ج1 - المقدمة السادسة في التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية
المقدمة السادسة
والبحث هنا يقع في موارد :
(أحدها) ـ تعارض الآيتين من الكتاب العزيز ، والواجب ـ أولا
ـ الفحص والتفتيش من الاخبار في نسخ إحداهما للأخرى وعدمه ، فان علم فذاك ، وإلا
فإن علم التأريخ فالمتأخر ناسخ للسابق ، وإلا فإن اشتملت إحداهما على إطلاق أو
عموم بحيث يمكن التقييد أو التخصيص حكم به ايضا ، وإلا فالواجب التوقف والاحتياط
ان أمكن. وإلا فاختيار إحداهما من باب التسليم.
و (ثانيها) ـ تعارض الآية والرواية. والذي ذكره بعض
أصحابنا انه ان كانت إحداهما مطلقة أو عامة ، وجب تقييدها بالأخرى ، وإلا
فالاحتياط ان لم يمكن الجمع بينهما بحيث يحصل الظن القوي بالمراد ولو بحسب القرائن
الخارجة. ونقل
__________________
(1) في حسنة بريد الكناسي المتقدمة في صحيفة 82 سطر 12.
(2) المتقدم في صحيفة 79 سطر 7.
ـ عن جملة من أصحابنا : منهم ـ السيد
المرتضى والشيخ (عطر الله مرقديهما) ـ المنع من تخصيص القرآن بخبر الواحد.
ونقل الاحتجاج على ذلك بان القرآن قطعي وخبر الواحد ظني
، والظني لا يعارض القطعي.
ورد (أولا) ـ بأن التخصيص إنما هو في الدلالة ، وقطعية
المتن غير مجدية ، لأن الدلالة ظنية. و (ثانيا) ـ بمنع ظنية خبر الواحد ، بل هو
أيضا قطعي من جهة الدلالة.
والأظهر الاستدلال على ذلك بالأخبار المستفيضة الدالة
على ان «كل خبر لا يوافق القرآن فهو زخرف ،. وان كل شيء مردود الى الكتاب والسنة
،. وانه إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من قول الله عزوجل أو من قول
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وإلا فالذي
جاءكم اولى به» (1). الى غير ذلك
مما يدل على طرح ما خالف القرآن ، إلا ان هذه الأخبار معارضة بما هو أكثر عددا
وأوضح سندا وأظهر دلالة من الأخبار الدالة على تخصيص عمومات الآيات القرآنية
وتقييد مطلقاتها في غير موضع من أبواب الفقه ، وقول كافة الأصحاب أو جمهورهم بذلك
، مع اعتضاد تلك الآيات في جملة من المواضع المذكورة بأخبار أخر أيضا دالة على ما
دلت عليه تلك الآيات من إطلاق أو عموم.
والتحقيق في المقام ان يقال : ينبغي ان يحمل كلام السيد
والشيخ (قدسسرهما) على خبر
الواحد الذي يمنعان حجيته في الأحكام الشرعية ، وهو ما لم يكن من طريقنا أو لم
تشتمل عليه أصولنا كما تقدمت الإشارة الى ذلك في المقدمة الخامسة (2) ، لتصريحهما
__________________
(1) روى صاحب الوسائل هذه الاخبار في باب ـ 9 ـ من أبواب صفات
القاضي وما يجوز ان يقضى به من كتاب القضاء.
(2) كذا فيما وقفنا عليه من النسخ المطبوعة والمخطوطة وقد
تقدمت الإشارة الى ذلك في المقدمة الرابعة في صحيفة 67 سطر 7.
بصحة أخبارنا المذكورة وثبوت تواترها
عن الأئمة المعصومين (عليهمالسلام).
واما الاختلاف الواقع بين الاخبار المذكورة فيمكن دفعه
بالجمع بينها بأحد وجوه :
(أحدها) ـ حمل الأخبار الدالة على المنع من التخصيص على
التخصيص بما ورد من طريق العامة ، أو كان خارجا عن أخبار الأصول التي عليها المدار
بين الشيعة الأبرار ، أو كان مخالفا لعمل الطائفة المحقة قديما وحديثا ، ونحو ذلك.
(الثاني) ـ حمل المخالفة في تلك الأخبار على ما إذا كان
مضمون الخبر مبطلا لحكم القرآن بالكلية. والتقييد والتخصيص بيان لا مخالفة.
(الثالث) ـ حمل المخالفة على مخالفة محكم الكتاب ونصوصه.
(الرابع) ـ ان المراد بطلان الخبر المخالف للقرآن إذا
علم تفسير القرآن بالأثر عن أهل العصمة (صلوات الله عليهم) إذ لا شك في بطلان
المخصص إذا كان ارادة العموم من القرآن معلوما بالنص. نعم ربما ورد في الاخبار ما
يطابق تلك الآيات في الإطلاق أو العموم الا انه ليس مما نحن فيه في شيء (1).
و (ثالثها) ـ تعارض الخبرين المعلومي الورود عنهم (عليهمالسلام) وقد ذكر جملة
من الأصحاب انه ان أمكن الجمع بين الدليلين ولو بتأويل بعيد فهو أولى من طرح أحدهما.
ويرد على ذلك ان هذا مما لا يتمشى في أخبارنا. لورود الكثير منها على جهة التقية
التي هي على خلاف الحكم الشرعي واقعا ، إذ التقية كما قد عرفت
__________________
(1) لان الكلام فيما إذا وردت تلك الأخبار مفسرة للآية فيما دل
عليه ظاهرها من العموم أو الإطلاق أو نحوهما ، واما ورودها موافقة لها في الجملة
من غير ان تكون على جهة التفسير لها فيرتكب في الجمع بين الآية والأخبار أو بين
الاخبار بعضها مع بعض كما أشرنا إليه سابقا من ان أكثر علمائنا بل كلهم في جملة من
المواضع عملوا على ذلك كما سيتضح لك ان شاء الله تعالى في جملة من المسائل الآتية
في أبواب الكتاب (منه قدسسره).
في المقدمة الأولى أصل الاختلاف في
أخبارنا ، فكيف يتمحل الجمع بينها وبين ما هو خلافها واقعا؟ نعم إنما يتمشى ذلك
على قواعد العامة ، لعدم ورود حديث عندهم على جهة التقية. والظاهر ان من صرح بذلك
من أصحابنا إنما أخذه من كلامهم غفلة عن تحقيق الحال وما يلزمه من الاشكال.
(لا يقال) : ان الشيخ (رحمهالله تعالى) في
كتابي الأخبار هو أصل هذه الطريقة ومحقق هذه الحقيقة ، حيث انه جمع بين الأخبار
لقصد رفع التنافي بينها بوجوه عديدة ، وان كانت بعيدة بل جملة منها غير سديدة ،
رعاية لهذه القاعدة وطلبا لهذه الفائدة.
(لأنا نقول) : نعم قد فعل الشيخ ذلك لكن ليس لرعاية هذه
القاعدة ـ كما يتوهم ـ بل السبب الحامل له على ذلك هو ما أشار إليه (قدسسره) في أول كتاب
التهذيب ، من أن بعضا من الشيعة قد رجع عن مذهب الحق لما وجد الاختلاف في الأخبار
، فقصد (قدسسره) إزاحة هذه
الشبهة عن ضعفة العقول ومن ليس له قدم راسخ في المعقول والمنقول ، وارتكب الجمع
ولو بالوجوه البعيدة وأكثر من الاحتمالات. كل ذلك لدفع تلك الشبهة. وبهذا يندفع
عنه ما أورده المتأخرون في جمل من مواضع الجمع بين الأخبار بالبعد أو الفساد ، فان
مثله (قدسسره) ـ ممن لا يشق
غباره ولا يدفع اشتهاره ـ لا يخفى عليه ما اهتدى إليه أولئك الأقوام وما أوردوه
عليه في كل مقام ، لكنهم من قبيل ما يقال : «أساء سمعا فأساء اجابة»
وقد ذكر علماء الأصول من وجوه الترجيحات في هذا المقام
بما لا يرجع أكثره الى محصول. والمعتمد عندنا على ما ورد من أهل بيت الرسول ، من
الأخبار المشتملة على وجوه الترجيحات ، إلا انها بعد لا تخلو من شوب الاشكال ، فلا
بد من بسط جملة منها في هذا المجال ، والكلام فيها بما يكشف نقاب الإجمال وينجلي
به غياهب الاشكال.
فنقول : مما ورد في ذلك ما رواه المشايخ الثلاثة (1) (عطر الله
تعالى مراقدهم) بأسانيدهم عن عمر بن حنظلة عن الصادق (عليهالسلام) وفيها : «فان
كان كل رجل اختار رجلا من أصحابنا فرضيا ان يكونا الناظرين في حقهما ، واختلفا
فيما حكما ، وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ قال : الحكم ما حكم به أعدلهما وافقههما
وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت الى ما يحكم به الآخر. قال : قلت : فإنهما
عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر. قال : فقال : ينظر الى ما
كان ـ من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به ـ المجمع عليه من أصحابك ، فيؤخذ به من
حكمنا ، ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإن المجمع عليه لا ريب فيه.
وانما الأمور ثلاثة : أمر بين رشده فيتبع. وأمر بين غيه فيجتنب. وأمر مشكل يرد
علمه الى الله والى رسوله. قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : «حلال بين
وحرام بين وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ، ومن أخذ بالشبهات
ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم. قلت : فان كان الخبران عنكم مشهورين قد
رواهما الثقات عنكم؟ قال : ينظر ، فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة
فيؤخذ به ، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة. قلت : جعلت فداك أرأيت
ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة
والآخر مخالفا لهم ، بأي الخبرين يؤخذ؟ قال : ما خالف العامة ففيه الرشاد. قلت :
جعلت فداك فان وافقهم الخبران
__________________
(1) رواه الكليني في الكافي في باب (اختلاف الحديث) من كتاب
فضل العلم ورواه الصدوق في الفقيه في باب ـ 9 ـ (الاتفاق على عدلين في الحكومة) من
الجزء الثالث. ورواه الشيخ في التهذيب في باب (الزيادات في القضاء والأحكام) من
كتاب القضاء. ورواه صاحب الوسائل في باب ـ 9 ـ من أبواب صفات القاضي وما يجوز ان
يقضى به من كتاب القضاء.
جميعا؟ قال : ينظر الى ما هم إليه
أميل حكامهم وقضاتهم ، فيترك ويؤخذ بالآخر. قلت : فان وافق حكامهم الخبرين جميعا؟
قال : إذا كان ذلك فأرجئه حتى تلقى إمامك ، فإن الوقوف عند الشبهات خير من
الاقتحام في الهلكات».
ومن ذلك ـ ما رواه الأئمة الثلاثة (1) (نور الله
مراقدهم) بأسانيدهم عن داود ابن الحصين عن ابي عبد الله (عليهالسلام) : «في رجلين
اتفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع بينها فيه خلاف فرضيا بالعدلين ،
واختلف العدلان بينهما ، عن قول أيهما يمضي الحكم؟ فقال : ينظر إلى أفقههما وأعلمهما
بأحاديثنا وأورعهما فينفذ حكمه ولا يلتفت الى الآخر».
ومنه ـ ما رواه الثقة الجليل احمد بن علي بن ابي طالب
الطبرسي (قدسسره) في كتاب
الاحتجاج (2) عن سماعة بن
مهران قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) قلت : يرد
علينا حديثان واحد يأمرنا بالعمل به والآخر ينهانا عن العمل به؟ قال : لا تعمل
بواحد منهما حتى تأتي صاحبك فتسأله عنه. قال : قلت : لا بد أن يعمل بأحدهما. قال :
اعمل بما فيه خلاف العامة».
ومنه ـ ما رواه في الكتاب المذكور (3) عن الحسن بن
الجهم عن الرضا
__________________
(1) رواه الصدوق في الفقيه في باب ـ 9 ـ (الاتفاق على عدلين في
الحكومة) من الجزء الثالث. ورواه الشيخ في التهذيب في باب (الزيادات في القضاء
والأحكام) من كتاب القضاء. ولم نجده في الكافي في الموضع المناسب له. ورواه صاحب
الوسائل في باب ـ 9 ـ من أبواب صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به من كتاب القضاء عن
الفقيه والتهذيب فقط. ورواه صاحب الوافي عنهما فقط أيضا في باب (من لا يجوز
التحاكم اليه ومن يجوز) من أبواب القضاء والشهادات من الجزء التاسع.
(2) في احتجاج ابى عبد الله الصادق في الصحيفة 185 طبع إيران
سنة 1302. ورواه في الوسائل في باب ـ 9 ـ من أبواب صفات القاضي وما يجوز ان يقضى
به من كتاب القضاء.
(3) في الموضع المتقدم ، وفي الوسائل أيضا كذلك.
(عليهالسلام) قال : «قلت
له : تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة؟ قال ما جاءك عنا فقسه على كتاب الله عزوجل وأحاديثنا.
فإن كان يشبههما فهو منا ، وان لم يكن يشبههما فليس منا. قلت : يجيئنا الرجلان ـ وكلاهما
ثقة ـ بحديثين مختلفين فلا نعلم أيهما الحق؟ فقال : إذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما
أخذت».
ومنه ـ ما رواه الشيخ محمد بن علي بن ابي جمهور الأحسائي
في كتاب عوالي اللئالي (1) عن العلامة
مرفوعا عن زرارة بن أعين : قال : «سألت الباقر (عليهالسلام) فقلت : جعلت
فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ؟ فقال : يا زرارة خذ بما
اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر. فقلت : يا سيدي انهما معا مشهوران مرويان
مأثوران عنكم؟ فقال (عليهالسلام) : خذ بما
يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك. فقلت : انهما معا عدلان مرضيان موثقان؟ فقال
: انظر ما وافق منهما العامة فاتركه وخذ ما خالفه ، فان الحق فيما خالفهم. فقلت :
ربما كانا موافقين لهم أو مخالفين فكيف اصنع؟ فقال : اذن فخذ ما فيه الحائطة لدينك
واترك الآخر. فقلت : انهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف أصنع؟ فقال : اذن
فتخير أحدهما فتأخذ به وتدع الآخر» قال في الكتاب المذكور بعد نقل هذه الرواية :
وفي رواية انه (عليهالسلام) قال : «اذن
فأرجئه حتى تلقى إمامك فتسأله».
ومنه ـ ما رواه في الكافي (2) في الموثق عن
سماعة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته
عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه ، أحدهما يأمر بأخذه
والآخر ينهاه عنه كيف يصنع؟ قال : يرجئه حتى يلقى
__________________
(1) ورواه صاحب المستدرك في باب ـ 9 ـ من أبواب صفات القاضي
وما يجوز ان يقضى به من كتاب القضاء.
(2) في باب (اختلاف الحديث) من كتاب فضل العلم ، ورواه صاحب
الوسائل في باب ـ 9 ـ من أبواب صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به من كتاب القضاء.
من يخبره ، فهو في سعة حتى يلقاه» قال
في الكافي بعد نقل هذه الرواية : وفي رواية أخرى : «بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك».
ومنه ـ ما رواه الصدوق (رحمهالله) في كتاب عيون
اخبار الرضا (عليهالسلام) (1) بسنده عن احمد
بن الحسن الميثمي : انه «سئل الرضا (عليهالسلام) يوما وقد
اجتمع عنده قوم من أصحابه ، وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) في الشيء
الواحد ، فقال (عليهالسلام) : ما ورد
عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله ، فما كان في كتاب الله موجودا
حلالا أو حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن
النبي (صلىاللهعليهوآله) فما كان في
السنة موجودا منهيا عنه نهي حرام أو مأمورا به عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أمر إلزام ،
فاتبعوا ما وافق نهي رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وامره ، وما
كان في السنة نهي إعافة أو كراهة ثم كان الخبر الآخر خلافه ، فذلك رخصة فيما عافه
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وكرهه ولم
يحرمه ، فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعا ، أو بأيهما شئت وسعك الاختيار من باب
التسليم والاتباع والرد الى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ، وما لم
تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ولا تقولوا فيه
بآرائكم ، وعليكم بالكف والتثبت والوقوف ـ وأنتم طالبون باحثون ـ حتى يأتيكم
البيان من عندنا».
ومنه ـ ما رواه الشيخ السعيد قطب الدين سعيد بن هبة الله
الراوندي في رسالته المعمولة في بيان أحوال أحاديث أصحابنا وصحتها (2) بإسناده عن
الصدوق ابي جعفر محمد بن علي بن بابويه في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله
قال : «قال
__________________
(1) في الاخبار المنثورة عن الرضا (عليهالسلام) في الصحيفة 191 طبع إيران سنة 1318 ،
ورواه صاحب الوسائل في باب ـ 9 ـ من أبواب صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به من
كتاب القضاء.
(2) وفي الوسائل في الموضع المتقدم.
الصادق (عليهالسلام) : إذا ورد
عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما
خالف كتاب الله فذروه ، فان لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة ،
فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه».
ومنه ـ ما رواه في الرسالة المذكورة عن ابن بابويه بسنده
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا ما خالف القوم». وروى فيها بهذا النحو أخبارا
عديدة متفقة المضمون على الترجيح بالعرض على مذهب العامة والأخذ بخلافه.
ومنه ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار (2) قال : «قرأت
في كتاب لعبد الله بن محمد الى ابي الحسن (عليهالسلام) : اختلف
أصحابنا في رواياتهم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في ركعتي
الفجر في السفر : فروى بعضهم ان صلهما في المحمل وروى بعضهم ان لا تصلهما إلا على
الأرض. فأعلمني كيف تصنع أنت لأقتدي بك في ذلك؟ فوقع (عليهالسلام) : موسع عليك
بآية عملت».
ومنه ـ ما رواه في كتاب الاحتجاج في جواب مكاتبة محمد بن
عبد الله الحميري الى صاحب الزمان (عليهالسلام) (3) «يسألني بعض
الفقهاء عن المصلي إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة ، هل يجب عليه ان
يكبر؟ فان بعض أصحابنا قال : لا يجب عليه التكبير ويجزيه ان يقول بحول الله وقوته
أقوم وأقعد. الجواب :
__________________
(1) ورواه صاحب الوسائل في باب ـ 9 ـ من أبواب صفات القاضي وما
يجوز ان يقضى به من كتاب القضاء.
(2) في صلاة المسافر من كتاب القضاء من التهذيب ، ورواه صاحب
الوسائل في باب ـ 9 ـ من أبواب صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به من كتاب القضاء.
(3) في الصحيفة (247) طبع إيران سنة 1302. ورواه صاحب الوسائل
في باب ـ 9 ـ من أبواب صفات القاضي وما يجوز ان يقضي به من كتاب القضاء.
في ذلك حديثان ، أما أحدهما فإنه إذا
انتقل من حالة الى أخرى فعليه التكبير. واما الحديث الآخر فإنه روي انه إذا رفع
رأسه من السجدة الثانية وكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير
، وكذلك التشهد الأول يجري هذا المجرى. وبأيهما أخذت من باب التسليم كان صوابا».
ومنه ـ ما رواه في الكتاب المذكور عن الحرث بن المغيرة
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم فترد اليه».
ومنه ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي (2) بسنده عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) قال : «أرأيتك
لو حدثتك بحديث ـ العام ـ ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه ، بأيهما كنت تأخذ؟ قال
: قلت : كنت آخذ بالأخير. فقال لي : رحمك الله».
ومنه ـ ما رواه في الكتاب المذكور ايضا (3) بسنده عن
المعلى بن خنيس عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : إذا جاء
حديث عن أولكم وحديث عن آخركم بأيهما نأخذ؟ قال : خذوا به حتى يبلغكم عن الحي فإن
بلغكم عن الحي فخذوا بقوله. قال : ثم قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : إنا والله
لا ندخلكم إلا فيما يسعكم» قال في الكافي بعد نقل هذا الخبر : وفي حديث آخر : «خذوا
بالأحدث».
__________________
(1) في احتجاج ابى عبد الله الصادق (عليهالسلام) في الصحيفة 185 طبع إيران سنة 1302.
ورواه صاحب الوسائل في باب ـ 9 ـ من أبواب صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به من
كتاب القضاء.
(2) في باب (اختلاف الحديث) من كتاب فضل العلم ، ورواه صاحب
الوسائل في باب ـ 9 ـ من أبواب صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به من كتاب القضاء.
(3) في الموضع المتقدم وفي الوسائل أيضا كذلك.
إذا عرفت ذلك فتحقيق الكلام في هذه الأخبار يقع في مواضع
:
(الأول) ـ لا يخفى أن مقبولة عمر بن حنظلة (1) ومرفوعة زرارة
(2) قد اشتملتا
على الترجيح بأعدلية الراوي وافقهيته ، وهذا الطريق من طرق الترجيح لم يتعرض له
ثقة الإسلام في ديباجة الكافي في ضمن نقله طرق الترجيحات ، وإنما ذكر الترجيح
بموافقة الكتاب ومخالفة العامة والأخذ بالمجمع عليه ، ولعل الوجه فيه ما ذكره بعض
مشايخنا (رضوان الله عليهم) من انه لما كانت أحاديث كتابة كلها صحيحة عنده ـ كما
صرح به في غير موضع من ديباجة كتابه ـ فلا وجه للترجيح بعدالة الراوي. ويحتمل ايضا
أن يقال : ان في الترجيح بأحد تلك الوجوه الثلاثة غنية عن الترجيح بعدالة الراوي
كما سيأتي تحقيقه. ويؤيد ذلك خلو ما عدا الخبرين المذكورين ورواية داود ابن الحصين
(3) من الأخبار
الواردة في هذا المضمار عن عد ذلك في جملة المرجحات.
ويؤيده أيضا ما رواه في الكافي (4) عن ابن ابي
يعفور قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن اختلاف
الحديث : يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به قال : إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له
شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وإلا فالذي
جاءكم به اولى به». فإنه (عليهالسلام) لم يرجح
بالوثاقة ولم يقل اعمل بما تثق به دون ما لا تثق به مع كون السؤال عن الاختلاف
الناشئ عن رواية الثقة وغير الثقة.
(الثاني) ـ انه قد اشتملت مقبولة عمر بن حنظلة ومرفوعة
زرارة على جملة الطرق الواردة في الترجيح ، لكنهما قد اختلفتا في الترتيب بين تلك
الطرق ، فاشتملت الاولى منهما على الترجيح بالأعدلية والافقهية ثم بالمجمع عليه ثم
بموافقة الكتاب
__________________
(1) المتقدمة في الصحيفة 91.
(2) المتقدمة في الصحيفة 93 السطر 5 ،.
(3) المتقدمة في الصحيفة 92 السطر 4.
(4) في باب (الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب) من كتاب فضل العلم.
ثم بمخالفة العامة ، والثانية منهما
قد اشتملت على الترجيح بالشهرة أولا ثم بالأعدلية والأوثقية ثم بمخالفة العامة ثم
بالأحوطية ، ولم يذكر فيها الترجيح بموافقة القرآن ، كما لم يذكر في الأولى
الترجيح بالأحوطية.
ويمكن الجواب (أولا) بأن يقال : ان الترتيب غير منظور
فيهما ، لأنه في الحقيقة انما وقع في كلام السائل لا في كلامه (عليهالسلام) وغاية ما
يفهم من كلامه (عليهالسلام) هو الترتيب
الذكري. وهو لا يستدعي الترتيب في وقوع الترجيح ، وحينئذ فأي طريق اتفق من هذه
الطرق عمل عليه ، وبذلك يندفع ما قيل : ان مقتضى مقبولة عمر بن حنظلة (1) ـ حيث قدم
فيها الترجيح بالأعدلية والأوثقية ـ انه لا يصار الى غير الطريق المذكور إلا مع
تعذر الترجيح به ، وهكذا باقي الطرق.
(لا يقال) : يلزم الاشكال لو تعارضت الطرق المذكورة :
بأن كان أحد الخبرين مجمعا عليه مع موافقته للعامة والآخر غير مجمع عليه مع
مخالفته لهم ، أو أحدهما موافقا للكتاب مع موافقته للعامة والآخر مخالفا للعامة
وللكتاب.
(لأنا نقول) : غاية ما يلزم من ذلك خلو الروايتين
المذكورتين عن حكم ذلك ، والمدعى إنما هو عدم دلالتهما على الترتيب في هذه الطرق
لا الدلالة على عدم الترتيب واقعا أو الدلالة عليه. على انا نقول : انه مع القول
بعدم المخالفة بين الاخبار والقرآن إذا كانت مخصصة له كما أسلفنا بيانه (2) ، فلا نسلم وجود
هذه الفروض المذكورة في أخبارنا المعمول عليها عندنا ، كما لا يخفى على من جاس
خلال تلك الديار وتصفح الأخبار بعين الاعتبار ، ومع إمكان وجود ذلك فيمكن ايضا
القول بأنه متى تعارض طريقان من الطرق المذكورة. يصار الى الترجيح بغيرهما إن أمكن
، أو بهما مع اعتضاد أحدهما بمرجح آخر من تلك الطرق ان وجد ، وإلا صير الى التوقف
والإرجاء أو التخيير.
__________________
(1) المتقدمة في الصحيفة 91.
(2) في الصحيفة 89 السطر 7.
ويمكن أن يقال أيضا في الجواب (ثانيا) عن اختلاف الخبرين
المذكورين في الترتيب بين الطرق : بأنه لا يبعد ترجيح العمل بما تضمنته مقبولة عمر
بن حنظلة (1) ، لاعتضادها
بنقل الأئمة الثلاثة (رضوان الله عليهم) وتلقي الأصحاب لها بالقبول حتى انه اتفقت
كلمتهم على التعبير عنها بهذا اللفظ الذي كررنا ذكره ، واطباقهم على العمل بما
تضمنته من الأحكام. بخلاف الرواية الأخرى ، فإنا لم نقف عليها في غير كتاب عوالي
اللئالي ، مع ما هي عليه من الرفع والإرسال ، وما عليه الكتاب المذكور من نسبة
صاحبه الى التساهل في نقل الاخبار والإهمال وخلط غثها بسمينها وصحيحها بسقيمها كما
لا يخفى على من وقف على الكتاب المذكور.
(الثالث) ـ انه قد دلت مقبولة عمر بن حنظلة (2) على الإرجاء
والتوقف بعد التساوي في طرق الترجيحات المذكورة. ومرفوعة زرارة (3) على التخيير
في العمل بأحدهما بعد ذلك ، وبعض الاخبار قد دل على التوقف والإرجاء من غير ذكر شيء
من الطرق قبل ذلك. وبعض آخر قد دل على التخيير كذلك. ولعل الأخيرين (4) محمولان على
عدم إمكان الترجيح بتلك الطرق ، لاستفاضة الأخبار بالترجيح سيما بالقرآن ومخالفة
العامة أولا ، بل العمل بهما وان لم يكن ثمة مخالف من الأخبار ، الا ان خبر سماعة
ـ المنقول عن كتاب الاحتجاج (5) ـ ينافي ذلك ،
ولعله محمول على إمكان الوصول الى الامام (عليهالسلام) وإمكان
التأخير ، إذ الترجيح بهذه الطرق فرع تعذر الوصول اليه (عليهالسلام) بغير مشقة (6) وقد اختلفت
كلمة أصحابنا (رضوان الله عليهم)
__________________
(1 و 2) المتقدمة في الصحيفة 91.
(3) المتقدمة في الصحيفة 93 السطر 5.
(4) وهو البعض الدال على التوقف والإرجاء من غير ذكر شيء من
الطرق قبل ذلك والبعض الدال على التخيير كذلك (منه قدسسره).
(5) في الصحيفة 92 السطر 9.
(6) والا فلو كان في بلده (عليهالسلام) أو قريبا بحيث يمكنه الأخذ منه
فالظاهر
عليهم) في وجه الجمع بين خبري الإرجاء
والتسليم على وجوه :
(فمنها) ـ حمل خبر الإرجاء على الفتوى وحمل خبر التخيير
على العمل ، بمعنى انه لا يجوز للفقيه ـ والحال كذلك ـ الفتوى والحكم وان جاز له
العمل بأيهما شاء من باب التسليم. وبه صرح جملة من مشايخنا المتأخرين ، واستدل
بعضهم على ذلك بصحيحة علي بن مهزيار ومكاتبة الحميري المتقدمتين (1) وظني انهما
ليستا من ذلك الباب ، إذ الظاهر من الأخبار ان التخيير في العمل من باب الرد
والتسليم إنما هو مع تعذر رد الحكم لهم (عليهمالسلام) وتساوي
الخبرين في طرق الترجيح ، فالحكم حينئذ فيه التخيير في العمل خروجا من الحيرة
ودفعا للحرج والضرورة ، كما ينادي به كلام ثقة الإسلام الآتي نقله (2). فهو من قبيل
الرخص الواردة عنهم (عليهمالسلام) في مقام
الضرورة كالعمل بالتقية ونحوه ، واما مع رد الحكم للإمام (عليهالسلام) وامره
بالتخيير فالظاهر ان الحكم الشرعي في ذلك هو التخيير ، وهو أحد الوجوه التي يجمع
بها بين الأخبار إذا ظهر له مستند منها. والأمر هنا كذلك.
و (منها) ـ حمل الإرجاء على زمن وجوده (عليهالسلام) وإمكان الرد
اليه ، وحمل التخيير على زمان الغيبة وعدم إمكان الوصول اليه. وبه صرح الثقة
الجليل احمد بن علي بن ابي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج (3) وفيه ان ذلك
يتم بالنسبة
__________________
انه لا يسوغ له الترجيح بتلك الطرق ، وكذا لو لم يكن في بلده
وأمكن التأخير إلى مراجعته ورؤيته فالظاهر انه لا يسوغ الترجيح بها ايضا (منه رحمهالله).
(1) في الصحيفة 95 السطر 8 و 13.
(2) في هذه المقدمة في الموضع الخامس.
(3) قال (قدسسره) في الكتاب المذكور بعد نقل مقبولة عمر
بن حنظلة : «واما قوله (عليهالسلام) للسائل ـ : ارجه وقف عنده حتى تلقى
إمامك ـ أمر بذلك عند تمكنه من الوصول الى الامام ، فاما إذا كان غائبا ولا يتمكن
من الوصول اليه والأصحاب كلهم مجمعون على الخبرين ولم يكن هناك رجحان لرواة أحدهما
على رواة الآخر بالكثرة والعدالة ، كان الحكم بهما من باب التخيير» ثم استدل
برواية الحسن بن الجهم ورواية الحرث بن المغيرة المتقدمتين (منه رحمهالله).
الى الأخبار المشتملة على الإرجاء
والتخيير الخالية عن طرق الترجيح. واما الاخبار المشتملة عليها ـ كمقبولة عمر بن
حنظلة (1) ومرفوعة زرارة
(2) المجعول فيهما
الإرجاء والتخيير بعد تعذر الترجيح بتلك الطرق ـ فيشكل بان الظاهر أن الترجيح بتلك
الطرق إنما يصار اليه عند تعذر الوصول إليهم (عليهمالسلام) فكيف يحمل
الإرجاء في هذه الحال على إمكان الوصول؟ إلا ان يحمل على ذوي الأطراف البعيدة
المستلزم الوصول فيها المشقة فيعمل على تلك المرجحات ، ومع عدم إمكان الترجيح بها
يقف عن الحكم والعمل حتى يصل للإمام (عليهالسلام) ، وربما يفهم
ذلك من مرفوعة زرارة (3) ، لأمره (عليهالسلام) له بذلك.
فإنه دال بإطلاقه على ما هنالك.
(ومنها) ـ حمل اخبار التخيير على العبادات المحضة
كالصلاة ، وحمل أخبار الإرجاء على غيرها من حقوق الآدميين من دين أو ميراث على
جماعة مخصوصين أو فرج أو زكاة أو خمس ، فيجب التوقف عن الأفعال الوجودية المبنية
على تعيين أحد الطرفين بعينه. ذهب اليه المحدث الأمين الأسترآبادي (قدسسره) في كتاب
الفوائد المدنية ، والظاهر ان وجهه اشتمال مقبولة عمر بن حنظلة (4) الدالة على
الإرجاء على كون متعلق الاختلاف حقوق الناس. وفيه ان تقييد إطلاق جملة الأخبار
الواردة بذلك لا يخلو من إشكال ، فإنها ليست نصا في التخصيص بل ولا ظاهرة فيه حتى
يمكن ارتكاب التخصيص بها.
و (منها) ـ حمل خبر الإرجاء على ما لم يضطر الى العمل
بأحدهما. والتخيير على حال الاضطرار والحاجة الى العمل بأحدهما. ذهب اليه الفاضل
ابن ابي جمهور
__________________
(1) المتقدمة في الصحيفة 91.
(2) المتقدمة في الصحيفة 93 السطر ـ 5.
(3) المتقدمة في الصحيفة 93 السطر ـ 5.
(4) المتقدمة في الصحيفة 91.
في كتاب عوالي اللئالي ، وظاهره حمل
كل من خبري الإرجاء والتخيير على العمل خاصة أعم من أن يكون في زمن الغيبة أو عدم
إمكان الوصول أولا. وهذا الإطلاق مشكل ، لان الظاهر انه مع الحضور وإمكان الوصول
لا يسوغ التخيير بل يجب الإرجاء حتى يسأل.
و (منها) ـ حمل الإرجاء على الاستحباب ، والتخيير على
الجواز. نقله المحدث السيد نعمة الله عن شيخه المجلسي (قدسسرهما) (1) وظني بعده.
و (منها) ـ ما يفهم من خبر الميثمي المتقدم نقله عن كتاب
عيون الاخبار (2) من تخصيص
التخيير في العمل بما كان النهي فيه نهي اعافة لا نهي تحريم ثم كان الخبر الآخر
خلافه فإنه رخصة ، والإرجاء والتوقف على غير ذلك. والظاهر انه لا يطرد كليا ، لما
عرفت من عموم خبري (3) عمر بن حنظلة
وزرارة ونحوهما من الأخبار.
و (منها) ـ حمل الإرجاء على النهي عن الترجيح والعمل
بالرأي ، وحمل التخيير على الأخذ من باب التسليم والرد إليهم (عليهمالسلام) لا إلى الرأي
والترجيح بما يوافق الهوى كما هو قول أبي حنيفة وأضرابه. وهذا الوجه نقله بعض
مشايخنا (رضوان الله عليهم) احتمالا ايضا. والظاهر بعده.
و (منها) ـ حمل خبر الإرجاء على حكم غير المتناقضين وحمل
خبر التخيير على المتناقضين. نقله بعض شراح الأصول عن بعض الأفاضل. وفيه ان موثقة
سماعة المتقدمة (4) عن الكافي
موردها في المتناقضين مع انه حكم فيها بالإرجاء ، وحكم
__________________
(1) الذي وقفت عليه ـ من كلام شيخنا المجلسي في كتاب البحار ـ انه
ذكر هذا الوجه احتمالا لا اختيارا كما يشعر به كلام السيد المذكور ، وقد استظهر في
كتاب البحار الوجه المنقول عن الاحتجاج ، ولعل السيد (قدسسره) سمع ذلك منه مشافهة (منه قدسسره).
(2) في الصحيفة 94 السطر 3.
(3) المتقدمين في الصحيفة 91 والصحيفة 93 السطر ـ 5.
(4) في الصحيفة 93 السطر 16.
في الرواية المرسلة التي بعدها (1) بالتخيير ،
والمورد واحد ، وروايته المنقولة عن الاحتجاج (2) ايضا موردها المتناقضان مع انه حكم
فيها بالإرجاء.
إذا عرفت ذلك فاعلم انه يمكن ترجيح الوجه الأول بقوله (عليهالسلام) في حديث
الميثمي (3) : «فردوا علمه
إلينا ولا تقولوا فيه بآرائكم». فإن ظاهره المنع عن الإفتاء والحكم خاصة ، ولا
ينافيه التخيير في الفعل تسليما لهم (عليهمالسلام) وعليه يدل
ظاهر رواية الحرث بن المغيرة (4) فإن ظاهرها
انه متى كان نقلة الحديث كلهم ثقات فموسع عليك في العمل بقول كل منهم حتى ترى
القائم فترد اليه الحكم والفتوى في ذلك ، وإلا فلا معنى للسعة المذكورة سيما لو
كان الفرض إلجاء الحاجة الى العمل بأحدهما بل هو ضيق ، ومثلها موثقة سماعة (5) فإن ظاهر قوله
: «فهو في سعة حتى يلقاه». مفرعا على الإرجاء المشعر ذلك باختلاف متعلقيهما أن
السعة إنما هي باعتبار التخيير بين الفعل وعدمه والإرجاء باعتبار الحكم خاصة. إلا
ان هذه الرواية محتملة لاحتمال آخر ايضا.
وعندي ان مرجع كل من الوجه الأول والثاني عند التأمل
والتحقيق بالنظر الدقيق إلى أمر واحد. وذلك فان حمل الإرجاء على الفتوى والتخيير
على العمل (6) ـ
__________________
(1) المتقدمة في الصحيفة 94 السطر 1.
(2) المتقدمة في الصحيفة 92 السطر 9.
(3) المتقدم في الصحيفة 94 السطر 3.
(4) المتقدمة في الصحيفة 96 السطر 5.
(5) المتقدمة في الصحيفة 93 السطر 16.
(6) إذ الفرض ان الخبرين متناقضان ، أحدهما يأمر والآخر ينهى ،
ومتعلق الأمر والنهى شيء واحد ، فارجاء العمل بكل منهما مما لا سبيل اليه كما
تقتضيه قضية التناقض بل لا بد من وقوع أحدهما فلا يمكن حينئذ تعلق الإرجاء بالنسبة
إلى العمل بهما معا. واما الاحتمال المذكور في موثقة سماعة فهو ان الإرجاء بترك
الفعل لا بترك الخبرين معا بناء
كما هو الوجه الأول ـ لا يكون إلا مع
غيبة الإمام (عليهالسلام) أو عدم إمكان
الوصول إليه ، إذ الظاهر انه متى أمكن الوصول اليه واستعلام الحكم منه فإنه يتحتم
الإرجاء في الفتوى والعمل تحصيلا للحكم بطريق العلم واليقين كما هو الطريق الواضح
المستبين ، اما مع عدم إمكان الترجيح بما تقدمهما من الطرق أو مع الإمكان على
التفصيل المتقدم آنفا (1) والى ذلك يشير
خبر سماعة المنقول عن الاحتجاج (2) وحمل الإرجاء على زمن وجود الامام (عليهالسلام) وإمكان الرد
اليه والتخيير على ما عدا ذلك ـ كما هو الوجه الثاني ـ مراد به الإرجاء في الفتوى
والفعل لما عرفت ، والتخيير على الوجه المذكور (3) مراد به التخيير في الفعل خاصة ، إذ
لا مجال لاعتبار التخيير في الحكم الشرعي والفتوى به ، لاستفاضة الآيات والأخبار
بالمنع من الحكم والفتوى بغير علم ، وان الحكم الشرعي في كل مسألة واحد يصيبه من
يصيبه ويخطيه من يخطيه لا تعدد فيه ، وهذا مما ينافي التخيير في الفتوى ، وحينئذ
فيرجع الى التخيير في الفعل
__________________
على ان المستفاد من بعض الاخبار ـ كما تقدم ـ انه متى تردد
الفعل بين الوجوب والتحريم فالاحتياط في الترك وان كان الواجب واقعا هو الفعل ،
ورواية سماعة الأولى ظاهرة في هذا المعنى (منه رحمهالله).
(1) وهو قوله في صدر الموضع الثالث : ولعله محمول. إلخ ، فإنه
يدل على انه مع إمكان الوصول يجب التوقف في الفتوى والعمل ان أمكن التأخير ، والا
فلو لم يمكن بان ألجأت الضرورة إلى العمل بأحدهما من غير احتمال للتأخير إلى
مراجعته (عليهالسلام) فإنه يسوغ الترجيح بتلك المرجحات
المنصوصة (منه رحمهالله).
(2) حيث نهى (عليهالسلام) عن العمل بواحد منهما حتى يلقى صاحبه
يعني الإمام (عليهالسلام) فلما قال له السائل : لا بد من العمل
بأحدهما. أمره بما فيه خلاف العامة مع استفاضة الأخبار بالعرض على مذهب العامة
أولا قبل الإرجاء ، فإنه ظاهر في انه مع إمكان الرجوع أولا إليه (عليهالسلام) لا مرجح بمخالفة مذهب العامة ولا غيره
، ويؤيده انه لعل الحكم هو العمل بما عليه العامة يومئذ (منه رحمهالله).
(3) مع عدم إمكان الوصول اما لغيبة أو لمانع من الوصول اليه «منه
رحمهالله».
خاصة ، وبذلك يجتمع الوجهان المذكوران
على أحسن التئام وانتظام وان غفلت عنه جملة مشايخنا العظام ، ولعل هذا الوجه حينئذ
هو أقرب الوجوه المذكورة (1).
وكيف كان فتعدد هذه الاحتمالات مما يدخل الحكم المذكور
في حيز المتشابهات التي يجب الوقوف فيها على جادة الاحتياط ، فإنه أحد مواضعه كما
قدمنا تحقيقه وأوضحنا طريقه (2).
(الرابع) ـ يستفاد من الروايات الأخيرة (3) ان من جملة
الطرق المرجحة عند التعارض الأخذ بالأخير ، ولم أقف على من عد ذلك في طرق
الترجيحات فضلا عمن عمل عليه غير الصدوق (طاب ثراه) في الفقيه في باب (الرجل يوصي
__________________
(1) ويؤيد ما ذكرنا في هذا المقام ما وقفت عليه في كلام بعض
الاعلام من متأخري مشايخنا الكرام ، حيث قال ـ بعد تقديم كلام يتعلق بالبحث
المذكور ـ ما لفظه : «وبالجملة فإنه ربما كان في الجمع بين الإرجاء والتوسعة ـ كما
في موثقة سماعة ، وبينها وبين الرد كما في رواية الحرث ، مفرعا أحدهما على الآخر
ومعقبا به حتى كأنه تفصيل وبيان لإجماله ـ اشعار باختلاف متعلقهما ، كما يومي اليه
أيضا قوله في خبر ابن الجهم : «إذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت». من ان متعلق
التوسعة العمل بأيهما على وجه الإباحة والمردود هو العلم ، إذ مع العلم لا توسعة ،
لوجوب العمل بالمعلوم ، وفيه مع الإيماء الى ذلك بيان ان التوسعة معلقة على عدم
العلم مطلقا كما أشير إليه بقوله (عليهالسلام) : «الناس في سعة ما لم يعلموا». وانه
لا فرق بين عدمه لخلو الذهن من الطرفين والنسبة ، أو الشك في النسبة سواء كان
منشأه فقد الدليل أو تعارض الدليلين». انتهى كلامه زيد مقامه ، وهو جيد رشيق (منه رحمهالله).
(2) الظاهر ان مراده ما تقدم في المقدمة الرابعة في الصحيفة
70.
(3) المتقدمة في الصحيفة 96 السطر 8 و 11 و 15. وهي : ما رواه
ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن ابى عبد الله وخبر المعلى بن خنيس ومرسل الكافي.
للرجلين) (1) حيث نقل خبرين
مختلفين ثم قال : «ولو صح الخبران جميعا لكان الواجب الأخذ بقول الأخير كما أمر به
الصادق (عليهالسلام) ، وذلك لان
الأخبار لها وجوه ومعان ، وكل إمام أعلم بزمانه وأحكامه من غيره من الناس» انتهى.
أقول : والعمل بهذا الوجه بالنسبة إلى زمانهم (عليهمالسلام) لا اشكال
فيه. وذلك لان الظاهر ان الاختلاف المذكور ناشىء عن التقية لقصد الدفع عن الشيعة
، كما يشير اليه قوله (عليهالسلام) في الخبر
الثاني من الاخبار المشار إليها (2) : «إنا والله لا ندخلكم إلا فيما
يسعكم». وحينئذ فالوجه في الأمر بالأخذ بالأخير انه ، لو كانت التقية في الأول من
الخبرين فالثاني رافع لها فيجب الأخذ به ، وان كانت التقية في الثاني وجب الأخذ به
لذلك. واما بالنسبة إلى مثل زماننا هذا فالظاهر انه لا يتجه العمل بذلك على
الإطلاق ، لجواز ان يحصل العلم بأن الثاني إنما ورد على سبيل التقية والحال ان
المكلف ليس في تقية ، فإنه يتحتم عليه العمل بالأول ولو لم يعلم كون الثاني بخصوصه
تقية بل صار احتمالها قائما بالنسبة إليهما ، فالواجب حينئذ هو التخيير أو الوقوف
بناء على ظواهر الأخبار ، أو الاحتياط كما ذكرناه (3).
(الخامس) ـ المستفاد ـ من كلام ثقة الإسلام وعلم الاعلام
(قدسسره) في ديباجة
كتاب الكافي ـ ان مذهبه فيما اختلفت فيه الاخبار هو القول بالتخيير. ولم أعثر على
من نقل ذلك مذهبا له مع ان عبارته (طاب ثراه) ظاهرة الدلالة طافحة المقالة ، وشراح
كلامه قد زيفوا عبارته وأغفلوا مقالته.
قال (قدسسره) (4) : فاعلم يا
أخي ـ أرشدك الله ـ انه لا يسع أحدا تمييز شيء
__________________
(1) من الجزء الرابع ، وعنوانه (الرجلان يوصى إليهما فينفرد كل
منهما بنصف التركة).
(2) وهو خبر المعلى بن خنيس المتقدم في الصحيفة 96 السطر 11.
(3) في الصحيفة 105 السطر 3.
(4) في الصحيفة 8 السطر 16 من النسخة المطبوعة بمطبعة الحيدرى
بطهران سنة 1375.
مما اختلفت الرواية فيه عن العلماء (عليهمالسلام) برأيه إلا
على ما أطلقه العالم بقوله (عليهالسلام) : «اعرضوهما
على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله عزوجل فخذوه وما
خالف كتاب الله فردوه». وقوله (عليهالسلام) : «دعوا ما
وافق القوم ، فان الرشد في خلافهم». وقوله (عليهالسلام) : «خذوا
بالمجمع عليه ، فان المجمع عليه لا ريب فيه». ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلا أقله ،
ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من رد علم ذلك كله الى العالم ، وقبول ما وسع من الأمر
فيه بقوله : «بأيما أخذتم من باب التسليم وسعكم». انتهى.
وقوله (قدسسره) : «ونحن لا
نعرف. إلخ» الظاهر ان معناه انا لا نعرف من كل من الضوابط الثلاث إلا الأقل.
ويمكن توجيهه بان يقال : اما الكتاب العزيز فلاستفاضة
الأخبار ـ كما قدمنا لك شطرا منها (1) ـ بأنه لا يعلمه على التحقيق سواهم (عليهمالسلام) ، وقد علمت
مما حققناه سابقا ان القدر الذي يمكن الاستناد اليه من الكتاب العزيز في الأحكام
الشرعية أقل قليل.
واما مذهب العامة فلا يخفى ـ على الواقف على كتب السير
والآثار والمتتبع للقصص والاخبار ، وبه صرح أيضا جملة من علمائنا الأبرار بل
وعلماؤهم في ذلك المضمار ـ ما عليه مذاهب العامة في الصدر السابق من الكثرة
والانتشار ، واستقرار مذهبهم على هذه الأربعة إنما وقع في حدود سنة خمس وستين
وستمائة ، كما نقله المحدث الأمين الأسترآبادي في كتاب الفوائد المدنية عن بعض
علماء العامة ، على ان المستفاد من الأخبار كما قدمنا تحقيقه في المقدمة الأولى
وقوع التقية وان لم يكن على وفق شيء من أقوالهم.
__________________
(1) في المقام الأول من المقدمة الثالثة.
واما المجمع عليه ، فان أريد في الفتوى فهو ظاهر التعسر
، لان كتب المتقدمين كلها مقصورة على نقل الاخبار كما لا يخفى على من راجع الموجود
منها الآن ، ككتاب قرب الاسناد وكتاب علي بن جعفر ومحاسن البرقي وبصائر الدرجات
ونحوها ولتفرق الأصحاب وانزوائهم في زاوية التقية في أكثر البلدان ، وان أريد في
الرواية بمعنى ان يكون مجمعا عليه في الأصول المكتوبة عنهم ، ففيه انها قد اشتملت
على الأخبار المتخالفة والأحاديث المتضادة فهي مشتركة في الوصف المذكور ، وحينئذ
فمتى لم تعلم هذه الأمور على الحقيقة فالمعتمد عليها ربما يقع في المخالفة من حيث
لا يشعر وتزل قدمه من حيث لا يبصر ، فلا شيء أسلم من الأخذ بما وسعوا فيه من باب
التسليم لهم دون الجزم والحكم بكون ذلك هو الحكم الواقعي ، فإن فيه تحرزا عن القول
على الله (سبحانه) بغير علم ، وتخلصا من التهجم على الأحكام بغير بصيرة وفهم.
وما ذكره بعض مشايخنا المعاصرين (نور الله تعالى مراقدهم)
(1) ـ من انه ليس
الأمر كذلك ، قال : «فان الحق لا يشتبه بالباطل ، والمطوق ليس كالعاطل ، والشمس لا
تستر بالنقاب ، والشراب لا يلتبس بالسراب ، وما ورد من التقية لا يكاد يخفى» انتهى
ـ فعبارات قشرية وتسجيعات من التحقيق عرية ، كما لا يخفى على من عض على العلم
بالأخبار بضرس قاطع ، واعطى التأمل حقه فيما أودعناه في هذه المواضع ، كيف؟ وهو (قدسسره) في جملة
مصنفاته وفتاويه يدور مدار الاحتياط خوفا من الوقوع في شبهات الاحتياط ، قائلا في
بعض مصنفاته : «ان مناط أكثر الأحكام لا يخلو من شوب وريب وتردد ، لكثرة
الاختلافات في تعارض الأدلة وتدافع الأمارات ، فلا ينبغي ترك الاحتياط للمجتهد
فضلا عمن دونه» انتهى.
(السادس) ـ قد اشتهر ـ بين أكثر أصحابنا سيما المتأخرين
ـ عدا الاستحباب
__________________
(1) هو شيخنا العلامة أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله
الماحوزي البحراني (قدسسره) في بعض مصنفاته (منه رحمهالله).
والكراهة من جملة وجوه الجمع بين
الأخبار ، بل الاقتصار عليهما في الجمع دون تلك القواعد المنصوصة والضوابط
المخصوصة ، كما لا يخفى على من لاحظ كتب المتأخرين ومتأخريهم ، حتى تحذلق بعض
متأخري المتأخرين ـ كما نقله بعض مشايخنا المعاصرين ـ فقال : «إذا أمكن التوفيق
بين الأخبار بحمل بعضها على المجاز كحمل النهي على الكراهة والأمر على الاستحباب
وغير ذلك من ضروب التأويلات ، فهو أولى من حمل بعضها على التقية وان اتفق
المخالفون على موافقته» ولعمري انه محض اجتهاد في مقابلة النصوص وجرأة على رد كلام
أهل الخصوص ، وقد قدمنا لك في المقدمة السابقة (1) ما فيه مزيد تحقيق للمقام ودفع لهذه
الأوهام.
(السابع) ـ الذي ظهر لي من الأخبار ـ مما تقدم نقله
وغيره ، وعليه اعتمد وبه أعمل ـ انه متى تعارض الخبران على وجه لا يمكن رد أحدهما
إلى الآخر.
فالواجب ـ أولا ـ العرض على الكتاب العزيز. وذلك
لاستفاضة الأخبار بالعرض عليه وان لم يكن في مقام اختلاف الأخبار ، وان ما خالفه
فهو زخرف (2) ولعدم جواز
مخالفة أحكامهم (عليهمالسلام) للكتاب
العزيز ، لانه آيتهم وحجتهم واخبارهم تابعة له ومقتبسة منه ، وأما ما ورد مخصصا أو
مقيدا له فليس من المخالفة في شيء كما قدمنا بيانه وأوضحنا برهانه (3). والمراد
العرض على محكماته ونصوصه بعد معرفة الناسخ منها من المنسوخ. واما غيرها فيشترط
ورود التفسير له عن أهل البيت (عليهمالسلام) ، وإلا
فالتوقف عن الترجيح بهذه القاعدة.
ثم الترجيح بالعرض على مذهب القوم والأخذ بخلافهم ،
لاستفاضة
__________________
(1) الظاهر ان مراده ما تقدم في المقدمة الرابعة في الصحيفة 70
وفي النسختين الخطبتين اللتين وقفنا عليهما (الاولى) بدل (السابقة) ويحتمل ان يكون
من غلط النساخ.
(2) روى صاحب الوسائل هذه الاخبار في باب ـ 9 ـ من أبواب صفات
القاضي وما يجوز ان يقضى به من كتاب القضاء.
(3) في الصحيفة 89 السطر 7.
الأخبار بالأخذ بخلافهم وان لم يكن في
مقام التعارض ايضا (1) كما تدل عليه
جملة من الأخبار.
(منها) ـ رواية علي بن أسباط المروية في التهذيب (2) وعيون الأخبار
(3) ، وفيها ما
يدل على «انهم متى أفتوا بشيء فالحق في خلافه» وفي صحيحة محمد بن إسماعيل ابن
بزيع عن الرضا (عليهالسلام) : «إذا رأيت
الناس يقبلون على شيء فاجتنبه». وفي صحيحة أبي بصير المروية في رسالة الراوندي
المتقدم ذكرها (4) عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) : «ما أنتم
والله على شيء مما هم فيه ولا هم على شيء مما أنتم فيه ، فخالفوهم فما هم من
الحنيفية على شيء» (5). وفي بعض
الأخبار : «والله لم يبق في أيديهم إلا استقبال القبلة». وحينئذ ففي مقام التعارض
بطريق اولى.
ثم مع عدم إمكان العرض على مذهبهم فالأخذ بالمجمع عليه ،
ومما يدل على الأخذ به ما تقدم نقله عن ثقة الإسلام (6) من الخبر
المرسل الذي أشار إليه بقوله : «وقوله (عليهالسلام) : خذوا
بالمجمع عليه ، فان المجمع عليه لا ريب فيه» ، الا ان في تيسر هذا الإجماع لنا في
هذه الأزمان نوع اشكال كما عرفت آنفا.
وكيف كان فهذه القواعد الثلاث لا يمكن الاختلاف فيها بعد
إعطاء التأمل حقه في الأخبار في مقام الاختلاف. وإعطاء النظر حقه من التحقيق
والإنصاف ،
ومع عدم إمكان الترجيح بالقواعد الثلاث فالأرجح الوقوف
على ساحل الاحتياط ،
__________________
(1) روى صاحب الوسائل هذه الاخبار في باب ـ 9 ـ من أبواب صفات
القاضي وما يجوز ان يقضى به من كتاب القضاء.
(2) في باب (الزيادات في القضايا والأحكام) من كتاب القضاء.
(3) في باب ـ 28 ـ الصحيفة 152 ، وفي الوسائل في باب ـ 9 ـ من
أبواب صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به من كتاب القضاء.
(4) في الصحيفة 94 السطر 18.
(5) رواها صاحب الوسائل في باب ـ 9 ـ من أبواب صفات القاضي وما
يجوز ان يقضى به من كتاب القضاء.
(6) في الصحيفة 107 السطر 4.
وان كان ما اختاره شيخنا ثقة الإسلام
من التخيير لا يخلو من قوة ، الا ان اخبار الاحتياط عموما وخصوصا أكثر عددا وأوضح
سندا وأظهر دلالة.
واما الترجيح بالأوثقية والأعدلية فالظاهر انه لا ثمرة
له بعد الحكم بصحة أخبارنا التي عليها مدار ديننا وشريعتنا كما قدمنا بيانه (1) ولعل ما ورد ـ
في مقبولة عمر بن حنظلة (2) من الترجيح
بذلك ـ محمول على الحكم والفتوى كما هو موردها ، ومثلها رواية داود بن الحصين (3). واما مرفوعة
زرارة (4) فلما عرفت من
الكلام فيها لا تبلغ حجة ، أو يقال باختصاص ذلك بزمانهم (عليهمالسلام) قبل وقوع
التنقية في الاخبار وتخليصها من شوب الاكدار ، والله سبحانه ورسوله وأولياؤه أعلم.
(الثامن) ـ انه قد وقع التعبير عن المجمع عليه في مقبولة
عمر بن حنظلة (5) بالمشهور ،
وهو لا يخلو من نوع تدافع. ويمكن الجواب عن ذلك اما بتجوز إطلاق المجمع عليه على
المشهور ، أو بان يقال : يمكن ان يكون الراوي لما هو خلاف المجمع عليه قد روى ما
هو مجمع عليه أيضا فأحد الخبرين مجمع عليه بلا اشكال والآخر الذي تفرد بروايته شاذ
غير مجمع عليه ، وحينئذ فيصير التجوز في جانب الشهرة ، واما بحمل الشاذ المخالف
على ما وافق روايات العامة واخبارهم وان رواه أصحابنا ، بمعنى وجوب طرح الخبر
الموافق لهم إذا عارضه خبر مشهور معروف بين الأصحاب ، وذلك لا ريب فيه كما تدل
عليه الاخبار الدالة على حكم الترجيح بين الاخبار.
__________________
(1) في المقدمة الاولى والثانية.
(2) المتقدمة في الصحيفة 91.
(3) المتقدمة في الصحيفة 92 السطر 4.
(4) المتقدمة في الصحيفة 93 السطر 5.
(5) المتقدمة في الصحيفة 91.