقيه ج 3 ص 346 ح 2، الوسائل ج 15 ص 587 ب 1 ح 2. (5) الفقية ج 3 ص 347 ج 3، الوسائل ج 15 ص 587 ب 1 ح 3. (6) التهذيب ج 8 ص 184 ح 3، الوسائل ج 15 ص 586 ب 1 ح 1.
[ 142 ]
” فأوقفهما رسول الله صلى الله عليه واله ثم قال للزوج: اشهد أربع شهادات “. وصحيحة محمد بن مسلم (1) ” قال: سألته عن الملاعن والملاعنة كيف يصنعان ؟ قال: يجلس الامام مستدبر القبله فيقيمهما بين يديه مستقبلا بحذائه ويبدأ بالرجل ” وليسا بنصين على اجتماعهما في القيام. وفي صحيحة علي بن جعفر (2) عن أخيه موسى عليه السلام ” قال: سألته عن الملاعنة قائما يلاعن أو قاعدا ؟ فقال: الملاعنة وما أشبهها من قيام ” فهو دال على وجوب القيام في الجملة كما هو مذهب الأكثر. ونص ابن سعيد على استحبابه ولم يتعرض له الصدوق في الهداية والمحقق في النافع، فربما لم يوجباه أيضا، ولعله للأصل وعدم نصوصية ما ذكر في الوجوب وقد ارسل في بعض الكتب (3) عن الصادق عليه السلام ” أنه قال: والسنة أن يجلس الامام للمتلاعنين ويقيمهما بين يديه كل واحد منهما مستقبل القبلة “. لكن في صحيحة البزنطي (4) ” جعل الرجل عن يمينه والمرأة والصبي عن يساره “. وباقي الأخبار كونهما بين يديه، ولا منافاة لأن كونهما بين يديه لا ينافي كون أحد هما عن اليمين والآخر على اليسار.
الثالث: النطق بالعربية مع القدرة كلا أو بعضا، موافقة للنوص وظاهر القرآن وظاهر الأصحاب، ويجوز مع التعذر النطق بغيرها للضرورة وحصول الغرض من الأيمان، فيقتصر الحاكم إن لم يعرف لغتهما إلى مترجمين عدلين، ولا يكفي الواحد ولاغير العدل كما في سائر الشهادات، ولا يشترط الزائد فإن الشهادة هنا إنما هي على قولهما لاعلى الزنا، خصوصا في حقها فإنها تدفعه عن نفسها،
(1) الكافي ج 6 ص 165 ح 10، الوسائل ج 15 ص 587 ب 1 ح 4. (2) الكافي ج 6 ص 165 ح 12، الوسائل ج 15 ص 588 ب 1 ح 6. (3) دعائم الاسلام ج 2 ص 281 ح 1060. (4) الفقيه ج 3 ص 346 ح 2، الوسائل ج 15 ص 587 ب 1 ح 2.
[ 143 ]
وللعامة قول باشتراط أربعة شهود. الرابع الترتيب، فيبدأ الرجل أولا بالشهادات ثم اللعن وتعقب المرأة، للنصوص المتقدمة المستفيضة. فمنها صحيحة محمد بن مسلم وفيها ” ويبدأ الرجل ثم المرأة ” وكذا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وخبر تفسير النعماني وغير هما من الأخبار الحاكية للكيفية، فما اطلق يحمل على المفصل، فلو بدأت المرأة لم يجز للنصوص ولأنها إنما تلاعن لدرء الحد عن نفسها ولاحد عليها ما لم يلاعنها الزوج، وللعامة قول بجواز تقديمها.
الخامس: الموالاة بين الكلمات أي الشهادة، فإن تخلل فصل طويل لم يعتد بها اقتصارا في خلاف الأصل على الواقع بحضرته، وللأخبار الحاكية للكيفية، نعم يفصل الخامسة بوعظ الامام وكذلك لها.
السادس: إتيان كل منهما باللعان بل إلقاؤه عليه، فلو بادر قبل أن يلقيه عليه الامام لم يصح لأنه يمين، فلو بادر به كان لغوا كما لو حلف قبل الاحلاف، وللأخبار المبينة لكيفية الملاعنة فإنها تضمنت ولأن الحد لا يقيمه إلا الحاكم فكذا ما يدرأه.
السابع: أن يبدأ أولا بالشهادات ثم باللعن على الترتيب المذكور في الأخبار، وكذا المرأة مقدمة الشهادات على الغضب، فلو قدم على الشهادة أو قدمت الغضب عليها لغي لما ذكر، ولأن المعنى إن كان من الكاذبين في الشهادات الأربع فاعتبر تقديمها خلافا لبعض العامة.
وأما المندوبات فامور سبعة:
الاول: جلوس الحاكم مستدبر القبلة ليكون وجههما إليها فيكون أدخل في التغليظ، وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم وصحيحة البزنطي، حيث قال في الاولى ” يجلس الامام مستدبر القبلة فيقيمهما بين يديه مستقبلي القبلة ” وفي
[ 144 ]
الثانية ” ويجعل ظهره إلى القبلة ” وأما وجههما إليها فيدل عليه ذلك الصحيحان أيضا والمرسل عن الصادق عليه السلام.
الثاني: وقوف الرجل عن يمين الحاكم والمرأة عن يمين الرجل، وظاهر صحيحة البزنطي كما سمعت كون المرأة عن يساره أي يسار الامام والصبي معها أيضا، واحتمل بعضهم في الضمير أن يكون عائدا للرجل فيتخالف الضمائر، وهذا إن قاما معا.
الثالث: وعظ الحاكم وهو ثقة بعد الشهادات قبل اللعن للرجل وكذا المرأة قبل الغضب كما فعله صلى الله عليه واله في قضية النزول وغيرها من الأخبار.
الرابع: التغليظ بالمكان بأن يلاعن بينهما في أشرف البقاع وفي أرض الملاعنة، فإن كان بمكة فبين الركن والمقام وهو الحطيم لدلالة الأخبار على أنه أشرف البقاع، وإن كان في المدينة فعند منبر الرسول ويدل عليه تفسير النعماني عن علي عليه السلام ومرسل تفسير القمي حيث أمر عويمر أن يتقدم مع امرأته إلى المنبر، والعامة قد رووا أنه على المنبر، ولاعبرة بما رووه، قالوا: وإن كان في سائر الأمصار ففي الجامع، ولم نقف لهذا التعميم على مستند.
الخامس: التغليظ بالزمان بأن يلاعن بعد صلاة العصر، قال في المبسوط: لقوله تعالى ” تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله ” (1) قيل في التفسير: بعد العصر. وروي (2) ” أن النبي صلى الله عليه واله قال: من حلف بعد العصر يمينا كاذبة ليقطع بها مال امرئ مسلم لقي الله تعالى وهو عليه غضبان ” وفي هذا الاستدلال نظر. والأولى الاستدلال بما رواه النعماني في تفسيره (3) عن علي عليه السلام والقمي (4)
(1) سورة المائدة – آية 106. (2) الفقيه ج 4 ص 7 في المناهى، الوسائل ج 16 ص 121 ب 4 ح 14 وفيهما ” بيمين كاذبة صبرا ” وليس فيهما ” بعد العصر “. (3) المحكم والمتشابه ص 72، الوسائل ج 15 ص 589 ب 1 ح 9. (4) تفسير القمى ج 2 ص 98.
[ 145 ]
في تفسيره مرسلا كما في قضية النزول لقوله ” فوافوا رسول الله صلى الله عليه واله وهو يصلي العصر فلما فرغ أقبل عليهما وقال لهما: تقدما إلى المنبر فتلاعنا “. وأيضا قد جاء في تفسير تلك الآية – أي آية الوصية – تفسير الصلاة بصلاة العصر كما في بصائر الدرجات (1) لسعد بن عبد الله وفي تفسير النعماني (2) أيضا عن علي عليه السلام (3).
السابع: جمع الناس لهما من التغليظ الموجب للارتداع ولأنه قائم مقام الحدود، وقد أمر فيه بأن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ولأنه صلى الله عليه واله لاعن بين عويمر وزوجته في المسجد بعد فراغه من صلاة العصر بمحشد من الناس.
المقصد الثالث
في الاحكام
وهو مشتمل على مسائل:
الاول: إذا قذف زوجته المدخول بها بزنا قد عاينه حيث يثبت اللعان مستكمل الشرائط ولم يقم البينة تعلق به وجوب الحد عليه لدخوله في عموم ” الذين يرمون المحصنات ” فإذا لاعن تعلق بلعانه بعد كماله وقبل لعان المرأة سقوط الحد عنه ووجوبه في حق المرأة لقوله تعالى ” ويدرأ عنها العذاب ” والعذاب هو الحد كما تضمنته الأخبار السابقة مثل رواية زرارة الواردة في تفسير الآية، وغيرها من الأخبار، وسنذكرها، وقد تضمنت ذلك الايجاب. وعن أبي حنيفة: إن قذف الزوج يوجب اللعان، فإن امتنع حبس حتى يلاعن، فإذا لاعن وجب عليها اللعان فإن امتنعت حبست حتى تلاعن. ويدل على هذا الحكم على مذهبنا رواية زرارة (4) التي مر ذكرها في * (هاش) * (1) بصائر الدرجات ص 554. (2) المحكم والمتشابه ص 76. (3) والظاهر وقع سقط هنا وهو ” التغليظ بالقول ” بقرينة ترك الامر السادس. (4) التهذيب ج 8 ص 184 ح 1، الوسائل ج 15 ص 588 ب 1 ح 7.
[ 146 ]
تفسير الآية حيث قال فيها ” فإذا قذفها ثم أقر أنه كذب عليها جلد الحد وردت إليه امرأته. فإن أبى إلا أن يمضي فيشهد عليها أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن يلعن فيها نفسه إن كان من الكاذبين، وإن أرادت أن تدرأ عن نفسها العذاب – والعذاب هو الرجم – وشهدت أربع شهادات ” وقال فيها أيضا ” فإن لم تفعل رجمت وإن فعلت درأت عن نفسها الحد “. وفي صحيحة الفضيل (1) المتقدمة ” فإن أبى أن يلاعنها جلد الحد وردت إليه أمراته ” وقال فيها ” فإن أقرت رجمت، وإن أرادت أن تدرأ عنها العذاب شهدت أربع شهادات بالله “. وفي مرسلة (2) الفقيه المتقدمة ” فإن نكلت رجمت، فيكون الرجم من ورائها ” وقال فيها أيضا ” فإذا كانت المرأة حبلى لم ترجم وإن لم تنكل درئ عنها الحد وهو الرجم “. وفي خبر محمد بن الفضيل (3) عن أبي الحسن عليه السلام ” قال: سألته عن رجل لاعن امرأته وانتفى من ولدها ثم أكذب نفسه، فقال: يرد عليه ولده، وقال: إذا كذب نفسه جلد الحد “. وهذا وإن كان ظاهره عود الحد عليه إذا كذب نفسه ولو بعد اللعان لكن يجب حمله على قبل اللعان كما حمله شيخ التهذيبين أو يحمل الحد فيه على التعزير.
الثانية: أنه يتعلق بلعانهما معا بالاجماع امور أربعة: الفرق فلا تصير فراشا ولا يغني عنه ذكر التحريم المؤبد إذ تحرم مؤبدا ولافراغ كالمفضاة قبل التسع والتحريم المؤبد فلا تحل عليه أبدا، وسقوط الحدين عنهما، وانتفاء الولد عن
(1) التهذيب ج 8 ص 187 ح 8، الوسائل ج 15 ص 589 ب 1 ح 8. (2) الفقيه ج 3 ص 347 ح 3، الوسائل ج 15 ص 587 ب 1 ح 3. (3) التهذيب ج 8 ص 194 ح 40، الوسائل ج 15 ص 601 ب 6 ح 6 وفيهما ” هل يرد عليه ولده ؟ فقال: إذا أكذب نفسه “.
[ 147 ]
الرجل أإن كان نفاه دون المرأة، ولو كان الزوج عبدا وشرط مولاه رقية الولد من زوجته المرأة الحرة وأجزنا الشرط كما هو المشهور أو على مذهب الاسكافي ففي حريته اولا عن الأب لنفيه إشكال من انتفائه عنه شرعا، ومن أنه حق لغير المتلاعنين فإنه يؤثر فيه اللعان مع ثبوت حكم الفراش ظاهرا، وكذا الاشكال في العكس إذا كانت الزوجة أمة والزوج حرا لغير شرط الرقية مع انتفائه عنه شرعا مع كونه نماء مملوكة فيكون رقا لمالكها ومن أن اللعان إنما أثر في انتفاء نسبه من الملاعن، وأما تأثيره في الحرية التي هي حق الله وحق الولد فغير معلوم مع تغليب الحرية، ولاتفتقر الفرقة فيه إلى تفريق الحاكم بينهما بل تحصل عندنا، وكذا سائر الأحكام واللوازم بنفس اللعان. وتدل على هذه الأحكام ما قدمناه من الأخبار وغيرها مثل قوله في رواية زرارة ” وإن فعلت عن نفسها الحد، ثم لا تحل له إلى يوم القيمة، قلت: أرأيت إن فرق بينهما ولهما ولد فمات، قال: ترثه امه، وإن ماتت امه ورثه أخواله “. وقال في صحيحة الفضيل ” وإن لاعنها فرق بينهما ولن تحل له إلى يوم القيامة ” وقال أيضا فيها ” فإن كان انتفى من ولدها الحق بأخواله “. وقال في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج بعد ذكر الملاعنة بينهما في قضية النزول قال ” ففرق بينهما وقال لهما: لا تجتمعا بنكاح أبدا بعدما تلاعنتما “. وقال أيضا في مرسلة الفقيه ” ثم يفرق بينهما لا تحل له أبدا “. وقال في رواية تفسير النعماني ومرسلة القمي في قضية عويمر بعد أن لاعن بينهما صلى الله عليه واله ” اذهبا فلن تحل لك ولن تحلي له أبدا “. وقد تقدم في محرمات النكاح على سبيل التأبيد أخبار كثيرة من الصحاح وغيرها أن الملاعنة لا تحل له أبدا، ولا تحصل الفرقة عندنا بلعان الزوج خاصة لتعليقه على التلاعن في الأخبار، بل هي مصرحة بردها إليه بعد إقامة الحد عليها
[ 148 ]
خلافا لعبض العامة، فرتب على لعانه وحدة الفرق والحرمة أبدا وانتفاء النسب. ولو فرق بينهما قبل إكمال لعانهما كان التفريق لغوا عندنا وإن كان بعد لعان ثلاث مرات من كل منهما أربعة تمام لعانه وثلاث من لعانها أو بعد اختلال شئ من ألفاظ اللعان الواجبة خلافا لأبي حنيفة فاكتفى بالأكثر.
الثالثة: فرقة اللعان عندنا فسخ لاطلاق لانتفاء ألفاظه خلافا لأبي حنيفة، ولو كان طلاقا لوجبت فيه ألفاظه واعتبرت شرائطه من الطهر والسلامة من الحيض وشهادة الشاهدين ولم تحرم مؤبدا ابتداء، ولا يعود الفراش عندنا لو أكذب نفسه بعد كمال اللعان لاعلان النصوص بزواله بالتلاعن وخصوص صحيحة الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن الملاعنة التي يرميها زوجها وينتفي من ولدها ويلاعنها ويفارقها ثم يقول بعد ذلك الولد ولدي ويكذب نفسه، فقال: أما المرأة فلا ترجع إليه أبدا، وأما الولد فإني أرده إليه إذا ادعاه “. وخبر محمد بن الفضيل (2) عن أبي عبد الله عليه السلام وقد تقدم عن قريب، وفيه ” أنه إذا أكذب نفسه جلد الحد ورد عليه ابنه ولا ترجع إليه امرأته أبدا “. وخبر أبي الصباح الكناني (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن رجل لاعن امرأته وانتفى من ولدها ثم أكذب نفسه بعد الملاعنة وزعم أن الولد ولده، قال: لا ولاكرامة، لايرد عليه ولا تحل له إلى يوم القيامة ” وحمل الشيخ عدم رد الولد لما ثبت من رده عليه بالرجوع على الرد الصحيح من الطرفين بحيث يتوارثان، وليس كذلك هنا كما سيجئ. وخبر أبي بصير (4) عن أبي عبد الله عليه السلام وفيه بعد السؤال عن ولد الملاعنة ومن
(1) التهذيب ج 8 ص 187 ح 9، الوسائل ج 15 ص 599 ب 6 ح 1. (2) التهذيب ج 8 ص 194 ح 40، الوسائل ج 15 ص 601 ب 6 ح 6 وفيهما ” عن أبى الحسن عليه السلام “. (3) التهذيب ج 8 ص 194 ح 39، الوسائل ج 15 ص 601 ب 6 ح 5. (4) التهذيب ج 8 ص 195 ح 44، الوسائل ج 15 ص 601 ب 6 ح 7.
[ 149 ]
يرثه ” قلت: أرأيت إن ادعاه أبوه بعدما لاعنها، فقال: أرده عليه ولا تحل له امه إلى يوم القيامة ” فلا يحل له بتكذيبه نفسه تجديد العقد عليها لصراحة الأخبار بالتأبيد خلافا لأبي حنيفة.
الرابعة: لو أكذب نفسه في أثناء اللعان أو نكل عنه أو عن إتمامه ثبت عليه الحد بالقذف ولم يثبت شئ من أحكام اللعان من سقوط الحد عنه والأحكام الباقية. ففي صحيحة علي بن جعفر (1) عن أخيه موسى عليه السلام ” قال: سألته عن رجل لاعن امرأته فحلف أربع شهادات بالله ثم نكل في الخامسة، قال: إن نكل في الخامسة فهي امرأته وجلد الحد، وإن نكلت المرأة عن ذلك إذا كانت اليمين عليها فعليها مثل ذلك “. وموثقة عباد بن صهيب (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في رجل أوقفه الامام للعان، فشهد شهادتين ثم نكل وأكذب نفسه قبل ان يفرغ من اللعان، قال: يجلد حد القاذف ولا يفرق بينه وبين امرأته “. وصحيحة الحلبي (3) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث ” سئل عن الرجل يقذف امرأته، قال: يلاعنها ثم يفرق بينهما فلا تحل له أبدا، فإن أقر على نفسه قبل الملاعنة جلد حدا وهي امرأته “.
الخامسة: لو أكذب نفسه بعد اللعان سقط الحد وبقيت هي على التحريم المؤبد ولحق به الولد لأخذه بإقراره، لكن فيما له لاقراره أولا بالانتفاء منه، ولذا يرثه الولد ولا يرثه الاب ولا من يتقرب به، وترثه الام ومن يتقرب بها أكذب نفسه أم لا. وفي صحيحة الحلبي المتقدمة وغيرها من الأخبار التي قدمناها ” أما الولد
(1) الكافي ج 6 ص 165 ح 12، الوسائل ج 15 ص 592 ب 3 ح 3 وفيهما ” عن أخيه أبى الحسن “. (2) و (3) الكافي ج 6 ص 163 ح 5 و 6، الوسائل ج 15 ص 592 ب 3 ح 1 و 2.
[ 150 ]
فإني أرده إليه إذا ادعاه ولا أدع ولده وليس له ميراث، ويرث الابن الأب ولا يرث الأب الابن، يكون ميراثه لأخواله، فإن لم يدعه أبوه فإن أخواله يرثونه ولا يرثهم ” إلى غير ذلك من الأخبار وهي كثيرة. وقوله عليه السلام ” ولا يرثهم ” موافق لعدة من الأخبار، وقد عمل بها الشيخ وجماعة. وفي عدة اخرى ” يرثونه ويرثهم ” وعمل عليها المشهور، وتحقيق ذلك سيجئ في الميراث. أمكن في ثبوت الحد عليه بالتكذيب بعد اللعان قولان لاختلاف الروايات، ففي صحيح الحلبي (1) عن الصادق عليه السلام ” في رجل لاعن امرأته وهي حبلى قد استبان حملها وأنكر ما في بطنها، فلما وضعت ادعاه وأقربه وزعم أنه منه، فقال: يرد عليه ابنه ويرثه ولا يجلد لأن اللعان قد مضى ” وكذا جاء في خبرين آخرين للحلبي من الحسن والآخر من الموثق أو من الضعيف، وهذا خيرة النهاية والتهذيب. وفي خبر محمد بن الفضيل (2) ” أنه سأل الكاظم عليه السلام عن رجل لاعن امرأته وانتفى من ولدها ثم أكذب نفسه هل يرد عليه ولدها ؟ قال: إذا أكذب نفسه جلد الحد ويرد عليه ابنه ولا ترجع إليه امرأته “. وقد اختار هذا المذهب شيخنا في المقنعة والمبسوط واستقربه العلامة في القواعد لما فيه من زيادة هتكها وتكرار قذفها وظهور كذب لعانه مع أنه ثبت عليه الحد بالقذف، فيستصحب إلى أن يعلم المزيل ولا يعلم زواله بلعان ظهر كذبه، والأخبار الاولة إنما نفت الحد إذا أكذب فيما رماها به من الزنا كما هو صريح المبسوط، وفيه نظر، لما عرفت من أن تلك الصحاح إنما نفت الحد عنه لمكان اللعان، فلا معنى لهذا التخصيص، فإن عاد عن إكذاب نفسه وقال لي
(1) الكافي ج 6 ص 165 ح 13، الوسائل ج 15 ص 600 ب 6 ح 4. (2) التهذيب ج 8 ص 194 ح 40، الوسائل ج 15 ص 601 ب 6 ح 6.
[ 151 ]
بينه اقيمها أو لاعن ثانيا لم يقبل منه، لأن البينة واللعان لتحقيق ما قاله وقد أقر بكذب نفسه، والعقلاء مأخوذون بإقرارهم على أنفسهم، والبينة إنما تسمع إذا لم يكذبها قوله أو فعله، ولو اعترف بالولد بعد موته لم يرث منه كما لو اعتر ف به في حياته ثم مات، ولا يفيد هذا الاعتراف في حق الولد شيئا، ولو لم يكذب نفسه ولا لاعن ثبت عليه الحد كما سمعت، فإن اقيم عليه بعضه فبذل اللعان اجيب إليه الخبر ” ادرأوا الحد بالشبهات ” وكما أن اللعان يدرأ تمام الحد فأولى أن يدأ بعضه.
السادسة: لو قذفها فأقرت قبل اللعان سقط الحد عنه بالمرة ولا يجب عليها الحد إلا بأربع مرات ولو كان هنا نسب لم ينتف إلا باللعان، وللزوج أن يلاعن بنفيه على إشكال إن لم تدع الزوجة النسب فإنه لا ينافي الاقرار بالزنا، و إذا ادعته فلا إشكال في ثبوت اللعان وإنما يشكل الأمر إذا صادقته على الانتفاء أو سكتت أو اعترفت بالجهل واحتمال الأمرين. فعلى هذا إذا تصادقا على الزنا وعلى كون الولد ليس منه لا يوجب نفي النسب لثبوته بالفراش، وتصادقهما إقرار في حق الغير، فلا يؤثر سقوط اللعان للقذف سقوطه للنسب. ومنشأ الاشكال كون اللعان على خلاف الأصل ولم يظهر لنا ثبوته إلا إذا تكاذبا، ولا تكاذب هنا، ومن أنه إذا علم انتفاء الولد منه وجب عليه نفيه، ولا طريق إلى انتفائه إلا اللعان والصبر إلى بلوغ الولد، واللعان معه لا يجوز إذ ربما مات أو مات الولد قبله أو قبل التمكن من اللعان، وحينئذ إنما يلتعن الزوج لأنها لا يمكنها الالتعان، ولو قذفها فاعترفت ثم أنكرت فأقام شاهدين على اعترافها ففي القبول بها أو بالأربعة إشكال من عموم قوله تعالى ” والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ” و (1) وأن الغرض إثبات الزنا لهتك العرض ودفع الحد واللعان عنه، وهو خيرة المختلف والمبسوط هنا،
(1) سورة النور – آية 4.
[ 152 ]
وفيه أيضا أنه مذهبنا أقر به القبول بها لأنه شهادة على الاقرار لا الزنا، وهو خيرة السرائر والخلاف وموضع آخر من المبسوط لكنه إنما يقبل في سقوط الحد عنه إذ يكفى فيه ثبوت الاقرار لا في ثبوت الحد عليها، فإنه لا يثبت إلا بثبوت الزنا ولا يثبت إلا بأربعة شهود أو الاقرار أربعا.
السابعة: لو قذفها فماتت قبل اللعان سقط اللعان وورث لعدم التلاعن الموجب للبينونة وعليه الحد للوارث لأنه حق آدمي وحقوق الآدميين تورث له وله دفعه باللعان، وفاقا للشيخ وجماعة، ولعلهم أرادوا به التعانه فإنه ربما لا يكون للوارث الالتعان فإنه يمكنه إذا قذفها بمحصور يمكن الوارث العلم بكذبه والدليل على جواز دفعه باللعان لأنه لاتعلق بسقوط الحد بالتعان الزوجة ليفوت بموتها وإنما يتعلق بالتعانه فله الدفع به. وفي النهاية والخلاف إنه لو لاعنه رجل من أهلها فلا ميراث له ولا حد عليه للاجماع المدعى في الخلاف ولخبر أبي بصير (1) كما في التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام ” في رجل قذف امرأته وهي في قرية من القرى، فقال السلطان: ما لي بهذا علم عليكم بالكوفة، فجاءت إلى القاضي لتلاعن فماتت قبل أن يتلاعنا، فقالوا هؤلاء: لا ميراث لك، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن قام رجل من أهلها مقامها فلا عنه فلا ميراث له، فإن أبى أحد من أوليائها أن يقوم مقامها أخذ الميراث زوجها “. وخبر عمر وبن خالد بن زيد بن علي (2) عن آبائه عن علي عليهم السلام ” في رجل قذف فخرج فجاء وقد توفيت، فقال، يخير واحدة من اثنتين، فيقال له: إن شئت التزمت نفسك بالذنب فيقام فيك الحد فتعطى الميراث، وإن شئت أقررت فلاعنت أدنى قرابتها إليها فلا ميراث لك “.
(1) التهذيب ج 8 ص 190 ح 23، الوسائل ج 15 ص 608 ب 15 ح 1. (2) التهذيب ج 8 ص 194 ح 38، الوسائل ج 15 ص 608 ب 15 ح 2 وفيهما ” قذف امرأته ثم خرج ” مع اختلاف يسير.
[ 153 ]
والأقرب وفاقا للسرائر والمبسوط لا لعان بينه وبين الوارث لأنه خلاف الأصل فيقتصر على موضع اليقين، والخبران ضعيفان يمكن ورود هما مورد التقية فيثبت الميراث وإن لاعن الوارث لعموم آية الارث، وإنما علم سقوطه لتلاعن الزوجين ولو ماتت قبل إكمال لعانها، شرعت فيه أم لا، فهو كالموت قبل اللعان في الميراث لعدم التلاعن. ويأتي على قول النهاية ومقتضى هذين الخبرين أنه إن أقام الوارث مقامها ولاعن انتفى الارث، ولو مات حينئذ ورثت.
الثامنة: لو قذفها ولم يلاعن فحد ثم قذفها به – أعني بعين ما قذفها به أولا – ففي الخلاف والمبسوط لا حد عليه لاتحاد القذف وإن تكرر لفظه فإنما هو تأكيد، ولأصالة البراءة وللاجماع المنقول في الخلاف، والأقرب ما ذهب إليه المحقق من ثبوت الحد لتعدد القذف وإن اتحد المقذوف به، وكذا الخلاف لو تلاعنا، والأقرب سقوطه وفاقا للشيخ والمحقق لأن اللعان بمنزلة البينة والاقرار والنكول، ويحتمل ثبوت الحد لعموم الآية وانتفاء دليل على السقوط، فإن اللعان إنما أسقط الحد بالقذف السابق ولم يسقط المقذوف به بالبينة ولا بالاقرار. ويدل على الحكم الأول وثبوت الحد ثانيا صحيحة شعيب (1) عن أبي عبد الله عليه السلام كما في الكافي والتهذيب ” قال: سألته عن رجل قذف امرأته فتلاعنا ثم قذفها بعدما تفرقا أيضا بالزنا، عليه حد ؟ قال: نعم عليه حد “. أما لو قذفها به الأجنبي فإنه يحد لأن اللعان حجة تختص بالزوج، وإنما تسقط الحصانة في حقه وإن صار فيها باللعان أجنبيا. ولو قذفها فأقرت ولو مرة ثم قذفها به الزوج أو الأجنبي فلا حد لأنها بإقرارها أسقطت الحصانة والحد، والعقلاء يؤخذون بإقرارهم. ولو لاعنها فنكلت ثم قذفها الأجنبي به
(1) الكافي ج 7 ص 212 ح 10 وفيه ” أعليه “، التهذيب ج 8 ص 196 ح 47، الوسائل ج 15 ص 611 ب 18 ح 1 وما في المصادر ” عن شعيب عن أبى بصير ” .
[ 154 ]
ففي المبسوط والخلاف لاحد أيضا لأن اللعان والنكول كالبينة، ولاحد في القذف لما ثبت بالبينة، والأقرب وفاقا للمحقق ثبوته لعموم آية الرمي ومنع سقوط الحصانة مطلقا.
التاسعة: إذا كانت المرأة غير برزة لا تخرج إلى مجالس الرجال أنفذ الحاكم إليها من يستوفي في الشهادات عليها في منزلها ولم يكلفها الخروج، وكذا لو كانت حائضا واللعان في المسجد. وفي المبسوط: ويستحب أن يبعث معه بأربعة شهود أو ثلاثة لقوله تعالى ” وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين “. وروى أصحابنا – كما سيجئ في الحدود – أن أقله واحد، وهذا بناء على عدم حضور هما معا، فلو لاعن في المسجد وهي على بابه من خارج أو في منزلها جاز، إلا على القول الأظهر من قيامهما عند الحاكم واشتراط حضور هما كما اقتضته الأدلة التي قدمناها في آية النزول، و كذلك ما قدمنا من وجوب قيامها عند الحاكم عند لعان كل منهما.
العاشرة: اختلف في اللعان هل هو أيمان أو شهادات ؟ فذهب الشيخ وجماعة بل هو المشهور إلى الأول لصحته من الفاسق والكافر لقوله تعالى ” بالله إنه لمن الصادقين ” و قولها ” بالله إنه لمن الكاذبين ” ولأن كلا منهما يلاعن لنفسه ولم يشهد شهادة أحد لنفسه ولأنه لا معنى لكونه من المرأة شهادة وكذا منه، ولصحته من الأعمى لو اتفقت له المشاهدة قبل العمى، ولو كان من الشهادات لم يصح منه حال عمائه. وخالف ابن جنيد فجعله من الشهادات وفاقا للعامة، لظاهر قوله تعالى ” فشهادة أحدهم أربع شهادات ” الآية، ولخبر محمد بن سليمان الديلمي (1) المتقدم مرارا بطرق عديدة حيث ” سأل الجواد عليه السلام: كيف صار الزوج إذا قذف امرأته كانت شهادته أربع شهادات بالله ؟ فكيف لا يجوز لغيره صار إذا قذفها غير الزوج جلد الحد ولو كان ولدا أو أخا ؟ فقال: قد سئل أبو جعفر عليه السلام عن هذا فقال:
(1) التهذيب ج 8 ص 192 ح 29، الوسائل ج 15 ص 594 ب 4 ح 5 و 6 وفيهما اختلاف.
[ 155 ]
ألا ترى إذا قذف الزوج امرأته قيل له: كيف علمت أنها فاعلة ؟ قال: رأيت ذلك منها يعني (1) كانت شهادته أربع شهادات بالله، وذلك أنه قد يجوز للزوج أن يدخل المدخل التي لا تصلح لغيره أن يدخلها ولايشهدها ولد ولا والد في الليل والنهار، و لذلك صارت شهادته أربع شهادات ” وساق الحديث إلى أن قال: ” وإنما صارت شهادة الزوج أربع شهادات لمكان أربع شهداء كان مكان كل شاهدين “. وللأخبار الناطقة بلفظ الشهادة كقوله صلى الله عليه واله للرجل: اشهد أربع شهادات بالله إنك لمن الصادقين فيما رميتها به، وللمرأة: اشهدي أربع شهادات بالله إن زوجك لمن الكاذبين. وقول الصادق عليه السلام فيما مضى من الأخبار كخبر السكوني وخبر الخصال وخبر الجعفريات وخبر الحسين بن علوان في قرب الأسناد: ليس بين خمس نساء وأزواجهن ملاعنة – إلى قوله – والمجلود في الفرية لأن الله تعالى يقول ” لا تقبلوا لهم شهادة أبدا ” ولوجوب التصريح بلفظ الشهادة ولأنه يدرأ الحد ولا شئ من اليمين، كذلك لأن الله تعالى يقول ” ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ” ولأنه إن نكل عنه ثم عاد إليه مكن واليمين ليست كذلك. والجواب عن هذا كله أن لفظ الشهادة في الأصل حقيقة عرفية أو مجاز مشهود في اليمين، وقد جاء التعبير في هذه الشهادات باليمين أيضا، ولمخالفته لسائر الأيمان في بعض الأحكام. وخبر النفي عن خمس وأزواجهن مع كونها ضعيفة الأسناد ليست نصا في كون اللعان شهادة بل الذي ينص عليه أنه لاتقبل الشهادة منه عليها بالزنا وإن أكده باللعان.
الحادية عشرة: أنه إذا قذف الزوجة توجه وجوب الحد عليه كما سمعت أنه لا يسقطه باللعان ولا يجب عليه اللعان هنا ولا يطالبه أحد بأحد هما – أعني البينة أو اللعان – إلا الزوجة فإن الحد حق لها واللعان لاسقاطه. نعم لوارثها
(1) في المصدرين ” بعينى “.
[ 156 ]
المطالبة بالحد، وقيل باللعان أيضا كما سبق بعد موتها وعدم استيفائها له لما عرفت من الانتقال بالارث لهم ولو أراد اللعان هو من غير مطالبة لم يكن له ذلك عندنا إن لم يكن لنسب يريد نفيه. ولو طلب نفي النسب احتمل أن يلاعن بينهما الحاكم بأن يطلب المرأة باللعان لانحصار طريق انتفاء النسب فيه، واحتمل عدمه لأنه خلاف الأصل فيقتصر على موضع اليقين. وأما قصة حكم نزول اللعان كما سمعت وأنه أتاه عليه السلام فرماها فأمره بأن يأتي بزوجته فلا دلالة فيها على الابتداء باللعان من غير طلبها، وإنما دلت على إحضارها مجلس الحكم.
المقصد الرابع
في اللواحق
الاول: لو شهد الشاهدان متهمان بقذفه الزوجة لم تقبل لمكان التهمة. فإن خرجا من التهمة ثم أعادا الشهادة لم تقبل أيضا لأنها ردت التهمة فلا تقبل بعد. ولو ادعيا قذفها خاصة ثم زالت التهمة والعداوة كأن مضت مدة عرف صلاح الحال بينهم ثم شهدا بقذف زوجة اخرى قبلت لأنها لم يردا في هذه الشهادة. ولو شهدا بقذف زوجة ثم ادعيا قذفه لهما فإن أضافا الدعوة إلى ما قبل الشهادة بطلت لاعترافهما بأنه كان عدوا لهما حين الشهادة، وإن لم يضيفاها إليه فإن كان ذلك قبل الحكم لم يحكم لأنه لا يحكم بشهادة أحد عدوين على آخر، وإن كان بعده لم يبطل لأنه لم يظهر تقدم العداوة على الحكم. ولو شهدا عليه أنه قذف زوجته وامه بطلت في حق الام للتهمة، وببطلانها بطلت بالكلية لأنها إذا ردت في البعض للتهمة ردت للجميع كما كانت ترد شهادتهما بقذفها وقذف الزوجة. وفي المبسوط: فإن شهادتهما لامهما عندنا تقبل وعندهم لاتقبل لأنه متهم في حق الام وشهادتهما في حق الزوجة غير متهم فتقبل، ولو شهد أحد هما أنه أقر
[ 157 ]
بالقذف والاقرار بالعربية والآخر أنه أقر بغير ذلك بالعجمية أو في وقتين بأن شهد أحد هما بإقراره يوم الخميس وآخر به يوم الجمعة قلت: لاتحاد مقريه. ولو شهدا بالقذف كذلك بطلت لأن ما شهد به أحد هما غير ما شهد به الآخر ولم يستكمل شئ من القذفين عدد البينة.
الثاني: لو ولدت توأمين بينهما أقل من ستة أشهر واستلحق أحد هما لحقه الآخر ولا يقبل نفيه لأنهما في حكم الولد الواحد، حتى أنه لو كان نفى الأول ثم استلحق الثاني لحقه الأول أيضا، وكذا لو نفى أحد هما وسكت عن الآخر لحقاه، لأنه لما سكت عن الآخر لحقه واستلزم لحوق الآخر. ولو ولدت الأول فنفاه باللعان ثم ولدت الاخر لأقل من ستة أشهر افتقر انتفاؤه إلى لعان آخر على إشكال من الحكم بإنتفاء الأول باللعان، وهذا يستلزم انتفاء الثاني مع أصل البراءة من اللعان ثانيا ومن أصل اللحوق إلا مع التصريح بالنفي واللعان وعدم الاكتفاء بالالتزام، وهذا خبر شيخ المبسوط. وإن أقر بالثاني لحقه وتبعه الأول أيضا لاستلزام لحوقه به كما عرفت وهو لا يرث الأول لانكاره أولا، فيكون بمنزلة من أقر به بعد اللعان. وهل يرث الثاني ؟ إشكال من استلزام انتفائه من الأول انتفاءه من الثاني، فكأنه أقر بأنه لا يرث منه كما أقر به من الأول، ومن أنه لا عبرة بنفي النسب بالالتزام، والأصل اللحوق والتوارث، ولو كان بينهما ستة أشهر فصاعدا كان لكل واحد حكم نفيه لامكان تعدد الحمل، فلا يستلزم لحوق أحد هما لحوق الآخر ولا نفيه نفيه، فإن لاعن الأول بعد وضعه واستلحق الثاني أو ترك نفيه الحق به وإن كان قد بانت امه من الزوج باللعان لامكان وطئه بعد وضع الأول قبل اللعان، ولو لاعنها قبل وضع الأول فأتت بآخر بعد ستة أشهر لم يلحقه الثاني لأنهما بانت باللعان وانقضت عدتها بوضع الأول، فلا يمكنه وطؤها بالنكاح بعده، وذكرنا انقضاء العدة لتأكيد الحجة وإلا فهذه العدة كعدة الطلاق البائن، ولو مات أحد
[ 158 ]
التوأمين قبل اللعان لنفيهما فله أن يلاعن لنفيهما خلافا لبعض العامة.
الثالث: القذف قد يجب وذلك بأن يرى امرأته قد زنت في طهر لم يطأها فيه فإنه يلزمه حذرا من اختلاط الماءين واعتزالها حتى تنقضي العدة أي عدة الحمل بالوضع وهو مضي أقصاها، فأن أتت بولد لستة أشهر من حين الزنا ولأكثر من أقصى مدة الحمل من وطئه لزمه نفيه ليتخلص من الالحاق المستلزم للتوارث وللنظر إلى بناته وأخواته. ويلزم إذا رأى منها الزنا إن يقذفها بالزنا مبادرة إلى نفي من يحتمل ولادتها له إذ ربما لا يتمكن من اللعان إذا ولدت فليحق به الولد.
الرابع: لو أقرت بالزنا وظن صدقها فالأقرب أنه لا يجب القذف وإن أقرت أربعا للأصل ولعدم العلم وانتفاء المشاهدة، ولأن اللعان إما يمين أو شهادة ولا يتعلقان إلا بمعلوم ويحتمل الوجوب لثبوت العلم الشرعي بالاقرار فيجب القذف لقطع امتزاج الماءين، ولا يحل له القذف بدون الرؤية إن شاء أن فلانا يزني بها وإن وجدهما مجردين، خلافا للعامة فلهم قول بالحل إذا غلب الظن أو بإخبار ثقة يسكن إلى قوله. وإذا عرف انتفاء الحمل منه لاختلال بعض شرائط الالحاق به وجب الانكار كما قدمناه لك وإن لم يرها تزني، ولاقذفها بالزنا للتخلص من الالحاق المستلزم للتوارث والنظر إلى بناته وأخواته كما تقدم، ويمكن فهم وجوب النفي من قوله عليه السلام ” أيما امرأة ادخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله من شئ ولا أن يدخلها جنته “.
الخامس: لا يحل الانكار للشبهة والظن بعد ثبوت النسب كما لا يحل القذف لذلك ولالمخالفة صفة الولد صفات الواطئ حتى لو كان من الأمة وشك في وطئها المتفرع عنه الولد إصغاء لقول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ” الولد للفراش وللعاهر الحجر ” ولما عرفت من التشديد والتخويف من عقوبة من نفى من يمكن انتسابه له.
[ 159 ]
ففي كتاب إكمال الدين عن أبي طاهر البلالي (1) ” قال: كتب جعفر بن حمدان وخرجت إليه هذه المسائل: استحلت بجارية وشرطت عليها أن لا أطلب ولدها ولم الزمها منزلي، فلما أتى لذلك مدة قالت لي: قد حبلت، ثم أتت بولد فلم أنكره ” وساق الحديث إلى أن قال: ” فخرج جوابها من صاحب الزمان عليه السلام: وأما الرجل الذي استحل بالجارية وشرط عليها أن لا يطلب ولدها، فسبحان من لا شريك له في قدرته، شرطه على الجارية شرط على الله تعالى، هذا ما لا يؤمن أن يكون وحيث عرض له في هذا لشك وليس يعرف الوقت الذي أتاها فليس ذلك بموجب للبراءة من ولده “. وفي خبر عبد الله بن سنان (2) المرسل عن بعض أصحابه عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: أتى رجل من الأنصار رسول الله صلى الله عليه واله فقال: هذه ابنة عمي وأمرأتي لاأعلم منها إلا خيرا وقد أتتني بولد شديد السواد منتشر المنخرين جعد قطط أفطس الأنف لا أعرف شبه في أخوالي ولا في أجدادي، فقال لامرأته: ما تقولين ؟ قالت: لا، والذي بعثك بالحق نبيا ما أقعدت مقعده مني منذ ملكني غيره، قال: فنكس رأسه رسول الله صلى الله عليه واله مليا ثم رفع رأسه إلى السماء ثم أقبل على الرجل فقال: يا هذا إنه ليس من أحد إلا بينه وبين آدم تسعة وتسعون عرقا كلها تضرب في النسب، فإذا وقعت النطفة في الرحم اضطربت تلك العروق تسأل الله الشبه لها، فهذا من تلك العروق التي لم يدركها أجدادك ولا أجداد أجدادك، خذي إليك ابنك، فقالت المرأة: فرجت عني يا رسول الله صلى الله عليه واله “. وفي خبر ابن مسكان (3) عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ” قال: إن رجلا أتى بامرأته إلى عمر فقال: إن امرأتي هذه سوداء وأنا أسود وأنها ولدت غلاما
(1) كمال الدين ص 500 ح 25 طبع مؤسسة النشر الاسلامي وفيه اختلاف يسير. (2) الكافي ج 5 ص 561 ح 23، الوسائل ج 15 ص 218 ب 105 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (3) الكافي ج 5 ص 566 ح 46، الوسائل ج 15 ص 219 ب 105 ح 2.
[ 160 ]
أبيض، فقال لمن بحضرته: ما ترون ؟ قالوا: نرى أن ترجمها فإنها سوداء وزوجها أسود وولدها أبيض، قال: فجاء أمير المؤمنين عليه السلام وقد وجه بها لترجم فقال: ما حالكما ؟ فحدثاه، فقال للأسود، أتتهم امرأتك ؟ فقال: لا، قال: أفأتيتها وهي طامث، قال: قد قالت لي ليلة من الليالي أنا طامث فظننت أنها تتقي البرد فوقعت عليها، فقال للمرأة: هل أتاك وأنت طامث ؟ قالت: نعم سله قد حرجت عليه وأبيت، قال: قال: فانطلقا فإنه ابنكما فإنما غلب الدم النطفة فابيض ولو قد تحرك اسود، فلما أيفع اسود “. وفي الفقيه (1) مرسلا ” قال: قال النبي صلى الله عليه واله: من نعم الله على الرجل أن يشبه ولده “. ” قال: (2) الصادق عليه السلام: إن الله تعالى إذا أراد أن يخلق خلقا جمع كل صورة بينه وبين آدم ثم خلقه على صورة إحداهن، فلا يقول أحدكم لولده هذا لا يشبهني ولا يشبه شيئا من آبائي “. وقد جاء تحريم انتفاء النسب على سبيل المبالغة والتغليظ، ففي موثقة أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: كفر بالله من تبرأ من نسب وإن دق “. ومثلها موثقة ليث المرادي (4). وفي مستفيضة ابن فضال (5) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام ” أنهما قالا: كفر بالله العظيم من انتفى من حسب وإن دق “.
السادس: لا تجوز الملاعنة بين الزوج والزوجة إذا كان مجلودا في الفرية، وقد تقدم في ذلك خبر السكوني وخبر الخصال وخبر الجعفريات وخبر قرب الأسناد
(1) الفقيه ج 3 ص 312 ح 22، الوسائل ج 15 ص 219 ب 105 ح 3. (2) الفقيه ج 3 ص 312 ح 23، الوسائل ج 15 ص 219 ب 105 ح 6 وفيهما ” فلا يقولن أحد “. (3) الكافي ج 2 ص 350 ح 1، الوسائل ج 15 ص 221 ب 107 ح 1. (4) الكافي ج 2 ص 350 ح 2، الوسائل ج 15 ص 222 ب 107 ذيل ح 1. (5) الكافي ج 2 ص 350 ح 3 وفيه ” الانتفاء “، الوسائل ج 15 ص 222 ب 107 ح 2.
[ 161 ]
حيث قال في جميعها: ولا المجلود في الفرية لأن الله تعالى يقول ” ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ” هكذا أفتى به ابن الجنيد وتبعه محدث الوسائل، والمشهور على رده، حيث إن اللعان ليس بشهادة على الحقيقة فتتوجه التقيه في هذه الأخبار كما سمعت سابقا.
السابع: يثبت الحد على قاذف اللقيط وابن الملاعنة لبراءة ساحته من المقذوف به لملاعنة امه إياه ودرئها العذاب عنها بذلك. ويدل عليه من النصوص بالخصوص مرسلة الحسن بن محبوب (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال في قاذف اللقيط: بحد ويحد قاذف ابن الملاعنة “. تتمة يستحب التباعد من مجلس المتلاعنين عند اللعان إلا لمن امر بشهادته، لما رواه محمد بن الحسن الطوسي (2) في مجالسه عن زريق عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: إذا تلاعن اثنان فتباعد منهما فإن ذلك مجلس تنفر منه الملائكة، ثم قال: اللهم لا تجعل إلي منهما مساغا، واجعلهما برأس من يكايد دينك ويضاد وليك ويسعى في الأرض فسادا “. ولحبس جري القلم في تتمة هذا المجلد الأتم من مجلدات شيخنا الأفخم وهو المجلد العاشر (3) من كتابه الموسوم بالحدائق الناضرة، متعه الله بثمارها في الجنان، وأسبل عليه رواشحها الماطرة في السر والعيان، ونسأل الله سبحانه أن يوقفنا لاتمام مجلداتها القاصرة وأن ينجيها من العيوب والنقصان، وأن يعاملنا بالامداد من ألطافه ما يكون لنا وسيلة في البيان والتبيان، إنه كريم منان، وعوائده الفضل والاحسان.
(1) التهذيب ج 8 ص 191 ح 28، الوسائل ج 15 ص 609 ب 16 ح 1 وفيهما ” يحد قاذف اللقيط ويحد قاذف ابن الملاعنة “. (2) أمالى الشيخ الطوسى ج 2 ص 311 طبع النجف الاشرف، الوسائل ج 15 ص 611 ب 19 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (3) حسب تجزئه صاحب الحدائق – قدس سره -.
[ 163 ]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أتم علينا نعمته بإتمام الدين وإكمال النعمة بما أفاض علينا من رواشح جوده الغزار، ودفع عنا علائق عوائق ما يوجب النقمة في دار البوار، والصلاة والسلام على محمد وآله الغارسين لحدائق علوم الله وتلك الأسرار، و المحيين لما دثر من رسوم ساحة قواعد الدين في جميع الأعصار. وبعد، فيقول أفقر عباد الله لربه الغفار: إني لما أوصى علي والدي الروحاني وشقيق والدي الروحاني والجسماني في إجازته إلي المفصلة بأن اتمم ما نقص من مؤلفاته واشيد ما نقص من تلك المباني والمعاني، فنظرت لقصود همتي عن تجشم هذه اللجة التي تعجز عن سياحتها العلماء السابقون من القاضي والداني، ويقف جواد شأوهم عن الجري في ميدان رهان قصبات حلبتهم عن نيل تلك الأماني، قعدت كما قعد من له القدح المعلى والنصيب الأوفر في تشييد منازل هذه المعاني، ثم طفقت أنظر لما أوصى به علي وأنها واجبة الامتثال لا يجوز أن ينثني عنها ثاني، ولا يحيدني عنها محيد محب ولا شاني، فجردت حسام عزميتي وأغمضت النظر عن قصوري ونقصاني، و امتثلت ما جاء عن الأئمة المعصومين عليهم السلام من الخبر المأثور أنه لا يسقط الميسور بالمعسور فهتف بي ذلك وناداني أن شمر الذيل واسهر الليل وتدارك ما بقي من العمر بصرفه في هذه المقاصد فإن
[ 164 ]
الأعمار مشرفة للموت على التداني، فاستعنت بالله وبالأئمة المعصومين عليهم السلام على إكمال أعز كتبه وأجمعها للمعاني والألفاظ والمباني ولأحكام الله المقرونة بالبراهين والدقائق وهي الباهرة، وهو كتابه الموسوم ب‍ ” الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ” فكملت ما نقص من الجزء العاشر من أجزائها وهو كتاب الظهار إلى آخر ذلك الجزء المختوم بكتاب اللعان، ثم شرعت في هذا الجزء وهو الجزء الحادي عشر حيث إنها مجزية من مؤلفها على أربعة عشر جزء سالكا فيها ترتيب كتاب الشرايع للمحقق – قدس الله روحه وتابع فتوحه – فبقيت على مجراه الذي بنى عليه جاريا مبتدئا ومنتهيا إلى أن نصل إلى ختامه ويوفقنا الله إلى إتمامه، وقد وسمت هذه الأزجزاء الباقية ب‍ ” عيون الحقائق الناظره في تتمة الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ” مستعينا بفيض الخيرات والنعم الخفية والظاهرة ومستشفعا بمحمد وآله العترة الفاخرة والحجج الغامرة والسحائب الماطرة للرحمة الناشرة والنعمة الزاهرة، فها أنا أقول:

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *