ج6 - مواقيت الرواتب

المقصد الثاني

في مواقيت الرواتب

وفيه مسائل (الأولى) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في آخر وقت نافلة الظهرين ، فقيل ان آخره ان يبلغ زيادة الظل من الزوال قدمين الذي هو عبارة عن سبعي الشاخص للظهر وللعصر إلى أربعة أقدام. وهو مذهب الشيخ في النهاية وجمع من الأصحاب ، وهو الأصح كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى. وقيل يمتد بامتداد المثل وهو مذهب الشيخ في الجمل والمبسوط وابن إدريس والمحقق في المعتبر والعلامة في التذكرة ، قال الشيخ في الجمل وكذا في المبسوط والخلاف وقت نافلة الظهر من الزوال الى ان يبقى لصيرورة الفي‌ء مثل الشاخص بمقدار ما يصلي فيه فريضة الظهر ، والعصر بعد الفراغ من الظهر الى ان يبقى لصيرورة الفي‌ء مثليه مقدار ما يصلى العصر. وقال ابن إدريس إذا صار ظل كل شي‌ء مثله خرج وقت النافلة وقيل انه يمتد وقتها بامتداد وقت الفريضة ، حكاه في الشرائع بلفظ «قيل» وهو مجهول القائل ، قال في المدارك ولم ينقله في المعتبر ولا نقله غيره في ما اعلم وهو مجهول القائل. ولعله أراد بعدم نقل غيره له يعني من المتقدمين وإلا فقد نقله جده في الروض وقبله المحقق الشيخ علي في شرح القواعد.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان القول الأول هو المستفاد من الأخبار المتكاثرة ، ومنها صحيحة زرارة بنقل الصدوق عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «ان حائط مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان قامة وكان إذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر ، ثم قال أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت لم جعل ذلك؟ قال لمكان النافلة لك ان تتنفل من زوال الشمس الى ان يمضي ذراع فإذا بلغ فيؤك ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة وإذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة». الى غير ذلك من الأخبار المتقدمة في المسألة الرابعة من المقصد المتقدم فإنها متطابقة الدلالة متعاضدة المقالة على جعل مقدار الذراع والذراعين والقدمين والأربعة أقدام وقتا للنافلة فإذا مضى هذا المقدار اختص الوقت بالفريضة ولا يجوز مزاحمة النافلة لها فيه.

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.


واستدل في المعتبر على ما ذهب اليه من الامتداد بامتداد المثل بصحيحة زرارة المذكورة حيث قال بعد ذكرها : وهذا يدل على بلوغ المثل والمثلين لان التقدير ان الحائط ذراع ، فحينئذ ما روى من القامة والقامتين جار هذا المجرى ويدل عليه ما روى علي بن حنظلة. ثم أورد الرواية كما قدمناه وهي مقتضية لتفسير القامة بالذراع ونحوها غيرها كما تقدم ذكره ، قال وبهذا الاعتبار يعود اختلاف كلام الشيخ لفظيا. انتهى.

وفيه انه وان دلت الأخبار المذكورة على تفسير القامة بالذراع الا انه لا يصح حمل القامة في الصحيحة المذكورة على ذلك لقوله (عليه‌السلام) فيها تفصيلا لإجمال الكلام المتقدم «فإذا بلغ فيؤك ذراعا وإذا بلغ فيؤك ذراعين» فإنه صريح في ان الذراع المعتبر انما هو من قامة الإنسان وهو زيادة فيئه بعد الزوال الى الذراع والذراعين ، فالقامة المذكورة في الخبر انما أريد بها قامة الإنسان لا الذراع ليتم له ما توهمه من عود اختلاف كلام الشيخ لفظيا. ويزيدك إيضاحا لما ذكرناه من ان المراد بالقامة في جدار مسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قامة الإنسان ما قدمناه في آخر المسألة الرابعة من المقصد المتقدم من عبارة كتاب الفقه الرضوي حيث قال فيها «وانما سمى ظل القامة قامة لان حائط مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان قامة إنسان. إلى آخر ما تقدم مشروحا موضحا» وبذلك يظهر ضعف القول المذكور.

واستدل على القول الثالث بظواهر جملة من الأخبار المتضمنة لاستحباب هذه النوافل قبل الفريضة بقول مطلق كقولهم (عليهم‌السلام) فيما قدمناه من الأخبار (1) «فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا ان بين يديها سبحة وهي ثمان ركعات إن شئت طولت وان شئت قصرت». وفيه ان الأخبار الدالة على التحديد بالذراع والذراعين والقدمين والأربعة أقدام توجب تقييد إطلاق هذه الأخبار كما تقدم ذكره. واما ما جنح اليه صاحب الذخيرة ـ من حمل روايات التحديد على الأفضلية

__________________

(1) ص 136.


وروايات التوسعة على الجواز ـ فبعيد وكيف لا وقد صرحت جملة من اخبار التحديد بان الغرض منه هو ان لا تزاحم النافلة وقت الفريضة مثل قوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة المتقدمة «فإذا بلغ فيؤك ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة. إلى آخرها». وفي موثقته ايضا «أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت لا. قال من أجل الفريضة إذا دخل وقت الذراع والقدمين بدأت بالفريضة وتركت النافلة». وسيأتي ان شاء الله تعالى تحقيق الكلام في ان الأخبار الواردة بتحريم النافلة والمنع منها في وقت الفريضة (1) إنما أريد بها هذا الموضع ، وبذلك اعترف هو أيضا في تلك المسألة حيث قال ـ بعد ذكر الأخبار الدالة على انه إذا دخل وقت الفريضة فلا صلاة نافلة ـ ما صورته : ومن تتبع الأحاديث ونظر في الأخبار يعلم ان مرادهم (عليهم‌السلام) بقولهم : «دخل وقت الفريضة أو أدركت الصلاة أو حضر وقتها» في أكثر الأوقات حضور الوقت المقرر لها على جهة الفضيلة فحمل هذه الأخبار على هذا غير بعيد. الى آخر كلامه زيد في مقامه وبالجملة فإن ظاهر الأخبار المذكورة تعين إيقاع الفريضة بعد ذهاب الذراع والذراعين ، وحمل ذلك على ما ذكره من الأفضلية ترده الأخبار الدالة على انه لا تطع في وقت فريضة.

وربما استدل لهذا القول أيضا بالأخبار الدالة على ان صلاة التطوع بمنزلة الهدية متى اتى بها قبلت (2) وسيأتي البحث فيها وبيان عدم الدلالة على ما ذكروه ان شاء الله تعالى وتنقيح البحث في المسألة يتوقف على بيان أمور

(الأول) ـ ظاهر عبارة الشيخ المتقدم نقلها عن الجمل والمبسوط والخلاف استثناء قدر إيقاع الفريضة من المثل والمثلين. واعترضه في الذكرى وكذا في المدارك بأن الأخبار لا تساعده فان ظاهرها استئثار النافلة بجميع المثل والمثلين. أقول : قد عرفت انه ليس في الأخبار ما يدل على توقيت النافلة بالمثل والمثلين وانما الموجود فيها التوقيت بالذراع والذراعين والقدمين والأربعة أقدام

__________________

(1) الوسائل الباب 35 من المواقيت.

(2) الوسائل الباب 37 من المواقيت.


فقولهما ان ظاهر الأخبار استئثار النافلة بجميع المثل والمثلين فرع وجود الأخبار المذكورة نعم هو ظاهر اخبار الذراع والذراعين فان ظاهرها انه لو لم يصل النافلة حتى بقي من الوقت المذكور قدر الفريضة فإنه يصلي فيه النافلة دون الفريضة وان وقت الفريضة انما هو بعد مضي هذا المقدار.

(الثاني) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ بل الظاهر انه لا خلاف فيه ـ انه لو خرج الوقت الموظف للنافلة ولم يأت بها قدم الفريضة ثم قضى النافلة وان تلبس بالنافلة ولو بركعة منها ثم خرج الوقت أتمها مخففة وزاحم بها الفريضة.

ويدل على الحكمين المذكورين ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «للرجل ان يصلي الزوال ما بين زوال الشمس الى ان يمضي قدمان ، فان كان قد بقي من الزوال ركعة واحدة أو قبل ان يضمي قدمان أتم الصلاة حتى يصلي تمام الركعات ، وان مضى قدمان قبل ان يصلي ركعة بدأ بالأولى ولم يصل الزوال إلا بعد ذلك. وللرجل ان يصلي من نوافل العصر ما بين الاولى الى أن يمضي أربعة أقدام فإن مضت الأربعة أقدام ولم يصل من النوافل شيئا فلا يصل النوافل ، وان كان قد صلى ركعة فليتم النوافل حتى يفرغ منها ثم يصلي العصر». وهو صريح في المراد. ولا ينافي ذلك ما تقدم في صحيحة زرارة من الدلالة على وجوب تقديم الفريضة بعد الذراع والذراعين فإنه محمول بسبب هذه الرواية على عدم التلبس بالنافلة بالكلية.

قال المحقق في المعتبر بعد ذكر الرواية المذكورة : وهذه الرواية سندها جماعة من الفطحية لكن يعضدها أنه محافظة على سنة لم يتضيق وقت فريضتها. قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وهو جيد ويعضدها ايضا ان مضمونها موافق للإطلاقات المعلومة وليس لها معارض يعتد به فلا بأس بالعمل بها ان شاء الله تعالى. أقول : لا يخفى ما في هذا التستر بهذا العذر الواهي الذي هو لبيت العنكبوت

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 40 من أبواب المواقيت.


ـ وانه لاضعف البيوت ـ مشابه ومضاهي من مخالفة اصطلاحهم المعمول عليه بينهم ، وذلك فإنه متى كان الحديث الضعيف بزعمهم وان كان موثقا ليس بدليل شرعي كما هو مقتضى ردهم له في غير مقام من الأحكام فوجوده كعدمه ، وما ذكروه من هذه التأييدات لا تفيد فائدة ولا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية سيما مع استفاضة الأخبار بتحريم النافلة في وقت الفريضة وصدق ذلك على ما نحن فيه ، ولكن ضيق الخناق في هذا الاصطلاح أوجب انحلال زمامهم واختلال نظامهم ، ولو انهم التجأوا الى جبر ضعفه بالشهرة لكان اولى لهم وان ورد عليه ما ورد. وقوله في المعتبر : «انه محافظة على سنة لم يتضيق وقت فريضتها» مردود بأنه إذا كان المعلوم من الشارع تحديد وقت النافلة والفريضة بحدين وقد منع من إدخال أحدهما في الآخر فكيف تحصل المحافظة على السنة وقد خرج وقتها وصارت محرمة بالأخبار الدالة على تحريم النافلة في وقت الفريضة؟ وقوله في المدارك : «انه لا معارض لهذا الخبر» مردود بما أشرنا إليه من الروايات الدالة على تحريم النافلة في وقت الفريضة وكذا الروايات الدالة على انه بعد الذراع والذراعين يجب تقديم الفريضة ، فإنها بإطلاقها دالة على التحريم تلبس بشي‌ء من النافلة أم لا ، لكننا انما خصصناها بالخبر المذكور لكونه دليلا شرعيا عندنا واما من لم يجعله دليلا شرعيا بل وجوده كعدمه فلا معارض للأخبار المذكورة. وبذلك يظهر ضعف البناء على هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد ـ كما عرفت ـ أقرب منه الى الصلاح.

ثم ان جملة من الأصحاب صرحوا بأنه مع دخول الوقت عليه بعد التلبس بركعة يتمها مخففة ، وذكروا ان المراد بتخفيفها الاقتصار على أقل ما يجزئ فيها كالقراءة بالحمد وحدها والاقتصار على تسبيحة واحدة في الركوع والسجود حتى قال بعض المتأخرين انه لو تأدى التخفيف بالصلاة جالسا آثره على القيام لإطلاق الأمر بالتخفيف. وأنت خبير بان النص المذكور خال من قيد التخفيف إلا ان الظاهر انه لا بأس بما ذكروه محافظة على المسارعة إلى فضيلة وقت الفريضة فإنه كلما قرب من أول الوقت كان أفضل.


ـ (الثالث) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا يجوز تقديم شي‌ء من هذه النوافل على الزوال إلا في يوم الجمعة كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى في باب صلاة الجمعة ، واستدل على ذلك بان الصلاة وظيفة شرعية يتوقف شرعيتها على ثبوت ذلك عن الشارع والذي ثبت عنه هو كونها بعد الزوال في غير اليوم المشار إليه.

أقول : ومن الأخبار الدالة على ذلك ما تقدم من الأخبار المستفيضة الدالة على ان للنافلة المذكورة وقتا محدودا معينا وان اختلف في تقديره من الذراع والذراعين فما دونهما.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أذينة عن عدة (1) «انهم سمعوا أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا يصلي من النهار حتى تزول الشمس ولا من الليل بعد ما يصلي العشاء حتى ينتصف الليل».

وعن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «كان علي (عليه‌السلام) لا يصلي من الليل شيئا إذا صلى العتمة حتى ينتصف الليل ولا يصلي من النهار شيئا حتى تزول الشمس».

وعن زرارة (3) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يصلي من النهار شيئا حتى تزول الشمس فإذا زال النهار قدر نصف إصبع صلى ثماني ركعات. الحديث». وروى في الفقيه مرسلا قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). الحديث كما تقدم».

إذا عرفت هذا فاعلم انه قد ورد في مقابلة ما ذكرنا من هذه الأخبار جملة منها أيضا دالة على خلاف ما دلت عليه الأخبار المذكورة :

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام والشيخ عن محمد بن مسلم (4) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الرجل يشتغل عن الزوال أيعجل من أول النهار؟ فقال نعم إذا علم انه يشتغل فيجعلها في صدر النهار كلها».

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 36 من المواقيت.

(4) الوسائل الباب 37 من المواقيت.


وروى في الكافي عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «اعلم ان النافلة بمنزلة الهدية متى ما اتى بها قبلت».

وروى الشيخ في التهذيب في الحسن عن محمد بن عذافر (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) صلاة التطوع بمنزلة الهدية متى ما اتى بها قبلت فقدم منها ما شئت وأخر ما شئت».

وعن علي بن الحكم عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «قال لي صلاة النهار ست عشرة ركعة صلها اي النهار شئت ان شئت في اوله وان شئت في وسطه وان شئت في آخره».

وعن سيف بن عبد الأعلى (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن نافلة النهار؟ قال ست عشرة ركعة متى ما نشطت ، ان علي بن الحسين (عليهما‌السلام) كانت له ساعات من النهار يصلي فيها فإذا شغله ضيعة أو سلطان قضاها ، إنما النافلة مثل الهدية متى ما اتى بها قبلت».

وعن القاسم بن الوليد الغساني (5) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) جعلت فداك صلاة النهار صلاة النوافل في كم هي؟ قال ست عشرة في أي ساعات النهار شئت ان تصليها صليتها إلا انك إذا صليتها في مواقيتها أفضل».

وعن إسماعيل بن جابر في الصحيح (6) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) اني اشتغل؟ قال فاصنع كما نصنع : صل ست ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها صلاة العصر يعني ارتفاع الضحى الأكبر واعتد بها من الزوال».

وعن زرارة في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (7) انه قال : «ما صلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الضحى قط. قال قلت له ألم تخبرني انه كان يصلي في صدر النهار اربع ركعات؟ قال بلى انه كان يجعلها من الثمان التي بعد الظهر».

هذا ما وقفت عليه من هذه الأخبار والشيخ (قدس‌سره) قد حملها على الرخصة

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7) الوسائل الباب 37 من المواقيت.


لمن علم من حاله انه إذا لم يقدمها اشتغل عنها ولم يتمكن من قضائها ، قال فاما مع عدم العذر فلا يجوز تقديمها ، واستدل على ذلك بصحيحة إسماعيل بن جابر المذكورة ورواية محمد ابن مسلم المتقدمة في صدر هذه الأخبار.

قال في الذكرى بعد ذكر روايات التحديد بالاقدام والأذرع : ثم هنا روايات غير مشهورة في العمل كرواية القاسم بن الوليد ، ثم ساق جملة من هذه الأخبار ثم ذكر حمل الشيخ المذكورة لها وذكر ان الشيخ اعتمد في المنع من التقديم على اخبار التوقيت وعلى ما رواه ابن أذينة ثم ذكر صحيحة ابن أذينة المتقدمة ورواية زرارة ، ثم قال قلت قد اعترف الشيخ (قدس‌سره) بجواز تقديمها عند الضرورة ، ولو قيل بجوازه مطلقا كما دلت عليه هذه الأخبار غاية ما في الباب انه مرجوح كان وجها. انتهى. والى ما ذكره مال جمع من متأخري المتأخرين : منهم ـ المحدث الكاشاني في الوافي والفاضل الخراساني في الذخيرة وهو ظاهر المدارك ايضا.

والأظهر عندي ما ذكره الشيخ لاخبار التحديد بالأذرع والاقدام فإنها صحيحة مستفيضة صريحة في ان للنافلة وقتا معينا محدودا لا تقدم عليه ولا تؤخر عنه إلا ان يكون على جهة القضاء ، والترجيح ـ لو ثبت التعارض ـ لهذه الأخبار لما ذكرنا من صحتها واستفاضتها وصراحتها واعتضادها بعمل الطائفة قديما وحديثا حيث انه لم يقل بظاهر هذه الأخبار المخالفة قائل ولم يذهب اليه ذاهب ، واعتضادها أيضا بصحيحة ابن أذينة وروايتي زرارة المتقدمات ، وحينئذ فيجب ارتكاب التأويل في ما عارضها بان يحمل التقديم على الرخصة في مقام العذر كما ذكره الشيخ. واما قولهم (عليهم‌السلام) «انها بمنزلة الهدية متى ما اتى بها قبلت» فلا يلزم منه انها تكون أداء مطلقا بل الظاهر ان المراد انما هو بيان ان قبولها لا يختص بالإتيان بها في أوقاتها المحدودة حتى انها لو وقعت في غيرها لم تقبل بل يجوز تقديمها رخصة مع العذر وقضاؤها بعد فوات وقتها وهي مقبولة في جميع هذه الأوقات ، وربما يستأنس لذلك برواية سيف بن عبد الأعلى المتقدمة وتعليله القضاء


فيها بكونها مثل الهدية. واما حسنة محمد بن عذافر ونحوها فيجب تقييد إطلاقها بما ذكرناه من الأخبار المشتملة على التحديد ، وبذلك أجاب عنها في المدارك في مسألة وقت نافلة الظهرين حيث نقل الاستدلال بها على امتداد وقت النافلة بامتداد وقت الفريضة ثم أجاب عنها بان هذه الروايات مطلقة ورواياتنا مفصلة والمطلق يحمل على المفصل. والعجب منه (قدس‌سره) انه بعد ان ذكر ذلك في المسألة المذكورة ناقض نفسه في المسألة التي نحن فيها فقال بعد ذكر رواية القاسم بن الوليد الغساني ورواية سيف بن عبد الأعلى ما صورته : ويستفاد من هاتين الروايتين جواز التقديم مطلقا وان كان مرجوحا بالنسبة إلى إيقاعها بعد الزوال ويدل عليه أيضا حسنة محمد بن عذافر المتقدمة وصحيحة زرارة ، ثم ساق الرواية وهي المذكورة آخر الروايات. انتهى. ووجه التناقض ظاهر فإن الحسنة المذكورة متى قيدت بما ذكره في تلك المسألة فلا دلالة لها على ما ادعاه هنا بوجه والمعصوم من عصمه الله تعالى ، ومن هذا الكلام يفهم ميله الى ما قدمنا نقله عنه. واما صحيحة زرارة التي اعتضد بها هنا فهي معارضة برواية زرارة المتقدمة الدالة على انه كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يصلي من النهار شيئا حتى تزول الشمس وقضية الجمع بينهما حمل هذه الأربع ركعات في الصحيحة المذكورة على موضع عذر في بعض الأوقات. والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ المشهور بين الأصحاب ـ بل قال في المعتبر انه مذهب علمائنا وقال في المدارك ان هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا ـ ان وقت نافلة المغرب بعدها الى ذهاب الحمرة المغربية.

قال في المعتبر : ويدل عليه انه وقت يستحب فيه تأخير العشاء فكان الإقبال على النافلة حسنا وعند ذهاب الحمرة يقع الاشتغال بالفرض فلا يصلح للنافلة ، ويؤيد ذلك ما رواه عمرو بن حريث عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «كان النبي

__________________

(1) ص 27 وفي الوسائل الباب 13 من أعداد الفرائض.


(صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصلي ثلاثا المغرب وأربعا بعدها». ويدل على ان آخر وقتها ذهاب الحمرة ما روى من منع النافلة وقت الفريضة ، روى ذلك جماعة : منهم ـ محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا دخل وقت الفريضة فلا تطوع».

انتهى واعترضه في المدارك فقال بعد نقل ذلك : وفيه نظر لان من المعلوم ان النهي عن التطوع وقت الفريضة انما يتوجه الى غير الراتبة للقطع باستحبابها في أوقات الفرائض وإلا لم تشرع نافلة المغرب عند من قال بدخول وقت العشاء بعد مضي مقدار ثلاث ركعات من أول وقت المغرب ولا نافلة الظهرين عند الجميع ، وقوله : «انه عند ذهاب الحمرة يقع الاشتغال بالفرض فلا يصلح للنافلة» دعوى خالية من الدليل مع ان الاشتغال بالفرض قد وقع قبل ذلك عند المصنف ومن قال بمقالته ، ومجرد استحباب تأخير العشاء عن أول وقتها الى ذهاب الحمرة المغربية لا يصلح للفرق. انتهى.

أقول ما ذكره (قدس‌سره) جيد إلا ان قوله : «لان من المعلوم ان النهي عن التطوع وقت الفريضة انما يتوجه الى غير الراتبة» على إطلاقه محل نظر لما عرفت وستعرف ان شاء الله تعالى ان النهي في أكثر تلك الأخبار انما توجه إلى الراتبة. قوله «للقطع باستحبابها في أوقات الفرائض» على إطلاقه ممنوع لأن الأخبار كما قد استفاضت (2) بأنه «إذا زالت الشمس دخل الوقتان إلا ان هذه قبل هذه». كذلك قد استفاضت بان وقت الظهر انما هو بعد ذراع أو قدمين ووقت العصر انما هو بعد ذراعين أو أربعة أقدام وقد تقدمت (3) وقد جمع الشيخ (قدس‌سره) ومن تأخر عنه بين هذه الأخبار بسبب ما يتراءى من الاختلاف بينها بحمل الأخبار الأولة على من لا يأتي بالنافلة فان وقته من أول الزوال والثانية على من يعتادها ويأتي بها فان وقته بعد مضي هذا المقدار من الزوال ، ومن ذلك يعلم ان لكل من الظهر والعصر وقتين باعتبار

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 35 من أبواب المواقيت.

(2) ص 101.

(3) ص 129.


المتنفل وغيره ، وقد شاع في الأخبار إطلاق الوقت على كل من المعنيين ، وجل الأخبار المانعة من إيقاع النافلة في وقت الفريضة إنما أريد بها الراتبة بالنسبة إلى الوقت الذي بعد الاقدام أو الأذرع فلا يزاحم بها الفريضة في هذا الوقت الموظف لها ، وبالجملة فإن الأخبار وان دلت على ان وقت الظهر والعصر من أول الزوال مرتبا إلا انها دلت على اقتطاع قطعة من اوله للمتنفل محدودة بالأذرع أو الاقدام وقد جعل وقت الفريضة بعد ذلك ، وقد مر في رواية إسحاق بن عمار (1) انه لا يجوز التطوع بالنافلة بعد مضي الذراع والذراعين حيث قال (عليه‌السلام) «وانما جعل الذراع والذراعان لئلا يكون تطوع في وقت الفريضة». وعلله في رواية إسماعيل الجعفي «لئلا يؤخذ من وقت هذه ويدخل في وقت هذه» وهو ظاهر فيما قلناه ، نعم هذا انما يجري ويتمشى بالنسبة إلى الظهرين حيث ان الأخبار قد عينت للنافلة وقتا محدودا وللفريضة وقتا محدودا اما مثل المغرب والعشاء فلا ، ومجرد استحباب الإتيان بالعشاء في وقت مغيب الشفق لا يقتضي منع النافلة ، ومنه يعلم ان كلام السيد السند (قدس‌سره) في المقام على إطلاقه غير جيد فلو قصر الكلام على نافلة المغرب التي هي محل البحث لتم ما ذكره بغير إشكال.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان أكثر المتأخرين إنما اعتمدوا في منع النافلة بعد مغيب الشفق المغربي على الإجماع المدعى في المنتهى والمعتبر ، ولا يخفى ما فيه. وظاهر الشهيد في الذكرى الميل الى امتداد وقتها بوقت الفريضة حيث قال بعد البحث في المسألة : ولو قيل بامتداد وقتها بوقت المغرب أمكن لأنها تابعة لها. والى ذلك مال جملة من متأخري المتأخرين جازمين به أولهم فيما اعلم السيد السند في المدارك ، قال ويشهد له صحيحة أبان ابن تغلب (2) قال : «صليت خلف ابى عبد الله (عليه‌السلام) المغرب بالمزدلفة فقام فصلى المغرب ثم صلى العشاء الآخرة ولم يركع بينهما ثم صليت خلفه بعد ذلك بسنة فلما صلى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات ثم قام فصلى العشاء الآخرة».

__________________

(1) ص 130.

(2) المروية في الوسائل في الباب 33 من أبواب المواقيت.


أقول : والأظهر في الاستدلال على ما اختاره ما ورد في الأخبار من الحث والتأكيد على نافلة المغرب وانها تصلى سفرا وحضرا مع ما ورد في الأخبار من امتداد وقت المغرب في السفر الى ثلث الليل ونحوه كما تقدم جميع ذلك ، فإنه يظهر من ضم هذه الأخبار بعضها الى بعض ان النافلة تمتد بامتداد الفريضة ، على انه يكفينا في الدلالة على الامتداد إطلاق الأخبار الدالة على استحباب هذه النافلة بعد المغرب وعدم دليل على التوقيت والتحديد بغروب الشفق سوى الإجماع الذي ادعوه ، مع إمكان المناقشة في دلالة الإجماع المذكور أيضا فإن غايته الدلالة على ان ما قبل ذهاب الحمرة وقت للنافلة ولا دلالة فيه على ان ما بعد ذهاب الحمرة ليس بوقت ، وبالجملة فالأظهر عندي هو القول بالامتداد لما عرفت ، والاعتماد على مثل هذه الإجماعات لا يخلو من مجازفة في الأحكام الشرعية. والله العالم.

ويتفرع على القول المشهور انه لو زالت الحمرة المغربية ولم يأت بشي‌ء من النافلة اشتغل بالفريضة وحرم عليه الإتيان بالنافلة إلا ان يكون في أثناء ركعتين منها فيتم الركعتين سواء كانتا الأوليين أو الأخيرتين ، قالوا للنهي عن إبطال العمل (1) ولأن الصلاة على ما افتتحت عليه (2) وحكى الشهيد في الذكرى عن ابن إدريس انه ان كان قد شرع في الأربع أتمها وان ذهب الشفق. هذا بالنسبة إلى نافلة المغرب.

واما الوتيرة فظاهرهم الإجماع على امتداد وقتها بامتداد وقت العشاء ، قال في المعتبر : وركعتا الوتيرة يمتد بامتداد وقت العشاء وعليه علماؤنا لأنها نافلة للعشاء فتكون مقدرة بوقتها. ونحوه في المنتهى وغيره.

أقول : ما ذكره من ان الوتيرة نافلة للعشاء لم أقف له على دليل والمفهوم من الأخبار كما تقدم ان أصل مشروعيتها انما هو لإتمام عدد النوافل بان تكون في مقابلة

__________________

(1) قوله تعالى «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» سورة محمد ، الآية 35.

(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من نية الصلاة.


كل ركعة من الفرائض ركعتان من النافلة. وفي بعض الأخبار المتقدمة أيضا التعليل بقيامها مقام وتر آخر الليل لو مات قبل ان يدركه وانه يموت على وتر (1) غاية الأمر ان الشارع جعل محلها بعد صلاة العشاء التي هي ختام الصلاة في ذلك اليوم ، ويشير الى ما ذكرنا حسنة الحلبي (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) هل قبل العشاء الآخرة أو بعدها شي‌ء؟ قال لا غير اني أصلي بعدها ركعتين ولست أحسبهما من صلاة الليل». والتقريب فيها هو ان الظاهر ان مراد السائل المذكور السؤال عن انه هل صلاة العشاء من قبيل الصلوات السابقة عليها في ان لها نوافل مرتبة تصلى قبلها أو بعدها؟ فقال (عليه‌السلام) لا غير اني أصلي بعدها هاتين الركعتين لا من حيث التوظيف بل من حيث ان الشارع جعل محلها في هذا الموضع لتكون ختاما لصلاة ذلك اليوم ولينام على وتر كما يستفاد من الأخبار الآخر ، ولهذا ان الشيخ في النهاية ونحوه الشيخ المفيد في المقنعة صرحا باستحباب ان تجعل خاتمة النوافل التي يريد ان يصليها تلك الليلة ، ويؤيده ما تقدم في الفائدة السادسة عشرة من المقدمة الثانية من مقدمات هذا الكتاب (3) من قوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة أو حسنته «وليكن آخر صلاتك وتر ليلتك». والمراد بالوتر هنا الوتيرة كما تقدم بيانه في الفائدة المشار إليها وهو ظاهر فيما ذكره الشيخان ومن تبعهما من الأصحاب من استحباب جعلها خاتمة نوافل تلك الليلة ، وقوله في المدارك ـ انه لا يدل على المدعى ـ الظاهر ان منشأه حمل لفظ الوتر في الرواية على غير الوتيرة وهو توهم قد وقع فيه غيره ايضا كما تقدم بيانه في الموضع المشار اليه. والله العالم.

(المسألة الثالثة) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان وقت صلاة الليل بعد انتصافه وانه كلما قرب من الفجر فهو أفضل ، قال في المعتبر وعليه علماؤنا اجمع وفي المنتهى ذهب إليه علماؤنا أجمع.

أقول : اما ما يدل على الحكم الأول فالأخبار المستفيضة ، ومنها ـ صحيحة فضيل

__________________

(1) ص 46.

(2) الوسائل الباب 27 من أعداد الفرائض.

(3) ص 72.


عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يصلي بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة».

وروى الصدوق في الفقيه عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا صلى العشاء أوى إلى فراشه فلم يصل شيئا حتى ينتصف الليل». قال وقال أبو جعفر (عليه‌السلام): «وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل الى آخره».

وعن محمد بن مسلم في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «سمعته يقول كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا صلى العشاء الآخرة أوى إلى فراشه فلا يصلي شيئا إلا بعد انتصاف الليل لا في شهر رمضان ولا في غيره».

وعن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) في صلاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (4) «وكان لا يصلي بعد العشاء حتى ينتصف الليل ثم يصلي ثلاث عشرة ركعة منها الوتر ومنها ركعتا الفجر قبل الغداة فإذا طلع الفجر وأضاء صلى الغداة».

وروى الصدوق مرسلا عن ابي جعفر (عليه‌السلام) في صفة صلاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (5) «ثم أوى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الى فراشه ولم يصل شيئا حتى يزول نصف الليل فإذا زال نصف الليل صلى ثماني ركعات وأوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات فقرأ فيهن بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ويفصل بين الثلاث بتسليمة ويتكلم ويأمر بالحاجة ولا يخرج من مصلاه حتى يصلي الثالثة التي يوتر فيها ويقنت فيها قبل الركوع ثم يسلم». وقد تقدم ما يدل على ذلك أيضا في صحيحة ابن أذينة ورواية زرارة المذكورتين في آخر المسألة الاولى (6) الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 43 من المواقيت.

(4) الوسائل الباب 10 من المواقيت.

(5) الوسائل الباب 14 من أعداد الفرائض.

(6) ص 217.


واما الحكم الثاني فاستدل عليه بالإجماع المتقدم نقله عن المعتبر والمنتهى أولا واستدل في المعتبر ايضا بقوله تعالى «وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» (1) وقوله : «وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ» (2) والسحر ما قبل الفجر على ما نص عليه أهل اللغة.

واستدل أيضا برواية إسماعيل بن سعد الأشعري (3) قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن ساعات الوتر قال أحبها الي الفجر الأول. وسألته عن أفضل ساعات الليل قال الثلث الباقي. وسألته عن الوتر بعد الصبح قال نعم قد كان ابي ربما أوتر بعد ما انفجر الصبح».

وعن مرازم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «قلت متى أصلي صلاة الليل؟ قال صلها آخر الليل. قال فقلت فاني لا أستنبه؟ فقال تستنبه مرة فتصليها وتنام فتقضيها فإذا اهتممت بقضائها في النهار استنبهت».

أقول : ومن الأخبار الدالة على ذلك ايضا ما رواه الشيخ في التهذيب عن شعيب عن ابي بصير في الموثق أو الضعيف (5) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التطوع بالليل والنهار؟ فقال الذي يستحب ان لا يقصر عنه ثمان ركعات عند زوال الشمس الى ان قال ومن السحر ثمان ركعات ثم يوتر ، الى ان قال في آخر الخبر : وأحب صلاة الليل إليهم آخر الليل».

وفي الموثق بابن بكير عن زرارة (6) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ما جرت به السنة في الصلاة؟ فقال ثمان ركعات الزوال ، الى ان قال وثلاث عشرة ركعة آخر الليل».

__________________

(1) سورة الذاريات ، الآية 18.

(2) سورة آل عمران ، الآية 15.

(3) الوسائل الباب 48 و 54 من المواقيت.

(4) الوسائل الباب 45 من المواقيت.

(5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 14 من أعداد الفرائض.


وعن سليمان بن خالد في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر ، الى ان قال وثمان ركعات من آخر الليل. الحديث».

وروى في كتاب عيون الأخبار بسنده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه‌السلام) في كتابه إلى المأمون (2) قال : «وصلاة الظهر اربع ركعات ، الى ان قال وثمان ركعات في السحر والشفع والوتر ثلاث ركعات. الحديث».

وروى في كتاب الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) في حديث شرائع الدين (3) قال فيه «وثمان ركعات في السحر وهي صلاة الليل والشفع ركعتان والوتر ركعة. الحديث». الى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع.

وعلى هذه الأخبار اعتمد الأصحاب فيما ذكروه من أفضلية ما قرب من الفجر ، ولا تنافيها الأخبار الأولة لأن غاية ما تدل عليه دخول الوقت بالانتصاف ، إلا انه ربما جعلت المنافاة باعتبار ما دل منها على ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعليا (عليه‌السلام) كانا يصليان بعد الانتصاف ويبعد ان يكون خلاف الأفضل ، ويؤيده أيضا ما رواه عمر بن يزيد في الصحيح (4) «انه سمع أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول ان في الليلة لساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي ويدعو الله فيها إلا استجاب له في كل ليلة. قلت أصلحك الله وأي ساعة من الليل؟ قال إذا مضى نصف الليل الى الثلث الباقي».

ونقل عن ابن الجنيد انه قال : يستحب الإتيان بصلاة الليل في ثلاثة أوقات لقوله تعالى «وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ» (5).

ويعضده ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب (6) قال : «سمعت

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 13 من أعداد الفرائض.

(4) الوسائل الباب 26 من الدعاء.

(5) سورة طه ، الآية 130.

(6) رواه في الوسائل في الباب 53 من المواقيت.


أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول ، وذكر صلاة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال كان يؤتى بطهور فيخمر عند رأسه ويوضع سواكه تحت فراشه ثم ينام ما شاء الله تعالى فإذا استيقظ جلس ثم قلب بصره في السماء ثم تلا الآيات من آل عمران «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...» ثم يستن ويتطهر ثم يقوم الى المسجد فيركع اربع ركعات على قدر قراءته ركوعه وسجوده على قدر ركوعه يركع حتى يقال متى يرفع رأسه ويسجد حتى يقال متى يرفع رأسه؟ ثم يعود الى فراشه فينام ما شاء الله ثم يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل عمران ويقلب بصره في السماء ثم يستن ويتطهر ويقوم الى المسجد فيصلي أربع ركعات كما ركع قبل ذلك ثم يعود الى فراشه فينام ما شاء الله ثم يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل عمران ويقلب بصره في السماء ثم يستن ويتطهر ويقوم الى المسجد فيوتر ويصلي الركعتين ثم يخرج إلى الصلاة».

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان إذا صلى العشاء الآخرة أمر بوضوئه وسواكه يوضع عند رأسه مخمرا فيرقد ما شاء الله تعالى ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلى اربع ركعات ثم يرقد فيقوم فيستاك ويتوضأ ويصلى اربع ركعات ثم يرقد حتى إذا كان في وجه الصبح قام فأوتر ثم صلى الركعتين ، ثم قال «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» (2) قلت متى يقوم؟ قال بعد ثلث الليل» وقال في حديث آخر «بعد نصف الليل».

وقال في الكافي (3) وفي رواية أخرى «يكون قيامه وركوعه وسجوده سواء ويستاك في كل مرة قام من نومه ويقرأ الآيات من آل عمران «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إلى قوله إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ».

ويمكن الجمع بين هذه الأخبار باستحباب التأخير إلى آخر الليل لمن أراد ان

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 53 من المواقيت.

(2) سورة الأحزاب ، الآية 21.


يصليها في مقام واحد واستحباب الابتداء من نصف الليل لمن أراد التفريق كما كان يفعله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعلى هذين الخبرين يحمل إجمال ما دل على انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعليا (عليه‌السلام) كانا يصليان بعد الانتصاف ، وعلى ذلك تجتمع الأخبار.

بقي الكلام هنا في مواضع (الأول) المشهور بين الأصحاب جواز تقديم صلاة الليل في أوله للشاب الذي تمنعه رطوبة دماغه من الانتباه والمسافر الذي يمنعه جد السير ونقل عن زرارة بن أعين المنع من تقديمها على انتصاف الليل مطلقا وانه قال : كيف تقضى صلاة قبل وقتها ان وقتها بعد انتصاف الليل. وسيأتي ذلك في رواية محمد بن مسلم ، واختاره ابن إدريس على ما نقله في المختلف واليه مال في المختلف ايضا ونقل فيه عن ابن ابي عقيل انه وافق الشيخ في المسافر خاصة.

والظاهر هو القول المشهور للأخبار الكثيرة الدالة عليه ، ومنها ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن ليث المرادي (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار صلاة الليل في أول الليل؟ فقال نعم نعم ما رأيت ونعم ما صنعت». وزاد في الفقيه (2) «يعني في السفر» قال : «وسألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو في البرد فيعجل صلاة الليل والوتر في أول الليل؟ فقال نعم».

وروى في الفقيه عن ابي جرير القمي عن ابي الحسن موسى (عليه‌السلام) (3) قال : «صل صلاة الليل في السفر من أول الليل في المحمل والوتر وركعتي الفجر».

وروى في الكافي والتهذيب عن الحلبي (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن صلاة الليل والوتر في أول الليل في السفر إذا تخوفت البرد أو كانت علة؟ قال لا بأس أنا افعل ذلك».

وروى في الكافي عن يعقوب بن سالم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 44 من المواقيت.


«سألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو البرد أيعجل صلاة الليل والوتر في أول الليل؟ قال نعم».

وعن محمد بن حمران عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن صلاة الليل أصليها أول الليل؟ قال نعم إني لأفعل ذلك فإذا أعجلني الجمال صليتها في المحمل».

وعن ابي بصير في الموثق أو الضعيف عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا خشيت ان لا تقوم آخر الليل أو كانت بك علة أو أصابك برد فصل صلاتك وأوتر من أول الليل».

ورواه في التهذيب في موضع آخر في الصحيح وكذا الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) مثله (3) إلا انه قال : «وكانت بك علة» وزاد في آخره «في السفر».

وعن سماعة في الموثق (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن وقت صلاة الليل في السفر؟ فقال من حين تصلي العتمة الى ان ينفجر الصبح».

وفي الصحيح عن ليث (5) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار أصلي في أول الليل؟ قال نعم».

وعن يعقوب الأحمر في الصحيح (6) قال : «سألته عن صلاة الليل في الصيف في الليالي القصار في أول الليل؟ فقال نعم ما رأيت ونعم ما صنعت ، ثم قال ان الشاب يكثر النوم فانا آمرك به».

وعن علي بن سعيد (7) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن صلاة الليل والوتر في السفر من أول الليل إذا لم يستطع ان يصلي في آخره؟ قال نعم».

ورواه في الفقيه عن علي بن سعيد مثله (8) إلا انه أسقط «إذا لم يستطع ان يصلي آخر الليل».

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8) رواه في الوسائل في الباب 44 من المواقيت.


وعن الحسين بن علي بن بلال (1) قال : «كتبت إليه في وقت صلاة الليل فكتب عند زوال الليل ـ وهو نصفه ـ أفضل وان فات فأوله وآخره جائز».

وروى الشهيد في الذكرى (2) قال : «روى محمد بن أبي قرة بإسناده إلى إبراهيم بن سيابة قال كتب بعض أهل بيتي الى ابي محمد (عليه‌السلام) في صلاة المسافر أول الليل صلاة الليل فكتب فضل صلاة المسافر من أول الليل كفضل صلاة المقيم في الحضر من آخر الليل».

وروى في الكافي والتهذيب عن ابان بن تغلب في الصحيح (3) قال : «خرجت مع ابي عبد الله (عليه‌السلام) فيما بين مكة والمدينة وكان يقول اما أنتم فشباب تؤخرون واما انا فشيخ اعجل ، وكان يصلي صلاة الليل أول الليل».

وعن سماعة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «لا بأس بصلاة الليل من أول الليل الى آخره إلا ان أفضل ذلك إذا انتصف الليل». وظاهر هذه الرواية جواز التقديم مطلقا ، ونحوها ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن عيسى (5) قال : «كتبت إليه أسأله يا سيدي روى عن جدك انه قال لا بأس بان يصلي الرجل صلاة الليل في أول الليل؟ فكتب في أي وقت صلى فهو جائز ان شاء الله تعالى». والظاهر تقييد إطلاقها بالروايات المذكورة الدالة على العذر.

وقد صرح الأصحاب بأنه إذا دار الأمر بين التقديم والقضاء فالقضاء أفضل ، ويدل عليه ما رواه معاوية بن وهب في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (6) قال : «قلت له ان رجلا من مواليك من صلحائهم شكى الي ما يلقى من النوم وقال اني أريد القيام إلى الصلاة بالليل فيغلبني النوم حتى أصبح فربما قضيت صلاتي الشهر المتتابع والشهرين اصبر على ثقله؟ فقال قرة عين له والله ، ولم يرخص له في الصلاة في أول الليل وقال القضاء بالنهار أفضل. قلت فان من نسائنا أبكار الجارية تحب الخير واهله وتحرص

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 44 من المواقيت.

(6) رواه في الوسائل في الباب 45 من أبواب المواقيت.


على الصلاة فيغلبها النوم حتى ربما قضت وربما ضعفت عن قضائه وهي تقوى عليه في أول الليل؟ فرخص لهن في الصلاة أول الليل إذا ضعفن وضيعن القضاء».

وعن محمد ـ وهو ابن مسلم ـ في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) قال : «قلت له الرجل من امره القيام بالليل تمضى عليه الليلة والليلتان والثلاث لا يقوم فيقضي أحب إليك أم يعجل الوتر أول الليل؟ قال لا بل يقضي وان كان ثلاثين ليلة».

وعن محمد بن مسلم (2) قال : «سألته عن الرجل لا يستيقظ من آخر الليل حتى يمضي لذلك العشرة والخمس عشرة فيصلي أول الليل أحب إليك أم يقضي؟ قال لا بل يقضي أحب إلي إني اكره أن يتخذ ذلك خلقا ، وكان زرارة يقول كيف تصلى صلاة لم يدخل وقتها إنما وقتها بعد نصف الليل».

احتج العلامة في المختلف على ما ذهب اليه مما قدمنا نقله عنه بأنها عبادة موقتة فلا تفعل قبل وقتها لعذر وغيره كغيرها ، وبصدر صحيحة معاوية بن وهب المذكورة ثم نقل عن الشيخ الاحتجاج بأنه معذور فجاز تقديمها من أول الليل محافظة على السنن ، وبعجز صحيحة معاوية المذكورة حيث رخص (عليه‌السلام) للجارية التقديم والترخيص للمرأة مستلزم لغيرها من المسافر والشاب للاشتراك في العذر والمحافظة على فعل السنن. ثم أجاب بأن المحافظة على السنن تحصل مع القضاء والرواية لا تدل على المطلوب لاختصاصها بمن لا يتمكن من الانتباه والقضاء.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) بالنسبة الى هذه الرواية من الاحتجاج بصدرها والجواب عن عجزها جيد ، إلا ان دليل الشيخ غير منحصر في هذه الرواية لما عرفت من الأخبار التي تلوناها عليك فإنه لا مجال إلى إنكار دلالتها على الجواز. نعم ظاهر الصدوق اختصاص الرخصة بالمسافر حيث قال : كل ما روى من الإطلاق في صلاة الليل من أول الليل فإنما هو في السفر لان المفسر من الأخبار يحكم على المجمل. ونحوه قال الشيخ في التهذيبين

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 45 من المواقيت.


وزاد : وفي وقت يغلب على الظن انه ان لم يصلها في أول الليل فاتته إذا شق عليه القيام آخر الليل ولا يتمكن من القضاء فحينئذ يجوز له تقديمها. أقول : ما ذكره الشيخ (قدس‌سره) هنا جيد ، اما بالنسبة إلى المسافر فلما عرفت من الأخبار الكثيرة المتقدمة بالتقريب الذي ذكره الصدوق (طاب ثراه) واما بالنسبة الى من لا يتمكن من الأداء والقضاء فعجز صحيحة معاوية بن وهب وعليه تحمل صحيحة محمد بن مسلم ، واما صدر صحيحة معاوية فهو محمول على غير الفردين المذكورين ، وعلى ذلك تجتمع الأخبار المذكورة

(الثاني) ـ المشهور بين الأصحاب ان آخر وقت صلاة الليل طلوع الفجر الثاني فلو طلع الفجر الثاني ولم يكن تلبس بأربع منها بدأ بالفريضة أو ركعتي الفجر على الخلاف الآتي ان شاء الله تعالى. ونقل عن المرتضى (قدس‌سره) ان آخر وقتها الفجر الأول ، قال في الذكرى بعد نقل ذلك عنه : ولعله نظر الى جواز ركعتي الفجر حينئذ والغالب ان دخول وقت صلاة يكون بعد خروج وقت اخرى. ويندفع بوجوه : منها ـ الشهرة بالفجر الثاني بين الأصحاب. ومنها ـ ان إسماعيل بن سعد الأشعري (1) «سأل أبا الحسن (عليه‌السلام) عن أفضل ساعات الليل فقال الثلث الباقي». ومنها ـ ما مر من الأخبار. انتهى. أقول : ضعف ما ذكره السيد (رضي‌الله‌عنه) أظهر من ان يحتاج الى البيان لما سيجي‌ء من الأخبار النيرة البرهان.

(الثالث) ـ لو طلع الفجر فان كان قد تلبس بأربع منها أتمها مخففة والا أخرها ويدل على الحكم الأول ما رواه الشيخ في التهذيب عن مؤمن الطاق (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا كنت صليت اربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأتم الصلاة طلع أو لم يطلع».

وفي كتاب الفقه الرضوي «إن كنت صليت من صلاة الليل اربع ركعات قبل طلوع الفجر فأتم الصلاة طلع الفجر أو لم يطلع».

__________________

(1) الوسائل الباب 54 من المواقيت.

(2) الوسائل الباب 47 من المواقيت.


إلا انه قد روى الشيخ ايضا عن يعقوب البزاز (1) قال : «قلت له أقوم قبل الفجر بقليل فأصلي أربع ركعات ثم أتخوف أن ينفجر الفجر ابدأ بالوتر أو أتم الركعات؟ قال لا بل أوتر وأخر الركعات حتى تقضيها في صدر النهار».

وقد جمع الشيخ ومن تأخر عنه بين الخبرين بحمل هذه الرواية على الأفضلية. أقول : من المحتمل قريبا اختصاص الخبر الأول بما إذا طلع الفجر بعد تمام التلبس بالأربع كما هو مورد الخبر ومحل المسألة ، واما الثاني فظاهره انه بعد صلاة الأربع إنما تخوف ان ينفجر الفجر لقربه لا انه انفجر بالفعل فصار الأمر متعارضا عنده بين إتمام الثمان ركعات وبين الوتر بمعنى ان الوقت لا يسع إلا أحدهما فأمره (عليه‌السلام) بتقديم الوتر وتأخير الركعات حتى يقضيها ، وهذا ليس من محل المسألة في شي‌ء حتى يحتاج الى الجمع بما ذكروه ، فإنه قد دلت الأخبار ـ وبه صرح الأصحاب ايضا ـ على انه لو لم يبق من الوقت ما يسع صلاة الليل كاملة قدم الوتر فإنه يكتب له بها ثواب صلاة الليل وقضى الصلاة بعد الصبح ، ففي صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن الرجل يقوم من آخر الليل وهو يخشى ان يفجأه الصبح أيبدأ بالوتر أو يصلي الصلاة على وجهها حتى يكون الوتر آخر ذلك؟ قال بل يبدأ بالوتر ، وقال انا كنت فاعلا ذلك». وصحيحة معاوية بن وهب (3) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول أما يرضى أحدكم ان يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلي ركعتي الفجر ويكتب له بصلاة الليل؟». وهذا الخبر من هذا القبيل ولا فرق بين ما دل عليه هذان الخبران والخبر المذكور إلا باعتبار دلالة ذلك الخبر على تلبسه بأربع ركعات ، وهو لا يصلح للفرق لان ظاهر هذين الخبرين ان الأفضل المحافظة على الوتر وتقديمها في هذا الوقت وترجيحها على صلاة الليل فيه. وبالجملة فإن ظاهر هذه الأخبار انه متى كان الوقت الثاني لا يسع إلا الثمان مخففة أو الوتر كاملة فإن الأفضل تقديم الوتر سواء صلى شيئا من الثمان أم لا.

__________________

(1) الوسائل الباب 47 من المواقيت.

(2 و 3) الوسائل الباب 46 من المواقيت.


واما الحكم الثاني وهو ما لو طلع الفجر ولم يتلبس بأربع ركعات فلا يخلو اما ان يكون قد تلبس بما دون الأربع أو لم يتلبس بشي‌ء بالكلية :

وظاهرهم في الأول الاتفاق على البدأة بالفريضة ، قال في المعتبر : ولو طلع الفجر ولما يكمل أربعا بدأ بالفريضة وهو مذهب علمائنا.

واما الثاني فتدل عليه صحيحة إسماعيل بن جابر (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أوتر بعد ما يطلع الفجر؟ قال لا». والتقريب انه إذا امتنع الوتر بعد الفجر امتنع ما قبله بطريق أولى.

إلا انه قد ورد بإزاء هذا الخبر أخبار كثيرة دالة على جواز صلاة الليل بعد الفجر وان لم يتلبس منها بشي‌ء :

ومنها ـ صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن صلاة الليل والوتر بعد طلوع الفجر فقال صلها بعد الفجر حتى تكون في وقت تصلي الغداة في آخر وقتها ولا تعمد ذلك في كل ليلة ، وقال أوتر أيضا بعد فراغك منها».

وصحيحة عمر بن يزيد ايضا (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أقوم وقد طلع الفجر فإن أنا بدأت بالفجر صليتها في أول وقتها وان بدأت في صلاة الليل والوتر صليت الفجر في وقت هؤلاء؟ فقال ابدأ بصلاة الليل والوتر ولا تجعل ذلك عادة».

وصحيحة سليمان بن خالد (4) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) ربما قمت وقد طلع الفجر فأصلي صلاة الليل والوتر والركعتين قبل الفجر ثم أصلي الفجر. قال قلت أفعل أنا ذا؟ قال نعم ولا يكون منك عادة».

ورواية إسحاق بن عمار (5) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أقوم وقد طلع الفجر ولم أصل صلاة الليل؟ فقال صل صلاة الليل وأوتر وصل ركعتي الفجر».

وأجاب الشيخ عن هذه الأخبار بحملها على الرخصة ، قال هذه رخصة لمن أخر

__________________

(1) الوسائل الباب 46 من المواقيت.

(2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 48 من المواقيت.


لاشتغاله بشي‌ء من العبادات وقال المحقق في المعتبر ـ بعد ان ذكر ان فيه روايتين إحداهما يتم النافلة مزاحما بها الفريضة والأخرى يبدأ بالفجر ـ ان اختلاف الفتوى دليل التخيير ، يعني بين فعلها بعد الفجر قبل الفرض وبعده. واستحسنه جملة ممن تأخر عنه : منهم ـ السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة.

والأظهر عندي حمل النهي في صحيحة إسماعيل بن جابر على اتخاذ ذلك عادة وجعله جائزا في جملة الأوقات فإنه ليس كذلك لما سيأتي ان شاء الله تعالى من الأخبار الدالة على تحريم النافلة في وقت الفريضة ، ولما سيأتي ايضا ان شاء الله تعالى من النهي عن صلاة ركعتي الفجر بعد طلوع الفجر ووجوب تقديم الفريضة. واما الأخبار الأخيرة فهي محمولة على الرخصة لو اتفق له ذلك في بعض الأوقات ولهذا قد صرحت بأنه لا يجعل ذلك عادة ولا يتعمد ذلك في كل ليلة ، والرخص في مقام التحريم كثيرة وهذا منها.

والعجب ان صاحب المعتبر بعد ان استدل على تقديم النافلة على الفريضة في المسألة بصحيحة عمر بن يزيد الثانية استدل على تقديم الفريضة على النافلة بصحيحته الاولى وكأنه حمل قوله «صلها بعد الفجر» يعني بعد صلاة الفجر. وهو سهو ظاهر ، بل الظاهر ان الرواية انما هي من قبيل روايته الثانية والمراد بالفجر فيها انما هو أول الصبح وانه يصلي النافلة أولا وان أخر الغداة إلى آخر وقتها كما ينادي به الخبر ، ويعضده قوله «ولا تعمد ذلك في كل ليلة» كما وقع مثله في روايته الثانية وصحيحة سليمان بن خالد. وأعجب من ذلك انه حكم في هذه المسألة أعني لو طلع الفجر ولم يتلبس بشي‌ء من النافلة بالتخيير بين تقديم الفريضة والإتيان بالنافلة وفيما لو تلبس بما دون الأربع بوجوب البدأة بالفريضة كما تقدم نقله عنه.

(الرابع) ـ المفهوم من الأخبار ـ وبه صرح جملة من الأصحاب ـ ان أفضل أوقات الوتر ما بين الفجر الأول الى الثاني :

روى الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن سعد الأشعري (1) قال : «سألت

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 54 من أبواب المواقيت.


أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن ساعات الوتر فقال أحبها الي الفجر الأول».

وعن معاوية بن وهب في الصحيح (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن أفضل ساعات الوتر فقال الفجر أول ذلك».

وروى الشهيد في الذكرى (2) قال : «روى ابن أبي قرة عن زرارة ان رجلا سأل أمير المؤمنين (عليه‌السلام) عن الوتر أول الليل فلم يجبه فلما كان بين الصبحين خرج أمير المؤمنين (عليه‌السلام) الى المسجد فنادى أين السائل عن الوتر؟ (ثلاث مرات) نعم ساعة الوتر هذه ثم قام وأوتر».

وروى ثقة الإسلام في الكافي عن ابان بن تغلب (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) آية ساعة كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يوتر؟ فقال مثل مغيب الشمس إلى صلاة المغرب».

قال في الذكرى : وقد سلفت رواية الحجال عن الصادق (عليه‌السلام) (4) في تقديم ركعتين من أول الليل فان استيقظ صلى صلاة الليل وأوتر وإلا صلى ركعة واحتسب بالركعتين شفعا ، وعليه تحمل رواية زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (5) «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فلا يبيتن إلا بوتر». ويجوز حملها على التقية لأن عندهم وقت الوتر ما بين العشاء الى الفجر (6) ويروون عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه قال : «الوتر جعله الله لكم ما بين صلاة العشاء الى طلوع الفجر» (7). ثم أجاب عما ذهب إليه العامة.

أقول : اما ما ذكره من رواية الحجال فقد تقدم الكلام فيها مستوفى في الفائدة السادسة عشرة من فوائد المقدمة الثانية وبينا المعنى المراد منها. واما رواية زرارة فقد

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 54 من المواقيت.

(4) الوسائل الباب 44 من المواقيت.

(5) المروية في الوسائل في الباب 29 من أعداد الفرائض.

(6) المغني ج 2 ص 161.

(7) سنن البيهقي ج 2 ص 478.


تقدم الكلام فيها موضحا منقحا في الفائدة السادسة من الفوائد المشار إليها وبينا ان المراد بالوتر فيها انما هو الوتيرة فلا ضرورة الى ما ذكره هو وغيره من التأويلات البعيدة والاحتمالات الغير السديدة.

(الخامس) ـ قد تقدمت الأخبار الدالة على انه متى ضاق الوقت إلا عن الوتر وركعتي الفجر خاصة فإن الأفضل له ان يقدم ذلك على صلاة الليل ، اما لو فعل ذلك ثم انكشف بقاء الليل فقال في الدروس ونحوه في الذكرى انه يضيف الى ما صلى ستا ويعيد ركعة الوتر وركعتي الفجر ، ثم نسبه الى الشيخ المفيد ثم نقل في الكتابين عن الشيخ علي بن بابويه انه يعيد ركعتي الفجر لا غير. أقول : ظاهر كلام الشيخين المذكورين ان الحكم في هذه المسألة هو اضافة ست ركعات الى ما صلاه بنقل ركعتي الفجر إلى صلاة الليل وزيادة ست ركعات عليها لتكمل ثمان ركعات ثم إعادتها بعد ذلك وانما اختلف كلامهما في إعادة مفردة الوتر فظاهر الشيخ علي بن بابويه عدم إعادتها وظاهر الشيخ المفيد إعادتها. وقال في الذكرى بعد ذكر ذلك ـ ثم نقل عن الشيخ في المبسوط انه لو نسي ركعتين من صلاة الليل ثم ذكر بعد ان أوتر قضاهما وأعاد الوتر ـ ما لفظه : وكأن الشيخين نظرا الى ان الوتر خاتمة النوافل ليوترها.

والذي وقفت عليه من الأخبار مما يتعلق بهذه المسألة ما رواه الشيخ عن علي بن عبد العزيز (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أقوم وانا أتخوف الفجر؟ قال فأوتر. قلت فانظر فإذا علي ليل؟ قال فصل صلاة الليل».

وعن إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض أصحابنا ـ وأظنه إسحاق بن غالب ـ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا قام الرجل من الليل فظن ان الصبح قد أضاء فأوتر ثم نظر فرأى ان عليه ليلا؟ قال يضيف الى الوتر ركعة ثم يستقبل صلاة الليل ثم يوتر بعده».

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 46 من أبواب المواقيت.


وقال (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (1) «وان كنت صليت الوتر وركعتي الفجر ولم يكن طلع الفجر فأضف إليها ست ركعات وأعد ركعتي الفجر وقد مضى الوتر بما فيه».

وأنت خبير بان الظاهر من الوتر في هذه الأخبار هو مجموع الركعات الثلاث كما استفاض إطلاقه عليها في الأخبار وقد تقدم بيانه في المقدمة الثانية ، وحينئذ فقوله في الخبر الأول «فصل صلاة الليل» يحتمل حمله على الركعات الثمان خاصة كما وقع إطلاقه عليها في الأخبار وان أطلق في بعض على ما يدخل فيه الوتر ، ويحتمل حمله على الأعم ويحتمل ـ على بعد ـ البناء على ما صلى كما ذكره الشيخ المفيد من اضافة الست ، وحينئذ فمعنى قوله «فصل صلاة الليل» أي أتم صلاة الليل ، وكيف كان فالخبر المذكور لا يخلو من الإجمال. واما الرواية الثانية فظاهرها انه يعتد بما فعله من ركعات الوتر من صلاة الليل ويضيف إلى المفردة أخرى ليتم بها عدد اربع ركعات ثم يتم الثمان صلاة الليل ويوتر. ولم أقف على قائل به. واما عبارة كتاب الفقه فالظاهر انه معتمد الشيخين المتقدمين فيما قدمنا إيضاحه من كلاميهما وان كان الشيخ المفيد صرح بإعادة مفردة الوتر بعد ذلك ايضا بالتقريب الذي ذكره في الذكرى. وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال لما عرفت من تصادم هذه الأخبار ، والاحتياط لا يخفى.

(السادس) ـ روى الشيخ في التهذيب عن علي بن عبد الله بن عمران عن الرضا (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا كنت في صلاة الفجر فخرجت ورأيت الصبح فزد ركعة إلى الركعتين اللتين صليتهما قبل واجعله وترا».

قال شيخنا الشهيد (قدس‌سره) في الذكرى بعد ذكر هذا الخبر : وفيه تصريح بجواز العدول من النفل الى النفل لكن ظاهره انه بعد الفراغ كما ذكر مثله في الفريضة ، ويمكن حمل الخروج على رؤية الفجر في أثناء الصلاة كما حمل الشيخ الفراغ في الفريضة على مقارنة الفراغ.

__________________

(1) ص 13.

(2) الوسائل الباب 46 من المواقيت.


أقول : اما ما ذكره من تصريح الخبر بجواز العدول حسبما ذكره فقد تقدم في سابق هذا الموضع ما يؤيده أيضا ويؤكده. واما ما ذكره في تأويل الخروج حيث ان ظاهر الخبر الخروج في أثناء الصلاة فالظاهر بعده ، والأقرب حمل الكلام على التجوز وان المراد بالكون في صلاة الفجر الإتيان بركعتي الفجر ، ويحمل الخبر على ما إذا كان الوقت ضيقا فصلى صلاة الفجر لعدم اتساعه لأزيد منها فأمره (عليه‌السلام) بأن الأفضل تقديم الوتر وان ينقل ما صلاة إلى ركعتي الوتر ويضيف إليهما ثالثة ، وباب التجوز في أمثال ذلك غير عزيز.

والمحدث الكاشاني لما نقل الخبر المذكور في الوافي قال : هكذا في النسخ التي رأيناها والصواب «الليل» مكان «الفجر» يعني إذا كنت قد صليت من صلاة الليل ركعتين فرأيت الصبح فاجعله وترا. وهو في حد ذاته معنى جيد لكن حمل الأخبار على ذلك لا يخلو من اشكال. والله العالم.

(المسألة الرابعة) ـ المشهور بين الأصحاب ان أول وقت ركعتي الفجر الفراغ من صلاة الليل والوتر وان كان ذلك قبل الفجر الأول ، لكن قال في المعتبر ان تأخيرهما حتى يطلع الفجر الأول أفضل. وقيل ان أول وقتهما بعد طلوع الفجر الأول ، ونقل عن السيد المرتضى والشيخ في المبسوط وبه صرح العلامة في الإرشاد.

واما آخر وقتهما فالمشهور انه يمتد الى طلوع الحمرة فإن طلعت ولم يصلهما بدأ بالفريضة. وقيل بامتداد وقتهما الى الفجر الثاني وهو المنقول عن ابن الجنيد واختاره الشيخ في كتابي الأخبار ، قال ابن الجنيد على ما نقل عنه : وقت صلاة الليل والوتر والركعتين من حين انتصاف الليل الى طلوع الفجر على الترتيب.

والأظهر عندي ان وقتهما بعد صلاة الليل وان كان الأفضل تأخيرهما الى بعد الفجر الأول وان وقتهما ينتهى بطلوع الفجر الثاني فلو طلع ولم يصلهما بدأ بالفريضة.

لنا على الحكم الأول ـ الأخبار الدالة على جعلهما مع صلاة الليل كائنة ما كانت :


ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن احمد بن محمد بن ابي نصر (1) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن ركعتي الفجر فقال احشو بهما صلاة الليل».

وفي الصحيح عن ابن ابي نصر ايضا (2) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) ركعتي الفجر أصليهما قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال قال أبو جعفر (عليه‌السلام) احش بهما صلاة الليل وصلهما قبل الفجر».

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم (3) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول صل ركعتي الفجر قبل الفجر وبعده وعنده».

وفي الصحيح عن ابن ابي يعفور (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن ركعتي الفجر متى أصليهما؟ فقال قبل الفجر ومعه وبعده».

والمراد بالفجر في هذه الأخبار هو الفجر الأول كما سيظهر لك في المقام ان شاء الله.

وفي الموثق بابن بكير عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (5) قال : «انما على أحدكم إذا انتصف الليل ان يقوم فيصلي صلاته جملة واحدة ثلاث عشرة ركعة ثم ان شاء جلس فدعا وان شاء نام وان شاء ذهب حيث شاء».

وفي الموثق بابن بكير ايضا عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (6) في حديث «وثلاث عشرة ركعة من آخر الليل منها الوتر وركعتا الفجر».

وفي صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (7) «وبعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر ومنها ركعتا الفجر».

الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي يقف عليها المتتبع ، ومنها صحيحة زرارة الآتية وقوله فيها «انهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل».

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 50 من المواقيت.

(3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 52 من المواقيت.

(5) الوسائل الباب 35 من التعقيب.

(6 و 7) الوسائل الباب 14 من أعداد الفرائض.


واما على الحكم الثاني فما قدمناه من الأخبار الدالة على ان أفضل أوقات الوتر بعد طلوع الفجر الأول ومن المعلوم ان ركعتي الفجر مرتبة على الوتر لا تصلي إلا بعده.

واما ما استدل به في المدارك على ذلك ـ حيث انه اختار ما ذكرناه من ان التأخير الى ان يطلع الفجر الأول أفضل حيث قال : ويدل على ان الأفضل تأخيرهما حتى يطلع الفجر الأول صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) صلهما بعد ما يطلع الفجر». وانما حملنا لفظ الفجر على الأول ليناسب الأخبار السالفة ، ولعل هذه الرواية مستند الشيخ والمرتضى في جعلهما ذلك أول الوقت والجواب المعارضة بالأخبار المستفيضة المتضمنة للأمر بفعلهما مع صلاة الليل من غير تقييد بطلوع الفجر الأول ، مع إمكان القدح في هذه الرواية بعدم وضوح مرجع الضمير. انتهى ـ فهو غير واضح في كون المراد الفجر الأول كما اعترف به وما ذكرناه من الدليل أظهر في المراد.

أقول : ومثل هذه الرواية التي ذكرها صحيحة يعقوب بن سالم البزاز (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) صلهما بعد الفجر واقرأ فيهما في الأولى قل يا ايها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد». واما ما ذكره من الإيراد عليهما بالأخبار المتقدمة فلهما ان يجيبا بحمل ذلك على الرخصة في التقديم والدس في صلاة الليل وان كان الوقت الموظف هو ما بعد الفجر الأول للروايات المتقدمة المعتضدة بظاهر هاتين الروايتين.

ولنا على الحكم الثالث ما دل من الأخبار على عدم جواز النافلة بعد دخول وقت الفريضة (3) كما سيأتي ان شاء الله تعالى ، خرج ما خرج بدليل وبقي ما بقي.

وخصوص ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (4)

__________________

(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 51 من أبواب المواقيت.

(3) الوسائل الباب 35 من المواقيت.

(4) الوسائل الباب 50 من المواقيت.


قال : «سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال قبل الفجر انهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل أتريد ان تقايس لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة».

وحسنة زرارة (1) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) الركعتان اللتان قبل الغداة أين موضعهما؟ قال قبل طلوع الفجر فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة».

وعن زرارة أيضا عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (2) في وصف صلاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وفيها «ثم يصلى ثلاث عشرة ركعة : منها الوتر ومنها ركعتا الفجر قبل الغداة فإذا طلع الفجر وأضاء صلى الغداة».

ويؤيد هذه الأخبار تأييدا ظاهرا الأخبار المتقدمة في إدخالها في صلاة الليل بل دلالة جملة منها على انها من صلاة الليل التي لا خلاف في ان وقتها قبل الفجر الثاني :

وفي موثقة أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «قلت ركعتا الفجر من صلاة الليل هي؟ قال نعم».

ورواية محمد بن مسلم (4) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن أول وقت ركعتي الفجر فقال سدس الليل الباقي».

وقوله في صحيحة زرارة المذكورة «انهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل».

وروى الشيخ في التهذيب عن المفضل بن عمر (5) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أقوم وانا أشك في الفجر؟ فقال صل على شكك فإذا طلع الفجر فأوتر وصل الركعتين فإذا أنت قمت وقد طلع الفجر فابدأ بالفريضة ولا تصل غيرها فإذا فرغت فاقض مكانك. الخبر». وهو ظاهر الدلالة واضح المقالة لظاهر الأمر بالبدأة بالفريضة الدال على الوجوب والنهي عن صلاة غيرها الدال على التحريم. واما صدر الخبر فمحمول

__________________

(1 و 3 و 4) المروية في الوسائل في الباب 50 من أبواب المواقيت.

(2) الوسائل الباب 10 من المواقيت.

(5) الوسائل الباب 48 من المواقيت.


على من صلى بشكه في الوقت ثم تبين الوقت بعد تمام صلاة الليل فإنه يتمها بالوتر وركعتي الفجر كما تقدم في الأخبار فلا منافاة.

واستدل السيد السند (قدس‌سره) للقول المشهور بقول الصادق (عليه‌السلام) (1) «لهما قبل الفجر ومعه وبعده». قال : والبعدية تستمر الى ما بعد الاسفار وطلوع الحمرة ، قال ويدل على انتهاء الوقت بذلك صحيحة علي بن يقطين (2) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل لا يصلى الغداة حتى يسفر وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر أيركعهما أو يؤخرهما؟ قال يؤخرهما». ثم نقل استدلال الشيخ (قدس‌سره) على ما نقل عنه من الانتهاء بطلوع الفجر الثاني بصحيحة زرارة المتقدمة ، ثم قال ويمكن التوفيق بين الروايات اما بحمل لفظ الفجر في الروايات السابقة على الأول ويراد بما بعد الفجر ما بعد الأول وقبل الثاني أو بحمل الأمر في هذه الرواية على الاستحباب ، ولعل الثاني أرجح. انتهى.

أقول : لا يخفى ان دلالة صحيحة علي بن يقطين على ما ذكره انما هو بالمفهوم الضعيف واخبار «صلهما قبل الفجر ومعه وبعده» مجملة قابلة للاحتمال على الفجر الأول ومثل هذا لا يقابل به ما ذكرناه من الأخبار ولا سيما صحيحة زرارة الأولى لما هي عليه من الصراحة على أبلغ وجه وقريب منها حسنته ايضا.

وههنا أخبار دالة على القول المشهور أوضح مما نقله ولكنها ضعيفة السند والظاهر انه لأجل ذلك اعرض عن نقلها واعتمد على ما نقله لصحة سنده وأغمض النظر عن ضعف دلالته كما هي عادته من دورانه مدار الأسانيد وان اشتملت المتون على عدة من العلل

فمما يدل على القول المشهور بدلالة واضحة الظهور رواية إسحاق بن عمار عن من أخبره عنه (عليه‌السلام) (3) قال : «صل الركعتين ما بينك وبين ان يكون الضوء حذاء رأسك فإن كان بعد ذلك فابدأ بالفجر».

__________________

(1) الوسائل الباب 52 من المواقيت.

(2 و 3) الوسائل الباب 51 من المواقيت.


ورواية الحسين بن ابي العلاء (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الرجل يقوم وقد نور بالغداة؟ قال فليصل السجدتين اللتين قبل الغداة ثم ليصل الغداة».

ورواية أبي بكر الحضرمي (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقلت متى أصلي ركعتي الفجر؟ قال حين يعترض الفجر وهو الذي تسميه العرب الصديع».

وهذه الأخبار كما ترى صريحة في مخالفة الأخبار التي قدمناها فالواجب الرجوع الى المرجحات ، ومن القواعد المنصوص عليها في مقام اختلاف الأخبار وان اعرض عن العمل بها جملة من علمائنا الأبرار (رفع الله تعالى منازلهم في دار القرار) هو عرضها على مذهب العامة والأخذ بخلافه.

وقد نقل جملة من مشايخنا (رضوان الله عليهم) ان جمهور العامة ـ كما ذكره شيخنا المجلسي في البحار ـ على ان هاتين الركعتين لا تصليان الا بعد طلوع الفجر الثاني ، ومن أخبارهم المنقولة في ذلك ما نقله في المنتهى مما رواه الجمهور عن حفصة (3) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر يصلي الركعتين». وحينئذ فالواجب حمل هذه الأخبار على التقية ، ويوضح ذلك بأي إيضاح رواية أبي بصير (4) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) متى أصلي ركعتي الفجر؟ قال فقال لي بعد طلوع الفجر. قلت له ان أبا جعفر (عليه‌السلام) أمرني أن أصليهما قبل طلوع الفجر؟ فقال لي يا أبا محمد ان الشيعة أتوا أبي مسترشدين فأفتاهم بمر الحق وأتوني شكاكا فأفتيتهم بالتقية».

وممن وافقنا في هذا المقام شيخنا البهائي (عطر الله مرقده) في كتاب الحبل المتين فقال : والمراد بالفجر فيما تضمنه الحديث السابع والتاسع من صلاة ركعتي الفجر

__________________

(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 51 من المواقيت.

(3) المهذب للشيرازي ج 1 ص 82 وسنن البيهقي ج 2 ص 471.

(4) المروية في الوسائل في الباب 50 من المواقيت.


قبله وبعده وعنده الفجر الأول كما يدل عليه قوله (عليه‌السلام) في الحديث الثامن (1) «احشو بهما صلاة الليل» إذ المراد صلاتهما في وقتها والحديث الحادي عشر والتاسع عشر صريحان في ان وقتهما قبل الفجر. انتهى. وأشار بالحادي عشر إلى صحيحة زرارة المتقدمة (2) وبالتاسع عشر الى حسنته المذكورة بعدها.

واما ما ذكره المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى بعد نقله لصحيحة زرارة المشار إليها ـ حيث قال : قلت ينبغي ان يعلم ان الغرض في هذا الحديث من ذكر التطوع بالصوم لمن عليه شي‌ء من قضاء شهر رمضان معارضة ما علمه (عليه‌السلام) من زرارة وهو محاولة قياس ركعتي الفجر على غيرهما من النوافل المتعلقة بالفرائض حيث ان الوقت فيها متحد مع وقت الفريضة فيكون وقت ركعتي الفجر بعد طلوع الفجر ودخول وقت الفريضة ، وحاصل المعارضة أن اشتغال الذمة بالصوم الواجب مانع من التطوع به فيقاس عليه حكم ركعتي الفجر ويقال ان دخول وقت الفريضة بطلوع الفجر يمنع من الاشتغال بالتطوع فلا مساغ لفعلهما بعد الفجر ، والمطلوب بهذه المعارضة بيان فساد القياس لا التنبيه على الوجه الصحيح فيه فان الأخبار الكثيرة الدالة على جواز فعلهما بعد الفجر تنافيه وسنوردها ، واحتمالها التقية كما ذكره الشيخ (قدس‌سره) في جملة وجوه تأويلها غير كاف في المصير الى تعين التقديم مع عدم صراحة أخباره فيه. إذ هي محتملة لإرادة ارجحيته على التأخير ولذلك شواهد ايضا تأتي ، فيكون الجمع بين الأخبار بالحمل على التخيير مع رجحان التقديم اولى ، وحينئذ يتعين حمل المعارضة الواقعة في هذا الخبر على المعنى الذي ذكرناه. انتهى كلامه زيد مقامه ـ

ففيه نظر من وجوه (الأول) ان ما زعمه من حمل سؤال زرارة في هذا الخبر على المعنى الذي ذكره في المقام انما هو من قبيل المعمى والألغاز الواقعين في شذوذ الكلام إذ لا قرينة ولا شاهد يؤذن به كما لا يخفى على ذوي الأفهام ، وليس السؤال في

__________________

(1) صحيح احمد بن محمد بن ابى نصر ص 241.

(2) ص 243.


هذا الخبر إلا مثل اسئلته في جميع الأحكام ، على ان ما ذكره من ان زرارة ظن قياس ركعتي الفجر على غيرهما من النوافل المتعلقة بالفرائض حيث ان الوقت فيها متحد ممنوع بان اتحاد الوقت في فريضتي الظهرين مع نوافلهما وفريضة المغرب مع نافلتها ظاهر لدلالة الأخبار على دخول وقت الظهرين بالزوال الى الغروب مع دلالتها على وقوع نافلتهما في جزء من هذا الوقت وكذا المغرب ، اما هذه النافلة فلا لأن الأخبار دلت على ان وقت الفريضة من طلوع الفجر الثاني ودلت على ان النافلة انما تصلى قبل ذلك داخلة في صلاة الليل وانها من جملة صلاة الليل مع قطع النظر عن الروايات المانعة من إيقاعها بعد الفجر الثاني ، فكيف يتوهم زرارة ما ذكره وتوهمه من اتحاد الوقت في هذه النافلة مع فريضة الصبح كاتحاد نافلة الظهرين مع فريضتهما؟ ما هذا إلا عجيب من مثل هذا المحقق المذكور ولا اعرف له مستندا في هذا الوهم ـ ان كان ـ إلا قوله (عليه‌السلام) «أتريد ان تقايس. الى آخره» وفيه ان الأظهر في معناه هو ما ذكره شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين ، حيث قال : قوله (عليه‌السلام) في الحديث الحادي عشر «أتريد ان تقايس؟» بالبناء للمفعول اي أتريد ان يستدل لك بالقياس؟. ولعله (عليه‌السلام) لما علم ان زرارة كثيرا ما يبحث مع المخالفين ويبحثون معه في أمثال هذه المسائل أراد ان يعلمه طريق إلزامهم حيث انهم قائلون بالقياس ، أو ان غرضه (عليه‌السلام) تنبيه زرارة على اتحاد حكم المسألتين وتمثيل مسألة لم يكن يعرفها بمسألة هو عالم بها ومثل ذلك قد يسمى قياسا وليس مقصوده (عليه‌السلام) القياس المصطلح. انتهى.

أقول : ومما يعضد ما ذكره شيخنا المذكور (توجه الله تعالى بتاج من النور) ما سيأتي قريبا من صحيحة زرارة المروية في المدارك (1) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) أصلي نافلة وعلي فريضة أو في وقت فريضة؟ قال لا انه لا تصلى نافلة في وقت

__________________

(1) سيأتي منه «قدس‌سره» في المسألة الثانية من المقصد الثالث عدم وجود هذه الصحيحة في الوافي والوسائل.


فريضة أرأيت لو كان عليك صوم من شهر رمضان أكان لك ان تتطوع حتى تقضيه؟ قلت لا. قال فكذلك الصلاة. قال فقايسني وما كان يقايسني». وهذه الرواية نظير تلك الرواية في انه ليس الغرض إلا السؤال عن الحكم المذكور ولا مجال فيها لما توهمه (قدس‌سره) ثمة من الوهم الذي هو في غاية القصور ، وهي دالة بإطلاقها على ما ادعيناه في هذه المسألة خرج منها ما خرج وبقي الباقي تحت الإطلاق.

ومثل ذلك ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (1) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل رمى صيدا في الحل فمضى برميته حتى دخل الحرم فمات أعليه جزاؤه؟ قال لا ليس عليه جزاؤه لأنه رمى حيث رمى وهو له حلال انما مثل ذلك مثل رجل نصب شركا في الحل الى جانب الحرم فوقع فيه صيد فاضطرب الصيد حتى دخل الحرم فليس عليه جزاؤه لأنه كان بعد ذلك شي‌ء. فقلت له هذا القياس عند الناس؟ فقال انما شبهت لك شيئا بشي‌ء». ونحوه صحيحته الأخرى عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في الصيد ايضا (2) حسبما دل عليه هذا الخبر.

وهذان الخبران ظاهران في المعنى الثاني الذي ذكره شيخنا المذكور من ان غرضه (عليه‌السلام) في ذلك الخبر التنظير والتمثيل.

وبذلك يظهر لك ان ما ذكره المحقق المذكور وتكلفه في الخبر المشار اليه تكلف بعيد وتمحل غير سديد ، ولو تطرق مثل هذا التأويل البعيد للاخبار لم يبق دليل يمكن به الاستدلال إلا وللقائل فيه مقال وبذلك ينسد باب الاستدلال بالكلية. والحق ان الخبر المذكور صريح الدلالة واضح المقالة فيما قلناه لا يعتريه القصور ولا يداخله الفتور.

(الثاني) ـ قوله : «فإن الأخبار الكثيرة الدالة على جواز فعلهما بعد الفجر تنافيه» فإنه أشار بالأخبار المذكورة الى الأخبار المشتملة على قوله (عليه‌السلام): «صل ركعتي الفجر قبله وبعده وعنده» لان هذه الأخبار هي الأخبار الصحيحة كما عرفت ،

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 30 من كفارات الصيد.


وأصحاب هذا الاصطلاح ولا سيما هذا المحقق الذي قد زاد على الاصطلاح في كتابه المذكور اصطلاحا آخر مبالغة في الصحيحة انما يدورون مدار صحة الأسانيد والا فالأخبار التي قدمناها صريحة في هذا القول كلها لكنها لضعف أسانيدها لم يعملوا بها ولم يذكروها وأنت قد عرفت قيام الاحتمال في متون هذه الأخبار بحمل الفجر فيها على الفجر الأول بل هو الراجح الذي عليه المعول لانه به يحصل جمعها مع الأخبار المتقدمة الدالة على انها من صلاة الليل وان وقتها بعد صلاة الليل كما عرفت من الأخبار المتكاثرة ، والى ذلك أشار شيخنا البهائي (قدس‌سره) فيما قدمناه من كلامه ، وحينئذ فكيف تحصل المعارضة بها لما هو صريح الدلالة واضح المقالة؟ سيما بعد ما عرفت من بطلان توهمه الذي تكلفه وزعمه الذي تصلفه ، وقد اشتهر في كلامهم وتداول على رؤوس أقلامهم انه إذا قام الاحتمال بطل الاستدلال.

(الثالث) ـ ما طعن به في الحمل على التقية ـ من انه غير كاف في المصير الى تعين التقديم مع عدم صراحة أخباره فيه ـ فان فيه ان الأخبار التي قدمناها ما بين صريح في ذلك وما بين ظاهر تمام الظهور ، اما صحيحة زرارة التي كشفنا عنها نقاب الالتباس بما لا يخفى على عوام الناس فصراحتها أظهر من ان ينكر ، ونحوها حسنته المذكورة بعدها الدالة على السؤال عن وقت الركعتين بقوله «اين موضعهما؟ فقال قبل الفجر فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة» والأخبار المستفيضة بالأمر بجعلهما في صلاة الليل والأخبار الدالة على انهما من جملة صلاة الليل التي قد علم ان وقتها من الانتصاف الى طلوع الفجر الثاني ، ويعضدها الأخبار الدالة على فعل النبي والأئمة (صلوات الله عليهم) لها قبل الفجر ، ويؤكدها الأخبار الدالة على المنع من النافلة في وقت الفريضة. وبالجملة فإن هذه الأخبار كملا قد اشتملت على ان الوقت الموظف لهاتين الركعتين قبل الفجر فيجب الوقوف على ما وظفته وعدم الخروج عنه لان العبادات الشرعية توقيفية يجب الوقوف فيها على ما رسمه صاحب الشريعة ، ولم يعارضها بزعمهم إلا تلك الأخبار


المجملة القابلة للحمل على هذه الأخبار بحمل الفجر فيها على الفجر الأول ومتى حملناها على هذا المحمل لم يحتج فيها للحمل على التقية ، نعم ذلك انما هو في الأخبار الصريحة في هذا القول وهي الأخبار الضعيفة باصطلاحهم كما تقدمت ، وبذلك يظهر لك ان دعواه صارت مقلوبة عليه كما عرفته من هذا التحقيق الذي لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من بين يديه فان عدم الصراحة انما هي في اخباره لا في أخبارنا.

(الرابع) ـ ما ذكره ـ من الجمع بين الأخبار بالتخيير مع أفضلية التقديم كما تقدمه فيه السيد السند في المدارك فيما قدمنا من كلامه ـ فان فيه انه يا لله والعجب العجاب من هؤلاء الأجلاء الأطياب انه إذا كان الحال عندهم في جميع الأحكام متى تعارضت فيها الأخبار انما يجمع بينها بحمل النهي على الكراهة والأمر على الاستحباب كما عرفته من طريقتهم في جميع الأبواب فليت شعري أي وجه واي غرض وعلة في وضع الأئمة هذه القواعد التي استفاضت بها اخبارهم؟ ولمن خرجت ومن خوطب بها؟ واين الأخبار المختلفة التي تجري فيها هذه القواعد إذا كان علمهم في جميع أبواب الفقه وأحكامه انما هو على هذه القاعدة التي ابتدعوها والطريقة التي اخترعوها؟ وهل هذا إلا إعراض عما أسسه لهم أئمتهم الأطياب ومقابلة بالاجتهاد الصرف الذي لم يرد به سنة ولا كتاب؟ هذا مع ما عرفت في غير موضع من بطلان هذه القاعدة في حد ذاتها وفسادها في نفسها. والله الهادي لمن يشاء.

ومنشأ معظم الشبهة في جواز صلاتهما بعد الفجر الثاني بعد الأخبار الدالة على الجواز هو الأخبار الدالة على إتمام صلاة الليل بعد التلبس منها بأربع ركعات والأخبار الدالة على جواز صلاة الليل كملا ولما يتلبس بشي‌ء منها. وأنت خبير بأنك إذا رجعت الى ما ذكرناه من الأخبار واستدللنا به في المقام بالتقريب الذي ذكرناه في الوجه الثالث من وجوه النظر في كلام المحقق المذكور يظهر لك ان الظاهر هو العمل على ما ذكرناه وان التأويل يجب ان يكون في هذه الأخبار الباقية بحمل ما ظهر منها في جواز التقديم على التقية وحمل اخبار التقديم


مطلقا على ما قدمناه من الرخصة في بعض الأوقات وكذلك اخبار التلبس بأربع ركعات لان الرخص في مقام المنع والتحريم كثيرة في الشريعة.

بقي في المقام فوائد يجب التنبيه عليها (الاولى) قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في كتاب البحار ـ بعد ذكر خبر ابي بصير الذي قدمناه مستندا للحمل على التقية بعد ان ذكر ان جمهور العامة ذهبوا الى أنهما تصليان بعد الفجر الثاني وانه أيد بما رواه أبو بصير ثم ساق الرواية ـ ما لفظه : ويمكن حمل هذا الخبر ايضا على أفضلية التقديم والتقية كانت فيما يوهمه ظاهر كلامه (عليه‌السلام) من تعين التأخير. انتهى. والظاهر انه اعتمد في ذلك على ما ذكره شيخنا الشهيد في الذكرى حيث انه ـ بعد ان نقل عن الشيخ (قدس‌سره) حمل تلك الأخبار على التقية والاستدلال عليه برواية أبي بصير المذكورة ـ قال بعد ذكر الرواية : وهذا الخبر يدل على ان تقديمهما أفضل لا على ان ذلك هو الوقت المخصوص. انتهى. وكأنه نظر الى ان الرواية إنما اشتملت على السؤال عن إيقاعهما قبل الفجر أو بعده لا على السؤال عن الوقت المعين لهما وانه قبل الفجر أو بعده ، وحينئذ فغاية ما تدل عليه أفضلية التقديم وان أمر الباقر (عليه‌السلام) بذلك انما هو على جهة الفضل والاستحباب فلا ينافيه جواز الإيقاع بعد الفجر ، وعلى هذا فأمر الصادق (عليه‌السلام) بالتأخير بعد طلوع الفجر بمعنى تعين التأخير وعدم جواز التقديم محمول على التقية كما ذكره (عليه‌السلام) حيث ان العامة يوجبون التأخير ولا يجوزون التقديم ، وهذا لا يمنع من جواز التأخير ولا يستلزم ان يكون جواز التأخير محمولا على التقية. فلا دلالة في الخبر حينئذ على ما ذكروه من التأييد للحمل على التقية. ولا يخفى ما فيه من التكلف الشديد والبعد عن ظاهر السياق بما لا نهاية عليه ولا مزيد فان الظاهر المتبادر من ظاهر سياق الخبر انما هو السؤال عن وقت الركعتين المذكورتين الذي تصليان فيه فأجاب الباقر (عليه‌السلام) بأنه قبل طلوع الفجر وأجاب الصادق (عليه‌السلام) بأنه بعده فالسائل استغرب ذلك واستبعده لان هذا جعل وقتا معينا والآخر جعل لها وقتا آخر غيره ففحص وسأل


عن ذلك فأخبره الصادق (عليه‌السلام) ان الوقت الشرعي انما هو ما افتى به أبوه (عليه‌السلام) واما الوقت الذي افتى هو به فإنما هو على جهة التقية. هذا مقتضى سياق الخبر ولو كان الأمر كما زعموه من المعنى الذي ذكرناه لم يكن لمراجعة أبي بصير وسؤاله مرة أخرى معنى يعول عليه. والحق ان الخبر المذكور ظاهر في الاستشهاد كما ذكره الشيخ وارتكاب ما ذكروه تكلف بعيد عن سياق الخبر. والله العالم.

(الثانية) ـ نقل بعض الأصحاب عن الشهيد (قدس‌سره) في الذكرى الميل الى القول بامتداد وقت الفجر بامتداد الفريضة لرواية سليمان بن خالد عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الركعتين قبل الفجر قال تركعهما حين تركع الغداة انهما قبل الغداة». وحمل صحيحة علي بن يقطين المتقدمة الدالة على التأخير إلى الاسفار وظهور الحمرة على الفضيلة ، ونفى عنه البعد المحدث الكاشاني في كتابه المعتصم بعد ان اختار مذهب الأكثر. وأنت خبير بان قوله (عليه‌السلام) في رواية سليمان بن خالد المذكورة «تركعهما حين تركع الغداة» لو حمل على الخبر كما ادعوه وجعلوه محل الاستدلال للزم منه المنافاة لقوله «انهما قبل الغداة» بل الظاهر انه في مقام الاستفهام الإنكاري ليلائم قوله «انهما قبل الغداة» مؤكدا ب «ان» وإلا فأي ملازمة بين الأمر بفعلهما حين الغداة وبين ما بعده من الكلام المؤكد الدال على انهما قبل الغداة ، ويؤيد ما قلناه ان الشيخ في الاستبصار نظم هذه الرواية في سلك ما اختاره من الروايات الدالة على انتهاء الوقت بطلوع الفجر الثاني ، وحينئذ فالرواية المذكورة من جملة أدلة القول الذي اخترناه.

(الثالثة) ـ قد نقل عن الشيخ وجماعة من الأصحاب استحباب اعادة الركعتين المذكورتين بعد الفجر الأول لو صلاهما قبله استنادا إلى صحيحة حماد بن عثمان (2) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) ربما صليتهما وعلي ليل فان نمت ولم يطلع

__________________

(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 51 من المواقيت.


الفجر أعدتهما». وفي بعض النسخ «فان قمت» بالقاف مكان النون. وعن زرارة في الموثق بابن بكير (1) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول اني لأصلي صلاة الليل فأفرغ من صلاتي وأصلي الركعتين فأنام ما شاء الله قبل ان يطلع الفجر فان استيقظت عند الفجر أعدتهما». وظاهر الخبرين كما ترى تخصيص الإعادة بالنوم بعدهما لا مطلقا كما هو المدعى.

وظاهر هذين الخبرين عدم كراهة النوم بعد صلاة الليل وقبل الصبح ، وفيه رد لما ذكره الشيخ وجملة من الأصحاب من الحكم بالكراهة استنادا الى ما رواه الشيخ عن سليمان بن حفص المروزي (2) قال : «قال أبو الحسن الأخير (عليه‌السلام) إياك والنوم بين صلاة الليل والفجر ولكن ضجعة بلا نوم فان صاحبه لا يحمد على ما قدم من صلاته».

ومما يؤيد الخبرين الأولين ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الموثق عن ابن بكير (3) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ما كان يجهد الرجل ان يقوم من آخر الليل فيصلي صلاته ضربة واحدة ثم ينام أو يذهب». اي ان ذلك لا يشق عليه بل هو سهل يسير ، وفي بعض النسخ «يحمد» مكان «يجهد» وبه تنتفي دلالته على ذلك.

وعن زرارة في الموثق عن ابن بكير عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (4) قال : «انما على أحدكم إذا انتصف الليل ان يقوم فيصلي صلاته جملة واحدة ثلاث عشرة ركعة ثم ان شاء جلس فدعا وان شاء نام وان شاء ذهب حيث شاء».

والذي يقرب عندي ان ما نقل عن الشيخ والجماعة من الحكم المذكور انما استندوا فيه الى الخروج عن خلاف المرتضى والشيخ في المبسوط القائلين بأن وقت هاتين الركعتين انما هو بعد الفجر الأول واخبارهم التي استدلوا بها على ذلك ، وما ذكروه من استنادهم إلى صحيحة حماد بن عثمان وموثقة زرارة المذكورتين انما هو تكلف ممن نقل ذلك عنهم

__________________

(1) الوسائل الباب 51 من المواقيت.

(2 و 4) الوسائل الباب 35 من التعقيب.

(3) رواه في الوسائل في الباب 53 من المواقيت.


حيث لم يروا لهم دليلا ظاهرا غير هاتين الروايتين فذكروهما مستندا لهم وأوردوا عليهما ما ذكرناه.

نعم بقي الكلام في اختلاف هذه الأخبار في كراهة النوم بعد الركعتين وعدمها ولعل الترجيح لاخبار الجواز لفعل الإمامين الهمامين (عليهما‌السلام) ذلك مؤيدا بالخبرين الأخيرين. ويمكن الجمع بحمل خبر المروزي على اتخاذ ذلك عادة والأخبار الآخر على وقوعه أحيانا. ويمكن ايضا ان يقال انه لا منافاة بين الجواز والكراهة فيحمل ما دل على الجواز على كون ذلك جائزا وان كره وفعل الامام (عليه‌السلام) يحمل على بيان الجواز كما في جملة من الأحكام المكروهة التي نقل عنهم (عليهم‌السلام) فعلها فإن الأصحاب حملوها على بيان الجواز ، ونحوها كثير من المستحبات التي ورد عنهم (عليهم‌السلام) تركها لبيان الجواز ايضا. وبالجملة فإنهم إنما فعلوا ذلك في المقام لئلا يتوهم الناس التحريم في ذلك المكروه من حيث ورود النواهي والوجوب من حيث ورود الأوامر تعليما وتفهيما وتوقيفا على بيان الحكمين المشار إليهما. والله العالم.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *