ج20 - كتاب الحجر

كتاب الحجر

وهو لغة المنع ، ومنه سمى الحرام حجرا ، لما فيه من المنع ، قال الله تعالى (1) «وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً» أى حراما محرما ، وسمى العقل حجرا ، لانه يمنع صاحبه من ارتكاب القبيح ، قال الله تعالى (2) «هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ» وشرعا هو المنع من التصرف في المال ، أى مال ذلك المحجور عليه ، أعم من أن يكون في الجميع أو البعض ، فيشمل الممنوع من التصرف في الجميع ، كالصبي أو في البعض كالمريض ، وأيضا فالظاهر المنع في الجملة وعلى بعض الوجوه ، إذ لا منع شرعا من الكل ، إذ لا يكون أضعف من الصبي والمجنون ، وهما غير ممنوعين من الأكل والشرب والسكنى ونحوها.

ثم اعلم ان جملة من الأصحاب كالعلامة في التذكرة والمحقق في الشرائع جعلوا للحجر كتابا وبابا على حدة ، وللمفلس كتابا وبابا على حدة ، والعلامة في الإرشاد أدرج المفلس في كتاب الحجر ، وجعله من جملة مباحثه ، وهو الأظهر كما ستقف عليه إنشاء الله تعالى ، وكأن أولئك نظروا إلى كثرة الأبحاث المتعلقة بالمفلس فجعلوه لذلك مستقلا بالبحث ، والأمر في ذلك هين.

ونحن قد جرينا في هذا الكتاب على ما جرى عليه شيخنا العلامة في الإرشاد

وحينئذ فالبحث في هذا الكتاب يقع في مطالب ثلاثة المطلب الأول ـ في موجبات الحجر، وهي عند الأصحاب ستة ، الصغر ، والجنون ، والرق ، والمرض والفلس ، والسفه ، والحصر في هذه الستة المذكورة جعلي لا استقرائي ، حيث قد جرت عادتهم بالبحث في هذا المقام عن هذه الستة.

والا فهنا أقسام كثيرة غير هذه الستة ، كالحجر على الراهن والمرتهن في

__________________

(1) سورة الفرقان الآية ـ 22.

(2) سورة الفجر الآية ـ 5.


الرهن ، وعلى المشترى فيما اشتراه قبل دفع الثمن ، وعلى البائع في الثمن المعين ، وعلى المكاتب في كسبه لغير الأداء والنفقة ، وعلى المرتد الذي يسوغ عوده ، وغير ذلك مما هو مذكور في تضاعيف الفقه. (1)

وكيف كان فالكلام في هذه الستة المذكورة يقع في مواضع الأول ـ الصغر ، وفيه مقامات المقام الأول ـ لا خلاف في الحجر على الصغير ما لم يبلغ في الجملة ، ويدل عليه الآية وهي قوله تعالى (2) «وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ» الآية.

والاخبار منها ما رواه في التهذيب عن الأصبغ بن نباتة (3) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام «أنه قضى أن يحجر على الغلام حتى يعقل» الحديث.

قال في التذكرة : وهو محجور عليه بالنص والإجماع ، سواء كان مميزا أو لا ، في جميع التصرفات الا ـ ما استثنى كعباداته وإسلامه وإحرامه وتدبيره ، ووصيته وإيصال الهدية واذنه في دخول الدار على خلاف في ذلك.

أقول : المفهوم من كلام جملة من الأصحاب كالمحقق في الشرائع وغيره أن الحجر انما هو باعتبار التصرف المالي ، فإنه عرفه في الشرائع بأنه الممنوع من التصرف في ماله ، وهو المتبادر من الإطلاق أيضا ، وظاهر كلام العلامة هنا أن المراد جميع

__________________

(1) سورة النساء الآية ـ 6.

(2) التهذيب ج 6 ص 232 الفقيه ج 3 ص ـ 19.

(3) أقول عد المشترى هنا والبائع فيمن يحجر عليه بناء على ما تقدم في كتاب البيع من انه لا يجب على واحد منهما التسليم قبل الأخر كما هو المشهور ، فيكون المبيع محجورا على المشترى ، ولا يجب على البائع تسليمه قبل قبض الثمن وقد تقدم ما فيه ، واحترز بالمعين عما في الذمة ، فإن الحجر انما يتوقف بالنسبة إلى العين والمنع من التصرف فيها بأحد وجوه التصرفات ، وما في الذمة أمر كلي لا وجود له في الخارج إلا بالتبعية في فرد خارجي منه (رحمه‌الله).


التصرفات ، وعلى هذا فاستثناء الثلاثة الأول ظاهر.

وأما تدبيره ووصيته فهو محل خلاف بين الأصحاب الا أن الاخبار قد دلت على جواز ذلك من ابن عشر سنين وكذا العتق ، وسيأتي في أبوابها إنشاء الله تعالى.

وأما إيصال الهدية والاذن فقد صرحوا بأنه لا يحتاج علم المهدى اليه ، والداخل يكون ذلك بإذن الولي صريحا.

قال المحقق الأردبيلي (رحمه‌الله) بعد نقل ذلك عنهم لعله اكتفى بالظاهر للعادة بأن الهدية في محلها لم يجئها الولد إلا بإذن وليه ، وكذا الاذن في الدخول لا يكون إلا بإذنه للقرينة ، فكأنه اكتفى فيهما بمثله للظهور وسهولة الأمر لكثرة التداول ، والشيوع بين المسلمين من غير نكير ، وكأنه كان في زمانهم (عليهم‌السلام) مع عدم المنع فتقريرهم هنا ثابت ، وهو حجة ولا يبعد ذلك وأمثاله ، مثل قبول مثله من عبده وولده وتسليم ظرفه إليهما ، وكذا تسليم ما كان عند الإنسان بالعارية ونحوها الى شخص يوصله اليه من غير اذنه ، سواء كان عبد المرسل أو ولده أو غيرهما ، كما هو المتعارف خصوصا إذا كان بينهما الصداقة ، أو عرف من حاله أنه لا يكره ، بل يرضى علما أو ظنا متاخما له ، ويدل عليه عموم أدلة قبول الهدية من غير تفصيل ، بأن يكون الموصل حرا بالغا ، ومع ذلك الاحتياط أمر مطلوب انتهى.

أقول : لو ثبت عموم الحجر كما هو ظاهر كلام التذكرة بالأدلة القاطعة من كتاب أو سنة لكان في الخروج عنه بما ذكره (قدس‌سره) من هذه التوجيهات محل نظر وإشكال ، الا؟ أن القدر المعلوم ثبوته من الكتاب والسنة والإجماع ، انما هو التخصيص بالمالي ، وحينئذ فيهون الخطب فيما ذكره ، ويقوى اعتباره.

المقام الثاني قد عرفت أن الصغر سبب في الحجر ، ولا يزول الا بالبلوغ ، وهو يعلم في الذكور بأمور ، منها ـ خروج المنى وتشركه في هذه العلامة الأنثى ، والمراد منه الماء الدافق الذي يخلق منه الولد في يقظة كان أو نوم ، وعليه تدل


جملة من الآيات والروايات ، كقوله تعالى (1) «إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ» ـ «وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ» «وحَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ» الاية ، والحلم بالضم لغة واحد الأحلام النومية ، قال في التذكرة : الاحتلام هو خروج المنى وهو الماء الدافق الذي يخرج منه الولد ، وقال أيضا : «الحلم خروج المنى من الذكر أو قبل المرأة مطلقا ، سواء كان بشهوة أو بغير شهوة ، وسواء كان بجماع أو غير جماع ، وسواء كان في نوم أو يقظة» وكأنه يريد أن ذلك المعنى المقصود منه شرعا ، والا فإن المذكور في كلام أهل اللغة انما هو التخصيص بالنوم كما يظهر من القاموس وغيره ، ولهذا قال في التذكرة : ولا يختص بالأحلام.

والاخبار بذلك متكاثرة أيضا ففي رواية على بن جعفر (2) عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : «سألته عن الغلام متى يجب عليه الصوم والصلاة؟ قال : إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة ، فان احتلم قبل ذلك فقد وجب عليه الصلاة ، وجرى عليه القلم».

وفي صحيحة البزنطي (3) عن الرضا عليه‌السلام قال : «يؤخذ الغلام بالصلاة وهو ابن سبع سنين ، ولا تغطي المرأة شعرها عنه حتى يحتلم». وفي هذه الخبر دلالة على جواز كشف المرأة رأسها ما لم يبلغ ، والظاهر أن ذكر الشعر انما خرج مخرج التمثيل ، لانه لا فرق بينه وبين سائر الجسد في تحريم النظر اليه من الأجنبي الذي ليس بمحرم.

وفي صحيحة هشام (4) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام وهو أشده ، وان احتلم ولم يونس منه رشده وكان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليه ماله».

__________________

(1) سورة النور الآية 59.

(2) التهذيب ج 2 ص 381 لكن عن عمار الساباطي.

(3) الفقيه ج 4 ص 163.

(4) الفقيه ج 4 ص 163.


وفي رواية عبد الله بن سنان المروية في الخصال (1) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «سأله أبى وأنا حاضر عن اليتيم متى؟ قال : حتى يبلغ أشده ، قال : وما أشده؟ قال : احتلامه» الحديث. الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة.

ومنها الإنبات ، والمراد به ما على العانة من الشعر ، وهذه العلامة أيضا مشتركة بين الذكر والأنثى ، قال في التذكرة : وهو مختص بشعر العانة الخشن ، ولا اعتبار بالشعر الضعيف الذي قد يوجد في الصغر ، بل الخشن الذي يحتاج في إزالته إلى الحلق حول ذكر الرجل وفرج المرأة ، وقال أيضا في الكتاب المذكور : إنبات هذا الشعر دليل البلوغ في حق المسلمين والكفار عند علمائنا أجمع (2).

أقول : ويدل عليه أيضا مضافا الى الإجماع المذكور الأخبار ، ففي حسنة يزيد الكناسي (3) عن الباقر عليه‌السلام وهي طويلة قال في آخرها : «ان الغلام إذا زوجه أبوه كان له الخيار إذا أدرك ، أو بلغ خمس عشرة سنة ، أو أشعر في وجهه ، أو أنبت في عانته».

والظاهر أن المراد بالشعر في وجهه هو اللحية والشارب ، واستقرب في التحرير كون نبات اللحية دليلا دون غيره من الشعور ، والعادة قاضية به.

وفي معنى هذه الرواية رواية حمران (4) وفيها «ان الغلام تجب عليه الحدود إذا احتلم ، أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر أو أنبت قبله ، والجارية لتسع». وهل الإنبات دليل بنفسه على البلوغ كالسن ، أو على سبقه كالحيض والحمل؟ قولان :

__________________

(1) الوسائل الباب ـ 2 من أبواب أحكام الحجر الرقم ـ 5.

(2) نبه به على خلاف بعض العامة نظرا إلى انه لا يمكن الرجوع إليهم في الاخبار بالسن والاحتلام بخلاف المسلم ، قال في المسالك : وربما نسب هذا القول الى الشيخ رحمه‌الله وهذا التفصيل بالنسبة إلى الحرب من الكفار : باعتبار جواز القتل في البالغ دون غيره ـ منه رحمه‌الله.

(3 ـ 4) الوسائل الباب ـ 4 ـ من أبواب مقدمة العبادات.


قال في المسالك بعد قول المصنف «ويعلم بلوغه بإنبات الشعر الخشن على العانة» ما لفظه : احترز بالشعر الخشن عن الشعر الضعيف ـ الذي ينبت قبل الخشن ثم يزول ويعبر عنه بالزغب ـ ويشعر العانة عن غيره ، كشعر الإبط والشارب واللحية فلا عبرة بها عندنا إذ لم يثبت كون ذلك دليلا شرعا ، خلافا لبعض العامة ، ولا شبهة في كون شعر العانة علامة على البلوغ ، انما الكلام في كونه نفسه بلوغا أو دليلا على سبق البلوغ ، والمشهور الثاني ، لتعليق الأحكام في الكتاب والسنة على الحلم والاحتلام ، فلو كان الإنبات بلوغا بنفسه لم يختص غيره بذلك ، ولان البلوغ غير مكتسب ، والإنبات قد يكتسب بالدواء ، ولحصوله على التدريج ، والبلوغ لا يكون كذلك ، ووجه الأول ترتب أحكام البلوغ عليه وهو أعم من الدعوى انتهى.

أقول : فيه أولا أن ما ذكره ـ من أن شعر الشارب واللحية لا عبرة به إذ لم يثبت كونه دليلا شرعيا ـ مردود بدلالة الروايتين المذكورتين على كونه دليلا شرعيا ، والثانية منهما وان كانت مجملة حيث لم يذكر موضع الشعر فيها ، الا أن الأول مصرحة بكونه شعر الوجه.

ومن الظاهر أن الشعر في الوجه انما هو اللحية والشارب ، فيحمل إجمالها على تفصيل الاولى وبيانها ، فإنه عليه‌السلام ، جعل إنبات الشعر في عداد البلوغ بالسن والإنبات والاحتلام ، فيكون احدى علامات البلوغ ، والظاهر أنه غفل عن الاطلاع على الخبرين المذكورين ، كما غفل عنهما غيره ، حيث لم يعدوا ذلك في العلامات المذكورة ورد الخبرين المذكورين من غير معارض ظاهر لا يخفى ما فيه.

وثانيا ان ما ذكره من الخلاف ـ في كون الإنبات دليلا على البلوغ أو على سبقه ، واختياره الثاني وقوله أنه هو المشهور ـ فيه أن ظاهر عبارة العلامة المتقدمة وقوله نبات هذا الشعر دليل البلوغ في حق المسلمين والكفار عند علمائنا أجمع عدم الاعتداد بهذا القول المشهور ، وانه لا خلاف في كونه دليلا على البلوغ بنفسه ، وهو المؤيد بظاهر الخبرين المذكورين ، فان ظاهر عد الإنبات في عداد السن والاحتلام ـ اللذين لا خلاف في كونهما علامتين للبلوغ لا على سبق البلوغ ـ كون الإنبات مثلهما في ذلك.


وبذلك يظهر لك ما في قوله في الاحتجاج للقول المشهور ، لتعليم الأحكام في الكتاب والسنة على الحلم والاحتلام الى آخره ، فإنه ظاهر في ما قدمنا ذكره من عدم اطلاعه على الخبرين المذكورين ، والا فمع الوقوف عليهما كيف يتم له دعوى تعليق الحكم في السنة على الاحتلام ، وأنه مختص بذلك دون الإنبات ، والروايتان قد اشتملتا كما عرفت على عد الجميع من علامات البلوغ ، والمتبادر منه كون كل منها علامة على البلوغ لا على سبقه.

وثالثا أن قوله «ان البلوغ غير مكتسب ، والإنبات قد يكون مكتسبا» فإنه بظاهره لو تم لدل على عدم جواز عد الإنبات في العلامات المذكورة ، ولو بكونه علامة على السبق ، مع أنه لا يقول به ، والقائلون بعده انما يريدون به الإنبات الحاصل من الله ـ «سبحانه» ـ بمقتضى العادة والطبيعة ، وهو بهذا المعنى لا يمنع من كونه علامة على البلوغ ، لا أنه مراد به ما هو أعم حتى يتجه ما ذكره ، وكذا قوله «ولحصوله على التدريج» فان فيه ان العلامة تحصل بمجرد خروج شي‌ء من الشعر ، ولا توقف لها على تزايده وكماله ، حتى يتجه قوله «والبلوغ لا يكون كذلك» يعنى تدريجا ، وبالجملة فإن كلامه «قدس‌سره» هنا لا يخلو من الغفلة عن النصوص المذكورة ، والمجازفة في هذه التعليلات العليلة.

وأنت خبير بأن مورد الروايات في هذه العلامة والتي قبلها انما هو المذكر ، فكان مستند هاتين العلامتين في الأنثى انما هو الإجماع ، حيث لا قائل بخلاف ذلك.

ومنها السن والمشهور أنه في الذكر ببلوغ خمس عشرة سنة ، وفي الأنثى ببلوغ تسع ، ويدل عليه بالنسبة إلى الذكر ما تقدم في حسنة يزيد الكناسي (1) ورواية حمران (2) وبالنسبة إلى الأنثى ما في رواية حمران المذكورة ، حيث قال قال فيها : «ان الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ، ودفع إليها مالها ، وجاز أمرها في الشراء والبيع» الحديث.

__________________

(1 ـ 2) الوسائل الباب ـ 4 ـ من أبواب مقدمة العبادات.


ورواية عبد الله بن سنان (1) عن ابى عبد الله «عليه‌السلام» وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك ، وذلك لأنها تحيض لتسع سنين». وعن الشيخ في كتاب الصوم من المبسوط وابن حمزة أن بلوغ المرأة بعشر سنين. مع أن الشيخ وافق المشهور في موضع آخر من الكتاب المذكور ، وما ذكر من القول بالعشر لم نقف له على دليل ، وفي موثقة عمار (2) بلوغها بثلاث عشرة ، وهو غير معمول عليه ، وقيل في المذكر بأربع عشرة سنة ، نقله في المختلف عن ابن الجنيد ، ونقل بعض أفاضل متأخر المتأخرين (3) عن بعض القدماء والشيخ في كتابي الاخبار وأكثر محققي المتأخرين أنهم قالوا بحصول البلوغ بالدخول في الرابع عشر ، قال : في المفاتيح : ولا يخلو من قوة ، ويدل عليه قوله «عليه‌السلام» : في صحيحة عبد الله بن سنان (4) إذا بلغ الغلام أشده ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما يجب على المحتلمين ، احتلم أو لم يحتلم كتب عليه السيئات ، وكتبت له الحسنات وجاز له كل شي‌ء الا أن يكون سفيها أو ضعيفا».

ومنها موثقة أخرى له (5) وعلى هذا فما تقدم نقله عن ابن الجنيد من القول بالأربع عشرة ان أريد به الدخول فيها فهو راجع الى هذا القول الذي دلت عليه هذه الاخبار.

وان أريد به إكمالها فيمكن أن يكون مستنده قوله «عليه‌السلام» في رواية عيسى بن زيد (6) «ويحتلم لأربع عشرة». بحملها على كمال الأربع عشرة ، وقد بسطنا الكلام في هذا المقام في كتاب الصيام (7) وذكرنا جملة من الاخبار وما قيل في الجمع

__________________

(1 ـ 4) الوسائل الباب ـ 44 ـ من أبواب أحكام الوصايا.

(2) الوسائل الباب ـ 4 ـ من أبواب مقدمة العبادات.

(3) هو الفاضل المولى أبو الحسن بن محمد طاهر المجاور بالمشهد الغروي حيا وميتا في شرحه على المفاتيح ـ منه رحمه‌الله.

(5 ـ 6) الوسائل الباب 44 ـ من أبواب أحكام الوصايا.

(7) ج 13 ص 181.


بينها ، فمن أحب الوقوف عليه فليرجع إليه ، بقي هنا شي‌ء وهو أن ظاهر عبارات الأصحاب الاكتفاء بمجرد الدخول ، وهو ظاهر الاخبار ، حيث صرحت بأن بلوغ الخمس عشرة موجب للبلوغ ، وظاهره هو الاكتفاء بالدخول فيها وان لم يتمها ، الا أن شيخنا الشهيد الثاني في المسالك قال : ويعتبر إكمال السنة الخامسة عشرة ، والتاسعة في الأنثى ، فلا يكفى الطعن فيها عملا بالاستصحاب وفتوى الأصحاب ، ولان الداخل في السنة الأخيرة لا يسمى ابن خمس عشرة ستة لغة ولا عرفا ، والاكتفاء بالطعن فيها وجه للشافعية انتهى. وتبعه على ذلك جملة ممن تأخر عنه ، وظاهره أن ذلك فتوى من تقدمه من الأصحاب ، مع أن أكثر العبارات على ما حكيناه ، وكذا عبارات الاخبار.

وظاهر المحقق الأردبيلي الميل الى ما ذكرنا ، الا أن عبارته لا يخلو من تعقيد ، أو غلط في النسخة الموجودة عندنا ، فإنه قال ما ملخصه : والظاهر أنه لا يشترط إكمال خمس عشرة ، بل يحصل بالمشروع فيه ، وإكمال أربع عشرة ، وبذلك يمكن الجمع بين الاخبار ، ثم نقل عبارة المسالك المتقدمة ، ثم قال بعد كلام في البين : وتعرف أنه ليس فتوى جميع الأصحاب وليس بحجة ، وأن ليس خامس عشر بواقع في كتاب ولا سنة معتبرة ولا إجماع حتى يكون معناه إكماله انتهى.

ومنها الحيض ، والحبل للأنثى بغير خلاف يعرف في ذلك ، ولا في كونهما دليلين على سبقه.

ويدل على الأول رواية عبد الرحمن بن الحجاج (1) عن الصادق عليه‌السلام قال : «ثلاث يتزوجن على كل حال ، وعد منها التي لم تحض ومثلها لا تحيض ، قلت : ومتى يكون كذلك؟ قال : ما لم يبلغ تسع سنين ، فإنها لا تحيض ومثلها لا تحيض». وقوله في رواية عبد الله بن سنان المتقدمة (2) «لأنها تحيض لتسع سنين».

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 137.

(2) التهذيب ج 9 ص 184.


ولا خلاف في جواز تصرف المرأة في مالها بعد البلوغ ، وما ورد في بعض الاخبار الصحيحة «من توقف عتقها على اذن زوجها ، وكذا تصرفها في مالها» فقد حمله بعض الأصحاب على تأكد استحباب استيذانه.

المقام الثالث

كما أن الحجر لا يرتفع عن الصغير الا بالبلوغ كذلك يعتبر معه الرشد أيضا ، فلا يرتفع عنه الحجر الا بالبلوغ والرشد ، ويدل عليه قوله عزوجل (1) «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» قال في المسالك : الحق أن الرشد ملكة نفسانية يقتضي إصلاح المال ، وتمنع من إفساده وصرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء.

أقول : مرجعه إلى أنه يعتبر فيه أمور ثلاثة : أحدها أن يكون مصلحا لماله على الوجه اللائق بحاله ، وثانيها ـ كونه غير مفسد له بالتضييع ، وثالثها ـ أن لا يصرفه في المصارف الغير اللائقة بحاله ، ولا يخفى ما بين هذه الأمور من التلازم.

وبالجملة فالظاهر أنه لا بد أن يكون هذه الأمور عن ملكة يقتدر بها عليها من حفظه ، وصرفه في الأغراض الصحيحة ، فلا يكفى ذلك مرة أو مرات من غير أن يكون ذلك على جهة الملكة ، بل يكون من عقله ومعرفته أن لا يضيع المال ، ولو بتحمل الغبن الفاحش في المعاملات ، والصرف في المحرمات ، والتبذير والإسراف ، فإنه مناف للرشد بغير خلاف.

وانما الخلاف في اشتراط العدالة في الرشد ، فالمشهور العدم ، وذهب الشيخ (رحمه‌الله) الى اعتبارها ، وهو مذهب جماعة من العامة منهم الشافعي ، واحتج الشيخ ومن قال بهذا القول بقوله عزوجل (2) «وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ» وما روى عن ابن عباس في قوله تعالى «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً» هو أن يبلغ ذا وقار وحلم وعقل».

__________________

(1 ـ 2) سورة النساء الآية ـ 6.


وما روى في أخبارنا (1) «أن شارب الخمر سفيه». فيثبت في غيره ، إذ لا قائل بالفصل.

والظاهر أن الأقوى هو القول المشهور للأصل ، ولصدق مطلق الرشد على غير العادل ، ولقوله «عليه‌السلام» (2) «الناس مسلطون على أموالهم». خرج منه ما خرج بدليل ، فيبقى الباقي تحت العموم ، ولزوم الحرج والضيق بذلك ، قال في المسالك ونعم ما قال : واعلم أنه لو اعتبرت العدالة في الثبوت لم تقم للمسلمين سوق ، ولم ينتظم للعالم حال ، لان الناس الا النادر منهم اما فاسق ، أو مجهول الحال ، والجهل بالشرط يقتضي الجهل بالمشروط ، ويؤيده ورود الأوامر بالمعاملة والمناكحة مطلقا من غير تقييد بالعدالة.

وفي الاخبار ما يدل على معاملة الفساق مثل الأخبار (3) الدالة على جواز بيع الخشب ممن يعمله صنما ، والعنب والتمر ممن يعمله خمرا ، ولو كان الأمر كما ذكره القائل المذكور لما جاز ذلك ، ولكان مع عموم البلوى به يخرج فيه خبر يدل على المنع.

وبالجملة فالظاهر أن القول المذكور في غاية من الضعف ، قالوا : وانما تعتبر العدالة على القول باعتبارها ابتداء لا استدامة ، نقل في التذكرة الإجماع عليه ، وقال في التذكرة أيضا : ان الفاسق ان كان ينفق ماله في المعاصي لشرب الخمور وآلات اللهو والقمار ، أو يتوصل به الى الفساد ، فهو غير رشيد لا يدفع إليه أمواله إجماعا ، لتبذيره ماله ، وتضييعه إياه في غير فائدة ، وان كان فسقه بغير ذلك كالكذب ومنع الزكاة وإضاعة الصلاة مع حفظه ماله دفع اليه ماله ، لان الغرض من الحجر حفظ المال ، وهو يحصل بدون الحجر ، فلا حاجة اليه ، وكذا إذا طرأ الفسق

__________________

(1) الفقيه ـ ج 4 ص 168.

(2) البحار ج 2 ص 272 ط جديد.

(3) التهذيب ج 6 ص 373.


الذي لا يتضمن تضييع المال ولا تبذيره ، فإنه لا يحجر عليه إجماعا انتهى.

ويعلم الرشد بالاختبار فيما يلائمه من الأعمال ، ذكرا كان أو أنثى ، ففي الذكر لا يفك عنه الحجر حتى ينظر لو كان من التجار مثلا في بيعه وشرائه ، لا بمعنى أن يفوض اليه البيع والشراء ، بأن يبيع ويشترى لانه لم يتحقق رشده بعد ، بل بمعنى أن تماكس في الأموال على هذا الوجه ، أو يدفع اليه المتاع ليبيعه أو الثمن ليشتري به ، ولا يلاحظ الى أن يتم المساومة فيتولاه الولي ، فإذا تكرر منه ذلك وسلم من الغبن ، والتضييع وصرف المال في غير موضعه ثبت رشده ، وهكذا في كل أحد بنسبة عمله الذي يمارسه ، والمرأة تستعلم بما يناسب حال النساء من الغزل ، والطبخ وتدبير المنزل ونحو ذلك مما يعتاد ممارسته النساء.

الموضع الثاني الجنون

ودليل الحجر على المجنون ظاهر من العقل والنقل.

الموضع الثالث ـ الرق والمملوك محجور عليه في التصرف إلا بإذن المولى ، أما على القول بعدم ملكه فظاهر ، وأما على القول بملكه فان الظاهر من الاخبار كما تقدم تحقيقه في المقصد الثاني من الفصل التاسع في بيع الحيوان من كتاب المتاجر (1) أنه محجور عليه التصرف فيه الا بإذن المولى ، واستثنى من المنع الطلاق ، فيجوز بدون اذن مولاه بل وان كره ، لان الطلاق بيد من أخذ بالساق ، هذا في غير أمة مولاه.

الموضع الرابع ـ المرض ، والمريض ممنوع من الوصية بما زاد على الثلث إجماعا ، كما نقلوه ما لم يجز الورثة ، بمعنى أنه ممنوع من إيقاعها على جهة النفوذ بدون إجازتهم ، لا بمعنى انها يقع باطلة في حد ذاتها ، فهي صحيحة موقوفة على الإجازة ، فإن أجازوها صحت ولزمت ، ونقل في المسالك عن الشيخ على بن بابويه :

__________________

(1) ج 19 ص 395.


انه أجاز وصيته بجميع ماله ، ورده بأن الرواية قاصرة ، وحملت على من لا وارث له ، أو ما إذا أجاز الورثة.

أقول : قال العلامة في المختلف : المشهور عند علمائنا كافة أن الوصية تمضى من ثلث المال ، وتبطل في الزائد إلا مع الإجازة.

وقال على بن بابويه : فإن أوصى بالثلث فهو الغاية في الوصية ، فإن أوصى له كله فهو اعلم وما فعله ، ويلزم الوصي إنفاذ وصيته على ما أوصى.

واحتج على ذلك برواية عمار الساباطي (1) عن الصادق عليه‌السلام قال : «الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح ، ان أوصى به كله فهو جائز له».

والرواية ضعيفة ، والمطلوب مستبعد ، والأحاديث الصحيحة معارضة لهذه الرواية ، مع ان الشيخ تأولها على من لا وارث له ، أو على ما إذا أجاز الورثة إلى آخر كلامه (زيد في مقامه)

وما ذكره (قدس‌سره) من ان مستند الشيخ المذكور هو هذه الرواية تكلف منه ، كما هي قاعدته في تكلف الأدلة للأقوال التي ينقلها في هذا الكتاب ، وانما مستنده هو كتاب الفقه الرضوي ، ومنه أخذ العبارة بلفظها ، فأفتى في رسالته بها كما أوضحنا مثله في كتب العبادات في مواضع عديدة ، فإنه «عليه‌السلام» قال في الكتاب المذكور (2) «فإن أوصى رجل بربع ماله فهو أحب الى من أن يوصى بالثلث ، فإن أوصى بالثلث فهو الغاية في الوصية فإن أوصى بماله كله فهو أعلم بما فعله ، ويلزم الوصي إنفاذ وصيته على ما أوصى به». وهي كما ترى عين عبارة الشيخ المذكور ، ولكن الكتاب المذكور لما لم يصل إليهم تكلفوا لدليله بهذه الرواية ، وأنت خبير بأن فتوى الشيخ المذكور بعبارة الكتاب المذكورة مع منافاتها لجملة من الاخبار المروية في الأصول المعتمدة دليل واضح على صحة الكتاب المذكور ، وثبوته عنه «عليه‌السلام» عنده واختلف

__________________

(1) التهذيب ج 9 ص 186 الفقيه ج 4 ص 149.

(2) المستدرك ج 2 ص 519 و 520.


الأصحاب ـ في منعه من التبرعات المنجزة الزائدة على الثلث ـ على قولين مشهورين ، وكل منهما معتضدة بجملة من الاخبار ، والذي يقرب عندي من الاخبار المشار إليها هو عدم المنع ، وأن مخرج الوصية على الوجه المذكور من الأصل دون الثلث ، كما هو القول الأخر ، والمراد بالمنجزة يعنى المعجلة في حال الحياة كالهبة والعتق والصدقة ونحو ذلك.

الخامس : الفلس ـ وسيأتي الكلام فيه مستوفى إنشاء الله ـ تعالى ـ في المطلب الثالث.

السادس : السفه ـ وهو مقابل الرشد ، ولما كان الرشد كما عرفت سابقا عبارة عن الملكة التي تترتب عليها تلك الأمور ، من إصلاح المال ، وعدم إفساده ، وعدم صرفه في غير الوجوه اللائقة ، فالسفه حينئذ عبارة عن الملكة التي تترتب عليها أضداد تلك الأمور ، فلا يقدح الغلط في بعض الأحيان ، والانخداع نادرا لوقوع ذلك من كثير من المتصفين بالرشد.

ومن السفه على ما ذكروه الإنفاق في المحرمات ، وصرف المال في الأطعمة النفيسة التي لا يليق بحاله ، ومثله اللباس الفاخر ونحوه

وأما صرفه في وجوه الخيرات كالصدقات وبناء المساجد والقناطر والمدارس واقراء الضيوف ونحو ذلك ، فان كان لائقا بحاله لم يكن سفيها قطعا ، فان زاد على ذلك فالمشهور على ما نقله في المسالك انه كذلك ، استنادا إلى أنه لا سرف في الخير ، كما لا خير في السرف.

ونقل عن العلامة في التذكرة أن ما زاد منه على ما يليق به تبذير ، لأنه إتلاف في المال ، وقال الله تعالى (1) «وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ» قال : وهو مطلق فيتناول محل النزاع

وظاهر المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد الميل الى القول الأول مستندا

__________________

(1) سورة الإسراء الآية ـ 29.


الى تصدق أمير المؤمنين عليه‌السلام الذي نزلت فيه سورة «هل أتى» حيث ورد بأنهم صاموا ثلاثة أيام طاوين لم يذوقوا الا الماء القراح ، والقصة مشهورة.

وما روى في وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنين «عليه‌السلام» (1) حيث قال فيها : «وأما الصدقة فجهدك حتى يقال أسرفت ولم تسرف ، ثم قال : ولا سرف في الخير». مشهور.

والروايات والاخبار الدالة على الإنفاق والترغيب اليه والترهيب على تركه لا تعد ولا تحصى كثرة (2) ثم أطال بأمثال ذلك ، ونقل كلام التذكرة واعترض عليه وقال في المسالك أيضا : ومن المستفيض خروج جماعة من أكابر الصحابة وبعض الأئمة عليهم‌السلام كالحسن عليه‌السلام من أموالهم في الخير.

أقول : لا يخفى على من راجع الأخبار الواردة في هذا المضار ـ وتتبعها من مظانها حق التتبع ، وكذا الآيات القرآنية ـ ضعف هذا القول المشهور ، وأنه في محل من القصور ، لاستفاضتها وتكاثرها بالمنع عن ذلك ، وعده إسرافا محرما.

وها نحن نتلو عليك جملة مما وقفنا عليه ليظهر لك صحة ما ذكرناه ، فمنها رواية اللحام المروية في الكافي وتفسير العياشي (3) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «لو أن رجلا أنفق ما في يده في سبيل من سبيل الله ما كان أحسن ، ولا وفق للخير ، أليس الله تبارك وتعالى يقول «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» يعنى المقتصدين.

وصحيحة الوليد بن صبيح (4) قال : «كنت عند أبى عبد الله عليه‌السلام فجاءه سائل فأعطاه ، ثم جاء آخر فأعطاه ، ثم جاء آخر فقال : يسع الله عليك ، ثم قال : ان رجلا لو كان له مال ثلاثين أو أربعين ألف درهم ، ثم شاء أن لا يبقى منها الا وضعها في حق فيبقى لا مال له ، فيكون من الثلاثة الذين يرد دعاءهم ، قلت :

__________________

(1 ـ 2) الكافي ج 3 ص ـ 3 الى 11.

(3 ـ 4) الكافي ج 4 ص 100.


من هم؟ قال : أحدهم رجل كان له مال فأنفقه في وجهه ، ثم قال : يا رب ارزقني ، فيقال له : ألم أرزقك».

وهما كما ترى صريحا الدلالة في المنع عن ذلك. وظاهرهما أن الإنفاق في هذه الصورة معصية ، لاستدلاله «عليه‌السلام» في الخبر الأول بقوله سبحانه (1) «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» الذي لا خلاف في تحريمه إيذانا بأن الصدقة هنا من قبيل ذلك ، وقوله «عليه‌السلام» أنه ما أحسن يعني بل أساء ، وفي الثاني أنه يرد دعائه بذلك ، والمعاصي هي التي تحبس الدعاء ، كما ورد في جملة من الاخبار.

ومنها الآيات كقوله عزوجل (2) «وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً» وقوله (3) «وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ»

ففي صحيحة عبد الله بن سنان (4) عن الصادق عليه‌السلام في قوله تعالى (5) «وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً» فبسط كفه وفرق أصابعه وحناها شيئا ، وعن قوله «وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ» فبسط راحته وقال هكذا ، وقال : القوام ما يخرج من بين الأصابع ويبقى في الراحة منه شي‌ء».

وما رواه ابن أبى نصر في الصحيح عن أبى الحسن عليه‌السلام (6) قال : «سألته عن قول الله عزوجل «وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا» قال : كان أبو عبد الله عليه‌السلام يقول : من الإسراف في الحصاد والجذاذ أن يصدق الرجل بكفيه جميعا وكان أبى إذا حضر شيئا من هذا فرأى أحدا من غلمانه يتصدق بكفيه صاح به أعط بيد واحدة ، القبضة بعد القبضة ، الضغث بعد الضغث من السنبل».

__________________

(1) سورة البقرة الآية 195.

(2) سورة الفرقان الآية ـ 67.

(3) سورة الإسراء الآية ـ 29.

(4 ـ 5) الكافي ج 4 ص 56.

(6) الوسائل الباب 16 من أبواب زكاة الغلات.


وفي الحسن عن ابن أبى عمير عن هشام بن المثنى (1) قال : «سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (2) «وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» فقال كان فلان بن فلان الأنصاري سماه وكان له حرث وكان إذا أخذ يتصدق به ، ويبقى هو وعياله بغير شي‌ء فجعل الله ذلك سرفا».

ومما يدل أيضا على ذلك بأوضح دلالة الحديث المروي عن الصادق عليه‌السلام في الكافي (3) في باب دخول الصوفية على أبى عبد الله عليه‌السلام «وإنكاره عليهم فيما يأمرون به الناس من خروج الإنسان من ماله بالصدقة على الفقراء والمساكين». الى غير ذلك من الاخبار التي يقف عليها المتتبع البصير ولا ينبئك مثل خبير هذا.

وأما ما استندوا إليه في هذا المقام فبعضه قابل للحمل على عدم التصدق بجميع المال ، وأصرح ما يدعونه تصدق أمير المؤمنين عليه‌السلام بالأرغفة والجواب عنه الاختصاص بهم (صلوات الله عليهم) إذا شاؤا جمعا بين الاخبار ، على أن المروي (4) عن الحسن عليه‌السلام : انما هو قاسم ربه ماله حتى النعل ، لا أنه خرج منه كملا ، كما ادعاه في المسالك.

والقول بما ذكروه على إطلاقه مستلزم لطرح هذه الاخبار التي ذكرناها ونحوها مع صحتها وصراحتها وتعددها مع اعتضادها بالآيات المذكورة وهو مما لا يلتزمه محصل كما لا يخفى.

المطلب الثاني في الأحكام

وفيه مسائل الاولى ـ الظاهر أنه لو باع السفيه في حال السفه لم يضمن بيعه ،

__________________

(1) الكافي ج 4 ص 55.

(2) سورة الانعام الآية ـ 141.

(3) الكافي ج 5 ص 65.

(4) الوسائل الباب ـ 54 من أبواب الصدقة.


وكذا لو وهب أو تصدق أو أقر بمال ، والضابط هو منعه من جميع لتصرفات المالية ، ويصح طلاقه وخلعه وظهاره ، وإقراره بالنسب وما يوجب القصاص ، لانه ليس في شي‌ء من هذه ما يوجب تضييع المال الذي فسر به السفه.

نعم في الإقرار بالنسب اشكال باعتبار أنه قد يوجب النفقة ، فيرجع الى الإقرار بالمال ، ولا يبعد أن يقال انه لما كان الإقرار بالنسب على هذا التقدير يوجب شيئين أحدهما إلحاق النسب ، وهو ليس بمالي ، فلا مانع من الحكم به.

وثانيهما ـ الإنفاق ، وهو مالي مثله ثبت بإقراره ، فيحكم بالأول ، دون الثاني ، وحينئذ يجب ان ينفق على من استلحقه من بيت المال ، لانه معد لمصالح المسلمين

ونقل عن الشهيد قول بأنه ينفق عليه من ماله ، لانه فرع على ثبوت النسب ، ولأن في الإنفاق عليه من بيت المال إضرارا بالمسلمين ، فكما يمنع من الإضرار بماله ، فكذا يمنع من الإضرار بمال غيره.

ورد بأن إقراره انما ينفذ فيما لا يتعلق بالمال كما تقدم ، وبيت المال معد لمصالح المسلمين ، فكيف يقال : ان ذلك مضربهم ، وإلا لأدى ذلك الى كل ما يؤخذ منه جزاء ، ولانه لو قبل إقراره في النفقة لأمكن أن يفعل ذلك وسيلة إلى تضييع ماله ، لان ذلك من مقتضيات السفه ، وينبغي أن يعلم أنه في صورة الخلع لا يسلم اليه مال الخلع ، لانه تصرف مالي وهو ممنوع منه.

وأما توكله لغيره في البيع مثلا فهو صحيح للأصل ، وعموم أدلة جواز التوكل ، وصدق البيع في محله عن اهله ، ومنعه من التصرف في ماله ـ لاحتمال إضاعة المال ـ لا يستلزم منعه من مال غيره إذا كان باذن صاحبه ، ويمكن أن يكون اجازة الولي أيضا كافية على تقدير القول بصحة العقد الفضولي ، والا فلا.

الثانية ـ هل يثبت الحجر على السفيه بمجرد ظهور السفه ، أم يتوقف على حكم الحاكم؟ وهل يزول بزوال سفهه ، أم يتوقف على حكم الحاكم؟ أقوال : ووجه علل التوقف على حكم الحاكم في الموضعين ، أن الحجر حكم شرعي لا يثبت ولا يزول الا بدليل شرعي ، وأن السفه أمر خفي ، والانظار فيه يختلف ، فناسب كونه


منوطا بنظر الحاكم.

وهذا القول مختار المحقق في الشرائع ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، (1) وعلل القول بعدم التوقف في الموضعين بأن المقتضي للحجر هو السفه ، فيجب تحققه ، فإذا ارتفع زال المقتضى فيجب أن يزول ، ولظاهر قوله تعالى (2) «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» حيث علق الأمر بالدفع على إيناس الرشد ، فلو توقف معه على أمر آخر لم يكن الشرط صحيحا ، ومفهوم الشرط حجة عند المحققين ، والمفهوم هنا ان مع عدم إيناس الرشد لا يدفع إليهم ، فدل على أن وجود السفه وزواله كافيان في إثبات الحجر ودفعه ، لان السفه والرشد متقابلان ، ولظاهر قوله تعالى (3) «فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً» الاية أثبت عليه الولاية بمجرد السفه ، فتوقفها على أمر آخر يحتاج الى دليل ، والآية الأخرى تساق لرفعه كما مر.

وهذا القول مختار شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، والروضة للتعليل المذكور هنا ، وهو الأقرب ، لأن المفهوم من الدليل آية ورواية أن الحجر وعدمه دائر مدار تحقق السفه وعدمه ، وسيأتيك الروايات في المقام إنشاء الله تعالى ، ولا دلالة في شي‌ء منها على حكم الحاكم لا في الحجر ولا في زواله وظاهر الشهيد في شرح الإرشاد المناقشة في دلالة الآية الأولى حيث قال : ولقائل أن يقول : إيناس الرشد شرط في زوال الحجر عن الصبي ابتداء فلا يلزم كونه شرطا

__________________

(1) حيث قال : حجر السفيه لا يثبت الا بحكم الحاكم ، ولا يزول الا بحكم الحاكم كذا نقله في المختلف ثم نقل عن ابن حمزة أنه ان صلح السفيه انفك الحجر ، ثم قال : والأقرب الأول لنا أنه على حكم شرعي يثبت فلا يزول الا بدليل شرعي وفيه ما عرفت في الأصل ـ منه رحمه‌الله.

(2) سورة النساء الآية ـ 6.

(3) سورة البقرة الآية ـ 282.


في السفيه بعد زوال الحجر عنه.

وظني أن هذه المناقشة ليست في محلها ، فإنه وان كان الأمر كما ذكره من أن مورد الآية انما هو الحجر على الصبي ابتداء ، لكن من المعلوم الظاهر عند التأمل بالفكر الصائب أن التعليق على الرشد هنا انما هو من حيث كونه في حد ذاته مناطا لصحة التصرف حيثما كان ، لا من حيث خصوصية الصبي ، حتى يتم قوله فلا يلزم كونه شرطا في السفه ، وعلى هذا بنى الاستدلال بالآية المذكورة.

وقال المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد ـ بعد قول المصنف ويثبت حجر السفيه بحكم الحاكم لا بمجرد سفهه على اشكال ـ ما لفظه : المراد ثبوت حجر السفيه بالمعنى المتقدم بعد أن صار رشيدا وزال حجره ، ثم صار سفيها بحيث لو كان قبله كان ممنوعا ومحجورا ، هكذا ينبغي التقييد ، فالظاهر أنه لا نزاع في أنه يثبت الحجر على السفيه المتصل سفهه بعدم البلوغ بمجرد السفه ، وعدم توقفه على حكم الحاكم ، وكذا زواله بزواله من دون الحكم ، للاية بل الإجماع على ما فهم من شرح الشهيد ولما سيأتي ، فتأمل

فقيل : المشهور توقفه على حكم الحاكم وحجره ، وهو مذهب المصنف في التذكرة ، للأصل «وتسلط الناس على أموالهم» عقلا ونقلا (1) وشمول أدلة التصرفات تصرفه الذي فعله في زمان سفهه من الكتاب والسنة ، وصدقها عليه حينئذ ، ولعدم الدليل من الكتاب والسنة الا على استصحاب السفه الى ان يرشد ، وأما الحادث بعده فلا ، وهذا دليل قوى ، ويؤيده الإجماع على عدم تحققه في المفلس الا بعده. ويؤيده أيضا الشريعة السهلة ، فإنه ان كان مجرد السفه حجرا أشكل المعاملات والأنكحة فان غالب الناس مجهول الحال أو معلوم السفاهة انتهى.

أقول : ظاهر كلامه أن محل الخلاف انما هو حدوث السفه بعد بلوغه رشيدا ، والا فلو كان متصلا بالصغر ، فإنه لا خلاف هنا بأنه يحكم بالحجر عليه بمجرد السفه ، ولا يتوقف على حكم الحاكم ، وأنت خبير بان الظاهر من كلام الأصحاب

__________________

(1) البحار ج 272 ط جديد.


ان محل الخلاف ما هو أعم من الأمرين ، وما نقله عن شرح الشهيد من الإجماع على ما ادعاه.

والظاهر انه أشار به الى شرحه على الإرشاد ، كما يشير إليه دائما ، فلم أقف عليه في الكتاب المذكور ، ولم يتعرض لهذه المسألة بالكلية ، بل ظاهر عبارته مثل عبارات غيره انما هو العموم ، لأنهم جعلوا العنوان في الخلاف السفيه بقول مطلق ، كما عنونا به المسألة ، وهو أعم من أن يكون متصلا بالصغر أو منفصلا ، غاية الأمر أنهم لم يبحثوا عنه في حال الصغر متى كان متصلا ، اعتمادا على ثبوت الحجر بمجرد الصغر ، فإنه أحد أسبابه كما عرفت ، وانما بحثوا عنه بعد البلوغ ، لزوال ذلك السبب الأول ، ومرادهم ما هو أعم كما ذكرنا ، وهذا التفصيل الذي ذكره لم أقف عليه الا في كلامه.

وأما استناده الى الآية فإن كان المراد بها قوله سبحانه «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً» فقد عرفت ـ في الجواب عما أورده الشهيد على الاستدلال بها فيما تقدم ما يدل على الجواب هنا ـ من أن التعليق على الرشد في الآية انما وقع من حيث ان الرشد حيث ما كان هو مناط صحة التصرف ، ومفهومه انه مع عدم الرشد وهو السفه يجب الحجر ، ولا دلالة فيها على ما ذكره من التفصيل بوجه.

نعم هي دالة على الحجر بمجرد ظهور السفه من غير توقف على حكم الحاكم في الصبي المتصل سفهه ببلوغه كما اخترناه ، الا أن القائل بالتوقف على حكم الحاكم يقول به هنا أيضا ولكن الآية حجة عليه ، والآية أيضا دالة بالتقريب الذي قدمناه على السفه غير المتصل ، وأنه يثبت الحجر بمجرد السفه ، لتعليق رفع الحجر على الرشد ، ومفهومه ثبوت الحجر مع عدمه الذي هو السفه ، وسياق الآية في اليتيم لا ينافي ذلك ، لان التعليق فيها وقع على علة عامة له ولغيره ، ودخوله تحتها انما هو من حيث العموم.

وأما ما اختاره من التوقف على حكم الحاكم وحجره في موضع الخلاف ، ففيه أن الظاهر من الآية بالتقريب الذي ذكرناه أن الرشد شرط في رفع الحجر حيثما


كان ، وحيث إن السفه هو ما يقابل الرشد كما عرفت ، فإنه يكون شرطا في الحجر حيثما كان ، وأينما كان السفه هو المقتضى للحجر بالتقريب المذكور ، كان الحجر بمجرد حصول السفه ولو لم يتحقق الحجر به لم يكن مقتضيا ، وقد عرفت أنه مقتض ، وهذا خلف.

وحينئذ فلا وجه للتوقف على حكم الحاكم ، وما استدل به من الأدلة التي أطال بها فغايتها ان يكون مطلقة دالة على ما ذكره بإطلاقها ، وما استدلنا به خاص ، فيجب تقديمه كما هو القاعدة ، وتخصيص تلك العمومات به ، وأما تأيده بالإجماع على المفلس ، ففيه أن ثبوت الحكم هناك بدليل لا يستلزم إجراءه فيما لا دليل عليه ، بل الدليل على خلافه كما عرفت.

وأما تأيده بالشريعة السهلة وان غالب الناس مجهول الحال أو معلوم السفاهة ، ففيه أنه يجب المنع من معاملة معلوم السفاهة إجماعا ، وأما مجهول الحال وهو الأغلب في الناس فلا مانع منه إذ المقتضي للمنع كما عرفت هو وجود السفاهة والأصل عدمها حتى تثبت ، فعده مجهول السفاهة في قرن معلوم السفاهة غلط محض ، وبالجملة فالظاهر ان كلامه (قدس‌سره) في هذا المقام لا يخلو من مجازفة ومسامحة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن في المسألة قولين آخرين أحدهما عدم توقف ثبوته على حكم الحاكم ، وتوقف زواله عليه ، وهو مذهب الشهيد في اللمعة ، وعلل الأول بأن المقتضي له هو السفه ، فيجب تحققه بتحققه ، ولظاهر قوله عزوجل (1) «فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً» حيث أثبت الولاية عليه بمجرد السفه.

وعلل الثاني بأن زوال السفه يفتقر الى الاجتهاد وقيام الأمارات ، لأنه أمر خفي فيناط بنظر الحاكم ، ولا يخفى ما في الأخير من الضعف ، وعدم صلوحه لتأسيس حكم شرعي.

وثانيهما عكسه ، قال في المسالك : قيل ان به قائلا ولا نعلمه. نعم في التحرير جزم بتوقف الثبوت على حكمه ، وتوقف في الزوال بحكمه : انتهى.

__________________

(1) سورة البقرة الآية 282.


أقول : وفي الإرشاد استشكل في ثبوت الحجر ، وجزم في زواله بالتوقف على حكم الحاكم فهو عكس ما في التحرير.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذا المقام ما رواه الشيخ في التهذيب (1) في تفسير قوله عزوجل «فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً» عن الصادق عليه‌السلام قال : «السفيه الذي يشترى الدرهم بأضعافه ، والضعيف الأبله».

وفي تفسير العياشي عنه (2) عليه‌السلام «السفيه شارب الخمر ، والضعيف الذي يأخذ واحدا باثنين».

وروى العياشي في تفسير قوله (3) عزوجل «وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ» الاية عن الصادق عليه‌السلام قال : «هم اليتامى لا تعطوهم حتى تعرفوا منهم الرشد ، قيل : فكيف يكون أموالهم أموالنا؟ فقال : إذا كنت أنت الوارث لهم». وفي خبر (4) كل من يشرب الخمر فهو سفيه».

وفي الفقيه عن الباقر «عليه‌السلام» (5) أنه سئل عن هذه الآية ، قال : «السفهاء والولد ، إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة وولده سفيه مفسد ، لا ينبغي له أن يسلط واحدا منهم على ماله الذي جعل الله له قياما» الحديث. وفي خبر آخر (6) عن أبى جعفر (عليه‌السلام) في هذه الآية «قال لا تؤتوها شراب الخمر ، ولا النساء ، ثم قال : وأى سفيه أسفه من شارب الخمر». وفي مجمع البيان «اختلف في معنى

__________________

(1) التهذيب ج 9 ص 182.

(2) الوسائل الباب ـ 46 من أبواب أحكام الوصايا الرقم ـ 8.

(3 ـ 4) الوسائل الباب ـ 45 من أبواب أحكام الوصايا الرقم ـ 10 و 8.

(5) المستدرك ج 2 ص 490 وفيه عن على بن إبراهيم.

(6) الفقيه ج 4 ص 168.


السفهاء على أقوال : أحدها ـ أنهم النساء والصبيان ، ورواه أبو الجارود (1) عن أبى جعفر (عليه‌السلام) ، وثانيها ـ أنه عام في كل سفيه من صبي أو مجنون أو محجور عليه للتبذير».

وقريب منه ما روى (2) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «أنه قال : ان السفيه شارب الخمر ومن جرى مجراه» الى آخره.

وروى في الفقيه في تفسير قوله تعالى «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً» (3) عن الصادق (عليه‌السلام) «إيناس الرشد حفظ المال».

وروى في المجمع عن الباقر (عليه‌السلام) (4) «الرشد : العقل وإصلاح المال».

والقمي في تفسيره عنه (عليه‌السلام) «في هذه الآية قال : من كان في يده مال بعض اليتامى فلا يجوز له أن يعطيه حتى يبلغ النكاح ويحتلم ، فإذا احتلم وجب عليه الحدود واقامة الفرائض ، ولا يكون مضيعا ، ولا شارب خمر ، ولا زانيا ، فإذا آنس منه الرشد دفع اليه المال ، وأشهد عليه ، وان كانوا لا يعلمون أنه بلغ فإنه يمتحن بريح إبطه ، أو نبت عانته ، فإذا كان كذلك فقد بلغ ، فيدفع اليه ماله إذا كان رشيدا ، ويجوز أن يحبس عنه ماله ويعتل عليه انه لم يكبر بعد».

وروى في الكافي عن أبى الجارود (5) قال : «قال أبو جعفر «عليه‌السلام» : إذا حدثتكم بشي‌ء فسلوني من كتاب الله ، ثم قال : وفي حديثه ان الله نهى عن القيل والقال : وفساد المال وكثرة السؤال فقيل : يا بن رسول الله وأين هذا من كتاب الله؟

__________________

(1) المستدرك ج 2 ص 525.

(2) الوسائل الباب ـ 46 من أبواب أحكام الوصايا الرقم ـ 2.

(3) الفقيه ج ـ 4 ص 146.

(4) المستدرك ج 2 ـ 496.

(5) التهذيب ج 7 ص 231 الكافي ج 5 ص 300.


قال : ان الله يقول (1) «لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ» وقال (2) «وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً» وقال (3) «لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ».

أقول : يستفاد من هذه الاخبار بعد ضم بعضها الى بعض أن السفه مقابل للرشد ، كما ذكره الأصحاب ، وأن مجرد السفه موجب ومقتض لعدم الدفع الى من اتصف به ، لان قوله سبحانه «لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ» اما أن يراد به أموالهم كما عرفت من خبر العياشي المذكور ، أو ما هو الظاهر من الآية كما يدل عليه غيره ، والنهى عن إعطائهم انما هو من حيث السفه ، لان التعليق على الوصف يشعر بالعلية ، فيكون المعنى لا تدفعوا الى السفهاء أموالهم أو أموالكم من حيث اتصافهم بالسفه.

ومنه يعلم أنه العلة في المنع والمقتضى له وهو الظاهر من جملة الأخبار المذكورة وبه يظهر قوة القول الذي اخترناه من الحكم بالحجر بمجرد السفه ، وعدم التوقف على حكم الحاكم ، وأنه يزول أيضا الحجر بزواله ، لانه متى زالت العلة زال معلولها.

ومنها يعلم أيضا أن الرشد مناط صحة التصرف حيث ما كان ، وذكره في الاية أعنى قوله «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً» انما وقع من حيث كونه كذلك ، فان قوله عليه‌السلام إيناس الرشد حفظ المال ، وفي الرواية الأخرى الرشد العقل وإصلاح المال ، انما هو تفسيره للرشد في حد ذاته ، لا لخصوصية رشد الصبي.

ويستفاد أيضا من قوله عليه‌السلام في رواية القمي ـ فيمن يجهل حال بلوغه ، فإنه يمتحن بريح إبطيه ، ونبت عانته ، وإذا كان كذلك فقد بلغ ـ أن نبت العانة علامة على البلوغ ، لا على سبقه ، كما قيل.

وظاهر الاخبار المذكورة هو ترتب السفه على مجرد تضييع المال وإفساده ، واما اعتبار كون ذلك ملكة كما تقدم ذكره ، فهو غير ظاهر منها.

__________________

(2 ـ 2) سورة النساء الآية ـ 114 و 5.

(3) سورة المائدة الآية ـ 101.


وظاهرها ايضا حصول السفه بارتكاب بعض المعاصي ، كشرب الخمر والزنا ، وان لم يتضمن تضييع المال ، ولم أطلع على قائل به ، الا أن يحمل على ما يتضمن التضييع وفيه بعد.

وحمل بعض أصحابنا السفه الوارد في الاخبار في شارب الخمر على معنى غير المعنى المذكور هنا ، وكأنه أراد به الفسق ، وهو غير بعيد الا ان في بعض الاخبار في تفسير الآية وهي قوله «وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ» تفسيرها بشارب الخمر ، فلا يتم ما ذكره.

وظاهر كلام العلامة في التذكرة ـ المتقدم نقله في المقام الثالث من الموضع الأول في الصغر ـ أن ما لا يتضمن تضييع المال من المعاصي كمنع الزكاة وترك الصلاة ونحوهما لا يعد سفها مع حفظ المال.

الا أن في المقام اشكالا قل من تنبه له ، وهو أنه قد دلت الاخبار على جواز معاملة الظلمة والحكام ، وأخذ جوائزهم وعطاياهم ، وقد تقدم نقل جملة من الاخبار بذلك وقبول الأخماس والزكوات منهم ، ونحو ذلك مع انه لا إشكال في ثبوت السفاهة في حقهم بصرف الأموال في غير حلها ، مثل شراء الخمر وآلات اللهو وصرف الأموال إلى المغنين ، وأصحاب اللهو واللعب كما شاهدناه في زماننا ، وصرف الأموال رياء وسمعة ونحو ذلك من المصارف المحرمة.

ومقتضى ذلك الحكم بسفاهتهم وعدم جواز معاملتهم ، ولأصحاب والاخبار على خلافه ، وأن غاية ما حكم به الأصحاب الكراهة ، تفاريا من طرح الأخبار الدالة على جواز ذلك ، وأيضا أن الأصحاب صرحوا بأن الرشد شرط في صحة المعاملات كما هو ظاهر الآية المتقدمة.

وحينئذ فلا بد من تحققه ، والعلم به في صحة المعاملة ، تحقيقا للشرطية ، وعلى هذا فمن دخل سوقا ليشتري متاعا سيما إذا كان غريبا كيف له بمعرفة ذلك ، والعلم به أولا لتصح معاملته ، مع أنه شرط إجماعا ، ومقتضى الأصل العدم ، حتى يعلم ذلك.


اللهم الا أن يقال : ن البناء هنا على الظاهر دون الأصل ، باعتبار حمل أفعال المسلمين على الصحة ، كما ورد في جملة من الاخبار من الأمر بحسن الظن بالمؤمن ، حتى أن الفقهاء جعلوا هذا أصلا من الأصول المتداولة في كلامهم ، وبنوا عليهم فروعا كثيرة ، الا أن هذا انما يحسم مادة الإشكال الثاني ، دون الأول. والله العالم.

الثالثة ـ إذا ثبت الحجر على السفيه فباعه انسان كان البيع باطلا ، فان كان المبيع موجودا فلصاحبه استعادته ، قالوا : ولا فرق في جواز استعادته مع وجوده بين كون من باعه عالما بالسفه أو جاهلا ، لان البيع في نفسه باطل ، فله الرجوع في ماله متى وجده ، وان تلف وكان القبض باذن صاحبه مع كونه عالما بالسفه ، فان تلفه من مال صاحبه ، لانه سلطه عليه مع علمه بأنه محجور عليه ، وان فرض فك الحجر عنه بعد ذلك ، لأنه إذا لم يلزم حال الإتلاف لا يلزم بعد الفك.

وبالجملة فإن العلم بوجود السفه مانع من العوض ، فإذا تلف والحال هذه ففك الحجر بعد ذلك لا أثر له في ضمانه ، أما لو تلف والحال أن البائع جاهل بالسفه فالمشهور أن حكمه كذلك.

قيل : ووجهه أن البائع تصرف في معاملته قبل اختبار حاله ، وعلمه بأن العوض المبذول منه ثابت أم لا ، فهو مضيع لماله ، ولا يخفى ما في هذا التعليل العليل من الضعف ، فإنه لا قائل بتوقف صحة البيوع على اختيار البائع أو المشتري بكونه محجورا عليه أم لا ، بل والأصل عدم ذلك

وقد تقدم في سابق هذه المسألة ما يؤيده ، وظهور المانع بعد ذلك لا يوجب ما ذكروه ، ولهذا ان العلامة في التذكرة نقل عن بعض الشافعية أن السفيه إذا أتلف المال بنفسه ضمن بعد رفع الحجر ، ثم قال : ولا بأس به ، ومراده مع الجهل ، والا فمع العلم لا خلاف ولا إشكال في كون تلفه من صاحبه ، وأما إذا كان السفيه قد قبضه بغير اذن صاحبه وأتلفه ، فإنه يضمنه مطلقا ، سواء كان البائع عالما أو جاهلا ، لان البيع كما عرفت فاسد ، فلا يقتضي الاذن في القبض ، فيدخل فيمن تصرف في مال غيره بغير اذن ، كما لو غصب مالا أو أتلفه بغير اذن مالكه ، فإنه يضمنه


ولو أذن الولي للسفيه في البيع ، قال الشيخ في المبسوط : لا يصح ، وتبعه ابن البراج ونقل العلامة القول بالصحة في المختلف عن بعض علمائنا ، وقال : انه الأقوى ، واحتج عليه بأن المقتضي للصحة وهو صدور البيع من أهله في محله موجود ، والمانع وهو السفه مفقود ، إذ التقدير الاذن ، فأمن من الانخداع ، فيثبت الحكم انتهى وهو جيد.

ولو أودعه شخص وديعة فأتلفها ، فقيل : بأنه لا ضمان عليه ، واختاره المحقق في الشرائع ، وعلل ذلك بتفريط المودع بإعطائه ، وقد نهى الله عن ذلك بقوله «وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ» فيكون بمنزلة من ألقى ماله في البحر وقيل : انه يضمن إذا أتلفها أو تلفت بتفريطه ، واختاره العلامة في التذكرة ، وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، واحتج على ذلك بأن المالك لم يسلطه على الإتلاف ، وانما أمره بالحفظ فقد حصل منه الإتلاف بغير اختيار صاحبها ، كما لو غصب ، والحال أن السفيه بالغ عاقل ، والأصل عصمة مال الغير الا بسبب ، مع أن وضع اليد حال الإتلاف غصب.

قالوا : وفي حكم الوديعة العارية ، وأيده المحقق الأردبيلي بعد ان استظهر بعموم دليل الضمان ، قال : وكونه سفيها وتسليم مالكه إياه لا يستلزم عدم الضمان لان له أهلية الضمان والحفظ ، لانه بالغ عاقل ، الا أنه تسامح في ماله وذلك غير قادح في أهليته فلا يستلزم كون المالك هو المضيع ولهذا يجوز توكيله انتهى.

أقول : ويمكن تأييد القول الأول بأنه لا ريب في دلالة الآية المتقدمة على النهى عن إعطاء السفيه الأموال ، ومن الظاهر أن تحريم ذلك انما هو من حيث تطرق التلف إليها ، وفواته من جهة السفه ، ولو تم القول بالضمان المستلزم لعدم الفوات لم يكن لهذا النهى وجه بالكلية ، لأنه لا فرق بين أن يرده بعينه ، أو عوضه من قيمة أو مثل ، فلا يحصل هنا ضرر على المودع والمعير ، فأي ثمرة لهذا التحريم الذي دلت عليه الآية ويمكن أيضا تأييد ذلك بما رواه

في الكافي عن حريز في الصحيح أو الحسن (1)

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 299.


قال : كان لاسماعيل بن أبى عبد الله (عليه‌السلام) دنانير وساق الخبر ومضمونه أنه أراد أن يستبضع رجلا فنهاه أبوه (عليه‌السلام) عن ذلك لان ذلك الرجل كان يشرب الخمر ، فخالف أباه فاستبضعه ، فاستهلك ماله فحج أبو عبد الله (عليه‌السلام) وحج معه ابنه إسماعيل ، فجعل يطوف البيت ويقول : اللهم أجرني ، واخلف على ، فلحقه أبو عبد الله عليه‌السلام فهمزه بيده من خلفه.

فقال له : مه يا بنى ، فلا والله ما لك على الله حجة ، ولا لك أن يأجرك ولا يخلف عليك وقد بلغك أنه يشرب الخمر فائتمنته الى أن قال : ولا تأتمن شارب الخمر فان الله عزوجل يقول : في كتابه (1) «وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ» فأي سفيه أسفه من شارب الخمر ان شارب الخمر لا يزوج ولا يؤتمن على أمانة فمن ائتمنه على أمانة فاستهلكها لم يكن للذي ائتمنه على الله عزوجل أن يأجره ويخلف عليه».

والتقريب فيه ان الظاهر من قوله عليه‌السلام انه ليس لمن ائتمن شارب الخمر لكونه سفيها أن يأجره الله ويخلف عليه هو أنه قد أتلف ماله بنفسه ، وضيعه بدفعه الى من كان كذلك كمن رمى ماله في البحر فليس له على الله حق لتفريطه في نفسه ، ولا على من دفعه اليه فهو غير مستحق لشي‌ء بالكلية عقوبة له ومؤاخذة له بمخالفته الله سبحانه.

ولو كان المال مضمونا والحق ثابتا في ذمة ذلك السفيه كسائر الحقوق المضمونة في ذمم المديونين ـ لم يكن للمنع من الدعاء بخروجه ، أو المعاوضة عنه بالأجر والثواب وجه لانه حق ثابت كسائر الحقوق ، يستحق التوصل اليه بكل وجه ممكن ، ومن وجوه التوصلات الدعاء مع عدم الحيلة في الوصول بغيره من الأمور الموجبة لذلك.

وبالجملة لو ثبت كونه حقا شرعيا في ذمة من دفعه اليه لاستحق المعاوضة من ـ الله سبحانه عليه عقلا ونقلا ، كسائر الحقوق التي تفوت على أصحابها ، وكيف

__________________

(1) سورة النساء الآية ـ 5.


كان فالمسألة لا يخلو من شوب الاشكال.

قال العلامة في التذكرة : وحكم الصبي والمجنون كما قلناه في السفيه من من وجوب الضمان عليهما إذا أتلفا مال غيرهما بغير اذنه أو غصبا فتلف في يديهما ، وانتفاء الضمان عنهما فيما حصل في أيديهما باختيار صاحبه كالبيع والقرض ، وأما الوديعة والعارية إذا دفعها صاحبها إليهما فتلف فلا ضمان عليهما ، فإن أتلفاهما فالأقرب انه كذلك ، ولبعض العامة وجهان انتهى.

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بالنسبة إلى الوديعة والعارية إذا دفعهما صاحبهما إلى الصبي والمجنون فتلفتا أو أتلفاهما بعد ان ذكر أن في ضمانهما قولين : التفصيل في ذلك ، والفرق بين التلف والإتلاف ، وأن الأجود الضمان في الثاني دون الأول.

وعلل بأن الضمان باعتبار الإهمال انما يثبت حيث يجب الحفظ والوجوب من باب خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلفين ، فلا يتعلق بالصبي والمجنون ، ووجوب الضمان في الثاني بأن إتلاف مال الغير مع عدم الاذن فيه سبب في ضمانه ، والأسباب من باب خطاب الوضع لا يتوقف على التكليف ، قال : ومنه يعلم وجه ضمان ما يتلف به من مال الغير بغير اذنه.

أقول عندي فيما ذكروه وحكموا به من الضمان على الصبي والمجنون في جميع هذه من الصور المفروضة نظر ، لحديث (1) «رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ ، والمجنون حتى يفيق». وظاهر رفع التكليف والمؤاخذة بحقوق الله (سبحانه) وحقوق الناس وأن كلما يفعلانه فهو في حكم العدم.

ولو قيل ـ ان المراد برفع القلم انما هو بالنسبة إلى المؤاخذة ، والمعاقبة فيما يفعلانه مخالفا للشرع ـ قلنا : إيجاب الضمان عليهما في الصور المذكورة ان تم فهو موجب للمؤاخذة ، لان من أخذ بما أوجب الله عليه استحق المؤاخذة

__________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات الرقم 11.


والمعاقبة ، فاللازم اما سقوط وجوب الضمان الذي ادعوه أو حصول المؤاخذة والمعاقبة ، وفي الأول رد لقولهم ، وفي الثاني رد للخبر المتفق على صحته ، وأيضا فإن قوله في المسالك بان الوجوب من باب خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلفين فلا يتعلق بالصبي والمجنون ، يجري في الحكم بوجوب الضمان عليهما في هذه الصور التي ذكروها والله العالم.

الرابعة ـ لا خلاف في أن الولاية في مال الصغير والمجنون المتصل جنونه بالبلوغ للأب والجد له وان علا ، وأما السفيه فان ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، ان المشهور ان ولايته للحاكم ، سواء تجدد سفهه بعد البلوغ رشيدا أو بلغ سفيها ، قال : ووجهه على تقدير القول بتوقف الحجر بالسفه على حكم الحاكم ورفعه عليه ظاهر ، لكون النظر حينئذ إليه ، ثم نقل القول بأنه ان بلغ سفيها فالولاية للأب والجد ثم وصي أحدهما ثم الحاكم والصبي ان بلغ رشيدا ثم تجدد سفهه فأمره إلى الحاكم دونهما ، قال : وهو أجود استصحابا لحكم ولايتهما في الأول ، وارتفاعها في الثاني فيحتاج عودها الى دليل ، والحاكم ولى عام ، لا يحتاج الى دليل. نعم يتخلف إذا قدم عليه غيره وقد انتفى هنا.

أقول : ان من القائلين بتوقف الحجر وزواله على حكم الحاكم العلامة في جملة من كتبه ، كالمختلف والتذكرة ، مع أنه قال في التذكرة : إذا بلغ الصبي لم يدفع اليه ماله ، الا بعد العلم برشده ، ويستديم التصرف في ماله من كان متصرفا فيه قبل بلوغه ، أبا كان أو جدا أو وصيا أو حاكما أو أمين حاكم ، فان عرف رشده انفك الحجر عنه ، ودفع اليه المال ، وهل يكفى بالبلوغ والرشد في فك الحجر عنه ، أم يقتصر الى حكم الحاكم وفك القاضي؟ الأقرب الأول ، لقوله تعالى (1) «فَإِنْ آنَسْتُمْ» ولزوال المقتضى للحجر كالمجنون ، ولانه لو توقف على ذلك ، لطلب الناس عند بلوغهم فك الحجر عنهم من الحاكم ، ولكان عندهم من أهم الأشياء

__________________

(1) سورة النساء الآية ـ 6.


الى آخره.

وهو ظاهر في استمرار ولاية الأب والجد على من بلغ سفيها ، مع أن مذهبه كما قدمنا نقله عنه ، توقف الحجر وزواله على حكم الحاكم ، وما ذاك الا من حيث تخصيصهم القول بالتوقف على حكم الحاكم بصورة تجدد السفه بعد البلوغ ، وأنه لا نزاع في عدم توقف حجر السفيه على حكم الحاكم ، إذا كان السفه متصلا بالبلوغ ، وحينئذ فتفريع ولاية الحاكم في صورة اتصال السفه بالبلوغ على القول بتوقف الحجر وزواله على حكم الحاكم كما ذكره لا وجه له ، مع أن ظاهر الآية والاخبار التي قدمناها انما هو استمرار ولاية الأب والجد الثابتة قبل البلوغ في صورة اتصال السفه بالبلوغ ، كقوله في رواية هشام بن سالم (1) «وان احتلم ولم يونس منه رشد أو كان ضعيفا ، أو سفيها فلممسك عنه وليه». وهو الظاهر من قوله سبحانه «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» فإن مفهومه أنه مع عدم إيناس الرشد ان كان سفيها أو مجنونا لا يدفع اليه ، والخطاب للأولياء حال الصغر ، وهم الأب والجد ومن تفرع عليهما ، بغير خلاف الا مع عدم الجميع (2).

وبذلك يظهر لك ضعف القول المذكور. وان كان هو المشهور.

بقي الكلام هنا في مواضع الأول ـ قال في المفاتيح في باب النكاح : تثبت الولاية في النكاح للأب والجد وان علا على الصغير ، للنصوص المستفيضة وعلى السفيه والمجنون ذكورا كانوا أو اناثا مع اتصال السفه والجنون بالصغر بلا خلاف.

وفيه أن دعوى عدم الخلاف ـ هنا بالنسبة إلى السفيه ـ يدفعه ما قدمنا نقله ـ

__________________

(1) التهذيب ج 9 ص 183.

(2) يعنى ان الولاية لهؤلاء دون الحاكم الا مع عدم الجميع فإذا عدموا رجعت الولاية للحاكم ـ منه رحمه‌الله.


عن المسالك ـ من أن المشهور ان الولاية للحاكم على السفيه مطلقا ، اتصل سفهه بالبلوغ ، أو تجدد بعده بل صرح بذلك هو نفسه في الباب الخامس في التصرف بالنيابة فقال بعد أن صرح بأن ولاية الصبي والمجنون للأب والجد : ما لفظه قيل : وكذا حكم الولاية في مال من بلغ سفيها استصحابا لولاية الأب والجد ، أما من تجدد سفهه بعد أن بلغ رشيدا والمفلس فولايتهما للحاكم لا غير ، وقيل : بل الولاية في السفيه مطلقا للحاكم لا غير ، كالمفلس ، وهو أشهر انتهى.

نعم المفهوم من كلام بعض الأصحاب في كتاب النكاح أن هذا الإجماع انما هو في المجنون خاصة ، بمعنى انه ان بلغ مجنونا فان ولايته للأب والجد بلا خلاف.

وبه يظهر ان الظاهر ان لفظ السفيه هنا في العبارة المتقدمة وقع سهوا من قلمه ، وأما حمل ذلك على النكاح بالخصوص ـ دون المال كما ربما يتوهم من ذكر ذلك في باب النكاح ـ فيرده ما يفهم من المسالك من أنه لا فرق في هذا الخلاف بين المال والنكاح (1).

الثاني ـ لو بلغ عاقلا ثم تجدد سفهه فقد تقدم أن الولاية فيه للحاكم ، وهو المشهور ، وقيل : يعود ولاية الأب والجد بعد زوالهما ، قال : وكذا في الجنون لو طرء بعد البلوغ والرشد.

__________________

(1) حيث قال بعد قول المصنف ولايته يعنى الحاكم على من بلغ غير رشيد أو تجدد فساد عقله : ما لفظه وأما من بلغ غير رشيد فإطلاق الولاية فيه للحاكم مشكل ، لأن ولاية الأب والجد مع وجودهما متحققة قبل البلوغ ، ولا مانع من استصحابها ، والظاهر ان مراد المصنف ثبوتها للحاكم مطلقا ، وان ولاية الأب والجد مخصوصة بالصغير ، وقد تقدم في باب الحجر مثله في ولاية المال ، والمتجه التصفية بينهما في التفصيل باتصال السفه وتجدده ، فيكون الولاية في الأول للأب والجد ، وفي الثاني للحاكم مطلقا ـ منه رحمه‌الله.


قال : في المفاتيح وان طرأ الوصفان بعد البلوغ والرشد ففي ثبوت ولايتهما قولان : وبذلك صرح في الكفاية أيضا.

أقول : والمسألة خالية من النص الظاهر ، الا أن الأقرب بالنظر الى ما ذكروه من التعليلات هو القول المشهور ، لانه بعد زوال الولاية بالبلوغ والرشد فرجوعها يحتاج الى دليل.

وغاية ما يفهم من الآيات والاخبار هو ثبوت الولاية على الصغير ، ومن اتصل جنونه أو سفهه بالصغر ، وأما من تجدد له بعد البلوغ فلا دليل عليه ، وولاية الحاكم ثابتة على الإطلاق ، والمراد به الامام (عليه‌السلام) أو نائبه الخاص ، أو العام وهو الفقيه الجامع للشرائط ، فيدخل هذا الفرد تحت ذلك (1).

الثالث ـ قد عرفت في صدر المسألة أن الولاية في مال الصغير والمجنون المتصل جنونه بالبلوغ للأب والجد وان علا بلا خلاف ولا اشكال ، وانما الإشكال فيما لو تعارض عقد الأب والجد ، بأن أوقعاه دفعة ، فهل يقع باطلا لاستحالة الترجيح أو تقدم عقد الجد ، أو عقد الأب؟ أوجه : والكلام في ولاية المال ، أما النكاح فسيأتي الكلام في بابه إنشاء الله تعالى ، ونقل عن التذكرة في هذا الباب : القول بتقديم عقد الجد ، وفي باب الوصايا من الكتاب المذكور قال : ان ولاية الأب مقدمة على ولاية الجد ، وولاية الجد مقدمة على ولاية الوصي للأب.

وبذلك صرح في المسالك أيضا في كتاب الوصايا فقال : الأمور المفتقرة إلى الولاية ، اما أن تكون أطفالا ، أو وصايا ، أو حقوقا ، أو ديونا ، فان كان الأول فالولاية فيهم لأبيه ثم لجده لأبيه ، ثم لمن يليه من الأجداد على ترتيب الولاية الأقرب

__________________

(1) فقال : لو طرء الجنون بعد البلوغ والرشد ففي ثبوت الولاية لهما أو للحاكم قولان : وقال في السفه بعد ذكر حكم السفه المتصل بالبلوغ والخلاف فيه : أما الطاري بعد البلوغ والرشد المشهور انها للحاكم ـ منه رحمه‌الله.


فالأقرب منهم الى الميت ، فان عدم الجميع فوصى الأب ، ثم وصى الجد ، وهكذا فان عدم الجميع فالحاكم ، والولاية في الباقي غير الأطفال للوصي ، ثم الحاكم انتهى.

هذا كلامه في كتاب الوصايا وظاهره الجزم به ومع أنه في كتاب الحجر اقتصر على نقل الاحتمالات الثلاثة التي ذكرناها ، ونقل كلام التذكرة ولم يرجح شيئا في البين ، والظاهر أن وصى الأب لا حكم له مع الجد ، وبه صرح في التذكرة ، لأن ولاية الجد شرعية ، وولاية الوصي جعلية ، ولو تعدد الأجداد بوجود الأدنى والأعلى ، فإنه يأتي فيهم ما تقدم في الجد والأب من الأوجه الثلاثة كذا صرح في المسالك في هذا الكتاب ، مع أن ظاهر كلامه الذي نقلناه في كتاب الوصايا تقديم الأقرب فالأقرب من الأجداد إلى الميت.

الرابع ـ هل يعتبر العدالة في الأب والجد؟ أكثر عبارات الأصحاب عارية عن ذلك ، قيل : وفي عبارة القواعد وشرحه اشارة اليه ، والاخبار الدالة على ولايتهما مطلقة ، والأصل عدمها حتى يقوم دليل واضح على ثبوتها ، وهو اختيار جملة من محققي متأخري المتأخرين والظاهر من كلام الأصحاب أيضا وأما الوصي فالمشهور بين الأصحاب اعتبار العدالة فيه ، وظاهر جملة من أفاضل متأخري المتأخرين كالمحقق الأردبيلي والفاضل الخراساني عدم اعتبار ذلك ، استنادا الى عموم الروايات الدالة على اجراء حكم الوصي من غير اشتراط العدالة ، وكذا عموم ما دل على مضاربة الرجل بمال ولده ، والوكالة فيه من غير اشتراط العدالة.

أقول : ويمكن أن يستدل على اشتراطها في الوصي بما رواه محمد بن إسماعيل (1) في الصحيح قال : ان رجلا من أصحابنا مات ولم يوص ، فرفع أمره الى قاضي الكوفة فصير عبد الحميد بن سالم القيم بماله ، وكان رجلا خلف ورثة صغار أو متاعا

__________________

(1) التهذيب ج 9 ص 240 ولكن عن سماعة.


وجواري ، فباع عبد الحميد المتاع ، فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه في بيعهن ، ان لم يكن الميت صير اليه وصيته ، وكان قيامه بهذا بأمر القاضي لأنهن فروج ، قال فذكرت ذلك لأبي جعفر «عليه‌السلام» فقلت له : يموت الرجل من أصحابنا ولم يوص الى أحد ، ويخلف جواري فيقيم القاضي رجلا منا ليبيعهن ، أو قال : يقوم بذلك رجل منا فيضعف قلبه لأنهن فروج فما ترى في ذلك القيم؟ قال : فقال : إذا كان القيم مثلك أو مثل عبد الحميد فلا بأس». والمراد المماثلة في الوثاقة والعدالة

ورواية رفاعة (1) قال : «سألته عن رجل مات وله بنون صغار وكبار من غير وصية ، وله خدم ومماليك وعقار كيف يصنعون الورثة بقسمة ذلك الميراث؟ قال : ان قام رجل ثقة فقاسمهم ذلك كله فلا بأس». وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (2) الواردة في وصية أمير المؤمنين عليه‌السلام قال فيها : «وان حدث بالحسن والحسين عليهما‌السلام حدث فإن الأخر منهما ينظر في بنى على ، فان وجد فيهم من يرضى بهديه وإسلامه وأمانته ، فإنه يجعله ان شاء ، وان لم ير فيهم بعض الذي يريد ، فإنه يجعله الى رجل من أبى طالب يرضى به ، فان وجد آل أبى طالب قد ذهب كبراؤهم وذوو آرائهم فإنه يجعله الى رجل يرضاه من بنى هاشم» الخبر.

ومورد هذا الخبر الوصي لكنه لا دلالة له على العموم في كل وصى ، وبما يفرق بين الوصي وبين ما دل عليه الخبران الأولان ، بأن الوصي قد عينه وان كان غير عدل ، وفي تبديله وعزله دخول تحت قوله تعالى (3) «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ».

وفيه أن تبديله وعزله انما وقع رعاية للموصى ، ومحافظة على تنفيذ وصاياه ، حيث أن الوصي لما كان غير عدل فلا يؤمن منه التغيير والتبديل ، والإخلال بتنفيذ

__________________

(1) التهذيب ج 9 ص 240 ولكن عن سماعة.

(2) التهذيب ج 9 ص 127.

(3) سورة البقرة الآية 181.


الوصايا كما أمر.

والظاهر أن الاحتياط في المقام أن يضم الحاكم اليه عدلا يكون ناظرا عليه في تنفيذ الوصايا ، ويستفاد من الخبرين الأولين الاذن لعدول المؤمنين في تولى بعض الأمور الحسبية المنوطة بالحاكم الشرعي ، وبه صرح الأصحاب أيضا.

الخامسة ـ المفهوم من كلام جملة من الأصحاب ان السفيه حكمه في العبادات البدنية والمالية الواجبة حكم الرشيد في وجوب الإتيان بهما ، الا أنه لا يمكن من من صرف المال ، وعلى هذا فمتى كان الحج عليه واجبا فليس للولي منعه ، بل يجب عليه المبادرة اليه ، وعلى الولي تولى الإنفاق عليه بنفسه أو وكيله ، سواء زادت نفقته سفرا على نفقة الحضر أم لا ، ولا فرق في ذلك بين حجة الإسلام أو حج النذر إذا كان النذر سابقا على الحجر.

وأما لو أراد الحج ندبا فإنهم اشترطوا فيه أن لا يزيد نفقته سفرا عن نفقته حضرا لعدم الضرر.

ولا أعرف لهذا الشرط وجها إذا كان الولي هو أو وكيله المتولي الإنفاق عليه ، والضرر انما يتطرق بتمكينه من النفقة على نفسه ، على انه من الظاهر البين أن نفقة السفر يزيد على نفقة الحضر غالبا ، لما يحتاج اليه من الدواب ، والغرم كما هو المشاهد المعلوم في جميع الأزمان ، وحينئذ فكيف يمنع من هذا الثواب العظيم المرتب على الحج ، وهو مكلف عاقل لا مانع سوى السفه الذي هو عبارة عن صرف المال في غير محله ، وهو هنا مندفع بتولي الولي أو وكيله لذلك ، والمسألة المذكورة غير منصوصة كما اعترف به في المسالك ، ليجب الوقوف فيها على ما ذكروه ، والعجب انهم قالوا : كما تقدم نقله عنهم أنه يجوز للإنسان أنه يتصدق بجميع أمواله ، وينفقها في الخيرات والطاعات ولا يكون ذلك سفها مع ما فيه من الضرر العظيم ، ويمنعون هنا من زيادة نفقة السفر ، لكون ذلك ضررا.

والى ما ذكرناه يميل كلام المحقق الأردبيلي أيضا كما أشار إليه بقوله :


الظاهر عدم منعه من المندوب أيضا ، كمثل ما مر ، وان استلزم صرف المال زائدا على الحضر ، على أن ما ذكروه من عموم الحجر ـ على وجه يتناول منعه من فعل الطاعات ، والقربات المستحبة والنذر ونحو ذلك في محل المنع ، فإن غاية ما يفهم من الاخبار والآيات التي تقدم ذكرها ، هو أنه لسفهه لا يمكن من المال خوفا أن يصرفه في المصارف الغير الشرعية.

وحينئذ فلو أراد أن يتصدق بصدقة أو يبنى مسجدا أو نحو ذلك ، على وجه لا يدفع المال اليه ، فما المانع منه ، حتى انهم يحكمون بالحجر فيه وفي أمثاله ، فإنه عاقل كامل داخل تحت الخطاب بتلك الأخبار الدالة على استحباب الصدقة ، وفعل الخير وبذل المعروف ، وتخصيص هذه الأخبار بأخبار الحجر ليس اولى من العكس ، بل العكس أولى ، فإن غاية ما يتمسكون به كونه سفيها ، ومجرد السفه من حيث هو لا يصلح للمنع من ذلك كالفاسق.

نعم الذي يقتضيه السفه هو الحجر عليه في المال ، لئلا يصرفه في غير المصارف الشرعية من وجوه السفه ، والفرض هنا أنه انما صرف في المصارف الشرعية التي ليست بسفه على وجه لم يدفع اليه المال بنفسه (1).

وبالجملة فإن دعوى عموم الحجر على وجه يتناول ما ذكرناه وأمثاله ممنوعة ، لا أعرف عليها دليلا ، ثم انهم قالوا أيضا : أنه إذا حلف انعقدت يمينه ، لانه لا تعلق له بالمال ، ومثله لو نذر أو عاهد على وجه لا تعلق له بالمال ، أما لو كان النذر أو

__________________

(1) وان قوله عليه‌السلام في بعض تلك الأخبار إذا علم الرجل أن أقرانه سفيهة مفسدة وولده سفيه لا ينبغي له أن يسلط واحدا منهم على ما حوله ، ان النهى من تسليطهم انما هو لخوف وقوع صرفه في الفساد وهو الأمور غير المشروعة ، وكذا قوله في آخر لا يعطوهم حتى تعرفوا منهم الرشد ، انما هو خوف صرف المال في تلك الأمور الممنوع منهما شرعا ، وحينئذ فلا تعلق لذلك بما لو تصدق بمال ونحوه من وجوه الطاعات على وجه يكون صرف المال فيه بواسطة الولي من غير أن يدفع المال إليه ، فإنه من أفعال العقلاء وذوي الرشد فلا مانع منه. منه رحمه‌الله.


العهد متعلقا بالمال كأن نذر أن يتصدق بمال مثلا ، فان كان معينا بطل النذر ، وان كان في الذمة روعي في انعقاده زوال السفه.

وإذا حلف وحنث في يمينه فإنه يجب عليه الكفارة قطعا ، لانه بالغ عاقل ، الا أنه يبقى الإشكال في تعين التكفير بالصوم ، لانه محجور عليه المال ، فيصير كالعبد والفقير ، أو جواز التكفير بالمال؟ نظرا الى أن الكفارة تصير واجبة عليه ، وهو مالك للمال ، فيخرج من المال ، كما يجب أخرج الزكاة والخمس ومؤنة الحج الواجب ، والكفارة التي قد سبق وجوبها الحجر قولان :

وبالأول صرح العلامة في جملة من كتبه ، وظاهر المحقق في الشرائع التردد في المسألة لما ذكرنا من تعارض الوجهين المذكورين ، وظاهره في المسالك الميل الى القول الأول ، وأجاب عن دليل الثاني قال : ويضعف بأن هذه الواجبات ثبت عليه بغير اختياره ، فلا تصرف له في المال ، وانما الحاكم به الله تعالى ، بخلاف الكفارة في المتنازع فان سببها مستند الى اختياره ، ومخالفته لمقتضى اليمين ، فلو أخرجها من المال أمكن جعل ذلك وسيلة له الى ذهابه ، لان مقتضى السفه توجيه صرفه الى ما لا ينبغي انتهى.

أقول : فيه ما عرفت من أنه لا دليل على ما ادعوه في هذا المقام ، بل الدليل على خلافه ظاهر من أخبارهم عليهم‌السلام وذلك فإنه متى حلف أو نذر أو عاهد دخل تحت الأخبار الدالة على وجوب الوفاء بهذا الأشياء وما يترتب عليها ، لانه مكلف وسفهه لم يسقط عنه التكليف.

وغاية ما يوجبه السفه منعه من الصرف في المال بغير الوجوه المشروعة ، لا مطلقا كما ادعوه ، فانا لم نقف لهم فيه على دليل ، بل ظاهر الآية والاخبار المتقدمة انما هو ما قلناه على أنا لا يجوز دفع المال اليه فيما يتوقف على المال في هذه الأمور ، بل المتولي لصرفه هو وليه الذي بيده المال.

والتحقيق انه قد تعارض هنا أدلة وجوب الوفاء بهذه الأمور ، وما يترتب عليها كما في غيره من المكلفين ، وأدلة الحجر وتخصيص أحد الدليلين بالاخر يحتاج


الى مخصص ، فبأي جهة قدموا العمل بأدلة الحجر ، وخصصوا بها تلك الأدلة ، مع أن الأمر عند النظر بعين التحقيق انما هو بالعكس ، فإن أدلة الحجر كما عرفت لا عموم فيها ، كما يدعونه على وجه تشتمل هذه الأمور ونحوها ، وحينئذ فيجب العمل بتلك الأخبار الدالة على وجوب الوفاء لهذه الأمور وما يترتب عليها ،

وبذلك يظهر لك أن حكمهم بكون النذر بالصدقة بمال معين باطلا ، وكذا كونه موقوفا لو نذر التصدق بمال في الذمة في محل المنع ، لعدم الدليل عليه مع قيام الأدلة على الصحة كما عرفت.

والاستناد في منع ذلك الى أنه لو صح تصرفه كذلك لأمكن أن يجعل ذلك وسيلة إلى ذهاب ماله ، لان مقتضى السفه يوجب صرفه الى ما لا ينبغي ـ مردود بأن السفيه ليس مجنونا يصرف ماله فيما لا يشعر به ، بل غاية أمره انه لسفهه وعدم خوف الله عزوجل يصرف أمواله في المصارف المحرمة الموجبة للذاته كالزنا وشرب الخمر ونحو ذلك من المصارف التي يتلذذ بها.

وحينئذ فكيف يصير صرفه المال في النذر والصدقة والكفارة وسيلة إلى صرفه فيما لا ينبغي ، وكيف تصير هذه الأشياء مما لا ينبغي ، وهي عبادات يترتب عليها الأجر والثواب وهو مكلف عاقل قد يريد الثواب والأجر وان كان سفيها في بعض أموره ، على أنا قد اعتبرنا تولى الولي لذلك ، وعدم تمكينه من المال كما تقدم.

وأما ما ذكره في المسالك في الجواب عن دليل القول الثاني من الفرق ، ففيه أنه كما أن الزكاة قد أوجبه الله سبحانه كذلك الكفارة قد أوجبها لانه مكلف مخاطب بالأحكام وليس بمجنون يسقط عنه التكليف ، فإنه لا خلاف في كون يمينه مشروعة ولازمة له ، وأنه بالحنث تجب عليه الكفارة كما في غيره من المكلفين ،

وحينئذ فلما حنث أوجب الله عليه الكفارة كما أوجب عليه الزكاة ، وكون السبب في إيجابها الحنث الذي هو من المكلف لا يمنع من تعلق حكم الوجوب بها ، وأن المطالب بها هو الله عزوجل ، كما يطالب بالزكاة ونحوها ، على أن من جملة المعدودات التي وافق على وجوبها الكفارة التي سبق وجوبها الحجر ، فان


سببها أيضا مستند الى المكلف والفرق بينها ، وبين ما نازع فيه غير واضح.

وبالجملة فإن غاية ما يتمسكون به هنا هو ما يدعونه من عموم الحجر ، وقد عرفت ما فيه ، وما ذكره في المسالك في آخر كلامه المتقدم نقله بقوله فلو أخرجها من المال أمكن جعل ذلك وسيلة الى آخره ، فيه ما عرفت والله العالم العالم.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *