ج9 - أحكام الشكوك
المطلب الثالث
والمراد به في هذا المقام عند الأصحاب ـ كما صرح به غير واحد ـ هو تساوى الاعتقادين وتكافؤهما ، والمفهوم من كلام أهل اللغة انه ما قابل اليقين وهو حينئذ أعم من الشك بهذا المعنى وما يشمل الظن ، والتخصيص بهذا المعنى الذي ذكره الأصحاب اصطلاح أهل المعقول ، فان العلم عندهم عبارة عن الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ، والظن عبارة عن الاعتقاد الراجح الغير المانع من النقيض ويقابله الوهم ، والشك عبارة عن تساوى الاعتقادين من غير ترجيح ، والأصحاب قد جروا في أكثر هذه المعاني في أبواب الفقه وجل الأحكام على كلام أهل اللغة.
والمفهوم من الأخبار ان العلم شرعا أعم مما ذكروه ومن
الظن ، فان يقين الطهارة والحلية المأمور بالأخذ بهما حتى يقوم الدليل على خلاف
ذلك انما هو عبارة عن عدم العلم بالرافع لا العلم بعدمه كما تقدم تحقيقه في الباب
الخامس من كتاب الطهارة
والظن لغة لمعان : منها ـ الشك واليقين ، قال في كتاب
مجمع البحرين نقلا عن بعضهم انه يقع لمعان أربعة : منها معنيان متضادان أحدهما
الشك والآخر اليقين الذي لا شك فيه ، قال : فاما بمعنى الشك فأكثر من ان تحصى
شواهده واما بمعنى اليقين فمنه قوله عزوجل «وَأَنّا
ظَنَنّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً» (1) ثم أطال الى
ان قال : والمعنيان الغير المتضادين أحدهما الكذب والآخر التهمة. إلى آخر كلامه
زيد في مقامه. واما الوهم فكثيرا ما يطلق في الأخبار على الظن كما سيأتي ان شاء
الله تعالى.
واما الشك فقد فسر في الصحاح والقاموس بأنه خلاف اليقين
، وقال في كتاب المصباح المنير : قال أئمة اللغة الشك خلاف اليقين فقولهم خلاف
اليقين هو التردد بين شيئين سواء استوى طرفاه أو رجح أحدهما على الآخر ، قال الله
تعالى «فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ» (2) قال المفسرون
اى غير مستيقن وهو يعم الحالتين. وقال الأزهري في موضع من التهذيب الظن هو الشك
وقد يجعل بمعنى اليقين. وقال في موضع آخر : الشك نقيض اليقين. ففسر كل واحد بالآخر
، وكذلك قال جماعة. وقال ابن فارس الظن يكون شكا ويقينا ، وقد استعمل الفقهاء الشك
في الحالين على وفق اللغة نحو قولهم من شك في الطلاق ومن شك في الصلاة أي لم
يستيقن سواء رجح أحد الجانبين أم لا ، وكذلك قولهم ـ من تيقن الطهارة وشك في الحدث
وعكسه ـ انه يبنى على اليقين. انتهى ما ذكره في المصباح المنير.
__________________
(1) سورة الجن الآية 12.
(2) سورة يونس الآية 94.
وبالجملة فالواجب الرجوع في كل جزئي من جزئيات الشك الى
الروايات في ذلك المقام وما تدل عليه من العموم أو الخصوص في هذه المعاني المذكورة
كما سنشير اليه ان شاء الله تعالى في ما سيأتي منها.
وكيف كان فالبحث في هذا المطلب يقع في مسائل (الأولى) لا
خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه متى شك في عدد الثنائية ـ كالصبح
وصلاة السفر وصلاة الجماعة والعيدين إذا كانت واجبة والكسوف ـ والمغرب فإنه موجب
لبطلانها ونقلوا الخلاف هنا عن ابن بابويه ، قال في المنتهى : انه قول علمائنا
اجمع إلا ابن بابويه فإنه جوز البناء على الأقل والإعادة.
أقول : قد اشتهر في كلام الأصحاب من العلامة فمن دونه
نقل الخلاف عن ابن بابويه في مواضع من الشكوك كما ستمر بك ان شاء الله تعالى مع
انه لا أصل له وهذا من أعجب العجاب عند ذوي الألباب ، والسبب في ذلك هو تقليد
المتأخر للمتقدم من غير مراجعة لكلام ابن بابويه والنظر فيه بعين التأمل والتحقيق
كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى في ما نشرحه لك من البيان الرشيق ، ومن جملتها هذا
الموضع فان كلامه فيه جار على ما جرى عليه الأصحاب ودلت عليه الأخبار في الباب ،
فإنه قال في كتاب الفقيه في باب أحكام السهو في الصلاة : ومن شك في المغرب فعليه
الإعادة ومن شك في الغداة فعليه الإعادة ومن شك في الجمعة فعليه الإعادة. وقال في
كتاب المقنع : وإذا شككت في الفجر فأعد وإذا شككت في المغرب فأعد. وسيأتيك قريبا
ان شاء الله تعالى التنبيه على بقية المواضع التي نسبوا اليه فيها الخلاف
ثم انه مما يدل على الحكم المذكور الأخبار الكثيرة :
ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي وحفص بن البختري وغير واحد عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
شككت في المغرب فأعد وإذا شككت في الفجر فأعد». وما رواه في الكافي عن محمد بن
مسلم في الصحيح (2) قال : «سألت
أبا عبد الله
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 2 من الخلل في الصلاة.
(عليهالسلام) عن الرجل
يصلى ولا يدرى واحدة صلى أم اثنتين؟ قال يستقبل حتى يستيقن انه قد أتم ، وفي
الجمعة وفي المغرب وفي الصلاة في السفر».
وعن يونس عن رجل عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «ليس في
المغرب والفجر سهو».
وما رواه في التهذيب عن ابى بصير في الموثق عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) (2) في حديث قال :
«إذا سهوت في المغرب فأعد».
وعن سماعة في الموثق (3) قال : «سألته عن السهو في صلاة
الغداة قال إذا لم تدر واحدة صليت أم ثنتين فأعد الصلاة من أولها ، والجمعة أيضا
إذا سها فيها الامام فعليه ان يعيد الصلاة لأنها ركعتان ، والمغرب إذا سها فيها
فلم يدر كم ركعة صلى فعليه ان يعيد الصلاة». أقول : قوله «لأنها ركعتان» كأنه ضابط
كلي في وجوب الإعادة في الثنائية.
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهماالسلام) (4) قال : «سألته
عن السهو في المغرب؟ قال يعيد حتى يحفظ ، انها ليست مثل الشفع».
وعن العلاء بن رزين في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (5) قال : «سألته
عن الرجل يشك في الفجر؟ قال يعيد. قلت المغرب؟ قال نعم والوتر والجمعة ، من غير أن
اسأله».
وروى الصدوق في الخصال في القوى عن ابى بصير ومحمد بن
مسلم عن الصادق عن آبائه (عليهمالسلام) (6) قال : «قال
أمير المؤمنين (عليهالسلام) لا يكون
السهو في خمس : في الوتر والجمعة والركعتين الأولتين من كل صلاة وفي الصبح والمغرب».
وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد عن محمد بن خالد
الطيالسي عن العلاء عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (7) قال : «سألته
عن الرجل يصلى الفجر فلا يدرى أركعة صلى أو ركعتين؟ قال يعيد. فقال له بعض أصحابنا
وانا حاضر : والمغرب؟
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7) الوسائل الباب 2 من الخلل في
الصلاة.
قال : والمغرب. فقلت له انا : والوتر؟
قال نعم والوتر والجمعة».
وفي المقام فوائد يحسن التنبيه عليها (الأولى) قد روى
الشيخ (قدسسره) عن عمار
الساباطي في الموثق (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل شك في
المغرب فلم يدر ركعتين صلى أم ثلاثا؟ قال يسلم ثم يقوم فيضيف إليها ركعة. ثم قال
هذا والله مما لا يقضى أبدا».
وعن عمار الساباطي (2) أيضا في الموثق قال : «سألت أبا عبد
الله (عليهالسلام) عن رجل لم
يدر صلى الفجر ركعتين أو ركعة؟ قال يتشهد وينصرف ثم يقوم فيصلي ركعة فإن كان صلى
ركعتين كانت هذه تطوعا وان كان صلى ركعة كانت هذه تمام الصلاة. قلت فصلى المغرب
فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا؟ قال يتشهد وينصرف ثم يقوم فيصلي ركعة فإن كان صلى
ثلاثا كانت هذه تطوعا وان كان صلى اثنتين كانت هذه تمام الصلاة ، وهذا والله مما
لا يقضى أبدا».
وهذان الخبران كما ترى ظاهر ان في المنافاة لما استفاض
في الأخبار المعتضدة باتفاق الأصحاب (رضوان الله عليهم) والذي ينبغي ارجائهما الى
قائلهما (عليهالسلام) وأجاب الشيخ (قدسسره) في التهذيب
عنهما بأنه يحتمل ان يكون المراد من شك ثم غلب على ظنه الأكثر وتكون إضافة الركعة
على وجه الاستحباب. وأجاب في الاستبصار بأنهما شاذان مخالفان للاخبار كلها فإن
الطائفة قد اجتمعت على ترك العمل بهما. ثم احتمل حملهما على نافلتي الفجر والمغرب.
ولا يخفى ما في هذا الحمل من البعد فان الخبرين ظاهران في الفريضة ، فإن قوله «فيضيف
إليها ركعة» في الأول وقوله : «فان كان صلى ركعتين كانت هذه تطوعا» في الثاني
يناديان بان المراد بهما الفريضة ، وكذا قوله في الخبر الثاني «كانت هذه تمام
الصلاة».
قال في الوافي بعد استبعاد حمل الشيخ : أقول ويحتملان في
المغرب الرخصة وذلك لانه قد حفظ الركعتين وانما شك في الثالثة فلا يبعد الإتمام ،
وفي إطلاق حديث
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 2 من الخلل في الصلاة.
البقباق والخبر الآتي (1) إشعار بذلك.
ثم قال : ولو كان الراوي غير عمار لحكمنا بذلك إلا ان عمارا ممن لا يوثق باخباره.
وقال شيخنا المجلسي في البحار بعد نقل خبر عمار الثاني
والكلام فيه : وبالجملة فيشكل التعويل على هذا الخبر الذي هو رواية عمار الذي قلما
يكون خبر من اخباره خاليا من تشويش واضطراب في اللفظ أو المعنى وترك الأخبار
الكثيرة الصحيحة الدالة على البطلان وإلا كان يمكن القول بالتخيير. واما قوله (عليهالسلام) في آخر
الحديثين «وهذا والله مما لا يقضى أبدا» فلعل معناه ان هذا الحكم مما لا يقضى به
العامة لأنهم يرون ان مثل هذا الشك مما يوجب الإعادة. انتهى.
أقول : والأظهر في الخبرين المذكورين هو ما قدمنا ذكره
والحمل على التقية غير بعيد ، واستقربه في الوسائل قال لموافقتهما لجميع العامة (2) وهو جيد واما
قوله (عليهالسلام) «انه لا يقضى
به ابدا» فالظاهر انه اشارة الى ان هذا الكلام انما خرج منه (عليهالسلام) مخرج التقية
في المخالفة بين الأحكام كما قدمنا بيانه في المقدمة الاولى من مقدمات كتاب
الطهارة بمعنى انه لا يقضى به العامة لما ذكره ولا الشيعة أيضا لما استفاض في
أخبارهم من إبطال هذا الشك للصلاة ووجوب الإعادة
الثانية ـ ان ما دلت عليه الأخبار المذكورة من بطلان الصلاة
بالشك في
__________________
(1) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة رقم (13) و (3).
(2) في المهذب للشيرازي ج 1 ص 88 «إذا شك هل صلى ركعة أو
ركعتين أو صلى ثلاثا أو أربعا لزمه ان يأخذ بالأقل ويأتي بما بقي» وفي شرح النووي
على صحيح مسلم بهامش إرشاد الساري ج 3 ص 228 باب السهو في الصلاة «قال مالك
والشافعي واحمد والجمهور متى شك في صلاته هل صلى ثلاثا أم أربعا مثلا لزمه البناء
على اليقين فيجب أن يأتي بالرابعة ويسجد للسهو» وفي نيل الأوطار للشوكانى ج 3 ص 97
«استدل بحديث ابن عوف على البناء على الأقل الشافعي والجمهور» أقول : حديث ابن عوف
يأتي في المسألة الثالثة ـ بعد نقل الأخبار الدالة على بطلان الصلاة بالشك في عدد
الأوليين والاخبار المعارضة لها ـ شاهدا على ورود الأخبار المعارضة للتقية.
المغرب هو المعروف بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) وقد تقدم نقل ذلك عن الصدوق إلا ان العلامة في المختلف والشهيد في
الذكرى نقلا عنه في المقنع انه قال : إذا شككت في المغرب فلم تدر أفي ثلاث أنت أم
في أربع وقد أحرزت الثنتين في نفسك فأنت في شك من الثلاث والأربع فأضف إليها ركعة
أخرى ولا تعتد بالشك ، وان ذهب وهمك إلى الثالثة فسلم وصل ركعتين بأربع سجدات وأنت
جالس. قال في الذكرى بعد نقل ذلك : وهو نادر. وكتاب المقنع لا يحضرني الآن لا راجع
ذلك منه فليلاحظ.
ثم اعلم ان عموم النص والفتوى يقتضي عدم الفرق في وجوب
الإعادة بين الشك في الزيادة والنقصان ، ويعضده ما رواه الشيخ عن الفضيل (1) قال : «سألته
عن السهو فقال في صلاة المغرب إذا لم تحفظ ما بين الثلاث إلى الأربع فأعد صلاتك».
الثالثة ـ الظاهر من الروايات ان الشك في الفريضة
الثنائية والثلاثية مبطل مطلقا واجبة بالأصل أو بالعارض كصلاة السفر والصبح
والجمعة والعيدين الواجبين وصلاة الكسوف والصلاة المنذورة ثنائية أو ثلاثية وركعتي
الطواف.
وينبغي ان يعلم انه لو كان الشك في صلاة الكسوف فان كان
الشك بين الركعة الاولى والثانية أو بينهما وبين الثالثة بطلت لأنها ثنائية ، وان
كان الشك انما هو في عدد الركوعات فان تضمن الشك في الركعتين كما لو شك هل هو في
الركوع الخامس أو السادس؟ فإنه ان كان في السادس فهو في الركعة الثانية وان كان في
الخامس فهو في الركعة الأولى بطلت ايضا ، وان أحرز ما هو فيه ولكن شك في عدد
الركوع فالأشهر الأظهر البناء على الأقل لأصالة عدم فعله ، فهو في الحقيقة شك في
فعل شيء وهو في محله فيأتي به كركوع الصلاة اليومية.
وفي المسألة قولان نادران : أحدهما للقطب الراوندي
والثاني للسيد جمال الدين ابن طاوس في البشرى قد نقلهما في الذكرى وردهما ، من أحب
الوقوف عليهما فليرجع الى الكتاب المذكور.
__________________
(1) الوسائل الباب 2 من الخلل في الصلاة.
الرابعة ـ ظاهر خبري الخصال وقرب الاسناد وكذا صحيح
العلاء المنقول برواية الشيخ ان الشك في الوتر يوجب البطلان ، ولا يخلو من الإشكال
لأنها نافلة والمعروف من كلام الأصحاب هو التخيير في النافلة متى شك فيها بين
البناء على الأقل والأكثر وان كان البناء على الأقل أفضل. وحملها على صلاة الوتر
المنذورة وان أمكن إلا انه لا يخلو من بعد. ويحتمل تخصيص عموم حكم النافلة
بالأخبار المذكورة فيقال باستثناء الوتر من ذلك الحكم ، وقد نقل بعض مشايخنا
المحققين أنه الى ذلك صار بعض المتأخرين.
وقيل انه لما كان الوتر يطلق غالبا على الثلاث فيحمل على
الشك بين الاثنتين والثلاث إذ الشك بين الواحدة والاثنتين شك في الشفع حقيقة والشك
بين الثلاث والأربع نادر فيعود شكه إلى انه علم إيقاع الشفع وشك في انه أوقع الوتر
أم لا ولما كانت الوتر صلاة برأسها فإذا شك في إيقاعها يلزمه الإتيان بها وليس من
قبيل الشك في الركعات. انتهى.
الخامسة ـ ينبغي ان يعلم ان المراد بالشك في هذه المسألة
ما هو أعم من الظن لمقابلة الشك فيها باليقين كما في صحيح محمد بن مسلم من قوله (عليهالسلام) «حتى يستيقن
انه قد أتم» والتعبير في جملة من الأخبار المتقدمة بالدراية التي هي بمعنى العلم
كما صرح به أهل اللغة مثل قوله (عليهالسلام) «إذا لم تدر
واحدة صليت أم اثنتين» أي إذا لم تعلم ، ونحوها غيرها ، فإنه (عليهالسلام) جعل مناط
الإبطال عدم العلم الشامل للظن. والمفهوم من كلام جمهور الأصحاب (رضوان الله عليهم)
حمل الشك على المعنى المشهور وحينئذ فلو ظن بنى على ظنه صحة وفسادا. والأخبار
تدفعه : منها ـ ما أشرنا اليه ومنها ـ ما يأتي في المسألة الآتية بعد هذه المسألة.
وسيأتي لهذه المسألة زيادة تحقيق أيضا في المسألة الخامسة ان شاء الله تعالى.
المسألة الثانية ـ قد صرح جملة من الأصحاب بأنه إذا شك
في شيء من أفعال الصلاة ركنا كان أو غيره فان كان في موضعه اتى به وان انتقل عنه
الى غيره مضى
في صلاته ، وانه لا فرق في ذلك بين
الأولتين والأخيرتين.
وتفصيل هذه الجملة يقع في مقامات (المقام الأول) ان ما
ذكروه من التلافي في محله والمضي بعده ركنا كان أو غيره مما لا اعرف فيه خلافا لا
في كلام الأصحاب ولا في الأخبار.
ويدل على الأول أصالة عدم فعله وبقاء الخطاب بفعله مضافا
الى جملة من الاخبار :
ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمران الحلبي (1) قال : «قلت
الرجل يشك وهو قائم فلا يدرى أركع أم لا؟ قال فليركع».
وعن عبد الرحمن بن ابى عبد الله في الصحيح (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل رفع رأسه
من السجود فشك قبل ان يستوي جالسا فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال يسجد. قلت فرجل
نهض من سجوده فشك قبل ان يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال يسجد».
وعن ابى بصير بإسنادين أحدهما في الصحيح (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل شك
وهو قائم فلا يدري أركع أم لم يركع؟ قال يركع ويسجد».
وفي الصحيح أو الحسن عن الحلبي (4) قال : «سئل
أبو عبد الله (عليهالسلام) عن رجل سها
فلم يدر سجد سجدة أم اثنتين؟ قال يسجد اخرى وليس عليه بعد انقضاء الصلاة سجدتا
السهو».
وما رواه في الكافي عن ابى بصير (5) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل شك
فلم يدر سجدة سجد أم سجدتين؟ قال يسجد حتى يستيقن انهما سجدتان».
وعن الشحام عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (6) «في رجل شبه
عليه فلم يدر واحدة سجد أو ثنتين؟ قال فليسجد أخرى».
__________________
(1 و 3) الوسائل الباب 12 من الركوع.
(2 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 15 من السجود.
وما رواه في التهذيب عن ابى بصير والحلبي (1) «في الرجل لا
يدرى أركع أم لم يركع؟ قال يركع».
وجملة من هذه الأخبار وان كانت مطلقة إلا انه يجب حملها
على بقاء محل التدارك للاخبار المقيدة من قبيل حمل المطلق على المقيد ، والأخبار
الآتية الدالة على انه يمضي في صلاته متى دخل في غيره.
واما ما رواه الشيخ عن الفضيل بن يسار في الصحيح (2) ـ قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) استتم قائما
فلا أدرى ركعت أم لا؟ قال : بلى قد ركعت فامض في صلاتك فإنما ذلك من الشيطان». ـ فحملها
الشيخ (قدسسره) على انه أراد
(عليهالسلام) إذا استتم
قائما من الركعة الرابعة فلا يدرى أركع في الثالثة أم لا؟ ولا يخفى بعده.
قال في الذخيرة بعد ذكر تأويل الشيخ ورده بأنه بعيد ما
صورته : والجمع بالتخيير ممكن إلا ان الظاهر انه لا قائل بمضمونه من الأصحاب.
ويمكن أن يقال المراد بقوله «استتم قائما» القيام عن الانحناء وظاهر ذلك حصول
الركوع منه فيكون من باب الظن بالركوع فلم يجب عليه الركوع. أو يقال انه شك في
الركوع بعد الاشتغال بواجب آخر وهو القيام عن الركوع. ولعل هذا الوجه أقرب. ويمكن
أيضا تأويل هذا الخبر بالحمل على كثرة السهو ويشعر به قوله «استتم» بصيغة
الاستقبال الدالة على الاستمرار التجديدي ، وقوله (عليهالسلام) «انما ذلك من
الشيطان» لا يخلو من إيماء اليه. وفيه بعد. انتهى.
أقول : لا ريب ان ما ذكره من التأويل الأول والثالث وهو
الذي قربه لا يخلو من بعد ، اما الأول فلان الخروج عن مضمون تلك الأخبار بهذا
الخبر المجمل المتشابه لا يخلو من مجازفة. واما الثالث فإنه متى علم انه واجب آخر
وانه قيام عن
__________________
(1) الوسائل الباب 12 من الركوع.
(2) الوسائل الباب 13 من الركوع.
الركوع فقد سقط البحث ولا معنى للسؤال
حينئذ فكيف يقول «فلا أدرى أركعت أم لا؟» والظاهر هو الوجه الثاني أو الرابع وهو
الذي يعضده قوله (عليهالسلام) «فإنما ذلك
من الشيطان».
ويدل على الحكم الثاني جملة من الأخبار ايضا : ومنها ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل شك في
الأذان وقد دخل في الإقامة؟ قال يمضي. قلت رجل شك في الأذان والإقامة وقد كبر؟ قال
يمضي. قلت رجل شك في التكبير وقد قرأ؟ قال يمضى. قلت شك في القراءة وقد ركع؟ قال
يمضى. قلت شك في الركوع وقد سجد؟ قال يمضى على صلاته. ثم قال : يا زرارة إذا خرجت
من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء».
وعن محمد بن مسلم في الموثق عن ابى جعفر (عليهالسلام) (2) قال : «كل ما
شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو».
وعن إسماعيل بن جابر في الصحيح (3) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) ان شك في
الركوع بعد ما سجد فليمض وان شك في السجود بعد ما قام فليمض ، كل شيء شك فيه مما
قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه». ورواه الشيخ ايضا بسند آخر عن ابى بصير عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) مثله (4).
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 23 من الخلل في الصلاة.
(3) الوسائل الباب 13 من الركوع و 15 من السجود.
(4) هذه الرواية نقلها في الوافي في باب الشك في اجزاء الصلاة
من التهذيب عن الحسين بن سعيد عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن ابى بصير عن ابى
عبد الله «ع» ولم نقف عليها في الوسائل والتهذيب بعد الفحص عنها في مظانها. ولا
يخفى ان صحيحة إسماعيل ابن جابر المذكورة في التهذيب ج 2 ص 153 رقم 602 من الطبع
الحديث تشتمل على فرعين (أحدهما) وهو الصدر نسيان السجدة الثانية وذكرها حال
القيام. و (ثانيهما) وهو العجز الشك في الركوع والسجود بعد تجاوز المحل وهو يشتمل
على الضابطة الكلية. وقد
وعن حماد بن عثمان في الصحيح (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) أشك وانا
ساجد فلا أدرى ركعت أم لا؟ قال امض».
وعن حماد بن عثمان أيضا في الصحيح (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) أشك وانا
ساجد فلا أدرى ركعت أم لا؟ فقال قد ركعت امضه».
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهماالسلام) (3) قال : «سألته
عن رجل شك بعد ما سجد انه لم يركع؟ قال يمضى في صلاته».
بقي الكلام في انه هل المراد بالشك في هذه المسألة ما هو
عبارة عن تساوى لطرفين خاصة أو ما يشمل الظن ايضا؟ ظاهر كلام الأصحاب الأول من غير
خلاف يعرف وظاهر النصوص المتقدمة هو الثاني وهو المؤيد بكلام أهل اللغة الذي
قدمناه في صدر المطلب ، فان قولهم (عليهمالسلام) في جملة من
تلك الأخبار (4) «شك فلم يدر
سجد أم لم يسجد». يعنى لم يعلم سجد أم لا ، وهو شامل لظن السجود فان عدم العلم أعم
من ان يكون مترددا أو مرجحا لأحدهما ترجيحا لا يبلغ حد العلم وهو الظن عندهم.
وأصرح من ذلك قولهم (عليهمالسلام) في بعض تلك
الأخبار (5) «يسجد
__________________
ذكر مجموع الرواية في الوسائل بالتقطيع في الباب 14 من السجود
رقم (1) والباب 15 منه رقم «14» كما صنع كذلك في الوافي فأورد الفرع الأول في باب
السهو في السجود والثاني في باب الشك في الاجزاء. وقد روى الشيخ في التهذيب الفرع
الأول عن الحسين ابن سعيد عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن ابى بصير عن ابى عبد
الله «ع» قبل صحيحة إسماعيل بن جابر برقم 598 ولم يرد فيها ذكر الفرع الثاني أصلا
وقد نقلها في الوسائل منه في الباب 14 من السجود برقم «4» وأوردها في الوافي في
باب السهو في السجود. وكيف كان فالذي أورده في الوافي في البابين المذكورين ـ من
ان الشيخ روى في التهذيب عن ابى بصير الفرعين المتقدمين بالطريق المتقدم كما
رواهما عن سعد عن احمد بن محمد عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن إسماعيل بن جابر
عن ابى عبد الله «ع» ـ لم نقف عليه في التهذيب والوسائل وانما الموجود فيهما من
طريق ابى بصير هو الفرع الأول فقط.
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 13 من الركوع.
(2) الوسائل الباب 13 من الركوع.
(3) الوسائل الباب 13 من الركوع.
(4) ص 168.
(5) ص 168.
حتى يستيقن انهما سجدتان».
ومحل الاشكال المتفرع على القولين انه لو شك قبل تجاوز
المحل مع ظن الإتيان بما شك فيه فإنه على تقدير كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم)
يمضي في صلاته وعلى تقدير ما قلناه يأتي بما شك فيه وان ظنه حتى يستيقن الإتيان به
، وفي ما إذا تجاوز المحل لو ظن عدم الإتيان بما شك فيه فعلى كلام الأصحاب يجب
الإتيان به وعلى ما قلناه يمضى بمجرد تجاوز المحل وان ظن عدم الإتيان به ولا يلتفت
الى هذا الظن في الموضعين.
وبالجملة فإنك قد عرفت من كلام أهل اللغة ان الشك عبارة
عما يشمل الظن (1) بل ظاهرهم
الاتفاق عليه وظاهر هذه الأخبار يساعد ما ذكروه ولكن ظاهر الأصحاب كما عرفت.
والمسألة لذلك محل إشكال فإن الخروج عن ما ظاهرهم الاتفاق عليه مشكل وموافقتهم مع
ظهور الأدلة في خلاف ما ذهبوا إليه أشكل ، والاحتياط يقتضي العمل بما قلناه ثم
الإعادة من رأس. والله العالم.
(المقام الثاني) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) انه لا فرق في الحكمين المتقدمين بين ان يكون في الأولتين والأخيرتين ،
وقال الشيخ المفيد في المقنعة : وكل سهو يلحق الإنسان في الركعتين الأولتين من
فرائضه فعليه الإعادة. وحكى المحقق في المعتبر عن الشيخ قولا بوجوب الإعادة لكل شك
يتعلق بكيفية الأولتين كأعدادهما. ونقل في الذكرى عن الشيخين القول بالبطلان إذا
شك في أفعالهما كما إذا
__________________
(1) العبارة في الطبعة القديمة ظاهرة النقص وقد كتب في الهامش
في المقام العبارة التالية «كذا في عدة نسخ عندنا لكن الظاهر بمعونة آخر العبارة
انه سقط بعد قوله «الظن» مثل هذه العبارة : لكن المشهور بين الأصحاب ان المراد
بالشك هو بمعنى تساوي الطرفين فمخالفة ما اشتهر عندهم. والله العالم» وفي ما وقفنا
عليه من النسخ الخطية العبارة كما جاءت في هذه الطبعة ، ويظهر ان الناسخ قد انتقل
من كلمة «الاتفاق عليه» الاولى الى الثانية وأسقط ما بينهما.
شك في أعدادهما ، قال ونقله الشيخ عن
بعض القدماء من علمائنا ، ونقله في المختلف عن الشيخ وغيره ، قال نقل الشيخ وغيره
عن بعض علمائنا إعادة الصلاة بكل سهو يلحق الركعتين الأولتين سواء كان في أفعالهما
أو في عددهما وسواء كان في الأركان من الأفعال أو غيرها.
ويدل على المشهور ما تقدم من إطلاق الأخبار المتقدمة في
كل من الحكمين فإنها بإطلاقها شاملة للأولتين والأخيرتين ، وكذا إطلاق الأخبار
الدالة على صحة الصلاة بنسيان السجدة وقضائها بعد الصلاة. واما ما ظاهره المعارضة
كرواية المعلى ابن خنيس فقد تقدم الجواب عنها.
واما ما يدل على قول الشيخين ومن قبلهما فجملة من
الروايات الصحيحة التي لم يتنبه لها أحد من الأصحاب في ما اعلم :
ومنها ـ صحيحة زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «كان
الذي فرض الله على العباد من الصلاة عشر ركعات وفيهن القراءة وليس فيهن وهم ـ يعنى
سهوا ـ فزاد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) سبعا وفيهن
الوهم وليس فيهن قراءة فمن شك في الأولتين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين ، ومن شك
في الأخيرتين عمل بالوهم».
وإطلاقه شامل للاعداد والأفعال وانه لا بد في الأوليين
من اليقين فيهما فلا يكفي البناء على الظن كما عليه جمهور الأصحاب من انه لو ترجح
أحد طرفي ما شك فيه بنى عليه في الأوليين كان أو الأخيرتين. وظاهر هذا الخبر وكذا
ما يأتي من قبيله تخصيص ذلك بالأخيرتين.
ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة
عن ابى جعفر (عليهالسلام) (2) قال : «عشر
ركعات : ركعتان من الظهر وركعتان من العصر
__________________
(1) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة.
(2) الوسائل الباب 13 من أعداد الفرائض.
وركعتا الصبح وركعتا المغرب وركعتا
العشاء الآخرة لا يجوز الوهم فيهن ومن وهم في شيء منهن استقبل الصلاة استقبالا
وهي الصلاة التي فرضها الله تعالى على المؤمنين في القرآن ، وفوض الى محمد (صلىاللهعليهوآله) فزاد النبي (صلىاللهعليهوآله) في الصلاة
سبع ركعات هي سنة ليس فيهن قراءة انما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء ، والوهم انما
يكون فيهن».
وعن عبد الله بن سليمان العامري عن ابى جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «لما
عرج برسول الله (صلىاللهعليهوآله) نزل بالصلاة
عشر ركعات ركعتين ركعتين فلما ولد الحسن والحسين (عليهماالسلام) زاد رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) سبع ركعات.
الى ان قال وانما يجب السهو في ما زاد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فمن شك في
أصل الفرض في الركعتين الأولتين استقبل صلاته».
وعن عمر بن أذينة في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليهالسلام) في بعض اخبار
المعراج وهو طويل (2) قال (عليهالسلام) في آخره : «ومن
أجل ذلك صارت الركعتان الأولتان كلما حدث فيهما حدث كان على صاحبهما إعادتهما».
ونقل ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب حريز بن عبد
الله (3) قال : «قال
زرارة قال أبو جعفر (عليهالسلام) كان الذي فرض
الله من الصلاة عشرا فزاد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) سبعا وفيهن
السهو وليس فيهن قراءة فمن شك في الأولتين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين. الحديث»
،.
ولا يخفى ما في هذه الأخبار من الظهور في ما ادعاه أولئك
الأعلام. والمراد من الوهم المنفي فيها هو الظن كما تكرر في الأخبار من قولهم (عليهمالسلام) (4) «وان ذهب وهمك».
ونحوه.
__________________
(1) الوسائل الباب 13 من أعداد الفرائض.
(2) الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة.
(3) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة.
(4) الوسائل الباب 7 و 10 و 11 و 15 من الخلل في الصلاة.
ويدل على ذلك ايضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضل بن
عبد الملك (1) قال : «قال لي
إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد صلاتك».
وعن الوشاء (2) قال : «قال لي أبو الحسن الرضا (عليهالسلام) الإعادة في
الركعتين الأولتين والسهو في الركعتين الأخيرتين».
وبهذين الخبرين استدل في المدارك للشيخين ثم أجاب عنهما
بالحمل على حفظهما من الشك في العدد.
وأنت خبير بأنه لو خلينا وظاهر هذه الروايات التي
سردناها لأمكن تخصيص إطلاق الاخبار التي استدل بها للقول المشهور بهذه الأخبار
لأنها خاصة والقاعدة تقتضي تقديم العمل بها.
إلا انك قد عرفت من صحيحة زرارة المتقدمة في أدلة الحكم
الثاني من المقام الأول الدلالة على ان «من شك في التكبير وقد قرأ قال يمضى ومن شك
في القراءة وقد ركع قال يمضى» وهذا الشك لا يكون إلا في الأولتين مع انه (عليهالسلام) حكم بصحة
الصلاة والمضي فيها بعد تجاوز المحل ، ومفهومه الرجوع لو لم يتجاوز المحل كما يدل
عليه آخر الخبر وقد تقدم ، وهو ظاهر في عدم بطلان الأوليين بالشك في الأفعال.
ونحوها في ذلك رواية محمد بن منصور (3) قال : «سألته
عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شك فيها؟ فقال إذا خفت ألا تكون
وضعت وجهك إلا مرة واحدة فإذا سلمت سجدت سجدة واحدة وتضع وجهك مرة واحدة وليس عليك
سهو».
والشيخ أجاب عنها في التهذيب بان المراد بالركعة الثانية
يعنى من الركعتين الأخيرتين ، ولا يخفى ما فيه. وحينئذ فالواجب حمل إطلاق الأخبار
المتقدمة على
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة.
(3) الوسائل الباب 14 من السجود.
الاعداد خاصة واستثناء الشك في
الأفعال من عمومها بهذين الخبرين ، وانه لا بد في العمل بالأعداد من البناء على
اليقين فلو شك في عددهما ثم غلب عليه ظن أحد الطرفين فإنه لا يكفي في البناء عليه
خلافا لظاهر الأصحاب بل لا بد من اليقين فيهما كما صرحت به هذه الأخبار.
(المقام الثالث) ـ لا ريب في انه متى شك في فعل من
الأفعال وقد دخل في غيره فإنه يمضى وقبل الدخول فيه يرجع لكن هذه الأفعال التي
يترتب عليها هذا الحكم هل هي عبارة عن أفعال الصلاة المعدودة في كتاب الصلاة
المفردة بالتبويب من النية وتكبيرة الإحرام والقيام والقراءة والركوع والسجود
والتشهد مثلا أو ما هو أعم منها ومن مقدماتها كالهوي للركوع والهوى للسجود ولما
يركع ولما يسجد والنهوض للقيام ولما يستتم قائما والرفع من السجود لأجل التشهد
مثلا ونحو ذلك؟ ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في الروض الأول وهو ظاهر صحيحة زرارة
المتقدمة في أول روايات الحكم الثاني من المقام الأول وصحيحة إسماعيل بن جابر (1) المروية أيضا
عن ابى بصير (2).
ويدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد الله (3) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل رفع رأسه
من السجود فشك قبل ان يستوي جالسا فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال يسجد. قلت فرجل
نهض من سجوده فشك قبل ان يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال يسجد». وهي كما
ترى ظاهرة في انه بالدخول في مقدمات الفعل يجب عليه الرجوع ، وهو ظاهر في تخصيص
الغيرية التي يترتب عليها الحكم المذكور بنفس تلك الأفعال دون مقدماتها.
إلا انه قد روى ايضا هذا الراوي بعينه في الصحيح (4) قال : «قلت
__________________
(1) ص 170.
(2) ارجع الى التعليقة 4 ص 170.
(3) الوسائل الباب 15 من السجود.
(4) الوسائل الباب 13 من الركوع.
لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل أهوى إلى
السجود فلم يدر أركع أم لم يركع؟ قال قد ركع». وهو ظاهر المنافاة لخبره الأول.
والعجب ان صاحب المدارك قد عمل بكل من الخبرين فقال في
تعداد المواضع التي وقع الخلاف فيها في هذا المقام : الثاني ـ ان يشك في الركوع
وقد هوى إلى السجود ، والأظهر عدم وجوب تداركه لصحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد الله
، ثم أورد الصحيحة الثانية ، ثم قال : وقد قوى الشارح وجوب العود ما لم يصر الى حد
السجود وهو ضعيف. الى ان قال : الرابع ـ ان يشك في السجود وقد أخذ في القيام ولما
يستكمله ، والأقرب وجوب الإتيان به كما اختاره الشهيدان لما رواه الشيخ في الصحيح
عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله ، ثم ذكر الصحيحة الاولى.
وأنت خبير بما فيه وذلك فان مقتضى القاعدة المنصوصة في
الاخبار وكلام الأصحاب من انه متى شك في شيء وقد دخل في غيره فلا يلتفت والا فإنه
يرجع هو ان مناط الرجوع الى المشكوك فيه وعدم الرجوع هو الدخول في ذلك الفعل الآخر
وعدمه ، وحينئذ فإن صدق ذلك الغير على مقدمات الأفعال فما اختاره في الثاني جيد
للصحيحة المذكورة لكنه يرد عليه ان ما اختاره في الرابع ليس كذلك وان الصحيحة التي
أوردها مما يجب تأويلها ، وان لم يصدق ذلك الغير على المقدمات بل يختص بالأفعال
المعدودة أو لا كان الأمر بالعكس. وبالجملة فإن الروايتين المذكورتين قد تعارضتا
في هذا الحكم فالقول بهما قول بالمتناقضين.
واما ما أجاب به المحدث الكاشاني في الوافي ـ عن تعارض
هاتين الروايتين حيث قال ـ بعد ذكر الصحيحة الأولى أولا ثم الثانية ثانيا ـ ما
لفظه : (ان قيل) ما الفرق بين النهوض قبل استواء القيام والهوى للسجود قبل السقوط
له؟ حيث حكم في الأول في حديث البصري بالإتيان بالسجود المبتني على بقاء محله وحكم
في الثاني هنا بالمضي المبتني على تجاوز وقت الركوع (قلنا) الفرق بينهما ان الهوى
للسجود مستلزم للانتصاب الذي منه أهوى له والانتصاب فعل آخر غير الركوع وقد
دخل فيه وتجاوز عن محل الركوع ، بخلاف
النهوض قبل ان يستتم قائما فإنه بذلك لم يدخل بعد في فعل آخر. انتهى ـ
فالظاهر ضعفه (أما أولا) فلاستلزامه انه لو شك في حال
القيام قبل الهوى للسجود في انه ركع أم لا انه يمضى ولا يركع مع انه لا خلاف نصا
وفتوى في انه يجب عليه الركوع في الصورة المذكورة فكيف يتم ما ادعاه من ان
الانتصاب فعل آخر يمضى مع الدخول فيه وانه تجاوز وقت الركوع؟
و (اما ثانيا) فان آخرية القيام وغيريته بالنسبة إلى
الركوع انما تثبت لو كان مرتبته التأخر عنه كما هو في سائر الأفعال التي يجب المضي
فيها بالشك في ما قبلها ، وهو هنا غير معلوم لجواز ان يكون هذا القيام الذي أهوى
عنه الى السجود انما هو القيام الذي يجب أن يركع عنه ، وهذا هو السبب في وجوب
الركوع لو شك وهو قائم كما هو مدلول الأخبار وكلام الأصحاب. وبالجملة فتوجيهه عندي
غير موجه كما لا يخفى على التأمل.
واما ما جرى عليه السيد السند (قدسسره) ـ من القول
بالروايتين المذكورتين فأفتى في صورة الشك في الركوع وقد أهوى إلى السجود بأن
الأظهر عدم وجوب تداركه للصحيحة التي ذكرها وافتى في ما إذا شك في السجود وقد أخذ
في القيام ولما يستكمله بأن الأقرب وجوب الإتيان به ـ
فقد عرفت ما فيه ، وحينئذ فلا يخلو اما ان يخص ذلك الفعل
الذي يتصل (1) بالدخول فيه
بتلك الأفعال المعهودة التي أشرنا إليها آنفا كما هو ظاهر الشهيدين ، وحينئذ فيجب
الرجوع بالدخول في مقدماتها ، ولهذا ذهب جده كما نقل عنه في الموضع الثاني إلى
وجوب العود ما لم يصر الى حد السجود حيث انه يخص الفعل
__________________
(1) هكذا في النسخة المطبوعة ، وفي ما وقفنا عليه من المخطوطة
هكذا «الذي بالدخول فيه» من دون كلمة «يتصل» والظاهر سقوط كلمة «يمضي» ونحوها بان
تكون العبارة هكذا «الذي يمضى بالدخول فيه».
الموجب للمضى بتلك الأفعال المعدودة ،
وعلى هذا فيجب تأويل صحيحة عبد الرحمن الدالة على المضي في الصورة المذكورة ، أو
انه يقول بالعموم لمقدمات تلك الأفعال فيجب المضي في الصورتين ، وحينئذ يجب تأويل
صحيحة عبد الرحمن الأخرى أو القول بها وتخصيصها بموردها والعمل في ما عدا هذا
الموضع بإطلاق الأخبار المتقدمة من صحيحتي زرارة وإسماعيل بن جابر ونحوهما باعتبار
صدق الغيرية في المقدمات.
إذا عرفت هذا فاعلم ان الذي يقرب عندي هو القول بالفرق
بين الأفعال المشار إليها آنفا وبين مقدماتها وانه لا يجب عليه المضي إلا بالدخول
في تلك الأفعال وفاقا للشهيدين اما بالدخول في مقدماتها فإنه يرجع عملا بصحيحة عبد
الرحمن الاولى
وما ذكروه ـ من عموم تلك الأخبار المتقدمة مثل صحيحتي
زرارة وإسماعيل بن جابر ونحوهما باعتبار صدق الغيرية على مقدمات الأفعال وقد جعل (عليهالسلام) المناط في
المضي هو الدخول في الغير والغيرية ثابتة في تلك المقدمات ـ فهو وان تم في بادئ
النظر إلا انه بالتأمل في الاخبار المذكورة ليس كذلك ، وذلك فان قوله (عليهالسلام) في صحيحة
إسماعيل بن جابر (1) «ان شك في
الركوع بعد ما سجد فليمض وان شك في السجود بعد ما قام فليمض». يدل بمفهومه الشرطي
الذي هو حجة عند المحققين على عدم المضي قبل ذلك وانه ليس هنا حد يوجب المضي في
الأول قبل السجود وفي الثاني قبل القيام ، وحينئذ فقوله «كل شيء شك فيه مما قد
جاوزه ودخل في غيره» وان كان مطلقا كما تمسك به الخصم إلا انه يجب تقييده بما دل
عليه صدر الخبر. وهذا المعنى قد وقع
في صحيحة زرارة (2) على وجه ظاهر في ما ذكرناه حيث قال :
«يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء». فإن عطف قوله «دخلت
في غيره» ب «ثم» الدالة على المهلة والتراخي يشعر بوجود واسطة بين الدخول والخروج
كما هو موجود في تلك الأفعال المعدودة في الرواية ،
__________________
(1) ص 170.
(2) ص 170.
وإلا فالخروج عن الشيء مستلزم للدخول
في غيره والتلبس به البتة فلا معنى لهذا التراخي والمهلة المدلول عليها ب «ثم» لو
كان المراد ما هو أعم من الأفعال ومقدماتها
ولعل الإجمال في الاخبار انما وقع بناء على معلومية
الحكم يومئذ كما هو الآن معلوم بين الفقهاء فإنهم يعدون أفعال الصلاة ويفسرونها
بهذه الأفعال المشار إليها آنفا المخصوصة بالبحث والتبويب في الكتب الفقهية وكذا
في الاخبار.
وبالجملة فصحيحة عبد الرحمن الاولى صريحة في هذا الحكم
فيحمل عليها إجمال هذين الخبرين بالتقريب الذي ذكرناه.
واما صحيحته الثانية الدالة على انه متى شك حال الهوى
للسجود في انه ركع قال (عليهالسلام) «قد ركع»
فالذي يقرب عندي انها ليست من محل البحث في شيء بل هي محمولة على كثير السهو ،
ولعله (عليهالسلام) علم ذلك من
قرينة الحال والسؤال يومئذ أو ان ذلك مجرد وسواس.
ومما يدفع الاستبعاد عما ذكرنا صحيحة الفضيل المتقدمة
قريبا (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) استتم قائما
فلا أدرى ركعت أم لا؟ قال بلى قد ركعت فامض في صلاتك فإنما ذلك من الشيطان». فإنه
لا إشكال في ان من شك في الركوع وهو قائم انه يجب عليه الركوع كما دلت عليه
الاخبار واتفقت عليه كلمة الأصحاب مع انه (عليهالسلام) أمره بالمضي
وحكم بأنه ركع ونسب شكه الى مجرد الوسواس.
ومما يستأنس به لذلك ايضا قوله (عليهالسلام) في صحيحة
الفضيل المذكورة «بلى قد ركعت» وفي صحيحة عبد الرحمن ايضا (2) قال : «قد ركع»
مع ان الأمر بالمضي بعد تجاوز الفعل المشكوك لا يستلزم التمام وانه انما أمر
بالتجاوز لانه قد فعله بل وقع الأمر بذلك تسهيلا وتخفيفا في التكليف ودفعا لتسلط
الشيطان ، وفي هاتين الروايتين قد حكم بأنه ركع وهو كناية عن عدم الالتفات الى
الشك
__________________
(1) ص 169.
(2) ص 176 و 177.
بالكلية كما في كثير الشك. والله
العالم.
(المقام الرابع) ـ قد ذكر الأصحاب هنا مواضع وقع الخلاف
فيها في البين :
منها ـ ان يشك في قراءة الفاتحة وهو في السورة ، والظاهر
ان المشهور وجوب الإعادة لعدم تحقق التجاوز عن المحل فإن القراءة الشاملة لكل من
الفاتحة والسورة أمر واحد ، ويعضده ما تقدم (1) في صحيحة زرارة من قوله «شك في القراءة وقد ركع».
ونقل عن ابن إدريس انه قال لا يلتفت ، ونقله ايضا عن
الشيخ المفيد في رسالته الى ولده ، وهو الأقرب.
واليه مال في المعتبر ايضا حيث قال بعد ان نقل عن الشيخ
القول بوجوب الإعادة : ولعله بناء على ان محل القراءتين واحد وبظاهر الاخبار يسقط
هذا الاعتبار واعترضه في المدارك بأنه غير جيد ، قال : فإن الاخبار لا تدل على ما
ذكره بل ربما لاح من قوله : «قلت شك في القراءة وقد ركع» انه لو لم يركع لم يمض.
انتهى.
أقول : من المحتمل قريبا ان صاحب المعتبر انما أراد
بالأخبار الأخبار الواردة في القراءة مما يؤذن بمغايرة الحمد للسورة كالأخبار
الدالة على وجوب الحمد وانه لا تصح الصلاة إلا بها مع دلالة الاخبار على صحتها
بترك السورة في مقام العذر والضرورة والنافلة ، وكذا مع اختلافها في وجوبها
واستحبابها في الفريضة وجواز تبعيضها ، فان جميع ذلك مما يدل على المغايرة التي هي
مناط المضي ، وبالجملة فإن التسمية منفردة والأوامر الواردة في كل منهما مؤيدة
وأحكامهما المتغايرة شاهدة والى هذا القول يميل كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة
مستندا الى ثبوت الغيرية ودلالة الاخبار على انها هي المناط في المضي وعدم الرجوع.
واختاره ايضا شيخنا المجلسي في البحار مستندا الى الدليل المذكور ، وقبلهما المحقق
الأردبيلي
__________________
(1) ص 170.
(طاب ثراه) في شرح الإرشاد.
واما ما استند اليه في المدارك ـ من قوله (عليهالسلام) في صحيحة
زرارة «شك في القراءة وقد ركع» من دلالة مفهومه على عدم المضي لو لم يركع ـ ففيه
أولا ـ انه معارض بما اشتملت عليه الصحيحة المذكورة وغيرها من جعل مناط المضي
الغيرية وقد بينا ثبوتها بين الحمد والسورة.
وثانيا ـ ما أجاب به في الذخيرة حيث قال : حجة القول
الأول قوله (عليهالسلام) في صحيحة
زرارة (1) «قلت شك في
القراءة وقد ركع». فان التقييد بالركوع يقتضي مغايرة حكم ما قبل الركوع له. وقد
تعلق بهذا الوجه جماعة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) وهو ضعيف ، لان التقييد ليس
في كلامه (عليهالسلام) بل في كلام
الراوي فلا يصلح للاحتجاج ، على انه ليس في كلام الراوي أيضا حكم على محل الوصف
حتى يقتضي نفيه عما عداه بل سؤال عن حكم محل الوصف ولا دلالة في ذلك على شيء ،
سلمنا لكن دلالة المفهوم لا تعارض المنطوق. انتهى.
وربما استدل بعضهم للقول الأول بأن القراءة فعل واحد ،
وهو مردود بما ذكرناه من إثبات المغايرة ، على انه يطلق على جميع الأفعال اسم
الصلاة أيضا مع انه غير مانع من المغايرة في أفعالها اتفاقا.
أقول : القول بالفصل في المقام بناء على ما قدمنا تحقيقه
من حمل الغير الذي يجب المضي فيه على تلك الأفعال المعدودة هو وجوب الرجوع في
الصورة المذكورة وما استدل به في المدارك على ذلك صحيح والإيراد عليه بحديث
الغيرية قد عرفت جوابه. وجواب صاحب الذخيرة عن الخبر المذكور مدخول بان الاعتماد
في الاستدلال ليس على كلام السائل بل انما هو على جواب الامام (عليهالسلام) فإنه في قوة
قوله «إذا شك في القراءة وقد ركع فليمض» ومفهومه الشرطي الذي هو حجة عند المحققين
انه إذا لم يكن كذلك فلا يمضى. وبالجملة فإن تقرير الإمام السائل
__________________
(1) ص 170.
على ما ذكره وجوابه عنه بالمضي في قوة
قوله هو نفسه (عليهالسلام) بذلك. وقوله
ـ ان دلالة المفهوم لا تعارض المنطوق ـ مردود بما قدمنا تحقيقه من حمل الغير في
الرواية على تلك الأفعال المخصوصة جمعا بين الأخبار كما أوضحنا بيانه وشددنا
أركانه وبه يتجه قوة القول المشهور.
وما أبعد ما بين هذا القول الأخير وبين ما نقل عن
العلامة من وجوب العود الى السجود عند الشك فيه بعد القراءة ما لم يركع ، نقله عنه
في الروض.
بقي الكلام في الآيات في كل من الفاتحة والسورة ،
والظاهر من المحقق الأردبيلي القول بالمضي أيضا لحصول المغايرة ، وبه صرح ايضا
الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث قال بعد نقل كلام في المقام : ومما ذكرنا يظهر ان
الشك في أبعاض الحمد أو السورة بعد التجاوز عنه والدخول في بعض آخر حكمه عدم
الالتفات. انتهى.
ونفى عنه البعد شيخنا المجلسي (قدسسره) في البحار
إلا انه قال : ويمكن ان يقال الرجوع هنا أحوط إذ القرآن والدعاء غير ممنوع في
الصلاة ودخول ذلك في القرآن الممنوع غير معلوم. انتهى.
والمسألة لا تخلو من توقف إذ الظاهر ان الأمر لا يبلغ
الى هذا المقدار وإلا لجرى في الحروف في الكلمة الواحدة ايضا كأن يشك في إخراج
الحرف الأول من الكلمة من مخرجه أو تشديده أو إعرابه بعد انتقاله الى آخرها ، وهو
بعيد لا أظن أحدا يلتزمه خصوصا على القول بتغيير الفعل الموجب للمضى فيه بتلك
الأفعال المعدودة خاصة كما هو ظاهر الشهيدين وتخصيص الغيرية به أو مع العموم
لمقدمات تلك الأفعال ، واما البلوغ في الغيرية الموجبة للمضى الى هذا الحد من
الآيات في السورة الواحدة فمشكل والأخبار تقتضي الرجوع كما ذكره شيخنا المشار اليه
آنفا. والله العالم.
ومنها ـ الشك في السجود وهو في التشهد أو بعد ما تشهد
وقبل الاستكمال قائما ، ومقتضى ما قدمناه من التحقيق هو عدم الرجوع لان التشهد أحد
أفعال
الصلاة المعدودة مع ثبوت الغيرية
بالدخول فيه ، وبه صرح الشيخ في المبسوط وجملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم).
وظاهر شيخنا الشهيد في الذكرى هو الرجوع في الصورة
المذكورة استنادا الى قوله (عليهالسلام) في صحيحة عبد
الرحمن بن ابى عبد الله المتقدمة (1) «رجل نهض من
سجوده فشك قبل ان يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال يسجد». فإنه مطلق في
العود الى السجود قبل استكمال القيام فيشمل ما لو كان بعد السجود تشهد أم لم يكن.
قال (قدسسره) في الكتاب
المذكور : لو شك في السجود وهو متشهد أو قد فرغ منه ولم يقم أو قام ولم يستكمل
القيام يأتي به ، وكذا لو شك في التشهد يأتي به ما لم يستكمل القيام لأصالة عدم
فعل ذلك كله وبقاء محل استدراكه ، ولرواية عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق (عليهالسلام) (2) «في رجل نهض من
سجوده فشك قبل ان يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ فقال يسجد». انتهى.
ورده جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بحمل الخبر
المذكور على ما إذا كان النهوض بعد السجود من غير تشهد في البين ، ولا ريب انه هو
ظاهر الخبر المذكور لقوله في الخبر : «رجل نهض من سجوده فشك» فان عطف الشك على
النهوض بالفاء المقتضية للتعقيب بغير مهلة ظاهر في عدم تخلل التشهد بينهما ، هذا مع
دلالة صحيحة زرارة وإسماعيل بن جابر على المضي بالدخول في الغير وغيرية التشهد
للسجود أمر ظاهر. وبالجملة فالظاهر بعد ما ذكره (قدسسره) والله
العالم.
ومنها ـ الشك في الركوع وهو هاو الى السجود ولم يسجد ،
وقد صرح في
__________________
(1) ص 176 وفي الوسائل الباب 15 من السجود.
(2) الوسائل الباب 15 من السجود. والراوي لهذه الرواية ـ كما
في التهذيب ج 1 ص 189 والوافي باب الشك في اجزاء الصلاة والوسائل ـ هو عبد الرحمن
بن ابى عبد الله لا عبد الرحمن بن الحجاج.
المدارك بأن الأظهر عدم وجوب تداركه لصحيحة
عبد الرحمن بن ابى عبد الله المتقدمة (1) الواردة «في رجل أهوى إلى السجود فلم
يدر أركع أم لم يركع؟ قال قد ركع». وقد صرح جده في الروض بان الواجب هو العود ما
لم يصر الى حد السجود ، وهو الذي استظهرناه في ما تقدم وبينا حمل الرواية المذكورة
على غير ما ادعاه السيد المشار اليه ههنا. ويزيده تأييدا قوله (عليهالسلام) في صحيحة
إسماعيل بن جابر (2) «ان شك في
الركوع بعد ما سجد فليمض». فان مفهومه انه لو لم يسجد فلا يمضى بل يعود. ونحوه
مفهوم صحيحتي حماد ومحمد بن مسلم المذكورتين آنفا (3)
ومنها ـ الشك في السجود أو التشهد بعد ان قام واستكمل القيام
، والأشهر الأظهر المضي لأن القيام فعل آخر فيمضي بالدخول فيه حسبما دلت عليه
الروايات المتقدمة.
قال في الذكرى : وبه قال الشيخ في المبسوط. ثم نقل عنه
انه قال في النهاية يرجع الى السجود والتشهد ما لم يركع إذا شك في فعله.
وفي المدارك نقل هذا القول عن المبسوط حيث قال : وقال
الشيخ في المبسوط يرجع الى السجود والتشهد ما لم يركع. وهو بعيد جدا. انتهى.
أقول : وكل من النقلين لا يخلو من خلل وسهو ، اما ما
نقله في المدارك عن المبسوط فليس كذلك بل كلامه فيه صريح في موافقة القول المشهور
كما ذكره في الذكرى ، وهذه عبارته في المبسوط ، وان شك في القراءة في حال الركوع
أو في الركوع في حال السجود أو في السجود في حال القيام أو في التشهد الأول وقد
قام إلى الثالثة فإنه لا يلتفت.
واما ما نقله في الذكرى عن النهاية فهو كذلك بالنسبة إلى
السجود خاصة دون التشهد ، حيث قال في الكتاب المذكور : فان شك في السجدتين وهو
قاعد أو قد قام قبل أن يركع عاد فسجد السجدتين. الى ان قال : ومن شك في التشهد وهو
__________________
(1) ص 76 و 177.
(2) ص 170.
(3) ص 171.
جالس فليتشهد فان كان شكه في التشهد
الأول بعد قيامه إلى الثالثة مضى في صلاته وليس عليه شيء.
ثم انه في الذكرى بعد ان نقل عن النهاية القول المتقدم
ذكره احتج له بحسنة الحلبي عن الصادق (عليهالسلام) (1) «في رجل سها
فلم يدر سجد سجدة أم اثنتين؟ قال يسجد اخرى. الحديث». وقد تقدم ، قال وهو يشمل
الشاك بعد القيام كما يشمل الشاك في الجلوس. ثم قال : وجوابه الحمل على الشك ولما
يقم توفيقا بين الأخبار. انتهى. وهو جيد ، ونحن قد أشرنا الى هذا الحمل ذيل
الرواية المذكورة في ما تقدم.
ونقل العلامة في النهاية والشهيد في الذكرى عن القاضي
انه فرق في بعض كلامه بين السجود والتشهد فأوجب الرجوع بالشك في التشهد حال قيامه
دون السجود وفي موضع آخر سوى بينهما في عدم الرجوع. وحمل على انه أراد بالشك في
التشهد تركه ناسيا لئلا يتناقض كلامه.
وقد تقدم النقل عن العلامة انه أوجب العود الى السجود
عند الشك فيه بعد القراءة ما لم يركع. ولو حمل كلامه على السهو وأراد السهو كما
حمل عليه كلام القاضي لكان وجها ، ويدل صريحا على وجوب المضي بالشك في السجود بعد
القيام قوله (عليهالسلام) في صحيحة
إسماعيل بن جابر المتقدمة (2) «وان شك في
السجود بعد ما قام فليمض». والله العالم.
ومنها ـ ما لو شك في القراءة وهو قانت ، وظاهر شيخنا
الشهيد الثاني في الروض الميل الى وجوب الرجوع بناء على تخصيص المضي بالأفعال
المعدودة المتقدمة التي هي واجبات الصلاة.
قال (قدسسره) : مقتضى
الصحيحتين عدم وجوب العود ومفهوم قوله (عليهالسلام) في خبر زرارة
(3) «قلت شك في
القراءة وقد ركع؟ قال يمضى».
انه لو لم يكن
__________________
(1) الوسائل الباب 15 من السجود.
(2) ص 170.
(3) ص 170.
ركع يعود فيدخل فيه ما لو كان قانتا ،
وخبر عبد الرحمن يقتضيه أيضا فإن العود الى الفعل مع الشروع في واجب وان لم يكن
مقصودا بالذات قد يقتضي العود مع الشروع في المندوب بطريق اولى. ويمكن أن يقال هنا
ان القنوت ليس من أفعال الصلاة المعهودة فلا يدخل في الخبرين. ثم قال : ولا يكاد
يوجد في هذا المحل احتمال أو إشكال إلا وبمضمونه قائل من الأصحاب. انتهى.
أقول : اما ما ذكره من ان مقتضى الصحيحتين ـ يعنى صحيحتي
زرارة وإسماعيل ابن جابر ـ ذلك فهو جيد من حيث الغيرية ويعضده انه فعل آخر من
أفعال الصلاة وان لم يكن من الواجبات المعدودة.
واما الاستناد إلى صحيحة زرارة المذكورة في وجوب العود
في غير ظاهر ، وذلك فان الظاهر من سؤالات زرارة في هذا الخبر الترتيب فيها وان
مراده بالقراءة والركوع انما هو باعتبار الركعة الأولى التي لا قنوت فيها ، وإدخال
الركعة الثانية وان أمكن باعتبار عموم الكلام أو إطلاقه لكن سياق الخبر يشعر بان
المراد انما هو الركعة الأولى ولا أقل أن يكون ما ذكرناه احتمالا يسقط به
الاستدلال في هذا المجال.
واما الاستناد الى خبر عبد الرحمن بالتقريب الذي ذكره
ففيه ان الأظهر ان يقال ـ باعتبار ما قدمه من الفرق بين الأفعال وبين مقدماتها وهي
التي أشار إليها هنا بأنها غير مقصودة بالذات من انه بالدخول في الأفعال يمضي
وبالدخول في المقدمات يرجع ـ ان الواجب هنا هو المضي لأن القنوت من جملة الأفعال
وان كان مستحبا على المشهور والرجوع مخصوص بالمقدمات والقنوت ليس كذلك ، والرجوع
والمضي ليس معلقا بالواجب وعدمه ليتجه هنا انه متى جاز الرجوع من الواجب وان لم
يكن مقصودا ذاتيا جاز من المستحب بطريق اولى بل المناط فيه انما هو آخرية الفعل
وكونه فعلا مستقلا ليس مقدمة لغيره واجبا كان أو مستحبا.
فروع
الأول ـ لو تدارك ما شك فيه في محله ثم ذكر فعله
فالمشهور انه ان كان ركنا أعاد للزوم زيادة ركن في الصلاة وان كان واجبا آخر فلا
بأس سجدة كان أو غيرها وقال المرتضى (رضى الله عنه) : ان شك في سجدة فاتى بها ثم
ذكر فعلها أعاد الصلاة وهو قول ابى الصلاح وابن ابى عقيل ، ولعله لقولهم بركنية
السجدة الواحدة ، إلا ان الدليل عليه غير ناهض بالدلالة.
ويدل على عدم الإبطال بزيادة السجدة صحيحة منصور بن حازم
عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن رجل صلى فذكر انه زاد سجدة؟ فقال لا يعيد صلاة من سجدة ويعيدها من ركعة».
وموثقة عبيد بن زرارة (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل شك
فلم يدر أسجد ثنتين أم واحدة فسجد اخرى ثم استيقن انه قد زاد سجدة؟ فقال لا والله
لا تفسد الصلاة زيادة سجدة ـ وقال لا يعيد صلاته من سجدة ويعيدها من ركعة».
الثاني ـ لو تلافى ما شك فيه بعد الانتقال فالظاهر
البطلان كما صرح به جملة من الأصحاب ان تعمد ذلك ، وعللوه بالإخلال بنظم الصلاة ،
ولأن المأتي به ليس من أفعال الصلاة. وقال في الذخيرة بعد نقل ذلك : وفيه تأمل نعم
يتوقف تحصيل البراءة اليقينية من التكليف على ترك التدارك. انتهى. واحتمل الشهيد
في الذكرى عدم البطلان بناء على ان ترك الرجوع رخصة.
أقول : لا ريب أن الأخبار المتقدمة قد اتفقت على الأمر
بالمضي فالواجب حينئذ هو المضي ، وحمل ذلك على الرخصة تخرص لا دليل عليه بل هو
خلاف ظاهر النصوص والعبادات توقيفية ، وهذا هو الذي رسمه صاحب الشريعة (صلى الله
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 14 من الركوع.
عليه وآله) فيها فالخروج عنه من غير
دليل يدل عليه تشريع محض موجب لبطلان العبادة. والله العالم.
الثالث ـ لو شك في الركوع وهو قائم فركع ثم ذكر في أثناء
الركوع انه قد ركع سابقا فالمشهور بين المتأخرين بطلان الصلاة ، وذهب الكليني في
الكافي والشيخ والمرتضى وابن إدريس إلى أنه يرسل نفسه الى السجود ولا شيء عليه.
حجة الأولين انه قد زاد ركوعا إذ ليس رفع الرأس جزء من
الركوع.
وقال في الذكرى بعد نقل القول الثاني : وهو قوي لأن ذلك
وان كان بصورة الركوع إلا انه في الحقيقة ليس بركوع لتبين خلافه ، والهوى إلى
السجود مشتمل عليه وهو واجب فيتأدى الهوي إلى السجود به فلا تتحقق الزيادة حينئذ
بخلاف ما لو ذكر بعد رفع رأسه من الركوع فإن الزيادة حينئذ متحققة لافتقاره إلى
هوي السجود قال في المدارك بعد نقله ذلك : ولا يخفى ضعف هذا التوجيه نعم يمكن
توجيهه بان هذه الزيادة لم تقتض تغيير الهيئة الصلاة ولا خروجا عن الترتيب الموظف
فلا تكون مبطلة وان تحقق مسمى الركوع لانتفاء ما يدل على بطلان الصلاة بزيادته على
هذا الوجه من نص أو إجماع. ولا يشكل ذلك بوجوب إعادة الهوي للسجود حيث لم يقع
بقصده وانما وقع بقصد الركوع ، لأن الأظهر ان ذلك لا يقتضي وجوب إعادته كما يدل
عليه فحوى صحيحة حريز المتضمنة لان من سها في الفريضة فأتمها على انها نافلة لا
يضره (1) وقد ظهر بذلك
قوة هذا القول وان كان الإتمام ثم الإعادة طريق الاحتياط. انتهى.
أقول : ومرجع ما ذكره جملة من المتأخرين في توجيه كلام
المتقدمين مما نقلناه وما لم ننقله يرجع الى وجوه : (أحدها) ان الانحناء الخاص
مشترك بين الركوع والهوى إلى السجود وانما يتميز الأول عن الثاني بالرفع منه ولم
يثبت ان مجرد القصد يكفي في كونه ركوعا فإذا لا يلزم زيادة الركن. و (ثانيها) ما
ذكره الشهيد في
__________________
(1) الوسائل الباب 2 من النية.
الذكرى. و (ثالثها) ما ذكره في
المدارك. و (رابعها) انه بعد تسليم تحقق الزيادة فإن المنساق الى الذهن مما دل على
ان الزيادة في الصلاة مبطلة وكذا ما دل على ان زيادة الركوع مبطلة غير هذا النحو
من الزيادة.
ولا يخفى ما في الجميع من الوهن والضعف فان بناء الأحكام
الشرعية التي استفاضت الآيات والروايات بوجوب كونها عن علم ويقين بمثل هذه
التخريجات الضعيفة والتقريبات السخيفة لا يخلو من المجازفة في أحكام سبحانه.
والظاهر ان الحامل لهم على ارتكاب هذه التكلفات في توجيه
القول المذكور هو ذهاب صاحب الكافي اليه وإفتاؤه به وإلا فإنهم لا يعبأون بأقوال
الشيخ والمرتضى ونحوهما ولا يحافظون عليها ويتكلفون تصحيحها ان لم يقابلوها بالرد
والاعتراض.
أقول : ان الله لا يستحيى من الحق ، فإن كان صاحب الكافي
إنما افتى بذلك لنص وصل اليه ـ وهو الظاهر لأنه من أرباب النصوص ـ فان حكمنا في
ذلك غير حكمه لعدم وصول النص إلينا وعدم وجوب تقليده علينا ، وان كان انما هو
لمجرد استنباط كما ذهب اليه غيره فالأمر أظهر من ذلك. نعم لو كان لهذه الفتوى شهرة
في كلام غيره من المعاصرين له والمتقدمين عليه والمتأخرين عنه من المتقدمين لأمكن
الاعتماد عليها كما تقدم التصريح به في صدر كتاب الطهارة في المقدمة التي في
الإجماع
وكيف كان فكلام المتأخرين وما عللوا به الإبطال لا يخلو
من قوة كما اعترف به هؤلاء المخالفون في المسألة في غير موضع ـ إلا انه لعدم النص
في المسألة فالواجب فيها الاحتياط بالإتمام كما ذكره القائلون بالصحة ثم الإعادة
كما ذكره الآخرون فإن المسألة عندي من المتشابهات الواجب فيها الاحتياط. والله
العالم.
الرابع ـ قد عرفت ان ضابط التجاوز عن المحل في الشك هو
الشروع في فعل موضعه بعد ذلك الفعل ركنا كان أو غيره ، بقي الكلام في التخصيص
بأفعال مخصوصة أو ما هو أعم وقد تقدم الكلام فيه.
وضابط التجاوز في السهو فوت المحل بان يدخل في ركن يكون
بعد ذلك المنسي أو يكون تداركه مستلزما لتكرار ركن أو تكرار جزء من ركن ، أما
تكرار الركن فكنسيان ذكر الركوع حتى رفع رأسه منه وانتصب قائما ، وكذا نسيان
الطمأنينة فيه ، فان تدارك ذلك موجب لتكرار الركوع. واما تكرار جزء من الركن فهو
كنسيان ذكر احدى السجدتين وتذكره بعد الرفع ، فان العود اليه وان لم يوجب تكرار
الركن لكن يوجب تكرار جزء منه فإن السجدة الواحدة جزء من الركن وهو السجدتان ،
وحينئذ فليس لناسي ذكر الركوع أو الطمأنينة فيه حتى ينتصب الرجوع فيه ولا لناسي
الرفع من الركوع أو الطمأنينة في الرفع حتى يسجد الرجوع وكذا ناسي الذكر في
السجدتين حتى رفع رأسه من السجدة الثانية أو الذكر في إحدى السجدتين أو السجود على
الأعضاء السبعة سوى الجبهة أو الطمأنينة فيهما أو في الجلوس بينهما أو إكمال الرفع
من السجدة الأولى حتى سجد ثانيا. وكذا لو شك في شيء من ذلك فليس له الرجوع الى
استدراك شيء من ذلك. ولا تبطل صلاته بتركها ولا يلزمه شيء سوى سجود السهو على
القول بكونه لكل زيادة ونقيصة.
والمستند في الجميع فوات محل التدارك وعدم الدليل على
الرجوع إليها أو على بطلان الصلاة بتركها ناسيا ، وقد وردت جملة من الروايات بخصوص
بعض هذه المواضع. والله العالم.
الخامس ـ لو شك بعد رفع رأسه من الركوع هل وصل الى حد
الراكع أم لا؟ مع جزمه بتحقق الانحناء في الجملة وكون هويه بقصد الركوع فالأقرب
العود ، لانه يرجع الى حكم الشاك في الركوع قائما وقد صرحت الأخبار بوجوب الرجوع
عليه وكذا صرح الأصحاب.
ومن الأخبار صحيحة عمران الحلبي (1) قال : «قلت
الرجل يشك وهو قائم فلا يدرى أركع أم لا؟ قال فليركع».
__________________
(1) الوسائل الباب 13 من الركوع.
واحتمل بعض مشايخنا عدم العود لرواية الفضيل بن يسار (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) استتم قائما
فلا أدرى ركعت أم لا؟ فقال بلى قد ركعت فامض في صلاتك فإنما ذلك من الشيطان».
وقد قدمنا الكلام في هذا الخبر وانه لا يصلح لمعارضة تلك
الأخبار الناصة على وجوب الرجوع المعتضدة بكلام الأصحاب وبينا ان الظاهر حمله على
كثير الشك فان الغالب ان مثل هذا الشك لا يصدر الا منه ، وقوله (عليهالسلام) «فإنما ذلك
من الشيطان» ظاهر في التأييد لما قلناه. وربما حمل الخبر المذكور على القيام من
السجود أو التشهد. وهو وان كان لا يخلو عن بعد إلا انه لضرورة الجمع بين الأخبار
غير بعيد ، وكم مثله بل أبعد منه في أمثال هذه المقامات ولا سيما في كلام الشيخ (قدسسره) والله
العالم.
(المسألة الثالثة) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) في بطلان الصلاة بالشك في عدد الأوليين.
وقد نقل الأصحاب من العلامة فمن بعده عن الصدوق هنا ايضا
القول بجواز البناء على الأقل ، قال العلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى انه قول
علمائنا أجمع إلا أبا جعفر ابن بابويه فإنه قال : «لو شك بين الركعة والركعتين فله
البناء على الأقل» وتناقل هذه العبارة عن الصدوق جملة من تأخر عنهم كصاحب المدارك
وغيره مع انا لم نقف عليها في كلامه بل الموجود فيه ما يخالفها ويطابق القول
المشهور.
وهذا الموضع الثاني من مواضع نقولاتهم المختلفة عنه (رضى
الله عنه) في هذا المقام فإنه قال في كتاب الفقيه : والأصل في السهو ان من سها في
الركعتين الأولتين من كل صلاة فعليه الإعادة ومن شك في المغرب. الى آخر ما قدمناه
عنه في صدر المسألة الاولى.
ولا يخفى ان مراده بالسهو هنا ـ كما ذكره ايضا المحقق
المشهور بخليفة سلطان
__________________
(1) الوسائل الباب 13 من الركوع.
في حواشيه على الكتاب ـ انما هو الشك
بقرينة ما بعد العبارة المذكورة ، قال المحقق المذكور : الظاهر ان المراد الشك في
عدد الأولتين لا كل سهو وقع فيهما فإنه لو كان السهو فيهما عن غير الركن أو عن
الركن وتمكن من استدراكه في محله فليس عليه إعادة الصلاة. انتهى.
أقول : ويوضح ذلك قوله في آخر العبارة : ومعنى الخبر
الذي روى (1) «ان الفقيه لا
يعيد الصلاة». انما هو في الثلاث والأربع لا في الأولتين. وهو كما ترى صريح في
حكمه بوجوب الإعادة بالشك في الأولتين. هذا كلامه في الكتاب المذكور وقال أيضا في
كتاب المقنع : إذا لم تدر واحدة صليت أم اثنتين فأعد الصلاة وروى ابن على ركعة.
انتهى. وهو كما ترى صريح في الفتوى بوجوب الإعادة كما عليه الأصحاب (رضوان الله
عليهم) وانما نسب البناء على الأقل إلى الرواية.
ففي أي موضع هذه العبارة التي نقلوها عنه وتبع المتأخر
فيها المتقدم؟ وهذا كلامه في الكتابين صريح في موافقة الأصحاب (رضوان الله عليهم)
وجل الروايات الواردة في الباب ، ما هذا إلا عجب عجاب من هؤلاء الفضلاء الأطياب.
ونحوه ما سيأتي ان شاء الله تعالى أيضا في المقام.
ونقل في الذكرى عن الشيخ على بن بابويه انه قال : إذا شك
في الركعة الاولى والثانية أعاد ، وان شك ثانيا وتوهم الثانية بنى عليها ثم احتاط
بعد التسليم بركعتين قاعدا ، وان توهم الأولى بنى عليها وتشهد في كل ركعة ، فإن
تيقن بعد التسليم الزيادة لم يضر لان التسليم حائل بين الرابعة والخامسة ، وان
تساوى الاحتمالان تخير بين ركعة قائما وركعتين جالسا. انتهى. ثم قال في الذكرى : وأطبق
الأصحاب (رضوان الله عليهم) على الإعادة ولم نقف له على رواية تدل على ما ذكره من
التفصيل.
__________________
(1) الفقيه ج 1 ص 225 وفي الوسائل الباب 1 رقم (5) والباب 9
رقم (3) والباب 29 رقم (1) من الخلل في الصلاة.
أقول : والذي يدل على القول المشهور وهو المؤيد المنصور
جملة من الأخبار المتكاثرة :
ومنها ـ ما رواه الشيخ عن الفضل بن عبد الملك في الصحيح (1) قال : «قال لي
إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد صلاتك».
وعن ابى بصير في الصحيح أو الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
سهوت في الركعتين الأولتين فأعدهما حتى تثبتهما».
وعن رفاعة في الصحيح (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل لا
يدرى أركعة صلى أم ثنتين؟ قال يعيد».
وما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن
أحدهما (عليهماالسلام) (4) قال : «قلت له
رجل لا يدرى واحدة صلى أم اثنتين؟ قال يعيد».
وعن الحسن بن على الوشاء (5) قال : «قال لي
أبو الحسن الرضا (عليهالسلام) الإعادة في
الركعتين الأولتين والسهو في الركعتين الأخيرتين».
وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (6) قال : «سألت
أبا جعفر (عليهالسلام) عن رجل شك في
الركعة الأولى؟ قال يستأنف».
وعن عنبسة بن مصعب (7) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا شككت في
الركعتين الأولتين فأعد».
وعن سماعة في الموثق (8) قال قال : «إذا سها الرجل في
الركعتين الأولتين من الظهر والعصر ولم يدر واحدة صلى أم ثنتين فعليه ان يعيد
الصلاة».
وعن إسماعيل الجعفي وابن ابى يعفور عن ابى جعفر وابى عبد
الله (عليهماالسلام) (9) انهما قالا : «إذا
لم تدر أواحدة صليت أم ثنتين فاستقبل».
هذه جملة ما حضرني من الأخبار الدالة على القول المشهور
وهي في دلالتها
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8 و 9) الوسائل الباب 1 من الخلل
في الصلاة.
واضحة الظهور لا يعتريها خلل ولا
قصور.
إلا انه قد ورد بإزائها بعض الأخبار الدالة على البناء
على الأقل واستدل من نسب بزعمه الى ابن بابويه القول بالبناء على الأقل بهذه
الأخبار وقد عرفت فساد النسبة وانها غلط بلا ريبة.
ومن الأخبار المشار إليها ما رواه الشيخ في الحسن عن
الحسين بن ابى العلاء (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل لا
يدرى أركعتين صلى أم واحدة؟ قال يتم».
وعن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليهالسلام) (2) قال : «في
الرجل لا يدرى ركعة صلى أم ثنتين؟ قال يبنى على الركعة».
وعن عبد الله بن ابى يعفور في الموثق (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل لا
يدرى أركعتين صلى أم واحدة؟ قال يتم بركعة».
وأجاب الشيخ عن هذه الأخبار (أولا) بأنها أخبار قليلة
وما تضمن الإعادة كثير جدا ولا يجوز العدول عن الأكثر إلى الأقل. و (ثانيا) بالحمل
على النافلة إذ لا تصريح فيها بكون الشك في الفريضة.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وهذا الحمل وان كان
بعيدا إلا انه لا بأس بالمصير اليه لضعف هذه الروايات من حيث السند ولو صح سندها
لأمكن القول بالتخيير بين البناء على الأقل والاستئناف كما اختاره ابن بابويه.
انتهى.
أقول : بل الحق في ذلك انما هو حمل هذه الأخبار على
التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كل بلية.
ويدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحة (4) بإسناده عن
عبد الرحمن بن عوف
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة.
(4) رواه الترمذي في صحيحة على هامش شرحه لابن العربي ج 2 ص
188 وحكاه العيني في عمدة القارئ ج 3 ص 749 عنه كما في تيسير الوصول ج 2 ص 260
ايضا ورواه البيهقي في السنن ج 2 ص 332 ، ورواه ابن تيمية في المنتقى على هامش
شرحه نيل الأوطار ج 3 ص 96 وذكر رواية أحمد وابن ماجة والترمذي له ولم يذكر
الشوكانى في الشرح رواية مسلم له كما لم يذكر ذلك في السنن ، ولم نجده في صحيح
مسلم في باب سجود السهو. ولكن في البحار ج 18 الصلاة ص 649 حكاه عن مسلم.
قال : «سمعت النبي (صلىاللهعليهوآله) يقول إذا سها
أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أم اثنتين فليبن على واحدة ، وان لم يدر اثنتين
صلى أم ثلاثا فليبن على اثنتين ، وان لم يدر ثلاثا صلى أم أربعا فليبن على ثلاث
ويسجد سجدتين قبل ان يسلم».
قال البغوي في شرح السنة بعد نقل الخبر المذكور : هذا
الحديث يشتمل على حكمين (أحدهما) انه إذا شك في صلاته فلم يدر كم ركعة صلى يأخذ
بالأقل. و (الثاني) ان محل سجدتي السهو قبل السلام. اما الأول فأكثر العلماء على
انه يبنى على الأقل ويسجد للسهو. الى آخر كلامه.
وبذلك يظهر بطلان ما ذكره من الاحتمال وان فرضنا صحة تلك
الأخبار وان الحمل على التقية كما هو القاعدة المنصوصة عن أهل العصمة (عليهمالسلام) مما لا ريب
فيه ولا اشكال ، وسيأتي ان شاء الله تعالى ما فيه مزيد إيضاح وتأييد لذلك بتوفيق
الملك المتعال.
هذا. واما ما ذكره الشيخ أبو الحسن على بن بابويه
واعترضه من وصل اليه كلامه بعدم الوقوف له على دليل فدليله انما هو كتاب الفقه
الرضوي على الطريق التي عرفت وستعرف في غير مقام حيث قال (عليهالسلام) في الكتاب
المذكور (1) «وان شككت في
الركعة الاولى والثانية فأعد صلاتك ، وان شككت مرة أخرى فيهما وكان أكثر وهمك إلى
الثانية فابن عليها واجعلها ثانية فإذا سلمت صليت ركعتين من قعود بأم الكتاب ، وان
ذهب وهمك إلى الأولى جعلتها الاولى وتشهدت في كل ركعة ، وان استيقنت بعد ما سلمت
ان التي بنيت عليها واحدة كانت ثانية
__________________
(1) ص 10.
وزدت في صلاتك ركعة لم يكن عليك شيء
لأن التشهد حائل بين الرابعة والخامسة وان اعتدل وهمك فأنت بالخيار ان شئت صليت
ركعتين من قيام وإلا ركعتين وأنت جالس».
ثم انه نقل في الذكرى ايضا عن الشيخ على بن بابويه على
اثر العبارة المتقدمة انه قال أيضا : فإن شككت فلم تدر واحدة صليت أم اثنتين أم
ثلاثا أم أربعا صليت ركعة من قيام وركعتين من جلوس. ثم قال : وربما استند إلى صحيحة
على بن يقطين عن ابى الحسن (عليهالسلام) (1) «عن الرجل لا
يدرى كم صلى واحدة أو اثنتين أم ثلاثا؟ قال يبنى على الجزم ويسجد سجدتي السهو
ويتشهد تشهدا خفيفا». قال : وظاهر الجزم الاحتياط بما ذكر لانه بناء على الأكثر ثم
التدارك. انتهى.
أقول : وهذا ايضا من قبيل ما قدمناه فإن عبارة الشيخ
المذكور عين عبارة الكتاب المشار إليه في هذا الموضع ايضا حيث قال (عليهالسلام) (2) : وان شككت
فلم تدر ثنتين صليت أم ثلاثا أم أربعا فصل ركعة من قيام وركعتين وأنت جالس ، وكذلك
ان شككت فلم تدر واحدة صليت أم ثنتين أم ثلاثا أم أربعا صليت ركعة من قيام وركعتين
وأنت جالس. انتهى.
وأنت خبير بان اعتماد الشيخ المشار اليه على الإفتاء
بعبارة الكتاب المذكور ـ في المسألة التي هي محل البحث في مقابلة تلك الاخبار
الصحاح الصراح المتكاثرة وترجيحه العمل بهذا التفصيل على ما دلت عليه تلك الأخبار
ـ أظهر ظاهر في صحة نسبة هذا الكتاب اليه (عليهالسلام) زيادة على
نسبة تلك الأخبار إليهم (عليهمالسلام) كما لا يخفى
، ومنه يظهر قوة الاعتماد على الكتاب المذكور والرجوع إليه في الأحكام الشرعية
لاعتماد هذا العمدة في رسالته من أولها إلى آخرها عليه كما أوضحناه في غير مقام
مما تقدم. وسيأتي مثاله في الأبواب الآتية والكتب التالية. والله العالم
(المسألة الرابعة) ـ لا خلاف بين الأصحاب (عطر الله
مراقدهم) في انه لو لم
__________________
(1) الوسائل الباب 15 من الخلل في الصلاة.
(2) ص 10.
يدر كم صلى فإنه يجب عليه الإعادة.
وقد نسبوا الى الصدوق أيضا في هذه المسألة الخلاف السابق
الذي زعموا قوله به ، قال في المدارك بعد ذكر هذا الحكم : ومقتضى كلام ابن بابويه
في كتاب من لا يحضره الفقيه جواز البناء على الأقل في مثل هذه المسألة أيضا. ونحوه
قال الفاضل الخراساني في الذخيرة.
أقول : الظاهر انه أشار في المدارك بقوله «ومقتضى كلام
ابن بابويه» الى ما قدمنا نقله عنه في المسألة السابقة من نقل تلك العبارة
المتقدمة عن الصدوق مع انك قد عرفت انه لا عين لها ولا اثر بل المصرح به فيه خلاف
ذلك ، وكذلك في هذا الموضع فإنه قد صرح فيه بما صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم)
حيث انه قال في الكتاب المذكور : ومن لم يدر كم صلى ولم يقع وهمه على شيء فليعد
الصلاة. انتهى. وهو عين ما افتى به الأصحاب ودلت عليه أخبار الباب.
ولا أدرى كيف اتفقوا على هذه النقولات الظاهرة الخلل
واجتمعوا على الوقوع في هذا الخلل والزلل وكتاب الفقيه بمنظر منهم وسيأتي مثله
ايضا.
نعم ربما ظهرت المخالفة في هذه المسألة من كلام والده في
الرسالة على ما تقدم نقله في الذكرى عنه من قوله : فان شككت فلم تدر واحدة صليت أم
اثنتين أم ثلاثا أم أربعا صليت ركعة من قيام وركعتين من جلوس. وقد قدمنا ان ذلك
مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي.
وكيف كان فالمعتمد هو القول المشهور لدلالة الأخبار
المتكاثرة عليه ، ومنها ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن صفوان عن ابى الحسن (عليهالسلام) (1) قال : «ان كنت
لا تدري كم صليت ولم يقع وهمك على شيء فأعد الصلاة».
وعن عبد الله بن ابى يعفور بإسنادين أحدهما في الصحيح أو
الحسن عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
شككت فلم تدر أفي ثلاث أنت أم في
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 15 من الخلل في الصلاة.
اثنتين أم في واحدة أم في أربع فأعد
ولا تمض على الشك».
وعن ابى بصير وزرارة بإسنادين أحدهما من الصحيح أو الحسن
(1) قالا : «قلنا
له الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدرى كم صلى ولا ما بقي عليه؟ قال يعيد. قلنا
فإنه يكثر عليه ذلك كلما أعاد شك؟ قال يمضى في شكه. الحديث».
وعن على بن النعمان الرازي في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) في حديث قال :
«إنما يعيد من لا يدرى ما صلى».
ويعضده ما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه
موسى بن جعفر (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن الرجل يقوم في الصلاة فلا يدرى صلى شيئا أم لا؟ فقال يستقبل».
ويدل عليه ايضا ما تقدم من الأخبار الدالة على بطلان
الصلاة مع عدم سلامة الأوليين (4).
إلا انه قد ورد بإزاء هذه الروايات ما يدل بظاهره على
جواز البناء على الأقل واستدل بها الصدوق بناء على زعمهم قوله بذلك.
ومن الأخبار المذكورة ما رواه الشيخ عن على بن يقطين في
الصحيح (5) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل لا
يدرى كم صلى واحدة أو اثنتين أم ثلاثا؟ قال يبنى على الجزم ويسجد سجدتي السهو
ويتشهد تشهدا خفيفا».
وحملها الشيخ على ان المراد بالجزم استئناف الصلاة وحمل
الأمر بالسجود على الاستحباب. وأجاب العلامة عنها بالحمل على من كثر سهوه. والجميع
بمحل من البعد وانما الوجه فيها الحمل على التقية كما قدمنا ذكره في سابق هذه
المسألة (6)
__________________
(1) الوسائل الباب 16 من الخلل في الصلاة.
(2) الوسائل الباب 3 و 15 من الخلل في الصلاة.
(3 و 5) الوسائل الباب 15 من الخلل في الصلاة.
(4) ص 194.
(6) ص 195 و 196.
فإنك قد عرفت ان الحكم عندهم البناء
على الأقل وسجود السهو.
وعن عنبسة بن مصعب (1) قال : «سألته عن الرجل لا يدرى
ركعتين ركع أو واحدة أو ثلاثا؟ قال يبنى صلاته على ركعة واحدة يقرأ فيها بفاتحة
الكتاب ويسجد سجدتي السهو».
وعن عبد الله بن المغيرة عن على بن أبي حمزة عن رجل صالح
(2) قال : «سألته
عن الرجل يشك فلا يدرى واحدة صلى أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا تلتبس عليه صلاته؟
قال كل ذا؟ قلت نعم. قال فليمض في صلاته ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم فإنه يوشك
ان يذهب عنه».
قال في الفقيه (3) بعد نقل رواية على بن أبي حمزة
المذكورة : وروى سهل بن اليسع في ذلك عن الرضا (عليهالسلام) انه قال : «يبنى
على يقينه ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم ويتشهد تشهدا خفيفا».
والوجه في هذه الأخبار ما عرفت من الحمل على التقية مع
زيادة احتمال الحمل على كثرة السهو في رواية على بن أبي حمزة. واحتمل الشيخ فيها
الحمل على السهو في النوافل ثم احتمل الحمل على من كثر سهوه. واحتمل جملة من
المتأخرين الجمع بين الأخبار المختلفة في هذه المسألة بالحمل على التخيير ، قال في
الذخيرة : والأقرب في الجمع بين الأخبار الحمل على التخيير ولكن العدول عن الأخبار
الكثيرة المعتضدة بالشهرة إلى غيرها مشكل. وبالجملة لا ريب في ان الاحتياط في
الإعادة.
وقال في المدارك بعد رد تأويلي الشيخ والعلامة في
المختلف بالبعد : وكيف كان فلا ريب أن الاستئناف اولى وأحوط.
أقول : بل الظاهر الذي لا يكاد يختلجه الريب هو أن هذه
الأخبار انما
__________________
(1) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة.
(2) الوسائل الباب 16 من الخلل في الصلاة.
(3) ج 1 ص 230 وفي الوسائل الباب 13 من الخلل في الصلاة.
خرجت مخرج التقية كما سيأتيك ان شاء
الله تعالى مزيد بيان لذلك ، ولكنهم (رضوان الله عليهم) حيث الغوا هذه القواعد
بالكلية وكذا غيرها من القواعد المنصوصة في مقام اختلاف الأخبار وقعوا في ما وقعوا
فيه من هذا الكلام وأمثاله الناقص العيار ، وربما ارتكبوا التأويلات الباردة
والتمحلات الشاردة ، والحق أحق أن يتبع.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان مما نقل عن الصدوق أيضا في أحكام
الشكوك جواز البناء على الأقل في الشكوك الآتية المتعلقة بالأخيرتين وجعلوه مخالفا
للأصحاب والأخبار القائلين بالبناء على الأكثر في تلك الشكوك ، وهنا موضع اشتباه
في كلامه (قدسسره) في الفقيه
ربما كان هو الحامل لهم على ما وقع لهم من الوهم وان كانت بعض نقولاتهم عنه يأبى
ذلك مثل نقل العبارة المتقدمة عنه مع انه لا وجود لها في كلامه.
وها انا اذكر لك ملخص كلامه (قدسسره) في الكتاب
المذكور واشرح لك ما تضمنه ودل عليه ليظهر لك ما في كلامهم من القصور :
قال (قدسسره) في أحكام
السهو في الصلاة قريبا من أول الباب (1) ما صورته : والأصل في السهو ان من
سها في الركعتين الأولتين من كل صلاة فعليه الإعادة ، ومن شك في المغرب فعليه
الإعادة ، ومن شك في الغداة فعليه الإعادة ومن شك في الجمعة فعليه الإعادة ، ومن
شك في الثانية والثالثة أو في الثالثة والرابعة أخذ بالأكثر فإذا سلم أتم ما ظن انه
قد نقص. وقال أبو عبد الله (عليهالسلام) (2) لعمار بن موسى
«يا عمار اجمع لك السهو كله في كلمتين متى شككت فخذ بالأكثر فإذا سلمت فأتم ما
ظننت انك قد نقصت». ومعنى الخبر الذي روى (3) «ان الفقيه لا
يعيد الصلاة». إنما هو في الثلاث والأربع لا في الأولتين. انتهى. وهذا الكلام كما
ترى
__________________
(1) ج 1 ص 225.
(2) الوسائل الباب 8 من الخلل في الصلاة.
(3) الوسائل الباب 1 و 9 و 29 من الخلل في الصلاة.
من أوله الى آخره موافق لما عليه
الأصحاب (رضوان الله عليهم) ودلت عليه أخبار تلك الأبواب.
ثم ساق الكلام بعد ما ذكرناه في جملة من مسائل السهو
والشك الخارجة عن ما نحن فيه بما يقرب من ورقة كبرى الى أن قال : وروى الحلبي عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) انه قال : «إذا
لم تدر اثنتين صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شيء فتشهد وسلم ثم صل ركعتين.
الرواية إلى آخرها». وهذا الخبر هو مستند الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذه
الصورة التي اشتمل عليها الخبر ، وظاهر روايته له وجموده عليه يؤذن بموافقته
الأصحاب في ذلك.
ثم ساق الكلام والأخبار في مسائل خارجة عما نحن فيه الى
أن قال : وروى الحلبي عنه (عليهالسلام) (2) انه قال : «إذا
لم تدر أربعا صليت أم خمسا. الحديث الى آخره». والتقريب فيه ما تقدم في سابقه.
ثم ساق الكلام في أمور خارجة الى أن قال : وروى عبد
الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليهالسلام) (3) قال «قلت لأبي
عبد الله (عليهالسلام) رجل لم يدر
اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا. الحديث». والتقريب فيه أيضا كما ذكرناه.
ثم قال : وروى على بن أبي حمزة عن العبد الصالح (عليهالسلام) ثم ساقها كما
قدمناه (4) ثم قال : وروى
سهل بن اليسع. الى آخر ما قدمنا نقله أيضا عنه (5) ثم قال : وقد روى انه يصلى ركعة من
قيام وركعتين من جلوس (6). وليست هذه
الأخبار مختلفة وصاحب السهو بالخيار بأي خبر أخذ منها فهو مصيب. وروى عن إسحاق بن
عمار (7) انه قال «قال
لي أبو الحسن (عليهالسلام) إذا شككت
فابن
__________________
(1) الوسائل الباب 11 من الخلل في الصلاة.
(2) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة.
(3 و 6) الوسائل الباب 13 من الخلل في الصلاة.
(4 و 5) ص 200.
(7) الوسائل الباب 8 من الخلل في الصلاة.
على اليقين. قال قلت هذا أصل؟ قال نعم».
ثم ساق الكلام في غير ما نحن فيه وأطال الى أن قال : ومن لم يدر كم صلى ولم يقع
وهمه على شيء فليعد الصلاة. هذا خلاصة ما ذكره في الكتاب المذكور بالنسبة إلى
المسائل التي نقلوها عنه.
ومن المحتمل قريبا ـ بل هو الظاهر من كلام المحدث
الكاشاني في الوافي ـ ان منشأ الشبهة في ما نقلوه عنه قوله هنا «وليست هذه الأخبار
مختلفة وصاحب السهو بالخيار.» باعتبار إرجاع الإشارة الى جميع ما تقدم من تلك
المسائل المتفرقة.
وفيه (أولا) ان الظاهر ـ بل هو المقطوع به كما سنشرحه لك
ان شاء الله تعالى ـ ان مراده بالإشارة انما هو الى هذه الأخبار الثلاثة المتصلة
في هذا المقام المتضمنة للشك بين الواحدة والثنتين والثلاث والأربع ، فإنها كما
ترى قد اختلفت في ذلك ، فظاهر رواية على بن أبي حمزة وقوله فيها «فليمض في صلاته»
انه يتمها بالبناء على الأكثر من غير احتياط ، وظاهر رواية سهل بن اليسع في ذلك
أيضا انه يبنى على الواحدة ويتم صلاته ويسجد سجدتي السهو ، وظاهر قوله «وقد روى
انه يصلى» انه يبنى على الأكثر ويحتاط بهذا الاحتياط المذكور. والظاهر ان مراده
بقوله «روى» هو الإشارة الى كلامه (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي المتضمن لهذه الصورة وانه يحتاط فيها بما ذكر ، وهي التي قدمنا نقلها
عن أبيه في الرسالة بنقل صاحب الذكرى. وان هذه الروايات الثلاث مع كون موردها أمرا
واحدا قد اختلفت في حكمه وهو قد جمع بينها بالتخيير بين العمل بأي الأخبار الثلاثة
شاء ، والظاهر من نقله رواية إسحاق بن عمار هو ان مراده تأييد البناء على الأقل.
هذا هو ظاهر كلامه.
و (ثانيا) انه كيف يصح حمل الإشارة بهذه الأخبار الى
أخبار مسائل الشكوك التي نقلوا عنه الخلاف فيها؟ والحال ان جملة من تلك المسائل
التي قدمنا نقلها عنه في الكتاب المذكور انما ذكرها بطريق الفتوى المؤذن بالجزم
بذلك لا بطريق الرواية كما عرفت من صدر عبارته التي قدمناها أول الكلام مثل مسألة
الشك
في أولتي الرباعية ومسألة الشك في
الثنائية والثلاثية ومسألتي الشك بين الثنتين والثلاث والثلاث والأربع ، فإنه لم
ينقل في شيء من هذه المسائل خبرا ، ومثل مسألة «من لم يدر كم صلى» المتأخرة عن
هذه الإشارة بكثير ، فكيف يصح الإشارة الى هذه الفتاوى الغير المقرونة بخبر
بالكلية بقوله «وليست هذه الأخبار»؟ سيما مع تأخر بعضها عن الإشارة ، ما هذا إلا
تعسف صرف وتكلف بحت.
و (ثالثا) انه مع الإغماض عن ذلك كيف يصح الإشارة الى
هذه المسائل المتفرقة المتقدمة وفيها ما هو متقدم بورقة كبرى مع تفرقها بين
الأخبار والأحكام الخارجة عما نحن فيه؟
و (رابعا) انهم قد نقلوا عنه عبارات في بعض الخلافات
التي نسبوها اليه مع ان تلك العبارات لا وجود لها في كتابه بل الموجود انما هو ما
يدل على خلاف ذلك.
وبالجملة فإن حمل الإشارة في هذه العبارة ـ على الإشارة
الى جميع ما تقدم وما تأخر من المسائل المذكورة والحال ما عرفت ـ تعسف ظاهر كما لا
يخفى على كل ناظر فضلا عن الخبير الماهر ، بل كلامه المتقدم في أول الباب والأخبار
التي نقلها في الأثناء كله صريح في مطابقة كلام الأصحاب ولم يورد له مناقضا في
الباب وانما نقل هذه الأخبار الثلاثة المختلفة في خصوص هذه الصورة وجمع بينها بما
ذكر.
بقي الكلام في شيء آخر وهو انه قد دل صدر كلامه الذي قدمنا
نقله على ان الشك متى تعلق بالأولتين كان مبطلا وفي هذه الصورة التي اختلفت فيها
هذه الأخبار الأمر كذلك ، فكيف حكم بالصحة هنا وخير بين ما دلت عليه هذه الأخبار
والواجب هو الحكم بالبطلان وتأويل هذه الأخبار؟
ويمكن الجواب باستثناء هذه الصورة عنده بهذه الأخبار مما
دلت عليه أخبار ذلك الحكم ، وأما غيرها فهو جار على ما ذكره أولا لاتفاق الأخبار
وعدم ذكره المخالف في شيء من تلك المسائل فلا منافاة حينئذ.
ثم انه لا يخفى ان ما حملنا عليه كلامه ووجهناه به ان لم
يكن متعينا ومتحتما
لما ذكرناه فلا أقل ان يكون هو الأرجح
والأظهر ومع التنزل فلا أقل أن يكون مساويا لما ذكروه ، وبه يبطل ما زعموه من حمل
كلامه على الخلاف في تلك المسائل فإنه متى قام الاحتمال بطل الاستدلال كما هو
بينهم مسلم في مقام البحث والجدال. والله العالم.
(المسألة الخامسة) قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم)
بأن الشك انما يعتبر مع تساوى الطرفين واما مع الظن بأحدهما فإنه يبنى على الظن ،
ومعناه تقدير الصلاة كأنها وقعت على هذا الوجه المظنون سواء اقتضى الصحة أو
الفساد.
وظاهر كلامهم انه لا فرق في حمل الشك على هذا المعنى بين
ما إذا شك في الأعداد أو الأفعال ، وقد عرفت في ما تقدم انه في الأفعال محل اشكال
لما قدمناه في المسألة الثانية ، وأما في الأعداد فإنه لا اشكال فيه لدلالة
الأخبار على البناء على الظن فيها فالمراد بالشك فيها ما هو عبارة عن تساوى طرفي
ما شك فيه ، فلو شك بين الاثنتين والثلاث وظن الثلاث بنى عليه من غير احتياط ، ولو
شك بين الأربع والخمس وظن الأربع بنى عليه من غير سجود السهو ، ولو ظن كونها خمسا
كان كمن زاد ركعة فيجيء فيه الخلاف المتقدم في هذه المسألة.
وقد وقع في كثير من عبائر الأصحاب التعبير هنا بغلبة
الظن وربما أشعر بعدم الاكتفاء بمطلق الظن مع انه خلاف النص والفتوى كقوله (عليهالسلام) (1) «إذا وقع وهمك
على الثلاث فابن عليه وان وقع وهمك على الأربع فسلم وانصرف». والمراد بالوهم هنا
هو الظن وهو الطرف الراجح ويرجع الى مطلق ترجيح أحد النقيضين ، ولا يمكن حمله على
معناه المصرح به في كلام أهل المعقول فإنه باطل إجماعا ، وحينئذ فلا وجه لاعتبار
ما زاد على مجرد الظن. قال في الروض : وكأن من عبر بالغلبة تجوز بسبب ان الظن لما
كان غالبا بالنسبة إلى الشك والوهم وصفه بما
__________________
(1) هذا المضمون ورد في رواية عبد الرحمن بن سيابة وابى العباس
الواردة في الوسائل في الباب 7 من الخلل في الصلاة. واللفظ فيها الرأي بدل الوهم.
هو لازم له وأضاف الصفة إلى موصوفها
بنوع من التكلف.
والمشهور بين الأصحاب انه لا فرق في هذا الحكم بين
الأوليين والأخيرتين ولا بين الرباعية والثلاثية والثنائية ، فإن حصل الشك في موضع
يوجب البطلان كالثنائية وغلب الظن على أحد الطرفين بنى عليه وان تساويا بطلت حتى
لو لم يدر كم صلى وظن عددا معينا بنى عليه. وكذا لا فرق في ذلك بين الأفعال
والاعداد في الركعات. ونقل عن ابن إدريس ان غلبة الظن انما تعتبر فيما عدا
الأوليين وان الأوليين تبطل الصلاة بالشك فيهما وان غلب الظن.
قال في الذكرى : لو غلب على ظنه أحد طرفي ما شك فيه بنى
عليه لأن تحصيل اليقين عسر في كثير من الأحوال فاكتفي بالظن تحصيلا لليسر ودفعا
للحرج والعسر وروى العامة عن النبي (صلىاللهعليهوآله) (1) «إذا شك أحدكم
في الصلاة فلينظر أحرى ذلك الى الصواب فليبن عليه». وعن الصادق (عليهالسلام) (2) بعدة طرق «إذا
وقع وهمك على الثلاث فابن عليه وان وقع وهمك على الأربع فسلم وانصرف» ولا فرق بين
الشك في الأفعال والاعداد ولا بين الأوليين والأخيرتين في ذلك. ويظهر من كلام ابن
إدريس ان غلبة الظن تعتبر فيما عدا الأوليين وان الأوليين تبطل الصلاة بالشك فيهما
وان غلب الظن ، فان أراده فهو بعيد وخلاف فتوى الأصحاب وتخصيص لعموم الأدلة.
انتهى.
واعترضه في المدارك بأن لقائل أن يقول ان مخالفته لفتوى
المعلومين من الأصحاب لا محذور فيه إذا لم يكن الحكم إجماعيا. وما ادعاه من العموم
غير ثابت فان الخبر الأول عامي وباقي الروايات مختص بالأخيرتين. نعم يمكن
الاستدلال
__________________
(1) في صحيح مسلم ج 2 باب السهو في الصلاة في حديث «إذا شك
أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين». وفي رواية ابن بشر «فلينظر
أحرى ذلك للصواب» وفي بدائع الصنائع ج 1 ص 165 هكذا أورد الرواية : «إذا شك أحدكم
في صلاته فليتحر أقربه إلى الصواب وليبن عليه» ..
(2) ص 205.
على اعتبار الظن في الأولتين بما رواه
الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن سعد بن سعد
عن صفوان عن ابى الحسن (عليهالسلام) (1) قال «ان كنت
لا تدري كم صليت ولم يقع وهمك على شيء فأعد الصلاة». ومقتضى الرواية اعتبار الظن
في أعداد الأولتين. انتهى ملخصا. ونحوه ما ذكره في الذخيرة أيضا.
أقول : لقائل أن يقول ان مفهوم هذه الرواية الدال على
انه إذا وقع وهمه على شيء فإنه لا يعيد بل يبنى على ظنه الشامل للأوليين في
أعدادهما وأفعالهما معارض بمنطوق جملة من الأخبار المتقدمة في المقام الثاني من
المسألة الثانية من هذا المطلب (2) بتقريب ما بيناه في ذيل الرواية
الأولى منها ، إلا انك قد عرفت (3) معارضة صحيحة زرارة المذكورة ثمة
ورواية محمد بن منصور لما دلت عليه وان وجه الجمع بين الجميع هو تخصيص الروايات
المشار إليها بالشك في الأعداد كما هو المتفق عليه بين جملة علمائنا الأمجاد ،
وحينئذ فالشك في الأفعال فيها غير مبطل واما انه مع ترجح أحد الطرفين هل يبنى على
الظن الحاصل له أم لا سواء كان قبل التجاوز أو بعده؟ فهو راجع الى ما قدمناه من
الاشكال المذكور في آخر المقام الأول من المسألة الثانية. وبالجملة فإنه يجب
استثناء الشك في الأفعال إذ لا تعلق للأخبار المشار إليها بالافعال بناء على مقتضى
الجمع المذكور ، نعم لا بد في الأعداد فيهما من اليقين فلو شك في عددهما ثم ترجح
عنده أحد الأعداد بطريق الظن فإنه لا يجوز البناء بمقتضى الاخبار المشار إليها على
ذلك الظن لتصريحها باعتبار العلم واليقين كقوله (عليهالسلام) في صحيحة
زرارة (4) التي هي إحدى
تلك الروايات «فمن شك في الأولتين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين ومن شك في
الأخيرتين عمل
__________________
(1) الوسائل الباب 15 من الخلل في الصلاة.
(2) ص 173.
(3) ص 175.
(4) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة.
بالوهم». فإنه صريح كما ترى في ان
البناء على الظن الذي عبر عنه بالوهم إنما هو في الأخيرتين وان الأولتين لا بد
فيهما من اليقين فما لم يحصل له اليقين تجب عليه الإعادة. وعلى هذا النحو جملة من
الروايات الباقية فإنها صريحة أو ظاهرة في اشتراط اليقين في الأولتين. وهي وان
كانت بإطلاقها شاملة للأفعال والأعداد إلا انك قد عرفت تخصيصها بالأعداد جمعا
بينها وبين صحيحة زرارة المتقدمة ورواية محمد بن منصور.
ومما ذكرنا يظهر لك قوة كلام ابن إدريس في هذه المسألة
بالنسبة إلى اعداد الأولتين وانه لا يجوز البناء فيهما على الظن ، وان ما استدل به
في المدارك للقول المشهور من مفهوم الرواية التي ذكرها ليس بجيد لمعارضة هذا
المفهوم بمنطوق هذه الاخبار الصحاح الصراح في ما ذكرنا ، وربما يظهر من كلام ابن
إدريس (قدسسره) في سرائره ان
حكم المغرب والغداة حكم الأولتين في وجوب البناء على اليقين حيث قال في جملة كلام
له : والسهو المعتدل فيه الظن على ضروب ستة : فأولها ما يجب إعادة الصلاة على كل
حال ، وعد منه السهو في الركعتين والمغرب والغداة. وكلامه في الكتاب المشار اليه
لا يخلو من نوع تشويش واضطراب كما لا يخفى على من راجعه.
ويشير الى ذلك أيضا كلام شيخنا المجلسي (قدسسره) في كتاب
البحار حيث قال : الأولى ان الشك إنما يعتبر مع تساوى الطرفين ومع غلبة الظن يبنى
عليه وهذا في الأخيرتين إجماعي واما في الأولتين والصبح والمغرب فالمشهور أيضا ذلك
، ونسب الى ظاهر ابن إدريس تخصيص الحكم بالأخيرتين من الرباعية. ثم نقل الاحتجاج
للمشهور برواية صفوان المتقدمة في كلام السيد السند (قدسسره) ثم قال :
وبمفهوم الأخبار الواردة في انه إذا شككت في المغرب فأعد وإذا شككت في الفجر فأعد
وإذا شككت في الركعتين الأولتين فأعد.
أقول : أما الاستدلال للمشهور برواية صفوان المذكورة فقد
عرفت ما فيه ، وأما الاستدلال بالنسبة إلى المغرب والفجر والركعتين الأوليين
بالأخبار المشار
إليها فهو مبنى على ما تقرر في كلامهم
من ان الشك عبارة عن تساوى الاعتقادين وتكافؤهما ، ونحن قد قدمنا لك في صدر هذا
المطلب ان الشك لغة ـ كما صرح به جملة من أئمة اللغة ـ أعم من هذا المعنى ومن الظن
، وهم قد قرروا في غير مقام ان الواجب مع فقد الحقيقة الشرعية والعرفية الخاصة
الرجوع الى الحقيقة اللغوية وكلام أهل اللغة كما ترى أعم ، وحينئذ فكما يجوز حمل
الشك في هذه الاخبار على المعنى الذي ذكروه يجوز حمله على الظن أيضا الذي هو أحد
معنييه لغة ، وحينئذ فلا تقوم هذه الأخبار حجة على ما ادعوه مع ما عرفت من تصريح
الأخبار المتقدمة باشتراط اليقين في الأوليين في صحة الصلاة فلا يبعد ان تكون
الثنائية والثلاثية كذلك وبه يحصل الإشكال في هذا المجال لتشابه الدليل المذكور
بتعدد الاحتمال.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان المفهوم من النصوص وكلام جل
الأصحاب ـ كما أشرنا إليه آنفا ـ انه مع حصول الظن والبناء عليه فإنه في قوة وقوع
الصلاة كذلك عن علم ويقين إن أوجب صحة أو إبطالا وانه لا احتياط مع ذلك. ولم يوجد
الخلاف في هذا الحكم إلا في كلام الشيخ على بن بابويه (قدسسره) في الرسالة
ومنه ما تقدم في المسألة الثالثة من قوله «وان شك ثانيا وتوهم الثانية بنى عليها
ثم احتاط بعد التسليم بركعتين قاعدا» وما سيأتي ان شاء الله في مسألة الشك بين
الاثنتين والثلاث من انه إذا حصل الظن بالثلاث يبنى عليه ويتم ويصلى صلاة الاحتياط
ركعة قائما ويسجد سجدتي السهو. وهو شاذ وان كان مأخذه انما هو كتاب الفقه الرضوي
كما عرفت وستعرف.
ثم انه قد صرح شيخنا الشهيد الثاني بأن من عرض له الشك
في شيء من أفعال الصلاة يجب عليه التروي فإن ترجح عنده أحد الطرفين بنى عليه وان
بقي الشك بلا ترجح لزمه حكم الشاك.
وأنت خبير بأن الأخبار خالية من ذلك وتقييد إطلاقها من
غير دليل مشكل وان كان الأحوط ما ذكره (قدسسره) والله
العالم.
(المسألة السادسة) إذا شك في الرباعية بين الاثنتين
والثلاث فالأشهر الأظهر انه يبنى على الثلاث ويتم ثم يأتي بصلاة الاحتياط الآتية
ان شاء الله تعالى.
وفي المسألة أقوال أخر : منها ـ البناء على الأقل نقل ،
عن المرتضى في المسائل الناصرية حيث قال : من شك في الأولتين استأنف ومن شك في
الأخيرتين بنى على اليقين. وفي الانتصار وافق المشهور.
ومنها ـ قول الشيخ على بن الحسين بن بابويه حيث قال :
وان ذهب وهمك إلى الثالثة فأضف إليها رابعة فإذا سلمت صليت ركعة بالحمد وحدها ،
وان ذهب وهمك إلى الأقل فابن عليه وتشهد في كل ركعة ثم اسجد سجدتين بعد التسليم ،
فان اعتدل وهمك فأنت بالخيار ان شئت بنيت على الأقل وتشهدت في كل ركعة وان شئت
بنيت على الأكثر وعملت على ما وصفناه. انتهى.
ومنها ـ ما نقلوه بزعمهم عن الصدوق من تجويزه البناء على
الأقل. وفيه ما عرفت مما قدمنا تحقيقه في المسألة الرابعة فإنه قد صرح في ما
نقلناه عنه ثمة بأن من شك في الثانية والثالثة أو في الثالثة والرابعة أخذ بالأكثر
فإذا سلم أتم ما ظن انه نقص. وهذا هو الذي عليه الأصحاب في هذه المسألة ، ولم يصرح
بما يخالفه الا بما أشرنا إليه ثمة من موضع الاشتباه الذي ربما كان سببا لارتكابهم
لهذه الأوهام السخيفة والخيالات الضعيفة.
ومنها ـ ما نسب إليه في كتاب المقنع من القول بالإبطال
متى عرض له هذا الشك حيث قال «سئل الصادق (عليهالسلام) (1) عن من لا يدرى
اثنتين صلى أم ثلاثا؟ قال يعيد. قيل فأين ما روى عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الفقيه لا
يعيد الصلاة؟ قال انما ذلك في الثلاث والأربع». والتقريب فيه ان من عادته في هذا
الكتاب الإفتاء بمتون الاخبار ولهذا نقل جملة من الأصحاب القول بذلك عنه في الكتاب
المذكور الا ان الفاضلين نقلا الإجماع على عدم الإعادة في صور الشك
__________________
(1) الوسائل الباب 9 من الخلل في الصلاة.
في الأخيرتين ، وهو المؤيد بالأخبار
كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى.
وتحقيق البحث في هذه المسألة يقع في مواضع :
(الموضع الأول) ـ قال في الذكرى : وأما الشك بين
الاثنتين والثلاث فأجراه معظم الأصحاب مجرى الشك بين الثلاث والأربع ولم نقف فيه
على رواية صريحة ونقل فيه ابن ابى عقيل تواتر الاخبار. انتهى.
ونحوه الشهيد الثاني في الروض حيث قال : وليس في مسألة
الشك بين الاثنتين والثلاث الآن نص خاص ولكن الأصحاب أجروه مجرى الشك بين الثلاث
والأربع. ثم نقل عن ابن ابى عقيل كما نقل في الذكرى.
وظاهر هما ـ كما ترى ـ عدم الوقوف على نص صريح في
المسألة مع ان الشيخ استدل في التهذيب بما رواه في الحسن عن زرارة عن أحدهما (عليهماالسلام) (1) قال : «قلت له
رجل لا يدرى واحدة صلى أم اثنتين؟ قال يعيد. قلت رجل لا يدرى اثنتين صلى أم ثلاثا؟
قال ان دخله الشك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثم صلى الأخرى ولا شيء
عليه ويسلم».
وعن عمار بن موسى الساباطي (2) قال «قال أبو
عبد الله (عليهالسلام) كل ما دخل
عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر ، قال فإذا انصرفت فأتم ما ظننت انك نقصت».
إلا ان السيد السند (قدسسره) في المدارك
اعترضه فقال : ويتوجه عليه ان الرواية الثانية ضعيفة السند باشتماله على جماعة من
الفطحية فلا تنهض حجة ، والرواية الأولى غير دالة على المطلوب وانما تدل على
البناء على الأقل إذا وقع الشك بعد الدخول في الثالثة وهي الركعة المترددة بين
الثالثة والرابعة حيث قال : «مضى في الثالثة ثم صلى الأخرى ولا شيء عليه» ولا
يجوز حمل الثالثة على الركعة
__________________
(1) الوسائل الباب 1 و 9 من الخلل في الصلاة.
(2) الوسائل الباب 8 من الخلل في الصلاة.
المترددة بين الثانية والثالثة لأن
ذلك شك في الأولتين وهو مبطل. انتهى.
وقد تبعه على هذا التوجيه لمعنى الحسنة المذكورة من تأخر
عنه من الفضلاء كما هي عادتهم غالبا كالفاضل الخراساني والمحدث الكاشاني والفاضل
المجلسي وغيرهم.
والتحقيق عندي ان ما ذكروه بمحل من القصور بل الرواية
المذكورة واضحة الظهور في الدلالة على القول المشهور.
وحاصل كلام السيد المزبور ان قوله (عليهالسلام) : «ان دخله
الشك بعد الدخول في الثالثة يمضي فيها. إلخ» يدل على أن الشك عرض له في أول الدخول
في تلك الركعة المعبر عنها بالثالثة. وهذه الركعة التي سماها (عليهالسلام) ثالثة اما ان
تكون مترددة بين الثانية والثالثة فيلزم منه الشك قبل إكمال الأولتين وهو مبطل فلا
يجوز حمل الخبر عليه ، واما أن تكون مترددة بين الثالثة والرابعة كما هو ظاهر
الخبر وحينئذ فلا يكون من محل الاستدلال في شيء لأنه شك بين الثلاث والأربع وقد
أمره (عليهالسلام) بالبناء على
الثلاث التي هي الأقل.
أقول : والظاهر ان منشأ الشبهة الذي أوجب للسيد المذكور
الطعن في الخبر وحمله على ما ذكره من وجهين :
(أحدهما) ـ قوله (عليهالسلام) «ثم صلى
الأخرى» فإنه حملها على الركعة الرابعة بمعنى انه بعد البناء على الثالثة وهي التي
شك في حال القيام لها أردفها بالركعة الرابعة. وهذا وان توهم في بادئ النظر إلا
انه ليس هو المراد بل المراد بالأخرى في الخبر إنما هي ركعة الاحتياط كما سيظهر لك
ان شاء الله تعالى.
و (ثانيهما) ـ قوله (عليهالسلام) : «فان دخله
الشك بعد دخوله في الثالثة» فإن ظاهر كلام السيد حمل الالف واللام في الشك على
العهد الذهني أي شك ما من الشكوك وهو الشك في كون هذه الركعة ثالثة أو رابعة.
والتحقيق ان الالف واللام إنما هي للعهد الخارجي والمراد انما هو الشك المسؤول عنه
وهو الشك بين الاثنتين والثلاث فحكم (عليهالسلام) بأنه يمضي في
الثالثة التي هي الأكثر ويتمها
بعد البناء على الثلاث فتكون هذه
رابعة ثم يصلى اخرى وهي ركعة الاحتياط.
وتوضيح ما قلناه انه لا يخفى على من تأمل روايات هذه
المسائل المشتملة على البناء على الأكثر والتعبير عن الاحتياط فيها انها مختلفة في
تأدية هذا المعنى والدلالة عليه ، ففي بعضها جعل الاحتياط في عبارة الخبر موصولا
كما هنا بمعنى انه لم يصرح في الرواية بأنه يتشهد ويسلم ثم يحتاط بل عبر عنه بمثل
هذه العبارة المجملة الموهمة لدخوله في الصلاة الأصلية ، وبعض منها قد صرحت بالفصل
وان تفاوتت أيضا تأديته كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى ، وسنشير الى ذلك ان شاء
الله تعالى ذيل الروايات الآتية في صورة الشكوك الباقية مذيلا ببيان ما قلناه
وإيضاح ما ادعيناه.
وحينئذ فمعنى الخبر المذكور بناء على ما ذكرناه ـ وهو
الذي فهمه من استدل به من علمائنا الأعلام ـ انه ان دخله الشك المسؤول عنه بعد
إكماله الثنتين ودخوله في الثالثة المتيقنة المترددة بين كونها ثالثة أو رابعة مضى
في الثالثة يعني بنى على الثلاث وأتمها بهذه الركعة التي شك حال قيامها ثم أردفها
بالركعة الأخرى التي هي صلاة الاحتياط ، لأنه بشكه حال القيام بكونها ثالثة أو
رابعة قد حصل له الشك في ما تقدم من انه ركعتان فتكون هذه ثالثة أو ثلاث فتكون هذه
رابعة فهو شاك حينئذ في ما قدمه هل هو ثلاث أو اثنتان فأمره (عليهالسلام) بالمضي في
الثالثة بالمعنى الذي ذكرناه ، وفي العطف ب «ثم» اشعار بذلك غاية الأمر انه (عليهالسلام) جعل صلاة
الاحتياط هنا موصولة ولم يصرح بما يوجب الفصل بينها وبين الصلاة الأصلية مما يؤذن
بكونها خارجة عن الصلاة الأصلية ومنه نشأ الاشتباه كما عرفت.
ومما يوضح ما قلناه بأظهر إيضاح ويفصح عنه بأنور إفصاح (أولا)
ان الشك في جميع الصور انما يطلق على ما تقدم من الصلاة لا ما يأتي فإذا قيل شك
بين الاثنتين والثلاث فالمراد ان ما قدمه هل هو اثنتان أو ثلاث ، وكذلك قولك شك
بين الثلاث والأربع انما هو بمعنى ان ما قدمه هل هو ثلاث أو أربع ، ولهذا صرح
العلامة في القواعد والمنتهى والمختلف بأنه لو قال : لا أدرى قيامي هذا
للثالثة أو الرابعة فهو شك بين
الاثنتين والثلاث وهو عين ما اشتملت عليه الرواية المذكورة لا انه شك بين الثلاث
والأربع كما توهموه وبنوا عليه ما بنوا من الإيراد وعدم دلالة الخبر على ما هو
المطلوب والمراد. وقد صرح العلامة في المختلف وغيره أيضا بأنه لو قال : لا أدرى
قيامي هذا للخامسة أو الرابعة فإنه شك بين الثلاث والأربع وانه يجلس ويبنى على
الأربع. ومما ينبه على هذا الألف واللام في قوله : «فان دخله الشك» أى الشك
المسؤول عنه وهو الشك بين الاثنتين والثلاث.
و (ثانيا) ـ انه يلزم بناء على ما توهموه ان الامام (عليهالسلام) لم يجب عن
أصل السؤال بشيء بالكلية لأن السائل إنما سأله عن من لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا
فكيف يجيبه الامام بحكم الثلاث والأربع وانه يبنى على الثلاث التي هي الأقل؟ وكيف
سكت السائل وقنع بذلك وهو زرارة الذي من عادته تنقيح أجوبة المسائل وطلب الحجج
فيها والدلائل؟ وكيف ينسب الى الامام (عليهالسلام) العدول عن
ذلك ولا مانع في البين.
و (ثالثا) ان البناء على الأقل في هذه الصور المنصوصة بل
مطلقا لا مستند له ولا دليل عليه وان ظهر من جملة منهم ـ لعدم إمعان النظر في
الاخبار ـ الركون اليه ، وأخباره كلها محمولة على التقية كما عرفت آنفا (1) وستعرف ان شاء
الله تعالى ، وحينئذ فلا يصح حمل هذه الرواية عليه بالكلية.
وإذا ثبت بما ذكرناه ان مورد الرواية إنما هو الشك بين
الاثنتين والثلاث وانه (عليهالسلام) أمره في ذلك
بالبناء على الثلاث فإنه يتحتم البتة حمل قوله (عليهالسلام) (2) : «ثم صلى
الأخرى» على ركعة الاحتياط وإلا لزم البناء على الأكثر في الصورة المذكورة مع عدم
الاحتياط بالكلية وهو باطل إجماعا.
وبالجملة فإن الخبر المذكور بتقريب ما أوضحناه في هذه
السطور ظاهر الدلالة
__________________
(1) ص 195.
(2) ص 211.
عار عن القصور.
ومثله في ذلك ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن محمد بن
خالد عن العلاء (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل صلى
ركعتين وشك في الثالثة؟ قال : يبنى على اليقين فإذا فرغ تشهد وقام قائما فصلى ركعة
بفاتحة الكتاب». والمراد باليقين هنا ما يحصل به يقين البراءة وهو البناء على
الأكثر فإنه ان ظهر التمام كان الاحتياط نافلة وان ظهر النقصان كان الاحتياط
متمما. وأما حمل اليقين هنا على البناء على الأقل فإنه ينافيه الاحتياط المذكور.
وهذه الرواية من الاخبار التي صرح فيها بفصل الاحتياط
بالتشهد الشامل للتسليم تجوزا. والله العالم.
(الموضع الثاني) قال في المدارك على اثر الكلام المتقدم
نقله عنه : وربما ظهر من هذه الرواية بطلان الصلاة بالشك بين الاثنتين والثلاث إذا
عرض الشك قبل الدخول في الثالثة ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبيد بن
زرارة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن رجل لم يدر ركعتين صلى أم ثلاثا؟ قال : يعيد. قلت : أليس يقال لا يعيد الصلاة
فقيه؟ قال : انما ذلك في الثلاث والأربع». وبمضمون هذه الرواية أفتى ابن بابويه (قدسسره) في كتاب
المقنع ، وأجاب عنها الشيخ في التهذيب بالحمل على صلاة المغرب. ويدفعه الحصر
المستفاد من قوله (عليهالسلام) : «انما ذلك
في الثلاث والأربع». الى ان قال : والمسألة قوية الإشكال ولا ريب ان الإتمام
والاحتياط مع الإعادة إذا عرض الشك قبل الدخول في الثالثة طريق الاحتياط. انتهى.
أقول : لا يخفى ان مقتضى ما ذكره من انه بعروض الشك حال
القيام في الثالثة المترددة بين كونها ثالثة أو رابعة وانه يصير من قبيل الشك بين
الثلاث والأربع هو بطلان الصلاة بالشك بين الاثنتين والثلاث ، فان المفهوم من
الخبر على هذا انه
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 9 من الخلل في الصلاة.
ان دخله الشك قبل الدخول في الثالثة
لم يمض بل تبطل صلاته ، وهو ظاهر في الإبطال بالشك بين الاثنتين والثلاث ، لانه
متى شك بعد السجدة الثانية بين كون ما صلاة اثنتين أو ثلاثا فإن الصلاة باطلة
بمقتضى ظاهر التعليق ، ولهذا استدل بصحيحة عبيد بن زرارة الظاهرة في بطلان الصلاة
بالشك في الصورة المذكورة. واما على ما ذكرناه من ان هذا الشك الذي وقع منه بعد
القيام للركعة المذكورة انما هو الشك بين الاثنتين والثلاث فإنه لا فرق بين عروض
هذا الشك في حال القيام أو قبله بعد إتمام الركعتين المتيقنتين بالسجدة الثانية
فإنه يجب العمل فيه بالبناء على الأكثر والاحتياط كما هو المشهور.
وأما ما دل عليه الخبر بمفهومه ـ من انه لو دخله الشك
قبل دخوله في الثالثة لم يمض بل تبطل صلاته كما ذكره ـ فإنه يجب ارتكاب التأويل
فيه ، ولهذا ان جملة ممن تبع السيد السند في الطعن في الخبر بما تقدم ذكره أجابوا
عن مفهوم ما دل عليه الخبر الموجب لبطلان الصلاة بالشك بين الاثنتين والثلاث بحمل
الدخول في الثالثة على ما هو أعم من الدخول فيها أو في مقدماتها والرفع من السجود
من جملة مقدماتها. وأجاب بعضهم بتقييد المفهوم بما إذا وقع الشك قبل إكمال
الأوليين ، ولا يخفى ما في الجميع من البعد.
والذي يقرب عندي ان هذه العبارة إنما خرجت مخرج التجوز
وان التعليق غير مراد منها بمعنى ان قوله (عليهالسلام) : «ان دخله
الشك بعد دخوله في الثالثة» إنما هو كناية عن إتمام الأولتين فكأنه قال : «إذا
دخله الشك بعد إكمال الأولتين مضى. إلخ» وباب المجاز في الكلام واسع ، ولعل
الإجمال في هذه الرواية في كل من هذا الحكم والحكم الأول مبنى على معلومية ذلك
يومئذ عند أصحابهم (عليهمالسلام) كما هو الآن
معلوم بين علمائنا.
وبالجملة فإنه متى ثبت ما حققناه آنفا من ان الرواية
دالة على حكم الشك بين الاثنتين والثلاث حسبما صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم)
وقد علم اتفاقا
نصا وفتوى ان المدار في العمل في الشك
في الأخيرتين على إتمام الأوليين فلا معنى لصحته حال القيام وبطلانه قبله بعد
إتمام الأوليين وأيضا فإن القاعدة الجارية في سائر الشكوك المنصوصة لا يفرق فيها
بين عروض الشك جالسا أو قائما ، وبه يظهر ان هذه العبارة إنما خرجت مخرج التجوز
وكم مثلها وأمثالها في الكتاب العزيز والأخبار.
وأما ما استند اليه في حجية هذا المفهوم ـ من صحيحة عبيد
بن زرارة التي من أجلها استشكل في المسألة كما صرح به في آخر كلامه ـ فهو أيضا
بمحل من الوهن والضعف :
(أما أولا) فلما شرحناه من معنى حسنة زرارة وبيان
دلالتها على حكم المسألة فتكون معارضة لهذه الرواية ، وكذا رواية العلاء التي
قدمنا نقلها عن كتاب قرب الاسناد.
و (أما ثانيا) فلمعارضتها بالروايات الكثيرة الدالة
بإطلاقها على وجوب البناء على الأكثر في جميع الشكوك كموثقة عمار التي قدمنا نقلها
عن الشيخ (1) وان كان السيد
المذكور قد ردها بضعف السند بناء على هذا الاصطلاح الغير المعتمد مع ما جرى له من
التمسك بالموثقات إذا احتاج إليها كما نبهنا عليه في غير موضع مما تقدم.
و (أما ثالثا) فلمعارضتها بالأخبار الصحيحة الصريحة
الدالة على ان الإعادة في الأوليين والسهو في الأخيرتين ، وقد تقدمت في المقام
الثاني من المسألة الثانية من هذا المطلب (2).
وحينئذ فلا بد من تأويل هذه الرواية وإلا فارجائها إلى
قائلها ولكنه لما كان من عادته انه إنما يحوم حول الأسانيد في جميع الأحكام
والمقامات ولا ينظر الى ما اشتمل عليه متن الرواية من المخالفات والمناقضات وقع في
الإشكال الذي أشار اليه. ومن تأمل ما ذكرناه حق التأمل ظهر له ان ما ذكره الأصحاب (رضوان
الله
__________________
(1) ص 211.
(2) ص 173.
عليهم) هو الحق الذي لا غشاوة عليه
ولا يأتيه الباطل من خلفه ولا من بين يديه. والأظهر في صحيحة عبيد بن زرارة
المذكورة هو الحمل على الشك قبل إكمال الركعتين كما ذكره جملة من متأخري الأصحاب
في البين. والله العالم.
(الموضع الثالث) قال في المدارك أيضا على اثر الكلام
المتقدم في سابق هذا الموضع : ونقل عن السيد المرتضى في المسائل الناصرية انه جوز
البناء على الأقل في جميع هذه الصور ، وهو الظاهر من كلام ابن بابويه في من لا
يحضره الفقيه ، ويدل عليه ما رواه في الموثق عن إسحاق بن عمار (1) قال : «قال لي
أبو الحسن الأول (عليهالسلام) إذا شككت
فابن على اليقين. قلت : هذا أصل؟ قال : نعم». وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد
الرحمن بن الحجاج وعلى عن أبي إبراهيم (عليهالسلام) (2) «في السهو في
الصلاة؟ فقال : يبنى على اليقين ويأخذ بالجزم ويحتاط بالصلاة كلها». ثم نقل كلام
الشيخ على بن بابويه حسبما قدمنا نقله عنه وقال بعده قال في الذكرى : ولم نقف على
مأخذه. ثم قال : والمسألة قوية الإشكال. إلى آخر ما قدمناه.
أقول : وهذه الروايات أيضا هنا حيث ان فيها الصحيح
باصطلاحه مما قوى هذا الإشكال عنده في هذا المجال ولكن قد عرفت وستعرف انه لا
إشكال بحمد الملك المتعال.
ولا بأس بالتعرض لبيان ما في كلامه (قدسسره) أيضا هنا من
الاختلال ليظهر لك صحة ما ذكره وقوة ما قويناه :
فنقول : أما ما نقله عن المرتضى (رضى الله عنه) من انه
جوز البناء على الأقل فالمنقول عنه في الكتاب المذكور إنما هو تعين البناء على
الأقل ، وهذا هو الذي تنادي به عبارة الكتاب المشار اليه حيث ان جده الناصر قال : «ومن
شك في الأولتين استأنف الصلاة ومن شك في الأخيرتين بنى على اليقين» فقال السيد
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 8 من الخلل في الصلاة.
«قدسسره» : هذا مذهبنا
وهو الصحيح عندنا. إلخ. وهو كما ترى صريح في تعين البناء على الأقل لا تجويزه ،
ولا ريب في ضعف هذا القول ان حمل اليقين على البناء على الأقل كما هو الظاهر من
سياق عبارة جده لأن فيه طرحا للأخبار المتكاثرة الصحيحة الصريحة في أحكام هذه
الصور في البناء على الأكثر ، ويشبه ان يكون قائله لم يراجع الاخبار في هذا المجال
ولم يخطر له يومئذ بالبال. ولا يخفى ان الناصر جد السيد المذكور كان من كبراء
الزيدية علما وشرفا وجاها (1)
__________________
(1) هو أبو محمد الحسن بن على بن الحسن بن على الأصغر بن عمر
الأشرف بن الامام السجاد بن الحسين الشهيد بن على بن ابى طالب «عليهمالسلام» قيل له الأطروش من ضربة سيف على رأسه
في حرب الداعي أذهبت سمعه ، واشتهر بالناصر الكبير لظهور ناصر بعده من أئمة
الزيدية. كان شريفا فاضلا كبيرا إماميا اثنى عشريا متفننا في العلوم له كتب في
الإمامة كبير وصغير وفي الطلاق وفي فدك والخمس وفضل الشهداء وفصاحة أبي طالب
ومعاذير بنى هاشم في ما نقم عليهم ومواليد الأئمة إلى الحجة «عجل الله فرجه» خرج
مع الداعي الكبير الحسن بن زيد وأخيه محمد بن زيد واتصل بعماد الدولة الديلمي وفي
سنة 301 ظهر بطبرستان وملك أكثر بلادها ولعدالته وحسن سيرته أثرت دعوته للحق في
أولئك المجوس فدان بدين الإسلام أهل طبرستان وآمل فبنى المساجد وأسس مدرسة درس
فيها الفقه والحديث. ورميه باعتناق المذهب الزيدي لا أساس له في قرارة نفسه والسر
فيه اعتقاد الزيدية إمامته من جهة خروجه بالسيف في وجه المنكر ورأيهم على امامة
الناهض لذلك وزاد عليه تحره في فقه الزيدية فكان في مؤلفاته يوافقهم تارة ويرد
عليهم اخرى فتخيل من لا خبرة له بحقيقته انه زيدي الطريقة التي لا تبتعد عن خلافة
الشيخين وان كان علي «عليهالسلام» أفضل منهما ، وفقه الزيدية يتفق مع
الفقه السني كثيرا كما يشهد به من كتبهم البحر الزخار ونيل الأوطار والروض النضير
في شرح فقه زيد والمجموع الفقهي لزيد ، ومن هنا سجل المحققون في آثار الرجال
اعتقادهم ببراءته من الانتساب إلى الزيدية إشارة وتصريحا وان وردت النسبة إلى
الزيدية في فهرست ابن النديم ومعالم العلماء لابن شهرآشوب وكامل ابن الأثير وعمدة
الطالب ، فهذا الشيخ الصدوق المعاصر له يقول عند ذكره : «قدس الله سره» ويترحم
عليه النجاشي المتوفى سنة 450
والزيدية قد جروا في فقههم غالبا على
فقه العامة والسيد (قدسسره) قد جرى
__________________
بعد اعترافه بأنه امامى المذهب ويقول سبطه على الهدى الشريف
المرتضى في مقدمة المسائل «الناصريات» : وانا بتشييد علوم هذا الفاضل البارع «كرم
الله وجهه» أحق وأولى. الى أن يقول : والناصر كما تراه من أرومتي وغصن من أغصان دو
حتى وهذا نسب عريق في الفضل والنجابة والرئاسة. الى أن يقول : وأما أبو محمد
الناصر الكبير وهو الحسن بن علي ففضله في علمه وزهده وفقهه أظهر من الشمس الباهرة
وهو الذي نشر الإسلام في الديلم حتى اهتدوا به بعد الضلالة وعدلوا بدعايته عن
الجهالة ، وسيرته الجميلة أكثر من أن تحصى وأظهر من أن تخفى. هذا رأي الشريف
المرتضى في جدة الناصر الأكبر ولو كان للزيدية في نفسه أثر لنبه عليه ولما اطراه
وافتخر بالانتساب اليه وهو البعيد عن هذا المذهب المشلول والرأي المؤسس على كثيب
رمل. ولو ضاءة مذهبه الحق وسطوع رأيه الصريح في إمامة أهل البيت من آل الرسول «ص»
الى الحجة المنتظر «عجل الله فرجه» سجل اعتقاده فيه صاحب رياض العلماء فقال :
الناصر الكبير من عظماء الإمامية وان كان الزيدية يعتقدون انه من جملة أئمتهم فظن
من ذلك انه زيدي المذهب وليس كذلك. وتابعه أبو على الحائري في منتهى المقال قال :
لا غبار في مدحه والثناء عليه لانه من علماء الإمامية ومصنفي الاثني عشرية. وكلمة
شيخنا البهائي في رسالة إثبات الحجة المنتظر «عليهالسلام» تنادي بأعلى صوتها باعتدال طريقته
وحسن سريرته وتباعده عما لا يلتئم مع المذهب الحق ، قال : ان المحققين من علمائنا
اعتقدوا انه ناصر الحق وتابع طريقة ابى عبد الله الصادق «عليهالسلام» فرضوان الله عليه وتحياته. نعم لما
اقتضت دعوته تأليف النفوس المائلة عن الصراط السوي والداعية الى عبادة النار أظهر
بعض الأمور التي تدين بها أهل المذاهب وان كانت نفسه نافرة عنها لئلا تفشل دعوته
ويذهب جهاده سدى وارجاء تعديل ميلهم الى الظروف المناسبة كما هي طريقة آبائه
المعصومين «عليهمالسلام» فتراه يجمع في الوضوء بين الغسل
والمسح وفي القنوت على مذهب الشيعة والشافعية ويتردد في تحليل المتعة ، إلى
أمثالها مما اعتنقه أرباب المذاهب ، والذي يشهد بذلك رأيه الذي سجله في كتابه
المسترشد على طبق الحديث المروي عن على «عليهالسلام» «لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة اما
ظاهر مشهور أو خائف مغمور». وهذا كما يراه النابه نص في
قلمه بذلك غفلة عن الاخبار المشار
إليها.
وأما ما نقله عن ابن بابويه فقد عرفت ما فيه مما كشف عن
ضعف باطنه وخافية.
وأما ما نقله من الاخبار الدالة على البناء على الأقل
التي هي معظم الشبهة له ولغيره في هذا المقام ونحوه فقد تقدم الجواب عنها ، ونزيده
هنا بيانا ببسط الكلام بما يرفع عن المسألة إن شاء الله تعالى غشاوة الإبهام :
فنقول : لا يخفى انه قد اختلفت الاخبار في البناء في
مطلق الشك على الأقل والأكثر ، فمما يدل على البناء على الأقل ما نقله من موثقة
إسحاق بن عمار وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المذكورتين ، مع انه قد رد موثقة عمار
الدالة على البناء على الأكثر بضعف السند بكونها موثقة ، فان كان الأمر كما زعمه
من ضعف الموثقات فكيف يستدل هنا بموثقة إسحاق بن عمار؟ وإلا فلا وجه لطعنه في
موثقة عمار. وأعجب من ذلك انه حيث اختار العمل بهذه الرواية عبر عنها بموثقة إسحاق
بن عمار وحيث لم يختر موثقة عمار عبر عنها برواية عمار من غير أن
__________________
اعتقاد إمامة الحجة المنتظر «عليهالسلام». واعتقاد أصحابه إمامته لا يستلزم
رضاه به فقد ادعى جماعة ألوهية أمير المؤمنين «ع» ولم ينتهوا بزجره ولا بمجاهرته
بالعبودية لله حتى أحرقهم بالنار ، إذا فلا عجب من اعتقاد جماعة زيدية الناصر.
انتهى كلام الشيخ البهائي ملخصا. هذا ما أفاده بعض المحققين الباحثين في ترجمة
الناصر الكبير وعقيدته تلخيصا من المصادر ، وإليك أسماء من تعرض لترجمته مختصرا أو
مفصلا : تاريخ الطبري وكامل ابن الأثير ومختصر ابى الفداء في حوادث سنة 301 وسنة
304 ومروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 553 وفهرست ابن النديم وعمدة الطالب ورجال الشيخ
الطوسي وفهرست النجاشي ومنهج المقال للاسترابادى والتعليقة عليه للاقا البهبهاني
ومنتهى المقال للحائرى وروضات الجنات ورياض العلماء ومجالس المؤمنين للتستري وشرح
النهج لابن ابى الحديد ومفاخرة بنى هاشم وبنى أمية للجاحظ والمجدي للنسابة العمرى
وتاريخ رويان والكنى والألقاب وأعيان الشيعة ج 22 ص 288 ، والنقل عن فهرست ابن
النديم والمجدي وتاريخ رويان بواسطته.
يعبر عنها بلفظ «موثقة» إيذانا بمزيد
الضعف ، وكل ذلك خلاف قواعد الإنصاف كما لا يخفى على ذوي المعرفة والعفاف.
ومما يدل على ذلك أيضا صحيحة على بن يقطين (1) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل لا
يدرى كم صلى واحدة أو اثنتين أو ثلاثا؟ قال : يبنى على الجزم ويسجد سجدتي السهو
ويتشهد تشهدا خفيفا».
ورواية سهل بن اليسع المروية في الفقيه عن الرضا (عليهالسلام) (2) في ذلك انه
قال : «يبنى على يقينه ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم ويتشهد تشهدا خفيفا».
وروايته الأخرى (3) قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل لا
يدرى أثلاثا صلى أم اثنتين؟ قال : يبنى على النقصان ويأخذ بالجزم».
ومما يدل على البناء على الأكثر موثقة عمار المتقدمة في
صدر الموضع الأول وموثقته الأخرى برواية صاحب التهذيب (4) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن شيء من
السهو في الصلاة؟ فقال : الا أعلمك شيئا إذا فعلته ثم ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم
يكن عليك شيء؟ قلت : بلى. قال : إذا سهوت فابن على الأكثر فإذا فرغت وسلمت فقم
فصل ما ظننت انك نقصت فان كنت قد أتممت لم يكن في هذه عليك شيء وان ذكرت انك كنت
نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت».
وموثقة ثالثة له أيضا برواية صاحب الفقيه (5) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) لعمار بن
موسى : يا عمار أجمع لك السهو كله في كلمتين : متى ما شككت فخذ بالأكثر فإذا سلمت
فأتم ما ظننت انك قد نقصت».
ولا يخفى ان الترجيح للأخبار الأخيرة وذلك من وجوه : (أحدها)
الاعتضاد بالأخبار الصحاح الصراح الواردة في خصوصيات الصور المذكورة في
__________________
(1) الوسائل الباب 15 من الخلل في الصلاة.
(2) الوسائل الباب 13 من الخلل في الصلاة.
(3 و 4 و 5) الوسائل الباب 8 من الخلل في الصلاة.
هذا المقام فإنها متفقة الدلالة على
البناء على الأكثر في جميع الصور كما سنشرحه إن شاء الله تعالى. ويعضدها زيادة على
ذلك إجماع الطائفة سلفا وخلفا على العمل بمضمونها إلا الشاذ النادر وهم انما
يتوهمون بخلاف المرتضى والصدوق وقد عرفت ما فيه.
و (ثانيها) ـ صراحة هذه الأخبار في المدعى وتطرق وجوه
الاحتمالات الى كثير من تلك الأخبار المخالفة كموثقة إسحاق بن عمار المشتملة على
البناء على اليقين ، فإنه من المحتمل قريبا ان المراد انما هو البناء على ما يوجب
اليقين أى يقين البراءة وذلك في البناء على الأكثر كما فصلته موثقة عمار الثانية ،
وقد عرفت من رواية قرب الاسناد المتقدمة إطلاق هذا اللفظ على هذا المعنى بحيث لا
يحتمل غيره فلا يبعد إرادته هنا أيضا. ومثلها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) فإنها محتملة
لما ذكرناه ويؤيده قوله فيها : «يأخذ بالجزم ويحتاط بالصلاة كلها» فان الاحتياط
وهو فعل ما يوجب براءة الذمة على جميع الوجوه والاحتمالات انما يحصل بالحمل على ما
قلناه وإلا فمع البناء على الأقل والإتمام لو ذكر تمام الصلاة فإنه يلزم زيادة ما
يوجب بطلانها فتجب الإعادة حينئذ. وبالجملة فإنه لو لم يكن ما ذكرناه في هاتين
الروايتين هو الأظهر فلا أقل ان يكون مساويا وبه يسقط الاستدلال بهما. ونحوهما في
ذلك أيضا رواية سهل بن اليسع الاولى. وأما صحيحة على بن يقطين فهي معارضة بالأخبار
الكثيرة الدالة على الابطال متى تعلق الشك بالأوليين المعتضدة باتفاق الأصحاب سلفا
وخلفا على ذلك فلا تصلح للعمل عليها. وأما رواية سهل الثانية فهي معارضة بخصوص
حسنة زرارة ورواية قرب الاسناد وعموم الروايات المتقدمة المعتضدة بعمل الطائفة.
و (ثالثها) ـ وهو المعتمد ما قدمنا ذكره آنفا من ان هذه
الروايات انما خرجت مخرج التقية لما عرفت من حديث مسلم المتقدم (2) وكلام البغوي
في شرح السنة
__________________
(1) ص 218.
(2) ارجع الى التعليقة 4 ص 195.
ويؤيده اشتمال صحيحة على بن يقطين
ورواية سهل الاولى على سجدتي السهو بعد الأمر بالبناء على الأقل حسبما تضمنته
الرواية العامية ، وقد صرح المحقق في المعتبر بنسبة ذلك إليهم أيضا حيث نقل عن
الشافعي البناء على اليقين وعن أبي حنيفة البناء على الظن فان فقده بنى على اليقين
(1) محتجا على ذلك
بأن الأصل عدم المشكوك فيه ، ولما رووه عنه (صلىاللهعليهوآله) (2) قال : «من لم يدر
ثلاثا صلى أم أربعا فليلق الشك وليبن على اليقين».
وممن أشار الى ما ذكرنا أيضا شيخنا الشهيد الثاني (قدسسره) في كتاب روض
الجنان حيث قال بعد نقل رواية ابن اليسع : ورواية ابن اليسع مطرحة لموافقتها لمذهب
العامة. ورأيت في بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا المجلسي (قدسسره) استصواب
الحمل على التقية ، وبه صرح المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (طاب ثراه).
__________________
(1) في بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 1 ص 165 : «إذا سها في
صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فان لم يكن السهو له عادة بأن لم يعرض له كثيرا
فعند الشافعي يبنى على الأقل لحديث ابى سعيد الخدري : «إذا شك أحدكم في صلاته فلم
يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليلغ الشك وليبن على الأقل». وعندنا يستقبل الصلاة لحديث
عبد الله بن مسعود : «إذا شك أحدكم في صلاته انه كم صلى فليستقبل الصلاة». وان كان
السهو يعرض له كثيرا تحرى وبنى على ما وقع عليه التحري في ظاهر الروايات. وروى
الحسن عن أبي حنيفة انه يبنى على الأقل وهو قول الشافعي ولنا رواية ابن مسعود :
إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر أقربه إلى الصواب وليبن عليه». وفي البحر الرائق
لابن نجيم الحنفي ج 2 ص 108 و 110 «إذا شك انه كم صلى وكان عروض الشك له أول مرة
استقبل العمل وان كان يعرض له كثيرا يتحرى وهو ما يكون أكبر رأيه عليه ، وعبر عنه
تارة بالظن واخرى بغالب الظن فان لم يترجح عنده شيء بنى على الأقل». ويرجع أيضا
الى التعليقة 2 ص 165.
(2) صحيح مسلم ج 2 باب السهو في الصلاة إلا ان فيه «فليطرح
الشك وليبن على ما استيقن» وبدائع الصنائع ج 1 ص 165 وفيه «وليبن على الأقل».
ومما يستأنس به للحمل على التقية في هذه الأخبار انها
كلها إنما خرجت عن الكاظم (عليهالسلام) ولا يخفى على
المتتبع للسير والآثار والعارف بالقصص والأخبار اضطر أم نار التقية في وقته (عليهالسلام) زيادة على
غيره من الأوقات وما وقع عليه (عليهالسلام) وعلى شيعته
من المخافات. ومما يومئ الى ذلك التعبير بهذا اللفظ المجمل في جل تلك الأخبار ،
ولهذا تكاثرت الأخبار بالتقية بالنقل عنه (عليهالسلام) بغير اسمه
الشريف من العبد الصالح أو عبد صالح ونحو ذلك.
وبالجملة فالحمل على التقية عندي مما لا ريب فيه ولا شك
يعتزيه عملا بالقاعدة المنصوصة عن أهل العصمة (عليهمالسلام) في عرض
الأخبار عند اختلافها على مذهب العامة والأخذ بخلافه كما استفاضت به النصوص (1) ولكن أصحابنا (رضوان
الله عليهم) لما الغوا العمل بهذه القواعد فاتهم ما يترتب عليها من الفائدة ووقعوا
في ما وقعوا فيه من مشكلات هذه الإشكالات وارتكاب التمحلات والتكلفات.
وأما ما نقل عن الشيخ على بن بابويه في هذه المسألة ـ وقوله
في الذكرى : انه لم يقف على مأخذه ـ فهو مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي على نحو ما
عرفت من الطريقة المعروفة والسجية المألوفة
حيث قال (عليهالسلام) (2) : وان شككت
فلم تدر اثنتين صليت أم ثلاثا وذهب وهمك إلى الثالثة فأضف إليها الرابعة فإذا سلمت
صليت ركعة بالحمد وحدها ، وان ذهب وهمك إلى الأقل فابن عليه وتشهد في كل ركعة ثم
اسجد سجدتي السهو بعد التسليم ، وان اعتدل وهمك فأنت بالخيار ان شئت بنيت على
الأقل وتشهدت في كل ركعة وان شئت بنيت على الأكثر وعملت ما وصفناه لك. انتهى.
وكيف كان فالظاهر ان الترجيح للقول المشهور المؤيد
بالأخبار الموافقة لمقتضى الأصول المعتضدة بعمل الطائفة ، وهذه الرواية لا تبلغ
قوة
__________________
(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به.
(2) ص 10.
المعارضة فهي مفوضة إلى قائلها (عليهالسلام).
وأنت خبير أيضا بما في عدول الشيخ المذكور عن القول
المشهور المعتضد بالأخبار المشار إليها إلى القول بعبارة الكتاب من الدلالة على
مزيد الاعتماد على الكتاب المذكور وثبوت حجيته عنده.
وبما حققناه في المقام وكشفنا عنه في هذه المواضع
الثلاثة نقاب الإبهام يظهر لك ان المسألة بحمد الله سبحانه ذي الجلال خالية من
الاشكال كما وقع فيه صاحب المدارك ومن نسج معه على ذلك المنوال حيث لم يعطوا
التأمل حقه في ما شرحناه في هذا المجال من واضح المقال. والله العالم.
(الموضع الرابع) المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
التخيير في احتياط هذه الصورة بين ركعة من قيام وركعتين من جلوس ، ونقل عن ابن ابى
عقيل والجعفي انهما لم يذكرا التخيير وانما ذكرا الركعتين من جلوس. والموجود في
حسنة زرارة (1) التي هي مستند
هذا الحكم كما عرفت إنما هو الركعة من قيام ، وكذا في رواية قرب الاسناد (2) ونحوهما في
عبارة كتاب الفقه على تقدير البناء على الأكثر وهو فتوى الشيخ على بن الحسين بن
بابويه كما عرفت ، والمعتمد ما دلت عليه هذه الأخبار. وأما القولان الآخران فلم
أقف فيهما على دليل.
(الموضع الخامس) قال في المدارك في هذا المقام : واعلم
ان ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان كل موضع تعلق فيه الشك بالاثنتين يشترط فيه
إكمال السجدتين محافظة على ما سبق من اعتبار سلامة الأولتين ، ونقل عن بعض الأصحاب
الاكتفاء بالركوع لصدق مسمى الركعة وهو غير واضح ، قال في الذكرى نعم لو كان ساجدا
في الثانية ولما يرفع رأسه وتعلق الشك لم استبعد صحته لحصول مسمى الركعة. وهو غير
بعيد. انتهى. أقول : قد صرح بما ذكره شيخنا الشهيد في الذكرى.
__________________
(1) ص 211.
(2) ص 215.
وأنت خبير بأن هنا شيئين : (أحدهما) ـ أن ما يصدق عليه
الركعة هل هو عبارة عن ما يدخل فيه السجود أو يكفي مجرد الركوع؟ قولان : المشهور
الأول وبه صرح السيد السند هنا وفي ما تقدم في بحث المواقيت في شرح قول المصنف : «ولو
زال المانع فإن أدرك الطهارة وركعة. إلخ» ونقله عن العلامة أيضا حيث قال : وتتحقق
الركعة برفع الرأس من السجدة الثانية كما صرح به في التذكرة. واحتمل الشهيد في
الذكرى الاجتزاء بالركوع للتسمية لغة وعرفا ولأنه المعظم. وهو بعيد.
أقول : ونحن قد حققنا في مقدمة المواقيت بأن حكمهم بكون
الركعة عبارة عن ما ذكروه يوجب انقداح اشكال عليهم في مسألة الشك بين الأربع
والخمس فيما إذا حصل الشك بعد الركوع وقبل السجود ، حيث انهم قالوا بالصحة في هذه
الصورة مع انه لم يأت بالركعة بزعمهم فلا يكون داخلا تحت النص الوارد في المسألة.
والمحقق في أجوبة المسائل البغدادية إنما تخلص من هذا الاشكال بالتزام كون الركعة
عبارة عن مجرد الركوع كما سيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه في المسألة المذكورة
ونقل كلامه في ذلك.
و (ثانيهما) ـ انه على تقدير القول المشهور هل تتحقق
الركعة بمجرد إتمام ذكر السجدة الثانية أو يتوقف على رفع الرأس من السجود؟ وجهان :
جزم بالأول منهما شيخنا الشهيد الثاني في الروض حيث قال : ويتحقق إكمالها بتمام
السجدة الثانية وان لم يرفع رأسه منها على الظاهر لأن الرفع ليس جزء من السجود
وإنما هو واجب آخر. انتهى. وهو جيد. والمشهور الثاني ولهذا انه في الذكرى إنما
أشار إليه احتمالا في المقام.
(المسألة السابعة) ـ إذا شك بين الثلاث والأربع فالمشهور
انه يجب البناء على الأكثر ويحتاط بركعة قائما أو ركعتين جالسا ، ونقل في المختلف
ومثله السيد السند في المدارك ومن تبعهما عن ابن بابويه وابن الجنيد انهما قالا :
يتخير الشاك بين
الثلاث والأربع بين البناء على الأقل
ولا احتياط والأكثر مع الاحتياط.
وأنت خبير بما في هذا النقل عن ابن بابويه في هذا المقام
فإنه على قياس ما قدمناه من النقولات المختلفة والحكايات المعتلة ، حيث انه لا
وجود لشيء من ذلك في كتابه بالمرة بل الموجود فيه انما هو ما صرح به الأصحاب (رضوان
الله عليهم) كما عرفت من البناء على الأكثر من غير تردد ولا ذكر لفرد آخر ، ونسبة
هذه العبارة إليه ـ باعتبار التوهم الذي ينشأ من قوله : «وليست هذه الأخبار مختلفة»
كما قدمنا ذكره ـ بعيد عن سياق الكلام وخارج عن سلك ذلك النظام.
وبالجملة فإن هذه النقولات في هذه المقامات محل عجب عجاب
سيما مع متابعة الخلف للسلف في هذا الباب ، والفقيه بمنظر منهم مطبقين على درسه
وشرحه ومراجعته فكيف اتفق لهم هذا الأمر الغريب ولم يتنبه أحد منهم الى هذا العجب
العجيب؟
وأما نقل ذلك عن ابن الجنيد فان كلامه لا يحضرني ولا
أعلم صحته ولا بطلانه.
وكيف كان فالمعتمد هو القول المشهور وهو المؤيد المنصور
للأخبار الكثيرة
ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن
سيابة وابى العباس عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا لم
تدر ثلاثا صليت أو أربعا ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث ، وان وقع رأيك على
الأربع فسلم وانصرف ، وان اعتدل وهمك فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس».
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) (2) في حديث قال :
«وان كنت لا تدري ثلاثا صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شيء فسلم ثم صل ركعتين
وأنت جالس تقرأ فيهما بأم الكتاب وان ذهب وهمك الى الثلاث فقم فصل الركعة الرابعة
ولا تسجد سجدتي السهو ،
__________________
(1) الوسائل الباب 7 من الخلل في الصلاة.
(2) الوسائل الباب 10 من الخلل في الصلاة.
فإن ذهب وهمك إلى الأربع فتشهد وسلم
ثم اسجد سجدتي السهو».
قال في الوافي : لعل الأمر بسجدتي السهو في الصورة
الأخيرة لتدارك النقصان الموهوم وينبغي حمله على الاستحباب. أقول : وسيأتي تحقيق
القول في ذلك في موجبات سجدتي السهو إن شاء الله تعالى.
وعن جميل عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «في من
لا يدرى أثلاثا صلى أم أربعا ووهمه في ذلك سواء؟ قال فقال : إذا اعتدل الوهم في
الثلاث والأربع فهو بالخيار إن شاء صلى ركعة وهو قائم وان شاء صلى ركعتين واربع
سجدات وهو جالس».
وما رواه في الكافي والتهذيب عن الحسين بن ابى العلاء في
الحسن عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «إن
استوى وهمه في الثلاث والأربع سلم وصلى ركعتين وأربع سجدات بفاتحة الكتاب وهو جالس
يقصر في التشهد». قوله «يقصر في التشهد» أى يخففه. وربما وجد في بعض النسخ «يقصد»
بالدال من القصد وهو بمعنى التوسط.
وقال في كتاب الفقه الرضوي (3) : «وان شككت
فلم تدر ثلاثا صليت أم أربعا وذهب وهمك إلى الثالثة فأضف إليها ركعة من قيام وان
اعتدل وهمك فصل ركعتين وأنت جالس».
ومن أخبار المسألة التي لا تخلو من الإشكال ما رواه في
الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم (4) قال : «انما السهو ما بين الثلاث
والأربع وفي الاثنتين والأربع بتلك المنزلة ، ومن سها فلم يدر ثلاثا صلى أم أربعا
واعتدل شكه قال : يقوم فيتم ثم يجلس فيتشهد ويسلم ويصلى ركعتين واربع سجدات وهو
جالس ، وان كان أكثر
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 10 من الخلل في الصلاة.
(3) ص 10.
(4) الوسائل الباب 10 من الخلل في الصلاة.
وهمه إلى الأربع تشهد وسلم ثم قرأ
فاتحة الكتاب وركع وسجد ثم قرأ وسجد سجدتين وتشهد وسلم ، وان كان أكثر وهمه الى
الثنتين نهض فصلى ركعتين وتشهد وسلم».
وجه الإشكال فيه انه حكم في من شك بين الثلاث والأربع
واعتدل شكه بأنه يقوم فيتم ثم يجلس فيتشهد ويسلم ويصلى ركعتين وأربع سجدات وهو
جالس ، وهو ظاهر في انه يبنى على الأقل ويتم صلاته ثم يحتاط مع ذلك بركعتين جالسا
ولا قائل به. وأيضا فإن الاحتياط إنما هو مع البناء على الأكثر لا مع البناء على
الأقل. وكذا الإشكال في قوله : «وان كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهد وسلم ثم قرأ
فاتحة الكتاب. الى آخره» فإنه ظاهر في انه مع ظن الأربع وترجيحها يبنى عليها
ويحتاط مع ذلك بركعتين جالسا مع انه لا خلاف ولا إشكال في انه مع ترجيح أحد
الطرفين وظنه يبنى عليه زيادة أو نقصانا ولا احتياط بالكلية.
وما ذكره في الوافي بالنسبة إلى الأول ـ حيث قال :
الظاهر ان «أو» بدل الواو في قوله : «ويصلى ركعتين» ـ لا يدفع الإشكال فإن غايته
انه مع تساوى طرفي الشك في الصورة المذكورة يتخير بين البناء على الأقل والأكثر
ولا قائل به ايضا.
وكيف كان فان الخبر المذكور لما لم يكن مسندا عن الإمام (عليهالسلام) وإنما هو
كلام محمد بن مسلم كان الخطب هينا.
ومن ذلك ـ ما رواه في الكافي والتهذيب عن ابى بصير في
الموثق (1) قال : «سألته
عن رجل صلى فلم يدر أفي الثالثة هو أم في الرابعة؟ قال : فما ذهب وهمه اليه ، ان
رأى أنه في الثالثة وفي قلبه من الرابعة شيء سلم بينه وبين نفسه ثم يصلى ركعتين
يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب».
وظاهره انه مع غلبة ظنه انه في الثالثة يبنى على الأربع
ويصلى صلاة الاحتياط وهو خلاف فتوى الأصحاب (رضوان الله عليهم) وخلاف ما عليه غير
هذا الخبر من الأخبار. ويمكن تأويله بحمل جوابه (عليهالسلام) على التفصيل
بين ما ذهب
__________________
(1) الوسائل الباب 10 من الخلل في الصلاة.
إليه وهمه فيبني عليه وبين ما لم يكن
كذلك فيعمل فيه بموجب الشك في المسألة. وقوله : «ان رأى أنه في الثالثة وفي قلبه
من الرابعة شيء» بمعنى مساواته لما رآه في الثالثة فيحمل على الشك الموجب لتساوى
الطرفين.
وأما ما ذكره المحدث الكاشاني ـ بعد نقله لهذه الرواية
حيث قال : هذا برزخ بين الفصل والوصل لان سهوه برزخ بين الظن والشك. انتهى ـ فلا
أعرف له وجها وجيها لما عرفت من انه مع ظن أحد الطرفين فإنه يجب البناء عليه ولا
احتياط كما ذكره الأصحاب (رحمهمالله) وعليه دلت
صحيحة عبد الرحمن ابن سيابة وابى العباس وصحيحة الحلبي أو حسنته وغيرهما (1) وان تساوى الطرفان
فالواجب البناء على الأكثر والاحتياط كما هو المشهور وهو الذي عبر عنه بالفصل ،
وعلى القول الآخر يتخير بينه وبين البناء على الأقل والإتمام وهو الذي عبر عنه
بالوصل ، وحينئذ فهذه الرواية ان حملت على المعنى الأول أشكل الأمر فيها بالاحتياط
المذكور وان حملت على المعنى الثاني ـ وان كان خلاف ظاهرها ـ فلا إشكال. والفصل
والوصل الذي ذكره محله إنما هو في صورة الشك وتساوى الطرفين فإنه عنده يتخير بين
البناء على الأقل ولا احتياط وهو المسمى بالوصل وبين البناء على الأكثر والاحتياط
، وما في هذا الخبر لا يخرج عن أحد الفردين المتقدمين ليكون برزخا وواسطة في البين
، فان زعم ان ذلك باعتبار قوله : «وفي قلبه من الرابعة شيء» فإنه لا يخفى ان كل
من رجح أحد الطرفين وظنه فان في قلبه شيئا من الطرف الآخر وهو المسمى عندهم بالوهم
ولكن لا عمل عليه في مقابلة الظن. وبالجملة فإن كلامه غير موجه ولا واضح.
وأما ما نقل عن ابن الجنيد ـ من القول بالتخيير ، وعن
الصدوق بزعمهم ـ فلم أقف له على خبر يدل عليه ، إلا انه قال في المدارك : احتج
القائلون بالتخيير بأن فيه جمعا بين ما تضمن البناء على الأكثر وبين ما تضمن
البناء على الأقل
__________________
(1) ص 228.
كصحيحة زرارة عن أحدهما (عليهماالسلام) (1) قال : «وإذا
لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شيء
عليه.». وهذا القول لا يخلو من رجحان إلا أن الأول أجود. انتهى.
أقول ـ وبالله الثقة لإدراك المأمول ونيل المسؤول ـ الظاهر
ان هذا الدليل الذي نقله عن القائلين بالتخيير إنما هو من مخترعاته (قدسسره) بناء على ما
توهمه من الصحيحة المذكورة وانها دالة على البناء على الأقل حسبما جرى له في حسنة
زرارة المتقدمة ، ويدل على ذلك (أولا) ان العلامة في المختلف إنما احتج لأصحاب هذا
القول بدليل عقلي إقناعي ثم رده وأبطله. و (ثانيا) انه قد نسب هذا القول والاحتجاج
بهذا الدليل الى ابن بابويه مع انه ليس له في كتابه عين ولا اثر كما عرفت ، ولكنه (قدسسره) حيث فهم من
الرواية المذكورة ـ وقوله فيها :
«قام فأضاف إليها أخرى» يعني بنى على الثلاث وقام فأضاف
إليها رابعة ـ البناء على الأقل مع صراحة الأخبار المتقدمة في البناء على الأكثر
جمع بينها بالتخيير وجعله دليلا لهذا القول ، وكان الاولى على هذا ان يقول : ويدل
على هذا القول ان فيه جمعا بين الاخبار لا انه ينسب ذلك الى أصحاب هذا القول
والحال كما عرفت.
وتحقيق القول في هذا المقام على وجه تنكشف به غشاوة
الاشكال ويتضح به هذا الإجمال هو ان يقال : لا يخفى على المتأمل في اخبار الاحتياط
التي وردت في هذه الصور المنصوصة بعين الإنصاف أن الأئمة (عليهمالسلام) ربما أجملوا
في التعبير عن ذلك الاحتياط إجمالا زائدا يوهم الناظر ما وقع فيه السيد المشار
اليه ومن تبعه من توهم انه من نفس الصلاة الأصلية وربما أوضحوا ذلك إيضاحا تاما
وبينهما مراتب متفاوتة في الوضوح والخفاء وكل ذلك بالنظر الى أحوال السامعين
وزيادة الغباوة والبلادة والفهم والذكاء ، ولهذا ان أصحابنا (رضوان الله عليهم)
__________________
(1) الوسائل الباب 10 من الخلل في الصلاة.
قديما وحديثا لم يزالوا يستدلون بهذه
الأخبار على وجوب الاحتياط في كل صورة صورة من هذه الصور مجملها ومفصلها وموصولها
ومفصولها فيحملون المجمل على المفصل والموصول على المفصول حتى انتهت النوبة إلى
السيد السند فوقع في هذا الإشكال وتبعه جملة ممن تأخر عنه كما هي عادتهم غالبا مثل
المحدث الكاشاني والفاضل الخراساني وغيرهما ، حتى ان المحدث الكاشاني في الوافي
عمد الى هذه الأخبار الغير المصرح فيها بالفصل فجعلها أصلا وقاعدة كلية وقابلها
بالأخبار الصريحة في الفصل وجعلها قاعدة ثانية فأثبت هنا ضابطتين ، وقوى الشبهة
عنده في ذلك (أولا) ما ورد في الأخبار من الروايات الدالة على البناء على الأكثر
بقول مطلق وما ورد منها دالا على البناء على الأقل مطلقا كما تقدم نقله في المسألة
المتقدمة. و (ثانيا) توهم ذهاب الصدوق الى ما ذكروه واستدلاله بهذا الخبر كما سمعت
من كلام صاحب المدارك. والجميع من قبيل البناء على غير أساس فلهذا عظم فيه
الاشتباه والالتباس وهو عند التأمل في ما ذكرناه ظاهر الانهدام والانطماس.
وقال المحدث المشار إليه في الكتاب المذكور بعد نقل
صحيحة زرارة أو حسنته التي استند السيد السند هنا الى عجزها الوارد في حكم هذه
الصورة ، وصورتها كملا هكذا : زرارة عن أحدهما (عليهماالسلام) (1) قال : «قلت له
من لم يدر في أربع هو أو في ثنتين وقد أحرز الثنتين؟ قال : يركع ركعتين وأربع
سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا شيء عليه ، وإذا لم يدر في ثلاث هو أو
في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شيء عليه». فقال المحدث المشار
اليه بعد نقلها بطولها ما صورته : لم يتعرض في هذا الحديث لذكر فصل الركعتين أو
الركعة المضافة للاحتياط ووصلها كما تعرض في الخبر السابق والاخبار في ذلك مختلفة
وفي بعضها إجمال كما ستقف عليه ، وطريق التوفيق بينها التخيير كما ذكره في الفقيه
ويأتي كلامه فيه ، وربما يسمى الفصل بالبناء على الأكثر والوصل
__________________
(1) الوسائل الباب 10 و 11 من الخلل في الصلاة.
بالبناء على الأقل وما سمعت أحدا تعرض
لهذه الدقيقة ، وفي حديث عمار الآتي إشارة الى ذلك فلا تكونن من الغافلين. انتهى.
أقول : أشار بحديث عمار الى روايته التي قدمناها (1) وهي قوله (عليهالسلام): «كل ما دخل
عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر. إلخ». فإنه قد قال بعدها : هذه هي
الضابطة الكلية المشتملة على أكثر أخبار هذا الباب وهي فذلكتها وفي مقابلتها ضابطة
أخرى هي البناء على الأقل وإتمام الصلاة جملة واحدة. انتهى.
ولا بد في دفع هذه الأوهام التي وقع فيها هؤلاء الأعلام
من نقل جملة من الروايات الواردة في المقام وبيان ما اشتملت عليه من المراتب في
الإيضاح والإفهام عن ذلك المعنى الذي اضطربت فيه هذه الافهام. لكن ينبغي أن يعلم
أولا انه لما ثبت بما حققناه آنفا ان هذه الاخبار الصريحة في البناء على الأقل
مطلقا إنما خرجت مخرج التقية (2) والعمل إنما
هو على الاخبار الدالة على البناء على الأكثر مطلقا كان أو في خصوص هذه الصور
فالواجب حمل ما دل من هذه الأخبار الواردة في هذه الصور المذكورة على التقية أيضا
لو كان صريحا في البناء على الأقل والإعراض عن العمل به فكيف وهو قابل للحمل على
تلك الروايات المفصلة بل بعضه ظاهر في ذلك. وهذه الجملة كافية في دفع شبهة هذا
الخصم ولكنا مع ذلك نستظهر بنقل الروايات التي أشرنا إليها :
فمن ذلك ـ الصحيحة التي ذكر المحدث المذكور هذا الكلام
على أثرها فإنه (عليهالسلام) قد أجمل في
صدرها وعجزها إلا ان صدرها أظهر في الدلالة على ما ندعيه لأن ذكر فاتحة الكتاب
قرينة على إرادة الاحتياط كما هو مصرح به في غيرها وان كانت القراءة في الأخيرتين
جائزة من حيث التخيير بناء على المشهور لكنه لم يجر في هذه الأخبار ولا عبر به في
شيء منها بل ذكر القراءة في روايات الاحتياط كلها إنما هو من حيث الفصل ، وكأنهم (ع)
قصدوا إلى أنها صلاة منفردة لا بد فيها
__________________
(1) ص 211.
(2) ص 223.
من فاتحة الكتاب كما ربما ذكروا أيضا
فيها التشهد والتسليم.
ومن ذلك ـ قوله (عليهالسلام) في صحيحة
البقباق (1) : «وان اعتدل
وهمك فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس». والاحتياط ههنا موصول لكن قرينة الأمر بالجلوس
دفع توهم دخوله في الصلاة.
ومن ذلك ـ قوله (عليهالسلام) في مرسلة
جميل (2) : «إذا اعتدل
الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار ان شاء صلى ركعة وهو قائم وان شاء صلى ركعتين
واربع سجدات وهو جالس». وهذه الرواية أيضا لم يصرح فيها بالفصل وانما علم من حيث
التخيير في الاحتياط بين الفردين المذكورين ، ولو لم يذكر الركعتين من جلوس لسبق
الى الوهم كون تلك الركعة من قيام متصلة داخلة في الصلاة الأصلية وكل ذلك انما جرى
على التوسع في التعبير كما أشرنا إليه آنفا.
ومن ذلك ـ قوله (عليهالسلام) في رواية ابن
ابى يعفور (3) : «في رجل لا
يدرى ركعتين صلى أم أربعا؟ قال : يتشهد ويسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين وأربع سجدات».
وفي صحيحة محمد بن مسلم (4) : «في رجل صلى
ركعتين فلا يدرى ركعتان هي أو أربع؟ قال : يسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين بفاتحة
الكتاب».
وقد أفصح (عليهالسلام) في هذين
الخبرين أى إفصاح وصرح بالفصل الصراح. وفي موثقة أبي بصير (5) : «إذا لم تدر
أربعا صليت أم ركعتين فقم واركع ركعتين ثم سلم واسجد سجدتين». وقد أجمل (عليهالسلام) في هذا الخبر
كمل أجمل في صدر صحيحة زرارة أو حسنته المتقدمة إلا أنه هناك صرح بفاتحة الكتاب
التي هي قرينة على كونها صلاة الاحتياط كما قدمنا ذكره.
وهذه كلها كما ترى في الشك بين الاثنتين والأربع
والاحتياط فيها واحد
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 10 من الخلل في الصلاة.
(3 و 4 و 5) الوسائل الباب 11 من الخلل في الصلاة.
لكن الأخبار اختلفت في الإجمال
والتصريح ، والأصحاب قد حملوا مجملها على مفصلها كما هو القاعدة في أمثال ذلك.
وهؤلاء الأعلام باعتبار الروايات الدالة على جواز البناء
على الأقل مطلقا ونسبتهم ذلك الى الصدوق عمدوا الى هذه الأخبار المجملة وألحقوها
بتلك الروايات المطلقة. وأنت قد عرفت ما في أساسهم الذي بنوا عليه من الخراب
والانهدام لوجوب حمل تلك الروايات على التقية وفساد ما نسبوه الى الصدوق في هذا
المقام ومتى بطل الأصل الذي بنوا عليه بطل ما فرعوه وجعلوه راجعا اليه.
هذا. وأما ما ذكره المحدث المذكور ـ وسجل به مما قدمنا
نقله عنه وان ما ذكره دقيقة لم يتفطن لها غيره ـ
ففيه (أولا) ـ ان هذه الدقيقة ان أراد بها ما فهمه من
الأخبار المجملة من حيث عدم التصريح بالفصل بين الصلاة الأصلية وبين صلاة الاحتياط
فقال فيها بالبناء على الأقل وجعلها ضابطة كلية وقابلها بالأخبار الصريحة في الفصل
الدالة على البناء على الأكثر فجعلها ضابطة اخرى ، ففيه انه قد سبقه صاحب المدارك
الى ذلك بل الصدوق أيضا بزعمهم. نعم ان السيد قد وقف على مورد تلك الأخبار المجملة
وهو قد جعل ذلك قاعدة كلية في جميع الشكوك اعتضادا بعموم تلك الأخبار المطلقة.
وأنت قد عرفت ان تلك الأخبار التي هي أصل الشبهة الحاملة له على جعل ذلك ضابطة
كلية إنما خرجت مخرج التقية. وأما هذه الأخبار المجملة في هذه الصور فيجب حمل
إجمالها على الروايات المفصلة كما هي القاعدة الكلية.
و (ثانيا) ـ ان ما زعمه من نسبة التخيير في جميع الشكوك
الى الفقيه بناء على قوله : «وليست هذه الاخبار مختلفة وصاحب السهو بالخيار. إلخ»
وهو الذي أشار إليه في كلامه المتقدم بقوله «ويأتي كلامه فيه» فقد أوضحنا بطلانه
بما لا مزيد عليه. والله العالم ورسوله وأولياؤه (عليهمالسلام).
بقي الكلام في الاحتياط في هذه الصورة والمشهور ما
قدمناه من التخيير ونقل عن ظاهر ابن ابى عقيل والجعفي تعين الركعتين من جلوس وهو
الذي تضمنه أكثر أخبار المسألة المتقدمة إلا ان مرسلة جميل قد دلت على التخيير
وعليها عمل الأصحاب (رضوان الله عليهم) وبها قيدوا إطلاق تلك الاخبار. وصاحب
المدارك ومن حذا حذوه بناء على الاصطلاح المحدث بينهم قد ردوا الرواية بضعف السند
فلا تصلح لتخصيص تلك الاخبار ، وهو جيد على ذلك الأصل الغير الأصل. وكيف كان
فالاحتياط يقتضي الوقوف على ما تضمنه أكثر الاخبار من الركعتين من جلوس. والله العالم.
(المسألة الثامنة) ـ لو شك بين الاثنتين والأربع فالمشهور
هو البناء على الأكثر والاحتياط بركعتين من قيام.
ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في
الصحيح عن محمد بن مسلم (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل صلى
ركعتين فلا يدرى ركعتان هي أو أربع؟ قال يسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين بفاتحة الكتاب
ويتشهد وينصرف وليس عليه شيء».
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن والصدوق في
الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «إذا لم
تدر اثنتين صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شيء فتشهد وسلم ثم صل ركعتين واربع
سجدات تقرأ فيهما بأم القرآن ثم تشهد وسلم ، فان كنت إنما صليت ركعتين كانت هاتان
تمام الأربع ، وان كنت صليت الأربع كانت هاتان نافلة».
وما رواه في الكافي عن ابن ابى يعفور (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل لا
يدرى ركعتين صلى أم أربعا؟ قال يتشهد ويسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين وأربع سجدات يقرأ
فيهما بفاتحة الكتاب ثم يتشهد ويسلم ، فان كان
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 11 من الخلل في الصلاة.
صلى أربعا كانت هاتان نافلة وان كان
صلى ركعتين كانت هاتان تمام الأربع ، وان تكلم فليسجد سجدتي السهو».
وعن زرارة في الصحيح (1) قال : «قلت له من لم يدر في أربع هو
أو في ثنتين وقد أحرز الثنتين؟ قال يركع ركعتين واربع سجدات وهو قائم بفاتحة
الكتاب ويتشهد ولا شيء عليه. الحديث».
وعن جميل عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «في رجل
لم يدر ركعتين صلى أم أربعا ووهمه يذهب إلى الأربع والى الركعتين؟ فقال يصلى
ركعتين واربع سجدات. الحديث». قوله : «ووهمه يذهب إلى الأربع والى الركعتين» اى من
غير ترجيح ولا ظن أحدهما».
وقال في كتاب الفقه الرضوي (3) «وان شككت في
الثانية أو الرابعة فصل ركعتين من قيام بالحمد».
وروى الشيخ عن ابى بصير في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «إذا لم
تدر أربعا صليت أم ركعتين فقم واركع ركعتين ثم سلم واسجد سجدتين وأنت جالس ثم سلم
بعدهما».
وحمل الشيخ والعلامة سجدتي السهو هنا على ما إذا تكلم
ناسيا. ولا يخلو من البعد. وجملة من متأخري المتأخرين حملوهما على الاستحباب. ومن
المحتمل قريبا ان الأمر بالسجود هنا انما هو من حيث البناء على الأقل وان الحديث
يراد به البناء على الأقل ويكون حينئذ محمولا على التقية لما قدمنا (5) تحقيقه من ان
العامة على البناء على الأقل وسجود السهو كما مر في خبر صحيح مسلم (6) عن عبد الرحمن
بن عوف وبه صرح البغوي في شرح السنة. وحينئذ فلا يكون هذا الخبر من اخبار المسألة
في شيء لخروجه مخرج التقية.
__________________
(1 و 2 و 4) الوسائل الباب 11 من الخلل في الصلاة.
(3) ص 10.
(5) ص 223 و 224.
(6) ارجع الى التعليقة 4 ص 195.
ونحوه في ذلك ما رواه احمد بن محمد بن خالد البرقي في
المحاسن عن بكير بن أعين في الحسن عن ابى جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «قلت له
رجل شك فلم يدر أربعا صلى أم اثنتين وهو قاعد؟ قال يركع ركعتين واربع سجدات ويسلم
ثم يسجد سجدتين وهو جالس».
قال في المدارك في هذا المقام بعد ذكر صحيحة محمد بن
مسلم والحلبي دليلا للقول المشهور : ويحتمل قويا التخيير في هذه المسألة بين ذلك
وبين البناء على الأقل ولا احتياط جمعا بين هذه الروايات وبين ما رواه الكليني في
الصحيح عن زرارة عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «قلت
له من لم يدر.» ثم ساق الخبر المتقدم (2)
أقول : هذا من جملة ما قدمنا ذكره من توهم وصل الاحتياط
بالصلاة الأصلية في الأخبار لعدم ذكر الفصل بالتشهد والتسليم بينه وبين الصلاة
الأصلية أو أحدهما ، وهذه الرواية هي التي قدمنا الكلام عليها وبينا ان قوله فيها «بفاتحة
الكتاب» قرينة على ان المراد صلاة الاحتياط لا كونهما أخيرتي الرباعية لما شرحناه
آنفا ، فان التعبير بذلك وقع في جملة من الروايات كصحيحة محمد بن مسلم المذكورة في
هذه المسألة ، وكذا صحيحة الحلبي المذكورة هنا ايضا ، ومثلهما حسنة الحلبي
المتقدمة في صورة الشك بين الثلاث والأربع ، وعبارة كتاب الفقه. وهو مع هذه
القرينة الظاهرة تعسف في حملهما على الركعتين الأخيرتين وان قراءة الفاتحة انما هي
لكونها أحد الفردين المخير بينهما. ولا يخفى عليك ما فيه من التعسف
وبالجملة فإنه إنما وقع في هذا الوهم من حيث انه ذكر في
صحيحتي محمد بن مسلم والحلبي المذكورتين في كلامه الفصل بالتشهد والتسليم أو
التسليم وفي هذه الرواية قال : «يركع ركعتين. الى آخره» ولم يذكر انه يتشهد أو
يسلم ، فهو يدل على كون هاتين الركعتين من الصلاة الأصلية بأنه يكون قد بنى على
الأقل.
وفيه انه كيف يتم الاستناد الى مجرد هذه العبارة والحال
انه قد وقع التعبير
__________________
(1) الوسائل الباب 11 من الخلل في الصلاة.
(2) ص 233.
بها في جملة من الروايات التي علم
الفصل فيها بقرائن آخر كما قدمنا ذكره ، وغاية ما يلزم انها باعتبار عدم التصريح
بالفصل وعدم وجود قرينة أخرى على ارادة الفصل مجملة محتملة لكل من الأمرين لا انها
تكون صريحة أو ظاهرة في ما يدعيه ولهذا ان صاحب الذخيرة ـ بعد نقل رواية أبي بصير
المتقدمة التي هي في الإجمال مثل هذه الرواية ـ قال يمكن ان يحمل على البناء على
الأقل والأكثر ولا يبعد ادعاء ظهوره في الأول. انتهى. وادعاء ظهوره في الأول ممنوع
لما عرفت.
وبالجملة فإنه مع هذا الإجمال لا يصح الاستناد إليها أو
الى غيرها متى كان كذلك في إثبات حكم شرعي مخالف للاخبار الصحيحة الصريحة
المتكاثرة المعتضدة بفتوى الأصحاب قديما وحديثا عدا من وقع في هذا الوهم من هؤلاء
المذكورين ولا ريب ان هذا التعبير وهذا الإجمال انما نشأ من معلومية الحكم يومئذ
وكم مثله في سعة التجوز في العبارات كما لا يخفى على من خاض بحور الاستدلالات
وتتبع المقالات ، بل الواجب حمل إجمالها على ما فصل في غيرها.
وكيف كان فإنك قد عرفت ان كلامهم في هذه الروايات انما
نشأ من تلك الأخبار المطلقة في البناء على الأقل فإنهم اتخذوها كالأساس ، ونحن قد
هدمنا بحمد الله سبحانه بنيانها وزعزعنا أركانها فزال الالتباس. ولم تر مثل هذا
التحقيق الرشيق في غير زبرنا ومصنفاتنا فتأمله بعين البصيرة وأنظره بمقلة عير
حسيرة ليظهر لك ما في الزوايا من الخبايا.
ونقل في المختلف عن ابن بابويه في كتاب المقنع انه يعيد
الصلاة ، وربما كان مستنده ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد (1) ـ وهو ابن
مسلم على الظاهر ـ قال : «سألته عن الرجل لا يدرى صلى ركعتين أم أربعا؟ قال يعيد
الصلاة». والجواب عنها ما تقدم من الجواب عن صحيحة عبيد بن زرارة المذكورة في
مسألة الشك بين الاثنتين والثلاث ويجب حملها على ما حملت تلك عليه. والشيخ حملها
على الشك في
__________________
(1) الوسائل الباب 11 من الخلل في الصلاة.
الصبح أو المغرب وبعده ظاهر. قيل :
والصدوق قال بالتخيير لهذه الرواية. وهو ضعيف لما عرفت.
وقال في البحار : واحتمل الشهيد في الذكرى والعلامة في
النهاية كون البناء على الأكثر وصلاة الاحتياط للرخصة والتخفيف وتكون الإعادة أيضا
مجزئة. ثم رده وقال لا يخفى بعد هذا الكلام عن ظواهر النصوص ولا داعي الى ذلك ولم
يعلم قائل بذلك ايضا قبلهما انتهى. وهو جيد فان الخروج عن ظواهر تلك الأخبار بل
صريحها الدال على وجوب البناء على الأكثر والاحتياط بما ذكر بهذا الخبر الشاذ
النادر لا يخلو من مجازفة ، وقد سبق نظيره في مسألة الشك بين الاثنتين والثلاث مع
ان المعارض ثمة أقل مما هنا ، وما ذكراه هنا انسب بتلك المسألة سيما مع دعوى جملة
منهم عدم الدليل كما عرفت ثمة. والله العالم.
(المسألة التاسعة) ـ لو شك بين الاثنتين والثلاث والأربع
فالمشهور انه يبنى على الأكثر ويتم صلاته ثم يصلى ركعتين من قيام وركعتين من جلوس
، وذهب الصدوقان وابن الجنيد إلى انه يبنى على الأربع ويصلى ركعة من قيام وركعتين
من جلوس. ونقل عن ابن الجنيد البناء على الأقل ما لم يخرج الوقت.
ويدل على القول المشهور ما رواه الكليني والشيخ عن ابن
ابى عمير في الصحيح عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) «في رجل صلى فلم
يدر اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا؟ قال يقوم فيصلي ركعتين من قيام ويسلم ثم يصلى
ركعتين من جلوس ويسلم فان كان صلى اربع ركعات كانت الركعتان نافلة وإلا تمت الأربع».
وأنت خبير بان هذه الرواية قد اشتملت على وصل الاحتياط
بالفريضة مثل ما وقع في حسنتي زرارة المتقدمتين اللتين صارتا منشأ لتوهم السيد ومن
تبعه ولكن لمعلومية الاحتياط هنا وانه لا يصلح للجزئية من حيث ركعتي الجلوس زال
الوهم المذكور. إلا ان اللازم بمقتضى ما توهمه ـ لو كان صحيحا ـ ان يكون الحكم
__________________
(1) الوسائل الباب 13 من الخلل في الصلاة. والشيخ يرويه عن
الكليني.
في هذه الرواية هو البناء على الأقل
ثم الإتمام بتلك الركعتين من قيام يجعلهما من الصلاة الأصلية ثم الاحتياط بركعتين
جالسا وهو لا يقول به ولا يلتزمه.
والظاهر انه لا خلاف هنا في البناء على الأكثر إلا ما
يتوهمون به من قول الصدوق بالتخيير في جميع افراد الشكوك ، وما تقدم من المرتضى في
المسائل الناصرية من البناء على الأقل مطلقا وقد عرفت ما في الجميع. والخلاف
المشهور هنا انما هو في الاحتياط وقد عرفت ما هو المشهور وما يدل عليه.
واما القول الثاني من الاحتياط بركعة قائما وركعتين
جالسا فقال في الذكرى انه قوى من حيث الاعتبار لأنهما تنضمان حيث تكون الصلاة
اثنتين ويجتزأ بأحدهما حيث تكون ثلاثا إلا ان النقل والاشتهار يدفعه.
وكأنه أشار بالنص إلى مرسلة ابن ابى عمير المذكورة مع
انه قد روى الصدوق عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح عن أبي إبراهيم (عليهالسلام) (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل لا يدرى
اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا؟ فقال يصلى ركعة من قيام ثم يسلم ثم يصلى ركعتين وهو
جالس».
وفي كتاب الفقه الرضوي (2) قال (عليهالسلام): «وان شككت
فلم تدر اثنتين صليت أم ثلاثا أم أربعا فصل ركعة من قيام وركعتين من جلوس».
وربما استشكل في الرواية المذكورة من حيث تضمنها لسؤال
الكاظم من أبيه (عليهماالسلام) كما أشار
إليه في المدارك حيث قال ـ بعد رد مرسلة ابن ابى عمير بأنها قاصرة من حيث الإرسال
وذكر الصحيحة المذكورة ـ ما لفظه : إلا ان ما تضمنته الرواية من سؤال الكاظم من
أبيه (عليهماالسلام) على هذا
الوجه غير معهود والمسألة محل اشكال. انتهى.
أقول : لا يخفى ان المعلوم من قاعدته ـ كما نبهنا عليه
في غير موضع ـ انه متى صح سند الرواية جمد على القول بما تضمنته وان خالف مقتضى
القواعد والأصول
__________________
(1) الوسائل الباب 13 من الخلل في الصلاة.
(2) ص 10.
أو خالف ما هو المعلوم من كلام
الأصحاب (رضوان الله عليهم) أو نحو ذلك فلا وجه لهذا الإشكال باعتبار عدم معهودية
رواية الكاظم عن أبيه (عليهماالسلام) وقد اشتمل
كتاب الفقه الرضوي على الرواية عن أبيه (عليهماالسلام) في مواضع لا
تخفى بقوله (1) : «واروى عن
العالم وكنت يوما عند العالم». ونحو ذلك ورواياتهم عن آبائهم (عليهمالسلام) بعد الموت
كثيرة. وبالجملة فإن هذا ليس مما يوجب الطعن في السند باصطلاحه. إلا ان نسخ من لا
يحضره الفقيه في هذا الخبر مختلفة ففي بعضها «يصلى ركعتين من قيام» وفي سند
الرواية أيضا اختلاف ففي بعضها عن أبي إبراهيم (عليهالسلام) قال : «قلت
له.» إلا ان أكثر النسخ على ما ذكرناه في الخبر. ويؤيده بالنسبة إلى الأول خبر
كتاب الفقه.
وكيف كان فالظاهر في الجمع بين الأخبار المذكورة هو
القول بالتخيير وان لم يعلم به قائل من الأصحاب (رضوان الله عليهم).
ثم انه على تقدير القول المشهور فهل يجوز ان يصلى بدل
الركعتين جالسا ركعة قائما أم لا؟ أقوال ثلاثة : (أحدها) تحتمه ونسبه في الذكرى
الى ظاهر الشيخ المفيد في الغرية وسلار. و (ثانيها) عدم الجواز ونسبه في الذكرى
الى الأصحاب. و (ثالثها) التخيير لتساويهما في البدلية بل الركعة من قيام أقرب الى
حقيقة المحتمل وهو قول العلامة والشهيدين. قال في الذخيرة والأوسط أقرب وقوفا على
النص.
أقول : ما ذكره جيد لو لم يكن في المسألة إلا رواية ابن
ابى عمير المذكورة وأما بالنظر الى ما ذكرناه من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج
ورواية كتاب الفقه فالثالث هو الأصح لا باعتبار ما ذكروه من التعليل فإنه عليل بل
من حيث الجمع بين الخبرين وان كان ما ذكر انما هو تفريع على القول المشهور.
وهل يجب تقديم الركعتين من قيام؟ فيه أيضا أقوال : (الأول)
وجوب ذلك وهو قول الشيخ المفيد في المقنعة والمرتضى في أحد قوليه (الثاني) التخيير
ونقل
__________________
(1) من ص 45 الى ص 52.
عن ظاهر المرتضى (قدسسره) في الانتصار.
(الثالث) تحتم تقديم الركعتين جالسا وقد نقل بعض الأصحاب حكاية قول به. (الرابع)
تحتم تقديم الركعة من قيام وهو قول الشيخ المفيد في الغرية. والصواب هو الأخذ بما
دل عليه النص في الباب.
فائدة
قال شيخنا الشهيد الثاني (قدسسره) في الروض
وانما خص المصنف وأكثر الجماعة من مسائل الشك هذه الأربع لأنها مورد النص على ما
مر ، ولعموم البلوى بها للمكلفين فمعرفة حكمها واجب عينا كباقي واجبات الصلاة ،
ومثلها الشك بين الأربع والخمس وحكم الشك في الركعتين الأوليين والثنائية
والثلاثية بخلاف باقي مسائل الشك المتشعبة فإنها تقع نادرا ولا تكاد تنضبط لكثير
من الفقهاء. وهل العلم بحكم ما يجب معرفته منها شرط في صحة الصلاة فتقع بدون
معرفتها باطلة وان لم تعرض في تلك الصلاة؟ يحتمله تسوية بينها وبين باقي الواجبات
والشرائط التي لا تصح الصلاة بدون معرفتها وان اتى بها على ذلك الوجه ، وعدمه لأن
الإتيان بالفعل على الوجه المأمور به يقتضي الاجزاء ، ولأن أكثر الصحابة لم يكونوا
في ابتداء الإسلام عارفين بأحكام السهو والشك مع مواظبتهم على الصلاة والسؤال عند
عروضه. ولأصالة عدم عروض الشك وان كان عروضه أكثريا. وفي هذه الأوجه نظر واضح
وللتوقف مجال. انتهى.
أقول : والأصح ما ذكره أخيرا بقوله «وعدمه. إلخ» لما
حققناه في كتاب الدرر النجفية في درة الجاهل بالأحكام الشرعية وفي مطاوي أبحاث
الكتاب من صحة العبادة بدون ذلك. وقد تقدم أيضا في كتاب الطهارة في المقام التاسع
من مقامات البحث في النية ما فيه إشارة الى ذلك.
(المسألة العاشرة) ـ لو شك بين الأربع والخمس فالمشهور
انه يتم صلاته ويسجد سجدتي السهو.
وعلى ذلك تدل جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه في
الكافي عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
كنت لا تدري أربعا صليت أو خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «إذا لم
تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا
قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا».
وعن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «إذا لم
تدر أربعا صليت أو خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك وأنت جالس ثم سلم بعدهما».
ومما استدل به بعض الأصحاب في هذا المقام أيضا صحيحة
زرارة أو حسنته (4) قال : «سمعت
أبا جعفر (عليهالسلام) يقول قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا شك أحدكم
في صلاته فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس وسماهما رسول الله (صلىاللهعليهوآله) المرغمتين».
والمفهوم من هذه الرواية انما هو ان من مواضع سجدتي
السهو الشك في الزيادة والنقيصة كما هو ظاهر بعض الاخبار التي قبلها ايضا.
وأظهر منها في ذلك ما رواه الصدوق بطريقه إلى الفضيل بن
يسار (5) «انه سأل أبا
عبد الله (عليهالسلام) عن السهو
فقال من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو وانما السهو على من لم يدر أزاد في
صلاته أم نقص منها».
والمراد بالسهو الشك كما يطلق عليه في الاخبار في غير
مقام ، وسيأتي ان شاء الله تعالى ان من مواضع سجدتي السهو الشك في الزيادة
والنقيصة لهذه الاخبار وبموجب ذلك يجب سجود السهو في جميع صور الشكوك المتقدمة وهو
قول الصدوق
__________________
(1 و 2 و 4 و 5) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة.
(3) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة ، وهذه الرواية رواها
الكليني في الكافي ج 1 ص 98 ولم ينقلها في الوسائل من التهذيب نعم نقلها في الوافي
عنهما.
إلا انه يجب تقييد هذه الاخبار
بالاخبار الدالة على إبطال الشك المتعلق بالأولتين والثنائية والثلاثية فيخص بما
عدا ذلك.
والخلاف في هذه المسألة قد وقع في موضعين (أحدهما) ما
ذهب اليه الصدوق في المقنع من الاحتياط في هذه الصورة بركعتين جالسا حيث قال في
الكتاب المذكور : إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أو زدت أو نقصت فتشهد وسلم وصل
ركعتين بأربع سجدات وأنت جالس بعد تسليمك. وفي حديث آخر تسجد سجدتين بغير ركوع ولا
قراءة. انتهى.
وقال في المختلف ـ بعد ذكر القول المشهور ونقل قول ابن
بابويه المذكور والاستدلال للقول المشهور بصحيحة الحلبي المتقدمة ـ ما لفظه : ولأن
الأصل عدم الإتيان بالزيادة فلا يجب عليه شيء ، ولان الركعتين جعلتا تماما لما
نقص من الصلاة والتقدير انه شك في الزيادة بعد حفظ الكمال فلا يجب عليه بدل المأتي
به. نعم ان قصد الشيخ أبو جعفر ابن بابويه ان الشك إذا وقع في حالة القيام كأنه
يقول قيامي هذا لا أدرى أنه لرابعة أو خامسة فإنه يجلس إذا لم يكن قد ركع ويسلم
ويصلى ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ويسجد للسهو وان كان بعد ركوعه قبل السجود
فإنه يعيد الصلاة. انتهى.
أقول : ما ذكره وأورده على الصدوق جيد لو كان ما ذكره
الصدوق هنا من نفسه وانما هو مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي على الطريقة التي قدمنا
ذكرها ، وهذه صورة عبارته (عليهالسلام) في الكتاب
المشار اليه : وان لم تدر أربعا صليت أم خمسا أو زدت أو نقصت فتشهد وسلم وصل
ركعتين بأربع سجدات وأنت جالس بعد تسليمك. وفي حديث آخر تسجد سجدتين بغير ركوع ولا
قراءة وتشهد فيهما تشهدا خفيفا. انتهى. وهي كما ترى طبق عبارة المقنع كلمة كلمة
وحرفا وحرفا إلا في زيادة قوله «وتشهد فيهما تشهدا خفيفا» في عبارة كتاب الفقه. وهو
(عليهالسلام) قد أفتى أولا
بالاحتياط ونسب ما دلت عليه الاخبار المتقدمة
المعمول عليه بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) إلى الرواية مؤذنا بتضعيفه.
وقد روى الشيخ عن زيد الشحام عن أبي أسامة (1) قال : «سألته
عن رجل صلى العصر ست ركعات أو خمس ركعات؟ قال ان استيقن انه صلى خمسا أو ستا فليعد
وان كان لا يدرى أزاد أم نقص فليكبر وهو جالس ثم ليركع ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة
الكتاب في آخر صلاته ثم يتشهد. الحديث». ورده بعضهم بضعف السند وانه غير معمول
عليه بين الأصحاب.
وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور للأخبار المتقدمة
المعتضدة بفتوى الأصحاب (رضوان الله عليهم) قديما وحديثا وهم (عليهمالسلام) اعرف بما
قالوه في الخبرين المذكورين.
الموضع الثاني ـ ما ذهب إليه جملة من الأصحاب : منهم ـ الشيخ
المفيد والشيخ في الخلاف والصدوق وسلار وأبو الصلاح من عدم وجوب سجدتي السهو في
هذا الموضع والأخبار المتقدمة كما ترى على خلافه.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان للشك بين الأربع والخمس صورا
أنهاها بعضهم الى ثلاث عشرة صورة إلا انها ترجع عند التحقيق الى ثلاث صور :
الأولى ـ ان يشك قبل الركوع والظاهر انه لا خلاف ولا
إشكال في انه يجلس وينقلب شكه الى الثلاث والأربع فيعمل فيه على ما تقدم في تلك
المسألة ويزيد مع ذلك سجدتي السهو لمكان القيام ، وقد تقدم ذلك في كلام العلامة في
المختلف وهو مؤيد لما حققناه سابقا من انه إذا شك في حال قيامه بين كون قيامه
لثالثة أو رابعة فإنه لا يكون شكا بين الثلاث والأربع كما توهمه السيد واتباعه بل
يكون شكا بين الثنتين والثلاث كما انه في هذه الصورة لا يكون شكا بين الأربع
والخمس وانما هو
__________________
(1) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة. ولا يخفى ان «أبا
أسامة» كنية زيد الشحام وفي التهذيب ج 1 ص 236 هكذا «عن زيد الشحام أبي أسامة»
فكلمة «عن» يحتمل ان تكون من زيادة النساخ.
شك بين الثلاث والأربع.
وقال شيخنا المحدث الشيخ عبد الله بن الحاج صالح
البحراني في شرح رسالة شيخه الصلاتية ـ بعد ان ذكر هذه الصورة وذكر انه لا خلاف
فيها بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ انه لا مستند لها بالخصوص إلا ما روى انه «ما
أعاد الصلاة فقيه يحتال فيها ويدبرها حتى لا يعيدها» كما في موثقة عمار المروية في
الفقيه (1). انتهى
أقول : لا يخفى ما فيه فان أخبار الشك بين الثلاث
والأربع شاملة لهذه الصورة فإنه ما لم يدخل في الركوع يرجع الى ما تقدم ، إذ لا
فرق بين ان يشك وهو جالس قبل القيام أو بعد القيام وقبل الركوع حسبما فصل في هذه
الصورة.
الثانية ـ ان يشك بعد رفع رأسه من السجود أو بعد تمام
ذكر السجدة الثانية وان لم يرفع على القولين المتقدمين قريبا ، فإنه يبنى على
الأربع ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو ، وعلى ذلك دلت الأخبار المتقدمة في صدر
المسألة.
الثالثة ـ الشك بعد الركوع وقبل تمام السجود والمشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان حكمها كحكم سابقتها في الصحة والبناء على
الأربع وسجود السهو.
وقطع العلامة (قدسسره) في جملة من
كتبه بالبطلان واقتفاه المحقق الشيخ على (قدسسره) على ما نقل
عنه.
واحتجوا على ذلك بلزوم التردد بين محذورين : الإكمال
المعرض للزيادة والهدم المعرض للنقيصة. ورد بان المبطل إنما هو يقين الزيادة لا
احتمالها ولو اثر ذلك
__________________
(1) هذا اللفظ ورد في رواية حمزة بن حمران المروية في التهذيب
ج 1 ص 236 وفي الوسائل في الباب 29 من الخلل في الصلاة من التهذيب واما الصدوق
فإنه بعد ان ذكر في ج 1 ص 225 رواية عمار المتضمنة للبناء على الأكثر في كل شك
المتقدمة ص 222 قال : ومعنى الخبر الذي روى «ان الفقيه لا يعيد الصلاة» انما هو في
الثلاث والأربع لا في الأولتين. ويحتمل انه يريد بيان وجه الحيلة والتدبير في
موثقة عمار.
لأثر في ما لو عرض الشك بعد السجود
ايضا مع انهم اتفقوا هناك على الصحة.
إلا ان شيخنا الشهيد الثاني في الروضة نقل الاحتجاج
للعلامة هنا بحجة اخرى وهو ان في القول بالصحة هنا خروجا عن مقتضى النصوص فإنه لم
يكمل الركعة حتى يصدق عليه انه شك بينها وبين ما قبلها ، قال (قدسسره) ـ بعد قول
المصنف : وقيل تبطل الصلاة لو شك ولما يكمل السجود إذا كان قد ركع ـ ما صورته :
لخروجه عن المنصوص فإنه لم يكمل الركعة حتى يصدق عليه انه شك بينهما. ثم نقل الحجة
الثانية وهو تردده بين محذورين ثم ردها بما قدمنا ذكره. ولم يتعرض للجواب عن الحجة
الاولى ، والسبب فيه انه قد صرح هو وغيره بان الركعة عبارة عن الركوع والسجود فما
لم يكملها بتمام السجود لا يصدق حصول الركعة ومتى لم يصدق لم يدخل تحت النصوص ،
وانما الكلام في تحقق إتمامها بالرفع من السجود أو بإتمام ذكر السجدة الثانية وقد
تقدم ، ولهذا أوجبوا في صحة الشك والعمل به إتمام الأوليين بالسجود وحينئذ فإذا ثبت
ان الركعة عبارة عما ذكر فالشك قبل السجود شك قبل إكمال الركعة وتمامها فلا يدخل
تحت النص ، لان مرجع الشك بين الأربع والخمس إلى انه لا يدرى اتى بخمس أو أربع
فإذا لم يتمها فكيف يصدق الشك فيها؟
وبذلك يظهر لك ان ما ذكروه في المقام ـ من الحكم بالصحة
في ما إذا وقع الشك بين السجدتين وكذا بين الركوع والسجود ـ مدافع لما ذكروه من
عدم تحقق الركعة إلا بالإتمام بالسجود بل بالرفع منه فكيف يصح شكه هنا ويبنى على
الأربع؟ وبالجملة فإنه ما لم تتحقق الركعة وتتم بالسجود أو مع الرفع لا يتجه دخوله
في الصورة المفروضة ، ومن أجل ذلك ان شيخنا المشار إليه في الروضة أغمض النظر عن
احتجاجه للعلامة أولا بالخروج عن محل النص ولم يجب عنه بشيء لاتفاقهم على هذه
المقالة المؤذنة بصحة الحجة المذكورة ، ولا طريق الى الجواب عن ذلك والخروج من هذا
الإشكال إلا بمنع ما ادعوه من ان الركعة عبارة عما ذكروه والقول بأنها عبارة عن
مجرد الركوع كما هو القول الآخر الذي تقدم ذكره وان تقدم رد صاحب
المدارك له بالضعف إلا انه ناشىء عن
الغفلة عن هذا الإشكال.
والى هذا القول مال المحقق في أجوبة المسائل البغدادية
وجعله وجه الجواب عن القول بالصحة في المسألة حيث قال ـ بعد حكمه بالصحة وعدم
البطلان في الصورة المذكورة ـ ما نصه : لأن الركعة واحدة الركوع جنس كالسجدة
والسجود والركبة والركوب. انتهى.
وبذلك يظهر ان المدار هنا في الجواب عن الإشكال المذكور
مبنى على بيان معنى الركعة شرعا وانها عبارة عما ذا؟ فان كانت عبارة عما ذكروه فالحكم
بالصحة غير متجه لما عرفت وان كانت عبارة عن مجرد الركوع فما ذكروه من الحكم
بالصحة جيد. والمفهوم من الأخبار انها تطلق تارة على مجرد الركوع واخرى على ما
يدخل فيه السجود بل التشهد ايضا كقولهم : يتشهد في الركعة الثانية ويسلم في الركعة
الرابعة ونحو ذلك. ولعل الكلام في ما عدا الأول انما خرج مخرج التجوز تسمية للكل
باسم الجزء ومما يؤيده الأخبار الواردة في صلاة الكسوف حيث اشتملت على التعبير عن
الركوع فيها بالركعة كما لا يخفى على من راجعها وهو أقوى حجة في ما ذكرناه.
قال في الذكرى : واما الشك بين الأربع والخمس فالنص ان
عليه سجدتي السهو كما يأتي ، وفصل متأخر والأصحاب (رضوان الله عليهم) بما حاصله ان
ههنا صورا : (أحدها) ان يقع بعد إكمال السجدتين والأمر فيه ظاهر. و (ثانيها) ان
يقع قبل رفع رأسه من السجدة الثانية والظاهر الحاقه به لان الرفع لا مدخل له في
الزيادة. و (ثالثها) ان يقع بين السجدتين فيحتمل الحاقه بها تنزيلا لمعظم الركعة
منزلة جميعها ويحتمل عدمه لعدم الإكمال وتجويز الزيادة. و (رابعها) ان يقع بين
الركوع والسجود وهي أشكل مسائله ، قطع الفاضل فيها بالبطلان لتردده بين محذورين
اما القطع وهو معرض للأربع واما الإتمام وهو معرض للخمس. وقطع شيخه المحقق في
الفتاوى بالصحة تنزيلا للركعة على الركوع والباقي تابع. وتجويز الزيادة لا ينفى ما
هو ثابت بالأصالة ، إذ الأصل عدم الزيادة ، ولان تجويز الزيادة لو منع لأثر
في جميع صوره. و (خامسها) ان يقع في
أثناء الركوع فيحتمل الوجهين وان يرسل نفسه فكأنه شاك بين الثلاث والأربع. و (سادسها)
ان يقع بعد القراءة وقبل الركوع سواء كان قد انحنى ولم يبلغ حد الراكع أو لم ينحن
أصلا. و (سابعها) ان يقع في أثناء القراءة. و (ثامنها) ان يقع قبل القراءة وقد
استكمل القيام. و (تاسعها) ان يقع في أثناء القيام. وفي هذه الصور الأربع يلزم
الاحتياط بركعة قائما أو ركعتين جالسا لانه شك بين الثلاث والأربع ويرسل نفسه في
جميعها ولا يترتب على التعدد فيها شيء سوى احتمال سقوط سجود السهو ما لم يستكمل
القيام واحتمال تعدده إذا قرأ. وهذه الاحتمالات التسعة واردة في كل مسألة من المسائل
الأربع المتقدمة فلو أريد تركيب مسائل الشك الخمسة تركيبا ثنائيا وثلاثيا ورباعيا
حصل منه إحدى عشرة مسألة : ست من الثنائي واربع من الثلاثي وواحد من الرباعي ،
فإذا ضربت في الصور التسع كانت تسعا وتسعين مسألة تظهر بأدنى تأمل. انتهى كلامه
زيد إكرامه.
أقول : ومرجع هذه التسع التي ذكرها عند التحقيق والتأمل
بالنظر الثاقب الدقيق الى ما قدمناه من الثلاث ، أما الأربع الأخيرة فلما اعترف به
بقوله «وفي هذه الصور الأربع.» من حيث انقلاب الشك الى ما بين الثلاث والأربع
والخروج عن محل البحث ، ومرجع هذه الأربع إلى الصورة الاولى من الثلاث المتقدمة ،
واما الاولى والثانية فمرجعهما الى ما ذكرناه من الصورة الثانية ، وما ذكره من
التعدد يرجع الى الخلاف في ما يتحقق به إتمام الثانية من الرفع أو مجرد إتمام ذكر
سجود الثانية ، وقد عرفت ان الذي اختاره ومثله الشهيد الثاني في الروض هو الثاني ،
واما الثالثة والرابعة والخامسة فمرجعها الى ما ذكرناه من الصورة الثالثة لاشتراك
الصور الثلاث المذكورة في عدم الدخول تحت النصوص المتقدمة بالتقريب الذي تقدم
تحقيقه لا لما ذكره من الاحتمالات.
واما ما ذكره (قدسسره) من ورود هذه
الاحتمالات التسعة في كل من المسائل الأربع المتقدمة فصحيح إلا انه يرجع على ما
ذكرناه من التحقيق الى الثلاث المتقدمة.
واما ما ذكره ـ من تركيب مسائل الشكوك الخمس تركيبا
ثنائيا. إلخ ـ فتوضيحه أن الثنائي ما كان مشتملا على التردد بين طرفين منها وهي
الشك بين الاثنتين والثلاث وبين الاثنتين والأربع وبين الاثنتين والخمس وبين
الثلاث والأربع وبين الثلاث والخمس وبين الأربع والخمس ، فهذه ست صور للثنائى ،
والثلاثي ما كان مشتملا على التردد بين أطراف ثلاثة وهي الشك بين الاثنتين والثلاث
والأربع وبين الاثنتين والثلاث والخمس وبين الاثنتين والأربع والخمس وبين الثلاث
والأربع والخمس ، والرباعي ما كان مشتملا على أربعة أطراف كالشك بين الاثنتين
والثلاث والأربع والخمس ، فهذه إحدى عشرة صورة حاصلة من تركيب الشكوك الخمسة وضم
بعضها الى بعض إذا ضربت في ما ذكرناه من الثلاث المتقدمة تبلغ ثلاثا وثلاثين مسألة
وان ضربت في ما ذكروه من الاحتمالات التسعة بلغت الى ما ذكره شيخنا المذكور.
إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد أنهى جملة من الأصحاب (رضوان
الله عليهم) افراد الشكوك الى اعداد أكثرها لا يرجع الى طائل لخلوه من الدلائل سوى
مجرد التخريجات العقلية والاحتمالات الظنية ، ولنشر إلى جملة من ذلك ونبين ما هو
الأصح لدينا باعتبار المدارك :
فمنها ـ ما لو شك بين الاثنتين والأربع والخمس ، وهذا
الفرد يشتمل على شكين منصوصين فيلزم فيه ما يلزم فيهما فيبني على الأربع حينئذ
ويحتاط بركعتين قائما ثم يسجد للسهو.
ومنها ـ ما لو شك بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس ،
ويزيد فيها على الاحتياط الذي في الصورة الأولى ركعتين جالسا لتضمنه الشك بين
الاثنتين والثلاث والأربع والحكم فيها ركعتان من قيام وركعتان من جلوس.
ومنها ـ الشك بين الثلاث والأربع والخمس ، وهو ايضا
يشتمل على شكين
منصوصين فيجب فيه ما يجب فيهما وهو
الاحتياط بركعة قائما أو ركعتين جالسا ثم السجود للسهو.
وتنظر بعض أفاضل متأخري المتأخرين في الاحتياط في هذه
الصور الثلاث بما قدمناه لخروجها عن النص فإنه إنما تضمن حكم كل منها على حدة
واختار في كل منها البناء على الأقل نظرا الى عموم ما دل على البناء على الأقل (1) وشموله لكل شك
وفيه أولا ـ ان النصوص الواردة في أحكام تلك الصور التي أسلفناها في المسائل
المتقدمة مطلقة لا تقييد فيها بحال انفراد أو اجتماع وان كان الأكثر الانفراد
فإنها تضمنت ان من شك بين الثلاث والأربع مثلا فالحكم فيه كذا وكذا. وهو كما ترى
مطلق شامل بإطلاقه الحالين المذكورين فالشاك بين الثلاث والأربع والخمس يصدق عليه
انه شاك بين الثلاث والأربع فيدخل تحت عموم اخباره وانه شاك بين الأربع والخمس
فيدخل تحت عموم دليله ايضا.
وثانيا ـ ان ما دل بإطلاقه على البناء على الأقل قد
أوضحنا في ما تقدم انه انما خرج مخرج التقية (2) وانه غير معمول عليه وان اشتهر في
كلامهم الأخذ به والعمل عليه غفلة عما ذكرناه من التحقيق المتقدم في المسألة.
ومنها ـ الشك بين الاثنتين والخمس والشك بين الاثنتين
والثلاث والخمس والشك بين الثلاث والخمس.
قالوا : وفيه وجه بالبناء على الأقل بناء على أصالة
الصحة ولقوله (عليهالسلام) (3) «ما أعاد
الصلاة فقيه». ولعموم الروايات الدالة على البناء على الأقل (4) ووجه بالإبطال
لتعذر البناء على أحد الطرفين لاستلزامه التردد بين محذورين ، فان البناء على
الأكثر موجب للزيادة ومعرض للنقصان والبناء على الأقل معرض للزيادة. ورجح في
الذخيرة الأول استنادا إلى الأدلة المذكورة.
__________________
(1 و 4) ص 218 و 221 و 222.
(2) ص 223.
(3) الوسائل الباب 29 من الخلل في الصلاة.
والأظهر البطلان لعدم النص الواضح في ذلك. وما ذكروه من
أصالة الصحة كلام شعري ، ومن عموم تلك الروايات فقد عرفت ما فيه.
واما حديث «ما أعاد الصلاة فقيه» فالعجب منهم في
الاستدلال به في غير موضع مع ورود النص بتخصيصه بالثلاث والأربع كما تقدم في صحيحة
عبيد ابن زرارة الواردة بالإبطال في صورة الشك بين الاثنتين والثلاث (1) حيث قال له
الراوي : «أليس يقال لا يعيد الصلاة فقيه؟ قال انما ذلك في الثلاث والأربع».
ومثلها ايضا ما رواه الصدوق في معاني الأخبار (2) بسنده عن عبد
الله بن الفضل الهاشمي قال : «كنت عند ابى عبد الله (عليهالسلام) فدخل عليه
رجل فسأله عن رجل لم يدر واحدة صلى أو اثنتين؟ فقال له يعيد الصلاة. فقال له فأين
ما روى ان الفقيه لا يعيد الصلاة؟ قال انما ذلك في الثلاث والأربع».
وما قدمنا ذكره في المسألة السادسة (3) نقلا عن
الصدوق في المقنع حيث قال : «وسئل الصادق (عليهالسلام) عن من لا
يدرى اثنتين صلى أم ثلاثا؟ قال يعيد الصلاة. قيل فأين ما روى عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الفقيه لا
يعيد الصلاة؟ قال إنما ذلك في الثلاث والأربع».
فهذه جملة من الروايات الدالة على التخصيص فكيف يحسن مع
ذلك الاستناد الى عموم الخبر المذكور كما صاروا إليه؟
تتمة
قال في المختلف : لو شك بين الأربع وما زاد على الخمس
قال ابن ابى عقيل ما يقتضي انه يصنع كما لو شك بين الأربع والخمس ، لانه قال تجب
سجدتا السهو في موضعين : من تكلم ساهيا ودخول الشك عليه في أربع ركعات أو خمس فما
عداها واستوى وهمه في ذلك حتى لا يدرى صلى أربعا أو خمسا أو ما عداها. ولم نقف
__________________
(1) ص 215.
(2) ص 51 وفي الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة.
(3) ص 210.
لغيره في ذلك على شيء. وما قاله
محتمل لأن رواية الحلبي تدل عليه من حيث المفهوم ولانه شك في الزيادة فلا يكون
مبطلا للصلاة لإحراز العدد ولا مقتضيا للاحتياط إذ الاحتياط يجب مع شك النقصان فلم
يبق إلا القول بالصحة مع سجدتي السهو ، مع انه يحتمل الإعادة لأن الزيادة مبطلة
فلا يقين بالبراءة. والحمل على المشكوك فيه قياس فلا يتعدى صورة المنصوص. انتهى.
أقول : وما احتمله أولا قد مال إليه جملة من الأصحاب (رضوان
الله عليهم) : منهم الشهيدان وغيرهما ، قالا في الرسالة الصلاتية وشرحها : الثاني
عشر ـ ان يتعلق الشك بالسادسة فما زاد وفيه وجه بالبطلان مطلقا لأن زيادة الركن
مبطلة إجماعا ومع احتمالها لا يتيقن البراءة من الصلاة التي قد اشتغلت الذمة بها
بيقين. وضعفه ظاهر فان تجويز زيادة الركن لو اثر لبطل حكم كثير من الصور السابقة
مع النص على صحتها والإجماع على صحة بعضها. واحتمال خروج تلك عن الحكم بالنص يندفع
بأصالة عدم الزيادة والشك في المبطل. ووجه آخر بالبناء على الأقل لأصالة عدم
الزيادة والبناء على الأكثر أو الأربع موقوف على النص لخروجه عن الأصل وهو مفقود
هنا والفساد غير معلوم. وفيه وجه ثالث أشار إليه بقوله : «أو يجعل حكمه حكم ما
يتعلق بالخمس فيصح حيث يصح ويبطل حيث يبطل ويجب سجود السهو في موضع الصحة ويلزمه
الاحتياط مع السجود في موضع اجتماعهما» والى هذا الاحتمال ذهب ابن ابى عقيل من
القدماء ومال اليه المصنف والعلامة ورجحه الشارح المحقق ، وهو الظاهر تمسكا بظواهر
النصوص الدالة على عدم بطلان الصلاة بمجرد احتمال الزيادة ، ولعموم قوله تعالى «وَلا
تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» (1) وان الفقيه لا
يعيد صلاته (2). وإطلاق قول
الصادق (عليهالسلام) (3) في صحيحة
الحلبي «إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم زدت أم نقصت فتشهد وسلم واسجد سجدتي
السهو». انتهى.
__________________
(1) سورة محمد ، الآية 35.
(2) في صحيح عبيد بن زرارة ص 215.
(3) الوسائل الباب 14 و 20 من الخلل في الصلاة.
أقول وبالله التوفيق للهداية إلى سواء الطريق : لا يخفى
ان ما استند اليه من الأدلة في إلحاق حكم تعلق الشك بالسادسة بتعلقه بالخامسة لا
يخلو من شوب النظر والإشكال :
أما تمسكه بظواهر النصوص الدالة على عدم بطلان الصلاة
بمجرد احتمال الزيادة أي زيادة الركن ، فإن أريد بها النصوص الواردة في الشك بين
الأربع والخمس مع البناء على الأربع المستلزم لاحتمال زيادة الخامسة فهو صحيح
بالنسبة إلى مورده ، وحمل تعلقه بالسادسة على ذلك قياس محض ، إذ ليس فيها ما يدل
على أزيد من هذه الصورة ، وان أراد النصوص الواردة في بقية صور الشكوك المتقدمة
فليس فيها ما يدعيه فإنه مع البناء على الأكثر والاحتياط بما ذكر فيها من إتمام الناقص
على تقدير احتمال النقص لا يتضمن احتمال زيادة الركن ، لأنه مع بنائه على الأكثر
فإن كان الأمر كذلك واقعا صار الاحتياط نافلة وإلا كان متمما فلا احتمال فيها
لزيادة الركن وليس هنا نصوص واردة بوجه كلى حسبما ادعاه ليتم الاستناد إليها.
واما تمسكه بعموم قوله تعالى «وَلا
تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» فقد تقدم ما
فيه في غير موضع ، والظاهر من سياق الآية انما هو إبطال الأعمال بالكفر لا ما
يتناقلونه في كلامهم ويتداولونه على رؤوس أقلامهم من مثل هذا المقام ونحوه من
الأحكام.
واما التمسك بحديث «ان الفقيه لا يعيد صلاته» فقد عرفت
ما فيه آنفا.
واما صحيحة الحلبي فهي لا تخلو من الإجمال القابل لتعدد
الاحتمال ، والاستدلال بها هنا مبنى على ان المراد فيها بيان نوع واحد من الشك بين
التمام وبين الناقص والزائد بركعة وأزيد كالشك بين الثلاث والأربع والخمس والست
فيكون تقدير الكلام : إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت عن الأربع أم زدت على
الخمس ، فيكون شاملا للشك بين الأربع والخمس والأزيد منهما والأنقص ، نعم يخرج ما
اشتمل على الشك في الأوليين بالأخبار الدالة على الإبطال ويبقى ما عدا ذلك.
والاحتمال الثاني في الرواية المذكورة ان يكون «أم» في قوله «أم نقصت
أم زدت» بمعنى «أو» وهو المصرح به في
روايتي المقنع وكتاب الفقه الرضوي وان كان الظاهر أنهما رواية واحدة كما تقدم ذكره
في صدر هذه المسألة ، فيكون بيانا لنوع آخر من الشك وهو الشك في الزيادة والنقيصة
وهو أحد موجبات سجود السهو. وهذا الاحتمال هو الأظهر لما تقدم في صدر المسألة من
دلالة صحيحة زرارة أو حسنته وكذا صحيحة الفضيل بن يسار على هذا الفرد وانه أحد
موجبات سجدتي السهو ، وان لم يكن هذا الاحتمال أرجح فلا أقل ان يكون مساويا وبه
يبطل الاستدلال معتضدا ذلك بروايتي المقنع وكتاب الفقه.
وزاد بعض مشايخنا المحدثين من متأخرين المتأخرين في
الاستدلال على ما ذكره في شرح الألفية الاستدلال بقول الكاظم (عليهالسلام) في موثقة
إسحاق ابن عمار المروية في الفقيه (1) «إذا شككت فابن
على اليقين. قال : قلت هذا أصل؟ قال نعم».
وفيه ما عرفت آنفا من ان هذا الخبر ونحوه إنما خرج مخرج
التقية لما قدمناه من بيان مذهب العامة (2) ومعارضته ونحوه بما هو أصح سندا
وأكثر عددا وأصرح دلالة فلا يبقى للتمسك به وجه.
ثم انه على تقدير ما ذكره هؤلاء الأعلام من تصحيح الشك
المتعلق بالسادسة قالوا تكون الصور فيها خمس عشرة صورة : سبع منها مع ضميمة ما زاد
على الخامسة إليها وإدخال ما نقص عنها وسبع مع انفرادها عنها وواحدة مع الشك فيهما
خاصة بأن تحقق الزيادة على الأربع ، فأربع من الجميع ثنائية وست ثلاثية واربع
رباعية وواحدة خماسية.
فالأولى أعني الأربع الثنائية الشك بين الاثنتين والست
والشك بين الثلاث والست والشك بين الأربع والست والشك بين الخمس والست.
والثانية أعني الست الثلاثية الشك بين الاثنتين والثلاث
والست ، والشك
__________________
(1) الوسائل الباب 8 من الخلل في الصلاة.
(2) ص 222 و 223.
بين الاثنتين والأربع والست ، والشك
بين الاثنتين والخمس والست ، والشك بين الثلاث والأربع والست ، والشك بين الثلاث
والخمس والست ، والشك بين الأربع والخمس والست.
والثالثة أعني الأربع الرباعية الشك بين الاثنتين
والثلاث والأربع والست والشك بين الاثنتين والثلاث والخمس والست ، والشك بين
الاثنتين والأربع والخمس والست ، والشك بين الثلاث والأربع والخمس والست.
والرابعة اعنى الواحدة الخماسية الشك بين الاثنتين
والثلاث والأربع والخمس والست.
قالوا : والمراد بالست في جميع ما ذكر الست فما فوقها
لاشتراك الجميع في الوصف وهو الزيادة على الخامسة المشار إليها في صحيحة الحلبي
بقوله «زدت» والاشتراك أيضا في الحكم بناء على ما قدمنا نقله عنهم.
فهذه خمس عشرة صورة تضاف الى ما تقدم في كلام الشهيد في
الذكرى من الصور الأحد عشر ثم تضرب في الأحوال التسعة المتقدمة ثمة أيضا والمجتمع
مائتان وأربعة وثلاثون هي مسائل الشك التي يقع البحث عنها من حيث الصحة والبطلان.
وأنت خبير بأنه على ما اخترناه من بطلان الشك المتعلق بالسادسة تسقط هذه الصور
الخمس عشرة رأسا وعلى تقدير ما ذكروه من الصحة يصح منها ما صححوه في صور التعلق
بالخامسة. والله العالم.
(المسألة الحادية عشرة) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله
عليهم) بأنه لا سهو في سهو. وهذه العبارة لا تخلو من الإجمال وتعدد الاحتمال في
هذا المجال والأصل في هذا الحكم ما رواه الشيخ في الصحيح أو الحسن عن حفص ابن
البختري عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «ليس
على الإمام سهو ولا على من خلف الامام سهو ولا على السهو سهو ولا على الإعادة
إعادة».
__________________
(1) الوسائل الباب 24 و 25 من الخلل في الصلاة.
وما رواه الكليني في مرسلة يونس عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) من قوله : «ولا
سهو في سهو».
قال العلامة في كتاب المنتهى : ومعنى قول العلماء : «لا
سهو في السهو» أى لا حكم للسهو في الاحتياط الذي يوجبه السهو كمن شك بين الاثنتين
والأربع فإنه يصلى ركعتين احتياطا فلو سها فيهما ولم يدر صلى واحدة أو اثنتين لم
يلتفت الى ذلك. وقيل معناه ان من سها فلم يدر هل سها أم لا؟ لا يعتد به ولا يجب
عليه شيء. والأول أقرب.
والظاهر ان مراده بعدم الالتفات الى ذلك البناء على
الفعل المشكوك فيه كما هو ظاهر المحقق في المعتبر فإنه يحذو في المنتهى حذوه في
الأكثر حيث قال في المعتبر : ولا حكم للسهو في السهو لانه لو تداركه أمكن ان يسهو
ثانيا فلا يتخلص من ورطة السهو ، ولأن ذلك حرج فيسقط اعتباره ، ولأنه شرع لازالة حكم
السهو فلا يكون سببا لزيادته.
ثم انه ذكر جمع من أصحابنا المتأخرين (رضوان الله عليهم)
انه يمكن أن يراد بالسهو في كل من الموضعين معناه المتعارف الذي هو عبارة عن نسيان
بعض الأفعال ، ويمكن أن يراد به الشك فيحصل من ذلك صور أربع.
أقول : وتفصيل الكلام في هذا المقام بوجه واضح لجميع
الافهام لا يحوم حوله ان شاء الله تعالى نقض ولا إبرام هو انه لما كان السهو يطلق
في الأخبار على الشك زيادة على معناه اللغوي وعلى ما هو أعم إطلاقا شائعا كما لا
يخفى على من راجعها وتتبع مظانها ومواضعها فيحتمل هنا حمل كل من اللفظين على كل من
المعنيين فتحصل من ذلك صور أربع وهي التي ذكرها الأصحاب ، وهي السهو في السهو
والشك في الشك والسهو في الشك والشك في السهو ، إلا انه لما كان الثاني من اللفظين
على اى كان من المعنيين محتملا للموجب بكسر الجيم والموجب بفتحها فإنه يلزم انحلال
هذه
__________________
(1) الوسائل الباب 25 من الخلل في الصلاة.
الصور الأربع إلى ثمان صور ناشئة من
ضرب أربعة في اثنين.
وها نحن نفصل الكلام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل
الذكر (عليهم الصلاة والسلام) وان طال به زمام الكلام لما فيه من عموم النفع
والفائدة في المقام فنقول :
(الصورة الأولى) ـ الشك في موجب الشك بكسر الجيم اى شك
في انه هل شك في الفعل أم لا؟ وقد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا يلتفت
اليه وفصل بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين (رضوان الله عليهم) فقال بعد
ذكر ما نقلناه عن الأصحاب : والتحقيق انه ان كان الشكان في زمان واحد وكان محل
الفعل المشكوك فيه باقيا ولا يترجح عنده في هذا الوقت الفعل أو الترك فهو شاك في
أصل الفعل ولم يتجاوز محله فمقتضى عمومات الأدلة وجوب الإتيان بالفعل ولا يظهر من
النصوص استثناء تلك الصورة ، ويشكل تخصيص العمومات ببعض المحامل البعيدة لقوله (عليهالسلام) : «ولا سهو
في سهو» ولو ترجح عنده أحد طرفي الفعل والترك فهو جازم بالظن غير شاك في الشك ،
ولو كان بعد تجاوز المحل فلا عبرة به. ولو كان الشكان في زمانين ـ ولعل هذا هو
المعنى الصحيح لتلك العبارة ـ بأن شك في هذا الوقت في انه هل شك سابقا أم لا؟ فلا
يخلو اما ان يكون شاكا في هذا الوقت ايضا ومحل التدارك باق فيأتي به أو تجاوز عنه
فلا يلتفت اليه ، أو لم يبق شكه بل اما جازم أو ظان بالفعل أو الترك فيأتي
بحكمهما. ولو تيقن بعد تجاوز المحل حصول الشك قبل تجاوز محله ولم يعمل بمقتضاه فلو
كان عمدا بطلت صلاته ولو كان سهوا فيرجع الى السهو في الشك وسيأتي حكمه هذا إذا
استمر الشك ، ولو تيقن الشك وأهمل حتى جاز محله عمدا بطلت صلاته ولو كان سهوا يعمل
بحكم السهو ، ولو تيقن الفعل وكان تأخير الفعل المشكوك فيه الى حصول اليقين عمدا
بطلت صلاته ايضا ان جاوز محله وان كان سهوا فلا تبطل صلاته. وكذا الكلام لو شك في
انه هل شك سابقا بين الاثنتين والثلاث أو بين الثلاث والأربع ، فإن ذهب شكه الآن
وانقلب باليقين أو الظن فلا عبرة به
ويأتي بما تيقنه أو ظنه ، وإذا استمر
شكه فهو شاك في هذا الوقت بين الاثنتين والثلاث والأربع. وكذا الكلام لو شك في أن
شكه كان في التشهد أو في السجدة قبل تجاوز المحل أو بعده. وبالجملة الركون الى تلك
العبارة المجملة وترك القواعد المقررة المفصلة لا يخلو من إشكال. انتهى كلامه زيد
مقامه.
أقول : ما فصله (قدسسره) من التحقيق
جيد رشيق لكنه من مفهوم العبارة بمحل سحيق ، فإنه لا يخفى ان الشك في الشيء يقتضي
تقدم زمان المشكوك فيه بمعنى انه لا يدرى الآن ان هذا الفعل المشكوك فيه وقع في
الزمان المتقدم أم لا غاية الأمر أنه بالنسبة إلى الشك في الأفعال قد يكون الوقت
الذي حصل فيه الشك مما يمكن التدارك فيه بان لم يدخل في فعل آخر وقد يكون مما لا
يمكن التدارك فيه لدخوله في شيء آخر ، فمعنى قوله : «انه شك بين الثنتين والثلاث»
انه لا يدرى الآن هل صلى قبل هذه الحالة التي عرض فيها الشك ثنتين أو ثلاثا؟ وكذا
لو شك في التشهد والسجود بمعنى انه الآن لا يدرى انه قد حصل منه سابقا سجود أو
تشهد مثلا ، فكذا في هذه العبارة أيضا بعين ما ذكرنا ، ففرضه اجتماع الشكين مما لا
وجه له في البين. وهذا المعنى هو الذي رتب عليه الفقهاء الحكم بعدم الالتفات
ثم ان ظاهر عبائر الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو كون
المشكوك فيه الشك بقول مطلق لا شك مقيد بكونه في سجدة أو تشهد أو بين الركعات أو
نحو ذلك حتى يلزم فيه هذا التفصيل ، فإنه لا ريب انه يجب فيه لو كان كذلك ما رتبه
من الأحكام ولا أظن أحدا من الفقهاء يتجشم الخروج عن هذه الأحكام الظاهرة المتفق
عليها بينهم نصا وفتوى بمثل هذا اللفظ المجمل كما ظنه (قدسسره) بل ظاهر
عبائرهم إنما هو ما قلناه من الشك المطلق ، ولهذا اتفقوا على عدم الالتفات اليه
بقول مطلق ، وكلامهم هنا إنما هو مجرد فرض احتملوه في ظاهر هذا اللفظ وأسقطوه لعدم
ترتب حكم شرعي عليه بالكلية. والله العالم.
(الثانية) ـ الشك في موجب الشك بفتح الجيم بمعنى انه شك
في ما أوجبه
الشك من صلاة احتياط أو سجود سهو وله
أفراد :
منها ـ ان يشك بعد الفراغ من الصلاة في انه هل اتى
بالفعل الذي أوجبه الشك من صلاة احتياط أو سجود سهو أو لم يأت به؟ والظاهر انه لا
إشكال في وجوب الإتيان به لتيقن حصول السبب الموجب وتيقن اشتغال الذمة والشك في
الخروج عن عهدة التكليف مع بقاء الوقت كما لو شك في الوقت هل صلى أم لا؟
ومنها ـ ان يعلم بعد الصلاة حصول شك منه يوجب الاحتياط
مثلا إلا انه شك في انه هل يوجب ركعتين من قيام أو ركعتين من جلوس؟ والظاهر هنا هو
وجوب الإتيان بهما معا لتوقف البراءة اليقينية على ذلك ، ونظيره في الأحكام
الشرعية غير عزيز ، ومنه من فاتته فريضة وشك في كونها ظهرا أو صبحا مثلا فإنه يجب
عليه الإتيان بهما معا.
ومنها ـ ما لو شك في ركعات الاحتياط أو في أفعالها أو في
عدد سجدتي السهو أو في أفعالهما ، وهذا الفرد هو الذي ينطبق عليه مدلول الخبر
المذكور ، وأكثر الأصحاب خصوا الخبر بهذا الفرد وبصورة الشك في موجب السهو.
وعلى هذا فلو شك في عدد ركعتي الاحتياط يبنى على الأكثر
ويتم ما لم يستلزم الزيادة المبطلة وإلا بنى على الأقل فيبني على الصحيح دائما ولا
يلزمه احتياط ولا سجود سهو. ولو وقع شك في فعل من أفعالهما لم يلتفت اليه وان كان
في محله بل يبنى على وقوعه.
وقيل يبنى على الأقل في أعداد الركعات ويأتي بالفعل
المشكوك فيه لو لم يتجاوز محله ، ونقل عن المحقق المولى الأردبيلي (قدسسره) الميل اليه
معلللا له بعدم صراحة النص في سقوط ذلك وأصل بقاء شغل الذمة ، ولعموم ما ورد في
وجوب العود الى المشكوك فيه. وفي هذه الأدلة مناقشات سيأتي الكلام فيها ان شاء
الله تعالى.
والحكم وان كان ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه وكلام المحقق
المذكور انما هو
على جهة الإيراد والمناقشة للأصحاب
وإلا فهو لم يجزم به إلا انه عندي لا يخلو من اشتباه والعمل فيه بالاحتياط عندي
لازم فيأتي بالاحتياط على ما ذكره الأصحاب ثم يعيد الصلاة من رأس.
وبالجملة فإن ما ذكرناه من هذا الفرد الأخير هو الذي
ينطبق عليه الخبر كما ذكرنا وإلا فالأفراد المتقدمة من حيث وجوب التدارك فيها لا
يمكن حمل الخبر عليها كما هو ظاهر ، ويحتمل دخولها تحت الخبر المذكور باعتبار انه
لم يترتب عليها في خصوص هذا الشك شيء زائد على ما تقرر في سائر المواضع والظاهر
بعده.
(الثالثة) ـ الشك في موجب السهو بكسر الجيم أي في نفس
السهو كان شك في انه هل عرض له سهو أم لا؟ وظاهر الأصحاب الإطلاق في انه لا يلتفت
اليه.
وفصل شيخنا المشار اليه آنفا هنا ايضا فقال بعد نقل كلام
الأصحاب وإطلاقهم عدم الالتفات فيه : والتحقيق انه لا يخلو اما ان يكون ذلك الشك
بعد الصلاة أو في أثنائها ، وعلى الثاني لا يخلو اما أن يكون محل الفعل باقيا بحيث
إذا شك في الفعل يلزمه العود إليه أم لا؟ ففي الأول والثالث لا شك انه لا يلتفت
إليه لأنه يرجع الى الشك بعد تجاوز المحل وقد دلت الأخبار الكثيرة على عدم
الالتفات اليه ، واما الثاني فيرجع الى الشك في الفعل قبل تجاوز محله وقد دلت
الاخبار على وجوب الإتيان بالفعل المشكوك فيه ، ولعل كلام الأصحاب أيضا مخصوص بغير
تلك الصورة. انتهى.
أقول : الظاهر ان كلام الأصحاب انما ابتنى على تعلق الشك
بمطلق السهو من غير تقييد بعين ما قلنا في الصورة الاولى ، ولهذا ان جملة منهم ممن
صرح بعدم الالتفات ذكروا فروعا في المسألة بالنسبة إلى السهو المقيد ورتبوا عليه
أحكام الشك كما لا يخفى على من راجع مطولاتهم.
(الرابعة) ـ الشك في موجب السهو بفتح الجيم وله ايضا صور
: منها ـ ان يقع منه سهو يلزمه تدارك ذلك بعد الصلاة كالتشهد والسجود مثلا أو
سجدتي السهو
ثم يشك بعد الصلاة في انه هل اتى به
أم لا؟ والظاهر انه لا إشكال ولا خلاف في وجوب الإتيان به بعين ما قدمناه في الفرد
الأول من افراد الصورة الثانية.
ومنها ـ ان يشك في أثناء السجدة المنسية أو التشهد
المنسي في التسبيح أو الطمأنينة أو بعض فقرات التشهد ، ولا إشكال في انه يجب عليه
الإتيان به متى كان المحل باقيا
وأنت خبير بأن شيئا من هذين الفردين لا يدخل في مصداق
الخبر المذكور إلا على المعنى الذي احتملناه أخيرا في الصورة الثانية.
ومنها ـ أن يشك في عدد سجدتي السهو أو أفعالهما قبل
تجاوز المحل فإنه يبنى على وقوع المشكوك فيه إلا ان يستلزم الزيادة فيبني على
الصحيح. وهذا الفرد مصداق الخبر في هذه الصورة يقينا.
(الخامسة) ـ السهو في موجب الشك بكسر الجيم أي في الشك
نفسه ، والظاهر انه غير داخل في مصداق النص المذكور.
ويمكن فرضه في ما لو شك في فعل يجب تداركه كالسجدة قبل
القيام وكان يجب عليه فعلها فسها ولم يأت بها فلو ذكر الشك والمحل باق يأتي بها
ولو ذكر بعد تجاوز المحل لا يلتفت إليه لأنه يرجع الى الشك بعد تجاوز المحل.
واستشكل فيه بعض الأفاضل بأنه يمكن ان يقال ان هذا الفعل
الواجب بسبب الشك بمنزلة الفعل الأصلي في الوجوب ، لان هذه السجدة صارت واجبة
بالشك فيها في محل يجب تداركها فيه وهو قد سها عن ذلك الشك ، فكما ان السجدة الأصلية
إذا سها عنها وذكر قبل الركوع يأتي بها ولو ذكر بعد الركوع يقضيها بعد الصلاة فكذا
هذه السجدة الواجبة يجب الإتيان بها لو ذكرها بعد القيام وقبل الركوع لانه خرج عن
حكم الشك في أصل الفعل بسبب ما لزمه من السجدة بسبب الشك فقد تيقن ترك سجدة واجبة
والوقت باق فيجب الإتيان بها.
ويمكن ان يجاب بان شمول أدلة السهو في أفعال الصلاة
واجزائها لما نحن فيه غير معلوم ولا متيقن ، فان المتبادر منها كون تلك الأفعال
التي عرض الشك فيها
إجزاء حقيقية للصلاة فإن قولهم «من شك
في سجدة فحكمه كذا ومن شك في الركوع فحكمه كذا» انما يتبادر الى الأجزاء الأصلية
التي تركبت الصلاة منها لا مثل هذه السجدة التي إنما حصل وجوبها بالشك ، وفي ما
نحن فيه لم يحصل اليقين بترك الفعل الأصلي والجزء الحقيقي حتى يجب تداركه في
الصلاة أو بعدها بتلك العمومات بل انما حصل اليقين بترك فعل وجب الإتيان به بسبب الشك
ودخول مثله في العمومات غير معلوم فيرجع الى حكم الأصل وهو عدم وجوب قضاء الفعل.
وبالجملة فإنهم قد قرروا في غير مقام ان الأحكام المودعة
في الأخبار إنما تنصرف الى الافراد الشائعة المتكررة الوقوع ، ولا ريب في ان هذه
الفروض المذكورة نادرة أتم الندور والتكرار في أحكام الشكوك والسهو إنما هو
بالنسبة إلى أفعال الصلاة الأصلية.
وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال والأحوط ـ لو
اتفق ذلك ـ المضي في الشك ثم الإعادة.
ومما يتفرع على هذا الإشكال ما لو شك في السجدتين معا في
حال الجلوس فنسي أن يأتي بهما حتى قام فذكر في القيام أو بعد الركوع فعلى تقدير
كونهما بحكم الأجزاء الأصلية يجب عليه العود في الأول وتبطل الصلاة في الثاني وعلى
الوجه الآخر لا يلتفت إليه أصلا.
(السادسة) ـ السهو في موجب الشك بفتح الجيم ويحصل فرض
ذلك في مواضع :
منها ـ ان يسهو عن فعل في صلاة الاحتياط أو في سجدتي
السهو اللتين لزمتا بسبب الشك في الصلاة ، والأشهر الأظهر انه لا يجب عليه لذلك
سجود السهو لأن الأدلة الدالة على وجوب سجدتي السهو غير معلوم شمولها لمثل صلاة
الاحتياط وسجود السهو بل الظاهر اختصاصها بأصل الفرائض.
ومنها ـ ان يسهو في فعل من أفعال صلاة الاحتياط أو سجود
السهو وذكر في محله الحقيقي ، والظاهر انه لا إشكال في وجوب الإتيان به كما إذا
نسي سجدة من
صلاة الاحتياط وذكرها قبل القيام أو
قبل الشروع في التشهد ، إذ ليس الإتيان بها من جهة السهو حتى يسقط بالسهو في السهو
بل وجوب الإتيان بها إنما نشأ من أصل الأمر بصلاة الاحتياط والأمر بسجدتي السهو
فإن الأمر بالشيء يقتضي الأمر بجميع اجزائه.
هذا إذا كان في محل الفعل واما إذا جاز عنه ولم يجز عن
محل تدارك الفعل المنسي إذا كان في أصل الصلاة فهل يكون الحكم هنا كالحكم في
الصلاة في وجوب التدارك والسجود أم لا؟ ظاهر جملة من المتأخرين : منهم ـ شيخنا
الشهيد الثاني الأول ، وتنظر فيه بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين معللا
ذلك بأنه بعد الشروع في فعل آخر فات محله المأمور به بالأمر الأول والتدارك والعود
يحتاج الى دليل وشمول دلائل العود الواردة في الصلاة لصلاة الاحتياط ممنوع.
والمسألة لا تخلو من الإشكال.
ومنها ـ ان يسهو عن صلاة الاحتياط وسجدتي السهو
الواجبتين بسبب الشك فلا يأتي بشيء من ذلك بعد الصلاة ثم انه يذكر بعد ذلك فهذا
السهو لا يترتب عليه حكم ، فإنه ان ذكر قبل عروض المبطل للصلاة فلا خلاف ولا إشكال
في صحة الصلاة ووجوب الإتيان بهما كما سيأتي بيانه في المسألتين المذكورتين ان شاء
الله تعالى ومع عروض المبطل فهو محل خلاف كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى وان
الأظهر الصحة أيضا فلا يترتب على هذا السهو حكم.
(السابعة) ـ السهو في موجب السهو بكسر الجيم أي في نفس السهو
كأن يترك السجدة الواحدة أو التشهد سهوا ثم يذكر بعد القيام وكان الواجب عليه
العود الى ما نسيه فنسي العود والسهو ، وحينئذ فإن ذكر قبل الركوع اتى به وان ذكر
بعده تداركه بعد الصلاة مع سجدتي السهو على المشهور. ولو كان السهو عن السجدتين
معا وذكرهما في حال القيام ولم يأت بهما سهوا ثم ذكرهما بعد الركوع بطلت صلاته. ومن
ذلك يظهر انه لا يترتب على السهو هنا حكم جديد بل ليس حكمه إلا حكم السهو
في أصل الفعل. وكذا لو نسي ما يجب
تداركه بعد الصلاة من الاجزاء المنسية التي يجب قضاؤها أو سجود السهو لها فإنه يجب
الإتيان بهما بعد الذكر إذ ليس لهما وقت معين ومع عروض المبطل فالأظهر أيضا وجوب
الإتيان بهما كما عرفت في تلك المسألة
(الثامنة) ـ السهو في موجب السهو
بفتح الجيم ، والسهو قد يوجب سجدتي السهو وقد يوجب قضاء السجدة والتشهد وقد يوجب
الرجوع الى الفعل وتداركه في الصلاة ما لم يتجاوز محل التدارك.
وفي جميع هذه الصور قد يتعلق السهو بنفس الفعل المتروك
أو باجزائه ، فإذا سها في الثلاثة الأول عن نفس الفعل بعد الفراغ من الصلاة ثم ذكر
بعد ذلك وجب عليه الإتيان به بعد الذكر ، وفي الرابع يأتي به ان ذكره في محل
التدارك وإلا فإن كان مما يقضى قضاه وإلا سقط ، فالسهو في جميع هذه الافراد ليس
فيه زيادة على الأحكام المقررة قبله. وعلى هذا تكون هذه الصورة غير داخلة في مصداق
الخبر كما ذكرنا سابقا.
ويحتمل انه باعتبار عدم ترتب شيء على خصوص هذا السهو
يصدق عليه انه لا سهو في سهو اى لا شيء يترتب عليه. إلا ان المتبادر من هذه
العبارة المذكورة انه من حيث كونه سهوا في سهو لا يترتب عليه شيء بالكلية بل يكون
حكمه حكم ما لو لم يكن ثمة سهو بالمرة وعدم الترتب هنا ليس من هذه الحيثية بل من
حيثية أخرى.
وقد يتعلق باجزاء ذلك الفعل كأن يسهو في فعل من أفعال
الفعل الذي يقضيه بعد الصلاة وهو السجدة أو التشهد ، وهل يلحقه ما يلحق أفعال
الصلاة من الأحكام؟ ظاهر الأصحاب العدم لظاهر هذا الخبر. واحتمل بعض مشايخنا
المحققين مساواته للصلاة في الأحكام وهو الأحوط.
هذا. واما قوله في الخبر «ولا على الإعادة إعادة» فإنه
قد ذكر أصحابنا (رضوان الله عليهم) فيه احتمالين (أحدهما) ما رجحه شيخنا المجلسي
ونقله عن والده (طاب ثراهما) من انه إذا صدر منه شك أو سهو مبطل بحيث لزمته
الإعادة ثم صدر في
الإعادة ما يوجب الإعادة أيضا فإنه لا
يلتفت اليه. و (ثانيهما) ان من صلى منفردا ثم وجد الإمام فأعاد استحبابا فإنه لا
يعيد مع امام آخر. والظاهر رجحان الأول فإن نظم هذه العبارة مع قوله «لا سهو في
سهو» في محل واحد ومقام واحد قرينة على ذلك ، إذ المعنى الثاني لا مناسبة له في
المقام وان كان صحيحا في حد ذاته. إلا ان الأحوط الإعادة في الصورة الأولى أيضا
لتشابه الخبر وعدم تيقن هذا المعنى منه. وفي الخبر ايضا احتمالات أخر لا تخلو من
البعد. والله العالم.
(المسألة الثانية عشرة) ـ لا يخفى ان ما تقدم في أحكام
السهو في سابق هذا المطلب وما تقدم في هذا المطلب من أحكام الشك كله مخصوص
بالإنسان نفسه واما ما يتعلق بالإمام والمأموم فلم يجر له ذكر في البين في شيء من
الموضعين ، فلا بد من بيان ذلك هنا ان شاء الله تعالى في مقامين :
(الأول) ـ في الشك الحاصل لهما ، لا خلاف بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) في رجوع كل من الامام والمأموم إلى الآخر لو شك وحفظ عليه الآخر ، وهو
مقطوع به في كلامهم كما نقله غير واحد من المتأخرين.
ويدل عليه زيادة على ما تقدم في سابق هذه المسألة من
صحيحة حفص أو حسنته (1) ما رواه ثقة
الإسلام (قدسسره) عن يونس عن
رجل عن ابى عبد الله عليهالسلام (2) قال : «سألته
عن الامام يصلى بأربعة أنفس أو خمسة أنفس فيسبح اثنان على انهم صلوا ثلاثا ويسبح
ثلاثة على انهم صلوا أربعا ويقول هؤلاء قوموا ويقول هؤلاء اقعدوا والامام مائل مع
أحدهما أو معتدل الوهم فما يجب عليه؟ قال ليس على الامام سهو إذا حفظ عليه من خلفه
سهوه باتفاق منهم (3) وليس على من
خلف الامام سهو إذا لم يسه الامام ، ولا سهو في سهو ، وليس في المغرب والفجر سهو
ولا في الركعتين الأولتين من كل صلاة ولا في نافلة ، فإذا اختلف على الامام من
خلفه فعليه وعليهم
__________________
(1) ص 258.
(2) الفروع ج 1 ص 99 و 100 وفي الوسائل الباب 24 من الخلل في
الصلاة.
(3) راجع التعليقة 1 و 2 ص 269.
في الاحتياط الإعادة والأخذ بالجزم». وفي
التهذيب (1) «بإيقان» عوض
لفظ «اتفاق».
وقال في من لا يحضره الفقيه (2) : في نوادر
إبراهيم بن هاشم «انه سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن امام يصلى
بأربعة نفر أو خمسة فيسبح. الحديث» بدون قوله «ولا في نافلة».
وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن على بن جعفر عن
أخيه موسى عليهالسلام (3) قال : «سألته
عن رجل يصلى خلف الامام لا يدرى كم صلى هل عليه سهو؟ قال لا».
وما رواه الصدوق في الفقيه عن محمد بن سهل عن الرضا (عليهالسلام) (4) قال : «الامام
يحمل أوهام من خلفه إلا تكبيرة الافتتاح».
ونحوه روى الكليني والشيخ عنه عن محمد بن يحيى رفعه عن
الرضا عليهالسلام (5) قال : «الامام
يحمل أوهام من خلفه إلا تكبيرة الافتتاح».
وتحقيق الكلام في هذا المقام يتوقف على بيان أمور (أحدها)
قد عرفت مما قدمنا ان السهو يطلق في الاخبار كثيرا على الشك وعلى ما يشمله والمعنى
المشهور ولا ريب في شمول الأخبار المذكورة لكل منهما ، ولا خلاف في رجوع كل من
الامام والمأموم عند عروض الشك الى الآخر مع حفظه له في الجملة سواء
__________________
(1) ج 1 ص 261 وفي المطبوع من الكافي «بإيقان» أيضا ، نعم في
الوافي عن الكافي «باتفاق» وسيأتي في الأمر الثاني ص 270 التصريح منه «قدسسره» باتفاق الكافي والتهذيب في لفظ «إيقان»
وان كلمة «اتفاق» انما هي في الفقيه. وكذا في الصورة الرابعة ص 273.
(2) ج 1 ص 231 وفي الوسائل الباب 24 من الخلل في الصلاة.
(3) الوسائل الباب 24 من الخلل في الصلاة.
(4) الوسائل الباب 24 من الخلل في الصلاة. ورواه الشيخ عن محمد
بن سهل ايضا كما في نفس الباب من الوسائل.
(5) الوسائل الباب 2 من تكبيرة الإحرام رقم 12.
كان الشك في الركعات أو في الأفعال ،
ولا فرق بين الشك الموجب للإبطال لو كان منفردا أو الموجب للاحتياط كالشك بين
الثلاث والأربع مثلا أو سجود السهو كالشك بين الأربع والخمس ، والى الأول يشير
قوله في صحيحة على بن جعفر «لا يدرى كم صلى» ونحوه الشك قبل الركعتين وفي الفجر
والمغرب. ومقتضى الأخبار المذكورة انه لا إبطال في الأول ولا احتياط في الثاني ولا
سجود للسهو في الثالث.
و (ثانيها) ـ قال في المدارك : وكما يرجع الشاك من
الامام والمأموم إلى المتيقن كذا يرجع الظان الى المتيقن والشاك الى الظان. انتهى.
وبنحو ذلك صرح غيره أيضا.
أقول : ما ذكروه من رجوع الظان منهما الى المتيقن والشاك
الى الظان وان كان ظاهر الأصحاب في هذا الباب إلا انه لا يخلو من الاشكال عند
التأمل بعين الحق والصواب ، وذلك فإن غاية ما يستفاد من الدليل هو رجوع الشاك
منهما الى المتيقن ، واما رجوع الظان منهما الى المتيقن ففيه ما ذكره بعض أفاضل
متأخري المتأخرين من عدم ثبوت الدليل عليه مع انه متعبد بظنه. وكون اليقين أقوى من
الظن غير نافع هنا لأن قوة اليقين الموجبة للترجيح مختصة بمن حصل له اليقين لا
غيره. نعم ان حصل له ظن أقوى بسبب يقين الغير كان عليه العمل بمقتضاه إلا انه خارج
عن محل المسألة.
واما رجوع الشاك الى الظان فاستدلوا عليه بان الظن في
باب الشك بمنزلة اليقين وفيه (أولا) انه ان أريد انه بمنزلة اليقين لمن حصل له
الظن فمسلم لأن الإنسان في باب الشكوك يبنى على ظنه كما يبنى على يقينه ولكن لا
يجدى نفعا في المقام ، وان أريد انه متى كان شاكا يبنى على ظن غيره فلا دليل عليه.
و (ثانيا) قوله عليهالسلام في المرسلة
التي هي مستند الحكم «بإيقان منهم» كما في التهذيب والكافي «وباتفاق منهم» كما في
الفقيه (1).
__________________
(1) ارجع الى التعليقة 2 ص 268 والتعليقة 1 و 2 ص 269.
و (ثالثها) ـ المشهور في كلام الأصحاب انه لا فرق في
رجوع الإمام إلى المأموم بين كون المأموم ذكرا أو أنثى ولا بين كونه عدلا أو فاسقا
ولا بين كونه واحدا أو متعددا مع اتفاقهم ولا بين حصول الظن بقولهم أم لا ، لإطلاق
النصوص المتقدمة في جميع ذلك وعدم التعرض للتفصيل في شيء منها.
واما مع كون المأموم صبيا مميزا فقيل ان فيه اشكالا ،
وذهب جمع الى قبول قوله للاعتماد على قوله في كثير من الأحكام كقبول الهدية واذن
الدخول وأمثالهما. وفيه ما فيه. والأظهر التمسك في ذلك بإطلاق النصوص المذكورة.
وان حصل الظن بقوله فلا إشكال.
وربما يستأنس لهذا الحكم بما روى عن الصادق عليهالسلام (1) «في الرجل يتكل
على عدد صاحبته في الطواف أيجزيه عنها وعن الصبي؟ فقال نعم ألا ترى أنك تأتم
بالإمام إذا صليت خلفه فهو مثله».
واما غير المأموم فلا تعويل عليه إلا ان يفيد قوله الظن
فيدخل في عمومات ما ورد في هذا الباب من التعويل على الظن.
و (رابعها) ـ قوله عليهالسلام في آخر مرسلة
يونس «فإذا اختلف على الامام من خلفه فعليه وعليهم في الاحتياط الإعادة والأخذ
بالجزم» كذا في نسخ الكافي والتهذيب وبعض نسخ الفقيه ، وفي أكثر نسخ الفقيه (2) «فعليه وعليهم
في الاحتياط والإعادة الأخذ بالجزم» بتقديم العاطف في الإعادة ، وظاهر الكلام على
تقدير النسخة الأولى ان على الجميع في صورة اختلاف المأمومين خلف الامام ولا سيما
في مخالفة الإمام لكل من الفريقين الإعادة. وفيه منافاة لما ذكره الأصحاب في كثير
من الصور الآتية في المقام ان شاء الله تعالى وكذا كثير من عمومات أحكام اليقين
والشك. واما على النسخة الثانية من تقديم العاطف فالظاهر ان
__________________
(1) الوسائل الباب 24 من الخلل في الصلاة.
(2) الفروع ج 1 ص 99 و 100 والتهذيب ج 1 ص 261 والفقيه ج 1 ص
231.
معنى الكلام حينئذ ان على الامام وعلى
كل من المأمومين في صورة اختلافهم ان يعمل كل منهم على ما يقتضيه شكه أو يقينه من
الاحتياط أو الإعادة حتى يحصل له الجزم ببراءة الذمة. وهذا هو الموافق للقواعد
الشرعية والضوابط المرعية وليس كلامه عليهالسلام مقصورا على
الحكم المنقول عنه حتى يقال انه لا تلزم الإعادة في الصورة المذكورة على أحد منهم
بل هو حكم عام يشمل جميع صور الاختلاف بين الجميع فيشمل ما إذا شك الإمام أو بعض
المأمومين بين الواحدة والاثنتين فإنه تلزمه الإعادة وكذا كل صورة تجب فيها
الإعادة.
و (خامسها) ـ لا يخفى انه متى كان الامام موقنا أو ظانا
أو شاكا فالمأموم لا يخلو اما ان يكون موافقا له في المواضع الثلاثة فلا إشكال في
الأولين واما الثالث فسيجيء حكمه على حدة ، واما ان يكون مخالفا له في كل من
الأمور الثلاثة فههنا صور :
(الأولى) ان يكون الامام موقنا والمأموم شاكا ، والحكم
هنا هو رجوع المأمومين الى الامام سواء كانوا متفقين في الشك أو مختلفين إلا ان
يكونوا مع شكهم موقنين بخلاف يقين الامام فينفردون حينئذ.
(الثانية) ان يكون المأموم موقنا والامام شاكا مع اتفاق
المأمومين ، ولا شك حينئذ في رجوع الإمام إلى يقينهم إلا ان يكون مع شكه موقنا
بخلاف يقينهم فيرجع كل منهم الى يقينه.
(الثالثة) ان يكون الامام موقنا والمأمومون موقنين
بخلافه اتفقوا في يقينهم أو اختلفوا ، ولا خلاف أيضا في انه يرجع كل منهم الى
يقينه.
(الرابعة) ان يكون الامام شاكا والمأمومون موقنين مع
اختلافهم كما هو المفروض في مرسلة يونس ، والمشهور في كلام الأصحاب وجوب انفراد كل
منهم والعمل بما يقتضيه شكه أو يقينه ، إذ لا يمكن رجوع المأمومين مع يقينهم الى
شك الإمام ولا رجوع الإمام الى أحد اليقينين لانه ترجيح من غير مرجح. نعم لو حصل
له بالقرائن ظن بقول أحدهما عمل بمقتضى ظنه. وحينئذ فلا ينفرد عنه
الموقن الذي وافقه ظن الإمام وينفرد
الآخر.
وربما احتمل تخير الإمام في الرجوع الى أحد اليقينين مع
عدم حصول الظن له لعموم قوله عليهالسلام (1) «ليس على
الإمام سهو». وفيه ما يظهر من المرسلة المذكورة من عدم رجوع الإمام إلى المأمومين
إلا مع اتفاقهم سيما على رواية الفقيه من قوله «باتفاق منهم».
نعم يبقى الكلام على تقدير نسخة تأخير العاطف فإنك قد
عرفت في الأمر الرابع ان ظاهر الكلام على هذه النسخة وجوب الإعادة على الجميع وهو
مخالف كما ترى لما ذكرناه من الحكم المشهور في هذه الصورة المؤيد بعمومات أحكام
المتيقن والشاك ، فان حكم كل منهما البناء على ما يقتضيه شكه ويقينه ، وتخصيص تلك
العمومات بهذه الرواية سيما مع ضعفها وإرسالها لا يخلو من الإشكال. والاحتياط
بالعمل بكل من الأمرين.
(الخامسة) ـ ان يكون المأمومون متيقنين متفقين مع ظن
الإمام بخلافهم ، والمشهور في كلام الأصحاب رجوع الإمام إليهم ، ومال المحقق
الأردبيلي على ما نقل عنه في شرح الإرشاد إلى عمل الامام بظنه وانفراده عن
المأمومين. وقوى بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين الأول بأن الظاهر من قوله
عليهالسلام) (2) «لا سهو على
الإمام». عدم ترتب أحكام السهو على سهوه ، قال ولا يخفى على المتتبع ان في الأخبار
يطلق السهو على ما يشمل الظن كما يظهر من مرسلة يونس بل ومن صحيحة على بن جعفر (3) ايضا. انتهى.
أقول قد عرفت في الأمر الثاني ما يؤيد كلام المحقق المذكور وانه هو الاولى
بالظهور.
(السادسة) ـ تيقن المأمومين مع اختلافهم وظن الامام
بخلافهم ، والأشهر الأظهر الانفراد لكل منهم وعمل كل بظنه أو يقينه كما تقدم في
الصورة الرابعة.
__________________
(1 و 2) في صحيحة حفص ص 258 ومرسلة يونس ص 268.
(3) ص 269.
ويأتي الإشكال المذكور ثمة هنا ايضا ،
والاحتياط في الإعادة بعد إتيان كل منهم بما يلزمه من ظنه ويقينه.
(السابعة) ـ اختلاف المأمومين في اليقين وظن الإمام
بأحدهما ، والظاهر انه يعمل هنا بظنه ويتبعه الموافقون له في ذلك بيقين منهم
وينفرد المخالفون ، وظاهر المرسلة المتقدمة بناء على نسخة تأخير العاطف وجوب
الإعادة على الجميع. والاحتياط كما عرفت في العمل بما ذكرنا ثم اعادة الجميع.
(الثامنة) ـ يقين الامام مع ظن المأمومين بخلافه متفقين
أو مختلفين ، والمشهور هنا رجوع المأمومين إلى يقين الامام.
وتوقف فيه المحقق الأردبيلي كما عرفت في الصورة الخامسة.
ورد بما تقدم من عمومات الأخبار الدالة على وجوب متابعة الإمام مطلقا خرج منه
اليقين إجماعا فيبقى الظن. وفيه ما عرفت آنفا كما حققناه في الأمر الثاني ،
والأخبار الدالة على وجوب متابعة الإمام لا عموم فيها على وجه يشمل هذه الصورة ،
ولو سلم فكما خصت باليقين فلتخص بالظن ايضا لما تقرر عندهم ودلت عليه الأخبار من
تعبد الإنسان بظنه وانه لا دليل على التعبد بيقين الغير.
واستدل شيخنا الشهيد الثاني على القول المشهور بما تقدم (1) في رواية محمد
بن سهل ومرفوعة محمد بن يحيى من قول الرضا عليهالسلام «الإمام يحمل
أوهام من خلفه». والتقريب ان الوهم يطلق في الأخبار على الظن كقوله عليهالسلام (2) «ان ذهب وهمك
الى الثلاث فابن عليها». ونحوه مما تقدم ، فيدل الخبران المذكوران على ان الامام
يحمل ظنون من خلفه فلا عبرة بظنهم مع يقين الامام.
وفيه ان ما ذكره (قدسسره) من إطلاق
الوهم على الظن في الأخبار وان كان كذلك إلا ان إرادته في الخبرين المذكورين غير
معلوم بل الظاهر منهما إنما هو السهو أو الأعم منه ومن الشك وان احتمل إرادة الأعم
منهما ومن الظن لكنه
__________________
(1) ص 269.
(2) ص 205 و 206.
يشكل الاستدلال به على ذلك لما ذكرناه.
(التاسعة) ـ ظن الإمام أو المأموم مع شك الآخر ،
والمشهور في كلام الأصحاب انه يرجع الشاك منهما الى الظان.
واستدل عليه بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين
بعموم النصوص الدالة على عدم اعتبار شك الامام والمأموم ، قال : وايضا عموم أخبار
متابعة الإمام تدل على عدم العبرة بشك المأموم مع ظن الامام ولا قائل بالفرق في
ذلك بين الامام والمأموم ، ولا معارض في ذلك إلا ما يتراءى من مرسلة يونس من
اشتراط اليقين في المرجوع اليه ، وليس فيه شيء يكون صريحا في ذلك سوى ما في أكثر
النسخ من قوله عليهالسلام «بإيقان»
واتفاق نسخ الفقيه على قوله «باتفاق» مكانه ومخالفة مدلوله لما هو المشهور بين
الأصحاب ، مع ما عرفت من أن ضعف السند يضعف الاحتجاج به وسبيل الاحتياط واضح.
انتهى.
وما ذكره (قدسسره) من الاستدلال
للقول المشهور بما تكلفه من الدليلين المذكورين لا يخلو من نظر وللمناقشة فيهما
مجال والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال.
قال المحقق الأردبيلي (قدسسره) : لا شك في
رجوع أحدهما إلى الآخر مع شكه ويقين الآخر واما إذا ظن الآخر فهو ايضا محتمل لأن
الظن في باب الشك معمول به وانه بمنزلة اليقين. وظاهر قوله في المرسلة المتقدمة «مع
إيقان» العدم وكأنه محمول على ما يجب لهم ان يعملوا به من الظن أو اليقين مع
احتمال العدم والحمل على الظاهر إلا انها مرسلة. انتهى.
(العاشرة) ـ كون كل من الامام والمأموم ظانا بخلاف الآخر
، وظاهر الأصحاب هو عدم رجوع أحدهما إلى الآخر وان كل واحد منهما ينفرد بحكمه ،
ويمكن ترجيحه بان المتبادر من النصوص الدالة على رجوع أحدهما الى صاحبه ان يكون
بينهما تفاوت في مراتب ما اختلفا فيه بحيث ان المرجوع اليه ذو مرتبة زائدة ولا
سيما المرسلة المذكورة حيث قال : «إذا حفظ عليه من خلفه». وربما احتمل
هنا التمسك بوجوب متابعة الامام وهو
ضعيف سيما مع ما عرفت.
(الحادية عشرة) ـ يقين الامام ويقين بعض المأمومين
بخلافه وشك آخرين فالشاك منهم يرجع الى يقين الامام للأخبار المتقدمة وينفرد
الآخرون الموقنون بخلاف الإمام.
(الثانية عشرة) ـ شك الامام وبعض المأمومين مختلفين في
الشك أو متفقين مع يقين بعض المأمومين ، والأشهر الأظهر رجوع الإمام إلى الموقن من
المأمومين ورجوع الشاك من المأمومين الى الإمام ، إلا ان مقتضى مرسلة يونس
المتقدمة عدم رجوع الإمام إلى المأمومين مع اختلافهم وعدم متابعة المأموم للإمام
والحال كذلك ، قال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين : ويمكن حملها على ان
المراد بقوله عليهالسلام «إذا حفظ عليه
من خلفه بإيقان» أعم من يقين الجميع بأمر واحد ويقين البعض مع عدم معارضة يقين
آخرين ، وحمل قوله «فإذا اختلف على الامام من خلفه» على الاختلاف في اليقين.
وبالجملة يشكل التعويل على المرسلة المزبورة لضعفها مع معارضة النصوص المعتبرة وان
كان الاحتياط يقتضي العمل بما قلناه ثم اعادة الجميع لظاهر المرسلة لا سيما على
نسخ الفقيه من قوله عليهالسلام «باتفاق منهم».
(الثالثة عشرة) ـ ان يشترك الامام والمأموم في الشك مع
الاتفاق منهم في نوع الشك ، والأشهر الأظهر انه يلزمهم جميعا حكم ذلك الشك.
قال في الذخيرة بعد ذكر هذه الصورة أولا ثم الصورة
الآتية وان حكم هذه الصورة ما ذكرناه : ويحكى عن بعض المتأخرين وجوب الانفراد
واختصاص كل منهما بشكه في الصورة الأولى مع الموافقة في الصورة الثانية. ولا وجه
له. انتهى وذكر بعضهم انه لا يبعد التخيير بين الائتمام والانفراد في ما يلزمهم من
صلاة الاحتياط.
(الرابعة عشرة) ـ اشتراكهما في الشك مع اختلافهما في
نوعه ووجود رابطة
بين الشكين ، والمشهور رجوعهما الى
تلك الرابطة والعمل عليها ، كما إذا شك أحدهما بين الاثنتين والثلاث والآخر بين
الثلاث والأربع ، فهما متفقان في تجويز الثلاث والامام موقن بعدم احتمال الأربع
والمأموم موقن بعدم احتمال الثنتين ، فإذا رجع كل منهما الى يقين الآخر تعين
اختيار الثلاث وحينئذ فيبنون عليها ويتمون الصلاة من غير احتياط.
وربما قيل في هذه الصورة بانفراد كل منهما بشكه. ويمكن
ان يستأنس له بما يفهم من مرسلة يونس من عدم رجوع أحدهما إلى الآخر مع شك الآخر
وانما يرجع مع اليقين. إلا انه يمكن دفعه بأنه ليس الرجوع هنا إلا الى ما أيقنا
به.
(الخامسة عشرة) ـ الصورة المتقدمة مع عدم الرابطة
الجامعة بين الشكين كما إذا شك أحدهما بين الاثنتين والثلاث والآخر بين الأربع
والخمس ، والمشهور انه ينفرد كل منهما بحكم شكه. وربما كان وجهه عموم النصوص
الدالة على حكم شك كل منهما وعدم دخوله ظاهرا في عموم نصوص رجوع أحدهما إلى الآخر.
ثم انه لا يخفى ان المشهور انه لا فرق في هاتين الصورتين
بين الركعات والأفعال وكذا لا فرق في صورة وجود الرابطة بين كون شك أحدهما مبطلا
أم لا ، ولا بين كون الرابطة شكا أيضا أم لا ، ولا بين اختلاف المأمومين أيضا في
الشك الذي انفردوا به أو اتفاقهم ، فان المدار على وجود الرابطة وعدمه ، فالأول
كما لو شك أحدهما بين الواحدة والثنتين والثلاث والآخر بين الثنتين والثلاث ،
فإنهم يرجعون الى الشك بين الثنتين والثلاث والرابطة هنا شك ، وبه يحصل المثال
الثاني أيضا ، والثالث كالمثال المتقدم من شك أحدهما بين الثنتين والثلاث والآخر
بين الثلاث والأربع فإن الرابطة الثلاث يعملون عليها من غير احتياط ، والرابع كما
إذا شك أحدهم بين الواحدة والثنتين والثلاث والآخر بين الثنتين والثلاث والأربع
والثالث بين الثنتين والثلاث والخمس والرابطة هنا هو الشك بين الاثنتين والثلاث
فيرجع الجميع اليه ويعملون بمقتضاه ، والخامس هو عدم وجود الرابطة مع التعدد كما
لو
شك أحدهم بين الثنتين والثلاث والآخر
بين الأربع والخمس وآخر بين الثنتين والأربع
(المقام الثاني) ـ في السهو ولنذكر أولا الأخبار
المتعلقة بذلك ثم نعطف الكلام على ما ذكره الأصحاب وما يفهم من الأخبار في هذا
الباب مستمدين منه عن شأنه الهداية إلى جادة الصواب :
فمن الأخبار المشار إليها ما تقدم في المقام الأول ،
ومنها ـ ما رواه الكليني والشيخ (طيب الله تعالى مرقديهما) عن زرارة (1) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن الإمام
يضمن صلاة القوم؟ قال لا».
ومنها ـ ما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة (2) قال : «سألت
أحدهما (عليهماالسلام) عن رجل صلى
بقوم ركعتين ثم أخبرهم انه لم يكن على وضوء؟ قال يتم القوم صلاتهم فإنه ليس على
الامام ضمان».
وما رواه في الفقيه في الصحيح عن ابى بصير عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) (3) قال : «قلت أيضمن
الإمام الصلاة؟ قال لا ليس بضامن».
وما روياه أيضا في الكتابين المذكورين عن الحسين بن بشير
كما في التهذيب وابن كثير كما في الفقيه ـ والرجلان مجهولان ـ عن ابى عبد الله عليهالسلام (4) «انه سأله رجل
عن القراءة خلف الإمام فقال لا ان الإمام ضامن للقراءة وليس يضمن الإمام صلاة
الذين خلفه إنما يضمن القراءة».
وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن وهب (5) قال : «قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام أيضمن الإمام
صلاة الفريضة فإن هؤلاء يزعمون انه يضمن؟ فقال لا يضمن أي شيء يضمن إلا ان يصلى
بهم جنبا أو على غير طهر».
__________________
(1) الوسائل الباب 30 من الجماعة. وفي الفروع ج 1 ص 105
والتهذيب ج 1 ص 329 و 330 والوافي باب «ضمان الامام.» والوسائل «سألت أحدهما ع».
(2 و 5) الوسائل الباب 36 من الجماعة.
(3 و 4) الوسائل الباب 30 من الجماعة.
وما رواه في التهذيب والفقيه عن عمار بن موسى الساباطي
في الموثق عن ابى عبد الله عليهالسلام (1) قال : «سألته
عن الرجل سها خلف امام بعد ما افتتح الصلاة فلم يقل شيئا ولم يكبر ولم يسبح ولم
يتشهد حتى سلم؟ فقال قد جازت صلاته وليس عليه شيء إذا سها خلف الامام ولا سجدتا
السهو لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه».
وما رواه الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق عن ابى عبد
الله عليهالسلام (2) قال : «سألته
عن الرجل ينسى وهو خلف الامام ان يسبح في السجود أو في الركوع أو ينسى أن يقول بين
السجدتين شيئا؟ فقال ليس عليه شيء».
وعن عمار أيضا في الموثق (3) قال : «سألته
عن الرجل يدخل مع الامام وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فسها الامام كيف يصنع؟
فقال إذا سلم الامام فسجد سجدتي السهو فلا يسجد الرجل الذي دخل معه وإذا قام وبنى
على صلاته وأتمها وسلم سجد الرجل سجدتي السهو. الى ان قال : وعن رجل سها خلف الامام
فلم يفتتح الصلاة؟ قال يعيد الصلاة ولا صلاة بغير افتتاح».
وعن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح (4) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل
يتكلم ناسيا في الصلاة يقول أقيموا صفوفكم؟ قال يتم صلاته ثم يسجد سجدتين. فقلت
سجدتا السهو قبل التسليم هما أو بعد؟ قال بعد».
وعن منهال القصاب (5) ـ في الصحيح اليه وهو مجهول ـ قال : «قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام أسهو في
الصلاة وانا خلف الامام؟ قال فقال إذا سلم فاسجد سجدتين ولا تهب».
إذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام في هذه الأخبار يقع في
مواضع :
(الأول) ـ ما اشتمل عليه بعضها من ضمان الامام وبعض آخر
من عدم الضمان يمكن الجمع بينها بوجوه :
__________________
(1 و 2 و 3 و 5) الوسائل الباب 24 من الخلل في الصلاة.
(4) الوسائل الباب 4 و 5 من الخلل في الصلاة. والشيخ يرويه عن
الكليني.
(أحدها) ـ ما ذكره الصدوق (قدسسره) حيث قال بعد
إيراد رواية أبي بصير : ليس هذا بخلاف خبر عمار وخبر الرضا عليهالسلام (1) لأن الإمام
ضامن لصلاة من صلى خلفه متى سها عن شيء منها غير تكبيرة الإحرام وليس بضامن لما
يتركه المأموم متعمدا.
و (ثانيها) ـ ما ذكره (طاب ثراه) ايضا حيث قال : ووجه
آخر وهو انه ليس على الإمام ضمان لإتمام الصلاة بالقوم فربما حدث به حادث قبل ان
يتمها أو يذكر انه على غير طهر. ثم استشهد برواية زرارة المتقدمة.
و (ثالثها) ـ ان يكون المراد بالضمان ضمان القراءة
وبعدمه سائر الأذكار والأفعال. واليه يشير خبر الحسين بن بشير أو ابن كثير
المتقدم.
و (رابعها) ـ ما ذكره بعض مشايخنا الكرام (رفع الله
أقدارهم في دار السلام) وهو ان يكون المراد بالضمان الإثم والعقاب على الإخلال
بالشرائط والواجبات من جهة المأمومين وبعدمه عدم الإثم إذا كان ذلك سهوا ، أو عدم
التأثير في بطلان صلاة المأمومين مطلقا كما يومئ اليه بعض الأخبار السالفة ، أو
عدم وجوب إعلامهم بذلك كما يشير إليه أيضا بعض الأخبار. انتهى. والظاهر بعده.
و (خامسها) ـ وهو الأظهر حمل ما دل على الضمان على
التقية واليه تشير صحيحة معاوية بن وهب ويعضده ما نقله في المنتهى من أنه أطبق
الجمهور إلا مكحول على انه لا سهو على المأموم (2).
(الثاني) ـ لو اشترك الامام والمأموم في السهو فالظاهر
انه لا خلاف ولا إشكال في وجوب العمل عليهما بما يقتضيه حكم ذلك السهو اتفقا في
خصوصه أو اختلفا ، فالأول كما إذا تركا سجدة واحدة سهوا فذكراها بعد الركوع فإنهما
يمضيان في الصلاة ويقضيان السجود بعدها اتفاقا ويسجدان للسهو بناء على المشهور من
وجوب
__________________
(1) ص 279 و 269.
(2) المغني ج 2 ص 41.
سجود السهو في هذا الموضع ، ولو
ذكراها قبل الركوع فإنهما يجلسان ويأتيان بها ثم يستأنفان الركعة. والثاني كما إذا
ذكر الإمام السجدة المنسية بعد الركوع والمأموم قبله فإنه يأتي المأموم بها ثم
يلحق الامام وأما الامام فإنه يقضيها بعد صلاته كما تقدم وفي السجود للسهو ما مر.
ولو كانا قد نسيانا السجدتين معا وذكرهما الامام بعد الركوع والمأموم قبله بطلت
صلاة الإمام وأما المأموم فإنه يأتي بهما وينفرد ويتم صلاته.
(الثالث) ـ لو اختص السهو بالمأموم فلا خلاف ولا إشكال
في عدم وجوب شيء لذلك على الإمام ، إنما الخلاف بالنسبة إلى المأموم في انه هل
يجب عليه الإتيان بموجب ذلك السهو أم لا؟ والأشهر الأظهر انه يجب عليه الإتيان
بموجبه ، وذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط إلى انه لا حكم لسهو المأموم هنا ولا يجب
عليه سجود السهو بل ادعى عليه الإجماع ، واختاره المرتضى (رضى الله عنه) ونقله عن
جميع الفقهاء إلا مكحولا (1) ومال اليه
الشهيد في الذكرى والمحقق في المعتبر على اختلاف بينهما في بعض الأحكام كما سيظهر
لك ان شاء الله تعالى في المقام.
قال في الذكرى : ولا حكم لسهو المأموم الموجب لسجدتي
السهو في حال الانفراد بمعنى انه لو فعل المأموم موجب سجدتي السهو كالتكلم ناسيا
أو نسيان السجدة أو التشهد لم تجبا عليه وان وجب قضاء السجدة والتشهد ، وكذا لو
نسي ذكر الركوع أو السجود أو الطمأنينة فيهما لم يسجد لهما وان أوجبنا السجود
للنقيصة وذلك كله ظاهر قول الشيخ في الخلاف والمبسوط واختاره المرتضى ونقله عن
جميع الفقهاء إلا مكحولا (2) ورواه العامة
عن عمر (3). الى آخر
كلامه (قدسسره) وقال المحقق
في المعتبر ـ بعد نقل ذلك عن الخلاف وعلم الهدى وجميع الفقهاء إلا مكحولا
والاستدلال عليه بالرواية العامية ورواية حفص بن البختري والرواية المتقدمة عن
الرضا عليهالسلام في سابق هذا
المقام (4) ـ ما لفظه :
والذي أراه ان ما يسهو
__________________
(1 و 2) المغني ج 2 ص 41.
(3) سنن الدار قطني ص 145.
(4) ص 258 و 269.
عنه المأموم ان كان محله باقيا اتى به
وان تجاوز محله وكان مبطلا استأنف وان كان مما لا يبطل فلا قضاء عليه ولا سجود سهو
عملا بالأحاديث المذكورة.
وظاهره كما ترى عدم وجوب القضاء في ما يقضى من الأجزاء
المنسية لو كان منفردا وعدم سجود السهو في ما أوجب السجود كذلك ، وظاهر كلام
الشهيد المتقدم انما هو سقوط سجود السهو خاصة واما قضاء الأجزاء المنسية فإنه يجب.
استدل الشهيد في الذكرى على ما قدمنا نقله عنه فقال على
اثر الكلام المتقدم : ورواه العامة عن عمر عن النبي صلىاللهعليهوآله «انه ليس عليك
خلف الإمام سهو الإمام كافيه وان سها الامام فعليه وعلى من خلفه» وهذا الحديث رواه
الدار قطني (1) وفي طريقه ضعف
عند المحدثين (2) ولأن معاوية
بن الحكم تكلم خلف النبي صلىاللهعليهوآله فلم يأمره
بالسجود (3) وروينا في
الحسن عن حفص بن البختري عن ابى عبد الله عليهالسلام (4) قال : «ليس
على الامام سهو ولا على من خلف الامام سهو ولا على السهو سهو ولا على الإعادة
اعادة». وقال الفاضل لو انفرد المأموم بموجب السهو وجب عليه السجدتان كالمنفرد لقول
أحدهما (عليهماالسلام) (5) «ليس على
الامام ضمان». قلنا الخاص مقدم ، ويعارض بما رواه عيسى الهاشمي عن أبيه عن جده عن
على عليهالسلام (6) انه قال : «الامام
ضامن». وقد يحتج بما رواه في التهذيب عن منهال القصاب ، ثم نقل الرواية
__________________
(1) ص 145 من سنته ولفظ الحديث فيه هكذا قال : «ليس على من خلف
الامام سهو فان سها الامام فعليه وعلى من خلفه السهو وان سها من خلف الامام فليس
عليه سهو والامام كافيه».
(2) قال في هامش سنن الدار قطني في التعليق على سند الحديث :
والحديث أخرجه البيهقي والبزار كما في بلوغ المرام والكل من الروايات فيها خارجة
بن مصعب وهو ضعيف.
(3) سنن البيهقي ج 2 ص 250 وأشرنا إليه في التعليقة 5 ص 100.
(4) ص 258 وفي الوسائل الباب 24 و 25 من الخلل في الصلاة.
(5) ص 278 وفي الوسائل الباب 24 من الجماعة رقم 2.
(6) الوسائل الباب 3 من الأذان والإقامة.
كما قدمناه. ثم قال ويمكن حملها على
الاستحباب. انتهى كلامه زيد إكرامه.
أقول : أنت خبير بأن أدلة هذا القول ترجع إلى رواية حفص
وحديث الرضا عليهالسلام وموثقة عمار
الأولى والثانية ، والجميع لا يخلو من الإشكال فإن منها ما هو في غاية الإجمال
الموجب للقدح في الاستدلال ومنها ما هو ظاهر إلا ان تطرق الحمل على التقية اليه
متوجه لما عرفت آنفا من أن ذلك مذهب الجمهور.
فاما رواية حفص فلما تقدم من ان السهو فيها مجمل يحتمل
شموله للسهو بالمعنى المشهور وعدمه ، والظاهر من مرسلة يونس وصحيحة على بن جعفر هو
حمل السهو على الشك فيمكن أن يكون في هذه الرواية كذلك.
واما رواية الرضا عليهالسلام فهي أشد
إجمالا وأكثر احتمالا وقد قيل فيها وجوه :
(أحدها) أن يكون المراد بالوهم الشك أو ما يشمله والظن ،
فإن المأموم الشاك يرجع الى يقين الامام اتفاقا والى ظنه على الأشهر كما تقدم ،
والظان الى يقينه على الأشهر كما تقدم ايضا ، فيصدق انه يحمل أوهام من خلفه. واما
استثناء التكبير فيه فلأنه مع الشك فيه لم يتحقق الدخول في الصلاة فضلا عن تحقق
المأمومية فلا يرجع اليه.
و (ثانيها) ـ ان يكون المراد بالوهم الأعم من الشك
والسهو ويكون المقصود بيان فضيلة الجماعة وفوائدها وانه لا يقع من المأموم سهو وشك
غالبا في الركعات والأفعال لتذكير الامام له. ولا يخلو من بعد.
و (ثالثها) ـ ان يكون المراد بالوهم ما يشمل الشك والظن
والسهو أو يختص بالسهو كما فهمه جماعة ، فيدل على عدم ترتب حكم السهو على سهو
المأموم كما هو مطلوب المستدل. ومنه يظهر عدم بطلان صلاة المأموم بزيادة الركن
سهوا في ما إذا ركع أو سجد قبل الإمام أو رفع رأسه منهما قبله فإنه يرجع في تلك
الصور ولا يضره زيادة الركن.
و (رابعها) ـ ان يكون المراد ما يسهو عنه من الأذكار غير
تكبيرة الإحرام
إذ ليس فيها ركن غيرها ، ولعل المراد
انه يثاب عليها مع تركه لها سهوا وإتيان الإمام بها بخلاف المنفرد فان غايته انه
لا يعاقب على تركها دون أن يثاب عليها وحينئذ فمع تعدد ما ذكرنا من الاحتمال فكيف
يصلح للاستدلال.
وأما موثقتا عمار فالأظهر حملهما على التقية ، على ان
الثانية منهما غير ظاهرة لأن وجوب سجود السهو في الأمور التي اشتملت عليها إنما
يتجه على قول من قال بذلك لكل زيادة ونقيصة وهو خلاف المشهور ودليله لا يخلو من
القصور كما سيتضح لك ان شاء الله تعالى في تلك المسألة.
هذا. واما ما يدل على القول المشهور من وجوب سجود السهو
بعروض أحد أسبابه المروية فصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ورواية منهال القصاب ومنها
روايات نفى الضمان وقد تقدم جميع ذلك (1).
واما احتمال حمل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج على ان
القائل كان منفردا كما قيل فبعيد جدا بل تعسف محض.
واما حمل الشهيد (قدسسره) في ما تقدم
من كلامه رواية منهال على الاستحباب ففيه ان الدليل ليس منحصرا فيها مع ما عرفت في
هذا الحمل في غير مقام واما ما ذكره (قدسسره) ايضا ـ من ان
نفى الضمان عام ونفى السجود خاص والخاص مقدم على العام مع المعارضة برواية عيسى بن
عبد الله الهاشمي ـ ففيه ما عرفت في تلك الروايات من الإجمال وتعدد الاحتمال في
بعض والحمل على التقية في آخر.
وبالجملة فإنه مع تسليم تعارض الأخبار يشكل ترك العمل
بالأحكام الثابتة بالعمومات القوية عند عروض السهو مع انه الأوفق بالاحتياط ومؤيد
بالأخبار الدالة عليه ، فالأقوى والأحوط عدم ترك سجود السهو للمأموم متى عرض له
أحد أسبابه. والله العالم.
__________________
(1) ص 279 و 278.
(الرابع) ـ لو اختص السهو بالإمام كما لو تكلم ناسيا
والحال ان المأموم لم يتابعه فالمشهور سيما بين المتأخرين اختصاصه بحكم السهو ،
وذهب الشيخ وجملة من أتباعه إلى انه يجب على المأموم متابعته في سجدتي السهو وان
لم يعرض له السبب وبهذا القول قال أكثر العامة (1).
استدل الشيخ بوجوه : (أحدها) وجوب متابعة الامام. ورد
بأنه انما تجب متابعته حال كونه اماما وسجدتا السهو إنما هما بعد الفراغ من الصلاة
وانقضاء الائتمام على ان صلاة المأموم لا تبنى على صلاة الإمام فقد تبطل صلاة
الإمام مع صحة صلاة المأموم كما لو تبين حدثه أو فسقه أو كفره فان ذلك لا يقدح في
صحة صلاة المأموم فكذا مع حصول النقص فيها واستدراكه بالسجود مثلا فإنه لا يستلزم
تعدى ذلك الى المأموم.
و (ثانيها) ـ ما رواه العامة عن عمر عن النبي صلىاللهعليهوآله انه قال : «ليس
على من خلف الامام سهو الإمام كافيه وان سها الامام فعليه وعلى من خلفه» رواه
الدار قطني (2). ورد بان
الخبر من روايات العامة فلا يقوم حجة مع انه عندهم ايضا ضعيف (3)
و (ثالثها) ـ موثقة عمار المتقدمة وهي الثالثة من
رواياته والجواب عنه بالحمل على التقية كما عرفت فان القول بذلك مذهب جمهور العامة
(4).
واما ما يشعر به كلام صاحب الذخيرة ـ من التردد هنا
والميل الى مذهب الشيخ لما ذكره من الدليل الأول والثالث ـ فهو من تشكيكاته
الواهية.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان الشهيد في الذكرى قد ذكر فروعا
على قول الشيخ في القاعدتين ، قال (الأول) لو رأى المأموم الإمام يسجد للسهو وجب
عليه السجود وان لم يعلم عروض السبب حملا على ان الظاهر منه انه يؤدى ما وجب
__________________
(1 و 4) المغني ج 2 ص 41 «إذا سها الامام فعلى المأموم متابعته
في السجود سواء سها معه أو انفرد الامام بالسهو ، قال ابن المنذر اجمع كل من نحفظ
عنه من أهل العلم على ذلك وذكر إسحاق انه إجماع أهل العلم».
(2) ارجع الى التعليقة 1 ص 282.
(3) ارجع الى التعليقة 2 ص 282.
عليه ، ولعدم شرعية التطوع بسجدتي
السهو.
واعترضه المحقق الأردبيلي (قدسسره) بأنه يحتمل
أن يكون عرض له السبب في صلاة أخرى وذكره في هذا الوقت فلا يجب على المأموم
متابعته.
وأورد عليه بعض مشايخنا المحققين أيضا بالنسبة إلى
ادعائه عدم مشروعية التطوع بهما انه في محل المنع ، قال إذ الأصحاب كثيرا ما
يحملون الأخبار الواردة بهما مع المعارض أو مخالفة المشهور على الاستحباب.
أقول : يمكن دفع هذا الإيراد بأن الظاهر ان مراد الشيخ
الشهيد إنما هو عدم مشروعية سجدتي السهو بدون أحد الأسباب المعدودة في الأخبار
وكلام الأصحاب كما انه يستحب السجود مطلقا بل إنما يقع ويشرع مع أحد الأسباب
المذكورة ، وحينئذ فلا يرد عليه حمل الأصحاب لهما على الاستحباب باعتبار وجود أحد
الأسباب. ومرجع كلام الأصحاب إلى أصل السبب وصلوحه للسببية لا الى نفس السجود فمن
حيث عدم صلوحه للسببية لمعارض ونحوه يحملون السجود على الاستحباب وهذا لا يأباه
كلام الشهيد بناء على ما فسرناه به.
ثم ذكر جملة من الفروع التي ليس في إيرادها كثير فائدة
مع ما عرفت من ضعف القول الذي فرعت عليه.
(الخامس) ـ قوله عليهالسلام في رواية
منهال القصاب «فاسجد سجدتين ولا تهب» يحتمل أن يكون من المضاعف اى لا تقم من مكانك
حتى تأتى بهما ، قال في النهاية : فيه «لقد رأيت أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله يهبون إليها
كما يهبون الى المكتوبة» يعنى ركعتي المغرب اى ينهضون إليها. وفي القاموس الهب
الانتباه من النوم ونشاط كل سائر وسرعته. ويحتمل أن يكون على بناء الأجوف وعلى هذا
فيحتمل أن يكون المراد به عدم الخوف عليه من تشنيع الناس عليه بالسهو في الصلاة أو
عدم الخوف من المخالفين للخلاف بينهم في ذلك. والله العالم.
فائدة
روى الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب عن سماعة عن ابى
عبد الله
عليهالسلام (1) «في رجل سبقه
الإمام بركعة ثم أوهم الإمام فصلى خمسا؟ قال يعيد تلك الركعة ولا يعتد بوهم الامام».
كذا في التهذيب (2) وفي الفقيه (3) «يقضى تلك
الركعة» عوض «يعيد».
قال في الوافي : «يعيد تلك الركعة» أي يصليها منفردا
أسماها اعادة لانه قد فاتته مع الامام. انتهى.
أقول : لعل المراد من كلامه ان السؤال وقع عن حكم
المأموم قبل الإتمام مع الامام ، بمعنى انه لما صلى ثلاثا وبقيت عليه ركعة واحدة
ولكن الإمام في تلك الحال سها فزاد رابعة فما حكم المأموم في حال قيام الإمام
للخامسة؟ قال يأتي بما بقي عليه وهي الركعة التي فاتته. ولكنه عبر عن الإتيان
بالإعادة ، ولا يخلو من بعد فان ظاهر الخبر ان الرجل أكمل صلاته أربعا مع الامام
وتابعه في الخامسة التي زادها الامام سهوا ، وحينئذ فيشكل امره بإعادة تلك الركعة
التي تابع الامام فيها حال سهوه لانه يلزم أن تكون صلاته خمسا حينئذ ، فإن هذا
ظاهر الخبر والاشكال فيه من جهة ما ذكرناه ظاهر ايضا ، والأقرب على هذا ان قوله «يعيد
تلك الركعة» وقع تصحيف «يعتد» بالتاء الفوقانية من الاعتداد عوض الياء التحتانية
من الإعادة فإنه لا معنى لإعادة الركعة هنا بالكلية ، وحاصل المعنى انه يعتد بتلك
الركعة التي تابع فيها الامام ولكن يجب حمله على نية الانفراد فيها أو مشاركته
للإمام في سهوه ، فان بطلان صلاة الإمام بزيادة تلك الركعة لا يوجب بطلان صلاة
المأموم لعدم حصول الزيادة في صلاته والاقتداء به فيها على تقديره إنما وقع سهوا
فلا اشكال. هذا على ما في التهذيب واما على ما في الفقيه من قوله «يقضى» فالمراد
من القضاء مجرد الفعل كقوله «فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ» (4) لا المعنى
المشهور ، وحاصله أن يأتي بتلك الركعة ويتم صلاته ولا يعتد ببطلان صلاة
__________________
(1) الوسائل الباب 68 من الجماعة.
(2) ج 1 ص 331.
(3) ج 1 ص 266.
(4) سورة الجمعة ، الآية 10.
الإمام ، وهو اما بقصد الانفراد ان
تابع الإمام في خامسته أو انه انفرد من أول الأمر ولم يتابع فيها. والله العالم.
(المسألة الثالثة عشرة) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله
عليهم) من غير خلاف يعرف بأنه لا حكم للسهو مع الكثرة لكن ظاهر جملة منهم ان
المراد بالسهو هنا الشك كما صرح به في المعتبر وهو ظاهر العلامة في المنتهى
والتذكرة واختاره في المدارك ونقل بعض مشايخنا انه مذهب الأكثر ، وظاهر آخرين ـ ومنهم
الشيخ وابن زهرة وابن إدريس وغيرهم والظاهر انه المشهور ـ هو العموم للشك والسهو
وبه صرح شيخنا الشهيد الثاني وغيره وهو الأظهر.
والأصل في المسألة الأخبار ، ومنها ـ ما رواه ثقة
الإسلام في الصحيح أو الحسن عن زرارة وابى بصير (1) قالا : «قلنا
له الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدرى كم صلى ولا ما بقي عليه؟ قال يعيد. قلنا
فإنه يكثر عليه ذلك كلما أعاد شك؟ قال يمضى في شكه ثم قال لا تعودوا الخبيث من
أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه فان الشيطان خبيث معتاد لما عود فليمض أحدكم في الوهم
ولا يكثرن نقض الصلاة فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد اليه الشك. قال زرارة ثم قال
انما يريد الخبيث ان يطاع فإذا عصى لم يعد إلى أحدكم».
وما رواه المشايخ الثلاثة عن محمد بن مسلم في الصحيح عن
ابى جعفر عليهالسلام (2) قال : «إذا
كثر عليك السهو فامض في صلاتك فإنه يوشك ان يدعك انما هو من الشيطان». وفي الفقيه (3) «فدعه» مكان «فامض
في صلاتك».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان ـ والظاهر انه عبد
الله الثقة ـ عن غير واحد عن ابى عبد الله عليهالسلام (4) قال : «إذا
كثر عليك السهو فامض في صلاتك».
وعن عمار الساباطي في الموثق عن ابى عبد الله عليهالسلام (5) «في الرجل يكثر
__________________
(1 و 2 و 4 و 5) الوسائل الباب 16 من الخلل في الصلاة.
(3) ج 1 ص 224.
عليه الوهم في الصلاة فيشك في الركوع
فلا يدرى أركع أم لا ويشك في السجود فلا يدرى أسجد أم لا؟ فقال لا يسجد ولا يركع
ويمضى في صلاته حتى يستيقن يقينا».
وروى الصدوق مرسلا عن الرضا عليهالسلام (1) قال : «إذا
كثر عليك السهو في الصلاة فامض على صلاتك».
وما رواه في الفقيه والتهذيب عن على بن أبي حمزة عن رجل
صالح عليهالسلام (2) قال : «سألته
عن رجل يشك فلا يدرى أواحدة صلى أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا تلتبس عليه صلاته؟
قال كل ذي؟ قال قلت نعم. قال فليمض في صلاته ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم فإنه
يوشك أن يذهب عنه».
وهذا الخبر حمله الشيخ على النوافل أولا ثم حمله ثانيا
على كثير الشك وهو الصواب ولذا أوردناه في اخبار الباب إذا عرفت هذا فاعلم ان
تحقيق الكلام في هذا المقام يحتاج إلى بسطه في موارد
(الأول) ـ قوله عليهالسلام في صحيحة
زرارة وابى بصير المتقدمة أو حسنتهما «الرجل يشك كثيرا في صلاته» الظاهر ان المراد
بالكثرة هنا كثرة أطراف الشك ومحتملاته وان كان شكا واحدا كأن يشك لا يدرى واحدة
صلى أم اثنتين أم ثلاثا أم أربعا ومن ثم أمره بالإعادة وليس المراد به كثرة افراد
الشك الذي هو محل البحث فإنه لا اعادة معه اتفاقا نصا وفتوى إلا ما سيظهر لك ان
شاء الله تعالى في المقام من بعض الأعلام ، ثم انه لما راجعه السائل وقال : «انه
يكثر عليه ذلك كلما أعاد شك» امره بما هو الحكم في كثير الشك من المضي في شكه وعدم
الالتفات فإنه بكثرة ذلك عليه قد دخل تحت كثير الشك فوجب عليه ما ذكرناه من حكمه.
واحتمل المحقق الأردبيلي حمل قوله في صدر الخبر «يشك
كثيرا» على كثرة افراد الشك اى يقع منه الشك كثيرا حتى يبلغ الى حد لا يعرف عدد
ركعاته ، ويدل الخبر على ما اختاره من التخيير في الحكم في كثير الشك بين ان يكون
حكمه المضي وعدم الالتفات أو العمل بمقتضى الشك فهو عنده مخير بين العمل بالشك
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 16 من الخلل في الصلاة.
وعدم الالتفات اليه مستندا إلى انه عليهالسلام أمره أولا
بالإعادة ثم لما بالغ في الكثرة أمره بعدم الالتفات اليه.
وأنت خبير بما فيه من البعد عن سياق الخبر المذكور كما
لا يخفى على المتأمل البصير ولا ينبئك مثل خبير ، فان نهيه عليهالسلام عن تعويد
الخبيث وامره بالمضي في الشك ونهيه عن إكثار نقض الصلاة وذكر التعليلات المذكورة
لا يجامع شيء منها التخيير فضلا عن اجتماعها وصراحتها في المدعى. وبالجملة فإن
معنى الخبر انما هو ما قدمنا ذكره من حمل الكثرة في صدر الخبر على كثرة أطراف الشك
ومحتملاته والكثرة بالمعنى المراد في المقام انما هي ما أشار إليه السائل بعد
المراجعة بقوله : «فإنه يكثر عليه ذلك. إلخ» ومن ثم أمره عليهالسلام بالإعادة في
الأول والمضي في الثاني
وبذلك يظهر لك ان ما ذكره المحقق المشار اليه غير موجه
وان سبقه الى ذلك ايضا الشهيد الأول (طاب ثراه) في الذكرى حيث انه احتمل حمل الأمر
بالمضي في الشك على الرخصة.
قال (قدسسره) في الكتاب
المذكور لو اتى بعد الحكم بالكثرة بما شك فيه فالظاهر بطلان صلاته لأنه في حكم
الزيادة في الصلاة متعمدا إلا ان يقال هذا رخصة لقول الباقر عليهالسلام (1) «فامض في صلاتك
فإنه يوشك ان يدعك الشيطان». إذ الرخصة هنا غير واجبة. انتهى.
ولا يخفى ما فيه سيما مع عدم دلالة الخبر على ما يدعيه
ان لم يدل على خلافه كما لا يخفى على من يتدبر في ما ذكرناه ويعيه ، فإن الأصل في
الأوامر الواردة في هذه الأخبار بالمضي هو الوجوب والنواهي المانعة عن تعويد
الشيطان من نفسه وعن إكثار نقض الصلاة هو التحريم ، وحملهما على المجاز يحتاج الى
دليل لا بمجرد التشهي والظن.
واما ما يظهر من خبر على بن أبي حمزة من ان كثرة الشك
تحصل بتعدد
__________________
(1) في صحيح محمد بن مسلم ص 288.
الاحتمالات في الشك الواحد ـ وقد
أشرنا سابقا الى ان مثل هذا ليس من كثرة الشك في شيء ـ فينبغي حمله على علم
الامام عليهالسلام من حال السائل
انه كان كثير الشك لا من مجرد هذا السؤال أو دلالة قرائن الأحوال يومئذ على انه لا
يصدر عنه مثل هذا الشك إلا من حيث كونه كثير الشك دائما.
(الثاني) ـ قد تقدمت الإشارة إلى الخلاف في ان الحكم
المذكور هنا هل هو مخصوص بالشك أو شامل له وللسهو؟ وربما رجح الأول بنسبة ذلك الى
الشيطان والذي يقع من الشيطان انما هو الشك واما السهو فهو من لوازم طبيعة
الإنسان. وفيه نظر لتصريح الآيات والروايات بنسبة السهو ايضا الى الشيطان كقوله عزوجل «وَإِمّا
يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ» (1) وقوله «وَما
أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ» (2) مع ان الشك
انما يحصل من الشيطان فلا فرق بينهما في ان كلا منهما من الشيطان.
والظاهر عندي هو العموم لان اخبار المسألة منها ما ورد
بلفظ الشك ومنها ما ورد بلفظ السهو والقول بالعموم جامع للعمل بالأخبار كملا واما
التخصيص بالشك فيحتاج إلى التأويل في اخبار السهو بالحمل على الشك وإخراجه عن ظاهر
حقيقته اللغوية التي هي النسيان وهو يحتاج الى دليل مع انه لا ضرورة تلجئ اليه.
ويؤيد ما قلناه ما تشير إليه الأخبار المذكورة من ان
العلة في هذا الحكم هو رفع الحرج والتخفيف على المكلفين لأن الإعادة موجبة للزيادة
حيث ان ذلك من الشيطان وهو معتاد لما عود ، وهذا مما يجري في الشك والسهو.
وممن وافقنا في المقام الفاضل الخراساني في الذخيرة مع
اقتفائه أثر صاحب المدارك غالبا فقال : واعلم ان ظاهر عبارات كثير من الأصحاب
التسوية بين الشك والسهو في عدم الالتفات إليهما بل شمول الحكم للسهو في كلامهم
أظهر. وهو ظاهر النصوص. وفي عبارة المعتبر وكلام المصنف في عدة من كتبه اشعار
باختصاص الحكم بالشك. والأول يقتضي عدم الإبطال بالسهو في الركن وعدم
__________________
(1) سورة الانعام الآية 67.
(2) سورة الكهف الآية 62.
القضاء إذا كان السهو موجبا له ، ولم
أجد من الأصحاب من صرح بهما بل صرح جماعة منهم بخلافهما مع تصريح بعضهم بسقوط سجود
السهو والفرق بينه وبين القضاء محل تأمل واحتمل الشارح الفاضل عدم وجوب القضاء.
انتهى. وهو جيد وسيأتي في المقام ان شاء الله تعالى ما فيه مزيد تحقيق لما اخترناه
وتأييد لما ذكرناه.
(الثالث) ـ قال في المدارك : ولو كثر السهو عن واجب
يستدرك اما في محله أو في غير محله وجب الإتيان به ، ولو كان عن ركن وتجاوز محله
فلا بد من الإعادة تمسكا بعموم ما دل على الحكمين المتناول لكثرة السهو وغيره
السالم من المعارض. وهل تؤثر الكثرة في سقوط سجدات السهو؟ قيل نعم وهو خيرة الذكرى
دفعا للحرج ، وقيل لا وهو الأظهر لأن أقصى ما تدل عليه الروايات المتقدمة وجوب
المضي في الصلاة وعدم الالتفات الى الشك فتبقى الأوامر المتضمنة للسجود بفعل موجبه
سالمة من المعارض. انتهى.
أقول : فيه ان هذا الكلام لا يلائم ما قدمه في صدر البحث
من اختصاص الحكم بالشك ، فان اللازم من ذلك ان كثرة السهو ليس من هذه المسألة في
شيء حتى يستثني منه هذين الفردين. اللهمّ إلا ان يقال ان غرضه بيان حكم هذين
الفردين بناء على القول بالعموم. وفيه ان عبارته قاصرة عن افادة هذا المفهوم.
وكيف كان فإنه على تقدير القول بالعموم فهل يكون الحكم
في هذين الفردين ما ذكره من عدم العمل بموجب الكثرة فيهما وبقاء حكمهما على ما كان
أو انه يجرى حكم الكثرة فيهما؟ ظاهر كلامهم الأول كما تقدمت الإشارة إليه في كلام
الفاضل الخراساني وبه صرح في الذكرى كما ذكره السيد السند هنا.
وما استدل به السيد من التمسك بعموم ما دل على الحكمين
المتناول لكثرة السهو وغيره معارض بعموم ما دل على المضي في الصلاة مع الكثرة
وإلغاء السهو الشامل لهذين الفردين وغيرهما ، وكيف استجاز تخصيص عموم اخبار السهو
في غير هذين الموضعين واخبار الشك بهذه الأخبار ويمنعه في هذين الموضعين مع عدم
ظهور
الفرق في البين وهل هو إلا تحكم محض؟
واما ما دل على وجوب الاحتياط في افراد الشكوك فشامل بإطلاقه لكثير السهو وغيره.
وبالجملة فإنه قد تعارض هنا عمومان عموم أخبار المضي مع
كثرة الشك والسهو الشامل للسهو في ركن وغيره ولما كان في محله أو غير محله مما
يقضي أو لا يقضى ، وعموم ما دل على البطلان بالسهو عن الركن حتى تجاوز محله أو دل
على التدارك في المحل والقضاء بعده الشامل لكثير السهو وغيره ، فدعوى تخصيص العموم
الأول بالثاني دون العكس ترجيح من غير مرجح بل الأمر بالعكس لما ثبت في جملة أفراد
الشك وأفراد السهو في غير الموضعين المذكورين من تخصيص أدلة تلك الأحكام فليكن
مثله في هذين الفردين مؤيدا بما اشتملت عليه التعليلات في الأخبار من مراعاة حال
المكلف وتخفيف الأمر عليه وتخليصه من شباك الوسواس الخناس.
وبذلك يتبين لك ايضا ما في كلام شيخنا المجلسي (عطر الله
مرقده) حيث انه من جملة من مال الى تخصيص حكم الكثرة بالشك تبعا لصاحب المدارك ومن
تقدمه حيث قال ـ بعد الكلام في المقام واختيار حمل الأخبار كملا على الشك ـ ما
صورته : بل الأصوب ان يقال شمول لفظ السهو في تلك الأخبار للسهو المقابل للشك غير
معلوم وان سلم كونه بحسب أصل اللغة حقيقة فيه ، إذ كثرة استعماله في المعنى الآخر
بلغت حدا لا يمكن فهم أحدهما منه إلا بالقرينة ، وشمولها للشك معلوم بمعونة
الأخبار الصريحة ، فيشكل الاستدلال على المعنى الآخر بمجرد الاحتمال ، مع ان حمله
عليه يوجب تخصيصات كثيرة تخرجه عن الظهور لو كان ظاهرا فيه ، إذ لو ترك بعض
الركعات أو الأفعال سهوا يجب عليه الإتيان به في محله إجماعا ، ولو ترك ركنا سهوا
وفات محله تبطل صلاته إجماعا ولو كان غير ركن يأتي به بعد الصلاة لو كان مما
يتدارك ، فلم يبق للتعميم فائدة إلا في سقوط سجود السهو وتحمل تلك التخصيصات
الكثيرة أبعد من حمل السهو على خصوص الشك لو كان بعيدا ، مع ان مدلول الروايات
المضي في الصلاة وهو لا ينافي وجوب سجود السهو
إذ هو خارج عن الصلاة ، فظهر ان من
عمم النصوص لا تحصل له في التعميم فائدة. انتهى
أقول : لا يخفى ان ما ذكره وأورده وارد على من قال بهذه
الإجماعات ووافق عليها وجعلها حججا شرعية ومع ذلك كله يقول بالعموم ، واما من لا
يعتبر هذه الإجماعات ولا يجعلها دليلا شرعيا وإنما يعتمد على الروايات ويجعل البحث
منوطا بها ومعلقا عليها من غير نظر الى خلاف أو وفاق فلا ريب ان الحق عنده في
المسألة هو ما قدمناه كما قدمناه في سابق هذا المورد وأوضحناه.
واما دعواه ـ ان كثرة استعمال السهو بمعنى الشك أوجبت
الاشتراك بين المعنى الحقيقي للسهو وبين هذا المعنى المجازي لشيوعه وكثرته حتى انه
لا يحمل على أحدهما إلا بالقرينة. إلخ. فإن فيه مع غض النظر عن المناقشة انه وان
كان الأمر كما ذكره إلا ان التعليلات التي اشتملت عليها الأخبار ظاهرة في العموم ،
فان الغرض من المضي في السهو والشك وعدم الالتفات إليهما إنما هو رعاية حال المكلف
وتخفيف الأمر عليه بعدم استيلاء الشيطان وتطرقه اليه وهذا أمر مشترك بين الشك
والسهو بل ربما كان أظهر في السهو كما يشعر به نقض الصلاة بمعنى ابطالها بالكلية
الناشئ عن السهو في ركن حتى تجاوز محله ونحو ذلك.
واما قوله ـ مع ان مدلول الروايات المضي في الصلاة. الى
آخره ـ ففيه ان الظاهر من قولهم «يمضي في شكه ويمضى في صلاته» انما هو الكناية عن
عدم الالتفات الى ما يوجبه الشك أو السهو من الإتيان بالمشكوك فيه أو الاحتياط أو
الإتيان بما سها عنه في محله أو بعد فوات محله أو ما أوجباه من سجود سهو ونحوه ،
وبالجملة فالمراد جعل ذلك في حكم العدم كأنه لم يكن ثمة سهو ولا شك بالمرة ، وهذا
هو المعنى الملائم لتلك التعليلات المشار إليها آنفا من التخفيف على المصلى وان لا
يطمع الشيطان في العود اليه وهو الظاهر كما لا يخفى على الخبير الماهر.
وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال والاحتياط مما
لا ينبغي تركه بحال. والله العالم.
(الرابع) ـ اعلم ان ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف ان
حكم الشك مع الكثرة عدم الالتفات إليه بالكلية كما تقدمت الإشارة إليه ، فلو اشتمل
على ما يبطلها في غير تلك الحال من الأركان أو الأفعال لم تبطل في صورة الكثرة بل
يمضي في صلاته ويبنى على وقوع المشكوك فيه وان كان محله باقيا ركنا كان أو غيره ما
لم يستلزم الزيادة فيبني على الصحيح ، وقد دلت موثقة عمار (1) على انه بالشك
في الركوع والسجود وان كان في محله فإنه يمضى ولا يركع ولا يسجد. وإذا ثبت ذلك في
الأركان ثبت في غيرها من الأفعال بطريق اولى ، مضافا الى الأمر بالمضي في الأخبار
وهكذا يقال بالنسبة إلى السهو على ما اخترناه من العموم. ومن جملة ذلك أيضا صلاة
الاحتياط في صور الشك المتقدمة فإنه لا يأتي بها ، وتردد المحقق الأردبيلي (طاب
ثراه) في سقوط صلاة الاحتياط. ولا يخفى ما فيه.
وقد أشرنا في ما تقدم ايضا الى ان الحكم بما ذكرناه من
عدم الالتفات الى الشك أو السهو حتى لظواهر الأوامر والنواهي الواردة في الأخبار ،
ولم يظهر خلاف في ذلك إلا ما قدمناه عن المحقق الأردبيلي وقبله الشهيد في الذكرى.
ومقتضى كلام الأصحاب ان من كثر شكه فإنه يبنى على الأكثر
وتسقط عنه صلاة الاحتياط لعلة الكثرة ، واختار المحقق الأردبيلي (قدسسره) البناء على
الأقل للأصل مع العمل بعدم اعتبار الشك مع الكثرة في الجملة. ولم أقف على قائل
بذلك سواه.
ولا يخفى على الناظر في الأخبار بعين التأمل والاعتبار
انه ليس العلة في تغيير الحكم في كثير الشك عن ما كان عليه غيره إلا مراعاة جانبه
والتخفيف عليه بدفع وساوس الشياطين عنه ، والتخفيف إنما يحصل بما عليه الأصحاب من
البناء على الأكثر وجعل المشكوك فيه كأنه فعله واتى به من غير ان يترتب على ذلك شيء
زائد على إتمامه الصلاة على تلك الحال ، إذ في البناء على الأقل يحصل زيادة تكليف
موجب
__________________
(1) ص 288 وفي الوسائل الباب 16 من الخلل في الصلاة.
لإعادة الشيطان له ورغبته في تشكيكه.
وبالجملة فإن جميع ما ذكره هذا المحقق من الأقوال وخلاف
الأصحاب كله خلاف ظواهر النصوص الدالة على تسهيل التكليف مضافا الى عموم النصوص
الدالة على ان دينه صلىاللهعليهوآله سمح سهل كما
تمدح به صلىاللهعليهوآله (1) من قوله «بعثت
بالحنيفية السمحة السهلة».
قال شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) بعد الكلام في الشك
بنحو ما ذكرناه : واما السهو فقد عرفت ان المشهور بين الأصحاب عدم ترتب حكم على
الكثرة فيه ، وذهب الشهيد الثاني إلى ترتب الحكم عليه مع موافقته لسائر الأصحاب في
وجوب العود الى الفعل الذي سها فيه إذا ذكره مع بقاء محله ، وقضائه بعد الصلاة مع
تذكره بعد فوات محله ، وبطلان الصلاة بترك الركن أو الركعة نسيانا مع مضى وقت
التدارك وكذا زيادة الركن والركعة على التفصيل المقرر في أحكام السهو ، فلم يبق
النزاع إلا في سجود السهو ويشكل الاستدلال بالنصوص على سقوطه فالأحوط الإتيان به.
واحتمل الشهيد في الذكرى اغتفار زيادة الركن سهوا ، من كثير السهو دفعا للحرج
ولاغتفار زيادته في بعض المواضع. أقول طريق الاحتياط واضح. انتهى.
أقول : اما ما ذكره من نسبة الاختصاص بالشك الى المشهور
فهو اعرف به فإنه لم ينقل ذلك إلا عن ظاهر المحقق والعلامة. وأما تخصيص العموم
بالشهيد الثاني ففيه ما تقدم من ان ذلك مذهب الشيخ وابن زهرة وابن إدريس ، نقل ذلك
الفاضل الخراساني في الذخيرة. واما ما أورده على الشهيد الثاني فهو في محله كما
تقدمت الإشارة اليه ولكن ظواهر الأخبار ـ كما قدمنا بيانه ـ تدفع ذلك لظهور عمومها
للسهو والشك في ركن كان أو غيره في محله أو في غير محله كما تقدم تحقيقه.
__________________
(1) الوسائل الباب 48 من مقدمات النكاح وآدابه وفي نهج الفصاحة
ص 219 «بعثت بالحنيفية السمحة».
واما ما ذكره من الإشكال في الاستدلال
بالنصوص على سقوط سجدتي السهو فقد تقدم الجواب عنه ايضا ، وان العبارة المذكورة في
النصوص إنما خرجت مخرج الكناية عن عدم الالتفات بالكلية الى ما يترتب على ذلك
السهو والشك. والله العالم.
(الخامس) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما
تتحقق به الكثرة الموجبة لسقوط الأحكام في هذا المقام ، فظاهر المشهور بين
المتأخرين ومتأخريهم هو إرجاع ذلك الى العرف ، ذهب اليه الفاضلان والشهيدان ومن
بعدهم ، وقال الشيخ في المبسوط : واما ما لا حكم له ففي اثنى عشر موضعا : من كثر
سهوه وتواتر وقيل ان حد ذلك ان يسهو ثلاث مرات متوالية.
قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : وهذا يدل على عدم
الرضا بهذا القول. وقال ابن إدريس السهو الذي لا حكم له هو الذي يكثر ويتواتر ،
وحده ان يسهو في شيء واحد أو فريضة واحدة ثلاث مرات فيسقط بعد ذلك حكمه أو يسهو
في أكثر الخمس فرائض أعني ثلاث صلوات من الخمس كل منهن قام إليها فسها فيها فيسقط
بعد ذلك حكم السهو ولا يلتفت الى سهوه في الفريضة الرابعة. وقال ابن حمزة لا حكم
له إذا سها ثلاث مرات متواليات وأطلق في فريضة أو فرائض.
وأنكر المحقق ما ذكره ابن إدريس تمام الإنكار وقال بعد
نقل ذلك عنه انه يجب ان يطالب هذا القائل بمأخذ دعواه فانا لا نعلم لذلك أصلا في
لغة ولا شرع والدعوى من غير دلالة تحكم. انتهى.
أقول : يمكن أن يكون الوجه في ما ذكره ابن إدريس هو ان
النصوص تضمنت سقوط حكم السهو مع الكثرة ولم تحد هذه الكثرة في الأخبار بحد معين
والكثرة لغة وعرفا تحصل بثلاث مرات ، إلا انه يبقى الكلام في محلها وهو أعم من
الشيء الواحد أو الفريضة الواحدة أو الفرائض الخمس حسبما ذكره ، فلو سها أو شك في
شيء واحد ثلاث مرات مضى في الرابعة ولم يلتفت ، أو كان كذلك في فريضة واحدة شخصية
فإنه يمضى في الرابع ولا يلتفت ، أو كان كذلك في
ثلاث فرائض متوالية فيسقط حكمه في
الفريضة الرابعة. وهذا القول ليس بذلك البعيد إلا ان المحقق لما كان مولعا بتتبع
سقطات الشيخ المزبور والتشنيع عليه سارع قلمه الى ما ذكره.
والذي ورد في هذا المقام من الأخبار ما رواه الصدوق عن
محمد بن ابى عمير عن محمد بن أبي حمزة في الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام (1) انه قال : «إذا
كان الرجل ممن يسهو في كل ثلاث فهو ممن كثر عليه السهو». ولا يخفى ما فيه من
الإجمال الموجب لسعة دائرة الاحتمال.
قال في الذخيرة بعد الحكم بترجيح القول المشهور وهو
الرجوع الى العرف ثم نقل الخبر : انه يحتمل وجهين (أحدهما) ان يكون المراد الشك في
جميع الثلاث بان يكون المراد الشك في كل واحد واحد من اجزاء الثلاث اى ثلاث كان. و
(ثانيهما) ان يكون المراد انه كلما صلى ثلاث صلوات يقع فيها الشك بحيث لا تسلم له
ثلاث صلوات خالية من الشك ثبت له حكم الكثرة ، وحينئذ يقع الاحتياج الى العرف أيضا
إذ ليس المراد كل ثلاث صلوات تجب على المكلف على التعاقب الى انقضاء التكليف وإلا
يلزم انتفاء حكم الكثرة وسقوطه بالكلية. وترجيح أحد الاحتمالين على الآخر على وجه
واضح لا يخلو من إشكال وان لم يبعد ترجيح الأخير ومع هذا فالثلاث مجمل فيحتمل أن
يكون المراد الصلوات أو الفرائض أو الركعات أو الأفعال مطلقا ولا يبعد ترجيح
الأولين ، ومع هذا فغاية ما يستفاد من الرواية حصول الكثرة بذلك وهو غير مناف
للعرف لا حصرها فيه فاذن لا معدل عن الإحالة إلى العرف. انتهى.
أقول : ما ذكره من المعنى الأول فهو الذي فهمه المحقق
الأردبيلي (نور الله مرقده) من الخبر المذكور ، حيث قال : ويمكن ان يكون معنى
رواية محمد بن ابى عمير ان السهو في كل واحدة واحدة من اجزاء الثلاث بحيث يتحقق في
جميعه موجب
__________________
(1) الوسائل الباب 16 من الخلل في الصلاة.
لصدق الكثرة وانه لا خصوصية له بثلاث
دون ثلاث بل في كل ثلاث تحقق تتحقق كثرة السهو فتزول بواحدة واثنتين ايضا ويتحقق
حكمها في المرتبة الثالثة فيكون تحديد التحقق وزوال حكم الشك معا ، فتأمل فإنه
قريب. انتهى كلامه (علا مقامه) والظاهر انه لا يخلو من البعد من لفظ الخبر.
واما المعنى الثاني فالظاهر انه الأقرب الى لفظ الخبر
وهو ان يسهو في كل ثلاث صلوات متواليات سهوا واحدا ولا تكون ثلاث صلوات متواليات
خالية من السهو ، كأن يسهو مثلا في الصبح ثم في المغرب ثم في الظهر وهكذا ، فهو
إنما يفيد تحديد انقطاع كثرة السهو بخلو ثلاث فرائض متواليات من السهو فيها لا
تحديد حصول الكثرة ، فإن مقتضى لفظ «كل» هو الدوام ، فان جعل ذلك باعتبار
الاستمرار الى آخر عمره لزم ان لا يعلم كونه كثير السهو إلا بعد موته ؛ وان جعل
باعتبار اليوم والليلة أو الأسبوع أو الشهر فلا دلالة للخبر على شيء من ذلك ، مع
انه لا تتعدد الثلاث في اليوم والليلة وظاهر الخبر كون ذلك في زمان تتعدد فيه
الثلاث ، فلا بد من الخروج عن ظاهر لفظ الخبر والرجوع الى العرف بمعنى انه تكررت
تلك الحال منه بحيث يقال في العرف انه ليس له ثلاث صلوات خالية من الشك ، فيصير
الخبر من هذه الجهة خاليا من الفائدة إذ ظاهر سياقه انما هو لبيان حكم الانقطاع
فقط ففي حصول الكثرة يرجع الى العرف وفي انقطاعها الى خلو ثلاث صلوات متوالية عن
السهو.
ثم أقول : لا يخفى انه لما كان من القواعد المقررة في
كلامهم انه مع عدم وجود الحقيقة الشرعية أو العرفية الخاصة فإنه يجب حمل اللفظ على
الحقيقة اللغوية أو العرفية حيث كانت الحقيقة اللغوية أو العرفية ، وحيث كانت
الحقيقة اللغوية هنا غير معلومة حملوا لفظ الكثرة على العرف والعادة.
قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض : والمرجع في الكثرة
إلى العرف لعدم تقديرها شرعا ، وقيل تتحقق بالسهو في ثلاث فرائض متوالية أو في
فريضة واحدة
ثلاث مرات ، والظاهر انه غير مناف
للعرف. وفي حكمه السهو ثلاثا في فريضتين متواليتين ، وربما خصها بعضهم بالسهو في
ثلاث فرائض لقول الصادق عليهالسلام في رواية ابن
ابى عمير (1) «إذا كان الرجل
ممن يسهو في كل ثلاث فهو ممن يكثر عليه السهو». وهي غير صريحة في ذلك فان ظاهرها
ان المراد وجود الشك في كل ثلاث بحيث لا تسلم له ثلاث صلوات خالية من شك. ولم يقل
أحد بانحصار الاعتبار في ذلك. انتهى.
وأنت خبير بما في حوالة الأحكام الشرعية على العرف من
الإشكال كما نبهنا عليه في غير مقام مما تقدم :
اما (أولا) فلما علم اختلاف الناس والأقاليم والبلدان في
العرف والعادات فان لكل بلد عرفا وعادة خاصة.
و (ثانيا) انه ان أريد العرف الخاص بمعنى عرف كل بلد
بالنسبة الى من فيها فإنه موجب لاختلاف الحكم الشرعي باختلاف الناس في عرفهم وهو
غير معهود من الشارع ولا دليل عليه بل الدليل على خلافه واضح السبيل ، وان أريد العام
فهو في تعذر الوقوف عليه والاطلاع أظهر من أن يحتاج الى البيان. ومن ذا الذي يدعى
الإحاطة بعرف عامة البلدان في حكم واحد فضلا عن أحكام عديدة مما ناطوه بالعرف.
و (ثالثا) ان المفهوم من الأخبار انه مع تعذر الوقوف على
المعنى المراد من اللفظ وما عنى به وقصده الشارع فان الواجب الوقوف عن الفتوى
والعمل بالاحتياط متى احتيج الى العمل بذلك لدخول هذا الفرد في الشبهات المأمور
فيها بذلك (2) والاحتياط في
المقام بالعمل بأحكام الشك والسهو ثم الإعادة من رأس.
__________________
(1) الوسائل الباب 16 من الخلل في الصلاة. وابن ابى عمير روى
هذه الرواية عن محمد بن أبي حمزة عن الصادق «ع» وقد تقدمت ص 298.
(2) الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به.
ثم انه على تقدير تخصيص الكثرة بالثلاث فهل الحكم يتعلق
بالثالثة أو الرابعة؟ قولان ، قال في الروض : ومتى حكم بثبوتها بالثلاثة تعلق
الحكم بالرابع ويستمر الى أن يخلو من السهو والشك فرائض يتحقق بها الوصف فيتعلق به
حكم السهو الطارئ وهكذا. انتهى.
وتمسك القائلون بذلك ـ على ما نقله بعض مشايخنا (رضوان
الله عليهم) ـ بان حصول الثلاث سبب لتحقق حكم الكثرة والسبب مقدم على المسبب. ويرد
عليه ان تقدم السبب ذاتي ولا تنافيه المعية الزمانية. مع ان التقدم الزماني لا يخل
هنا بالمقصود وظاهر ما قدمنا نقله عن المحقق الأردبيلي تعلق الحكم بالثالث. واحتمل
في الذكرى حصول الكثرة بالثانية ، قال : ويظهر من قوله عليهالسلام في حسنة حفص
بن البختري (1) «ولا على الإعادة
اعادة». ان السهو يكثر بالثانية. إلا أن يقال يختص بموضع وجوب الإعادة. انتهى.
أقول : قد قدمنا ان الأظهر في معنى هذه العبارة هو انه
لو صدر منه شك أو سهو موجب لإعادة الصلاة ثم حصل في الصلاة المعادة ما يوجب
الإعادة أيضا فإنه لا يعيد ولا يلتفت اليه بل يتم صلاته ، ولا منافاة بينه وبين
التحديد الواقع في صحيحة محمد بن ابى عمير (2) إذ لا يلزم ان يكون عدم الإعادة في
الصلاة المعادة إنما هو لحصول الكثرة بل هما حكمان شرعيان بينهما عموم وخصوص من
وجه ، إذ السهو الموجب للكثرة لا ينحصر في ما كان سببا للإعادة ، والسهو في
المعادة لا يستلزم كثرة السهو (3) وان اجتمع الحكمان في بعض الموارد
ولا تنافي بينهما.
وقد عرفت ان ظاهر كلام الذكرى ان الإعادة تستلزم الكثرة
، ويظهر من المدارك موافقته على ذلك حيث قال بعد نقل عبارة الذكرى المتقدمة : وهو
كذلك إلا انى لا أعلم بمضمونها قائلا.
__________________
(1) ص 258.
(2) راجع التعليقة 1 ص 300.
(3) العبارة في ما وقفنا عليه من النسخ الخطية هكذا «والإعادة
لا تستلزم كثرة السهو».
قال شيخنا المجلسي بعد نقل ذلك عنه : أقول لما لم يعلم
تحقق إجماع على خلافه والرواية المعتبرة دلت عليه فلا مانع من القول به ولذا مال
إليه والدي العلامة (قدس الله روحه) والأحوط الإتمام والإعادة رعاية للمشهور بين
الأصحاب. انتهى.
أقول : ان كان مراده وكذا مراد السيد السند بتقوية ما
ذكره في الذكرى ودلالة الرواية عليه بالنسبة الى عدم الإعادة في الصلاة المعادة لو
حصل فيها موجب الإعادة فهو جيد إلا انه بعيد عن سياق كلام الذكرى ، وان أراد
بالنسبة إلى حصول الكثرة وان عدم الإعادة في الصلاة المعادة إنما هو من حيث حصول
الكثرة كما هو ظاهر كلام الذكرى وكلام السيد ايضا ففيه ان الرواية لا دلالة فيها
على ذلك ومجرد نفى الإعادة لا دلالة فيه على ان ذلك لحصول الكثرة. وبالجملة فإن
الظاهر ان كلام شيخنا المشار اليه لا يخلو من غفلة. والله العالم.
(المسألة الرابعة عشرة) ـ قد تقدم في صور الشكوك الأربعة
وجوب صلاة الاحتياط ولم نتعرض ثمة للبحث عنها ولا عن أحكامها وتحقيق ذلك هنا يقع
في مواضع :
(الأول) ـ الظاهر من كلام الأصحاب وجوب تكبيرة الإحرام
في صلاة الاحتياط بل كاد ان يكون اتفاقا بينهم ، إلا ان بعض متأخري أصحابنا نقل عن
القطب الراوندي في شرح النهاية الطوسية انه قال : من أصحابنا من قال انه لو شك بين
الاثنتين والأربع أو غيرهما من تلك الأربعة فإذا سلم قام ليضيف ما شك فيه الى ما
يتحقق قام بلا تكبيرة الإحرام ولا تجديد نية ويكتفى في ذلك بعلمه وإرادته ويقول لا
تصح نية مترددة بين الفريضة والنافلة على الاستئناف وان صلاة واحدة تكفيها نية
واحدة وليس في كلامهم ما يدل على خلافه. وقيل ينبغي ان ينوي انه يؤدى ركعات الاحتياط
قربة الى الله ويكبر ثم يصلى. انتهى.
وهذا القول وان لم يشتهر نقله بين الأصحاب إلا أن إطلاق
الأخبار المتقدمة في الأمر بالاحتياط يعضده ، فإن أقصى ما تضمنته تلك الأخبار انه
يقوم ويركع ركعة أو ركعتين من قيام أو جلوس ، وليس فيها على تعددها وكثرتها تعرض
لذكر تكبيرة الإحرام كما لا يخفى على
من راجعها مع اشتمالها على قراءة الفاتحة والتشهد والتسليم ، والمقام فيها مقام
البيان لأنها مسوقة لتعليم المكلفين ، فلو كان ذلك واجبا لذكر ولو في بعض كما ذكر
غيره مما أشرنا اليه.
والذي وقفت عليه من عبائر جملة من المتقدمين وجل
المتأخرين خال من ذكر التكبير ايضا.
نعم روى الشيخ في التهذيب عن زيد الشحام (1) قال : «سألته
عن الرجل يصلى العصر ست ركعات أو خمس ركعات؟ قال ان استيقن انه صلى خمسا أو ستا
فليعد ، وان كان لا يدرى أزاد أم نقص فليكبر وهو جالس ثم ليركع ركعتين يقرأ فيهما
بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ثم يتشهد».
فان ظاهره ان هاتين الركعتين إنما هما للاحتياط وان كان
الاحتياط هنا غير مشهور في كلام الأصحاب إلا ان ظاهر الصدوق في المقنع القول بذلك
، وقد تقدم الكلام في ذلك في المسألة العاشرة ، وحينئذ فيمكن أن تخصص تلك الأخبار
بهذا الخبر. وكيف كان فالاحتياط يقتضي الوقوف على القول المشهور.
(الثاني) ـ لو فعل المبطل قبل الإتيان بصلاة الاحتياط فهل
تبطل الفريضة ويسقط الاحتياط أم تبقى على الصحة ويجب الإتيان بالاحتياط؟ قولان
يلتفتان الى ان صلاة الاحتياط هل هي جزء من الفريضة المتقدمة أم هي صلاة برأسها
خارجة عن تلك الصلاة؟ فالأول مبنى على الأول والثاني على الثاني. والقول بالبطلان
منقول عن ظاهر الشيخ المفيد واختاره العلامة في المختلف والشهيد في الذكرى ، والى
الثاني ذهب جمع : منهم ـ ابن إدريس والعلامة في الإرشاد والظاهر انه الأشهر في
كلام المتأخرين.
قال في الذكرى : ظاهر الفتاوى والأخبار وجوب تعقيب
الاحتياط للصلاة من غير تخلل حدث أو كلام أو غيره حتى ورد وجوب سجدتي السهو للكلام
قبله
__________________
(1) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة.
ناسيا كما مر ، وقال ابن إدريس لا
تفسد الصلاة بالحدث قبله لخروجه عن الصلاة بالتسليم وهذا فرض جديد. وهو ضعيف لان
شرعيته ليكون استدراكا للفائت من الصلاة فهو على تقدير وجوبه جزء من الصلاة فيكون
الحدث واقعا في الصلاة فيبطلها. انتهى.
واستدل العلامة في المختلف على ما ذهب اليه من الابطال
بتخلل الحدث بوجوه (أحدها) ان الاحتياط معرض لان يكون تماما للصلاة فكما تبطل
الصلاة بالحدث المتخلل بين أجزائها المحققة فكذا ما هو بمنزلتها. و (ثانيها) قوله (عليهالسلام) في آخر رواية
ابن ابي يعفور المتقدمة في مسألة الشك بين الاثنتين والأربع (1) «فإن كان صلى
ركعتين كانت هاتان تمام الأربع وان كان صلى أربعا كانت هاتان نافلة وان تكلم
فليسجد سجدتي السهو». و (ثالثها) قوله (عليهالسلام) في رواية أبي
بصير المتقدمة (2) «إذا لم تدر
أربعا صليت أم ركعتين فقم واركع ركعتين». والفاء للتعقيب وإيجاب التعقيب ينافي
تسويغ الحدث. و (رابعها) قوله عليهالسلام في صحيحة زرارة
المتقدمة (3) «وإذا لم يدر
في ثلاث هو أو في أربع. قام فأضاف إليها أخرى». فإن جعل القيام جزء يقتضي تعقيب
فعله بالشرط ،
هذا حاصل ما استدلوا به على هذا القول وما يمكن تكلفه له
من الأدلة.
ورده جملة من متأخري المتأخرين (أما الأول) فلان شرعية
فعل الاحتياط استدراكا للفائت لا يقتضي جزئيته من الصلاة ، مع انه منفصل عنها بما
يوجب الانفصال والانفراد من النية والتكبير والتسليم. و (اما الثاني) فمع عدم صحة
الرواية فهي غير صريحة في المدعى لاحتمال ان يكون المراد سجود السهو للكلام الصادر
في أثناء الصلاة أو أثناء صلاة الاحتياط لا الكلام المتخلل بين الصلاتين ، على ان
ترتب السجود عليه غير صريح في تحريمه ، مع انه لو سلم تحريمه لا يلزم منه بطلان
الصلاة به. و (اما الثالث) فبعد تسليم دلالة الفاء الجزئية على التعقيب مع ـ انه
__________________
(1) ص 237 و 238.
(2) ص 238.
(3) ص 233.
قد منعه بعض العلماء ، وان مجرد الحدث
مناف للتعقيب الذي دلت عليه الفاء ـ فانا نقول ليس المراد بها هنا التعقيب بدلالة
ذكر «ثم» في مثل هذا الموضع في بعض الأخبار كصحيحة محمد بن مسلم وحسنة الحلبي
ورواية ابن ابى يعفور وعدم ذكر شيء منهما في بعض الأخبار ايضا كحسنة زرارة (1) وبالجملة فإنه
لا يخفى على المتتبع ان الفاء في أمثال هذا المقام منسلخة عن معنى التعقيب وانما
المراد منها مجرد ترتب ما بعدها على السابق ، ومع تسليم ذلك لا يلزم منه بطلان
الصلاة بترك المبادرة وإنما اللازم منه وجوب المبادرة وهو غير محل البحث. و (اما
الرابع) فإنه لا يعتبر في الجزاء ان يكون بعد الشرط بلا فصل ، مع ان ذلك لا يقتضي
إلا مجرد الوجوب وهو غير محل البحث أيضا.
أقول : والتحقيق ان هذه التعليلات المذكورة كما عرفت
عليلة وقصارى ما تدل عليه اخبار الاحتياط هو وجوب المبادرة به بعد إتمام الصلاة
وهو غير موجب لبطلان ما تقدم بالحدث المتجدد بينهما ، مع ما ورد من ان تحليل
الصلاة التسليم (2) وهو عام
وتخصيصه بغير موضع النزاع يحتاج الى دليل وليس فليس ، وبذلك يظهر قوة ما ذهب اليه
ابن إدريس. ويؤيده أيضا ما ورد من الأخبار الدالة على صحة الصلاة مع تخلل الحدث قبل
التسليم (3) بناء على
استحباب التسليم كما هو أحد الأقوال أو كونه واجبا خارجا كما هو المختار ، فإنها
شاملة بإطلاقها لهذا الموضع وتخصيصها يحتاج الى مخصص وليس فليس.
وكيف كان فإنه وان كان الأرجح لما ذكرناه هو القول
بالصحة إلا ان المسألة لما كانت خالية من النصوص بالخصوص فالأحوط الإتيان
بالاحتياط ثم اعادة الصلاة من رأس.
ثم اعلم ان العلامة في المختلف أورد على ابن إدريس
التناقض بين فتواه بعدم
__________________
(1) ص 237 و 233.
(2) الوسائل الباب 1 من التسليم.
(3) الوسائل الباب 13 من التشهد و 3 من التسليم و 1 من قواطع
الصلاة.
البطلان بالحدث المتخلل وقوله بجواز
التسبيح ، لأن الأول يقتضي كونها صلاة منفردة والثاني يقتضي كونها جزء.
قال في الذكرى : ويمكن دفعه بان التسليم جعل لها حكما
مغايرا للجزء باعتبار الانفصال عن الصلاة ولا ينافي ذلك تبعية الجزء في باقي
الأحكام. قال في المدارك بعد نقل ذلك : وهو جيد لو ثبت التبعية بدليل من خارج لكنه
غير ثابت بل الدليل قائم على خلافه. انتهى. وهو جيد.
أقول : لا يخفى ان ظاهر الأخبار الدالة على انه مع ظهور
تمام الصلاة فالاحتياط نافلة ومع ظهور النقصان فهو متمم هو أن هذه الصلاة ذات
جهتين فهي من جهة صلاة مستقلة برأسها ومن جهة أخرى تكون سادة للنقص الواقع في
الصلاة وبالنظر الى هذا الوجه الأخير جوز ابن إدريس التسبيح إلا ان الأخبار كما
ستعرف ان شاء الله تعالى تدفعه.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان ظاهر الأصحاب ترتب الوجهين
المتقدمين في صلاة الاحتياط على الأجزاء المنسية فلو فاتته السجدة أو التشهد أو
أبعاضه على القول بوجوب القضاء ففعل المنافي قبل الإتيان بها ففيه الوجهان
المتقدمان في الاحتياط.
قال في الذكرى : واولى بالبطلان عند بعضهم للحكم
بالجزئية هنا يقينا ، ولا خلاف في انه يشترط فيها ما يشترط في الصلاة حتى الأداء
في الوقت ، فان فات الوقت ولما يفعلها تعمدا بطلت صلاته عند بعض الأصحاب لأنه لم
يأت بالماهية على وجهها ، وان كان سهوا لم تبطل عنده ونوى بها القضاء وكانت مترتبة
على الفوائت قبلها أبعاضا كانت أو صلوات مستقلة. انتهى.
أقول : اما ما نقله من الأولوية استنادا الى الحكم
بالجزئية يقينا فلا يخلو من شيء ، إذ لو تم ذلك لوجب الحكم ببطلان الصلاة وبتخلل
الأركان بين محلها أولا ومحل تلافيها أخيرا على انه ليس كذلك ، وبالجملة فإنه لا
ريب في خروجها عن محض الجزئية ، ووجوب الإتيان بها بعد الصلاة حكم آخر. واما ما
ذكره
من كونها مترتبة على الفوائت قبلها
فلم نقف له على دليل بل إطلاق الأدلة يقتضي انتفاءه
وبالجملة فحيث كانت المسألة كسابقتها خالية من النصوص
فالاحتياط فيها مطلوب وان كان الظاهر هو القول بالصحة كما عرفت في تلك المسألة.
والله العالم.
(الثالث) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) تعين
الفاتحة في صلاة الاحتياط ، وذهب ابن إدريس إلى التخيير بينها وبين التسبيح.
والقول الأول هو المعتضد بالنصوص المتقدمة الصريحة في وجوب قراءة الفاتحة فيها ،
ولا ينافي ذلك إطلاق بعض الأخبار بذكر ركعة أو ركعتين من غير تعرض لذكر الفاتحة ،
فإنه محمول على تلك الأخبار حمل المطلق على المقيد كما هو القاعدة المشهورة
المنصوصة أيضا.
واما ما ذكره في الذخيرة هنا ـ من احتمال حمل الأخبار
الدالة على التعيين على الاستحباب حتى ادعى انه لا ترجيح لأحد التأويلين على الآخر
ـ
ففيه (أولا) ما عرفت من ان هذه القاعدة في الجمع بين
الأخبار وان اشتهر العمل بها بين الأصحاب بل لا عمل لهم على غيرها في جميع الأبواب
إلا انه لا دليل عليها من سنة ولا كتاب بل ظاهر الأدلة المذكورة ردها ، فان الحمل
على الاستحباب مجاز لا يجوز القول به إلا مع القرينة الصارفة عن الحمل على الحقيقة
وليس فليس.
و (ثانيا) ان اللازم بمقتضى ما ذكره انه يتخير بين
القراءة وعدمها وان كانت القراءة أفضل ولا قائل به ولا دلالة في ذلك على قول ابن
إدريس.
وبالجملة فإن ما ذكره لا اعرف له وجها وجيها وانما التجأ
إلى موافقة القول المشهور لقوله صلىاللهعليهوآله (1) «لا صلاة إلا
بفاتحة الكتاب». قال وان لم يصل الى حد الحقيقة فالحمل عليه أقرب. ولا يخفى عليك
ما فيه من الوهن لما عرفت في غير مقام مما تقدم من ان إطلاق الأحكام في الأخبار
إنما يحمل على الافراد الشائعة المتكثرة فإنها هي التي يتبادر إليها الإطلاق دون
الفروض النادرة ، على انك قد عرفت
__________________
(1) في صحيح مسلم ج 2 ص 9 «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»
..
ان صلاة الاحتياط غير متمحضة
للاستقلال والمتبادر من الخبر انما هو الصلاة المستقلة. وبالجملة فالأولى في
الاستدلال على ذلك انما هو ما ذكرناه.
ونقل عن ابن إدريس انه احتج بان الاحتياط قائم مقام
الركعتين الأخيرتين فيثبت فيه ما ثبت في مبدله. وضعفه أظهر من ان يتصدى الى بيانه.
والله العالم.
(الرابع) ـ الظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في صحة الصلاة
لو ذكر تمامها بعد الإتيان بصلاة الاحتياط لدلالة الأخبار على ذلك وان الاحتياط
هنا يكون نافلة. اما لو ذكر في حال الاحتياط والحال هذه فهل يقطع الاحتياط لظهور
الاستغناء عنه أم يتمه؟ الظاهر التخيير في ذلك وان كان الأفضل الإتمام حيث انه
بظهور الاستغناء عنه يكون نافلة ومن شأن النافلة ذلك.
اما لو ذكر نقصان صلاته فلا يخلو اما ان يذكر بعد الفراغ
من الصلاة والاحتياط معا أو بعد الفراغ من الصلاة وقبل الاحتياط أو في أثناء
الاحتياط فههنا صور ثلاث :
(الأولى) ـ ان يذكر بعد الفراغ من الصلاة والاحتياط معا والمشهور
عدم الالتفات مطلقا ، وعليه تدل ظواهر الأخبار المصرحة بأنه متى اتى بالاحتياط فان
كانت صلاته تامة كان احتياطه نافلة وان كانت ناقصة كان متمما.
وذهب بعض الأصحاب إلى البطلان في صورة المخالفة يعني
مخالفة الاحتياط للناقص الذي ظهر نقصه كما إذا كان الشك بين الثنتين والثلاث
والأربع وقد احتاط بركعتين من قيام ثم ركعتين من جلوس ثم ظهر له بعد ذلك كون ما
صلى ثلاث ركعات. ولعل وجه البطلان عنده من حيث لزوم اختلال نظم الصلاة حيث انه متى
ذكر ان الناقص ركعة والمبدو به من الاحتياط انما هو الركعتان من قيام وهو مخالف
للناقص والمطابق له انما هو الركعتان من جلوس وهي المتأخرة فيلزم اختلال نظم
الصلاة. وفيه ان ذلك إنما يشكل إذا قلنا بأن صلاة الاحتياط جزء لا صلاة مستقلة وقد
عرفت في ما تقدم ان الأظهر هو الاستقلال فلا إشكال.
(الثانية) ـ ان يذكر بعد الفراغ من الصلاة وقبل الاحتياط
، وحينئذ فلا يخلو اما ان يكون قد فعل منافيا يبطل الصلاة أم لا ، وعلى الثاني لا
إشكال في وجوب الإتمام ثم السجود للسهو لما زاده من التشهد والتسليم ، وعلى الأول
يبنى على مسألة من فعل المنافي بعد تسليمه على ركعتين من كون ذلك المنافي مبطلا
عمدا لا سهوا أو عمدا وسهوا أو غير مبطل. وقد تقدم تحقيق ذلك في المسألة المذكورة
(الثالثة) ـ ان يذكر النقص في أثناء الاحتياط ، وحينئذ
اما ان يكون ذلك الاحتياط مطابقا للناقص كما إذا شك بين الثنتين والثلاث فأتم وشرع
في ركعة الاحتياط من قيام ثم ذكر في أثنائها النقصان ، أو غير مطابق كما إذا شك
بين الثنتين والثلاث والأربع ثم شرع في الركعتين من قيام وذكر في أثنائها نقصان
ركعة. فعلى الأول هل تبطل الصلاة ويستأنف نظرا الى ان القدر المعلوم ثبوته من تلك
الأدلة ورودها بالنسبة إلى الشك المستمر الى الفراغ من الاحتياط ، فان هذا الترديد
المتقدم في الأخبار انما هو بالنظر الى صلاته واقعا بمعنى انه ان كانت في الواقع
صلاته تامة فاحتياطه نافلة وان كانت ناقصة فاحتياطه متمم لا بالنظر الى ظهور ذلك
للمكلف وان أمكن الجري على ذلك في بعض المواضع ولهذا لم تجد لهذه الصور التي فرعها
الأصحاب في هذا المقام في الأخبار أثرا ، أو يجب الإتمام نظرا الى عموم الأدلة؟
قولان. وعلى الثاني فهل يتم الاحتياط ولا شيء عليه أو يقتصر على القدر المطابق ان
لم يتجاوزه أو يبطل الاحتياط ويرجع الى حكم تذكر النقصان أو تبطل الصلاة؟ احتمالات
والاحتياط في مثل هذه المواضع المشتبهة الخالية من النصوص واجب. والله العالم.
فروع
(الأول) ـ قال في الذكرى : لو صلى قبل الاحتياط غيره بطل
فرضا كان أو نفلا ترتب على الصلاة السابقة أولا ، لأن الفورية تقتضي النهي عن ضده
وهو عبادة. هذا إذا كان متعمدا ولو
فعل ذلك سهوا وكانت نافلة بطلت ، وكذا إذا كانت فريضة لا يمكن العدول فيها اما
لاختلاف نوعها كالكسوف واما لتجاوز محل العدول ، ويحتمل الصحة بناء على ان الإتيان
بالمنافي قبله لا يبطل الصلاة وان أمكن العدول يحتمل قويا صحته كما يعدل الى جميع
الصلاة.
(الثاني) ـ يترتب الاحتياط ترتب المجبورات ، وهو بناء
على انه لا يبطله فعل المنافي ، وكذا الأجزاء المنسية تترتب ، ولو فاتته سجدة من
الأولى وركعة احتياط قدم السجدة ، ولو كانت من الركعة الأخيرة احتمل تقديم
الاحتياط لتقدمه عليها وتقديم السجدة لكثرة الفصل بالاحتياط بينها وبين الصلاة.
(الثالث) لو أعاد الصلاة من وجب عليه الاحتياط لم يجزئ
لعدم إتيانه بالمأمور به ، وربما احتمل الإجزاء لإتيانه على الواجب وزيادة.
كذا صرح بذلك في الذكرى. وفي كثير منها اشكال والاحتياط في أمثال هذه المواضع مطلوب على كل حال كما عرفت في غير موضع مما تقدم.