ج16 - الوقوف بالمشعر
المقصد الثاني
ويسمى جمعا والمزدلفة ، قال في الصحاح : المشاعر : مواضع
المناسك والمشعر الحرام أحد المشاعر ، وكسر الميم لغة. وقال ايضا : ويقال للمزدلفة
: جمع ، لاجتماع الناس بها. وقال في القاموس : المشعر الحرام وتكسر ميمه : المزدلفة
، وعليه بناء اليوم. ووهم من ظنه جبلا بقرب ذلك البناء. وقال في كتاب مجمع البحرين
بعد ذكر قوله (عزوجل) : (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) (1) : هو جبل بآخر
مزدلفة واسمه : قزح ، ويسعى جمعا ومزدلفة والمشعر الحرام. والظاهر انه تبع في ذلك
صاحب المصباح المنير فإنه يقتضي أثره غالبا حيث قال في الكتاب المذكور : والمشعر
الحرام جبل بآخر مزدلفة واسمه قزح ، وميمه مفتوحة على المشهور وبعضهم يكسرها على
التشبيه باسم الآلة. أقول : وهذا القول هو الذي أشار إليه في القاموس ونسب قائله
الى الوهم. ونقل في الدروس عن الشيخ تفسيره بالجبل المذكور ، حيث قال في مسألة
استحباب وطء الصرورة المشعر برجله : وقال ابن الجنيد : يطأ برجله أو بعيره. وقد
قال الشيخ : هو قزح ، فيصعد عليه ويذكر الله تعالى عنده. ثم قال : والظاهر انه
المسجد الموجود الآن. وسيأتي تتمة الكلام في ذلك ان شاء الله تعالى.
واما ما ورد في تعليل هذه الأسماء لهذا المكان فقد تقدم
في الفائدة
__________________
(1) سورة البقرة الآية 197.
المنقولة في صدر المقصد الأول في حديث
المحاسن من قول جبرئيل لإبراهيم (عليهالسلام) : ازدلف الى
المشعر الحرام. فسميت مزدلفة.
وروى ابن بابويه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) (1) قال في حديث
إبراهيم (عليهالسلام): «ان جبرئيل
انتهى به الى الموقف واقام به حتى غربت الشمس ، ثم أفاض به ، فقال : يا إبراهيم
ازدلف الى المشعر الحرام. فسميت مزدلفة».
وروى في العلل (2) عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن
عمرو عن عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سميت
المزدلفة جمعا لأن آدم (عليهالسلام) جمع فيها بين
الصلاتين المغرب والعشاء».
وروى الصدوق مرسلا عن النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) والأئمة (عليهمالسلام) (3) «انه انما سميت
المزدلفة جمعا لانه يجمع فيها بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين».
ومن ما روى في فضل هذا المكان ما رواه ابن بابويه في
الصحيح عن معاوية بن عمار (4) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) : ما لله (عزوجل)
__________________
(1) الوسائل الباب 4 من الوقوف بالمشعر عن علل الشرائع ص 436
طبع النجف الأشرف ورواه في الفقيه ج 2 ص 127 بطريق أخر باختلاف في اللفظ.
(2) ص 437 طبع النجف الأشرف والوسائل الباب 6 من الوقوف
بالمشعر.
(3) الوسائل الباب 6 من الوقوف بالمشعر.
(4) الحديث أورده في المدارك بهذا اللفظ ايضا ، وفي الوسائل عن
منسك أحب الى الله تعالى من موضع
المشعر ، وذلك انه يذل فيه كل جبار عنيد».
وكيف كان فالكلام في هذا المقصد يقع في مقامات ثلاثة.
الأول ـ في مقدمات الوقوف ، ومنها الإفاضة من عرفات بعد
الغروب على سكينة ووقار وخشوع داعيا بما تقدم (1) نقله عن الصادق (عليهالسلام) من الدعاء
عند مغيب الشمس.
وروى الكليني والشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) : ان
المشركين كانوا يفيضون من قبل ان تغيب الشمس ، فخالفهم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فأفاض بعد
غروب الشمس. قال : وقال أبو عبد الله (عليهالسلام): إذا غربت
الشمس فأفض مع الناس وعليك السكينة والوقار ، وأفض بالاستغفار. فان الله (عزوجل)
يقول (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا
اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (3) فإذا انتهيت
الى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق فقل : اللهم ارحم موقفي وزد في عملي وسلم لي
ديني وتقبل مناسكي.
__________________
العلل في الباب 1 من السعي هكذا : «من موضع السعي» وفي العلل ص
433 من طبع النجف الأشرف باب (علة الهرولة بين الصفا والمروة) : «من موضع المسعى»
ولم نقف على غير ذلك في مضانه.
(1) ص 389.
(2) الفروع ج 4 ص 467 والتهذيب ج 5 ص 186 و 187 والوسائل الباب
22 من إحرام الحج والباب 1 من الوقوف بالمشعر.
(3) سورة البقرة الآية 198.
وإياك والوجيف الذي يصنعه الناس ، فان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال : ايها
الناس ان الحج ليس بوجيف الخيل ولا إيضاع الإبل ، ولكن اتقوا الله ، وسيروا سيرا
جميلا ، ولا توطئوا ضعيفا ، ولا توطئوا مسلما ، وتوأدوا ، واقتصدوا في السير ، فان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يكف
ناقته حتى يصيب رأسها مقدم الرجل ، ويقول : ايها الناس عليكم بالدعة. فسنة رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) تتبع. قال
معاوية بن عمار : وسمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : اللهم
أعتقني من النار. يكررها حتى أفاض الناس ، فقلت : الا تفيض؟ فقد أفاض الناس قال :
اني أخاف الزحام ، وأخاف ان أشرك في عنت انسان».
قال في الوافي (1) : «من
حيث أفاض الناس» اي من عرفات ، وروى في مجمع البيان (2) عن الباقر (عليهالسلام) انه قال : «كانت
قريش وحلفاؤهم من الحمس لا يقفون مع الناس بعرفة ولا يفيضون منها ويقولون نحن أهل
حرم الله فلا نخرج من الحرم ، فيقفون بالمشعر ويفيضون منه ، فأمرهم الله ان يقفوا
بعرفات ويفيضوا منها». وفي تفسير العياشي عن الصادق (عليهالسلام) (3) «يعني بالناس
إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ومن بعدهم ممن أفاض من عرفات». والكثيب : التل من الرمل «وإياك
والوجيف» في التهذيب (4) هكذا : «وإياك
والوضف الذي يصنعه كثير من الناس ،
__________________
(1) باب (الإفاضة من عرفات).
(2) ج 1 ص 296 طبع صيدا.
(3) الوسائل الباب 19 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.
(4) ج 5 ص 187.
فإنه بلغنا ان الحج ليس بوضف الخيل
ولا إيضاع الإبل» وكل من الوجيف بالجيم والوضف بالواو والضاد المعجمة والإيضاع
بمعنى الإسراع. والتؤدة التأني. وليست لفظة «وتوأدوا» في التهذيب (1) وفي بعض نسخ
الكافي : «لا تؤذوا» من الإيذاء. والدعة قريب من التؤدة في المعنى. والعنت : المشقة
والانكسار والهلاك (2).
وروى في الكافي عن هارون بن خارجة (3) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول في آخر
كلامه حين أفاض : اللهم إني أعوذ بك ان أظلم أو أظلم أو اقطع رحما أو أوذي جارا».
ومنها استحباب تأخير المغرب والعشاء إلى المزدلفة ولو
الى ربع الليل بل الى ثلث الليل ، وهو إجماع علماء الإسلام كافة (4).
ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهماالسلام) (5) قال : «لا تصل
المغرب حتى تأتي جمعا وان ذهب ثلث الليل».
وعن سماعة في الموثق (6) قال : «سألته عن الجمع بين المغرب
والعشاء الآخرة بجمع. فقال : لا تصلهما حتى تنتهي إلى جمع وان مضى من الليل ما مضى
، فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) جمعهما بأذان
واحد وإقامتين
__________________
(1) ج 5 ص 187.
(2) انتهى كلام صاحب الوافي.
(3) الفروع ج 4 ص 467 والوسائل الباب 1 من الوقوف بالمشعر.
(4) المغني ج 3 ص 437 و 438 و 439 طبع مطبعة المنار.
(5 و 6) الوسائل الباب 5 من الوقوف بالمشعر.
كما جمع بين الظهر والعصر بعرفات».
وعن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «لا تصل
المغرب حتى تأتي جمعا ، فصل بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين ،. وانزل
بطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر». وتجوز الصلاة قبله.
وقال الشيخ في النهاية : لا تصل المغرب والعشاء الآخرة
الا بالمزدلفة وان ذهب من الليل ربعه أو ثلثه ، فان عاقه عائق عن المجيء إلى
المزدلفة الى ان يذهب من الليل أكثر من الثلث جاز له ان يصلي المغرب في الطريق ولا
يجوز ذلك مع الاختيار. وهذا الكلام بظاهره موهم لتحريم الصلاة قبل المشعر.
ونحوه كلام ابن أبي عقيل ، حيث قال بعد ان حكى صفة سيرة
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : وأوجب
بسنته على أمته ان لا يصلي أحد منهم المغرب والعشاء بعد منصرفهم من عرفات حتى
يأتوا المشعر الحرام.
ونحو ذلك كلام الشيخ في الخلاف ، وقريب منه في الاستبصار
حيث ذهب الى انه لا تجوز صلاة المغرب بعرفات ليلة النحر.
وحمل العلامة في المختلف كلام الشيخ في النهاية على
إرادة الكراهة ، قال : والظاهر ان قصد الشيخ الكراهية ، وكثيرا ما يطلق على
المكروه انه لا يجوز. وهو جيد.
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 188 والفروع ج 4 ص 468 والوسائل الباب 6 و 7
من الوقوف بالمشعر. وفي المخطوطة والمطبوعة : «وان ذهب ثلث الليل» بعد كلمة «جمعا»
ولعله من سهو الناسخ.
ومما يدل على جواز الصلاة قبل المشعر ما رواه الشيخ في
الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «لا بأس
ان يصلي الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة».
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «عثر
محمل أبي بين عرفة والمزدلفة ، فنزل وصلى المغرب ، وصلى العشاء بالمزدلفة».
وعن محمد بن سماعة بن مهران (3) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام): الرجل يصلي
المغرب والعتمة في الموقف فقال : قد فعله رسول الله (صلىاللهعليهوآله) صلاهما في
الشعب».
أقول : لو لا ان ظاهر الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم)
الاتفاق على جواز التقديم ـ بل ظاهر المنتهى دعوى الإجماع عليه ، حيث قال : لو ترك
الجمع فصلى المغرب في وقتها والعشاء في وقتها صحت صلاته ولا اثم عليه ، ذهب إليه
علماؤنا ـ لأمكن العمل بظاهر الأخبار المتقدمة ، وحمل النهي على ظاهره من التحريم
وحمل الأخبار الأخيرة على العذر ، كما هو ظاهر المنتهى ، حيث انه خص الأخبار
الثلاثة الأخيرة بصورة العذر ، حيث قال في جملة الفروع : السادس ـ لو عاقه في
الطريق عائق وخاف ان يذهب أكثر الليل صلى في الطريق لئلا يفوت الوقت ، رواه الشيخ
عن محمد بن سماعة بن مهران. ثم ساق الروايات الثلاث. ونحو ذلك ظاهر كلام الشهيد (قدسسره) في الدروس
حيث قال : وتأخير العشاءين الى جمع إجماعا ، وأوجب الحسن تأخيرهما إلى المشعر في
ظاهر كلامه ، وله
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 5 من الوقوف بالمشعر.
التأخير وان ذهب ثلث الليل ، رواه
محمد بن مسلم. ولو منع صلى بعرفة أو الطريق. والظاهر ان قوله : «ولو منع» إشارة
إلى تلك الأخبار الدالة على الصلاة بعرفة والطريق بحملها على المانع. وحينئذ فإذا
كانت هذه الروايات موردها العذر كما حملت عليه لم يبق للنهي الموجب للتحريم في تلك
الروايات معارض الا ما يدعى من الإجماع المتقدم ذكره.
وبذلك يظهر ان تأويل تلك العبارات الدالة على التحريم
ليس في محله بل القول بالتحريم لا يخلو من قرب.
ويؤيده ما رواه أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال عن حمدويه
وإبراهيم ابني نصير عن الحسن بن موسى الخشاب عن جعفر بن محمد بن حكيم عن إبراهيم
بن عبد الحميد عن عيسى بن أبي منصور وأبي أسامة ويعقوب الأحمر جميعا (1) قالوا : «كنا
جلوسا عند أبي عبد الله (عليهالسلام) فدخل زرارة
بن أعين فقال : ان الحكم بن عتيبة يروى عن أبيك انه قال : تصلى المغرب دون
المزدلفة. فقال له أبو عبد الله (عليهالسلام) بأيمان ثلاثة
: ما قال هذا أبي قط ، كذب الحكم بن عتيبة على أبي (عليهالسلام)». وعن محمد
بن مسعود (2) قال : كتب
إلينا الفضل يذكر عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد. ثم ذكر نحوه.
والتقريب فيه ان الظاهر أن مراد الحكم بما نقله هو جواز
صلاة المغرب قبل المزدلفة ، فأنكره (عليهالسلام) وحلف ان أباه
(عليهالسلام) لم يقل ذلك.
واما الحمل على ان المراد ان وظيفة صلاة المغرب والأفضل
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 5 من الوقوف بالمشعر.
ان تصلى قبل المزدلفة فبعيد جدا ،
لاتفاق الخاصة والعامة (1) على ان الأفضل
التأخير إلى المشعر وان السنة ذلك ، بل الظاهر ان المعنى انما هو الأول ، فيكون
الخبر مؤيدا لما ذكرناه. والله العالم. ومنها
الجمع بين الفرضين بأذان واحد وإقامتين وعدم الفصل
بالنافلة ، وقد تقدم ما يدل عليه في موثقة سماعة وصحيح الحلبي.
ويدل عليه ايضا ما رواه الكليني في الصحيح عن منصور بن
حازم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «صلاة
المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين ، ولا تصل بينهما شيئا. وقال : هكذا صلى
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم».
وروى الكليني في الصحيح عن ابن مسكان عن عنبسة بن مصعب (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الركعات
التي بعد المغرب ليلة المزدلفة؟ فقال : صلها بعد العشاء الآخرة أربع ركعات».
وروى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن عنبسة بن
مصعب (4) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : إذا صليت
المغرب بجمع أصلي الركعات بعد المغرب وقال : لا ، صل المغرب والعشاء ثم صل الركعات
بعد».
__________________
(1) المغني ج 3 ص 418 طبع عام 1368.
(2) الوسائل الباب 6 من الوقوف بالمشعر والحديث للشيخ في
التهذيب ج 5 ص 190 و 480.
(3) الوسائل الباب 6 من الوقوف بالمشعر.
(4) التهذيب ج 5 ص 190 والوسائل الباب 6 من الوقوف بالمشعر.
وقد تقدم (1) ما يدل على ذلك أيضا في صدر المقصد
من مرسلة الصدوق ورواية العلل.
وفي الصحيح عن ابان بن تغلب (2) قال : «صليت
خلف أبي عبد الله (عليهالسلام) المغرب
بالمزدلفة فقام فصلى المغرب ثم صلى العشاء الآخرة ولم يركع في ما بينهما. ثم صليت
خلفه بعد ذلك بسنة فلما صلى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات».
وهو محمول على بيان الجواز ، ومن ثم استدل به بعض
الأصحاب على امتداد وقت نافلة المغرب بامتداد الفريضة ، كما تقدم في كتاب الصلاة.
قال في المنتهى : لو صلى بينهما شيئا من النوافل لم يكن
مأثوما ، لأن الجمع مستحب فلا يترتب على تركه اثم. ثم استدل بصحيحة ابان المذكورة.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان المشهور في كلام الأصحاب (رضوان
الله عليهم) ـ وعليه دلت الأخبار المتقدمة في كيفية الجمع ـ هو ان يكون بأذان واحد
وإقامتين ، ونقل عن الشيخ في الخلاف انه قال : يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة
بالمزدلفة بأذان واحد واقامة واحدة مثل صلاة واحدة (3)
__________________
(1) ص 419.
(2) التهذيب ج 5 ص 190 والوسائل الباب 6 من الوقوف بالمشعر.
(3) هكذا وردت العبارة في النسخة المطبوعة وما وقفنا عليه من
المخطوطة وفي الخلاف ج 1 ص 172 م 159 هكذا : «يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة
بالمزدلفة بأذان واحد وإقامتين وقال أبو حنيفة : يجمع بينهما بأذان واحد واقامة
واحدة مثل صلاة واحدة. وبعد نقل قول مالك والشافعي قال : دليلنا إجماع الفرقة وحديث
جابر.» ولا يخفى ان العبارة
واحتج بإجماع الفرقة وحديث جابر (1) قال : «جمع
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بين المغرب
والعشاء بالمزدلفة بأذان وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئا». قال في المختلف والجواب
: ان الإجماع على ما قلناه ، وكذا حديث جابر. وهذا الاستدلال من الشيخ انما هو على
قول من يكرر الأذان اما من يكرر الإقامة فلا.
ومنها ان يكون متطهرا ، ونقل في الدروس عن الصدوق (رحمهالله) استحباب
الغسل للوقوف ايضا.
ويدل على استحباب الوقوف على طهر قوله (عليهالسلام) في صحيحة
معاوية بن عمار الآتية (2) : «أصبح على
طهر بعد ما تصلي الفجر ، فقف إن شئت قريبا من الجبل وان شئت حيث شئت. الحديث».
واما الغسل فلم أقف على ما يدل عليه.
ومنها استحباب النزول ببطن الوادي عن يمين الطريق
والدعاء. رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن الحلبي ومعاوية بن عمار عن أبي
عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «لا تصل
المغرب حتى تأتي جمعا فصل بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين. وانزل
ببطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر. ويستحب للصرورة أن يقف على المشعر
__________________
في نسخ الحدائق مطابقة لعبارة المختلف ج 2 ص 129.
(1) سنن البيهقي ج 5 ص 6 و 7 و 8.
(2) الوسائل الباب 11 من الوقوف بالمشعر.
(3) الفروع ج 4 ص 468 والوسائل الباب 6 و 7 و 8 و 10 من الوقوف
بالمشعر. وفي كتب الحديث ورد ذكر الحلبي متأخرا عن معاوية بن عمار.
الحرام ويطأه برجله ،. ولا تجاوز
الحياض ليلة المزدلفة ، وتقول : اللهم هذه جمع ، اللهم إني أسألك أن تجمع لي فيها
جوامع الخير ، اللهم لا تؤيسني من الخير الذي سألتك أن تجمعه لي في قلبي. ثم أطلب
إليك ان تعرفني ما عرفت أولياءك في منزلي هذا وان تقيني جوامع الشر. وان استطعت أن
تحيي تلك الليلة فافعل ، فإنه بلغنا ان أبواب السماء لا تغلق تلك الليلة لأصوات
المؤمنين لهم دوي كدوي النحل ، يقول الله (جل ثناؤه) أنا ربكم وأنتم عبادي أديتم
حقي وحق علي ان استجيب لكم. فيحط تلك الليلة عن من أراد ان يحط عنه ذنوبه ، ويغفر
لمن أراد ان يغفر له».
ومنها استحباب أن يطأ الصرورة المشعر برجله. ويدل عليه قوله
(عليهالسلام) في رواية
معاوية المتقدمة (1) : «ويستحب
للصرورة أن يقف على المشعر الحرام ويطأه برجله».
وعن ابان بن عثمان عن رجل عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «يستحب
للصرورة أن يطأ المشعر الحرام وان يدخل البيت».
وروى الصدوق عن سليمان بن مهران عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) (3) في حديث قال :
«قلت : كيف صار الصرورة وطء المشعر عليه واجبا؟ فقال : ليستوجب بذلك وطء بحبوحة
الجنة».
أقول : قال الشيخ رحمهالله تعالى :
المشعر الحرام جبل هناك يسمى قزح.
قال العلامة في المنتهى بعد نقل ذلك عن الشيخ (رحمهالله) : ويستحب
__________________
(1) وهي رواية معاوية والحلبي المتقدمة الآن.
(2) الوسائل الباب 7 من الوقوف بالمشعر.
(3) الفقيه ج 2 ص 154 والوسائل الباب 3 و 7 من الوقوف بالمشعر.
الصعود عليه وذكر الله تعالى عنده ،
قال الله تعالى (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ
الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) (1) وروي عن النبي
(صلىاللهعليهوآله) (2) انه أردف
الفضل بن العباس ووقف على قزح ، وقال : هذا قزح ، وهو الموقف ، وجمع كلها موقف. وروى
الجمهور في حديث جعفر بن محمد الصادق (عليهالسلام) عن أبيه عن
جابر (3) : ان النبي (صلىاللهعليهوآله) ركب القصوى
حتى اتى المشعر الحرام فرقي عليه واستقبل القبلة ، فحمد الله وهلله وكبره ووحده ،
ولم يزل واقفا حتى أسفر جدا. قال ابن بابويه : يستحب للصرورة أن يطأ المشعر برجله
أو يطأه ببعيره ، وروى الشيخ عن ابان بن عثمان ثم ساق الرواية المتقدمة. إلى هنا
كلام المنتهى.
وظاهره اختيار ما ذهب اليه الشيخ من ان المشعر عبارة عن
الجبل المذكور ولذا أيده بالروايات المذكورة.
ومما يؤكد ذلك ما رواه الصدوق (قدسسره) في كتاب
العلل (4) عن عبد الحميد
ابن أبي الديلم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمي
الأبطح أبطح لأن آدم (عليهالسلام) أمر أن ينبطح
في بطحاء فانبطح حتى انفجر الصبح ثم أمر ان يصعد جبل جمع وامره إذا طلعت الشمس ان
يعترف بذنبه ، ففعل ذلك فأرسل الله تعالى نارا من السماء فقبضت قربان آدم».
وبذلك يظهر لك ايضا ما في كلام الدروس ، حيث انه فسره
بالمسجد
__________________
(1) سورة البقرة الآية 197.
(2) سنن البيهقي ج 5 ص 122 وفيه : «وأردف أسامة».
(3) سنن البيهقي ج 5 ص 6 و 7 و 8.
(4) ص 444 طبع النجف الأشرف والوسائل الباب 4 من الوقوف
بالمشعر.
وفاقا لصاحب القاموس ، كما يظهر من
قوله : «وعليه بناء اليوم».
قال في المدارك : واختلف كلام الأصحاب في تفسير المشعر ،
فقال الشيخ : انه جبل هناك يسمى قزح ، وفسره ابن الجنيد بما قرب من المنارة ، قال
في الدروس : والظاهر انه المسجد الموجود الآن. والذي نص عليه أهل اللغة ان المشعر
هو المزدلفة وعليه دلت صحيحة معاوية بن عمار المتضمنة لتحديد المشعر الحرام من
المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر (1) لكن مقتضى قوله (ع) في رواية الحلبي
المتقدمة (2) : «انزل ببطن
الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر». ان المشعر أخص من المزدلفة.
أقول : اما ما نقله عن أهل اللغة من ان المشعر هو
المزدلفة ففيه انك قد عرفت من ما قدمناه من عبارة القاموس انه جعله عبارة عن
الموضع الذي عليه بناء اليوم ، ومن عبارة المصباح انه عبارة عن الجبل الذي ذكره
الشيخ (رحمهالله) واما عبارة
الصحاح فلم يتعرض فيها لذلك. واما ما دلت عليه صحيحة معاوية بن عمار فهو تحديد
للمكان الذي يجب الوقوف فيه. ولا ريب أن المشعر يطلق على مجموع هذا المحدود
باعتبار كونه أحد المشاعر التي هي عبارة عن مواضع العبادة مجازا ، واما التسمية
الحقيقية فهي مخصوصة للجبل أو المكان الذي عليه المسجد الآن. والظاهر هو الأول لما
عرفت. وأيضا فإن الأخبار الدالة على استحباب وطء الصرورة المشعر لا تلائم هذا
القول الذي توهمه من الوادي المتسع ، ونحوها رواية الحلبي التي أشار إليها.
__________________
(1) الوسائل الباب 8 من الوقوف بالمشعر.
(2) وهي رواية معاوية والحلبي المتقدمة ص 428.
المقام الثاني في الكيفية
وفيه مسائل الأولى ـ يجب بعد النية الوقوف بالمشعر ،
وحده كما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار (1) من انه من المأزمين إلى الحياض إلى
وادي محسر. وهذا التحديد مجمع عليه بين الأصحاب كما ذكره في المنتهى.
ويدل عليه زيادة على الصحيحة المذكورة ما رواه الشيخ في
الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) (2) «انه قال للحكم
بن عيينة : ما حد المزدلفة؟ فسكت : فقال أبو جعفر (عليهالسلام) : حدها ما
بين المأزمين إلى الجبل الى حياض محسر».
وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) (3) في حديث قال :
«ولا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة».
وفي صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «حد
المزدلفة من وادي محسر إلى المأزمين». ونحوها موثقة إسحاق ابن عمار (5).
ويجوز مع الزحام الارتفاع إلى المأزمين ، لما رواه
الكليني (رحمهالله) في الموثق عن
سماعة (6) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : إذا كثر
الناس بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ قال : يرتفعون إلى المأزمين».
__________________
(1 و 2 و 4 و 5) الوسائل الباب 8 من الوقوف بالمشعر.
(3) وهو حديث معاوية والحلبي المتقدم ص 428.
(6) الوسائل الباب 9 من الوقوف بالمشعر.
والأصحاب ذكروا الارتفاع الى الجبل ، واستدلوا بالرواية.
وهو كما ترى ، فإن المأزمين أحد الحدود والجبل حد آخر ، كما تضمنته صحيحة زرارة
المتقدمة (1)
وجوز الشهيدان وجماعة الارتفاع الى الجبل اختيارا. وفيه ان
صحيحة زرارة المذكورة قد دلت على انه أحد حدود المشعر الخارجة عنه.
وهو ركن من أركان الحج من تركه عامدا بطل حجه.
ومن الاخبار في ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن ابن فضال
عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «الوقوف
بالمشعر فريضة. الحديث».
وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «من
أفاض من عرفات إلى منى فليرجع وليأت جمعا وليقف بها وان كان قد وجد الناس قد
أفاضوا من جمع».
وروى الشيخ عن عمران وعبيد الله ابني علي الحلبيين عن
أبي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «إذا فاتتك
المزدلفة فقد فاتك الحج».
وفي الموثق عن يونس بن يعقوب (5) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام):
رجل أفاض من عرفات فمر بالمشعر فلم يقف حتى انتهى الى
منى فرمى
__________________
(1) ص 432.
(2) الوسائل الباب 19 من إحرام الحج والباب 4 من الوقوف
بالمشعر.
(3) الوسائل 4 و 21 من الوقوف بالمشعر.
(4) الوسائل الباب 23 و 25 من الوقوف بالمشعر.
(5) الوسائل الباب 21 من الوقوف بالمشعر.
الجمرة ولم يعلم حتى ارتفع النهار.
قال : يرجع الى المشعر فيقف به ثم يرجع فيرمي الجمرة».
ويدل على ذلك ما تقدم (1) في جملة من
الاخبار التي في المسألة الثالثة من مسائل الفصل الثالث من المقصد الأول من ما يدل
على ان من لم يدرك المشعر الا بعد طلوع الشمس أو بعد الزوال فقد فاته الحج ، وعليه
ان يتحلل بعمرة مفردة.
وبالجملة فإنه لا خلاف بينهم في ركنيته ، وان من تركه
متعمدا فقد بطل حجة ، إلا ما يظهر من ابن الجنيد فإنه قال : يستحب ان لا ينام
الحاج تلك الليلة وان يحيوها بالصلاة والدعاء والوقوف بالمشعر ، ومن لم يقف به
جاهلا رجع ما بينه وبين زوال الشمس من يوم النحر حتى يقف به ، وان تعمد ترك الوقوف
به فعليه بدنة.
قال العلامة في المختلف بعد نقل ذلك عنه : وهذا الكلام
يحتمل أمرين : أحدهما : ان من ترك الوقوف بالمشعر الذي حده ما بين المأزمين إلى
الحياض إلى وادي محسر وجب عليه بدنة. والثاني : ان من ترك الوقوف على نفس المشعر
الذي هو الجبل ـ فإنه يستحب الوقوف عليه عند أصحابنا ـ وجب عليه بدنة. وعلى
الاحتمالين فيه خلاف لما ذكره علماؤنا ، فإن أحدا من علمائنا لم يقل بصحة الحج مع
ترك الوقوف بالمشعر عمدا مختارا ، ولم يقل أحد منهم بوجوب الوقوف على نفس المشعر
الذي هو الجبل وان تأكد استحباب الوقوف به. وحمل كلامه على الثاني أولى ، لدلالة
سياق كلامه عليه. ويحتمل ثالث : وهو ان يكون قد دخل المشعر ثم
__________________
(1) ص 415 و 416.
ارتحل متعمدا قبل ان يقف مع الناس
مستخفا ، لما رواه علي بن رئاب عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «من
أفاض من عرفات مع الناس ولم يلبث معهم بجمع ، ومضى إلى منى متعمدا أو مستخفا فعليه
بدنة». انتهى. أقول : الظاهر رجحان المعنى الثالث الذي ذكره (رحمهالله).
ثم ان في كلامه (قدسسره) دلالة على ما
رجحناه من ان المشعر اسم للجبل كما قدمنا نقله عن الشيخ (رحمهالله تعالى).
الثانية : لا يخفى ان الوقوف الركني عند الأصحاب (رضوان
الله تعالى عليهم) عبارة عن الكون بالمشعر والوقوف به مطلقا ، وظاهر انه أعم من
الوقوف ليلة النحر أو يومه ، وكأنهم أرادوا به ما هو أعم من الاختياري والاضطراري
بمعنييه الآتيين ، وان الوقوف الاختياري ما يكون بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس ،
والاضطراري إلى زوال الشمس من يوم النحر. والحكمان الأخيران إجماعيان عندهم.
فاما ما يدل على انه بعد الفجر فهو ما رواه في الكافي في
الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «أصبح
على طهر بعد ما تصلي الفجر ، فقف إن شئت قريبا من الجبل ، وان شئت حيث شئت. الحديث».
__________________
(1) الفقيه ج 2 ص 283. وفي الفروع ج 4 ص 473 والتهذيب ج 5 ص
294 والوسائل الباب 26 من الوقوف بالمشعر هكذا «عن علي بن رئاب عن حريز عن أبي عبد
الله (عليهالسلام)».
(2) الوسائل الباب 11 من الوقوف بالمشعر ،.
واما ما يدل على امتداده الى طلوع الشمس فهو ما تقدم (1) في المسألة
الثالثة من الفصل الثالث من المقصد الأول من الاخبار الدالة على ان من أدرك المشعر
قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ، ومن لم يدركه في ذلك الوقت فقد فاته الحج.
واما ما يدل على امتداد الاضطراري إلى الزوال فالأخبار
المتقدمة ثمة أيضا (2) الدالة على
صحة حج من أدركه قبل الزوال.
قال في المنتهى : قد بينا ان وقت الوقوف بالمشعر بعد
طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، هذا في حال الاختيار ، واما لو لم يتمكن من الوقوف
بالمشعر الا بعد طلوع الشمس للضرورة جاز ، ويمتد الوقت الى زوال الشمس من يوم
النحر. وقال المرتضى (رحمهالله تعالى) : وقت
الوقوف الاضطراري بالمشعر يوم النحر ، فمن فاته الوقوف بعرفات وأدرك الوقوف
بالمشعر يوم النحر فقد أدرك الحج.
أقول : وظاهره يؤذن بأن السيد قائل بامتداد الاضطراري
إلى غروب الشمس من يوم النحر ، وهذا القول نقله ابن إدريس في السرائر عن السيد (رضى
الله عنه) وأنكره في المختلف أشد الإنكار.
قال في المختلف : نقل ابن إدريس عن السيد المرتضى (رضياللهعنه) في انتصاره
ان وقت الوقوف بالمشعر جميع اليوم من يوم العيد ، من أدرك المشعر قبل غروب الشمس
من يوم العيد فقد أدرك الحج. وهذا النقل غير سديد ، وكيف يخالف المرتضى جميع
علمائنا ، فإنهم نصوا على
__________________
(1) ص 415 و 416.
(2) ص 413 و 414.
ان الوقت الاضطراري للمشعر الى زوال
الشمس يوم النحر ، وانما حصل الوهم لابن إدريس باعتبار ان السيد (رحمهالله) ذكر مسألة
أخرى عقيب هذه المسألة مؤكدة لمطلوبه ، وهي ان من فاته الوقوف بعرفة حتى أدرك
المشعر يوم النحر فقد أدرك الحج خلافا للمخالفين كافة (1) ولم يفصل قبل
طلوع الشمس أو بعد طلوعها ، فكيف بعد الزوال. ثم استدل السيد على مطلوبه بإجماع
الفرقة ، ومعلوم ان أحدا من علمائنا لم يذكر ذلك. انتهى
وهو حسن الا انه مناف لنقله ذلك عنه في المنتهى ، كما هو
ظاهر عبارته المتقدمة ، وكذا عبارته الآتية وقوله فيها : والى غروبها منه على قول
السيد.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان المشهور بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) انه لو أفاض قبل الفجر عامدا بعد ان كان به ليلا ولو كان قليلا ، لم يبطل
حجه ، وجبره بشاة. وربما زاد بعضهم كون ذلك بعد الوقوف بعرفات. وقال ابن الجنيد :
يجب عليه دم. قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : وهو موافق لما قلناه ، فان الدم
إذا أطلق حمل على أقل مراتبه. وعن ابن إدريس انه يبطل حجه ، وقول الشيخ في الخلاف
يوهم ذلك ، حيث قال : فان دفع قبل طلوع الفجر مع الاختيار ولم يجزئه.
احتج الأصحاب على ما ذهبوا اليه بما رواه الشيخ في
التهذيب عن مسمع عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) : «في رجل وقف
مع الناس
__________________
(1) المغني ج 3 ص 428 طبع مطبعة المنار.
(2) الفروع ج 4 ص 473 والتهذيب ج 5 ص 193 عن أبي عبد الله (عليهالسلام) والوسائل الباب 16 من الوقوف بالمشعر.
بجمع ثم أفاض قبل ان يفيض الناس. قال
: ان كان جاهلا فلا شيء عليه ، وان كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة».
واعترض هذه الرواية في المدارك بأنها ضعيفة السند
باشتمالها على سهل ابن زياد وهو عامي. وبأن راويها ـ وهو مسمع ـ غير موثق فيشكل
التعويل على روايته. نعم روى ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه (1) هذه الرواية
بطريق صحيح عن علي بن رئاب عن مسمع فينتفي الطعن الأول. انتهى أقول : لا يخفى عليك
ما في طعنه على الرواية برواية مسمع لها ، فان حديث مسمع في الحسن عند الأصحاب ،
فتكون الرواية حسنة. وقد تقدم قريبا عده رواية مسمع في الصحيح ، وتكلمنا عليه ثمة
باضطراب كلامه فيه ، وهذا من جملة ذلك. وبالجملة فالرواية حسنة معتبرة لا يتوجه
إليها طعن ، فالعمل بها متعين. وهو كثيرا ما يستدل بالحسان بل بالموثقات وان ضعفها
في الموضع الذي لا يرتضيها ، كما لا يخفى على من تأمل كتابه وطريقه فيه ، وقد
نبهنا على ذلك في غير موضع.
وقال ابن إدريس : ان من أفاض قبل طلوع الفجر عامدا
مختارا بطل حجة ، لأن الوقوف بالمشعر من طلوع الفجر الى طلوع الشمس ركن ، فيبطل
بالإخلال به.
وأجاب عنه العلامة في المنتهى بالمنع من ذلك ، قال :
فانا لا نسلم له ان الوقوف بعد طلوع الفجر ركن. نعم مطلق الوقوف ليلة النحر أو
يومه ركن ، اما بعد طلوع الفجر فلا نسلم له ذلك. وكون الوقوف يجب ان يكون بعد طلوع
الفجر لا يعطى كون الوقوف في هذا الوقت ركنا.
__________________
(1) ج 2 ص 284 عن أبي إبراهيم (عليهالسلام).
وقول ابن إدريس لا نعرف له موافقا
فكان خارقا للإجماع. انتهى
أقول : فيه نظر أما أولا فلأنه قد صرح (قدسسره) ـ كما قدمنا
نقله عنه ـ بان الوقوف بالمشعر بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس في حال الاختيار. الى
آخر ما تقدم ، وقال بعد هذا الكلام في مسألة أخرى : قد ظهر من جميع ما تقدم ان
الوقت الاختياري بعرفات. الى ان قال : والوقت الاختياري للوقوف بالمشعر من طلوع
الفجر الى طلوع الشمس ، والاضطراري من غروب الشمس ليلة النحر الى الزوال من يومه
على قول الشيخ والى غروبها منه على قول السيد. وهذا الكلام منه في الموضعين ظاهر
في ان الوقوف الذي هو شرط في صحة الحج متى كان مختارا عامدا هو الوقوف من بعد طلوع
الفجر الى طلوع الشمس ، فان غيره من الوقتين الآخرين أعني ليلة النحر وما بعد طلوع
الشمس انما هو وقت اضطراري لأصحاب الاعذار. ومثله كلام غيره من الأصحاب (رضوان
الله ـ تعالى ـ عليهم). ولا ريب ان من أفاض قبل الفجر عالما عامدا فقد تعمد ترك
هذا الواجب الذي هو شرط في صحة الحج ، كما هو ظاهر كلامه ، سواء سماء ركنا أم لم
يسمه وهذه التسمية لا مشاحة فيها ، حيث انها أمر اصطلاحي ، وانما الكلام بالنظر
الى الأدلة ، والمفهوم منها ما ذكرناه من ان الوقوف الاختياري هو من طلوع الفجر
الى طلوع الشمس ، والوقوفين الاضطراريين عبارة عن ما يكونان في ذينك الوقتين. ولا
ريب انه متى أخل المكلف بهذا الواجب الذي دلت الاخبار على ان مدار صحة الحج على
إدراكه ـ كما تقدم ـ فان الحكم بالصحة يحتاج الى دليل. نعم لما دلت حسنة مسمع
المذكورة على الصحة في الصورة المذكورة وجب الحكم به. وبالجملة فإنا لو خلينا
وقول ابن إدريس لكان القول بما ذهب
إليه في غاية القوة والمتانة ، لما عرفت ، ولكن لما وردت الرواية المعتبرة بالصحة
وجب القول بذلك وفاقا لجمهور الأصحاب.
واما ثانيا : فان عدم الموافق لابن إدريس في ما ذهب اليه
لا يقدح في قوله إذا اقتضته الأدلة الشرعية ، كما عرفت لولا الرواية المذكورة.
واما دعوى كونه خارقا للإجماع فغير ظاهرة ، فان عدم العلم بالموافق له لا يقتضي
انعقاد الإجماع على خلافه.
أقول : ويخطر بالبال في معنى رواية مسمع المذكورة وجه
تنطبق به على القواعد المذكورة ، ويصح به قول ابن إدريس ، ويبطل به ما اشتهر بين
الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) من الحكم بصحة حج من تعمد الإفاضة قبل الفجر
، وبيانه ان السائل سأل عن رجل أفاض من جمع قبل الناس بعد ان وقف معهم. والمتبادر
من هذا الوقوف هو الوقوف الشرعي المأمور به ، فكأنه وقف بعد الفجر ثم أفاض قبل
طلوع الشمس ، لان المبيت بالمشعر ليلا لا يسمى وقوفا ، وعبائرهم متفقة على ان
الوقوف المأمور به من بعد الفجر كما عرفت ، فيجب حمل الخبر عليه البتة. فأجاب (عليهالسلام) بأنه إذا
أفاض في هذا الوقت جاهلا فلا شيء عليه ، لحصول الواجب من الوقوف الشرعي واغتفار
ما بقي من الوقت بالجهل ، وان كانت إفاضته جهلا قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة. وليس
في الرواية تصريح بكون إفاضته عمدا ، والقسمان في الخبر انما هما للجاهل خاصة. وحاصل
المعنى بعد فرض الإفاضة في كلام السائل بعد الفجر وقبل طلوع الشمس هكذا : ان كان
جاهلا فلا شيء عليه في إفاضته في ذلك الوقت ، وان كانت إفاضته
قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة.
وبالجملة فإن الرواية المذكورة مخالفة لظاهر الروايات
المتقدمة الكثيرة الصحيحة الصريحة في ان الوقوف الواجب الذي هو شرط في صحة الحج
وإدراكه هو من طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، والاضطراري إلى الزوال وان من تركه وجب
عليه الرجوع اليه متى أدركه قبل طلوع الشمس أو قبل الزوال على اختلاف الاخبار في
المسألة ، واما ليلة النحر فهي وقت اضطراري لأصحاب الأعذار الآتي ذكرهم ان شاء
الله تعالى ، وحينئذ فكيف يصح تعمد ترك هذا الوقوف والحكم بصحة الحج ، كما ذكروا (رضوان
الله ـ تعالى ـ عليهم).
وكيف كان فان لم يكن ما ذكرناه هو الظاهر من الخبر فلا
أقل من ان يكون محتملا فيه قريبا ، وبذلك يسقط الاستدلال به. على ان ظاهر الخبر
صحة الحج بذلك وان لم يكن وقف بعرفة ، لأنه مطلق ، وغاية ما دل عليه انه وقف مع
الناس بجمع وأفاض قبلهم ، وهو أعم من ان يكون وقف بعرفة أم لا ، وبه يشتد الاشكال
فيه ، ولهذا ان بعض الأصحاب ـ كما قدمنا الإشارة إليه ـ قيد المسألة بكون ذلك بعد
الوقوف بعرفات.
والظاهر انه من أجل هذا الإجمال في الرواية قال في
المسالك : وعلى ما اخترناه من اجزاء اضطراري المشعر وحده يجزئ هنا بطريق أولى ،
لأن الوقوف الليلي بالمشعر فيه شائبة الاختياري ، للاكتفاء به للمرأة اختيارا ،
وللمضطر والمتعمد مطلقا مع جبره بشاة ، والاضطراري المحض ليس كذلك والظاهر انه
أراد بالإطلاق في قوله : «والمتعمد مطلقا» : يعني أعم من ان يكون قد وقف بعرفات أم
لا.
واعترضه سبطه في المدارك بأنه يمكن المناقشة فيه بان
الاجتزاء باضطراري المشعر انما ثبت بقوله (عليهالسلام) في صحيحة
جميل بن دراج (1) «من أدرك
المشعر الحرام يوم النحر من قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج». ونحو ذلك. ولا يلزم من
ذلك الاجتزاء بالوقوف الليلي مطلقا ورواية مسمع (2) المتضمنة
للاجتزاء بالوقوف الليلي لا تدل على العموم ، إذ المتبادر منها تعلق الحكم بمن
أدرك عرفة.
أقول : أنت خبير بان هذه المناقشة واهية لا محصل لها ،
فإن جده (قدسسره) لم يستدل على
الاجتزاء بهذا الوقوف بصحيحة جميل ونحوها وانما استدل على هذا بأنه إذا قام الدليل
على الاجتزاء بالامتداد الى وقت الظهر الذي هو بعيد من الوقت الاختياري غاية البعد
، فلان يكتفى بما قرب منه وداخله ـ وهو الوقوف الليلي المشوب بالاختياري باعتبار
اكتفاء المرأة به اختيارا وجوازه للمتعمد مطلقا مع الجبر بشاة ـ بطريق اولى. هذا
حاصل كلامه.
واما قوله : «ورواية مسمع لا تدل على العموم ، إذ
المتبادر منها تعلق الحكم بمن أدرك عرفة» ـ فممنوع ، إذ لا وجه لهذا التبادر ، ولا
اشعار به في الرواية إلا قوله : «وقف مع الناس بجمع» ووقوفه معهم بجمع لا يستلزم
ان يكون قد شاركهم ووقف معهم بعرفة بل هو أعم من ذلك كما لا يخفى.
وبالجملة فالأقرب عندي في معنى الرواية هو ما قدمته ،
وهو ان المتبادر
__________________
(1) الوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.
(2) ص 437.
من هذا الوقوف انما هو الوقوف الشرعي
الذي هو بعد الفجر ، إذ مجرد البيات بالليل لا يسمى وقوفا شرعا ، ولهذا انهم
اختلفوا في وجوبه وعدمه والمشهور وجوبه ، وقال في التذكرة : انه ليس بواجب. وغاية
ما استدل به في المدارك على وجوبه التأسي ، وضعفه ظاهر. وقوله (عليهالسلام) في صحيحة
معاوية بن عمار (1) : «ولا تجاوز
الحياض ليلة المزدلفة». وهو غير ظاهر في الوجوب ، لإمكان حمله على الفضل
والاستحباب لشرف المكان وفضله. مع عدم استلزام مجرد النزول المبيت ، لجواز خروجه
الى موضع آخر ليلا وان عاد اليه وقت الوقوف. وبالجملة فإن دلالته على الوجوب غير
ظاهرة. وحينئذ فحاصل معنى الخبر انما هو السؤال عن من وقف بعد الفجر وأفاض قبل
طلوع الشمس ، والتفصيل في الجواب انما وقع في حكم المفيض الجاهل في هذا الوقت.
وبذلك تحصل السلامة من هذه الإشكالات ومخالفة صحاح الروايات وان خالف ذلك المشهور
عندهم.
هذا كله في ما لو أفاض قبل الفجر عامدا اما لو كان ناسيا
فظاهرهم انه ليس عليه شيء.
قال في المدارك بعد قول المصنف : «ولو أفاض ناسيا لم يكن
عليه شيء» : هذا من ما لا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ولم أقف فيه
على رواية تدل عليه صريحا. وربما أمكن الاستدلال عليه بفحوى ما دل على جواز ذلك
للمضطر وما في معناه. وفي إلحاق الجاهل بالعامد أو الناسي وجهان. انتهى.
أقول : يمكن القول هنا بصحة حج الجاهل بناء على ما يأتي
تحقيقه ـ ان شاء الله تعالى ـ من ان من ترك الوقوف بالمشعر جاهلا مع وقوفه
__________________
(1) الوسائل الباب 8 الرقم 3 والباب 10 الرقم 1 من الوقوف
بالمشعر.
بعرفات ، فإن حجه صحيح ، كما تدل عليه
روايتا محمد بن يحيى (1) فإنه متى ثبت
صحة حجه بترك الوقوف مطلقا فأولى بالصحة لو أفاض قبل الفجر مع وقوفه ليلا. واما
على ما هو المشهور بينهم من البطلان فيتجه ما ذكره هنا من التردد في المسألة.
وفي المسالك بعد ان ذكر هذا التردد رجح إلحاق الجاهل
بالعامد ، بناء على ان الجاهل بالحكم عندهم كالعامد في جميع الأحكام. وهو خلاف ما
استفاضت به اخبار أهل الذكر (عليهمالسلام) (2).
الثالثة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم)
ـ وبه استفاضت الأخبار ـ بأنه يجوز الإفاضة ليلا لذوي الأعذار من الضعفاء والنساء
والصبيان ومن يخاف على نفسه من غير جبران ، بل قال في المنتهى انه قول كافة من
يحفظ عنه العلم.
ويدل على ذلك جملة من الاخبار : منها : قوله (عليهالسلام) في صحيحة
معاوية بن عمار الواردة في صفة حج النبي (صلىاللهعليهوآله) (3) : «ثم أفاض
وأمر الناس بالدعة حتى انتهى الى المزدلفة ، وهو المشعر الحرام فصلى المغرب
والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين ، ثم اقام حتى صلى فيها الفجر ، وعجل ضعفاء
بني هاشم بالليل ، وأمرهم ان لا يرموا الجمرة ـ جمرة العقبة ـ حتى تطلع الشمس.
الحديث».
__________________
(1) تقدمتا ص 409.
(2) ارجع الى الجزء الأول من الحدائق المقدمة الخامسة ـ ص 77.
(3) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج.
وما رواه ابن بابويه عن ابن مسكان في الصحيح عن أبي بصير
(1) ـ وهو ليث
المرادي بقرينة الراوي عنه ـ قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : لا
بأس بأن تقدم النساء إذا زال الليل ، فيقفن عند المشعر ساعة ، ثم ينطلق بهن إلى
منى فيرمين الجمرة ، ثم يصبرن ساعة ، ثم يقصرن وينطلقن إلى مكة فيطفن ، الا ان يكن
يردن ان يذبح عنهن ، فإنهن يوكلن من يذبح عنهن».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن سعيد الأعرج (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : جعلت فداك
معنا نساء فأفيض بهن بليل؟ قال : نعم تريد ان تصنع كما صنع رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قلت : نعم.
قال : أفض بهن بليل ، ولا تفض بهن حتى تقف بهن بجمع ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة
العظمى ، فيرمين الجمرة فان لم يكن عليهن ذبح ، فليأخذن من شعورهن ، ويقصرن من
أظفارهن ، ثم يمضين إلى مكة في وجوههن ، ويطفن بالبيت ، ويسعين بين الصفا والمروة
، ثم يرجعن الى البيت فيطفن أسبوعا ، ثم يرجعن إلى منى وقد فرغن من حجهن.».
وفي الحسن عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) (3) قال : «رخص
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) للنساء
__________________
(1) الفقيه ج 2 ص 283 والوسائل الباب 17 من الوقوف بالمشعر.
(2) الفروع ج 4 ص 474 و 475 والتهذيب ج 5 ص 195 والوسائل الباب
17 من الوقوف بالمشعر.
(3) الفروع ج 4 ص 474 والتهذيب ج 5 ص 194 والوسائل الباب 17 من
الوقوف بالمشعر الرقم (3) والراوي هو أبو بصير عن أبي عبد الله (ع)
والصبيان ان يفيضوا بالليل ، وان
يرموا الجمار بالليل ، وان يصلوا الغداة في منازلهم.».
وفي الكافي عن جميل بن دراج في الصحيح أو الحسن عن بعض
أصحابنا عن أحدهما (عليهماالسلام) (1) قال : «لا بأس
ان يفيض الرجل بالليل إذا كان خائفا».
وعن علي بن أبي حمزة عن أحدهما (عليهماالسلام) (2) قال : «اي
امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر الحرام ليلا فلا بأس ، فليرم الجمرة ثم ليمض ،
وليأمر من يذبح عنه ، وتقصر المرأة ويحلق الرجل ، ثم ليطف بالبيت وبالصفا والمروة
، ثم يرجع الى منى. فإن اتى منى ولم يذبح عنه فلا بأس ان يذبح هو. وليحمل الشعر
إذا حلق بمكة إلى منى. وان شاء قصر ان كان قد حج قبل ذلك».
الى غير ذلك من الاخبار أقول : وعلى ما دلت عليه هذه
الاخبار يحمل إطلاق ما رواه الشيخ في التهذيب عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «ينبغي
للإمام ان يقف بجمع حتى تطلع الشمس ، وسائر الناس ان شاءوا عجلوا وان شاءوا أخروا».
__________________
والظاهر ان منشأ الاشتباه هو الانتقال من سند الحديث (645) في
التهذيب الى متن هذا الحديث (646). ولفظ الحديث (645) سيذكره بعد هذا الحديث
مباشرة بهذا السند منسوبا إلى الكافي.
(1 و 2) الفروع ج 4 ص 474 والتهذيب ج 5 ص 194 والوسائل الباب
17 من الوقوف بالمشعر.
(3) الوسائل الباب 15 من الوقوف بالمشعر.
وما رواه في الصحيح عن هشام بن سالم وغيره عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) (1) انه قال : «في
التقدم من منى الى عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به ، والتقدم من المزدلفة إلى منى
يرمون الجمار ويصلون الفجر في منازلهم بمنى لا بأس».
وعلى ذلك حملهما الشيخ (رحمهالله). ويمكن
حملهما على التقية أيضا لما صرح به في المنتهى ، حيث قال : قد بينا ان الوقوف
بالمشعر يجب ان يكون بعد طلوع الفجر ، فلا يجوز الإفاضة منه قبل طلوعه اختيارا ،
بل يجب الكون به بعد طلوع الفجر ، وبه قال أبو حنيفة ، وقال باقي الفقهاء يجوز الدفع
بعد نصف الليل (2) ثم أورد
الأخبار الدالة على ما اختاره.
والمفهوم من صحيحتي أبي بصير وسعيد الأعرج ان أصحاب
الاعذار لا يفيضون حتى ينووا الوقوف الواجب ليلا. وفيه دلالة على ان مجرد الكون
بها ليلا والمبيت لا يكفي عن الوقوف ما لم ينوه.
الرابعة ـ المفهوم من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ
حيث صرحوا بأن الوقوف الواجب بالمشعر من طلوع الفجر ـ هو انه تجب فيه نية الوقوف
من ذلك الوقت ولا يجوز تأخيرها. وبذلك صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، حيث
قال بعد قول المصنف : «وان يكون الوقوف بعد طلوع الفجر» ما لفظه : اي الوقوف
الواجب ، فيجب كون النية عند تحقق الطلوع. وقال في موضع آخر : واما الوقوف
المتعارف بمعنى الكون فهو واجب من أول الفجر ، فلا يجوز تأخير نيته الى ان يصلي.
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 193 و 194 والوسائل الباب 17 من الوقوف
بالمشعر.
(2) المغني ج 3 ص 422 طبع عام 1368.
والمفهوم من صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (1) وقوله (عليهالسلام) فيها : «أصبح
على طهر بعد ما تصلي الفجر ، فقف إن شئت قريبا من الجبل وان شئت حيث شئت ، فإذا
وقفت فاحمد الله (عزوجل) وأثن عليه. الحديث». وقوله (عليهالسلام) (2) في كتاب الفقه
الرضوي : «فإذا أصبحت فصل الغداة ، وقف بها كوقوفك بعرفة ، وادع الله. الى أخره». هو
جواز تأخير نية الوقوف عن الصلاة وانها بعدها.
وقوله في المدارك ـ : وليس في هذه الرواية ذكر للنية ـ مبنى
على ما يتعاطونه من النية المصطلحة بينهم ، وقد عرفت انه لا اثر لها في الاخبار لا
في هذا الموضع ولا في غيره ، والا فمعنى قوله (عليهالسلام) : «فقف إن
شئت قريبا من الجبل» هو الإشارة إلى النية اي اقصد الوقوف ، فان مجرد الكون ـ من
غير قصد التقرب به الى الله (سبحانه وتعالى) وانه هو الواجب المأمور به ، وانه
يقصد الإتيان به متقربا ـ لا يوجب حصول الوقوف المأمور به الا في صورة النسيان ،
كما يفهم من بعض الاخبار الآتية في المقام ان شاء الله تعالى.
وقال في المنتهى : ويستحب ان يقف بعد ان يصلي الفجر ،
ولو وقف قبل الصلاة إذا كان قد طلع الفجر أجزأه.
ثم انه على تقدير المبيت والنية له ليلا هل يكتفى بها عن
النية بعد طلوع الفجر أم لا؟ قال في المسالك : والأقوى وجوب المبيت ليلا ، والنية
له عند الوصول ، والمراد به الكون بالمشعر ليلا. ثم ان لم نقل
__________________
(1) الوسائل الباب 11 من الوقوف بالمشعر.
(2) ص 28.
بوجوبه فلا إشكال في وجوب النية للكون
عند الفجر. وان أوجبنا المبيت فقدم النية عنده ، ففي وجوب تجديدها عند الفجر نظر ،
ويظهر من الدروس عدم الوجوب. وينبغي ان يكون موضع النزاع ما لو كانت النية للكون
به مطلقا ، اما لو نواه ليلا أو نوى المبيت كما هو الشائع في كتب النيات المعدة
لذلك بعد الاجتزاء بها عن نية الوقوف نهارا ، لأن الكون ليلا والمبيت مطلقا لا
يتضمنان النهار ، فلا بد له من نية أخرى. والظاهر ان نية الكون به عند الوصول
كافية عن النية نهارا ، لانه فعل واحد الى طلوع الشمس كالوقوف بعرفة ، وليس في
النصوص ما يدل على خلاف ذلك. انتهى.
أقول : ان كلامه (قدسسره) هنا كله يدور
على النية المصطلحة التي هي عبارة عن الحديث النفسي والتصوير الفكري ، وقد عرفت ما
فيه في غير موضع ، والا فمن المعلوم انه إذا كان الوقوف الواجب الذي عليه مدار
الحج صحة وبطلانا في حال التعمد والاختيار انما هو الوقوف بعد طلوع الفجر الى طلوع
الشمس ، وان غير هذا الوقت من المتأخر عنه والمتقدم عليه انما هو وقت لذوي الأعذار
، فنية الوقوف انما هي في هذا الوقت خاصة ، ولا معنى لنية الوقوف ليلا ، الا ان
يكون من قبيل العزم عليه وهو غير النية الشرعية عندهم. والمستفاد من الخبرين
المتقدمين ان الوقوف الشرعي الذي يجب على المكلف الإتيان به ـ وعليه مدار صحة حجه
وبطلانه ـ انما هو الذي بعد الفجر ، والاكتفاء بغيره يحتاج الى دليل ، فقوله ـ بعد
اختياره ان نية الكون عند الوصول كافية عن النية نهارا : وليس في النصوص ما يدل
على خلافه ـ ليس في محله ، بل هذه
النصوص دالة على خلافه. على ان مجرد
عدم دلالة النصوص على خلافه لا يكفي في ثبوته ، بل لا بد من دلالة النصوص عليه
ليتم الحكم به ، والا كان قولا من غير دليل. وهو غير سديد النهج ولا واضح السبيل ،
لأن حكم العبادات صحة وبطلانا مبنية على التوقيف والثبوت عن صاحب الشريعة ، فلا بد
في كل حكم من أحكامها من دليل واضح وبرهان لائح.
وبالجملة فإن القدر المستفاد من الاخبار والذي يدور عليه
كلامهم هو ان الوقوف الواجب الذي يدور عليه الحج صحة وبطلانا مع الاختيار هو هذا
الوقت المذكور ، فيجب قصد التقرب به الى الله (عزوجل) والنية به وأداء الواجب به ،
ومجرد الكون قبله غير كاف.
واما ما رواه الشيخ والصدوق عن محمد بن حكيم (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : أصلحك الله
، الرجل الأعجمي والمرأة الضعيفة يكونان مع الجمال الأعرابي فإذا أفاض بهم من
عرفات مر بهم كما هم إلى منى ولم ينزل بهم جمعا. فقال : أليس قد صلوا بها؟ فقد
أجزأهم. قلت : فان لم يصلوا بها؟ قال : ذكروا الله تعالى فيها؟ فان كانوا ذكروا
الله فيها فقد أجزأهم» ،.
وما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «قلت له
: جعلت فداك ان صاحبي هذين جهلا أن يقفا بالمزدلفة؟
__________________
(1) الفروع ج 4 ص 472 والتهذيب ج 5 ص 293 و 294 والفقيه ج 2 ص
283 والوسائل الباب 25 من الوقوف بالمشعر.
(2) الفروع ج 4 ص 472 والوسائل الباب 25 من الوقوف بالمشعر. واللفظ
هكذا : «عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله (ع).».
فقال : يرجعان مكانهما فيقفان بالمشعر
ساعة. قلت : فإنه لم يخبرهما أحد حتى كان اليوم وقد نفر الناس؟ قال : فنكس رأسه
ساعة ثم قال : أليسا قد صليا الغداة بالمزدلفة؟ قلت : بلى. قال : أليس قد قنتا في
صلاتهما؟ قلت : بلى. فقال : تم حجهما. ثم قال : المشعر من المزدلفة والمزدلفة من
المشعر ، وانما يكفيهما اليسير من الدعاء».
فهو محمول على حال الجهل وعدم إمكان الرجوع مع إتيانهم
بما تضمنه الخبران من الذكر والدعاء ، وان ذلك قائم مقام نية الوقوف في الصورة
المذكورة.
قال في من لا يحضره الفقيه (1) : وروى في من
جهل الوقوف بالمشعر : ان القنوت في صلاة الغداة بها يجزئه وان اليسير من الدعاء
يكفى. انتهى
الخامسة ـ من المستحب في الوقوف ما رواه ثقة الإسلام في
الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «أصبح
على طهر بعد ما تصلي الفجر ، فقف إن شئت قريبا من الجبل وأن شئت حيث شئت ، فإذا
وقفت فاحمد الله (عزوجل) وأثن عليه ، واذكر من آلائه وبلائه ما قدرت عليه ، وصل
على النبي (صلىاللهعليهوآله) ثم ليكن من
قولك : اللهم رب المشعر الحرام فك رقبتي من النار ، وأوسع على من رزقك الحلال ،
وادرأ عني شر فسقة الجن والانس ، اللهم أنت خير مطلوب اليه وخير مدعو وخير مسؤول ،
ولكل وافد جائزة ، فاجعل جائزتي في موطني هذا ان تقيلني عثرتي وتقبل معذرتي وان
تتجاوز عن خطيئتي ،
__________________
(1) ج 2 ص 283 والوسائل الباب 25 من الوقوف بالمشعر.
(2) الفروع ج 4 ص 469 والوسائل الباب 11 من الوقوف بالمشعر.
ثم اجعل التقوى من الدنيا زادي. ثم
أفض حيث يشرق لك ثبير وترى الإبل مواضع أخفافها».
وقد تقدم (1) في المقام الأول في صحيحة الحلبي
ومعاوية بن عمار دعاء آخر ، لكن ظاهر ذلك الخبر انه وقت النزول وهذا الدعاء بعد
الوقوف.
ونقل العلامة في المختلف عن ابن البراج انه عد في أقسام
الواجب الذكر لله تعالى والصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) وعلى آله في
الموقفين ثم قال بعد نقل ذلك عنه : والمشهور الاستحباب. وقد تقدم ما يدل على ذلك
في الوقوف بعرفة من الخبرين المنقولين ثمة.
وقال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه (2) : وليكن وقوفك
وأنت على غسل ، وقل : اللهم رب المشعر الحرام ورب الركن والمقام ورب الحجر الأسود
وزمزم ورب الأيام المعلومات ، فك رقبتي من النار ، وأوسع علي من رزقك الحلال ،
وادرأ عني شر فسقة الجن والانس وشر فسقة العرب والعجم ، اللهم أنت خير مطلوب اليه
وخير مدعو وخير مسؤول ، ولكل وافد جائزة ، فاجعل جائزتي في موطني هذا ان تقيلني
عثرتي وتقبل معذرتي وتتجاوز عن خطيئتي ، وتجعل التقوى من الدنيا زادي ، وتقلبني
مفلحا منجحا مستجابا لي بأفضل ما يرجع به أحد من وفدك وحجاج بيتك الحرام. وادع
الله (عزوجل) كثيرا. الى ان قال : فإذا طلعت الشمس فاعترف لله (عزوجل) بذنوبك سبع
مرات ، واسأله التوبة سبع مرات.
__________________
(1) ص 428 و 429.
(2) ج 2 ص 326.
المقام الثالث في الأحكام
وفيه أيضا مسائل الأولى ـ قد عرفت من ما تقدم ان المشهور
انه لو أفاض قبل الفجر عامدا بعد ان كان به ليلا صح حجه وجبره بشاة.
اما لو لم يقف بالمشعر ليلا ولا بعد الفجر عامدا ،
فالظاهر انه لا خلاف بينهم في بطلان حجة.
الا انه قد نقل العلامة في المنتهى عن الشيخ انه قال :
من ترك الوقوف بالمشعر متعمدا فعليه بدنة.
لما رواه حريز عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «من
أفاض من عرفات مع الناس ، ولم يلبث معهم بجمع ومضى إلى منى متعمدا أو مستخفا ،
فعليه بدنة».
وظاهره الحكم بصحة حجه ووجوب البدنة عليه جبرا لنقصانه
بترك الوقوف.
قال في المنتهى بعد نقل ذلك عنه : والوجه انه إذا ترك
الوقوف بالمشعر عمدا بطل حجه ، لما تقدم من انه ركن يبطل الحج بالإخلال به عمدا.
انتهى.
ونقل هذا القول في الدروس عن ابن الجنيد ايضا ، حيث قال
: الوقوف بالمشعر ركن أعظم من عرفة عندنا ، فلو تعمد تركه بطل حجه. وقول ابن
الجنيد بوجوب البدنة لا غير ضعيف. ورواية حريز ـ بوجوب البدنة على متعمد تركه أو
المستخف به ـ متروكة محمولة على من وقف به ليلا قليلا ثم مضى. انتهى
__________________
(1) الفروع ج 4 ص 473 والتهذيب ج 5 ص 294 والوسائل الباب 26 من
الوقوف بالمشعر. وارجع الى التعليقة (1) ص 435.
وظاهره (قدسسره) حمل هذه
الرواية على ما دلت عليه حسنة مسمع المتقدمة ، وان تفاوتا باعتبار دلالة تلك على
الجبر بشاة وهذه على الجبر ببدنة. وهو قريب في مقام الجمع.
ولو قيل بحملها على بطلان الحج ووجوب البدنة لم يكن
بعيدا ، كما في المجامع قبل أحد الموقفين من الحكم بفساد حجه مع وجوب البدنة ، وان
اختلفا من حيثية أخرى أيضا.
والعجب انه نقل عن الشيخ (رحمهالله) في المنتهى
قبيل هذا الكلام انه قال : من فاته الوقوف بالمشعر فلا حج له على كل حال.
واستدل عليه بما رواه عن عبيد الله وعمران ابني علي
الحلبيين عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج». قال : وهذا خبر عام في من فاته ذلك عامدا أو جاهلا
أو على كل حال
وهذا الكلام ظاهر في ان فوت الوقوف بالمشعر عنده موجب
لبطلان الحج عمدا أو جهلا أو نسيانا. وهو ـ كما ترى ـ ظاهر المنافاة لما ذكره من
الكلام الأول.
وما ذكره (قدسسره) ـ من بطلان
الحج بترك الوقوف وان كان جهلا أو نسيانا ـ هو ظاهر جملة من الأصحاب أيضا.
الا ان الظاهر عندي من الاخبار والمفهوم منها ان التارك
للوقوف جاهلا عليه الرجوع وان لم يدرك إلا الاضطراري ، وان استمر به الجهل حتى فات
وقت التدارك صح حجه.
فاما ما يدل على الحكم الأول فصحيحة معاوية بن عمار
وموثقة
__________________
(1) الوسائل الباب 23 و 25 من الوقوف بالمشعر.
يونس بن يعقوب المتقدمتان (1) في المسألة
الاولى من مسائل المقام الثاني.
واما ما يدل على الثاني فروايتا محمد بن يحيى المتقدمتان
(2) في المسألة
الثالثة من مسائل الفصل الثالث من المقصد الأول ، لدلالتهما على ان من جهل ولم يقف
بالمزدلفة ولم يبت حتى اتى منى وفاته التدارك فإنه لا بأس به.
والشيخ (رحمهالله) ـ بعد ان
استدل بخبر الحلبيين المتقدم على بطلان الحج بترك الوقوف بالمشعر وقال : ان هذا
الخبر عام في من فاته ذلك عامدا أو جاهلا أو على كل حال ـ قال : ولا ينافيه ما
رواه محمد بن يحيى الخثعمي ، ثم أورد الخبرين المشار إليهما ، وحملهما ـ بعد الطعن
في الراوي ـ على الوقوف بالمشعر ولو قليلا. وفيه ما قد بيناه في الموضع الذي نقلنا
فيه الخبرين.
وممن وافقنا على دلالة الخبرين على ما ذكرنا من صحة حج
الجاهل في الصورة المذكورة ـ السيد السند في المدارك حيث قال : وقد ورد في بعض
الروايات ما يدل على عدم بطلان حج الجاهل بذلك ، كرواية محمد بن يحيى عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) (3) ثم ساق الخبر
كما ذكرناه. ثم ذكر جواب الشيخ (رحمهالله) وحمله
الخبرين على ما ذكرناه. ثم قال بعده : ولا يخفى ما في هذا الحمل من البعد.
وبذلك يشعر كلام الدروس ايضا حيث قال : ولو ترك الوقوف
بالمشعر جهلا بطل حجه عند الشيخ في التهذيب ، ورواية محمد بن يحيى بخلافه. وتأولها
الشيخ على تارك كمال الوقوف جهلا وقد اتى باليسير منه. انتهى.
__________________
(1) ص 433.
(2) ص 409.
(3) تقدمت ص 409.
الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم)
في وقت الإفاضة من المشعر ، فقال الشيخ : فإذا كان قبل طلوع الشمس بقليل رجع الى
منى ، ولا يجوز وادي خسر الا بعد طلوع الشمس ، ولا يجوز للإمام أن يخرج من المشعر
إلا بعد طلوع الشمس ، وان أخر غير الامام الخروج الى بعد طلوع الشمس لم يكن به
بأس. وقال ابن أبي عقيل : فإذا أشرق الفجر وتبين ورأت الإبل مواضع أخفافها أفاض
بالسكينة والوقار والدعاء والاستغفار.
قال في المختلف بعد نقل ذلك عنهما : وهذا الكلام من
الشيخين (رحمهماالله) يدل على أولوية الإفاضة قبل طلوع الشمس وكذا قال ابن الجنيد
وابن حمزة ثم نقل عن علي بن بابويه انه قال : وإياك ان تفيض منها قبل طلوع الشمس
ولا من عرفات قبل غروبها ، فيلزمك دم شاة. ونقل عن الصدوق انه قال : ولا يجوز
للرجل الإفاضة قبل طلوع الشمس ولا من عرفات قبل غروبها ، فيلزمه دم شاة. قال :
وهذا الكلام يشعر بوجوب اللبث الى طلوع الشمس ثم نقل عن المفيد (رحمهالله) انه قال :
فإذا طلعت الشمس فليفض منها إلى منى ، ولا يفض قبل طلوع الشمس الا مضطرا وكذا قال
السيد المرتضى وسلار. ثم نقل عن أبي الصلاح انه قال : وليقف داعيا الى ان تطلع الشمس
، ولا يجوز للمختار ان يفيض منه حتى تطلع الشمس. وعد ابن حمزة في الواجبات الإقامة
بالمشعر للإمام الى ان تطلع الشمس. وقال ابن إدريس : وملازمة الموضع الى ان تطلع
الشمس مندوب غير واجب. هذا كلامه في المختلف.
والعجب انه مع ذلك قال في المنتهى بعد الكلام في المسألة
: إذا ثبت هذا فلو دفع قبل الاسفار بعد طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس لم يكن
مأثوما ، ولا نعلم فيه خلافا. انتهى.
والاختلاف بين الكلامين أظهر من ان يخفى.
أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه
المسألة ما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار في الموثق (1) قال : «سألت
أبا إبراهيم (عليهالسلام). اي ساعة أحب
إليك ان أفيض من جمع؟ قال : قبل ان تطلع الشمس بقليل فهو أحب الساعات الى. قلت :
فان مكثنا حتى تطلع الشمس؟ قال : لا بأس».
وعن هشام بن الحكم في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2). قال «لا تجاوز
وادي محسر حتى تطلع الشمس».
وروى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن حكيم (3) قال : «سألت
أبا إبراهيم (عليهالسلام) : اي ساعة
أحب إليك ان تفيض من جمع؟». وذكر مثل الحديث الأول.
وعن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «ينبغي
للإمام ان يقف بجمع حتى تطلع الشمس ، وسائر الناس إن شاءوا عجلوا وان شاءوا أخروا».
وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (5) قال : «ثم أفض
حيث يشرق لك ثبير وترى الإبل مواضع أخفافها ، قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : كان أهل
الجاهلية يقولون : «أشرق ثبير ـ يعنون
__________________
(1 و 2 و 4) الوسائل الباب 15 من الوقوف بالمشعر.
(3) الوسائل الباب 15 من الوقوف بالمشعر. وفي المخطوطة هكذا : «في
الصحيح أو الموثق عن معاوية بن حكيم».
(5) التهذيب ج 5 ص 192 والوسائل الباب 15 من الوقوف بالمشعر.
الشمس ـ كيما نغير» وانما أفاض رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) خلاف أهل
الجاهلية ، كانوا يفيضون بإيجاف الخيل وإيضاع الإبل ، فأفاض رسول الله (صلىاللهعليهوآله) خلاف ذلك
بالسكينة والوقار والدعة ، فأفض بذكر الله تعالى والاستغفار وحرك به لسانك. الحديث».
وقال في كتاب الفقه الرضوي (1) : «وإياك ان
تفيض منها قبل طلوع الشمس ، ولا من عرفات قبل غروبها ، فيلزمك الدم. وروى انه يفيض
من المشعر إذا انفجر الصبح وبان في الأرض أخفاف البعير وآثار الحوافر».
والمفهوم من ما عدا عبارة كتاب الفقه من الاخبار
المذكورة هو انه يجوز التعجيل في الإفاضة قبل طلوع الشمس والتأخير. الا أن الأول
أفضل وهذه الاخبار مستند الشيخ ومن تبعه. وعبارة كتاب الفقه صريحة في مذهب
الصدوقين بل عبارتاهما انما أخذتا من هذه العبارة كما عرفت في غير موضع من ما تقدم
، وان غير الأسلوب في عبارة الفقيه. واما عبارة أبيه في الرسالة فهي حذو عبارة
الكتاب الا في تفسيره الدم بدم شاة (2) وهو (عليهالسلام) بعد ان افتى
بهذه العبارة نسب القول الآخر الذي دلت عليه الاخبار المذكورة إلى الرواية. وربما
أشعر ذلك بكون الرواية بذلك انما خرجت مخرج التقية ، حيث انه (عليهالسلام) اعترف بأن
ذلك مروي عن آبائه (عليهمالسلام) ومع ذلك عدل
عنه وأوجب التأخير إلى طلوع الشمس ، والدم على من خالف ذلك ، وجعل الحكم هنا
كالحكم في عرفات لو أفاض منها قبل الغروب.
__________________
(1) ص 28.
(2) كلمة «بدم شاة» في المخطوطة.
ويعضد ذلك ما ذكره العلامة في المنتهى حيث قال بعد البحث
في المسألة وذكر خبري إسحاق ومعاوية بن حكيم : إذا عرفت هذا فإنه يستحب الإفاضة
بعد الاسفار قبل طلوع الشمس بقليل ، على ما تضمنه الحديثان الأولان ، وبه قال
الشافعي واحمد وأصحاب الرأي ، وكان مالك يرى الدفع قبل الاسفار (1).
وهو ظاهر في ان ما دلت عليه هذه الاخبار مذهب الجمهور ،
الا ان متأخري أصحابنا (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) حيث لم يصل إليهم ما يخالفها
جمدوا عليها ، فالعذر لهم واضح ، والمتقدمون سيما الصدوقان لما عثروا على ما
خالفها أطرحوها وتمسكوا بغيرها ، فان القول بوجوب اللبث الى طلوع الشمس مذهب جمع
منهم كما تقدم. والظاهر انهم لم يصيروا الى ذلك مع وصول هذه الاخبار إليهم الا من
حيث الوقوف على دليل سواها ، والدليل من عبارة كتاب الفقه واضح كما عرفت.
وبالجملة فالاحتياط يقتضي التأخير إلى طلوع الشمس ،
والخروج قبله لا يخلو من الاشكال ، كما عرفت من عبارته (عليهالسلام) في كتاب الفقه
، والكتاب عندنا ـ كما عرفت في غير موضع ـ معتمد كما اعتمده الصدوقان (نور الله ـ تعالى
ـ مرقديهما). والله العالم.
الثالثة ـ قد عرفت من ما تقدم ان الواجب في الوقوف النية
كغيره من العبادات من غير خلاف يعرف ، وعلى هذا لو نوى الوقوف ثم نام أو جن أو
أغمي عليه صح وقوفه ، وهو المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) لأن الركن
من الوقوف مسماه ، وهو يحصل بآن يسير بعد النية
__________________
(1) المغني ج 3 ص 423 طبع عام 1368.
وقال الشيخ في المبسوط : المواضع التي يجب ان يكون
الإنسان فيها مفيقا حتى تجزئه أربعة : الإحرام والوقوف بالموقفين والطواف والسعي
وصلاة الطواف حكمها حكم الأربعة سواء ، وكذلك طواف النساء ، وكذلك حكم النوم سواء
، والاولى ان نقول يصح منه الوقوف بالموقفين وان كان نائما ، لأن الفرض الكون فيه
لا الذكر. وقال ابن إدريس بعد نقل ذلك عنه : هذا غير واضح ، ولا بد من نية الوقوف
بغير خلاف ، والإجماع عليه. الا انه قال في نهايته : ومن حضر المناسك كلها ورتبها
في موضعها الا انه كان سكران ، فلا حج له ، وكان عليه الحج من قابل. وهذا هو
الواضح الصحيح الذي تقتضيه الأصول. قال : والأولى عندي انه لا يصح منه شيء من
العبادات إذا كان مجنونا ، لان الرسول (صلىاللهعليهوآله) قال «الأعمال
بالنيات» (1). و «انما لا
لامرئ ما نوى» (2). والنية لا
تصح منه. وقال تعالى
«وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ
وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى» (3) فنفى (تعالى)
ان يجزي أحد بعمله الا ما أريد وطلب به وجه ربه الأعلى والمجنون لا ارادة له.
وقال في المختلف بعد نقل القولين المذكورين : واعلم ان
الشيخ شرط العقل في المواضع التي يفوت الحج بتركها ، وما عداها يجب عليه فعلها
ولكن يجزئه الحج ، فقوله ـ : «المواضع التي يجب ان يكون الإنسان فيها مفيقا حتى
يجزئه أربعة» ـ يشير بذاك الى إجزاء الحج ، وحينئذ يتم
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات والباب 1 من النية
في الصلاة والباب 2 من وجوب الصوم.
(3) سورة الليل الآية 19 و 20.
كلامه. واما الوقوف للنائم فنقول :
إذا ابتدأ الوقوف بالنية أجزأه الكون وان كان نائما ، ولا يجب استمرار الانتباه في
جميع الوقت ، فان قصد الشيخ وابن إدريس ذلك فقد أصابا واتفقا ، وان قصد الشيخ
تسويغ ابتداء الوقوف للنائم من غير نية ، أو قصد ابن إدريس استمرار الانتباه منعنا
ما قصداه ، اما الأول فلما قاله ابن إدريس ، فإنه لا يدل الا على ما اخترناه ،
واما الثاني فلما قاله الشيخ (رحمهالله). انتهى. وهو
جيد.
ثم ان ظاهر كلام الشيخ (رحمهالله تعالى) الفرق
بين الإغماء والجنون وبين النوم ، حيث اشترط في صحة تلك الأشياء المذكورة ان يكون
مفيقا وقال بصحة الوقوف وان كان نائما. وهو غير جيد لاشتراك الجميع في عدم الإتيان
بالنية ، والكون في ذلك المكان حاصل للجميع أيضا ، فإن اكتفى بمجرد الكون فينبغي
القول بالصحة في الجميع ، وان اشترط فيه أمر زائد على مجرد الكون وهو النية فيكون
ذلك في الجميع ايضا فلا وجه للفرق حينئذ.
قال في الدروس : والواجب فيه ستة. الأول : النية. الى ان
قال : وخامسها السلامة من الجنون والإغماء والسكر والنوم في جزء من الوقت.
وظاهر عبارة الشرائع الخلاف في ذلك ، حيث قال : ولو نوى
الوقوف ثم نام أو جن أو أغمي عليه ، صح وقوفه ، وقيل لا. ولم نقف لهذا القول على
قائل به.
الرابعة ـ أجمع الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) على ان
من فاته الوقوفان في وقتهما فقد فاته الحج ، وسقط عنه بقية أفعاله ، وتحلل بعمرة
مفردة.
ويدل عليه جملة من الاخبار : منها : ما رواه الشيخ في
الصحيح عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «من
أدرك جمعا فقد أدرك الحج. قال : وقال أبو عبد الله (عليهالسلام) : أيما حاج
سائق للهدي أو مفرد للحج أو متمتع بالعمرة إلى الحج قدم وقد فاته الحج فليجعلها
عمرة وعليه الحج من قابل».
وعن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) في حديث قال :
«فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج ، فيجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من
قابل».
وعن محمد بن سنان (3) قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن رجل دخل
مكة مفردا للحج فخشي ان يفوته الموقفان. فقال : له يومه الى طلوع الشمس من يوم
النحر ، فإذا طلعت الشمس فليس له حج فقلت : كيف يصنع بإحرامه؟ فقال : يأتي مكة
فيطوف بالبيت ، ويسعى بين الصفا والمروة. فقلت له : إذا صنع ذلك فما يصنع بعد؟ قال
: إن شاء أقام بمكة وان شاء رجع الى الناس بمنى ، وليس منهم في شيء ، فان شاء رجع
الى اهله ، وعليه الحج من قابل».
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 294 والوسائل الباب 27 من الوقوف بالمشعر.
(2) التهذيب ج 5 ص 289 والوسائل الباب 22 من الوقوف بالمشعر. الرقم
2.
(3) التهذيب ج 5 ص 290 والوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر. والراوي
للنص المذكور هو (إسحاق بن عبد الله) واللفظ في حديث (محمد بن سنان) يختلف عنه كما
يظهر بمراجعة الرقم (4 و 5) في الوسائل والرقم (984 و 985) في التهذيب.
وعن حريز في الصحيح (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل مفرد
للحج فاته الموقفان جميعا. فقال : له الى طلوع الشمس من يوم النحر ، فان طلعت
الشمس من يوم النحر فليس له حج ، ويجعلها عمرة ، وعليه الحج من قابل».
ورواه في موضع آخر (2) وزاد فيه : «قلت : كيف يصنع؟ قال : يطوف
بالبيت ، وبالصفا والمروة ، فإن شاء أقام بمكة وان شاء اقام بمنى مع الناس ، وان
شاء ذهب حيث شاء ليس هو من الناس في شيء».
وعن معاوية بن عمار في الصحيح (3) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل جاء
حاجا ففاته الحج ولم يكن طاف؟ قال : يقيم مع الناس حراما أيام التشريق ، ولا عمرة
فيها ، فإذا انقضت طاف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة ، وأحل ، وعليه الحج من
قابل يحرم من حيث أحرم».
وروى المشايخ الثلاثة (عطر الله تعالى مراقدهم) في
الصحيح الى داود الرقي (4) وفيه خلاف ،
قال : «كنت مع أبي عبد الله (عليهالسلام) إذ جاء رجل
فقال : ان قوما قدموا يوم النحر وقد فاتهم الحج؟ فقال : نسأل الله العافية ، ارى
ان يهريق كل واحد منهم دم شاة ، ويحلون ، وعليهم الحج من قابل ان انصرفوا الى
بلادهم ، وان أقاموا حتى تمضي
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 291 والوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.
(2) التهذيب ج 5 ص 480 والوسائل الباب 27 من الوقوف بالمشعر.
(3) التهذيب ج 5 ص 295 والوسائل 27 من الوقوف بالمشعر.
(4) الفروع ج 4 ص 475 والتهذيب ج 5 ص 295 و 480 والفقيه ج 2 ص
284 والوسائل الباب 27 من الوقوف بالمشعر.
أيام التشريق بمكة ثم خرجوا الى بعض
مواقيت أهل مكة فأحرموا منه واعتمروا فليس عليهم الحج من قابل».
وعن ضريس بن أعين في الصحيح (1) قال : «سألت
أبا جعفر (عليهالسلام) عن رجل خرج متمتعا
بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر. فقال : يقيم على إحرامه ويقطع
التلبية حين يدخل مكة فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ، ويحلق رأسه ، وينصرف إلى
اهله ان شاء. وقال : هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه ، فان لم يكن اشترط فان
عليه الحج من قابل».
وهذه الرواية رواها الصدوق عن الحسن بن محبوب عن علي بن
رئاب عن ضريس مثله (2) الا انه زاد
بعد قوله : «ويحلق رأسه» : «ويذبح شاته» وزاد في آخرها : «فان لم يشترط فان عليه
الحج والعمرة من قابل».
والكلام في هذه الاخبار في مواضع أحدها : انها قد اتفقت
على ما ذكرناه من الحكم بان من فاته الموقفان ، بطل حجه ، وسقط عنه إتمامه وتحلل
بعمرة مفردة.
ومعنى تحلله بالعمرة على ما ذكره في المنتهى انه ينقل
إحرامه بالنية من الحج إلى العمرة ثم يأتي بأفعالها.
قال في المدارك : ويحتمل قويا انقلاب الإحرام إليها
بمجرد الفوات كما هو ظاهر اختيار العلامة في موضع من القواعد والشهيد في الدروس ،
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 295 و 296 والوسائل الباب 27 من الوقوف
بالمشعر.
(2) الفقيه ج 2 ص 243 والوسائل الباب 27 من الوقوف بالمشعر.
لقوله (عليهالسلام) في صحيحة
معاوية بن عمار المتقدمة (1) : «يقيم مع
الناس حراما أيام التشريق ولا عمرة فيها ، فإذا انقضت ، طاف بالبيت وسعى بين الصفا
والمروة. الحديث». وفي صحيحة ضريس (2) «يقيم على
إحرامه ، ويقطع التلبية حين يدخل مكة ، فيطوف ، ويسعى بين الصفا والمروة ، ويحلق
رأسه ، وينصرف إلى اهله ان شاء.». دلت الروايتان على وجوب الإتيان بأفعال العمرة
على من فاته الحج من غير تعرض لنقل النية ، فلا تكون النية معتبرة. ولا ينافي ذلك قوله
(عليهالسلام) في صحيحة
معاوية بن عمار (3) : «فليجعلها
عمرة». لأن الظاهر ان معنى جعلها عمرة الإتيان بأفعال العمرة. ولا ريب ان العدول
اولى وأحوط. انتهى
أقول : لا يخفى عليك ما في هذا الكلام من الغفلة أو
المجازفة ، وذلك فان الطواف والسعي والتقصير لا مخرج له من ان يكون في حج أو عمرة
إذ لا ثالث ، ولم يشرع ذلك خارجا عن الفردين المذكورين ، وحينئذ فإذا انتفى كونها
للحج تعين ان تكون للعمرة ، ولا معنى لكونها للعمرة وهو لم يقصد بها للعمرة ، لأن
العبادات بل الأفعال مطلقا لا يمتاز بعضها عن بعض الا بالقصود والنيات ، كلطمة
اليتيم تأديبا وظلما ، ونحوها ، فكيف تصير عمرة بمجرد فوات الحج من غير ان يقصد
العدول بإحرامه إلى أفعال العمرة؟ والتعبير بقوله : «يجعلها عمرة» ليس مقصورا على
صحيحة معاوية بن عمار ، بل أكثر الروايات المتقدمة قد تضمن ذلك ، كصحيحة معاوية
المذكورة وصحيحة
__________________
(1) برقم 3 ص 463.
(2) المتقدمة برقم 1 ص 464.
(3) المتقدمة برقم 1 ص 462.
الحلبي وصحيحة حريز ، وهذا هو الذي
يوافق القواعد المقررة والضوابط المعتبرة من وجوب النية في العبادة والقصد إليها ،
وهو الذي دلت عليه الاخبار في مقامات العدول في الصلاة وغيرها ، من وجوب نية
العبادة التي يريد العدول إليها وقصدها ، وما أطلق من الروايات التي ذكرها ونحوها
يجب حمله على هذه الروايات المقيدة حمل المطلق على المقيد. على ان الظاهر من عبارة
الدروس هو التردد لا اختيار الانقلاب بمجرد الفوات كما ذكره فإنه قال : وهل ينقلب
إحرامه أو يقلبه بالنية؟ الأحوط الثاني ، ورواية محمد بن سنان (1) : «فهي عمرة
مفردة». تدل على الأول ، ورواية معاوية (2) «فليجعلها عمرة».
تدل على الثاني. انتهى. وظاهره التوقف من حيث تعارض الروايتين عنده ، وانما صار
الى الثاني احتياطا لذلك.
وبالجملة فكلامهم هذا مبنى على النية الاصطلاحية التي هي
عبارة عن الحديث النفسي والتصوير الفكري الذي قد عرفت في غير موضع انه ليس هو
النية حقيقة ، والا فإنه لا يخفى على ذي دراية ان جملة أفعال العقلاء لا تصدر الا
عن القصود والنيات ، سيما في مقام الاشتراك والتعدد ، فلا بد من القصود المميزة ،
فكيف يتم انه يأتي بالعمرة بعد تلبسه بإحرام الحج من غير ان يقصد الى كونها عمرة؟
ما هذا الا غفلة ظاهرة.
وثانيها : ان المشهور بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ
عليهم) أنه لا هدى على من فاته الحج تمتعا كان أو افرادا ، وهذا هو ظاهر أكثر
الأخبار المتقدمة ، لورودها في مقام البيان عارية عن التعرض له.
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 294 والوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.
(2) المتقدمة برقم 1 ص 462.
واما القارن فقد صرح الأصحاب (رضوان
الله عليهم) بأنه ينحر هديه بعد بطلان الحج بمكة لا بمنى ، لعدم سلامة الحج. ونقل
في الدروس عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه وابنه الصدوق أنهما أوجبا على المتمتع
بالعمرة يفوته الموقفان العمرة ودم شاة ، ولا شيء على المفرد سوى العمرة.
ونقل الشيخ عن بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) قولا
بوجوب الهدى للفوات مطلقا واحتج له برواية داود بن فرقد المتقدمة (1). وأجاب
العلامة في المنتهى عنها بالحمل على الاستحباب ، اي كون تلك الحجة مستحبة لا
واجبة. والشيخ حملها على كون الفائت ندبا أو على من اشترط في حال إحرامه ، لرواية
ضريس المتقدمة (2) حيث انها
مصرحة بأن المشترط تكفيه العمرة وغيره يحج من قابل. وقد اعترض هذا الحمل الثاني
جملة من الأصحاب ـ منهم : العلامة في المنتهى والشهيد في الدروس ـ بأنه ان كان
الحج واجبا لم يسقط وجوبه بالاشتراط حتى انه لا يجب قضاؤه في العام القابل ، وان
لم يكن واجبا لم يجب بترك الاشتراط. قال في المنتهى : والوجه في هذه الرواية
الثانية ـ وأشار بها الى رواية ضريس ـ حمل إلزام الحج في العام القابل مع ترك
الاشتراط على شدة الاستحباب. انتهى.
ثم ان العلامة في المنتهى بعد ان اختار حمل رواية داود
بن فرقد على الحج المندوب ـ كما هو أحد احتمالي الشيخ ـ اعترض على نفسه ، فقال :
لا يقال : لو كان كذلك لما قال في أول الخبر : «وعليهم الحج من قابل ان انصرفوا
الى بلادهم» فإنه إذا كان الحج تطوعا لا يجب عليه الرجوع من
__________________
(1) برقم 4 ص 463.
(2) برقم 1 ص 464.
قابل ، سواء انصرف الى بلده أو أقام.
لأنا نقول : انما أوجب عليهم الرجوع من قابل مع الانصراف لأنهم حينئذ يكونون قد
تركوا الطواف والسعي والتقصير ، وهو العمرة التي أوجبنا تحللهم بها ، فوجب عليهم
الرجوع من قابل للإتيان بالطواف والسعي ، ولا يجب الرجوع لأداء الحج ثانيا. انتهى.
ولا يخفى عليك ما فيه ، فان الخبر صريح في انه يجب الحج من قابل لا العمرة كما
يدعيه.
وبالجملة فالظاهر عندي هو بعد هذه المحامل ، لما فيها من
مزيد التكلفات والبعد عن ظاهر تلك الروايات.
والأقرب عندي حمل وجوب الهدي الذي دلت عليه رواية داود
بن فرقد ـ ومثلها صحيحة ضريس الأخرى ـ على التقية ، وكذا وجوب اعادة الحج من قابل
إذا كان مندوبا على التقية.
فاما التقية الاولى فيدل عليها ما ذكره في المنتهى ، حيث
قال : وهل يجب على فائت الحج الهدي أم لا؟ فيه قولان : أحدهما : انه لا يجب قاله
الشيخ (رحمهالله) وهو قول
أصحاب الرأي ، وثانيهما : يجب عليه الهدي ، وبه قال الشافعي وأكثر الفقهاء (1) ونقله الشيخ
عن بعض أصحابنا واما التقية الثانية فيدل عليها ما ذكره في الكتاب المذكور ايضا ،
حيث قال : إذا كان الفائت واجبا كحجة الإسلام أو منذورة أو غير ذلك من أنواع
الواجبات ، ويجب القضاء ، ولا تجزئه العمرة التي فعلها للتحلل ، وان لم يكن الحج
واجبا ، لم يجب عليه القضاء ، وبه قال عطاء واحمد في إحدى الروايتين ومالك في أحد
القولين ، وقال الشافعي يجب القضاء وان
__________________
(1) المغني ج 3 ص 528 و 529 طبع عام 1368.
كان الحج تطوعا ، وبه قال ابن عباس
وابن الزبير ومروان وأصحاب الرأي (1) ثم نقل احتجاجهم بقول النبي (صلىاللهعليهوآله) (2) : «من فاته
الحج فليتحلل بعمرة ، وعليه الحج من قابل». ولأن الحج يلزم بالشروع فيه فيكون حكمه
حكم الواجب.
وعلى ما ذكرناه تكون رواية داود الرقي (3) محمولة على
الحج المندوب ، وانه يجب ان يتحلل منه بالهدي ، ثم بعد إحلاله فان اتى بالعمرة فلا
حج عليه من قابل ، وان لم يأت بها وجب عليه القضاء. وكل من وجوب الهدى ووجوب
القضاء انما خرج مخرج التقية.
قال في المدارك : وهل يجب الهدي على فائت الحج؟ قيل لا
وهو المشهور بين الأصحاب ، تمسكا بمقتضى الأصل السالم. وحكى الشيخ عن بعض أصحابنا
قولا بالوجوب ، لورود الأمر به في رواية داود الرقي (4) وهي ضعيفة
السند ، فلا يمكن التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل. انتهى.
وفيه ان صحيحة ضريس (5) المنقولة من كتاب من لا يحضره الفقيه
قد اشتملت على ذكر الهدي ايضا ، وبه يظهر ان مجرد طعنه في رواية داود لا يقطع مادة
الإشكال ، بناء على هذا الاصطلاح الواضح الاختلال ،
__________________
(1) المغني ج 3 ص 528 و 529 طبع عام 1368.
(2) المغني ج 3 ص 528 طبع عام 1368 عن الدارقطني عن ابن عباس
عن رسول الله (ص) واللفظ : «من فاته عرفات فاته الحج فليحل بعمرة وعليه الحج من
قابل».
(3 و 4) المتقدمة برقم 4 ص 463.
(5) المتقدمة برقم 1 ص 464.
وانما الجواب الحق ما قدمناه.
واما ما قدمنا نقله عن الصدوقين فلم نقف فيه على دليل.
والله العالم.
وثالثها : ان أكثر الروايات المتقدمة قد صرحت بأن عليه
الحج من قابل وهو محمول عند الأصحاب (رضوان الله عليهم) على الحج الواجب المستقر
فان المندوب وان وجب بالشروع الا أنه متى لم يكن فواته بتقصير المكلف فإنه لا
يلحقه اثم بتركه ، ولا دليل على وجوب قضائه فيسقط البتة. والواجب الغير المستقر ،
فلو بادر به في عام الوجوب وفاته من غير تفريط فلا قضاء عليه في ظاهر كلام الأصحاب
(رضوان الله عليهم).
ونقل في المدارك عن الشيخ في التهذيب ان من اشترط في حال
الإحرام يسقط عنه القضاء ، ولو لم يشترط وجب ، واحتج بصحيحة ضريس المتقدمة (1) وظاهره حمل
الصحيحة المذكورة على صورة الحج الواجب الغير المستقر.
وفيه ما لا يخفى ، فإنه لا قرينة في الخبر ـ ولا اشعار
فضلا عن التصريح ـ تؤذن بهذا الحمل. وقد عرفت ما في الرواية من الاشكال ومخالفة
الأصول المقررة. ولا اعرف لها وجها تحمل عليه الا التقية التي هي في اختلاف
الأحكام الشرعية أصل كل بلية والا فالارجاع إلى قائلها (عليهالسلام)
ورابعها : انه قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم)
بأن هذه العمرة التي يتحلل بها لا تجزئ عن العمرة الواجبة وهي عمرة الإسلام لأن
سبب هذه فوات الحج فاجزاؤها عن العمرة الواجبة بأصل الإسلام يحتاج الى دليل ، وليس
فليس. وهو جيد.
وخامسها : انه قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه
يستحب
__________________
(1) برقم 1 ص 464.
الإقامة بمنى أيام التشريق ، ثم
الإتيان بالعمرة التي يتحلل بها ، واستدلوا على ذلك بصحيحة معاوية بن عمار
المتقدمة (1) وقد تقدم (2) في المسألة
الرابعة من المطلب الثاني في العمرة المفردة ما يؤذن بقولهم بالوجوب ، كما هو ظاهر
الخبر المذكور.
وسادسها : ان ظاهر الاخبار المذكورة هو وجوب العدول إلى
العمرة والتحلل في أشهر الحج ، ولا سيما صحيحة معاوية بن عمار ورواية داود الرقي (3) المصرحتين
بالإتيان بها بعد أيام التشريق. والأصحاب قد ذكروا هنا انه لو أراد من فاته الحج
البقاء على إحرامه إلى القابل ليحج به فهل يجوز له ذلك أم لا؟ صرح جملة : منهم :
العلامة والشهيد بعدم الجواز ، ولا ريب انه ظاهر الاخبار المذكورة ، لدلالتها على
الأمر بالعدول الذي هو حقيقة في الوجوب فلا يجوز البقاء حينئذ.
وسابعها : ان ظاهر الاخبار المذكورة توقف تحلله على
الإتيان بأفعال العمرة ، فلو رجع الى بلاده ولم يأت بها ، فلا إشكال في بقائه على
إحرامه ولو تعذر عليه العود لخوف الطريق فهو مصدود عن إكمال العمرة ، فله التحلل
بالذبح والتقصير في بلده. ولو عاد قبل التحلل لم يحتج الى تجديد إحرام مستأنف من
الميقات وان طال الزمان ، ثم يأتي بأفعال العمرة الواجبة عليه ، ثم يأتي بعدها بما
أراد من النسك.
الخامسة ـ يستحب التقاط حصى الجمار من المشعر ، وهي سبعون
__________________
(1) برقم 3 ص 463.
(2) ص 324 و 325.
(3) المتقدمتين ص 463.
حصاة ، فإن أخذ زائدا احتياطا فلا
بأس.
ولها شروط واجبة ومستحبة ، فمنها : ان تكون من الحرم ولا
تجزئ من غيره.
ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن
زرارة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «حصى
الجمار ان أخذته من الحرم أجزأك ، وان أخذته من غير الحرم لم يجزئك. قال : وقال :
لا ترمى الجمار الا بالحصى». وهي صريحة الدلالة في المطلوب.
ومرسلة حريز عن من أخبره عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال «سألته من
أين ينبغي أخذ حصى الجمار؟ قال : لا تأخذه من موضعين : من خارج الحرم ، ومن حصى
الجمار ، ولا بأس بأخذه من سائر الحرم».
ومنها : ان الأفضل ان تكون من المزدلفة.
ويدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن
معاوية بن عمار (3) قال : «خذ حصى
الجمار من جمع وان أخذته من رحلك بمنى أجزأك».
وفي الصحيح عن ربعي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) مثله (4).
__________________
(1) الفروع ج 4 ص 477 والتهذيب ج 5 ص 196 والوسائل الباب 19 من
الوقوف بالمشعر والباب 4 من رمي جمرة العقبة.
(2) الفروع ج 4 ص 478 والتهذيب ج 5 ص 196 والوسائل الباب 19 من
الوقوف بالمشعر.
(3) الفروع ج 4 ص 477 والتهذيب ج 5 ص 195 و 196 والوسائل الباب
18 من الوقوف بالمشعر والباب 4 من رمي جمرة العقبة.
(4) الفروع ج 4 ص 477 والتهذيب ج 5 ص 196 والوسائل الباب 18 من
الوقوف بالمشعر.
وعن زرارة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن الحصى التي ترمي بها الجمار. فقال : تؤخذ من جمع ، وتؤخذ بعد ذلك من منى».
وفي كتاب الفقه الرضوي (2) : «وخذ حصيات
الجمار من حيث شئت وقد روي ان أفضل ما يؤخذ حصى الجمار من المزدلفة».
أقول : يجب حمل قوله (عليهالسلام) : «من حيث
شئت» أي من الحرم. وإطلاقه (عليهالسلام) مبني على عدم
خروج الحاج بعد الإفاضة من المشعر إلى منى من الحرم.
ومنها : ان لا تؤخذ من المسجد الحرام ولا من مسجد الخيف.
ويدل عليه ما رواه الكليني في الموثق عن حنان عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) (3) قال : «يجوز
أخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلا من المسجد الحرام ومسجد الخيف».
وألحق جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بهما باقي
المساجد لتساويها في تحريم إخراج الحصى منها. وهو جيد ان ثبت ذلك.
قيل : وربما كان الوجه في تخصيص هذين المسجدين في
الرواية وكلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) انهما الفرد المعروف من المساجد في
الحرم لا لانحصار الحكم فيهما. وهو غير بعيد.
__________________
(1) الفروع ج 4 ص 477 والوسائل الباب 18 من الوقوف بالمشعر.
(2) ص 28.
(3) الفروع ج 4 ص 478 والتهذيب ج 5 ص 196 والوسائل الباب 19 من
الوقوف بالمشعر ،.
قال في الدروس : ويجوز من الحرم بأسره إلا المساجد مطلقا
على الأشبه ، والقدماء لم يذكروا غير المسجد الحرام والخيف.
ومنها : انه يجب ان تكون أبكارا ، أي لم يرم بها قبل
ذلك. وقيده في المدارك : رميا صحيحا. والظاهر من الأبكار : يعني : غير المستعمل
مطلقا. وهو الظاهر من الاخبار ، ومنها : قوله (عليهالسلام) في مرسلة
حريز المتقدمة (1) : «لا تأخذه
من موضعين : من خارج الحرم ومن حصى الجمار.». وفي رواية عبد الأعلى (2) : «ولا من حصى
الجمار». والمراد منه ما رمي به الجمار ، أعم من ان يكون رميا صحيحا أو باطلا ،
فما ذكره من القيد المذكور لا اعرف عليه دليلا واضحا. واستدل على ذلك أيضا
بالتأسي. واطباق الناس على نقل الحصى الدال بظاهره على عدم الاجزاء مطلقا. وفيه
نظر. نعم يصلح ذلك مؤيدا لا دليلا ، لما عرفت غير مرة من عدم دلالة التأسي على
الوجوب. واطباق الناس ليس بدليل شرعي يصلح لتأسيس الأحكام الشرعية.
ومنها : انه يجب ان تكون أحجارا. وخصصه بعضهم بما يسمى
حصاة. ولا ريب انه ظاهر الاخبار الواردة في المسألة ، كما تقدم شطر منها ، فإنها
إنما تضمنت الحصى لا مطلق الحجر ، ولا سيما صحيحة زرارة
__________________
(1) برقم 2 ص 472.
(2) الفروع ج 4 ص 483 والتهذيب ج 5 ص 266 والوسائل الباب 5 من
رمى جمرة العقبة والباب 7 من العود إلى منى. واللفظ : «ولا يأخذ من حصى الجمار».
أو حسنته (1) لقوله (عليهالسلام) في آخرها : «لا
ترمى الجمار إلا بالحصى». فإنها ظاهرة في الحصر في الحصى. وحينئذ فلا يجزئ الرمي
بالحجر الكبير الذي لا يسمى حصاة ، ولا الصغير جدا بحيث لا يسمى حصاة
قال في الدروس : وجوز في الخلاف الرمي بالبرام والجوهر.
وفيه بعد ان كان من الحرم وأبعد ان كان من غيره. انتهى. وهو جيد.
وقال في المدارك : ولو رمى بحصاة مستها النار أجزأ ما لم
تستحل. ولو رمى بخاتم فضه من حصى الحرم قيل : أجزأ ، لصدق الرمي بالحصاة ، وقيل :
لا. وهو الأظهر ، لعدم انصراف الإطلاق اليه. وفي اعتبار طهارة الحصى قولان أظهرهما
العدم ، تمسكا بالإطلاق. انتهى.
أقول : لم أقف في شيء من الاخبار التي وقفت عليها على
ما يدل على اشتراط الطهارة إلا في كتاب الفقه الرضوي (2) من قوله (عليهالسلام): «واغسلها
غسلا نظيفا». والظاهر حمله على الاستحباب والمبالغة في الطهارة. وبذلك صرح في
الدروس فعد من جملة المستحبات ان تكون طاهرة مغسولة ولا ريب ان الأحوط الطهارة ،
والأفضل الغسل ايضا.
ومنها : انه يستحب ان تكون برشا كحلية ملتقطة منقطة رخوة
بقدر الأنملة.
ويدل على ذلك من الاخبار رواية هشام بن الحكم عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) (3) : «في حصى
الجمار؟ قال : كره الصم منها. وقال :
__________________
(1) المتقدمة برقم (1) ص 472.
(2) ص 28.
(3) الفروع ج 4 ص 477 والتهذيب ج 5 ص 197 والوسائل الباب 20 من
الوقوف بالمشعر.
خذ البرش». والصم جمع الأصم وهو الصلب
المصمت من الحجر ، لان المستحب الرخو كما يأتي في الرواية الآتية. والبرش جمع
الأبرش وهو ما فيه نكت صغار تخالف سائر لونه. والمراد كونها مختلفة الألوان ، لأن
البرشة بالضم في شعر الفرس : نكت تخالف سائر لونه ، على ما ذكره الجوهري وغيره.
وعن احمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن (عليهالسلام) (1) قال : «حصى
الجمار تكون مثل الأنملة ، ولا تأخذها سوداء ولا بيضاء ولا حمراء ، خذها كحلية
منقطة ، تخذفهن خذفا وتضعها على الإبهام وتدفعها بظفر السبابة. الحديث».
وفي كتاب الفقه الرضوي (2) : «وتكون
منقطة كحلية مثل رأس الأنملة ، واغسلها غسلا نظيفا. ولا تأخذ من الذي رمى مرة.
الحديث».
ومن ذلك يعلم ان البرش في الخبر الأول هي المنقطة في
الخبرين الأخيرين فيجب حمل جميعها في كلام الأصحاب على التأكيد.
وقد ذكر الأصحاب انه يكره ان تكون صلبة ومكسرة. وكراهة
الصلبة ظاهرة من ما تقدم في رواية هشام بن الحكم ، لان الصم هو الصلب كما قدمنا
ذكره. واما المكسرة وهي المشار إليها بقولهم «الملتقطة» بمعنى انه يستحب ان تكون
كل من حصيات الرمي ملتقطة من الأرض لا انه يكسر واحدة ويجعلها اثنتين. وقد استدل
على ذلك بقوله (عليهالسلام)
__________________
(1) الفروع ج 4 ص 478 والتهذيب ج 5 ص 197 والوسائل الباب 20 من
الوقوف بالمشعر والباب 7 و 10 من رمى جمرة العقبة.
(2) ص 28.
في رواية أبي بصير (1) : «التقط
الحصى ولا تكسرن منهن شيئا».
هذا آخر الجزء السادس عشر من كتاب الحدائق الناضرة ويليه
الجزء السابع عشر ـ ان شاء الله ـ في باقي أحكام الحج والنوادر والزيارات. والحمد
لله أولا وآخرا.
__________________
(1) الفروع ج 4 ص 477 والتهذيب ج 5 ص 197 والوسائل الباب 20 من الوقوف بالمشعر.