ج19 - أحكام بيع الصرف
الفصل السابع
وهو لغة الصوت ، وشرعا بيع الأثمان : وهي الذهب والفضة بالأثمان ، قيل : كأنه انما سمي بذلك لما يشتمل عليه من الصوت عند تقليبها في البيع والشراء ، وانما سمي الجنسان المذكوران ثمنا لأنهما يقعان عوضا عن الأشياء ، ويفترقان بباء العوض غالبا ، بل نقل العلامة قطب الدين الرازي عن شيخه العلامة الحلي (قدسسرهما) انهما ثمن وان اقترنت الباء بغيرهما ، حتى لو باع دينارا بحيوان ثبت للبائع الخيار مدعيا على ذلك الاتفاق.
وتحقيق الكلام في هذا الفصل يقع في مسائل.
الأولى ـ ينبغي أن يعلم انه يشترط في الصرف ـ زيادة على
ما يشترط في مطلق البيع وفي الربا ـ التقابض قبل التفرق ، فلو تفرقا قبل التقابض
بطل ، والكلام في التفرق هنا على حسب ما تقدم في خيار المجلس (1) وربما عبر
بعضهم بالمجلس ، يعنى التقابض في المجلس ، والأظهر ما ذكرناه كما عبر به كثير منهم
، إذا المدار على عدم التفرق ، فلو فارقا المجلس مصطحبين فإنه ما لم يفترقا يصح
التقابض.
ثم انه قد وقع الخلاف هنا في موضعين ، أحدهما ـ أنه قد
صرح العلامة في التذكرة بأن القبض قبل التفرق شرط وواجب أيضا ، بمعنى أنهما لو
تركاه يأثمان بذلك كما يأثمان بالربا ، فإن أراد التفرق قبله يفسخان العقد ، ثم
يفترقان والا يأثمان ، وهو ظاهر في قطعه بوجوب الوفاء به ، والتأثيم بتركه اختيارا
، وجعله بمنزلة الربا ، حتى أوجب عليهما التفاسخ قبل التفرق لو تعذر عليهما
التقابض ، وجعل تفرقهما قبله بمنزلة الربوي نسيئة ، فإن بطلانه لا يغني عن الإثم
به.
وهو ظاهر عبارة الدروس أيضا حيث قال : ويجب فيه التقابض
قبل التفرق ، وان كان الوجوب في مثل هذا المقام قد يعبر عنه عن الشرط ، ويسمى
بالوجوب الشرطي ، وقد تقدم نظير هذه المسألة في كتاب الطهارة ، في الطهارة بالماء
النجس وكيف كان فالظاهر بعد ما ذكره ، إذ غاية ما يستفاد من الاخبار بطلان العقد
للإخلال بشرطه.
__________________
(1) ص 10.
وثانيهما اشتراط التقابض في المجلس أو قبل التفرق هو
المشهور ، ونقل عن الصدوق العدم ، فيصح التقابض ، وان لم يكن في أحد الوصفين
المذكورين.
والذي يدل على المشهور جملة من الاخبار ، ومنها ما رواه الكليني
والشيخ (روح الله روحيهما) عن عبد الرحمن بن الحجاج (1) في الصحيح قال
: «سألته عن الرجل يشترى من الرجل الدراهم بالدنانير فيزنها وينقدها ويحسب ثمنها
كم هو دينارا ، ثم يقول : أرسل غلامك معى حتى أعطيه الدنانير ، فقال : ما أحب أن
يفارقه حتى يأخذ الدنانير ، فقلت : انما هم في دار واحدة وأمكنتهم قريبة بعضها من
بعض ، وهذا يشق عليهم ، فقال : إذا فرغ من وزنها وانتقادها فليأمر الغلام الذي
يرسله أن يكون هو الذي يبايعه ، ويدفع اليه الورق ويقبض منه الدنانير حيث يدفع
اليه الورق».
وما رواه الشيخ في التهذيب عن منصور بن حازم (2) في الصحيح عن
أبى عبد الله (عليهالسلام) ، قال : «إذا
اشتريت ذهبا بفضة أو فضة بذهب ، فلا تفارقه حتى تأخذ منه ، وان نزا حائطا فانز معه».
وعن محمد بن قيس (3) في الصحيح عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «قال
أمير المؤمنين (عليهالسلام) : لا يبتاع
رجل فضة بذهب الا يدا بيد ، ولا يبتاع ذهبا بفضة إلا يدا بيد».
وعن محمد بن مسلم (4) قال : «سألته عن الرجل يبتاع الذهب
بالفضة مثلا بمثلين ، فقال : لا بأس به يدا بيد» ، وعن الحلبي (5) في الصحيح قال
: «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل ابتاع
من رجل بدينار فأخذ بنصفه بيعا وبنصفه
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 252 التهذيب ج 7 ص 99.
(2) التهذيب ج 7 ص 99.
(3) التهذيب ج 7 ص 99 الكافي ج 5 ص 251.
(4) التهذيب ج 7 ص 98.
(5) الكافي ج 5 ص 247 التهذيب ج 7 ص 100.
ورقا؟ قال : لا بأس به ، وسألته هل
يصلح أن يأخذ بنصفه ورقا أو بيعا ، ويترك نصفه حتى يأتي بعد فيأخذ منه ورقا أو
بيعا قال : «ما أحب أن أترك شيئا حتى آخذه جميعا فلا تفعله».
قال المحقق الأردبيلي ـ بعد نقل هذه الاخبار ـ : وفي
دلالة الكل تأمل ، إذ ليست الاخبار بصريحة في الاشتراط ، بل ولا في الإثم ، لأن
يدا بيد كأنه كناية عن النقد لا النسيئة ، فلا يدل على اشتراط القبض ، ولفظ ما أحب
يشعر بالاستحباب وهو ظاهر.
وفي التهذيب والاستبصار أخبار كثيرة صريحة في جواز
النسيئة في بيع الذهب والفضة بعضا ببعض ، وأصل الصحة وعموم الأدلة أيضا يقتضي عدم
البطلان بالمفارقة انتهى.
أقول : لا يخفى ما في هذه المناقشة من الضعف الظاهر
للخبير الماهر ، أما ما ذكره من عدم الدلالة على الإثم فجيد ، واما دعوى عدم
الصراحة في الاشتراط فالخبر الأول منها صريح الدلالة في المنع من التأخير بعد نقد
الدراهم ووزنها الى أن يرسل غلامه معه ، والمفروض أنهم في دار واحدة كما صرح به في
الخبر ، فلم يرض (عليهالسلام) الا ان يرسل
الغلام معه ويجعله وكيلا في البيع والتقابض في المكان الذي تدفع فيه الورق ، وأى
نص أصرح من ذلك.
ومثله صحيحة منصور الدالة على النهى عن المفارقة حتى
يأخذ منه ، والنهى حقيقة في التحريم ، والمبالغة في أنه ان نزا حائطا فانز معه ،
لئلا يحصل المفارقة الموجبة لبطلان العقد ، فهل فوق هذا التصريح بالشرطية من مزيد
ان لم نقل بالوجوب كما قيل به ، ما هذا الأعجب عجيب من هذا المحقق الأريب.
وأما قوله «ان يدا بيد» كأنه كناية عن النقد لا النسيئة
، ففيه أنه لا يخفى أن حقيقة هذا اللفظ المتبادر من حاق النظر فيه انما هو التقابض
في المحل ، والمعنى
الذي ذكره انما هو معنى مجازي كما
يشير اليه قوله (كأنه) وحمل اللفظ على خلاف حقيقته لا يصار اليه الا بدليل يمنع من
ارادة حقيقته ، والأمر انما هو بالعكس.
وأما لفظ لا أحب فإنه وان اشتهر بينهم أنه من ألفاظ
الكراهة ، إلا أنا قد حققنا في غير موضع مما تقدم أن هذا من الألفاظ المتشابهة ،
لاستعماله في الاخبار بمعنى التحريم كثيرا مع استعماله فيها بمعنى الكراهة ، فلا
يحمل على أحدهما إلا بالقرينة ، والقرينة هنا على ارادة التحريم ، قوله عليهالسلام في آخر الخبر
المذكور «فلا تفعله» الذي هو نهى وحقيقة في التحريم ، مع اعتضاد ذلك بباقي أخبار
المسألة التي قد عرفت صراحتها في الحكم المذكور.
وبذلك يظهر لك أن الاخبار المذكورة كلها متفقة الدلالة
على الشرطية ، ولو ادعى الوجوب من بعضها كما قيل به لم يكن بعيدا لهذه النواهي ،
من قوله «فلا تفارقه ، ولا تفعله» ولأمر بأن ينز معه الحائط.
وبالجملة فإن الظاهر أن هذا المقال انما نشأ من
الاستعجال وعدم التأمل فيما نقله من الاخبار بعين التحقيق والاعتبار.
وأما الاخبار التي أشار إليها فهي كما ذكره وهي مستند
الصدوق فيما تقدم نقله عنه.
ومنها ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي (1) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : لا
بأس أن يبيع الرجل الدينار بأكثر من صرف يومه نسيئة».
وعن عمار الساباطي في الموثق (2) ورواه الصدوق
عن عمار أيضا عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت
له : الرجل يبيع الدراهم بالدنانير نسيئة قال : لا بأس».
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 100.
(2) التهذيب ج 7 ص 100 الفقيه ج 3 ص 183.
وعن عمار الساباطي (1) عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «الدنانير
بالدراهم بثلاثين أو أربعين أو نحو ذلك نسيئة لا بأس».
وعن زرارة (2) عن أبى جعفر (عليهالسلام) «قال لا بأس
ان يبيع الرجل الدينار نسيئة بمائة وأقل وأكثر».
وعن عمار الساباطي (3) في الموثق عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «عن الرجل هل
يحل له أن يسلف دنانير بكذا وكذا درهما إلى أجل معلوم قال : نعم ، وعن الرجل يحل
له أن يشترى دنانير بالنسيئة قال : نعم انما الذهب وغيره في الشراء والبيع سواء».
وعن محمد بن عمرو (4) «قال كتبت الى
ابى الحسن الرضا (عليهالسلام) ان امرأة من
أهلنا أوصت أن ندفع إليك ثلاثين دينارا ، وكان لها عندي ، فلم يحضرني فذهبت الى
بعض الصيارفة ، فقلت : أسلفني دنانير على أن أعطيك ثمن كل دينار ستة وعشرين درهما
، فأخذت منه عشرة دنانير بماءتين وستين درهما وقد بعثتها إليك ، فكتب (عليهالسلام) الي : وصلت
الدنانير».
قال الشيخ بعد نقل اخبار العمار : الأصل فيها عمار ، فلا
تعارض الأخبار الكثيرة السابقة ، ثم قال : ويحتمل ان قوله (نسيئة) صفة لدنانير ،
ولا يكون حالا للبيع ، بمعنى ان من كان له على غيره دنانير نسيئة جاز ان يبيعها
عليه في الحال بدراهم ويأخذ الثمن عاجلا. انتهى.
ولا يخفى ما فيه من البعد ، وأكثر المتأخرين من أصحاب
هذا الاصطلاح المحدث ، ردوا هذه الاخبار بضعف الاسناد ، واعتمدوا على الإجماع حيث
لم يظهر الخلاف في المسألة الا من الصدوق ، وخلاف معلوم النسب غير قادح فيه ،
واليه
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) التهذيب ج 7 ص 100 وص 101.
يشير كلامه في المسالك (1).
وبعضهم ممن يعمل بالموثق احتمل الجمع بين الاخبار بحمل
ما دل على المشهور على الفضل والاستحباب ، وما دل على مذهب الصدوق على الجواز ،
وهذه القاعدة الغالبة بينهم في الجمع بين الاخبار مع تعارضها.
والأقرب عندي هو حمل هذه الاخبار الأخيرة على التقية ،
وإن لم يعلم القائل الان بذلك كما أوضحناه في المقدمة الاولى من مقدمات الكتاب
المتقدمة في جلد كتاب الطهارة (2) فإن الأخبار المذكورة ظاهرة في
المخالفة ، واتفاق الأصحاب قديما وحديثا على الحكم المذكور ـ مع تظافر أخبارهم به
ـ دليل ظاهر على كونه ذلك مذهب أئمتهم (عليهمالسلام) ، فان مذهب
كل امام لا يعلم الا بنقل اتباعه وعلمهم به ، وتخرج الأخبار المذكورة شاهدا ،
وحينئذ فلا مناص فيما خالف ذلك عن الحمل على النقية التي هي في الأحكام الشرعية
أصل كل بلية ، وقد تقدم في المقدمة المشار إليها دلالة الأخبار المتكاثرة على إيقاعهم
(عليهمالسلام) الاختلاف في
الأحكام وان لم يكن بها قائل من أولئك الطغام الذين هم أضل من الانعام.
وربما احتمل بعض المحدثين حمل الأخبار المذكورة على
الأخذ بطريق القرض ، قال : فإنه يجوز رد العوض بحسب التراضي فيما بعد من غير شرط
ولو بزيادة ، كما يأتي إنشاء الله تعالى.
ولا يخفى بعده من سياق الأخبار المذكورة ، ثم احتمل
التقية أيضا وهو جيد لما ذكرناه ، ومما يرجح الأخبار الأولة موافقتها للاحتياط ،
وهذا من جملة المرجحات المنصوصة في مقام اختلاف الاخبار ، كما اشتملت عليه رواية
زرارة والله العالم.
__________________
(1) حيث قال : ونبه بالأشهر على خلاف الصدوق بن بابويه حيث لم
يعتبر المجلس استنادا الى روايات ضعيفة ، والأصحاب كلهم على خلاف فربما كان الشرط
إجماعيا. انتهى منه رحمهالله المسالك ص 201.
(2) جلد 1 ص 5.
فروع
الأول ـ قالوا : لو قبض البعض صح فيما قبض حسب ، وبطل في
غير المقبوض ، ويتخير كل منهما في فسخ المقبوض وإمضائه لتبعيض الصفقة ان لم يكن
حصل منهما تفريط في تأخير القبض ، والا فلا ، ولو اختص أحدهما بعدم التفريط اختص
بالخيار.
أقول : قد تقدم في صحيحة الحلبي (1) «في الرجل
يبتاع من رجل بدينار هل يصلح أن يأخذ بنصفه ورقا أو بيعا ويترك نصفه حتى يأتي بعد
فيأخذ منه ورقا أو بيعا قال : ما أحب أن أترك شيئا حتى آخذه جميعا فلا يفعله». وظاهر
الخبر مع صحة سنده بطلان المعاملة من رأس ، لا الصحة في النصف والتخيير في الباقي
كما ذكروه.
الثاني ـ قالوا : لو وكل أحدهما في القبض عنه فقبض
الوكيل قبل تفرقهما صح ، ولو قبض بعد التفرق بطل ، قال في المسالك : الضابط في ذلك
أن المعتبر حصول التقابض قبل تفرق المتعاقدين ، فمتى كان الوكيل في القبض غير
المتعاقدين ، اعتبر قبضه قبل تفرق المتعاقدين ، ولا اعتبار بتفرق الوكيلين ، ومتى
كان المتعاقدان وكيلين اعتبر تقابضهما في المجلس ، أو تقابض المالكين قبل تفرق
الوكيلين ، وبنحو ذلك صرح المحقق الثاني في شرح القواعد.
الثالث ـ المشهور بين الأصحاب أنه إذا اشترى الإنسان
دراهم بدنانير ، وقبل قبض الدراهم من البائع اشترى بها دنانير لم يصح الثاني ، لأن
ذلك العوض في الصرف موقوف على التقابض ، ولم يحصل فيكون قد باع ثانيا ما لم يملكه
، وحينئذ
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 247 التهذيب ج 7 100.
فلو افترقا والحال كذلك بطل العقدان
معا.
أما الأول فلعدم التقابض وأما الثاني فلما عرفت من بيع
ما لم يملكه ، والأصل في ذلك ما ذكره الشيخ في النهاية ، وتبعه أكثر الأصحاب عليه
قال : إذا باع الإنسان دراهم بالدنانير لم يجز له أن يأخذ بالدنانير دراهم مثلها
الا بعد أن يقبض الدنانير ، ثم يشترى بها دراهم إنشاء.
وخالفه ابن إدريس فقال : ان لم يتفارقا من المجلس الا
بعد قبض الدراهم المبتاعة بالدنانير التي على المشترى الأول ، فلا بأس بذلك ، وان
لم يكن قبضه الدنانير التي هي ثمن الدراهم الأول المبتاعة ، هذا إذا عينا الدراهم
الأخيرة ، فان لم يعيناها فلا يجوز ذلك ، لانه يكون بيع دين بدين ، وان عيناها لم
يصرح بيع دين بدين ، بل يصير بيع دين بعين.
ورده العلامة في المختلف بأنه غير جيد قال : أما أولا
فلان الشيخ يمنع من بيع ما يكال ويوزن قبل قبضه ، وأما ثانيا فحكمه بأنه لو اشترى
بثمن غير معين كان قد اشترى بالدين ليس بمعتمد. انتهى ملخصا.
أقول : اما ما ذكره من التعليل للبطلان في الوجه الأول ،
فهو وجه آخر ايضا لعدم الصحة ، زيادة على الوجه الذي قدمناه ، وهو عدم ملكه لعدم
التقابض الذي هو شرط في صحة الملك في الصرف.
واما ذكره في الوجه الثاني فهو مبنى على ان الثمن متى لم
يكن عينا بل في الذمة ، وان كان حالا غير مؤجل هل هو من قبيل الدين ، فيصدق على
بيع الدين به أنه بيع دين بدين ، أم لا يصدق ذلك حتى يكون دينا قبل وقوع العقد؟
وظاهر اختيار جملة من الأصحاب الثاني ، ومنهم شيخنا الشهيد الثاني ، فإنه صرح بأن
ذلك ليس من بيع الدين بالدين ، وانما يصدق ذلك فيما إذا كان دينا قبل العقد ،
وظاهر العلامة هنا ذلك أيضا ، وقد تقدمت الإشارة الى هذه المسألة وسيأتي تحقيقها
إنشاء الله تعالى في باب الدين ، قال في المسالك. بعد نقل ملخص كلام ابن إدريس ـ :
وينبغي القول بالصحة مطلقا إذا تقابضا
قبل التفرق ، وغاية ما يحصل في البيع الثاني أن يكون فضوليا ، فإذا لحقه القبض صح
، وسيأتي أن بيع الدين بالدين على هذا الوجه غير ممتنع. انتهى.
الرابع ـ لو كان له عليه دراهم فاشترى بها دنانير صح وان
لم يتقابضا ، وكذا لو كان له عليه دنانير فاشترى بها دراهم ، لان النقدين من جنس
واحد ، وما في الذمة بمنزلة المقبوض ، فلا يحتاج الى تقابض زائد على ذلك.
أقول : والأصل في هذه المسألة ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر
الله مراقدهم) في الصحيح عن إسحاق بن عمار (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) يكون للرجل
عندي الدراهم الوضح فيلقاني فيقول لي : كيف سعر الوضح اليوم؟ فأقول له : كذا وكذا
، فيقول لي : أليس عندك لي كذا وكذا ألف درهم وضحا؟ فأقول : نعم ، فيقول : حولها
الى دنانير بهذا السعر وأثبتها لي عندك فما ترى في هذا؟ فقال لي : إذا كنت قد
استقصيت له السعر يومئذ فلا بأس بذلك ، فقلت : انى لم أوازنه ولم أناقده ، انما
كان كلاما بيني وبينه ، فقال : أليس الدراهم من عندك والدنانير من عندك ، فقلت :
بلى ، قال : لا بأس بذلك». ونحوه
موثق عبيد بن زرارة (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يكون لي عنده دراهم فآتيه فأقول : حولها لي دراهم وأثبتها عندك ولم أقبض منه شيئا؟
قال : لا بأس».
وجمع من الأصحاب عبروا في هذا المقام بعبارة الخبر ، قال
في النهاية : إذا كان للإنسان على صير في دراهم أو دنانير فيقول له حول الدنانير
الى الدراهم ، أو الدراهم الى الدنانير ، وساعره على ذلك كان جائزا وان لم يوازنه
في الحال ولا يناقده ، لان النقدين من عنده.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 245 التهذيب ج 7 ص 102 الفقيه ج 3 ص 186.
(2) الكافي ج 5 ص 247 التهذيب ج 7 ص 103.
واعترضه ابن إدريس هنا فقال : ان أراد بذلك أنهما افترقا
قبل التقابض في المجلس ، فلا يصح ذلك ولا يجوز بغير خلاف ، لان الصرف لا يصح أن
يفترقا من المجلس الا بعد التقابض ، وان افترقا قبل أن يتقابضا بطل البيع والصرف ،
وان أراد أنهما تقاولا على السعر ، وعينا الدراهم المبتاعة والدنانير المبيعة
وتعاقد البيع ولم يوازنه ولا ناقده ، بل نطق البائع بمبلغ المبيع ثم تقابضا قبل
التفرق والانتقال من المجلس كان ذلك جائزا صحيحا ، وان أراد الأول كان باطلا بلا
خلاف ، يدل عليه قوله في المبسوط تصح الإقالة في جميع السلم وبعضه ، فإن أقاله من
الجميع بريء المسلم اليه من المسلم فيه ، ولزمه رد ما قبضه من رأس المال ان كان
قائما ، وان كان تالفا لزمه مثله ، فان تراضيا بقدر بدله من جنس آخر بأن يأخذ
الدراهم بدل الدنانير أو بالعكس كان جائزا ، فإن أخذ الدنانير بدل الدراهم أو
بالعكس وجب التقابض في المجلس ، لانه صرف ، وان أخذ عوضا آخر جاز أن يفارقه قبل
القبض ، لانه بيع عوض معين بثمن في الذمة. انتهى.
أقول : ما ذكره ابن إدريس جيد على مقتضى أصله الغير
الأصيل ، والا فأي مانع من ذلك بعد دلالة الأخبار عليه ، واستثناء ذلك من قاعدة
العرف بالاكتفاء بهذا الكلام بينهما من حيث اتحاد من عليه الحق ، فيكون كالتقابض ،
وربما حمل كلام الشيخ المذكور على التوكيل ، وكذلك الخبران المذكوران ، فان قوله
حول الدراهم الى الدنانير ، أو الدنانير الى الدراهم نوع توكيل ، وحينئذ فلا اشكال
وان لم يتقابضا في المجلس.
قال في المسالك : وربما بنوا حكمهم على مقدمات يلزم من
صحتها صحة الحكم هنا ، الاولى ـ ان الأمر بالتحويل توكيل في تولى طرفي العقد ، فان
التوكيل لا ينحصر في اللفظ ، الثانية ـ أنه يصح تولى طرفي العقد من الواحد.
الثالثة ـ أنه يصح أيضا تولية طرفي العقد. الرابعة ـ ان
ما في الذمة مقبوض.
الخامسة ـ ان بيع ما في الذمة للغير من الدين الحال بثمن
في ذمته ليس بيع دين بدين.
السادسة ان الوكيل في البيع إذا توقفت صحته على القبض
يكون وكيلا فيه ، والا فإن مطلق التوكيل في البيع لا يقتضي التوكيل في القبض وإذا
سلمت هذه المقدمات صحت المسألة ، انتهى.
وهو جيد لو ثبت توقف صحة البيع عليها ، الا أن الظاهر
أنه ليس كذلك ، وان كان جواز بعضها مما يفهم من الخبرين المذكورين ، والعمدة هو
ورود النص بذلك ولا يجب علينا تطلب وجهه وسببه ، كما في أكثر النصوص التي لا يمكن
معرفة العلة فيها لما ذكر فيها من الأحكام ، والظاهر أنه لا مخالف في هذا الحكم
سوى ابن إدريس ، وكل من تأخر عنه رد كلامه لما ذكر فيها ، وظاهر المحقق الأردبيلي
هنا الميل الى ما ذهب اليه ابن إدريس ، حيث قال بعد قول المصنف «ولو كان له عليه
دراهم فاشترى بها دنانير أو بالعكس صح وان لم يتقابضا» ما صورته (1) : يعني إذا
كان لزيد مثلا على عمرو في ذمته دراهم فضة وقال : اشتريت منك الدنانير بها ، صح
الصرف ، ولا يحتاج الى التقابض بأن يوكله في قبضه له الدنانير ، ولا تعيينه لنفسه
ما به الدنانير من الدراهم وان كان مطلقا وفي الذمة ، ولا الى مضى زمان يسع
التقابض ، فلو تفرق قبله لم يبطل ، فيطالبه بالدنانير لحصول القبض وفيه تأمل واضح
، لان الدراهم وان كانت مقبوضة ، ولكن الدنانير غير مقبوضة للمشتري فما حصل
التقابض ، وهو قبض كل واحد مال الأخر الذي انتقل إليه بواسطة البيع والشراء وهو
ظاهر. نعم يمكن ذلك لو وكله في القبض والتعيين للمشتري الدنانير ، بل ينبغي تعيينه
الدراهم أيضا ثم القبض لنفسه قبل التفرق ، ويمكن ان يكون المراد أن يكون الدنانير
أيضا في ذمة المشترى
__________________
(1) كذا صورة العبارة في الأصل المنقول منه ، والظاهر انه لا
يخلو من غلط ، الا أن المعنى ظاهر ، وهو أنه لا يحتاج ايضا الى تعيين الدنانير
للمشتري وبيان كميتها وعددها والدراهم للبائع وبيان قدرها ، كما هو مشترط في البيع
في غير هذه الصورة ، بل يكفى التهاتر الواقع بعد وقوع المقاولة على السعر وتعينه ،
وان كان الجميع في الذمة مطلقا. منه رحمهالله.
فهي أيضا مقبوضة له ، وحينئذ يكون كل
المال المنتقل إلى الأخر مقبوضا له ، والظاهر صحة البيع وعدم الاحتياج الى التوكيل
للتعيين والقبض ، ولا الى مضى زمان ، لصدق القبض المفهوم من الاخبار التي هي دليل
الحكم ، لانه يصدق أنه باع يدا بيد ، والمبيع والمشترى مقبوض لهما ، وأنه أخذا قبل
التفرق ، وهو ظاهر من غير فرق بين المتجانسين المتساويين والمختلفين مطلقا ، الا
أنه يجيء فيه الاشكال من جهة أنه بيع دين بدين ، والظاهر عدم جوازه. انتهى.
أقول : ظاهر هذا الكلام أن قائله قد غفل عن ملاحظة
الخبرين المتقدمتين في المسألة ، وظن أن هذا الحكم انما وقع في كلام الأصحاب ،
ولهذا تأوله بقوله ويمكن أن يكون المراد الى آخره ، وأن هذا الفرض انما يجرى في
عبارة المصنف المذكورة لا في الاخبار ، لأنها صريحة في كون الثمن والمثمن انما هو عند
الذي عليه الطلب ، ويؤيده ما قلناه أنه في جميع الأحكام يبالغ في تتبع الاخبار
ونقلها وإيرادها من مؤالف ومخالف ، هنا لم يتعرض للخبرين المذكورين بالكلية ، ولو
بالإشارة ، وانما تكلم على عبارة المصنف كي يبين مراده أولا ، ثم ناقشه بمناقشة
ابن إدريس للشيخ ، مع أن المصنف وغيره إنما أخذوا الحكم المذكور من الخبرين ،
ولكنهم عبروا بهذه العبارة لصراحتها في البيع والشراء ، بخلاف لفظ التحويل الذي في
الخبرين ، وحينئذ فالعذر له ظاهر ، والا فلو أنه اطلع على الخبرين ومع هذا عدل عن
القول بما دلا عليه ، لأجاب عنهما وتأولهما كما هي عادته وقاعدته ، وبالجملة فإن
كلامه هنا بالنظر الى الخبرين مما لا يلتفت اليه ، ولا يعرج عليه ، والله العالم.
المسألة الثانية ـ قالوا : إذا اتحدت الجنس وجب التساوي
قدرا وان اختلفا في الجودة والرداءة والصفة ، وإذا اختلفا فيه جاز الاختلاف زيادة
ونقصانا.
أقول : أما وجوب التساوي مع الاتحاد فلما استفاضت به
الاخبار من أن الزيادة مع الاتحاد رباء محض كصحيحة الحلبي (1) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام)
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 98.
قال : «الفضة بالفضة مثلا بمثل ليس
فيه زيادة ولا نقصان ، الزائد والمستزيد في النار».
ورواية وليد بن صبيح (1) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول الذهب
بالذهب ، والفضة بالفضة الفضل فيهما هو الربا المنكر».
وصحيحة محمد بن مسلم (2) «عن أبى جعفر (عليهالسلام) أنه قال :
الورق بالورق وزنا بوزن ، والذهب بالذهب وزنا بوزن».
وصحيحة إسحاق بن عمار (3) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام): الدراهم
بالدراهم والرصاص؟ فقال : الرصاص باطل». الى غير ذلك من الاخبار ، وفي الخبر
الأخير دلالة على حصول الربا بالزيادة وان كانت من غير الجنس.
واما جواز البيع مع الاتحاد وان اختلفا في الجودة
والرداءة فلما تقرر عندهم من أن جيد كل جنس ورديه واحد (4) ويدل عليه صحيحة
الحلبي (5) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يستبدل الكوفية بالشامية وزنا بوزن فيقول الصيرفي : لا أبدل لك حتى تبدل لي يوسفية
بغلة وزنا بوزن ، فقال : لا بأس فقلت : إن الصيرفي إنما طلب فضل اليوسفية على
البغلة ، فقال : لا بأس به».
ورواية أبي بصير (6) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يستبدل الشامية بالكوفية وزنا بوزن فقال : لا بأس به». وأما مع الاختلاف فلا اشكال
لعدم
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 98.
(2) التهذيب ج 7 ص 98.
(3) الكافي ج 5 ص 246.
(4) قال في الشرائع : ويستوي في وجوب التماثل المصوغ والمكسور
وجيد الجوهر ورديه ، وظاهر بعض مشايخنا وجود القول هنا بالمنع من حيث ان الجودة
زيادة حكمية فيحصل بها الربا حينئذ ، والروايات ترده.
|
منه
رحمهالله. |
(5) الكافي ج 5 ص 247.
(6) التهذيب ج 7 ص 104.
المانع مع استكمال شروع البيع كما
تقدم في فصل الربا.
المسألة الثالثة : قد صرحوا بأنه إذا كان في الفضة غش
مجهول لم يبع الا بالذهب أو بجنس غير الفضة وكذلك الذهب».
قال في المسالك : هذا مبنى على الغالب من أن المغشوش لا
يباع بوزنه خالصا ، لان البيع مبنى على المماكسة والمغالبة ، فلا يدفع المشترى
بوزن المغشوش صافيا ، والا فلو فرض وقوع ذلك صح بيعه بجنسه أيضا ، بل متى علم
زيادة الخالص عن مجانسة المغشوش صح وان لم يبلغ قدر المجموع من النقد والغش.
انتهى.
أقول : الوجه ـ فيما ذكره (قدسسره) ـ هو أنه إذا
بيع المغشوش بالخالص وزنا فإنه يكون الزيادة التي في الخالص في مغابله الغش ، فلا
مانع حينئذ ، لكن لما كان بناء البيع والشراء على ما ذكره لم يجز ذلك الا مع علم
المشترى ورضاه بذلك ، وأما إذا كان الغش معلوما فإنه يجوز بيعه بمثل جنسه مع زيادة
تقابل الغش وكذا لو جهل بان جهل قدره ، ولكن علم أنه لا يزيد عن النصف ، فإنه يجوز
بيعه بزيادة يسيرة عن النصف من جنسه ، وينصرف الزائد في مقابلة الغش ، ومعنى
المقابلة في هذا المواضع أن تصلح عوضا في مقابلة الغش بحيث تتمول وان لم يكن قدره
قيمة.
وكيف كان فالظاهر أنه لا بد من التقابض قبل التفرق في
المقام الذي يصح فيه البيع كما هو الشرط في الصرف.
قال العلامة في التذكرة الدراهم والدنانير المغشوشة إذا
علم مقدار الغش فيها جاز بيعها بجنسها بشرط زيادة في السليم تقابل الغش ليخلص من
الربا لو بيع بقدر الصافي منها ، ويجوز بيعها بغير الجنس مطلقا ، وان لم يعلم
مقدار الغش وجب أن تباع بغير جنسها حذرا من الربا ، لإمكان أن يتساوى الصافي
والثمن في القدر ، فيبقى الغش زيادة في أحد متساويين.
ولما رواه ابن سنان (1) في الصحيح عن الصادق (عليهالسلام) قال : «سألته
عن شراء الفضة فيها الرصاص بالورق وإذا خلصت نقصت من كل عشرة درهمين أو ثلاثة؟ قال
: لا يصلح الا بالذهب ، وسألته عن شراء الذهب فيه الفضة والزيبق والتراب بالدنانير
والورق ، فقال : لا تصارفه الا بالورق». ولو بيع بوزن المغشوش فإنه يجوز ، إذ
الفاضل من الصافي يقابل الغش ، إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز إنفاقه إلا بعد إبانته
وإيضاح حاله ، الا أن يكون معلوم الصرف بين الناس. انتهى.
أقول : لا يخفى : أن الخبر المذكور بحسب ظاهره مناف لما
قدمناه مما ظاهرهم الاتفاق عليه من جواز بيع المغشوش بجنسه الخالص إذا كان مساويا
له في الوزن ، لانصراف الزيادة التي في الخالص الى الغش ، لانه قد نهى (عليهالسلام) عن شراء
الفضة التي فيها الرصاص بالورق ، وأمر بالذهب ، ومن المعلوم أنه لا يقع الشراء الا
بالوزن ، وقد عرفت أنه مع تماثلهما في الوزن وتساويهما يصح البيع ، لانصراف
الزيادة التي في الخالص الى الغش الذي في الأخر ، فالواجب حمل الخبر على ما ذكره
شيخنا المتقدم ذكره من أنه لما كان بناء البيع والشراء على المماكسة والمغالبة ـ فالمشتري
لا يبذل فضة خالصة أو ذهبا خالصا في مقابلة غش ـ منع (عليهالسلام) من هذه
المقابلة الا بغير الجنس.
المسألة الرابعة : قالوا : ولا يباع تراب معدن الفضة
بالفضة ، وانما يباع بالذهب وكذا معدن الذهب انما يباع بالفضة لا بالذهب احتياطا
في الموضعين ، (2) ولو جمعا في
صفقة جاز بيعهما بالذهب والفضة معا ويجوز بيع جوهر الرصاص والصفر بالذهب والفضة
وان كان فيه يسير فضة أو ذهب ، لان الغالب غيرهما ، وأنه يجوز
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 109.
(2) أقول المراد بالاحتياط يعنى ان مستند الوجوب هو الاحتياط
والتحرز من الوقوع في الربا لا بمعنى الاستحباب كما هو المتبادر. منه رحمهالله.
إخراج الدراهم المغشوشة مع جهالة الغش
إذا كانت معلومة الصرف بين الناس ، وان كانت مجهولة الصرف لم يجز إنفاقها إلا بعد
ابانه حالها ، وهذا الكلام يتضمن جملة من الأحكام.
الأول ـ حكم بيع تراب المعدن ، أما بيع كل منهما بالاخر
فلا شك في جوازه ، لعدم الربا بالزيادة مع اختلاف الجنس ، وكذا يصح ايضا بيعه
بمثله (1) إذا علم
المقدار والتساوي ان لم يكن لما صحبه من المعدن قيمة والا فبالمثل مع اشتماله على
زيادة تقابل تراب المعدن ، ولكن لما كان الفرض بعيدا لم يذكروا ذلك.
وأما بيعهما بالنقدين إذا جعلا في صفقة واحدة فلا إشكال
أيضا في صحته للتخالف ، وانصراف كل الى ما يخالفه ، ويدل عليه رواية عبد الله مولى
عبد ربه (2) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «سألته
عن الجوهر الذي يخرج من المعدن ، وفيه ذهب وفضة وصفر جميعا كيف نشتريه؟ فقال
تشتريه بالذهب والفضة جميعا». ورواية عبد الله بن سنان (3) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «سألته
عن شراء الذهب فيه الفضة بالذهب؟ قال لا يصلح الا بالدنانير والورق». ويمكن هنا
أيضا البيع بأحدهما إذا تحقق في الثمن اشتماله على مثل معدنه وزيادة تقابل المعدن
الأخر وهو ظاهر ، والظاهر أنه لبلد فرضه لم ينبهوا عليه ، وأظهر جوازا البيع
بغيرهما.
__________________
(1) اى بمثل الفضة أو الذهب ، ولهذا قال : إذا علم المقدار ،
وأما بيعه بمثل الجميع من التراب وبما فيه من الذهب أو الفضة ، فلا يجوز إذ لم يكن
للتراب قيمة ، لان ما فيه من التراب لا قيمة له ، فيبقى الزائد في المقابل بغير
عوض ويلزم الربا فيه. منه رحمهالله.
(2) التهذيب ج 7 ص 111 الكافي ج 5 ص 249.
(3) التهذيب ج 8 ص 109.
وكيف كان فلا بد من اعتبار شرائط البيع الأخر ، والظاهر
ان مثل هذا لا يدخل في باب الصرف فيشترط في صحته التقابض في المجلس أو قبل التفرق
، لانه لا يصدق عليه بيع الأثمان بالأثمان ، وعدم صدق الذهب والفضة وانما هو تراب
الذهب وتراب الفضة ، الا ان الذي يظهر من اخبار بيع السيوف المحلاة (1) كما يأتي
إنشاء الله ـ تعالى ـ اشتراط التقابض قبل التفرق ، فينبغي أن يكون هنا أولى ،
والاحتياط لا يخفى.
الثاني ما ذكره من أنه يجوز بيع الرصاص بالفضة والصفر
بالذهب ، وان اشتمل كل منهما على يسير من جنس ما بيع به ، فهو مما لا خلاف فيه ولا
اشكال ، لاضمحلال ما في كل منهما من يسير الذهب والفضة في جنب ما هو فيه ، وصدق
الاسم بدونهما ، والأحكام تابعة لصدق التسمية وهو بمنزلة الحلية التي تعمل في سقوف
البيوت وجدرانها غير مقصودة بالبيع ، ولا ملحوظة فيه ، فلا يشترط حينئذ في صحة
البيع العلم بزيادة الثمن عن ذلك اليسير من الذهب أو الفضة ، ليكون في مقابلة
الجنس الأخر.
ويدل على ذلك أيضا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (2) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) «في الأسرب
يشترى بالفضة ، فقال : ان كان الغالب عليه الأسرب فلا بأس به». والظاهر أن المراد
الغلبة في صدق الاسم كما يدل عليه الخبر الاتى لا الغلبة في الجنس.
وما رواه في الكافي عن معاوية بن عمار (3) وغيره عن أبى
عبد الله (عليهالسلام)
__________________
(1) الوسائل الباب ـ 15 ـ من أبواب الصرف.
(2) الكافي ج 5 ص 248 التهذيب ج 7 ص 112.
(3) الكافي ج 5 ص 251 التهذيب ج 7 ص 111.
قال : «سألته عن جوهر الأسرب وهو إذا
خلص كان فيه فضة أيصلح ان يسلم الرجل فيه الدراهم المسماة؟ فقال إذا كان الغالب
عليه اسم الأسرب فلا بأس بذلك يعنى لا يعرف إلا بالأسرب».
أقول : ويحتمل أن يكون هذا التفسير من الامام (عليهالسلام) ويحتمل أن
يكون من الراوي ، واحتمال كونه من الكليني بعيد.
وأما التعليل في جواز البيع في الصورة المذكورة بما تقدم
نقله عنهم من أن جواز ذلك لكون الصفر والرصاص هو الأكثر والغالب فلا يحسم مادة
الشبهة ، فإن مجرد الأغلبية غير كاف في جواز البيع بذلك النقد كيف اتفق ، حتى لو
كان عشرا يمكن تمييزه لم يجز بيعه بجنسه الا مع الزيادة في الثمن عليه بحيث تقابل
مقابل الأخر كما تقدم ويمكن حمل كلامهم على أن المراد الغلبة المستولية على النقد
بحيث اضمحل معه تجوزا كما تجوزوا في قولهم في باب الأحداث النوم الغالب على الحاستين
، بمعنى اضمحلال الحس بهاتين الحاستين تحت النوم.
الثالث ما ذكروه من أنه يجوز إخراج الدراهم المغشوشة الى
آخره ، فإنه يدل عليه جملة من الاخبار.
منها ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن
عمر بن يزيد (1) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) في إنفاق
الدراهم المحمول عليها فقال : إذا كان الغالب عليها الفضة ، فلا بأس بإنفاقها».
أقول : المراد بالمحمول عليها المغشوشة حيث إنه حمل
عليها من غيرها ، كما يظهر من الاخبار الاتية.
وعن ابن رئاب (2) قال : «لا أعلمه إلا عن محمد بن مسلم
قال : قلت لأبي
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 253 التهذيب ج 7 ص 108.
(2) الكافي ج 5 ص 253 التهذيب ج 7 ص 109.
عبد الله (عليهالسلام) : الرجل يعمل
الدراهم يحمل عليها النحاس أو غيره ثم يبيعها؟ فقال : إذا كان بين الناس ذلك فلا
بأس». كذا في الكافي ، والمراد إذا كان رائجا بين الناس ، وفي التهذيب «إذا بين
ذلك فلا بأس» وهو معنى صحيح الا ان الأول أوفق بأخبار المسألة.
وما رواه في الكافي عن حريز (1) قال : «كنت
عند أبى عبد الله (عليهالسلام) فدخل قوم من
أهل سجستان فسألوه عن الدراهم المحمول عليها؟ فقال : إذا كان جوازا لمصر».
وعن أبى العباس البقباق (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الدراهم
المحمول عليها؟ فقال : إذا أنفقت بما يجوز بين أهل المدينة أو البلد فلا بأس ، وان
أنفقت ما لا يجوز بين أهل المدينة فلا».
وما رواه في التهذيب عن عمر بن يزيد (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن إنفاق
الدراهم المحمول عليها؟ فقال إذا جازت الفضة (المثلين) فلا بأس».
وعن محمد بن مسلم (4) عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «جاء
رجل من أهل سجستان فقال له : ان عندنا دراهم يقال لها الشاهية تحمل على الدراهم
دانقين؟ فقال : لا بأس به إذا كان يجوز».
وعن محمد بن مسلم (5) «قال ، سألته
عن الدراهم المحمول عليها؟ قال : لا بأس بإنفاقها».
وعن المفضل بن الجعفي (6) «قال كنت : عند
أبى عبد الله (عليهالسلام) فالقي بين
يديه الدراهم فقال : أيش هذا؟ قلت : ستوق ، قال : وما الستوق؟ فقلت : طبقتين
__________________
(1 و 2) الكافي ج 5 ص 253.
(3 و 4 و 5 و 6) التهذيب ج 7 ص 108 الرقم ـ 69 ـ وفي الوافي (الثلثين)
بدل المثلين.
فضة ، وطبقة من نحاس ، وطبقة من فضة؟
فقال : اكسرها فإنه لا يحل بيع هذا ولا إنفاقه» (1).
قال في الوافي الستوق بالضم والفتح معا وتشديد التاء ،
وتستوق بضم التاء المزيف البهرج الملبس بالفضة ، «طبقتين فضة» الصواب طبقة من فضة
وكأنه مما صحفه النساخ ، وحمل منع إنفاقه في التهذيبين على ما إذا لم يتبين أنه
كذلك : فيظن الأخذ أنه جيد. انتهى.
أقول : الظاهر أن المراد من هذه الاخبار وكذا ما قدمناه
من كلام الأصحاب انما هو بيان جواز إنفاق هذه الدراهم في سائر المعاملات دون ما
يتعلق به الربا ويدخل في الصرف ، وقوفا على قواعد الأصحاب المذكورة في سابق هذه
المسألة ، فلو أريد المعاملة بها في أحد هذين الوجهين فلا بد من مراعاة شروطهما
كما تقدم ، ومرجع ذلك الى أنه متى كان عادة البلد المعاملة بذلك النقد المغشوش مع
معلومية حاله
__________________
(1) قال ابن إدريس في كتاب السرائر : أما استفهام الامام (عليهالسلام) ما هو التسوق ، فإنها كلمة فارسية غير
عربية ، وهي مفتوحة السين الغير المعجمة مشددة التاء المنقطة من فوقها نقطتين
المضمومة ، فالواو والقاف ومعناها ثلاث طبقات ، لان ست بالفارسية ثلاثة ، وتوق
طبقات وهو الزايف الردى البهرج ، قال الصولي في كتاب الأوراق : اعترض مخلد الشاعر
الموصلي الخليفة المعتمد لما دخل الموصل بمدح ، وحلفه ان يسمعه فأحضره وسمع مدحه ،
ثم قال : أنشدني هجاك لأهل الموصل فأنشده.
هم قعدوا فانتفوا لهم حسبا |
|
يجوز بعد العشاء في العجب |
حتى إذا ما الصباح لاح لهم |
|
تبين ستوقهم من الذهب |
والناس قد أصبحوا صيارفة |
|
أعلم شيء لبهرج النسب |
|
انتهى
منه رحمهالله. |
عندهم كهذه الفروش التي في بلد ان
الروم ، والطويلة التي في بلاد الأحساء ، فإنها من الصفر الملبس بالفضة ، فلا بأس
بالمعاملة بها وإنفاقها ، وما عدا ذلك ، فلا يجوز إنفاقه إلا مع الا علام بحاله ،
كما تقدم نقله عن العلامة في آخر عبارته المتقدمة ، وعلى هذا حمل الشيخ خبر المفضل
المذكور.
ويدل على ذلك صريحا ما رواه في التهذيب عن جعفر بن عيسى (1) قال : «كتبت
الى أبى الحسن الأول (عليهالسلام) : ما تقول :
جعلت فداك في الدراهم التي أعلم أنها لا تجوز بين المسلمين إلا بوضيعة ، تصير الى
من بعضهم بغير وضيعة لجهلي به ، وانما أخذته على أنه جيد ، أيجوز لي أن آخذه
وأخرجه من يدي اليه على حد ما صار الى من قبلهم؟ فكتب (عليهالسلام) : لا يحل ذلك
، وكتبت اليه : جعلت فداك هل يجوز ان وصلت الى رده على صاحبه من غير معرفته به أو
إبداله منه ، وهو لا يدرى أني أبدله منه وأورده عليه؟ فكتب (عليهالسلام) لا يجوز».
ومما ذكرنا يظهر ما في كلام المحقق الأردبيلي (طاب ثراه)
في هذا المقام من النظر الظاهر لذوي الأفهام ، وذلك في موضعين : أحدهما أنه قال في
سابق هذه المسألة بعد بيان حكمها ما صورته : وفي الاخبار الكثيرة المعتبرة أنه
يجوز بيعه بمثل ما فيه ان كان الغالب هو أو الغش بحيث يطلق عليه اسم ذلك ، فالظاهر
ان المراد أن أحدهما مضمحل ولا قيمة له ، ثم استدل بحسنة عمر بن يزيد الاولى من
الروايات المتقدمة ، ورواية على بن رئاب عن محمد بن مسلم وصحيحة عبد الرحمن الحجاج
الواردة في الأسرب ، وروايته الأخرى الواردة أيضا فيه.
وأنت خبير بما قدمنا تحقيقه أن المراد من روايتي عمر بن
يزيد وعلي بن رئاب المذكورتين في كلامه انما هو إنفاق الدراهم المغشوشة في
المعاملة في غير ما يدخل في الربا بالصرف ، وان كان الغش كثيرا كما صرح به (عليهالسلام) في رواية
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 116 الرقم 112.
عمر بن يزيد الثانية من قوله (عليهالسلام) «إذا جازت
الفضة الثلثين فلا بأس» فإنه يعطي جواز المعاملة بما يكون الغش فيه يبلغ الربع
وعلى ذلك يدل إطلاق جملة من أخبار المسألة ، وتمسكه في ذلك بخبري عبد الرحمن بن
الحجاج ليس في محله ، لان هذا حكم آخر كما فصلناه هنا.
قال في المسالك في هذه المسألة : ولا يخفى أن المراد هنا
الغش المعتبر ، دون ما يستهلك لقلته ، نبه عليه في التذكرة انتهى ، وبالجملة
فالخبران اللذان أوردهما أولا انما هما من قبيل باقي الأخبار التي سردناها ، وقد
عرفت المراد منها ، وليسا من أخبار المسألة المتقدمة كما ظنه ، ومحمل التأويل
فيهما ، والخبران الأخيران قد تقدم محلهما ، وليس هما من أخبار المسألة السابقة
أيضا كما توهمه.
وثانيهما ما ذكره وقبله المحقق الشيخ على في شرح القواعد
من حمل الصرف في كلام المتقدمين ـ كالعبارة التي قدمنا نقلها عنهم في صدر المسألة
من قولهم يجوز إخراج الدراهم المغشوشة مع جهالة الغش إذا كانت معلومة الصرف ، وان
كانت مجهولة الصرف لم يجز إنفاقها ـ على الصرف بمعنى معلومية قيمة ما فيها من
الصافي أو قيمته ، وكذا مجهولية الصرف بمعنى عدم العلم بقدر ما فيه من الصافي.
والمفهوم من الاخبار التي قدمناها أن المراد بالصرف في
عباراتهم انما هو الرواج في المعاملة ومضيها بين الناس من غير توقف في أحدها لمكان
الغش مع العلم بذلك ، فمتى كان رائجا في المعاملة جاز إنفاقه ، وان لم يكن رائجا
في تلك البلد ولا متعاملا به وجب الاعلام بغشه ، سواء علم قدر ما فيه من الخالص أو
لم يعلم.
وبما ذكرناه صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ـ فقال
بعد ذكر عبارة المصنف كما قدمنا ذكره في صدر المسألة ـ : المراد بكونها معلومة
الصرف كونها متداولة بين الناس مع علمهم بحالها ، فإنه يجوز حينئذ إخراجها ، وان
لم يعلم بقدر
ما فيها من الغش ، فلو كانت مجهولة
الصرف بحيث لو علموا بحالها ما قبلوها وجب على مخرجها ابانه حالها ، بأن يقول :
إنها مغشوشة وان لم يبين قدر غشها الى آخره.
المسألة الخامسة ـ المراكب المحلاة إذا علم ما فيها من
الحلية يجوز بيعها بجنسها بشرط أن يزيد الثمن عما فيها ، أو توهب الزيادة من غير
شرط ويجوز بيعها ايضا بغير جنسها مطلقا ، وان جهل ما فيها ـ وان أمكن نزعه من غير
ضرر ـ بيعت بغير جنس الحلية ، وان بيعت بجنس الحلية قيل : يجعل معها شيء من
المتاع ، وتباع بزيادة عما فيها تقريبا ، دفعا لضرر النزع ، هكذا قالوا.
والذي وقفت عليه من الاخبار منها ـ رواية إبراهيم بن
هلال (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : جام فيه
ذهب وفضة ، أشتريه بذهب أو فضة؟ فقال : ان كان تقدر على تخليصه فلا ، وان لم تقدر
على تخليصه فلا بأس».
وصحيحة عبد الله بن سنان (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن شراء
الذهب فيه الفضة والزيبق والتراب بالدنانير والورق فقال : لا تصارفه الا بالورق
قال : وسألته عن شراء الفضة فيها الرصاص والورق إذا خلصت نقصت من كل عشرة درهمين
أو ثلاثة قال لا يصلح الا بالذهب».
ورواية أبي بصير (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن بيع السيف
المحلى بالنقد؟ فقال : لا بأس به ، قال : وسألته عن بيعه بالنسيئة ، فقال : إذا
نقد مثل ما في فضته فلا بأس به أو ليعطي الطعام».
وموثقة محمد بن مسلم (4) قال : سئل عن السيف المحلى ، والسيف
الحديد
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 112.
(2) الكافي ج 5 ص 249 التهذيب ج 7 ص 109.
(3 و 4) الكافي ج 5 ص 250 التهذيب ج 7 ص 112 وص 114.
المموه (بالفضة) يبيعه بالدراهم؟ قال
: نعم وبالذهب ، وقال : انه يكره أن يبيعه بنسيئة ، وقال : إذا كان الثمن أكثر من
الفضة فلا بأس». كذا في الكافي ، وفي التهذيب (بع بالذهب) مكان : نعم وبالذهب.
وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) قال : «سألته
عن السيوف المحلاة فيها الفضة تباع بالذهب إلى أجل مسمى؟ فقال : ان الناس لم
يختلفوا في النساء أنه الربا ، وانما اختلفوا في اليد باليد ، فقلت له : فتبيعه
بدراهم بنقد؟ فقال : كان أبى (عليهالسلام) يقول : يكون
معه عرض أحب الي ، فقلت : إذا كان الدراهم التي تعطى أكثر من الفضة التي فيها؟
فقال : وكيف لهم بالاحتياط بذلك؟ قلت له : فإنهم يزعمون أنهم يعرفون ذلك فقال : ان
كانوا يعرفون ذلك فلا بأس ، والا فإنهم يجعلون معه العرض أحب الي».
وصحيحة عبد الله بن سنان (2) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس
ببيع السيف المحلى بالفضة بنساء إذا نقد ثمن الفضة والا فاجعل ثمن فضة طعاما
ولينسه ان شاء».
ورواية منصور الصيقل (3) عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «قال سألته
عن السيف المفضض تباع بالدراهم؟ قال : ان كانت فضته أقل من النقد فلا بأس ، وان
كانت فضته أكثر فلا يصلح».
وعن أبى بصير (4) قال : «سألته عن المفضض» الحديث
مثله.
ورواية منصور الصيقل (5) ايضا عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : قلت له
: السيف أشتريه وفيه الفضة تكون الفضة أكثر أو أقل؟ قال : لا بأس به».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 251 التهذيب ج 7 ص 113.
(2) التهذيب ج 7 ص 112.
(3 و 4 و 5) التهذيب ج 7 ص 113.
ورواية عبد الله بن جذاعة (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن السيف
المحلى بالفضة يباع بنسيئة؟ قال : ليس به بأس ، لأن فيه الحديد والسير».
وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن
الحسن العلوي عن جده على بن جعفر (2) عن أخيه موسى بن جعفر (عليهماالسلام) قال : «سألته
عن الفضة في الخوان والقصعة والسيف والمنطقة والسرج واللجام تباع بدراهم أقل من
الفضة أو أكثر قال : تباع الفضة بدنانير ، وما سوى ذلك بدراهم». ورواه على بن جعفر
في كتابه.
أقول : ينبغي أن يعلم أولا أن من القواعد المقررة في
كلام الأصحاب ـ وهو المستفاد من الاخبار كما تقدم ذكره في باب الربا ـ ان المجتمع
من جنسين يجوز بيعه بغير جنسيهما مطلقا ، وبهما معا سواء علم قدر كل واحد من
المجتمع أم لا إذا عرف قدر الجملة ، وسواء أمكن تخليصهما أم لا ، ويجوز أيضا بكل
واحد منهما إذا علم زيادته عن جنسه بحيث يصلح ثمنا للآخر وان قل ولم يكن قيمته
واقعا (3) ، وحينئذ فما
دلت عليه رواية إبراهيم بن هلال «من النهى عن شراء اللجام إذا كان يقدر على تخليصه»
لعله محمول على الكراهة ، والا فلو شراه بأحدهما مع زيادته على ما فيه من ذلك
الجنس الأخر فلا إشكال في صحته ، بناء على ما عرفت.
وما دلت عليه صحيحة عبد الله سنان الاولى ـ من أنه لا
يصلح شراء الفضة المغشوشة بالرصاص بالورق ـ قد تقدم بيان لوجه فيه في المسألة
الثانية.
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب ـ 15 ـ من أبواب الصرف الحديث ـ 10.
(3) اشتراط العلم كما ذكرنا مذهب الأكثر ، وبه صرح في الدروس
ومثله الشهيد الثاني في الروضة ، وبالاكتفاء بالظن الغالب صرح الشهيد في اللمعة
والظاهر الأول. منه رحمهالله.
وما في رواية أبي بصير ـ من نفي البأس عن بيع السيف
المحلى بالنقد ـ فيحمل على المخالفة في جنسي النقد والحلية ، أو زيادة الثمن ان
كان من جنسها ، وما نفى عنه البأس من بيعه نسيئة إذا نقد مثل ما في الفضة ظاهر في
كون ذلك من باب الصرف كما تقدمت الإشارة إليه ، فيشترط فيه التقابض في المجلس
بالنسبة إلى الحلية ، وما قابلها من الثمن ، فإذا نقد مثل الفضة ، فلا بأس بالنسبة
في الباقي ، والا فليجعل جنسا آخر كالطعام ، ومثل هذه في ذلك صحيحة عبد الله سنان.
وأما موثقة محمد بن مسلم ـ فعلى تقدير نسخة الكافي ـ فيها
دلالة على جواز البيع بالدراهم ، لكن لا بد من التقييد بزيادتها على ما فيه من
الفضة لما عرفت ، وعلى تقدير نسخة التهذيب فيها دلالة على المنع من الدراهم ،
ويحمل على عدم معلومية الحلية ، ليحصل المخرج من الوقوع في الربا بالزيادة في
الثمن ، فلا يباع حينئذ إلا بجنس آخر ، كما دلت عليه صحيحة عبد الرحمن الحجاج ،
وكراهة نسيئة في الرواية أعم من أن يكون بالدراهم أو الدنانير ، والمراد بالكراهة
التحريم كما هو شائع في الاخبار ، لما عرفت من أنه يلحقه حكم الصرف هنا ، وقوله
فيها إذا كان الثمن أكثر من الفضة فلا بأس فيه ، دلالة على جواز البيع بالدراهم مع
زيادتها على ما فيه من الحلية ، ليكون الزيادة في مقابلة الجنس الأخر.
وأما صحيحة عبد الرحمن الحجاج ، فان قوله فيها أن الناس
لم يختلفوا في النسيء أنه الربا» مؤكد لما قلناه من حصول الربا بالنسيئة ، لما
تقدم من أن له قسطا من الثمن ، وفيه دلالة ظاهر على اعتبار الزيادة الحكمية في
الربا ، خلافا لابن إدريس من تخصيصه الزيادة الموجبة للربا بالعينية.
وقوله «فقلت : فنبيعه بدراهم بنقد» الى آخر الخبر ملخصه
أنه ان علم مقدار الفضة التي في الحلية ، فالمخرج من الوقوع في الربا زيادة
الدراهم على الفضة المذكورة ، وان لم يعلم فلا تباع الا بجنس آخر تحرزا من الوقوع
في الربا ،
بان يكون الفضة التي في الحلية أزيد
من الدراهم المنقودة ، بقي الإشكال فيه من قوله «انما اختلفوا في اليد باليد» مع
انا لا نعلم خلافا في اشتراط التقابض في النقدين ، ولم يذهب أحد إلى القول بعدم
التقابض في النقدين وانما الخلاف في غيرهما كما تقدم ، والظاهر ان هذا الكلام
إشارة الى ما ذكره محيي السنة من علماء العامة (1) ان ذلك كان قديما في عصره (صلىاللهعليهوآله) ثم نسخ ،
وبقي عليه أقوام لم يصل إليهم النسخ ، ومنهم ابن عباس.
وأما رواية منصور الاولى فالمعنى فيها ظاهر مما عرفت.
وأما رواية الثانية ففي ظاهرها نوع اشكال والظاهر أن
المعنى فيها هو ما في روايته الاولى ، وأن المراد بقوله أكثر أو أقل لا بالنسبة
الى ما قابله من الثمن إذا كان دراهم ، بل المراد كثيرا أو قليلا ، ولا بد من
أقليته بالنسبة إلى الثمن لينطبق على الاخبار الباقية.
وأما رواية عبد الله بن جذاعة فحملها الشيخ في الاستبصار
على التقييد بأن نقد مثل ما فيه من الفضة ، ليوافق ما تقدم مما دل على الحكم
المذكور.
وأما رواية على بن جعفر فما ذكر فيها ، أحد الوجوه
الموجبة للخروج عن الربا ، وليس ذلك مخصوصا به لما عرفت مما تقدم.
بقي الكلام في مواضع مما تقدم نقله عنهم في صدر المسألة
: منها قولهم أنه مع العلم بما فيها من الحلية تباع بالجنس بشرط الزيادة ، فإن فيه
أنه يمكن ذلك في صورة الجهل بقدرها إذا علم زيادة الثمن على الحلية ، فإنه يمكن
تصور العلم بالزيادة وان جهل القدر.
__________________
(1) قال محيي السنة المذكور : فقال كان ـ في الابتداء حين قدم
النبي (صلىاللهعليهوآله) المدينة ـ بيع الدراهم بالدراهم
والدنانير بالدنانير متفاضلا جائزا يدا بيد ، ثم صار منسوخا بإيجاب المماثلة ، وقد
بقي على المذهب الأول بعض الصحابة ، وممن لم يبلغهم النسخ كان عبد الله ابن عباس ،
وكان يقول : أخبرني أسامة أن النبي (صلىاللهعليهوآله) قال : انما الربا في النسيئة. منه رحمهالله.
ومنها قولهم وتوهب الزيادة من غير شرط ، والمراد منه أن
المخرج من الربا هنا أن يهبه الزيادة ، لكن لا يقع ذلك شرطا في عقد البيع بأن
يبيعه بشرط أن يهبه الزيادة ، لاستلزامه الزيادة الحكمية في أحد الجنسين ، لان
الشرط زيادة حكمية كما سيأتي إنشاء الله ـ تعالى ـ بيانه في اشتراط صياغة الخاتم ،
وهذه الزيادة انما يتحقق ويحتاج الى التخلص بهبتها فيما إذا وقع البيع بالثمن على
الحلية خاصة إذا فرضت قدر الثمن أو زائدة عليه ، فإنه يبقى ما فيه الحلية زيادة في
البين ، وهو ظاهر ، ولو وهبه الزيادة قبل البيع صح أيضا ، ويجب تجريد عقد الهبة عن
شرط بيع الباقي بمثله ، كما وجب تجريد عقد البيع عن شرط الهبة كما عرفت ، لرجوع
الأمرين الى ما تقدم من لزوم الزيادة الحكمية.
ومنها قولهم في صورة الجهل بقدر الحلية وان بيعت بجنس
الحلية ، «قيل : يجعل معها شيء من المتاع ، الى آخره فان فيه أنك قد عرفت انه مع
الجهل بقدرها يجوز بيعها بجنسها مع العلم بزيادة الثمن عليها ، فإنه يمكن فرضه
ويصح البيع ، سواء جعل معها شيء آخر أم لا ، ويصح أيضا مع عدم العلم بزيادة الثمن
عليها أن يضم الى الثمن متاع آخر ، لينصرف الثمن إلى ذي الحلية ، والمتاع إلى
الحلية.
وأما على هذا القول الذي نقل ، فان ظاهره ضم المتاع إلى
الحلية ، وهو غير ظاهر الاستقامة ، لأنه مع ضم المتاع الى المبيع من الحلية وذي
الحلية يزيد الضرر والمحذور ، حيث يحتاج الى مقابلة الثمن بها مع الباقي ، والظاهر
أنه لذلك نقلوه بلفظ قيل إيذانا بضعفه ، وهذا القول للشيخ في النهاية وذكر بعض
الأفضل أن الشيخ تبع في ذلك رواية وردت بهذه الصيغة ونسبت الى وهم الراوي ، ولم
نقف عليها فيما وصل إلينا من الاخبار.
ثم انه ينبغي تقييد هذه الاخبار الواردة في هذا المضمار
بما إذا كانت الحلية متمولة ، والا فلو كانت من قبيل حلية الجدران والسقوف فلا
يترتب عليها الأحكام المذكورة كما تقدمت الإشارة اليه. والله العالم.
المسألة السادسة ـ قال الشيخ في النهاية (1) لا بأس أن
يبيع درهما بدرهم ويشترط معه صياغة خاتم ، أو غير ذلك من الأشياء ، وقال ابن إدريس
: وجه الفتوى ـ بذلك على ما قاله (رحمهالله) ـ أن الربا
هو الزيادة في العين إذا كان الجنس واحدا ، وهنا لا زيادة في العين ، ويكون ذلك
على جهة الصلح في العمل فهذا وجه الاعتذار له إذا سلم العمل به ، ويمكن أن يحتج
على صحته بقوله ـ (تعالى) ـ (2) «وَأَحَلَّ
اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا» ، وهذا بيع ،
والربا المنهي عنه غير موجود هيهنا ، لا حقيقة لغوية ، ولا حقيقة عرفية ولا شرعية.
أقول : الأصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ عن أبى
الصباح الكنائي (3)
__________________
(1) أقول قال في النهاية السيوف المحلاة والمركب المحلاة إذا
كانت محلاة بالفضة وعلم مقدار ما فيها جاز بيعها بالذهب والفضة ، فإن بيع بالفضة
فيكون ثمن السيف أكثر مما فيه من الفضة ، وان لم يعلم مقدار ما فيها وكانت محلاة
بالفضة فلا تباع الا بالذهب ، وان كانت محلاة بالفضة وأراد بيعها بالفضة وليس لهم
طريق إلى معرفة مقدار ما فيها فليجعل معها شيئا آخر ، ويبيع حينئذ بالفضة إذا كان
أكثر مما فيه تقريبا ، ولم يكن به بأس ، وقال ابن إدريس بعد نقل ذلك : ولى فيه نظر
، ولم يبين وجه النظر ، قال في المختلف بعد نقل ذلك : والحق أن الفضة ان علم
مقدارها جاز بيعها بأكثر منها ، ليحصل من الثمن ما يساوى المقدار من الحلية في
مقابلته ، والزيادة في مقابلة السيف ، وان لم يعلم بيعت بثمن غير الفضة أو بالفضة
مع علم زيادة الثمن ، أو يضم الى الثمن شيئا فيكون الفضة في مقابلة السيف ،
والمضموم في مقابلة الحلية لانتفاء الربا انتهى. وهو جيد. منه رحمهالله.
(2) سورة البقرة الآية ـ 275.
(3) التهذيب ج 7 ص 110.
قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يقول للصائغ : صغ لي هذا الخاتم وأبدل لك درهما طازجا بدرهم غلة؟ قال : لا بأس». والطازج
الخالص معرب تازه ، والغلة المغشوش.
وجملة من الأصحاب قد عبروا هنا بأنه يجوز ابتياع درهم
بدرهم مع اشتراط صياغة خاتم ، تبعا للشيخ ، وظاهر كلام الشيخ تعدية الحكم الى غير
الصياغة ، بأن يبيعه درهما بدرهم ويشترط خياطة ثوب أو نحو ذلك.
قيل. وفي تعدية الحكم في الثمن والمثمن بأن يبيع دينارا
بدينار ويشترط عملا ، ويبيع عشرة دراهم بعشرة ، ويشترط عملا اشكال ، والأقرب
الجواز تفريعا على الجواز هنا أيضا لأن الزيادة المذكورة ان أوجبت الربا لزم
التحريم في الجميع ، والا فلا.
وجملة من الأصحاب كالمحقق وغيره عبروا هنا بلفظ وروى ـ جواز
ابتياع درهم بدرهم مع اشتراط صياغة خاتم ـ إيذانا بالتوقف في الحكم المذكور ومنع
جملة منهم من تعدى موضع النص.
والتحقيق أن الرواية المذكورة لا صراحة فيها فيما ذكروه
من البيع وانما تضمنت اشتراط ابدال درهم بدرهم في صياغة الخاتم لا البيع بشرط
الصياغة.
نعم ربما يقال : ان الإبدال من قبيل الصرف ، والزيادة
فيه تصير من قبيل الربا ، والجواب عنه أن يقال. ان اشتراط الصياغة انما هو في جانب
الغلة ، وعلى ذلك لا يتحقق الزيادة ، لما عرفت من أن الدرهم الطازج هو الصحيح ،
والغلة المراد بها المغشوش ، فالزيادة الحكمية التي هي الصياغة إذا جعلت مع
المغشوش ، قابلت الزيادة التي في الخالص من الفضة على المغشوش ، وحينئذ لا مانع في
البيع ولا غيره ولا في شرط صياغة خاتم ولا غيره من الأعمال متى كان المفروض مثل ما
وقع في الرواية من النقصان في أحد العوضين ليجبر بالعمل المشترط.
وبذلك يظهر لك ما في الفروض المذكورة في كلام ذلك القائل
في تعدية الحكم الى بيع دينار بدينار ، وعشرة دراهم بعشرة أخرى ونحو ذلك ، فإنه
على إطلاقه ممنوع ، لحصول الربا بالزيادة الحكمية ، بل ينبغي تقييده بما دلت عليه
الرواية من نقص أحد العوضين ليصح الاشتراط ، ويندفع الربا.
وأما ما ذكره ابن إدريس من تخصيص الربا بالزيادة العينية
في أحد الجنسين فيرده ما تقدم في صحيحة عبد الرحمن الحجاج من قوله (عليهالسلام) (1) «أن الناس لم
يختلفوا في النسيء أنه الربا». ونحوها غيرها من الاخبار المانعة من البيع نسيئة
لذلك.
وأما ما ذكره المحقق الأردبيلي (عطر الله مرقده) من أن
ظاهر قوانينهم أنه ليس الحيادة زيادة تجبر بشيء ، ولهذا لا يتحقق الربا بين الجيد
في غاية الجيادة والردي في غاية الرداءة مع التساوي في المقدار ، ويتحقق مع
التفاوت ، وان كان في جانب الردى بشيء يسير لا يقابل الجيادة التي في الجيد ، وهو
صريح كلامهم انتهى.
ففيه انه ينبغي أن يعلم أن هنا شيئين ، أحدهما أن تكون
الفضة خالصة ، وإذا عملت دراهم جعل فيها غيرها من نحاس أو رصاص أو غيرهما ويسمى
حينئذ مغشوشة وثانيهما أن تكون الفضة من أصلها ومعدنها ردية غير جيدة ، والمراد من
الدراهم الجياد والدراهم الردية انما هو ما كان باعتبار أصل الجوهر ، لا من حيث ضم
شيء اليه وعدمه ، وما نحن فيه انما هو من قبيل الأول ، لأن الغلة كما ذكرنا هي
الدرهم المغشوش بغيره ، وما اعترض به انما هو من الثاني ، وهو مما لا خلاف فيه ،
لانه ليس فيه شيء غير الفضة من الأشياء الخارجية عنها ، الا أن فضته ليست جيدة ،
ويدلك على ذلك ما تقدم في المسألة الثالثة في الفضة المغشوشة من أنها لاتباع الا
بغير الجنس ، أو به مع الزيادة في الثمن ليقابل ما فيها من الغش. وبالجملة فإن
كلامه
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 113.
هنا غفلة عن الفرق بين الأمرين. والله
العالم.
المسألة السابعة ـ الأواني المصبوغة من الذهب والفضة وان
كان كل واحد منهما معلوما جاز بيعه بجنسه من غير زيادة ، وبغير الجنس وان زاد ،
وان لم يعلم وأمكن تخليصهما لم يبع بالذهب ولا بالفضة وبيعت بهما أو بغيرهما ، وان
لم يمكن وكان أحدهما أغلب بيعت بالأقل ، وان تساويا تغليبا بيعت بهما ، هكذا صرح
به بعضهم.
وقيل : ان أصل هذا الكلام للشيخ وتبعه عليه الجماعة ،
وهو على إطلاقه مدخول ، ويحتاج الى تنقيح.
وذلك فإنك قد عرفت فيما تقدم في المسألة الخامسة أن من
القواعد المتفق عليها نصا وفتوى أن المجتمع من جنسين يجوز بيعه بغير جنسيهما مطلقا
، وبهما معا سواء علم قدر كل واحد من المجتمع أم لا إذا عرف قدر الجملة ، وسواء
أمكن تخليصهما أم لا ، ويجوز أيضا بكل واحد منهما إذا علم زيادته عن جنسه ، بحيث
تصلح ثمنا للآخر وان قل ، سواء أمكن التخليص أيضا أم لا ، وسواء علم قدر كل واحد
أم لا ، وما ذكر هنا من هذه المسألة أحد جزئيات القاعدة المذكورة ، ووجه الدخل في
هذا الكلام في مواضع.
الأول قوله : ان كان أحدهما معلوما جاز بيعه بجنسه من
غير زيادة وبغير الجنس وان زاد ، فان فيه أنه ان أراد ببيعه بيع ذلك الجنس خاصة
دون المجموع فهذا لا وجه له ، لان فرض المسألة هو بيع المركب من الذهب والفضة لا
أحدهما ، وحينئذ فما ذكر خارج عن محل المسألة ، وان كان المراد بيع المجموع ،
اشترط في بيعه بجنس أحدهما زيادة الثمن على جنسه ليكون تلك الزيادة في مقابلة
الأخر ، وان أراد بيع المجموع بجنسه أى الجنسين معا ، فلا معنى لاشتراط عدم
الزيادة ، لأن كل واحد من الجنسين ينصرف الى مخالفه ، فلا تضر الزيادة هنا ولا
النقصان ، ولا فرق في هذين القسمين بين أن يعلم قدر كل واحد منهما أو يجهل ، كما
تقدم
الإشارة إليه في القاعدة ، فلا وجه
للتقييد بالعلم بهما.
الثاني ـ قوله وان لم يعلم وأمكن تخليصهما لم يبع بالذهب
ولا بالفضة ، وبيعت بهما أو بغيرهما ، فإنه فيه أنه لا مانع من بيعه بوزنه ذهبا أو
فضة مطلقا ، لحصول المماثلة في الجنسين والمخالفة بالنسبة إلى الجنس الأخر ، فلا
مدخل للربا في ذلك ، وكذا مع الزيادة على قدر المركب ، وكذا مع نقصانه إذا علم
زيادة الثمن على مجانسة بما يتمول ، فما ذكر من المنع من بيعه بأحدهما على تقدير
إمكان التخليص لا يظهر له وجه ، بل يجوز حينئذ بيعه بهما وبأحدهما وبغيرهما
وبالأقل سواء أمكن التخليص أم لا.
الثالث ـ قوله وان لم يمكن وكان أحدهما أغلب بيعت بالأقل
، فإن فيه أنه بمقتضى القاعدة المتقدمة يجوز بيعه بهما وبغيرهما ، وبالأقل والأكثر
إذا علم زيادة الثمن على جنسه كما تقدم ، فالتقييد بالأقل عار عن النكتة.
واعتذر الشهيد ـ (رحمهالله) ـ لهم عن ذلك
بأن ذكر الأقل محافظة على طلب الزيادة ، ورد بأن الزيادة المعتبرة في الثمن عن
جنسه يمكن تحققها مع الأقل والأكثر ومع ذلك فالارشاد إلى الزيادة غير كاف في
التخصيص الموجب لتوهم المنع من غيره.
الرابع قوله : «وان تساويا تغليبا بيعت بأحدهما» فإن فيه
أنه مع تساويهما لا ينحصر الجواز في البيع بأحدهما ، بل يجوز بيعه بهما أو بأحدهما
مع الزيادة وبغيرهما فلا وجه للتخصيص بأحدهما ، ولا فرق في ذلك أيضا بين إمكان
التخليص وعدمه ، ولا بين العلم بقدر كل منهما وعدمه. نعم يعتبر العلم بالجملة
والله العالم.
المسألة الثامنة ـ قال الشيخ في المبسوط : إذا اشترى
ثوبا بمائة درهم الا دينارا أو بمائة دينار الا درهما لم يصح ، لان الثمن مجهول ،
لانه لا يدرى كم حصة الدرهم من الدينار ولا كم حصة الدينار من الدرهم الا بالتقويم
، والرجوع الى أهل الخبرة ، وكذا قال ابن البراج ، وقال في النهاية : ولا يجوز أن
يشترى بدينار الا درهما ، وعلل بالجهالة.
وقال ابن إدريس : لا يصح أن يشترى الإنسان سلعة بدينار
غير درهم ، ولا بدراهم ، غير دينار ، لان ذلك مجهول قال محمد بن إدريس : قولنا لا
يصح ، نريد به العقد لا يصح ، وقولنا لانه مجهول المراد به الثمن مجهول ، وإذا كان
الثمن مجهولا فالعقد والبيع لا يصح ، ووجه كون الثمن في هذه الصورة مجهولا لأنه لا
يدرى كم حصة الدراهم من الدينار ، ولا كم حصة الدينار من الدراهم الا بالتقويم ،
والرجوع الى أهل الخبرة ، وذلك غير معلوم وقت العقد ، فهو مجهول ، فان استثنى من
جنسه فباع بمائة دينار الا دينارا أو بمائة درهم الا درهما صح البيع ، لان الثمن معلوم
، وهو ما بقي بعد الاستثناء. انتهى.
وقال ابن الجنيد لو باع ثوبا بمائة درهم غير دينار نقدا
جاز ، فان باعه نسيئة لم يصح البيع ، لانه لا يعلم قدر الدينار من الدرهم وقت
الوجوب ، وكذا كل ما اختلف جنساه ، وجملة من الأصحاب عبروا بما يرجع الى كلام
الشيخ في المبسوط.
أقول : والأصل في هذه المسألة الاخبار. ومنها ما رواه في
الكافي عن حماد (1) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «يكره
أن يشترى السلعة بدينار غير درهم ، لانه لا يدرى كم الدرهم من الدينار».
وما رواه الشيخ عن السكوني (2) «عن جعفر عن
أبيه عن على (عليهمالسلام) في الرجل
يشتري السلعة بدينار غير درهم الى أجل؟ قال : فاسد ، فلعل الدينار يصير بدرهم».
وعن أبى جعفر عن أبيه عن وهب (3) «وعن جعفر عن
أبيه (عليهماالسلام) أنه كره أن
يشترى الرجل بدينار الا درهما والا درهمين نسيئة ، ولكن يجعل ذلك بدينار إلا ثلثا
والا ربعا وإلا سدسا أو شيئا يكون جزءا من الدينار».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 197.
(2 و 3) التهذيب ج 7 ص 116 الرقم 108.
وعن ميسر (1) «عن جعفر عن
أبيه (عليهماالسلام) انه كره ان
يشترى الثوب بدينار غير درهم ، لانه لا يدرى كم الدينار من الدرهم».
أقول : وملخص الكلام في هذا المقام ـ وهو الذي يجتمع
عليه الاخبار ، وما نقلناه من كلام علمائنا إلا علام ـ هو ان يقال ان البيع ان وقع
نقدا فإنه لا بد في صحته من علم المتعاقدين بنسبة المستثنى من المستثنى منه ، فان
لم يعلما أو أحدهما لم يصح البيع لمكان الجهالة في الثمن ، وان وقع نسيئة فإن شرطا
في الدرهم أو الدينار المستثنى ما كان متعاملا به وقت العقد أو أطلقا فيرجع الى
التفصيل المتقدم من علم النسبة صح البيع ، والا بطل لمكان الجهل ، وان شرطا الدرهم
أو الدينار المتعامل به وقت حلول الأجل فأولى بالبطلان لانه لا يدرى ما يصير إليه
الأمر في ذلك الوقت ، واليه يشير قوله (عليهالسلام) في رواية
السكوني ، «فلعل الدينار يصير بدرهم» وعلى هذا فلا اختلاف بين كلام ابن الجنيد ،
وكلام الشيخ في هذه المسألة ، وأنت خبير بأن الأنسب بهذه المسألة هو ذكرها في
المقام الثالث من الفصل الأول ، لأنها متعلقة بجهل الثمن ، ولكن الأصحاب لما
ذكروها في باب الصرف جرينا على منوالهم في ذلك.
المسألة التاسعة ـ تراب الصياغة ان علم ـ بالقرائن
المفيدة لذلك ـ إعراض أصحابه عنه جاز للصائغ تملكه كغبره مما يعلم أعراض ملاكه عنه
، وفي الاكتفاء بالظن اشكال ، والا فإن علم ملاكه وجب رده عليهم ، وان علم بعضهم
وجب التخلص منه ولو بالصلح ، والا فالواجب الصدقة به أو بثمنه عن ملاكه ، كما هو
الحكم في نظائره ، لكن متى أراد بيعه فلا يبيعه الا بجنس آخر من العروض أو بالذهب
والفضة معا ، حذرا من الربا لو بيع بأحدهما ، لجواز زيادة ما فيه من جنس الثمن من
ذلك الثمن أو مساواته ، فيلزم الربا.
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 116 الرقم ـ 110.
أما لو علم زيادة الثمن من ذلك الجنس على جنسه بحيث تصلح
الزيادة لمقابلة الجنس الأخر فلا بأس.
والذي وقفت عليه من الاخبار في هذه المسألة ما رواه في
الكافي والتهذيب عن على بن ميمون الصائغ (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عما يكنس من
التراب فأبيعه فما أصنع به؟ قال : تصدق به فاما لك واما لأهله ، قال : قلت فان فيه
ذهبا وفضة وحديدا فبأي شيء أبيعه؟ قال : بعه بطعام ، قلت : فان كان لي قرابة
محتاج أعطيه منه؟ قال : نعم».
وما رواه الشيخ عن على الصائغ (2) قال : «سألته
عن تراب الصواغين وانا نبيعه قال : اما تستطيع ان تستحله صاحبه؟ قال : قلت : لا
إذا أخبرته اتهمني ، قال بعه ، قلت : بأي شيء أبيعه ، قال : بطعام ، قلت : فأي شيء
اصنع به؟ قال : تصدق به اما لك واما لأهله ، قلت : ان كان ذا قرابة محتاجا فأصله؟
قال : نعم». قال في الوافي لعل وجه الترديد في «لك ولأهله» احتمال أعراض المالك
عنه وعدمه.
أقول : الظاهر بعده ، لأن الصدقة به انما هي حكم مجهول
المالك ، ومع معلومية الاعراضي عنه وقصد تملكه لا يكلف بالصدقة ، بل هو ماله يتصرف
فيه كيف يشاء ، ولا يتعين عليه التصدق ، بل الظاهر أن المراد انما هو التصدق به عن
صاحبه مع الضمان لمالكه متى ظهر ولم يرض بالصدقة ، كما في نظائره ، فإن ظهر له
صاحب ورضى بالصدقة أو لم يظهر بالكلية ، فالصدقة لصاحب المال ، وان ظهر ولم يرض
بالصدقة كانت الصدقة لك وعليك ضمانه ، هذا هو الظاهر كما لا يخفى على الخبير
الماهر. (3)
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 250 التهذيب ج 7 ص 111.
(2) الوسائل الباب ـ 16 ـ من أبواب الصرف الرقم ـ 2.
(3) أقول : ما استظهرنا من الوجه المذكور ظاهر من الخبر الأول
وأما الثاني فإن ظاهره وجود المالك ومعرفته ، وكان خوف التهمة الحقه
وظاهر الرواية الثانية جواز بيعه والصدقة بثمنه وان علم
المالك إذا خاف التهمة.
والمفهوم من كلام الأصحاب أنه مع معلومية المالك لا يجوز
الصدقة ، بل يجب التخلص منه بأي وجه اتفق ، قال في المسالك : ولو كان بعضهم معلوما
فلا بد من محالته ولو بالصلح ، لأن الصدقة بمال الغير مشروطة باليأس من معرفته ،
وعلى هذا فيجب التخلص من كل غريم يعلمه. انتهى.
وفيه أن ما ذكره وان كان هو مقتضى القواعد الشرعية
والنصوص المرعية ، الا أنه مع دلالة النص على ما ذكرناه يجب تقييد ذلك بالخبر المذكور
كما هو مقتضى القاعدة المشهورة ، وما دل عليه الخبران من البيع بالطعام الظاهر أنه
خرج مخرج التمثيل ـ بالأسهل ، والا فإنه يصح البيع بالنقدين أو غيرهما من العروض ،
قيل : ويلحق به باقي أرباب الحرف كالحداد والخياط والطحان والخباز ، وفيه اشكال
قال في المسالك : ولو ظهر بعض المستحقين ولم يرض بالصدقة ضمن حصته مع احتمال
العدم. (1)
أقول : لا وجه لهذا الاحتمال لان هذه المسألة من جزئيات
القاعدة في مال مجهول المالك ، وحكمه الضمان بعد ظهور المالك وعدم الرضا بالصدقة ،
واليه
__________________
بمجهول المالك ، فأمر (عليهالسلام) فيه بالصدقة اما له ان اتفق علم
المالك وعدم الرضاء بها أو بالنظر الى يوم القيمة ، واما للمالك ان رضي بعد العلم
على أحد الوجهين المتقدمين. منه رحمهالله.
(1) ظاهر كلام المسالك اختيار الضمان مع احتمال العدم ، وقال
الفاضل الخراساني في الكفاية ولو ظهر بعض الأرباب بعد الصدقة ولم يرض بها فهل يضمن؟
فيه احتمالان ، وظاهره تساوى احتمالين ، وفيه ما عرفت في الأصل والله العالم. منه رحمهالله.
يشير هنا ما ذكره (عليهالسلام) في الخبرين
من قوله «إما لك أو لأهله» كما قدمنا بيانه وقال في المسالك أيضا : ومصرفه مصرف الصدقة
الواجبة ، وقيل : المندوبة.
أقول : احتمال المندوبة بمعنى غير الفقير المستحق بعيد
جدا ، فإن إطلاق الصدقة في الكفارات والنذور ونحوها انما يتبادر الى المستحق من
الفقراء والمساكين دون الأغنياء ، كما صرحوا به ، ولو كان الصائغ من ذوي الاستحقاق
فهل يجوز له آخذه لنفسه اشكال ، من أمره (عليهالسلام) له بالصدقة ،
والمتبادر منه غيره من أفراد المستحقين ، ولا بأس بالصدقة على عياله أو قرابته كما
صرح به في النص. والله العالم.
المسألة العاشرة ـ لا خلاف في ان الدراهم والدنانير
يتعين بالتعيين ، فلو اشترى بدراهم معينة تعين الوفاء بها بجميع مشخصاتها ، لعموم
الوفاء بالعقود كما لو باع عرضا معينا ، فإنه يجب الوفاء به ، والمقتضى لوجوب
الوفاء ثابت في الجميع فلا يجزى دفع غيرها ، ولا يجوز إبدالها ، ولو تلفت قبل
القبض انفسخ البيع ، ولم يكن له دفع العوض وان حصلت المساواة في الأوصاف ، ولا
للبائع المطالبة بذلك ، وان وجد البائع بها عيبا لم يستبدلها ، وانما له الخيار
بين فسخ العقد والرضا بها.
إذا عرفت ذلك فنقول : هيهنا صورا ، الأولى إذا اشترى
دراهم بمثلها معينة ـ كما لو قال : بعتك هذه الفضة بهذه مثلا فوجد ما صار اليه من
البيع من غير جنس الدراهم كما لو ظهرت نحاسا أو رصاصا ـ كان البيع باطلا ، لان ما
وقع عليه العقد ـ وهو ذلك الفرد المشار اليه ـ غير مقصود بالشراء ، وما هو مقصود
بالشراء لم يقع عليه العقد ، فيقع البيع باطلا ، لتخلف القصد عما وقع عليه العقد ،
ولا فرق في ذلك بين الصرف وغيره ، فلو باعه ثوبا كتانا فظهر صوفا ، وكذا لو باعه
بغلة فظهرت فرسا بطل البيع ، ويجب رد الثمن وليس له الأبدال ، لوقوع العقد على عين
مشخصة ، فلا يتناول غيرها ولا الأرش ، لعدم وقوع الصحيح والمعيب على هذه العين ،
وربما يخيل تغليب الإشارة هنا وهو باطل ، وقد تقدم الكلام في ذلك.
الثانية ـ لو كان البعض من الجنس والبعض الأخر من غيره ،
فالظاهر أنه لا خلاف بينهم في صحة العقد فيما كان من الجنس ، والبطلان في غيره ،
لوجود شروط الصحة في الأول ، وانتفائها في الثاني ، وعدم توقف صحة البعض على البعض
الأخر وقد تقدم نظير ذلك فيما لو باع ما يملك وما لا يملك ، فإنه لا خلاف بينهم في
الصحة فيما يملك ، والبطلان أو الحكم بكون البيع فضوليا فيما لا يملك ، الا ان
للمشتري الخيار ـ لتبعيض الصفقة ـ بين الفسخ ، وأخذ ما كان من الجنس بقسط من الثمن
وحيث يختار المشتري الثاني وهو أخذ الجيد بحصته من الثمن ، يتخير البائع أيضا مع
جهله بالعيب لتبعيض الصفقة أيضا ، وأكثر عباراتهم وان كانت انما اشتملت على تخيير
المشتري خاصة ، الا انها محمولة على ما هو الغالب من أن الجهل بالعيب انما يكون من
المشترى دون البائع لثبوت العيب في ملكه ، واطلاعه عليه غالبا فلو فرض خلاف ذلك
ثبت له الخيار أيضا ، كما أن المشترى لو اطلع عليه ورضى به لا خيار له.
الثالثة ـ لو كان الجنس واحدا وبه عيب كخشونة الجوهر
واضطراب السكة بأن يكون سكتة مخالفة للسكة الجارية في المعاملة ، فلا يخلو اما أن
يكون العيب المذكور شاملا للجميع أو مختصا بالبعض ، فان كان الأول تخير المشترى
بين رد الجميع وإمساكه كما في سائر المعيبات ، وليس له رد البعض ، للزوم تبعيض
الصفقة على البائع ، ولا طلب البدل ، لان العقد انما وقع على ذلك العين ، وان كان
الثاني تخير أيضا بين رد الجميع وإمساكه ، والظاهر أنه لا خلاف فيه ، وانما الخلاف
في أنه هل له رد المعيب وحده أم لا؟ فقيل : بالأول ، وهو الذي رجحه العلامة في
التذكرة ، وعلل بانتقال الصحيح بالبيع ، وثبوت الخيار في الباقي لعارض العيب لا
يوجب فسخ البيع فيه ، وقيل : بالثاني لأن رد المعيب وحده يفضى الى تبعيض الصفقة
على الأخر ، فيمنع منها كما لو كان كله معيبا ، فان كل جزء منه موجب للخيار ، وبه
قطع المحقق وجماعة.
وأنت خبير بما فيه من المخالفة لما تقدم في الصورة
الثانية مما ظاهرهم الاتفاق عليه من الصحة في البعض ، والبطلان في البعض.
ثم انه ينبغي أن يعلم أنه لا أرش في جميع هذه الصور
المذكورة في هذه الصورة الثالثة ، لأنها مفروضة في بيع الفضة بالفضة ، أو الذهب
بالذهب ، والعوضان متجانسان متساويان في القدر ، فلو أخذ أرش العيب لزم زيادة قدر
المعيب عن الصحيح ، ولا يجبر عيبه الجنسي ، لما تقرر من أن جيد الجوهر ورديه جنس
واحد.
نعم لو كان مختلفين كالدراهم بالدنانير أو بالعكس جاز له
اختيار الإمساك بالأرش ما داما في المجلس ، فلو تفرقا لم يجز لاشتراط التقابض في
الصرف قبل التفرق ، الا أن تفرض المسألة في غير الأثمان مما لا يجرى فيه حكم الصرف
فلا بأس. والله العالم.
المسألة الحادية عشر ـ إذا اشترى دراهم بدراهم في الذمة ثم
وجد ما انتقل اليه غير ما هو المقصود بالشراء ، اما بأن يكون غير الجنس أو يكون به
عيب لا يخرج به عن الجنسية ، وعلى الأول فاما أن يكون الجميع أو البعض.
فهيهنا صور ثلاث. الاولى ـ أن يكون غير الجنس ويكون
الجميع ، والحكم فيه ـ كما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ أن له المطالبة
بالبدل هنا ، بخلاف ما تقدم في سابق هذه المسألة ، لأن العوض هنا في الذمة ، وهو
أمر كلي ، والمدفوع لما لم يكن من جنس ذلك الكلى امتنع كونه عوضا ، وإذا امتنع
كونه عوضا كان له المطالبة لحقه ما لم يحصل التفرق.
الثانية ـ الصورة المذكورة مع كونه البعض ، وحكمها أنه
يبطل في البعض الذي هو غير الجنس ، ويصح في الأخر ان كان ظهور ذلك بعد التفرق ،
وان كان قبل التفرق فله المطالبة بالبدل ، لما تقدم ذكره في سابق هذه الصورة.
الثالثة ـ ان يكون عيبا لا يخرج به عن الجنسية ، كخشونة
الجوهر واضطراب السكة ، والحكم فيه التخيير بين الرد والإمساك بالثمن من غير أرش ،
أما التخيير فمن
حيث العيب كما في غيره من المبيعات
المعيبة ، وأما عدم الأرش فلما تقدم في سابق هذه المسألة من استلزامه الربا ، ولو
اختار الإمساك فله المطالبة بالبدل قبل التفرق بلا اشكال وخلاف ، لان ما في الذمة
أمر كلي محمول على الصحيح السالم من العيب ، فمتى كان المدفوع معيبا وجب إبداله
قبل التفرق ، لان المقبوض في حكم العدم ، انما الخلاف والاشكال في وجوب الأبدال
وعدمه بعد التفرق ، وذلك أنه بالنظر الى أن الإبدال يقتضي عدم الرضا بالمقبوض قبل
التفرق ، وان المبيع حقيقة انما هو البدل ، وقد حصل التفرق قبل قبضه ، فيكون الصرف
باطلا ، فلا يجوز له أخذ البدل ، (1).
__________________
(1) أقول : وفي المسألة أقوال آخر ، منها ما نقله في الدروس عن
الشيخ وابن حمزة من أنه يتخير بين الفسخ والأبدال ، والرضا مجانا ولم يعتدا باتحاد
الجنس قال : وفي المختلف له الأبدال دون الفسخ ، ثم استشكله بأنهما تفرقا قبل قبض
البدل ونقل عن ابن الجنيد بأنه يجوز الأبدال ما لم يتجاوز يومين ، فيدخل في بيع
النسيئة ، قال : ولم يعتد بالتعيين وعدمه ، ثم قال : وفي رواية إسحاق عن الكاظم (عليهالسلام) اشارة اليه) أقول : الظاهر انه أشار
بذلك الى ما رواه إسحاق بن عمار في الصحيح (الكافي ج 5 ص 246 التهذيب ج 7 ص 103
لكن فيه «فان وجدت في ورقه» وليس فيه «أخذت»)
والى هذا يميل كلام الشهيد في الدروس حيث قال : وان لم
يتعين فله الأبدال ما داما في المجلس وان تفرقا لم يجز الأبدال على الأقرب ، وله
الرد. انتهى وبالنظر الى تحقق التقابض في العوضين قبل التفرق ، ـ لان المقبوض وان
كان معيبا الا ان عيبه لا يخرجه عن حقيقة الجنسية وصحة العوضية. لأجل ذلك انه قد
ملكه المشترى ، بدليل أن نماءه من حين العقد الى وقت الرد له ، والفسخ بالرد طار
على الملك بسبب ظهور العيب ، فيكون البيع صحيحا وله طلب البدل بعد التفرق.
وتوضيحه ـ زيادة على ما ذكره المحقق الشيخ على (قدسسره) في شرح
القواعد ـ أن ما في الذمة وان كان أمرا كليا ، الا أنه إذا عين في شيء وقبضه
المستحق تعين وثبت ملكه له ، فإذا ظهر فيه عيب كان له فسخ ملكيته ، تداركا لفائت
حقه ، فإذا فسخ رجع الحق إلى الذمة ، فتعين حينئذ عوضا صحيحا.
وبهذا يظهر أن الأول كان عوضا في المعاوضة وقد قبضه قبل
التفرق ، فيتحقق شرط الصحة ، فلا يلزم بطلانها بالفسخ الطاري على العوض المقتضى
لعوده إلى الذمة ، وكون البدل عوضا في الجملة لا يقتضي نفى عوضية غيره ، فلا يقتضي
التفرق
قبل قبضه التفرق قبل قبض العوض في
المعاوضة. وهو واضح. وكان الأصح ثبوت المطالبة بالبدل. انتهى.
وهو ظاهر في اختياره صحة البيع ، ومثله أيضا شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك والعلامة في الإرشاد ، وتردد المحقق في الشرائع في ذلك ،
ونحوه العلامة في القواعد ، والمسألة لخلوها من النص الواضح مع تدافع هذه
التعليلات محل الاشكال ، سيما ـ مع ما عرفت في غير موضع ـ من عدم صحة تأسيس
الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات العقلية ، الغير المبنية على شيء من القواعد
المستفادة من الاخبار المعصومية ، على أن ما ادعاه (قدسسره) من قوله ، «وبهذا
يظهر ان الأول كان عوضا» الى آخره ، مدخول بأنه بعد الرد وعدم الرضا بذلك العيب
انكشف عدم صحة المعاوضة ، وعدم كونه متعينا لما وقع عليه العقد ، والا لم يكن له
الرد وطلب البدل ، فكيف يتحقق بقبضه أولا شرط صحة الصرف ، وهو قبض العوض قبل
التفرق.
وبالجملة فالتعليلات العقلية لا تقف على حد ، ولا ينتهي
إلى عد ، ولهذا استشكل بناء الأحكام الشرعية عليها ، هذا كله فيما ظهر الجميع
معيبا من الجنس.
أما لو ظهر بعضه خاصة اختص بالحكم حسبما تقدم لكن ليس له
افراده بالرد هنا ، للزوم تبعيض الصفقة على البائع إلا مع رضاه والله العالم.
المسألة الثانية عشر ـ إذا اشترى دينارا بدينار فاتفق
الزيادة في الدينار الذي هو ثمن غلطا أو عمدا ، فإن الزيادة تكون في يد البائع
أمانة للمشتري ، وهي مشاعة في الدينار ، هذا إذا كان البيع والشراء في الذمة ،
وتبين بعد الدفع زيادة الدينار الذي هو ثمن.
أما لو كانا معينين فإنه يبطل الصرف ، لاشتمال أحد
العوضين على زيادة عينية ، وكذا لو كان الزائد معينا ، والمطلق مخصوصا بقدر ينقص
عنه بحسب نوعه ، والحكم بكون الزائد أمانة في يد المشترى كما تقدم أحد القولين في
المسألة قالوا لأصالة البراءة من الضمان ، ولانه لم يقبضها بسبب مضمون مرسوم ولا
غصب
ولا بيع فاسد ، وانما قبضها باذن
مالكها ، فيكون كالودعي.
وقيل : انها تكون مضمونة عليه ، لانه قبضها على أنها أحد
العوضين الذين جرى عليها عقد المعاوضة ، فتكون مضمونة ، نظرا : الى مقتضى العقد
ولأنه أقرب الى الضمان من المقبوض بالسوم ، ولعموم (1) «على اليد ما
أخذت حتى تؤدى».
وأورد عليه بأن قبضه على جهة العوض غير قادح مع ظهور
عدمه ، ومقتضى العقد لم يدل على ضمان غير العوضين ، وكونها أقرب من المضمون بالسوم
انما يجرى لو سلم كون المقبوص بالسوم مضمونا ، وهو محل النزاع ، وعموم الخبر بحيث
يشمل محل النزاع في حيز المنع ، فان الثابت على الأخذ بمقتضى الخبر غير معين ،
فجاز كون الواجب على اليد الحفظ ونحوه الى أن يؤدى ، ويرشد إليه الأمانات المقبوضة
باليد ، مع عدم الحكم بضمانها وانما القدر المتفق عليه وجوب حفظها.
أقول : والمسألة حيث كانت عارية عن الدليل اتسع فيها
دائرة القال والقيل ، وهكذا كل مسألة من هذا القبيل ، ثم انه مع الحكم بكون
الزيادة أمانة فحكمها مختلف بالنسبة إلى العمد والخطاء ، فإنها على تقدير العمد
أمانة مالكية لا يجب ردها الا مع طلب المالك وان وجب حفظها ، كما في سائر الأمانات
التي يؤمنها مالكها ، وعلى تقدير الغلط ، فيحتمل كونهما أمانة شرعية وان كانت
مدفوعة من المالك ، الا أنه لعدم علمه بها وكون ذلك غلطا ، يكون حكمها كما لو باعه
صندوقا فوجد فيه متاعا ، فإنه يكون أمانة شرعية مع استناد الدفع الى المالك نظرا
الى جهله بها ، ويحتمل كونهما مالكية نظرا الى استناد دفعها اليه ، وصدق تعريفها
المشهور على ما نحن فيه ، لأنهم جعلوا مناطها الاستناد الى دفع المالك أو من في
حكمه.
وتظهر الفائدة في وجوب اعلام المالك بها وردها عليه على
تقدير كونها شرعية ،
__________________
(1) المستدرك ج 2 ص 504.
فان ذلك حكم الأمانة الشرعية كما يأتي
في محله إنشاء الله تعالى ، وحينئذ فلو ترك أثم وضمن.
وظاهر المحقق الأردبيلي المناقشة هنا ، فإنه قال بعد نقل
ذلك عنهم : وفيه تأمل ، لأنه قد يتلف في الطريق مع أنه غير مأذون فيه ، وان أمكن
أن يقال الظاهر أنه محسن غير مفرط ، إذ الفرض ذلك مع الا من من التلف في الطريق ،
وان الغالب رضا صاحبه بذلك ، ولا يبعد وجوب الا علام أو الرد في صورة الجهل ، اما
كونه فوريا فغير ظاهر نعم ينبغي ذلك بحيث لا يفوت غرض يتعلق بذلك المال ، ولا يعد
القابض مهملا ومقصرا. انتهى.
وهو جيد وما نفى عنه البعد جيد حيث انه لا نص فيها على
ما ذكروه ، وفيما ذكره جمع بين الحقين ، ومما يرجح القول بأنها شرعية ان حكم
الأمانة المالكية عندهم انه يجب حفظها حتى يطلبها مالكها ، وفيما نحن فيه المالك
لا علم له بها لانه دفعها جاهلا بها ، فكيف تيسر طلبه لها وهو لا يعلمها بالكلية ،
وانها يجب على المالك حفظها الى آخر الدهر ، ثم انه على تقدير الغلط فاما ان يتبين
الحال قبل التفرق ، أو بعده ، فان كان قبله فلكل منهما استرداد الزائد وإبداله ،
وليس للآخر الامتناع تحذرا من الشركة ، وان كان بعد التفرق فان جوزنا الأبدال
للعيب الجنسي كما تقدم في القول به فكذلك ، والا ثبت الخيار لكل منهما لعيب الشركة
، ولو كانت الزيادة يسيرة يتسامح بها فلا بأس ، ولهذا يستحب الإعطاء زائدا والأخذ
ناقصا ، وقد يكون ذلك لاختلاف الموازين والمكائيل.
ومما يدل على ذلك الأخبار الواردة في فضول المكائيل
والموازين ومنها ما رواه في الكافي عن على بن عطية (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام)
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 182 التهذيب ج 7 ص 40.
فقلت انا نشتري الطعام من السفن ثم
نكيله فيزيد؟ قال : فقال لي وربما نقص عليكم قلت : نعم ، قال : فإذا نقص يردون
عليكم؟ قلت : لا قال : لا بأس».
وظاهر هذا الخبر يدل على جواز أخذ الزيادة وان كانت
زائدة على ما يتسامح به إذا كانوا في حال ظهور النقصان لا يردون عليكم النقيصة ،
ولعله محمول على اختلاف المكائيل ، وان مكيال البائع كان زائدا على مكيال المشترى
تارة وناقصا عنه أخرى.
وما رواه في الفقيه في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن فضول
الكيل والموازين؟ فقال : إذا لم يكن تعديا فلا بأس».
وما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله مراقدهم) عن إسحاق
المدائني (2) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «قلت :
ان صاحب الطعام يدعو كيالا فيكيل لنا ولنا أجراء فيعيرونه فيزيد وينقص؟ فقال : لا
بأس ما لم يكن شيء كثير غلط».
وما رواه في الكافي في الصحيح عن العلاء بن رزين (3) عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «قلت
له : انى أمر بالرجل فيعرض على الطعام ، ويقول لي : قد أصبت طعاما من حاجتك فأقول
له : أخرجه أربحك في الكر كذا وكذا ، فإذا أخرجه نظرت إليه فإن كان من حاجتي أخذته
، وان لم يكن من حاجتي تركته ، قال : هذه المراوضة لا بأس بها ، قلت : فأقول له :
أعزل منه خمسين كرا أو أقل أو أكثر ، فيكيله فيزيد وينقص وأكثر ذلك ما يزيد لمن هي؟
قال : هي لك ، ثم قال (عليهالسلام) : انى بعثت
معتبا أو سلاما فابتاع لنا طعاما فزاد علينا بدينارين ، فقتنا به عيالنا بمكيال قد
عرفناه ، فقلت له : قد عرفت صاحبه؟ قال : نعم فرددناه
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 182 التهذيب ج 7 ص 40 الفقيه ج 3 ص 131.
(2) الكافي ج 5 ص 180 التهذيب ج 7 ص 38 وفيه اختلاف يسير. الفقيه
ج 3 ص 130.
(3) الكافي ج 5 ص 182.
عليه ، فقلت : رحمك الله تفتيني بأن
الزيادة لي وأنت تردها ، قال : فقال : قد علمت أن ذلك كان له وكان غلطا ، قال :
نعم ، انما ذلك غلط الناس لأن الذي ابتعنا به انما كان ذلك بثمانية دراهم أو تسعة
، ثم قال : ولكني أعد عليه الكيل».
وظاهر الخبران الذي شراه (عليهالسلام) من الطعام
كان ما يساوى قيمته ثمانية دراهم أو تسعة ـ والترديد الظاهر أنه من الراوي ـ وزاد
فيه ما يساوى دينارين فرد (عليهالسلام) تلك الزيادة
، لأن زيادة هذا المقدار لا يكون الا عن غلط ، بخلاف ما افتى به الراوي ، فإنه
يمكن استناده الى التفاوت في المكائيل وانه مما يتعارف بين الناس.
وأما قوله في الوافي وقوله : «بدينارين» متعلق بقوله «فابتاع» فالظاهر أنه سهو من صاحب الكتاب ، بل انما هو متعلق بقوله فزاد ، وكيف لا وهو (عليهالسلام) قد صرح في آخر الخبر بأن الذي ابتاع انما كان بثمانية دراهم أو تسعة ، وهو ظاهر في كون ما قابل الدينارين كان هو الزائد ، ولذا أمر برده ، وقوله في الخبر «فقلت له : عرفت صاحبه» يحتمل أن يكون من قول الامام (عليهالسلام) لمعتب أو سلام ، ويحتمل أن يكون من قول الراوي للإمام (عليهالسلام) وتكون جملة معترضة بين قوله «عرفناه» وقوله «فرددناه» وربما أشعر هذا الخبر بكون الزيادة الكثيرة الواقعة غلطا أمانة شرعية ، لأن حكم الأمانة المالكية عندهم هو حفظها حتى يطلبها المالك ، والأمانة الشرعية وجوب ردها ، أو إعلام المالك بها وهو (عليهالسلام) في هذا الخبر قد أمر بردها على المالك ، وبالجملة فالخبر ظاهر في تأييد القول المذكور زيادة على ما قدمناه والله العالم.