الحقائق ج2 - كتاب الأيمان
كتاب الأيمان
وهو مشتمل على مطالب:
المطلب الأول
في حقيقة اليمين وما يتفرع عليه من الأحكام
وفيه مسائل:
الاولى: الحلف واليمين والايلاء والقسم ألفاظ مترادفة، والاصل فيه قبل الاجماع آيات الكتاب وهو قوله تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذ كم بما عقدتم الايمان) (1) وقال الله تعالى (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم) (2) والايات بهذا المضمون في القرآن كثيرة. وكذلك السنة متواترة بها من الطرفين كما روي عنه عليه السلام على ما رواه الفريقان (3) أنه قال: والله لاغزون قريشا ثم قال: والله لاغزون قريشا. وكان صلى الله عليه واله كثيرا ما يحلف ويقول: (4) لا ومقلب القلوب. وأنه كان إذا اجتهد في
(1) سورة المائدة – آية 89. (2) البقرة – آية 224. (3) سنن أبى داود ج 3 ص 231 ح 3285، المستدرك ج 3 ص 48 ب 1 ح 3. (4) صحيح البخاري ج 8 ص 160 ب 22، المستدرك ج 3 ص 48 ب 1 ح 4.
[ 138 ]
يمينه قال: (1) والذي نفسي بيده. ومع ذلك فهي مكروهة مع الصدق ومن أكبر الكبائر مع الكذب، ففي صحيح علي بن مهزيار (2) كما في التهذيب (قال: كتب رجل إلى أبي جعفر عليه السلام يحكي له شيئا، فكتب عليه السلام إليه: والله ما كان ذلك، وإني لا كره أن أقول والله على حال من الاحوال ولكنه قد غمني أن يقال علي ما لم يكن). وصحيح عبد الله بن سنان (3) كما في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: اجتمع الحواريون إلى عيسى بن مريم عليه السلام فقالوا: يا معلم الخير ارشدنا، فقال عليه السلام: إن موسى عليه السلام نبي الله أمر كم أن لا تحلفوا بالله كاذبين وأنا آمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين ولا صادقين). و مثله صحيحته الاخرى. وفي خبر الخزاز (4) (قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين فإنه عزوجل يقول: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) و وخبر سدير (5) حيث قال له أبو عبد الله عليه السلام: يا سدير من حلف بالله كاذبا كفر ومن حلف بالله صادقا أثم، إن الله عزوجل يقول (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم) وحمل هذا الخبر على المستخف باليمين. وخبر ام أيوب كما في الفقيه (6) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين فإن الله عزوجل قد نهى عن ذلك فقال عزوجل (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم).
(1) صحيح البخاري ج 8 ص 160 ب 2، عوالي اللئالى ج 3 ص 305 ح 111. (2) التهذيب ج 8 ص 290 ح 64، الوسائل ج 16 ص 140 ب 1 ح 1. (3) الكافي ج 7 ص 434 ح 3، الوسائل ج 16 ص 140 ب 1 ح 2. (4) الكافي ج 7 ص 434 ح 1، الوسائل ج 16 ص 141 ب 1 ح 5. (5) الكافي ج 7 ص 434 ح 4، الوسائل ج 16 ص 141 ب 1 ح 6. (6) الفقيه ج 3 ص 229 ح 9 وفيه (أبى أيوب)، الوسائل ج 16 ص 141 ب 1 ح 7 وفيه (عثمان بن عدى عن أبي عبد الله).
[ 139 ]
وموثقة أبي بصير (1) كما فيه أيضا – وأخبار كثيرة لم نذكرها – عنه عليه السلام (قال: لو حلف الرجل أن لا يحك أنفه بالحائط لابتلاه حتى يحك أنفه بالحائط ولو حلف الرجل أن لا ينطح رأسه بحائط). وفي تفسير العياشي (2) عن أبي أيوب قال: سمعته يقول: لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين فإن الله يقول (ولا تجعلوا الله عرضة لايماتكم). وقال: (3) (إذا استعان رجل برجل على صلح بينه وبين رجل فلا يقولن إن علي يمينا أن لا أفعل وهو قول الله عزوجل: ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس). وهذه الاخبار محمولة هنا على الكراهة بدليل ما دل على الجواز سيما الخبر المروي عن علي بن مهزيار والاخبار المروية عنهم عليهم السلام الحاكية عنه وعن آبائه الكرام بفعلهم لذلك. وفي نوادر أحمد بن محمد بن عيسى من الموثق عن يونس بن يعقوب (4) (قال: كان أبو عبد الله عليه السلام كثيرا ما يقول: والله). وتحرم اليمين الكاذبة كما سمعت إلا ضرورة أو تقية، ففي صحيحة أبي عبد الله الحذاء (5) عن أبي جعفر عليه السلام (قال: إن في كتاب علي عليه السلام: أن اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم تذري الديار بلاقح من أهلها وتثقل الرحم يعني انتقطاع الرحم).
(1) الفقيه ج 3 ص 229 ح 11، الوسائل ج 16 ص 143 ب 1 ح 8 وفيهما (لابتلاه الله) وللحديث تتمة. (2) تفسير العياشي ج 1 ص 112 ح 340، الوسائل ج 16 ص 142 ب 1 ح 9. (3) تفسير العياشي ج 1 ص 112 ذيل ح 340، الوسائل ج 16 ص 142 ب 1 ح 10. (4) الوسائل ج 16 ص 142 ب 1 ح 11. (5) الكافي ج 7 ص 436 ح 9 وفيه (وتنغل الرحم)، الوسائل ج 16 ص 144 ب 4 ح 1 وفيهما (تذران الديار – يعنى انقطاع النسل).
[ 140 ]
صحيح هشام بن سالم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: إن يمين الصبر كاذبة تترك الديار بلاقع من أهلها). وفي عدة من الاخبار كادت تبلغ حد التواتر أن اليمين الكاذبة تورث العقب الفقر (2). وفي خبر السكوني (3) كما في عقاب الاعمال وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: إن الله خلق ملكا رجلاه في الارض السفلى مسيرة خمسمائة عام ورأسه في السماء العليا مسيرة ألف سنة يقول: سبحانك سبحانك حيث كنت فما أعطفك، قال: فيحلى إليه ما يعلم ذلك من يحلف بي كاذبا). وفي صحيح ابن أبي يعفور (4) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: اليمين الغموس ينتظر بها أربعين ليلة). وفي موثقة إبراهيم بن عبد الحميد (5) عن شيخ من أصحابنا يكنى أبا الحسن عن أبي حعفر عليه السلام (قال: إن الله خلق ديكا أبيضا عنقه تحت العرش ورجلاه في تخوم الارض السابعة، له جناح في المشرق وجناح في المغرب، لاتصيح الديوك حتى يصيح، فإذا صاح خفق بجناحيه ثم يقول: سبحان الله سبحان الله العظيم الذي ليس كمثله شئ، قال: فيجيبه الله تبارك وتعالى فيقول: لا يحلف بي كاذبا من يعلم ما تقول)
(1) الكافي ج 7 ص 436 ح 6، الوسائل ج 16 ص 144 ب 4 ح 2 وفيهما (الكاذبة) وليس فيهما (من أهلها). (2) الكافي ج 7 ص 436 ح 4، الوسائل ج 16 ص 145 ب 4 ح 7. (3) لم نعثر عليه في عقاب الاعمال، الكافي ج 7 ص 436 ح 5، الوسائل ج 16 ص 146 ب 4 ح 8 وفيهما (فما أعظمك – فيوحى الله إليه). (4) الكافي ج 7 ص 436 ح 7، الوسائل ج 16 ص 146 ب 4 ح 9. (5) الكافي ج 7 ص 437 ح 11، الوسائل ج 16 ص 146 ب 4 ح 11 وفيهما (ديكا أبيض – من يعرف).
[ 141 ]
والاخبار بهذا المعنى أكثر من أن تحصى وأجل من أن تستقصى. ويستحب اجتناب العزم على اليمين إذا ادعى عليه باطل ينكر اليمين بدفعة (1)، ففي خبر أبي بصير (2) عن أبي جعفر عليه السلام (أن أباه كانت عنده امرأة من الخوارج أظنه من بني حنيفة، فقال له مولى له: يابن رسول الله إن عندك امرأة تبرأ من جدك، فقضى لابي أنه طلقها، فادعت عليه صداقها فجاءت به إلى أمير المدينة تستعديه، فقال لي: يا بني قم واعطها أربعمائة دينار، فقلت له: يا أبت جعلت فداك ألست محقا ؟ قال: بلى نا بني ولكني أجللت الله أن أحلف به يمين صبر). ولا ينافي هذا مرسلة علي بن الحكم (3) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: إن ادعى عليك مال ولم يكن عليك فإن أراد أن يحلفك ولا تعطه) لان ما فعله عليه السلام محمول على بيان الجواز أو على الاستحباب وإن لم يكن مؤكدا، بخلاف ما إذا كانت الدعوى ثلاثين درهما أو أقل أو على الرجحان بالنسبة إليه وجلالة قدرته. وإما الاخبار المجوزة لليمين الكاذبة للتقية كدفع الظلم عن نفسه أو ماله أو نفس مؤمن أو ماله ولو عند المرور بالعشارين فكثيرة فمنها صحيح إسماعيل بن سعد الاشعري (4) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (في حديث قال: سألته عن رجل أحلفه السلطان بالطلاق أو غير ذلك فحلف، قال: لا جناح عليه. وعن رجل يخاف على ماله من السلطان فيحلف لينجو به
(1) كذا في النسخة ك (2) الكافي ج 7 ص 435 ح 6، الوسائل ج 16 ص 142 ب 2 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (3) الكافي ج 7 ص 435 ح 6، الوسائل ج 16 ص 143 ب 3 ح 1، فيهما (على ابن الحكم عن بعض أصحابنا) مع اختلاف يسير. (4) الكافي ج 7 ص 440 ح 4 وفيه (كما على ماله)، الوسائل ج 16 ص 162 ب 12 ح 1.
[ 142 ]
منه، قال: لا جناح عليه، قال: وسألته هل يحلف الرجل على مال أخيه كما يحلف على ماله ؟ قال: نعم). ومعتبرة أبي الصباح الكناني (1) (قال: والله قال لي جعفر بن محمد عليهما السلام: إن الله علم التنزيل والتأويل فعلمه رسول الله صلى الله وعليه واله عليا قال: وعلمنا والله علي، ثم قال: ما صنعتم من شئ وحلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم في سعة). وفي مرسل يونس (2) عن أحدهما عليهما السلام (في رجل حلف تقية فقال: إن خفت على مالك ودمك فاخلفه ترده بيمينك، فإن ترى أنه لم يرد من ذلك شيئا فلا تحلف). وخبر السكوني (3) عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام (قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: احلف بالله كاذبا ونج أخاك من القتل). وخبر مسعدة (4) عن ابي عبد الله عليه السلام: ما امن بالله من وفى لهم بيمين). وموثقة زرارة (5) كما في الفقيه (قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: نمر بالمال على العشار فيطلبون منا أن نحلف لهم فيخلون سبيلنا ولا يرضون منا إلا بذلك قال: فاحلف لهم فهو أحل من التمر والزبد). قال: (6) وقال أبو عبد الله عليه السلام: التقية في كل ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به).
(1) الكافي ج 7 ص 442 ح 15، الوسائل ج 16 ص 162 ب 12 ح 2 وفيهما (وعلمنا والله ثم قال: – أو حلفتم – منه في سعة). (2) الكافي ج 7 ص 463 ح 17، الوسائل ج 16 ص 162 ب 12 ح 3 وفيهما اختلاف يسير. (3) التهذيب ج 8 ص 300 ح 103، الوسائل ج 16 ص 162 ب 12 ح 4. (4) التهذيب ج 8 ص 301 ح 109، الوسائل ج 16 ص 163 ب 12 ح 5. (5) الفقيه ج 3 ص 230 ح 14، الوسائل ج 16 ص 163 ب 12 ح 6. (6) الفقية ج 3 ص 230 ح 15، الوسائل ج 15 ص 163 ب 12 ح 7 وفيهما اختلاف يسير.
[ 143 ]
وصحيح الحلبي (1) (أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يحلف لصاحب العشور يحرز بذلك ماله ؟ قال: نعم). ومرسلة الفقيه (2) (قال: قال الصادق عليه السلام: اليمين على وجهين) إلى أن قال: (فأما التي يؤجر عليها الرجل إذا حلف كاذبا ولم يلزمه الكفارة فهو أن يحلف الرجل في خلاص امرئ مسلم أو خلاص ماله من متعد يتعدى عليه من لص أو غيره). وصحيح الفضل بن شاذان (3) كما في العيون وخبره كما في تحف العقول عن الرضا عليه السلام في كتابه شرايع الدين الذي كتبه للمأمون لعنه الله (قال: والتقية في دار التقية واجبة، ولا حنث على من حلف تقية يدفع ظلما عن نفسه). وحسنة الحضرمي كما في المحاسن (4) (قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: في رجل حلف للسلطان بالطلاق والعتاق، فقال: إذا خشي سيفه وسطوته فليس عليه شئ يا ابا بكر ان الله عزوجل يعفو والناس لا يعفون “. وصحيح البزنطي وصفوان بن يحيى (5) جميعا عن ابي الحسن عليه السلام ” في الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والتعاق، وصدقة ما يملك ايلزمه ذلك فقال: لا، قال رسول الله صلى الله وعليه واله: وضع عن امتي ما اكرهوا عليه ومالايطيقون وما أخطأوا). وفي موثقة لزرارة (6) كما في نوادر ابن عيسى عن أبي جعفر عليه السلام (قال:
(1) الفقيه ج 3 ص 231 ح 21، الوسائل ج 16 ص 163 ب 12 ح 8. (2) الفقيه ج 3 ص 231 ح 25، الوسائل ج 16 ص 163 ب 12 ح 9. (3) عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 124 ب 30 ح 1، تحف العقول ص 309، الوسائل ج 16 ب 12 ح 10 وما في المصادر (يدفع بها ظلما). (4) المحاسن ص 339 ح 123 وفيه. (وسوطه)، الوسائل ج 16 ص 164 ب 12 ح 11. (5) المحاسن ص 339 ح 124، الوسائل ج 16 ص 164 ب 12 ح 12 وفيهما اختلاف يسير. (6) الوسائل ج 16 ص 164 ب 12 ح 14.
[ 144 ]
قلت له: إنا نمر على هولاء القوم فيستحلفونا على أموالنا فقد أدينا زكاتها، فقال: يا زرارة إذا خفت فاحلف لهم ما شاؤا، قلت: جعلت فداك بالبطلان والعتاق ؟ قال: بما شاؤا. فقال أبو عبد الله عليه السلام (1): (التقية في كل ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل). وفيه في الصحيح عن معمر بن يحيى (2) (قال: لابي جعفر عليه السلام: إن معي بضائع للناس ونحن نمر بها على هؤلاء العشار فيحلفونا عليها فنحلف لهم فقال: وددت على اني أقدر أن اجير أموال المسلمين كلها وأحلف عليها، كلما خاف المؤمن على نفسه فيه الضرورة فله فيه التقية). وفيه عن إسماعيل الجعفي (3) (قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: أمر على العشار فيستحلفوني ومعي المال فإن حلفت تركوني وإن لم أحلف فتشوني وظلموني، فقال: احلف لهم، فقلت: إن حلفوني بالطلاق ؟ قال: فاحلف لهم، قلت: فإن المال لا يكون لي، قال: تتقي على مال أخيك). وفي موثقة سماعة (4) عن أبي عبد الله عليه السلام كما فيه أيضا (قال: إذا حلف الرجل تقية لن يضره إذا هو اكره واضطر إليه، وقال: ليس شئ مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر). وفيه عن أبي بكر الحضرصي (5) (قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: نحلف لصاحب العشور نجير بذلك مالنا ؟ قال: نعم).
الثانية: لا تنعقد اليمين إلا بالله أو بأسمائه التي لا يشاركه فيها غيره أو
(1) الوسائل ج 16 ص 165 ب 12 ح 15. (2) الوسائل ج 16 ص 165 ب 12 ح 16 وفيه (اجيز – فيه ضرورة). (39 الوسائل ج 16 ص 165 ب 12 ح 17 وفيه (أمر بالعشار – تتقى مال أخيك). (4) الوسائل ج 16 ص 165 ب 12 ح 18 وفيه (لم يضره لمن اضطر إليه). (5) الوسائل ج 16 ص 165 ب 12 ح 19 (وفيه (نحيز بذلك مالنا).
[ 145 ]
مع إمكان المشاركة ينصرف إطلاقها إليه، فالاول كقولنا: ومقلب القلوب والذي نفسي بيده والذي فلق الحبة وبرأ النسمة،
والثاني قولنا: والله والرحمن والاول الذي ليس مثله شئ.
والثالث كقولنا: والرب والخالق والبارئ والرزاق، وكل ذلك تنعقد به اليمين مع القصد، ولا ينعقد بما لا ينصرف إطلاقه كالموجود والحي السميع والبصير ولو نوى بها الحلف. وهذه القسمة جرت من المحقق وتبعه كثير من المتأخرين، وحاصلها أن ما ينعقد به اليمين أقسام مرجعها إلى الحلف بالله أو باسم من أسمائه المختصة به أو الغالبة عليه وأراد.
والاول: أن يذكر ما يفهم منه ذات الله تعالى ولا يحتمل غيره من غير أن يأتي باسم مفرد أو مضاف من أسمائه الحسنى كقوله: والذي أعبده أو فلق الحبة وبرأ النسمة أو نفسي بيده أو مقلب القلوب، وهذا القسم تنعقد به اليمين مطلقا سواء اطلق أو قصد به البارئ تعالى، حتى لو قال: قصدت غيره لم يقبل منه ظاهرا ولو قوبل منه عدم القصد إلى أصل اليمين.
والثاني: هو الحلف بالاسماء المختصة به تعالى ولا يطلق على غيره كالله والرحمن ورب العالمين ومالك يوم الدين وخالق الخلق والاول الذي ليس كمثله شئ والحي الذي لا يموت والواحد الذي ليس كمثله شئ، وحكمه حكم الاول وعد بعضهم الخالق والرزاق من هذا القسم: والاصح أنه من الثالث لانهما يطلقان في حق غير الله، قال الله تعالى: (وتخلقون إفكا) (1) وقال تعالى (فارزقوهم) (2).
الثالث: أن يطلق في حق الله تعالى وحق غيره، لكن الغالب في استعماله في حق الله، وأن يقيد في حق غيره ويضرب من التقييد كالرحيم والرب والخالق
(1) سورة العنكبوت – آية 17. (2) سورة النساء – آية 8.
[ 146 ]
والرزاق والمتكبر والقادر والقاهر، وكل هذه تستعمل في غير حق ذاته تعالى يقال: فلان رحيم القلب وجبار ورب إبل ومتكبر وقادر على هذا أو قاهر لفلان. وبقي من أسمائه تعالى قسم رابع وهو يطلق في حقه تعالى وفي حق غيره ولا يغلب استعماله في أحد الطرفين كالشئ والموجود والحي والسميع والبصير والمؤمن والكريم وما أشبهها، فلا يكون يمينا وإن نوى به الحلف لانها بسبب اشتراكها بين الخالق والمخلوق إطلاقا واحدا ليس لها حرمة ولا عظم فلا تنعقد بها اليمين. واعترض الشهيد الاول في قواعده وفي دروسه على هذه التقسيم بأن مرجع الاول إلى أسماء تدل على صفات الافعال كالخالق والرزاق التي هي أبعد دلالة من الاسماء الدالة على صفات الذات التي هي دون اسم الذات وهو الله جل اسمه بل هو الاسم الجامع، فيكون هو القسم الاول. واجيب عن ذلك بأن تخصيص هذه الموضوعات يقسم من حيث دلالتها على ذاته تعالى من غير احتمال مشاركة غيره، ومع ذلك ليس من أسمائه المختصة به ولا المشتركة بينه وبين غيره وإنما جعلوها في أول مرتبة لمناسبة التقسيم، فإن أسماءه تعالى لما انقست إلى إقسام كثيرة منها المختص به والمشترك الغالب عليه وغيره والدال على صفة فعل وغير ذلك من الاقسام لم يناسب إدخال هذه في جملة الاقسام ولو ناسب بعضها لانها ليست أسماء ولا تأخيرها عنها في أدني مرتبة لانها أخص به تعالى من كثير منها فأفردت قسما مستقلا وجعلت أولا لجهة اختصاصها ولكونه قسما لا ينقسم، وما هذا شأنه لاتحاده يقدم في القسمة على ما ينقسم، واسم الله وإن كان أدل على الذات منها إلا أنه من جملة أسمائه تعالى، فناسب ذكره مع باقي الاسماء، فلم يكن فيما ذكره من التقسيم قصور من هذا الوجه، وإن كان ما اعتبره – رحمه الله – حسنا أيضا إلا أنه غير مناف لما ذكره الجماعة.
[ 147 ]
والاخبار الواردة في هذه المسألة لا تفي بعد التقسيم، وإنما تدل على أن الحلف لا يكون إلا بالله بأي اسم كان من أسمائه، وتحريم الحلف بغيره إلا أن يقصد به تعظيما له وتأكيدا لكلام فيجوز بغيره. ففي صحيح علي بن مهزيار (1) (قال: قلت لابي جعفر الثاني كما في قوله عزوجل (والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى) وقوله عزوجل ” والنجم إذا هوى) وما اشبه هذا من الايات الكثيرة، فقال: ان الله عزوجل يقسم من خلقه بما شاء وليس لخلقه أن يقسموا إلا به عزوجل). وصحيح محمد بن مسلم (2) (قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: قوله الله عزوجل: والليل إذا يغشي) ثم ذكر مثل الصحيح الاول سؤالا وجوابا. وصحيح الحلبي (3) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: لا أرى للرجل أن يحلف بالله فأما قول قول الرجل: بشأنك لا بشأنك فإنه قول أهل الجاهلية، ولو حلف الرجل بهذا وأشباهه لترك الحلف بالله، فأما قول الرجل: ياهناه وياهناه فإنما ذلك لطلب الاسم ولا أرى به بأسا، وأما قوله: لعمرو الله وقوله: لا هاه الله فإنما ذلك بالله عزوجل). ورواه الصدوق (4) بإسناده عن حماد بن عثمان من الصحيح نحوه، إلا أنه قال في آ ره: (وأما لعمرو الله وأيم الله فإنما هو بالله).
(1) الفقيه ج 3 ص 236 ح 51، الوسائل ج 16 ص 190 ب 30 ح 1. (2) الكافي ج 7 ص 449 ح 1، الوسائل ج 16 ص 191 ب 30 ح 3. (3) الكافي ج 7 ص 449 ح 2 وفيه (لاأرى ان يحلف الرجل الا بالله، فاما قول الرجل: لابل شانئك فانه من قول – قول الرجل يا هياه – لطلب – وقوله لاهاه فانما)، الوسائل ج 16 ص 191 ب 30 ح 4 وفيه (يحلف الا بالله، فأما قول الرجل: لاب لشانئك فانه قول الجاهلية، ولو حلف الناس). (4) الفقيه ج 3 ص 230 ح 16، الوسائل ح 16 ص 191 ب 30 ح 4.
[ 148 ]
وصحيح علي بن جعفر كما في كتاب المسائل وخبره (1) كما في قرب الاسناد عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام مثله. وموثقة أبي جرير القمي (2) (قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك قد عرفت انقطاعي إلى أبيك ثم إليك ثم حلفت له: وحق رسول الله وحق فلان حتى انتهيت إليه أنه لا يخرج ماتخبرني به إلى أحد من الناس، وسألته عن أبيه هو حي أم ميت ؟ قال: قد والله مات إلى أن قال: (فأنت الامام ؟ قال: نعم). وخبر ميسرة (2) كما في العيون والمحاسن قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام مر برحبة القصابين فسمع رجلا يقول: لا والذي احتجب بسبع طباق، قال: فعلاء بالدرة وقال له: ويحك إن الله لا يحجبه شئ ولا يحتجب عن شئ، قال الرجل: أنا اكفر عن يميني يا أمير المومنين ؟ قال: لا، لانك حلفت بغير الله). وخبر محمد بن يزيد الطبري (4) (قال: كنت قائما على رأس الرضا عليه السلام بخراسان) إلى أن قال: (فقال: بلغني أن الناس يقولون: إنا نزعم أن الناس عبيد لنا، وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه واله ما قلته قط). وخبر عبد العزيز بن مسلم (5) عن الرضا عليه السلام قي حديث طويل إلى أن قال: (كفروا وبيت الله العتيق). ومثل هذين الخبرين في الاخبار كثير، وهي واجبة الحمل على ما قلناه من جوازه حيث يعظم الله به ويؤكد به الكلام، لا يلتزم به فعل ولاينزجر به حتى ترتب عليه أحكام الكفارة.
(1) قرب الاسناد ص 121. (2) الكافي ج 1 ص 380 ح 1، الوسائل ج 16 ص 193 ب 30 ح 6 وفيهما اختلاف يسير. (3) لم نعثر عليه في العيون والمحاسن، الوسائل ج 16 ص 194 ح 30 ح 9. (4) الكافي ج 1 ص 187 ح 10 طبع دار الكتب الاسلامية، الوسائل ج 16 ص 193 ب 3 ح 7 وفيهما (لا وقرابتي من). (5) الكافي ج 1 ص 198 ح 1، الوسائل ج 16 ص 193 ب 30 ح 8 وفيهما (تعدوا وبيت الله الحق).
[ 149 ]
وأما باقي أخبار الباب فهي مثل الخبرين الصحيحين في المثل في المنع وعدم الانعقاد، ففي خبر زرارة المروي في تفسير العياشي (1) (قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل (وما يؤمن أكثر هم بالله إلا وهم مشركون) (2) قال: إن ذلك قول الرجل: وحياتك). وعنه (3) عن أبي جعفر عليه السلام (قال: شرك طاعة ومنه قول الرجل: لا والله وفلان). وفي نوادر أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي عبد الله بن أبي يعفور (4) عن أبي عبد الله عليه السلام (أنه قال: اليمين التي تكفر أن يقول الرجل: لا والله). وفي الفقيه والمجالس عن الحسين بن زيد (5) عن الصادق عن آبائة عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه واله في حديث المناهي (أنه نهى أن يحلف الرجل بغير الله وقال: من حلف بغير الله فليس من الله في شئ، ونهى أن يحلف الرجل بسورة من كتاب الله عزوجل وقال: من حلف بسورة من كتاب الله عليه بكل آية منها كفارة يمين، فمن شاء بر ومن شاء فجر، ونهى أن يقول الرجل للرجل: لا وحياتك وحياة فلان). وكذا ما جاء في صحيح علي بن مهزيار (6) (قال: قرأت في كتاب لابي جعفر عليه السلام إلى داود بن القاسم: إني قد جئت وحياتك، كما في كتاب النوادر
(1) تفسير العياشي ج 2 ص 199 ح 90، الوسائل ج 16 ص 194 ب 30 ح 11 وفيهما (من ذلك – لاوحياتك). (2) سورة يوسف – آية 106. (3) تفسير العياشي ج 2 ص 199 ح 93، الوسائل ج 16 ص 194 ب 30 ح 12 وفيهما اختلاف يسير. (4) الوسائل ج 16 ص 195 ب 30 ح 13. (5) الفقيه ج 4 ص 5، أمالى الصدوق ص 347 مجلس 66 طبع بيروت، الوسائل ج 16 ص 191 ب 30 ح 2. (6) الوسائل ج 16 ص 195 ب 30 ح 14.
[ 150 ]
لابن عيسى، وهذا يجب حمله على ما قلناه. وربما حملت على نفي التحريم فتكون الاخبار النافية للكراهة وإن كانت لا تنعقد ولا توجب الكفارة، وعلى هذا فلا يجوز الحلف. ولا ينعقد بالكواكب ولا بالاشهر الحرم ولا بمكة ولا بالكعبة ولا بالحرم ونحوها ففي خبر مسعدة بن صدقه (1) (قال: قال أبو عبد الله عليه السلام قول الله عزوجل (فلا اقسم بمواقع النجوم (2) قال: كان أهل الجاهلية يحلفون بها فقال عزوجل يعظمون الحرم ولا يقسمون به ولا بشهر رجب ولا يعرضون فيهما لمن كان فيهما ذاهبا أو جائيا وإن كان قتل أباه، ولا لشئ يخرج من الحرم دابة أو شاة أو بعير أو غير ذلك فقال الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه واله (لا اقسم بهذا البلد * وأنت حل بهذا البلد) (3) قال: فبلغ من أنهم استحلوا قتل النبي صلى الله عليه واله وعظموا أيام الشهر حيث يقسمون به فيوفون به). وفي مرسلة يونس (4) (قال: سألته عن قول الله عزوجل (فلا اقسم بمواقع النجوم) قال: أعظم إثم من يحلف بها، قال: وكان أهل الجاهلية يعظمون الحرم ولا يقسمون حرمة الله فيه ولايتعرضون لمن كان فيه ولا يخرجون منه دابة، فقال الله تبارك وتعالى (لا اقسم بهذا البلد * وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد) إلى آخر السورة قال يعظمون البلد أن يحلفون بها ويستحلون فيه حرمه رسول الله صلى الله عليه واله.
(1) الكافي ج 7 ص 450 ح 4 وفيه (في قول الله – وكانت – قد قتل أباه)، الوسائل ج 16 ص 195 ب 31 ح 1 وفيهما (يعظمون المحرم). (2) سورة الواقعة – آية 75. (3) سورة البلد – آية 2 و 3. (4) الكافي ج 7 ص 450 ح 5، الوسائل ج 16 ص 196 ب 31 ح 2 وفيهما (ولا يعرضون لمن – أن يحلفوابه).
[ 151 ]
ولا يجوز استحلاف الكافر بغير الله وإن اعتقد إلهيته. ففي صحيح سليمان ابن خالد (1) عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام عن رسول صلى الله عليه واله (قال: لا يحلف اليهودي والنصراني ولا المجوسي بغير الله إن عزوجل يقول: فاحكم بينهم بما أنزل الله) (2). وصحيح الحلبي (3) (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أهل الملل يستحلفون ؟ فقال: لا تحلفوهم إلا بالله عزوجل). وخبر سماعة (4) وخبر جراج المدائني (5) وحسن الحلبي بهذه المنزلة لقوله فيها عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يصلح لاحد أن يحلف أحدا إلا بالله عزوجل). وقال في بعضها وهو الحسن الاخير (لا تحلفوهم إلا بالله). وأما ما جاء من الاخبار من تحليفهم بغير الله تعالى مثل خبر السكوني (6) وصحيح محمد بن مسلم (7) وصحيح محمد بن قيس (8) وخبر محمد بن مسلم (9) أيضا وخبر الحسين بن علوان (10) كما في قرب الاسناد عن جعفر عن أبيه عليهما السلام وخبر أني البختري (11) وخبر محمد بن عمران (12).
(1) الكافي ج 7 ص 451 ح 4، الوسائل ج 16 ص 196 ب 32 ح وليس فيهما (عن أبيه عن رسول الله)، (2) سورة المائدة – آية 48. (3) الكافي ج 7 ص 450 ح 1، الوسائل ج 16 ص 197 ب 32 ح 3. (4) الكافي ج 7 ص 451 ح 2، الوسائل ج 16 ص 97 ب 32 ح 5. (5) الكافي ج 7 ص 451 ح 5، الوسائل ج 16 ص 196 ب 32 ح 2. (6) الكافي ج 7 ص 451 ح 3، الوسائل ج 16 ص 197 ب 32 ح 4. (7) التهذيب ج 8 ص 279 ح 9، الوسائل ج 16 ص 19 ب 32 ح 8. (9) الفقيه ج 3 ص 236 ح 48، الوسائل ج 16 ص 198 ب 32 ح 10. (10) قرب الاسناد ص 42 ح 3، الوسائل ج 16 ص 199 ب 32 ح 11. (11) قرب الاسناد ص 71 ح 4، الوسائل ج 16 ص 199 ب 32 ح 12. (12) الكافي ج 4 ص 181 ضمن ح 7، الوسائل ج 7 ص 179 ب 2 ضمن ح 3.
[ 152 ]
إلى غير ذلك من الاخبار حيث قال في بعضها كأولها (أن أمير المؤمنين عليه السلام استحلف يهوديا بالتوارة التي انزلت على موسى عليه السلام). وفي الثاني (في كل دين ما يستحلفون به). وفي الثالث (قضي علي عليه السلام في من استحلف أهل الكتاب بيمين صبر أن يستحلفه بكتابه وملته). وفي خبر الحسين بن علوان منها (أن عليا عليه السلام كان يستحلف اليهود والنصارى ببيعهم وكنائسهم والمجوس في بيوت نيرانهم ويقول: شددوا عليهم احتياطا للمسلمين). وفي الاخير منها (أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لبعض علماء اليهود: ونشدتك (1) بالتسع الايات (2) التي انزلت على موسى عليه السلام وبطور سيناء (4) وبحق الكنائس الخمس (4) وبحق السمت الديان هل تعلم أن يوشع بن نون أتى بقوم بعد وفاة موسى عليه السلام شهدوا أن لاإله إلا الله ولم يشهدوا (5) أن موسى رسول الله فقتلهم بمثل هذه القتلة ؟ فقال له اليهودي: نعم، ثم ذكر أنه أسلم) فهي محمولة إما على التقية أو على جهة التغليظ عليهم مضافا لتحليفهم بالله. وأما الاخيرة (فهي من) قسم السؤال من باب الالزام لا لأجل تأسيس الاحكام وإثبات الدعوى لما ثبت من عدم الانعقاد بغيره تعالى، فقد مر ما يبلغ حد التواتر المعنوي. وفي صحيح الحلبي (6) أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث قال: سألته عن
(1) في الكافي (فنشدتك) وفي الوسائل (نشدتك). (2) في الوسائل (آيات). (3) في المصدرين (بطور سيناء). (4) في المصدرين (الخمس القدس). (5) في الكافي (ولم يقروا). (6) الكافي ج 7 ص 441 ح 12، الوسائل ج 16 ص 170 ب 15 ح 1.
[ 153 ]
امرأة جعلت مالها هديا لبيت الله إن أعارت متاعا لفلانة، فأعار بعض أهلها بغير أمرها، فقال: ليس عليها هدي إنما الهدي ما جعل لله هديا للكعبة فذلك الذي يوفى به إذا جعل لله. وما كان أشباه هذا فليس بشئ). وفي تفسير العياشي عن محمد بن مسلم (1) (قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لا تتبعوا خطوات الشيطان، فقلت له: وما خطوات الشيطان ؟ قال: كل يمين بغير الله فهي من خطوات الشيطان). وعن عبد الرحمن بن ابي عبد الله (2) عن ابي عبد الله عليه السلام كما فيه ايضا ” قال: كل يمين بغير الله فهي من خطوات الشيطان “. وفيه عن زرارة (3) عن أبي جعفر عليه السلام (قال: سألته عن قول الله تعالى (اذكروا الله كذكر كم آباء كم أو أشد ذكرا) (4) قال: إن أهل الجاهلية كان من قولهم: لا وأبيك وبلى وأبيك فامروا أن يقولوا: لا والله وبلى والله).
الرابعة: لو قال: وقدرة الله وعلم الله فإن قصدبهما الصفات القديمة الزائدة على الذات كما يقوله الاشعري وهي الا حوال التي أثبتها المعتزلي لم تنعقد وكان مأثوما، وإن قصد بها كونه قادرا عالما جرى مجرى القسم بالله والقادر والعالم لان المراد بها الذات المرادة من هذا الوصف الذي هو عين ذاته، وحيث إن صفاته تعالى امور اعتبارية ليست زائدة على ذاته فإن قصد الحالف بها هذا المعنى انعقدت يمينه، وإن قصد معنى آخر لم تنعقد لانه حلف بغير الله تعالى، وإن أطلق فالاقوى الانعقاد حملا لكلامه على المعنى الحق لانه الاغلب خصوصا من
(1) تفسير العياشي ج 1 ص 74 ح 150، الوسائل ج 16 ص 171 ب 5 ح 4 وليس فيهما (فقلت له: وما خطوات الشيطان). (2) تفسير العياشي ج 1 ص 73 ح 149، الوسائل ج 16 ص 171 ب 15 ح 5. (3) تفسير العياشي ج 1 ص 98 ح 272 وفيه (كلا وأبيك)، الوسائل ج 16 ص 171 ب 5 ح 6. (4) سورة البقرة – آية 200.
[ 154 ]
يدين بذلك. ويحتمل العدم لاشتراك اللفظ فتسقط حرمته. وكون المسألة اجتهادية قد اختلف فيها أكابر العلماء فلا ينصرف إلى أحد الامرين بدون القصد وذلك يوجب وقوفه اليمين. وأما الحلف بجلال الله وكبريائه وعظمته فتنعقد بها اليمين مطلقا في المشهور لانها وإن كانت قد شاركت القدرة والعلم في الصفات لكن هذه ليست من الصفات التي ذهب بعضهم إلى زيادتها وإنما مرجعها إلى ذات الله المتصفة بالكبرياء والعظمة والجلال. والمحقق – رحمة الله – قد تردد في انعقاد اليمين في الجميع مما ذكروه لان اشتراك القدرة والعلم يمنع من الانعقاد بهما كغير هما من أسمائه المشتركة من غير أغلبية عليه تعالى، والعظمة والجلال والكبرياء كذلك لانها تستعمل على ما تطلق أيضا في الصفة الزائدة وربما اطلقت عليه القدرة والعلم ويقول الانسان شاهدت كبرياء الله وعظمته ويريد مثل ذلك، ولان هذه الصفات ليست من أسماء الله الغالبة ولا المشتركة فلا ينعقد بهما اليمين لانها لا تنعقد إلا بالله وأسمائه، والاشهر هو الاول وهو الذي عليه المعتمد والمعول.
الرابعة: إذا قال: اقسم أو أقسمت أو احلف أو حلفت ولم ينطق بالجلالة ولا بأحد أسمائه لم تنعقد يمينه قطعا لعدم حلفه بالله وإن نطق بها، فإن قصد اليمين أو أطلق انعقدت. أما مع القصد فواضح، وأما مع الاطلاق فإنه أنشأ يمينا عرفا أو أطلق انعقدت. أما مع القصد فواضح، وأما مع الاطلاق فإنه أنشأ يمينا عرفا وشرعا، قال الله تعالى (وأقسموا بالله جهد أيمانكم) (1) فيحمل عليه وإن قال: أردت الوعد في الاول والاخبار في الثاني. وقد إطلق المحقق وجماعة قبوله لظهور الاحتمال وأصالة عدم الانعقاد وكون ذلك راجعا إلى قصده وهو أعلم به. ويحتمل عدم القبول ظاهرا لظهور كونه إنشاء، كما لا يقبل إخباره عن
(1) راجع سورة الانعام – آية 109، والنحل – آية 38، والنور – آية 53.
[ 155 ]
قوله (أنت طالق) بأني أردت طلاقا سابقا، ولان اللفظ إذا كان محتملا للامرين لم يحمل على اليمين مع الاطلاق بل يتوقف الحكم بكونه يمينا على قصده، ومتى حمل الاطلاق على اليمين لا يقبل منه غيره ظاهرا كما في غيره. واما الاخبار الواردة في المسألة فخبر السكوني (1) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام (قال: إذا قال الرجل: أقسمت أو حلفت فليس بشئ حتى يقول: أقسمت بالله أو حلفت بالله). وفي الفقيه عن السكوني (2) أيضا ما يقرب من ذلك، وتؤيدهما الاخبار الواردة بالنهي عن الحلف بغير الله وقد تقدم كثير منها. وظاهر هذين الخبرين أنه متى صرح بالجلالة حمله على اليمين ولم يسمع ما سواه. وكذا لو قال: أشهد بدون قوله بالله أو شهدت، والاشهر أنه كالسابق يكون يمينا مع قصده وإطلاقه لو رود الشرع بهذه اللفظة بهذه اليمين، قال الله تعالى (قالوا نشهد إنك لرسول الله) (3) والمراد الحلف ولذلك قال الله على الاثر (اتخذوا أيمانهم جنة). فإن قال: إردت غير القسم كالوعد والاخبار عن الماضي قبل للاحتمال الذي مر في أحلف واقسم. وللشيخ في هذه المسألة قولان:
أحدهما في الخلاف وهو أنه لا يكون يمينا مطلقا.
والثاني في المبسوط وهو أنه إن أراد به اليمين كان يمينا وإن أطلق أو لم يرد به اليمين لم يكن يمينا. واحتج على الاول بأن لفظ الشهادة لا تسمى يمينا ولم يطرد به عرف اللغة ولا الشرع، بخلاف القسم، ولانه يحتمل أن يريد: أشهد بوحدانية الله تعالى ثم يبتدئ بقوله: لافعلن كذا: وكذلك
(1) التهذيب ج 8 ص 301 ح 111، الوسائل ج 16 ص 171 ب 15 ح 3. (2) الفقيه ج 3 ص 234 ح 33. (3) سورة المنافقون – آية 1.
[ 156 ]
لو قال: اعزم بالله أو عزمت بالله لافعلن فإنه لا يكون يمينا مطلقا لان العرف لا يشهد بكونه يمينا ولاورد به الشرع، ولامكان أن يريد الاخبار عن عزمه الحلف على المعزوم عليه أو الوعد بذلك، خلافا لبعض العامة. وقد اختلف النقل عن الشيخ في المسألة المذكورة ففي المختلف والتحرير والقواعد على الحكم عنه من انعقاد اليمين مع الاطلاق، وكذلك في الدروس له ناقلا عن الشيخ كما نقله عنه المحقق، وليس كذلك، فإن الشيخ قد اعتبر في انعقاده يمينا قصده، وصرح مع الاطلاق بعدم الانعقاد، وكذلك حكم في قوله (أقسمت) وغيره فرق بين اللفظين كما ذكرناه فيما سبق. واورد عليه بأن القصد معتبر في سائر الايمان فكيف ينعقد هنا مع الاطلاق ؟ فيكون تقييد الشيخ أجود من إطلاق من حكم بصحته مع الاطلاق. واجيب بأن ليس المراد بالقصد الذي لم يعتبره القصد إلى اليمين الموجب لانعقاده في نفس الامر لان ذلك لا نزاع في اعتباره، وإنما الكلام في القصد الذي لا يحكم بوقوع اللفظ المحتمل بدونه كما تقرر في الفرق بين اللفظ الصريح والكناية في الطلاق وغيره. وحاصله أن اللفظ إذا كان صريحا يحكم بوقوعه على من تلفظ به ظاهرا وإن لم يعلم منه قصده إلى مدلول اللفظ، وإن كان محتملا على السواء فلا نحكم به إلا مع تصريحه بإرادة المعنى المطلوب. هذا بحسب الظاهر، وأما فيما بينك وبين الله تعالى فالمعتبر ما نواه، وعلى هذا فيحكم بوقوع اليمين ممن سمع منه قوله (أقسمت بالله لافعلن) على ما تضمنه الخبران المتقدمان ما لم يخبر عن إرادة الخبر، بخلاف من سمع منه: أشهد بالله لافعلن، فإنه لا يحكم عليه باليمين بها أو ببعضها، وسيجئ تحقيقة.
الخامسة: لو قال: لعمرو الله كان قسما وانعقدت به اليمين. و (هو) بفتح العين،
[ 157 ]
مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف وجوبا لسد الجواب مسده، والمعني لعمر الله قسمي وهو بمعنى البقاء والحياة، وهو قريب من العمر بالضم لكنه لم يستعمل غالبا إلا مفتوحا، هو بهذا المعنى يحتمل للمعاني المانعة من انعقاد اليمين به كالقدرة والعلم وغيرهما من الصفات، لكنه لما استعمل في اليمين عرفا وشرعا ولغة حكموا بانعقاده به وضربوا صفحا عن تلك الاحتمالات للمعاني المانعة، فسلك به مسالك الحقائق الشرعية، ولم يتعرض الاكثر لمستنده من الاخبار كما هي عادتهم في مقام الاستدلال إخلادا إلى الشهرة والاجماع. وقد قدمنا ما يدل عليه بالخصوص وهو صحيح الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: لا أرى للرجل أن يحلف إلا بالله، فأما قول الرجل: لابشأنك فإنه قول أهل الجاهلية، ولو حلف الرجل بهذا وأشباعه لترك الحلف بالله، وأما قول الرجل: يا هنا ويا هياه فإنما ذلك طلب الاسم ولا أرى به بأسا، وأما لعمرو الله وقوله لاهاه فإنما ذلك بالله عزوجل). وفي صحيح حماد (2) كما في الفقيه مثله، إلا انه قال في آخره: (وأما لعمرو الله وأيم الله فإنما هو بالله). وصحيح علي بن جعفر كما في كتاب المسائل عن أخيه موسى عليه السلام وخبره (3) كما في كتاب قرب الاسناد عنه عليه السلام مثله. فهذه الاخبار هي الدالة على المراد والدافعة للاشكال والايراد، وكذا تنعقد لو حلف بحق الله عند جماعة من القدماء والمتأخرين الشيخ منهم في المبسوط، وظاهر المشهور عدم انعقاد به لانه حق الله قد يراد به ما يجب له على عباده من العبادات التي أمر بها.
(1) الكافي ج 7 ص 449 ح 2، الوسائل ج 16 ص 191 ب 30 ح 4 وفيهما اختلاف. (2) الفقيه ج 3 ص 230 ح 16، الوسائل ج 16 ص 191 ب 30 ذيل ح 4. (3) قرب الاسناد ص 121.
[ 158 ]
وفي الحديث (قلت: يا رسول الله ما حق الله على عباده ؟ قال: أن لا يشركوا به شيئا ويعبدوه ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة). وفي الخبر المروي في الكافي ومحاسن البرقي عن ابي عبد الله عليه السلام القسم لحقوق الله على الجوارح الظاهرة والباطنة ما يدل على ما هو أعم من ذلك. وقد يراد به القرآن كقوله تعالى (وأنه لحق اليقين) (1). وقد يراد به الله تعالى الحق كغيره من الصفات الراجعة إلى ذاته من غير اعتبار زيادة. فإذا قال الانسان: وحق الله لافعلن لم تنعقد اليمين لاشتراكه بين امور كثيرة لا ينعقد بها اليمين، سواء قصد تلك الافراد أو أطلق، لان المتبادر من حقه غيره. واحتج الشيخ وتلك الجماعة القائلون بمقاتله على الانعقاد بأنها يمين عرفا وبأغلبية استعمالها في المعنى الاخير، ولان (حق) صفة عامة، فإذا اضيف إلى الله تعالى اختص به فكان يمينا كسائر صفات ذاته من العظمة والعزة وغيرها، ولا إشكال في عدم الانعقاد لو قصد به أحد المعنيين الاوليين. والذي يؤيد القول بالانعقاد عند الاطلاق خبر أبي جرير القمي (2) المتقدم حيث قال فيه: قلت: لابي الحسن عليه السلام قد عرفت انقطاعي إلى أبيك ثم إليك ثم حلفت له وحق رسول الله صلى الله عليه واله وحق فلان وفلان حتى انتهيت إليه أنه لا يخرج ما تخبرني به أحد من الناس، وسألته عن أبيه أحي هو أم ميت ؟ قال: قد والله مات، إلى أن قال: فقلت: فأنت الامام ؟ قال: نعم “. ألا ترى كيف أبر قسمه ولم يأت بحق الله وإنما حلف بحق رسوله وبحق آبائه الى أن انتهى الامر إليه. ففيه تأييد لهذا المذهب المنسوب للشيخ ولابن الجنيد حيث ذهب إلى انعقاده بما عظم الله من الحقوق كقوله: وحق رسول الله وحق القرآن.
(1) سورة الحاقة – آية 51. (2) الكافي ج 1 ص 380 ح 1، الوسائل ج 16 ص 193 ب 30 ح 6 وفيهما اختلاف يسير.
[ 159 ]
ونحن قد جمعنا بين الاخبار المانعة والمجوزة بما ينجلي به الغبار، وهو أن تكون المجوزة مخصوصة بتأكيد الكلام، والمانعة من ذلك مخصوصة بما تلتزم الافعال وتثبت بها الدعوى والاموال وتترتب عليه الكفارات عند الحنث والمخالفة في تلك الافعال.
السادسة: لا تنعقد اليمين إلا بالنية، فلو حلف من غير نية لم ينعقد سواء كان تصريحا أو كناية وهي المعبر عنها بيمين اللغو، والمراد بالنية القصد إليه واحترز به عمن سبق لسانه إلى كلمة اليمين، كما هي المستعملة في المحاورات وفي الغضب وفي الالحاح والعجلة فإنها لا تنعقد ولا تتعلق بها كفارة لقوله تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) (1). وأما الاخبار الواردة في المسألة فكثيرة، فمنها صحيح عبد الله بن سنان (2) كما في تفسير العياشي عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: سمعته يقول في قول الله عزوجل (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) قال: اللغو قول الرجل لا والله وبلى والله ولا يعقد على شئ). وفي الكافي والتهذيب عن مسعدة بن صدقة (3) عن أبي عبد الله عليه السلام في تفسير هذه الاية مثله. وخبر عقبة بن خالد (4) كما في الكافي أيضا عنه عليه السلام (في رجل كان له على رجل دين فلزمه فقال الملزوم: كل حل عليه حرام ان أبرح حتى ارضيك،
(1) سورة المائدة – آية 89. (2) تفسير العياشي ج 1 ص 336 ح 163 وفيه (ولا يعقد قلبه على شئ “، الوسائل ج 16 ص 174 ب 17 ح 1. (3) الكافي ج 7 ص 443 ح 1، التهذيب ج 8 ص 280 ح 15، الوسائل ج 16 ص 174 ب 17 ح 1. (4) الكافي ج 7 ص 460 ح 3، الوسائل ج 16 ص 174 ب 17 ح 2 وفيهما اختلاف يسير.
[ 160 ]
فخرج من أن يرضيه ولا يدري ما يبلغ يمينه وليس له فيها بنية، فقال: ليس بشئ). وموثق أبي بصير (1) كما في الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام (في قول الله عزوجل (لا يؤاخذكم الله باللغو) الاية، قال: هو لا والله وبلى والله). وفي تفسير العياشي عن محمد بن مسلم (2) (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى (ولا تجعلوا الله عرضه لايمانكم) قال: هو قول الرجل: لا والله وبلى والله). وفيه عن أبي الصباح الكناني (3) (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) قال: هو قول الرجل: لا والله وبلى والله وكلا والله لا يعقد عليها أو لا يعقد على شئ). وعلى هذا لا تنعقد يمين الغضب ولا الاكراه ولا الاجبار ولامع السهو ولا مع النسيان ولا ما اضطروا إليه لعدم القصد الحقيقي فيها. ففي خبر عبد الله بن سنان (4) (قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لا يمين في غضب ولا في قطيعة رحم ولا في جبر ولا في إكراه، قال: قلت: أصلحك الله فما الفرق بين الجبر والاكراه ؟ قال: الجبر من السلطان، ويكون الاكراه من الزوجة والام والاب، وليس ذلك بشئ). ومثله خبره (5) المروي في الكافي أيضا وفي الفقيه وفي معاني الاخبار إلا أنه قد ترك في الاخير (ولا في قطيعة رحم). ورواه في معاني الاخبار بطريق آخر
(1) الفقيه ج 3 ص 228 ح 7، الوسائل ج 16 ص 174 ب 17 ح 3. (2) تفسير العياشي ج 1 ص 111 ح 337، الوسائل ج 16 ص 175 ح 4. (3) تفسير العياشي ج 1 ص 112 ح 341، الوسائل ج 16 ص 175 ب 17 ح 5. (4) الكافي ج 7 ص 442 ح 16، الوسائل ج 16 ص 172 ب 16 ح 1. (5) الكافي ج 7 ص 442 ح 17، الفقيه ج 3 ص 235 ح 40، معاني الاخبار ص 166 ح 1 وص 389 ح 28 طبع جماعة المدرسين – قم المشرفة، الوسائل ج 16 ص 172 ب 16 ح 1.
[ 161 ]
أيضا عن عبد الله بن القاسم مثله. وصحيحة سعد بن أبي خلف (1) كما في الكافي أيضا (قال: قلت لابي الحسن موسى عليه السلام: إني كنت اشتريت أمة سرا من امرأتي وأنها سمعت ذلك فخرجت من منزلي وأبت أن ترجع إلي فأتيتها وقلت لها: إن الذي بلغك باطل وإن الذى أناك بهذا عدو لك أراد أن يستنفرك، فقاهت: لا والله لا يكون بيني خيرأ بدا حتى تحلف لي بعتق كل جارية لك وبصدقة مالك إن كنت اشتريت هذه الجارية وهي في ملكك اليوم، فحلفت لها بذلك فأعدت اليمين وقالت لي: كل جارية لي الساعة فهي حرة، فقلت لها: كل جارية لي الساعة فهي حرة، وقد اعتزلت جاريتي وهممت أن أعتقها وأتزوجها لهواي فيها، فقال: ليس عليك فيما أحلفتك عليه شئ). وخبر إسماعيل الجعفي (2) كما في نوادر ابن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: سمعته يقول: وضع عن هذه الامة ست خصال، فقلت: وما هي ؟ قال: الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ومالا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه). وفيه عن ربعي (3) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: عفي عن امتى ثلاث: الخطأ والنسيان و والاستكراه، قال أبو عبد الله عليه السلام: وها هنا رابعة وهي ما لا يطيقون). وفيه عن الحلبي (4) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: وضع عن امتي الخطأو النسيان وما استكرهوا عليه).
1) الكافي ج 7 ص 442 ح 18، الوسائل ج 16 ص 172 ب 16 ح 2 وفيهما (فأتيتها في منزل أهلها – أن يستفزك – اشتريت جارية – فأعادت اليمين). (2) الوسائل ج 16 ص 173 ب 6 ح 3. (3) الوسائل ج 16 ص 173 ب 16 ح 4. (4) الوسائل ج 16 ص 173 ب 16 ح 5.
[ 162 ]
وفيه عن أبي الحسن عليه السلام (1) (قال: سألته عن الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك، أيلزمه ذلك ؟ فقال: لا، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: وضع عن امتي ما اكرهوا عليه وما لم يطيقوا وما أخطأوا). وقدمنا جملة من الاخبار في هذا المعنى فلا حاجة إلى ذكرها هنا، والمسألة إجماعية، وما أتى من الاخبار مخالف لها فسبيله التقية لانه مذهب أبي حنيفة.
السابعة: لا تنعقد اليمين بالبراءة إلا فيما ورد في المكاتبة الصحيحة عن العسكري عليه السلام (2) لانه محرم، وسيجئ ذكر هذه الصحيحة في الكفارات. وجاء أيضا في خبر المفضل بن عمر (3) كما في الفقيه (قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في قول الله عزوجل (فلا اقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم لو تعلمون عظيم). (4) يعني به الحلف بالبراءة من الاية، يحلف بها الرجل يقول: إن ذلك عند الله عظيم). وفي مرسلة ابن أبي عمير (5) (قال: سمع رسول الله صلى الله عليه واله رجلا يقول: أنا برئ من دين محمد، فقال: رسول الله صلى الله عليه واله: ويلك إذا برئت من دين محمد فعلى دين من تكون ؟ قال فما كلمه رسول الله صلى الله عليه واله حتى مات). وفي خبر يونس بن ظبيان (6) (قال: قال لي: يا يونس لا تحلف بالبراءة منا فإنه من حلف بالبراءة منا صادقا أو كاذبا فقد برئ).
(1) الوسائل ج 16 ص 173 ب 16 ح 6. (2) الكافي ج 7 ص 461 ح 7، الوسائل ج 16 ص 152 ب 7 ح 3. (3) الفقيه ج 3 ص 337 ح 54، الوسائل ج 16 ص 153 ب 8 ح 1 وفيهما (البراءة من الائمة عليهم السلام). (4) سورة الواقعة – آية 75 و 76. (5) الكافي ج 7 ص 438 ح 1، الوسائل ج 16 ص 152 ح 1. (6) الكافي ج 7 ص 338 ح 2، الوسائل ج 16 ص 152 ب 7 ح 2 وفيهما (برئ منا).
[ 163 ]
وفي الفقيه مرسلا (1) عنه صلى الله عليه واله (قال: من برئ من الله صادقا أو كاذبا فقد برئ الله منه). نعم جاء جواز استحلاف الظالم بالبراءة من حول الله وقوته ليعجل عليه الفناء، ففي خبر صفوان الجمال (2) كما في الكافي (أن أبا جعفر المنصور قال لابي عبد الله عليه السلام: رفع إلي أن مولاك المعلى بن خنيس يدعو إليك ويجمع لك الاموال، فقال: والله ما كان وساق الحديث إلى أن قال: (قال المنصور: فأنا أجمع بينك وبين من سعى بك، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: يا هذا أتحلف ؟ قال: نعم، والله الذي لاإله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم لقد فعلت، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: ويلك تبجل الله فيستحيي من تعذيبك، ولكن قل: برئت من حول الله وقوته والجئت إلى حولي وقوتي، فحلف بها الرجل فما استتمها حتى وقع ميتا، فقال أبو جعفر المنصور: لا اصدق عليك بعد هذا أبدا، وأحسن جائزته ورده). وفي نهج البلاغة (3) عن أمير المؤمنين عليه السلام: (أنه قال: أحلفوا الظالم إذا أردتم يمينه بأنه برئ من حول الله وقوته، فإنه إذا حلف بها كاذبا عوجل، وإذا حلف بالله الذي لاإله إلا هو لم يعاجل لانه وحد الله سبحانه وتعالى). وفي الخرائج والجرائح (4) عن الرضا عن أبيه (أن رجلا وشى إلى المنصور أن جعفر بن محمد سلام الله عليهما يأخذ البيعة لنفسه على الناس ليخرج عليهم،
(1) الفقيه ج 3 ص 236 ح 46، الوسائل ج 16 ص 153 ب 7 ح 4. (2) الكافي ج 6 ص 445 ح 3، الوسائل ج 16 ص 200 ح 1 وفيهما (بينك وبين من سعى بك، قال: فافعل، فجاء الرجل الذى سعى به فقال له…) مع اختلاف يسير. (3) نهج البلاغة (صبحى صالح) ص 512 رقم 253 وفيه (عوجل العقوبة)، الوسائل ج 16 ص 200 ح 2 وفيهما (قد وحد الله). (4) الخرائج والجرائح طبع النجف الاشرف ص 124، الوسائل ج 16 ص 201 ب 33 ح 3.
[ 164 ]
فأحضره المنصور، فقال الصادق عليه الصلاة والسلام: ما فعلث شيئا من ذلك، فقال المنصور لحاجبه: حلف هذا الرجل على ما حكاه عن هذا – يعنى الصادق عليه السلام – فقال الحاجب: قل والله الذي لا إله إلا هو – وجعل يغلظ عليه اليمين – فقال الصادق عليه الصلاة والسلام: لا تحلفه هكذا فإني سمعت أبي عليه السلام يذكر عن جدي رسول الله صلى الله عليه واله أنه قال: إن من الناس من يحلف كاذبا فيعظم الله في يمينه ويصفه بصفاته الحسنى فيأتي تعظيمه الله على إثم كذبه ويمينه ولكن دعني احلفه باليمين الذي حدثني أبي عن رسول الله صلى الله عليه واله أنه لا يحلف بها حالف إلاباء بإئمه، فقال له المنصور: حلفه إذا يا جعفر، فقال الصادق عليه السلام للرجل: قل: إن كنت كاذبا عليك فبرئت من حول الله وقوته ولجئت الى حولي وقوتي، فقالها الرجل، فقال الصادق عليه السلام: اللهم إن كاذبا فأمته فما استتم كلامه حتى سقط الرجل ميتا واحتمل ومضى به الحديث). ورواه المفيد في الارشاد مرسلا (1) نحوه.
الثامنة: الاستثناء يوقف اليمين عن الانعقاد وهو أن يقول بعد اليمين: إن شاء الله تعالى، فإذا عقب اليمين لم يحنث بالفعل المحلوف عليه ولم تلزم الكفارة للاخبار الدالة على ذلك لان مشية الله غير معلومة للعبد. وروي (2) عنه صلى الله عليه واله (قال: من حلف على يمين فقال: إن شاء الله لم يحنث). وفي خبر السكوني (3) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من استثنى في اليمين فلا حنث ولا كفارة). وصحيح علي بن جعفر (4) في كتاب المسائل عن اخيه موسى عليه السلام (قال:
(1) ارشاد المفيد ص 255 نشر مكتبة الصدوق. (2) سنن الترمذي ج 4 ص 108 ح 1532. (3) الكافي ج 7 ص 448 ح 5، الوسائل ج 16 ص 188 ب 28 ح 1. (4) بحار الانوار ج 10 ص 260 س 14، الوسائل ج 16 ص 188 ب 28 ح 2.
[ 165 ]
سألته عن الرجل يحلف على اليمين ويستثني، ما حاله ؟ قال، هو على ما استثنى. وقد ندب إلى ذلك حالة اليمين، ففي خبر سلام بن المستنير (1) عن أبي جعفر (في قول الله عزوجل (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) (2) فقال: إن الله عزوجل لما قال لادم: ادخل الجنة قال له: يا ادم لا تقرب هذه الشجرة، قال: وأراه إياها، قال آدم لربه: كيف أقربها وقد نهيتني عنها أنا وزوجتي ! قال: فقال لهما: لا تقرباها يعني لاتأكلا منها، فقال آدم وزوجته: نعم يا ربنا لانقربها ولا نأكل منها، ولم يستثنيا في قولهما، فو كلهما في ذلك إلى نفسيهما وإلى ذكرهما، قال: وقد قال الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه واله ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله) (3) أن لا أفعله فسبق مشية الله في أن لا أفعله. فلا أقدر على أن أفعله، قال: فلذلك قال عزوجل (واذكر ربك إذا نسيت) (4) أي استثن مشية الله في فعلك). وفي خبر آخر للسكوني (4) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: من حلف سرا فليستثن سرا، ومن حلف علانية فليستثن علانية). وموثقة أبي بصير (6) كما في تفسير القمي عن أبي عبد الله عليه السلام (أن قريشا سألوا رسول الله صلى الله عليه واله عن مسائل منها قصة أصحاب الكهف، فقال صلى الله عليه واله: غدا اخبركم، فلم يستثن، فاحتبس الوحي عنه أربعين يوما حتى اغتم، وشكت الصحابة، فلما كان بعد أربعين صباحا نزل عليه سورة الكهف إلى أن قال (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله) فاخبر أنه احتبس الوحي عنه
الكافي ج 7 ص 447 ح 2، الوسائل ج 16 ص 185 ب 25 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (2) سورة طه – آية 115. (3) و (4) سورة الكهف – آية 23 و 24. (5) الكافي ج 7 ص 449 ح 7، الوسائل ج 16 ص 185 ب 25 ح 2. (6) تفسير القمى ج 2 ص 32، الوسائل ج 16 ص 186 ب 27 ح 1 وفيهما اختلاف يسير.
[ 166 ]
أربعين صباحا لانه قال: غدا اخبركم بجواب مسائلكم ولم يستثن). وقد روى العياشي في تفسيره (1) أحاديث كثيرة في هذا المعنى، وكذلك أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره (2). ولا فرق في هذا الحكم بين ما يعلم مشية الله منه كالواجب والمندوب وغيرهما لعموم النص، خلافا للعلامة حيث خص الحكم بما لا يعلم فيه المشية نظرا إلى التعليل، والذي حمل العلامة على ذلك أن المشية التي هي الارادة المعلق عليها لا إشكال في أنه أراده الله فعل الواجب والمندوب لمحبوبيته له. وفيه نظر، لان المشية التي تقع من العبد المستثنى بها ليست هي الارادة المتعلقة بفعل الواجب والمندوب على الوجه الاعم، بل المشية المتعلقة بفعل العبد لها، وتلك مما لا يطلع عليها لانها راجعة إلى العلم بما في الامر، ولم يدر العبد بأن الله قد شاء فعله لها أم يشأ وإن كلفه بها وأمره، ففرق ما بين المشيئتين فيبطل الاستدال على وجه الفرق بينهما. وعلى كلا التقديرين فيشترط التلفظ بكلمة الاستثناء فلو نوى بقلبه (إن شاء الله) لم تعتبر نيته ولم يندفع الحنث والكفارة. وعلى هذا يحتمل خبر السكوني الفارق بين الشر والعلانية، ويكون المراد إن تلفظ بالقسم علانية فلا يجزيه الاستثناء إلا علانية، وإن نوى اليمين سرا حيث لا يلزمه أجزأ الاستثناء سرا. وأن يكون قاصدا إلى التلفظ بها كاليمين، فلو سبق إليها لسانه من غير قصد لم يعتد بها. وأن تكون كلمة الاستثناء متصلة باليمين لا يتخللها كلام ولا سكوت إلا إن يكون قليلا لنفس وعي وتذكر وسعال ونحو ذلك مما لا يخل بالمتابعة عرفا. وفي الروايات مما يشعر بعدم الاتصال وسيما مع النسيان إذا كان قصده الاستثناء
(1) تفسير العياشي ج 2 ص 324. (2) هذا ما قاله صاحب الوسائل – رحمه الله – بعد ذكره الرواية.
[ 167 ]
ويجدده ولو بعد أربعين يوما. ففي صحيحة ابن القداح (1) (قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: للعبد أن يستثني في اليمين ما بينه وبين أربعين يوما إذا نسي). وفي خبر حمزة بن حمران (2) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: سألته عن قول الله عزوجل (واذكر ربك إذا نسيت) قال: ذلك في اليمين إذا قلت: لا والله لا أفعل كذاو كذا، فإذا ذكرت أنك لم تستثن قلت: ما شاء الله). وفي خبر الحلبي وزرارة ومحمد بن مسلم (3) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام (في قول الله عزوجل (واذكر ربك إذا نسيت) قال: إذا حلف الرجل فنسي أن يستثن فليستثن إذا ذكر). وخبر القلانسي (4) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: للعبد أن يستثن في اليمين فيما بينه وبين أربعين يوما إذا نسي). وخبر ابن القداح (5) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: الاستثناء في اليمين متى ذكر وإن كان بعد أربعين صباحا ثم تلا هذه الاية: (واذكر ربك إذا نسيت). وخبر العاصمي عن الحسين بن زرارة 06) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: سألته عن قول الله عزوجل (واذكر ربك إذا نسيت) فقال: إذا حلفت على يمين ونسيت أن تستثن فاستثن إذا ذكرت).
(1) التهذيب ج 8 ص 281 ح 21، الوسائل ج 16 ص 190 ب 29 ح 6. (2) الكافي ج 7 ص 428 ح 3، الوسائل ج 16 ص 188 ب 29 ح 1 وفيهما (إذا قلت: والله لا أفعل كذاو كذا – فقل: ان شاء الله). (3) الكافي ج 7 ص 447 ح 1، الوسائل ج 16 ص 189 ب 29 ح 2. (4) الكافي ج 7 ص 448 ح 7 4 الوسائل ج 16 ص 189 ب 29 ح 3. (5) الكافي ج 7 ص 448 ح 6، الوسائل ج 16 ص 189 ب 9 ح 4 وفيهما (متى ما ذكر). (6) الكافي ج 7 ص 449 ح 8، الوسائل ج 16 ص 189 ب 29 ح 5.
[ 168 ]
وفي صحيحة لابن القداح (1) كما في الفقيه مثل المتقدمة وزاد فيها (أن رسول الله صلى الله عليه واله أتاه اناس من اليهود فسألوه عن أشياه، فقال: تعالوا غدا احدثكم فلم يستثن فاحتبس جبرئيل عنه أربعين يوما ثم أتاه فقال: ولا تقولن لشئ اني فاعل ذلك غدا * الا ان يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت “. وقد روى العياشي في تفسيره (2) احاديث كثيرة في هذا المعنى، الا ان في بعضها أربعين شهرا بدل أربعين يوما، ولا عامل به، وربما حمل على الغلط أو على ما لو كان المقصد منها مجرد التبرك. وقد جاء استحباب مشية الله بل اشتراطها في المواعيد ونحوها، ففي تفسير القمي في الصحيح (3) عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث: أن قريشا سألوا رسول الله صلى الله عليه واله عن مسائل فيه قصة أصحاب أهل الكهف، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: غدا اخبركم، ولم يستثن، فاحتبس الوحي عنه أربعين يوما حتى اغتم، وشك أصحابه، فلما كان بعد أربعين صباحا نزل عليه سورة الكهف إلى أن قال (ولا تقلولن لشئ إني فاعل ذلك غدا * إلا إن يشاء الله) فأخبره أنه احتبس الوحي عنه أربعين يوما لانه قال لقريش: غدا اخبركم عن جواب مسائلكم، ولم يستثن) وقد روى العياشي أيضا في تفسيره أحاديث كثيرة في هذا المعنى وكذلك أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره (4). وقد احتلف الاصحاب في جواز استثناء المشية في غير اليمين من العقود والايقاعات، والمشهور المنع، وذلك لان التعليق بالمشية مما يضر باليمين، ولان شرط العقود والايقاعات التنجيز، والتعليق ينافيه، ولو لا النص لدخلت اليمين في المنع.
(1) الفقيه ج 3 ص 229 ح 12، الوسائل ج 16 ص 190 ح 29 ح 7. (2) تفسير العياشي ج 2 ص 324 و 325. (3) تفسير القمي ج 2 ص 32، الوسائل ج 16 ص 186 ب 27 ح 1 عن أبي بصير. (4) هذا ما قاله صاحب الوسائل – رحمه الله – بعد ذكره الرواية.
[ 169 ]
وللشيخ قول بصحته في العتاق والطلاق والاقرار، بمعنى أنه يوافقها أيضا استنادا إلى عموم مادل على دخوله في اليمين، وتعليق الطلاق والعتاق والاقرار على المشية يمين وإن كانت لا تنعقد، حيث إنها لا تنعقد إلا بالله والاسماء الخاصة كما تقدم في الظهار والايلاء، ولان اليمين والشرط متقاربان في الصيغة، وعلى قوله إنه يوقف الطلاق والعتاق بذلك كما يوقف اليمين، وهو في معنى البطلان على قول من أبطل ذلك بتعليقه على الشرط، وإنما تقع المخالفة عند القائل بصحة العقد والايقاع المعلقين وبطلان الشرط خاصة كما عليه ابن إدريس في سرائره، فإذا علق الطلاق ونحوه على المشية صح ولغى الشرط، والاصح بطلانهما، وهو قول الشيخ في الخلاف. وأما الاقرار فمن قال بدخوله في الطلاق والعتق قال به في الاقرار، فحكم بإلغائه إذا تعقيبته المشية كما مر موقفا له ولا صالة براءة الذمة من موجبه. ومذهب الاكثر ومنهم المحقق في الشرايع على عدم البطلان فيه، ويكون تعقيبه به كتعقيب الاقرار بالمبطل فيلغو الاستثناء ويلزمه الاقرار، وهذا هو الاقوى، وهذا كله إن قصد بالمشية التعليق. وإن قصد التبرك لدلالة هذه الاخبار المتقدمة الدالة على استحباب إبقاعها في كل شئ كما هو صريح الاية والاخبار المفسرة لها لم يضر في الجميع حتى اليمين.
التاسعة: في بيان الحروف التي يقسم بها والاسماء والقائمة مقامها، وقد ثبت كونها لليمين بنص أهل اللغة والفقهاء، وهي ثلاثة أقسام نظرا إلى الاستعمال، وعدتها من الحروف الباء بالموحدة والواو والتاء والقسم الاول منها هو أصلها. وتلي الباء الواو، ووجه قصورها عن الباء أن الباء تدخل على المظهر والمضمر بخلاف التاء. وتلي الواو التاء، ووجه قصورها أنها لا تدخل من الاسماء إلا على الله تعالى كما قال: تالله تفتؤا تذكر يوسف) (1) (وتالله لاكيدن أصنامكم) (2)
(1) سورة يوسف – الاية 85. (2) سورة الانبياء – الاية 57.
[ 170 ]
ولا تدخل على سائر الاسماء، وربما جاء شاذا تربي وترب الكعبة وترب الرحمن. وتضعف دلالة هذه الحروف على القسم أن إقرارها (3) الباء، فإذا قال: بالله لا فعلن كذا، فإن نوى به اليمين فلا شك في كونه يمينا، وكذا يجب حمله عليها مع الاطلاق لاشتهار الصيغة في الحلف شرعا وعرفا. ولو قال: لم ارد به اليمين وإنما أردت: وثقت بالله واعتصمت به أو أستعين أو أو من ثم ابتدأت لا فعلن فوجهان، أظهر هما القبول إذا لم يتعلق به حق آدمي كما ادعى عدم القصد، وهذا جار في الباء لاغير، بخلاف الواو والتاء، فليس بهذا الاحتمال وجه معهما، فمدعيه لا يسمع دعواه. ولو قال: والله – برفع الهاء أو نصبها – فهو من اللحن، وقد اختلف في انعقاد اليمين به مع قصدها، وفيه قولان، والاقرب عدم الانعقاد. ولو حذف حرف القسم وقال: الله – بالجر – لا فعلن ونوى اليمين ففيه أيضا خلاف في كونه ينعقد به أو لا ينعقد، ومنشأ الخلاف ورود ذلك في اللغة وإن كان نادرا، فيحمل على اليمين والقرينة عليه موجودة، وقد استعمله النبي صلى الله وعليه واله فقال: الله ما أردت إلا واحدة، ولان الجر مشعر بالصلة الخافضية، ومن حيث إن العادة لم تستمر بالحلف كذلك ولا يعرفه إلا خواص الناس فلا ينعقد. واستوجه القول الاول جماعة من المتأخرين، وقواه الشهيد الثاني في المسالك. أما لو رفع أو نصب فالوجهان أيضا، والوقوع مع النصب أولى لتعيينه بعد الفعل، وقد نص الشيخ الرضي وجماعة من المتأخرين على وجوب النصب هنا لو قال: بالله وشدد اللام وحذف الفعل بعدها فهو غير ذاكر لاسم الله صريحا فإن البله هي الرطوبة، لكن إن نوى به اليمين فهو لحن شائع في ألسنة العوام والخواص. وقد أجازت العرب حذف الالف في الوقف لان الالف يقتضي إسكان الهاء، فالوجه وقوع اليمين به مع قصده، ويحتمل العدم لكونه لحنا ظاهرا.
(1) كذل في النسخة، ولعل الصحيح (أن أصل افرادها الباء).
[ 171 ]
ولو قال: ها الله كان يمينا، وقد أعده الشارع من صيغ القسم لان أصله لا والله، وهاء التنبيه مما يؤتى بها في القسم عند حذف حرفه، ويجوز فيها هاء الله بقطع الهمزة ووصلها، وكلاهما مع إثبات الالف وحذفها، قد نص عليه ابن مالك وابن هشام. ويدل عليه من الاخبار ما تقدم في صحيح الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: لا أرى للرجل أن يحلف إلا بالله، فأما الرجل: لا بل شانئك فإنه قول أهل الجاهلية، فلو حلف الرجل بهذا وأشباهه لترك الحلف بالله، فأما قول الرجل يا هنا ويا هناه فإنما ذلك لطلب الاسم ولا أرى به بأسا، وأما قوله لعمر الله وقوله لاهاء الله فإن ذلك من القسم بالله عزوجل). وأما أيمن الله فقد تردد فيه جماعة من الفريقين إلا أن الانعقاد هو الاظهر لانه موضوع للقسم عرفا. وكذا أيم الله وباقي لغاته الاتي ذكرها، وهذا اسم لا حرف خلافا للزجاج والرماني، وقد اختلفوا في أنه مفرد مشتق من اليمين أو جمع يمين، فالبصريون على الاول والكوفيون على الثاني، وهمزته همزة وصل على الاول وقطع على الثاني، واورد على الفائل بجمه أنه يجوز كسر همزته وفتح ميمه ولا يجوز مثل ذلك في الجمع من نحو: أفلس وأكلب. ووجه تردد المحقق وجماعة في انعقاد اليمين به لاحتمال كونه جمع يمين فالقسم به لا بالله، وعلى القول الاخر فالقسم أيضا بوصف من أوصاف الله وهو يمنه وبركته لا باسمه، ومن أنه موضوع للقسم عرفا، والقسم بالوصف الذاتي الله كالقسم به ككبرياء الله وعظمته، وهذا هو الاقوى. والاغلب في هذا رفعه بالابتداء وإضافته إلى اسم الله، والتقدير أيم الله قسمي ويجوز جره بحرف القسم وإضافته إلى الكعبة وكاف الضمير. وأما أيم الله وما بعده فمقتطع من أيمن تخفيقا بحذف بعض حروفه أو إبداله لكثرة الاستعمال.
(1) الكافي ج 7 ص 449 ح 1 وفيه (يا هياه ويا هناه لا هاه)، الوسائل ج 16 ص 191 ب 30 ح 4 وفيه (لاب لشانئك ولو حلف الناس – ياهناه وياهناه).
[ 172 ]
وقد نقل غير واحد من متاخري المتأخرين عن ابن بري في الاستدراك على الصحاح في هذه الكلمات إحدى وعشرين لغة، أربع في أيمن فتح الهمزة وكسرها مع ضم النون وفتحها، وأربع في ليمن باللام المكسورة والمفتوحة والنون المفتوحة والمضومة، ولغتان في يمن بفتح النون وضعها، وثلاث لغات في أيم بفتح الهمزة وكسرها مع ضم الميم وبفتح الهمزة مع فتح الميم، ولغتان في ام بكسر الميم وضمها مع كسر الهمزة فيهما، وثلاث في من بضم الميم والنون وفتحها وكسرهما وم بالحركات الثلاث، وكل ذلك يقسم به. ويدل عليه من الاخبار صحيحة الحلبي (1) كما في الفقيه وهي الصحيحة المتقدمة إلا أنه قال في آخرها (وأما قول الرجل لعمر الله وأيم الله فإنما هو بالله). وفي خبر علي بن جعفر (2) كما في كتاب قرب الاسناد وصحيحه كما في كتاب المسائل له عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام مثل ما في صحيح الحلبي في الفقيه.
العاشرة: في الحالف وبيان شرائطه، ويعتبر فيه القصد تقدم في صيغته واشتراط النية، وقد خرج بهذا الشرط يمين السكران والغضبان والنائم فلا يتجه إلا في الكامل الخالي من موانع القصد، لكنه قد لا يقصد وقد يربط قصده بالصيغة خاصة، وقد لا يتوجه قصده إليها فيكون لاغيا بحلفه ولا شبهة في انعقاد ها بالقصد إلى اليمين مع باقي الشرائط. وقد خالف بعض العامة حيث حكم بانعقاد اليمين بالقسم الصريح وإن لم يقصد. وإنما يتوقف على القصد ما ليس بصريح كالكناية ونحوها. ولا تتوقف صحة اليمين على الاسلام ولا على الايمان إذا حلف بالله وإن لم يكن يعرفه كمال المعرفة وسواء كان مقرا به أولم يكن مقرا، وهذه المسألة من مسائل الخلاف عند الفريقين، وما ذكرناه هو الاشهر، وهو الذي اختاره المحقق
(1) الفقيه ج 3 ص 230 ح 16، الوسائل ج 16 ص 191 ب 30 ح 4. (2) قرب الاسناد ص 121.
[ 173 ]
في الشرايع والشيخ في المبسوط، واعتمده جل المأخرين لوجود المقتضي وهو حلف بالله تعالى مع باقي الشرائط وانتفاء المانع، إذا ليس هناك إلا كفره وهو غير مانع لتناول الادلة الدالة على انعقاد اليمين له من الايات والاخبار عموما وخصوصا ولان الكفار مخاطبون بفروع بشرايع ما سوى العبادات فيدخلون تحت عموم قوله تعالى (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) (1) وغيره. وقال الشيخ في الخلاف وابن إدريس في سرائره: لا تنعقد مطلقا لان شرط صحتها الحلف بالله، والكافر لا يعرف الله. وفي إطلاق كل من القولين معا منع ظاهر. ومن هنا ذهب العلامة في المختلف إلى تفصيل جيد في المسألة فقال: إن كان كفره باعتبار جهله بالله تعالى وعدم علمه به لم تنعقد يمينه لانه يحلف بغير الله، ولو عبر به فعبارته لغو لعدم اعتقاده ما يقتضي تعظيمه بالحلف به. وإن كان جحده باعتبار لنبوة أو فريضة انعقدت لوجود المقتضي وهو الحلف بالله تعالى من عارف به إلى آخر ما يعتبر من الشرائط وتوقف فعل المحلوف عليه إن كان طاعة. والتكفير على تقدير الحنث على الاسلام لا يمنع أصل الانعقاد لانه مشروط بشرط زائد على أصل اليمين، فلا ملازمة بينهما، وفائدة الصحة تظهر في بقاء اليمين لو أسلم في المطلقة أو قبل خروج الموقتة، وفي العقاب على متعلقها لو مات على كفره ولما يفعله لا في تدارك الكفارة لو سبق الحنث الاسلام لانها تسقط عنه به. هكذا كله في اليمين المتبرع بها. أما ما فيما الزم بها في الحقوق والدعاوى فلا إشكال وإن غلظها بإضافة بيعهم وكنائسهم وكتبهم وقد تقدم الكلام على ذلك. ففي صحيحة سليمان بن خالد (2) عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يحلف اليهودي ولا نصراني ولا المجوسي بغير الله، إن الله عزوجل يقول: فاحكم بينهم بما
(1) سورة المائدة – آية 89. (2) الكافي ج 7 ص 451 ح 4، الوسائل ج 16 ص 196 ب 32 ح 1.
[ 174 ]
أنزل الله) (1). وصريح الحلبي (2) (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أهل الملل يستحلفون، فقال: لا تحلفوهم إلا بالله عزوجل). وخبر جراح المدائني (2) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: لا يحلف بغير الله وقال: اليهودي والنصراني والمجوسي لا تحلفوهم إلا بالله). وخبر سماعة (4) وحسن الحلبي (5) إلى غير ذلك من الاخبار الذي مر ذكرها شاهدة بذلك. وأما ما جاء من إحلافهم بغير الله كخبر السكوني (6) وخبر محمد بن مسلم (7) وخبر الحسين بن علوان (8) وخبر محمد بن عمران (9) فمن باب التغليظ وإلزامهم بما إلزاموا به أنفسهم. وبقي الكلام في أنه على تقدير الانعقاد لو حنث ولزمته الكفارة فهل تصح منه حال كفره مطلقا أو لا تصح مطلقا أو التفصيل المتقدم ؟ فالذي يظهر من مذهب الاصحاب عدم صحتها منه حال كفره مطلقا لانها من العبادات المشروطة بالقربة كالاطعام والكسوة، وهذا القول قد صرح به من صحح يمينه حال الكفر، وأما بقية الاقوال فهي للعامة.
(1) سورة المائدة – آية 48. (2) الكافي ج 7 ص 450 ح 1، الوسائل ج 16 ص 197 ب 32 ح 3. (3) الكافي ج 7 ص 451 ح 5، الوسائل ج 16 ص 196 ب 32 ح 2. (4) الكافي ج 7 ص 451 ح 2، الوسائل ج 16 ص 197 ب 32 ح 5. (5) التهذيب ج 8 ص 279 ح 8، الوسائل ج 16 ص 198 ب 32 ح 6. (6) الكافي ج 7 ص 451 ح 3، الوسائل ج 16 ص 197 ب 32 ح 4. (7) الفقيه ج 3 ص 236 ح 47، الوسائل ج 16 ص 198 ب 32 ح 9. (8) قرب الاسناد ص 32، الوسائل ج 16 ص 199 ب 32 ح 11. (9) الكافي ج 4 ص 181 ح 7، الوسائل ج 7 ص 179 ب 2 ح 3.
[ 175 ]
الحادية عشرة: قد ثبت في الفتوى والادلة عدم انعقاد يمين الولد مع والده إلا مع إذنه، وكذا يمين المرأة مع زوجها، والمملوك مع سيده إلا أن تكون اليمين في فعل واجب أو ترك قبيح، ولو حلف أحد هذه الثلاثة من غير إذن كان للاب والزوج والمالك حل اليمين في المشهور ولا كفارة. وكأن هذا الكلام مبني أن عدم الاذن يوقفها لانها لا تقع باطلة وإنما المبطل لها النهي، وهذا الذي اعتمده المشهور، والاقوى البطلان كما هو ظاهر الادلة، إذ أقرب المجازات إلى الحقيقة هي في الصحة لا اللزوم كما قررناه غير مرة. ففي صحيح منصور بن حازم (1) كما في الفقيه وفي حسنه (2) كما في الكافي التهذيب عن أبي جعفر عليه السلام في الاول وأبي عبد الله عليه السلام كما في الكتابين (قال: قال رسول صلى الله عليه واله: لا يمين للولد مع والده ولا للمرأة مع زوجها ولا للمملوك مع مولا ء). وخبر ابن القداح (3) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: لا يمين للولد مع والده ولا للمرأة مع زوجها وللمملوك مع سيده). وخبر حماد بن عمار (4) وأنس بن محمد كما في الفقيه والمجالس عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلى الله عليه واله لعلي عليه السلام (قال: ولا يمين لولد مع والده ولا امرأة مع زوجها ولا لعبد مع مولاه).
(1) الفقيه ج 3 ص 227 ح 1، الوسائل ج 16 ص 155 ب 10 ح 2. (2) الكافي ج 7 ص 440 ح 6، التهذيب ج 8 ص 285 ح 42. (3) الكافي ج 7 ص 439 ح 1، الوسائل ج 16 ص 155 ب 10 ح 1 وفيهما (ولا للمملوك). (4) الفقيه ج 4 ص 265 س 13، الوسائل ج 16 ص 156 ب 10 ح 3 وفيهما (حماد ابن عمرو – ولا لامرأة).
[ 176 ]
وفي الامالي عن منصور بن حازم (1) وكذا في نوادر أحمد بن محمد بن عيسى وكذا في أمالي الحسن ابن الشيخ محمد الطوسي عن أبي جعفر عليه السلام مثله. وقد احتج المشهور على دعواه بعموم الاية الدالة على وجوب الوفاء باليمين مثل قوله تعالى (ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها) (2) وقوله (لكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) إلى قوله (إذا حلفتم) (3) وقوله (واحفظوا أيمانكم) (4). ولا شك أن هذه الايات نعم صورة النزاع خرج منه ما إذا نهى الاب والمولى والزوج فبقي الباقي، ولان البطلان إنما لحق أحد الثلالثة فإذنه ليس سببا في الصحة ولا عدم إذنه مانعا وإنما المانع في الحقيقة نهيه، و يرده ما ذكرناه. وأما عموم الايات فليس بنافع لان المراد منها الايمان المستكملة الشرائط ونحن نمنع وقوعها بدون إذن فضلا عن تو كيدها. وأما دعوى أن الامر بامتثال مقتضى اليمين وحفظها موقوف على وقوعها صحيحه إجماعا وكون الاذن ليس سببا في الصحة ولا عدم الاذن مانعا مصادرة عن المطلوب، فإن الدليل وقول المحققين مشعر ان بأن إذنه شرط أو سبب وأن عدم إذنهم مانع، وأما كون نهيه مانعا فلم يتضمنه أثر ولا خبر، وتظهر فائدة القولين فيما لو زالت الولاية بفراق الزوج وعتق المملوك وموت الاب قبل الحل بالنهي في المطلقة أو مع بقاء الوقت في الموقتة. فعلى المشهور تنعقد اليمين، وعلى الاخبار والمختار هي باطلة من أصلها بدون الاذن مطلقا. وقد وقع في عبارة الشرايع ما يتضمن القولين فيقع التناقض فيها في البين
(1) أمالى الصدوق مجلس 60 ص 309 ح 4 طبع بيروت، الوسائل ج 16 ص 156 ب 11 ح 1. (2) سورة النحل – آية 91. (3) و (4) سورة المائدة – آية 89.
[ 177 ]
حيث قال أولا: ولا تنعقد من الولد مع والده إلا مع إذنه، وكذا يمين المرأة والمملوك إلا أن تكون اليمين في فعل واجب أو ترك قبيح وهذا صريح في الشرطية ثم قال: ولو حلف أحد الثلاثة في غير ذلك كان للزوج والولد والمالك حل اليمين ولا كفارة وهذا يقتضي انعقادها إذ لا حل إلا بعد الانعقاد، وكأنه أراد أنها لا تنعقد انعقادا تاما بل متوقفا على الاذن ومن ثم كان الاذن اللاحق بعده مصححا، فلو كانت منحلة لم يوثر فيها الحل بعدها. ولو حلف بالصريح وقال: لم ارد اليمين قبل منه ودين بنيته، وذلك لأن القصد من الامور الباطنة التى لا يطلع عليها غيره فيرجع إليه، ولجريان العادة كثيرا بإجراء ألفاظ اليمين من غير قصد كما صرحت به الاية والرواية، بخلاف العتاق والطلاق والاقرار ونحوها فإنه لا يصدق لتعلق حق الادمي به وعدم اعتياد عدم القصد فيه، فدعواه عدم القصد الظاهر. ولو فرض اقتران تلك اليمين بما يد ل على قصده كان دعواه خلافه خلاف الظاهر، فيتجه عدم قبوله من هذا الوجه، لكن مقتضى العلة الاولى وإطلاق فتاواهم هو القبول وإطلاق الولد شامل لجميع الطبقات، وللمتمتع بها والدائم والمملوك المبعض والمكاتب والمدبر والقن والمشترك والمختص والامة المزوجة ذات الأب تتوقف يمينها على الثلاثة، ويشمل المؤمن والكافر في الطرفين، وهذه الفروع لم ينقحوا مناطها إلا أن الأدلة وإطلاق الفتوى يشملها.
الثانية عشرة: أن اليمين على الفعل الماضي غير منعقدة ولا كفارة لها عندنا سوى الاستغفار، خلافا للشافعية حيث أو جبوها لها وحكموا بانعقاد اليمين على الماضي مطلقا، عملا بعموم الآيات ولاطلاق اليمين عليها في عدة من أخبار المسألة مثل قوله صلى الله عليه واله (1) (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر وهو حلف على الماضي.
(1) عوالي اللئالى ج 2 ص 258 ح 10.
[ 178 ]
ولو تضمت الغموس ظلما بعلمه ر تعمده فكفارته مع الاستغفار رده والاخبار بهذا الحكم مشهورة. ففي مرسلة علي بن حديد (1) عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: الايمان ثلاث: يمين ليس فيها كفارة ويمين فيها كفارة ويمين فيها غموس توجب النار، فاليمين التي ليس فيها كفارة الرجل يحلف على باب بر أن لا يفعله فكفارته أن يفعله، واليمين التي توجب فيها الكفارة الرجل يحلف على باب معصية أن لا يفعله فيفعله فيجب عليه الكفارة، واليمين الغموس التي توجب النار الرجل يحلف على حق رجل مسلم على حبس ماله). وخبر السكوني (2) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: قال أمير المومنين عليه السلام في رجل قيل له: فعلت وكذا وكذا، فقال: لا والله ما فعلته وقد فعله، فقال: كذبة كذبها يستغفر الله منها). ومرسلة الفقيه (3) (قال: قال الصادق عليه السلام: اليمين على وجهين) إلى أن قال: (وأما التي عقوبتها دخول النار فهي أن يحلف الرجل على مال امري مسلم أو على حقه ظلما فهذه يمين غموس توجب النار ولا كفارة عليه في الدنيا). وفي عقاب الاعمال بسند صحيح إلى علي بن حديد (4) عن بعض أصحابنا أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: اليمين الغموس التي توجب النار الرجل يحلف على حق امرئ مسلم على حبس ماله).
(1) الكافي ج 7 ص 348 ح 1، الوسائل ج 16 ص 153 ب 9 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (2) الكافي ج 7 ص 463 ح 19، الوسائل ج 16 ص 154 ب 9 ح 2. (3) الفقيه ج 3 ص 231 ح 25، الوسائل ج 16 ص 154 ب 9 ح 3. (4) عقاب الاعمال ص 271 ح 9 طبع مكتبة الصدوق وفيه (عن على عن حريز عن بعض أصحابه)، الوسائل ج 16 ص 154 ب 9 ح 4 وفيه (عن على عن حديد).
[ 179 ]
وخبر حريز (1) المرسل كما في محاسن البرقي عن أبي عبد الله عليه السلام مثله. وخبر الحسين بن المختار (2) كما في ذلك الكتاب أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام (وقال: إن الله ليبغض المنفق سلعته بالايمان). وخبر أبي حمزة (3) عن علي بن الحسين عليه السلام (قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: لا تحلفوا إلا بالله ومن حلف بالله فليصدق ومن لم يصدق فليس من الله). وفي مرسلة به (4) ومسند عقاب الاعمال عن الحسين بن المختار (5) عن أبي عبد الله عليه السلام ثم ذكر مثل حديثه الاول. وخبر أبي أيوب الخزاز (6) عن أبي عبد الله عليه السلام وهو صحيح في الفقيه وقد رواه في حلف الامالي أيضا وفي طريقه عثمان بن عيسى كما في محاسن البرقي (من حلف بالله فليصدق ومن لم يصدق فليس من الله في شئ). والاخبار بهذا المضمون كثيرة، وحيث إنها إنما تنعقد على المستقبل يشترط فيه أن يكون واجبا أو مندوبا أو ترك قبيح أو ترك مكروه أو مباحا يتساوى فعله وتركه أن يكون البر أرجح ولو خالف أثم ولزمته الكفارة، ولو حلف على ترك ذلك لم ينعقد ولم تلزمه الكفارة مثل أن يحلف لزوجته أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو تحلف هي كذلك أو تحلف أنها لا تخرج معه ثم احتاجت إلى الخروج، وهذه هي القاعدة المتفق عليها بين الاصحاب في متعلق اليمين، وقد
(1) المحاسن ص 119 ح 132، الوسائل ج 16 ص 155 ب 9 ذيل ح 4. (2) المحاسن ص 119 ذيل ح 131، الوسائل ج 16 ص 155 ب 9 ح 5. (3) الكافي ج 7 ص 438 ح 1، الوسائل ج 16 ص 151 ب 6 ح 1. (4) كذا في النسخة، ولعل المراد به الفقيه. (5) عقاب الاعمال ص 272 ح 12، الوسائل ج 16 ص 151 ب 6 ح 2. (6) الكافي ج 7 ص 438 ح 2، الفقيه ج 3 ص 299 ح 10، أمالى الصدوق ص 391 مجلس 730 ح 7 طبع بيروت، المحاسن ص 120 ح 133، الوسائل ج 16 ص 151 ب 6 ح 3.
[ 180 ]
ذكروا ضابطه بما إذا كان راجحا ومتساوي الطرفين، ومتى كان الرجحان في نقيصه دينا أو دنيا لم تنعقد. ورواياتهم به كثيرة قدمر كثير منها في النكاح. فمنها صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1) عن الصادق عليه السلام (قال: إذا حلف الرجل على شئ والذي حلف عليه إتيانه خير من تركه فليأت الذي هو خير ولا كفارة عليه فإن من خطوات الشيطان). وصحيح زرارة (2) عن أحدهما علهيما السلام (قال: سألته عما يكفر من الايمان فقال: ما كان عليك أن تفعله فحلفت أن لا تفعله ففعلته فليس عليك شئ إذا فعلته وما لم يكن عليك واجبا أن تفعله فحلف أن لا تفعله ثم فعلته فعليك الكفارة). ومثله صحيحته الاخرى (3) كما في الكافي والتهذيب. وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (4) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: سألته عن الرجل يقسم على الرجل في الطعام ليأكل فلم يطعم، هل عليه في ذلك الكفارة ؟ وما اليمين التي تجب فيها الكفارة ؟ فقال: الكفارة في الذي يحلف على المتاع أن لا يبيعه ولا يشتريه ثم يبدو له فيكفر عن يمينه، وإن حلف على شئ والذي حلف عليه إتيانه خير من تركه فليأت الذي هو خير ولا كفارة عليه). وصحيح عبد الرحمان بن الحجاج (5) كما في التهذيب والكافي (قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ليس كل يمين فيها كفارة، فأما ما كان منها مما أوجب
(1) الكافي ج 7 ص 443 ح 1، الوسائل ج 16 ص 175 ب 18 ح 2 وفيهما (وانما ذلك). (2) الكافي ج 7 ص 346 ح 4، الوسائل ج 16 ص 183 ب 24 ح 4. (3) الكافي ج 7 ص 446 ح 5، التهذيب ج 8 ص 291 ح 70، الوسائل ج 16 ص 183 ب 24 ح 3. (4) الكافي ج 7 ص 446 ح 6، الوسائل ج 16 ص 184 ب 24 ح 5. (5) الكافي ج 7 ص 445 ح 2، التهذيب ج 8 ص 291 ح 68، الوسائل ج 16 ص 182 ب 24 ح 1.
[ 181 ]
الله عليك أن تفعله فحلف أن لا تفعله فليس عليك فيه الكفارة، وأما ما لم يكن مما أوجب الله عليك بأن تفعله فحلفت أن لا تفعله ثم فعلته فعليك الكفارة). وخبر حمران (1) (قال: قلت لابي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام: اليمين التي تلزمني فيها الكفارة، فقالا: ما حلفت عليه مما الله فيه طاعة أن تفعله فلم تفعله فعليك فيه الكفارة، وما حلفت عليه مما لله فيه المعصية فكفارته تركه. وما لم يكن فيه معصية ولاطاعة فليس هو بشئ). وفي صحيح أحمد بن محمد بن بن أبي نصر (2) كما في التهذيب عن أبي الحسن عليه السلام (قال: إن أبي عليه السلام كان حلف على بعض امهات أولاده أن لا يسافر بها، فإن سافر بها فعليه أن يعتق نسمة تبلغ مائة دينار. فأخرجها معه وأمرني فاشتريت نسمة بمائة دينار فأعتقها). وهذا الخبر محمول علي الاستحباب عند الاكثر إبقاء لتك القاعدة. وفي صحيح محمد بن مسلم (3) قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الايمان والنذور واليمين التي هي لله طاعة، فقال: ما جعل لله عليه في طاعة فليقضه. فإن جعل لله شيئا من ذلك ثم لم يفعل فليكفر عن يمينه، وما كان يمين في معصية فليس بشئ). وموثق زرارة (4) بل صحيحة عن أبي جعفر عليه السلام (قال: كل يمين حلفت عليها لك فيها منفعة في أمر دين أو دنيا فلا شئ عليك فيها، وإنما تقع عليك الكفارة فيما حلفت عليه فيما لله فيه معصية أن لا تفعله).
(1) الكافي ج 7 ص 446 ح 3، الوسائل ج 16 ص 183 ب 24 ح 2. (2) التهذيب ج 8 ص 302 ح 113 وفيه اختلاف يسير، الوسائل ج 16 ص 184 ب 24 ح 6. (3) الكافي ج 7 ص 446 ح 7، الوسائل ج 16 ص 181 ب 23 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (4) الكافي ج 7 ص 445 ح 1، الوسائل ج 16 ص 181 ب 23 ح 2 وفيهما اختلاف يسير.
[ 182 ]
وصحيحه الاخر (1) عن أبي جعفر عليه السلام كما في الكافي والتهذيب (قال: كل يمين حلف عليها أن لا يفعلها مما له فيه منفعة في الدنيا والآخرة فلا كفارة عليه وإنما الكفارة في أن يحلف الرجل: والله لا أزني والله لا اشرب الخمر والله لا أسرق والله لا أخون وأشباه هذا ولا أعصي ثم فعل فعليه الكفارة). والأخبار بهذا المضمون أكثر من أن تحصى، وقد خالف في هذه القاعدة العامة عامة، فأوجبوا الكفارة بالمخالفة وإن كانت أولى لرواية رووها لذلك. واعلم أن الاولوية في المباح ممنوعة لمساواة طرفيه، فلو طرأت بعد اليمين وكان البر أولى في الابتداء ثم صارت المخالفة أولى اتبعت المخالفة ولا كفارة ولو تجدد ما يوجب البر بعد ذلك، فإن خالف مقتضى اليمين انحلت وإلا اتبع الطاري، وأيضا، وهكذا. وأما الحلف على أن لا يتزوج أو لا يسترى فقد جعل مثالا للحلف على ترك الراجح لما تقدم من كون النكاح راجحا في الجملة سواء منع من النقيض أو لا، فالحلف على تركه لم ينعقد، هذا إذا جعلنا النكاح حقيقة في الوطء. فلو جعلناه حقيقة في العقد لم يدخل التسري لانه وطء الامة مع التحذير أو بدونه، فإذا حلف على ترك التسري اعتبر في صحة اليمين رجحانه أو تساوي الطرفين، فلو كان تركه أرجح ولو في الدنيا لبعض العوارض انعقدت اليمين وحنث بالفعل، وبهذا قد صرح الشيخ في الخلاف. وربما استفيد من عدم انعقاد اليمين لامرأته على ترك التزويج أنه لا كره تزويج الثانية فصاعدا. وإلا لانعقدت اليمين تركه، وهو أصح القولين في المسألة لمن وثق من نفسه بالعدل. وعلى القول بالكراهة كما عليه الشيخ يحمل انعقاد يمينه على كون الحالف
(1) الكافي ج 7 ص 447 ح 8، الوسائل ج 16 ص 181 ب 23 ح 3.
[ 183 ]
ممن تنعقد اليمين في حقه لعارض اقتضى رجحان تزويجه كما فوضوا اليمين على ترك كثير من الامور الراجحة بمجرد العارض ولا تنعقد اليمين على فعل غيره كما لو قال: والله ليفعلن زيد كذاو كذا فإنها لا تنعقد في حق المقسم عليه ولا القاسم إذا قال لغيره: أسألك بالله لتفعلن أو اقسم عليك أو نحو ذلك. أما عدم انعقادها في القسم عليه فلانه لم يوجد منه لفظ ولا قصد، وأما في حق القاسم فلان اللفظ ليس صريحا في القسم لانه عقد اليمين لغيره لا لنفسه. نعم يستحب للمخاطب إبرار قسمه للاخبار المستفيضة لان فيه إكرامه. وقد روته العامة والخاصة. ففي مرسلة عبد الله بن سنان (1) عن علي بن الحسين عليهما السلام (قال: إذا أقسم الرجل على أخيه فلم يبر قسمه فعلى المقسم عليه كفارة يمين). وهو قول لبعض العامة، وقد حمل الاكثر على الاستحباب، وإرسال هذا الحديث يمنع من حمله على الوجوب ولمعاوضته بما هو أقوى منه مما دل على نفي الكفارة. مثل موثقة ابن فضال (2) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: سئل عن الرجل يقسم على أخيه، قال: ليس عليه شئ إنما أراد إكرامه). وخبر عبد الرحمان بن أبي عبد الله (3) (قال: سألته عن الرجل يقسم على الرجل في الطعام ليأكل، هل عليه في ذلك الكفارة ؟ وما اليمين التي تجب فيها الكفارة ؟ فقال: الكفارة في الذي يحلف على المتاع أن لا يبيعه ولا يشتريه ثم يبدو له فيكفر عن يمينه).
(1) التهذيب ج 8 ص 292 ح 72، الوسائل ج 6 ص 210 ب 42 ح 4 وفيهما (فعلى المقسم كفارة يمين). (2) الكافي ج 7 ص 462 ح 12، الوسائل ج 16 ص 209 ب 42 ح 1. (3) الكافي ج 7 ص 446 ح 6 وفيه (ليأكل كل فلم يطعم – يبدو له فيه)، الوسائل ج 16 ص 209 ب 42 ح 2 وفيه (ليأكل فلم يأكل).
[ 184 ]
وفي صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1) أيضا (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقسم على الرجل في الطعام يأكل معه فلم يأكل، هل عليه في ذلك كفارة ؟ قال: لا). وفي خبر محمد بن مسلم (2) كما في الفقيه (قال: سألت أحدهما عليهما السلام عن رجل قالت له امرأته: أسألك بوجه الله إلا ما طلقتني، قال: يوجعها ضربا أو يعفو عنها). وفي مثله ما في خبره الاخر (3) كما في نوادر أحمد بن محمد بن عيسى. وفي نوادره عن ابن بكير بن أعين (4) عن أبيه (قال: إن اخت عبد الله جد ابن المختار دخلت على اخت لها مريضة، فقالت لها اختها: افطري، فأبت، فقالت أختها: جاريتي حرة إن لم تفطري أو كلمتك أبدا، فقالت اختها: جاريتي حرة إن أفطرت، فقالت الاخرى: فعلي المشي إلى بيت الله وكل مالي في المساكين إن لم تفطري، فقالت: علي مثل ذلك إن أفطرت، فسئل أبو جعفر عليه السلام عن ذلك فقال: فلتكلمها فإن هذا كله ليس بشئ إنما هو من خطوات الشيطان). وهذه الاخبار لاشك في رجحانها على خبر عبد الله بن سنان لتعددها وكثرتها ومطابقتها القواعد الشرعية.
الثالثة عشرة: أن اليمين في المستحيل لا تنعقد، مثل قوله: والله لاصعدن السماء، بل تقع اليمين لاغية لانها إنما تقع على ما يمكن وقوعه حتى لو تجدد العجز انحلت اليمين، ولا فرق في عدم انعقاد اليمين على غير المقدور بين المستحيل عادة كصعود السماء أو عقلا كالجمع بين النقيضين أو شرعا كترك الصلاة مع كونه مكلفا بها.
(1) التهذيب ج 8 ص 287 ح 49، الوسائل ج 16 ص 210 ب 42 ح 3 وفيهما اختلاف يسير. (2) الفقيه ج 3 ص 228 ح 8، الوسائل ج 6 ص 210 ب 42 ح 5. (3) الوسائل ج 16 ص 210 ح 5. (4) الوسائل ج 16 ص 211 ب 42، وفيه (اخت لها وهى مريضة).
[ 185 ]
ولو كان الفعل ممكنا في نفسه وكان الحالف قد عجز عنه في الحال كما لو حلف أن يحج ما شيا في هذا العام وهو عاجز عنه فيه لم ينعقد. ولو تجددت القدرة بعد السنة ولو انعكس الفرض فكان قادرا حالة اليمين ثم عرض له العجز قبل الفعل انحلت تلك اليمين بالعجز لفقد الشرط مع كونه موسعا فلم يعد بالتأخير مقصرا. لكن لو تجددت القدرة بعد العجز في غير المقيد بالوقت أو فيه قبل خروجه وجب.
الرابعة عشرة: لا تنعقد اليمين حال الغضب ولامع الاكراه وإن قصد إليها ولا في معصية، وهذا الحكم متفق عليه، والاخبار به مستفيضة. فمنها خبر عبد الله بن سنان (1) (قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لا يمين في غضب ولا في قطيعة رحم ولا في جبر ولا في إكراه، قال: قلت: أصلحك الله فما الفرق بين الجبر والاكراه ؟ قال: الجبر من السلطان ويكون الاكراه من الزوجة والام والاب، وليس ذلك شئ). وصحيح الحلبي (2) كما في نوادر أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي الحسن عليه السلام (قال: سألته عن الرجل يستكره على اليمين ويحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك، أيلزمه ذلك ؟ فقال: لا، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: وضع عن امتي ما اكرهوا عليه وما لا يطيقون وما أخطأوا). وصحيح سعد بن أبي خلف (3) (قال: قلت لابي الحسن موسى عليه السلام: إني كنت اشتريت أمة سرا من امرأتي وأنه بلغها ذلك، فخرجت من منزلي وأبت أن ترجع إليه، فأتيتها وقلت لها) إلى أن قال: فقالت: لا والله لا يكون بينى وبينك خير أبدا حتى تحلف لي بعتق كل جارية لك وبصدقة مالك إن كنت اشتريت هذه
(1) الكافي ج 7 ص 442 ح 16، الوسائل ج 16 ص 172 ب 16 ح 1. (2) الوسائل ج 16 ص 173 ب 16 ح 6. (3) الكافي ج 7 ص 442 ح 18، الوسائل ج 16 ص 172 ب 16 ح 2 وفيهما اختلاف يسير.
[ 186 ]
الجارية وهي في ملكك اليوم، فحلفت لها إلى أن قال: (فقال عليه السلام: ليس عليك فيما أحلفتك عليه شئ). وقد تقدم ذلك مستوفى الاخبار والادلة فلا حاجة إلى إعادة بقيتها.
الخامسة عشرة: لا يجوز للرجل أن يحلف إلا على العلم، وكذا لا يحلف غيره. وبهذا منع من اليمين إذا لم يحصل العلم العادي، فلو حلف ولم يعلم عد من اليمين الفاجرة والمتعمد الحلف على الكذب من غير ضرورة ولا تقية). ففي صحيحة هشام بن سالم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يحلف الرجل إلا على علمه). وفي صحيحه الاخر (2) عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا (قال: لا يستحلف الرجل إلا على علمه، ولا تقع اليمين إلا على العلم استحلف أو لم يستحلف). وخبر أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: لا يستحلف الرجل إلا على علمه). وخبر يونس (4) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: لا يستحلف الرجل إلا على علمه). هذا إذا لم يكن مضطرا إلى اليمين، فإن اضطر جاز حلفه وإن علم ضده، وقد مر جملة من الاخبار في أوائل كتاب الايمان دالة على ذلك، وذلك إذا كانت الغاية المقتضية لذلك هي الراجحة كالمشتملة على تخليص مؤمن من الضرر أو استنقاذ مال من الظالم ولو لنفسه.
(1) الكافي ج 7 ص 445 ح 1، الوسائل ج 16 ص 180 ب 22 ح 1. (2) الكافي ج 7 ص 445 ح 4، الوسائل ج 16 ص 180 ب 22 ح 4 وفيهما (عن يونس عن بعض أصحابه). (3) الكافي ج 7 ص 445 ح 2، الوسائل ج 16 ص 180 ب 22 ح 2. (4) الكافي ج 7 ص 445 ح 3، الوسائل ج 16 ص 180 ب 22 ح 3 وفيهما (عن هشام بن سالم – لا يحلف).
[ 187 ]
ومن تلك الاخبار صحيح إسماعيل بن سعد الاشعري (1) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (في حديث قال: سألته عن رجل يخاف على ماله من السلطان فيحلف لينجو به منه، قال: لا جناح عليه. فسألته: هل يحلف الرجل على مال أخيه كما يحلف على ماله ؟ قال نعم). وفي خبر السكوني (2) عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام (قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: احلف بالله كاذبا ونج أخاك من القتل). وصحيحة العيص عن الحسن بن قرة عن مسعدة (3) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال ما آمن بالله من أوفى لهم بيمين). وموثق زرارة (4) (قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: نمر بالمال على العشار فيطلبون منا أن نحلف لهم ويخلون سبيلنا ولا يرضون منا إلا بذلك، قال: احلف لهم فهو أحل لهم من التمر والزبد). (قال: (5) وقال أبو عبد الله عليه السلام: التقية في كل ضرورة وصاحبها أعلم به حين تنزل به). وصحيح الحلبي (6) (أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يحلف لصاحب العشور يحرز بذلك ماله ؟ قال نعم). قال (7) وقال الصادق عليه السلام: (اليمين على وجهين، إلى أن قال: فأما التي يؤجر عليها الرجل إذا حلف كاذبا ولم تلزمه الكفارة فهو أن يحلف الرجل في خلاص امرئ مسلم أو خلاص ماله من متعد يتعدى عليه من لص أو غيره).
(1) الكافي ج 7 ص 440 ح 4، الوسائل ج 16 ص 162 ب 12 ح 1. (2) التهذيب ج 8 ص 300 ح 103، الوسائل ج 16 ص 162 ب 12 ح 4. (3) التهذيب ج 8 ص 301 ح 109، الوسائل ج 16 ص 163 ب 12 ح 5 وفيهما (من وفى). (4) و (5) الفقيه ج 3 ص 230 ح 14 و 15، الوسائل ج 16 ص 163 ب 12 وح 6 و 7. (6) و (7) الفقيه ج 3 ص 231 ح 21 و 25، الوسائل ج 16 ص 163 ب 12 ح 8 و 9.
[ 188 ]
وصحيح الفضل بن شاذان (1) كما في عيون أخبار الرضا عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون (قال: والتقية في دار التقية واجبة، ولا حنث على من حلف تقية يدفع بها عن نفسه). وموثق زرارة (2) كما في نوادر أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي جعفر عليه السلام (قال: قلت له إنا نمر على هؤلاء القوم فيستحلفونا على أموالنا وقدأدينا زكاتها، فقال: يا زرارة إذا خفت فاحلف لهم ما شاؤا). وعن معمر بن يحيى (3) في الصحيح (قال: قلت لابي جعفر عليه السلام إن معي بضائع الناس ونحن نمر بها على هؤلاء العشار فيحلفونا عليها فنحلف لهم قال: وددت أني أقدر أن اجيز أموال الناس كلها وأحلف عليها كلما خاف المؤمن على نفسه فيه ضرورة فله فيه التقية). والاخبار بهذا المعنى بالغة حد الاستفاضة، ولا يحتاج من ذلك للتورية بعد مجئ هذه الرخصة والاوامر بها، بل وربما كانت واجبة لا يحل التخلف عنها.
السادسة عشرة: قد مر أن من حلف يمينا ثم رأى مخالفتها خيرا من الوفاء بها جاز له المخالفة، بل استحب له ذلك ولا كفارة عليه، وقد جاء بذلك أخبار مستفيضة غير ما تقدم مثل صحيح الاعرج (4) وصحيح عبد الرحمان بن أبي عبد الله (5) وصحيح البزنطي (6). وأخبار اخر غير نقية السند، ولعل منها ما ورد على الحلف عن ترك الطيبات
(1) عيون اخبار الرضا ج 2 ص 124 ب 35 ذيل ح 1 طبع انتشارات جهان طهران، الوسائل ج 16 ص 164 ب 12 ح 10 وفيهما (ظلما عن نفسه). (2) الوسائل ج 16 ص 164 ب 12 ح 14. (3) الوسائل ج 16 ص 165 ب 12 ح 16. (4) الكافي ج 7 ص 444 ح 3، الوسائل ج 16 ص 175 ب 18 ح 1. (5) الكافي ج 7 ص 443 ح 1، الوسائل ج 16 ص 175 ب 18 ح 2. (6) التهذيب ج 8 ص 302 ح 113، الوسائل ج 16 ص 176 ب 18 ح 6.
[ 189 ]
كما وقع في مرسلة ابن أبي عمير (1) المروي في تفسير القمي عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى (لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) (2) قال: نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وبلال وعثمان بن مظعون، فأما أمير المؤمنين عليه السلام: فحلف أن لاينام أبدا، وأما بلال فحلف أن لا يفطر بالنهار، وأما عثمان بن مظعون فإنه حلف أن لا ينكح أبدا – وساق الخبر إلى أن قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه واله ونادى الصلاة جامعة وصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال أقوام يحرمون الطيبات على أنفسهم إلا أني أنام الليل وأنكح وأفطر بالنهار، فمن رغب عن سنتي فليس مني، فقالوا: يا رسول الله فقد حلفنا على ذلك، فأنزل الله عزوجل (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤآخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته إطعام عشرة مساكين – إلى قوله: – إذا حلفتم). (3). فجعل هذه اليمين باعتبار مرجوحية متعلقاتها من ايمان اللغو حتى ان يحرم المباحات على نفسه طلبا للزهد لا ينفك عن المرجوحية لانه يقول (لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم). وأما ما ظاهره انعقاد اليمين لما قدامر بحلها من غير ظهور رجحان، فلا بد من حملها على وجه يرجحها إلى القاعدة لئلا تختل القواعد الشرعية.
السابعة عشرة: إذا حلف أن لا يشرب من لبن عنز ولا يأكل من لحمها لزمه الوفاء، وفي المخالفة الكفارة إلا مع الحاجة إلى ذلك. ولا يتعدى هذا التحريم إلى أولاده في المشهور لعدم تعلق اليمين بها، حيث إن الحلف أنما وقع على شرب لبنها وأكل لحمها وهو من قبيل الحلف على المباح فيعتبر في انعقاده تساوي الطرفين في الدنيا أورجحان جانب اليمين، فلو كان محتاجا إلى الاكل لم ينعقد، وكذلك لو تجددت الحاجة كما مر، ومثله مالو كان الاكل راجحا كالهدي والضحية، وحيث تنعقد اليمين يقتصر عليها فلا يتعدى
(1) تفسير القمى ج 1 ص 179، الوسائل ج 16 ص 178 ب 19 ح 1. (2) و (3) سورة المائدة – 87 و 89.
[ 190 ]
التحريم إلى أولادها على المشهور، والقاعدة المتقررة للاصل وعدم تعلق اليمين بغيرها وعدم تناول الام للولد بإحدى الدلالات. والقول بسريان التحريم إلى الاولاد لابن الجنيد وللشيخ وأتباعه استنادا إلى رواية عيسى بن عطية (1) (قال: قلت لابي جعفر عليه السلام إني آليت أن لا أشرب من لبن عنزلي ولا آكل من لحمها فبعتها وعندي من أولادها، فقال عليه السلام: لا يشرب من لبنها ولا يأكل من لحمها فإنها منها). والرواية قد ردها الاكثر لضعف سندها، فإن عيسى بن عطية مجهول الحال مع جماعة آخرين في سندها مثل محمد بن حسان وأبي عمير والارمني وعبد الله ابن الحكم، هذا ما في الكافي، وفي التهذيب سهل بن الحسن ويعقوب بن إسحاق الضبي عن أبي محمد الارمني وعبد الله بن الحكم، واحتمل فيه محدث الوسائل إرادة ذلك حال الحلف والحمل على الكراهة، والاحوط بقاؤه على ظاهره حيث لا معارض له.
الثامنة عشرة: أن من حلف لينحرن ولده لم تنعقد يمينه عندنا، وكذا من حلف على ترك الصلح بين الناس ويستحب له في الاولى أن يذبح شاة ويفرقها عن ولده وإلا فهي في نفسها من خطوات الشيطان. ففي خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (2) (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل حلف أن ينحر ولده، قال: ذلك من خطوات الشيطان). وفي معتبرة إسحاق بن عمار (3) عن أبي عبد الله عليه السلام (في قوله عزوجل (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم) قال: هو إذا دعيت لتصلح بين اثنين لا تقل علي يمين أن إفعل).
(1) الكافي ج 7 ص 460 ح 2 وفيه (أبى عمران الارمني)، التهذيب ج 8 ص 292 ح 74 وفيه (أبى محمد الارمني)، الوسائل ج 16 ص 205 ب 37 ح 1 وفيه (أبى عمر الارمني). (2) التهذيب ج 8 ص 288 ح 55، الوسائل ج 16 ص 212 ب 44 ح 1. (3) التهذيب ج 8 ص 289 ح 58، الوسائل ج 16 ص 212 ب 44 ح 2.
[ 191 ]
وها هنا فوائد ينبغي التنبيه عليها لاشتمال الاخبار عليها، وقد أعرض عن ذكرها الاصحاب حيث إنها من نوادر الاحكام غير النافية للقواعد الثابتة، وقد تعرض لها جامع الاخبار من غير أن ينقحوا مناطها ويبينوا وجه المناسبة بينها وبين القواعد المقررة في الايمان. فمنها: أن من أعجبته جارية عمته فخاف الاثم بأن ثبعثة الشهوة إلى الوقوع عليها حراما فحلف يمين زجر أن لا يمسها أبدا واتفق أن عمته ماتت ورثها، فإن اليمين التي يحلفها تنحل، ويجوز له وطؤها بالملك لان المحلوف عليه مراعى بأن لا يكون حراما فلا يدخل فيه وطؤها الحلال بعد انتقالها إليه. كما عليه خبر أبي بصير (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: سألته عن رجل أعجبته جارية عمته فخاف الاثم وخاف أن يصيبها حراما، فأعتق كل مملوك له وحلف بالايمان أن لا يمسها أبدا، فماتت عمته فورث الجارية، عليه جناح أن يطأها ؟ إنما حلف على الحرام، ولعل الله أن يكون رحمه فورث إياها لما علم من عفته). وهذا التعليل مؤذن بما قلناه، وإلا فحلفه بحسب الظاهر أن لا يمسها أبدا مقتض للتأييد ولو ملكها لكن التأييد هنا مقيد بما انطوى عليه واليمين تابعة للنية وإن كان ظاهرها الاطلاق والتعميم. ومنها: إن من حلف لغريمه أن لا يخرج من البلد إلا بعلمه وكان عليه في ذلك ضرر لم تنعقد. ففي خبر إسحاق بن عمار (3) (قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: الرجل يكون
(1) التهذيب ج 8 ص 301 ح 110، الوسائل ج 16 ص 216 ب 49 ح 1 وفيهما (أعليه جناح). (2) الكافي ج 7 ص 462 ح 10، الوسائل ج 16 ص 207 ب 40 ح 1 وفيهما (يكون عليه اليمين فيحلفه غريمه).
[ 192 ]
عليه الدين فيحلف غريمه بالايمان المغلظة أن لا يخرج من البلد إلا بعلمه، فقال: لا يخرج حتى يعلمه، قلت: إن أعلمه لم يدعه، قال: إن كان عليه علمه ضررا عليه وعلى عياله فليخرج ولا شئ عليه). وفيه دلالة على انعقاد اليمين ابتداء وأنها تنحل بعروض الضرر اللاحق له فيكون جاريا على قاعدة لما قد استفاض من الاخبار وانعقد عليه الفتوى من أن اليمين المنعقدة إذا عرض لها ما يوجب رجحان تركها ومخالفتها جاز له المخالفة بل استحبت ولا كفارة عليه. مثل صحيح الاعرج (1) وصحيح عبد الرحمان بن أبي عبد الله (2) ومرسلة ابن فضال (3) ومرسلة الفقيه (4) بقوله في الاول (إذا رأيت خيرا من يمينك فدعها). وفي الثاني (إذا حلف الرجل على شئ والذي حلف عليه إتيانه خير من تركه فليأت الذي هو خير ولا كفارة عليه، وإنما ذلك من خطوات الشيطان). وفي الثالث (من حلف على يمين فرأى ما هو خير منها فليأت الذي هو خير منها وله حسنة). وفي الرابع (من حلف على يمين فرأى ما هو خير منها فليأت الذي هو خير وله زيادة حسنة). وأما ما جاء في خبر الحسين بن بشير (5) (قال: سألته عن رجل له جارية حلف بيمين شديدة ويمين الله عليه أن لا يبيعها أبدا وله إليها حاجة مع تخفيف المؤونة، فقال: ف الله بقولك).
(1) الكافي ج 7 ص 444 ح 3 الوسائل ج 16 ص 175 ب 18 ح 1. (2) الكافي ج 7 ص 443 ح 1، الوسائل ج 16 ص 175 ب 18 ح 2. (3) الكافي ج 7 ص 444 ح 4، الوسائل ج 16 ص 176 ب 18 ح 4. (4) الفقيه ج 3 ص 228 ح 3، الوسائل ج 16 ص 177 ب 18 ح 8. (5) التهذيب ج 8 ص 301 ح 108 وفيه (وله الى ثمنها حاجه)، الوسائل ج 16 ص 176 ب 18 ح 5 وفيهما (واليمين لله عليه).
[ 193 ]
وما في صحيح البزنطي (1) عن أبي الحسن عليه السلام (قال: إن أبي كان يحلف على بعض امهات أولاده أن لا يسافر بها، فإن سافر فعليه أن يعتق نسمة تبلغ مائة دينار فأخرجها معه وأمرني فاشتريت نسمة بمائة دينار فأعتقها، فمحمولان على الاستحباب أو على التقية بقرينة الاخبار السابقة. وفي رواية سعد بن الحسن (2) عن أبي عبد الله عليه السلام (أنه سئل عن الرجل يحلف أن لا يبيع سلعته بكذا وكذا ثم يبدو له، قال: يبيع ولا يكفر، وهذا حيث يعرض له الحاجة إلى البيع. ولا تنافيه صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (3) كما في النوادر لاحمد بن محمد بن عيسى (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اليمين التي تجب فيها الكفارة، قال: الكفارات في الذي يحلف على المتاع أن لا يبيعه ولا يشتريه ثم يبدو له فيكفر عن يمينه، لان هذا باق على عدم عروض شئ يرجح ارتكاب البيع أو يحمل على الاستحباب. ومنها: أن من حلف ليضربن عبده جاز له العفو عنه بل يستحب له اختيار العفو، ومن حلف أن يضرب عبده عددا جاز أن يجمع خشبا فيضربه به فيحسب بعدده. ففي خبر نجية العطار (4) (قال: سافرت مع أبي جعفر عليه السلام إلى مكة فأمر غلامه بشئ فخالفه إلى غيره، فقال أبو جعفر عليه السلام: والله لا ضربنك يا غلام قال: فلم أره ضربه، فقلت: جعلت فداك إنك حلفت لتضربن غلامك فلم أرك ضربته، فقال: أليس الله عزوجل يقول: وإن تعفو أقرب للتقوى) (5).
(1) التهذيب ج 8 ص 302 ح 113 وفيه (فان شاء سافر بها فعليه)، الوسائل ج 16 ص 176 ب 18 ح 6 وفيه (فان سافر بها). (2) الفقيه ج 3 ص 234 ح 32، الوسائل ح 16 ص 177 ب 18 ح 10. (3) الوسائل ج 16 ص 177 ب 18 ح 11 وفيه اختلاف يسير. (4) الكافي ج 7 ص 460 ح 4، الوسائل ح 16 ص 206 ب 38 ح 1. (5) سورة البقرة – آية 237.
[ 194 ]
وفي نوادر احمد بن محمد بن عيسى (1) عن ابي جعفر الثاني عليه السلام ” انه سئل: هل يصلح ان يحلف الرجل ان يضرب عبده عددا ان يجمع خشبا فيضربه فيحسب بعدده ؟ قال: نعم “. ومنها: انه يجوز الحلف على الغير الواقع جهرا واستثناء مشية الله سرا للخدعة في الحرب. ففي خبر مسعدة بن صدقة (2) عن شيخ من ولد علي بن حاتم عن ابيه عن جده عدي وكان مع امير المؤمنين عليه السلام في حرويه ” ان امير المؤمنين عليه السلام كان في يوم التقى هو ومعاوية بصفين ورفع بها صوته ليسمع اصحابه: والله لاقتلن معاوية واصحابه ثم يقول في اخره: ان شاء الله تعالى، يخفض به صوته، وكنت قريبا منه، فقلت: يا امير المؤمنين انك حلفت على ما قلت ثم استثنيت فما اردت بذلك ؟ فقال لي: ان الحرب خدعة وانا عند المؤمنين غير كذوب ان احرض اصحابي عليهم لكي لا يفشلوا ولكي يطعموا فيهم، فافهمهم لينتفع بها بعد اليوم ان شاء الله تعالى، واعلم ان الله جل ثناؤه قال لموسى حيث ارسله الى فرعون ” فقولا له قولا لينا يتذكر أو يخشى ” (3) وقد علم الله انه لا يتذكر ولا يخشى ولكن ليكون ذلك احرص لموسى على الذهاب “. ومنها: ان من حلف على ان يزن الفيل وهو من الامور المتعذرة استحب له ان يتوصل لذلك بما يحصل به الوزن ولو بالتخمين كما جاء (4) في القصة
(1) الوسائل ج 16 ص 206 ب 38 ح 2. (2) الكافي ح 7 ص 460 ح 1، الوسائل ج 16 ص 204 ب 34 ح 1 وفيهما ” في اخر قوله – فأردت ان احرض – فأفقههم ينتفع بها “. (3) سورة طه – 44. (4) التهذيب ج 8 ص 318 ح 61، الوسائل ج 16 ص 213 ب 43 ح 1 وفيهما ” عن الحسين بن سعيد عن بعض اصحابنا ” مع اختلاف يسير.
[ 195 ]
التي رفعت إلى أمير المؤمنين عليه السلام (في رجل حلف أن يزن الفيل فأتوه فقال عليه السلام: ولم تحلفون بما لا تطيقون ؟ فقال: فقد ابتليت، فأمر بقرقور فيه قصب فأخرج منه قصبا كثيرا ثم علم صبغ الماء بقدر ما عرف صبغ الماء قبل أن يخرج القصب ثم صير الفيل حتى رجع إلى مقداره الذي كان انتهى إليه صبغ الماء اولا، ثم امر ان يوزن القصب الذي اخرج، فلما وزن قال: هذا وزن الفيل). ومنها: أن اليمين على ما نوى إذا خالف لفظه نيته ولم يكن ظالما لغيره. ففي صحيحة إسماعيل بن الاشعري (1) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام كما في الكافي والفقيه (قال: سألته عن رجل حلف بيمين وضميره على غير ما حلف، قال: اليمين على الضمير) وزاد في الفقيه (يعني على ضمير المظلوم). وصحيح صفوان بن يحيى (2) (قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يحلف وضميره على ما حلف عليه، قال: اليمين على الضمير). وفي خبر مسعدة بن صدقة (3) (قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول وقد سئل عما يجوز وعما لا يجوز من النية والاضمار في اليمين، قال: يجوز في موضع ولا يجوز في آخر، فأما ما يجوز فإذا كان مظلوما فما حلف به ونوى اليمين فعلى نيته، وأما إذا كان ظالما فاليمين على نية المظلوم). ومنها: أن من كان له على غيره مال فأنكره فاستحلفه لم يجز له الاقتصاص من ماله بعد اليمين ويجوز قبلها، فإن رد المال بعد اليمين جاز قبوله
(1) الكافي ج 7 ص 444 ح 2، الفقيه ج 3 ص 233 ح 30، الوسائل ج 16 ص 179 ب 21 ح 1. (2) الكافي ج 7 ص 444 ح 3، الوسائل ج 16 ص 179 ب 21 ح 2. (3) الكافي ج 7 ص 444 ح 1، الوسائل ج 16 ص 179 ب 20 ح 1 وفيهما اختلاف يسير.
[ 196 ]
لان اليمين غير ناقلة، وإنما هي حاجزة عن القصاص لرضاه بها، ومن حلف له فليرض. ففي خبر خضر النخعي (1) (في الرجل يكون له على الرجل مال فيجحده على الرجل المال فيجحده فيحلف يمين صبر أن ليس عليه بشئ، قال: ليس له أن يطلب منه، وكذلك إن احتسبه عند الله فليس له أن يطلبه منه). وفي خبر مسمع بن أبي سيار (3) (قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام إني كنت استودعت رجلا مالا فجحدني وحلف لي عليه، ثم إنه جاءني بعد ذلك بسنتين بالمال الذي أو دعته إياه فقال: هذا ما مالك فخذه وهذه أربعه الاف درهم ربحتها فهي لك مع مالك واجعلني في حل، فأخذتها منه وأبيت أن آخذ الربح منه، ورفعت المال الذي كنت وحلله، فإن هذا رجل تائب والله يحب التوابين). ومنها: أن من حلف ونسي ما قال فهو على ما نوى. ففي صحيح علي بن جعفر (4) (أنه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السلام عن الرجل يحلف وينسى ما قال، قال: هو على ما نوى).
(1) التهذيب ج 8 ص 293 ح 77، الوسائل ج 16 ص 215 ب 48 ح 1. (2) التهذيب ج 8 ص 294 ص 78، الوسائل ج 16 ص 215 ب 48 ح 2 وفيهما اختلاف يسير. (3) الفقيه ج 3 ص 194 ح 5، الوسائل ج 16 ص 215 ب 48 ح 3. (4) الفقيه ج 3 ص 233 ح 31 وفيه (وينسى ما قاله)، الوسائل ج 16 ص 217 ب 50 ح 1.
[ 197 ]
ورواه الحميري (1) في قرب الاسناد مثله إلا أنه قال (يحلف اليمين). والظاهر منه أن المراد أنه نسي ما قال وذكر ما نوى، وقد تقدم أن المعتبر النية في غير الظالم، ويحتمل أن يكون نسي ما حلف عليه لفظا ومعنى، ويكون الغرض من الجواب أن اليمين لا تبطل في الواقع بل هو على ما نوى، فإذا ذكره عمل به. ويمكن أن يكون المراد أنه إذا نسي ونوى إذا ذكر عمل باليمين فله الاجر وقد أدى الواجب. وإن نوى عدم العمل بها بعد الذكر فلا ثواب له وكان مؤاخذا. ومنها: أنه لا تجب كفارة اليمين قبل الحنث بل بعده. ففي خبر طلحة بن زيد (2) عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام (أن عليا عليه السلام كره أن يطعم الرجل في كفارة اليمين قبل الحنث). وهذا حكم جار في الكفارات كلها كما سيجئ التنبيه عليه فلو قدمه أعاد. فأما ما وقع في خبر وهب بن وهب (3) عن أبي جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام (قال: إذا حنث الرجل فليطعم عشرة مساكين ويطعم قبل أن يحنث) فالوجه فيه هو التقيه لانه موافق لمذهب العامة. ومنها: أنه يجوز للوارث الحلف على نفي مال الميت مع وجوده إذا كان موصى به أو مقرا به للغير، وليس عليه في ذلك شئ. وففي صحيح عبد الله بن مسكان (4) عن العلاء بياع السابري (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة أودعت رجلا مالا فلما حضرها الموت قالت له: إن المال
(1) قرب الاسناد ص 121 وفيه (يحلف على اليمين وينسى ما حاله). (2) الفقيه ج 3 ص 234 ح 35، الوسائل ج 16 ص 217 ب 51 ح 1. (3) التهذيب ج 8 ص 299 ح 97، الوسائل ج 16 ص 218 ب 51 ح 2. (4) الكافي ج 7 ص 462 ح 11، الوسائل ج 208 ب 41 ح 1 وفيهما (ما لنا قبلك شئ) مع اختلاف يسير.
[ 198 ]
الذي دفعت إليك لفلانة وماتت المرأة، فأتى أولياؤها الرجل فقالوا: كان لصاحبنا مالا لا نراه إلا عندك فاحلف لنا قبلك شئ، أيحلف لهم ؟ قال: إن كانت مأمونة عنده فيلحلف، وإن كانت متهمة فلا يحلف ويضع الامر على ما كان فإنما لها من مالها ثلثه). والمراد أنه مع التهمة لا يحلف على الجميع بهذا الاقرار لان الاقرار مع التهمة لا ينفذ إلا في الثلث لوقوع ذلك في مرض الموت. ومنها: تحريم الحلف بالبراءة من الله ورسوله صلى الله عليه واله وسلم ومن الائمة عليهم السلام صادقا كان أو كاذبا، وأنها لا تنعقد، وفيها الكفارة مع الحنث. ففي مرسل ابن أبي عمير (1) رفعه قال: سمع رسول الله صلى الله عليه واله رجلا يقول: أنا برئ من دين محمد، فقال له رسول الله صلى الله عليه واله: إذا برئت من دين محمد فعلى دين من تكون ؟ قال: فما كلمه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حتى مات). وخبر يونس بن ظبيان (3) وقد رواه المحمدون الثلاثة (قال: قال لي: يا يونس لا تحلف بالبراءة منا، فإنه من حلف بالبراءة صادقا أو كاذبا فقد برئ منا). وفي مكاتبة الصفار (4) الصحيحة إلى أبي محمد عليه السلام (رجل حلف بالبراءة من الله ورسوله صلى الله عليه واله فحنث، ما توبته وكفارته ؟ فوقع عليه السلام: يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد ويستغفر الله وعزوجل).
(1) الكافي ج 7 ص 438 ح 1، الوسائل ج 16 ص 152 ب 7 ح 1 وفيهما (ويلك إذا برئت). (2) الفقيه ج 3 ص 234 ح 38. (3) الكافي ج 7 ص 438 ح 2، الفقيه ج 3 ص 236 ح 45، التهذيب ج 8 ص 284 ح 24، الوسائل ج 16 ص 152 ب 7 ح 2 وما في المصادر (من حلف بالبراءة منا). (4) الكافي ج 7 ص 461 ح 7، الوسائل ج 16 ص 152 ب 7 ح 3.
[ 199 ]
وفي مرسلة الفقيه (1) (قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: من برئ من الله صادقا كان أو كاذبا فقد برئ الله منه). وفي خبر المفضل بن عمر (2) كما في الفقيه نقلا من كتاب نوادر الحكمة (قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في قول الله عزوجل (فلا اقسم بمواقع النجوم * وأنه لقسم لو تعلمون عظيم) (3): يعني به البراءة من الائمة عليهم السلام يحلف بها الرجل، إن ذلك عظيم). وجاء استثناء جوازها في تحليف الظالم ليعجل الله عليه الفناء لحصول البراءة له بالفعل لكنه ببرأ من حول الله وقوته. ففي مرسلة صفوان الجمال (4) (أن أبا جعفر المنصور قال لابي عبد الله عليه السلام: رفع إلي أن مولاك المعلى بن خنيس يدعو إليك ويجمع لك الاموال، فقال: والله ما كان – إلى أن قال المنصور: – فأنا أجمع بينك وبين من سعى بك، فجاء الرجل الذي يسعى به، فقال أبو عبد الله عليه السلام يا هذا أتحلف ؟ فقال: نعم والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم لقد فعلت، فقال له أبو عبد الله عليه السلام ويلك تبجل الله فيستحيي من تعذيبك ولكن قل: برئت من حول الله وقوته ولجأت إلى حولي وقوتي. فحلف بها الرجل فما استتمها حتى وقع ميتا، فقال أبو جعفر المنصور: لا اصدق عليك بعد هذأ بدا، وأحسن جائزته ورده). وفي نهج البلاغة (5) (قال أمير المومنين عليه السلام: أحلفوا الظالم إذا أردتم
(1) الفقيه ج 3 ص 236 ح 46، الوسائل ج 16 ص 153 ب 7 ح 4. (2) الفقيه ج 3 ص 237 ح 54، الوسائل ج 16 ص 153 ب 8 ح 1 وفيهما (يحلف بها الرجل يقول: ان ذلك عند الله عظيم). (3) سورة الواقعة – آية 75 و 76. (4) الكافي ج 6 ص 445 ضمن ح 3، الوسائل ج 16 ص 200 ب 33 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (5) نهج البلاغة (صبحى صالح) ص 512 رقم 253 وفيه (عوجل العقربة)، الوسائل ج 16 ص 200 ب 33 ح 2.
[ 200 ]
يمينه بأنه برئ من حول الله وقوته، فإنه إذا حلف بها كاذبا عوجل، وإذا حلف بالله الذي لاإله إلا هو لم يعاجل لانه قد وحد الله سبحانه). وفي الخرائج والجرائح (1) عن الرضا عليه السلام عن أبيه (أن رجلا وشي إلى المنصور، أن جعفر بن محمد يأخذ البيعة لنفسه على الناس فيخرج عليهم، فأحضره المنصور فقال الصادق عليه السلام: ما فعلت شيئا من ذلك، فقال المنصور لحاجبه: حلف هذا الرجل على ما حكي عن هذا – يعني الصادق عليه السلام – فقال: قل والله الذي لا اله الا هو، وجعل يغلظ عليه اليمين، فقال الصادق عليه السلام: لا تحلف هذا فإني سمعت أبي بذكر عن جدي رسول الله صلى الله عليه واله أنه قال: إن من الناس من يحلف كاذبا فيعظم الله في يمينه ويصفه بصفاته الحسنى فيأتي تعظيمه لله على إثم كذبه ويمينه ولكن دعني احلفه باليمين الذي حدثني أبي عن جدي رسول الله صلى الله عليه واله انه لا يحلف بها حالف الا باء بإثمه فقال المنصور: حلفه إذا يا جعفر، فقال الصادق عليه السلام للرجل: قل: إن كنت كاذبا عليك فبرئت من حول الله وقوته ولجأت إلى حولي وقوتي، فقالها الرجل، فقال الصادق عليه السلام: اللهم إن كان كاذبا فإمته، فما اسستتم كلامه حتى سقط الرجل ميتا واحتمل ومضى به). ومنها: أن من حلف برب المصحف انعقدت وعليه بالحنث كفارة واحدة. ففي خبر السكوني (2) كما في الكافي والتهذيب والفقيه إلا أنه في الفقيه مرسلا عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من حلف لا فرب المصحف فحنث فعليه كفارة واحدة.
(1) الخرائج والجرائح ص 124 طبع النجف الاشرف، الوسائل ج 16 ص 201 ب 33 ح 3 وفيهما اختلاف يسير. (2) الكافي ج 7 ص 461 ح 8، الفقيه ج 3 ص 238 ح 60 وفيه (فقال: لاورب المصحف فعليه)، التهذيب ج 8 ص 294 ح 79، الوسائل ج 16 ص 207 ب 39 ح 1 وما في المصادر اختلاف يسير.
[ 201 ]
وقد جاء ما يدل على انعقاد هذه اليمين، ففي حديث المناهي (1) (من حلف بسورة من كتاب الله فعليه بكل آية كفارة) وحمل على الاستحباب لعدم انعقاد هذه اليمين ووقوع الحلف فيها بغير الله. وبقي هنا مسائل قد تكلموا عليها لاشتباه معاني الالفاظ المتعلقة بها من جهة الاشتراك اللفظي أو الحقيقة والمجاز أو المدلول الغوي أو العرفي لا بأس بذكرها وإن خلت النصوص التي بأيدينا عنها، لكنها مما يمكن إرجاعها إلى القواعد التى أذن لهم في التفريع عليها:
الاولى: لو حلف أن لا يأكل طعاما اشتراه زيد فاشترى زيد وعمرو طعاما صفقة واحدة ففي حنثه بالاكل منه وجهان: أحدهما: نعم، لانهما لما اشترياه صدق على كل واحد منهما قد اشترى نصفه، ولهذا يلزم كل واحد منهما نصف ثمنه، فإذا كان ازيد نصفه وقد أكل من طعام اشتراه زيد إذ لم يكن محصورا فيما اشتراه زيد بل فيما صدق أنه اشتراه.
والثاني: لا، لان الشراء عقد واحد، فإذا اشترك فيه اثنان ولم ينفرد أحدهما به اختص كل واحد منهما في العرف بنصفه فلم تكمل الصفقة لاحدهما فلا يقع الحنث لان الاسماء في الايمان تتبع، فحينئذ فليس له جزء يقال: إن زيدا انفرد بشرائه بل كل جزء يقال إنه اشتراه زيد وعمرو فهو بمنزلة من حلف: لا لبست ثوب زيد فلبس ثوبا لزيد وعمرو أو قال: لا دخلت دارا لزيد فدخل دارا لزيد وعمرو. وهذا مختار الاكثر منهم الشيخ – رحمه الله – في الخلاف والمحقق في الشرايع والعلامة في أكثر كتبه، وفي المبسوط قوى القولين معا. واجيب عما احتج به الاول بأنه لا يلزم من لزوم كل واحد نصف ثمنه أن يكون مشتريا لنصفه، وإنما الواقع أن كل واحد منهما نصف مشتر لجمعه لا مشتر تام لنصفه، وهذا أقوى.
(1) الفقيه ج 4 ص 5 س 7، الوسائل ج 16 ص 191 ب 30 ح 2.
[ 202 ]
وأما تشبيه الطعام بالمشترك بالثوب والدار ففي غاية الضعف لظهور والفرق بأن بعض القميص ليس بقميص وبعض الدار ليس بدار، والحال إن زيدا لم يشتر جميع القميص والدار بخلاف الطعام، فإن اسمه يقع على القليل والكثير، وإنما المخلص منه ما ذكر من أن المشترك ليس هو ولا بعضه مال زيد ولا ما اشتراه. وحيث تقول بعدم الحنث للاكل له إذا كان مشاعا فاقتسماه لم يحنث بما يأكله من نصيب عمرو فهل يحنث بما يأكله من نصيب زيد ؟ وجهان منشأهما أن القسمة تمييز لما اشتراه زيد عما اشتراه عمرو فيصدق على كل ما حصل لكل واحد منهما أنه الذي اشتراه، ومن أن الذي اشتراه كان غير معين، وما حصل له بالقسة معين، فهذا ليس هو الذي اشتراه بعينه، فلا يحنث به وما ادعى من أن القسمة تمييز ما اشتراه فليس بمسلم بل تمييز حقه من المشترك بينهما بالشراء المشترك، وهذا هو الاقوى، وقد تردد في ذلك أيضا الشيخ – رحمه الله – في المبسوط مستوجها لكن من القولين.
الثانية: لو كان قد حلف على ما اشتراه زيد فاشترى طعاما منفردا أو اشترى عمرو طعاما كذلك ثم اختلطا فأكل منه الحالف ففيه أوجه:
(أحدها) وهو مختار الشيخ – رحمه الله – في الخلاف واستحسنه المحقق في الشرائع، أنه إن كان أكل النصف فما دونه لم يحنث، وإن زاد على النصف حنث لانه بزيادته على النصف يحصل له الجزم لانه أكل من طعام زيد لا بدونه. ومثله ما ذكروه أيضا فيما لو حلف لا يأكل تمرة واختطلت بتمر كثير فإنه لا يحنث ما بقيت تمرة، وإنما يحنث إذا أكل الجميع لانه تحققنا حينئذ أنه قد أكل المحلوف عليه، وهذا التقييد الذي وقع بالنصف إنما هو عند استواء القدرين، وإلا فالمعتبر حينئذ الزيادة على مقدار حق عمرو ليتحقق دخول حق زيد.
(وثانيها) أنه لا يحنث ولو أكله لانه لا يمكن الاشارة إلى شئ منه
[ 203 ]
لانه اشتراه زيد فصار كما لو اشتراه زيد مع غيره بتقرير ما تقدم هناك.
(وثالثها) أنه إذا أكل من الحنطة قليلا يمكن أن يكون مما اشتراه الاخر كالحبة والحبتين من الحنطة لم يحنث، وان كان قد أكل قدرا صالحا كالكف والكفين حنث لانه نتحقق في العادة أن فيه ما اشتراه زيد وإن لم يتعين لنا.
(ورابعها) التفصيل بوجه آخر، وهو أنه إن كان مايعا كالعسل واللبن أو ما يشبه الممتزج كالدقيق حصل له الحنث بقليله وكثيره لشدة الامتزاج والاختلاط في أجزائها بعضها ببعض، فأي شئ أكله تحقق أن فيه أجزاء مما اشتراه زيد، وإن كان متميزا كالرطب والتمر والخبز لم يحنث حتى يأكل أكثر مما اشتراه عمرو لقيام الاحتمال في المتميز وانتفائه عن الممتزج، وهذا ما اختاره العلامة في المختلف.
(وخامسها) حصول الحنث بالاكل منه مطلقا، وهو اختيار القاضي ابن البراح، واحتج عليه بما هو أضعف من بيت العنكبوت لان الحنث منوط بالقطع بأنه أكل ما اشتراه زيد الذي هو متعلق اليمين لا بعدم القطع بأنه لم يأكل منه.
الثالثة: لو حلف لا يأكل تمرة معينة فاختلطت بتمر لم يحنث إلا بأكله أجمع أو يتيقن أكلها، ولا يكفي في ذلك تلف تمرة منه فلم يحنث بأكل الباقي مع الشك في المحلوف عليه، وذلك واضح لان تيقن الحنث بأكل الجميع لا إشكال فيه. لكن قد يعلم بدون ذلك كما لو كانت من جنس مخصوص فوقعت في أجناس مختلفة فأكل جميع أجناس المحلوف عليه فإنه يحنث وإن كان قد بقي غيره من الاجناس لان المعتبر القطع بكونه أكل المحلوف عليه وذلك حاصل، ومتى ابقي من المجموع أو من الجنس بقدر العدد المحلوف عليه لم يحصل الحنث، والفرق بين هذا وبين ما لو اشتبهت أجنبية بزوجاته أن الاصل في النكاح التحريم ما عدا الحليلة، فما لم يعلم بعينها يحرم النكاح عملا بهذا الاصل حتى يثبت المبيح، بخلاف التمرة المحلوف عليها فإن أمرها على العكس من ذلك، حيث إن الاصل
[ 204 ]
إباحة أكل إلا ما علم تحريمه بالحلف، فما لم يعلم كان باقيا على أصل الحل، وهكذا القول في نظائره من الاعداد المشتبهة بغيرها المخالف لها في الحكم فإنه يعمل فيه بالاصل من حل وحرمة ونجاسة وطهارة. هذا من حيث الحنث وعدمه. وهل حل التناول لازم لعدم الحنث ؟ المشهور بين علمائنا ذلك – وهو الذي ختاره المحقق في الشرايع، واستقرب العلامة في كثير من كتبه – وجوب اجتناب المحصور الذي لا يشق تركه لانه احتراز عن الضرر المطلوب ولا حرج فيه، وتؤيده الاخبار المانعة من إباحة أكل الحلال والحرام المختلطين إذا كان محصورا وهي كثيرة جدا، فتورث هذا القول قوة. ولو فرض تلف تمرة لم يحنث بأكل الباقي كما سمعت كما لو أبقى تمرة وكذلك لاحتمال كون التالفة هي المحلوف عليها فيستمسك في الباقي لاصل الحل، وقد وقع للمحقق وكثير من علمائنا التمثيل بعدم الحنث بإبقاء تمرة، والاولى التمثيل بإبقاء بعض تمرة للتنبيه على أن من حلف لا يأكل تمرة لا يحنث بأكل بعضها. وكذا لو حلف لا يأكل رمانة أو رغيفا ونحو ذلك، وإنما بتحقق الحنث باستيعاب الجميع لان البعض لا يصدق عليه اسم المحلوف عليه، والحكم هنا كما سبق في اقتضائه الجميع فلايبر إلا به. وفي استثناء ما يبقى من فتات الرغيف التى جرت العادة بترك الناس له ولا يتكلفون التقاطه وجهان، والاقوى في ذلك اتباع العرف. ولو قال: لا كلن هذه الرمانة فترك حبة منها لم يبرأ. لا آكلها فترك حبة لم يحنث مع احتماله كما سبق.
الرابعة: إذا حلف أن يأكل هذا الطعام غدا فأكله اليوم حنث لتحقق المخالفة ويلزمه الكفارة معجلا، وكذلك لو هلك الطعام قبل الغد أو في الغد بشئ من جهته، ولو هلك من غير جهته لم يكفر وذلك لان متعلق الحلف أكله
[ 205 ]
غدا فلا يتحقق البر إلا به، ويتحقق الحنث قطعا مع تأخير أكله عن الغد مع الامكان. ويبقى الكلام في مواضع: (أحدها) أن يأكل قبل الغد اختيارا كما مثلنا وقد جزم المحقق في الشرايع بالحنث ولزوم تكفيره معجلا لتحقق المخالفة منه بمقتى اليمين اختيارا، وقد وجب عليه الوفاء باليمين لا يقاعه إياه، فيدخل تحت العموم، ولا يتم ذلك إلا بحفظه الطعام إلى الغد ليبر به يمينه، فإذا أكله فقد فوت البر لنفسه مختارا، وهذا هو معنى الحنث، فتلزم الكفارة حينئذ. وضعف بأن الحنث إنما يتحقق بمخالفة اليمين بعد انعقادها ولاانعقاد قبل الغد لانه سبب الوجوب فينتفي المسبب قبله، ولا مكان موته قبل مجئ الغد فيسقط. ولان تعليقه الاكل على حصول الغد تعليق بمالا يقدر عليه الحالف فكيف يحنث قبل حصوله ! فالاقوى إذا مراعاة وجوبها لبقائه إلى الغد مع تمكنه من أكله مع وجوده. وبالجلمة: فالحاصل قبل حضور الغد باليمين جزء السبب لاتمامه، وإنما يتم بحضور الغد. وربما بني حكم هذه المسألة على أن المكلف إذا علم شرط انتفاء التكليف هل يحسن تكليفه قبل مجئ وقته أم لا ؟ وفيه خلاف مشهور بين الاصوليين، وتقدم البحث فيه غير ضرورة (1) كما في الصوم إذا طرأ المانع في أثناء النهار وأفسده قبله باختياره، هكذا قاله جماعة. وفيه نظر، للفرق بين الامرين فإنه في هذه المسألة لم يتم سبب الوجوب قطعا لتعلق اليمين على سبب أمر متجدد لم يحصل بعد، بخلاف القاعدة الاصولية فإنها قد فرضت في مستجمع الشرائط وتمام السبب وإن طرأ بعد ذلك ما أبطله، فيمكن الحكم هنا بوجوب الكفارة لاجتماع شرائط التكليف في ابتداء لفعل بخلاف المتنازع فيه هنا.
(1) كذا في النسخة، ولعل الصحيح (غير مرة).
[ 206 ]
(ثانيها) أن يهلك الطعام قبل الغد لكنه بسبب من الحالف، وفيه القولان المتقدمان كما لو أكله.
(وثالثها) أن يهلك قبله لابسبه فلا حنث ولا كفارة قطعا.
(ورابعها) أن يهلك في الغد قبل التمكن من أكله قبل اختياره أو بغير اختياره، والحكم فيه كالذي تلف قبله.
(وخامسها) أن يهلك في الغد بعد تمكنه من أكله باختياره، وتجب عليه الكفارة لتفويته الواجب باختياره كما لو حلف ليأكله من غير تقييد بزمان معين ولم يأكله باختياره وأتلفه.
(وسادسها) أن يهلك في الغد بعد التمكن لا باختياره، وفي حنثه هنا وجهان: من إخلاله بمقتضي اليمين بعد انعقادها مختارا، ومن أن الوقت موسع وقد أذن له الشارع في التأخير لان جميع الغد وقت له، فتأخيره لا يوجب التقصير. وربما قد خرج هذان الوجهان على أن من مات في أثناء الوقت ولم يصل هل يجب عليه القضاء أم لا ؟ لان التأخير عن أول الوقت، وربما فرق بينه وبين ما لو قال: لاكلن هذا الطعام وأطلق ثم أخر مع التمكن حتى تلف الطعام فإنه ليس هناك بجواز التأخير وقت مضبوط والامر فيه إلى اجتهاده، فإذا مات ظهر خطأه وتقصيره، وها هنا الوقت مقيد مضبوط وهو في سعة من التأخير لتلك الغاية، وفيه أن الوقت الموسع للعمر، وتضييقه إنما يحصل بأمارات الموت وتضيق العمر عنه، فلا تقصير مع حصول الموت قبله مطلقا بل مع ظهور الامارة والمخالفة، فلو مات فجأة لم يظهر الخطأ حيث لم يخالف ما أناطه الشارع به كالوقت الموسع. ثم إذا قلنا بحصول الحنث في الغد فهل يحكم به في الحال أو قبل الغروب ؟
[ 207 ]
وجهان، وتظهر فائدة الوجوب في جواز الشروع في اخراجها حينئذ وفيما لو مات قبل الوقتين.
الخامسة: لو حلف أن لا ماء يشرب من الفرات حصل الحنث بما يصدق عليه الشرب من مائها كرع منها أو شرب بيده أو بإناء). وربما قيل: إنه لا يحنث إلا بالكرع منها، وهو مذهب الشيخ في المبسوط وابن إدريس في السرائر. وما قلناه هو مذهب الاكثر، وعليه الشيخ في الخلاف، وإليه مال الحقق في الشرايع لدلالة العرف على صدق الشرب منه بذلك. واللغة لا تنافي ذلك لان (من) هنا للابتداء، إذ المراد كون الفرات مبدا للشرب سواء كان بواسطة أم بغيرها، ويؤيده قوله تعالى (إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني) إلى قوله (من اغترف غرفة بيده) (1) و الاصل في الاستثناء الاتصال. وحجة الثاني أن الشرب منها بغير واسطة كالكرع هو الحقيقة وما عداه مجاز، وعلامة الحقيقة أنه لو حلف على الشرب من ماء الا داوة لم يحنث بصب مائها في إناه غيره أو في يده ثم يشربه قطعا، ولو كان حقيقة في الاعم لزم الحنث هنا أيضا. والاقوى الاول لدلالة العرف عليه، والشرب من الشئ بالواسطة أو غيرها غير منظبط، لانه لو اعتبر عدم الواسطة لزم عدم الحنث بالكرع أيضا لان أخذه بالفم سابق على الشرب، بدليل أنه لو مجه فيه بعد أخذه لم يكن شاربا، ولو صب في القدح وشرب لا يصدق عليه أنه شرب من الكوز، فدل ذلك على عدم مناط الواسطة، وإنما المحكم في مثله العرف وهو دال على الشرب من النهر على ما يعم الواسطة، وفي الكوز على ما كان بغير واسطة، وعلى أن توسط الفم غير مانع مطلقا.
(1) سورة البقرة – آية 249.
[ 208 ]
السادسة: إذا حلف: إذا أكلت رؤوسا انصرف إلى ما جرت العادة بأكله كرؤوس البقر والغنم والابل، فلا يحصل الحنث بأكل رؤوس الطيور والسمك والجراد عند الاكثر ترجيحا للعرف على اللغة. وخالف ابن إدريس فحكم بحصول الحنث بأحد هذه الاشياء حملا للفظ على معناه اللغوي. وتردد المحقق في ذلك، ولعل العرف غير منضبط بخلاف اللغة، ولان اللغة حقيقة إجماعا بخلاف العرف، إذا العادة ناقلة من الحقيقة اللغوية أو مخصصة، كلاهما مجاز غايته أن يصير راجحا، وإذا تعارض الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح وقع الاشكال في الترجيح. ولو ادعى صيرورة العرف حقيقة ففي ترجيح أحد الحقيقتين على الاخرى خلاف مشهور بين الاصوليين، وإن كان المختار من ذلك ترجيح العرف على اللغة لكن بشرط أن يكون منظبطا، والمعتبر منه عرف الحالف. هذا كله إذا لم ينو الحالف شيئا معينا، وإلا تعين لما عرفت من أن إطلاق اليمين تابع للنية ومقيد بها.
السابعة: لو حلف أن لا يأكل لحما فالخلاف الجاري في المسألة السابقة جار هاهنا، ويقوى هنا أنه يحنث بالجميع. وهذان القولان للشيخ، وعدم دخول لحم الطير والسمك حيث إن العرف لا يساعد عليه بخلاف اللغة. والمذهب الاول للشيخ في الخلاف وعليه الاكثر الاطلاق اسم اللحم على السمك في قوله تعالى (ومن كل تأكلون لحما طريا) (1) وقد قواه ابن إدريس هنا مع ذهابه في الاول إلى التقييد مستدلا بترجيح عرف الشرع على العادة، عملا بالحقيقة اللغوية. وهذا كله إذا لم ينو شيئا مخصوصا كما قررناه فيما سبق، وإلا فالمعتبر ما نواه.
(1) سورة فاطر – آية 12.
[ 209 ]
الثامنة: لو حلف أن لا يأكل شحما فهل يحنث بأكل شحم الطير أم لا لوقوع الخلاف في ظهوره في اسم اللحم أو الشحم ؟ ففيه وجهان: من جهة أنه لحم سمين بكمال الامتزاج فكأنه جزء من اللحم، ومن إطلاق اسم الشحم عليه، ولهذا استثناه الله تعالى من الشحم بقوله (حرمنا عليهم شحو مهما إلا ما حملت ظهورهما) (1) والاصل في الاستثناء الاتصال كما تقرر في الاقرار وغيره لان المنفصل مجاز لا يحمل عليه اللفظ عند الاطلاق بدون القرينة. ويرد عليه ان القرينة هنا موجودة لانه عطف عليه الحوايا أو مختلط بعظم وهو لحم اتفاقا، فيلزم ان يكون الاستثناء متصلا أو منفصلا، فحمله في الجميع على الانفصال أولى. واجيب بأن العطف في قوة تكرار العامل، فيكون الاستثناء في حكم المتعدد تصير استثناءات متعددة لا يضر اختلافها بالاتصال والانفصال. وقد ادعى ابن إدريس في سرائره إجماع أهل اللغة على تسميته شرعا. وعلى كل تقدير منحصر في أحد الصنفين: اللحم والشحم، فإذا حلف على أكل اللحم ولم نقل بكون السمين شحما دخل في اللحم، وإلا ففي الشحم.
التاسعة: لو حلف: لاذقت شيئا فمضغه ولفظه هل يحنث أم لا ؟ فيه قولان، أصحهما الحنث لتحقق الذوق بذلك، لانه حقيقة في إدراك طعم الشئ في الفم بالقوة المودعة في اللسان المنبثة في العصب المفروش وهي كقوة المس في توقفها على المماسة باللسان، ومن ثم جاز للصائم أن يذوق الطعام من غير أن يفطر به، وفيه وجه ضعيف جدا لانه لا يحنث بذلك لانه لا يفطر الصائم به، ولا يخفى عدم الملازمة.
العاشرة: لو حلف أن لا يأكل سمنا فأطلق فأكله مع الخبز حنث، وكذا
(1) سورة الانعام – آية 146.
[ 210 ]
لو وضعه على الطعام إذا بقي متميزا، بخلاف ما لو حلف أن يأكل لبنا فأكل جبنا أو زبدا يحنث لان كل واحد من السمن والزبد والجبن واللبن أصناف مختلفة اسما وصفة وإن كان بعضها في الاصل راجعا إلى بعض، ولا إشكال في عدم صدقه بأكل اللبن والجبن، لكن في حنثه بأكل الزبد خلاف، ففيه وجهان، اصحهما أنه لا يحنث أيضا لتفاوتهما في الاسماء والصفات. ووجه الحنث به أن الزبد سمن لاشتماله عليه، بخلاف العكس، لان الزبد عبارة عن مجموع السمن وباقي المخيض، ولا فرق في السمن بين أن يأكله جامدا أو ذائبا مع الخبز ومنفردا على الطعام فإنه لا يحنث لعدم دخول الاكل في الشرب مع احتماله أيضا نظرا إلى العرف، لكنه بعيد، لان انضباط العرف ممنوع. فكذا لا يحنث بحلفه على أكل الزبد بالسمن ولا باللبن بطريق أولى، وبالعكس لاختلاف الاسم والوصف لغة وعرفا، ويدخل في اللبن الحليب والرائب منه واللبا والمخيض من الانعام والصيد، إلا أن يخص العرف بعضها.
الحادية عشرة: لو قال: لا أكلت من هذه الحنطة فطحنها دقيقا أو سويقا لم يتحقق الحنث، وكذا لو حلف أن لا يأكل الدقيق فخبزه وأكله، وهذا مما تعارض فيه الاسم والاشارة، فإن هذه تقتضي تعلق اليمين بها مادامت موجودة وإن تغيرت، وتقييدها بالحنطة والدقيق ونحو هما يقتضي زوال اليمين بزوال القيد. وفي بقاء الحنث مع التغيير المذكور وجهان: أجودهما – وهو الذي قطع به المحقق في الشرائع حتى أنه لم يذكر غيره وقبله الشيخ في المبسوط – وزواله لان اسم الحنطة قد أزاله الطحن وصورته قد تغيرت، فصار كما لو زرع فنبت فأكلها حشيشا، أو قال: لا آكل من هذا البيض فصار فرخا فأكله.
[ 211 ]
والقول الثاني: بقاء الحنث، وهو مذهب القاضي ابن البراح، لان الاشارة وقعت على العين وهي باقية، ولان الحنطة إنما تؤكل كذلك غالبا فيكون بمنزلة أن يقول: لا آكل هذا الكبش فذبحه وأكله، ولان الحقيقة النوعية لاتتبدل، وإنما المتغير بعض أوصافها، بخلاف ما لو صارت الحنطة حشيشا والبيض فرخا. وكذا الحكم فيما لو قال: لا آكل من هذا الرطب فصار تمرا أو هذا البسر فصار رطبا أو العنب فصار زبيبا أو لا أشرب من هذا العصير فصار خلا. وقد ذكر أنه باحث شيخه في ذلك، وأورد عليه أن عين الحنطة باقية وإنما تغيرت بتقطيع الاجزاء الذي هو الطحن. فأجابه الشيخ بأن متعلق اليمين مسمى الحنطة والدقيق لا يقال عليه هذا الاسم، فينتفي الحكم بانتفاء هذا الاطلاق كما ان الخبز لا يسمى دقيقا، فألزمه بأن من حلف أن لا يأكل هذا الخيار والتفاح ثم قشره وقطعه وأكله لا يحنث، ولا شبهة في أنه يحنث. فالتزم بمثل ذلك في الخيار والتفاح وهو التزام ردئ. والحق أن الخيار والتفاح لم يخرجا عن مسماهما بالتقطيع ولا حدث لهما اسم زائد على كونه خيارا مقطعا أو تفاحا مقطعا، بخلاف الحنطة المطحونة فإنها لا تسمى بعد الطحن حنطة لغة ولا عرفا إلا على طريق المجاز، وبهذا حصل الفرق بينهما، فأوجب الحنث في أكل الخيار المقطع والتفاح، بخلاف الدقيق. والعلامة في المختلف بعد أن نقل كلام الشيخين واعترض عليه وحقق المسألة بما حاصله يرجع إلى اختيار كلام القاضي في الحنطة والدقيق، بخلاف الرطب إذا صار تمرا والعنب إذا صار زبيبا ونحو ذلك وجعل الفرق إنما يحصل للاكل حالة اليمين على حالته التي هو عليها يتعلق التحريم به على حالة تؤكل كالحنطة والدقيق فيحنث بأكلها خبزا.
[ 212 ]
الثانية عشرة: لو حلف أن لا يأكل لحما فأكل إلية الشاة لم يحنث، واختلف فيما لو أكل الكبد والقلب، وقد تردد المحقق فيهما. وهذه المسألة متفرعة على مسألة ما لو خالط اللحم الشحم كما مر، ومن هذا استشكل في الالية فقيل: إنها من اللحم لو حلف عليه كذلك، فإنها منحصرة فيهما، ويحتمل خروجها عنهما معا لمخالفتها لهما اسما وصفة، وكذا والبحث في السنام، ولا يحنث على أحدهما بالاخر. وقد اختلفت أيضا في حصول الحنث بالكبد والقلب عند الحلف على اللحم إلى قولين، قد بينا على أنهما في معناه وقد يقومان مقامه. ويؤيده في انصراف اللفظ صلى الله عليه واله (إن في الجسد مضغة). والمضغة القطعة من اللحم، وعدم انصراف اللفظ إليهما عند الاطلاق وهو اللفظ الثاني كما إذا قال لعبده السيد: اشتر لنا لحما فاشتراهما مدعيا إنهما داخلان تحت إطلاق الامر فإنه يستحق اللوم، وما ذلك إلا لمنع دخولهما عرفا، وهذا علامة الحقيقة ولصحة السلب التي هي قرينة المجاز فيقال: ما اشتريت لحما وإنما اشتريت قلبا وكبدا، وهذا هو الاظهر نظرا إلى العرف. والو جهان آتيان في لحم الرأس واللسان ولكنه هنا أولى بالدخول لو قيل به، فأما الكرش والمصران والمخ فلا قطعا.
الثالثة عشرة: لو حلف أن لا يأكل بسرا فأكل منصفا أو لا يأكل رطبا فأكل منصفا حنث في المشهور. والقول بعدم الحنث كما وقع لابن إدريس الحلي ضعيف كما حققه المحقق. وأصل هذا الخلاف أن معتمد البر والحنث في اليمين على موجب اللفظ الذي هو متعلق اليمين ما لم تقترن به نية أو قرينة خارجية، وكان مدلول لفظ كل من البسر والرطب مخالفا للاخر، فإن الاول يطلق على ما لم يرطب
(1) عوالي اللئالى ج 4 ص 7 ح 8 وفيه (ان في جسد ابن آدم لمضغة).
[ 213 ]
من ثمر النخل بعد مقارنتها له، والثاني لما نضج منه وسرت فيه الحلاوة والمائية، فلم يدخل أحدهما في الاخر إذا حلف عليه. أما المنصف وهو الذي صار نصف الواحدة منه رطبا والنصف الاخر بسرا ففي الحنث به لو حلف أن لا يأكل البسر أو الرطب، أو البر به لو حلف على أن يأكله وجهان: من صدق اسم الرطب على الجزء المرطب والبسر على الجزء الذي لم يرطب عليهما حقيقة وإنما لهما اسم خاص ووصف خاص فلا يحنث، وهذا الذي قد اعتمده ابن إدريس في الاستدلال. هذا كله إذا أكل الجميع أو النصف الموافق لمقتضى اليمين. أما لو اقتصر على النصف المخالف لمقتضى فلا إشكال في عدم الحنث لان الرطبة اسم لما يرطب كله والبسر لما لم يرطب منه شئ وهذا غير متحقق في المنصف ولا المعظم بخلاف البسر والرطب فإنه يصدق ببعضها.
الرابعة عشرة: لو حلف أن لا يأكل فاكهة حنث بأكل واحد من الرمان والعنب والرطب من ذلك، وفي مثل البطيخ تردد، وقع للمحقق وجماعة والشيخ في المبسوط قطع بدخوله في الفاكهة، والقول الاخر هو من الخضروات. والاصل في ذلك ان الفاكهة، اسم لما يتفكه به بأن يتنعم به قبل الطعام وبعده مما لا يكون مقصودا بالقوة من العنب أو التين والرطب والرمان والتفاح والمشمش والكمثرى والخوج والاترج والنارنج والليمون والنبق والموز والتوت بأنواعه والسفرجل ونحوها، وليس مختصا بالثلالثة الاول، كما وقع في عبارة الشرائع فقد ارتكب التجوز فيها، والحامل عليه تخصيص إشراف الافراد منها أو موضع النزاع، فإن بعض العامة قد منع من دخول الرمان والرطب فيهما لعطفهما عليها لقوله تعالى (فيها فاكهة ونخل ورمان) (1) والعطف يقتضي المغايرة. وقد اجيب عن ذلك بأن المغايرة حاصلة على التقديرين فإنهما جزئيان
(1) سورة الرحمن – آية 68.
[ 214 ]
لها، والجزئي مغاير للكلي، وقد عطف عليه لمزيد شرف له عن غيره كما تقرر في علم البيان كعطف جبرئيل وميكائيل عليهما السلام على الملائكة في قوله تعالى (من كان عدوالله وملائكته ورسله وجبريل وميكال) (1) وكعطف الصلاة الوسطى على مطلق الصلاة وهو في القرآن كثير، وكذا في أشعار البلغاء. ولا تدخل الخضراوات كالقثاء والخيار والباذنجان والجزر والقرع في الفاكهة اتفاقا، وقد سمعت الخلاف في البطيخ، والاولى الرجوع فيه إلى العرف، وإن فقد فالاصل عدم الحنث به، وإن سمي فاكهة في الاخبار فهو للمبالغة في حسنه. ثم لاإشكال في تناول الفاكهة لما ذكر في إفرادها عند رطوبتها، أما تناوله لليابس فموضع خلاف، ومقتضى التقسيم لها إلى الرطب واليابس صدقها عليهما إلا أن العرف قد أخرج اليابس والانقسام أعم من الحقيقة، ولا نزاع في جواز التسمية في الجملة. والوجه في ذلك تحكيم العرف وهو شاهد بعدم التناول لليابس. وكذا البحث في مثل الفستق والبندق والجوز واللوز، وأولى بالمنع هنا، وهو الاصح. وفي تناولها للبري من الزعرور وحب الاس وحب الصنوبر إن أدخلنا اللبوب فيها وجهان، وقد جزم العلامة في التحرير بدخول حب الصنوبر ونحوه، ولا وجه له بعدم إطلاق العرف وهو حاكم بالعدم، ولا بحنث بشئ منها ولا يبر لو حلف أن يأكلها.
الخامسة عشرة: لو حلف أن لا يأكل الادم أو يأكله كان صادقا لكل ما يودم به، ولو كن ملحا ومائعا كالدبس أو غير مائع كاللحم، وأصله ما يضاف إلى الخبز ويؤكل معه مرقة كان أم دهنا جامدا كان كالجبن والتمر في بعض البلدان والملح والبقول والفجل أم مائعا كالخل والدبس والعسل والسمن، ومساواة الجامد للمائع مذهب أصحابنا، والخلاف إنما هو للعامة حيث خصته بما يضع به.
(1) سورة البقرة – آية 98.
[ 215 ]
وبرده قوله صلى الله عليه واله وسلم (1) (سيد إدامكم الملح) وقوله صلى الله عليه واله (2) – وقد أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة فقال – (هذه ادم هذه). وقوله صلى الله عليه واله (3) (سيد ادم أهل الدنيا والاخرة اللحم) مضافا إلى العرف واللغة فالحق التعميم. وفي الاخبار ما يدل على تعدد الادم في أشياء كثيرة غير ما ذكرناه، إلا أنها باعتبار البلدان دون بعض فكم من ادم في بلاد هو طعام في اخرى وبالعكس فيتبع عرف تلك البلد.
السادسة عشرة: إذا قال: إذا شربت ماء هذا الكوز لم يحنث إلا بشرب جميع مائه وكذا لو قال: لا شربت ماءه، وهكذا كل شئ لا يبر الا بفعله اجمع اما لو قال: لا شربت ماء هذا البئر حنث بشرب البعض إذ لا يمكن صرفه الى الكل، وربما قيل: لا يحنث ايضا. وبالجملة: ان الماء إذا نسب الى ما يمكن شربه ولو في مدة طويلة فإنه لا يحنث إلا بشرب جميعه، وما دام يبقى فيه فلا حنث. ولكن يستثنى من ذلك البلل اليسير الذي يبقى في العادة، وينبغي أن يكون هو المراد من قوله (لا شربت ماءه) ولهذا قد مثل با لأمرين المحقق في الشرائع لان مؤاده عرفا كذلك. وقال الشهيد – رحمه الله – في بعض تعليقاته على الشرائع حيث قال: ولو قال: لا شربت ماء هذا البئر حنث بشرب البعض إنما وقع من لفظ (شربت) من تحريف الكتاب والصواب لو قال: لا شربت ماء هذا البئر العظيمة أؤ النهر فهل يحنث بشرب بعضه ؟ وفيه وجهان: أحدهما: نعم لانه لا يمكن شرب الجميع فتصرف اليمين إلى البعض، ولان من شرب من دجلة أو الفرات يصدق عرفا أنه شرب ماء دجلة والفرات، ثم قال:
(1) مستدرك الوسائل ج 3 ص 108 ب 31 ح 2. (2) مستدرك الوسائل ج 3 ص 112 ب 52 ح 7 وفيه اختلاف يسير. (3) مستدرك الوسائل ج 3 ص 104 ب 7 ح 1 وفيه (سيد طعام الدنيا والاخرة اللحم).
[ 216 ]
والثاني: وهو الذي اختاره المصنف لان الحلف على الجميع فصار كما لو قال: لا شربت ماء هذه الاداوة، والعرف بما ادعوه غير منضبط فلا يحكم بل ينبغي على هذا أن يقال: لا ينعقد يمينه لان الحنث فيه غير متصور كما لو حلف لا يصعد إلى السماء. ويتفرع على ذلك كما لو قال: لا شربت ماء هذا البئر أو النهر فيحمل حل اليمين على البعض فيبر بشرب بعضه وإن قل، والاظهر أنه يبر شرب البعض بل يكون كالحالف على غير المقدور فلا تنعقد اليمين لان البر فيه غير ممكن أما لو كانت يمينه: لا شربت من ماء هذه الادواة أو الجرة حنث بما يشرب من مائها قليلا كان أو كثيرا، وكذا لو قال: لا شربن من مائها بر بما يشرب منه كذلك. وكذا الحكم في ماء البئر وماء النهر لافادة (من) التبعيض هنا بالقرينة ولعدم صلوحها للتبيين.
السابعة عشرة: لو قال: لا أكلت هذين الطعامين لم يحنث بأكل أحدهما وكذا لو قال: لا آكل هذا الخبز وهذا السمك لم يحنث إلا بأكلها لان الواو العاطفة لمطلق الجمع فهي كألف التثنية. وخالف الشيخ – رحمه الله – في المبسوط فقال: فإن حلف: لا كلمت زيدا وعمرا فكلم أحدهما حنث لان الواو العاطفة تنوب مناب الفعل. وفيه من التكلف ما لا يخفى، فالاصح ما ذهب إليه الاكثر ولا فرق بين أن يكون عبر بصيغة المثنى أو صيغة الجمع لعطف (1) لانهما في الدلالة واحد، وكون الواو نائبة مناب الفعل العامل لا نعرف له وجها. لان الواو يجعل الشيئين كالشئ الواحد لما علم أنها بمثابة ألف التثنية وواو الجمع. أما لو كرر حرف النفي فقال: لا اكلم زيدا ولا اكلم عمرا ولا آكل هذا السمك ولا هذا التمر حنث بأكل واحد منهما وصار بمنزلة يمينين، وبالحنث
(1) كذا في النسخة، ولعل (لعطف) زائدة.
[ 217 ]
في إحداهما لا تنحل الاخرى كما لو قال: والله لا اكلم زيدا، والله لا اكلم عمرا. ولو قال في الاثبات: لا ألبسن هذا الثوب وهذا الثوب ففي كونهما يمينين أو واحدة وجهان كما سبق.
الثامنة عشرة: إذا حلف: لا آكل خلا فاصطبغ به حنث عند جماعة وعند آخرين لا يحنث لانه ينصرف عرفا إلى أكله متميزا إما منفردا أو مع غيره. أما لو استهلك بالمزج نحو الطعام وانتفت التسمية فلا حنث وإن بقيت الحموضة وغيرها من أوصافه، وقد تقدم الكلام عليه في السمن.
التاسعة عشرة: لو قال: لا شربت لك ماء من عطش فهو حقيقة في تحريم الماء، وهل يتعدى الى الطعام فيه ؟ قيل: نعم، عرفا، وقيل: لا، تمسكا بالحقيقة لان هذا اللفظ في شرب مائه حالة العطش. وقد يتجوز فيما هو أعم من ذلك بأن يريد به أنه لا يتناول شيئا من مائه، وإن قل فلفظه خاص. وقيل: يعم بواسطة سببه وهو عكس ما يقوله الاصوليون في مؤلفاتهم فيما إذا كان اللفظ عاما وسببه خاص كبئر بضاعة وشاة ميمونة. وهل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب ؟ وقد اختلف العلماء في العمل بحقيقة هذا اللفظ الخاص أو بمجازه حيث هو كناية عن ترك غير الماء من المأكول ونحوه نظرا إلى القرينه. فجماعة على العمل بالثاني لان العرف يدل عليه فيكون من باب تعارض اللغة والعرف أو الحقيقة المتروكة والمجاز الغالب، وهو تحقيق حسن لكن مع انضباط العرف أو دلالة القرائن عليه، وإلا تمسك بالحقيقة لا صالة البراءة فيما زاد عليها، ولان إرادة العام من اللفظ الخاص ليس من أنواع المجاز المستعملة اصطلاحا فكيف تحمل عليه عند الاشتباه ؟ وإنما غايتة أن يحمل عليه مع قصده أو ظهور القرائن بأرادته. وقيل: يعمل على الحقيقة مطلقا لان الايمان إنما تبنى على الالفاظ لا على
[ 218 ]
القصود التي لا تحتملها الالفاظ ولم تستعمل لغة فيها كما إذا حلف على الصلاة وقال: أردت فإنه لا يقبل اتفاقا.
العشرون: إذا حلف على فعل مستديم فحنثه يحصل باستدامته، إلا أن يكون الفعل ينسب إلى المدة كما ينسب إلى الابتداء، والضابط في هذه المسألة الفارق بين صورها أن ما لا يتقدر بمدة كالبيع والهبة والتزويج وغيرها من العقود والايقاعات والوطء والدخول ونحو ذلك لا يحنث باستدامتها لان استدامة الاحوال المذكورة ليست كإنشائها، إذ لا يصح أن يقال: بعت شهرا ولا دخلت. وكذا الكلام في البقية وما يتقدر بالمدة كالسكنى والمساكنة والعقود والقيام واللبس والركوب والمشي فيحنث باستدامتها كابتدائها، فإذا حلف أن لا يفعله حنث باستدامته لصدق الاسم بذلك لانه يصح أن يقال: لبست شهرا وركبت ليلة وسكنت سنة وساكنته شهرا، ومثله الكلام في البواقي. وقد يقع الاشتباه في بعض الافعال فيتوجه الاشكال في حكمه إذ يحتمل حينئذ فيه مغايرة الابتداء للاستدامة، فلا يحنث لو حلف لا يتطيب باستدامة الطيب لانه لا يقال: تطيبت شهرا بل منذ شهر وإن كان باقيا عليه كالطهارة على البقاء عليها. ويحتمل اتحادهما لانه يصدق عليه الان متطيب ولانه محرم عليه في الاحرام استدامته كابتدائه. والذي حققه المحقق في الشرائع هو الاول، وهو الاقوى لانه حلف أن لا يتطيب ولم يحلف على أنه متطيبا، وبين الامرين فرق. وأما تحريم استدامة الطيب على المحرم فبدليل خارج كتحريم شمه عليه وابتدائه ويحصل باستدامته ولصحة السلب الذي هو قرينة المجاز لانه يصح أن يقال: ما تطيبت منذ يومين وما تطيبت اليوم وإن كان الطيب باقيا عليه وهذان الوجهان آتيان في الوطء إذ لا يقال: وطأت يوما وشهرا، ومقتضاه أن من حلف
[ 219 ]
أن لا يطأ لا يحنث باستدامته ما لم يعد بعد النزع. وأما تحريم الاستدامة على الصائم والمحرم كالابتداء ثابت فأشبه الطيب. وإذا تقرر ذلك فلو قال: لا دخلت دارا أو دار فلان وهو فيها لم يحصل له الحنث بالمكث فيها وإن تطاول زمانه حتى يخرج منها فيعود إليه فهناك يحنث. وكذا لو قال: لا بعث وقد باع ولو بخيار فاستمر عليه أو لا تزوجت والحال أن له زوجة فلم يطلقها. ولو قال: لاسكنت هذه الدار وهو ساكن بها وجب عليه التحول عنها إلى اليوم وإن كان قد أبقى رحله وأهله لان متعلق يمينه سكناه بنفسه لا بأهله ومتاعه. كما أنه لا فرق في الحنث مع مكثه بين أن يكون قد صدر منه إخراج أهله ورحله أم لم يصدر خلافا لبعض العامة فيهما، ولا يحنث بالعود إليها لا للسكنى بل لنقل رحله وإن كان قد مكث، بخلاف ما لو حلف على دخوله فإنه يحنث وبه وإن كان لنقل المتاع. ولو مكث بعد اليمين ولو قليلا فإن لم يكن لاجل نقل متاعه حنث لصدق الاستدامة بذلك، ولو كان لاجله بأن نهض بجمع المتاع وأمر أهله بالخروج وتلبس بمقدمات الخروج فهل يحنث ؟ فيه وجهان: أحدهما: نعم، لانه أقام فيها مع التمكن من الخروج، وبهذا جزم العلامة في التحرير ولم يذكر سواه. وأرجحهما – وبه جزم في القواعد – المنع، لان المستقل بأسباب الخروج لم يعد ساكنا في الدار. ويؤيده ما أجمعوا عليه من أنه لو خرج في الحال ثم عاد لزيارة أو عيادة أو نقل متاع أو عمارة ونحو ذلك غير السكنى لا يحنث، ولا نه قد فارقها في الحال وبمجرد العود لا يصيره ساكنا. أما لو احتاج أن يبيت فيها ليلة لاجل أن يحفظ فيها متاعه ففيه خلاف
[ 220 ]
إلى قولين، أجودهما عدم الحنث لان الضرورة لا تجامع الحنث بل ربما نافت أصل اليمين. ولو خرج في الحال ثم مر بها مجتازا لم يحنث لان مثل ذلك لا يعد سكنى. وإن تردد فيها ساعة بغير غرض فكذلك. ويحتمل الحنث ويشكل بعدم صدق السكنى بذلك إذ ليس المراد بها المكث مطلقا بل اتخاذها مسكنا وهو غير صادق بالتردد وإن مكث على وجه لا يصدق اسمها، وهذا وارد على القول بالتفصيل الواقع عند الخروج إلا أنه يمكن الفرق بأنها إذا كانت مسكنا لا يخرج عنه بمجرد النية، كما أن المقيم لا يصير مسافرا بمجرد النية، بخلاف من خرج عنها ثم عاد فإنه بخروجه عن اسم الساكن يحتاج في صدق الاسم عليه بعد عوده إلى إحداث إقامة يصدق معها.
الحادية والعشرون: الاصل المرجوع إليه برا وحنثا في اليمين هو اتباع موجب الالفاظ التي تعلقت بها اليمين، إلا أنها قد تقيد وتخصص بنية تقترن بها أو باصطلاح أو قرينة اخرى كما نبهناك عليه في المسائل السابقة، وعليه قد فرعوا تلك المسائل وغيرها. فمنها: أنه إذا حلف لا يدخل هذه الدار، فالمفهوم هو الدخول من الباب المعهود من خارج الدار إلى داخلها، فيحنث بالحصول في أعرصتها وفي أبنيتها، بيوتا كانت أو عرفا أو غيرهما، وسواء دخلها من الباب المعهود أم من غيره، ولو من السطح على أصح القولين، لا بالصعود إلى السطح بالسلم من خارج ولا من دار الجار وإن كان محجرا من جوانبه، خلافا لبعض العامة حيث قد ألحق المحوط بالدار لا حاطة حيطان الدار به والاخرين منهم حيث حكموا عليه بالحنث بمجرد صعوده وإن لم يكن محوطا. هذا كله إذا لم يكن السطح عليه بناء مسقفا كالغرف والعرش وإلا كان طبقة اخرى في الدار وشمل قوله دخلها أو شيئا منها إذا كان متعلق يمينه. كذلك ما إذا دخل الدهليز أو بين البابين لانه من جملة الدار، ومن جاوز الباب عد داخلا. ولو كان الحلف على دخول البيت التي هي الدار بعرفنا لم يتناوله بقية
[ 221 ]
الدار ولا الغرفة فوقة أو في بقية الدار بعدم تناول البيت له، بخلاف الدار فإنها اسم للمجموع، وإنما يتناول البيت ما كان داخلا عن بابه بحيث إذا غلقت الباب كان من ورائه. هذا كله إذا كان الحالف حال الحلف خارجا عن الدار أو عن البيت. أما لو كان فيهما ولم يخرج لم يحنث بالاقامة فيهما لان مثل ذلك لا يعد دخولا، لما قد قررناه في ذلك الضابط من أنه لا ينسب إلى الزمان ولا يتقيد به. فلا يقال: دخلت الدار شهرا ولا البيت يوما، وإنما يقال: سكنت أو لبثت أو أو أقمت. ولكن يقال: دخلت منذ شهر، كما يقال: بعت منذ شهر. وخالف بعض العامة في ذلك فحكم بالحنث كذلك مستندا إلى أن استمرار الدخول و استدامته في حكم ابتدائة شرعا بقرينة أنه لو دخل دارا مغصوبة ولم يعلم بحالها ثم علم ولم يبادر إلى الخروج أثم. وهو استدلال ضعيف لان إثمه ليس من حيث الدخول، والمعتبر من الدخول عند الاطلاق الولوج فيه بجيمع بدنه وأعضائه وسائر بدنه خارج ولو بعضا لم يتحقق الحنث، كما أنه لا يحنث لو حلف أن لا يخرج فأخرج بعض أعضائه وهو كائن في الدار، ويترتب هذا الحكم كما يترتب دخول المسجدين للجنب والحائض دخولا وخروجا، فلا يتحقق التحريم إلا بالدخول بجميع بدنه، ولا يتحقق الخروج الواجب عليه إلا بالخروج بجميع بدنه. وإذا حلف أن لا أدخل بيتا حنث بدخول بيوت أهل الحضر ولا يحنث بدخول بيت البادية إذا كان الحالف حضريا، ويحنث به البدوي ومن له عادة
[ 222 ]
بسكناه لان اسم البيت يقع على المبني من الطين والاجر والحجر والمدر وعلى المتخذ من الخشب ومن الشعر أو الصوب أو الجلد وجميع أنواع الخيام ولو من القطن. فإذا حلف على دخول البيت، فإن نوى نوعا معينا منها حملت اليمين عليه، وإن أطلق نظر، فإن كان الحالف بدويا حنث بكل شئ منها لان الكل بيت عنده، وإن كان من أهل الامصار والحضر وسكان القرى لم يحنث ببيت الشعر وأنواع الخيام ولا بدخول القبور وإن كانت بيوت الموتى لانها غير داخلة في الاطلاق. فإن المتعارف عندهم والمفهوم من اسم البيت عند إطلاقه هو المبني من تلك الاشياء. وفي المسألة قول بالحنث بدخول بيت الشعر ونحوه مطلقا لدخولها في البيت لغة وشرعا. (أما) الاول فظاهر عند أهل البادية وهم مصدر اللغاات وأهل اللسان، ولهذا يستشهد بكلامهم. (وأما) الثاني فلقوله تعالى (وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا تستخفونها) (1) واجيب بأن الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز، ولهذا قال الله تعالى (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون) (2) وقال تعالى (يا أيها النمل ادخلوا ما كنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده) (3). ولو سلمنا الحقيقة لغة لكن العرف مقدم على اللغة كما قررناه فيما سبق ومن ثم جزمنا بحنث البدوي به خاصة دون الحضري، وهنا أيضا حكموا باختصاص لفظ الرؤوس عند إطلاقها بأنواع خاصة كما تقدم بيانه.
الثانية والعشرون: لو حلف: لا دخلت دار زيد ولا كلمت زوجته ولا استخدمت عبده كان التحريم باليمين تابعا للملك وللزوجية بالفعل على الاشهر.
(1) و (2) و (3) سورة النحل – آية 80 و 68 و 18.
[ 223 ]
وربما قيل بما هو أعم وإن خرج عن ملكه واستحسنه المحقق. وتقرير هذه المسألة: أنه إذا حلف لا يدخل دار زيد وكان وقت حلفه مالكا لها فباعها زيد ثم دخلها الحالف بعد بيعه لها، أو لا يكلم عده أو يستخدمه أو زوجته فكلم بعدما زال ملكه عن العبد أو انقطع النكاح لم يحنث لانه حينئذ لم يدخل دار زيد ولم يكلم زوجته ولا عبده واستخدمه لخروجها عن الملكية والزوجية، حتى لو قرض أن زيدا قد اشترى دارا اخرى أو عبدا آخر أو تزوج امرأة اخرى حنث بالاخير دون الاول، إلا أن يقول: إنما أردت الاول بعينه فلا يحنث لهما، أو لو قال: أردت دارا جرى عليها ملكه أو عبدا كذلك أو امرأة جرى عليها زوجيته في الجملة حنث بكل منهما. هذا إذا لم تقتض الاضافة التعيين. أما لو جرى بينها فقال: لا أدخل دار زيد هذه فباعها ثم دخلها، قيل: يحنث لانه عقد اليمين على عين ملك الدار ووضعها بالاضافة فبقيت العين على الاضافة، وقيل لا يحنث كالاول. واستحسنه المحقق في الشرائع، لان المتبادر إلى الذهن تعلق الغرض بالملك والحلف لاجله فتغلب الاضافة، ولانها مستقره قلا يؤثر فيها التعيين الطارئ ولانه ليس نسبة الحكم إلى اليقين أولى بسبب الاضافة، غايته أن يكون العكس كذلك فيكون تابعا لهما وهو المركب يخرجه عن كونه مركبا، فلا يبقى الحكم المعلق عليه باقيا، وهو أقوى جدا. وقد اختلف فتوى العلامة فاستقرب في القواعد الاول، وفي المختلف الثاني في ضمن تفصيل لا يخرجه عنه، وفي التحرير تردد، وكذا في القواعد. ومحل هذا الخلاف ما إذا أطلق فلم يقصد شيئا بخصوصه، وإلا اعتبر قصده.
[ 224 ]
وإذا حلف: لا دخلت دارا فدخل براحا وكان دارا سابقا لم يحنث لخروجه عن اسم الدار بزوال الاثار. أما لو قال: لا دخلت هذه الدار وكانت دارا وقت الحلف فانهدمت فصارت براحا فهي موضع خلاف، فقال الشيخ: لا يحنث. وفيه نظر من حيث تعلق يمينه بالعين فلا اعتبار بالوصف، أما عدم الحنث عند الاطلاق فلانها بصيرورتها قد خرجت عن اسم الدار، فلم يصدق أنه دخل دارا. وأما المعينة فالامر فيها كذلك، إلا أنه قد عارض فيها الاسم الذي هو في قوة اسم الاشارة، وفي تغليب أيهما على الاخر ؟ وجهان كما سبق بيانه. ويزيد هنا أن الغرض من الوصف في السابق مقصود غالبا، بخلاف الدار فإن الحكم فيها تابع لمحض الاسم أو المشار إليه، وهو السر في ترجيح المحقق في الشرايع زوال الحنث بانتقال الوصف في المسألة السابقة واستشكاله هنا، إلا أنه يمكن أن يعكس الاعتبار ويقال: إذا كان زوال الوصف في المسألة السابقة أوجب زوال الحكم مع أن حقيقة المحلوف عليه وهو المرأة والعبد والدار باقية فلا يزول الحكم هنا مع زوال حقيقة المحلوف عليه وهو الدار هنا أولى، لان غرضه الدار المعبر عنها بالبراح – بفتح الباء – وهي الارض الخالية من البناء والزرع والشجر، وهذه لا تسمى دارا حقيقة بل يمكن أن يقال بزوال حكم اسم الاشارة أيضا، لانها قد تعلقت بعين تسمى دارا، وهي اسم مركب من العرضة وما يشتمل عليه من البناء وآلات الدار، ولا شك أن العرصة التي هي الجزء لذلك المركب غير المركب فلا يكون هو المشار إليه. وربما ناقص بعضهم في اشتراط أمر زائد على العرصة في إطلاق اسم الدار بل زعم أنها اسم للعرصة، وليست العمارة جزء من مفهوم الدار بل من كمالها، فإن العرب في كلامهم نثرا وشعرا قد أطلقت الدار على العرصة كقول النابغة:
[ 225 ]
يادار مية بالعليا فالسند * أقوت فطال عليها سالف الابد فسماها دارا بعد أقواتها. ويقال: دار ربيعة ودار بني فلان بصحاري ليس بها عمارة، وعلى هذا التقدير فالاسم والاشارة باقيان، عكس ما قيل في الامر الاول. والحق أن إطلاق اسم الدار على العرصة مجاز، والاستعمال أعم من الحقيقة وعلامة المجاز هنا عدم الذهن إليها عند الاطلاق وصحة سلبها عنها وشهادة العرف بانتفاء اسم الدار عنها. ويتفرع على هذا التوجيه أيضا وجه قد استوجهه المحقق في المسألة السابقة دون هذه، من حيث إن المشار إليه في الاول تغير وصفه بالاضافة وبقيت الاشارة وحصل التعارض بين الوصف والاشارة، بخلافة في هذه المسألة، فإن المشار إليه باق على حقيقته بزعم هذا القائل ببقاء اسم الدار مع بقاء اسمها، فلا يلزمه عدم الحنث في الاول عدمه هنا، فلذا قد حكم بزواله في الاول واستشكل في الثانية.
الثالثة والعشرون (1): إذا حلف: لا دخلت ولا أكلت أولا لبست اقتضى ذلك التأبيد وإن بينه بمدة معينة وأن الله بتلك النية وإن عين في كلامه، وذلك أنه إذا حلف على شئ أن يقتضي فورا أو تراخيا أو تكرارا أو مرة لخروجها عن مدلوله وإلا لزم التكرار، وفي الثاني لابد من الانتهاء عنه وفي جميع الاوقات إذ ا لم يخصه بوقت لان فيه نفي الماهية مطلقا وهو غير متحقق بذلك، وهو مأخوذ من أن الامر بالفعل يقتضي التكرار، بخلاف النهي، وهو أصح القولين عند الاصوليين وأشهرهما. وعلى القول الشاذ لهم في عدم دلالة النهي التكرار يأتي مثله هنا في النهي. هذا عند الاطلاق بحيث لم يقصد تخصيصا بزمن أو وصف. أما لو نوى بقوله: لا أفعل كذا وقتا معينا أو مدة معينة فحينئذ المعتبر
(1) وقوع السقط والتضحيف في هذه المسألة أكثر من أن يصحح.
[ 226 ]
ما نوى، لان تخصيص للعام وتقييد للمطلق بالنية، والجميع صالحة له وإن ذلك تخصيص للمطلق بالنية، والجميع صالحة له وإن كان لا يقبلها غيرها.
الرابعة والعشرون: إن العقد اسم للايجاب والقبول، فلا يتحقق إلا بهما، فإذا حلف لا يبيعن فلا يبرأ إلا مع حصولهما منه. وكذا لو حلف ليهبن في وقد نقل عن بعض الاصحاب أنه لو حلف أن لا يهب أنه لا يحنث بالايجاب وحده كالبيع. وقال في الخلاف: وهو مناف لكلامه في الايجاب. وفي المبسوط قوى القولين معا وهو يدل على تردده في المسألة، والاقوى عدم الحنث بدون القبول كغيرها من العقود. ويستثنى من ذلك الوصية، فإنها يفتقر إلى الايجاب والقبول كما هو المشهور، لكن لما كان قبولها المعتبر مخصوصا بما بعد الموت إجماعا وإن جاز قبله على الخلاف حقق الحنث للحالف عليها بمجرد الايجاب، لان تعقل توقف الحنث على ما يقع بعد الموت غير محتقق، إذ يجوز وقوعه وعدمه، ولان المتبادر من الوصية عرفا إذا قيل: فلان أوصى بكذا، وقوله: أوصيت بكذا هو الايجاب مع احتمال توقف الحنث على القبول طردا لباب العقود على وتيرة واحدة ودليلها هو السابق، لكن الفاضل فخر المحققين في شرحه على القواعد ادعى الاجماع على أن الوصية ليس القبول شرطا في صحتها، بمعنى أنها تصح أن تؤثر بدونه وهو شرط لاجزء من السبب المملك وإن توقف على شرط وهو الموت لان تأخير السبب يجوز أن يتوقف على شرط ولا يلزم من وجوده وجود المسبب إلا مع اقترانه به لعدم الشرط وانتفاء المانع كما حقق في بابه. ومن هنا قيل: إن القبول في الوصية كاشف عند تقدم الملك من حين الموت، ولو كان شرطا لما تصور تقدم الملك قبله لان المشروط
[ 227 ]
ممتنع التقديم على الشرط مطلقا، وإطلاق العقد ينصرف إلى الصحيح منه دون الفاسد ولو خطأ، ولا يبرأ بالبيع الفاسد لو حلف لا بيعن، ومثله غيره من العقود لانه حقيقة في الصحيح مجاز في الفاسد لتحقق خواص الحقيقة، فالمجاز فيهما كمبادرة المعنى إلى ذهن السامع ومن ثم حمل عليه الاقرار. حتى لو ادعى إرادة الفاسد لم يسمع دعواة إجماعا وعدم صحة السلب وغير ذلك من خواصه. ولو كان مشتركا بينهما لقبل منه تفسيره بإحدهما كغيره من الالفاظ المشتركة وانقسامه إلى الفاسد والصحيح أعم من الحقيقة، وحيث كان الاطلاق ينزل على الصحيح لا تبرأ ذمته بالفاسد لو حلف على الاثبات، سواء كان فساده لعدم صلاحيته للمعارضة لذاته كالخمر والخنزير أم لفقد، شرطه كجهالة المقدار والعين. وقال الشيخ – رحمه الله – الهبة اسم لكل عطية متبرع بها كالهدية والنحلة والعمرى والوقف والصدقة. وفيه منع لان العمرى والنحلة يتناولان المنفعة، والهبة تتناول العين، ولا شك في أن العطية المتبرع يها شاملة لجميع ذلك عينا ومنفعة، فيدخل في الاول الهدية والوقف والصدقة، وفي الثاني العمرى، ولا كلام في ذلك إنما الكلام في مساواة الهبة للعطية، فإن الظاهر من معناها عرفا ولغة خلاف ذلك، وإنها لا تطلق على هبة المنفعة ولا على الصدقة لما بينهما من الاختلاف اسما ومقصودا وحكما. أما الاسم فإن من تصدق على فقير لا يقال وهبه. وأما المقصود بالصدقة فهو التقرب إلى الله تعالى، والهبة ليس كذلك، وكذا الوقف سيما على القول بعدم انتقاله إلى الموقوف عليه، ولو اطلقت الهبة عليه لصح إيقاعه بلفظها، والسكنى والرقبى في معنى العمرى، وإنما خص الشيخ العمرى بالذكر لما روي أنه صلى الله عليه واله قال (1) (العمرى هبة لمن وهبت له).
(1) صحيح البخاري ج 3 ص 216 باب ما قيل في العمرى من كتاب الهبة.
[ 228 ]
وأنكر ابن إدريس ذلك وقال: لا يضر الحالف على الهبة بالصدقة، ومن جملته جواز الرجوع في الهبة على بعض الوجوه دون الصدقة. وقد استشكل المحقق تناول الهبة للوقف والصدقة لما ذكر، والاقوى عدم دخول الوقت مطلقا فيها، وكذا الصدقة إذا كانت واجبة. أما المندوبة ففي دخولها احتمال لمكان اشتراكهما في التبرع بالعين، واشتراط القربة في الصدقة لا ينافيه لكون القربة تشتمل عليها الهبة وإن لم تكن شرطا، فيتداخلان تداخل العموم والخصوص. ويقال: إن كل صدقة هبة ولا تنعكس كليا، وربما دخلت الوصية في تعريف الشيخ أيضا لكونها عطية متبرعا بها، غايتها أنها بعد الموت، وليس في إطلاق العطية ما يخرجها، نعم دخولها في الهبة أبعد.
الخامسة والعشرون: إذا حلف لا يفعل لم يتحقق الحنث إلا بالمباشرة له، فإذا قال: لا بعث أو لاشريت فوكل فيه لم يحنث. أما لو قال: لا بنيت بيتا فبناه البناء لامره أو باستئجاره فهو موضع خلاف، فقيل: يحنث نظرا إلى العرف، والوجه الصحيح أنه لا يحنث. ولو قال: لا ضربت فأمر بالضرب لم يحنث. وفي أمر السلطان تردد، أشبهه أنه لا يحنث إلا بالمباشرة أيضا. والسر في ذلك الخلاف في أنه هل يقدم اللغة على العرف أو بالعكس ؟ حيث لم يكن العرف شرعيا وإلا وجب تقديمه بالاتفاق. وأما التعارض بين الحقائق اللغوية والعرفية فهي موضع ذلك الخلاف، وفيها وجهان مبنيان على ترجيح المجاز الراجح والحقيقة المرجوحة، فإن استويا في الاستعمال صار كالمشترك في المنع من ترجيح أحد أفراده بغير قرينة أو الحمل على الجميع على قوله، وهذه المسألة ترجع إلى جميع هذه القاعدة، لان البناء حقيقة لغوية في مباشرته ومجاز في الامر به، لكن قد غلب العرف في ذلك حتى أنه لا يتبادر من قول القائل: بنيت دارا وفلان بنى بيتا إلا هذا
[ 229 ]
المعنى، إلا أن الحقيقة لم تكن مهجورة أصلا، لان من باشر البناء يقال: إنه بنى أيضا بطريق أولى، ويدل عليه أخبار من بنى مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة، فإنه يقال عليهما سواء صدر بالمباشرة أو بالامر، فيجب على الحالف عليه إيجابا أو سلبا اعتباره بالامرين. وأما نحو البيع والشراء فالحقيقة اللغوية فيه باقية بلا معارض، وإن اسند إلى غير الفاعل فهو قليل لا يخرج عن أصل المجازية، ويترتب على ذلك أن الحالف على البيع والشراء نفيا وإثباتا يحمل على مباشرته ذلك، فلا حنث بالتوكيل، كما لا يبرأ به في جانب الاثبات، والحالف على البناء يحنث بمباشرته قطعا. أما حنثه بالامر به ففيه الوجهان، وقد استوجه المحقق فيه والعلامة عدم الحنث عملا بالحقيقة كما قلناه واستصحاب حكمها. وذهب جماعة إلى الحنث به لغلبة الاستعمال في العرف، وفيه قوة. ومثله حلف السلطان ونحوه كما قلناه لرفعه عن مباشرة الفعل فإنه يحنث بمباشرته قطعا، وفي أمره الوجهان، وحكم المحقق – رحمه الله – فيهما بالاتحاد والبناء على الحقيقة، وهذا المسألة مفروضة فيما إذا أطلق ولم ينو شيئا. أما إذا نوى أن لا يفعل ولا يفعل بإذنه أو لا يفعل ولا يأمر به فلا خلاف في الحنث حيث يأمر غيره به. هكذا أطلق جماعة وربما أشكل من حيث أن اللفظ مقتض لفعله بنفسه حيث هو الحقيقة، واستعماله في المعنى الاخر مجاز، ويلزم من ذلك استعمال اللفظ في الحقيقة والمجاز جميعا، وهو غير مرضي عند أكثر الاصوليين. وطريق التخلص إن أكثر الاستعمال لذلك مجاز وهو استعمال صحيح في ناوي اليمين مع قصده كما هو المفروض. ويجوز أن يؤخذ بمعنى مشترك بين الحقيقة والمجاز، فيقال: إذا نوى أن
[ 230 ]
لا يسعى في تحقق ذلك الفعل حنث بمباشرته وبالامر به لشمول المعنى وأراد بهذا المعنى إرادة مجاز وحده أو الحقيقة وحدها. ولو توكل لغيره في البيع والشراء ففيه خلاف وتردد، والاقوى الحنث لتحقق معنى المشتق منه، وذلك لانه إذا حلف أن لا يبيع وأن لا يشتري، فإن وقعا لنفسه فلا إشكال في الحنث لان فعله لنفسه داخل في هذا الاطلاق قطعا، وإنما الكلام هل يتناول بيعه لغيره بالوكالة أم ؟ فيه وجهان، قد اختار المحقق وجماعة أنه يحنث لتحقق البيع والشراء لان البائع والمشتري مشتقان من البيع والشراء، وقد تحقق المعنى المشتق منه لانه أعم من وقوعه لنفسه ولغيره. ووجه العدم صحة نفيه عنه عرفا فيقال: ما بعت ولا اشتريت بل المشتري فلان والبائع زيد وأنا وكيله، أن الاول أظهر.
السادسة والعشرون: إذا حلف ليضربن عبده مائة سوط تعلقت اليمين بما يسمى ضربا، ولا يكفي فيه وضع اليد والسوط ورفعتهما ولا الفظ والقرص والحنق ونتف الشعر. وفي الو كز واللكز واللطم وجهان، أقواهما يحكم العرف فيه، ولا يشترط فيه الايلاء. وقيل: يشترط لدلالة العرف عليه ولان اليمين لا تنعقد إلا مع رجحان الضرب بسبب حد أو تعزير أو تأديب، ولا يحصل الغرض بدونه. وذهب الشيخ في المبسوط وجماعة إلى إجزاء الضرب بالضغث من الحشيش إذا اشتمل على العدد، مستندين في ذلك إلى قوله تعالى في قصة أيوب حيث (1) ولان الضرب حقيقة هو وقوع المضروب به على المضروب بقوة بفعل الضارب، وقد حصل بذلك، ورده الاكثر إلى أن المتبادر هو الضرب بالالة المعتادة للضرب كالسوط والخشبة، وخص الاجزاء بالضغث في الاخبار بحالة الضرورة كما في الحدود
(1) سورة ص – آية 44.
[ 231 ]
التي تقام على المريض فلا يقع بها الحنث ولا البر. وفيه نظر لان متعلق اليمين فيما فرضه الضرب بالسوط فكيف يجزي الضرب بغيره ؟ لان حقيقته لغة وعرفا مغايرة للحنث، والمناسب الاخذ بحقيقة اللفظ أنه مع اليمين على الضرب بالسوط لا يجزي غيره وكذا بالخشب. وأما مع إطلاق الضرب فيجزي ما حصل به من الالات المعتادة له، وحيث يجزي الضغث يشترط فيه أن يصيب كذلك واحد من الالات الضرب جسده ولو بحسب الظن ليتحقق الضرب بذلك العدد، هكذا أطلقه غير واحد هنا، مع أنه سيأتي في باب الحدود عدم اشتراط وصولها إليه جمع، بل يكفي انكباس بعضها إلى بعض بحيث يناله ثقل الكل، فهنا أولى بذلك لما تقرر من أن مقصود الحد الردع عن اليمين، الاسم والاية دالة عليه، ومن المستبعد جدا في العدد المجتمع إصابة جميعه للبدن خصوصا إذا اجتمعت الالة كما قد ذكره، فالوجه التسوية بين الامرين وحيلولة بعضها ببعض عن إصابة ثقلها كحيلولة الثياب وغيرها مما يمنع تأثر البشرة بالضرب، والغرض هنا التخفيف وحصول المسمى كما هو ظاهر الاية، فالاكتفاء بذلك أولى. وأما اشتراط انعقاد اليمين المذكورة بكون الضرب سائغا – إما مع رجحانه بحيث يكون المضروب مستحقا له بحد أو تعزير، أو متساوي الطرفين كالتأديب على المصالح الدنيوية مع رجحان أحد الجانبين – فليس بمحقق الانعقاد على كل حال، لان في الصورة الاخيرة لا يتعين الضرب بل الاولى معها عدم الانعقاد ولا كفارة لان اليمين لا تنعقد على خلاف الاولى لرواية محمد العطار (1) المتقدمة (قال: سافرت مع الباقر عليه السلام إلى مكة فأمر غلامه بشئ فخالفه إلى غيره، فقال الباقر عليه السلام: والله لا ضربنك يا غلام، قال: فلم أره ضربه، فقلت: جعلت فداك إنك حلفت لتضربن
(1) التهذيب ج 8 ص 290 ح 65، الوسائل ج 16 ص 206 ب 38 ح 1.
[ 232 ]
غلامك فلم أرك ضربته، فقال: أليس الله يقول: وإن تعفو أقرب للتقوى). وطريق هذه الرواية وإن كان ضعيفا في الاصطلاح الجديد لكن العمل بها مشهور بين علمائنا، ويمكن الاحتجاج أيضا بعموم الاية وإن كانت مسوقة لغير ذلك.
السابعة والعشرون: يقع على القرآن اسم الكلام عرفا ولغة. وقال الشيخ – رحمه الله -: لا يقع عرفا، ويشكل بقوله تعالى (حتى يسمع كلام الله) (1) ولا يحنث بالكتابة والاشارة لو حلفت أن لا يتكلم، وها هنا مسألتان: إحداهما: إذا حلف أن لا يتكلم وانعقدت يمينه فقرأ القرآن عامدا عالما ففي حنثه به قولان مبنيان على ما ذكرناه من صدق الكلام به وعدمه، أحدهما العدم، ذهب إليه الشيخ – رحمه الله – في الخلاف لعدم بطلان الصلاة به مع بطلانها بالكلام، ولان اسم الكلام عند إطلاقه مصروف إلى كلام الادميين عرفا في محاوراتهم، ولا يصدق عرفا على من قرأ القرآن أنه تكلم، ولو كان كلاما خارج الصلاة لكان كلاما فيها قاطعا لها. والاجماع منعقد على خلافه ولاصالة براءة الذمة. ورد بعدم الملازمة بين كونه كلاما وعدم بطلان الصلاة به لان المبطل للصلاة هو كلام الادميين لا مطلق الصلاة لقوله صلى الله عليه واله (2) (إن الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الادميين) ولان الكلام هو المنتظم من الحروف المسموعة إذا صدرت عن قادر واحد، وهذا مذهب الاكثر منهم المحقق وابن إدريس والعلامة في المختلف وولده في شرح القواعد. والشهيد الاول – رحمه الله – في الارشاد وافق العلامة في عدم الحنث به. وفي القواعد توقف في المسألة. ومثله القول في التهليل والتسبيح لمشاركتهما لكلام الله في عدم إبطال الصلاة وكونه غير الكلام المعهود في المحاورات ومن صدق حد الكلام عليه
(1) سورة التوبة – آية 6. (2) عوالي اللئالى ج 1 ص 196 ح 4 وفيه (الصلاة لا يصلح).
[ 233 ]
وقوله تعالى (آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا وإذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والابكار) (1) فأمره بالتسبيح وذكر ربه كثيرا مع قطع الكلام عنه، فكأن الظاهر من الاية كون المأمور به ترك كلام الناس لا مطلق الكلام كذكر الله وقوله صلى الله عليه واله (أفضل الكلام أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) (2) و (لا إله إلا الله كلمة ثقيلة في الميزان خفيفة على لسان) (3). وهذا أقوى.
ثانيهما: أنه لا يحنث في الكلام بالكتابة والاشارة لانهما لا يسميان كلاما لغة ولا عرفا لصحة قولهم: ما كلمه وإنما كاتبه وأشار إليه، ولقوله تعالى (إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا (4) فأشارت إليه) ولو كانت الاشارة كلاما لامتنعت منها. وذهب جماعة من علماء العامة إلى حصول الحنث بذلك لقوله تعالى (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا) (5) استثنى الرسالة من التكليم فيدخل الاخران بطريق أولى، ولاستثنائه في الاية السابقة الرمز من الكلام وهو حقيقة في المتصل، ولا فرق – على هذين التقديرين – بين إشارة الناطق والاخرس، وإنما اقيمت إشارة الاخرس مقام النطق للضرورة كما تقدم في أحكام الاخرس.
الثامنة والعشرون: إن الحنث يتحقق بالمخالفة اختيارا سواء كان بفعله أو فعل غيره، كما لو قال: لا أدخل بلدا فدخل هو بفعله أو قعد في سفينة فسارت به أو ركب دابة أو حمله إنسان، ولا يتحقق الحنث بالاكراه ولا مع النسيان ولا
(1) سورة آل عمران – آية 41. (2) صحيح البخاري ج 8 ص 173 طبع بيروت. (3) لم نعثر عليه في مظانه. (4) سورة مريم – آية 26 – 29. (5) سورة الشورى – آية 51.
[ 234 ]
مع عدم العلم. ومنه ما لو دخل الدار وهو لا يعرف أنها الدار التي حلف على عدم دخولها لقوله صلى الله عليه واله في المستفيضة النبوية (1) وغيرها (وضع عن امتي الخطأ والنسيان وما اكرهوا عليه ” ولان البعث والزجر المقصودين من اليمين انما يكونان مع اختيار الفعل ذاكرا لليمين ضرورة أن كل حالف إنما قصد بعث نفسه أو زجرها باليمين، وهذا غير متصور إلا مع القصد إليها ومعرفته بها، فإذا جهل اليمين في صورة النسيان أو المحلوف عليه في صورة الجهل لم يوجد المقصود من اليمين لاجلها، إذ لا يتصور قصد البعث أو الامتناع حالتي الجهل والنسيان. وكذا حالة الاكراه، بل هنا أولى لان الداعي حالة الاكراه ليس للفاعل بل من غيره، فلم تدخل هذه الحالة في اليمين، والبعث على الاقدام والمنع منه إنما يتعلق بالافعال الاختيارية لامتناع بعث المرء نفسه على ما يعجز عنه كالصعود إلى السماء. وأيضا لو حلف مكرها لم تنعقد يمينه، فكذا المعنى المتعلق به الحنث إذا وجد على وجه الاكراه يجب أن يلغو أنه أحد سببي وجوب الكفارة، ولا فرق على الاكراه بين أن يفعل الحالف المحلوف على تركه بنفسه بأن يحمله عليه التهديد والتخويف. وبغيره بأن يحمل إلى الدار التي حلف لا يدخلها مكرها. وخالف بعض العامة في ذلك فحكموا بالحنث في جميع الفروع مستندا في ذلك إلى وجود صورة المحلوف عليه، والكفارة لا تسقط بالاعذار عندهم لانه قد يجب أن يحنث نفسه، ومع ذلك تلزمه الكفارة كما لو كان حلفه على أن لا يفعل الواجب أو يفعل المحرم، فإن اليمين عندهم تنعقد على جميع ذلك وإن وجب الحنث. كما أنه لو حلف على ترك المندوب انعقدت واستحب الحنث.
(1) الوسائل ج 16 ص 173 ب 16 ح 5 وفيه (وما استكرهوا عليه).
[ 235 ]
إذا تقرر ذلك وقلنا بعدم الحنث فهل تنحل اليمين أم لا ؟ فيه قولان: أحدهما نعم، لوجود الفعل المحلوف عليه حقيقة، فكان كما لو حلف عمدا، وإن افترقا في الكفارة وعدمها وقد حصلت المخالفة وهي لا تتكرر، وإذا خالف مقتضاها بعد ذلك لم يحنث. وقد حكموا بالا يلاء بأنه لو وطأ ساهيا أو جاهلا بطل حكم الايلاء مع كونها يمينا صريحة، وكذا لو كانت أمة فاشتراها. ووجه العدم أن الاكراه والنسيان والجهل غير داخلة تحتها، فالواقع بعد ذلك هو الذي تعلقت به اليمين، فإذا لم يتناوله ثم وجد ما يتناوله لزم الحنث. وقد استقرب أول الشهيدين في القواعد الاول ونسبه إلى ظاهر الاصحاب مؤذنا بدعوى الاجماع، وسيأتي بيان كفارة اليمين وإن تقدم في الصوم ما يرشد إلى بعضها.