ج8 - أحكام التسليم

الفصل العاشر

في التسليم

وقد وقع الخلاف فيه في مواضع : (الأول) في وجوبه واستحبابه ، و (الثاني) في دخوله في الصلاة وخروجه ، و (الثالث) في كيفيته وانه عبارة عما ذا؟ وحينئذ فتحرير الكلام في المقام وتنقيحه بما يدفع عنه تطرق النقض والإبرام يتوقف على بسطه في مواضع ثلاثة :

(الأول) ـ في الوجوب والاستحباب وشرح الخلاف فيه ، فذهب المرتضى في المسائل الناصرية والمحمدية وأبو الصلاح وسلار وابن أبي عقيل والقطب الراوندي وصاحب الفاخر وابن زهرة إلى الوجوب واختاره المحقق وصاحب البشرى والعلامة في المنتهى والشهيد وهو المختار ، وذهب الشيخان وابن البراج وابن إدريس إلى الاستحباب واليه ذهب جمهور المتأخرين.

ويدل على الوجوب وقوع الأمر به الذي هو حقيقة في الوجوب في الأخبار المستفيضة : منها ـ ما تقدم (1) في صحيحة ابن أذينة أو حسنته من حديث المعراج وقول الله تعالى لنبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله): «سلم عليهم فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته». وأوامره عزوجل للوجوب بلا خلاف إلا ما خرج بالدليل. ومنها ـ ما تقدم (2) في موثقة أبي بصير المشتملة على التشهد الطويل من قوله في آخرها : «ثم تسلم» وكذا في عبارة الفقه (3) من قوله «ثم سلم عن يمينك» إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق المقام عن نقلها.

قال الفاضل الخراساني في الذخيرة في نقل أدلة القائلين بالوجوب : السابع ـ تعلق الأمر وما في معناه به في اخبار كثيرة والأمر للوجوب فيكون التسليم واجبا ، فمن ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع. الحديث». وفي الصحيح عن ابن أبي يعفور (5) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يصلى الركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما حتى يركع؟ فقال يتم صلاته ثم يسلم ويسجد سجدتي السهو وهو جالس قبل ان يتكلم». الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة كصحيحة الحلبي (6) وصحيحة عبد الحميد بن عواض (7) ومرسلة ابن أبي يعفور ومرسلة ابن أبي عمير (8) وحسنة زرارة الطويلة الواردة في حكم الفوائت (9) وحسنة الحلبي الواردة في صلاة الخوف (10) وحسنة أخرى لزرارة (11) وموثقة أبي بصير (12)

__________________

(1) ص 456.

(2) ص 450 و 451.

(3) ص 451 و 452.

(4) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة.

(5) الوسائل الباب 7 من التشهد.

(6 و 12) الوسائل الباب 10 من الخلل في الصلاة.

(7) الوسائل الباب 2 من التسليم.

(8) الوسائل الباب 13 من الخلل في الصلاة.

(9) الوسائل الباب 63 من مواقيت الصلاة.

(10) الوسائل الباب 2 من صلاة الخوف.

(11) الوسائل الباب 9 من الخلل في الصلاة.


وموثقة عمار (1) ورواية أبي بكر الحضرمي (2) ورواية الحسين بن أبي العلاء (3) ورواية عبد الله بن أبي يعفور (4) وعبد الرحمن بن سيابة (5) وغيرها من الأخبار التي لا مزيد فائدة في نقلها. والجواب ان دلالة الأوامر في أخبارنا على الوجوب من غير قرينة تلتحق بها غير واضح ، وعلى كل تقدير فلا معدل عن حمل الأوامر في تلك الأخبار على الاستحباب جمعا بين الأدلة. انتهى.

وفيه ما عرفت في غير موضع من ان هذا الأمر الذي تفرد به من بين كافة العلماء قديما وحديثا باطل موجب لخروج قائله عن الدين من حيث لا يشعر كما تقدم التنبيه عليه في غير مقام مما تقدم ، والواجب حمل هذه الأوامر على الوجوب كما عليه محققو الأصوليين ودلت عليه الآيات والروايات المتقدمة في مقدمات الكتاب إلى ان يظهر خلافه. وما يدعى من أدلة الاستحباب سيأتيك الكلام عليها في الباب.

ولنكتف هنا في تحقيق ما اخترناه بنقل كلام صاحب المدارك وبيان ما فيه حيث انه ممن اختار القول بالاستحباب وبالغ في الاستدلال عليه ونقض ما خالفه ، وبإبطاله يظهر صحة ما اخترناه زيادة على ما استندنا اليه من الأوامر المشار إليها فنقول :

قال (قدس‌سره) بعد ذكر الاستحباب ونقله عن جملة من الأصحاب ما لفظه : وهو المعتمد ، لنا ـ ان الوجوب زيادة تكليف والأصل عدمه ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (6) انه قال : «إذا استويت جالسا فقل : اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله. ثم تنصرف». وفي الصحيح عن الفضيل وزرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر

__________________

(1) الوسائل الباب 2 من الخلل في الصلاة.

(2) الوسائل الباب 2 من التسليم.

(3) الوسائل الباب 10 من الخلل في الصلاة.

(4) الوسائل الباب 11 من الخلل في الصلاة.

(5) الوسائل الباب 7 من الخلل في الصلاة.

(6) الوسائل الباب 4 من التشهد.


(عليه‌السلام) (1) قال : «إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته فان كان مستعجلا في أمر يخاف ان يفوته فسلم وانصرف أجزأه». والمراد بالإجزاء الاجزاء في حصول الفضيلة والكمال كما يقتضيه أول الخبر. وفي الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (2) «وقد سأله عن المأموم يطول الامام فتعرض له الحاجة قال يتشهد وينصرف ويدع الامام». وفي الموثق عن يونس بن يعقوب (3) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) صليت بقوم صلاة فقعدت للتشهد ثم قمت ونسيت ان أسلم عليهم فقالوا ما سلمت علينا؟ فقال ألم تسلم وأنت جالس ، قلت بلى ، قال لا بأس عليك ولو نسيت حتى قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك فقلت السلام عليكم». ويمكن ان يستدل عليه أيضا بصحيحة معاوية بن عمار (4) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم فصل ركعتين واجعله امامك واقرأ في الأولى منهما «قل هو الله أحد» وفي الثانية «قل يا ايها الكافرون» ثم تشهد واحمد الله تعالى وأثن عليه وصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) واسأله ان يتقبل منك.». فان ظاهره عدم وجوب التسليم في ركعتي الطواف ولا قائل بالفصل. ويدل عليه أيضا انه لو وجب التسليم لبطلت الصلاة بتخلل المنافي بينه وبين التشهد واللازم باطل فالملزوم مثله ، اما الملازمة فإجماعية واما بطلان اللازم فلما رواه زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (5) «انه سأله عن الرجل يصلي ثم يجلس فيحدث قبل ان يسلم؟ قال تمت صلاته». وما رواه الحلبي في الحسن عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (6) قال : «إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا وان كنت قد تشهدت فلا تعد».

__________________

(1) الوسائل الباب 4 من التشهد.

(2) الوسائل الباب 64 من صلاة الجماعة.

(3 و 5 و 6) الوسائل الباب 2 من التسليم.

(4) الوسائل الباب 71 من الطواف.


وما رواه غالب بن عثمان في الموثق عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الرجل يصلي المكتوبة فتنقضي صلاته ويتشهد ثم ينام قبل ان يسلم؟ قال تمت صلاته وان كان رعافا غسله ثم رجع فسلم». انتهى.

وتوجه النظر اليه من وجوه : (الأول) ان ما ذكره من الاستدلال بالأصل فصحيح إلا انه يجب الخروج عنه بالدليل وهو هنا الأوامر الواردة بالتسليم التي هي حقيقة في الوجوب باعترافه ، وهي في الأخبار أكثر من ان يأتي عليها قلم الإحصاء ، وقد عرفت منها ما تقدم وستعرف ان شاء الله.

(الثاني) ـ استدلاله بالصحيحتين المذكورتين ، فان فيه (أولا) انهم لا يقفون على ظاهرهما ولا يفتون بهما لدلالتهما على عدم وجوب الصلاة على النبي وآله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في التشهد مع إجماعهم على ذلك ، وحينئذ فكيف يستندون إليهما هنا والحال في المقامين واحد؟

و (ثانيا) ـ ان غاية ما يدلان عليه تمام الصلاة بعد التشهد وهو غير مناف لمذهبنا في المسألة ، فانا نختار فيها كون التسليم واجبا خارجا فلا يرد علينا الاستدلال بهما كما لا يخفى ، على ان الثانية منهما وهي صحيحة الفضلاء الثلاثة ظاهرة في وجوب التسليم وان كان قد تمت صلاته بالتشهد وهو عين ما نختاره من كونه واجبا خارجا كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله ، وحاصل معنى الخبر انه بالفراغ من التشهد فقد تمت صلاته ، فان كان مستعجلا في أمر يخاف فوته سلم وانصرف من غير ان يأتي ببقية الأذكار المستحبة التي مرت في موثقة أبي بصير وعبارة الفقه الرضوي ، وان كان غير مستعجل اتى بتلك الأذكار الموظفة مستجمعا لمستحباتها على الوجه الأكمل ، وبذلك يظهر لك ما في قوله : «والمراد بالإجزاء الاجزاء في حصول الفضيلة والكمال» من التكلف الذي لا ضرورة تلجئ إليه في هذا المجال.

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من التسليم.


(الثالث) ـ ان ما ذكره من صحيحة علي بن جعفر فإنه لم ينقلها على وجهها وكأنه نقلها بالمعنى وحرف لفظ التسليم إلى التشهد ، وصورة الرواية هكذا : علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الرجل يكون خلف امام فيطول في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شي‌ء ان يفوت أو يعرض له وجع كيف يصنع؟ قال يسلم وينصرف ويدع الامام». والعجب انه قد نقلها بهذه الصورة التي ذكرناها في بحث صلاة الجماعة في مسألة جواز الانفراد للمأموم مع العذر ، وبذلك يظهر ان هذه الرواية مثل صحيحة الفضلاء الثلاثة المتقدمة في انها دالة على خلاف ما يدعيه فهي عليه لا له كما لا يخفى.

أقول : ومثل هذه الرواية أيضا صحيحة زرارة عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن رجل يكون خلف الامام فيطيل الامام التشهد؟ قال يسلم ويمضي لحاجته ان أحب».

(الرابع) ـ استدلاله بموثقة يونس بن يعقوب ومثلها موثقة غالب بن عثمان فإنه لا يخلو من غرابة ، إذ لا يخفى ان قاعدته في هذا الكتاب رد الأخبار الموثقة والحكم بضعفها وانها متى وردت من طرف الخصم طعن فيها بالضعف وردها فكيف جاز منه الاستدلال بها هنا؟ ما هذه إلا مجازفة ظاهرة ، على ان معنى هذه الرواية أعني موثقة يونس ليس ما توهمه بل هي بالدلالة على نقيض ما يدعيه أشبه ، وذلك ان الغرض من السؤال انما هو ان المصلي بعد ان صلى بالقوم وأتم صلاته وسلم لم يلتفت إلى القوم بوجهه ويسلم عليهم كما هو السنة يومئذ ولا سيما في مقام التقية من التفات الإمام إلى

__________________

(1) الوسائل الباب 64 من الجماعة. ولا يخفى ان التهذيب والفقيه اختلفا في نقل الرواية ففي التهذيب ج 1 ص 253 «يتشهد وينصرف» وفي الوسائل عنه كذلك ، وفي الفقيه ج 1 ص 261 «يسلم وينصرف» كما ذكره «قدس‌سره».

(2) الوسائل الباب 64 من الجماعة.


المأمومين بوجهه (1) وقوله «السلام عليكم» وان سلم لنفسه ، ولهذا قال له الامام «ألم تسلم وأنت جالس؟ قال بلى فقال لا بأس عليك» لإتيانه بالواجب والذي أخل به أمر مستحب وهو الالتفات إليهم بوجهه ، ثم قال له «ولو نسيت السلام عليهم حتى قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك ـ في مقامك ذلك ـ وقلت السلام عليكم» وحينئذ فالرواية كسابقتها عليه لا له

(الخامس) ـ استدلاله بصحيحة معاوية بن عمار فإنها (أولا) أخص من المدعى والاستناد في التعميم إلى عدم القائل بالفصل ليس بذلك الفصل. و (ثانيا) إمكان التجوز بل شيوعه بحمل التشهد على ما يشمل التسليم كما انه يطلق على مجموع تلك الأذكار الطويلة اسم التشهد. وقوله في الرواية «واحمد الله. إلخ» المراد به بعد صلاة الركعتين كما لا يخفى.

(السادس) ـ الاستدلال ببطلان الصلاة بتخلل المنافي لو كان واجبا ففيه :

(أولا) ان ما ادعاه من ان الملازمة إجماعية فهو في حيز المنع لأن جملة من الأصحاب القائلين بالوجوب قد ذهبوا إلى كونه واجبا خارجا كما يأتي ذكره ان شاء الله تعالى ، ومنهم ـ شيخنا الشهيد في قواعده حيث قال على ما نقله عنه بعض مشايخنا المحققين وسيأتي نقل كلامه ان شاء الله. وبه يظهر ان دعوى الإجماع مجازفة ولو كان ثمة إجماع لما خفي على شيخنا المشار اليه مع تبحره وسعة باعه ووفور اطلاعه.

و (ثانيا) ـ ان ما ذكره من الأخبار انما يرد على من قال بكونه واجبا داخلا ونحن قلنا بكونه واجبا لكنا نقول بكونه خارجا. بقي

__________________

(1) في فتح الباري ج 2 ص 227 باب «يستقبل الامام الناس إذا سلم» ما ملخصه «سياق حديث سمرة بن جندب ظاهره مواظبته «ص» على استقباله المأمومين بعد السلام ، والحكمة فيه تعريف الداخل ان الصلاة قد انقضت إذ لو استمر الامام على حاله لأوهم انه في التشهد وقال الزين بن المنير استقباله المأمومين يرفع الخيلاء» وفي البحر الرائق ج 1 ص 335 «جلوس الامام مستقبل القبلة بدعة فان شاء انحرف يمينا وشمالا وان شاء استقبلهم بوجهه».


أنها مطلقة بالنسبة إلى التسليم إذ لا تعرض له فيها بنفي ولا إثبات وقضية ورود جملة من الأخبار الدالة على الوجوب ـ كما عرفت وستعرف ان شاء الله تعالى ـ حمل إطلاق هذه الأخبار على تلك فيجب الحكم بصحة الصلاة وان وجب عليه الإتيان بالتسليم.

ثم قال في المدارك أيضا في رد ما احتج به القائلون بالوجوب : الثالث ـ ما رواه الشيخ والمرتضى وابن بابويه مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (1) انه قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم». وقد رواه الكليني مسندا عن علي بن محمد بن عبد الله عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمد الأشعري عن القداح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). الحديث». وجه الاستدلال ان التسليم وقع خبرا عن التحليل فيجب كونه مساويا للمبتدإ أو أعم منه فلو وقع التحليل بغيره لكان المبتدأ أعم. وأيضا فإن الظاهر ارادة حصر التحليل فيه لأنه مصدر مضاف إلى الصلاة فيتناول كل تحليل يضاف إليها. ولأن الخبر إذا كان مفردا كان هو المبتدأ بمعنى ان الذي صدق عليه انه تحليل للصلاة يصدق عليه التسليم. كذا قرره في المعتبر ، وجوابه (أولا) بضعف هذا الحديث ، وما قيل ـ من ان هؤلاء الثلاثة هم العمدة في ضبط الأحاديث ولولا علمهم بصحته لما أرسلوه ـ فظاهر الفساد. و (ثانيا) ان ما قرر في إفادة الحصر غير تام لأن مبناه على دعوى كون الإضافة للعموم وهو ممنوع فإن الإضافة كما تكون للاستغراق تكون للجنس وللعهد الذهني والخارجي كما قرر في محله. الرابع ـ ما رواه الشيخ عن ابي بصير (3) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول في رجل صلى الصبح فلما

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من التسليم عن أمير المؤمنين «ع» ولم يسنده إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهو هكذا «افتتاح الصلاة.».

(2) الوسائل الباب 1 من التسليم وفيه «افتتاح الصلاة» أيضا.

(3) الوسائل الباب 1 من التسليم.


جلس في الركعتين قبل ان يتشهد رعف؟ قال فليخرج فليغسل انفه ثم ليرجع فليتم صلاته فان آخر الصلاة التسليم». والجواب (أولا) بالطعن في السند باشتراك أبي بصير بين الثقة وغيره ، وبأنه من جملة رجالها عثمان بن عيسى وسماعة وهما واقفيان. و (ثانيا) منع الدلالة فإن كون التسليم آخر الصلاة لا يقتضي وجوبه فإن الأفعال تشمل الواجب والمندوب. و (ثالثا) بأنه متروك الظاهر إذ لا نعلم بمضمونه قائلا من الأصحاب. انتهى المقصود من كلامه زيد في مقامه.

وفيه نظر من وجوه : (الأول) ما أجاب به عن حديث «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» من ضعف السند فان فيه (أولا) ما قدمنا بيانه في غير موضع من ان الطعن بذلك لا يقوم حجة على المتقدمين الذين لا اثر لهذا الاصطلاح الذي هو أقرب إلى الفساد من الصلاح عندهم ولا على غيرهم ممن يرى بطلانه.

و (ثانيا) استفاضة الأخبار بذلك وان ضعف سندها فان تكررها في الأصول المعتمدة برواية أجلاء مشايخ العصابة لا يقصر عن خبر صحيح باصطلاحهم كما لا يخفى على المصنف :

ففي حديث الفضل بن شاذان المروي في العلل وعيون الأخبار (1) «انما جعل التسليم تحليل الصلاة ولم يجعل بدله تكبيرا أو تسبيحا أو ضربا آخر قيل لانه لما كان في الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين والتوجه إلى الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين والانتقال عنها وابتداء المخلوقين بالكلام انما هو بالتسليم». وفي نسخة اخرى «وانما بدأ المخلوقين في الكلام أولا بالتسليم» فانظر إلى صراحة هذا الخبر في حصر التحليل في التسليم دون غيره من تكبير أو تسبيح أو ضرب آخر.

وفي كتاب المناقب لابن شهرآشوب عن أبي حازم (2) قال : «سئل علي بن الحسين (عليه‌السلام) ما افتتاح الصلاة؟ قال التكبير. قال ما تحليلها؟ قال التسليم».

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من التسليم.

(2) مستدرك الوسائل الباب 1 من التسليم.


وفي عيون الأخبار في ما كتبه الرضا (عليه‌السلام) للمأمون (1) قال : «تحليل الصلاة التسليم».

وفي العلل بسنده عن المفضل بن عمر (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن العلة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة؟ قال لانه تحليل الصلاة. إلى ان قال : فلم صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال لأنه تحية الملكين».

وما رواه الصدوق في الهداية (3) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم».

وروى الشيخ مرسلا (4) قال : «قال رجل لأمير المؤمنين (عليه‌السلام) ما معنى قول الامام : السلام عليكم؟ فقال ان الامام يترجم عن الله تعالى ويقول في ترجمته لأهل الجماعة أمان لكم من عذاب الله يوم القيامة».

وما رواه الصدوق في كتاب معاني الأخبار عن عبد الله بن الفضل الهاشمي بسند معتبر (5) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن معنى التسليم في الصلاة؟ فقال التسليم علامة الأمن وتحليل الصلاة. قلت وكيف ذلك جعلت فداك؟ فقال الناس في ما مضى إذا سلم عليهم وارد أمنوا شره وكانوا إذا ردوا عليه أمن شرهم وإذا لم يسلم عليهم لم يأمنوه وإذا لم يردوا على المسلم لم يأمنهم وذلك خلق في العرب ، فجعل التسليم علامة للخروج من الصلاة وتحليلا للكلام وأمنا من ان يدخل في الصلاة ما يفسدها والسلام اسم من أسماء الله تعالى وهو واقع من المصلي على الملكين الموكلين».

وهذه الأخبار ـ كما ترى ـ ظاهرة في ان التسليم الذي يحصل به الاذن والتحليل انما هو صيغة «السلام عليكم» دون «السلام علينا» على ان من جملة من نقل الحديث

__________________

(1 و 2 و 5) الوسائل الباب 1 من التسليم.

(3) مستدرك الوسائل الباب 1 من التسليم.

(4) الوسائل الباب 1 من التسليم عن الصدوق ولم ينقله عن الشيخ.


المذكور الصدوق في الفقيه وهو قد استدل باخبار الفقيه وان ضعفت في مواضع من شرحه اعتمادا على ما ضمنه في صدر كتابه : منها ـ في جلد الميتة يوضع فيه السمن واللبن ، وقد تقدم في كتاب الطهارة (1).

(الثاني) ـ ما طعن به على دلالة الخبر المذكور من عدم افادته الاستغراق فإنه لا يخفى ان المتسارع إلى الفهم الصائب من هذه الأخبار التي تلوناها والمنساق إلى الذوق الثاقب منها انما هو بيان الحد الموجب لتحريم ما كان محللا قبل الدخول في الصلاة وتحليل ما كان محرما بعد الدخول ، فبين (عليه‌السلام) ان الحد الأول الذي يحرم به ما كان محللا هو التكبير للإحرام والحد الثاني الذي يحل به ما كان محرما في الصلاة هو التسليم. ولا ريب ان هذا المعنى انما يتجه بناء على إفادة الإضافة العموم والاستغراق والمفهوم من كلام علماء الفن في أمثال هذا المقام وان كان هو استعمال الإضافة في كلا المعنيين كما ذكره إلا ان قرينة السياق واخبار التعليل بوجوب التسليم والإتيان به في الصلاة ولا سيما الخبر الأول انما تنطبق على الحمل على العموم والاستغراق في هذه الإضافة فيجب الحمل عليه البتة كما لا يخفى ، فان المنصف تكفيه الإشارة والمتعسف لا ينتفع ولو بألف عبارة.

(الثالث) ـ ما طعن به في موثقة أبي بصير (أما أولا) فما طعن به من ضعف السند فقد عرفت انه غير مسموع ولا معتمد ، على انه متى كانت الأخبار الموثقة ضعيفة باصطلاحه كما طعن به في هذا الموضع وغيره فكيف يستدل بالموثقتين المتقدمتين كما أشرنا إليه آنفا؟ ولكن هكذا طريقته في غير مقام متى احتاج إلى الاستدلال بالموثقات استدل بها وزيفها بوجوه تخريجية ومتى استدل بها الخصم طعن فيها بضعف السند ، وهذه من جملة المناقضات التي جرت له في هذا الشرح.

و (اما ثانيا) فان ما ذكره من منع الدلالة ضعيف ، فان المتسارع إلى الفهم السليم

__________________

(1) ج 5 ص 55.


والذوق القويم من هذه العبارة هو الأمر بالرجوع وإتمام الصلاة يعني بالتشهد والتسليم عملا بمقتضى التعليل ، فان معنى «فليتم صلاته» يعني يأتي بها إلى آخرها. ثم ذكر ان آخرها التسليم ، وحينئذ فالأمر بالإتمام متوجه إلى الصلاة التي آخرها التسليم ، نظير ذلك قولك اكتب هذا الكتاب من أوله إلى آخره فان آخره كذا. فإنه لا ريب ان ذلك الآخر داخل في المأمور بكتابته ، وبذلك يتضح ان التسليم في الخبر المأمور به والأمر للوجوب كما قرر في محله. هذا وجه الاستدلال بالخبر لأن محل الاستدلال ـ كما توهمه ـ مجرد قوله في الخبر «فان آخر الصلاة التسليم» حتى يتوجه ما ذكره.

(الرابع) ـ ما ذكره بقوله : «انها متروكة الظاهر» فاني لا اعرف له وجها كما لا يخفى على الناظر الماهر ، فإنه ان أراد من حيث اشتمال الخبر على الخروج وغسل انفه ثم الرجوع في صلاته ففيه انه قد ورد الحكم بذلك في عدة من الأخبار وبه قال الأصحاب من غير خلاف يعرف ، بمعنى ان المصلي يقطع الصلاة ويزيل النجاسة ثم يرجع في صلاته ويبنى على ما مضى ما لم يستلزم ذلك مبطلا من خارج ، فالمراد بالخروج في الخبر هو الخروج من الصلاة وقطعها لأجل إزالة النجاسة ، وستأتي الأخبار بذلك في محلها ان شاء الله تعالى.

(الموضع الثاني) ـ في بيان كونه واجبا خارجا ، اما وجوبه فلما عرفت في الموضع المتقدم ، واما خروجه فهو قول جمع من الأصحاب : منهم ـ شيخنا الشهيد في قواعده فان الظاهر منه ذلك حيث قال : ان صحيحة زرارة في المحدث قبل التسليم (1) «قد تمت صلاته». وصحيحته الأخرى في من صلى خمسا (2) «ان كان جلس في الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته». لا يدل شي‌ء منهما على عدم وجوب التسليم وانما يدلان على عدم جزئيته. انتهى.

واعترضه تلميذه الفاضل المقداد في شرح النافع بلزوم خرق الإجماع المركب ،

__________________

(1) ص 474.

(2) الوسائل الباب 19 من الخلل في الصلاة.


قال : لأن القائل قائلان انه اما واجب فهو جزء من الصلاة ـ ولهذا حصروا الواجبات في ثمانية ـ أو غير واجب فيكون واحدا من مندوباتها ، فالقول بكونه واجبا غير جزء خرق للإجماع وحينئذ لا يتم حمله المذكور للرواية. انتهى. وفيه ما قدمنا تحقيقه في غير مقام ولا سيما في مقدمات الكتاب من ان هذا الإجماع المتناقل في كلامهم والدائر على السن أقلامهم لا يعول عليه وليس بدليل شرعي يرجع اليه ، على انه لو كان ثمة إجماع لما خفي على شيخنا المذكور مع سعة باعه ووفور اطلاعه. والعجب من جمود صاحب المدارك ـ كما قدمنا عنه ـ على ذلك مع ضيق ساحته في الإجماع وكثرة الجدال منه فيه والنزاع.

وممن يظهر منه الميل إلى هذا القول أيضا الجعفي صاحب الفاخر على ما نقله عنه في الذكرى من حكمه بعدم بطلان الصلاة بتخلل الحدث مع قوله بوجوب التسليم وبه صرح الفاضل أبو الفضائل أحمد بن طاوس الحسنى صاحب كتاب البشرى حيث نقل عنه ان التسليم واجب وان حصل الخروج من الصلاة قبله بقوله «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» واليه ذهب المحدث الكاشاني في المفاتيح والحر العاملي ، وهو المختار الذي تجتمع عليه الأخبار كما عرفت في ما تقدم ، وهو ظاهر صحيحة الفضلاء الثلاثة المتقدمة (1) بالتقريب الذي ذكرناه ثمة.

ويدل عليه أيضا قوله في صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) في من نسي التشهد الأول حيث قال : «يتم صلاته ثم يسلم».

وصحيحة سليمان بن خالد في ذلك أيضا (3) حيث قال (عليه‌السلام): «وان لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة حتى إذا فرغ فليسلم».

فان العطف في الأول على إتمام الصلاة وقوله في الثاني «حتى إذا فرغ فليسلم» أوضح دليل على ذلك ، والخبران ـ كما ترى ـ دالان على الوجوب من حيث الأمر فيهما بالتسليم.

__________________

(1) ص 473 و 474.

(2 و 3) الوسائل الباب 7 من التشهد.


وبالجملة فإن الأخبار لما دلت على الوجوب من حيث تكرار الأمر بذلك فيها مضافا إلى ما حققناه في الموضع الأول ودلت اخبار تخلل الحدث ونحوه قبل التسليم على صحة الصلاة فلا وجه للجمع بين الجميع إلا بهذا القول وتخرج الصحيحتان المذكورتان ونحوهما شاهدا على ذلك.

ويدل على ذلك أيضا الأخبار الآتية في الموضع الآتي ان شاء الله الدالة على انه بقوله : «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» فقد تمت صلاته وانقطعت وان التسليم انما هو بعد ذلك.

نعم ربما ينقدح هنا اشكال وهو ان يقال مقتضى اخبار «تحليلها التسليم» ـ كما تقدم تحقيقه ـ هو ان التحليل لا يحصل إلا به فهي ظاهرة في دخوله وجزئيته ومقتضى ما اخترتم هو حصول التحليل بغيره وان وجب الإتيان به. وبهذا الوجه اعترض الفاضل المقداد على شيخنا الشهيد أيضا في ما تقدم نقله عنه مما يدل على كونه واجبا خارجا.

والجواب عنه ان الذي يقتضيه الجمع بين الأدلة في هذا المقام ان التسليم وان كان واجبا خارجا إلا انه لا دليل على جواز تعمد الفعل المنافي قبله ، وهذا معنى كونه تحليلا بمعنى ان ما حرم في الصلاة لا يحل للمكلف الإتيان به إلا بعد التسليم ، ولا ينافي ذلك ما لو سبقه الحدث أو غلبه النوم مثلا فإنه لا دليل على بطلان صلاته بذلك بل الأدلة دالة كما عرفت على الصحة. ولم أقف على من نبه على هذا الاشكال من القائلين بهذا القول ، والجواب عنه هو ما ذكرنا.

قال الفاضل الخراساني في الذخيرة ـ بعد البحث في المسألة واختياره القول بالاستحباب كما هو المشهور بين متأخري الأصحاب ـ ما صورته : وهل التسليم جزء من الصلاة. أم خارج عنها؟ قال المرتضى لم أجد لأحد فيه نصا ويقوى عندي انه من الصلاة والظاهر هو الثاني ، وقد تقدمت في هذا البحث روايات كثيرة دالة عليه ويزيدها بيانا ما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان بن خالد ، ثم ذكر صحيحة سليمان


ابن خالد المذكورة ، ثم قال وعن الحسين بن أبي العلاء (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي الركعتين من المكتوبة فلا يجلس بينهما حتى يركع في الثالثة ، قال فليتم صلاته ثم يسلم ويسجد سجدتي السهو وهو جالس قبل ان يتكلم». ويدل على كونه جزء من الصلاة رواية أبي بصير المتقدمة (2) ويؤيده تأييدا ضعيفا صحيحة الفضلاء الواردة في صلاة الخوف (3) ولا معدل عن ارتكاب التأويل في ما دل على الجزئية لعدم انتهاضه بمقاومة الأخبار الدالة على خروجه عن الصلاة. انتهى.

وظاهره ـ كما ترى ـ القول بخروجه واستحبابه ، وإلى هذا يميل كلام شيخنا المجلسي في كتاب البحار أيضا فيصير قولا ثالثا في المسألة ، لأن القول المشهور على تقدير الوجوب هو الجزئية والقول الثاني الخروج مع الوجوب ، وظاهره هنا مع اختياره الاستحباب ـ كما قدمنا نقله عنه ـ اختيار الخروج فيصير عنده مستحبا خارجا. والظاهر انه أشار بقوله هنا «وقد تقدمت في هذا البحث روايات كثيرة دالة عليه» الى روايات صحة الصلاة مع تخلل الحدث ونحوه قبل التسليم.

ثم ان من أظهر اخبار الجزئية أخبار «تحليلها التسليم» (4). كما لا يخفى إلا ان الواجب ـ كما أشرنا إليه آنفا ـ تخصيصها باخبار تخلل الحدث ونحوه سهوا.

(الموضع الثالث) ـ في الصيغة الواجبة التي يخرج بها من الصلاة هل هي «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» أو «السلام عليكم»؟

وقد وقع الخلاف هنا في موضعين (الأول) في الصيغة الواجبة في التسليم وانها اي الصيغتين؟ فالمشهور انه «السلام عليكم» قال في الدروس وعليه الموجبون. وذكر في البيان ان «السلام علينا.» لم يوجبها أحد من القدماء وان القائل بوجوب التسليم يجعلها مخرجة. وذهب المحقق في كتبه الثلاثة إلى التخيير بين الصيغتين وان الواجب

__________________

(1) الوسائل الباب 7 من التشهد.

(2) ص 478 و 479.

(3) الوسائل الباب 2 من صلاة الخوف.

(4) ص 478.


ما تقدم منهما. وتبعه العلامة. وأنكره الشهيد في الذكرى والبيان. فقال في الذكرى انه قول محدث في زمان المحقق أو قبله بزمان يسير ونقل الإيماء الى ذلك من شرح رسالة سلار ، وقال في موضع آخر انه قوي متين إلا انه لا قائل به من القدماء وكيف يخفى عليهم مثله لو كان حقا؟ مع انه قد قال بذلك في الرسالة الألفية واللمعة الدمشقية وهي من آخر مصنفاته. وذهب صاحب الجامع يحيى بن سعيد إلى وجوب «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» وتعينها للخروج من الصلاة. وأنكره في الذكرى وقال انه خروج عن الإجماع من حيث لا يشعر به قائله. ونسب المحقق في المعتبر هذا القول إلى الشيخ وخطأه الشهيد في هذه النسبة. وذهب الجعفي صاحب الفاخر إلى وجوب «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» وهو ظاهر الشيخ المقداد في كنز العرفان.

(الثاني) ـ في ما يخرج به المكلف من الصلاة ، فقيل بتعين الخروج ب «السلام عليكم» وهو قول أكثر القائلين بوجوب التسليم ، ومنهم من قال انه يخرج من الصلاة بقوله «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» وان وجب الإتيان ب «السلام عليكم» بعد ذلك وهو قول صاحب البشرى ، قال في الذكرى : وقال صاحب البشرى السيد جمال الدين بن طاوس ـ وهو مضطلع بعلم الحديث وطرقه ورجاله ـ لا مانع ان يكون الخروج ب «السلام علينا.» وان كان يجب «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» بعده للحديث الذي رواه ابن أذينة عن الصادق (عليه‌السلام) في وصف صلاة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في السماء (1) «انه لما صلى أمر ان يقول للملائكة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته». إلا ان يقال هذا في الإمام دون غيره ، قال ومما يؤكد وجوبه رواية زرارة ومحمد بن مسلم عن الباقر (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته فان كان مستعجلا في أمر يخاف ان يفوته فسلم وانصرف أجزأه». وذهب

__________________

(1) ص 456.

(2) الوسائل الباب 4 من التشهد و 1 من التسليم. والراوي هو الفضيل وزرارة ومحمد بن مسلم.


المحقق والعلامة في المنتهى والشهيد في اللمعة إلى التخيير بينهما وانه يخرج من الصلاة بكل منهما ولو جمع بينهما يحصل الخروج بالمتقدم منهما. وقد تقدم إنكار الشهيد لذلك في الذكرى. وقال في البيان بعد البحث عن الصيغة الاولى : وأوجبها بعض المتأخرين وخير بينها وبين «السلام عليكم» وجعل الثانية منهما مستحبة وارتكب جواز «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» بعد «السلام عليكم» ولم يذكر ذلك في خبر ولا مصنف بل القائلون بوجوب التسليم واستحبابه يجعلونها مقدمة. وذهب يحيى بن سعيد إلى تعين الخروج بالصيغة الأولى.

أقول : المستفاد من الأخبار الواردة في هذا المقام ان السلام المطلق الذي هو معدود في سياق أفعال الصلاة وواجباتها وانه تحليل الصلاة انما هو «السلام عليكم» ولكن جملة من الأخبار قد صرحت ان آخر أفعال الصلاة «هو السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» وهو آخر اجزاء التشهد المستحب ومن توابعه وصرحت بأنه بها تتم الصلاة وتنقطع ويخرج من الصلاة. ومن هنا وقع الخلاف ونشأ الإشكال الموجب لتعدد هذه الأقوال ، فحيث رأوا في الأخبار ان «السلام علينا» مخرجة من الصلاة وقاطعة لها وهي في آخر اجزاء التشهد وانضم إلى ذلك ورود الأمر بالتسليم بقول مطلق في جملة من الأخبار المحتملة لحمله على «السلام علينا.» ورأوا أيضا فيها ان «السلام عليكم» تحليل الصلاة واذن بالانصراف منها وإيذان حملوا هذه الألفاظ في الموضعين على معنى واحد ، فبعض منهم خير بين الصورتين فأيهما قدم كانت كافية في أداء الواجب والخروج من الصلاة وكانت الثانية مستحبة ، وآخرون لما رأوا اخبار «السلام علينا.» قاصرة عن افادة الوجوب حملوا إطلاق الأمر بالتسليم على خصوص «السلام عليكم» وجعلوها مستحبة وان كانت مخرجة كما يفهم من كلام صاحب البشرى.

ومن الأخبار الواردة في المقام موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا كنت إماما فإنما التسليم ان تسلم على النبي (عليه وآله السلام) وتقول

__________________

(1) الوسائل الباب 2 من التسليم.


«السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ثم تؤذن القوم وتقول وأنت مستقبل القبلة «السلام عليكم» وكذلك إذا كنت وحدك تقول «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» مثل ما سلمت وأنت إمام ، فإذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت وسلم على من على يمينك وشمالك. الحديث».

دلت هذه الرواية على انقطاع الصلاة وتمامها بعد قول «السلام علينا.» وذلك يعطي أنها آخر اجزاء الصلاة وان التسليم الذي هو «السلام عليكم» واجب خارج كما اخترناه وهو الذي يؤذن به القوم ويرخصهم إذا كان اماما بقوله «السلام عليكم» وكذلك إذا كان منفردا أو مأموما.

ومن ذلك رواية أبي كهمس عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الركعتين الأولتين إذا جلست فيهما للتشهد فقلت وانا جالس «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» انصراف هو؟ قال لا ولكن إذا قلت «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» فهو الانصراف». ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب النوادر لمحمد بن علي بن محبوب مثله (2).

وصحيحة الحلبي (3) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) كل ما ذكرت الله (عزوجل) به والنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فهو من الصلاة فإن قلت «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» فقد انصرفت». والمراد ان ما يأتي به من الأذكار وذكر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فهو من جملة الصلاة واجزائها وان كان مستحبا حتى يقول «السلام علينا.» فإنه يخرج بعد ذلك منها.

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «إذا كنت إماما فإنما التسليم ان تسلم على النبي (عليه وآله السلام) وتقول «السلام علينا وعلى عباد الله

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 4 من التسليم.

(4) الوسائل الباب 2 من التسليم. وهذه الرواية هي موثقة أبي بصير المتقدمة.


الصالحين» فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ثم تؤذن القوم. الحديث». وسيأتي تمامه.

وحسنة ميسر عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم. إلى ان قال وقول الرجل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين».

وروى الصدوق في الفقيه عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «أفسد ابن مسعود على الناس صلاتهم بشيئين. إلى ان قال وبقوله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» يعني في التشهد الأول.

دلت هذه الأخبار ـ كما ترى ـ على ان هذه الصيغة مخرجة وقاطعة حتى انه لو اتى المكلف بها عمدا في التشهد الأول بطلت صلاته لأن الشارع قد وضعها لهذا المعنى فجعلها مخرجة وقاطعة ولكن عين محلها في آخر اجزاء التشهد الثاني خاصة.

ويزيد ذلك تأييدا ما رواه الصدوق في الخصال بسنده عن الأعمش عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «لا يقال في التشهد الأول «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» لان تحليل الصلاة هو التسليم وإذا قلت هذا فقد سلمت».

ومعنى التحليل هنا عبارة عن انقطاع الصلاة والخروج منها ومن هنا سرى الوهم المتقدم ذكره ، فإنهم جعلوا معنى الخروج هنا وانقطاع الصلاة عبارة عن إتمام أفعال الصلاة وواجباتها الداخلة والخارجة وعدم الإثم في ترك ما يترك بعد ذلك وفعل ما لا يجوز فعله قبل ذلك. وليس الأمر كما ظنوه بل انما معناه إتمام أفعال الصلاة واجزائها الداخلة فيها المبطل تركها للصلاة والمبطل تخلل الحدث بينها على المشهور. والمعنى الأول الذي توهموه انما هو التحليل في «السلام عليكم» يعني انه يحل بهذه الصيغة ما كان محرما من غير ترتب اثم ولا اعادة في شي‌ء بالكلية.

ومن الأخبار في ذلك موثقة أبي بصير المتقدمة (4) في فصل التشهد المشتملة

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 12 من التشهد.

(3) الوسائل الباب 29 من قواطع الصلاة.

(4) ص 450.


على التشهد الكامل الجامع للاذكار المستحبة حيث قال بعد سياق التشهد المستحب وختمه ب «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» : «ثم تسلم» ونحوه عبارة كتاب الفقه المذكورة بعده.

وأنت خبير بأن غاية ما يستفاد من الأخبار المذكورة بالنسبة إلى «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» هو كونها قاطعة للصلاة متى اتى بها ولا يستفاد منها وجوب الإتيان بها ، إذ ليس بعد هذه الأخبار الدالة على كونها قاطعة ومخرجة إلا مجرد حكايتها في التشهد المشتمل على المستحبات العديدة وجعلها في قرن ذلك وإلا فالأوامر التي ذكرنا دلالتها على وجوب التسليم والأخبار الدالة على انه محلل واذن ونحو ذلك انما وردت في «السلام عليكم» خاصة لا تعلق لشي‌ء منها ب «السلام علينا.» كما لا يخفى على من عمق النظر في الأخبار وذاق من لذيذ تلك الثمار.

قال في الذكرى بعد الكلام في المسألة : وبعد هذا فالاحتياط للدين الإتيان بالصيغتين جمعا بين القولين وليس ذلك بقادح في الصلاة بوجه من الوجوه بادئا ب «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» لا بالعكس فإنه لم يأت به خبر منقول ولا مصنف مشهور سوى ما في بعض كتب المحقق (قدس‌سره) ويعتقد ندب «السلام علينا» ووجوب الصيغة الأخرى ، وان أبي المصلي إلا إحدى الصيغتين ف «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» مجزئة بالإجماع. انتهى. وهو جيد وجيه متين كما لا يخفى على الحاذق المكين وان كان قد خالف نفسه فيه بما قدمنا نقله عنه في الرسالة واللمعة وفاقا للمحقق كما تقدم ، وهو خلاف ما ذهب اليه الفاضل يحيى بن سعيد.

تنبيهات

(الأول) ـ قد ذكر جملة من الأصحاب ان المستحب للإمام والمنفرد ان يسلما تسليمة واحدة لكن الامام يومئ بصفحة وجهه إلى يمينه والمنفرد يومئ بمؤخر عينه إلى


يمينه ، والمؤخر كمؤمن طرفها الذي يلي الصدغ. واما المأموم فإنه يسلم من الجانبين إذا كان على يساره أحد وإلا فعن يمينه ويومئ بصفحة وجهه. وقال ابن الجنيد : إذا كان إماما في صف سلم عن جانبيه. ونقل عن الصدوقين انهما جعلا الحائط عن يسار المأموم كافيا في التسليمتين يمينا وشمالا. وسيأتي نقل كلام ابنه في الفقيه مع دليله وتحقيق القول فيه.

واما الأخبار التي وقفت عليها في هذا الباب فهي لا تخلو بحسب ظاهرها من الاختلاف والاضطراب كما هو في أكثر الأحكام المتفرقة في جملة الأبواب.

فمن ذلك : الأول ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن أبي بصير (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا كنت في صف فسلم تسليمة عن يمينك وتسليمة عن يسارك لأن عن يسارك من يسلم عليك وإذا كنت اماما فسلم تسليمة واحدة وأنت مستقبل القبلة».

الثاني ـ ما رواه الكليني والشيخ عن عنبسة بن مصعب (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يقوم في الصف خلف الامام وليس على يساره أحد كيف يسلم؟ قال يسلم واحدة عن يمينه».

الثالث ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (عليه‌السلام) (3) قال «رأيت إخوتي موسى وإسحاق ومحمدا بنى جعفر يسلمون في الصلاة عن اليمين والشمال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» (4).

الرابع ـ عن عبد الحميد بن عواض في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «ان كنت تؤم قوما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك وان كنت مع إمام

__________________

(1 و 2 و 3 و 5) الوسائل الباب 2 من التسليم.

(4) الموجود في التهذيب ج 1 ص 226 والوسائل والوافي باب «التسليم والانصراف» هكذا «السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله» بالتكرير بدون كلمة «وبركاته».


فتسليمتين وان كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة».

الخامس ـ عن منصور بن حازم في الصحيح (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) الامام يسلم واحدة ومن وراءه يسلم اثنتين فان لم يكن عن شماله أحد سلم واحدة».

السادس ـ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا كنت اماما. الحديث وقد تقدم قريبا (3) الى ان قال : ثم تؤذن القوم فتقول وأنت مستقبل القبلة : السلام عليكم ، وكذلك إذا كنت وحدك تقول «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» مثل ما سلمت وأنت إمام ، فإذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت وسلم على من على يمينك وشمالك فان لم يكن على شمالك أحد فسلم على الذين عن يمينك ولا تدع التسليم على يمينك وان لم يكن على شمالك أحد».

قال في الوافي بعد نقل هذا الخبر : ويستفاد من هذا الحديث وبعض الأخبار السابقة ان آخر اجزاء الصلاة قول المصلي «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» وبه ينصرف عن الصلاة وبعد الانصراف عنها بذلك يأتي بالتسليم الذي هو اذن وإيذان بالانصراف وتحليل للصلاة وهو قول «السلام عليكم» ولما اشتبه هذا المعنى على أكثر متأخري أصحابنا اختلفوا في صيغة التسليم المحلل اختلافا لا يرجى زواله. والحمد لله على ما هدانا. أقول وهو موافق لما قدمنا تحقيقه وأوسعنا مضيقة.

ثم قال (قدس‌سره) : قوله (عليه‌السلام) في آخر الحديث «وان لم يكن على شمالك أحد» الظاهر انه كان «على يمينك» فسها النساخ فكتبوا «على شمالك» وفي بعض النسخ «ان لم يكن» بدون الواو وكأنه نشأ إسقاطه مما رأوا من التهافت الناشئ من ذلك السهو ، ويؤيد ما قلناه ما يأتي من كلام الفقيه انتهى. وهو جيد.

السابع ـ ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 2 من التسليم.

(3) ص 487.


(عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن تسليم الرجل خلف الإمام في الصلاة كيف؟ قال تسليمة واحدة عن يمينك إذا كان عن يمينك أحد أو لم يكن». أقول : وفي هذا الخبر دلالة على صحة ما ذكره المحدث الكاشاني في خبر أبي بصير من السهو.

الثامن ـ ما رواه المحقق في المعتبر نقلا من جامع البزنطي عن عبد الله بن ابي يعفور (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن تسليم الامام وهو مستقبل القبلة؟ قال يقول السلام عليكم».

التاسع ـ عن عبد الكريم عن أبي بصير (3) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك».

العاشر ـ ما في الفقه الرضوي (4) حيث قال (عليه‌السلام) بعد سياق التشهد الطويل كما تقدم في فصل التشهد وذكر «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» في آخره «ثم سلم عن يمينك وان شئت يمينا وشمالا وان شئت تجاه القبلة». وظاهره التخيير مطلقا اماما كان أو مأموما أو منفردا.

هذا ما حضرني من اخبار المسألة وسيجي‌ء خبر آخر مع كلام الصدوق بعد تحقيق ما في هذه الأخبار حيث ان ما فيه لا يخلو من غرابة كما سنوضحه ان شاء الله تعالى

أقول : ويستفاد من هذه الأخبار اما بالنسبة إلى الامام فقد دل الخبر الأول على انه يسلم تسليمة واحدة وهو مستقبل القبلة ، والخبر الرابع تضمن تسليمة واحدة عن يمينه ، والخبر الخامس تضمن انه يسلم تسليمة واحدة ولم يعين الجهة فيها ، والخبر السادس دل على انه يسلم مستقبل القبلة ، وهو ظاهر الخبر الثامن أيضا لأن الاستقبال وان كان في كلام السائل إلا ان ظاهر جوابه (عليه‌السلام) تقريره على ذلك ، وقد تقدم في موثقة يونس بن يعقوب (5) ما يدل على انه يسلم ويستقبلهم بوجهه ، وهو مؤيد لما دل عليه الخبر الرابع.

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 2 من التسليم.

(4) ص 8.

(5) ص 474.


وبعض مشايخنا جمع بين الأخبار هنا بان يبتدئ أولا إلى القبلة ثم يختمه مائلا إلى اليمين. والظاهر بعده ولا يبعد الجمع بين الأخبار بالتخيير كما يدل عليه ظاهر الخبر العاشر.

واما بالنسبة إلى المأموم فقد تضمن الخبر الأول انه يسلم تسليمة عن يمينه وتسليمة عن يساره ، وتضمن الخبر الثاني انه يسلم واحدة عن يمينه خاصة إذا لم يكن على يساره أحد ، وتضمن الخبر الرابع انه يسلم تسليمتين بقول مطلق ، وإطلاقه محمول على ما تضمنه غيره من ان إحداهما إلى اليمين والأخرى إلى اليسار متى كان على يساره أحد ، والخامس تضمن انه يسلم اثنتين إلا ان لا يكون على شماله أحد فواحدة عن اليمين ، والسادس تضمن كما تضمنه الخامس ، والخبر السابع تضمن تسليمة واحدة خاصة على اليمين سواء كان أحد عن يمينه أو لم يكن ، وإطلاقه في التسليمة الواحدة يحمل على ما إذا لم يكن على يساره أحد.

وبالجملة فالمفهوم من ضم هذه الأخبار بعضها إلى بعض ان المأموم يسلم واحدة عن يمينه سواء كان عن يمينه أحد أو لم يكن ويسلم عن يساره إذا كان ثمة أحد وإلا فلا.

واما ما ذكره في المدارك بعد ذكر الرواية الخامسة والسادسة ـ حيث قال : وليس في هاتين الروايتين ولا في غيرهما مما وقفت عليه دلالة على الإيماء بصفحة الوجه ـ ففيه ان المتبادر من هذه الألفاظ المذكورة في الأخبار ـ من قولهم «سلم على من على يمينك وشمالك» وقولهم «تسليمة واحدة عن يمينك» ونحو ذلك ـ التوجه بالوجه كلا أو بعضا نحو اليمين والشمال ، فان العرف قاض بان من قصد خطاب شخص توجه اليه بوجهه ، واما الاكتفاء في ذلك بمجرد النية والقصد فبعيد غاية البعد. ويؤيد ما قلناه ما اشتملت عليه الرواية السادسة من قوله في حكم الامام «سلم وأنت مستقبل القبلة» وقوله في حكم المأموم «سلم على من على يمينك وشمالك» فإنه لا ريب في تغاير معنى كل من العبارتين للأخرى وليس إلا بما قلناه.

واما الاستشكال في الانحراف حال التسليم يمينا وشمالا من حيث كراهة


الانحراف في الصلاة بناء على القول بكونه جزء واجبا فيمكن الجواب عنه بما ذكره في الذكرى من تخصيص أخبار الكراهة بأخبار التسليم فيكون التسليم مستثنى من الحكم المذكور بدليل من خارج.

واما المنفرد فقد تضمن الخبر الرابع انه يسلم واحدة مستقبل القبلة ، وكذلك ظاهر الخبر السادس ، والخبر التاسع تضمن انه يسلم تسليمة واحدة عن يمينه ، وإطلاق الخبر العاشر يدل على التخيير بين ان يسلم عن يمينه خاصة أو عن يمينه وشماله أو واحدة تجاه القبلة ، وإطلاق الخبر الثالث يدل على التسليمتين أيضا عن اليمين والشمال إلا ان يحمل على كونهم مأمومين كما هو الأقرب من حيث مداومتهم على الصلاة خلف أئمة ذلك الزمان وورود التسليمتين في أكثر الأخبار للمأموم خاصة.

والأصحاب ـ كما تقدم ـ ذكروا ان المنفرد يسلم تسليمة واحدة ويومئ بمؤخر عينه الى يمينه ، والأخبار كما ترى خالية من ذلك.

وقال المحقق في المعتبر : أما الإشارة بمؤخر العين فقد ذكره الشيخ في النهاية وهو من المستحب عنده وربما أيده ما رواه احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي في جامعه وذكر الخبر التاسع.

وأنت خبير بان ظاهر الخبر انما هو الإيماء بالوجه إلى اليمين كما أوضحناه آنفا وبالجملة فالإيماء بمؤخر العين لا اعرف دليلا من الأخبار والجماعة قد تبعوا الشيخ كما هي قاعدتهم غالبا لحسن الظن به والأخبار خالية منه كما ترى.

بقي الكلام في الجمع بين الخبر الدال على التسليم عن يمينه والأخبار الدالة على التسليم مستقبل القبلة ولا اعرف له وجها إلا التخيير.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الصدوق قال في الفقيه : ثم تسلم وأنت مستقبل القبلة وتميل بعينك إلى يمينك ان كنت اماما ، وان صليت وحدك قلت «السلام عليكم» مرة واحدة وأنت مستقبل القبلة وتميل بأنفك إلى يمينك ، وان كنت خلف إمام تأتم به فسلم تجاه القبلة


واحدة ردا على الامام وتسلم على يمينك واحدة وعلى يسارك واحدة إلا ان لا يكون على يسارك انسان فلا تسلم على يسارك إلا ان تكون بجنب الحائط فتسلم على يسارك ، ولا تدع التسليم على يمينك كان على يمينك أحد أو لم يكن. انتهى. وقال في المقنع نحو هذه العبارة.

وربما كان مستنده في ذلك ما رواه في علل الشرائع والأحكام بسنده فيه عن المفضل ابن عمر (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن العلة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة؟ قال لانه تحليل الصلاة. قلت فلأي علة يسلم على اليمين ولا يسلم على اليسار؟ قال لأن الملك الموكل يكتب الحسنات على اليمين والذي يكتب السيئات على اليسار والصلاة حسنات ليس فيها سيئات فلهذا يسلم على اليمين دون اليسار. قلت فلم لا يقال «السلام عليك» والملك على اليمين واحد ولكن يقال «السلام عليكم»؟ قال ليكون قد سلم عليه وعلى من على اليسار وفضل صاحب اليمين عليه بالإيماء إليه. قلت فلم لا يكون الإيماء في التسليم بالوجه كله ولكن كان بالأنف لمن يصلي وحده وبالعين لمن يصلي بقوم؟ قال لأن مقعد الملكين من ابن آدم الشدقين فصاحب اليمين على الشدق الأيمن وتسليم المصلي عليه ليثبت له صلاته في صحيفته ، قلت فلم يسلم المأموم ثلاثا؟ قال تكون واحدة ردا على الامام وتكون عليه وعلى ملكيه وتكون الثانية على من على يمينه والملكين الموكلين به وتكون الثالثة على من على يساره وملكيه الموكلين به ، ومن لم يكن على يساره أحد لم يسلم على يساره إلا ان يكون يمينه إلى الحائط ويساره إلى المصلي معه خلف الامام فيسلم على يساره. قلت فتسليم الامام على من يقع؟ قال على ملكيه والمأمومين ، يقول لملكيه : اكتبا سلامة صلاتي مما يفسدها. ويقول لمن خلفه : سلمتم وأمنتم من عذاب الله تعالى قلت فلم صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال لأنه تحية الملكين وفي إقامة الصلاة بحدودها وركوعها وسجودها وتسليمها سلامة العبد من النار وفي قبول صلاة العبد يوم القيامة

__________________

(1) الوسائل الباب 1 و 2 من التسليم.


قبول سائر أعماله فإذا سلمت له صلاته سلمت جميع اعماله وان لم تسلم صلاته وردت عليه رد ما سواها من الأعمال الصالحة».

أقول : الظاهر ان هذا الخبر هو مستند الصدوق في ما ذكره في هذه العبارة من الأحكام الغريبة المخالفة لما عليه الأصحاب بل واخبار الباب :

فمنها ـ الإيماء بالأنف لمن يصلي وحده ، فان المشهور في كلام الأصحاب هو الإيماء بمؤخر عينه كما عرفت والذي في الأخبار هو التسليم إلى القبلة أو الإيماء بوجهه إلى يمينه كما عرفت ، على ان تحقق الإيماء بالأنف خاصة لا يخلو من الإشكال فإنه لا يمكن ذلك إلا مع الإيماء بالوجه ، ولعل المراد الإيماء القليل بالوجه بحيث ينحرف به الأنف.

ومنها ـ الإيماء بالعين للإمام والمشهور الانحراف بالوجه ، والأخبار منها ما دل على ما هو المشهور ومنها ما دل على التسليم إلى القبلة.

ومنها ـ التسليم ثلاثا للمأموم والمشهور في الأخبار وكلام الأصحاب مرتان بالتفصيل المتقدم.

ومنها ـ استحباب التسليم إلى الحائط إذا كان في جانب اليسار إلا ان عبارة الحديث لا تساعده في هذا الوجه فان ظاهرها التسليم على اليسار إذا كان الحائط على اليمين واما ما ذكره الشهيد في الذكرى ـ حيث قال بعد النقل عن ابني بابويه انهما جعلا الحائط على يسار المصلي كافيا في استحباب التسليمتين : ولا بأس باتباعهما لأنهما جليلان لا يقولان إلا عن ثبت ـ

فلا يخفى ما فيه على الحاذق النبيه (أما أولا) فلان الأحكام الشرعية لا يجوز الاعتماد فيها على مجرد القول ما لم يعلم دليله إلا ان يكون مقلدا عاجزا عن استنباط الأدلة وتحصيلها ومرتبته (قدس‌سره) أجل من ذلك ، وقول الصدوقين بأي حكم من الأحكام لدليل اطلعا عليه ولم يصل إلينا ولم نقف عليه لا يجوز لنا متابعتهما إلا على ما عرفت من التقليد ، وبالجملة فإن الفقيه مكلف من الله عزوجل بالعمل بما ثبت


عنده من الدليل ومنهي عن القول على الله بغير دليل في واجب كان أو مستحب أو محرم أو مكروه. نعم يمكن حمل كلامه على أتباعهما في العمل بذلك دون الإفتاء به إلا ان فيه أيضا ما سيأتي.

و (اما ثانيا) ـ فلما ظهر لشيخنا الصدوق في جملة من المواضع من الأوهام التي تفرد بها وربما شنع بها على من لم يوافقه عليها أتم التشنيع مع انه لم يوافقه عليها أحد من الأصحاب ، ومنها ـ وجوب تأخير خطبتي الجمعة ، ونحو ذلك مما يقف عليه المتتبع البصير (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ).

و (اما ثالثا) ـ فان الظاهر ان مستنده في هذا الكلام وما تضمنه من الأحكام انما هو هذا الخبر وهو ـ كما ترى ـ لا ينطبق على ما ذكره في هذا الموضع. والله العالم.

(الثاني) ـ قد أشرنا في ما تقدم في صدر الموضع الثالث إلى ان الجعفي وصاحب كنز العرفان ذهبا إلى وجوب «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته».

قال في كنز العرفان في تفسير قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» (1) : استدل بعض شيوخنا على وجوب التسليم المخرج من الصلاة بما تقريره : شي‌ء من التسليم واجب ولا شي‌ء منه في غير التشهد بواجب فيكون وجوبه في الصلاة وهو المطلوب ، اما الصغرى فلقوله «سَلِّمُوا» الدال على الوجوب واما الكبرى فللإجماع وفيه نظر لجواز كونه بمعنى الانقياد ، سلمنا لكنه سلام على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لسياق الكلام وقضية العطف وأنتم لا تقولون انه المخرج من الصلاة بل المخرج غيره. ثم قال واستدل بعض شيوخنا المعاصرين على انه يجب اضافة «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» الى التشهد الأخير بالتقريب المتقدم. قيل عليه انه خرق للإجماع لنقل العلامة الإجماع على استحبابه. ويمكن الجواب بمنع الإجماع على عدم وجوبه والإجماع المنقول على مشروعيته وراجحيته وهو أعم من الوجوب والندب. ثم قال وبالجملة الذي يغلب على ظني الوجوب. واستدل ببعض الأخبار.

__________________

(1) سورة الأحزاب الآية 56.


وقال الجعفي في الفاخر على ما نقله عنه في الذكرى ، قال قال صاحب الفاخر : أقل المجزئ من عمل الصلاة في الفريضة تكبيرة الافتتاح وقراءة الفاتحة في الركعتين أو ثلاث تسبيحات والركوع والسجود وتكبيرة واحدة بين السجدتين والشهادة في الجلسة الاولى وفي الأخيرة الشهادتان والصلاة على النبي وآله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والتسليم و «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته».

قال شيخنا الشهيد في الذكرى بعد نقل ذلك عنه : وكلامه هذا يشتمل على أشياء لا تعد من المذهب : منها ـ التكبيرة الواحدة بين السجدتين ، ومنها ـ القصر على الشهادة في الجلسة الاولى ، ومنها ـ وجوب التسليم على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) واما البدل عن القراءة فيريد به مع الاضطرار ، صرح بذلك في غير هذا الموضع. انتهى.

أقول : لا يخفى ضعف هذا القول على من تأمل ما قدمناه من اخبار المسألة ، ومنشأ الشبهة هو لفظ التسليم فيه وقد عرفت ان مساق الأخبار الواردة بالأمر بالتسليم وانه مخرج وقاطع ونحو ذلك لا يتعلق بهذه الصيغة المذكورة ، واخبار تخلل الحدث بعد التشهد (1) صريحة في صحة الصلاة ، وحينئذ فأي دليل للوجوب على ذلك؟

(الثالث) ـ قال شيخنا الشهيد في الذكرى ـ بعد البحث في المسألة ونقل عبارات جملة من الأصحاب والمناقشة في ما كان محلا للمناقشة عنده ـ ما لفظه : أقول وبالله التوفيق : هذه المسألة من مهمات الصلاة وقد طال الكلام فيها ولزم منه أمور ستة : (الأول) القول بندبية التسليم بمعنييه كما هو مذهب أكثر القدماء ، وينافيه تواتر النقل عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأهل بيته (عليهم‌السلام) بقوله «السلام عليكم» من غير بيان ندبيته مع انه امتثال الأمر الواجب ، وقد روى الشيخ بإسناده إلى أبي بصير بطريق موثق (2) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول في رجل صلى الصبح فلما جلس في الركعتين قبل ان يتشهد رعف؟ قال فليخرج فليغسل انفه ثم ليرجع فليتم صلاته فإن

__________________

(1) التعليقة 1 ص 500.

(2) الوسائل الباب 1 من التسليم.


آخر الصلاة التسليم». ومثله كثير وحمله الشيخ على الأفضل ، حتى ان قول سلف الأمة «السلام عليكم» عقيب الصلاة داخل في ضروريات الدين وانما الشأن في الندبية أو الوجوب (الثاني) وجوب التسليم بمعنييه اما «السلام عليكم» فلإجماع الأمة واما الصيغة الأخرى فلما مر من الأخبار التي لم ينكرها أحد من الإمامية مع كثرتها ، لكنه لم يقل به أحد في ما علمته (الثالث) وجوب «السلام علينا.» عينا وقد تقدم القائل به ، وفيه خروج عن الإجماع من حيث لا يشعر قائله (الرابع) وجوب «السلام عليكم» عينا لإجماع الأمة على فعله ، وينافيه ما دل على انقطاع الصلاة بالصيغة الأخرى مما لا سبيل إلى رده فكيف يجب بعد الخروج من الصلاة؟ (الخامس) وجوب الصيغتين تخييرا جمعا بين ما دل عليه إجماع الأمة واخبار الإمامية ، وهو قوي متين إلا انه لا قائل به من القدماء وكيف يخفى عليهم مثله لو كان حقا؟ (السادس) وجوب «السلام عليكم» أو المنافي تخييرا وهو قول شنيع وأشنع منه وجوب احدى الصيغتين أو المنافي ، وبعد هذا كله فالاحتياط للدين الإتيان بالصيغتين جمعا بين القولين وليس ذلك بقادح في الصلاة بوجه من الوجوه بادئا ب «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» لا بالعكس فإنه لم يأت به خبر منقول ولا مصنف مشهور سوى ما في بعض كتب المحقق (قدس‌سره) ويعتقد ندب «السلام علينا.» ووجوب الصيغة الأخرى ، وان أبي المصلي إلا إحدى الصيغتين ف «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» مخرجة بالإجماع. انتهى.

وظاهره مؤذن بالتوقف في المسألة وانه انما صار إلى ما صار إليه أخيرا أخذا بالاحتياط. وأنت خبير بان ما ذكره أخيرا هو الحق المستفاد من اخبار المسألة وضم بعضها إلى بعض كما تقدم تحقيقه ، والأخبار الكثيرة التي أشار إليها بالنسبة إلى «السلام علينا.» غايتها ـ كما قدمنا تحقيقه ـ الدلالة على انقطاع الصلاة بعدها وهو لا يستلزم وجوبها بوجه. وأحاديث صحة الصلاة بتخلل الحدث بعد التشهد (1) أصرح صريح في استحبابها.

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من التسليم و 1 من قواطع الصلاة.


واما صيغة «السلام عليكم» فالدليل على وجوبها بعد الإجماع المذكور استفاضة الأخبار بالأمر بها كما تقدم بيانه. وما ذكره في الوجه الرابع من منافاة القول بوجوب «السلام عليكم» للأخبار الدالة على الانقطاع بالصيغة الأخرى انما يرد على القائلين بالجزئية كما تقدم واما من يقول بكونه واجبا خارجا فلا كما عرفت. واما الإشكال باخبار الحدث قبل التسليم (1) وجعل الحدث بذلك مخرجا فقد تقدم الجواب عنه.

(الرابع) ـ قيل ان الواجب على تقدير القول بوجوب التسليم هو «السلام عليكم» خاصة ونقل عن ابن بابويه وابن أبي عقيل وابن الجنيد ، وقال أبو الصلاح يجب «السلام عليكم ورحمة الله» ونقل عن ابن زهرة وجوب «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» وقال العلامة في المنتهى : ولو قال «السلام عليكم ورحمة الله» جاز وان لم يقل «وبركاته» بغير خلاف.

أقول : لا يخفى ان الأخبار في ذلك مختلفة أيضا ففي صحيح ابن أذينة أو حسنه المتقدم ذكره في آخر فصل التشهد (2) ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لما امره الله تعالى بالسلام على الملائكة والنبيين قال «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

وفي صحيح علي بن جعفر وهو الخبر الثالث من الأخبار المتقدمة (3) حكاية عن اخوته الذين منهم الامام (عليه‌السلام) «السلام عليكم ورحمة الله (4)».

وروى في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (5) قال : «فإذا قضيت التشهد فسلم عن يمينك وعن شمالك تقول «السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله». وظاهره استحباب المرتين للمنفرد أيضا.

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من التسليم و 1 من قواطع الصلاة.

(2) ص 456.

(3) ص 491.

(4) وردت الصيغة في الخبر المذكور مكررة كما تقدم في التعليقة (4) ص 491.

(5) مستدرك الوسائل الباب 4 من التسليم.


وفي الخبر السادس (1) من الأخبار المتقدمة أيضا «السلام عليكم» خاصة ومثله الخبر الثامن ، ومثلهما ما تقدم في موثقة يونس بن يعقوب (2) الدالة علي انه نسي السلام على من خلفه حيث قال (عليه‌السلام) «ولو نسيت. استقبلتهم بوجهك فقلت السلام عليكم» ومورد الجميع الإمام إلا ان الظاهر انه لا قائل بالفرق.

وفي كتاب المقنع (3) بعد ذكر التسليمات المستحبة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأنبياء والرسل والملائكة : فإذا كنت اماما فسلم وقلmz1 السلام عليكمmz2 مرة واحدة وأنت مستقبل القبلة وتميل بعينيك إلى يمينك وان لم تكن اماما تميل بأنفك إلى يمينك ، وان كنت خلف إمام تأتم به فتسلم تجاه القبلة واحدة ردا على الامام وتسلم على يمينك واحدة وعلى يسارك واحدة. إلى آخره. وهو جار على ما تقدم نقله عن الفقيه.

والظاهر من الجمع بين هذه الأخبار هو حمل ما زاد على «السلام عليكم» على الفضل والاستحباب كما هو مقتضى القول الأول من الأقوال المتقدمة ، ويؤيده انه هو السلام المعهود المتكرر بين كافة الناس والسلام في الصلاة مأخوذ منه كما يشير اليه حديث عبد الله بن الفضل الهاشمي المتقدم في الموضع الأول (4) ونحوه حديث الفضل بن شاذان المذكور ثمة أيضا (5).

(الخامس) ـ قال في الذكرى : يستحب ان يقصد الامام التسليم على الأنبياء والأئمة (عليهم‌السلام) والحفظة والمأمومين لذكر أولئك وحضور هؤلاء والصيغة صيغة خطاب والمأموم يقصد بأولى التسليمتين الرد على الامام ، فيحتمل ان يكون على سبيل الوجوب لعموم قوله تعالى «وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» (6) ويحتمل ان يكون على سبيل الاستحباب لانه لا يقصد به التحية وانما الغرض منه الإيذان بالانصراف

__________________

(1) ص 492.

(2) ص 474.

(3) مستدرك الوسائل الباب 2 من التسليم.

(4) ص 480.

(5) ص 479.

(6) سورة النساء ، الآية 88.


من الصلاة كما مر في خبر أبي بصير (1) وجاء في خبر عمار بن موسى (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التسليم ما هو؟ فقال هو اذن». والوجهان ينسحبان في رد المأموم على مأموم آخر ، وروى العامة عن سمرة (3) قال : «أمرنا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان نسلم على أنفسنا وان يسلم بعضنا على بعض» وعلى القول بوجوب الرد يكفي في القيام به واحد فيستحب للباقين ، وإذا اقترن تسليم المأموم والامام أجزأ ولا رد هنا وكذلك إذا اقترن تسليم المأمومين لتكافؤهم في التحية. ويقصد المأموم بالثانية الأنبياء والحفظة والمأمومين. واما المنفرد فيقصد بتسليمه ذلك. ولو أضاف الجميع إلى ذلك قصد الملائكة أجمعين ومن على الجانبين من مسلمي الجن والانس كان حسنا. وقال ابن بابويه يرد المأموم على الإمام بواحدة ثم يسلم عن جانبيه تسليمتين. وكأنه يرى ان التسليمتين ليستا للرد بل هما عبادة محضة متعلقة بالصلاة ولما كان الرد واجبا في غير الصلاة لم يكف عنه تسليم الصلاة ، وانما قدم الرد لانه واجب مضيق إذ هو حق لآدمي ، والأصحاب يقولون ان التسليمة تؤدي وظيفتي الرد والتعبد به في الصلاة كما سبق مثله في اجتزاء العاطس في حال رفع رأسه من الركوع بالتحميد عن العطسة وعن وظيفة الصلاة. وهذا يتم حسنا على القول باستحباب التسليم واما على القول بوجوبه فظاهر الأصحاب ان الاولى من المأموم للرد على الامام والثانية للإخراج من الصلاة ولهذا احتاج إلى تسليمتين. ويمكن ان يقال ليس استحباب التسليمتين في حقه لكون الاولى ردا والثانية مخرجة لأنه إذا لم يكن على يساره أحد اكتفى بالواحدة عن يمينه وكانت محصلة للرد والخروج من الصلاة وانما شرعية الثانية ليعم السلام من على الجانبين لأنه بصيغة الخطاب فإذا وجهه إلى أحد الجانبين اختص به وبقي الجانب الآخر بغير تسليم ، ولما كان الامام غالبا ليس على جانبيه أحد اختص بالواحدة وكذلك المنفرد ، ولذا حكم ابن الجنيد بما تقدم

__________________

(1) ص 492.

(2) الوسائل الباب 1 من التسليم.

(3) تيسير الوصول ج 2 ص 241 و 242. ويأتي في الاستدراكات ما يتعلق بالمقام.


من تسليم الإمام إذا كان في صف عن جانبيه. انتهى كلامه (زيد مقامه).

وهو جيد متين إلا ان للمناقشة في بعضه مجالا ، ومنه ـ ما تأول به قول ابن بابويه بالتسليمات الثلاث للمأموم من قوله «وكأنه يرى. إلخ» فإن فيه ان الظاهر ان ابن بابويه انما عول على الخبر الذي قدمنا نقله عنه من العلل ، نعم ما ذكره يصلح وجه حكمة لما اشتمل عليه الخبر المشار اليه.

(السادس) ـ هل يجب نية الخروج على القول بوجوب التسليم؟ الأظهر العدم لعدم الدليل على ذلك وبذلك صرح جملة من محققي متأخري المتأخرين ، وقال في المنتهى لم أجد لأصحابنا نصا فيه. وقال الشيخ في المبسوط ينبغي ان ينوي بها ذلك.

وقال في الذكرى : ووجه الوجوب ان نظم السلام يناقض الصلاة في وضعه من حيث هو خطاب للآدميين ومن ثم تبطل الصلاة بفعله في أثنائها عامدا وإذا لم تقترن به نية تصرفه إلى التحليل كان مناقضا للصلاة مبطلا لها. ووجه عدم الوجوب قضية الأصل ، وان نية الصلاة اشتملت عليه وان كان مخرجا منها ، ولأن جميع العبادات لا تتوقف على نية الخروج بل الانفصال منها كاف في الخروج ، ولأن مناط النية الإقدام على الأفعال لا الترك لها. انتهى.

أقول : ان ما وجه به العدم من الوجوه المذكورة مضافا إلى الأصل في غاية القوة والرزانة ، وما وجه به الوجوب ضعيف سخيف لا يصلح لتأسيس الأحكام الشرعية ، فإنه وان كان كما ذكره من كونه خطابا للآدميين وانه تبطل الصلاة بفعله في الأثناء صحيحا إلا ان ذلك لا يستلزم نية التحليل به ، إذ المفهوم من الأخبار المتقدمة ان الشارع قد جعله محللا بمعنى انه متى اتى به المكلف فقد تحلل من الصلاة قصد ذلك أو لم يقصده ونواه أو لم ينوه ، وتوقف التحليل به على أمر وراء الإتيان به يحتاج إلى دليل إذ لا يفهم من الأخبار أمر وراء ذلك كما عرفت ، مع ما عرفت في ما قدمناه في غير مقام من الأخبار الدالة على السكوت عما سكت الله عنه والإبهام لما أبهمه الله والنهي عن تكلف


ذلك (1) وكلام شيخنا المذكور هنا مؤذن بالتوقف في المسألة حيث لم يرجح شيئا من الوجهين.

(السابع) ـ هل يجوز الاكتفاء بقوله «سلام عليكم»؟ صرح المحقق في المعتبر بذلك ، قال لو قال «سلام عليكم» ناويا به الخروج فالأشبه أنه يجزئ لانه يقع عليه اسم التسليم ، ولأنها كلمة وردت في القرآن صورتها (2).

وفيه نظر (أما أولا) فلأنه خلاف الوارد عن صاحب الشرع (صلى‌الله‌عليه‌وآله). قوله ـ «لانه يقع عليه اسم التسليم» ـ مردود بأنه وان ورد الأمر بالتسليم بقول مطلق في بعض الأخبار إلا أن أكثر الأخبار قد دلت على ان التسليم انما هو بصيغة «السلام عليكم» كما عرفت من اخبار التحليل وغيرها مما صرح بهذه الصيغة ، وحمل مطلق الأخبار على مقيدها يقتضي التخصيص بتلك الصيغة فلا يجزئ ما سواها. وبالجملة فإنا لا نسلم وقوع التسليم الشرعي عليه.

و (اما ثانيا) فان مجرد وروده في القرآن لا يجوز التعبد به في الصلاة ما لم يرد به نص على الخصوص لأن العبادات توقيفية. وجميع ما ذكرناه بحمد الله سبحانه ظاهر لا خفاء فيه.

__________________

(1) الشهاب في الحكم والآداب باب الالف المقطوع والموصول ، والبحار ج 2 ص 272 من الطبع الحديث ، وقد تقدم ما يتعلق بذلك في ج 1 ص 55.

(2) سورة الانعام الآية 54 والأعراف الآية 44.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *