ج4 - أحكام الدفن

المقصد الرابع

في الدفن

قال في المنتهى : «وهو فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن البعض الآخر وان لم يقم به أحد لحق جميع من علم به الإثم والذم بلا خلاف بين العلماء في ذلك» انتهى. والفرض منه مواراته في الأرض على وجه تكتم رائحته عن السماع وجثته عن السباع على جنبه الأيمن موجها إلى القبلة ، قال في المعتبر : «وعليه إجماع المسلمين ولأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمر بذلك ووقف على القبور وفعله ، والكيفية المذكورة ذكرها الشيخ في النهاية والمبسوط والمفيد في الرسالة الغرية وابنا بابويه ولأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) دفن كذلك وهو عمل الصحابة والتابعين».

أقول : اما وجوب الدفن على الوجه الذي ذكرناه فهو مستفيض في الأخبار كما سيمر بك ان شاء الله تعالى كثير منها ، ولأن فائدة الدفن انما تتم بالوصفين المذكورين والوصفان متلازمان غالبا ، ولو فرض وجود أحدهما دون الآخر وجب مراعاة الآخر كما صرح به الأصحاب أيضا. وظاهر الأصحاب تعين الحفر اختيارا فلا يجزئ التابوت والأزج الكائنان على وجه الأرض تحصيلا للبراءة اليقينية من التكليف الثابت ، وبه قطع في الذكرى لأنه مخالف لما أمر به النبي من الحفر ولانه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) دفن ودفن كذلك وهو عمل الصحابة والتابعين. انتهى. وهو جيد. ولو تعذر الحفر لصلابة الأرض أو أكثرية الثلج أو نحو ذلك جاز مواراته بحسب الإمكان مراعيا للوصفين المتقدمين مهما أمكن ، قال في الذكرى : «لو تعذر الحفر لصلابة الأرض أو تحجرها وأمكن نقله الى ما يمكن حفره وجب ، وان تعذر أجزأ البناء عليه بما يحصل به الوصفان المذكوران لأنه في معنى الدفن ، ولو فعل ذلك اختيارا فالأقرب المنع لانه مخالف لما أمر به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من الحفر» انتهى. وهو جيد. ولو دفن بالتابوت في الأرض جاز إلا ان الشيخ نقل الإجماع في الخلاف على كراهته.

واما الكيفية المذكورة فلم ينقل فيها خلاف إلا عن ابن حمزة حيث ذهب الى الاستحباب لأصالة البراءة.

حجة المشهور ـ على ما ذكره جمع من المتأخرين ومتأخريهم ـ التأسي بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (عليهم‌السلام) وما رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «كان البراء بن معرور التميمي الأنصاري بالمدينة وكان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بمكة وانه حضره الموت وكان رسول الله والمسلمون يصلون الى بيت المقدس فاوصى البراء إذا دفن ان يجعل وجهه الى رسول الله

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 61 من أبواب الدفن.


(صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلى القبلة فجرت به السنة. وانه اوصى بثلث ماله فنزل به الكتاب وجرت به السنة».

قال في الذخيرة بعد ان نقل ذلك : «وفي الحجتين تأمل». أقول : الظاهر ان الحجة في ذلك انما هو كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) فيه (1) : «ثم ضعه في لحده على يمينه مستقبل القبلة». والصدوقان قد ذكرا ذلك أخذا من الكتاب المذكور ، ومن تأخر عنهما فقد تبعهما في ذلك كما أشرنا إليه في غير موضع مما هو من هذا القبيل ، ويعضده ما رواه في دعائم الإسلام (2) عن علي (عليه‌السلام) «انه شهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جنازة رجل من بني عبد المطلب فلما أنزلوه في قبره قال أضجعوه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة ولا تكبوه لوجهه ولا تلقوه لظهره.».

وحيث قد عرفت وجوب الاستقبال بالميت في حال الدفن فإنه يستثني من ذلك مواضع : (منها) ـ ما لو التبست القبلة. و (منها) ـ ما لو تعذر ذلك كما لو مات في بئر ونحوه وتعذر إخراجه وصرفه إلى القبلة. و (منها) ـ ان يكون امرأة غير مسلمة حاملة من مسلم فيستدبر بها ليكون وجه الولد إلى القبلة بناء على ما قيل ان وجه الولد الى ظهر امه ، والمقصود بالذات دفنه وهي كالتابوت له ولذا دفنت في مقبرة المسلمين إكراما له ، وهذا الحكم مجمع عليه بينهم كما في التذكرة ، والأصل فيه الشيخان وأتباعهما ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه احمد بن أشيم عن يونس (3) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن الرجل تكون له الجارية اليهودية والنصرانية فيواقعها فتحمل ثم يدعوها الى ان تسلم فتأبى عليه فدنا ولادتها فماتت وهي تطلق والولد في بطنها ومات الولد أيدفن معها على النصرانية أو يخرج منها ويدفن على فطرة الإسلام؟ فكتب يدفن معها». قال في المعتبر : «ولست أرى في هذا حجة (أما أولا) ـ فلان ابن أشيم ضعيف

__________________

(1) ص 18.

(2) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 51 من أبواب الدفن.

(3) رواه في الوسائل في الباب 39 من أبواب الدفن.


جدا على ما ذكره النجاشي في كتاب المصنفين والشيخ. و (اما ثانيا) ـ فلان دفنه معها لا يتضمن دفنها في مقبرة المسلمين بل ظاهر اللفظ يدل على دفن الولد معها حيث تدفن هي ولا إشعار في الرواية بموضع دفنها ، والوجه ان الولد لما كان محكوما له بأحكام المسلمين لم يجز دفنه في مقابر أهل الذمة وإخراجه مع موتهما غير جائز فتعين دفنه معها كما قلناه» انتهى. والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال حيث انه لا مستند للحكم المذكور سوى ما يدعى من الإجماع ، وما ذكره في المعتبر من التعليل وان كان لا يخلو من قرب إلا انه لا يصلح لتأسيس حكم شرعي نعم يصلح ان يكون وجها للنص لو وجد و (منها) ـ راكب البحر إذا مات ، فقد قطع الشيخ وأكثر الأصحاب بأنه يغسل ويحنط ويكفن ويصلى عليه وينقل الى البر ان أمكن ، وان تعذر لم يتربص به بل يوضع في خابية ونحوها ويشد رأسها ويلقى في البحر أو يثقل ليرسب في الماء ثم يلقى فيه ، قيل وظاهر المفيد في المقنعة والمحقق في المعتبر جواز ذلك وان لم يتعذر البر ، والظاهر ان وجه هذه الظاهرية هو انهما ذكرا الحكم المذكور مطلقا فإنه قال في المعتبر : «إذا مات في السفينة في البحر غسل وكفن وصلى عليه وثقل ليرسب في الماء أو جعل في خابية وشد رأسها وألقي في البحر» ونحوها عبارة المقنعة. أقول : والأخبار قد وردت بالأمرين المذكورين ، فمما يدل على الوضع في الخابية ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن أيوب بن الحر (1) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل مات وهو في السفينة في البحر كيف يصنع به؟ قال يوضع في خابية ويوكأ رأسها ويطرح في الماء». وذكره الصدوق مرسلا مقطوعا ، واما ما يدل على التثقيل فهو ما رواه في الكافي عن ابان عن رجل عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «في الرجل يموت مع القوم في البحر؟ فقال يغسل ويكفن ويصلى عليه ويثقل ويرمى به في البحر». وعن سهل رفعه عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «إذا مات الرجل في السفينة ولم يقدر على الشط؟ قال

__________________

(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 40 من أبواب الدفن.


يكفن ويحنط في ثوب ويلقى في الماء». وروى الشيخ في التهذيب عن أبي البختري وهب ابن وهب القرشي عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (1) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) إذا مات الميت في البحر غسل وكفن وحنط ثم يوثق في رجليه حجر ويرمى به في الماء». وفي الفقه الرضوي (2) «وان مات في سفينة فاغسله وكفنه وثقل رجليه وألقه في البحر». والأصحاب (رضوان الله عليهم) قد جمعوا بين روايات المسألة بالتخيير ، وهو جيد. وإطلاق أكثر الأخبار بالنسبة إلى تقديم البر ان أمكن مقيد بما دلت عليه مرسلة سهل من ذلك والحكم حينئذ مما لا يعتريه الاشكال. وقد ذكر جملة من الأصحاب انه ينبغي استقبال القبلة به حال الإلقاء ، وأوجبه ابن الجنيد والشهيدان لانه دفن حيث يحصل به مقصود الدفن ، وهو تقييد لإطلاق النص من غير دليل والتعليل المذكور عليل.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن للدفن آدابا وسننا متقدمة ومقارنة ومتأخرة ، وتحقيق الكلام في المقام يتوقف على بسطه في مطالب ثلاثة :

(الأول) ـ في الآداب المتقدمة وهي أمور (الأول) ـ التشييع ، وقد ورد في استحبابه أجر عظيم وثواب جسيم ، فروي في الكافي عن ابي بصير (3) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول من مشى مع جنازة حتى يصلى عليها ثم رجع كان له قيراط من الأجر فإذا مشى معها حتى تدفن كان له قيراطان ، والقيراط مثل جبل أحد». وعن جابر عن الباقر (عليه‌السلام) (4) قال : «من شيع ميتا حتى يصلى عليه كان له قيراط من الأجر ومن بلغ معه الى قبره حتى يدفن كان له قيراطان من الأجر ، والقيراط مثل جبل أحد». وعن الأصبغ بن نباتة (5) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) من تبع جنازة كتب الله له أربعة قراريط : قيراط باتباعه إياها وقيراط بالصلاة عليها وقيراط

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 40 من أبواب الدفن.

(2) ص 18.

(3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب الدفن.


بالانتظار حتى يفرغ من دفنها وقيراط بالتعزية». وعن ابي الجارود عن الباقر (عليه‌السلام) (1) قال : «كان فيما ناجى به موسى (عليه‌السلام) ربه ان قال يا رب ما لمن شيع جنازة؟ قال أوكل به ملائكة من ملائكتي معهم رايات يشيعونهم من قبورهم الى محشرهم». وعن جابر عن الباقر (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا أدخل المؤمن قبره نودي ألا ان أول حبائك الجنة ألا وأول حباء من تبعك المغفرة». وعن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «أول ما يتحف به المؤمن في قبره ان يغفر لمن تبع جنازته». وعن داود الرقي عن رجل من أصحابه عن الصادق (عليه‌السلام) (4) قال : «من شيع جنازة مؤمن حتى يدفن في قبره وكل الله به سبعين ملكا من المشيعين يشيعونه ويستغفرون له إذا خرج من قبره الى الموقف». وعن ميسر (5) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول من تبع جنازة مسلم اعطي يوم القيامة أربع شفاعات ولم يقل شيئا إلا قال الملك ولك مثل ذلك». وفي الفقه الرضوي (6) : «وقد روى ابي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) ان المؤمن إذا أدخل قبره ينادي الا ان أول حبائك الجنة وأول حباء من تبعك المغفرة ، الى ان قال ولا تترك تشييع جنازة المؤمن فإن فيه فضلا كثيرا».

والمعروف من مذهب الأصحاب ـ كما صرح به جمع منهم ـ ان سنة التشييع هو المشي وراء الجنازة أو الى أحد جانبيها ، ونص المحقق في المعتبر على ان تقدمها ليس بمكروه بل هو مباح ، وحكى الشهيد في الذكرى كراهة المشي أمامها من كثير من الأصحاب ، وقال ابن ابي عقيل : يجب التأخر خلف المعادي لذي القربى لما ورد من استقبال ملائكة العذاب إياه (7). وقال ابن الجنيد : يمشي صاحب الجنازة بين يديها

__________________

(1 و 2 و 3 و 5) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب الدفن.

(4) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب الدفن.

(6) ص 18.

(7) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب الدفن.


والباقون وراءها لما روي من «ان الصادق (عليه‌السلام) تقدم سرير ابنه إسماعيل بلا حذاء ولا رداء» (1).

أقول : والذي وقفت عليه في المسألة من الأخبار ما رواه في الكافي في الموثق عن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «المشي خلف الجنازة أفضل من المشي بين يديها». ورواه في التهذيب عن محمد بن يعقوب وزاد فيه «ولا بأس بأن يمشي بين يديها». ورواه في الفقيه مرسلا كذلك. وعن جابر عن الباقر (عليه‌السلام) (3) قال : «مشى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خلف جنازة فقيل يا رسول الله ما لك تمشي خلفها؟ فقال ان الملائكة رأيتهم يمشون امامها ونحن تبع لهم». وعن سدير عن الباقر (عليه‌السلام) (4) قال : «من أحب ان يمشي مشي الكرام الكاتبين فليمش جنبي السرير ،. وروى الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (5) قال : «سمعت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم خالفوا أهل الكتاب». وروى في الكافي والفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (6) قال : «سألته عن المشي مع الجنازة فقال بين يديها وعن يمينها وعن شمالها وخلفها». وعن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه‌السلام) (7) قال : «امش بين يدي الجنازة وخلفها». وعن السكوني عن الصادق (عليه‌السلام) (8) قال : «سئل كيف أصنع إذا خرجت مع الجنازة أمشي أمامها أو خلفها أو عن يمينها أو عن شمالها؟ فقال : ان كان مخالفا فلا تمش امامه فان ملائكة العذاب يستقبلونه بألوان العذاب». وروى الشيخ في التهذيب عن ابي بصير عن الصادق (عليه‌السلام) (9) مثله. وروى في الكافي عن يونس بن ظبيان عن الصادق (عليه‌السلام) (10) قال :

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب الاحتضار.

(2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب الدفن.

(6 و 7 و 8 و 9 و 10) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب الدفن.


«امش أمام جنازة المسلم العارف ولا تمش أمام جنازة الجاحد فإن أمام جنازة المسلم ملائكة يسرعون به الى الجنة وان امام جنازة الكافر ملائكة يسرعون به الى النار». وفي الفقه الرضوي (1) «وإذا حضرت جنازة فامش خلفها ولا تمش امامها وانما يؤجر من تبعها لا من تبعته ، وقد روى ابي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) ان المؤمن. الحديث». وقد تقدم (2) ثم قال وقال (عليه‌السلام) : «اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم فإنه من عمل المجوس (3) وأفضل المشي في اتباع الجنائز ما بين جنبي الجنازة وهو مشي الكرام الكاتبين». انتهى.

أقول : والمفهوم من هذه الاخبار بعد ضم بعضها إلى بعض ان الأفضل في التشييع هو المشي خلف الجنازة أو الى أحد جنبيها مع زيادة الأول في الفضل ، واما المشي امامها فان كان مؤمنا فلا بأس به ولا كراهة فيه وان كان ليس فيه ثواب الفردين الأولين وان كان مخالفا فهو مكروه للعلة المذكورة في الاخبار. وجمع بعض بحمل أخبار النهي عن التقدم بالحمل على ما إذا كان مخالفا. وفيه ان خبر السكوني ورواية كتاب الفقه الدالان على تعليل النهي بكونه عمل أهل الكتاب والمجوس يدلان على أعم من المؤمن والمخالف. واما حديث تقدم الصادق (عليه‌السلام) جنازة ابنه إسماعيل فاحتمال الحمل على التقية فيه قريب فان المشهور بينهم أفضلية المشي أمامها وقد نسبوا القول بأفضلية المشي خلفها الى أهل البيت (عليهم‌السلام) قال بعض شراح صحاح مسلم على ما نقله شيخنا

__________________

(1) ص 18.

(2) أقول : قال الصدوق في المقنع : إذا حضرت جنازة فامش خلفها ولا تمش امامها فإنما يؤجر من يتبعها لا من تتبعه فإنه روي «اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم فإنه من عمل المجوس». وروي «إذا كان الميت مؤمنا فلا بأس ان يمشى قدام جنازته فإن الرحمة تستقبله والكافر لا يتقدم جنازته فإن اللعنة تستقبله». انتهى. وصدر هذا الكلام عين ما في كتاب الفقه المذكور في الأصل. منه «قدس‌سره».

(3) أقول : هذا مضمون رواية السكوني أيضا منه «قدس‌سره».


المجلسي (عطر الله مرقده) في البحار : كون المشي وراء الجنازة أفضل من المشي أمامها قول علي بن ابي طالب (عليه‌السلام) ومذهب الأوزاعي وابي حنيفة ، وقال جمهور الصحابة والتابعين ومالك والشافعي وجماهير العلماء المشي قدامها أفضل ، وقال الثوري وطائفة هما سواء (1).

وفي المقام فوائد (الأولى) ـ ينبغي للمشيع ان يحضر قلبه ذكر الموت والتفكر في مآله وما يصير إليه عاقبة حاله ويكره له الضحك واللهو ، ففي الكافي عن عجلان ابي صالح (2) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) يا أبا صالح إذا أنت حملت جنازة فكن كأنك أنت المحمول وكأنك سألت ربك الرجوع الى الدنيا ففعل فانظر ما ذا تستأنف ، قال ثم قال عجب لقوم حبس أولهم عن آخرهم ثم نودي فيهم الرحيل وهم يلعبون». قال في الذكرى : ويكره له الضحك واللهو لما روي «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أو عليا (عليه‌السلام) شيع جنازة فسمع رجلا يضحك فقال كأن الموت فيها على غيرنا كتب. الحديث».

__________________

(1) في المغني لابن قدامة ج 2 ص 474 ما ملخصه «أكثر أهل العلم يرون الفضيلة في المشي امام الجنازة ، وقال الأوزاعي وأصحاب الرأي المشي خلفها أفضل» وفي عمدة القارئ للعيني الحنفي ج 4 ص 8 «المشي خلف الجنازة عندنا أفضل ومشهور مذهب المالكية كمذهبنا وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وإسحاق وأهل الظاهر وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري والأوزاعي وسويد بن غفلة ومسروق وأبو قلابة ويروى ذلك عن على ابن ابى طالب (ع) وعبد الله بن مسعود وابى الدرداء وابى امامة وعمرو بن العاص ، واستشهد له بتسع روايات عن النبي «ص» وان عليا «ع» يحلف بالله انه سمعه من رسول الله «ص» وان أبا بكر وعمر سمعاه ايضا ولكنهما أرادا أن يسهلا على الناس فمشيا امام الجنازة. وقال أحمد المشي أمامها أفضل» وفي نيل الأوطار ج 4 ص 62 «عند الزهري ومالك واحمد والجمهور وجماعة من الصحابة ان المشي أمامها أفضل ، وعند أبي حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري وإسحاق ـ وحكاه في البحر عن العترة «ع» ـ ان المشي خلفها أفضل».

(2) رواه في الوسائل في الباب 59 من أبواب الدفن.


أقول : هذا الكلام قد ذكره أمير المؤمنين (عليه‌السلام) كما نقله السيد الرضي في كتاب نهج البلاغة (1) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وقد تبع جنازة فسمع رجلا يضحك فقال كأن الموت فيها على غيرنا كتب وكأن الحق فيها على غيرنا وجب.». وساق الكلام ثم قال السيد : ومن الناس من ينسب هذا الكلام الى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أقول : ورواه الكراجكي في كنز الفوائد عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2).

(الثانية) ـ قال في المعتبر : «قال علي بن بابويه في الرسالة : وإياك ان تقول ارفقوا به أو ترحموا عليه أو تضرب يدك على فخذك فيحبط أجرك. وبذلك رواية عن أهل البيت (عليهم‌السلام) نادرة لكن لا بأس بمتابعته تفصيا من الوقوع في المكروه» انتهى. أقول : لا ريب ان ما ذكره علي بن بابويه (قدس‌سره) هنا مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) (3) : «وإياك ان تقول ارفقوا به وترحموا عليه أو تضرب يدك على فخذك فإنه يحبط أجرك عند المصيبة». والظاهر ان اختلاف آخر العبارة نشأ من غلط في أحد الطرفين. واما ما أشار إليه المحقق من الرواية النادرة فالظاهر انها ما رواه السكوني عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) (4) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثلاثة ما أدري أيهم أعظم جرما : الذي يمشي مع الجنازة بغير رداء أو الذي يقول قفوا أو الذي يقول استغفروا له غفر الله لكم». وروى في الخصال بسنده فيه عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الصادق (عليه‌السلام) (5) قال : «ثلاثة لا ادري أيهم أعظم جرما : الذي يمشي خلف جنازة في مصيبة غيره بغير رداء والذي يضرب يده على فخذه عند المصيبة والذي يقول ارفقوا به وترحموا عليه رحمكم الله تعالى». أقول : ما دلت عليه هذه الاخبار من النهي عن القول بما تضمنته من الأمر

__________________

(1 و 2) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 53 من أبواب الدفن.

(3) ص 17.

(4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 47 من أبواب الاحتضار.


بالرفق أو الأمر بالاستغفار لا يحضرني الآن له وجه وجيه ولا وقفت فيه على كلام لأحد من أصحابنا (رضوان الله عليهم) إلا ما ذكره شيخنا المجلسي في البحار ، حيث قال بعد ذكر خبري عبد الله بن الفضل أولا والسكوني ثانيا : «قوله مع الجنازة أي مع عدم كونه صاحب المصيبة كما مر في الخبر الأول وهو اما مكروه أو حرام كما سيأتي ، واما قوله «ارفقوا به» فلتضمنه تحقير الميت وإهانته ، وفي التهذيب «أو الذي يقول قفوا» ولعله تصحيف وعلى تقديره الذم لمنافاته لتعجيل التجهيز أو يكون الوقوف لإنشاد المراثي وذكر أحوال الميت كما هو الشائع وهو مناف للتعزي والصبر ، والفقرة الثالثة أيضا لاشعارها بكونه مذنبا وينبغي ان يذكر الموتى بخير. ويمكن ان تحمل الفقرتان على ما إذا كان غرض القائل التحقير والاشعار بالذنب. ويحتمل ان يكون الضميران في الأخيرتين راجعين إلى الذي يمشى بغير رداء اي هو بسبب هذا التصنع لا يستحق أن يأمر بالرفق به ولا الاستغفار له. وقال العلامة في المنتهى : وكره ان يقول قفوا واستغفروا له غفر الله تعالى لكم لانه خلاف المنقول بل ينبغي ان يقال ما نقل عن أهل البيت (عليهم‌السلام)» انتهى كلام شيخنا المشار إليه.

(الثالثة) ـ قد ذكر جمع من الأصحاب : منهم ـ المحقق والعلامة وابن ابي عقيل وابن حمزة انه يكره للمشيع الجلوس حتى يوضع الميت في قبره لما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «ينبغي لمن شيع جنازة ان لا يجلس حتى يوضع في لحده فإذا وضع في لحده فلا بأس بالجلوس». وظاهر الشيخ وابن الجنيد انتفاء الكراهة ، قال في المدارك : بعد ذكر الصحيحة المذكورة «وهو ضعيف» وقال في الذكرى : «اختلف الأصحاب في كراهة جلوس المشيع قبل الوضع في اللحد فجوزه في الخلاف ونفي عنه البأس ابن الجنيد للأصل ولرواية عبادة بن الصامت (2) «كان

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 45 من أبواب الدفن.

(2) كما في سنن البيهقي ج 4 ص 28.


رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا كان في جنازة لم يجلس حتى يوضع في اللحد فقال يهودي إنا لنفعل ذلك فجلس وقال خالفوهم». وكراهة ابن ابي عقيل وابن حمزة والفاضلان وهو الأقرب لصحيح ابن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) ثم ساق الخبر ، ثم قال : والحديث حجة لنا لان «كان» تدل على الدوام والجلوس لمجرد إظهار المخالفة ، ولان الفعل لا عموم له فجاز وقوع الجلوس تلك المرة خاصة ، ولان القول أقوى من الفعل عند التعارض ، والأصل مخالف للدليل» انتهى كلامه وأجاب شيخنا البهائي عنه بعد نقل ملخص هذا الكلام بان لابن الجنيد ان يقول ان احتجاجي ليس بمجرد الفعل بل بقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خالفوهم. انتهى. أقول : يمكن ان يحتج لابن الجنيد أيضا بحسنة داود ابن النعمان (1) قال : «رأيت أبا الحسن (عليه‌السلام) يقول ما شاء الله لا ما شاء الناس فلما انتهى الى القبر تنحى فجلس فلما ادخل الميت لحده قام فحثا عليه التراب ثلاث مرات بيده».

(الرابعة) ـ قال في الذكرى : نقل الشيخ الإجماع على كراهية الإسراع بالجنازة لقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) : «عليكم بالقصد في جنائزكم». لما رأى ان جنازة تمخض مخضا ، وقال ابن عباس في جنازة ميمونة «ارفقوا بها فإنها أمكم» (3) ولو خيف على الميت فالاسراع اولى ، قال المحقق : أراد الشيخ كراهة ما زاد على المعتاد وقال الجعفي السعي بها أفضل ، وقال ابن الجنيد يمشي بها جنبا. قلت : السعي العدو والجنب ضرب منه ، فهما دالان على السرعة ، وروى الصدوق عن الصادق (عليه

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 29 من أبواب الدفن.

(2) كما في سنن البيهقي ج 4 ص 22 والنص هكذا : «عليكم بالقصد في المشي بجنائزكم».

(3) في سنن البيهقي ج 4 ص 22 «عن عطاء قال حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة زوج النبي «ص» (بسرف) فقال ابن عباس : هذه ميمونة إذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوه ولا تزلزلوه وارفقوا».

.


السلام) «ان الميت إذا كان من أهل الجنة نادى عجلوا بي وان كان من أهل النار نادى ردوني». انتهى. أقول ما أشار إليه في كلام الشيخ من الحديث النبوي هو ما رواه ابنه (قدس‌سره) في المجالس عن أبيه بسنده فيه عن ليث بن ابي بردة عن أبيه (1) قال : «مروا بجنازة تمخض كما يمخض الزق فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عليكم بالسكينة عليكم بالقصد في المشي بجنائزكم».

(الخامسة) ـ يكره ان يركب المشيع دابة حال تشييعه ولا بأس بذلك بعد الرجوع ، ويدل عليه ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله البصري عن الصادق (عليه‌السلام) (2) ورواه في الفقيه مرسلا عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «مات رجل من الأنصار من أصحاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فخرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الى جنازته يمشي فقال له بعض أصحابه ألا تركب يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال اني لأكره أن أركب والملائكة يمشون». وزاد في الكافي «وابى ان يركب» وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «رأى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قوما خلف جنازة ركبانا فقال ما استحى هؤلاء ان يتبعوا صاحبهم ركبانا وقد أسلموه على هذه الحالة». وروى في التهذيب عن غياث بن إبراهيم عن الصادق عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (4) «انه كره ان يركب الرجل مع الجنازة في بداية الا من عذر ، وقال يركب إذا رجع». قوله : «في بداية» أي حال الذهاب حين يبدأ بالمشي.

(السادسة) ـ ويستحب الدعاء بالمأثور عند رؤية الجنازة وحملها فروى في

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 64 من أبواب الدفن.

(2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الدفن.


الكافي عن عنبسة بن مصعب عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من استقبل جنازة أو رآها فقال : «الله أكبر هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله اللهم زدنا ايمانا وتسليما الحمد لله الذي تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت» لم يبق في السماء ملك إلا بكى رحمة لصوته». وروى الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن الجنازة إذا حملت كيف يقول الذي يحملها؟ قال يقول : بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات». وعن ابي الحسن النهدي رفعه (3) قال : «كان أبو جعفر (عليه‌السلام) إذا رأي جنازة قال : الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم». وقد ذكر غير واحد من الأصحاب انه يستحب لمن شاهد الجنازة ان يقول : «الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم» والمستند فيه ما ذكرناه من رواية النهدي وحسنة أبي حمزة (4) قال :«كان علي بن الحسين (عليهما‌السلام) إذا رأى جنازة قد أقبلت قال : الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم». قيل والسواد يطلق تارة على الشخص واخرى على عامة الناس ، وزاد بعض إطلاق السواد على القرية ، والمخترم الهالك والمستأصل ، والظاهر هو المعنى الثاني ، والمعنى الشكر لله سبحانه انه لم يجعله من الهالكين فيكون شكرا لنعمة الحياة. ولا ينافي ذلك حب لقاء الله تعالى فان معناه حب الموت وعدم الامتناع منه على تقدير رضاء الله تعالى به فلا ينافي لزوم شكر نعمة الحياة والرضاء بقضاء الله في ذلك ، وقيل ان حب لقاء الله سبحانه انما يكون عند معاينة منزلته في الجنة كما ورد في الخبر ، أو المراد الهلاك على غير بصيرة فيكون الشكر لله سبحانه على انه لم يجعله من عامة الناس الهالكين على غير بصيرة في الدين ولا استعداد للموت ، وحينئذ فالشكر يرجع الى التوفيق في المعرفة والهداية في الدين ، قال في الذكرى بعد نقل حديث علي بن الحسين (عليه‌السلام) : «قلت السواد الشخص والمخترم الهالك أو المستأصل والمراد به هنا

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب الدفن.


الجنس ، ومنه قولهم السواد الأعظم أي لم يجعلني من هذا القبيل ، ولا ينافي هذا حب لقاء الله تعالى لانه غير مقيد بوقت فيحمل على حال الاحتضار ومعاينة ما يجب كما رويناه عن الصادق (عليه‌السلام) (1) ورووه في الصحاح عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) انه قال : «من أحب لقاء الله تعالى أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله سبحانه كره الله لقاءه. فقيل له انا لنكره الموت؟ فقال ليس ذلك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس شي‌ء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء الله تعالى واجب الله لقاءه ، وان الكافر إذا حضره الموت بشر بعذاب الله تعالى فليس شي‌ء أكره إليه مما امامه فكره لقاء الله وكره الله لقاءه». الى ان قال : ويجوز ان يكنى بالمخترم عن الكافر لانه الهالك على الإطلاق بخلاف المؤمن ، أو المراد بالمخترم من مات دون أربعين سنة» انتهى كلامه.

(السابعة) ـ روى في الكافي عن البرقي رفعه عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أميران وليسا بأميرين : ليس لمن تبع جنازة ان يرجع حتى يدفن أو يؤذن له ، ورجل يحج مع امرأة فليس له ان ينفر حتى تقضي نسكها». ورواه الصدوق في الخصال والمقنع. أقول : ظاهر الخبر انه ليس لمن شيع الجنازة الرجوع قبل الدفن إلا بإذن الولي ، وبذلك صرح ابن الجنيد على ما نقله عنه في الذكرى فقال : من صلى على جنازة لم يبرح حتى يدفن أو يأذن اهله بالانصراف إلا من ضرورة لرواية الكليني ، ثم ساق الرواية المذكورة. ثم انه مع فرض اذن الولي في الرجوع فإنه

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 19 من أبواب الاحتضار.

(2) رواه النسائي في السنن ج 1 ص 260 طبع مصر عن أبي هريرة وعبادة بن الصامت وعائشة عن رسول الله «ص» وابن ماجة في سننه ج 2 ص 566 الطبعة الاولى بالمطبعة التازية بمصر عن عائشة ، والترمذي في سننه ج 9 ص 189 على هامش شرحه لابن العربي عمن تقدم في رواية النسائي ، وابن حجر في مجمع الزوائد ج 2 ص 320 عن احمد والبزار وابي يعلى عن انس ، والسيوطي في الجامع الصغير ج 2 ص 159 عن عائشة وعبادة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب الدفن.


لا يدل على عدم استحباب إتمام التشييع بعد الاذن بل الاستحباب باق ، ويدل على ذلك ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة (1) قال : «حضر أبو جعفر (عليه‌السلام) جنازة رجل من قريش وانا معه وكان فيها عطاء فصرخت صارخة فقال عطاء لتسكتن أو لنرجعن قال فلم تسكت فرجع عطاء فقلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) ان عطاء قد رجع ، قال ولم؟ قلت صرخت هذه الصارخة فقال لها لتسكتن أو لنرجعن فلم تسكت فرجع ، فقال امض بنا فلو انا إذا رأينا شيئا من الباطل مع الحق تركنا له الحق لم نقض حق مسلم ، قال : فلما صلى على الجنازة قال وليها لأبي جعفر (عليه‌السلام) ارجع مأجورا رحمك الله تعالى فإنك لا تقوى على المشي فأبى ان يرجع ، قال فقلت له : قد اذن لك في الرجوع ولي حاجة أريد أن أسألك عنها فقال امض فليس بإذنه جئنا ولا باذنه نرجع وانما هو فضل وأجر طلبناه فبقدر ما يتبع الجنازة الرجل يؤجر على ذلك».

(الثامنة) ـ المشهور ـ وبه صرح الشيخ وجمع من الأصحاب ـ انه يكره حمل ميتين على سرير رجلين كانا أم امرأتين أو رجلا وامرأة ، وقال في النهاية لا يجوز وهو بدعة ، وكذا ابن إدريس في سرائره فإنه قال : ولا يجوز حمل ميتين على جنازة واحدة مع الاختيار لان ذلك بدعة. وممن صرح بالكراهة أيضا ابن حمزة. وقال الجعفي لا يحمل ميتان على نعش واحد. وهو محتمل لكل من القولين.

والذي وقفت عليه من الأخبار هنا ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار (2) قال : «كتبت الى ابي محمد (عليه‌السلام) أيجوز ان يجعل الميتين على جنازة واحدة في موضع الحاجة وقلة الناس ، وان كان الميتان رجلا وامرأة يحملان على سرير واحد ويصلى عليهما؟ فوقع (عليه‌السلام) لا يحمل الرجل والمرأة على سرير واحد».

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 40 من أبواب صلاة الجنازة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 42 من أبواب الدفن.


واستدل بهذه الرواية للحكم المذكور ، ورده جمع من المتأخرين بأنها أخص من المدعي. وظاهر الخبر المذكور عدم الجواز ولو مع الحاجة. وما ذكره (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي (1) حيث قال : «ولا تجعل ميتين على جنازة واحدة». وهذه العبارة أوردها الصدوق في الفقيه نقلا عن أبيه في رسالته اليه ، ومنه يعلم ان مستند الأصحاب في هذا الحكم انما هو كلام الصدوقين ومستند الصدوقين انما هو كتاب الفقه المذكور كما عرفت في غير مقام مما تقدم وستعرف ان شاء الله تعالى. بقي الكلام في العبارة المذكورة مترددا بين التحريم والكراهة وقضية النهي حقيقة الأول. والله العالم.

(التاسعة) ـ قال في الذكرى : يكره الاتباع بنار إجماعا وهو مروي عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) وعن الصادق (عليه‌السلام) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى ان يتبع بمجمرة» رواه السكوني (3). ورواه الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (4) ولو كان ليلا جاز المصباح ـ لقول الصادق (عليه‌السلام) (5) «ان ابنة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أخرجت ليلا ومعها مصابيح». أقول : قد تقدم في صحيحة الحلبي أو حسنته عن الصادق (عليه‌السلام) (6) «واكره أن يتبع بمجمرة». وروى الشيخ عن السكوني عن الصادق (عليه‌السلام) (7) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى ان تتبع جنازة بمجمرة». وعن غياث بن إبراهيم عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (8) «انه كان يكره ان يتبع الميت بالمجمرة». والرواية التي أشار إليها في إخراج فاطمة (عليها‌السلام) ليلا بالمصابيح قد رواها الصدوق في الفقيه مرسلة (9) قال : «سئل الصادق (عليه‌السلام) عن الجنازة يخرج معها بالنار؟ فقال ان ابنة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). الحديث». وروى في العلل عن الصادق (عليه

__________________

(1) ص 19.

(2) كما في المغني لابن قدامة ج 2 ص 477.

(3 و 4 و 6 و 7 و 8) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين.

(5) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الدفن.

(9) ج 1 ص 100.


السلام) (1) في حديث طويل يتضمن مرض فاطمة (عليها‌السلام) ووفاتها الى ان قال : «فلما قضت نحبها وهم في جوف الليل أخذ علي (عليه‌السلام) في جهازها من ساعته وأشعل النار في جريد النخل ومشى مع الجنازة بالنار حتى صلى عليها ودفنها ليلا.». وحينئذ فيكون الموت ليلا مستثنى من الكراهة. ويفهم من هذين الخبرين ان قبرها (عليها‌السلام) ليس في البيت كما هو أحد الأقوال بل ربما أشعرت بكونه في البقيع كما قيل أيضا

(العاشرة) ـ قال في الذكرى : يكره اتباع النساء الجنازة لقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «ارجعن مأزورات غير مأجورات». ولقول أم عطية : «نهينا عن اتباع الجنازة» ولانه تبرج. انتهى. أقول : اما الحديث النبوي المشار اليه فهو ما رواه الشيخ في المجالس عن عباد بن صهيب عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) عن ابن الحنفية عن علي (عليه‌السلام) (2) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خرج فرأى نسوة قعودا فقال ما أقعدكن ههنا؟ قلن لجنازة : قال أفتحملن مع من يحمل؟ قلن لا. قال : أفتغسلن مع من يغسل؟ قلن لا. قال أفتدلين في من يدلي؟ قلن لا. قال فارجعن مأزورات غير مأجورات». واما حديث أم عطية فالظاهر انه من روايات العامة كما يشعر به كلام العلامة في المنتهى فاني لم أقف بعد التتبع عليه في شي‌ء من أصولنا. وفي المنتهى : ويكره للنساء اتباع الجنائز ذكره الجمهور لأنهن أمرن بترك التبرج والحبس في البيوت ، وروت أم عطية فقالت : «نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا» (3). ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن ابي بصير عن الصادق (عليه‌السلام) (4) انه قال : «ليس ينبغي للمرأة الشابة ان تخرج إلى الجنازة وتصلي عليها إلا ان تكون امرأة دخلت في

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الدفن.

(2) رواه في الوسائل في الباب 69 من أبواب الدفن.

(3) كما في المغني ج 2 ص 477.

(4) رواه في الوسائل في الباب 39 من أبواب صلاة الجنازة.


السن». وفي رواية غياث بن إبراهيم عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (1) «قال لا صلاة على جنازة معها امرأة». قال الشيخ : المراد بذلك نفي الفضيلة لأنه يجوز لهن ان يخرجن ويصلين ، فإنه روى يزيد بن خليفة عن الصادق (عليه‌السلام) (2) «ان زينب بنت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) توفيت وان فاطمة (عليها‌السلام) خرجت في نسائها فصلت على أختها». انتهى. أقول : ومثل حديث يزيد بن خليفة المذكور حديثه الآخر وهو ما رواه الكليني في الصحيح عن يزيد بن خليفة (3) ـ وهو ممدوح فيكون حديثه حسنا ـ قال : «سأل عيسى بن عبد الله أبا عبد الله (عليه‌السلام) وانا حاضر فقال تخرج النساء إلى الجنازة؟ فقال ان الفاسق آوى عمه المغيرة بن ابي العاص ، ثم ذكر حديث وفاة زوجة عثمان بطوله الى ان قال : وخرجت فاطمة (عليها‌السلام) ونساء المؤمنين والمهاجرين فصلين على الجنازة». أقول : ويفهم من خبري يزيد بن خليفة أن خروجها (عليها‌السلام) مع النساء كان مرتين مرة في موت أختها زينب زوجة أبي العاص الأموي ومرة أخرى في زوجة عثمان. وكيف كان فهذان الخبران ظاهران في الجواز بغير كراهة ، وأخلق بهذا القول ان يكون أصله من العامة وتبعهم فيه أصحابنا لرواية الشيخ التي أشار إليها في الذكرى ، وراويها ـ كما عرفت ـ عباد بن صهيب وهو بتري عامي لا يبلغ قوة في معارضة هذه الاخبار ، ورواية أم عطية قد عرفت انها ليست من طرقنا بل الظاهر انها من طرقهم ، ويشير الى ما ذكرناه صدر عبارة المنتهى ، واما خبر ابي بصير فليس فيه أزيد من استثناء الشابة ولعله لخصوص مادة ، واما خبر غياث بن إبراهيم فيحمل على التقية لكون راويه عاميا بتريا. وبالجملة فعموم اخبار التشييع مضافا الى خصوص هذه الاخبار أوضح واضح في الجواز من غير كراهة.

(الحادية عشرة) ـ قال في المنتهى : يكره ان يمشي مع الجنازة بغير رداء

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 40 من أبواب صلاة الجنازة.

(2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 39 من أبواب صلاة الجنازة.


لرواية السكوني (1) أما صاحب المصيبة فإنه ينبغي له ان يضع رداءه ليتميز عن غيره فيقصده الناس للتعزية. روى الشيخ عن الحسين بن عثمان (2) قال : «لما مات إسماعيل ابن ابي عبد الله (عليه‌السلام) خرج أبو عبد الله بغير رداء ولا حذاء». أقول : قال الشيخ في المبسوط يجوز لصاحب المصيبة أن يتميز عن غيره بإرسال طرف العمامة وأخذ مئزر فوقها على الأب والأخ فاما على غير هما فلا يجوز على حال. وقال ابن إدريس : لم يذهب الى هذا سواه والذي تقتضيه أصولنا انه لا يجوز اعتقاد ذلك وفعله سواء كان على الأب أو الأخ أو غيرهما ، لان ذلك حكم شرعي يحتاج الى دليل شرعي ولا دليل عليه ، فيجب طرحه لئلا يكون الفاعل له مبدعا لانه اعتقاد جهل. ورده الفاضلان بأحاديث الامتياز الآتية في المقام ان شاء الله تعالى. وفيه ان الأحاديث المشار إليها لا دلالة فيها على ما ذكره الشيخ هنا من هذه الكيفية ولا الاختصاص بالأب والأخ. نعم ظاهر ابن الجنيد القول بما قاله الشيخ حيث ذكر التميز بطرح بعض زيه بإرسال طرف العمامة أو أخذ مئزر من فوقها على الأب والأخ ولا يجوز على غيرهما ، فقول ابن إدريس ـ انه لم يذهب الى هذا سواه ـ ليس في محله. وابن حمزة منع هنا مع تجويزه الامتياز فكأنه يخص التميز في غير الأب والأخ بهذا النوع من الامتياز. وعن ابي الصلاح انه يحتفي ويحل أزراره في جنازة أبيه وجده خاصة.

أقول : والذي وقفت عليه من اخبار المسألة زيادة على رواية الحسين بن عثمان المتقدمة ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «ينبغي لصاحب المصيبة أن يضع رداءه حتى يعلم الناس انه صاحب المصيبة». والمراد بوضع الرداء نزعه ان كان ملبوسا وعدم لبسه ان كان منزوعا ، وهذا مبني على ما هو المتعارف قديما من المداومة على الرداء كالعباءة ونحوها في زماننا هذا ، وحينئذ فلا يبعد ان يستنبط من التعليل تغيير الهيئة في

__________________

(1) ص 76.

(2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب الاحتضار.


مثل هذه البلدان التي لا يتعارف فيها الرداء بتغيير ما هو قائم مقامه من عباءة ونحوها مما ليس فوق الثياب. وما رواه في الكافي مسندا والفقيه معلقا عن ابي بصير عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «ينبغي لصاحب المصيبة ان لا يلبس رداء وان يكون في قميص حتى يعرف». وروى في الفقيه مرسلا (2) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) ملعون ملعون من وضع رداءه في مصيبة غيره». وقد تقدم قريبا في الفائدة الثانية (3) قوله (عليه‌السلام) في رواية السكوني : «ثلاثة لا ادري أيهم أعظم جرما.». وعد منهم الذي يمشي مع الجنازة بغير رداء. وفي المحاسن (4) عن ابي بصير عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «ينبغي لصاحب الجنازة ان يلقي رداءه حتى يعرف وينبغي لجيرانه ان يطعموا عنه ثلاثة أيام». وهذه الاخبار كلها ـ كما ترى ـ انما دلت على التميز بلبس المشيع للجنازة الرداء وخلع صاحب المصيبة له ، وبذلك يظهر ما في الأقوال الخارجة عن مضمون هذه الاخبار. واما ما ورد عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (5) ـ «انه مشى في جنازة سعد بن معاذ بلا حذاء ولا رداء فسئل عن ذلك فقال اني رأيت الملائكة يمشون بلا حذاء ولا رداء». ـ فالظاهر انه مخصوص بمورده للخصوصية الظاهرة فيه فلا يتأسى به

(الثانية عشرة) ـ قد صرح جملة من أصحابنا بأنه لا يستحب القيام لمن مرت به الجنازة إلا ان يكون مبادرا الى حملها وتشييعها ، ويدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة (6) قال : «كنت عند ابى جعفر (عليه‌السلام) وعنده رجل من الأنصار فمرت به جنازة فقال الأنصاري ولم يقم أبو جعفر (عليه‌السلام) فقعدت معه ولم يزل الأنصاري قائما حتى مضوا بها ثم جلس فقال له أبو جعفر (عليه‌السلام) ما أقامك؟ قال رأيت الحسين بن علي (عليهما‌السلام) يفعل ذلك. فقال أبو جعفر

__________________

(1 و 2 و 5) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب الاحتضار.

(3) ص 76.

(4) ص 419 وفي الوسائل في الباب 27 من الاحتضار و 67 من الدفن.

(6) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب الدفن.


(عليه‌السلام) والله ما فعله الحسين (عليه‌السلام) ولا قام لها أحد منا أهل البيت قط. فقال الأنصاري شككتني أصلحك الله تعالى قد كنت أظن انى رأيت». وعن مثنى الخياط عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «كان الحسين بن علي (عليهما‌السلام) جالسا فمرت به جنازة فقام الناس حين طلعت الجنازة فقال الحسين (عليه‌السلام) مرت جنازة يهودي وكان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على طريقها جالسا فكره ان تعلو رأسه جنازة يهودي فقام لذلك». وروي في قرب الاسناد (2) هذا الخبر عن مولانا الحسن (عليه‌السلام) بما هو واضح دلالة ، قال فيه : «ان الحسن بن علي (عليهما‌السلام) كان جالسا ومعه أصحاب له فمر بجنازة فقام بعض القوم ولم يقم الحسن فلما مضوا بها قال بعضهم ألا قمت عافاك الله تعالى؟ فقد كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقوم للجنازة إذا مروا بها عليه. فقال الحسن (عليه‌السلام) انما قام رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مرة واحدة وذلك انه مر بجنازة يهودي وكان المكان ضيقا فقام رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وكره ان تعلو رأسه». وربما يفهم من الخبرين المذكورين استحباب القيام لمرور جنازة الكافر بل المخالف الذي هو عندنا من افراده ، واحتمال الاختصاص به (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لمزيد شرفه ـ ونحوه الأئمة المعصومون (عليهم‌السلام) ـ ممكن إلا ان الاحتياط في القيام بالشرط المذكور في رواية الحميري من كون الطريق ضيقا فيلزم بالقعود أشرافها على الرأس ، وللعامة هنا اختلاف في ذلك وجوبا أو استحبابا أو لإذا ولإذا (3) واخبارهم فيه مختلفة أيضا.

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب الدفن.

(2) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب الدفن.

(3) في فتح الباري ج 3 ص 117 باب من قام لجنازة يهودي «اختلف أهل العلم فيه فذهب الشافعي إلى انه غير واجب ، وذهب جماعة من الشافعية منهم سليم الرازي إلى كراهته واختار النووي الاستحباب» وفي المحلى لابن حزم ج 5 ص 153 «تستحب القيام للجنازة ولو كان كافرا فان لم يقم فلا حرج» وفي المغني ج 2 ص 479 «قال احمد ان قام لم اعبه وان قعد فلا بأس» وفي البحر الرائق ج 2 ص 191 «المختار عدم القيام للجنازة إذا مرت عليه».


(الثالثة عشرة) ـ صرح جملة من الأصحاب بأنه يستحب النعش ، وهو لغة سرير الميت إذا كان عليه سمي بذلك لارتفاعه فإذا لم يكن عليه ميت فهو سرير ، ويتأكد للنساء لسترهم ، والأصل فيه الأخبار المروية في عمله لفاطمة (عليها‌السلام) ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن أول من جعل له النعش؟ فقال فاطمة (عليها‌السلام)». وروى في التهذيب عن سليمان بن خالد عن الصادق (عليه‌السلام) وفي الفقيه عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن أول من جعل له النعش؟ قال فاطمة بنت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)». وعن ابي عبد الرحمن الحذاء عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «أول نعش أحدث في الإسلام نعش فاطمة (عليها‌السلام) انها اشتكت شكوتها التي قبضت فيها وقالت لأسماء إني نحلت وذهب لحمي ألا تجعلين لي شيئا يسترني؟ قالت أسماء إني إذ كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئا أفلا اصنع لك فإن أعجبك صنعت لك؟ قالت نعم. فدعت بسرير فأكبته لوجهه ثم دعت بجرائد فشدته على قوائمه ثم جللته ثوبا فقالت هكذا رأيتهم يصنعون. فقالت اصنعي لي مثله استريني سترك الله تعالى من النار». وحديث أسماء مروي أيضا من طرق العامة بروايات عديدة (4) إلا انه روى الصدوق في العلل عن عمرو بن ابي المقدام وزياد بن عبيد الله (5) قالا : «اتى رجل أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقال يرحمك الله تعالى هل تشيع الجنازة بنار ويمشى معها بمجمرة أو قنديل أو غير ذلك مما يضاء به؟ قال : فتغير لون ابي عبد الله (عليه‌السلام) من ذلك. ثم ساق الحديث ـ وهو طويل ـ فيما جرى بين فاطمة وبين الظالمين الملعونين الى ان قال : فلما نعي إلى فاطمة نفسها أرسلت إلى أم أيمن ـ وكانت أوثق نسائها عندها وفي نفسها ـ فقالت يا أم أيمن إن نفسي نعيت

__________________

(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 52 من أبواب الدفن.

(4) رواه في المغني ج 2 ص 543 والاستيعاب ترجمة فاطمة «عليها‌السلام».

(5) ص 73 وفي الوسائل في الباب 10 من أبواب الدفن.


الي فادعي لي عليا. فدعته لها فلما دخل عليها قالت له يا ابن العم أريد أن أوصيك بأشياء فاحفظها علي. فقال لها قولي ما أحببت قالت له تزوج امامة تكون لولدي بعدي مثلي واعمل نعشي رأيت الملائكة قد صورته لي. فقال لها : اريني كيف صورته؟ فأرته ذلك كما وصف لها وكما أمرت به. ثم قالت فإذا أنا قضيت نحبي فأخرجني من ساعتك أي ساعة كانت من ليل أو نهار ولا يحضرن من أعداء الله تعالى وأعداء رسوله للصلاة علي قال علي (عليه‌السلام) افعل. فلما قضت نحبها (صلى الله عليها) وهم في جوف الليل أخذ علي في جهازها من ساعته كما أوصته. فلما فرغ من جهازها اخرج علي (عليه‌السلام) الجنازة وأشعل النار في جريد النخل ومشى مع الجنازة بالنار حتى صلى عليها ودفنها ليلا. الحديث». ويمكن حمل الخبر الأول على التقية لاشتهار حديث أسماء بين العامة أو ان الملائكة صورت لها ذلك وفق ما ذكرته أسماء. ولم أقف في الاخبار على ما يتعلق بذكر النعش غير هذه الاخبار الدالة على أمر فاطمة (عليها‌السلام) به لنفسها ، والأصحاب قد فهموا منها العموم للرجال والنساء ، وبعضهم خصه بالنساء. قال ابن الجنيد بعد ذكر النعش للنساء : ولا بأس بحمل الصبي على أيدي الرجال والجنازة على ظهر الدواب. إلا ان الاخبار قد تكاثرت بذكره وانه هو المعمول عليه والمحمول عليه كما ستمر بك ان شاء الله تعالى.

(الرابعة عشرة) ـ لو دعي إلى جنازة ووليمة قدم الجنازة ذكره الأصحاب ، وعليه تدل رواية إسماعيل بن ابي زياد عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (1) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سئل عن رجل يدعى الى وليمة والى جنازة فأيهما أفضل وأيهما يجيب؟ قال : يجيب الجنازة فإنها تذكر الآخرة وليدع الوليمة فإنها تذكر الدنيا».

(الخامسة عشرة) ـ يستحب إعلام المؤمنين بذلك لما في الكافي في الصحيح

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 34 من أبواب الاحتضار.


أو الحسن عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «ينبغي لأولياء الميت منكم ان يؤذنوا إخوان الميت بموته فيشهدون جنازته ويصلون عليه ويستغفرون له فيكتب لهم الأجر ويكتب للميت الاستغفار ويكتسب هو الأجر فيهم وفيما اكتسب لميتهم من الاستغفار». وعن ذريح عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن الجنازة يؤذن بها الناس؟ قال نعم». وعن القاسم بن محمد عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «ان الجنازة يؤذن بها الناس». أقول : وفي ذلك من الفوائد الجليلة : ما يترتب من الثواب الجزيل على السنن الموظفة في التشييع من الحمل والتربيع والصلاة والتعزية. وما في ذلك من الاتعاظ والتذكرة لأمور الآخرة وتنبيه القلب القاسي وزجر النفس الامارة ، ونحو ذلك ، قال الشيخ في الخلاف : لا نص في النداء. وفي المعتبر والتذكرة لا بأس به. وقال الجعفي : يكره النعي إلا ان يرسل صاحب المصيبة الى من يختص به. أقول : الظاهر من اخبار المسألة هو استحباب الإعلام بأي وجه اتفق لكن لم يعهد فيما مضى عليه السلف من أصحابنا من الصدر الأول النداء بذلك ولو وقع لنقل ولو كان المراد من هذه الأخبار ذلك لعملوا به ، والظاهر حينئذ انما هو الإرسال إليهم واعلام الناس بعضهم بعضا بذلك. والله العالم.

(الأمر الثاني) ـ التربيع ، والواجب الحمل كيف اتفق وأفضله ان يكون في نعش كما تقدم ، وحمل النعش جائز كيف اتفق وليس فيه دنو ولا سقوط مروة كما ربما يتوهم فقد حمل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جنازة سعد بن معاذ كما رواه الأصحاب ومعظم الصحابة والتابعون من غير تناكر لما فيه من البر والكرامة للميت ، وهو وظيفة الرجال لا النساء وان كان الميت امرأة إلا لضرورة ، وأفضله التربيع وهو الحمل بأربعة رجال من جوانبه الأربعة ، وأكمله دوران الحامل على الجوانب الأربعة ، وفيه فضل

__________________

(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب صلاة الجنازة.


عظيم وثواب جسيم ، فروى في الكافي في الصحيح عن جابر عن الباقر (عليه‌السلام) (1) قال : «من حمل جنازة من اربع جوانبها غفر الله له أربعين كبيرة». وروى في الفقيه مرسلا (2) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) من حمل أخاه الميت بجوانب السرير الأربعة محا الله تعالى عنه أربعين كبيرة من الكبائر». وروى في الكافي مسندا عن سليمان ابن خالد عن رجل عن الصادق (عليه‌السلام) وفي الفقيه مرسلا عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «من أخذ بقائمة السرير غفر الله تعالى له خمسا وعشرين كبيرة وإذا ربع خرج من الذنوب». وروى في الفقيه مرسلا (4) قال : قال (عليه‌السلام) لإسحاق بن عمار : «إذا حملت جوانب السرير سرير الميت خرجت من الذنوب كما ولدتك أمك». وروى في الكافي عن جابر عن الباقر (عليه‌السلام) (5) قال : «السنة ان يحمل السرير من جوانبه الأربع وما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع».

بقي الكلام في الكيفية التي هي أفضل صور التربيع ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك. فقيل : السنة ان يبدأ بمقدم السرير الأيمن ثم يمر عليه إلى مؤخره ثم بمؤخر السرير الأيسر ويمر عليه الى مقدمه دور الرحى ، ذكر ذلك الشيخ في النهاية والمبسوط وادعى عليه الإجماع وهو المشهور بين الأصحاب على ما ذكره جملة من المتأخرين ، وقال في الخلاف : يحمل بميامنه مقدم السرير الأيسر ثم يدور حوله حتى يرجع الى المقدم. وأنت خبير بان المراد بميامن السرير ومياسره انما هو بالنسبة إلى المشيع والماشي خلفه فعلى هذا يكون يمين السرير مما يلي يسار الميت ويساره مما يلي يمين الميت ، فعلى القول المشهور ينبغي ان يبدأ أولا ويضع مقدم السرير الأيمن الذي يلي يسار الميت على كتفه الأيسر ثم يدور عليه من خلفه الى ان يأخذ مقدمه الأيسر الذي عليه يمين الميت على كتفه الأيمن ، وعلى تقدير قول الشيخ في الخلاف بعكس ذلك فيبدأ بمقدم السرير الأيسر الذي عليه يمين الميت فيأخذه على كتفه الأيمن ثم يدور من خلفه الى مقدمه الأيمن

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب الدفن.


وعبارات الأصحاب لا تخلو هنا من إجمال واضطراب ، قال العلامة (قدس‌سره) في المنتهى : «التربيع المستحب عندنا ان يبدأ الحامل بمقدم السرير الأيمن ثم يمر معه ويدور من خلفه الى الجانب الأيسر فيأخذ رجله اليسرى ويمر معه الى ان يرجع الى المقدم كذلك دور الرحى ، وحاصل ما ذكرناه ان يبدأ فيضع قائمة السرير التي تلي اليد اليمنى للميت فيضعها على كتفه الأيسر ثم ينتقل فيضع القائمة التي تلي رجله اليمنى على كتفه الأيسر ثم ينتقل فيضع القائمة التي تلي رجله اليسرى على كتفه الأيمن ثم ينتقل فيضع القائمة التي تلي يده اليسرى على كتفه الأيمن» وصدر عبارته (قدس‌سره) وان كان مجملا إلا ان تفصيله ظاهر في مذهب الشيخ في الخلاف ولكن مقتضاه ان يكون الحامل داخلا بين يدي السرير ورجليه لا بارزا عنه ، وهو خلاف المفهوم من كلام الأصحاب ، والعجب ان شيخنا الشهيد الثاني في الروض جعل مذهب العلامة في المنتهى موافقا للقول المشهور والأمر كما ترى. وقال الشهيد في الدروس : «وأفضله التربيع فيحمل اليد اليمنى بالكتف اليمنى ثم الرجل اليمنى كذلك ثم الرجل اليسرى بالكتف اليسرى ثم اليد اليسرى كذلك» انتهى. وهو ـ كما ترى ـ ظاهر في مذهب الشيخ في الخلاف ، والعجب أن شارحه الفاضل الشيخ الجواد الكاظمي ادعى ان هذا القول هو المشهور وانه قول الشيخ في النهاية والمبسوط الذي ادعى عليه الإجماع ، قال (قدس‌سره) : اما استحبابه على الوجه الذي ذكره المصنف فهو المشهور بين الأصحاب وادعى الشيخ عليه الإجماع في النهاية والمبسوط. وظاهر الذخيرة اختيار هذا القول ودعوى انه هو المشهور كما ذكره الفاضل المشار اليه بزعم ان كلام الشيخ في النهاية والمبسوط وكذا من تبعه غير ظاهر فيما فهموه فان اعتبار اليمنة واليسرة للسرير كما يمكن باعتبار المشيعين يمكن باعتبار الميت فينبغي ان يحمل عليه حتى يوافق الروايات ويوافق كلامه في الخلاف.

وكيف كان فالواجب الرجوع إلى النصوص وبيان ما هو المفهوم منها بالعموم


أو الخصوص ، فمنها ـ ما رواه الكليني والشيخ في الموثق عن الفضل بن يونس (1) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه‌السلام) عن تربيع الجنازة؟ قال : إذا كنت في موضع تقية فابدأ باليد اليمنى ثم بالرجل اليمنى ثم ارجع من مكانك الى ميامن الميت لا تمر خلف رجليه البتة حتى تستقبل الجنازة فتأخذ يده اليسرى ثم رجله اليسرى ثم ارجع من مكانك لا تمر خلف الجنازة البتة حتى تستقبلها تفعل كما فعلت أولا ، وان لم تكن تتقي فيه فان تربيع الجنازة الذي جرت به السنة ان تبدأ باليد اليمنى ثم بالرجل اليمنى ثم بالرجل اليسرى ثم باليد اليسرى حتى تدور حولها». وما رواه في الكافي عن العلاء بن سيابة عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «تبدأ في حمل السرير من جانبه الأيمن ثم تمر عليه من خلفه الى الجانب الآخر ثم تمر حتى ترجع الى المقدم كذلك دوران الرحى عليه». وما رواه الكليني والشيخ عن علي ابن يقطين عن ابي الحسن موسى (عليه‌السلام) (3) قال : «سمعته يقول : السنة في حمل الجنازة ان تستقبل جانب السرير بشقك الأيمن فتلزم الأيسر بكفك الأيمن ثم تمر عليه الى الجانب الآخر وتدور من خلفه الى الجانب الثالث من السرير ثم تمر عليه الى الجانب الرابع مما يلي يسارك». وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا عن جامع البزنطي عن ابن ابي يعفور عن الصادق (عليه‌السلام) (4) قال : «السنة ان تستقبل الجنازة من جانبها الأيمن وهو مما يلي يسارك ثم تصير الى مؤخره وتدور عليه حتى ترجع الى مقدمه». وما في الفقه الرضوي (5) حيث قال (عليه‌السلام) : «وربع الجنازة فإن من ربع جنازة مؤمن حط الله تعالى عنه خمسا وعشرين كبيرة ، فإذا أردت أن تربعها فابدأ بالشق الأيمن فخذه بيمينك ثم تدور إلى المؤخر فتأخذه بيمينك ثم تدور إلى المؤخر الثاني فتأخذه بيسارك ثم تدور الى المقدم الأيسر فتأخذه بيسارك ثم تدور على الجنازة كدور كفى الرحى».

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب الدفن.

(5) ص 18.


هذا ما وقفت عليه من روايات المسألة ، والكلام فيها اما في رواية الفضل بن يونس فإن الأصحاب قد استدلوا بها على المذهب المشهور ، والذي يظهر عندي انها تدل على قول الشيخ في الخلاف ، وذلك فان الظاهر من اليد اليمنى واليد اليسرى والرجل اليمنى والرجل اليسرى انما هو يد الميت ورجلاه لان ظاهر الخبر ان الابتداء في حال التقية وعدم التقية واحد ، وهو ان يبدأ بيد الميت اليمنى التي تلي يسار السرير بالتقريب الذي قدمناه ، ولا فرق بينهما الا انه بعد حمل ما يلي يد الميت اليمنى ثم رجله اليمنى فان كان مقام تقية رجع الى ميامن الميت ومر من وجه الجنازة ولا يدور من خلفها حتى يأخذ يد الميت اليسرى التي تلي يمين السرير بيده اليسرى أو على كتفه الأيسر ثم الى الرجل اليسرى وان لم تكن تقية فإنه يمر خلف الميت. والظاهر ان الإشارة بدور الرحى في الرواية انما هو للرد على العامة فيما ذكره (عليه‌السلام) عنهم في هذا الخبر وحينئذ فلا تأييد فيه للقول المشهور كما ذكره جمع من الأصحاب من ان الرحى انما تدور من اليمين إلى اليسار لا بالعكس ، فان الظاهر ان الغرض من التشبيه انما هو مجرد الدوران وعدم الرجوع في الأثناء كما تفعله العامة مما نقله (عليه‌السلام) في الخبر المذكور ، ومما يؤكد كون فعل العامة كما نقله (عليه‌السلام) ما ذكره في كتاب شرح السنة (1) وهو من كتب العامة المشهورة ، قال : «حمل الجنازة من الجوانب الأربع فيبدأ بياسرة السرير المتقدمة فيضعها على عاتقه الأيمن ثم بياسرته المؤخرة ثم بيامنته المتقدمة فيضعها على عاتقه

__________________

(1) في المغني لابن قدامة ج 2 ص 478 «السنة في حمل الجنازة الأخذ بجوانب السرير الأربع. وصفته أن يبدأ بقائمة السرير اليسرى على يده اليمنى من عند رأس الميت ثم القائمة اليسرى من عند الرجل على الكتف اليمنى ثم يعود إلى القائمة اليمنى من عند رأس الميت فيضعها على كتفه اليسرى ثم ينتقل الى اليمنى من عند رجليه ، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ، وعن احمد انه يدور عليها فيأخذ بعد يأسره المؤخرة يأمنه المؤخرة ثم المقدمة وهو مذهب إسحاق ، وروي عن ابن مسعود وابن عمر وسعيد بن جبير وأيوب».


الأيسر ثم بيامنته المؤخرة» انتهى. وهو عين ما ذكره (عليه‌السلام) وبذلك يظهر صحة ما ذكرنا من ان الخبر من أدلة قول الشيخ في الخلاف لا القول المشهور كما هو مما ذكرناه واضح الظهور. واما رواية العلاء بن سيابة فهي لا تخلو من إجمال فإن الضمير في «جانبه» يحتمل رجوعه الى «السرير» كما هو الظاهر فيكون الخبر ظاهرا في القول المشهور سيما مع قراءة الأفعال الأربعة على صيغة الخطاب ، ويحتمل رجوعه الى الميت فيكون موافقا لقول الشيخ في الخلاف إلا ان الظاهر هو الأول. واما رواية علي بن يقطين فهي ظاهرة في مذهب الشيخ في الخلاف وحملها على خلافه تعصب واعتساف. واما رواية السرائر فهي ظاهرة في القول المشهور لان جانب الجنازة الأيمن هو الذي يلي يسار الميت. وقوله : «مما يلي يسارك» يعني في حال الحمل لان يمين الجنازة يلي يسار الحامل ، والحديث صحيح باصطلاح المتأخرين لأن الكتاب المأخوذ منه من الأصول المشهورة المأثورة. وصاحبه وكذا المروي عنه وهو ابن ابي يعفور ثقتان جليلان ، وبذلك يظهر ما في كلام السيد السند (قدس‌سره) في المدارك حيث قال بعد ذكر الروايات الثلاث الأولة : والروايات كلها قاصرة من حيث السند ، مع ان ابن بابويه روى في الصحيح عن الحسين بن سعيد (1) : «انه كتب الى ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) يسأله عن سرير الميت يحمل أله جانب يبدأ به في الحمل من جوانبه الأربع أو ما خف على الرجل من اي الجوانب شاء؟ فكتب من ايها شاء». وروى جابر عن الباقر (عليه‌السلام) (2) قال : «السنة ان يحمل السرير من جوانبه الأربع وما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع». انتهى. وفيه زيادة على ما عرفت ـ وان كان العذر له ظاهرا في عدم وقوفه على الخبر المذكور ـ انه لا منافاة بين ما دلت عليه هذه الاخبار وما دلت عليه الصحيحة المذكورة حتى انه يتمسك بهذه الصحيحة في رد تلك الاخبار لضعفها بزعمه ،

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب الدفن.

(2) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب الدفن.


فان الظاهر ان السؤال في الصحيحة المذكورة عن جانب يتعين العمل به ولا يجوز العدول الى غيره فأجابه (عليه‌السلام) بأنه ليس كذلك بل تتأدى السنة أي سنة التربيع بالابتداء بأي جانب ، ولا ينافيه كون الأفضل ان يكون على الكيفية التي تضمنتها هذه الاخبار وان اختلفت فيها ، ويدل على ما ذكرناه قوله (عليه‌السلام) في الخبر الثاني الذي أورده : «السنة ان يحمل السرير من جوانبه الأربع وما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع». أي زيادة فضل واستحباب واما رواية كتاب الفقه فهي ظاهرة ايضا في مذهب الشيخ في الخلاف بان يراد بالشق الأيمن يعني يمين الميت وهو يسار السرير كما ينادي به الحمل بيمينه ، فان الحمل باليمين مع خروج الحامل عن السرير انما يكون مما يلي يمين الميت ويسار السرير. وكيف كان فالظاهر التخيير بين الصورتين جمعا بين الأخبار المذكورة.

واما ما تكلفه في الذكرى ومثله في الروض ـ من إرجاع كلام الشيخ في الخلاف الى ما في النهاية والمبسوط حيث انه ادعى الإجماع على ما ذهب إليه في الكتابين المذكورين ، قال في الذكرى ـ بعد الاستدلال على القول المشهور بروايتي العلاء بن سيابة والفضل بن يونس ـ ما صورته : والشيخ في الخلاف عمل على خبر علي بن يقطين ، ثم ساق الخبر ثم قال : ويمكن حمله على التربيع المشهور لان الشيخ ادعى عليه الإجماع وهو في المبسوط والنهاية وباقي الأصحاب على التفسير الأول فكيف يخالف دعواه؟ ولانه قال في الخلاف يدور دور الرحى كما في الرواية وهو لا يتصور إلا على البدأة بمقدم السرير الأيمن والختم بمقدمه الأيسر والإضافة هنا قد تتعاكس ، والراوندي حكى كلام النهاية والخلاف وقال معناهما لا يتغير. انتهى. فلا يخفى ما فيه (اما أولا) ـ فلما أوضحناه من معنى الأخبار المذكورة وبينا دلالة أكثر روايات المسألة على مذهب الشيخ في الخلاف ، وتطبيق أحد القولين على الآخر اعتساف ظاهر واي اعتساف. و (اما ثانيا) ـ فان كلام العلامة في المنتهى كما قدمناه وكلامه هو (قدس‌سره) في الدروس صريحان في مذهب الشيخ


في الخلاف. و (اما ثالثا) ـ فان الاستناد الى دوران الرحى في الرواية لا وجه له بعد ما أوضحناه. و (اما رابعا) ـ فان استبعاد مخالفة الشيخ لنفسه سيما فيما يدعي عليه الإجماع مما يقضى منه العجب من مثل هذين الفاضلين المحققين ، وأي مسألة من مسائل الفقه من أوله الى آخره لم تختلف أقواله فيها ولا فتاواه حتى يستغرب في هذا المقام؟ وكيف لا وهذا القائل اعني شيخنا الشهيد الثاني قد صنف رسالة جمع فيها المسائل التي ادعى فيها الشيخ الإجماع في موضع وادعى الإجماع على عكسه في موضع آخر وهي تبلغ سبعين مسألة ، وكانت الرسالة المذكورة عندي فتلفت في بعض الوقائع التي مرت علي ، وبالجملة فما ذكرناه أشهر من ان ينكر.

(الثالث) ـ ان يحفر له القبر قدر قامة أو الى الترقوة ، صرح به الشيخان والصدوق في كتابه وجملة من تأخر عنهم من الأصحاب ، والذي وقفت عليه من الاخبار في المقام ما رواه في الكافي عن السكوني عن الصادق (عليه‌السلام) (1) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى ان يعمق القبر فوق ثلاثة أذرع». وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «حد القبر إلى الترقوة وقال بعضهم إلى الثدي وقال بعضهم قامة الرجل حتى يمد الثوب على رأس من في القبر ، واما اللحد فبقدر ما يمكن فيه الجلوس ، قال ولما حضر علي بن الحسين (عليه‌السلام) الوفاة أغمي عليه فبقي ساعة ثم رفع عنه الثوب ثم قال : الحمد لله الذي أورثنا الجنة نتبوأ منها حيث نشأ فنعم أجر العاملين. ثم قال احفروا لي حتى تبلغوا الرشح قال ثم مد الثوب عليه فمات (عليه‌السلام)». ورواه في الكافي عن سهل (3) قال روى أصحابنا : «ان حد القبر إلى الترقوة. الحديث». وروى في الفقيه مرسلا (4) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) حد القبر إلى الترقوة وقال بعضهم الى الثديين وقال بعضهم قامة الرجل حتى يمد الثوب على رأس من في القبر ، واما اللحد فيوسع

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب الدفن.


بقدر ما يمكن الجلوس فيه». قال في الذكرى بعد نقل مرسلة ابن ابي عمير : «والظاهر ان هذا من محكي ابن ابي عمير لأن الإمام لا يحكي قول أحد» أقول : يمكن ان يكون قول الامام ويكون حكاية لأقوال العامة وإلا فحمل هذين البعضين القائلين على الشيعة بعيد جدا فإن الشيعة لا يقولون إلا عن الأئمة (عليهم‌السلام) لأنهم لا يتخذون مذهبا غير مذهب أئمتهم (عليهم‌السلام) ثم قال في معنى قول زين العابدين (عليه‌السلام) : «احفروا لي حتى تبلغوا الرشح» : «يمكن حمله على الثلاثة لأنها قد تبلغ الرشح في البقيع» أقول : والرشح الندى في أسفل الأرض. أقول : لا يخفى ان النهي عن ان يعمق القبر فوق ثلاثة أذرع لا يجامع استحباب القامة الذي ذكروه ، فإن الثلاثة اذرع انما تصل إلى الترقوة فيكون مرجع حديثي الثلاثة والترقوة إلى أمر واحد ، واما القامة فإنما وردت في حكاية ابن ابي عمير على ما أشار إليه في الذكرى أو النقل عن العامة كما احتملناه ، فالأولى الاقتصار على الثلاث كما لا يخفى.

ثم انه قد ذكر جملة من الأصحاب : منهم ـ المحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى ان اللحد أفضل من الشق في غير الأرض الرخوة ، قال في المعتبر : «ويستحب ان يجعل له لحد ومعناه ان الحافر إذا انتهى الى أرض القبر حفر مما يلي القبلة حفرا واسعا قدر ما يجلس فيه الجالس ، كذا ذكره الشيخان في النهاية والمبسوط والمقنعة وابن بابويه في كتابه» وقال في الذكرى : اللحد أفضل من الشق عندنا في غير الأرض الرخوة لما روي عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) : «اللحد لنا والشق لغيرنا». واحتج به أيضا في المعتبر ، ثم قال : ومن طريق الأصحاب ما رواه الحلبي ثم ذكر ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (2) «ان النبي

__________________

(1) رواه الترمذي في سننه على هامش شرحه لابن العربي ج 4 ص 266 والنسائي في سننه ج 1 ص 283 وأبو داود في سننه ج 3 ص 213.

(2) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب الدفن.


(صلى‌الله‌عليه‌وآله) لحد له أبو طلحة الأنصاري». وهذه الرواية هي دليل الأصحاب على الأفضلية ، واما الرواية الأولى فالظاهر انها عامية كما يشير اليه كلام المعتبر إلا انه قد ورد أيضا في رواية إسماعيل بن همام عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (1) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) حين احتضر إذا أنا مت فاحفروا لي وشقوا لي شقا فان قيل لكم ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لحد له فقد صدقوا». وفي حديث الحلبي (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان ابي كتب في وصيته ، الى ان قال وشققنا له الأرض من أجل انه كان بادنا». وقد تقدم (3) في رواية فقه الرضا نحوه حكاية عنه (عليه‌السلام) وفي العيون في الصحيح أو الحسن عن ابي الصلت الهروي عن الرضا (عليه‌السلام) (4) في حديث انه قال : «سيحفر لي في هذا الموضع فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراقي إلى أسفل وان يشق لي ضريحة فإن أبوا إلا ان يلحدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين وشبرا فان الله تعالى سيوسعه ما شاء. الحديث». ورواه في الأمالي. وظاهر هذه الأخبار انما هو أرجحية الشق على اللحد ، وحديث التلحيد لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا ظهور فيه في الأفضلية لأنه لا يدل على امره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بذلك ولا أمر أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ، ولعل فعله انما هو من حيث كونه أحد الفردين المخير بينهما ، وبالجملة فعدول الإمامين (عليهما‌السلام) عن ذلك ووصيتهما بالشق وجوابهما عن الاحتجاج عليهما فيما اختاراه من الشق بتلحيد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ظاهر المنافاة ، وظاهر حديث الرضا (عليه‌السلام) يشير الى ان اللحد انما هو من سنن هؤلاء ، إلا ان العدول عما عليه اتفاق ظاهر كلام الأصحاب مشكل ، قال شيخنا المجلسي في البحار بعد نقل حديث تعليل الشق للباقر (عليه‌السلام) بكونه بدينا : «انما كان يمنع من اللحد لعدم إمكان توسيع اللحد

__________________

(1 و 2 و 4) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب الدفن.

(3) ص 30.


بحيث يسع جثته (عليه‌السلام) لرخاوة أرض المدينة» أقول : لا يخفى ما فيه فإنه لو كان كذلك كيف يلحد لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وليس بين قبر الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وبين البقيع ما يقتضي اختلاف الأرض شدة ورخاوة. وعندي ان هذا التعليل انما خرج مسامحة ومجاراة وإلا فالأصل انما هو أفضلية الشق ، ثم قال (قدس‌سره) في الكتاب المذكور بعد نقل حديث وصية الرضا (عليه‌السلام) : «لعل اختيار الشق هنا لأمر يخصه (عليه‌السلام) أو يخص ذلك المكان كما ان الحفر سبع مراقي كذلك ويدل على استحباب توسيع اللحد» واما حديث إسماعيل بن همام فرده في المنتهى بضعف السند. وصرح المحقق في المعتبر بناء على ما اختاره من أفضلية اللحد بأنه لو كانت الأرض رخوة لا تحمل اللحد يعمل له شبه اللحد من بناء تحصيلا للافضلية.

(الرابع) ـ ان يضع الجنازة على الأرض إذا وصل الى القبر مما يلي رجليه والمرأة مما يلي القبلة وأن ينقله في ثلاث دفعات ، كذا صرح به الأصحاب.

أقول : اما الحكم الأول فقد نقله في المعتبر عن الشيخ في النهاية والمبسوط وابن بابويه في كتابه ، وقال في المدارك انه لم يقف فيه على نص ، قال : وانما علل ذلك بأنه أيسر في فعل ما هو الاولى من إرسال الرجل سابقا برأسه والمرأة عرضا ، واختيار جهة القبلة لشرفها. أقول : ما ذكره من عدم وجود النص في المسألة مسلم بالنسبة إلى المرأة حيث اني بعد التتبع التام لم أقف على ما يدل على ما ذكروه من وضعها مما يلي القبلة بل ظاهر النصوص وضع الجنازة رجلا كان أو امرأة مما يلي الرجلين ومن ذلك خبر محمد بن عجلان الأول ومرسلة محمد بن عطية (1) فإن المراد فيهما بأسفل القبر ما يلي الرجلين ، وأوضح منهما دلالة ما ورد في عدة اخبار (2) «ان لكل بيت بابا وان باب القبر من قبل الرجلين». ومنها ـ موثقة عمار (3) وفيها «لكل شي‌ء باب وباب القبر مما يلي الرجلين إذا وضعت الجنازة فضعها مما يلي الرجلين. الخبر». وهذه الأخبار ـ كما ترى ـ

__________________

(1) ص 103.

(2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب الدفن.


شاملة بإطلاقها للرجل والمرأة ، وبذلك يظهر ان ما ذكره في المدارك ـ من انه لم يقف على نص في وضع الرجل مما يلي الرجلين ـ ليس في محله بل النصوص ـ كما ترى ـ ظاهرة فيه ، ويمكن ان يستفاد ما ذكره الأصحاب بالنسبة إلى المرأة أيضا والفرق بينها وبين الرجل من عبارة الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) (1) : «وان كانت امرأة فخذها بالعرض من قبل اللحد وتأخذ الرجل من قبل رجليه تسله سلا». فان ظاهر العبارة ان جنازة المرأة توضع من قبل اللحد واللحد انما يكون في القبلة كما تقدم في عبارة المعتبر وجنازة الرجل تؤخذ من قبل رجلي القبر ، وقضية الأخذ من ذلك المكان كون هذا المكان المأخوذ منه هو الذي وضعت فيه الجنازة لما وصلت الى القبر ، وبهذه العبارة عبر الصدوق في الفقيه ايضا ، وحينئذ فيجب تخصيص تلك الاخبار بالرجل وبه يدفع الإيراد على الأصحاب بعدم وجود المستند لما ذكروه من التفصيل ، وقد عرفت نظير ذلك في غير موضع ، ومثل عبارة كتاب الفقه المذكورة رواية الأعمش الآتية (2) قريبا ان شاء الله تعالى ، والتقريب فيهما معا واحد.

واما الحكم الثاني فقد ذكره الصدوق في الفقيه (3) فقال : «وإذا حمل الميت الى قبره فلا يفاجأ به القبر لان للقبر أهوالا عظيمة ، ويتعوذ حامله بالله من هول المطلع ويضعه قرب شفير القبر ويصبر عليه هنيئة ثم يقدمه قليلا ويصبر عليه هنيئة ليأخذ أهبته ثم يقدمه الى شفير القبر ويدخله القبر من يأمره ولي الميت ان شاء شفعا وان شاء وترا ، ويقال عند النظر الى القبر : اللهم اجعله روضة من رياض الجنة ولا تجعله حفرة من حفر النار» انتهى. قال في المدارك بعد نقل الثلاث دفعات عن الصدوق في الفقيه والشيخ في المبسوط والمحقق في المعتبر : والذي وقفت عليه في هذه المسألة من الروايات صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «ينبغي ان يوضع الميت دون

__________________

(1) ص 18.

(2) ص 105.

(3) ج 1 ص 107.

(4) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب الدفن.


القبر هنيئة ثم واره». ومرسلة محمد بن عطية (1) قال : «إذا أتيت بأخيك إلى القبر فلا تفدحه به ضعه أسفل من القبر بذراعين أو ثلاثة حتى يأخذ أهبته ثم ضعه في لحده.». ورواية محمد بن عجلان (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا تفدح ميتك بالقبر لكن ضعه أسفل منه بذراعين أو ثلاثة ودعه حتى يأخذ أهبته». ولا يخفى انتفاء دلالة هذه الروايات على ما ذكره الأصحاب بل انما تدل على استحباب وضعه دون القبر هنيئة ثم دفنه. وبمضمونها افتى ابن الجنيد والمصنف في المعتبر في آخر كلامه ، وهو المعتمد. انتهى. أقول : ومن روايات المسألة مما هو من هذا القبيل ما رواه ثقة الإسلام عن يونس (3) قال : «حديث سمعته عن ابي الحسن موسى (عليه‌السلام) ما ذكرته وانا في بيت إلا ضاق علي ، يقول إذا أتيت بالميت الى شفير القبر فأمهله ساعة فإنه يأخذ أهبته للسؤال». وما رواه الشيخ عن محمد بن عجلان (4) قال : «سمعت صادقا يصدق على الله تعالى ـ يعني أبا عبد الله (عليه‌السلام) ـ قال : إذا جئت بالميت الى قبره فلا تفدحه بقبره ولكن ضعه دون قبره بذراعين أو ثلاثة أذرع ودعه حتى يتأهب للقبر ولا تفدحه به. الحديث».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ما ذكره الصدوق مما قدمنا نقله عنه فإنما أخذه من الفقه الرضوي على النهج الذي عرفت سابقا وستعرف مثله ان شاء الله تعالى ، قال (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور (5) : «وإذا حملت الميت الى قبره فلا تفاجئ به القبر فان للقبر أهوالا عظيمة ونعوذ بالله من هول المطلع ولكن ضعه دون شفير القبر واصبر عليه هنيئة ثم قدمه قليلا واصبر عليه ليأخذ أهبته ثم قدمه الى شفير القبر ، ويدخله القبر من يأمره ولي الميت ان شاء شفعا وان شاء وترا ، وقل إذا نظرت الى القبر : اللهم اجعله روضة من رياض الجنة ولا تجعله حفرة من حفر النار». انتهى. ومنه يعلم ان مستند الصدوق في هذا الحكم انما هو الكتاب المذكور ومن تأخر عنه أخذ ذلك منه أو من

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب الدفن.

(5) ص 18.


الكتاب المذكور ، ومنه يعلم مستند القول المشهور وان خفي على الأكثر من أصحابنا المتأخرين والجمهور لعدم وصول الكتاب إليهم. وقال الصدوق في العلل (1) بعد نقل رواية محمد بن عجلان المتقدمة : «وروى في حديث آخر : إذا أتيت بالميت القبر فلا تفدح به القبر فان للقبر أهوالا عظيمة ونعوذ بالله من هول المطلع ولكنه ضعه قرب شفير القبر واصبر عليه هنيئة ثم قدمه قليلا واصبر عليه ليأخذ أهبته ثم قدمه الى شفير القبر». انتهى. والظاهر ان هذه الرواية المرسلة مأخوذة من الكتاب المذكور كما ترى فإن العبارة واحدة. بقي الكلام في الجمع بين هذه الروايات وبين ما ذكره (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي ، والظاهر حمل كلامه (عليه‌السلام) على مزيد الفضل والاستحباب فإنه أبلغ في الأهبة والاستعداد وان تأدى أصل الحكم بما في تلك الأخبار ، قوله (عليه‌السلام) : «فلا تفجأ به القبر» قال في المصباح المنير : «فجأت الرجل افجأه مهموز من باب تعب وفي لغة بفتحتين : جئته بغتة» وحينئذ يكون المعنى هنا لا تأت بميتك القبر بغتة ، واما على رواية «تفدح به القبر» فقال في القاموس : «فدحه الدين كمنعه : أثقله» ولعل المراد لا تجعل القبر ودخوله ثقيلا على ميتك بإدخاله فيه بغتة ، واما هول المطلع فقال في النهاية : «هول المطلع يريد به الموقف يوم القيامة أو ما يشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الموت فشبهه بالمطلع الذي يشرف عليه من موضع عال» انتهى قوله : «ويدخله القبر. الى آخره» فيه دلالة على عدم تعين عدد مخصوص وبه قال الأصحاب ، قال في المنتهى : «لا توقيت في عدة من ينزل القبر وبه قال احمد ، وقال الشافعي يستحب ان يكون وترا (2)» وفي الخبر المذكور دلالة على ان الاختيار في ذلك للولي ، وهو كذلك من غير خلاف يعرف. والله العالم.

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب الدفن.

(2) كما في المغني ج 2 ص 503 والبحر الرائق ج 2 ص 193 والمهذب ج 1 ص 131.


(المطلب الثاني) ـ في الآداب المقارنة وهي أمور (منها) ـ ان يرسل الميت الى القبر سابقا برأسه ان كان رجلا والمرأة عرضا ، ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في التهذيب عن عبد الصمد بن هارون (1) رفع الحديث قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا أدخلت الميت القبر ان كان رجلا يسل سلا والمرأة تؤخذ عرضا فإنه أستر». وعن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (2) قال : «يسل الرجل سلا وتستقبل المرأة استقبالا ويكون اولى الناس بالمرأة في مؤخرها». وما رواه الصدوق في الخصال بسنده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (3) في حديث شرائع الدين قال : «والميت يسل من قبل رجليه سلا والمرأة تؤخذ بالعرض من قبل اللحد والقبور تربع ولا تسم». وما ذكره (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي (4) حيث قال : «وان كانت امرأة فخذها بالعرض من قبل اللحد وتأخذ الرجل من قبل رجليه تسله سلا». هذا ، وجملة من الاخبار قد تضمنت السل مطلقا : منها ـ صحيحة الحلبي أو حسنته عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «إذا أتيت بالميت القبر فسله من قبل رجليه فإذا وضعته في القبر فاقرأ آية الكرسي. الحديث». ورواية محمد بن مسلم (6) قال : «سألت أحدهما (عليهما‌السلام) عن الميت؟ فقال تسله من قبل الرجلين وتلزق القبر بالأرض إلا قدر أربع أصابع مفرجات وتربع قبره». ونحوهما غيرهما ايضا من الاخبار الآتية ، وقد ظهر من هذه الاخبار مضافا الى ما قدمناه قريبا ان السنة في الرجل هو وضع جنازته من جهة رجلي القبر وانه ينقل في دفعات ثلاث وانه يسل سلا ويبدأ برأسه ، واما المرأة فإن موضع جنازتها مما يلي القبلة وتؤخذ عرضا وتوضع دفعة ، وبذلك صرح الأصحاب أيضا كما عرفت ، وطريق الجمع حمل إطلاق هذه الاخبار على الاخبار السابقة حمل المطلق على المقيد فلا منافاة.

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب الدفن.

(3 و 6) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب الدفن.

(4) ص 18.

(5) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب الدفن.


ومنها ـ ما اشتملت عليه هذه الاخبار التي انا ذاكرها ثم افصل ما اشتملت عليه ذيلها ان شاء الله تعالى : منها ـ ما رواه في الكافي عن ابن ابي يعفور عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «لا ينبغي لأحد ان يدخل القبر في نعلين ولا خفين ولا عمامة ولا رداء ولا قلنسوة». وعن علي بن يقطين في الصحيح أو الحسن (2) قال : «سمعت أبا الحسن (عليه‌السلام) يقول لا تنزل في القبر وعليك العمامة والقلنسوة ولا الحذاء ولا الطيلسان وحل أزرارك وبذلك سنة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جرت ، وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وليقرأ فاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو الله أحد وآية الكرسي ، وان قدر ان يحسر عن خده ويلصقه بالأرض فليفعل وليشهد وليذكر ما يعلم حتى ينتهي الى صاحبه». وعن ابي بكر الحضرمي عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «لا تنزل القبر وعليك العمامة ولا القلنسوة ولا رداء ولا حذاء وحل أزرارك. قال : قلت والخف؟ قال لا بأس بالخف في وقت الضرورة والتقية». ورواه في التهذيب (4) وزاد «وليجهد في ذلك جهده». وما رواه في التهذيب عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (5) قال : «رأيت أبا الحسن (عليه‌السلام) دخل القبر ولم يحل أزراره». وعن سيف بن عميرة عن الصادق (عليه‌السلام) (6) قال : «لا تدخل القبر وعليك نعل ولا قلنسوة ولا رداء ولا عمامة. قلت فالخف؟ قال : لا بأس بالخف فان في خلع الخف شناعة». وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (7) قال : «إذا أتيت بالميت القبر فسله من قبل رجليه فإذا وضعته في القبر فاقرأ آية الكرسي وقل : بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله اللهم افسح له في قبره والحقه بنبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقل كما قلت في الصلاة عليه مرة واحدة من عند «اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وان كان مسيئا فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه» واستغفر له ما استطعت

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب الدفن.

(7) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب الدفن.


قال وكان علي بن الحسين (عليهما‌السلام) إذا أدخل الميت القبر قال : اللهم جاف الأرض عن جنبيه وصاعد عمله ولقه منك رضوانا». وعن ابي بصير عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا سللت الميت فقل : بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اللهم الى رحمتك لا الى عذابك. فإذا وضعته في اللحد فضع يدك على اذنه وقل : الله ربك والإسلام دينك ومحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نبيك والقرآن كتابك وعلي (عليه‌السلام) امامك». ورواه في التهذيب ايضا (2) وفيه «فضع فمك على اذنه». كما في الاخبار الآتية. وعن محمد بن عجلان عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «سله سلا رفيقا فإذا وضعته في لحده فليكن اولى الناس مما يلي رأسه ، وليذكر اسم الله تعالى ويصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ويتعوذ من الشيطان ، وليقرأ فاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو الله أحد وآية الكرسي ، وان قدر ان يحسر عن خذه ويلزقه بالأرض فعل ، وليشهد ويذكر ما يعلم حتى ينتهي الى صاحبه». وما رواه في التهذيب عن محمد بن عجلان (4) قال : «سمعت صادقا يصدق على الله ـ يعني أبا عبد الله (عليه‌السلام) ـ قال إذا أدخلته إلى قبره فليكن اولى الناس به عند رأسه وليحسر عن خده وليلصق خده بالأرض. وليذكر اسم الله تعالى وليتعوذ من الشيطان وليقرأ فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد والمعوذتين وآية الكرسي ثم ليقل ما يعلم ، ويسمعه تلقينه : شهادة ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ويذكر له ما يعلم واحدا واحدا». وعن محفوظ الإسكاف عن الصادق (عليه‌السلام) (5) قال : «إذا أردت بأن تدفن الميت فليكن اعقل من ينزل في قبره عند رأسه وليكشف عن خده الأيمن حتى يفضي به الى الأرض ويدنى فمه الى سمعه ويقول اسمع وافهم (ثلاث مرات) الله ربك ومحمد نبيك (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والإسلام دينك وفلان إمامك اسمع وافهم ، وأعدها عليه ثلاث مرات هذا التلقين». ورواه في الكافي. وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح في الأول والموثق في

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب الدفن.


الثاني عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) قال : «إذا وضع الميت في لحده فقل : بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله عبدك وابن عبدك نزل بك وأنت خير منزول به اللهم افسح له في قبره والحقه بنبيه اللهم انا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت اعلم به منا. فإذا وضعت عليه اللبن فقل : اللهم صل وحدته وآنس وحشته واسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك. فإذا خرجت من قبره فقل : انا لله وانا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين اللهم ارفع درجته في أعلى عليين واخلف على عقبه في الغابرين وعندك نحتسبه يا رب العالمين». وما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ما أقول إذا دخلت الميت منا قبره؟ قال قل : اللهم هذا عبدك فلان وابن عبدك قد نزل بك وأنت خير منزول به وقد احتاج الى رحمتك اللهم ولا نعلم منه إلا خيرا وأنت اعلم بسريرته ونحن الشهداء بعلانيته اللهم فجاف الأرض عن جنبيه ولقنه حجته واجعل هذا اليوم خير يوم اتى عليه واجعل هذا القبر خير بيت نزل فيه وصيره الى خير مما كان فيه ووسع له في مدخله وآنس وحشته واغفر ذنبه ولا تحرمنا اجره ولا تضلنا بعده». وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح والموثق عن ابن ابي عمير عن غير واحد من أصحابنا عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «يشق الكفن من عند رأس الميت إذا أدخل قبره». وعن أبي حمزة (4) قال : «قلت لأحدهما (عليهما‌السلام) يحل كفن الميت؟ قال : نعم ويبرز وجهه». وعن ابي بصير (5) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن عقد كفن الميت؟ قال إذا أدخلته القبر فحلها». وعن إسحاق بن عمار (6) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول إذا نزلت في قبر فقل بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم تسل الميت سلا ، فإذا وضعته في قبره فحل عقدته وقل : اللهم يا رب

__________________

(1 و 2 و 6) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب الدفن.

(3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 19 من أبواب الدفن.


عبدك ابن عبدك نزل بك وأنت خير منزول به اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وان كان مسيئا فتجاوز عنه وألحقه بنبيه محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وصالح شيعته واهدنا وإياه إلى صراط مستقيم اللهم عفوك عفوك. ثم تضع يدك اليسرى على عضده الأيسر وتحركه تحريكا شديدا ثم تقول : يا فلان بن فلان إذا سئلت فقل الله ربي ومحمد نبيي والإسلام ديني والقرآن كتابي وعلي امامي حتى تستوفي الأئمة (عليهم‌السلام) ثم تعيد عليه القول ثم تقول أفهمت يا فلان؟ قال فإنه يجيب ويقول نعم ، ثم تقول ثبتك الله بالقول الثابت هداك الله الى صراط مستقيم عرف الله بينك وبين أوليائك في مستقر من رحمته ثم تقول : اللهم جاف الأرض عن جنبيه واصعد بروحه إليك ولقه منك برهانا اللهم عفوك عفوك. ثم تضع الطين واللبن فما دمت تضع اللبن والطين تقول : اللهم صل وحدته وآنس وحشته وآمن روعته واسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك فإنما رحمتك للظالمين. ثم تخرج من القبر وتقول : انا لله وانا إليه راجعون اللهم ارفع درجته في أعلى عليين واخلف على عقبه في الغابرين وعندك نحتسبه يا رب العالمين». وروى في الكافي عن زرارة (1) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن القبر كم يدخله؟ قال ذلك الى الولي ان شاء ادخل وترا وان شاء شفعا». وفي الفقه الرضوي (2) قال (عليه‌السلام) «وقل إذا نظرت الى القبر : اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النيران. فإذا دخلت القبر فاقرأ أم الكتاب والمعوذتين وآية الكرسي ، فإذا توسطت المقبرة فاقرأ اللهم التكاثر واقرأ : «مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى» (3) وإذا تناولت الميت فقل بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم ضعه في لحده على يمينه مستقبل القبلة وحل عقد كفنه وضع خده على التراب وقل : اللهم جاف الأرض عن جنبيه وصعد إليك روحه ولقه منك رضوانا.

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب الدفن.

(2) ص 18.

(3) سورة طه الآية 56.


ثم تدخل يدك اليمنى تحت منكبه الأيمن وتضع يدك اليسرى على منكبه الأيسر وتحركه تحريكا شديدا وتقول : يا فلان بن فلان الله ربك ومحمد نبيك والإسلام دينك وعلي وليك وامامك ، وتسمي الأئمة واحدا واحدا الى آخرهم (عليهم‌السلام) ثم تعيد عليه التلقين مرة أخرى ، فإذا وضعت عليه اللبن فقل : اللهم آنس وحشته وصل وحدته برحمتك اللهم عبدك ابن عبدك ابن أمتك نزل بساحتك وأنت خير منزول به اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وان كان مسيئا فتجاوز عنه واغفر له انك أنت الغفور الرحيم». وهذه العبارة نقلها في الفقيه متفرقة فبعض منها نقله عن أبيه في رسالته اليه وبعض منها ذكره هو مفتيا به كما عرفت من عادته وعادة أبيه في غير موضع.

أقول : يستفاد من هذه الاخبار عدة أحكام (منها) ـ انه يستحب للملحد وهو الولي أو من يأذن له شفعا أو وترا ـ كما تقدم الدليل عليه ـ ان يكون مكشوف الرأس محلول الأزرار حافيا إلا لضرورة أو تقية ، وابن الجنيد أطلق نفي البأس عن الخفين ، والأظهر تقييده كما دلت عليه هذه الاخبار ، داعيا هو وغيره من المشيعين عند معاينة القبر بقوله : اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة كما تقدم من كتاب الفقه ،. وعند تناول الميت : بسم الله وبالله الى آخر ما في رواية أبي بصير. المتقدمة (1) أو بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كما في كتاب الفقه (2). ، وعند وضعه في اللحد : بسم الله وبالله الى آخر ما في رواية الحلبي. أو ما تضمنته رواية محمد بن مسلم أو موثقة سماعة (3) قارئا بعد وضعه في اللحد السور المذكورة في الاخبار وآية الكرسي ، كاشفا عن وجهه مفضيا بخده الأيمن إلى الأرض ، والاولى حل عقد الكفن كما اشتملت عليه روايات أبي حمزة وابي بصير وإسحاق بن عمار وعبارة كتاب الفقه (4) دون شقه كما اشتملت عليه مرسلة ابن ابي عمير المتقدمة (5) ومثلها ما رواه

__________________

(1) ص 107.

(2) ص 109.

(3) ص 106 و 108.

(4) ص 108 و 109.

(5) ص 108.


في التهذيب في الصحيح عن حفص بن البختري عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «يشق الكفن إذا أدخل الميت في قبره من عند رأسه». قال في المعتبر بعد ذكر هذه الرواية : «وهذه الرواية مخالفة لما عليه الأصحاب ولان ذلك إفساد للمال على وجه غير مشروع ، الى ان قال : والصواب الاقتصار على حل عقده» قال في الذكرى بعد نقل كلام المعتبر : «قلت : يمكن ان يراد بالشق الفتح ليبدو وجهه فان الكفن كان منضما فلا مخالفة ولا إفساد» انتهى. وهو في مقام الجمع غير بعيد. ملقنا له الشهادتين وأسماء الأئمة (عليهم‌السلام) الى ان يبلغ الى صاحب العصر (عليه‌السلام). وما ذكره في كتاب الفقه الرضوي ـ من انه يدخل يده اليمنى تحت منكب الميت الأيمن. إلخ ـ غريب لم يوجد في غيره ، نعم ذكره في الفقيه والظاهر انه مأخوذ من الكتاب المذكور إلا انه ذكره في كلام طويل في ذيل رواية سالم بن مكرم الآتية ، وقد توهم جمع انه من الرواية المذكورة والظاهر بعده. وهذا التلقين هو التلقين الثاني وبعضهم جعله ثالثا باعتبار استحباب التلقين عند التكفين. ولم أقف على مستنده.

ومنها ـ ان يجعل له وسادة من تراب ويجعل خلف ظهره مدرة وشبهها لئلا يستلقي رواه الصدوق في الفقيه (2) عن سالم بن مكرم عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «يجعل له وسادة من تراب ويجعل خلف ظهره مدرة لئلا يستلقي». وللصدوق في الفقيه بعد هذه الرواية كلام طويل أكثره مأخوذ من الفقه الرضوي ، وصاحب الوافي وكذا صاحب الوسائل أضافاه إلى الرواية المذكورة ، والظاهر عدمه كما استظهره ايضا شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحار.

ومنها ـ وضع التربة الحسينية على مشرفها أفضل الصلاة والسلام والتحية معه ، وهذا الحكم مشهور في كلام المتقدمين ولكن مستنده خفي على المتأخرين ومتأخريهم ، قال في المدارك وقبله الشهيد في الذكرى والعلامة وغيرهما : «ذكر ذلك الشيخان ولم نقف لهما على مأخذ

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 19 من أبواب الدفن.


سوى التبرك بها ولعله كاف في ذلك ، واختلف قولهما في موضع جعلها فقال المفيد في المقنعة توضع تحت خده. وقال الشيخ تلقاء وجهه ، وقيل في كفنه ، قال في المختلف : والكل عندي جائز لأن التبرك موجود في الجميع ، ونقل «ان امرأة قذفها القبر مرارا لأنها كانت تزني وتحرق أولادها وان أمها أخبرت الصادق (عليه‌السلام) بذلك فقال انها كانت تعذب خلق الله بعذاب الله تعالى اجعلوا معها شيئا من تربة الحسين (عليه‌السلام) فاستقرت» (1). قال الشيخ نجيب الدين في درسه : يصلح ان يكون هذا متمسكا. حكاه في الذكرى ولا يخفى ما فيه» انتهى ما ذكره في المدارك ، وبنحوه صرح من تقدمه.

أقول : العجب من استمرار الغفلة عن دليل هذه المسألة من المتأخرين حتى من مثل السيد المشار اليه وانما استندوا في ذلك الى هذه الحكاية أو الى قضية التبرك مع انه قد روى الشيخ في أبواب المزار من التهذيب في الصحيح عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري (2) قال : «كتبت الى الفقيه اسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه ان شاء الله تعالى» ورواه في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله عن أبيه عن صاحب الزمان (عليه‌السلام). وروى الشيخ في المصباح عن جعفر بن عيسى (3) «انه سمع أبا الحسن (عليه‌السلام) يقول ما على أحدكم إذا دفن الميت ووسده التراب ان يضع مقابل وجهه لبنة من الطين؟ ولا يضعها تحت رأسه». والمراد بالطين في الخبرين هو تربة الحسين (عليه‌السلام) ولعل اختيار هذه العبارة المجملة لنوع من التقية أو لشيوع هذا الإطلاق يومئذ ومعلومية المراد منه ، والشيخ قد فهم من الرواية الأخيرة ذلك فنظمها في جملة أخبار تربة الحسين (عليه‌السلام) التي ذكرها في الكتاب المشار اليه. وفي الفقه الرضوي (4) «ويجعل معه في أكفانه شي‌ء من طين القبر وتربة الحسين (عليه‌السلام)».

__________________

(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب التكفين.

(4) ص 20.


والعطف فيها تفسيري كما لا يخفى. وأنت خبير بأن رواية المصباح قد تضمنت تعيين موضع التربة بأنه مقابل وجهه وهو دليل ما تقدم نقله عن الشيخ ، والأفضل مع ذلك ان تخلط بحنوطه كما دلت عليه الرواية الاولى وان تجعل في أكفانه كما في كتاب الفقه ، وبذلك يصدق الوضع معه في قبره كما دلت عليه الرواية الاولى.

ومنها ـ انه ان كان الميت امرأة فالأفضل نزول الزوج في قبرها أو المحارم وان كان رجلا فالأفضل الأجانب ، ذكر ذلك شيخنا الشهيد في الذكرى.

اما الحكم الأول فيدل عليه ما رواه في الكافي عن السكوني عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) مضت السنة من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان المرأة لا يدخل قبرها إلا من كان يراها في حياتها». وعن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها». وقال في الفقه الرضوي (3) : «فإذا أدخلت المرأة القبر وقف زوجها من موضع ينال وركها». وفي حديث زيد بن علي عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (4) قال : «يكون اولى الناس بالمرأة في مؤخرها». قال في الذكرى : الزوج اولى من المحرم بالمرأة لما تقدم في الصلاة ولو تعذر فامرأة صالحة ثم أجنبي صالح وان كان شيخا فهو اولى ، قاله في التذكرة.

واما الحكم الثاني فالروايات لا تساعد عليه على إطلاقه ، والذي وقفت عليه من الأخبار في المسألة ما رواه في الكافي عن عبد الله بن راشد عن الصادق (عليه‌السلام) (5) قال : «الرجل ينزل في قبر والده ولا ينزل الوالد في قبر ولده». وفي الصحيح أو الحسن عن حفص بن البختري وغيره عن الصادق (عليه‌السلام) (6) قال : «يكره للرجل ان ينزل في قبر ولده». وما رواه في التهذيب

__________________

(1 و 2 و 4) رواه في الوسائل في الباب 26 من أبواب الدفن.

(3) ص 18.

(5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 25 من أبواب الدفن.


عن عبد الله بن محمد بن خالد عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «الوالد لا ينزل في قبر ولده والولد ينزل في قبر والده». ونحو ذلك في خبرين آخرين عن عبد الله بن راشد (2) ومورد هذه الاخبار كلها انما هو كراهة نزول الأب في قبر ابنه دون العكس ، ولعل السر فيه انه لا يؤمن على الأب ان يجزع على ابنه حين يكشف عن وجهه ويوضع خده على التراب بخلاف الابن فإنه ليس بهذه المثابة ، وحينئذ فتعدية الحكم الى غير الأب مشكل. نعم قد ورد في الدفن وإهالة التراب عليه ـ كما سيأتي ان شاء الله تعالى ـ ما يدل على الكراهية من ذي الرحم مطلقا وهو مشعر بالكراهة فيما نحن فيه ، إلا ان ظاهر الأصحاب الاتفاق على الحكم المذكور ، وتأولوا الروايات المذكورة بزيادة الكراهة في جانب الأب في دخول قبر ابنه وان كان العكس ايضا مكروها.

ومنها ـ تغطية قبر المرأة حال الدفن ، وقيل بذلك في الرجل ايضا ، وبالأول صرح المفيد وابن الجنيد واليه مال في المعتبر ، وبالثاني قال الشيخ في الخلاف وجمع ممن تأخر عنه بل الظاهر انه المشهور ، قال في المختلف : «قال الشيخ في الخلاف إذا نزل الميت القبر يستحب ان يغطى القبر بثوب ، واستدل بالإجماع على جوازه وبالاحتياط على استعماله. وقال ابن إدريس ما وقفت لأحد من أصحابنا في هذه المسألة على مسطور فأحكيه عنه ، والأصل براءة الذمة من واجب أو ندب ، وهذا مذهب الشافعي ولا حاجة بنا الى موافقته على ما لا دليل عليه ، قال وقد يوجد في بعض نسخ أحكام النساء للشيخ المفيد ان المرأة يجلل قبرها عند دفنها بثوب والرجل لا يمد عليه ثوب فان كان ورد ذلك فلا نعديه الى قبر الرجل فليلحظ ذلك. وقال ابن الجنيد وان كانت امرأة مد على القبر ثوبا ولم يرفعه الى ان يغيبها باللبن. وكل من القولين عندي جائز وان كان الستر في قبر المرأة أولى لما فيه من الستر لها ولما رواه جعفر بن سويد من بني جعفر بن كلاب (3) قال :

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 25 من أبواب الدفن.

(3) رواه في الوسائل في الباب 50 من أبواب الدفن.


«سمعت جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) يقول يغشى قبر المرأة بثوب ولا يغشى قبر الرجل ، وقد مد على قبر سعد بن معاذ ثوب والنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) شاهد ولم ينكر ذلك». فإنكار ابن إدريس لا معنى له ، ولانه يخشى حدوث أمر من الميت من تغير بعض أعضائه أو أمر منكر فاستحب الستر لقبره عند دفنه طلبا لاخفاء حاله» انتهى. أقول : قوله «وقد مد على قبر سعد بن معاذ ثوب. الى آخر الخبر» يحتمل ان يكون من أصل الخبر كما نقله المحدثان في الوافي والوسائل ، ولا يبعد أن يكون ذلك من كلام الشيخ في التهذيب فإضافة المحدثان المذكوران إلى أصل الخبر فان هذه العبارة بكلام الشيخ انسب. ونقل في الذكرى الاحتجاج على ما ذهب اليه المفيد وابن الجنيد قال : ولما روي (1) «ان عليا (عليه‌السلام) مر بقوم دفنوا ميتا وبسطوا على قبره الثوب فجذبه وقال انما يصنع هذا بالنساء». ولم أقف عليه فيما حضرني من كتب الأخبار وكيف كان فالظاهر الاقتصار في هذا الحكم على النساء للخبرين المذكورين.

ومنها ـ الوضوء للملحد ، قال في الذكرى : «قال الفاضلان يستحب ان يكون متطهرا لقول الصادق (عليه‌السلام) : «توضأ إذا أدخلت الميت القبر». أقول هذه الرواية قد رواها الشيخ في الموثق عن عبيد الله الحلبي ومحمد بن مسلم عن الصادق (عليه‌السلام) (2) في حديث قال : «توضأ إذا أدخلت الميت القبر». وفي الفقه الرضوي (3) قال : «تتوضأ إذا أدخلت الميت القبر». إلا انه روى في الكافي في الصحيح عن محمد ابن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (4) قال : «قلت : الرجل يغمض عين الميت عليه غسل؟ قال إذا مسه بحرارته فلا ولكن إذا مسه بعد ما يبرد فليغتسل ، وساق الحديث

__________________

(1) رواه في كنز العمال ج 8 ص 119 رقم الحديث 2212 واستشهد به ابن قدامة في المغني ج 2 ص 501.

(2) رواه في الوسائل في الباب 53 من أبواب الدفن.

(3) ص 20.

(4) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب غسل مس الميت.


الى ان قال : قلت له فمن حمله عليه غسل؟ قال : لا. قلت فمن ادخله القبر عليه وضوء؟ قال : لا إلا ان يتوضأ من تراب القبر ان شاء». قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحار في شرح حديث الفقه الرضوي : قوله (عليه‌السلام) : «يتوضأ» لعل المراد بالتوضؤ غسل اليد كما روي الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم ثم ذكر الرواية كما ذكرناه ، ثم قال : فان الظاهر منه ايضا ان المراد انه يغسل يده مما أصابها من تراب القبر واما الحمل على التيمم بتراب القبر فلا يخلو من بعد إذ إطلاق الوضوء على التيمم غير مأنوس ، وايضا فلا ثمرة للتخصيص بتراب القبر.

أقول : هنا شيئان : (أحدهما) الوضوء لأجل إدخال الميت قبره بمعنى انه يستحب ان يكون الملحد على طهارة كما نقل عن الفاضلين المذكورين ، وحينئذ فالمراد بقوله (عليه‌السلام) في موثقة الحلبي ومحمد بن مسلم : «توضأ إذا أدخلت الميت القبر». أي إذا أردت إدخاله ، وكذا قوله (عليه‌السلام) في كتاب الفقه ، وهذا التجوز في التعبير شائع في الكتاب العزيز والسنة النبوية كقوله عزوجل : «إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ... الآية» (1) وقوله : «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ ...» (2) و (ثانيهما) الوضوء بمعنى الغسل عما يلاقيه من بدن الميت أو ثيابه أو نحو ذلك ، وهذا هو المسؤول عنه في صحيحة محمد بن مسلم على الظاهر فإن السؤالات المذكورة فيها عن الغسل في تلك المواضع المذكورة فيها مبنية على توهم تعدى نجاسة الميت في تلك الصورة فنفي (عليه‌السلام) فيها ما نفي واثبت ما اثبت ومن جملتها السؤال عمن ادخله القبر هل عليه الوضوء ـ يعني غسل يده بسبب إدخاله القبر ـ أم لا؟ فأجاب (عليه‌السلام) بأنه لا يوجب وضوء يعني غسلا إلا ان يريد ان يغسل يده من تراب القبر للتنظيف ان شاء. وبذلك يظهر ان تأويل شيخنا المشار إليه لرواية كتاب الفقه بالحمل على الغسل استنادا الى ما دلت عليه صحيحة محمد بن مسلم ـ وكذلك جمع صاحب الوسائل بين موثقة الحلبي

__________________

(1) سورة المائدة. الآية 8.

(2) سورة النحل. الآية 99.


ومحمد بن مسلم وبين صحيحة محمد بن مسلم بحمل الوضوء في الموثقة المذكورة على الاستحباب ونفيه في الصحيحة المشار إليها على نفي الوجوب بقرينة قوله «عليه» وهو لا ينافي الاستحباب ـ ليس في محله ، فان مورد إحداهما غير مورد الأخرى كما أوضحناه والعجب من شيخنا المشار إليه في ارتكابه التأويل في عبارة كتاب الفقه مع وجود القائل باستحباب الوضوء ووجود الرواية الدالة عليه كما عرفت ، وكأنه لم يخطر بباله ذلك يومئذ. والله العالم.

ومنها ـ فرش القبر بالساج مع الضرورة والكراهة مع عدمها ، ويدل عليه ما رواه في الكافي عن علي بن محمد القاساني (1) قال : «كتب علي بن بلال الى ابي الحسن (عليه‌السلام) : انه ربما مات الميت عندنا وتكون الأرض ندية فيفرش القبر بالساج أو يطبق عليه فهل يجوز ذلك؟ فكتب : ذلك جائز». وروى في الفقيه مرسلا (2) قال : «وقد روى عن ابي الحسن الثالث (عليه‌السلام) إطلاق في ان يفرش القبر بالساج ويطبق على الميت الساج». والشيخ قد روى الحديث (3) مضمرا ولم يصرح بابي الحسن (عليه‌السلام) ومن ثم قال في الذكرى بعد نقل الرواية من طريق الشيخ : «والظاهر ان المسؤول الامام مع الاعتضاد بفتوى الأصحاب» وكأنه غفل عن الرواية بطريق الشيخين الآخرين فإنهما صرحا ـ كما ترى ـ به. قيل : وتطبيق الساج عليه جعله حواليه كأنه وضع في تابوت. أقول : والساج خشب معروف والطيلسان الأخضر كما في الصحاح وغيره والمراد هنا الأول ، قال في الوافي بعد نقل رواية الصدوق : وأريد بالإطلاق الجواز فلا ينافي تقييد الحديث بالأرض الندية مع ان هذا القيد ليس إلا في السؤال. قال في الذكرى : اما وضع الفرش عليه والمخدة فلا نص فيه ، نعم روى ابن عباس من طريقهم (4) انه جعل في قبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قطيفة حمراء ،

__________________

(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب الدفن.

(4) كما في صحيح مسلم ج 1 ص 356 وسنن البيهقي ج 3 ص 408.


والترك أولى لأنه إتلاف للمال فيتوقف على اذن الشارع ولم يثبت ، ثم نقل عن ابن الجنيد انه لا بأس بالوطاء في القبر واطباق اللحد بالساج. أقول اما رواية وضع القطيفة في قبره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقد ذكرها في الكافي ورواها بسنده عن يحيى بن ابي العلاء عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «القى شقران مولى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في قبره القطيفة». وبذلك يظهر انها غير مختصة برواياتهم كما ذكره ، وقد تقدم أيضا في صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «البرد لا يلف به ولكن يطرح عليه طرحا فإذا أدخل القبر وضع تحت خده وتحت جنبه». وهو مؤيد لحديث القطيفة ، والحمل على ضرورة نداوة الأرض ونحوها بعيد ، على ان قيد كون الأرض ندية في مكاتبة علي بن بلال انما هو في كلام السائل وهو لا يوجب تقييد عموم الجواب ، وكيف كان فالظاهر حمل ذلك على الجواز وان كان الأفضل الإفضاء به الى الأرض لأنه أبلغ في التذلل والخضوع ورجاء الرحمة والمغفرة في تلك الحال الضيقة المجال ، إلا ان صاحب دعائم الإسلام روى عن علي (عليه‌السلام) (3) «انه فرش في لحد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قطيفة لأن الموضع كان نديا سبخا». وفيه تأييد لمن قيد ذلك بالنداوة.

ومنها ـ الخروج من قبل رجلي القبر ، فروى في الكافي عن السكوني عن الصادق (عليه‌السلام) (4) قال : «من دخل القبر فلا يخرج إلا من قبل الرجلين». وعن سهل رفعه (5) قال : قال «يدخل الرجل القبر من حيث شاء ولا يخرج إلا من قبل رجليه». قال في الكافي : وفي رواية أخرى (6) «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب الدفن.

(2) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب التكفين.

(3) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 27 من أبواب الدفن.

(4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 23 من أبواب الدفن.

(6) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب الدفن.


ان لكل بيت بابا وان باب القبر من قبل الرجلين». وروى في التهذيب عن جبير بن نقير الحضرمي (1) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان لكل بيت بابا وباب القبر من قبل الرجلين». وعن عمار الساباطي عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «لكل شي‌ء باب وباب القبر مما يلي الرجلين فإذا وضعت الجنازة فضعها مما يلي الرجلين ويخرج الميت مما يلي الرجلين.». وفرق ابن الجنيد بين الرجل والمرأة فوافق في الرجل وقال في المرأة يخرج من عند رأسها لإنزالها عرضا وللبعد عن العورة. والاخبار ـ كما ترى ـ مطلقة. أقول : ظاهر هذه الأخبار باعتبار ضم بعضها الى بعض ان الداخل للقبر يدخل من أي جهة شاء وان الخروج لا يكون إلا من قبل الرجلين ، وظاهر العلامة في المنتهى استحباب الدخول ايضا من قبل الرجلين حيث قال : يستحب له ان يخرج من قبل الرجلين لانه قد استحب الدخول منه فكذا الخروج ، ولقوله (عليه‌السلام) (3) : «باب القبر من جهة الرجلين». ولم أقف على ذلك في كلام غيره ، ولعله لم يطلع على خبر السكوني ومرفوعة سهل المتقدمين أو غفل عنهما يومئذ وإلا فالثاني منهما صريح والأول ظاهر في ان الدخول من أي جهة شاء.

ومنها ـ تشريج اللحد باللبن والطين وهو بناؤه وتنضيده على وجه يمنع دخول التراب اليه ، والدعاء في تلك الحال ، روى الصدوق في العلل بسنده عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (4) قال : «اتى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقيل له ان سعد بن معاذ قد مات فقام رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقام أصحابه معه فأمر بغسل سعد وهو قائم على عضادة الباب فلما ان حنط وكفن وحمل على سريره تبعه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بلا حذاء ولا رداء ثم كان يأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرة حتى انتهى به الى القبر فنزل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حتى

__________________

(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب الدفن.

(4) رواه في الوسائل في الباب 60 من أبواب الدفن.


لحده وسوى اللبن عليه وجعل يقول ناولني حجرا ناولني ترابا رطبا ، يسد به ما بين اللبن فلما ان فرغ وحثا التراب عليه وسوى قبره قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اني لا علم انه سيبلى ويصل اليه البلى ولكن الله عزوجل يحب عبدا إذا عمل عملا فأحكمه. الحديث». وفي الكافي في الصحيح عن ابان بن تغلب (1) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول جعل علي (عليه‌السلام) على قبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) طينا فقلت أرأيت ان جعل الرجل عليه آجرا هل يضر الميت؟ قال : لا». وقد تقدم في رواية إسحاق بن عمار (2) «ثم تضع الطين واللبن فما دمت تضع اللبن والطين تقول اللهم صل وحدته. الدعاء». وقد تقدم في عبارة كتاب الفقه «فإذا وضعت عليه اللبن فقل : اللهم آنس وحشته. الدعاء». وقد تقدم (3) قال في المنتهى : «إذا وضعه في اللحد شرج عليه اللبن لئلا يصل التراب اليه ولا نعلم فيه خلافا ، ويقوم مقام اللبن مساوية في المنع من تعدى التراب اليه كالحجر والقصب والخشب إلا ان اللبن اولى من ذلك كله لانه المنقول عن السلف والمعروف في الاستعمال ، وينبغي ان يسد الخلل بالطين لأنه أبلغ في المنع وروى ما يقاربه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار» (4) انتهى.

ومنها ـ ان يهال عليه التراب ويطم القبر إذا فرغ من تشريج اللبن ولا يطرح فيه من تراب غيره داعيا بالمأثور ، روى في الكافي في الصحيح عن داود بن النعمان (5) قال : «رأيت أبا الحسن (عليه‌السلام) يقول : «ما شاء الله لا ما شاء الناس» فلما انتهى الى القبر تنحى فجلس فلما ادخل الميت لحده قام فحثا عليه التراب ثلاث مرات بيده». وعن عمر بن أذينة في الصحيح (6) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب الدفن.

(2 و 4) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب الدفن.

(3) ص 110.

(5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 29 من أبواب الدفن.


يطرح التراب على الميت فيمسكه ساعة في يده ثم يطرحه ولا يزيد على ثلاثة أكف ، قال فسألته عن ذلك فقال يا عمر كنت أقول : «إيمانا بك وتصديقا ببعثك هذا ما وعدنا الله ورسوله. الى قوله وتسليما» هكذا كان يفعل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وبه جرت السنة». وعن السكوني عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا حثوت التراب على الميت فقل «ايمانا بك وتصديقا ببعثك هذا ما وعدنا الله ورسوله» قال وقال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول من حثا على ميت وقال هذا القول أعطاه الله تعالى بكل ذرة حسنة». وعن محمد بن مسلم (2) قال : «كنت مع ابي جعفر (عليه‌السلام) في جنازة رجل من أصحابنا فلما ان دفنوه قام الى قبره فحثا عليه مما يلي رأسه ثلاثا بكفه ثم بسط كفه على القبر ثم قال : اللهم جاف الأرض عن جنبيه واصعد إليك روحه ولقه منك رضوانا واسكن قبره من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك. ثم مضى». وروى الشيخ عن محمد بن الأصبغ عن بعض أصحابنا (3) قال : «رأيت أبا الحسن (عليه‌السلام) وهو في جنازة فحثا التراب على القبر بظهر كفيه». وفي الفقه الرضوي (4) «ثم احث التراب عليه بظهر كفيك ثلاث مرات وقل : «اللهم ايمانا بك وتصديقا بكتابك (هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ)» فإنه من فعل ذلك وقال هذه الكلمة كتب الله له بكل ذرة حسنة». ويستفاد من الخبرين الأخيرين كون الإهالة بظهر الكفين وبه صرح جملة من الأصحاب أيضا ، وظاهر الاخبار الأخر كونها ببطن الكفين ولا سيما صحيحة عمر بن أذينة المتضمنة لأنه (عليه‌السلام) كان يمسكه في يده ساعة ، والظاهر التخيير جمعا. ثم ان ظاهر الاخبار المذكورة ان الثلاث أقل المراتب المستحبة.

واما ما يدل على كراهية الدفن بغير تراب القبر فهو ما رواه في الفقيه مرسلا (5)

__________________

(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 29 من أبواب الدفن.

(4) ص 18.

(5) رواه في الوسائل في الباب 36 من أبواب الدفن.


قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) كل ما جعل على القبر من غير تراب القبر فهو ثقل على الميت». وعن السكوني عن الصادق (عليه‌السلام) (1) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى ان يزاد على القبر تراب لم يخرج منه». وعن ابن الجنيد لا يزاد من غير ترابه وقت الدفن ولا بأس بذلك بعد الدفن.

ويكره إهالة ذي الرحم لما في الكافي في الموثق عن عبيد بن زرارة (2) قال : «مات لبعض أصحاب ابي عبد الله (عليه‌السلام) ولد فحضر أبو عبد الله فلما الحد تقدم أبوه فطرح عليه التراب فأخذ أبو عبد الله (عليه‌السلام) بكفيه وقال لا تطرح عليه التراب ومن كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى ان يطرح الوالد أو ذو رحم على ميته التراب ، فقلنا يا ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أتنهانا عن هذا وحده؟ فقال انها كم من ان تطرحوا التراب على ذوي أرحامكم فإن ذلك يورث القسوة في القلب ومن قسا قلبه بعد من ربه». قال في الوافي : «عن هذا وحده اي عن هذا الميت وحده ان نطرح عليه التراب أو عن طرح التراب وحده دون سائر ما يتعلق بالتجهيز فأجاب (عليه‌السلام) بالتعميم في الأول والتخصيص في الثاني فصار جوابا لكلا السؤالين أراد السائل ما أراد» انتهى.

(المطلب الثالث) ـ في الآداب المتأخرة ، ومنها ـ ان يكون القبر مربعا مسطحا ، وان يرفع عن الأرض قدر أربع أصابع مفرجات كما في بعض الأخبار أو مضمومات كما في آخر ، وفي بعضها قدر شبر وهو يؤيد الأول ، ومن ذلك اختلفت كلمة الأصحاب أيضا فالمفيد (قدس‌سره) أربع أصابع مفرجات لا أزيد من ذلك ، وابن ابي عقيل مضمومات ، وابن زهرة وابن البراج خيرا بين أربع أصابع مفرجات وبين شبر ، وان يرشه بالماء.

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 36 من أبواب الدفن.

(2) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب الدفن.


ومما يدل على استحباب التربيع ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم (1) قال : «سألت أحدهما (عليهما‌السلام) عن الميت؟ فقال يسل من قبل الرجلين ويلزق القبر بالأرض إلا قدر أربع أصابع مفرجات ويربع قبره». إلا ان في الكافي روى هذه الرواية (2) وفيها بعد قوله «مفرجات» «ترفع قبره» وما تقدم في خبر الأعمش (3) من قوله (عليه‌السلام) : «. والقبور تربع ولا تسنم». وما رواه في العلل عن الحسين بن الوليد عمن ذكره عن الصادق (عليه‌السلام) (4) قال : «قلت لأي علة يربع القبر؟ قال لعلة البيت لانه نزل مربعا».

وأما التسطيح فقال في الذكرى : «وليكن مسطحا بإجماعنا نقله الشيخ ، لان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سطح قبر ابنه إبراهيم (5) وقال القاسم بن محمد : «رأيت قبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والقبرين عنده مسطحة لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء» (6). ولان التربيع يدل على التسطيح ، ولان قبور المهاجرين والأنصار بالمدينة مسطحة (7) وهو يدل على انه أمر متعارف ، واحتج الشيخ أيضا في الخلاف بما رواه أبو الهياج (8) قال : «قال علي (عليه‌السلام) أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا ترى قبرا مشرفا إلا سويته ولا تمثالا إلا طمسته». وفيه أيضا دلالة على عدم رفعه كثيرا ، وفي خبر زرارة وجابر عن الباقر (عليه‌السلام) (9) «وسوى قبره» «وسوى عليه» دليل على التسطيح» انتهى. أقول : الظاهر ان

__________________

(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب الدفن.

(4) رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب الدفن.

(5 و 7) كما في الأم للشافعي ج 1 ص 242.

(6) كما في سنن ابى داود ج 3 ص 215.

(8) كما في صحيح مسلم ج 1 ص 357 وسنن ابى داود ج 3 ص 215 رقم 3218.

(9) الأول جملة من خبر زرارة والثاني من خبر جابر ، وقد روى الأول في الوسائل في الباب 33 والثاني في الباب 35 من أبواب الدفن.


التسطيح لما كان مجمعا عليه بين الإمامية (نور الله تعالى مراقدهم) حتى ان جمعا من العامة صرحوا بنسبته إليهم وعدلوا عنه مراغمة لهم كما في المنتهى (1) وأوضحناه بما لا مزيد عليه في سلاسل الحديد ، والشيخ ومن تبعه لم يقفوا عليه في نصوص أهل البيت (عليهم‌السلام) تكلفوا له بهذه الأدلة التي لفقها شيخنا المشار اليه هنا ، والأصل فيها بعد الإجماع المذكور انما هو ما ذكره (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي حيث قال «والسنة ان القبر يرفع أربع أصابع مفرجة من الأرض وان كان أكثر فلا بأس ويكون مسطحا لا مسنما». انتهى. والظاهر ان علي بن بابويه ذكر ذلك في الرسالة على الطريقة المعهودة آنفا وتبعه الجماعة في ذلك كما عرفت في غير موضع مما تقدم ويأتي ان شاء الله تعالى ، والظاهر ان المراد من قوله (عليه‌السلام) : «وان كان أكثر» أي إلى شبر كما ورد مما سيأتي ذكره في المقام ان شاء الله تعالى.

واما رفعه عن الأرض بالقدر المذكور من الاختلاف فيه فالذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك ما في رواية محمد بن مسلم عن الباقر (عليه‌السلام) (2) قال : «. ويرفع القبر فوق الأرض أربع أصابع». وموثقة سماعة عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال :

__________________

(1) في الوجيز للغزالى ج 1 ص 47 «التسنيم أفضل من التسطيح مخالفة لشعار الروافض» وفي كتاب رحمة الأمة على هامش الميزان للشعرانى ج 1 ص 88 «ان السنة تسطيح القبور ولما صار شعار الرافضة كان الاولى مخالفتهم الى التسنيم» وفي المهذب للشيرازي ج 1 ص 27 «قال أبو على الطبري في زماننا يسنم القبر لان التسطيح من شعار الرافضة. ولا يصح لأن السنة قد صحت فيه فلا يعتبر بموافقة الرافضة» وفي المنهاج للنووي ص 25 «الصحيح ان تسطيح القبر اولى من تسنيمه» وفي الأم للشافعي ج 1 ص 242 «ويسطح القبر فإن النبي «ص» سطح قبر ابنه إبراهيم وكانت مقبرة المهاجرين والأنصار مسطحا قبورها ووضع الحصباء عليها ولا تثبت الحصباء الا على قبر مسطح» وفي مسند الشافعي على هامش الام ج 6 ص 266 وشرح المنهاج لابن حجر ج 1 ص 560 مثله.

(2 و 3) المروية في الوسائل في الباب 31 من أبواب الدفن.


«. ويرفع قبره من الأرض أربع أصابع مضمومة وينضح عليه الماء ويخلى عنه». ورواية إبراهيم بن علي عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (1) «ان قبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رفع شبرا من الأرض وان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمر برش القبور». ورواية محمد بن مسلم المتقدمة وفيها «أربع أصابع مفرجات». ورواية عقبة بن بشير عن مولانا الباقر (عليه‌السلام) (2) قال : «قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعلي : يا علي ادفني في هذا المكان وارفع قبري من الأرض أربع أصابع ورش عليه الماء». وصحيحة حماد ابن عثمان أو حسنته عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «ان ابي قال لي ذات يوم في مرضه إذا أنا مت فغسلني وكفني وارفع قبري أربع أصابع ورشه بالماء.». ورواية الحلبي (4) في حديث قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان ابي أمرني ان ارفع القبر من الأرض أربع أصابع مفرجات وذكر ان رش القبر بالماء حسن». وصحيحة الحلبي ومحمد بن مسلم عن الصادق (عليه‌السلام) (5) قال : «أمرني ابي ان أجعل ارتفاع قبره أربع أصابع مفرجات وذكر ان الرش بالماء حسن. الحديث». وقد تقدمت عبارة كتاب الفقه وفيها «أربع أصابع مفرجة» وحمل في الذكرى اختلاف الاخبار على التخيير ، وهو جيد ، ثم قال ولما كان المقصود من رفع القبر ان يعرف ليزار ويحترم كان مسمى الرفع كافيا. واما الرش فقد عرفته مما دلت عليه الاخبار المذكورة ، بقي الكلام في كيفيته والأفضل فيها ما ورد في رواية موسى بن أكيل ـ بضم الهمزة وفتح الكاف ـ النميري عن الصادق (عليه‌السلام) (6) قال : «السنة في رش الماء على القبر ان يستقبل القبلة ويبدأ من عند الرأس إلى عند الرجل ثم يدور على القبر من الجانب الآخر ثم يرش على وسط القبر فكذلك السنة». قال مولانا الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (7) «فإذا استوى قبره فصب عليه ماء وتجعل القبر امامك وأنت مستقبل القبلة وتبدأ

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) المروية في الوسائل في الباب 31 من أبواب الدفن.

(6) المروية في الوسائل في الباب 32 من أبواب الدفن.

(7) ص 18.


بصب الماء من عند رأسه وتدور به على القبر من اربع جوانب القبر حتى ترجع إلى الرأس من غير ان تقطع الماء فان فضل من الماء شي‌ء فصبه على وسط القبر». وبهذه العبارة عبر الصدوق في الفقيه من غير اسناد الى أحد. وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه‌السلام) (1) «في رش الماء على القبر؟ قال يتجافى عنه العذاب ما دام الندى في التراب».

ومنها ـ ان يضع يده على القبر بعد ذلك مستقبل القبلة داعيا بالمأثور ، روى في الكافي في الصحيح عن زرارة (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا فرغت من القبر فانضحه ثم ضع يدك عند رأسه وتغمز كفك عليه بعد النضح». وقد تقدم في رواية محمد بن مسلم عن الباقر (عليه‌السلام) (3) قال : «ثم بسط كفه على القبر ثم قال : اللهم جاف الأرض عن جنبيه. الى آخر الدعاء». وفي كتاب الفقه الرضوي (4) على اثر العبارة المتقدمة في الرش «ثم ضع يدك على القبر وأنت مستقبل القبلة وقل : اللهم ارحم غربته وصل وحدته وآنس وحشته وآمن روعته وأفض عليه من رحمتك واسكن إليه من برد عفوك وسعة غفرانك ورحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك واحشره مع من كان يتولاه. ومتى ما زرت قبره فادع له بهذا الدعاء وأنت مستقبل القبلة ويداك على القبر». وروى في التهذيب عن إسحاق بن عمار (5) قال : «قلت لأبي الحسن الأول (عليه‌السلام) ان أصحابنا يصنعون شيئا : إذا حضروا الجنازة ودفن الميت لم يرجعوا حتى يمسحوا أيديهم على القبر أفسنة ذلك أم بدعة؟ فقال ذلك واجب على من لم يحضر الصلاة عليه». وعن محمد بن إسحاق (6) قال : «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) شي‌ء يصنعه الناس عندنا : يضعون أيديهم على القبر إذا دفن الميت؟ قال انما ذلك لمن لم يدرك الصلاة عليه فاما من أدرك الصلاة عليه فلا». وفي الكافي

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 32 من أبواب الدفن.

(3) ص 121.

(4) ص 18.

(5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 33 من أبواب الدفن.


في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (1) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصنع بمن مات من بني هاشم خاصة شيئا لا يصنعه بأحد من المسلمين كان إذا صلى على الهاشمي ونضح قبره بالماء وضع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كفه على القبر حتى ترى أصابعه في الطين فكان الغريب يقدم أو المسافر من أهل المدينة فيرى القبر الجديد عليه اثر كف رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فيقول من مات من آل محمد؟». وعن عبد الرحمن بن ابي عبد الله (2) قال : «سألته عن وضع الرجل يده على القبر ما هو ولم يصنع؟ فقال صنعه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على ابنه بعد النضح. قال وسألته كيف أضع يدي على قبور المسلمين. فأشار بيده الى الأرض ووضعها عليها ثم رفعها وهو مقابل القبلة». قال شيخنا في الذكرى بعد إيراد خبر زرارة الثاني ومحمد بن إسحاق : «وليس في هاتين مخالفة للأول لأن الوجوب على من لم يحضر الصلاة لا ينافي الاستحباب لغيره ، والمراد به انه يستحب مؤكدا لغير الحاضر للصلاة عليه ولهذا لم يذكر الوجوب في الخبر الآخر فهو وان كان مستحبا للحاضر لكنه غير مؤكد. واخبار الراوي عن عمل الأصحاب حجة في نفسه وتقرير الامام (عليه‌السلام) يؤكده ، وفعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حجة فليتأس به وتخصيص بني هاشم لكرامتهم عليه» انتهى. وهو جيد. إلا انه نقل شيخنا المجلسي في البحار عن العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم قال : «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان إذا مات رجل من أهل بيته يرش قبره ويضع يده على قبره ليعرف انه قبر العلوية وبني هاشم من آل محمد فصارت بدعة في الناس كلهم ولا يجوز ذلك». وهو غريب ، والعجب ان شيخنا المشار اليه نقله ولم ينبه على ما فيه ، والظاهر ان حكمه بالبدعية لما يفعله الناس وعدم جواز ذلك ناشى‌ء عن فهمه من الخبر الاختصاص وغفل عن ملاحظة باقي أخبار المسألة الدالة على العموم كما لا يخفى.

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 33 من أبواب الدفن.


أقول : والمستفاد من هذه الاخبار ان السنة تتأدى بمجرد وضع اليد على القبر وان الدعاء مع ذلك أبلغ في الفضل وكذلك استقبال القبلة ، وسنن الوضع المذكور لم تجتمع في خبر من هذه الأخبار إلا خبر كتاب الفقه ، والظاهر انه هو مستند المتقدمين فيما ذكروه من هذه السنن الثلاث حسبما ذكرنا في أمثال هذا المقام.

ومنها ـ التلقين وهو التلقين الثالث ولا خلاف فيه بين أصحابنا ، وأنكره الفقهاء الأربعة مع وروده في رواياتهم (1) والأصل فيه عندنا ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) عن يحيى بن عبد الله (2) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول ما على أهل الميت منكم ان يدرأوا عن ميتهم لقاء منكر ونكير؟ قلت كيف يصنع؟ قال إذا أفرد الميت فليتخلف عنده اولى الناس به فيضع فمه عند رأسه ثم ينادي بأعلى صوته : يا فلان بن فلان أو يا فلانة بنت فلان هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه من شهادة ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله سيد النبيين وان عليا أمير المؤمنين وسيد الوصيين وان ما جاء به محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حق وان الموت حق وان البعث حق وان الله يبعث من في القبور؟ قال فيقول منكر لنكير انصرف بنا عن هذا فقد لقن حجته». وروى في التهذيب عن جابر عن الباقر (عليه‌السلام) (3) قال : «ما على أحدكم إذا دفن ميته وسوى عليه وانصرف عن قبره ان يتخلف عند قبره ثم يقول : يا فلان بن فلان أنت على العهد الذي عهدناك به من شهادة ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وان عليا أمير المؤمنين (عليه‌السلام) امامك وفلان وفلان حتى يأتي على آخرهم (عليهم‌السلام)؟ فإنه إذا فعل ذلك قال أحد الملكين لصاحبه قد كفينا الوصول اليه ومسألتنا إياه فإنه قد

__________________

(1) كما في كنز العمال ج 8 ص 120 رقم 2231 ومجمع الزوائد لابن حجر ج 3 ص 45 ومنتقى الاخبار متن نيل الأوطار ج 3 ص 77 والمغني لابن قدامة ج 2 ص 506.

(2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 35 من أبواب الدفن.


لقن حجته فينصرفان عنه ولا يدخلان عليه». وفي الفقه الرضوي (1) «ويستحب ان يتخلف عند رأسه أولى الناس به بعد انصراف الناس عنه ويقبض على التراب بكفيه ويلقنه برفيع صوته فإنه إذا فعل ذلك كفى المسألة في قبره». وقد روى هذه العبارة بأدنى تغيير الصدوق في العلل بسنده عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه رفعه الى الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «ينبغي ان يتخلف عند قبر الميت اولى الناس به بعد انصراف الناس عنه ويقبض على التراب بكفيه ويلقنه ويرفع صوته فإذا فعل ذلك كفى الميت المسألة في قبره».

فوائد : (الأولى) ـ قال شيخنا المجلسي في البحار بعد نقل هذا الخبر الأخير : «لا يبعد ان يكون اشتراط انصراف الناس ووضع الفم عند الرأس ـ كما ورد في اخبار أخر ـ للتقية ، والأولى مراعاة ذلك كله».

(الثانية) ـ ظاهر الاخبار المذكورة اختصاص التلقين بالولي ، وقد عرفت معناه فيما تقدم من انه اولى الناس بميراثه كما هو المشهور ، وظاهر كلام الأصحاب انه الولي أو من يأذن له الولي ، وحينئذ فتجوز الاستنابة فيه ، وادعى في الذكرى الإجماع عليه وهل يعتبر اذن الولي في ذلك؟ ظاهر العلامة في المنتهى العدم ، وكأنه يحمل التخصيص في الاخبار على الأولوية ، والظاهر بعده كما تقدمت الإشارة اليه. وقال ابن البراج انه مع التقية يقول ذلك سرا. وهو جيد.

(الثالثة) ـ لم يتعرض الشيخان ولا الفاضلان لكيفية وقوف الملقن ، وقال ابن إدريس انه يستقبل القبلة والقبر ، وقال أبو الصلاح وابن البراج والشيخ يحيى بن سعيد يستدبر القبلة والقبر امامه. ولم أقف فيما وصل إلينا من الأخبار على ما يقتضي شيئا مما ذكره هؤلاء الفضلاء من الأمرين المذكورين ، وقال في الذكرى : «وكلاهما جائز لإطلاق الخبر الشامل لذلك ولمطلق النداء عند الرأس على اي وضع كان المنادي» وهو جيد.

__________________

(1) ص 18.

(2) رواه في الوسائل في الباب 35 من أبواب الدفن.


(الرابعة) ـ هل يستحب تلقين الأطفال ونحوهم؟ ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في الروض ذلك حيث قال : «ولا فرق في هذا الحكم بين الصغير والكبير كما في الجريدتين لإطلاق الخبر ، ولا ينافيه التعليل بدفع العذاب كما في عموم كراهة المشمس وان كان ضرره انما يتولد على وجه مخصوص ، واقامة لشعائر الإيمان» انتهى. أقول : مرجع كلامه (قدس‌سره) الى ان علل الشرع ليست عللا حقيقة يدور المعلول مدارها وجودا وعدما وانما هي أسباب معرفات أو لبيان وجه المصلحة والحكمة فلا يجب اطرادها. وهو جيد كما أوضحناه في غير موضع مما تقدم. وقال في الذكرى : «واما الطفل فالتعليل يشعر بعدم تلقينه ، ويمكن ان يقال يلقن اقامة للشعار وخصوصا المميز كما في الجريدتين».

في تجصيص القبور والبناء عليها ومنها ـ انه قد صرح جملة من الأصحاب بكراهة تجصيص القبور والبناء عليها بل ظاهر التذكرة دعوى الإجماع عليه ، قال الشيخ في النهاية : يكره تجصيص القبور وتظليلها. وفي المبسوط تجصيص القبر والبناء عليه في المواضع المباحة مكروه إجماعا. وقال ابن الجنيد : ولا أحب ان يقصص ولا يجصص لان ذلك زينة ولا بأس بالبناء عليه وضرب الفسطاط لصونه ومن يزوره. وظاهره تخصيص الكراهة بالتجصيص دون البناء ، والأصل في هذا الحكم ما رواه في التهذيب في الموثق عن علي بن جعفر (1) قال : «سألت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) عن البناء على القبر والجلوس عليه هل يصلح؟ قال لا يصلح البناء عليه ولا الجلوس ولا تجصيصه ولا تطيينه». وعن جراح المدائني عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «لا تبنوا على القبور ولا تصوروا سقوف البيوت فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كره ذلك». وعن يونس بن ظبيان عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يصلى على قبر أو يقعد عليه أو يبنى عليه». ورواه الصدوق في المقنع مرسلا. وفي حديث

__________________

(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 44 من أبواب الدفن.


المناهي المذكور في آخر كتاب الفقيه (1) «ونهى ان تجصص القبور». وروى في معاني الأخبار بسند رفعه في آخره إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) «انه نهى عن تقصيص القبور». قال وهو التجصيص. وما دلت عليه هذه الاخبار من النهي عن البناء والتجصيص ظاهر في رد ما ذكره ابن الجنيد من تخصيص الكراهة بالتجصيص وان البناء عليه لا بأس به.

وهل كراهة التجصيص مخصوص بما بعد الاندراس أو ما هو أعم من الابتداء وبعد الاندراس؟ قال في المدارك : وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في كراهة التجصيص بين وقوعه ابتداء أو بعد الاندراس ، وقال الشيخ لا بأس بالتجصيص ابتداء وانما المكروه إعادتها بعد اندراسها لما روى (3) من «ان الكاظم (عليه‌السلام) أمر بعض مواليه بتجصيص قبر ابنة له ماتت يفيد وهو قاصد إلى المدينة وكتابة اسمها على لوح وجعله في القبر».

أقول : ما ذكره من الجمع بين الاخبار ـ من الجواز ابتداء عملا بهذه الرواية وحمل الأخبار المتقدمة على ما بعد الاندراس ـ ليس ببعيد في مقام الجمع. واحتمل بعض مشايخنا من متأخري المتأخرين حمل تلك الاخبار على تجصيص بطن القبر وهذه على ظاهره. وجمع في المعتبر بين الاخبار بحمل الرواية المذكورة على الجواز والروايات الأخر على الكراهة مطلقا. وفي المنتهى حمل رواية الكاظم (عليه‌السلام) على التطيين دون التجصيص بناء على جواز التطيين التفاتا إلى إشعار رواية السكوني عن الصادق (عليه‌السلام) (4) قال : «لا تطينوا القبر من غير طينه». فان فيه إشعارا بالرخصة في التطيين. ويمكن ان يقال باختصاصهم (عليهم‌السلام) وأولادهم بجواز التجصيص

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 44 من أبواب الدفن.

(3) رواه في الوسائل في الباب 37 من أبواب الدفن.

(4) رواه في الوسائل في الباب 36 من أبواب الدفن.


والبناء على القبور كما قال في المدارك.

والمراد بالبناء على القبر المنهي عنه في هذه الاخبار هو ان يتخذ عليه بيت أو قبة كما ذكره في المنتهى ، قال لأن في ذلك تضييقا على الناس ومنعا لهم عن الدفن ، ثم قال : وهذا مختص بالمواضع المباحة المسبلة أما الأملاك فلا.

وكيف كان فيستثنى من ذلك قبور الأنبياء والأئمة (عليهم‌السلام) لإطباق الناس على البناء على قبورهم (عليهم‌السلام) من غير نكير واستفاضة الروايات بالترغيب في ذلك بل لا يبعد استثناء قبور العلماء والصلحاء ايضا استضعافا لخبر المنع والتفاتا الى ان في ذلك تعظيما لشعائر الإسلام وتحصيلا لكثير من المصالح الدينية كما لا يخفى ، صرح بذلك السيد في المدارك ، وهو جيد.

تنبيه

روى الشيخ في التهذيب بسنده عن الأصبغ بن نباتة (1) قال : قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وفي الفقيه مرسلا قال : «قال أمير المؤمنين من جدد قبرا أو مثل مثلا فقد خرج من الإسلام». قال في الفقيه : «اختلف مشايخنا في هذا الحديث فقال محمد بن الحسن الصفار هو «جدد» بالجيم لا غير. وكان شيخنا محمد بن الحسن بن احمد بن الوليد (رضي‌الله‌عنه) يحكى عنه انه قال لا يجوز تجديد القبر وتطيين جميعه بعد مرور الأيام عليه وبعد ما طين في الأول ولكن إذا مات ميت وطين قبره فجائز أن يرم سائر القبور من غير ان تجدد. وذكر عن سعد بن عبد الله (رحمه‌الله) انه كان يقول انما هو «من حدد قبرا» بالحاء المهملة غير المعجمة يعني به من سنم قبرا. وذكر عن احمد بن ابي عبد الله البرقي انه قال انما هو «من جدث قبرا» وتفسير الحدث القبر فلا يدرى ما عني به. والذي اذهب اليه أنه «جدد» بالجيم ومعناه نبش قبرا لان من نبش قبرا فقد

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 43 من أبواب الدفن.


جدده وأحوج إلى تجديده وقد جعله جدثا محفورا ، وأقول ان التجديد على المعنى الذي ذهب اليه محمد بن الحسن الصفار والتحديد بالحاء غير المعجمة الذي ذهب اليه سعد بن عبد الله والذي قاله البرقي من انه جدث كله داخل في معنى الحديث وان من خالف الإمام في التجديد والتسنيم والنبش واستحل شيئا من ذلك فقد خرج من الإسلام. والذي أقوله في قوله (عليه‌السلام) : «من مثل مثالا» انه يعني به من أبدع بدعة ودعا إليها أو وضع دينا فقد خرج من الإسلام ، وقولي في ذلك «قول أئمتي (عليهم‌السلام) فإن أصبت فمن الله على ألسنتهم وان أخطأت فمن عند نفسي» انتهى كلامه.

وقال الشيخ (رحمه‌الله) في التهذيب بعد ذكر هذا الاختلاف في معنى قول البرقي : «ويمكن ان يكون المعنى في هذه الرواية ـ يعني رواية «الحدث» ـ ان يجعل القبر دفعة اخرى قبرا لإنسان آخر لان الحدث هو القبر فيجوز ان يكون الفعل مأخوذا منه قال وكان شيخنا محمد بن محمد بن النعمان (رحمه‌الله) يقول ان الخبر بالخاء والدالين وذلك مأخوذ من قوله تعالى «قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ» (1) والخد هو الشق يقال خددت الأرض خدا اي شققتها شقا ، وعلى هذه الرواية يكون النهي يتناول شق القبر اما ليدفن فيه أو على جهة النبش على ما ذهب اليه محمد بن علي يعني الصدوق ، قال وكل ما ذكرناه من الروايات والمعاني محتمل والله اعلم بالمراد والذي صدر عنه الخبر».

قال في المدارك بعد نقل ملخص كلام الصدوق : هذا كلامه (رحمه‌الله) وفيه نظر من وجوه ، ولقد أحسن المصنف في المعتبر حيث قال : «وهذا الخبر قد رواه محمد بن سنان عن ابي الجارود عن الأصبغ عن نباتة عن علي (عليه‌السلام) ومحمد بن سنان ضعيف وكذا أبو الجارود فاذن الرواية ساقطة فلا ضرورة إلى التشاغل بتحقيق متنها» انتهى ما ذكره في المعتبر.

وقد اعترضه في الذكرى بان اشتغال هؤلاء الأفاضل بتحقيق هذه اللفظة مؤذن

__________________

(1) سورة البروج. الآية 4.


بصحة الحديث عندهم وان كان طريقة ضعيفا كما في أحاديث كثيرة اشتهرت وعلم موردها وان ضعف سندها ، فلا يرد ما ذكره في المعتبر من ضعف محمد بن سنان وابي الجارود ، على انه ورد نحوه من طريق ابي الهياج وقد نقله الشيخ في الخلاف وهو من صحاح العامة ، وهو يعطي صحة الرواية بالحاء المهملة لدلالة الاشراف والتسوية عليه ، ويعطي ان المثال هنا هو التمثال هناك ، وقد ورد في النهي عن التصوير وازالة التصاوير أخبار مشهورة ، اما الخروج من الإسلام بهذين فاما على طريقة المبالغة زجرا عن الاقتحام على ذلك واما لانه فعل ذلك مخالفة للإمام (عليه‌السلام) انتهى.

وقال الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد نقل كلام الذكرى : «ولا يخفى ان مجرد بحث هؤلاء العلماء عن تحقيق لفظ الخبر لا يدل على قبولهم إياه وتصحيحهم له لجواز ان كل واحد منهم يذكر ما وصل اليه من الطريق الذي ينسب اليه وان كان في الطريق خلل ، نعم فيه اشعار ما بذلك لكن مجرد ذلك لا يكفي في صحة الاستدلال به» انتهى.

وفيه نظر ، وذلك (اما أولا) فإن تضعيف الحديث بهذا الاصطلاح المحدث في تنويع الاخبار الى الأربعة المشهورة انما حدث من عصر المحقق ومن تأخر عنه وإلا فالأخبار عند المتقدمين كلها محكوم عليها بالصحة إلا ما نبهوا عليه وظهر لهم ضعفه من جهة أخرى. و (اما ثانيا) فان ما ذكره من ان اشتغالهم بتحقيق هذا اللفظ لا يدل على قبول الخبر ضعيف ، لانه لو لم يكن كذلك كان جاريا مجرى العبث الذي لا فائدة فيه بالمرة وينجر الأمر إلى أمثال ذلك مما بحثوا فيه من الاخبار واختلفوا فيه من الآثار وهو مما لا يلتزمه محصل ، وبالجملة فكلام شيخنا الشهيد هو الأقرب.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المشهور بين الأصحاب ـ كما عرفت ـ كراهة التجديد بعد الاندراس وقد استدلوا بهذا الخبر على ذلك وهو غير بعيد وان أشعر ظاهره بالتحريم فإنه لا يخفى على من له أنس بالاخبار انهم (عليهم‌السلام) كثيرا ما يردفون المكروهات


بما يكاد يلحقها بالمحرمات تأكيدا في الزجر عنها والمستحبات بما يكاد يدخلها في حيز الواجبات حثا على القيام بها ، والظاهر ان الحامل للصدوق بعد اختياره رواية التجديد بالجيم على تفسيره بالنبش هو ترتب الخروج من الإسلام على ذلك مع عدم حرمة التجديد بالمعنى المتبادر فلا يصح ترتب الخروج من الإسلام عليه. وفيه ما عرفت.

ثم لا يخفى ان كلامه (قدس‌سره) في هذا المقام لا يخلو من نظر من وجوه : (منها) ـ ان تفسيره التجديد بالنبش بعيد غاية البعد من ظاهر اللفظ ولا قرينة تؤذن بالحمل عليه في المقام فإرادته من هذا اللفظ انما هو من قبيل المعميات والألغاز. و (منها) ـ ان استلزام النبش للتجديد لا يتم كليا بل قد يكون للتخريب. و (منها) ـ ان كلامه هذا مبني على تحريم النبش وهو محل كلام كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى قريبا. و (منها) ـ ان حكمه بالخروج من الإسلام في مخالفة الإمام في التجديد والنبش والتسنيم غير مستقيم ، فإنه (عليه‌السلام) انما رتب الخروج من الإسلام على أمر واحد لكن هؤلاء الأجلاء قد اختلفوا فيه باعتبار اختلافهم في رواية الخبر ، فالمرتب عليه أمر واحد لكنه باعتبار هذا الاختلاف غير معلوم على التعيين بل هو دائر بين هذه الأفراد المذكورة فكيف يصح ترتبه على الجميع؟ اللهم إلا ان يريد باعتبار ثبوت تحريم هذه الأشياء بأدلة من خارج. وفيه مع الإغماض عن المناقشة في هذه الدعوى انه لا خصوصية لهذه الأشياء المعدودة تستوجب الافراد بالذكر ، إذ كل من فعل فعلا غير مشروع واعتقد استحلاله فإنه مشروع مبدع. وكيف كان فاختلاف هؤلاء الأجلاء في هذه اللفظة مما يضعف الاعتماد على الخبر بأي معنى اعتبر. و (منها) ـ قوله في «من مثل مثالا» بعد تفسيره له بما ذكره : ان أصبت فمن الله وان أخطأت فمن نفسي. فإن فيه انه قد روى في معاني الأخبار عنهم (عليهم‌السلام) تفسير هذا اللفظ في حديث آخر بما ذكره هنا حيث انه روى في الكتاب المذكور بسنده فيه عن النهيكي بإسناد رفعه الى


الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «من مثل مثالا أو اقتنى كلبا فقد خرج من الإسلام فقلت هلك إذا كثير من الناس؟ فقال انما عنيت بقولي من مثل مثالا من نصب دينا غير دين الله تعالى ودعا الناس اليه ، وبقولي من اقتنى كلبا مبغضا لأهل البيت (عليهم‌السلام) اقتناه فأطعمه وأسقاه ، من فعل ذلك فقد خرج عن الإسلام». وحينئذ فلا وجه لهذا الترديد هنا بين كون تفسيره صوابا أو خطأ. اللهم إلا ان يكون مراده بالنسبة الى هذا الحديث ، وفيه ما فيه فإنه متى ورد تفسير هذا اللفظ عنهم (عليهم‌السلام) بمعنى من المعاني فإنه يجب الحمل على ذلك حيثما وجد ذلك اللفظ متى كان المقام لا يأباه كما هو القاعدة الجارية في سائر الألفاظ ، نعم يمكن حمله على الغفلة عن الخبر المذكور. ولم أقف لمن تعرض للكلام على كلامه (قدس‌سره) في المقام سوى ما أشار إليه السيد في المدارك من قوله : «وفيه نظر من وجوه» ولم يبين شيئا من تلك الوجوه.

بقي هنا شي‌ء ينبغي التنبيه عليه وهو ان الظاهر ان مراده بقوله : «قولي في ذلك قول أئمتي. إلخ» اني لا أقول بالرأي في ذلك وانما قولي فيه قول أئمتي (عليهم‌السلام) بناء على ما فهمته من كلامهم وادى اليه نظري ، فإن طابق فهمي ما هو مرادهم ـ وهو الحكم الواقعي الذي هو الحق والصواب ـ فهو من توفيق الله عزوجل لي بواسطتهم حيث اني ناقل عنهم وتابع لهم ، وان أخطأت ولم يطابق فهمي مرادهم فالخطأ مني لا منهم (عليهم‌السلام) فإنهم قالوا ما هو الحق ولكن لم يصل فهمي اليه فالخطأ من عند نفسي. وما ذكره في هذا المقام مشترك بينه وبين جملة العلماء الاعلام في استنباط الأحكام من اخبارهم (عليهم‌السلام) لا كما زعمه بعض المحققين من كون هذا فرقا بين المجتهدين والأخباريين اشارة منه الى ان المجتهدين انما يقولون بالرأي ، فإنه مما لا ينبغي ان يلتفت اليه ولا يعول في مقام التحقيق عليه لاستلزامه الطعن في أجله العلماء الاعلام بل تفسيقهم كما لا يخفى على ذوي الأفهام. نعم يبقى الكلام في انه هل يعاقب على مثل هذا الخطأ أم لا؟

__________________

(1) ص 56 باب 159.


ظاهر كلامه (قدس‌سره) ـ وهو الذي حققناه في جملة من زبرنا ولا سيما كتاب الدرر النجفية ـ هو العدم ، وربما يفهم من بعضهم العقاب كما هو ظاهر المحدث الأسترآبادي في الفوائد المدنية أو استحقاقه ولكن يتجاوز الله تعالى عنه لاضطراره ، والأظهر هو ما ذكرناه وذلك فان الفقيه الجامع للشرائط إذا بذل وسعه في استنباط الحكم الشرعي بعد تحصيل جميع أدلته والاطلاع على جميع ما يتعلق به من الكتاب والسنة وادى فهمه الى حكم فهو الواجب عليه في حقه وحق مقلده وان فرضناه خطأ ، لأنه أقصى تكليفه ، والسر في ذلك ان العقول والافهام المفاضة من الملك العلام متفاوتة زيادة ونقصانا كما هو مشاهد بالوجدان بين العلماء الأعيان ، فمنهم من فهمه وأدركه كالبرق الخاطف ومنهم كالماء الراكد الواقف وبينهما مراتب لا تخفي على الفطن العارف ، ويؤكده ما ورد في الاخبار «بان الله سبحانه انما يداق العباد على حسب ما أفاض عليهم من العقول» (1). ومن أراد تحقيق الحال زيادة على ما ذكرناه فليرجع الى الدرر النجفية.

ومنها ـ انه يستحب وضع الحصباء وهي صغار الحصى على القبر وواحدها حصبة كقصبة ، وقد روى في الكافي عن ابان عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «قبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) محصب حصباء حمراء». ونقل في الذكرى انه روى «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فعله بقبر إبراهيم ولده» (3). ونقل في المنتهى من طريق الجمهور في حديث القاسم بن محمد (4) «ان قبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وصاحبيه مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء».

__________________

(1) هذا مضمون حديث ابى الجارود عن ابى جعفر «عليه‌السلام» المروي في أصول الكافي ج 1 ص 11.

(2) رواه في الوسائل في الباب 37 من أبواب الدفن.

(3) كما في الأم للشافعي ج 1 ص 242.

(4) كما في سنن ابى داود ج 3 ص 215.


ومنها ـ ما ذكره الأصحاب من انه يستحب ان يوضع عند رأسه لبنة أو لوح يعلم به. واستدلوا على ذلك بما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب (1) قال : «لما رجع أبو الحسن موسى (عليه‌السلام) من بغداد ومضى إلى المدينة ماتت ابنة له يفيد فدفنها وأمر بعض مواليه ان يجصص قبرها ويكتب على لوح اسمها ويجعله في القبر». أقول : ويعضده ما رواه الصدوق في كتاب إكمال الدين بإسناده عن ابي علي الخيراني عن جارية لأبي محمد (عليه‌السلام) (2) «ان أم المهدي ماتت في حياة أبي محمد (عليه‌السلام) وعلى قبرها لوح مكتوب عليه هذا قبر أم محمد (عليه‌السلام)». وروى في المنتهى من طريق الجمهور عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (3) : «لما دفن عثمان بن مضعون أمر رجلا ان يأتيه بصخرة فلم يستطع حملها فقام إليها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وحسر عن ذراعيه ثم حملها فوضعها عند رأسه وقال اعلم بها أخي وادفن اليه من مات من أهلي». قال في الذكرى : يستحب ان يوضع عند رأسه حجر أو خشبة علامة ليزار ويترحم عليه كما فعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حيث أمر رجلا بحمل صخرة ليعلم بها قبر عثمان بن مضعون ثم ساق تمام الحديث. أقول : هذا الحديث قد نقله في دعائم الإسلام عن علي (عليه‌السلام) (4) قال : «ان رسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لما دفن عثمان بن مظعون دعا بحجر فوضعه عند رأس القبر وقال يكون علما ليدفن اليه قرابتي». والكتاب وان لم يصلح للاعتماد والاستدلال إلا انه يصلح للتأييد في أمثال هذا المجال.

ومنها ـ ما صرح به جملة من الأصحاب من كراهة الجلوس على القبر والمشي عليه والصلاة عليه واليه والاستناد اليه ، اما الجلوس عليه فادعى عليه في الخلاف الإجماع

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 37 من أبواب الدفن.

(3) رواه أبو داود في سننه ج 3 ص 212.

(4) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 35 من أبواب الدفن.


واستدل بقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) : «لان يجلس أحدكم على جمر فيحرق ثيابه فتصل النار الى بدنه أحب الي من ان يجلس على قبر». وبقول الكاظم (عليه‌السلام) فيما قدمناه من موثقة علي بن جعفر (2) : «لا يصلح البناء على القبر ولا الجلوس». أقول : ان الرواية الأولى عامية كما نبه عليه ايضا بعض متأخري أصحابنا ولكن الثانية ظاهرة الدلالة على ذلك ونحوها رواية يونس بن ظبيان المتقدمة (3) حيث تضمنت النهي عن القعود عليه ، إلا انه قد روى الصدوق في الفقيه عن الكاظم (عليه‌السلام) (4) «إذا دخلت المقابر فطأ القبور فمن كان مؤمنا استروح الى ذلك ومن كان منافقا وجد ألمه». ويمكن حمله على القاصد زيارتهم بحيث لا يتوصل الى قبر إلا بالمشي على آخر كما ذكره في الذكرى أو يقال تختص الكراهة بالقعود لما فيه من اللبث المنافي للتعظيم ، ولعله الأقرب. واما الاستناد اليه والمشي عليه فقد صرح الشيخ بكراهتهما مدعيا في الخلاف الإجماع على ذلك في الأول ، ولم أقف في الأخبار على ما يدل على ما ذكره بل دلت مرسلة الفقيه على عدم كراهة المشي وان تأولها في الذكرى بما قدمناه ذكره ، واما الصلاة عليه فقد تقدم في رواية يونس بن ظبيان (5) ما يدل على ذلك ، واما الصلاة إليه فلما سيأتي ان شاء الله تعالى في بحث المكان من كتاب الصلاة.

تتمة مهمة تشتمل على مسائل :

(الأولى) ـ قال شيخنا الشهيد في الذكرى بعد ذكر جملة من الاخبار الدالة على ان البناء على القبور والقعود عليها والتجصيص والصلاة عليها مكروه : وروى الصدوق عن سماعة (6) «انه سأله عن زيارة القبور وبناء المساجد فيها فقال زيارة القبور لا بأس بها ولا يبنى عندها مساجد». قال الصدوق : «وقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : لا تتخذوا

__________________

(1) رواه أبو داود في سننه ج 3 ص 217 وابن ماجة في سننه ج 1 ص 474.

(2 و 3 و 5) ص 130.

(4) رواه في الوسائل في الباب 62 من أبواب الدفن.

(6) رواه في الوسائل في الباب 65 من أبواب الدفن.


قبري قبلة ولا مسجدا فان الله تعالى لعن اليهود لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (1). قلت : هذه الاخبار رواها الشيخان والصدوقان وجماعة المتأخرين في كتبهم ولم يستثنوا قبرا ، ولا ريب ان الإمامية مطبقة على مخالفة قضيتين من هذه إحداهما البناء والأخرى الصلاة في المشاهد المقدسة ، فيمكن القدح في هذه الاخبار بأنها آحاد وبعضها ضعيف الاسناد وقد عارضها أخبار أخر أشهر منها ، وقال ابن الجنيد لا بأس بالبناء عليه وضرب الفسطاط لصونه ومن يزوره ، أو تخصص هذه العمومات بإجماعهم في عهود كانت الأئمة (عليهم‌السلام) ظاهرة فيهم وبعدهم من غير نكير وبالأخبار الدالة على تعظيم قبورهم وعمارتها وأفضلية الصلاة عندها وهي كثيرة ، ثم ساق بعض الاخبار الدالة على ذلك.

أقول : والحق ان أكثر هذه الاخبار المذكورة فيها هذه الأحكام لا ظهور لها في التعلق بهم (عليهم‌السلام) وانما ذكر ذلك في القليل منها وهو الذي يحتاج إلى تأويل لمعارضته بما هو أشهر وأظهر مثل خبر الصدوق عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالنهي عن اتخاذ قبره قبله ومسجدا ، فاما الأحاديث الأولة التي اجملنا النقل فيها فقد عرفت الكلام فيها في الدلالة على ما استدل بها عليه ، واما حديث سماعة المتضمن للنهي عن بناء المساجد في المقابر فالوجه فيه انه لا خلاف بين الأصحاب في أن الأراضي المحبوسة على المنافع العامة كالشوارع والمشارع والمساجد والمقابر والرباطات والمدارس والأسواق لا يجوز لأحد التصرف فيها على وجه يمنع الانتفاع بها فيما هي متخذة له وبذلك صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك حيث قال : بقاع الأرض اما مملوكة أو محبوسة على الحقوق العامة كالشوارع والمساجد والمقابر والرباطات أو منفكة عن الحقوق الخاصة والعامة وهي الموات. الى آخر كلامه ، ثم ساق الكلام في المحبوسة على المنافع العامة وبين عدم جواز الانتفاع بها والتصرف فيها على وجه يمنع من تحصيل الغرض المطلوب منها ، وهذا الخبر صريح في ذلك باعتبار بعض هذه الأراضي وهي المقابر حيث منع من بناء المساجد

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 65 من أبواب الدفن.


فيها ، إذ من المعلوم منع ذلك من الدفن الذي هو الغرض المترتب عليها كما صرح به الأصحاب في نظائرها وحينئذ فيكون النهي للتحريم ، واما مجرد الصلاة في المقابر فحيث انها لا توجب منعا من التصرف فهي صحيحة وان كانت مكروهة من حيثية أخرى. ثم لا يخفى ان المراد بهذه الأراضي المذكورة ما هو أعم من ان تكون موقوفة على تلك الجهة الخاصة أو انها وجدت في تصرف المسلمين كذلك وان لم يعلم أصلها ولا كيفية أمرها ، فإن تصرف المسلمين واستمرار يدهم عليها موجب لكونها ملكا لهم من هذه الجهة فلا يجوز التصرف فيها بما ينافي الغرض المطلوب المترتب عليها ، اما لو كانت الأرض معلومة بأنها موات مباحة أو مملوكة قد أباحها المالك للمسلمين يتصرفون فيها بما أرادوا أو وقفها عليهم كذلك أو نحو ذلك فإنه خارج عن محل البحث.

واما ما يدل على جواز البناء بل استحبابه على قبور الأئمة (عليهم‌السلام) وجواز الصلاة بل استحبابها عند قبورهم فهي كثيرة مذكورة في كتاب المزار من كتاب البحار ، وعسى ان نبسط الكلام في ذلك في كتاب الصلاة ان شاء الله تعالى.

(الثانية) ـ المشهور بين الأصحاب كراهية دفن اثنين في قبر واحد ابتداء ، واحتج عليه في المبسوط بقولهم (عليهم‌السلام) : «لا يدفن في قبر واحد اثنان». ولأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أفرد كل واحد بقبر (1) قالوا ومع الضرورة تزول الكراهة بأن يكثر الموتى ويعسر الافراد ، لما روى (2) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال للأنصار يوم أحد : احفروا ووسعوا وعمقوا واجعلوا الاثنين والثلاثة في القبر الواحد وقدموا أكثرهم قرانا». هذا كله في الابتداء كما قدمناه ذكره.

واما لو دفن ميت في قبر فهل يجوز نبشه ودفن آخر معه؟ ظاهرهم التحريم ، قالوا لان القبر صار حقا للأول بدفنه فيه ، ولاستلزام النبش والهتك المحرمين ، قال في

__________________

(1) كما في المهذب للشيرازي الشافعي ج 1 ص 136.

(2) رواه أبو داود في السنن ج 3 ص 214 رقم 3215.


الذكرى : وعلى التحريم إجماع المسلمين قال : وقول الشيخ في المبسوط «يكره» الظاهر انه أراد التحريم لانه قال بعده «ولو حفر فوجد عظاما رد التراب ولم يدفن فيه شيئا» وناقش في هذا الحكم جملة من أفاضل متأخري المتأخرين منهم السيد السند (قدس‌سره) في المدارك مجيبا عما احتجوا به من تحريم النبش بان الكلام في إباحة الدفن نفسه لا النبش وأحدهما غير الآخر. وزاد في الذخيرة ان الظاهر ان مستند تحريم النبش الإجماع وإجراؤه في محل النزاع مما لا وجه له. وأجاب في المدارك ومثله في الذخيرة عن الدليل الآخر بالمنع من ثبوت حقية الأول بالدفن فيه على وجه يوجب منع دفن آخر ، ثم قال في المدارك بعد المناقشة المذكورة : هذا كله في غير السرداب اما فيه فيجوز مطلقا اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق.

أقول : وعندي في هذه المسألة بجميع شقوقها توقف إذ لم أقف على حديث يتعلق بشي‌ء من ذلك ، وما نقلوه من الاخبار لم أقف عليه في كتب الأخبار الواصلة إلينا ، والشيخ (رضوان الله عليه) وكذا الجماعة كثيرا ما يستندون في كتب الفروع الى الاخبار العامية ويبنون عليها ، وظاهر المحدث الشيخ محمد الحر في الوسائل التشبث هنا في حكم دفن ميتين في قبر واحد بحديث الأصبغ المتقدم (1) بناء على بعض الاحتمالات المتقدمة فيه ، وقد عرفت ما في الخبر المذكور من الاشكال وتعدد الاحتمال الموجب لسقوطه عن درجة الاستدلال ، نعم ربما يستنبط من الدليل المتقدم (2) الدال على النهي عن حمل ميتين على سرير واحد المنع ايضا من جعل ميتين في قبر واحد بل ربما كان هذا اولى لطول المقام في ذلك المكان ، ويؤيد ذلك باستمرار الأعصار من زمنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الى يومنا هذا بالوحدة ابتداء واستدامة إلا إذا صار الميت رميما. وبالجملة فالمسألة لا تخلو من الاشكال والاحتياط فيها مطلوب على كل حال.

ثم ان جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم) : منهم ـ الشهيدان في الذكرى

__________________

(1) ص 132.

(2) ص 82.


والروض تبعا للشيخ قد فرعوا على قوله في حديث أهل أحد : «وقدموا أكثرهم قرانا» فروعا لا فائدة في التطويل بذكرها مع عدم ثبوت أصل الحديث كما أشرنا إليه.

(الثالثة) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تحريم النبش ، وقد ادعى على ذلك الإجماع جمع منهم كالمحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والتذكرة والشهيد في الذكرى وقد استدل في كتاب الوسائل على تحريم النبش بالأخبار الواردة بقطع يد النباش (1) وفيه ان الظاهر من تلك الاخبار بحمل مطلقها على مقيدها ان القطع انما هو من حيث سرقة الكفن لا من حيث النبش ، ومنها ـ ما رواه في الكافي عن عبد الله بن محمد الجعفي (2) قال : «كنت عند ابي جعفر (عليه‌السلام) وجاءه كتاب هشام بن عبد الملك في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها ثم نكحها فان الناس قد اختلفوا علينا فطائفة قالوا اقتلوه وطائفة قالوا أحرقوه؟ فكتب إليه أبو جعفر (عليه‌السلام) : ان حرمة الميت كحرمة الحي تقطع يده لنبشه وسلبه الثياب ويقام عليه الحد في الزنا : ان أحصن رجم وان لم يكن أحصن جلد مائة». وفي رواية أبي الجارود عن الباقر (عليه‌السلام) (3) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) يقطع سارق الموتى كما يقطع سارق الأحياء». ونحوهما غيرهما ، وعليهما يحمل ما أطلق مثل صحيحة حفص ابن البختري (4) قال «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : حد النباش حد السارق». وفي رواية إسحاق بن عمار (5) «ان عليا (عليه‌السلام) قطع نباش القبر فقيل له أتقطع في الموتى؟ فقال انا لنقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا». وهو ظاهر في كون القطع انما هو للسرقة. وبالجملة فإني لا اعرف لذلك غير ما يدعى من الإجماع.

ثم ان الأصحاب قد استثنوا هنا صورا منها ما اتفق عليه ومنها ما اختلف فيه :

(الأولى) ـ إذا وقع في القبر ما له قيمة فإنهم صرحوا بجواز النبش للنهي عن إضاعة المال ، قالوا ولا يجب على مالكه قبول القيمة ، ولا فرق في ذلك بين القليل

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) المروية في الوسائل في الباب 19 من أبواب حد السرقة.


والكثير وان كره النبش لأجل القليل ، قال في الذكرى : وروى «ان المغيرة بن شعبة طرح خاتمه في قبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم طلبه ففتح موضع منه فأخذه فكان يقول انا آخركم عهدا برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)». أقول : لا ريب ان هذه الرواية عامية (1) وقد ورد في بعض الاخبار التي لا يحضرني الآن موضعها عن علي (عليه‌السلام) تكذيبه في دعواه ذلك ، وهو الصواب فإن المغيرة بن شعبة وأمثاله من المنافقين في السقيفة يومئذ واين هم من حضور دفنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله)؟ ولكن أصحابنا (رضوان الله عليهم) يستلقون أمثال هذه الاخبار في مثل هذه الأحكام العارية عن نصوصهم (عليهم‌السلام).

(الثانية) ـ إذا دفن في الأرض المغصوبة أو المشتركة بغير اذن الشريك ، قالوا فان للمالك والشريك قلعه لتحريم شغل مال الغير وان ادى الى هتك الحرمة لأن حق الحي أولى وان كان الأفضل للمالك تركه خصوصا القرابة ، ولو دفن باذن المالك جاز له الرجوع ما لم يطم لا بعده.

(الثالثة) ـ إذا كفن في ثوب مغصوب جاز نبشه لتخليص المغصوب مع طلب المالك ، ولا يجب عليه أخذ القيمة. وفرق في المنتهى بين الأرض والكفن فقال بعد ان ذكر جواز النبش في الأرض المغصوبة : «اما لو غصب كفنا فكفن به ودفن لم يكن لصاحب الكفن قلعه وأخذ كفنه بل يرجع الى القيمة ، والفرق بينهما بتعذر

__________________

(1) كما في المهذب ج 1 ص 138 وفي السيرة الحلبية ج 3 ص 403 «وقيل آخر من طلع من قبره «ص» المغيرة بن شعبة لأنه ألقي خاتمه في القبر الشريف وقال لعلى «ع» يا أبا الحسن خاتمي وانما طرحته عمدا لامس رسول الله «ص» وأكون آخر الناس عهدا به قال انزل فخذه. وقيل القى الفأس في القبر. ويقال ان عليا «ع» لما قال له المغيرة ذلك نزل وناوله الخاتم أو الفأس أو أمر من نزل وناوله ذلك وقال له انما فعلت لتقول انا آخر الناس برسول الله «ص» عهدا. واعترض بأن المغيرة لم يكن حاضرا للدفن».


تقويم موضع الدفن وحصول الضرر به بخلاف الكفن» انتهى. ورده في الذكرى بضعف هذا الفرق قال : لإمكانه بإجارة البقعة زمانا يعلم بلى الميت فيه ، قال وأضعف منه الفرق بإشراف الثوب على الهلاك بالتكفين بخلاف الأرض لأن الفرض قيام الثوب. ثم احتمل في الذكرى في كل من الأرض والكفن تحريم النبش إذا ادى الى هتك الميت وظهور ما ينفر منه لما روي (1) «ان حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا». ولو كفن في حرير قيل هو كالمغصوب ، وقيل ان الاولى هنا المنع لان حق الله تعالى أوسع من حق الآدمي.

(الرابعة) ـ إذا بلي الميت وصار رميما قالوا فإنه يجوز نبشه لدفن غيره أو لمصلحة المالك المعير ، ويختلف ذلك باختلاف الترب والأهوية فلو ظنه رميما فنبش فوجد عظاما دفنها وجوبا ، قالوا ومتى علم صيرورته رميما لم يجز تصويره بصورة المقابر في الأرض المسبلة لأنه يمنع من الهجوم على الدفن فيها.

(الخامسة) ـ نبشه للشهادة على عينه وإثبات الأمور المترتبة على موته من اعتداد زوجته وقسمة تركته وحلول ديونه التي عليه ، قال في الذكرى : وهذا يتم إذا كان محصلا للعين ولو علم تغير الصورة حرم.

(السادسة) ـ إذا دفن بغير كفن أو صلاة أو غسل أو الى غير القبلة ، وقطع الشيخ في الخلاف بعدم النبش لأجل الغسل قال لانه مثلة ، ورجحه في المعتبر قال لان النبش مثلة فلا يستدرك الغسل بالمثلة ، ومال العلامة في التذكرة إلى نبشه إذا لم يؤد الى فساد لان الغسل واجب فلا يسقط بذلك وكذا في الدفن الى غير القبلة ، والى ما اختاره العلامة من النبش في الصورتين المذكورتين مال الفاضل الخراساني في الذخيرة ، وظاهرهم الاتفاق على عدم النبش في الكفن والصلاة ، قالوا لأن الصلاة تستدرك بالصلاة على قبره والكفن اغنى عنه الدفن لحصول الستر به.

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 51 من أبواب الدفن.


(السابعة) ـ إذا دفن في أرض ثم بيعت قال في المبسوط جاز للمشتري نقل الميت منها والأفضل تركه. ورده الفاضلان بتحريم النبش إلا ان تكون الأرض مغصوبة فيبيعها المالك. واعترضهما الفاضل الخراساني في الذخيرة بأن التعويل في تحريم النبش انما هو على الإجماع وهو لا يتم في محل النزاع. أقول : لقائل أن يقول ان خلاف معلوم النسب لا يقدح في الإجماع كما هو مذكور في قواعدهم. والمسألة بجميع شقوقها وفروعها لا تخلو عندي من الاشكال لعدم الدليل الواضح من اخبارهم (عليهم‌السلام) والله العالم.

(الرابعة) ـ قد صرحوا (رضوان الله عليهم) بأنه يحرم نقل الميت بعد دفنه الى موضع آخر ، لتحريم النبش واستدعائه الهتك ولو الى أحد المشاهد المشرفة ، ونقل العلامة في التذكرة جوازه إليها عن بعض علمائنا ، قال الشيخ (قدس‌سره) في النهاية «وإذا دفن في موضع فلا يجوز تحويله من موضعه ، وقد وردت رواية بجواز نقله الى بعض مشاهد الأئمة (عليهم‌السلام) سمعناها مذاكرة والأصل ما قدمناه» وقال ابن إدريس انه بدعة في شريعة الإسلام سواء كان النقل الى مشهد أو الى غيره ، وعن ابن حمزة القول بالكراهة ، ونقل بعض مشايخنا المتأخرين عن الشيخ وجماعة انهم جوزوا نقله الى المشاهد المشرفة. أقول : وبذلك يشعر كلامه في المبسوط حيث قال بعد الإشارة إلى ورود الرواية كما ذكره في النهاية : «والأول أفضل» فإن ظاهره الجواز وان كان خلاف الأفضل كما يدل عليه قول ابن حمزة ، وقال ابن الجنيد انه لا بأس بتحويل الموتى من الأرض المغصوبة ولصلاح يراد بالميت. وظاهره الجواز من غير كراهة في الصورتين المذكورتين.

أقول : والظاهر عندي هو الجواز (اما أولا) فلان مستند التحريم انما هو الإجماع لى تحريم النبش وهو غير ثابت في محل النزاع. و (اما ثانيا) فلما رواه الصدوق


في الفقيه (1) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) ان الله تبارك وتعالى اوحى الى موسى ابن عمران (عليه‌السلام) ان أخرج عظام يوسف (عليه‌السلام) من مصر ووعده طلوع القمر فأبطأ طلوع القمر عليه فسأل عمن يعلم موضعه فقيل له هنا عجوز تعلم علمه فبعث إليها فاتي بعجوز مقعدة عمياء فقال تعرفين قبر يوسف (عليه‌السلام)؟ قالت : نعم. قال فاخبريني بموضعه قالت لا افعل حتى تعطيني خصالا : تطلق رجلي وتعيد الي بصري وترد الي شبابي وتجعلني معك في الجنة. فكبر ذلك على موسى (عليه‌السلام) فأوحى الله عزوجل اليه انما تعطى علي فأعطاها ما سألت ففعل فدلته على قبر يوسف فاستخرجه من شاطئ النيل في صندوق مرمر فلما أخرجه طلع القمر فحمله الى الشام فلذلك يحمل أهل الكتاب موتاهم الى الشام». ومثله الأخبار الواردة في نقل نوح لعظام آدم (عليهما‌السلام) في تابوت إلى الغري ودفنه فيه (2) والتقريب فيها ان الظاهر من نقلهم ذلك لشيعتهم وتقريرهم عليه جواز ذلك كما وقع في مواضع ، مثل حديث «ذكري حسن على كل حال» المروي عن موسى (عليه‌السلام) (3). ومنها جعل المهر اجارة الزوج نفسه مدة كما حكاه الله تعالى عن موسى (عليه‌السلام) في تزويجه ابنة شعيب ، فإن أكثر الأصحاب على القول بذلك للآية الشريفة (4) ونحو ذلك مما يقف عليه المتتبع ، وبذلك يظهر ما في قول بعض أفاضل متأخري المتأخرين من ان وقوع ذلك في شرع من قبلنا لا يدل على جوازه في شرعنا ، وبما ذكرناه ايضا صرح الفاضل المولى محمد تقي المجلسي في شرحه على الفقيه حيث قال : «والظاهر

__________________

(1) ج 1 ص 123 ورواه في الوسائل في الباب 13 من أبواب الدفن.

(2) روى ذلك السيد ابن طاوس في فرحة الغري ص 59 طبع المطبعة الحيدرية في النجف ورواه ابن قولويه في كامل الزيارة ص 38.

(3) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب أحكام الخلوة.

(4) سورة القصص. الآية 27.


ان الغرض من نقل هذا الخبر جواز نقل الميت الى المشاهد المشرفة بل استحبابه كما ذهب إليه الأصحاب وعليه عملهم من زمان الأئمة إلى زماننا هذا» انتهى. وان كانت العبارة لا تخلو من سهو وتساهل في التعبير فان جواز النقل واستحبابه الذي ذهب إليه الأصحاب انما هو قبل الدفن كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى لا بعد الدفن لما عرفت من ان المشهور بينهم هو التحريم ، ومورد الخبر انما هو النقل بعد الدفن ، ولهذا ان بعضهم أنكر الاستدلال بالخبر المذكور وجعله مقصورا على شرع من قبلنا كما عرفت و (اما ثالثا) فلما نقل عن جملة من علمائنا من انهم دفنوا ثم نقلوا مثل الشيخ المفيد فإنه دفن في داره مدة ثم نقل الى جوار الإمامين الكاظمين (عليهما‌السلام) والسيد المرتضى فإنه دفن في داره ثم نقل الى جوار الحسين (عليه‌السلام) ونقل ايضا ان شيخنا البهائي دفن بأصبهان ثم نقل الى المشهد الرضوي على مشرفه السلام ، ومن الظاهر ان وقوع ذلك في تلك الأوقات المملوءة بالفضلاء لا يكون إلا بتجويزهم. و (اما رابعا) فإن الأصل هنا الجواز بل الاستحباب ، وبه يجب التمسك الى ان يقوم دليل المنع ، وليس إلا الإجماع المدعى على تحريم النبش وهو غير جار فيما نحن فيه.

هذا كله فيما لو كان بعد الدفن اما قبله فالظاهر انه لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) في كراهة نقل الميت الى غير بلده إلا الى المشاهد المشرفة ، قال في المعتبر : «يكره نقل الميت الى غير بلد موته وعليه العلماء اجمع ، وقال علماؤنا خاصة يجوز نقله الى مشاهد الأئمة (عليهم‌السلام) بل يستحب ، اما الأول فلقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) «. عجلوهم الى مضاجعهم.». وهو دليل على الاقتصار على المواضع القريبة المعهودة بالدفن ، واما الثاني فعليه عمل الأصحاب من زمن الأئمة (عليهم‌السلام) الى الآن وهو مشهور بينهم لا يتناكرونه ، ولانه يقصد بذلك التمسك بمن له أهلية الشفاعة وهو حسن بين الأحباء توصلا إلى فوائد الدنيا فالتوصل إلى فوائد

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 47 من أبواب الاحتضار.


الآخرة أولى» انتهى. وعليه اقتصر في المدارك في الاستدلال على الحكم المذكور ونحوه في الذكرى ايضا وغيره في غيرها. أقول : وظاهر كلماتهم في هذا المقام يدل على عدم وقوفهم على دليل من الاخبار وإلا لنقلوه ولو تأييدا لهذه الأدلة العقلية باصطلاحهم كما هم عادتهم في جميع الأحكام.

والذي وقفت عليه مما يدل على النقل الى المواضع الشريفة للتبرك والتيمن لشرفها روايات : منها ـ ما رواه في الكافي بسنده عن علي بن سليمان (1) قال : «كتبت إليه أسأله عن الميت يموت بعرفات يدفن بعرفات أو ينقل الى الحرم أيهما أفضل؟ فكتب يحمل الى الحرم ويدفن فهو أفضل». وما رواه الشيخ في التهذيب عن علي بن سليمان (2) قال : «كتبت الى ابي الحسن (عليه‌السلام) اسأله عن الميت يموت بمنى أو بعرفات (الوهم منى).». ثم ذكر مثل الأول. وما رواه الديلمي في إرشاد القلوب (3) والسيد عبد الكريم بن السيد احمد بن طاوس في كتاب فرحة الغري من حديث اليماني الذي قدم بأبيه على ناقة إلى الغري ، قال في الخبر : «انه كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) إذا أراد الخلوة بنفسه ذهب الى طرف الغري فبينما هو ذات يوم هناك مشرف على النجف فإذا رجل قد اقبل من اليمن راكبا على ناقة قدامه جنازة فحين رأى عليا (عليه‌السلام) قصده حتى وصل اليه وسلم عليه فرد عليه وقال من اين؟ قال من اليمن. قال وما هذه الجنازة التي معك؟ قال جنازة أبي لادفنه في هذه الأرض. فقال له علي (عليه‌السلام) لم لا دفنته في أرضكم؟ قال اوصى بذلك وقال انه يدفن هناك رجل يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر. فقال (عليه‌السلام) أتعرف ذلك الرجل؟ قال : لا. قال : انا والله ذلك الرجل (ثلاثا) فادفن مقام فدفنه». وفي مجمع البيان عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه‌السلام) (4) في حديث قال : «لما مات يعقوب حمله يوسف في تابوت الى

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 45 من أبواب مقدمات الطواف.

(3) ص 255.

(4) رواه في الوسائل في الباب 13 من أبواب الدفن.


ارض الشام فدفنه في بيت المقدس». ورواه الراوندي في كتاب قصص الأنبياء بإسناده الى الصدوق بسنده الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه‌السلام) مثله (1) ويعضده ما تقدم من حديثي نقل آدم ويوسف فإنه متى جاز بعد الدفن فقبله بطريق اولى.

وقال في الذكرى : ولو كان هناك مقبرة بها قوم صالحون أو شهداء استحب النقل إليها أيضا لتناله بركتهم. وهو حسن. أقول : ويؤيده ما رواه الكشي في كتاب اختيار الرجال (2) عن العياشي قال : «سمعت علي بن الحسن يقول مات يونس بن يعقوب بالمدينة فبعث إليه أبو الحسن الرضا (عليه‌السلام) بحنوطه وكفنه وجميع ما يحتاج اليه وأمر مواليه وموالي أبيه وجده ان يحضروا جنازته وقال لهم هذا مولى لأبي عبد الله (عليه‌السلام) كان يسكن العراق ، وقال لهم احفروا له في البقيع فان قال لكم أهل المدينة انه عراقي ولا ندفنه في البقيع فقولوا لهم هذا مولى لأبي عبد الله (عليه‌السلام) وكان يسكن العراق فان منعتمونا ان ندفنه في البقيع منعناكم ان تدفنوا مواليكم في البقيع فدفن في البقيع.».

واما ما رواه في دعائم الإسلام عن علي (عليه‌السلام) (3) ـ «انه رفع اليه ان رجلا مات بالرستاق فحملوه إلى الكوفة فأنهكهم عقوبة وقال ادفنوا الأجساد في مصارعها ولا تفعلوا كفعل اليهود تنقل موتاهم الى بيت المقدس ، وقال انه لما كان يوم أحد أقبلت الأنصار لتحمل قتلاها الى دورها فأمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مناديا فنادى ادفنوا الأجساد في مصارعها». ـ فأول ما فيه ان الكتاب المذكور غير معتمد ولا مشهور ، قال شيخنا المجلسي في البحار : «كتاب دعائم الإسلام قد كان أكثر أهل عصرنا يتوهمون أنه تأليف الصدوق وقد ظهر لنا انه تأليف أبي حنيفة النعمان بن محمد بن منصور قاضي مصر في أيام الدولة الإسماعيلية وكان مالكيا أولا ثم اهتدى وصار إماميا

__________________

(1 و 3) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 13 من أبواب الدفن.

(2) ص 245.


واخبار هذا الكتاب أكثرها موافق لما في كتبنا المشهورة لكن لم يرو عن الأئمة بعد الصادق (عليه‌السلام) خوفا من الخلفاء الإسماعيلية ، وتحت سر التقية أظهر الحق لمن نظر فيه متعمقا ، واخباره تصلح للتأييد والتأكيد. إلى آخر كلامه» و (ثانيا) ـ انه يمكن حمله على حصول النقل من مسافة يوجب تغير الميت وانفجاره ، فقد صرح الشهيد الثاني بأنه يجب تقييد الحكم المذكور بما إذا لم يخف هتك الميت بانفجاره ونحوه لبعد المسافة أو غيرها. وهو جيد. ويمكن ان يقال ان الكوفة من حيث هي ليست من الأماكن التي يستحب النقل إليها مع منافاته للتعجيل المأمور به. وكيف كان فهذا الخبر ليس له قوة المعارضة لما ذكرناه. واما ما تضمنه من نهي الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن نقل قتلي أحد فهو مما صرح به الأصحاب أيضا فإنهم استثنوا من هذا الحكم الشهداء كما صرح به شيخنا المشار اليه وغيره ، قالوا فإن الأولى دفنه حيث قتل لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) : «ادفنوا القتلى في مصارعهم». وهذا الحديث ايضا شاهد به.

(الخامسة) ـ قد صرح جملة من الأصحاب بتحريم شق الثوب الا على الأب والأخ فإنه جائز ، وظاهر إطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق بين الرجال والنساء ، وقيل بجواز ذلك للنساء مطلقا ، قال في الذكرى : وفي نهاية الفاضل يجوز شق النساء الثوب مطلقا وفي الخبر إيماء اليه. وأراد بالخبر ما يأتي من شق الفاطميات على الحسين (عليه‌السلام) وذهب ابن إدريس إلى التحريم مطلقا ولم يستثن أحدا ، قال في المدارك : «وفي رواية الحسن الصيقل (2) «لا ينبغي الصراخ على الميت ولا شق الثياب». وهو ظاهر في الكراهة ومقتضى الأصل الجواز ان لم يثبت النهي عن إضاعة المال على وجه العموم» انتهى. وربما أشعر هذا الكلام بأنه لا دليل على التحريم من النصوص في خصوص هذا المقام إلا ان يثبت دليل على إضاعة المال على وجه العموم.

__________________

(1) رواه السيوطي في الجامع الصغير ج 1 ص 14.

(2) المروية في الوسائل في الباب 84 من أبواب الدفن.


والذي وقفت عليه من النصوص المتعلقة بهذا المقام بالخصوص منها ما تقدم نقله عن المدارك من رواية الحسن الصيقل رواها في الكافي وفي الذكرى رواها عن الحسن الصفار والظاهر انه سهو من قلمه. ومنها ـ ما رواه في التهذيب قال : وذكر احمد بن محمد بن داود القمي في نوادره قال روى محمد بن عيسى عن أخيه جعفر بن عيسى عن خالد بن سدير أخي حنان بن سدير (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل شق ثوبه على أبيه أو على امه أو على أخيه أو على قريب له؟ قال لا بأس بشق الجيوب فقد شق موسى بن عمران على أخيه هارون (عليهما‌السلام) ولا يشق الوالد على ولده ولا زوج على امرأته وتشق المرأة على زوجها ، وإذا شق الزوج على امرأته أو والد على ولده فكفارته حنث يمين ولا صلاة لهما حتى يكفرا أو يتوبا من ذلك ، وإذا خدشت المرأة وجهها أو جزت شعرها أو نتفته ففي جز الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا وفي الخدش إذا دميت وفي النتف كفارة حنث يمين ، ولا شي‌ء في اللطم على الخدود سوى الاستغفار والتوبة ، ولقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي (عليهما‌السلام) وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب». ومنها ـ ما رواه في الكافي بسنده عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسن الأفطس (2) «أنهم حضروا يوم توفى محمد بن علي بن محمد باب ابي الحسن (عليه‌السلام) يعزونه ، الى ان قال إذ نظر الى الحسن بن علي (عليهما‌السلام) قد جاء مشقوق الجيب حتى قام عن يمينه. الحديث». وقال الصدوق (3) «لما قبض علي بن محمد العسكري رؤي الحسن بن علي (عليهما‌السلام) قد خرج من الدار وقد شق قميصه من خلف ومن قدام». وروى الوزير السعيد علي بن عيسى الإربلي في كتاب كشف الغمة من كتاب الدلائل لعبد الله بن جعفر الحميري

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب الكفارات.

(2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 84 من أبواب الدفن.


عن ابي هاشم الجعفري (1) قال : «خرج أبو محمد في جنازة أبي الحسن (عليهما‌السلام) وقميصه مشقوق فكتب اليه ابن عون من رأيت أو بلغك من الأئمة (عليهم‌السلام) شق قميصه في مثل هذا؟ فكتب إليه أبو محمد (عليه‌السلام) : يا أحمق وما يدريك ما هذا؟ قد شق موسى بن عمران على هارون». وروى مثل ذلك الكشي في كتاب الرجال (2) إلا ان فيه «فكتب إليه أبو عون الأبرش».

أقول : لا يخفى ان الظاهر من قوله (عليه‌السلام) في رواية الحسن الصيقل : «لا ينبغي» بمعونة ما نقلناه عن التهذيب انما هو التحريم (اما أولا) فلان استعمال هذا اللفظ في التحريم شائع في الأخبار كما عرفت في غير موضع من هذا الكتاب. و (اما ثانيا) فلان الظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب ان الصراخ محرم وانما الجائز النوح بالصوت المعتدل والقول بحق ، فكذا يجب القول في الشق والا لزم استعمال اللفظ المشترك في معنييه أو حقيقته ومجازه وهم لا يقولون به ، ويخرج خبر خالد بن سدير المتضمن لإيجاب الكفارة على الزوج في الشق على زوجته والوالد على ولده شاهدا على ذلك ، وبه يظهر صحة ما ذكره الأصحاب من الحكم المذكور وان حمله في المدارك الرواية المشار إليها على الكراهة من حيث ان لفظ «لا ينبغي» في عرف الناس بمعنى الكراهة ليس بجيد. نعم قد دلت رواية خالد بن سدير على استثناء شق المرأة على زوجها زيادة على ما ذكره الأصحاب من الشق على الأب والأخ فيجب القول به. واما ما يدل على الشق على الأب والأخ فهو فعل الامام الحسن العسكري على أبيه وأخيه (عليهم‌السلام) وفعل موسى بن عمران على أخيه هارون (عليهما‌السلام) وفي استدلاله (عليه‌السلام) واحتجاجه على من لأمه في الشق بشق موسى على أخيه هارون ما يؤيد ما قدمناه من ان ما يحكونه عن الأنبياء السابقين يكون حجة ودليلا للحكم في شريعتنا ما لم يعلم الاختصاص ، ومثله حديث خالد بن سدير واستدلال الصادق (عليه‌السلامبشق موسى بن عمران على أخيه هارون. والله العالم.

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 84 من أبواب الدفن.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *