ج21 - كتاب العارية
والكلام في هذا الكتاب يقع في فصول :
الفصل الأول ـ في جملة من
الفوائد ينبغي تقديمها في المقام الاولى ـ قال في التذكرة : العارية بتشديد الياء
عقد شرع لإباحة الانتفاع بعين من الأعيان على وجه التبرع ، وشددت الياء كأنها
منسوبة إلى العار ، لان طلبها عار ، قاله صاحب الصحاح.
وقال غيره : منسوبة إلى العارة : وهي مصدر يقال : أعار
ويعير اعارة وعارة كما يقال : أجاب يجيب اجابة وجابة ، وأطاق يطيق أطاقه وطاقة.
وقيل انها مأخوذة من عار يعير إذا جاء وذهب ، ومنه قيل
للبطال عيار لتردده في بطالته ، فسميت عارية لترددها من يد الى يد.
وقيل : انها مأخوذة من التعاور والاعتوار ، وهو أن
يتداول القوم الشيء بينهم ، وقال الخطائي في غريبه : أن اللغة الغالبة العارية
وقد تخفف ، انتهى.
أقول : وما نقله عن الصحاح قد صرح به ابن الأثير في
نهايته أيضا ، فقال : والعارية مشددة الياء كأنها منسوبة إلى العار ، لان طلبها
عار وعيب ، وتجمع على العواري مشددا انتهى ، الا أن المفهوم من كلام أحمد بن محمد
الفيومي في كتاب المصباح المنير تغليط ما ذكره في الصحاح والنهاية من الاشتقاق من
المعنى الذي ذكراه ، لأن العارية المبحوث عنها من الواو والعار بمعنى العيب من
الياء.
ويؤيده كلام القاموس أيضا ، حيث أنه ذكر العارية في مادة
عور ، والعار بمعنى العيب في مادة عير ، ثم انه نقل في المصباح أيضا معنى زائدا
على ما قدمنا ذكره ، وهو الاشتقاق من عار الفرس إذا ذهب عن صاحبه ، لخروجها من يد
صاحبها ، وغلطه أيضا بأنه من الياء وفي القاموس أيضا عده من الياء ، وفي القاموس
أيضا. عد عار بمعنى جاء وذهب ، والعيار المأخوذ من ذلك في مادة عير ، دون عور التي
قد عرفت أن العارية مأخوذة منها.
وحينئذ فقد بطل هذا المعنى ، فلم يبق الا الاشتقاق من
التعاور بمعنى التداول ، أو من العارة التي هي مصدر أعار يعير اعارة ، وهذا هو
الذي جمد عليه صاحب المصباح ، والعجب من شيخنا العلامة ونحوه شيخنا الشهيد الثاني
في المسالك حيث نقل كلام التذكرة ، وجمد عليه حيث لم يتنبها لذلك ، مع اختلاف أهل
اللغة كما عرفت.
الثانية : لا يخفى أن
العارية مما ثبتت بالكتاب والسنة والإجماع ، أما الأول : فقوله تعالى (1) «تَعاوَنُوا
عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى» ولا ريب أن العارية من جملة البر ،
وقال تعالى (2) «وَيَمْنَعُونَ
الْماعُونَ» قال في كتاب مجمع البحرين :
__________________
(1) سورة المائدة ـ الاية 2.
(2) سورة الماعون ـ الاية 7.
الماعون اسم جامع لمنافع البيت ،
كالقدر والدلو والملح والماء والسراج والخمرة ونحو ذلك مما جرت العادة بعاريته.
وروى في كتاب من لا يحضره الفقيه مرسلا (1) قال : «نهى
النبي (صلىاللهعليهوآله) أن يمنع أحد
الماعون جاره». وقال : «من منع الماعون جاره ، منعه الله خيره يوم القيامة ، ووكله
الى نفسه ، ومن وكله الى نفسه فما أسوء حاله».
وروى في الكافي عن أبى بصير (2) قال : «كنا
عند أبى عبد الله عليهالسلام ومعنا بعض
أصحاب الأموال فذكروا الزكاة وساق الخبر الى أن قال : وقوله عزوجل «وَيَمْنَعُونَ
الْماعُونَ» قال : هو القرض يقرضه ، والمعروف
يصنعه ، ومتاع البيت يعيره ، ومنه الزكاة فقلت له : ان لنا جيرانا إذا أعرناهم
متاعا كسروه وأفسدوه ، فعلينا جناح أن نمنعهم؟ فقال : لا ليس عليكم جناح أن
تمنعوهم إذا كانوا كذلك». وفي خبر آخر عن سماعة (3) عن أبى عبد
الله عليهالسلام قال :
والماعون أيضا وهو القرض يقرضه ، والمتاع يعيره ، والمعروف يصنعه ، الحديث.
وأما الثاني فالأخبار الكثيرة ، منها ما ذكر ، وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن أبى بصير (4) عن أبى عبد الله عليهالسلام قال : «سمعت
يقول : بعث رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الى صفوان
ابن أمية فاستعار منه سبعين درعا بأطراقها قال : فقال : أغصبا يا محمد؟ فقال النبي
(صلىاللهعليهوآله) : بل عارية
مضمونة».
وقال في الفقيه (5) : استعار النبي (صلىاللهعليهوآله) من صفوان بن
أمية الجمحي سبعين درعا حطمية ، وذلك قبل إسلامه فقال : أغصب أم عارية يا
__________________
(1) الفقيه ج 4 ص 8 ، الوسائل ج 6 ص 31 ح 12.
(2) الكافي ج 3 ص 499 ح 9 ، الوسائل ج 6 ص 28 ح 3.
(3) الكافي ج 3 ص 498 ح 8 ، الوسائل ج 6 ص 31 ح 11.
(4) الكافي ج 5 ص 240 ح 10 ، التهذيب ج 7 ص 183 ح 6 ، الوسائل
ج 13 ص 236 ح 4.
(5) الفقيه ج 3 ص 193 ح 4 ، الوسائل ج 13 ص 238 ح 1.
أبا القاسم؟ فقال (صلىاللهعليهوآله) : بل عارية
مؤداة فجرت السنة في العارية إذا اشترط فيها أن تكون مؤداة».
أقول : قوله في الخبر الأول بأطراقها اختلف النسخ في هذه
اللفظة بكونها بالفاء أو بالقاف ، وعلى تقدير الثاني الظاهر أن يكون المراد بها
البيضة الحديد ، قال في القاموس : الطراق ككتاب الحديد الذي يعرض ثم يدار فيجعل
بيضة ، وعلى تقدير الأول فلعل المراد بها المغفر وما يلبس على الساعدين وغيرهما ،
فإنها تجعل في أطراف الدرع.
وقال بعض المحدثين : يحتمل أن يكون بالقاف ونسب النسخ
التي بالفاء الى التصحيف وهو جيد ، وأما الحطمية في الخبر الثاني بالمهملتين
منسوبة إلى الحطمة بن المحارب الذي كان يعمل الدرع ، كذا ذكره بعض المحدثين.
وفي كتاب مجمع البحرين وفي الحديث زوج رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فاطمة على
درع حطمية تسوى ثلاثين درهما ، قيل سميت بذلك لأنها تحطم السيوف أى تكسرها ، وقيل
: هي العريضة الثقيلة ، وهي منسوبة إلى بطن من عبد قيس يقال : حطمة بن الحارث
كانوا يعملون الدروع ، انتهى.
وأما الثالث : فإنه قال في التذكرة : لا خلاف بين علماء
الأمصار في جميع الأعصار في جوازها والترغيب فيها ولانه لما جازت هبة الأعيان جازت
هبة المنافع ولذلك صحت الوصية بالمنافع والأعيان جميعا ، انتهى.
والمفهوم من الآية والاخبار تأكد استحبابها أما الآية
فلان الله تعالى قد قرن تاركها بالساهي في صلاته ، فنسبهما معا الى الويل ، وهي
كلمة يقال عند الهلكة ، وقيل : ويل واد في جهنم ، وليس المراد بالسهو هنا هو
النسيان كما ربما يتوهم ، بل المراد المضيع لصلاته التارك لها عن أول وقتها كما
وردت به الاخبار في تفسير الآية المذكورة.
أما الاخبار فما تقدم في مرسلة الفقيه حتى أن بعض العامة
ذهب الى
وجوبها ، لما رووه من مزيد التأكيد
والترغيب فيها ، والجميع عندنا محمول على مزيد التأكيد في استحبابها ، فإنهم عليهمالسلام كثيرا ما
يؤكدون على المستحبات بما يكاد يلحقها بالواجبات ، ويؤكدون في النهي عن المكروهات
بما يكاد يدخلها في المحرمات.
الثالثة :مقتضى ما عرف به العارية في التذكرة كما تقدم
نقله عنه من أنها عقد شرع لإباحة الانتفاع ، هو أنه لا بد من الإيجاب والقبول
اللفظيين ، كما في سائر العقود ، ولهذا ان المحقق في الشرائع لما عرفها بأنها عقد
ثمرته التبرع ، قال في المسالك : العقد اسم للإيجاب والقبول ، وتعليق الثمرة عليه
يقتضي أن للقبول مدخلا فيها مع أن التبرع بالمنفعة يتحقق بالإيجاب خاصة ، لأن المتبرع
انما هو باذل العين ، لا المنتفع بها.
ثم قال : ويمكن الجواب بأن القبول لما كان شرطا في صحة
العارية لم يتحقق الثمرة بدونه وان بذلها المعير ، فإنه لو تبرع المعير بالعين
وأوقع الإيجاب فرده الأخر لم تحصل الثمرة ، وان حصل التبرع بالمنفعة فالمترتب على
العقد هو التبرع على وجه يثمر ذلك ، ولا يتم بدون القبول ، انتهى.
وهو كما ترى نص صريح في إيجاب الإيجاب والقبول ، وأنه لا
بد من عقد يشتمل عليها ، وأصرح منه ما صرح به أيضا أخيرا حيث قال : واعلم أن جعلها
عقدا يقتضي اعتبار الإيجاب والقبول اللفظيين ، لان ذلك هو المفهوم من العقد ، وان
لم ينحصر في لفظ كما هو شأن العقود الجائزة ، وقد يتجوز في القبول فيطلق على ما
يكفى فيه القبول الفعلي ، كما ذكروه في الوديعة والوكالة ونحوهما ، لكن يبقى
الإيجاب لا يتحقق العقد بدون التلفظ به ، وهذا هو الظاهر من عبارات كثير من
الأصحاب انتهى ، هذا وقد صرح العلامة في التذكرة في الركن الرابع بما هو ظاهر بل
هو صريح في خلاف ما ذكره في المسالك ، وما يفهم من ظاهر عبارته المشار إليها آنفا
، حيث صرح بأنه لا يشترط فيه اللفظ في الإيجاب والقبول ،
بل يكفى ما يقوم مقام ذلك من الأمور
الدالة على الظن بالرضا ، قال : لانه عقد ضعيف ، لانه يثمر اباحة الانتفاع ، وهي
تحصل بغير عقد كما لو حسن ظنه بصديقه كفى في الانتفاع به عن العقد ، وكما في الضيف
بخلاف العقود اللازمة ، فإنها موقوفة على ألفاظ خاصة اعتبرها الشرع.
ثم قال في مسئلة أخرى : والأقرب عندي أنه لا يفتقر العارية
إلى لفظ ، بل يكفي قرينة الإذن بالانتفاع من غير لفظ دال على الإعارة والاستعارة ،
لا من طرف المعير ولا من طرف المستعير ، كما لو رآه عاريا فدفع اليه قميصا فلبسه
تثبت العارية ، وكذا لو فرش لضيفه فراشا أو بساطا أو مصلى أو حصيرا أو ألقى اليه
وسادة ، فجلس عليها أو مخدة فاتكى عليها كان ذلك اعارة ، بخلاف ما لو دخل فجلس على
الفرش المبسوطة ، ولانه لم يقصد بها انتفاع شخص بعينه ، وهو قول بعض الشافعية قضاء
بالظاهر ، وقد قال عليهالسلام : «نحن نقضي
بالظاهر» (1) ،. ثم نقل عن
بعض الشافعية الافتقار الى اللفظ ، وقال : والأقرب ما تقدم ، وقد جرت العادة
بالانتفاع بظرف الهدية المبعوث اليه واستعماله ، كأكل الطعام من القصعة المبعوث
فيها ، فإنه يكون عارية ، لأنه منتفع بملك الغير باذنه ، وان لم يوجد لفظ يدل
عليها بل بشاهد الحال ، انتهى.
وهو جيد وجيه الا أن فيه عدولا عن مقتضى ما قدمنا نقله
عنه أولا ، وهو الذي يقتضيه كلام غيره أيضا.
وبالجملة فالظاهر هو ترتب ذلك على الرضا كيف اتفق من
المعير والمستعير ولا دليل على ما زاد على ذلك.
الرابعة : انهم قالوا ـ
بناء على كونه عقدا كما تقدم نقله عنهم ـ : انه من العقود الجائزة التي لكل من
المتعاقدين فسخه متى شاء.
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 9 ح 11 ما نقله في الفقيه في هذا الباب ليس
بهذه العبارة فراجع ، الوسائل ج 18 باب 22 من أبواب كيفية الحكم ، وأحكام الدعوى
من كتاب القضاء حديث 1 وما نقله في الوسائل أيضا ليس بهذه العبارة ، فراجع.
قال في المسالك : وهو موضع وفاق ، إلا أنهم استثنوا من
ذلك مواضع بعضها اتفاقي ، وبعضها خلافي ، أحدها الإعارة للرهن بعد وقوع الرهن عليه
، فإنه لا رجوع للمعير ، وتوضيح ذلك ـ حيث أنه لم يسبق لهذه المسئلة تحقيق في كتاب
الرهن ـ أنه لو استعار مال غيره ورهنه باذن المالك ، فالظاهر أنه لا إشكال في صحة
الرهن ، بل نقل عليه في المسالك إجماع العلماء ، قال : وسموه استعارة الرهن
وجعلوها مضمونة على الراهن ، وان تلفت بغير تفريط.
وبالجملة فإنه يترتب عليه أحكام الرهن ، فيلزم العارية ،
وتباع عند الحلول ويؤخذ الدين من ثمنها كما في غيرها من أفراد الرهن ، وليس للمعير
الرجوع فيها بحيث يتسلط على فسخ عقد الرهانة نعم له مطالبة الراهن بالفك عند
الحلول.
بقي الكلام فيما يجب لمالكه في صورة بيع المرتهن الرهن ،
وأخذ ماله من قيمته بأن يكون وكيلا أو بإذن الحاكم أو البائع الحاكم ، فقيل : انه
يرجع المالك بأكثر الأمرين من القيمة وما يبيع به ، وهو المشهور في كلام الأصحاب.
قال في التذكرة : فإذا بيع في الدين رجع المالك بأكثر
الأمرين من القيمة ومن الثمن الذي بيعت به ، لأن القيمة ان كانت أكثر فهو المستحق
للمالك ، لأنها عوض عنه ، وان كان الثمن أكثر فهو عوض العين ، انتهى.
وفيه انه موهم لجواز بيعه بأقل من القيمة ، وهو ممتنع ،
إذ لا يجوز البيع بأقل من ثمن المثل فصاعدا كما هو الحكم في كل وكيل ، وهذا أحدهم
والتحقيق أنه ان باعه بثمن المثل فلا إشكال في أن للمالك ذلك ، وان باعه بأكثر من
ذلك فلا ريب أيضا في أنه للمالك ، لأنه ثمن ملكه ، إذ العين باقية على ملكه الى
وقت البيع ، ولا يتصور البيع بدون ثمن المثل كما عرفت.
هذا كله إذا كان مع اذن المالك كما تقدمت الإشارة اليه ،
أما لو لم يكن بإذنه فإن للمالك انتزاعه بغير خلاف ، ويدل عليه أيضا ما رواه في
الفقيه عن أبان عن حريز (1) عن أبى عبد
الله عليهالسلام «في رجل استعار
ثوبا ثم عمد اليه فرهنه ،
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 193 ح 3 ، الكافي ج 5 ص 239 ح 6 الوسائل ج 13
ص 241 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 184 ح 12.
فجاء أهل المتاع الى متاعهم؟ فقال :
يأخذون متاعهم». ورواه الكليني عن أبان بن عثمان عمن حدثه (1) عن أبى عبد
الله عليهالسلام مثله.
وثانيها : لو أعار أرضا لدفن ميت مسلم ومن بحكمه ، فإنهم
صرحوا بأنه لا يجوز الرجوع فيها بعد الدفن ، لتحريم النبش وتهتك حرمته الى أن تفنى
عظامه. ونقل في التذكرة أنه موضع وفاق قال : أما لو رجع قبل الحفر أو بعده قبل وضع
الميت فإنه يصح رجوعه ، ويحرم دفنه فيه ولو رجع بعد وضع الميت في القبر ، وقبل أن
يواريه بالتراب ، فالأقرب أن له الرجوع أيضا ، ومؤنة الحفر إذا رجع بعد الحفر ،
وقبل الدفن لازمة لولي الميت ، ولا يلزم لولي الميت الطم ، لان الحفر مأذون فيه ،
انتهى.
واستشكل في المسالك والروضة في لزوم مؤنة الحفر لولي
الميت فيما لو لم يمكنه الدفن الا كذلك ، قال : إذ لا تقصير منه حينئذ ، فينبغي
كونه من مال الميت ، ومراده أنه لو تعذر على الولي الدفن إلا في أرض بهذه الصورة
فإنه لا تقصير منه في الدفن فيها ، حتى أنه يغرم مؤنة الحفر لو أمكنه الدفن في أرض
غيرها فإنه يمكن مؤاخذته بقدومه على هذه الأرض التي لصاحبها الرجوع فيها قبل الدفن
فلا يكون أجرة الحفر فيها على الميت ، ويكون أجرة حفر الأرض الأخرى عليه أيضا ، بل
يكون أجرة هذا الحفر عليه خاصة لتقصيره ، وأنت خبير بأن هذا الحكم هنا مبنى على
تحريم النبش ، وقد تقدم في كتاب الطهارة في بحث غسل الميت (2) أنه لم يقم
لنا دليل واضح على التحريم الا ما يدعونه من الإجماع. وثالثها : ما لو أعاره جدارا
ليضع عليه أطراف خشبته ، والأطراف الأخر حائط المستعير.
قال الشيخ : لم يكن له بعد الوضع الإزالة وان ضمن الأرش
، لانه يؤدى الى قلع جذوعه من ملكه مجيرا وهو غير جائز ، وتبعه ابن إدريس.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 239 ح 6 ، الوسائل ج 13 ص 241 ح 1.
(2) ج 4 ص 143.
وذهب العلامة في المختلف الى الجواز قال : لأنه عارية
فللمالك الرجوع فيها وان أدى الى تخريب مال الغير ، لانجباره بالأرش ، واليه ذهب
في المسالك أيضا ، وتردد المحقق في الشرائع في ذلك.
ورابعها : لو أعاره لوحا يرقع به السفينة ثم لج في البحر
، فإنه لا يجوز للمعير هنا الرجوع ما دامت في البحر ، لما فيه من الضرر بالغرق
الموجب لذهاب المال ، أو تلف النفس ، قالوا : وهكذا في ما إذا حصل بالرجوع ضرر
بالمستعير لا يمكن استدراكه ، ولو لم يدخل السفينة في البحر أو خرجت جاز الرجوع
قطعا ، ولو كانت في البحر لكن يمكن إخراجها إلى الشاطئ وجب إذا لم يحصل به ضرر على
صاحبها ، قيل : ويحتمل الجواز ، ولو كانت في البحر وثبتت له القيمة مع تعذر المثل
لما فيه من الجميع بين الحقين ، أو يقال : بجواز الرجوع وان لم يجب تعجيل التسليم
، وتظهر الفائدة في وجوب المبادرة بالرد بعد زوال المانع ، وهو الضرر من غير
مطالبة جديدة.
وخامسها : أن يعيره أرضا للزرع فيزرع فيها ، قال الشيخ :
ليس له المطالبة بقلعه قبل إدراكه ، وان دفع الأرش لأن له وقتا ينتهى اليه ، وتبعه
ابن إدريس.
وقال في المختلف بعد نقل ذلك عنهما : ولو قيل له ذلك كان
وجها ، لأنها عارية ، فلا تجب والظاهر أن مراده الجواز مع الأرش ، والا فهو مشكل ،
وبذلك صرح في المسالك فجوز ذلك مع الأرش.
وسادسها : أن يعيره أرضا ليبنى فيها أو يغرس مدة معلومة
، قال ابن الجنيد : لو أعاره براحا ليبنى فيه أو يغرس مدة معلومة ، لم يكن لصاحب
الأرض أن يخرجه من بناءه أو غرسه كرها قبل انقضاء المدة ، فإن فعل ذلك كان كالغاصب
وعليه أعلى قيمة بناءه وغرسه قائما ومنفردا ، ولو كانت الإعارة غير موقتة كان
لصاحب الأرض إخراجه ، إذا أعطاه قيمة بناءه وغرسه ، ثم يخرجه وهو بحاله.
وقال في المبسوط : إذا أذن له في الغرس ولم يعين مدة
فغرس كان للمالك
مطالبته بالقلع ، إذا دفع الأرش أن
يغرم له ما ينقص فتقوم قائمة ومقلوعة ، ويغرم ما بين القيمتين ، وان قال المعير :
أنا أغرم لك قيمتها أجبر المستعير على قلعها ، لانه لا ضرر عليه فيه ، ولو قال
المستعير : أنا أضمن قيمة الأرض لم يكن له ذلك.
قال في المختلف ـ بعد نقل كلام الشيخ المذكور ـ : والوجه
عندي أنه لا يجبر المستعير على أخذ قيمة غرسه ، بل له المطالبة بعينه والأرش ،
وقال بعد نقل كلام ابن الجنيد : أما الحكم الثاني فقد وافق الشيخ فيه ، فيما تقدم
وبينا ما عندنا فيه.
وأما الحكم الأول فالوجه أن للمالك المطالبة بالقلع مع
دفع الأرش ، كما قلنا في المطلق ، ولا يجب الشراء ولو طلبه الغارس ، ونمنع مساواته
للغاصب واختار ذلك في المسالك أيضا.
الخامسة : قال في
التذكرة : لا تخلو العين التي تعلقت بها العارية أما أن يكون جهة الانتفاع فيها
واحدة أو أكثر فإن كانت واحدة كالدراهم والدنانير التي لا ينتفع بها الا بالتزين
والبساط الذي لا ينتفع بها إلا في فرشه ، والدار التي لا ينتفع بها الا بالسكنى ،
فمثل هذا لا يجب التعرض للمنفعة ، ولا ذكر وجه الانتفاع ، لعدم الاحتياج إليه إذ
المقتضي للتعيين في اللفظ حصر أسباب الانتفاع وهو في نفسه محصور فلا حاجة الى مائز
لفظي.
وان تعددت الجهات التي يحصل بها الانتفاع كالأرض التي
تصلح للزراعة والغرس والبناء ، والدابة التي تصلح للحمل والركوب فلا يخلو اما أن
يعمم أو يخصه بوجه واحد أو أزيد ، أو يطلق فان عمم جاز له الانتفاع بسائر وجوه
الانتفاعات المباحة المتعلقة بتلك العين ، كما لو أعاره الأرض لينتفع بها في الزرع
والغرس والبناء وغير ذلك بلا خلاف ، وان خصص الوجه كان يعيره الأرض للزرع أو
البناء أو الغرس اختص التحليل بما خصصه المعير ، وبما ساواه وقصر عنه في الضرر ما
لم
ينص على التخصيص ، ويمنع من التخطي
إلى غيره ، فلا يجوز له التجاوز قطعا.
أقول : في جواز التعدي مع التخصيص وان لم يمنع من التخطي
إلى غيره الى ما ساواه أو قصر عنه اشكال ، للخروج عن موضع الاذن والرخصة ، فإن
الظاهر أن التخصيص في قوة المنع عن غيره ، ولا خلاف بينهم في عدم جواز الغير مع
المنع عن غير ما خصصه.
ثم قال : وان أطلق فالأقوى أن حكمه حكم التعميم ، لأن
إطلاق الاذن في الانتفاع يشعر بعموم الرضا بجميع وجوهه ، إذ لا وجه من الوجوه أولى
بالضرر من الأخر. ثم قال : إذا أذن له في الزرع فاما أن يطلق أو يعمم أو يخصص ،
ولا بحث في الأخيرين.
وأما الأول فإنه يصح عندنا ويستبيح المستعير جميع الزرع
، اختلف ضررها أو اتفق وهو أصح وجهي الشافعية عملا بإطلاق اللفظ.
وقال بعضهم : تصح العارية ولا يزرع إلا أقل الأنواع ضررا
لأصالة عصمة مال الغير ، ولا بأس به.
أقول : ظاهره الرجوع عما أفتى به أولا في هذه المسئلة من
العمل بالإطلاق وان اختلف الضرر ، وهو وارد عليه أيضا فيما ذكره من اختيار العمل
بالإطلاق في المسئلة الاولى ، مع أنه قوى أن حكمه حكم التعميم ، ثم قال : ولو قال
: أعرتكها لزرع الحنطة ولم ينه عن غيرها كان له زرع ما هو أقل ضررا من الحنطة عملا
بشاهد الحال كالشعير والباقلاء ، وكذا زرع ما يساوى ضرره ضرر الحنطة ، وليس له زرع
ما ضرره أكثر.
أقول : قد تقدم ما فيه من الاشكال ، ثم قال : ينقسم
العارية باعتبار الزمان إلى ثلاثة كما انقسمت باعتبار النفع إليها ، لأن المعير قد
يطلق العارية من غير تقييد بزمان ، وقد يوقت بمدة ، وقد يعمم الزمان كقوله أعرتك
هذه الأرض ولا يقرن لفظه بوقت أو زمان ، أو أعرتك هذه الأرض سنة أو شهر أو أعرتك
هذه
الأرض دائما ، وانما جاز الإطلاق فيها
بخلاف الإجارة ، لأن العارية جائزة وله الرجوع فيها متى شاء ، فتقديرها لا يفيد
شيئا.
أقول : الظاهر ان الغرض من التقييد بالمدة دواما أو
تعيينا انما هو صحة التصرف في هذه المدة المضروبة ، بمعنى أنه لا يكون عاصيا في تصرفه
، وكذا مع الإطلاق ، لا أنه يقيد العارية بذلك ، إذ لا اشكال من حيث كونها عقدا
جائزا ، أن له الرجوع متى أراد إلا فيما تقدم من المواضع المستثناة ، ومتى رجع
فإنه ليس للمستعير التصرف ، فان تصرف ضمن.
الفصل الثاني في المعير والمستعير :
وفيه مسائل الاولى
:لا إشكال في أنه يشترط في المعير أن يكون مالكا مكلفا
جائز التصرف ، والمراد بالمالك ما هو أعم من ملك العين أو المنفعة ، كما صرح به في
التذكرة ، فلا تصح اعارة الغاصب للنهى عن التصرف بدون اذن المالك والإعارة تصرف ،
ولا فرق بين غاصب العين أو المنفعة ، ولا يجوز للمستعير التصرف والحال هذه مع
العلم بالغصب وان تصرف كان ضامنا للعين والمنفعة بلا خلاف ، والمراد بملك المنفعة
كما لو استأجر عينا ، فإنه يملك منفعتها فله أن يعيرها الا أن يشترط عليه المؤجر
مباشرة الانتفاع بنفسه ، فيحرم عليه حينئذ الإعارة ، وكذا الموصى له بخدمة العبد
وسكنى الدار ، فإنه يجوز له إعارتهما.
ولا يصح اعارة الصبي والمجنون ، الا أن في الشرائع صرح
بأنه لو أذن الولي للصبي جازت إعارته مع المصلحة ، مع أنه قد تقدم في كتاب البيع
أن عقد الصبي لا عبرة به ، وان أجاز له الولي ، وفرق بينهما في المسالك بأنه انما
جاز له هنا دون البيع ، لأن العارية لما كانت جائزة ولا تختص بلفظ بل كل ما دل على
رضاء المعير ، ـ وهو هنا الولي ـ كان إذنه للصبي بمنزلة الإيجاب ، فالعبرة حينئذ
بإذنه ، لا بعبارة الصبي.
ولا يخفى ما فيه سيما على ما تقدم تحقيقه في البيع من
عدم قيام دليل على
ما ادعوه من الاختصاص بلفظ مخصوص في
عقد البيع ونحوه ، وأن المناط انما هو ما دل على الرضاء.
وبالجملة فإن مظهر الجواز وعدمه هو صحة تصرف المستعير
والمشتري ، سواء كان العقد لازما أو جائزا ، فإن جوزنا له ذلك بعقد الصبي المأذون
له من الولي ، فلا فرق في ذلك بين اللازم والجائز ، والا فلا ، إذ لا مدخل لذلك في
الجواز وعدمه ، كما لا يخفى ، والمراد بالمعار هنا ما كان ملكا للصبي.
والظاهر من كلامهم أن توليه اعارة مال غيره يبنى على ما
تقدم في إعارة مال نفسه ، من اذن الولي وعدمه ، وربما قيل بإطلاق المنع هنا ، كما
هو ظاهر اختيار المسالك.
وكما أنه لا يجوز للصبي والمجنون الإعارة استقلالا لعدم
جواز تصرفهما ، كذلك المحجور عليه لسفه أو فلس ، لاشتراك الجميع في المنع من
التصرف ، والله سبحانه العالم.
الثانية : قد صرحوا
بأن للمستعير الانتفاع بالعين المعارة بما جرت به العادة في الانتفاع بها نوعا
وقدرا وصفة ، وهذا يرجع الى ما تقدم في الفائدة الخامسة من اتحاد جهة الانتفاع ،
وعدم تعددها كالبساط الذي جرت العادة بفرشه ، واللحاف الذي اقتضت العادة جعله غطاء
ونحو ذلك ، وظاهرهم أنه لو خالف فالتحف بالبساط وفرش اللحاف فإنه لا يجوز له ذلك ،
لمخالفة العادة التي هي المتبادرة من العارية هنا.
أما لو كانت وجوه الانتفاعات متعددة فإنه يبنى على ما
تقدم من التفصيل ، ولو نقص من العين شيء بالاستعمال أو تلفت من غير تفريط لم يضمن
الا أن يشترط الضمان في العارية ، لأن إطلاق الاذن أو تعميمه يقتضي الانتفاع
بالعين من غير تقييد بالكثير والقليل ، فما يحصل من النقص والتلف انما استند إلى
إذن المعير ، وربما قيل : بضمان المتلف ، لأن الظاهر عدم تناول الاذن للاستعمال
المتلف ،
وان كان داخلا في الإطلاق ، ولا يخلو
عن قوة.
نعم لو لم يكن الاستعمال متلفا عادة ، وانما حصل التلف
اتفاقا ، فما ذكروه جيد والله سبحانه العالم.
الثالثة : قال في التذكرة : لا يحل للمحرم استعارة الصيد
من المحرم ، ولا من المحل ، لأنه يحرم عليه إمساكه ، فلو استعاره وجب عليه إرساله
، وضمن للمالك قيمته ، ولو تلف في يده ضمنه أيضا بالقيمة لصاحبه المحل ، وبالجزاء
لله تعالى ، بل يضمنه بمجرد الإمساك عليه وان لم يشترط صاحبه الضمان عليه ، فلو
دفعه الى صاحبه بريء منه ، وضمن لله تعالى.
أقول : لا ريب فيما ذكره من عدم جواز الاستعارة في
الصورة المفروضة لما ذكر من تحريم الإمساك عليه.
بقي الكلام هنا في مواضع : أحدها : انهم قالوا : إذا
استعاره بعقد العارية فهل يقع العقد فاسدا أم صحيحا؟ وجه الأول النهي عنه ووجه
الثاني أن النهي انما يكون مبطلا في العبادات ، دون المعاملات ، فالبطلان يحتاج
الى دليل من خارج ، وكلامهم في هذا المقام حيث عبروا بأنه «لا يحل» كما هنا أو «لا
يجوز» كما عبر به غيره ، لا يدل على شيء من الأمرين صريحا لان عدم الحل ، وعدم
الجواز أعم من الفساد ، إلا أنك قد عرفت آنفا أنه لا دليل على هذا العقد الذي
ذكروه ، فلا أثر لهذا الخلاف.
وثانيها : قوله : فلو استعاره وجب عليه إرساله ، فإنه
على إطلاقه مشكل ، بل ينبغي تخصيص ذلك بما إذا كان استعاره من محرم ، أما لو
استعاره من محل فإنه يجب رده على المالك ، ويلزم عليه الفداء لله سبحانه خاصة ،
وبرء من حق المالك ، وبذلك صرح في آخر العبارة المذكورة.
والظاهر أن مراده هو أن الواجب شرعا هو الإرسال ، وأن
قبضه من محل ، وحينئذ يضمن قيمته للمحل ، فلو خالف الواجب ورده الى المالك برئت
ذمته من
القيمة للمالك ، وبقي حق الله سبحانه
، ويشكل حينئذ بأنه متى كان الصيد مملوكا كما هو المفروض من قبضه من المحل ، فقد
تعارض حق الله سبحانه بوجوب الإرسال ، وحق المالك ، ومن القواعد المقررة عندهم مع
التعارض تقديم حق الآدمي على حق الله تعالى ، فالواجب حينئذ بناء على ما قلنا هو
رده على المالك ، وضمان حق الله سبحانه ، وأما لو كان المقبوض منه محرما فإنه غير
مالك فيتعين الإرسال مع عدم الضمان لمن قبضه منه.
وثالثها : ما ذكره من أنه يضمن بالتلف لصاحبه المحل
قيمته ، وان ذكره غيره أيضا ، حيث انهم عدوا ذلك من العواري المضمونة ، وان لم
يشترط فيها الضمان ، الا أن فيه اشكالا ، لعدم الوقوف على دليل عليه في المقام ،
ولم يصرحوا له هنا بدليل ، ومجرد تحريم الاستعارة لا يدل على الضمان ، سواء قيل :
بفساد العقد الذي ادعوه هنا ، أم بصحته ، أما على تقدير الحكم بصحته فلما ذكرناه
من عدم الدليل ، والأصل في العارية أن يكون غير مضمونة الا ما استثنى ، وليس هذا
منه ، لما عرفت.
وأما على تقدير الحكم بفساده فلما تقرر من القاعدة
المشهورة «ان كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، ومالا فلا».
ولو قيل : بأنه يمكن الاستدلال على الضمان بإطلاق النصوص
الدالة على أن المحرم إذا أتلف صيدا مملوكا فعليه القيمة لمالكه ، وما نحن فيه
كذلك ، قلنا : هذا معارض بالنصوص الصحيحة الدالة على أن العارية غير مضمونة ، الا
ما استثنى ، وليس هذا منه ، وليس تخصيص الثاني بالأول أولى من العكس ، وترجيح
أحدهما على الآخر يحتاج الى دليل ، هذا كله إذا كان المستعير محرما كما عرفت ، فلو
كان الصيد في يد محرم فاستعاره المحل فظاهر كلامهم الجواز.
قال في التذكرة : ولو كان الصيد في يد محرم فاستعاره
المحل ، فان قلنا المحرم يزول ملكه عن الصيد ، فلا قيمة له على المحل ، لأنه أعاره
ما ليس ملكا له ،
وعلى المحرم الجزاء لو تلف في يد
المحل ، لتعديه بالإعارة فإنه كان يجب عليه الإرسال».
وان قلنا لا يزول صحت الإعارة ، وعلى المحل قيمته لو تلف
الصيد عنده ، انتهى.
أقول : لا إشكال في الحكم الثاني ، ولا كلام فيه ، وإنما
الكلام في الأول فإنه ان حكم بصحة الإعارة وجوازها كما هو ظاهر العبارة ، وهو
صريحة في القواعد والإرشاد ، وبه صرح في الشرائع أيضا ، فإن الإشكال يتطرق اليه من
وجوه : أحدها انهم صرحوا بأن من شروط صحة الإعارة كون المعار ملكا للمعير ، وهو
هنا منتف لما اعترفوا به من زوال ملكية المحرم عن الصيد ، فكيف تصح الإعارة ويحكم
بجوازها.
وثانيها : أن تسليمه للمحل اعانة على الصيد ، وإثبات
سلطنة عليه للغير ، وهو محرم على المحرم ، فلا يناسب إثبات الجواز ، ويمكن خدش هذا
الوجه بأنه لا منافاة بين تحريمه على المحرم ، والجواز للمحل ، فيحرم الإعارة على
المعير من حيث الإحرام ، ويجوز للمستعير من حيث كونه محلا ، ونظائره في الأحكام
غير عزيز.
وثالثها : أن تسليمه إذا كان محرما على المحرم حرم قبوله
من المحل ، لما فيه من الإعانة على الإثم والعدوان المنهي عنه في صريح القرآن ،
ولما ذكرنا قوى في المسالك الحكم بتحريم الإعارة في الصورة المذكورة ، وهو جيد لما
عرفت.
ويحتمل ضعيفا عدم الحكم بصحة الإعارة في الصورة المذكورة
، واليه يشير قوله في الثانية صحت الإعارة ، فإن ظاهره أنه في صورة الحكم بعدم
الملك لا تصح وحينئذ فلا إشكال ، الا أنه خلاف ما صرح به في كتبه ، وصرح به غيره ،
والله سبحانه العالم.
الرابعة : لو استعار مغصوبا فلا يخلو اما أن يكون جاهلا
بالغصب ، أو
عالما به ، فعلى الأول : فهل يتخير
المالك في الرجوع بالأجرة وأرش النقص ، والقيمة مع التلف على الغاصب ، أو المستعير
أو أنه انما يرجع على الغاصب خاصة؟ المشهور الأول ، والوجه فيه ما تقرر في كلامهم
من أن كل من ترتب يده على المغصوب ، فان يده يد ضمان عالما كان أو جاهلا ، فيد
المستعير هنا يد ضمان ، وقيل : بالثاني ، وبه صرح في الشرائع والقواعد ، ووجه بأن
المستعير مغرور يضعف مباشرته ، والسبب الغار أقوى.
وأنت خبير بما في الوجهين المذكورين ، وقد روى في الفقيه
(1) قال : «قال
على عليهالسلام : إذا استعيرت
عارية بغير اذن صاحبها فهلكت فالمستعير ضامن».
ورواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار (2) عن أبى عبد
الله عليهالسلام وأبى إبراهيم عليهالسلام مثله وظاهر
إطلاقه اختصاص الضمان بالمستعير عالما كان أو جاهلا.
ثم انه على تقدير القول المشهور من تخيير المالك لو رجع
على المستعير مع جهله كما هو المفروض ، رجع المستعير على الغاصب بما أغرمه المالك
لدخوله ، على أن يكون العين والمنفعة غير مضمونة ، هذا كله في العارية الغير
المضمونة.
أما لو كانت مضمونة كالذهب والفضة ، فإنه لا يرجع
المستعير على الغاصب بالقيمة لو تلفت العارية في يده ، لأن ضمانه إنما هو من حيث
العارية ، لا من حيث التعدي.
نعم يرجع بأجرة المنفعة إذا أخذها منه المالك ، وكذلك
يرجع بعوض النقصان قبل التلف ، لأن الجميع غير مضمون عليه ، وإنما دخل على ذلك ،
ولو رجع المالك على الغاصب لم يرجع الغاصب على المستعير إن لم تكن مضمونة ، والا
رجع عليه بما كان يضمنه ، هذا في صورة الجهل.
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 192 وما أورده في الفقيه ليس منسوبا الى على (عليهالسلام) بل الظاهر انه ذيل رواية إسحاق بن
عمار عن أبى عبد الله (عليهالسلام) الذي هو ح 1.
(2) التهذيب ج 7 ص 183 ح 10 ، الوسائل ج 13 ص 240 ح 1.
وأما لو كان عالما بالغصب فإنه يكون ضامنا ، ولا رجوع له
على الغاصب ، وللغاصب الرجوع عليه إذا أغرمها المالك.
وبالجملة فإن المستعير هنا غاصب كالذي أعاره ، ومن حكم
ترتب الأيدي على المغصوب تخير المالك في الرجوع على أيهما شاء ، ويستقر الضمان على
من تلفت العين في يده ، والله سبحانه العالم.
الفصل الثالث في العين المعارة.
وفيه أيضا مسائل الأولى : الضابط في
المستعار عند الأصحاب هو أن يكون مما يصح الانتفاع به مع بقاء عينه ، وهو يتضمن
شيئين بقاء العين مع الانتفاع ، وجواز ذلك الانتفاع ، فكلما يجوز الانتفاع به مع
بقاء عينه ، يصح إعارته ، كالعقارات والدواب ، والثياب ، والأقمشة ، والأمتعة ،
والصفر والحلي ، وكلب الصيد والماشية ، والفحل ، وجميع أصناف الحيوانات المنتفع
بها كالآدمي والبهائم ، ونحو ذلك.
وفي الصحيح عن محمد بن قيس (1) عن أبى جعفر عليهالسلام قال : «قضى
أمير المؤمنين عليهالسلام في رجل أعار
جارية فهلكت من عنده ولم يبغها غائلة فقضى : أن لا يغرمها المعار» الحديث.
وفي رواية وهب (2) عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام «أن عليا عليهالسلام قال : من
استعار عبدا مملوكا لقوم فعيب فهو ضامن ، ومن استعار حرا صغيرا فعيب فهو ضامن».
وحمل الضمان هنا على الاستعارة من غير المالك أو التفريط
والتعدي أو اشتراط الضمان. لما علم من عدم ضمان العارية إلا مع الوجوه المذكورة.
فأما ما لا يتم الانتفاع به الا بإتلاف عينه كالأطعمة
والأشربة ، فإنه لا يجوز
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 182 ح 3.
(2) التهذيب ج 7 ص 185 ح 17 ، الوسائل ج 13 ص 237 ح 9 وص 238 ح
11.
إعارتها ، لأن المنفعة المطلوبة منها
انما تحصل بإتلافها وذهاب عينها والإباحة لم تقع على الإتلاف.
وكذا ما لا يجوز الانتفاع به ، فإنه لا تصح إعارته
كأواني الذهب والفضة للأكل والشرب فيها ، ولو استعار كلب الصيد للهو والطرب حرم ،
ولو استعاره للصيد المشروع جاز ، والجواري يجوز استعارتها للخدمة ولا يجوز
للاستمتاع ، لأن العارية ليست من الأسباب المبيحة للبضع ، والمحللات محصورة في
أشياء ليس هذا منها.
وهكذا كل ما له منفعة محللة ومحرمة ، فإنه يجوز الإعارة
للأولى دون الثانية ، ولو استعاره للمحرمة قالوا : لم يجز الانتفاع به في المحللة
، والوجه فيه بطلان الإعارة من أصلها.
والظاهر أن التخصيص بالمنافع غالبي ، لما سيأتي ان شاء
الله تعالى من اعارة الغنم وهي المنحة والمنافع المأخوذة منها إنما هي أعيان
كالصوف والشعر واللبن.
الثانية : قد تقدم في
كلام العلامة في التذكرة وبه صرح في غيرها من كتبه ما يدل على جواز التخطي مع
الاذن في شيء مخصوص الى ما هو أدون منه ضررا أو مساو له ، وظاهره أنه لا خلاف فيه
، وقد قدمنا ما في ذلك ، وبما ذكرناه أيضا صرح المحقق فقال : ويقتصر المستعير على
القدر المأذون فيه ، وقيل : يجوز أن يستبيح ما هو أدون في الضرر ، كما يستعير أرضا
للغرس فيزرع ، والأول أشبه واختاره في المسالك أيضا ، قال : وما اختاره المصنف
أوجه ، وقوفا مع الإذن ، لأن الأصل عدم جواز التصرف في مال الغير بغير اذنه ، خرج
منه ما يأذن فيبقى الباقي وكون الأدون أولى بالاذن منه ـ ، فيدخل من باب مفهوم
الموافقة ـ ممنوع ، لجواز تعليق غرض المالك بالنوع الخاص ، فالأولوية ممنوعة نعم
لو علم انتفاء الغرض في التخصيص توجه جواز التخطي إلى الأقل ، انتهى وهو جيد.
بقي الكلام في أنه لو عدل إلى الأضر مع النهي أو الإطلاق
كما هو محل
الاتفاق أو عدل إلى المساوي والأدون
مع النهي ، أو الإطلاق بناء على ما اخترناه ، فهل يلزمه الأجرة بمجموع الزرع أو
يسقط منها مقدار أجرة المأذون فيه وتثبت الزيادة خاصة إشكال ، ينشأ من أنه قد تصرف
في ملك الغير بغير اذنه ، فان هذا التصرف الذي فعله غير مأذون فيه ، وبموجب ذلك
يلزم ثبوت الأجرة كملا ، ومن أنه قد إباحة المنفعة المخصوصة بذلك الفرد الذي أذن
فيه ، فلا عوض لها ، فإذا تخطي الى غيرها كان مقدار منفعة ما أبيح له حلالا ، لا
عوض فيها ، وإنما العوض للزائد ، وعلى هذا لا يحصل في المساوي والأقل ضررا إلا
الإثم خاصة.
والظاهر أن الأول أقوى ، لأن ما أذن فيه المالك لم
يستوفه ، وما استوفاه غير مأذون فيه بالكلية ، فتصرفه حينئذ عدوان محض ، وكون
المالك أحل له التصرف في ذلك الفرد لا يستلزم اجزاء قدر ما فيه من المنفعة في هذا
الفرد الذي تصرف فيه من غير اذن ، فيجعل الضمان في ما زاد عن ذلك ، لأن تلك
المنفعة مخصوصة بذلك الفرد المجاز ، لا تعلق لها بهذا الفرد الأخر.
نعم لو كان المأذون فيه داخلا في ضمن الفرد المنهي عنه
كما لو أذن له في تحميل الدابة قدرا معينا ، فزاد عليه ، أو أذن له في ركوبها
بنفسه فأردف غيره معه ، أمكن إسقاط قدر المأذون فيه ، فلا أجرة عليه من حيث كونه
مأذونا ، وانما الأجرة في مقابلة ما زاده ، ومثل ذلك ما لو أذن له في زرع حنطة
فزرع حنطة وغيرها.
ونقل عن العلامة أنه فرق بين النهي عن التخطي ، وبين
الإطلاق ، فأوجب الأجرة كملا مع النهي ، وأسقط التفاوت مع الإطلاق ، بمعنى أنه لو
أمره بزرع الحنطة مثلا ونهى عن غيرها ، فإنه بالمخالفة يضمن الأجرة كملا ، ولو لم
ينهه بل أمره بها من غير نهي عن غيرها ، فإنه مع المخالفة إلى غير الحنطة مما هو
أضر يعتبر قدر منفعة الحنطة فيسقط من الأجرة ويؤخذ الأجرة على ما زاد.
وهو مبني على مذهبه الذي قدمنا نقله عنه من جواز المساوي
والأقل ضررا
وانما المحرم ما كان أضر.
وأورد عليه في هذا التفصيل بأن الفرق غير واضح لأن
التخطي غير مأذون فيه في كل من الفردين المذكورين ، غاية الأمر أنه في صورة النهي
جاء المنع من حيث النهي الذي نص عليه المالك ، وفي صورة الإطلاق وعدم النهي جاء
المنع من حيث عدم الإذن ، إذ قد علم من الشرع المنع من التصرف في مال الغير بغير
اذن المالك ، وهذا لا يوجب اختلاف الحكم والله سبحانه العالم.
الثالثة : المشهور في
كلام الأصحاب على وجه لا يظهر فيه خلاف أنه يجوز إعارة الشاة للحلب وهي المسماة
عندهم بالمنحة بالكسر قال في المسالك : «وجواز إعارة الشاة لذلك ثابت بالنص على
خلاف الأصل ، لأن اللبن المقصود من الإعارة عين لا منفعة ، وعدوا الحكم إلى غير
الشاة مما يعد للحلب من الانعام وغيرها.
وفي التذكرة : «يجوز اعارة الغنم للانتفاع بلبنها وصوفها
، وفي تعدى الحكم عن موضع الوفاق ان كان هو اعارة غير الغنم نظر للبن لعدم الدليل
مع وجود المانع ، وهو أن الإعارة مختصة في الأصل بالأعيان ، ليستوفي منها المنافع
، والنص من طرقنا غير واضح ، ومن طرق العامة لا يدل على غير الشاة» انتهى.
أقول : لا يخفى ما في كلامه من التدافع بين صدره وعجزه ،
فان صدره ظاهر في وجود نص من طرقنا بهذا الحكم ، فإنه حكم بثبوته بالنص على خلاف
الأصل ومقتضاه كون ذلك النص من طرقنا كما لا يخفى ، ومقتضى كلامه أخيرا وقوله «والنص
من طرقنا غير واضح ، ومن طرق العامة لا يدل على غير الشاة» كون مستند هذا الحكم
إنما هو النص الذي من طرق العامة ، وأنه لا نص من طرقنا ، وهذا هو الحق الواضح ،
فإنه لا مستند لهذا الحكم في أخبارنا على الوجه الذي ذكروه.
نعم هنا أخبار قد استند إليها في التذكرة حيث ذهب في
الكتاب المذكور الى جواز إعارتها للانتفاع باللبن والصوف ، قال يجوز اعارة الغنم
للانتفاع
بلبنها وصوفها وهي المنحة ، وذلك
لاقتضاء الحكمة إباحته ، لأن الحاجة تدعو الى ذلك ، والضرورة تبيح مثل هذه الأعيان
كما في استيجار الظئر.
وقد روى العامة عن النبي (1) (صلىاللهعليهوآله) أنه قال : «المنحة
مردودة». والمنحة هي الشاة.
ومن طرق الخاصة ما رواه الحلبي (2) في الحسن عن
مولانا الصادق عليهالسلام : «في الرجل
يكون له الغنم يعطيها بضريبة سمنا شيئا معلوما أو دراهم معلومة من كل شاة كذا وكذا
في كل شهر ، قال : لا بأس بالدراهم ولست أحب أن يكون بالسمن».
وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان (3) «أنه سأل
الصادق عليهالسلام عن رجل دفع
الى رجل غنمه للسمن ودراهم معلومة لكل شاة كذا وكذا في كل شهر ، قال : لا بأس بالدراهم
، فأما السمن فلا أحب ذلك ، الا أن يكون حوالب فلا بأس» ، وإذا جاز ذلك مع العوض
فبدونه أولى ، انتهى.
أقول : قد قدمنا الكلام على هذه الأخبار ، وبيان ما
اشتملت عليه من الحكم المذكور في المسئلة الرابعة من الفصل الحادي عشر من كتاب
التجارة (4).
وظاهر العلامة هنا حملها على العارية ، مع أنه في
المختلف بعد أن رد على ابن إدريس في إنكاره هذه المعاملة ، ومنعها حيث أنها ليست
بيعا ولا اجارة ، قال : والتحقيق أن هذا ليس ببيع ، وإنما هو نوع معاوضة ومراضاة
غير لازمة ، بل سائغة ولا منع في ذلك ، انتهى.
على أن بعض الأخبار المشار إليها قد اشتمل على البقر
أيضا كما قدمنا ثمة وهو لا يقول به ، والظاهر منها أيضا بعد ضم بعضها الى بعض أن
المنافع التي يستوفيها الراعي فيها إنما هو في مقابلة رعيها وحفظها وحراستها.
__________________
(1) النهاية : لابن الأثير ج 4 ص 364.
(2 و 3) التهذيب ج 7 ص 127 ح 25 ، الكافي ج 5 ص 223 ح 1 ،
الوسائل ج 12 ص 260 ح 1 و 4.
(4) ج 20 ص 60.
ومما هو ظاهر في ذلك رواية إبراهيم بن ميمون (1) أنه سأل أبا
عبد الله عليهالسلام قال : نعطي
الراعي الغنم بالجبل يرعاها ، وله أصوافها وألبانها ويعطينا الراعي لكل شاة درهما؟
فقال : ليس بذلك بأس» الحديث.
وبالجملة فإن حملها على العارية كما ذكره بعيد غاية
البعد ، ويؤيد ذلك اتفاق الأخبار المذكورة على الاشتمال على أخذ العوض ، مع أن
العارية لا عوض فيها ، ويزيده تأييدا أيضا أن المستفاد من أخبار العارية أن
المستعير انما له الانتفاع بالعين فيما يترتب عليها من وجوه الانتفاعات إن كان
الاذن عاما ، وأما استيفاء الأعيان منها كاللبن والسمن ونحو ذلك فلم يقم عليه دليل
، وهذه المسئلة إنما أخذها الأصحاب من العامة ، وهذه التسمية بالمنحة إنما هي في
حديثهم المروي من طريقهم ، والا فأحاديثنا خالية عن ذلك بالكلية.
وبالجملة فإنه لا مستند لهذا الحكم ظاهرا الا ما يتراءى
من دعوى الاتفاق إن تم ، والا فالحجة غير واضحة ، وأما تعليل العلامة لذلك بقوله
فيما قدمنا من كلامه باقتضاء الحكمة إباحته فعليل ، والله سبحانه العالم.
الرابعة : قد تقدم أن العارية من العقود الجائزة ،
وللمالك الرجوع فيها ، سواء كانت مطلقة أو مقيدة بمدة إلا في بعض المواضع التي
تقدم استثنائها وتقدم نقل خلاف ابن الجنيد في الأرض البراح يعيرها للبناء والغرس
إذا قيد الإعارة بمدة ، في أنه ليس له الرجوع حتى تنقضي المدة ، فحكم بلزومها من
طرف المعير حتى تنقضي المدة ، والمشهور خلافه.
بقي الكلام في أنه لو أذن له في البناء أو الغرس أو
الزرع ثم طلب إزالته بعد ذلك ، فظاهر الأصحاب أن له ذلك من حيث جواز الرجوع متى
شاء ، ولكن عليه الأرش من حيث الاذن ، وخالف الشيخ في الزرع ، فقال : ليس له
المطالبة
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 224 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 127 ح 24 ، الوسائل
ج 12 ص 260 ح 2.
قبل إدراكه وان دفع الأرش ، لأن له
وقتا ينتهي اليه ، واقتفاه ابن إدريس في ذلك.
والأقرب بناء على قواعدهم في الباب من حيث ان الإعارة من
العقود الجائزة هو جواز الرجوع مطلقا ، الا ما قام الدليل على خروجه ، ولا دليل
هنا وحديث (1) «الضرر والضرار».
لازم من الطرفين ، فلا يمكن الترجيح به ، فيجب الرجوع الى الأصل من تسلط الناس على
أموالهم ، مع أنه يمكن الجمع بين الحقين ، واندفاع الضرر من الجانبين ببذل الأرش
من المعير.
والمراد بالأرش على ما قالوا : تفاوت ما بين كونه منزوعا
من الأرض وثابتا فيها ، قال في التذكرة : ولكنه مخير بين أن يقلعه ويضمن الأرش ،
وهو قدر التفاوت بين قيمته مثبتا ومقلوعا الى آخر كلامه ، وهل المراد بكونه ثابتا
في تلك الأرض في صورة تقويمه كذلك هو ثبوته مجانا أو بأجرة.
قال في المسالك : كلام الشيخ في المبسوط صريح في الأول ،
وهو الظاهر من كلام المصنف والجماعة ، مع احتمال اعتبار الثاني ، والى هذا
الاحتمال مال (رحمهالله) ، ونقله عن
التذكرة في غير هذا الموضع كما يأتي في كلامه.
وعلل الأول بأن وضعه في الأرض لما كان صادرا عن إذن
المالك تبرعا اقتضى ذلك بقاؤه تبرعا كذلك ، وإنما صير الى حواز القلع بالأرش جمعا
بين الحقين ، فيقوم ثابتا بغير أجرة مراعاة لحق المستعير ، ويقلع مراعاة لحق
المعير.
وعلل الثاني بأن جواز الرجوع في العارية لا معنى له الا
أن تكون منفعة الأرض ملكا لصاحبها ، لا حق لغيره فيها ، وحينئذ فلا يستحق الا بقاء
فيها الا برضاه بالأجرة ، وحق المستعير يجبر بالأرش ، كما أن حق المعير يجبر
بالقلع ، وبأخذ الأجرة لو اتفقا على إبقائه بها ، قال : وهذا هو الأقوى ، واختاره
في التذكرة في غير محله استطرادا.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 292 ح 2 ، الوسائل ج 17 ص 341 ح 3 و 4.
أقول : ومن هذا التعليل يظهر وجه ضعف التعليل الأول ،
لأن مبنى التعليل الأول على أن اذن المالك في وضع هذه الأشياء في أرضه اقتضى
بقاؤها فيها تبرعا ، وقد رده في التعليل الثاني بأن جواز الرجوع في العارية لا
يتوجه الا بأن يكون منفعة الأرض لصاحبها لا حق لغيره فيها ، إذ لو كان لغيره حق
فيها لم يتوجه جواز الرجوع فيها ، وإذا لم يكن لغيره حق فيها فكيف يتجه ما ذكره في
ذلك التعليل من بقائه تبرعا بسبب الأذن في الوضع ، وحينئذ فلا بد في تقويمه باقيا
من اعتبار الأجرة ، إذ البقاء إنما يتوجه بها.
وبالجملة : فإن الأذن في الوضع إنما اقتضى صحة التصرف ،
وأن لا يكون غصبا ولا موجبا للمؤاخذة والإثم ، وبرجوع المالك في ذلك بعد ذلك لا
يستحق البقاء فيها إلا بالأجرة ان تراضيا بها وحينئذ فإذا أريد التقويم بعد الرجوع
لأخذ الأرش إنما تقوم باقية بالأجرة حيث أنه لا يستحق البقاء بعد الرجوع بدونها ،
وتقوم مقلوعة ، فيؤخذ بالتفاوت بين القيمتين هذا مقتضى كلامه ، وهو جيد بالنظر الى
هذه الاعتبارات ، والبناء على هذه التعليلات ، وينبغي أن يعلم أن ثبوت الأرش إنما
يكون في صورة اختلاف حالتي القلع والبقاء ، وحيث ينتفي الاختلاف كما في صورة إدراك
الزرع وبلوغه ، فإنه متى رجع المالك في تلك الحال فإنه لا أرش.
ولو بذل المعير قيمة البناء أو الغرس أو الزرع لم يجب
على المستعير اجابته ، بل له قلعه وإزالته مع أخذ الأرش من المعير ، وكذا لو بذل
المستعير قيمة الأرش أو الأجرة لم يجب على المعير إجابته ، لأن كلا منهما مسلط على
ملكه ، لا يجوز التصرف فيه الا برضاه.
وخالف الشيخ في الأول فأوجب على المستعير الإجابة إذا
بذل المعير قيمة الأشياء المذكورة معللا ذلك بعدم الضرر على المعير ، وقد تقدم نقل
كلامه في الفائدة الرابعة من الفصل الأول (1) وضعفه ظاهر ، فان مجرد انتفاء الضرر
على
__________________
(1) ص 481.
المالك غير كاف في جواز تملك ماله
بغير رضاه.
والمشهور : أن للمستعير بيع أبنيته وغرسه ولو على غير
المالك ، حيث أن الجميع ملك له يتصرف فيه كيف شاء.
وقيل لا يجوز له بيعه على غير المعير لعدم استقرار ملكه
برجوع المعير ، وفيه أن عدم استقرار ملكه غير مانع من البيع ، كما يباع المشرف على
التلف ، ومستحق القتل قصاصا وحينئذ فإن كان المشترى جاهلا تخير بعد العلم بين
الفسخ وعدمه ، وان كان عالما كان حكمه حكم المستعير فيما يترتب على ذلك ، ولو
اتفقا جميعا على بيع ملكيهما بثمن واحد صح ، ووزع الثمن عليهما ، فيقسط على أرض
مشغولة به على وجه الإجارة ، مستحق القلع بالأرش أو الإبقاء بالأجرة أو التملك
بالقيمة مع التراضي ، وعلى ما فيها مستحق القلع على أحد الوجوه فلكل قسط ما يملكه
، هذا.
وقد صرح جملة منهم بأنه ليس للمالك المطالبة بالإزالة
إلا بعد دفعه الأرش أولا ، والا فلا يجب اجابته الى ما طلب ، وعلل باحتمال تعذر
الرجوع اليه بإفلاس أو غيبة أو نحوهما فيضيع حق المستعير ، ويلزم الضرر عليه بخلاف
ما إذا دفع أولا.
ولو قيل : بأنه مع الدفع أولا يمكن أيضا أن يهرب
المستعير أيضا ، ويتعذر مباشرته للقلع ، فيرجع الضرر على المعير أيضا.
قلنا : هذا الضرر يمكن دفعه ، بجواز مباشرة الغير لذلك
باذن الحاكم الشرعي مع إمكانه ، أولا معه مع تعذره ، فلا ضرر حينئذ والله سبحانه
العالم.
الخامسة : قال في
التذكرة : يجوز للمعير دخول الأرض والانتفاع بها والاستظلال بالبناء والشجر ، لأنه
جالس على ملكه ، وليس له الانتفاع بشيء من الشجر بثمر ولا غصن ولا ورق ولا غير
ذلك ، ولا يضرب وتد في الحائط ، ولا التسقيف عليه وليس للمستعير دخول الأرض للتفرج
إلا بإذن المعير ، لأنه تصرف غير مأذون
فيه ، نعم يجوز له الدخول لسقي الشجر
ومرمة الجدار وحراسة لملكه عن التلف والضياع ، انتهى.
وعلى هذا المنوال عباراته في سائر كتبه وعبائر غيره في
هذا المجال ، والوجه فيه أنه إذا أعاره أرضا للغرس فيها فإنه يجوز لكل منهما
دخولها.
أما المعير فإنه المالك لعينها ، فله الدخول في كل وقت
شاء وله الاستظلال بالشجر وإن لم يكن ملكه ، لانه جالس في ملكه كما لو جلس في أرض
مباحة واتفق له التظليل بشجر غيره ، وانما يمنع من التصرف في الغرس خاصة.
وأما المستعير فلانه يملك الغرس الذي فيها ، فله الدخول
لأجل إصلاحه ، والقيام به بسقي ونحوه مما يتوقف عليه حفظه وحراسته وليس له الدخول
لغرض آخر غير ما يتعلق بالغرس من التفرج ونحوه ، حيث أن الاستعارة وقعت مخصوصة
بالغرس دون غيره.
وظاهرهم أنه لا يجوز له الجلوس والاستظلال حيث أنهم خصوا
ذلك بالمعير ، ووجهه ظاهر كما عرفت ، ولم يذكروا ذلك في المستعير ، الا أن الشهيد
في اللمعة صرح بجواز ذلك لهما.
وعلله الشارح بالنسبة إلى المستعير بقضاء العادة بذلك ،
ومقتضى منعهم المستعير هنا من الدخول للتفرج ، أنه لا يجوز للغير دخول أرض غيره
لذلك بطريق الأولى إلا بإذن المالك ، وينبغي أن يستثني من ذلك ما إذا كان المالك
صديقا يعلم منه أو يظن الرضاء بذلك ، والله سبحانه العالم.
السادسة : لا خلاف بين
الأصحاب في أنه لا يجوز للمستعير اعارة العين بدون إذن المالك ، والوجه فيه ظاهر
لما تقدم ان من شروط الإعارة أن يكون المعير مالكا للمنفعة ، والمستعير ليس كذلك ،
ولهذا لا يجوز له أن يؤجر وان كان له استيفاءها من حيث الاذن المترتب على الإعارة.
ويؤيده أن الأصل عصمة مال الغير عن التصرف فيه الا بإذن
مالكه ، والإعارة
انما اقتضت تصرف المستعير خاصة ،
فيبقى غيره داخلا تحت المنع ، وأيضا فإن الإعارة انما تفيد اباحة الانتفاع ،
والمستبيح لا يملك نقل الإباحة إلى غيره ، كالضيف الذي أبيح له الطعام ، فإنه ليس
له أن يبيحه الى غيره.
نعم يجوز للمستعير استيفاء المنفعة بنفسه أو وكيله ،
وهذا لا يعد إعارة ، لأن النفع المستوفي عائد إلى المستعير لا الى الوكيل ، ولم
ينقل الخلاف هنا الا عن بعض العامة.
قال في التذكرة : وقال أبو حنيفة : يجوز للمستعير أن
يعيره وهو الوجه الآخر للشافعية ، لأنه يجوز إجارة المستأجر للعين ، فكذا يجوز
للمستعير أن يعير لأنه ، تمليك على حسب ما ملك.
والفرق أن المستأجر يملك بعقد الإجارة الانتفاع على كل
وجه ، فلهذا ملك أن يملكها ، وأما في العارية فإنه ملك المنفعة على وجه ما أذن له
، فلا يستوفيه غيره فافترقا ، انتهى.
والأظهر في التعبير عن بيان الفرق أن مقتضى الإجارة
تمليك المنفعة ، ورفع يد المالك عنها ومقتضى العارية إباحتها خاصة ، مع تسلط
المالك عليها بالرجوع وان كان كلامه يرجع الى ذلك ، وبذلك يظهر أن ما ذكره أبو
حنيفة ومن تبعه قياس مع الفارق.
بقي الكلام في أنه لو خالف المستعير فأعار غيره فالظاهر
أنه لا خلاف في أن للمالك الرجوع في العارية الثانية بأجرة المثل ، وبدل العين لو
تلفت على من شاء منهما ، لكن لو رجع على المعير لم يرجع على المستعير إذا كان
جاهلا بالحال ، فإنه مغرور ، وقد سلطه عليه بغير عوض ، الا أن يكون العارية مضمونة
فيرجع عليه من هذه الحيثية ببدل العين خاصة لو تلفت كما هو حكم العواري المضمونة ،
ولو كان عالما استقر الضمان عليه كالغاصب.
وقال في التذكرة : وان رجع على المعير بأجرة المثل كان
له الرجوع على المستعير العالم ، وفي الجاهل اشكال ، وكذا العين ، ونحوه في
القواعد ،
والظاهر أن وجه الاشكال ـ كما ذكره
بعض شراح القواعد ـ ينشأ مما تقدم مما يدل على عدم الرجوع ومن أنه قد استوفى
المنافع ، فيرجع عليه.
وأنت خبير بأن الموافق لقواعدهم انما هو عدم الرجوع لما
عرفت من الوجه المتقدم ، ومجرد استيفاء المنافع مع تسليطه عليها مجانا لا يوجب
الرجوع عليه ولو رجع على المستعير قال في المسالك : رجع على المعير بما لا يرجع
عليه به ، لو رجع عليه ، لغروره.
وهو ظاهر في رجوعه عليه بأجرة المثل وبدل العين مع فقدها
، وهي التي لا يرجع بها المعير على المستعير مع الجهل ، فإنه يرجع بها المستعير
هنا على المعير ، لأنه قد غره بإعارته له وهو جاهل ، وتصرف فيه بناء على أن ذلك
مجانا ، فلما رجع عليه المالك وأغرمه استحق الرجوع على من أعاره وغره.
وقال في التذكرة : فإن رجع على المستعير لم يرجع
المستعير على المعير وان كان جاهلا على اشكال.
وأنت خبير بأن الموافق لقواعدهم انما هو ما ذكره في
المسالك ، فان هذه المسئلة من جزئيات مسئلة من استعار من الغاصب ، والمعير هنا
بإعارته بدون اذن المالك غاصب ، فيترتب على إعارته ما يترتب على اعارة الغاصب.
وما ذكره في المسالك هو مقتضى ما فصلوه في اعارة الغاصب
كما تقدم ذكره في المسئلة الرابعة من الفصل الثاني (1).
السابعة : لو أذن له
في غرس شجرة فانقلعت ، فهل يجوز له أن يغرس غيرها استصحابا للإذن الأول؟ قيل : نعم
لما ذكر ، فإن الإذن قائم ما لم يرجع المعير.
وقيل : بعدم الجواز لأن الاذن انما وقع في ذلك الأول لا
في غيره ، فقوله ان الاذن قائم مطلقا ممنوع ، ومثله الزرع والبناء ووضع الجذع ،
الا أنه قال في التذكرة : لو انقلع الفصيل المأذون له في زرعه في غير وقته المعتاد
، أو سقط الجذع كذلك ، وقصر الزمان جدا فالأولى أن يعيده بغير تجديد الاذن ، انتهى.
__________________
(1) ص 488.
الفصل الرابع فيما يلحق ذلك من الأحكام في المقام.
وفيه أيضا مسائل الاولى
: لا خلاف بين الأصحاب في أن العارية أمانة في يد
المستعير ، لا تستعقب الضمان إلا في مواضع مخصوصة يأتي التنبيه عليها إنشاء الله
تعالى ، فلو تلفت في يد المستعير بغير تفريط ولا عدوان فلا ضمان عليه ، سواء كان
التلف بآفة سماوية أو أرضية.
وبذلك تكاثرت الأخبار فروى في الكافي والتهذيب في الصحيح
أو الحسن عن الحلبي (1) عن أبى عبد
الله عليهالسلام قال : «إذا
هلكت العارية عند المستعير لم يضمنها الا أن يكون قد اشترط عليه». وزاد في الكافي
قال : وفي حديث آخر «إذا كان مسلما عدلا فليس عليه ضمان».
وعن عبد الله بن سنان (2) في الصحيح قال
: «قال أبو عبد الله عليهالسلام لا تضمن
العارية الا أن يكون قد اشترط فيها ضمانا الا الدنانير فإنها مضمونة وان لم يشترط
فيها ضمان».
وعن زرارة (3) في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام العارية
مضمونة؟ قال : فقال : جميع ما استعرته فتوى ، فلا يلزمك تواه ، الا الذهب والفضة ،
فإنهما يلزمان الا أن يشترط عليه أنه متى توى لم يلزمك تواه ، وكذلك جميع ما
استعرت فاشترط عليك يلزمك ، والذهب والفضة لازم لك وان لم يشترط عليك».
وروى المشايخ الثلاثة بأسانيدهم وفيها الصحيح عن محمد بن
مسلم (4) عن أبى جعفر عليهالسلام قال : «سألته
عن العارية يستعيرها الإنسان فتهلك أو تسرق قال : فقال : إذا كان أمينا فلا عزم
عليه».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 238 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 183 ح 8 ، الوسائل ج
13 ص 236 ح 1 و 2.
(2 و 3) الكافي ج 5 ص 238 ح 2 ، الوسائل ج 13 ص 239 ح 1
التهذيب ج 7 ص 183 ح 7 و 9.
(4) الكافي ج 5 ص 238 ح 4 ، الفقيه ج 3 ص 192 ح 2 التهذيب ج 7
ص 182 ح 2 ، الوسائل ج 13 ص 237 ح 7.
وروى في الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان (1) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن العارية؟
فقال : لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت إذا كان مأمونا».
وروى الشيخ عن الحلبي (2) في الصحيح عن
أبى عبد الله عليهالسلام قال : «صاحب
الوديعة والبضاعة مؤتمنان ، وقال : ليس على المستعير عارية ضمان ، وصاحب العارية
والوديعة مؤتمن».
وعن عبد الملك بن عمرو (3) عن أبى عبد
الله عليهالسلام قال : «ليس
على صاحب العارية ضمان الا أن يشترط صاحبها الا الدراهم ، فإنها مضمونة اشترط
صاحبها أو لم يشترط».
وعن إسحاق بن عمار (4) في الموثق عن أبي عبد الله وأبي
إبراهيم عليهماالسلام «قالا :
العارية ليس على مستعيرها ضمان ، الا ما كان من ذهب أو فضة فإنهما مضمونان اشترط
أو لم يشترط».
ورواه في الفقيه بإسناده عن إسحاق بن عمار أيضا وعن محمد
بن قيس (5) في الصحيح عن
أبى جعفر عليهالسلام قال : «قضى
أمير المؤمنين عليهالسلام في رجل أعار
جارية فهلكت من عنده ولم يبغها غائلة فقضى عليهالسلام أن لا يغرمها
المعار ، ولا يغرم الرجل إذا استأجر الدابة ما لم يكرهها أو يبغها غائلة».
وعن مسعدة بن زياد (6) عن جعفر بن محمد عليهالسلام قال : «سمعته
يقول لا عزم على مستعير عارية إذا هلكت أو سرقت أو ضاعت إذا كان المستعير مأمونا».
وأما ما رواه الشيخ عن وهب (7) عن جعفر عن
أبيه أن عليا عليهالسلام كان يقول :
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 7 ص 182 ح 4 ، الوسائل ج 13 ص 236 ح 3 وص237
ح 6.
(3) التهذيب ج 7 ص 184 ح 11 ، الوسائل ج 13 ص 240 ح 3 و 4 ،
الفقيه ج 3 ص 192 ح 1 ..
(5) الوسائل ج 13 ص 237 ح 9.
(6 و 7) التهذيب ج 7 ص 184 ح 16 ، الوسائل ج 13 ص 237 ح 10 وص
238 ح 11.
من استعار عبدا مملوكا لقوم فعيب فهو
ضامن». فلا يخفى ما في حال رواية من الضعف ، فلا يبلغ قوة في معارضة ما ذكرناه من
الأخبار ، وحملها الشيخ على من استعار بغير إذن المالك ، وجوز حمله على من فرط ،
وعلى من شرط عليه الضمان.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن تحقيق الكلام في المقام يقع في
موارد ، الأول : المفهوم من كلام الأصحاب ان
العارية تضمن في مواضع ، فهي عندهم مستثناة من القاعدة المتقدمة ، الأول اشتراط
الضمان ، وهو متفق عليه نصا وفتوى ، وقد تقدم في صحيح الحلبي أو حسنته الدلالة على
ذلك ، ومثله صحيح عبد الله بن سنان ، وصحيح زرارة.
الثاني : الذهب
والفضة وعليه تدل جملة من الأخبار المذكورة ، وسيأتي في الموضع الثاني تحقيق
الكلام في ذلك.
الثالث : التعدي
والتفريط ، وعليه قوله في صحيح محمد بن قيس المتقدم ، ولا يغرم الرجل إذا استأجر
الدابة ما لم يكرهها أو يبغها غائلة ، وأيضا فإن معنى عدم ضمان الأمانة في كل موضع
ذكروه ليس إلا من حيث التلف مع عدم التعدي والتفريط ، فاستثنائه في الحقيقة مستغنى
عنه.
الرابع : العارية من
غير المالك ، ويدل عليه موثقة إسحاق بن عمار (1) عن أبى عبد الله عليهالسلام وأبى إبراهيم عليهالسلام قال إذا
استعيرت عارية بغير إذن صاحبها ، فهلكت فالمستعير ضامن».
وهذا الموضع في الحقيقة كسابقه ، لأن هذه كما تقدم
تحقيقه ليست بعارية ، وان عبر عنها بذلك ، فان اعارة الثاني لها غصب ، فهذه الصورة
في الحقيقة ترجع إلى صورة التعدي والتفريط ، لتعدي المعير الثاني في إعارته بغير
إذن المالك ،
الخامس : ما تقدم من
عارية الصيد للمحرم ، وقد تقدم ما فيه من الإشكال بالنسبة إلى حق المالك في
المسئلة الثالثة ، من الفصل الثاني وأما بالنسبة إلى حق
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 183 ح 10 ، الوسائل ج 13 ص 240 ذيل حديث 1.
الله تعالى فلا اشكال فيه.
السادس : ما نقل عن
ابن الجنيد من حكمه بضمان الحيوان قال على ما نقله عنه في المختلف ، وليس يضمن
المعار تلف ما تلف منها إذا كان السلعة متاعا الا أن يتعدى ، وما كان منها عينا أو
ورقا أو حيوانا ضمن المعار تلف ذلك ، إلا أن يشترط المالك سقوط الضمان عنه.
ونقل في المختلف عنه الاستدلال بقوله (1) «على اليد ما
أخذت حتى تؤدى». وبرواية وهب (2) ولا يخفى ما
في دليله المذكور من الوهن والقصور مع تظافر الأخبار كما عرفت بالعدم ، مضافا الى
الأصل ومما ذكرنا علم أن الاستثناء في التحقيق انما يتجه في المواضع الثلاثة الأول
، بل في الموضعين الأولين خاصة ، لما عرفت في الثالث من عدم الحاجة الى استثنائه ،
وأن ذلك ظاهر من حكمهم بعدم ضمان الأمانة.
وقسم في المسالك العارية بالنسبة إلى الضمان وعدمه مع
الشرط وعدمه إلى أقسام أربعة : أحدها : ما يضمن ، وان اشترط عدم الضمان ، وعد من
ذلك صورة التعدي والتفريط ، والصورتين التاليتين لها ، ثم قال : ويحتمل قويا سقوطه
في الأول ، لأنه في قوة اذن المالك له في الإتلاف مجانا ، فلا يستعقب الضمان.
وأما الأخيرتان فالأمر فيهما واضح ، لأن إسقاط غير
المالك الضمان لمال المعير لا عبرة به ، وكذلك إسقاط الضمان عن المحرم ، لانه ثابت
عليه من عند الله سبحانه ، باعتبار كونه صيدا لا باعتبار كونه مملوكا.
أقول : ما احتمله في الصورة الأولى من هذه الثلاث وقواه
جيد ، بل الظاهر أنه متعين.
وأما الأخيرتان فقد عرفت أنهما ليستا من باب العارية
التي هي موضوع
__________________
(1) المستدرك ج 2 ص 504.
(2) التهذيب ج 7 ص 185 ح 17 الوسائل ج 13 ص 238 ح 11.
الكتاب ، ومحل البحث فيه ، وان تجوزوا
فيهما بإطلاق هذا اللفظ فاطلاقهما وإدخالهما في التقسيم لا يخلو من اشكال.
وثانيها : ما لا يكون مضمونا وان اشترط الضمان ، وهو
استعارة المحل للصيد من المحرم ، قال : وقد تقدم تسمية المصنف له استعارة.
أقول : هذا أيضا مبني على القول بصحة الإعارة في الصورة
المذكورة ، كما هو ظاهر جمع ممن قدمنا ذكره ، والتحقيق هو البطلان كما تقدم بيان
وجهه فلا ثمرة لعده هنا ، بناء على ما هو التحقيق في المسئلة.
وثالثها : ما يكون مضمونا إلا أن يشترط عدم الضمان وهو
استعارة الذهب والفضة أقول : ويضاف إليهما الحيوان بناء على مذهب ابن الجنيد ، وإن
كان قد عرفت ضعفه.
ورابعها : ما لا يكون مضمونا الا أن يشترط الضمان ، وهو
باقي أقسامها.
أقول : وبما ذكرنا خلال كلامه ظهر أنه لا شيء من
العارية يكون مضمونا الا أن يفرط ويتعدي فيه ، أو يشترط فيه الضمان ، الا الذهب
والفضة ، فإنهما مضمونان اشترط أو لم يشترط ، وهذا هو مقتضى الأخبار التي قدمناها
، والله سبحانه العالم.
المورد الثاني لا خلاف ولا اشكال بين الأصحاب في ضمان
عارية الدراهم والدنانير من غير شرط ، لما تقدم من الأخبار المشتملة جملة منها على
الذهب والفضة وبعض على الدنانير والدراهم.
وانما الخلاف والاشكال في غيرهما من الذهب والفضة ،
كالحلي المصوغ والسبائك ونحوهما ، ومنشأ الخلاف من حيث اشتمال بعض الاخبار على
الذهب والفضة بقول مطلق ، واشتمال بعض على خصوص الدراهم والدنانير ، فمن ذهب الى
العموم نظر الى الاخبار الدالة على استثناءهما من عموم عدم الضمان في العارية ،
وان تخصيص الدراهم والدنانير بالذكر في بعض آخر ، انما هو من
حيث كونهما أحد أفراد الذهب والفضة ،
ولا منافاة بينهما ، ومن ذهب الى التخصيص بالدراهم والدنانير نظر الى أن ما دل على
الذهب والفضة مطلق ، وما دل على الدراهم والدنانير مقيد ، ومقتضى القاعدة العمل بالمقيد
، وتقييد المطلق به.
وأيده بعضهم بأن منفعة الدراهم والدنانير منحصرة في
الإتلاف ، فكانت مضمونة بالإعارة ، وأما غيرهما من المصوغ فان له منفعة مع بقاء
عينه ، وهي التجمل ونحوه ، ومن أجل ذلك توقف في المسئلة جملة من الأصحاب منهم
العلامة في التذكرة ، وهو في محله لما عرفت من تعارض احتمال الجمع بين روايات
المسئلة ، الا أنه يمكن أن يقال أن نصوص هذه المسئلة على أقسام ثلاثة :
منها ما هو مطلق في عدم الضمان من غير تقييد ، كحسنة
الحلبي (1) وصحيحة محمد
بن مسلم (2) وصحيحة عبد
الله بن سنان (3) وصحيحة الحلبي
(4) ورواية مسعدة
بن صدقة (5) فان الجمع
مشترك الدلالة في عدم الضمان في العارية من غير فرق بين كونها ذهبا أو فضة أو
غيرهما.
ومنها ما دل على استثناء الذهب والفضة من هذا الحكم ،
وأنه يضمن الا مع اشتراط العدم ، وهو صحيح زرارة (6) وموثق إسحاق
بن عمار (7).
ومنها ما دل على استثناء الدراهم والدنانير وهو خبر عبد
الملك بن عمرو (8) ، حيث ورد
باستثناء الأول ، وصحيح عبد الله بن سنان (9) حيث ورد باستثناء الثاني ،
والاستثناء في جميع هذه الاخبار انما وقع من العموم الذي دلت عليه أخبار القسم
الأول.
وحينئذ فيجب إخراج الدراهم والدنانير واستثناءهما على كل
حال من ذلك العموم ، لتصريح بعض الأخبار بهما بخصوصها ودخولهما في الذهب والفضة
اللذين اشتمل عليهما البعض الآخر ، بقي العموم فيما عداهما مع معارضته بمطلق
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل ج 13 ص 236 ح 1 و 3 وص 237 ح 7 و
6 و 10 والراوي هو مسعدة بن زياد كما تقدم.
(6 و 7 و 8 و 9) الوسائل ج 13 ص 239 ح 2 وص 240 ح 4 و 3 ص 239
ح 1.
الذهب والفضة ، ومقتضى القاعدة تخصيص
العموم بهما ، فيجب استثناءهما من العموم المذكور ، والقول بالضمان فيهما اشترط أو
لم يشترط الا مع اشتراط العدم.
وأما ما ذكره القائل بالتخصيص من أن الذهب والفضة مطلق ،
والدراهم والدنانير مقيد ، فيجب تقييدهما بذلك ، ففيه أنه لا تعارض بين أخبار
الذهب والفضة ، وبين أخبار الدراهم والدنانير ليجب ارتكاب الجمع بينهما بتقييد
المطلق منهما بالمقيد ، وانما كل من هذين الفردين قد وقع مستثنى من العموم الأول ،
ومخصصا له ، فأخرجنا الدراهم والدنانير من ذلك العموم ، لاتفاق الأخبار على
استثناء هما كما عرفت وبقي الكلام فيما عدا أخبار الدراهم والدنانير وقد عرفت وجه
الجمع فيه.
وبالجملة فإن العموم الذي دلت عليه أخبار القسم الأول قد
خصص بمخصصين ، أحدهما أعم من الآخر ، فيجب أن يخص ذلك العام بكل منهما ، أو يقيد
مطلقه بكل منهما ، ولا منافاة بين ذينك المخصصين ، على أن أحدهما يخصص الآخر أو
يقيده ، وهو بحمد الله سبحانه ظاهر.
وأما التعليل بأن الدراهم والدنانير تنحصر منفعتهما في
الإتلاف ، فكانت مضمونة بخلاف غيرهما : ففيه أولا أن هذه العلة لا أثر لها في
النصوص ، فهي مستنبطة ، وثانيا الانتقاض بالنقاد والسبائك ونحوهما مما لا يترتب
عليه أثر بالتجمل والتزين الذي ذكروه في المصوغ ، على أن ظاهر كلام المبسوط
والخلاف أن للدراهم والدنانير منفعة غير الإتلاف كما سيأتي إنشاء الله في كتاب
الإجارة.
وأما ما تكلفه صاحب الكفاية في هذا المقام ، وزعم به عدم
ثبوت الضمان في الذهب والفضة ، فلا يخفى ما فيه ، وحاصل كلامه أنه قد وقع التعارض
بين المستثنى منه في خبر الدراهم والدنانير ، وحاصله أنه لا ضمان في غير الدراهم
والدنانير ، فهو يدل على عدم الضمان في الذهب والفضة ، وبين المستثنى في خبر الذهب
والفضة ، وحاصله أنه لا ضمان في غير الذهب والفضة ، فهو يدل على الضمان
فيهما ، والنسبة بين الموضعين العموم
من وجه الى آخر كلامه.
وفيه أنه إن سمى هذا تعارضا يحتاج الى الجمع فإنه وارد
عليه في الدراهم والدنانير ، فإنه لم يقع استثناءهما في محل واحد بل دل صحيح عبد
الله بن سنان على استثناء الدنانير خاصة. وحاصله أنه لا ضمان في العارية الا أن
يكون دنانير ، وبموجبه أنه لا ضمان في الدراهم ، ودل خبر عبد الملك بن عمرو على
استثناء الدراهم خاصة ، وحاصله أنه لا ضمان في العارية الا أن يكون دراهم وهو ظاهر
في عدم الضمان في الدنانير ، فيجري فيه ما أورده ثمة ، والتعارض بين المستثنى منه
في كل من الخبرين ظاهر ، ولا نراه تكلفا للجمع بينهما هنا ، مع ظهور التعارض كما
عرفت ، بل عمل بالخبرين ، وخصص بهما عموم الأخبار الدالة على أنه لا ضمان في
العارية ، وما نحن فيه من أخبار الذهب والفضة مع أخبار الدراهم والدنانير كذلك ،
حيثما شرحناه.
وبما أوضحناه يظهر قوة القول باستثناء الذهب والفضة ،
ووجوب ضمانهما ، والله سبحانه العالم.
المورد الثالث : ظاهر جملة من الاخبار المتقدمة أنه يقبل قول المستعير لو
ادعى التلف بغير يمين ، وفتوى الأصحاب على خلاف ذلك ، حيث انهم صرحوا بأنه إنما
يقبل قوله بيمينه ، ونقل في التهذيب عن ابن بابويه (1) أنه قال : مضى
مشايخنا (رحمة الله عليهم) على أن قول المودع مقبول ، وأنه مؤتمن ولا يمين عليه.
وقد روى (2) أن رجلا قال للصادق عليهالسلام : بأني ائتمنت
رجلا على مال أودعته عنده ، فخانني وأنكر مالي فقال : لم يخنك الأمين ، وإنما
ائتمنت الخائن. انتهى.
وظاهر هذا الكلام يدل على أنه في كل موضع يحكم بكون
المال أمانة فلا يمين على من هو بيده لو ادعى تلفه أو أنكره ، ويدخل فيه العارية
والوديعة
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 7 ص 181 في ذيل ح 8 ، الوسائل ج 13 ص 228 ح
6.
والقراض ونحوها مما حكم بكون المال
فيه أمانة ، مع أن صريح كلام الأصحاب في هذه الأبواب كما صرحوا به في غير كتاب ـ هو
أنه لا يقبل قول أحد من هؤلاء إلا مع اليمين ، ولم أقف في الأخبار الواردة في هذه
الأبواب على ما يدل على ما ادعوه ، بل ظاهرها إنما هو قبول قولهم بغير يمين.
وقد تقدم في كتاب الوديعة جملة من الأخبار الدالة على ما
قلناه ، ومثلها الأخبار الواردة هنا في العارية ، فإن ظاهرها أنه متى كان المستودع
أو المستعير مأمونا فلا ضمان عليه ، بمعنى أنه يقبل قوله بمجرد دعواه التلف ، أو
الإنكار ، فإن قوله عليهالسلام في صحيحة محمد
بن مسلم المتقدمة : «إذا كان أمينا فلا غرم عليه» ، ظاهر فيما ذكرناه.
لا يقال أن العارية إنما تضمن باشتراط لضمان ، وبدونه لا
ضمان ، فلا غرم فيها لأنا نقول : نعم إذا علم المالك بالتلف ووافق عليه فلا ضمان
هنا الا مع الشرط وأما مع عدم ذلك بل ادعائه بقاء العين أو التفريط فيها فالذي
صرحوا به أنه لا يقبل قوله إلا باليمين ، وهذا محل البحث في المسئلة ، فان ظاهر
هذا الخبر كما ترى أنه متى كان المستعير أمينا فلا عزم عليه وهو ظاهر في قبول قوله
من غير يمين.
قال شيخنا المجلسي (قدسسره) في حواشيه
على هذا الخبر : يمكن أن يكون المراد بالأمين من لم يفرط في حفظها أو المعنى أنه
لما كان أمينا فلا غرم عليه ، وبالجملة لو لا الإجماع لكان القول بالتفصيل قويا ،
انتهى.
أقول : لا يخفى أن ارتكاب التأويل في الخبر فرع المعارض
، وليس إلا الإجماع الذي أشار اليه ، وهو لا تصلح للمعارضة لما ذكره هو وغيره من
المحققين في هذه الإجماعات ، مع أنك قد عرفت خلاف الصدوق (رحمهالله) في المسئلة ،
مع جماعة من مشايخه الذين نقل عنهم ذلك.
ومثله الشيخ في النهاية كما قدمنا نقله عنه في كتاب
الوديعة وغيرهم ممن
تقدم ذكره ، فالإجماع غير ثابت لو سلم
حجيته.
على أن ما ذكره من التأويل بحمل الأمين على من لم يفرط
في حفظها بعيد جدا ، لعدم جريانه في ما إذا ادعى المالك عليه التفريط مع عدم العلم
بعدم التفريط ، الا من قبل المستعير ، ولأنه تخصيص لمعنى الأمين ، والعدل ، من غير
مخصص ، بل استعمالهما في غير معناهما المتبادر لغة وشرعا ، بل المستفاد من الخبر
انما هو المعنى الثاني الذي ذكره ، ونحو الخبر المذكور قوله عليهالسلام في صحيحة عبد
الله بن سنان المتقدمة «لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت إذا كان مأمونا» ، والمرسلة
(1) التي نقلها في
الكافي عقيب حسنة الحلبي ، وكتب شيخنا المتقدم ذكره في حاشيته ، على هذه المرسلة
أيضا ما صورته ، ربما يحمل الخبر على أنه إذا كان مسلما عدلا ينبغي أن لا يكلفه
المعير اليمين ، فيلزمه بنكوله الضمان. أو يحمل العدل على من لم يقصر ولم يفرط ،
وهما بعيدان ، والمسئلة في غاية الإشكال ، انتهى.
أقول : ما استبعده من الاحتمالين في محله ، فان ظاهر
الخبر المذكور هو قبول قول المستعير متى كان كذلك من غير يمين ، لأنه مع التكليف
باليمين والنكول عنها يلزمه الضمان كما هو مقتضى القواعد ، مع أن الحديث مصرح بنفي
الضمان مطلقا ، وتفسير نفي الضمان بمعنى أن الأولى للمعير أن لا يكلفه باليمين
تعسف صرف ، وكذا حمل العدل على المعنى الذي اعترف ببعده.
وأما قوله أن المسئلة في غاية الإشكال ، ففيه ما عرفت
مما شرحناه بحمد الله تعالى الملك المستعان من أنه لا اشكال بعد دلالة الأخبار على
ما ذكرناه من أخبار هذا الباب وغيره كما تقدم ، وسيأتي إنشاء الله تعالى.
وعدم وجود خبر يدل على ما ادعوه وليس إلا مجرد الشهرة
التي سموها إجماعا لما عرفت من وجود المخالف ، ومن ذلك أيضا قوله عليهالسلام في رواية مسعدة
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 238 في ذيل ح 1.
بن زياد المتقدمة لا غرم على مستعير
عارية إذا هلكت أو سرقت أو ضاعت إذا كان المستعير مأمونا.
وسيأتي إنشاء الله تعالى في كتاب الإجارة جملة من
الأخبار الدالة على صحة ما ادعيناه زيادة على ما ذكرناه هنا وما تقدم في كتاب
الوديعة.
المسئلة الثانية : قالوا : إذا رد العارية إلى المالك أو
وكيله برء ، وإذا ردها الى الحرز لم يبرء ، ولو استغار الدابة إلى مسافة فجاوز بها
ضمن ، ولو أعادها إلى الأولى لم يبرء.
أقول : قد اشتمل هذا الكلام على ثلاثة من الأحكام ، أما
الأول منها وهو برأيه المستعير من العارية متى ردها على المالك أو وكيله ، فظاهر
لا ريب فيه.
وأما الثاني وهو عدم البراءة بالرد الى الحرز كالدابة
إلى الإصطبل مثلا ، فالوجه فيه الخبر الدال (1) «على أن على اليد ما أخذت حتى تؤدي». فإن
المراد من الأداء في الخبر هو الدفع الى المالك أو وكيله ، لا مجرد ردها في داره
أو اصطبله ، بل مقتضى القاعدة أن تكون مضمونة عليه بعد ذلك ، وان لم تكن مضمونة
أولا لتفريطه في وضعها في موضع لم يأذن له المالك فيه ، إذ لو تلفت بعد وضعها في
الموضع المذكور وقبل أن يتسلمها المالك لزمه ضمانها ، لما قلناه ، وهذا لا خلاف
فيه عندنا.
وانما نقل فيه الخلاف عن أبي حنيفة قال : في التذكرة إذا
رد المستعير العارية إلى مالكها أو وكيله برء من ضمانها ، وان ردها الى ملك مالكها
بأن حمل الدابة إلى إصطبل المالك فأرسلها فيه ، أو ردها الى الدار لم يزل عنه
الضمان ، وبه قال الشافعي ، بل عندنا أن لم تكن العارية مضمونة فإنها تصير بهذا
الرد مضمونة لأنه لم يدفعها الى مالكها ، بل فرط بوضعها في موضع لم يأذن له المالك
بالرد اليه ، كما لو ترك الوديعة في دار صاحبها ، فتلفت قبل أن يتسلمها المالك ،
__________________
(1) المستدرك ج 2 ص 504 ح 12.
لأنه لم يردها الى صاحبها ، ولا من
ينوب منابه ، فلم يحصل الرد ، كما لو ردها إلى أجنبي.
وقال أبو حنيفة ، إذا ردها الى ملك المالك صارت كأنها
مقبوضة لأن رد العواري في العادة إلى أملاك أصحابها ، فيكون مأذونا فيه من طريق
العادة وهو غلط ، لأنه يبطل بالسارق إذا رد المسروق الى الحرز ولا تعرف العادة
التي ذكرها فيبطل ما قاله ، انتهى وهو جيد.
وأما الثالث وهو ما لو استعار الدابة إلى مسافة مخصوصة
فتجاوزها ، فان الوجه في الضمان هنا أنه قد تعدى في العارية من وقت المجاوزة ،
فكان ضامنا لها الى أن يردها الى المالك هذا بالنسبة إلى ضمان العين لو تلفت فأما
ضمان المنفعة وهو أجرة الدابة فعندهم أنه يثبت في المسافة المتجاوز بها عن موضع
الاذن ذهابا وإيابا الى أن يرجع الى الموضع المأذون فيه ، لأنه في هذه المدة غاصب.
ولا تبطل الإعارة بذلك ، فيكون تصرفه فيها بعد رجوعه الى المكان المأذون فيه الى
أن يردها على المالك ، جائزا لدخوله في الإعارة ، فإنه مأذون فيه ، وانما حصل
التعدي الموجب للأجرة في تلك المدة المتوسطة ، وان كان أصل العين مضمونة بذلك
التعدي الى أن ترد على المالك.
ونقل في التذكرة عن بعض الشافعية أنه يضمن الأجرة أيضا
كالعين الى أن يردها على المالك ، محتجا بأن ذلك الاذن قد انقطع بالمجاوزة ، ثم
رده بأنه ممنوع.
أقول : حيث انه سابقا قبل هذا الكلام قال : وهل يلزمه
الأجرة من ذلك الموضع الذي وقع فيه العدوان الى أن يرجع الى البلد الذي استعار منه
الأقرب العدم لأنه مأذون فيه من جهة المالك ، وهو أحد وجهي الشافعية.
والثاني اللزوم ثم نقل القول الذي ذكرناه ورده هنا
بالمنع من انقطاع الاذن بالمجاوزة.
وأنت خبير بأن المعير انما أذن في تلك المسافة المعينة
ذهابا وإيابا
وهو بتجاوزه عن المسافة الى ما زاد
عليها قد حكموا عليه بضمان العين من حيث التعدي والتفريط ، الى أن ترد سالمة على
المالك ، وظاهر ذلك هو زوال العارية بهذا التعدي ، حيث أن المفروض أنها غير مضمونة
وانما حصل الضمان بهذا التعدي الموجب للخروج عن كونها عارية ، وحينئذ فكما أثر هذا
التعدي في زوال العارية بالنسبة إلى ضمان العين ، فلم لا يكون كذلك بالنسبة إلى
ضمان المنفعة ، لأن مقتضى العارية العدم ، فلا وجه لحكمهم هنا بضمان المنفعة في
خصوص موضع التعدي إذ التعدي إن كان موجبا للخروج عن العارية ، فينبغي أن يكون
بالنسبة إلى ضمان العين ، وضمان المنفعة ، والا فلا وجه للفرق بأن يكون ضمان العين
مستمرا الى الرجوع الى المالك.
وضمان المنفعة ينقطع بالرجوع الى محل التجاوز عن موضع
الاذن ، سيما أنهم صرحوا كما قدمنا ذكره بأنه في صورة ضمان المنفعة بأنه لا تبطل
الإعارة ، وان كان عاصيا في تلك المدة المتوسطة ، فلم لا يقال بذلك أيضا في صورة
ضمان العين بأن الإعارة باقية ، ومقتضيها عدم ضمان العين إلا في المدة التي تجاوز
عنها حتى يرجع إليها ، لا أنه يستمر الضمان الى الرد على المالك.
وكما أن الرجوع من محل التجاوز الى بلد الإعارة مأذون
فيه ، كما ذكروه بالنسبة إلى ضمان الأجرة ، فلا أجرة عليه في ذلك كذلك ، من حيث
أنه مأذون فيه ، لا ضمان للعين أيضا ، والغصب إن أثر الضمان الى الرجوع الى المالك
ففي الحالين ، وإلا فلا.
وبالجملة فإنه لا يظهر لي وجه واضح في ما ذكروه من الفرق
، والمسئلة خالية من النص ، وتعليلاتهم كما ترى ، هذا كله إذا كانت العارية غير
مضمونة.
أما لو كانت مضمونة كان شرط الضمان في العارية أو قلنا
بضمان العواري ، فان الدابة المذكورة تكون مضمونة إلى نهاية موضع الاذن ضمان عارية
، ولا أجرة عليه ، لأنه مأذون له في التصرف فيها ، فإذا تجاوز موضع الاذن ضمنها
ضمان الغصب ، ووجب عليه أجرة منافعها إلى أن يعود إلى المكان المأذون فيه ،
ومنه إلى الرجوع إلى المالك وردها
عليه يضمن ضمان العارية هذا مقتضى تقريرهم في المقام ، والله سبحانه العالم.
الثالثة : إذا حمل السيل حبا لرجل أو نوى أو جوزة أو نحو
ذلك فثبت في أرض غيره بغير علمه قال في المبسوط : من الناس من يقول لا يجبر على
قلعه ، لأنه غير متعد فيه فهو كالمستعير ، ومنهم من قال : يجبر على قلعه من غير
أرش ، لأنه لم يأذن له في ذلك وهذا أقرب إلى للصواب.
وقال ابن البراج : لا يجوز لصاحب الأرض مطالبته بقلعه ،
لأنه لم يتعد في ذلك ، قال في المختلف بعد نقل القولين المذكورين : والوجه ما قاله
الشيخ ، لأن الأرض لمالكها فله الانتفاع بها على أي وجه ، وتفريغها من مال الغير
الحاصل فيها بغير إذن ، ولأن الناس مسلطون على أموالهم وعدم الإثم والتعدي لا
يقتضي منع المالك عن التسلط على ملكه ، انتهى.
وبنحو ذلك صرح في التذكرة : فقال : إن لصاحب الأرض قلعه
، وإن امتنع صاحب الزرع أجبر عليه ، وبذلك صرح في الشرائع ، والظاهر أنه هو
المشهور بين المتأخرين وهو الأوفق بالأصول والقواعد الشرعية ، وما ذهب اليه ابن
البراج ضعيف لا يعول عليه.
بقي الكلام هنا في مواضع الأول : لو أعرض
المالك عنه وإن كان كثيرا فإنه يتخير صاحب الأرض بين قلعه وبين تملكه ، ويكون من
قبيل السنبل والثمار التي يعرض عنها ملاكها الا أن للمالك الرجوع فيها ما دامت
العين باقية.
وظاهر التذكرة هنا أنه لا يجبر المالك على نقله ، ولا
على أجرة الأرض ولا غير ذلك لأنه حصل بغير تفريط ولا عدوان ، فكان الخيار لصاحب
الأرض المشغول به ، إن شاء أخذه لنفسه وإن شاء قلعه.
الثاني : لو لم يعرض
عنه المالك وبقي حتى ظهر له ثمر فان ثمره ونمائه لمالكه ، وعليه أجرة الأرض للمدة
التي كان باقيا فيها ، إن طالبه صاحب الأرض
بقلعه ، لأنه في هذه الحال غاصب ، وإن
لم يطالبه فلا أجرة على الأقرب ، لأنه لم يقصر في القلع حيث لم يطلب منه ، ولا حصل
في الأرض بفعله ليكون متعديا.
الثالث : إذا قلعه
المالك وجب عليه تسوية الأرض وطم الحفر لأنها حدثت بفعله لتخليص ماله من ملك صاحب
الأرض ولصاحب الأرض إجباره لو امتنع من ذلك.
الرابع : لو امتنع المالك من القلع جاز لصاحب الأرض
إجباره ، وإلا نزعه منها ، كما لو سرت أغصان شجرة جاره الى ملكه وداره.
الخامس : قال في
المسالك : لو اشتبه المالك في قوم منحصرين وجب عليهم أجمع التخلص بالصلح أو
التمليك ونحوه ، ويجب على مالك الأرض أيضا مراجعتهم في ما يراجع فيه المالك المعين
ولو لم ينحصر المالك كان بمنزلة اللقطة يجوز تملكه إن كان دون الدرهم حين التملك ،
ولو تركه من غير نية التملك حتى بلغ وجب تعريفه كاللقطة ، ويحتمل كونه كمال مجهول
المالك ، في جواز التصدق به عنه من غير تعريف ، انتهى.
السادس : قالوا : لو
حمل السيل أرضا بشجرها فثبتت في ملك الغير فتلك الأرض وما فيها لمالكها ويجبر على
إزالتها كما تقدم.
الرابعة : لا إشكال في
الضمان مع اشتراطه كما تقدم في الأخبار فإن اختص الضمان بالتلف ضمن العين خاصة ،
وإن اختص بالنقصان ضمنه خاصة ، وإن كانا معا ضمنهما معا.
وانما الكلام والاشكال في ما لو أطلق ، فعلى هذا لو أطلق
ولم يعين شيئا من الأفراد الثلاثة المتقدمة ونقصت العين المستعارة بالاستعمال حتى
تلفت فهل يضمن القيمة يوم التلف خاصة؟ لأن النقصان غير مضمون من حيث انه حصل بفعل
مأذون فيه فلا يكون مضمونا ولأنه لو لم يتلف فردها على المالك في تلك الحال لم يجب
عليه شيء ، فإذا تلفت وجب قيمتها في تلك الحال وهو اختيار المحقق ، ونقل عن
المبسوط والتذكرة.
أو أنه يضمن النقص أيضا نظرا إلى اشتراط الضمان فيكون
ذلك النقص مضمونا وهو المنقول عن ابن الجنيد وأبى الصلاح واستشكل في القواعد في
المسئلة.
قال في المسالك : ويمكن الفرق بين تلف الاجزاء الموجب
للنقص بالاستعمال ، وبين تلفها بغيره فيضمن على الثاني دون الأول ، لأن تلفها بأمر
مأذون فيه فلا يستعقب ضمانا ويمكن تأييد القول الثاني بمنع أصل التوجيه المذكور في
القول الأول.
قوله : انه حصل النقصان بفعل مأذون فيه فلا يكون مضمونا
يمكن خدشه بأن الاذن في أصل الاستعمال لا ينافي الضمان ، والحال إنه مشروط إذ ليس
من لوازم أصل الاستعمال النقص ، فيجوز أن يكون الاستعمال مأذونا والنقص مضمونا
وكذا استناده إلى أنه لو لم تتلف وردها في تلك الحال لا يجب عليه شيء ، فإنه
ممنوع أيضا إذ هو من موضع البحث ، فانا لا نسلم ذلك مع الشرط ، وإنما يتم بدونه ،
فان للمانع أن يمنع من كون النقص غير مضمون في المضمونة ، سواء تلفت أو ردها قبل
التلف ، والوجه فيه أن مقتضى تضمين العين تضمين أجزاءها ، لأنها مركبة منها ، ثم
انه على تقدير هذا القول فإنه يضمن أعلى القيم من حين القبض الى يوم التلف ، إن
كان الاختلاف والتفاوت في القيم بسبب الاجزاء كالثوب ينسحق باللبس ، وأما لو كان
الاختلاف من حيث القيمة السوقية لم يضمن الزائد بسببه لأن ذلك ليس من مدلول الضمان
سيما مع عدم إيجاب ذلك على الغاصب هذا كله مع اشتراط الضمان.
أما لو استعملها حتى تلفت من غير شرط الضمان في العارية
فإن ظاهر الأكثر عدم الضمان مطلقا ، وقد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثانية من
الفصل الثاني ، والله سبحانه العالم.
الخامسة : اختلف
الأصحاب في ما لو ادعى المستعير الإعارة ، وادعى المالك الإجارة ، وقد مضت لذلك مدة
في يد المستعير ، فذهب في الخلاف الى أن القول
قول المستعير ، قال في الكتاب المذكور
: إذا اختلف صاحب الدابة والراكب ، فقال الراكب : أعرتنيها ، وقال صاحبها :
أكريتكها بكذا ، كان القول قول الراكب بيمينه ، وعلى صاحبها البينة ، وكذا إذا
اختلف الزارع وصاحب الأرض فادعى الزارع العارية. وادعى صاحب الأرض الكرى ، فالقول
قول الزارع قيل في توجيهه : انهما متفقان على أن تلف المنافع وقع في ملك المستعير
، لأن مقتضى كلام المالك أنه ملكها بالإجارة ، ومقتضى كلام المستعير أنه ملكها
بالاستيفاء المستند إلى الإعارة ، فيده شرعية على كل من القولين ، والمالك يدعى
عليه العوض عما استوفاه عن ملكه ، وهو ينكر استحقاقه ، والأصل براءة ذمته منه ،
فيكون القول قوله بيمينه ، عملا بالقاعدة المنصوصة.
وذهب ابن إدريس وتبعه المحقق الى أن القول قول المالك في
عدم العارية وان لم يقبل قوله في الإجارة ، قال ابن إدريس : لا يقبل قول المالك في
قدر ما ادعاه من الأجرة ، ولا قول الراكب في العارية ، فالواجب أجرة المثل عوضا عن
منافع الدابة ، وكذا البحث في الأرض إذا اختلف المالك والزارع.
وقيل في توجيه هذا القول : انه لا شك في أن المنافع
أموال كالأعيان ، فهي بالأصالة لمالك العين ، فادعاء الراكب ملكيتها بغير عوض على
خلاف الأصل وأصالة براءة ذمته كما تمسك به القائل الأول إنما يتم بالنسبة إلى خصوص
ما ادعاه المالك من قدر الأجرة ، لا من مطلق الحق بعد العلم باستيفاء المنفعة التي
هي من جملة أموال المالك وحقوقه ، والأصل يقتضي عدم خروجها عن ملكه إلا بعوض ، ومن
أجل ذلك يكون القول قول المالك في عدم العارية ، لأن الراكب يدعي العارية والمالك
ينكرها ، فيكون القول قوله بيمينه ، ولا يقبل قول المالك في ما يدعيه من الإجارة ،
لأنه مدع أيضا يحتاج إلى البينة ، وحينئذ فإذا حلف المالك على نفي العارية كما هي
وظيفته الشرعية لم تثبت الإجارة ، لما عرفت من أن ثبوتها يتوقف على البينة ، ولكن
تثبت أجرة المثل ، لأن الراكب
قد تصرف في ملكه بغير تبرع منه ، لأن
دعوى التبرع قد سقطت باليمين ، فالواجب حينئذ أجرة المثل.
واعترض بعض أفاضل متأخري المتأخرين وهو الخراساني في
الكفاية على هذا الكلام بمنع الأصل المدعي هنا أعني قوله والأصل يقتضي عدم خروج
المنافع عن ملك المالك الا بعوض ، قال : إذ لا حجة عليه عقلا ونصا.
أقول : مرجع هذا الأصل إلى الاستصحاب ، فإنه أحد المعاني
التي يطلق عليها ، ولا شك أن العين من حيث هي ملك للمالك ، فكذا منافعها ، فبعد
خروجها عن يد المالك على هذا الذي وقع فيه الاختلاف ، لو تمسك المانع باستصحاب
بقاء المنافع على ما ثبت لها أولا من ملكية المالك حتى يقوم الدليل على خلافه فهو
صحيح ، والظاهر أنه ليس من الاستصحاب الذي هو محل الخلاف بين الأصحاب ، بل
الاستصحاب المتفق عليه ، وهو استصحاب الإطلاق أو العموم حتى يقوم دليل التقييد أو
التخصيص.
وبالجملة فإنه لا يظهر لي وجه ما ذكره ، نعم استشكل هذا
القول في المسالك بما لو كان ما يدعيه من الأجرة أقل من أجرة المثل ، لاعترافه
بنفي الزائد ، قال : فينبغي أن يثبت له بيمينه أقل الأمرين مما يدعيه وأجرة المثل
، لأن الأقل إن كان ما يدعيه فهو معترف بعدم استحقاقه سواه ، وإن كان الأقل أجرة
المثل فلم يثبت بيمينه سواها ، إذ لم تثبت الإجارة ، وإنما لزم تصرف الراكب في
ماله بغير إذن المالك على وجه التبرع.
أقول : من أجل ما ذكره من هذا الاشكال صار في المسئلة
قولا ثالثا فذهب في القواعد الى هذا القول ، وهو أنه بعد حلف المالك فالثابت له
أقل الأمرين من أجرة المثل ومن المسمى ، الا أنه قد أورد عليه أيضا أن المالك على
تقدير كون المسمى أكثر من أجرة المثل ، فالمالك يدعي الزائد من الأجرة عن أجرة
المثل ، والراكب ينفيه ، فلا بد من وجه شرعي يقتضي نفيه ، وليس الا بيمين الراكب
على نفي الإجارة.
وتوضيحه أن حلف المالك على نفي الإعارة ، لم يدل على نفى
الإجارة ولا إثباتها ، فيبقي دعوى الإجارة على حالها ، ولما لم يثبتها المالك
بالبينة رجعنا الى الأصل المتقدم من أصالة بقاء ملكه للعين وللمنافع ، فلا بد من
الحكم على الراكب بعوض في مقابلتها ، حيث تصرف فيها من غير أن يتبرع بها المالك ،
ووجب الحكم له بأقل الأمرين لما تقدم ، لكن يبقي النزاع في الزائد على تقدير كون
المسمى في الإجارة زائدا على أجرة المثل ، فان المالك يدعيه ، وراكب الدابة ينفيه
، ولا يندفع ذلك إلا بيمين الراكب على نفي الإجارة : أو نكوله فيحلف المالك على
الإجارة ، ويأخذ الزائد.
ومن هنا انقدح في المسئلة قول رابع ، فذهب في المختلف
وجماعة منهم الشهيدان ، الأول منهما في بعض تحقيقاته ، على ما نقل عنه ، والثاني
في المسالك إلى أنهما يتحالفان ، فان كلا منهما مدع ومدعى عليه ، لما عرفت من
التوضيح المتقدم.
أقول : وبهذا ترجع المسئلة هنا الى ما نقلناه عنهم في
كتاب المزارعة ، حيث أنهم لم يذكروا ثمة خلافا في المسئلة على نحو ما ذكروه هنا ،
وإنما نقلوا فيها قولين ، أحدهما وهو المشهور التحالف ، بأن يحلف صاحب الأرض على
نفي العارية ، ويحلف الزارع على نفي الإجارة ، فيتساقط الدعويان ، ويرجع إلى أجرة
المثل ، أو أقل الأمرين ، والقول الثاني القرعة كما تقدم ذكره ثمة ، وهنا قد
أكثروا الخلاف كما عرفت ، والمسئلة واحدة في الكتابين كما هو ظاهر نصب العين.
وكيف كان فإن لقائل أن يقول أيضا : إن المالك هنا يدعي
بالإجارة حقا معينا ، ولا يدعى شيئا آخر سواه ، فإذا حلف الراكب على عدم الإجارة ،
سقط بيمنه هذا الحق الذي يدعيه المالك ، لأن اليمين من المنكر مسقطة الحق ، وقد
اعترف بأنه لا حق له سواه ، فإذا سقط باليمين ، فبأي شيء يثبت أقل الأمرين ،
وإثبات حق المالك من غير الوجه الذي
يدعيه ، بناء على ما ذكروه من تصرف الراكب بغير إذنه ، فيقضي له بأجرة المثل ، أو
أقل الأمرين مشكل ، لأنه باليمينين الواقعتين منهما معا صار هذا التصرف محتملا
لكونه تصرفا صحيحا شرعيا بلا أجرة ، وكونه تصرفا شرعيا بالأجرة ، والأجرة انما
تثبت على تقدير الثاني ، وهو غير معلوم ، لاحتمال كونه شرعيا مجانا كما يدعيه
المستعير ، ومن المعلوم كذب احدي اليمينين في هذا المقام ، وأصالة عدم اشتغال
الذمة مؤيد ، والحكم له بشيء لا يدعيه ـ ولا يطلبه ، وإنما يطلب غيره مما قد
انتفى باليمين ـ غير متجه.
وبالجملة فإن الرجوع إلى التعليلات العقلية لا ينتهي إلى
ساحل ، والمسئلة لما كانت عارية من النصوص كثر فيها الكلام ، وتقابل النقض فيها
والإبرام.
وفي المسئلة أيضا قول خامس بالقرعة ، ذهب اليه الشيخ في
كتاب المزارعة من الخلاف ، قال : لأن القرعة لكل أمر مشكل ، ورده جملة من
المتأخرين بالضعف ، قالوا : لأنه لا اشتباه مع القاعدة المتفق عليها من حكم المدعي
والمنكر.
أقول : لا يخفى ما فيه بعد ما عرفت مما وقع لهم من
الخلاف في المقام ، وتصادم هذه التعليلات منهم في النقض والإبرام ، فكيف لا يحصل
الاشتباه ، والحال كما عرفت ، هذا كله فيما إذا مضت لذلك المتنازع فيه مدة في يد
المتصرف قد استوفي فيه منافعه.
أما لو لم يمض لذلك مدة ، ولم يحصل الانتفاع بشيء من
المنافع المترتبة عليه ، فالقول في ذلك قول المتصرف ، لأن المالك هنا لا يدعى
التصرف في شيء من المنافع ، وانما يدعى عليه الإجارة ، وتحقق الأجرة في ذمته ،
واشتغالها بها والمتصرف ينكر ذلك ، فالقول قوله بيمينه ، فإذا حلف على نفي الإجارة
سقط دعوى الأجرة ، واسترد المالك العين ، وان نكل حلف المالك اليمين المردودة ،
واستحق الأجرة ، والله سبحانه العالم.
إلحاق في المقام :
وهو يشتمل على جملة من الأحكام ، أحدها ـ أنه إذا استعار
شيئا للانتفاع به في شيء مخصوص ، فانتفع بها في غيره فظاهر الأصحاب الحكم عليه
بالضمان لتعديه في العين بالتصرف فيها على غير الوجه المأذون له فيه وتلزمه الأجرة
لمثل ذلك العمل وهو ظاهر.
وثانيها ـ أنه إذا جحد العارية فالقول قوله بيمينه ، لأن
الأصل العدم ، فإن أثبتت المالك عليه صحة الدعوى المذكورة زال استيمانه ، ولزمه
الضمان ، والظاهر أن الكلام هنا كالكلام في الوديعة لو جحدها ، وأثبتها المالك
عليه ، وقد تقدم تفصيل البحث في ذلك في كتاب الوديعة.
وثالثها ـ ما إذا ادعى التلف ، فان القول قوله بيمينه
عندهم ، وقد عرفت ما فيه في المسئلة الأولى من مسائل هذا الفصل في كتاب الوديعة (1).
ورابعها ـ ما إذا ادعى الرد على المالك ، فان القول قول
المالك بيمينه ، لأنه منكر ، والأصل عدمه ، وقد تقدم في كتاب الوديعة أن المشهور
فيما إذا ادعى الودعي الرد على المالك أن القول قول الودعي بيمينه ، مع أن الأصل
عدم الرد ، وعموم البينة على المدعى ، الا أنهم فرقوا بينه وبين العارية ، بأن
الودعي إنما قبض لمصلحة المالك فهو محسن محض ، و «﴿ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ﴾ (2) ،» وأنت خبير
بما فيه ، حيث أن هذه العلة غير منصوصة ، مع مخالفة ما ذكروه في الوديعة للقواعد
الشرعية ، ولهذا توقف جملة من الأصحاب في حكم الوديعة كما تقدم ذكره ثمة ،
واستشكلوا القول المشهور وهو في محله لما عرفت.
قال في المسالك : واعلم أن هذه العلة تجري في كثير من
أبواب تنازع المستأمنين ، الا أنها تقتضي قبول قول الوكيل في الرد لو كان بغير جعل
،
__________________
(1) ص 455.
(2) سورة التوبة ـ الاية 91.
وهو مشكل لمخالفة الأصل وكون هذه
العلة ليست منصوصة وانما هي مناسبة ، انتهى وهو جيد.
والتحقيق أن يقال : ان مقتضى الأخبار المتقدمة في كتاب
الوديعة هو قبول قول الأمين ، وعدم اتهامه فيما يقوله ، وان خالف الأصل ، وحينئذ
يكون هذه الأخبار مخصصة لهذه القاعدة ، أعني قاعدة البينة على المدعي ، واليمين
على المنكر والحكم متعلق بالأمين ودعيا كان أو مستعيرا ، أو وكيلا أو نحوهم ،
ودعوى الفرق ـ بين الودعي وغيره ممن قبض لمصلحته ، كالمستعير والوكيل بجعل
والمرتهن ـ فيه أولا ما ذكر من عدم الدليل على هذا التعليل ، وثانيا أن قبضه على
أحد هذه الوجوه لا ينافي الايتمان الذي رتب عليه قبول قوله لأن الايتمان إنما هو
عبارة عن الوثوق به في عدم الخيانة ، والمخالفة لأمر المالك ، وإدخال الضرر عليه ،
فكل من دفع اليه المالك بهذا الوجه ودعيا كان أو مستعيرا أو وكيلا بجعل أو بغير
جعل ، فإنه يقبل قوله ، بمقتضى تلك الأخبار ، ويؤيده أخبار «ما خانك الأمين ، ولكن
ائتمنت الخائن». كما تقدم في كتاب الوديعة.
وخامسها ـ ما إذا فرط في العارية ثم تلفت ، فإنه ان كانت
من ذوات الأمثال ضمن المثل بغير إشكال ، وان كانت من ذوات القيم فقد اختلف الأصحاب
ـ في ذلك.
فقيل : ان الواجب عليه قيمتها يوم التلف ، وهو مختار
الشرائع والمسالك وعلل بأن الواجب على المستعير مع بقاء العين ردها دون القيمة ،
وانما ينتقل إلى القيمة مع التلف ، وحينئذ فالمعتبر القيمة وقت التلف.
وقيل : أن الواجب أعلى القيم من وقت التفريط الى وقت
التلف ، وعلل بأن العين لما كانت مضمونة ، فكل واحدة من القيم المتعددة في وقت
كونها مضمونة ، إذ معنى ضمان العين كانت لو تلفت ضمن قيمتها ، وهو حاصل في جميع
الوقت ، فيضمن أعلى القيم لدخول الباقي فيها.
وقيل : المعتبر قيمتها وقت الضمان ، قال في المسالك.
وموضع الخلاف ما
لو كان الاختلاف بسبب السوق ، أما لو
كان بسبب نقص في العين فلا إشكال في ضمانه ، لأن ضمان العين يقتضي ضمان أجزائها ،
انتهى.
أقول : وقد تقدم الكلام في ذلك ، وهذا القول الأخير نقله
في الكفاية قولا ثالثا في المسئلة ، ولعله أشار به إلى ما نقله في المختلف عن ابن
حمزة ، حيث قال ابن حمزة : إن هلك مضمونا لزم قيمته يوم القبض ، وإن هلك غير مضمون
بالتفريط لزم قيمته يوم التلف ، بأن يكون المراد بقيمته وقت الضمان ، كما ذكره
يعنى يوم القبض الذي ثبت فيه الضمان واستقر ، الا أن الظاهر أن ما ذكره في المختلف
مسئلة أخرى على حيالها غير ما نحن فيه ، فان فرض المسئلة التي ذكرناها في كلام
الأصحاب إنما هو بالنسبة إلى العارية الغير المضمونة لو فرط فيها ثم تلفت في يده.
وظاهر كلام المختلف مسئلة أخرى وهو أنه إذا هلكت العارية
عند المستعير فقد قال ابن حمزة : بأنها إن كانت العارية مضمونة باشتراط الضمان
فيها ونحوه فاللازم قيمتها يوم القبض ، وإن لم يكن مضمونة وهلكت بالتفريط لزمته
قيمته يوم التلف ، وهذا يرجع الى القول الأول الذي قدمناه ، فان هذا الفرد الثاني
من الترديد يرجع الى ما تقدم.
وفي المختلف بعد أن نقل عن ابن حمزة قال : والمعتمد أن
نقول : إن كان من ذوات الأمثال ضمنه بالمثل ، وإن كان من ذوات القيم ضمنه بقيمته
يوم التلف إن كان مضمونا ، وبأعلى القيم من حين التفريط الى حين التلف إن هلك
بالتفريط ، إن قلنا أن الغاصب يضمن بأعلى القيم ، وإلا فالقيمة يوم التلف ، وظاهره
في اختياره أعلى القيم ـ فيما لو لم تكن مضمونة ، وإنما هلكت بالتفريط ـ موافقة
القول الثاني المتقدم.
وقد تلخص مما ذكرناه أن العارية إذا تلفت عند المستعير
وكانت قيمية فإن كانت مضمونة ففيها قولان : أحدهما مذهب ابن حمزة ، وهو قيمته يوم
القبض ،
وثانيهما مذهب العلامة وهو قيمته يوم
التلف وإن لم تكن مضمونة ، وهلكت بالتفريط ، فالأقوال الثلاثة المتقدمة : وابن
حمزة قد وافق الأول ، والعلامة وافق الثاني ، وهذا الخلاف هنا متفرع على الخلاف في
ضمان المغصوب ، حيث انه هنا بالتفريط لحقه حكم الغاصب ، واليه يشير كلام العلامة
المذكور والله سبحانه العالم.
وسادسها ـ ما لو اختلفا في القيمة بعد التفريط على تقدير
تلفه ، وكذا لو كان مضمونا بأمر آخر ثم تلف ، فقيل : إن القول قول المالك مع يمينه
، وبه قال الشيخان ، وسلار وابن حمزة ، وابن البراج.
وقال أبو الصلاح : وإن اختلفا في مبلغها أو قيمتها أخذ
ما أقر به المستعير ووقف ما زاد عليه على بينة أو يمين المعير ، قال في المختلف
بعد نقل ذلك عنه فان قصد يمين المعير برد المستعير صار قوله مخالفا لما تقدم ،
وإلا فلا.
وقيل : القول قول المستعير لأنه منكر ، فيدخل في عموم
الخبر ، وبه قال ابن إدريس ومن تأخر عنه ، قال ابن إدريس : الذي تقتضيه أصول
الأدلة والمذهب أن القول قول المدعي عليه ، واليمين على المنكر ، وهو المستعير مع
يمينه.
قال في المختلف : وهو الوجه عندي ، لنا أنه منكر ،
فالقول قوله مع اليمين ، لقوله عليهالسلام (1) «البينة على
المدعى ، واليمين على من أنكر». ثم نقل عن الأولين الاحتجاج على ما ذهبوا اليه
ببطلان الأمانة بالخيانة ، فلم يكن قوله مقبولا في القيمة.
ثم رده بأنه لا يلزم من بطلان الأمانة خروجه عن حكم
المنكر ، وهو جيد ، وحاصله أن قبول قوله بيمينه إنما هو من حيث كونه منكرا وهذا
حكم المنكر شرعا لا من حيث كونه أمينا حتى يتجه منعه بالخيانة والله سبحانه
العالم.
وسابعها ـ ما لو اختلفا في التفريط فالمشهور أن القول
قول المستعير بيمينه
__________________
(1) الوسائل ج 18 ص 170 ح 1 باختلاف ما والمستدرك ج 3 ص 199.
مع عدم البينة ، وهو قول الشيخ وابن
البراج ، وابن حمزة وأبى الصلاح ، وابن إدريس ، وعليه المتأخرون.
وظاهر كلام المفيد وسلار على ما نقل عنهما في المختلف أن
القول قول صاحب العارية بيمينه ، ولا ريب في ضعفه ، لأن المستعير منكر ، فالقول
قوله بيمينه ، وعلى المدعي البينة ، وهو ظاهر ، وثامنها : ما لو اختلفا فقال
المالك : غصبتنيها ، وقال المتصرف : أعرتنيها ، فالمشهور أن القول قول المالك مع
يمينه ، وهو مذهب ابن إدريس ، والعلامة في جملة من كتبه ، والشيخ في كتاب المزارعة
من المبسوط ، وقال في الخلاف وكتاب العارية من المبسوط : إن القول قول الآخر ، قال
: إذا اختلفا فقال المالك : غصبتنيها وقال الراكب : أعرتنيها قدم قول الراكب ،
لأصالة براءة الذمة ، والمالك يدعي الضمان للدابة ولزوم الأجرة إن كان ركبها ،
والوجه في القول الأول على ما ذكره في التذكرة ما تقدم من أصالة تبعية المنافع
للأعيان في التملك ، فالقول قول من يدعيها مع اليمين وعدم البينة ، لأن المتصرف
يدعي انتقال المنفعة إليه بالإعارة وبراءة ذمته من التصرف في مال الغير ، فعليه
البينة وعلى هذا فبعد حلف المالك يستحق لما مضي من المدة ، فيرجع الدابة مع الأجرة
هذا إذا مضت مدة لمثلها أجرة ، ولو لم تمض مدة والعين باقية ، فان هذه الدعوى لا
ثمرة لها ، بل يرد المتصرف العين الى مالكها ، ولو تلفت العين في تلك المدة التي
مضت ، فالكلام في الأجرة يبني على الخلاف المتقدم ، وأما القيمة ، فإن كانت
العارية التي يدعيها المتصرف مضمونة ، فهو يعترف في القيمة فيلزمه أداءها.
قال في التذكرة : ويحكم فيها بقول المتصرف ، لأصالة براءة ذمته من الزائد عن القيمة وقت التلف إن أوجبنا على الغاصب أعلى القيم» وإن كانت العارية غير مضمونة ، قال في التذكرة : فإن القول قول المالك في عدم الإعارة» وقول المتصرف في عدم الغصب ، لئلا يضمن ضمان الغصب ، ثم يثبت على المتصرف بعد حلف الراكب على نفي الإعارة قيمتها وقت التلف انتهى ، والله سبحانه العالم.
وتاسعها ـ ما لو ادعي الراكب الإجارة ، والمالك العارية
المضمونة بعد تلف العين ، وقبل مضي مدة لها أجرة ، قال في المبسوط : القول قول
الراكب مع يمينه ، لأن صاحبها يدعي ضمانا في العارية ، فعليه البينة والأصل برأيه
الراكب.
وقال في المختلف : الأقرب أن القول قول المالك ، لأن
الأصل تضمين مال الغير ، لقوله عليهالسلام (1) «على اليد ما
أخذت». وأنت خبير بما في هذه الفروع من الاشكال لخلوها من النص الذي هو العمدة في
الاستدلال ، وعدم صحة بناء الأحكام على هذه التعليلات التي يتداولونها في هذا
المجال ، سيما مع تصادمها وتضادها كما عرفت ، والله سبحانه العالم بحقيقة الحال.
__________________
(1) المستدرك ج 2 ص 504 ح 12.