ج8 - النية وتكبيرة الإحرام

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الباب الثاني

في الصلوات اليومية

وما يلحق بها من قواطعها وسهوها وشكوكها ، والبحث فيه يقع في مقصدين:

(الأول) ـ في الصلاة والواجب على عادتنا في الكتاب ان نذكر هنا جملة من الأخبار المشتملة على أفعال الصلاة وآدابها :

فمن ذلك ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الكافي والتهذيب والفقيه والمجالس وغيرها ، رووا في الصحيح والحسن عن حماد بن عيسى (1) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) : يوما يا حماد تحسن ان تصلي؟ قال فقلت يا سيدي أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة ، قال لا عليك يا حماد قم فصل قال فقمت بين يديه متوجها إلى القبلة فاستفتحت الصلاة فركعت وسجدت فقال يا حماد لا تحسن ان تصلي ما أقبح بالرجل منكم يأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فلا يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة. قال حماد : فأصابني في نفسي الذل فقلت : جعلت فداك فعلمني الصلاة ، فقام أبو عبد الله

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة.



(عليه‌السلام) مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه وقرب بين قدميه حتى كان بينهما قدر ثلاث أصابع منفرجات واستقبل بأصابع رجليه جميعا القبلة لم يحرفهما عن القبلة وقال بخشوع : «الله أكبر» ثم قرأ الحمد بترتيل و «قل هو الله أحد» ثم صبر هنيهة بقدر ما يتنفس وهو قائم ثم رفع يديه حيال وجهه وقال «الله أكبر» وهو قائم ثم ركع وملأ كفيه من ركبتيه منفرجات ورد ركبتيه إلى خلفه حتى استوى ظهره حتى لو صب عليه قطرة من ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره ومد عنقه وغمض عينيه ثم سبح ثلاثا بترتيل فقال : «سبحان ربي العظيم وبحمده» ثم استوى قائما فلما استمكن من القيام قال «سمع الله لمن حمده» ثم كبر وهو قائم ورفع يديه حيال وجهه ثم سجد وبسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه وقال «سبحان ربي الأعلى وبحمده» ثلاث مرات ولم يضع شيئا من جسده على شي‌ء منه وسجد على ثمانية أعظم : الكفين والركبتين وأنامل إبهامي الرجلين والجبهة والأنف ، وقال : سبعة منها فرض يسجد عليها وهي التي ذكرها الله عزوجل في كتابه وقال «وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً» (1) وهي الجبهة والكفان والركبتان والإبهامان ، ووضع الأنف على الأرض سنة. ثم رفع رأسه من السجود فلما استوى جالسا قال : «الله أكبر» ثم قعد على فخذه الأيسر وقد وضع ظاهر قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر فقال : «استغفر الله ربي وأتوب إليه» ثم كبر وهو جالس وسجد السجدة الثانية وقال كما قال في الاولى ولم يضع شيئا من بدنه على شي‌ء منه في ركوع ولا سجود وكان مجنحا ولم يضع ذراعيه على الأرض ، فصلى ركعتين على هذا ويداه مضمومتا الأصابع وهو جالس في التشهد فلما فرغ من التشهد سلم فقال يا حماد هكذا صل».

وروى ثقة الإسلام في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (2)

__________________

(1) سورة الجن ، الآية 18.

(2) الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة.


قال : «إذا قمت في الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى ودع بينهما فصلا إصبعا أقل ذلك إلى شبر أكثره ، واسدل منكبيك وأرسل يديك ولا تشبك أصابعك وليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك وليكن نظرك إلى موضع سجودك ، فإذا ركعت فصف في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر وتمكن راحتيك من ركبتيك وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى ، وبلع أطراف أصابعك عين الركبة وفرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك ، وأحب الي ان تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة وتفرج بينها وأقم صلبك ومد عنقك وليكن نظرك إلى ما بين قدميك ، فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير وخر ساجدا وابدأ بيديك فضعهما على الأرض قبل ركبتيك تضعهما معا ولا تفترش ذراعيك افتراش السبع ذراعيه ولا تضعن ذراعيك على ركبتيك وفخذيك ولكن تجنح بمرفقيك ولا تلصق كفيك بركبتيك ولا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك ولكن تحرفهما عن ذلك شيئا وابسطهما على الأرض بسطا واقبضهما إليك قبضا وان كان تحتهما ثوب فلا يضرك وان أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل ، ولا تفرجن بين أصابعك في سجودك ولكن ضمهن جميعا ، قال وإذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض وفرج بينهما شيئا وليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى وأليتاك على الأرض وطرف إبهامك اليمنى على الأرض ، وإياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ولا تكن قاعدا على الأرض فتكون انما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهد والدعاء».

بيان : الظاهر ان إنكار الصادق (عليه‌السلام) على حماد في صلاته وتعليمه انما هو بالنسبة إلى سنن الصلاة وآدابها لا بالنسبة إلى واجباتها وإلا لأمره بقضاء ما مضى من صلواته ، على ان مثل حماد (رضوان الله عليه) أجل قدرا من ان يجهل الواجب عليه كما يشير اليه قوله : «انا أحفظ كتاب حريز في الصلاة» وبذلك يظهر لك


ما في كلام السيد المحدث السيد نعمة الله الجزائري (قدس‌سره) في مسألة معذورية الجاهل من دعواه جهل حماد بالأحكام الواجبة وان الامام (عليه‌السلام) لم يأمره بالقضاء من حيث معذورية الجاهل. وقد نقلنا كلامه في كتاب الدرر النجفية في الدرة التي في مسألة معذورية الجاهل.

ويؤيد ما ذكرناه ما صرح به شيخنا الشهيد في الذكرى ، قال : والظاهر ان صلاة حماد كانت مسقطة للقضاء وإلا لأمره بقضائها ولكنه عدل به إلى الصلاة التامة. والظاهر ان صلاته (عليه‌السلام) لم تكن صلاة حقيقية بل كانت لمجرد التعليم للكلام في أثنائها كما حكاه الراوي إلا ان يحمل على ان الكلام انما كان بعدها ولكن حماد حكاه في أثنائها للبيان وربطه بما يتعلق به.

قوله : «ما أقبح بالرجل منكم.» قال شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين : فصل بين فعل التعجب وبين معموله وهو مختلف فيه بين النحاة فمنعه الأخفش والمبرد وجوزه المازني والفراء بالظرف ونقلا عن العرب انهم يقولون «ما أحسن بالرجل ان يصدق» وصدوره من الامام (عليه‌السلام) من أقوى الحجج على جوازه ، والجار في قوله (عليه‌السلام) «منكم» حال من الرجل أو وصف له فان المعرف بلام العهد الذهني في حكم النكرة ، والمراد ما أقبح بالرجل من الشيعة أو من صلحائهم.

قوله : «وقرب بين قدميه حتى كان بينهما قدر ثلاث أصابع منفرجات» هذا هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث صرحوا بأنه يستحب ان يكون بينهما ثلاث أصابع منفرجات إلى شبر إلا ان ظاهر صحيحة زرارة المتقدمة وقوله في صدرها «إصبعا أقل ذلك إلى شبر» ربما نافى هذا الخبر. وأجاب عنه شيخنا البهائي في الحبل المتين بأنه لعل المراد به طول الإصبع لا عرضه. والظاهر من الصحيحة المذكورة ان التحديد بالإصبع إلى قدر شبر انما هو في حال القيام واما حال الركوع فإنه يكون بينهما قدر شبر ، والمفهوم من كلام الأصحاب العموم.


قوله : «ثم قرأ الحمد بترتيل» الترتيل لغة التأني وتبيين الحروف بحيث يتمكن السامع من عدها مأخوذ من قولهم «ثغر رتل ومرتل» إذا كان مفلجا وبه فسر قوله تعالى «وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً» (1) وعن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (2) «انه حفظ الوقوف وبيان الحروف». اي مراعاة الوقف التام والحسن والإتيان بالحروف على الصفات المعتبرة من الهمس والجهر والاستعلاء والإطباق والغنة وأمثالها ، والترتيل بكل من هذين التفسيرين مستحب ، ومن حمل الأمر في الآية على الوجوب فسر الترتيل بإخراج الحروف من مخارجها على وجه تتميز ولا يندمج بعضها في بعض.

قوله «صبر هنيهة» في بعض نسخ الحديث «هنية» بضم الهاء وتشديد الياء بمعنى الوقت اليسير تصغير «هنة» بمعنى الوقت ، وربما قيل «هنيهة» بإبدال الياء هاء واما «هنيئة» بالهمزة فغير صواب نص عليه في القاموس ، كذا أفاد شيخنا البهائي في الحبل المتين إلا ان شيخنا المجلسي نقل ان أكثر النسخ هنا بالهمزة وفي المجالس وبعض نسخ التهذيب بالهاء.

قوله «بقدر ما يتنفس» في بعض النسخ «بقدر ما تنفس» فيكون الضمير راجعا له (عليه‌السلام) وفي بعضها «يتنفس» بالمضارع المبني للمجهول ، وفيه دلالة على استحباب السكتة بعد السورة وان حدها بقدر النفس ، قال في الذكرى : من المستحبات السكوت إذا فرغ من الحمد والسورة وهما سكتتان لرواية إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (3) المشتملة على ان أبي بن كعب قال «كانت لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سكتتان : إذا فرغ من أم القرآن وإذا فرغ من السورة». وفي رواية حماد تقدير السكتة بعد السورة بنفس. وقال ابن الجنيد روى سمرة وأبي بن كعب عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (4) ان السكتة الأولى بعد تكبيرة الافتتاح والثانية بعد

__________________

(1) سورة المزمل الآية 4.

(2) الوافي باب سائر أحكام القراءة.

(3) الوسائل الباب 46 من القراءة.

(4) تيسير الوصول ج 2 ص 229.


الحمد ، ثم قال والظاهر استحباب السكوت عقيب الحمد في الأخيرتين قبل الركوع وكذا عقيب التسبيح. انتهى. وسيجي‌ء تمام الكلام في ذلك ان شاء الله تعالى في مستحبات القراءة.

قوله «ثم سجد وبسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه»

ربما نافاه قوله (عليه‌السلام) في صحيح زرارة المتقدم «ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك ولكن تحرفهما عن ذلك شيئا» والجواب عن ذلك ما افاده شيخنا البهائي (عطر الله مرقده) قال : وقوله (عليه‌السلام) «ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك» اي لا تجعلهما في نفس قبلة الركبتين بل احرفهما عن ذلك قليلا. ولا ينافي هذا ما في حديث حماد من انه (عليه‌السلام) بسط كفيه بين يدي ركبتيه لأن المراد بكون الشي‌ء بين اليدين كونه بين جهتي اليمين والشمال وهو أعم من المواجهة الحقيقية والانحراف اليسير إلى أحد الجانبين ويستعمل ذلك في كل من المعنيين. فاستعمل في هذا الحديث في الأول وفي الآخر في الثاني ، قال صاحب الكشاف في قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ» (1) حقيقة قولهم : «جلست بين يدي فلان» ان يجلس بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله قريبا منه فسميت الجهتان يدين لكونهما على سمت اليدين مع القرب منهما توسعا كما يسمى الشي‌ء باسم غيره إذا جاوره وداناه. انتهى

قوله «فصلى ركعتين على هذا» قال شيخنا في البحار قال الشيخ البهائي (قدس‌سره) هذا يعطي انه (عليه‌السلام) قرأ سورة التوحيد في الركعة الثانية أيضا وهو ينافي ما هو المشهور بين أصحابنا من استحباب مغايرة السورة في الركعتين وكراهة تكرار الواحدة فيهما إذا أحسن غيرها كما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (2) ويؤيده ما مال اليه بعضهم من استثناء سورة الإخلاص من هذا الحكم وهو جيد

__________________

(1) سورة الحجرات الآية 1.

(2) الوسائل الباب 6 من القراءة في الصلاة.


ويعضده ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (1) من «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلى ركعتين وقرأ في كل منهما قل هو الله أحد». وكون ذلك لبيان الجواز بعيد. انتهى كلام شيخنا المشار اليه.

قوله في صحيح زرارة «وبلع أطراف أصابعك عين الركبة» ضبطه شيخنا البهائي (زاده الله بهاء وشرفا) باللام المشددة والعين المهملة من البلع أي اجعل أطراف أصابعك بالعة عين الركبة ، وقال : وهذا كما سيجي‌ء في بحث الركوع من قوله (عليه‌السلام) (2) «وتلقم بأطراف أصابعك عين الركبة». اي تجعل عين الركبة كاللقمة لأطراف الأصابع. وربما يقرأ «وبلغ» بالغين المعجمة وهو تصحيف. انتهى.

قوله في الحديث المذكور «واقبضهما إليك قبضا» قال شيخنا البهائي (قدس‌سره) ولعل المراد بقبض الكفين في قوله (عليه‌السلام) «واقبضهما إليك قبضا» انه إذا رفع رأسه من السجدة الأولى ضم كفيه اليه ثم رفعهما بالتكبير لا انه يرفعهما بالتكبير وعن الأرض برفع واحد ، وفي كلام الشيخ الجليل علي بن بابويه (قدس‌سره) ما يفسر ذلك فإنه قال : إذا رفع رأسه من السجدة الأولى قبض يديه اليه قبضا فإذا تمكن من الجلوس رفعهما بالتكبير. انتهى كلام شيخنا المشار اليه.

وفي نظري القاصر ان ما ذكره في معنى العبارة المذكورة لا يخلو من بعد وقياسه على عبارة الشيخ المذكور قياس مع الفارق فان سياق عبارة الخبر ان الأمر بقبضهما اليه قبضا انما هو حال السجود فان ما قبل هذه الجملة وما بعدها كله في آداب حال السجود ولا تعلق له بالرفع من السجود ، وحمل هذه الجملة من بين هذه الجمل التي قبلها وبعدها على

__________________

(1) الوسائل الباب 7 من القراءة في الصلاة.

(2) يشير «قدس‌سره» الى صحيح زرارة الذي سيذكره المصنف «قدس‌سره» في مستحبات الركوع والمروي في الوسائل في الباب 1 من أبواب الركوع وقد ضبطه هناك كذلك كما في التهذيب ج 1 ص 156.


المعنى الذي ذكره خروج عن ظاهر السياق والنظام بل من قبيل الألغاز الذي يبعد تصوره عن الافهام ، ولا إشارة في هذه العبارة إلى التكبير فضلا عن التصريح كما وقع التصريح به في عبارة الشيخ المذكور. واما عبارة الشيخ المذكور فإنها صريحة في الرفع من السجود والتكبير بعده.

ثم انه (قدس‌سره) كتب في الحاشية على هذا الموضع : كان قدماء علمائنا (قدس الله أرواحهم) يحافظون على لفظ الرواية أو ما قرب منه في كتب الفروع. انتهى.

أقول : مراده بهذا الكلام الإشارة إلى ان الشيخ علي بن بابويه انما ذكر هذه العبارة أخذا من الحديث المذكور وان الشيخ المذكور فهم منه ما فهمه هو (قدس‌سره) وهو غلط محض (أما أولا) فلما ذكرناه. و (اما ثانيا) فلان كلام الشيخ المذكور انما أخذه من عبارة كتاب الفقه الرضوي على الطريقة التي عرفت في غير موضع مما تقدم حيث قال (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور (1) «ثم ارفع رأسك من السجود واقبض إليك قبضا وتمكن من الجلوس. الحديث». ومراده قبض يديه اليه قبضا بعد الرفع إلى ان يجلس ولكنه لم يذكر التكبير بعد الجلوس كما ذكره الشيخ المذكور.

والظاهر عندي من معنى الكلام المذكور في صحيحة زرارة انما هو قبض الكفين اليه حال السجود بمعنى ان لا يباعدهما عنه بل يدنيهما منه ويجعلهما محاذيين للمنكبين كما تضمنته الرواية.

وروى ثقة الإسلام (عطر الله مرقده) في الكافي عن زرارة (2) قال : «إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها ولا تفرج بينهما وتضم يديها إلى صدرها لمكان ثدييها فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تطأطئ كثيرا فترتفع عجيزتها ، فإذا جلست فعلى ألييها ليس كما يقعد الرجل ، وإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود بالركبتين قبل اليدين ثم تسجد لاطئة بالأرض ، فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها ورفعت

__________________

(1) ص 8.

(2) الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة.


ركبتيها من الأرض ، وإذا نهضت انسلت انسلالا لا ترفع عجيزتها أولا». قال في الذكرى هذه الرواية موقوفة على زرارة لكن عمل الأصحاب عليها. انتهى.

وروى في الكافي والتهذيب عن ابن أبي يعفور في الموثق عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا سجدت المرأة بسطت ذراعيها».

وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن جلوس المرأة في الصلاة؟ قال تضم فخذيها».

وروى ابن بكير عن بعض أصحابنا (3) قال : «المرأة إذا سجدت تضممت والرجل إذا سجد تفتح».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (4) : والمرأة إذا قامت إلى صلاتها ضمت برجليها ووضعت يديها على صدرها من مكان ثدييها فإذا ركعت وضعت يديها على فخذيها ولا تطأطئ كثيرا لئلا ترتفع عجيزتها ، فإذا سجدت جلست ثم سجدت لاطئة بالأرض فإذا أرادت النهوض تقوم من غير ان ترفع عجيزتها ، فإذا قعدت للتشهد رفعت رجليها وضمت فخذيها. انتهى.

أقول : قد ذكر الشيخ وجمع من الأصحاب ان حكم المرأة في الصلاة حكم الرجل إلا في الجهر والإخفات وفي مواضع أخرى مذكورة في صحيحة زرارة.

وروى في الكافي في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (5) قال : «إذا قمت في الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك فإنما يحسب لك منها ما أقبلت عليه ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا بلحيتك ولا تحدث نفسك ولا تتثأب ولا تتمط ولا تكفر فإنما يفعل ذلك المجوس ، ولا تلثم ولا تحتفز ولا تفرج كما يتفرج البعير ولا تقع على قدميك ولا تفترش ذراعيك ولا تفرقع أصابعك فإن ذلك كله نقصان من

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 3 من السجود.

(2) الوسائل الباب 1 من التشهد.

(4) ص 9.

(5) الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة.


الصلاة ، ولا تقم إلى الصلاة متكاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا فإنها من خلال النفاق فان الله تعالى نهى المؤمنين ان يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى (1) يعني سكر النوم. وقال للمنافقين (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلّا قَلِيلاً)» (2).

وقال (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (3) : فإذا أردت ان تقوم إلى الصلاة فلا تقم إليها متكاسلا ولا متناعسا ولا مستعجلا ولا متلاهيا ولكن تأتيها على السكون والوقار والتؤدة ، وعليك بالخشوع والخضوع متواضعا لله عزوجل متخاشعا عليك خشية وسيماء الخوف راجيا خائفا بالطمأنينة على الوجل والحذر ، فقف بين يديه كالعبد الآبق المذنب بين يدي مولاه فصف قدميك وانصب نفسك ولا تلتفت يمينا ولا شمالا وتحسب كأنك تراه فان لم تكن تراه فإنه يراك ، ولا تعبث بلحيتك ولا بشي‌ء من جوارحك ولا تفرقع أصابعك ولا تحك بدنك ولا تولع بأنفك ولا بثوبك ، ولا تصل وأنت متلثم ، ولا يجوز للنساء الصلاة ومن متنقبات ، ويكون بصرك في موضع سجودك ما دمت قائما ، وأظهر عليك الجزع والهلع والخوف وارغب مع ذلك إلى الله عزوجل ولا تتكى‌ء مرة على رجلك ومرة على الأخرى ، وتصلي صلاة مودع ترى انك لا تصلي أبدا واعلم انك بين يدي الجبار ولا تعبث بشي‌ء من الأشياء ولا تحدث لنفسك وافرغ قلبك وليكن شغلك في صلاتك وأرسل يديك ألصقهما بفخذيك ، فإذا افتتحت الصلاة فكبر وارفع يديك بحذاء أذنيك ولا تجاوز بإبهاميك حذاء أذنيك ، ولا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة حتى تجاوز بهما رأسك ولا بأس بذلك في النافلة والوتر ، فإذا ركعت فألقم ركبتيك راحتيك وتفرج بين أصابعك واقبض عليهما ، وإذا رفعت رأسك من الركوع فانتصب قائما حتى ترجع مفاصلك كلها إلى المكان ثم اسجد وضع جبينك على الأرض وأرغم على راحتيك واضمم أصابعك وضعهما مستقبل القبلة ، وإذا جلست فلا تجلس

__________________

(1) سورة النساء الآية 46.

(2) سورة النساء الآية 141.

(3) ص 7.


على يمينك لكن انصب يمينك واقعد على ألييك ، ولا تضع يديك بعضهما على بعض ولكن أرسلهما إرسالا فإن ذلك تكفير أهل الكتاب ، ولا تتمط في صلاتك ولا تتجشأ وامنعهما بجهدك وطاقتك ، فإذا عطست فقل «الحمد لله» ولا تطأ موضع سجودك ولا تتقدم مرة ولا تتأخر أخرى ، ولا تصل وبك شي‌ء من الأخبثين وان كنت في الصلاة فوجدت غمزا فانصرف إلا ان يكون شيئا تصبر عليه من غير إضرار بالصلاة ، واقبل على الله بجميع القلب وبوجهك حتى يقبل الله عليك ، وأسبغ الوضوء وعفر جبينيك في التراب ، وإذا أقبلت على صلاتك اقبل الله عليك بوجهه وإذا أعرضت أعرض الله عنك. واروي عن العالم (عليه‌السلام) انه قال ربما لم يرفع من الصلاة إلا النصف أو الثلث أو السدس على قدر إقبال العبد على صلاته وربما لا يرفع منها شي‌ء ترد في وجهه كما يرد الثوب الخلق وتنادي ضيعتني ضيعك الله كما ضيعتني ولا يعطي الله القلب الغافل شيئا. وروى إذا دخل العبد في صلاته لم يزل الله ينظر اليه حتى يفرغ منها. وقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا أحرم العبد في صلاته اقبل الله عليه بوجهه ويوكل به ملكا يلتقط القرآن من فيه التقاطا فإن أعرض أعرض الله عنه ووكله إلى الملك. انتهى كلامه في الكتاب المذكور.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الصلاة تشتمل على الواجب والمستحب ونحن نذكر سياقها حسب ما ذكره أصحابنا (رضوان الله عليهم) من جعل مطرح البحث فيها الواجبات الثمانية المشهورة ونزيد بذكر القنوت في أثنائها وان كان مستحبا عندنا ، وننبه على مستحباتها كل في موضعه من غير ان نفردها بعنوان على حدة كما فعله جملة من الاعلام فإن هذا أليق بالترتيب والنظام ، ونفرد ذكر الأخيرتين بالبحث على حدة لا كما ذكره أصحابنا من جعله في بحث القراءة والسبب في مخالفتنا لهم في ذلك هو ان الظاهر انهم انما جعلوه في بحث القراءة من حيث ان القراءة في الأخيرتين هي الأصل عندهم والتسبيح انما هو فرع عليها كما لا يخفى على من لاحظ كلامهم ، ونحن لما كان الظاهر عندنا ان الواجب في الأخيرتين انما هو


التسبيح اما عينا كما هو اختيار بعض متأخري متأخرينا (رضوان الله عليهم) أو تخييرا مع كونه الأفضل كما هو المقطوع به من اخبار أهل الذكر (عليهم‌السلام) كان افراد ذلك بالبحث هو الأليق بالترتيب والنظام كما لا يخفى على الفطن الأريب وجملة ذوي الأفهام ، ولطول البحث في المقام كما سنشرحه لك ان شاء الله تعالى بما لم يسبق اليه سابق من علمائنا الاعلام ، ولما يتعلق بذلك من الأحكام الخاصة التي لم تحم حولها الأقلام وحينئذ فالكلام في هذا المقصد يقع في فصول عشرة :

الفصل الأول في النية

وقد تقدم البحث فيها في كتاب الطهارة في نية الوضوء بما لم يسبق اليه سابق من علمائنا الأعلام بتحقيق وتدقيق ـ يكشف نقاب الإجمال عنها والإبهام بجميع أحكامها ومتعلقاتها ـ للنصوص مطابق وللاخبار موافق ، ولكن لا بأس بنقل بعض كلماتهم في هذا المقام وبيان ما فيها من الاختلال وعدم الانتظام في سلك ذلك النظام :

فنقول قال السيد السند (قدس‌سره) في مدارك الأحكام ـ بعد قول المصنف وحقيقتها استحضار صفة الصلاة في الذهن والقصد بها إلى أمور أربعة : الوجوب أو الندب والقربة والتعيين وكونها أداء أو قضاء ـ ما لفظه : اعلم ان النية عبارة عن أمر واحد بسيط وهو القصد إلى الفعل لكن لما كان القصد إلى الشي‌ء المعين موقوفا على العلم به وجب لقاصد الصلاة إحضار ذاتها في الذهن مطلقا وصفاتها التي يتوقف عليها التعيين ثم القصد إلى فعل هذا المعلوم طاعة لله وامتثالا لأمره. وقد أحسن شيخنا الشهيد في الذكرى حيث قال بعد ان ذكر نحو ذلك : وتحقيقه انه إذا أريد نية الظهر مثلا فالطريق إليها إحضار المنوي بمميزاته عن غيره في الذهن فإذا حضر قصد المكلف إلى إيقاعه تقربا إلى الله تعالى ، وليس فيه ترتيب بحسب التصور وان وقع ترتيب فإنما هو بحسب التعبير عنه بالألفاظ إذ من ضرورتها ذلك ، فلو ان مكلفا احضر في ذهنه الظهر الواجبة المؤداة


ثم استحضر قصد فعلها تقربا وكبر كان ناويا. إذا عرفت ذلك فنقول انه يعتبر في نية الصلاة القربة وهي الطاعة لله ، ثم ساق الكلام في تلك الأمور الأربعة التي ذكرها المصنف بنقض وإبرام ، إلى ان قال. وبالجملة فالمستفاد من الأدلة الشرعية سهولة الخطب في أمر النية وان المعتبر فيها قصد الفعل المعين طاعة لله تعالى خاصة ، وهذا القدر أمر لا يكاد ينفك عنه عاقل متوجه إلى إيقاع العبادة ومن هنا قال بعض الفضلاء لو كلف الله تعالى بالصلاة أو غيرها من العبادات بغير نية لكان تكليفا بما لا يطاق. وقال بعض المحققين لو لا قيام الأدلة على اعتبار القربة وإلا لكان ينبغي ان يكون هذا من باب «اسكتوا عما سكت الله عنه» (1). وذكر الشهيد (قدس‌سره) في الذكرى ان المتقدمين من علمائنا ما كانوا يذكرون النية في كتبهم الفقهية بل كانوا يقولون أول واجبات الوضوء غسل الوجه وأول واجبات الصلاة تكبيرة الإحرام. وكأن وجهه ان القدر المعتبر من النية أمر لا يكاد يمكن الانفكاك عنه وما زاد عليه فليس بواجب ، ومما يؤيد ذلك عدم ورود النية في شي‌ء من العبادات على الخصوص بل خلو الأخبار الواردة في صفة وضوء النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وغسله وتيممه (2) من ذلك ، وكذا الرواية المتضمنة لتعليم الصادق (عليه‌السلام) (3) لحماد الصلاة حيث قال فيها : انه (عليه‌السلام) قام واستقبل القبلة وقال بخشوع «الله أكبر» ولم يقل فكر في النية ولا تلفظ بها ولا غير ذلك من هذه الخرافات المحدثة ، ويزيده بيانا ما رواه الشيخان في الكافي والتهذيب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات.». ثم ساق الرواية كما سيأتي قريبا ان شاء الله تعالى.

__________________

(1) الشهاب في الحكم والآداب ص 15 وارجع أيضا إلى ج 1 ص 156.

(2) الوسائل الباب 15 من الوضوء و 32 من الجنابة و 11 من التيمم.

(3) ص 2.

(4) الوسائل الباب 8 من تكبيرة الإحرام.


أقول : لقد أجاد في هذا الكلام الأخير بما أفاد وطابق السداد لكنه ناقض نفسه في ما صدر به الكلام وأيده بما استحسنه من كلام الذكرى في ذلك المقام وكذا بما ذكره بعد ذلك في مسألة مقارنة النية حيث احتذى حذو أولئك الاعلام.

وتوضيح ذلك ان مقتضى كلامه الأول الذي في صدر البحث أنه لا بد من إحضار المنوي أولا في الذهن بجميع مميزاته عن غيره فإذا احضر قصد إلى إيقاعه تقربا إلى الله تعالى ، ولا ريب في مدافعته لما ذكره أخيرا بقوله «وبالجملة فالمستفاد من الأدلة الشرعية. إلى آخر الكلام» فان مقتضى الكلام الأول كما عرفت انه لا بد لقاصد الصلاة عند التكبير من إحضار ذاتها وتصورها وتصور صفاتها التي يتوقف عليها التعيين ثم القصد بعد ذلك إلى فعل هذا المعلوم طاعة لله ، فلا بد على هذا من زمان يحصل فيه هذا التصور والاستحضار وملاحظة المميزات وتخليصها من شباك وساوس إبليس وما يوقعه في ذلك الوقت من الوسوسة والتلبيس حتى يكبر بعده ، واين هذا من مقتضى الكلام الأخير من ان النية أمر جبلي لا ينفك عنه العاقل حتى لو كلف الله العمل بغير نية لكان تكليفا بما لا يطاق ، ثم أيد ذلك بعدم ذكر النية في كلام المتقدمين وكذا في الأخبار؟ وعلى هذا فأين ما ذكره أولا من وجوب إحضار المنوي في ذلك الوقت واين تصوره وتصور مميزاته ثم القصد اليه وانه لا يجوز له الدخول في الصلاة إلا بعد هذه التصورات ونحوها مما اعترف أخيرا بأنه من الخرافات؟ وبالجملة فإن ظاهر كلامه الأخير يعطي ان ما ذكره أولا من جملة تلك الخرافات التي أشار إليها وان كانت أقل مما ذكره غيره.

وتحقيق هذا المقام بما لا يحوم حوله النقض والإبرام وان تقدم في كتاب الطهارة كما أشرنا اليه إلا انه ربما تعذر على الناظر في هذا المقام الرجوع اليه لعدم وجود الكتاب عنده مع ان ما ذكرناه هنا فيه مزيد إيضاح على ما تقدم :

فنقول وبالله سبحانه الثقة والهداية لإدراك المأمول ونيل المسؤول : لا ريب ان أفعال العقلاء كلها من عبادات وغيرها لا تصدر إلا عن تصور الدواعي الباعثة على الإتيان


بها وهي المشار إليها في كلامهم بالعلل الغائية ، مثلا ـ يتصور الإنسان ان دخوله على زيد وزيارته له وخدمته له موجب لإكرامه له ، وكتابة هذا الكتاب موجب لانتفاعه به ، وتزويجه امرأة موجب لكسر الشهوة الحيوانية أو حصول النسل ، ونحو ذلك من الدواعي الحاملة على الأفعال ، فإذا تصورت النفس هذه الأغراض انبعث منها شوق إلى جذبها وتحصيلها فقد يتزايد هذا الشوق ويتأكد ويسمى بالإرادة ، فإذا انضم إلى القدرة التي هي هيئة للقوة الفاعلة انبعثت تلك القوة لتحريك العضلات إلى إيقاع تلك الأفعال وإيرادها وتحركت إلى إصدارها وإيجادها لأجل غرضها الذي تصورته أولا ، فانبعاث النفس وتوجهها وقصدها إلى ما فيه غرضها هو النية ، نعم قد يحصل بسبب تكرار الفعل والاعتياد عليه نوع ذهول عن تلك العلة الغائية الحاملة على الفعل إلا ان النفس بأدنى توجه والتفات تستحضر ذلك كما هو المشاهد في جملة أفعالنا المتكررة منا ، وحينئذ فليست النية بالنسبة إلى الصلاة إلا كغيرها من سائر أفعال المكلف من قيامه وقعوده واكله وشربه ومغداه ومجيئه ونكاحه ونومه ونحو ذلك من الأفعال التي تتكرر منه ، ولا ريب ان كل عاقل غير غافل ولا ذاهل لا يصدر عنه فعل من هذه الأفعال إلا بقصد ونية سابقة عليه مع انه لا يتوقف شي‌ء من ذلك على هذا الاستحضار الذي ذكروه والتصوير الذي صوروه.

وان أردت مزيد إيضاح لما قلناه فانظر إلى نفسك إذا كنت جالسا في مجلسك ثم دخل عليك رجل عزيز حقيق بالقيام له تواضعا ففي حال دخوله قمت له إجلالا وإكراما كما هو الجاري في رسم العادة فهل يجب عليك ان تتصور أولا في ذهنك وخيالك معنى من المعاني وقصدا من القصود بان تقصد إني أقوم لهذا الرجل إجلالا له وإعظاما لقدره وإلا لكان قيامك وتواضعك بغير نية فلا يسمى تواضعا ولا تستحق عليه مدحا ولا ثوابا أم يكفي مجرد قيامك في تلك الحال ويصدق انه وقع منك التعظيم له والإجلال؟ وهذا شأن الصلاة وان المكلف إذا دخل عليه وقت الظهر مثلا وهو عالم بوجوب ذلك


الفرض عليه وعالم بكيفيته وكميته وكان الحامل له على الإتيان به هو التقرب إلى الله عزوجل ثم قام من مكانه وسارع إلى الوضوء ثم توجه إلى مسجده ووقف في مصلاه واذن واقام ثم قال «الله أكبر» ثم استمر في صلاته فان صلاته صحيحة شرعية مشتملة على النية ، وهذا هو الذي دلت عليه الأخبار كما أشار إليه في آخر كلامه.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الذي أوقع الناس بالنسبة إلى النية في شباك الوسواس الخناس هو ان جملة من المتأخرين عرفوا النية شرعا بأنها القصد المقارن للفعل ، قالوا فلو تقدمت عليه ولم تقارنه سمى ذلك عزما لا نية ، ثم اختلفوا في المقارنة فما بين من فسرها بامتداد النية بامتداد التكبير وما بين من فسرها بجعل النية بين الالف والراء وما بين من فسرها بأن يأتي بالنية أولا ثم يبتدئ بالتكبير بلا فصل بينهما وهذا كله يعطي ان مرادهم بالنية انما هو الكلام النفسي والتصوير الفكري الذي يحدثه المكلف في نفسه ويتصوره في فكره بما يترجمه قوله «أصلي فرض الظهر ـ مثلا ـ أداء لوجوبه قربة إلى الله تعالى» وقد عرفت ان النية ليست حقيقة إلا ما ذكرناه أولا ، وبذلك يظهر لك ما في كلامه الأول من قوله : «لكن لما كان القصد إلى الشي‌ء المعين موقوفا على العلم به وجب لقاصد الصلاة إحضار ذاتها. إلى آخره» من عدم الملازمة فإنا لا نمنع من وجوب القصد ومعرفة المقصود بجميع ما يتوقف عليه ولكنا نقول ان الجميع قد صار معلوما للمكلف قبل ذلك فمتى دخل عليه الوقت وقام قاصدا للصلاة على الوجه الذي قدمناه فإنه يكفي مجرد ذلك القصد والعلم الأولين لاستمراره عليهما وعدم تحوله عنهما فلا يتوقف على استحضار آخر كما في سائر أفعال المكلف ، ولا فرق بين سائر أفعاله وبين عبادته إلا باعتبار اشتراط القربة في العبادة وهو لا يوجب هذا الاستحضار بل هو كأصل النية مستحضر من أول الأمر مقارن له غير مفارق.

وكأنهم توهموا انه ما لم يحصل الاستحضار المذكور والمقارنة بهذه النية التي ذكروها يصير الدخول في الصلاة عاريا عن النية لأن النية السابقة غير كافية عندهم لإمكان


تجدد الغفلة بعدها فيصير الفعل بغير نية. وفيه ـ مع قطع النظر عن انه لا يكون كليا ـ انه ليس العبادة إلا كسائر أفعال المكلف كما عرفت والقدر المعلوم فيها هو ما ذكرناه لا ما ذكروه ، فإنه لا يجب في جملة الأفعال بعد تصور الدواعي الحاملة عليها ان يكون ذلك حاضرا في باله وجاريا على خياله لا يغيب عن تصوره في تلك المدة فإنه وان زال لكن الذهن متى التفت اليه وجده كذلك وان اشتغل بفكر آخر أو كلام في البين فإنه لا ينافي حضور ذلك في باله.

قال بعض المحققين من متأخري المتأخرين ـ ونعم ما قال ـ انه لما كانت النية عبارة عن القصد إلى الفعل بعد تصور الداعي والحامل عليه ـ والضرورة قاضية بما نجده في سائر أفعالنا بأنه قد يعرض لنا مع الاشتغال بالفعل الغفلة عن ذلك القصد والداعي في أثناء الفعل بحيث انا لو رجعنا إلى وجداننا لرأينا النفس باقية على القصد الأول ومع ذلك لا نحكم على أنفسنا ولا يحكم علينا غيرنا بان ما فعلناه وقت الذهول والغفلة بغير نية وقصد بل من المعلوم أنه أثر ذلك القصد والداعي السابقين ـ كان الحكم في العبادة كذلك إذ ليس العبادة إلا كغيرها من الأفعال الاختيارية للمكلف والنية ليست إلا عبارة عما ذكرناه. انتهى وهو جيد رشيق.

هذا ، واما باقي الأبحاث المتعلقة بالنية في هذا المقام مما ذكره أصحابنا (رضوان الله عليهم) فقد تقدم الكلام فيه في بحث نية الوضوء مستوفى فليراجع.

الفصل الثاني

في تكبيرة الإحرام

وفيه مسائل (الأولى) لا خلاف بين الأصحاب بل أكثر علماء الإسلام في ان تكبيرة الإحرام جزء من الصلاة وركن فيها تبطل الصلاة بتركها عمدا وسهوا.


ويدل على ذلك جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (1) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح قال يعيد».

وما رواه في الكافي عن أبي العباس البقباق وابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) انه قال : «في الرجل يصلي فلم يفتتح بالتكبير هل تجزئه تكبيرة الركوع؟ قال لا بل يعيد صلاته إذا حفظ انه لم يكبر».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن عبيد بن زرارة (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل اقام الصلاة ونسي أن يكبر حين افتتح الصلاة؟ قال يعيد الصلاة».

وعن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (4) «في الذي يذكر انه لم يكبر في أول صلاته؟ فقال إذا استيقن انه لم يكبر فليعد ولكن كيف يستيقن».

وعن ذريح في الحسن عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (5) : «سألته عن الرجل ينسى ان يكبر حتى قرأ؟ قال يكبر».

وعن الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه عن أبيه في الصحيح (6) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل ينسى ان يفتتح الصلاة حتى يركع؟ قال يعيد الصلاة».

وفي الموثق عن عمار (7) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل سها خلف الامام فلم يفتتح الصلاة؟ قال يعيد الصلاة ولا صلاة بغير افتتاح. الحديث».

فهذه جملة من الأخبار الصريحة في الدلالة على المطلوب إلا انه قد ورد أيضا بإزائها ما يدل على خلاف ذلك :

ومنه ـ ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (8) قال : «سألته عن رجل نسي أن يكبر حتى دخل في الصلاة؟ فقال أليس

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8) الوسائل الباب 2 من تكبيرة الإحرام.


كان من نيته ان يكبر؟ قلت نعم. قال فليمض في صلاته».

وما رواه في الفقيه مرسلا عن الصادق (عليه‌السلام) (1) انه قال : «الإنسان لا ينسى تكبيرة الافتتاح».

وما رواه في التهذيب والفقيه في الصحيح عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (2) قال : «قلت له رجل نسي أن يكبر تكبيرة الافتتاح حتى كبر للركوع؟ فقال أجزأه».

وما رواه الشيخ عن أبي بصير في الموثق أو الضعيف أو الصحيح (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل قام في الصلاة ونسي أن يكبر فبدأ بالقراءة؟ فقال ان ذكرها وهو قائم قبل ان يركع فليكبر وان ركع فليمض في صلاته».

وما رواه في الفقيه في الصحيح وكذا في التهذيب في الصحيح أيضا عن زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (4) قال : «قلت له الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح؟ فقال ان ذكرها قبل الركوع كبر ثم قرأ ثم ركع وان ذكرها في الصلاة كبرها في قيامه في موضع التكبيرة قبل القراءة أو بعد القراءة. قلت فان ذكرها بعد الصلاة؟ قال فليقضها ولا شي‌ء عليه».

وأجاب الشيخ عن هذه الأخبار بالحمل على من لا يتيقن الترك بل شك فيه. أقول : وهذا الحمل وان أمكن في بعضها ولو على بعد إلا انه في بعض آخر لا يخلو من تعسف والوجه على ما ظهر في ذلك انما هو الجمل على التقية وان لم يعلم به قائل منهم كما حققناه في المقدمة الاولى من مقدمات الكتاب ، لان عمل الطائفة المحقة على الأخبار الأولة فيتعين ان يكون ذلك مذهبهم (عليهم‌السلام) ولا وجه لهذه الأخبار بعد ذلك إلا ما قلناه لأنها متى ثبتت عنهم والمعلوم من مذهبهم خلافها فلا وجه لخروجها عنهم إلا

__________________

(1 و 3 و 4) الوسائل الباب 2 من تكبيرة الإحرام.

(2) الوسائل الباب 3 من تكبيرة الإحرام.


مجرد إلقاء الخلاف بين الشيعة في ذلك لدفع الشنعة عنهم كما تقدم تحقيقه في المقدمة المذكورة ، على ان القول بذلك منقول عن جملة من المخالفين : منهم ـ الزهري والأوزاعي وسعيد بن المسيب والحسن وقتادة والحكم (1) فلعل لمذهب هؤلاء شهرة وصيتا في ذلك الوقت أوجب خروج هذه الأخبار موافقة لهم ، وقد نقل عنهم في المنتهى انه إذا أخل المصلي بتكبيرة الإحرام عامدا أعاد صلاته ولو أخل بها ناسيا أجزأته تكبيرة الركوع وكيف كان فالحمل فيها على ما ذكرناه متعين إذ ليس مع عدم ذلك إلا طرحها وردها لما عرفت من إجماع الطائفة على العمل بتلك الأخبار. والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ المشهور نصا وفتوى استحباب التوجه في أول الصلاة بست تكبيرات مضافة إلى تكبيرة الإحرام وهي واجبة كما تقدم ، وكيفية التوجه بالجميع ان يكبر ثلاثا ثم يدعو بالمرسوم ثم اثنتين ثم يدعو ثم اثنتين ثم يتوجه.

والمشهور بين الأصحاب انه يتخير في السبع ايها شاء نوى بها تكبيرة الإحرام فيكون ابتداء الصلاة بها ، قال في المدارك : والمصلي بالخيار ان شاء جعلها الأخيرة واتى بالست قبلها وان شاء جعلها الاولى واتى بالست بعدها وان شاء جعلها الوسطى ، والكل حسن لأن الذكر والدعاء لا ينافي الصلاة. ثم نقل عن الشهيد في الذكرى ان الأفضل جعلها الأخيرة ثم قال ولا أعرف مأخذه. أقول : ما نقله عن الذكرى من جعلها الأخيرة قد صرح به الشيخ في المصباح وتبعه في ذلك جمع : منهم ـ شيخنا الشهيد (قدس‌سره) وغيره ، وربما كان منشأ ذلك كون دعاء التوجه بعدها. وفيه انه لا يصلح دليلا لذلك.

ثم أقول : الظاهر عندي من التأمل في أخبار المسألة انها الاولى خاصة ، وممن تفطن إلى ذلك من محققي متأخري المتأخرين شيخنا البهائي في حواشي الرسالة الاثني عشرية والمحدث الكاشاني في الوافي والسيد الفاضل المحدث السيد نعمة الله الجزائري بل صرح بتعيين الاولى لذلك.

__________________

(1) عمدة القارئ ج 3 ص 2 عن الزهري الاكتفاء بنية التكبير وعن الباقين القول بالاستحباب.


ومن الأخبار الدالة على ذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات. الحديث».

والتقريب فيه ان الافتتاح انما يصدق بتكبيرة الإحرام والواقع قبلها من التكبيرات بناء على ما زعموه ليس من الافتتاح في شي‌ء ، وتسمية ما عدا تكبيرة الإحرام بتكبيرات الافتتاح انما يصدق بتأخيرها عن تكبيرة الإحرام التي يقع بها الافتتاح حقيقة والدخول في الصلاة وإلا كان من قبيل الإقامة ونحوها مما يقدم قبل الدخول في الصلاة.

ومما يدل على ذلك بأوضح دلالة صحيحة زرارة (2) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة المواقفة إيماء. إلى ان قال ولا يدور إلى القبلة ولكن أينما دارت دابته غير انه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه».

ومما يدل على ذلك صحيح زرارة الوارد في علة استحباب السبع بإبطاء الحسين (عليه‌السلام) عن الكلام (3) حيث قال فيه «فافتتح رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الصلاة فكبر الحسين (عليه‌السلام) فلما سمع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تكبيره عاد فكبر وكبر الحسين (عليه‌السلام) حتى كبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سبع تكبيرات وكبر الحسين (عليه‌السلام) فجرت السنة بذلك».

والتقريب فيه ان التكبير الذي كبره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هو تكبيرة الإحرام التي وقع الدخول بها في الصلاة لإطلاق الافتتاح عليها والعود الى التكبير ثانيا وثالثا انما وقع لتمرين الحسين (عليه‌السلام) على النطق كما هو ظاهر السياق.

__________________

(1) الوسائل الباب 8 من تكبيرة الإحرام.

(2) الوسائل الباب 3 من صلاة الخوف.

(3) الوسائل الباب 7 من تكبيرة الإحرام.


وروى السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاوس (عطر الله مرقده) في كتاب فلاح السائل هذه القصة عن الحسن (عليه‌السلام) (1) قال في الحديث الذي نقله : «فخرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حامله على عاتقه وصف الناس خلفه واقامه عن يمينه فكبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وافتتح الصلاة فكبر الحسن (عليه‌السلام) فلما سمع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأهل بيته تكبير الحسن (عليه‌السلام) عاد فكبر وكبر الحسن حتى كبر سبعا فجرت بذلك سنة بافتتاح الصلاة بسبع تكبيرات». وهو أوضح من ان يحتاج إلى بيان.

ومما يدل على ذلك أيضا صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : «قلت الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح. الحديث المتقدم (2) في سابق هذه المسألة» وهو صريح في ان تكبيرة الإحرام هي الاولى.

ولا ينافي ذلك اشتمال الخبر على ما لا يقول به الأصحاب كما عرفت فإنه يجب ارتكاب التأويل في موضع المخالفة كما في غيره ، وقد صرحوا بان رد بعض الخبر لمعارض أقوى لا يمنع من العمل بما لا معارض له وما هو إلا كالعام المخصوص والمطلق المقيد في العمل بالباقي بعد التخصيص والتقييد.

فائدة

من الأخبار الواردة في قضية الحسين (عليه‌السلام) أيضا ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن حفص ـ والظاهر انه ابن البختري ـ عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان في الصلاة وإلى جانبه الحسين بن علي (عليهما‌السلام) فكبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلم يحر الحسين

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 5 من تكبيرة الإحرام.

(2) ص 20.

(3) الوسائل الباب 7 من تكبيرة الإحرام.


(عليه‌السلام) التكبير ثم كبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلم يحر الحسين التكبير ولم يزل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يكبر ويعالج الحسين (عليه‌السلام) التكبير فلم يحر حتى أكمل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سبع تكبيرات فأحار الحسين (عليه‌السلام) التكبير في السابعة فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) فصارت سنة».

بيان : قال في الوافي المحاورة المجاوبة والتحاور التجاوب ، يقال كلمته فما أحار لي جوابا ، ولعل المراد ان الحسين (عليه‌السلام) وان كبر في كل مرة إلا انه لم يفصح بها إلا في المرة الأخيرة ، وبهذا يجمع بين الخبرين الأخيرين. انتهى.

بقي الكلام في انهم (عليهم‌السلام) ينطقون ساعة الولادة كما وردت به الأخبار فكيف يمتنع عليهم النطق في هذه الصورة؟ وأجاب عنه في البحار بأنه لعل ذلك كان عند الناس وان التخوف كان من الناس لا منه (صلى‌الله‌عليه‌وآله). أقول : وفيه بعد ويمكن ان يقال لا يخفى على المتأمل في اخبارهم والمتطلع في أحوالهم انهم (عليهم‌السلام) في مقام إظهار المعجز لهم حالات غير حالات الناس واما في غير ذلك فإنهم يقدرون أنفسهم بالناس في صحة ومرض وغناء وفقر ونزول بلاء ونحو ذلك ، وهذا من جملته فإنهم (عليهم‌السلام) لا ينطقون إلا إذا أنطقهم الله تعالى كما ينطق سائر الصبيان ولا يطلبون منه إلا ما يقدره ويريده فليس لهم إرادة زائدة على إرادته تعالى بهم (عليهم‌السلام) وان كانوا لو شاؤا لفعلوا ما يريدون. وهذا هو الجواب الحق في المقام لا يعتريه نقض ولا إبرام.

ثم ان من العلل الواردة في هذه التكبيرات الست المذكورة ما رواه في الفقيه عن هشام بن الحكم عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (1) وهي «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لما اسرى به إلى السماء قطع سبع حجب فكبر عند كل حجاب تكبيرة فأوصله الله تعالى بذلك إلى منتهى الكرامة».

__________________

(1) الوسائل الباب 7 من تكبيرة الإحرام.


قال في الفقيه (1) أيضا : وذكر الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه‌السلام) لذلك علة أخرى وهي انه انما صارت التكبيرات في أول الصلاة سبعا لأن أصل الصلاة ركعتان واستفتاحهما بسبع تكبيرات : تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع وتكبيرتي السجدتين وتكبيرة الركوع في الثانية وتكبيرتي السجدتين ، فإذا كبر الإنسان في أول صلاته سبع تكبيرات ثم نسي شيئا من تكبيرات الافتتاح من يعد أو سها عنها لم يدخل عليه نقص في صلاته.

قال في الوافي : لعل المراد باستفتاح الركعتين بالسبع التكبيرات التي يستفتح بها كل فعل ولهذا لم يعد منها الأربع التي بعد الرفع من السجدات. انتهى. وهو جيد.

قال في الفقيه بعد ذكر هذه الأخبار كملا : وهذه العلل كلها صحيحة وكثرة العلل للشي‌ء تزيده تأكيدا ولا يدخل هذا في التناقض ، انتهى.

تتميم

من العجب في هذا المقام ما وقع لشيخنا المجلسي ووالده (عطر الله مرقديهما) من الكلام المنحل الزمام والمختل النظام حيث قال في كتاب البحار : وظاهر خبر الحسين (عليه‌السلام) ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جعلها الاولى ولهذا ذهب بعض المحدثين إلى ان تعيين الاولى متعين. ويمكن المناقشة فيه بان كون أول وضعها لذلك لا يستلزم استمرار هذا الحكم ، مع ان العلل الواردة فيها كثيرة وسائر العلل لا يدل على شي‌ء. وكان الوالد (قدس‌سره) يميل إلى ان يكون المصلي مخيرا بين الافتتاح بواحدة وثلاث وخمس وسبع ومع اختيار كل منها يكون الجميع فردا للواجب المخير كما قيل في تسبيحات الركوع والسجود. وهذا أظهر من أكثر الأخبار كما لا يخفى على المتأمل فيها بل بعضها كالصريح في ذلك. وما ذكروه من ان كلا منها قارنتها النية فهي تكبيرة الافتتاح ان

__________________

(1) الوسائل الباب 7 من تكبيرة الإحرام.


أرادوا نية الصلاة فهي مستمرة من أول التكبيرات إلى آخرها ، مع انهم جوزوا تقديم النية في الوضوء عند غسل اليدين لكونه من مستحبات الوضوء فأي مانع من تقديم نية الصلاة عند أول التكبيرات المستحبة فيها؟ وان أرادوا نية كونها تكبيرة الإحرام فلم يرد ذلك في خبر ، وعمدة الفائدة التي تتخيل في ذلك جواز إيقاع منافيات الصلاة في أثناء التكبيرات ، وهذه أيضا غير معلومة إذ يمكن ان يقال بجواز إيقاع المنافيات قبل السابعة وان قارنت نية الصلاة الأولى لأن الست من الاجزاء المستحبة أو لأنه لم يتم الافتتاح بعد بناء على ما اختاره الوالد (قدس‌سره) لكنهم نقلوا الإجماع على ذلك ، وتخيير إلا ما في تعيين الواحدة التي يجهر بها يومي إلى ما ذكروه إذ الظاهر ان فائدة الجهر علم المأمومين بدخول الإمام في الصلاة ، والاولى والأحوط رعاية الجهتين معا بان يتذكر النية عند كل واحدة منها ولا يوقع مبطلا بعد التكبيرة الاولى ، ولو لا ما قطع به الأصحاب من بطلان الصلاة إذا قارنت النية تكبيرتين منها لكان الأحوط مقارنة النية للأولى والأخيرة معا. انتهى.

أقول : فيه من المناقشات الدالة على بطلانه وانهدام أركانه ما لا يحصى ولا يعد إلا أنا نذكر ما خطر بالبال على سبيل الاستعجال.

فنقول : اما قوله «ويمكن المناقشة فيه بان كون أول وضعها لذلك لا يستلزم استمرار هذا الحكم» فان فيه انه لا ريب ان العبادات الشرعية مبنية على التوقيف عن صاحب الشريعة كما اعترف به هو وغيره فإذا علم من الشارع انه جعل الاولى من هذه التكبيرات للإحرام وابتداء الصلاة وافتتاحها فإنه يلزم استمرار الحكم بذلك حتى يثبت النسخ لهذا الحكم ويقوم دليل أقوى على الخروج عنه.

واما قوله : «مع ان العلل الواردة فيها كثيرة وسائر العلل لا يدل على شي‌ء» ففيه (أولا) ان هذه العلل انما هي للتكبيرات الزائدة لا تعلق لها بتكبيرة الإحرام. و (ثانيا) ان خلو الأخبار الدالة على بعض تلك العلل من هذا الحكم وكونها مجملة في


ذلك لا ينافي ما بين فيه الحكم المذكور كهذا الخبر ، ومقتضى القاعدة حمل إجمال تلك الأخبار على هذا الخبر ، على ان الدلالة على ما ذهب إليه القائل بالتعيين لا ينحصر في هذا الخبر كما توهمه بل هو مدلول أخبار عديدة كما عرفت.

واما ما نقله عن أبيه ـ وان كان ظاهره تأييده وتشييده حمية لوالده ـ فهو في البطلان أظهر من ان يحتاج إلى بيان كما لا يخفى على ذوي الأفهام والأذهان إلا أنا نشرح ذلك بوجه يظهر منه البطلان كالعيان لكل انسان :

وذلك (أولا) ان كلامه مبني على التخيير كما هو المشهور في كلام الأصحاب وقد عرفت ان النصوص على خلافه.

و (ثانيا) انه لا يخفى على من أحاط خبرا بالاخبار وجاس خلال تلك الديار ان المستفاد منها على وجه لا يداخله الشك والإنكار ان الافتتاح والدخول في الصلاة انما هو بتكبيرة واحدة لا بأكثر وهي التي مضى عليها الناس في صدر الإسلام برهة من الأزمان والأعوام ، وما عداها فإنما يزيد استحبابا للعلل المذكورة في الأخبار وان استصحب استحبابها في جميع الأدوار والأعصار فهي ليست من الافتتاح والتحريم حقيقة في شي‌ء وان سميت بذلك مجازا للمجاورة بالتقريب المتقدم ، وقد تقدم لك في صدر الفصل من الروايات الظاهرة في وحدة تكبيرة الإحرام قوله في صحيحة زرارة (1) «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح قال يعيد». وقوله (عليه‌السلام) (2) في مرسلة الفقيه «الإنسان لا ينسى تكبيرة الافتتاح». وقوله في صحيحة البزنطي (3) «رجل نسي أن يكبر تكبيرة الافتتاح». وفي صحيحة زرارة (4) «ينسى أول تكبيرة من الافتتاح». وفي جملة من الأخبار (5) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان أوجز الناس في الصلاة كان يقول الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم». الى غير ذلك من

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 2 من تكبيرة الإحرام.

(3 و 4) ص 20.

(5) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الإحرام.


الأخبار فإنها صريحة في كون الافتتاح انما هو بواحدة ، وما أجمل في الأخبار فهو محمول على ذلك جريا على القاعدة المعلومة.

و (ثالثا) ان ما ذكره تشريع ظاهر لأن المعلوم مما قدمناه في الوجه الثاني وكذا عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قبل حصول هذه العلة الموجبة للزيادة انما هو تكبيرة واحدة يحرم بها وهي المشار إليها بقولهم (1) «تحريمها التكبير» ثم انه زاد هذه التكبيرات الست أخيرا للعلل المذكورة فصارت مستحبة في الصلاة كزيادة النوافل التي زادها لمولد الحسنين وفاطمة (صلوات الله عليهم) كما تقدم في بحث الأوقات (2) وجرت بذلك السنة ولا مدخل لها في التحريم والافتتاح بل هي اذكار مستحبة في هذا المكان ، ويشير إلى ذلك ما تقدم (3) في حديث الحسين (عليه‌السلام) من قوله (عليه‌السلام) «فجرت السنة بذلك» ومثله في صحيحة حفص في قضية الحسين (عليه‌السلام) (4) إلا ان فيه ان الحسين لم يكبر إلا في السابعة ، قال (عليه‌السلام) في تمام الحديث «فصارت سنة» ويعضده ما تقدم في الأخبار من الدلالة على وحدة تكبيرة الإحرام ، وحينئذ فإذا كان المعلوم من صاحب الشريعة ان التكبير الواجب انما هو تكبيرة واحدة وهي التي تعقد بها الصلاة فالزيادة عليها تشريع محض ، ومجرد استحباب هذه التكبيرات في هذا الموضع لا يوجب جعلها في هذه المرتبة بل تصريحهم (عليهم‌السلام) باستحبابها دليل على عدم وجوبها والاستفتاح في الصلاة بها كالتكبيرة الأصلية غاية الأمر انه قد اشتبه على أصحابنا بعد زيادة هذه الست وصيرورة التكبيرات سبعا محل تكبيرة الإحرام منها هل هي أولا أو أخيرا أو وسطا؟ فقالوا بالتخيير لذلك ، وبالتأمل في أخبارهم (عليهم‌السلام) يعلم انها الاولى وان الزيادة وقعت بعدها كما قدمنا بيانه وأوضحنا برهانه.

وبذلك يظهر لك ما في قياسه ذلك على تسبيح الركوع والسجود فإنه قياس مع الفارق وتشبيه غير مطابق ، فان التخيير ثمة ثابت ومعلوم نصا وفتوى واما هنا فقد

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الإحرام.

(2) ج 6 ص 58.

(3) ص 22 و 23.

(4) ص 22 و 23.


عرفت على ما اخترناه قيام الدليل على التعيين في التكبيرة الاولى واما على ذكره الأصحاب فقد عرفت ان معناه التخيير في واحدة من هذه السبع ايها يريد جعلها تكبيرة الافتتاح لعدم معلومية محلها بعد شرع الست معها لا بمعنى التخيير بين ان يجعل الإحرام بواحدة أو ثلاث أو سبع كما ذكره فإنه منه عجيب ، وأعجب منه قوله «وهذا أظهر من أكثر الأخبار وبعضها كالصريح في ذلك» والظاهر انه أشار بذلك إلى حسنة الحلبي المتقدمة وقوله فيها «إذا افتتحت الصلاة فارفع يديك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات ثم قل اللهم أنت الملك الحق. الخبر» وفيه ان سياق الخبر انما هو في ذكر الأدعية الموظفة بين التكبيرات السبع وبيان محالها ، والحديث كما قدمنا ظاهر في كون التحريم وقع بالتكبيرة الاولى وهي التي افتتح بها والتكبيرتان اللتان بعدها انما ضما إليها لبيان وقوع الدعاء المذكور بعد الثلاث لأنك قد عرفت من الأخبار المتقدمة وما حققناه آنفا وحدة تكبيرة الإحرام ، فتوهم كون الثلاث هنا للإحرام كما ظنه توهم بارد وانما العلة في ذلك هو ما ذكرناه.

ولعل من مواضع الشبهة أيضا عنده ما في حسنة زرارة (1) من قوله (عليه‌السلام) «ادنى ما يجزئ من التكبير في التوجه تكبيرة واحدة وثلاث تكبيرات أحسن وسبع أفضل». وقوله في صحيحة الحلبي (2) : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن أخف ما يكون من التكبير في الصلاة؟ قال ثلاث تكبيرات». وقوله (عليه‌السلام) في رواية أبي بصير (3) «إذا افتتحت الصلاة فكبر إن شئت واحدة وان شئت ثلاثا وان شئت خمسا وان شئت سبعا فكل ذلك مجزئك غير انك إذا كنت اماما لم تجهر إلا بتكبيرة».

وأنت خبير بان مطرح هذه الأخبار والغرض منها انما هو بيان الرخصة في هذه

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الإحرام.

(2 و 3) الوسائل الباب 12 من تكبيرة الإحرام.


التكبيرات الست المستحبة بتركها والاقتصار على تكبيرة الافتتاح أو الإتيان بثلاث منها تكبيرة الافتتاح ونحو ذلك من الاعداد المذكورة لا ان المعنى انه يحصل الافتتاح بكل من هذه الاعداد فيكون واجبا مخيرا كما زعمه ، وبما ذكرناه صرح جملة من الأصحاب في الباب.

واما قوله : «وما ذكروه من ان كلا منها قارنتها النية فهي تكبيرة الإحرام إن أرادوا نية الصلاة. إلخ» ففيه انا نختار الشق الثاني وهو نية كونها تكبيرة الإحرام ، قوله «لم يرد ذلك في خبر» مردود بأنه وان لم يرد بهذا العنوان ولكن مفاد الأخبار الدالة على الافتتاح بتلك التكبيرة وتسميتها تكبيرة الافتتاح كما تقدم ذلك بالتقريب الذي قدمناه ، ومما يوضح ذلك انه من المعلوم أولا ان الشارع قد جعل التكبير محرما بقوله (1) «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم». والتكبير من حيث هو لا يكون محرما ولا موجبا للدخول في الصلاة إلا إذا اقترن بالقصد إلى ذلك فما لم ينو بالتكبير الإحرام ويقصد به الافتتاح للصلاة لا يصير محرما ولا موجبا للافتتاح ، ويعضده ان العبادات موقوفة على القصود والنيات.

واما قوله : «ويمكن ان يقال بجواز إيقاع المنافيات قبل السابعة وان قارنت نية الصلاة الأولى لأن الست من الاجزاء المستحبة» فعجيب من مثله (قدس‌سره) لما عرفت من انه متى قصد بالأولى الافتتاح والدخول في الصلاة فإنه تحرم عليه المنافيات لما ورد عنهم (عليهم‌السلام) (2) «تحريمها التكبير» بمعنى انه يحرم عليه بالتكبير ما حل له قبله وليس الدخول في الصلاة متوقفا على أزيد من الواحدة كما عرفت ، فكيف يجوز له إيقاع المنافيات وهو قد دخل في الصلاة بمجرد كونه في الست المستحبة؟ وإلا لجاز إيقاع المنافيات في القنوت بناء على استحبابه وان كان في أثناء الصلاة.

واما قوله : «أو لأنه لم يتم الافتتاح بعد بناء على قول الوالد» ففيه ان ما نسبه

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الإحرام.


للوالد بعيد شارد أوهن من بيت العنكبوت وانه لأوهن البيوت ولو أنه أخفاه ولم يظهر شيئا من هذا الكلام لكان أولى بالمحافظة على علو المقام.

وبالجملة فإن كلامه هنا مزيف لا يخفى ما فيه على الفطن اللبيب وأضعف منه كلام أبيه ، وانما أطلنا الكلام في نقض إبرامه وتمزيق سمط نظامه لئلا يغتر به من لم يعض على المسألة بضرس قاطع فان نور الحق بحمد الله سبحانه واضح ساطع. والله العالم.

فروع

(الأول) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف بأنه لو كبر ونوى الافتتاح ثم كبر ثانية ونوى الافتتاح بطلت صلاته فان كبر ثالثا بالنية المذكورة انعقدت الصلاة. وهذا الحكم مبنى على ان زيادة الركن موجبة للبطلان كنقصانه. وهو على إطلاقه مشكل واخبار هذه المسألة قد دلت على البطلان بترك التكبير عمدا أو سهوا واما بطلانها بزيادته فلم نقف له على نص. وكون الركن تبطل الصلاة بزيادته ونقيصته عمدا وسهوا مطلقا وان اشتهر ظاهرا بينهم إلا انه على إطلاقه مشكل لتخلف جملة من الموارد عن الدخول تحت هذه الكلية كما يأتي بيانه كله في محله ، ومن ثم قال في المدارك في هذا المقام : ويمكن المناقشة في هذا الحكم اعني البطلان بزيادة التكبير ان لم يكن إجماعيا فإن أقصى ما يستفاد من الروايات بطلان الصلاة بتركه عمدا وسهوا وهو لا يستلزم البطلان بزيادته. انتهى.

(الثاني) ـ التكبير الواجب المنقول عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأئمة الهدى (عليهم‌السلام) بصيغة «الله أكبر» فيتعين الإتيان بها لأنها عبادة مبنية على التوقيف وهذا هو الذي ورد فيها ، فلو زاد حرفا أو نقص حرفا أو عوض كلمة مكان كلمة ونحو ذلك مما يتضمن الخروج عن هذه الصيغة بطلت صلاته اتفاقا إلا من ابن الجنيد فإنه نقل عنه في الذكرى القول بانعقادها بلفظ «الله الأكبر» وان كان مكروها


وهو شاذ. وعلى هذا لا تجزى الترجمة للقادر على التعليم حتى يضيق الوقت فيحرم بترجمتها عند الأصحاب مراعيا الترتيب فيقول الأعجمي مثلا «خدا بزرگتر است» ولا خلاف بين أصحابنا بل وأكثر العامة في ذلك ، وقال بعض العامة يسقط التكبير عن من هذا شأنه كالأخرس (1) وهو محتمل. ولم أقف في المسألة على نص وان كان ما ذكروه لا يخلو من قرب. قالوا : والأخرس ينطق على قدر ما يمكنه فان عجز عن النطق بالكلية عقد قلبه بها مع الإشارة بإصبعه كما يشير اليه خبر السكوني عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه». وربما احتج بعضهم أيضا بأن تحريك اللسان كان واجبا مع القدرة على النطق فلا يسقط بالعجز عنه إذ لا يسقط الميسور بالمعسور (3). وفيه ما فيه ، ولو لا إشعار الرواية المذكورة بذلك لأمكن احتمال ما ذكره بعض العامة من سقوط الفرض بالعجز. وكيف كان فما ذكره الأصحاب هو الاولى.

(الثالث) ـ لا ريب ان التكبير جزء من الصلاة فيعتبر فيه من الشروط ما يعتبر في الصلاة من الطهارة والستر والاستقبال والقيام في موضعه ونحو ذلك فلو كبر قاعدا أو آخذا في القيام مع القدرة لم تنعقد صلاته ، قال في الذكرى : فلو كبر وهو آخذ في القيام أو وهو هاو إلى الركوع كما يتفق للمأموم فالأقرب البطلان لأن الانحناء ليس قياما حقيقيا ، وهل تنعقد نافلة؟ الأقرب المنع لعدم نيتها ، ووجه الصحة حصول التقرب والقصد إلى الصلاة والتحريم بتكبيرة لا قيام فيها وهي من خصائص النافلة. انتهى. ولا يخفى ضعف ما ذكره من الوجه في الانعقاد فان القصد إلى الصلاة مطلقا غير كاف في الانعقاد ما لم يقصد الفرض ان كان فرضا أو النافلة ان كان كذلك.

__________________

(1) المغني ج 1 ص 463 والمهذب ج 1 ص 70.

(2) الوسائل الباب 59 من القراءة.

(3) عوائد النراقي ص 88 وعناوين مير فتاح ص 146 عن عوالي اللئالي عن على (ع).


ثم انه في الذكرى نقل عن الشيخ انه جوز أن يأتي ببعض التكبير منحنيا ثم قال : ولم نقف على مأخذه. وهو كذلك.

وقال في المدارك : قال جدي (قدس‌سره) وكما يشترط القيام وغيره من الشروط في التكبير كذا يشترط في النية فإذا كبر قاعدا أو آخذا في القيام وقعت النية أيضا على تلك الحالة فعدم الانعقاد مستند إلى كل منهما ولا يضر ذلك لأن علل الشرع معرفات لا علل حقيقة. وفيه نظر لانتفاء ما يدل على اعتبار هذه الشرائط في النية على الخصوص كما تقدم تحقيقه إلا ان المقارنة المعتبرة للتكبير تدفع فائدة هذا الاختلاف. انتهى.

أقول : لا ريب ان هذا الكلام مبني على النية المشهورة في كلامهم التي هي عبارة عن التصوير الفكري وهو ما يترجمه قول المصلي «أصلي فرض الظهر ـ مثلا ـ أداء قربة إلى الله تعالى» ثم يقارن بها التكبير ، وقد عرفت ان هذه ليست هي النية بل النية هي القصد البسيط المصاحب له من حال قيامه إلى الوضوء والإتيان به ثم توجهه إلى مصلاه ثم صلاته إلى ان يفرغ منها لا اختصاص له بوقت دون وقت ولا حال دون حال حتى يأتي بالفعل ويفرغ كما في سائر الأفعال التي تصدر عن المكلفين.

(الرابع) ـ قد عرفت ان النية أمر قلبي سواء كانت بالمعنى المشهور أو المعنى الذي ذكرناه لكن الأصحاب بناء على المعنى المشهور من التصوير الفكري على الوجه المتقدم قالوا لو تلفظ به بلسانه بان قال «أصلي فرض الظهر ـ مثلا ـ أداء لوجوبه قربة إلى الله» ثم يقارن به التكبير فإنه يلزم أحد محذورين على تقدير الدرج الذي تحصل به المقارنة أما قطع همزة «الله» فيلزم مخالفة القانون اللغوي لأنها همزة وصل واما وصلها فيلزم مخالفة القانون الشرعي لأن المنقول عن الشرع قطعها ، ومن هنا قيل انه يحرم التلفظ بالنية لاستلزام أحد المحذورين ، قال في الذخيرة : ولو فرض تلفظ المصلي بها كان كلاما لغوا مخالفا للمعهود المنقول عن صاحب الشرع فلا عبرة بها فحينئذ وصل التكبير بها يوجب مخالفة المعهود من صاحب الشرع من القطع. ونقل عن بعض المتأخرين جواز الوصل


حينئذ عملا بظاهر القانون العربي وفيه ان إيراد الكلام المتصل به أمر مستحدث مبتدع لم يعهد من الشارع فلا يوجب سقوط التكليف بما ثبت وجوبه من قطع الهمزة كما لا يخفى. وظاهر هذا الكلام انه في الصورة المذكورة يقطع الهمزة مراعاة للجانب الشرعي. وفيه ان المقتضى للسقوط كونها في الدرج حيث انها همزة وصل ولا مدخل لكون ذلك الكلام معتبرا عند الشارع أو غير معتبر.

أقول : ما ذكروه من ان المنقول عن صاحب الشرع قطع الهمزة لا اعرف له مستندا ولا به رواية إلا ما ذكروه هنا من حيث ان النية التي يقارن بها التكبير أمر قلبي فليس ههنا كلام قبلها يوجب كونها في درج الكلام. وفيه ان حسنة الحلبي المشتملة على الأدعية بين التكبيرات بان يكبر ثلاثا ثم يدعو ثم يكبر اثنتين ثم يدعو ثم يكبر اثنتين ثم يدعو مع قولهم بالتخيير في تكبيرة الإحرام بين هذه السبع موجب لوقوع كلام قبل تكبيرة الإحرام فمن الممكن الجائز قصد الإحرام بإحدى التكبيرات المتوسطة مع درج الكلام فتسقط الهمزة لا بد لنفيه من دليل. إلا ان يقال ان المعلوم من الشرع هو تعيين هذا اللفظ للإحرام وعقد الصلاة فكما لا يجوز الزيادة فيه لا يجوز النقيصة منه وبمقتضى ما ذكرتم يلزم سقوط الهمزة في الدرج فلا يكون آتيا بالمأمور به ، وحينئذ فالواجب الوقوف بعد تمام الدعاء ثم الابتداء بالتكبير ، قال في الروض : واعلم ان الإخلال بحرف من التكبير يتحقق بوصل احدى الهمزتين في الكلمتين فان وصل الهمزة إسقاط لها بالكلية كما ذكره أهل العربية من ان همزة الوصل تسقط في الدرج. ووجه البطلان مع وصل همزة «أكبر» ظاهر لأنها همزة قطع واما همزة «الله» فلأنها وان كانت همزة وصل إلا ان سقوط همزة الوصل انما هو في الدرج في كلام متصل بها قبلها ولا كلام قبل التكبير لأن النية إرادة قلبية. الى آخر كلامه زيد في مقامه. وفيه ما عرفت والجواب كما تقدم.

وكما تبطل بالإخلال بحرف منها كذا تبطل بالزيادة ولو بحرف فيها كما تقدم ، فلو مد همزة «الله» بحيث تصير استفهاما فمع القصد تبطل قطعا وبدونه على الأصح فإن


الدلالة غير متوقفة على القصد وخروج ذلك عن المعهود من صاحب الشريعة. ويحتمل عدم البطلان من حيث ان الإشباع بحيث يحصل به الحرف شائع في كلام العرب ، وتحصيل يقين البراءة يوجب الوقوف على الأول. وكذا الكلام في لفظ «أكبر» فلو أشبع الفتحة حتى صارت ألفا فصار «أكبار» وهو الطبل ذو وجه واحد فإنه يبطل مع القصد يقينا وكذا مع عدمه على الأصح لما عرفت.

(الخامس) ـ صرح جملة من الأصحاب بأنه يشترط القصد بالتكبير إلى الافتتاح. ولا ريب فيه لما تقدم فلو قصد به تكبير الركوع لم تنعقد صلاته ، ويدل عليه صحيح البقباق وابن أبي يعفور المتقدم (1) واما ما عارضه من صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر المتقدمة (2) فقد عرفت الوجه فيها وفي أمثالها.

ولو قصدهما معا كما في المأموم فقيل بالاجزاء ذهب اليه ابن الجنيد والشيخ في الخلاف محتجا بإجماع الفرقة ورواه الشيخ عن معاوية بن شريح عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «إذا جاء الرجل مبادرا والامام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع». والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) العدم استنادا إلى ان الفعل الواحد لا يتصف بالوجوب والاستحباب.

قال في الذكرى : ويمكن حمل كلام الشيخ والرواية على ان المراد سقوط تكبير الركوع هنا ويكون له ثوابه لإتيانه بصورة التكبير عند الركوع لا على ان المصلي قصدهما معا لأن الفعل لا يكون له جهتا وجوب وندب ، ولو قلنا بوجوب تكبير الركوع ـ كما يجي‌ء وقد صرح به الشيخ هنا في الخلاف ـ لم تجزي الواحدة لأن تداخل المسببات مع اختلاف الأسباب خلاف الأصل. وكذا لو نذر تكبير الركوع لم تجزي الواحدة ، وحينئذ لو قصدهما معا فالأقرب عدم تحريمه بالصلاة لعدم تمحض القصد إليها ولا صلاته نفلا أيضا لعدم نيته ولأن السبب الواحد لا يجزى عن السببين ، فعلى هذا لو نوى المتنفل بالتكبيرة

__________________

(1 و 2) 19 و 20.

(3) الوسائل الباب 4 من تكبيرة الإحرام. والرواية عن معاوية بن شريح عن أبيه.


الواحدة تكبيرة الإحرام والركوع لم تحصلا ولا إحداهما. وعندي في هذه المسألة نظر لأن الأسباب قد تتداخل وجوبا كما في اجزاء الغسل الواحد للجنب وماس الميت وندبا كما في اجزاء الغسل المندوب عن أسباب كثيرة ، والفعل الواحد قد يحصل به الوجوب والندب كما في الجمع بين الصلاة على البالغ ستا والناقص عنها. انتهى. وانما نقلناه بطوله لإحاطته بأطراف الكلام في المقام.

والتحقيق عندي ما اختاره أخيرا وهو ظاهر الخبر المذكور ، وتأويله بما ذكروه من غير معارض ـ إلا ما ذكروه من هذه التعليلات العليلة ـ مجازفة.

ونظير هذا الخبر أيضا ما رواه البرقي في كتاب المحاسن في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) «عن رجل جاء مبادرا والامام راكع فركع؟ قال أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع».

وقد تقدم في مسألة تداخل الأغسال من كتاب الطهارة انه لا مانع من تداخل المسببات مع تعدد الأسباب فإن العلل الشرعية معرفات لا علل حقيقية فلا يضر تواردها على أمر واحد.

(المسألة الثالثة) ـ يستحب في هذا المقام أمور (الأول) أن يسمع الامام من خلفه التكبير ويستحب للمأموم الأسرار بها وبغيرها ويتخير المنفرد ، ونقل في الذكرى عن الجعفي انه أطلق استحباب رفع الصوت بها ، قال في المدارك ولا نعرف مأخذه.

والذي يدل على الحكم الأول من الأخبار صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا كنت إماما فإنه يجزئك ان تكبر واحدة تجهر فيها وتسر ستا».

وروى الصدوق في كتاب عيون الأخبار والخصال بسنده عن أبي علي الحسن ابن راشد (3) قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن تكبيرة الافتتاح

__________________

(1) الوسائل الباب 4 من تكبيرة الإحرام.

(2 و 3) الوسائل الباب 12 من تكبيرة الإحرام.


فقال سبع؟ قلت روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه كان يكبر واحدة؟ فقال ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يكبر واحدة يجهر بها ويسر ستا». وروى في الخصال عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) الحديث الأول (1).

وقد تقدم قريبا (2) في رواية أبي بصير قوله (عليه‌السلام): «انك إذا كنت اماما لم تجهر إلا بتكبيرة».

ويدل على الحكم الثاني ما ورد في موثقة أبي بصير (3) من انه ينبغي للإمام ان يسمع من خلفه كل ما يقول وللمأموم ان لا يسمع الإمام شيئا مما يقول. ولا منافاة بين ما دل عليه هذا الخبر من انه ينبغي للإمام ان يسمع من خلفه كل ما يقول وبين ما دلت عليه الأخبار المتقدمة من استحباب إسراره بما عدا تكبيرة الإحرام ، لأن عموم هذا الخبر مخصوص بما دلت عليه تلك الأخبار كما هو قضية اجتماع المطلق والمقيد والخاص والعام فلا تغتر بما يفعله من يدعي انه من أهل العلم في هذه الأزمان وليس بذلك من الإجهار بمجموع تكبيرات الافتتاح عملا بعموم هذا الخبر اللازم منه إلغاء ما دلت عليه تلك الأخبار من الأسرار.

واما ما يدل على الثالث فأصالة البراءة من الأمرين.

و (الثاني) ـ ما ذكره جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) من انه يستحب ترك الاعراب في آخر التكبير لما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (4)

__________________

(1) الوسائل الباب 12 من تكبيرة الإحرام.

(2) ص 29.

(3) الوسائل الباب 52 من الجماعة.

(4) في الإقناع للخطيب الشربينى ج 1 ص 107 «لو لم يجزم الراء من «أكبر» لم يضر خلافا لما اقتضاه كلام ابن يونس في شرح التنبيه ، واستدل له الدميري بقوله (ص) «التكبير جزم» وقال الحافظ ابن حجر لا أصل له وانما هو قول النخعي وعلى تقدير وجوده معناه عدم التردد فيه» وفي تحفة المحتاج لابن حجر ج 1 ص 233 : حديث


انه قال : «التكبير جزم». أقول : الظاهر ان هذه الرواية عامية ذكرها أصحابنا في هذا المقام لعمومها. والذي وقفت عليه من الأخبار الدالة على جزم التكبير هو ما تقدم في اخبار الأذان ولا عموم فيها بحيث يشمل تكبيرات الافتتاح وغيرها. ولا بأس بمتابعتهم لكن لا باعتقاد الاستحباب لعدم الدليل الواضح عليه.

و (الثالث) ـ استحباب التوجه ـ زيادة على التوجه بتكبيرة الإحرام ـ بست تكبيرات أو بما دونها مما دلت عليه الأخبار :

ومنها ـ رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا افتتحت الصلاة فكبر إن شئت واحدة وان شئت ثلاثا وان شئت خمسا وان شئت سبعا فكل ذلك مجزئ عنك غير انك إذا كنت اماما لم تجهر إلا بتكبيرة».

وصحيحة زيد الشحام (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الافتتاح؟ قال تكبيرة تجزئك. قلت فالسبع؟ قال ذلك الفضل».

وروى في الكافي عن زرارة في الصحيح أو الحسن (3) قال : «ادنى ما يجزى من التكبير في التوجه تكبيرة واحدة وثلاث تكبيرات أحسن وسبع أفضل».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «إذا كنت إماما أجزأتك تكبيرة واحدة لأن معك ذا الحاجة والضعيف والكبير».

وقال في الفقيه ، وقد تجزئ في الافتتاح تكبيرة واحدة (5) وكان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أتم الناس صلاة وأوجزهم كان إذا دخل في الصلاة قال الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم.

__________________

«التكبير جزم» لا أصل له وعلى فرض صحته المراد منه عدم مده كما حملوا الخبر الصحيح «السلام جزم».

(1) الوسائل الباب 7 من تكبيرة الإحرام.

(2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الإحرام.


وروى في التهذيب في الصحيح عن الحلبي (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن أخف ما يكون من التكبير في الصلاة؟ قال ثلاث تكبيرات فإذا كانت قراءة قرأت مثل قل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون ، وإذا كنت إماما فإنه يجزئك ان تكبر واحدة تجهر فيها وتسر ستا».

وعن زرارة في الموثق (2) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) أو سمعته استفتح للصلاة بسبع تكبيرات ولاء».

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن ادنى ما يجزئ في الصلاة من التكبير؟ قال تكبيرة واحدة».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (4) قال : «التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزئ والثلاث أفضل والسبع أفضل كله».

وربما يستفاد من صحيحة معاوية بن عمار ـ ونحوها كلام الفقيه الذي هو لا يكون إلا عن الرواية أيضا ـ عدم تأكد استحباب التكبيرات الزائدة على تكبيرة الإحرام للإمام ولم أقف على من قال به من علمائنا الاعلام.

و (الرابع) ـ الدعاء بين هذه التكبيرات فمن ذلك ما تضمنته صحيحة الحلبي أو حسنته كما رواه في الكافي عنه عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات ثم قل اللهم أنت الملك الحق لا إله إلا أنت سبحانك اني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي انه لا يغفر الذنوب إلا أنت. ثم تكبر تكبيرتين ثم قل لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك والمهدي من هديت لا ملجأ منك إلا إليك سبحانك وحنانيك تباركت وتعاليت

__________________

(1) الوسائل الباب 12 من تكبيرة الإحرام.

(2) الوسائل الباب 7 من تكبيرة الإحرام.

(3 و 4) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الإحرام.

(5) الوسائل الباب 8 من تكبيرة الإحرام.


سبحانك رب البيت. ثم تكبر تكبيرتين ثم تقول وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة حنيفا مسلما وما انا من المشركين (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا) من (الْمُسْلِمِينَ). ثم تعوذ من الشيطان الرجيم ثم اقرأ فاتحة الكتاب».

بيان : «لبيك وسعديك» قال في النهاية : لبيك أي إجابتي لك يا رب وهو مأخوذ من «لب بالمكان وألب» إذا قام به «وألب على كذا» إذا لم يفارقه ، ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير أي إجابة بعد اجابة ، وهو منصوب على المصدر بعامل لا يظهر كأنك قلت «ألب إلبابا بعد الباب» وقيل معناه اتجاهي وقصدي يا رب إليك من قولهم «داري تلب دارك» اي تواجهها. وقيل معناه إخلاصي لك من قولهم «حب لباب» إذا كان خالصا محضا ومنه لب الطعام ولبابه. انتهى. وزاد في القاموس معنى آخر قال : أو معناه محبتي لك من امرأة لبه محبة لزوجها. وفي النهاية «سعديك» اي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة أو إسعادا بعد إسعاد ولهذا ثنى وهو من المصادر المنتصبة بفعل لا يظهر في الاستعمال ، قال الجوهري لم يسمع «سعديك» مفردا. انتهى.

وروى السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاوس في كتاب فلاح السائل بسنده فيه عن ابن أبي نجران عن الرضا (عليه‌السلام) (1) قال : «تقول بعد الإقامة قبل الاستفتاح في كل صلاة : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة بلغ محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الدرجة والوسيلة والفضل والفضيلة ، بالله استفتح وبالله أستنجح وبمحمد رسول الله وآل محمد (صلى الله عليه وعليهم) أتوجه اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلني بهم عندك وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين».

بيان : «الدعوة التامة» أي الأذان والإقامة فإنهما دعوة إلى الصلاة وتمامهما في إفادة

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 9 من القيام.


ما وضعا له ظاهرا وهي الصلاة فالمصدر بمعنى المفعول. «والصلاة القائمة» أي في هذا الوقت إشارة إلى قوله «قد قامت الصلاة» أو القائمة إلى يوم القيامة ، والدرجة المختصة به (عليه‌السلام) في القيامة هي الشفاعة الكبرى ، والوسيلة هي المنبر المعروف الذي يعطيه الله في القيامة كما ورد في الأخبار.

وروى في التهذيب في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «يجزئك في الصلاة من الكلام في التوجه إلى الله سبحانه ان تقول (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) على ملة إبراهيم حنيفا مسلما (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ـ (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ) وانا من المسلمين. ويجزيك تكبيرة واحدة».

وروى السيد الزاهد العابد رضي الدين بن طاوس في كتاب فلاح السائل بسنده عن ابن أبي عمير عن الأزدي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) في حديث انه قال : «كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) يقول لأصحابه من اقام الصلاة وقال قبل ان يحرم ويكبر ـ يا محسن قد أتاك المسي‌ء وقد أمرت المحسن ان يتجاوز عن المسي‌ء وأنت المحسن وانا المسي‌ء فبحق محمد وآل محمد صل على محمد وآل محمد وتجاوز عن قبيح ما تعلم مني ـ فيقول الله يا ملائكتي اشهدوا اني قد عفوت عنه وأرضيت عنه أهل تبعاته».

وقال الشهيد في الذكرى انه قد ورد هذا الدعاء عقيب السادسة إلا انه لم يذكر فيه «فبحق محمد وآل محمد» وانما فيه «وانا المسي‌ء فصل على محمد وآل محمد. الى آخره»

وروى الطبرسي في الاحتجاج (3) قال : «كتب الحميري إلى القائم (عليه‌السلام) يسأله عن التوجه للصلاة ان يقول «على ملة إبراهيم ودين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله» فان بعض أصحابنا ذكر انه إذا قال «على دين محمد» فقد أبدع لأنا لم نجده في

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 8 من تكبيرة الإحرام.

(2) مستدرك الوسائل الباب 9 من القيام.


شي‌ء من كتب الصلاة خلا حديثا واحدا في كتاب القاسم بن محمد عن جده الحسن بن راشد ان الصادق (عليه‌السلام) قال للحسن كيف تتوجه؟ قال أقول «لبيك وسعديك» فقال له الصادق (عليه‌السلام) ليس عن هذا أسألك كيف تقول «(وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً) مسلما»؟ قال الحسن أقوله : فقال له الصادق (عليه‌السلام) إذا قلت ذلك فقل : على ملة إبراهيم ودين محمد ومنهاج علي بن أبي طالب والائتمام بآل محمد حنيفا مسلما (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)؟ فأجاب (عليه‌السلام) التوجه كله ليس بفريضة والسنة المؤكدة فيه التي هي كالإجماع الذي لا خلاف فيه (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً) مسلما على ملة إبراهيم ودين محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهدى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ـ (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ) وانا من المسلمين اللهم اجعلني من المسلمين أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم. ثم تقرأ الحمد». قال الفقيه الذي لا يشك في علمه : الدين لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والهداية لعلي أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لأنها له (صلى الله عليهما) وفي عقبه باقية إلى يوم القيامة فمن كان كذلك فهو من المهتدين ومن شك فلا دين له ونعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى.

و (الخامس) ـ رفع اليدين بالتكبير وقد وقع الخلاف هنا في مواضع (الأول) الرفع فالمشهور الاستحباب ونقل عن المرتضى انه أوجب رفع اليدين بالتكبير في جميع الصلاة ونقل عنه انه احتج عليه بإجماع الفرقة ، قال في المدارك : وهو اعلم بما ادعاه.

أقول : لو رجع السيد (رضي‌الله‌عنه) الى الآية والأخبار لوجدها ظاهرة الدلالة على ما ذهب اليه على وجه لا يتطرق اليه النقض ولا الطعن عليه ولكنه (رضي‌الله‌عنه) ـ كما أشرنا إليه في ما سبق ـ قليل الرجوع إلى الأخبار وانما يعتمد على أدلة واهية لا تقبلها البصائر والأفكار من تعليل عقلي أو دعوى إجماع مع انه لا قائل به سواه كما


لا يخفى على من راجع مصنفاته (رضي‌الله‌عنه).

وبيان صحة ما ذكرناه ان مما يدل على القول المذكور قوله تعالى «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» (1) لورود الأخبار في تفسيرها كما سيأتي بأن المراد بالنحر هنا انما هو رفع اليدين بالتكبير في الصلاة ، والأوامر القرآنية عندهم على الوجوب إلا ما قام الدليل على خلافه

ومن ذلك الأخبار المتكاثرة ومنها ـ صحيحة الحلبي المتقدمة (2) وفيها «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات.».

ومنها ـ صحيحة معاوية بن عمار (3) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) إذا كبر في الصلاة يرفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه».

وفي صحيحة أخرى له (4) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) حين افتتح الصلاة رفع يديه أسفل من وجهه قليلا».

وفي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (5) «إذا قمت في الصلاة فكبرت فارفع يديك ولا تجاوز بكفيك أذنيك أي حيال خديك».

وفي صحيحة صفوان بن مهران الجمال (6) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) إذا كبر في الصلاة يرفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه».

وفي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (7) «في قول الله عزوجل (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (8) قال هو رفع يديك حذاء وجهك».

وروى أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان في تفسير الآية المذكورة

__________________

(1 و 8/) سورة الكوثر ، الآية 2.

(2) ص 39.

(3) لم نقف في كتب الحديث على رواية لمعاوية بن عمار بهذا اللفظ ، نعم نسب في المدارك والذخيرة هذا النص إلى معاوية بن عمار.

(4 و 6 و 7) الوسائل الباب 9 من تكبيرة الإحرام.

(5) الوسائل الباب 10 من تكبيرة الإحرام.


عن عمر بن يزيد (1) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول في قوله تعالى «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» هو رفع يديك حذاء وجهك». قال وروى عنه عبد الله بن سنان مثله (2).

وروى فيه أيضا عن جميل (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ»؟ فقال بيده هكذا يعني استقبل بيديه حذاء وجهه القبلة في افتتاح الصلاة».

ثم روى فيه أيضا عن مقاتل بن حيان عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (4) «لما نزلت هذه السورة قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لجبرئيل (عليه‌السلام) ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ قال ليست بنحيرة ولكن يأمرك إذا تحرمت للصلاة ان ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع وإذا سجدت فإنه صلاتنا وصلاة الملائكة في السماوات السبع فان لكل شي‌ء زينة وان زينة الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبيرة». ورواه الشيخ الطوسي في مجالسه وكذا ابنه في مجالسه (5) فهذه الروايات الأربع تضمنت تفسير الآية.

ومن اخبار المسألة أيضا ما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (6) في وصية النبي لعلي (عليه‌السلام) «وعليك ان ترفع يديك في صلاتك. الحديث». إلى غير ذلك من الأخبار الآتية ان شاء الله تعالى.

وأنت خبير بأن جملة منها قد دلت على حكاية فعلهم (عليهم‌السلام) وجملة قد دلت على الأمر بذلك وجملة على تفسير الآية بذلك ولم نقف في الأخبار على ما يخالفها ويضادها.

وغاية ما استدلوا به على عدم الوجوب كما ذكره بعض متأخري المتأخرين صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (7) قال : «على الامام ان يرفع يده في الصلاة وليس على غيره ان يرفع يده في الصلاة». قالوا : والظاهر انه لا قائل بالفصل بين الإمام

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7) الوسائل الباب 9 من تكبيرة الإحرام.


وغيره فعدم وجوبه على غير الامام يوجب تعدي الحكم اليه ، ولهذا ذكر الشيخ ان المعنى في هذا الخبر ان فعل الإمام أكثر فضلا وأشد تأكيدا وان كان فعل المأموم أيضا فيه فضل. انتهى.

ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من ظهور الاختلال ومنافاته لظاهر الخبر المذكور مضافا إلى عدم الصراحة بل الظهور في محل ذلك الرفع ولعله في القنوت. وبالجملة معارضة تلك الأخبار الكثيرة الصحيحة الصريحة بهذه الرواية المجملة المتهافتة الدلالة لا تخلو من تعسف. نعم لقائل أن يقول ان إيجاب الرفع في ما عدا تكبيرة الإحرام المتفق على وجوبها وتكبيري الركوع والسجود على القول بوجوبهما لا يخلو من اشكال إذ متى كان أصل التكبير مستحبا لزم ان يكون ما تعلق به من شرط وصفة ونحوهما مستحبا كما هو مقتضى القواعد العقلية والنقلية ، وكيف كان فقول السيد (رضي‌الله‌عنه) بمحل من القوة والاحتياط يقتضي المحافظة عليه.

واما ما أطال به في الذخيرة ـ انتصارا للقول المشهور ونقل معان متعددة للآية من كلام المفسرين ـ فلا طائل تحته بعد ما عرفته ، والاعتماد على كلام المفسرين في مقابلة تفسير أهل البيت (عليهم‌السلام) خروج عن الدين كما لا يخفى على الحاذق المكين وقد تقدم إيضاحه في غير مقام مما تقدم. نعم ما ذكره من رواية حريز عن رجل عن ابي جعفر (عليه‌السلام) ـ (1) قال : «قلت له (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)؟ قال النحر الاعتدال في القيام ان يقيم صلبه ونحره». ـ مسلم إلا انه لا منافاة فيها لما دلت عليه تلك الأخبار حتى يعترض بها لإمكان تفسير الآية بالأمرين وبه يجمع بين الأخبار ، ومثله في القرآن غير عزيز فان القرآن ذلول ذو وجوه (2).

(الثاني) ـ قد اختلفت عبارات الأصحاب في بيان حد الرفع ، فقال الشيخ الرفع

__________________

(1) الوسائل الباب 2 من القيام.

(2) مجمع البيان طبع صيدا ج 1 ص 13 عن النبي (ص).


المعتبر في تكبيرة الإحرام وغيرها ان يحاذي بيديه شحمتي أذنيه. وعن ابن أبي عقيل يرفعهما حذو منكبيه أو حيال خديه لا يجاوز بهما أذنيه. وقال ابن بابويه يرفعهما إلى النحر ولا يجاوز بهما الأذنين حيال الخد. وقال الفاضلان في بحث الركوع من المعتبر والمنتهى في تكبير الركوع يرفع يديه حيال وجهه ، وفي رواية إلى أذنيه وبه قال الشيخ. وقال الشافعي إلى منكبيه (1) وبه رواية عن أهل البيت (عليهم‌السلام).

أقول : قد تقدم في الأخبار الواردة في هذا المقام في الموضع الأول صحيحة معاوية ابن عمار «وفيها يرفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه» (2). وفي صحيحته الثانية «أسفل من وجهه قليلا». وفي صحيحة زرارة «ولا تجاوز بكفيك أذنيك أي حيال خديك». وفي صحيحة صفوان مثل صحيحة معاوية بن عمار الاولى ، وفي صحيحة عبد الله بن سنان «حذاء وجهك» ومثله في رواية جميل. هذا ما تقدم في المقام.

وفي صحيحة حماد بن عيسى المتقدمة (3) في تعليم الصادق (عليه‌السلام) في تكبيرة للسجود «ورفع يديه حيال وجهه».

وفي رواية أبي بصير (4) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا دخلت المسجد فاحمد الله وأثن عليه وصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإذا افتتحت الصلاة فكبرت فلا تجاوز أذنيك ولا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة تجاوز بهما رأسك».

وعن منصور بن حازم (5) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) افتتح الصلاة فرفع يديه حيال وجهه واستقبل القبلة ببطن كفيه».

وفي الصحيح عن ابن سنان (6) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يصلي يرفع

__________________

(1) الام ج 1 ص 90.

(2) تقدم عدم الوقوف على رواية لمعاوية بن عمار بهذا اللفظ.

(3) ص 3.

(4) الوسائل الباب 39 من المساجد و 9 من تكبيرة الإحرام.

(5 و 6) الوسائل الباب 9 من تكبيرة الإحرام.


يديه حيال وجهه حين استفتح». وعن زرارة في الصحيح أو الحسن عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) قال : «ترفع يديك في افتتاح الصلاة قبالة وجهك ولا ترفعهما كل ذلك».

وفي كتاب الفقه الرضوي (2) «فإذا افتتحت الصلاة فكبر وارفع يديك بحذاء أذنيك ولا تجاوز بإبهاميك حذاء أذنيك ولا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة حتى تجاوز بهما رأسك ولا بأس بذلك في النافلة والوتر».

والمفهوم من هذه الأخبار باعتبار ضم بعضها إلى بعض هو ان أعلى مراتب الرفع إلى ما سامت الأذنين كما يشير اليه قوله في صحيحة زرارة الاولى «ولا تجاوز بكفيك أذنيك» ومثله في رواية أبي بصير وعبارة كتاب الفقه ، وأقل مراتبه ان يكون أسفل من وجهه قليلا كما في صحيحة معاوية بن عمار الثانية ، والظاهر انها هي التي أشار إليها ابن بابويه بقوله «يرفعهما إلى النحر» فإنه أسفل من الوجه قليلا وإلا فلفظ النحر لم أقف عليه في شي‌ء من الأخبار التي وصلت الي وهي جملة ما ذكرته هنا. وبهذا يجمع بين الأخبار المذكورة وما دل عليه خبر أبي بصير وكذا كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه من النهي عن رفع اليدين بالدعاء في المكتوبة حتى يجاوز بهما الرأس ، والظاهر انه هو المراد من الخبر المروي عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) على ما ذكره جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) :

قال في الذكرى : روى ابن أبي عقيل قال جاء عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (3) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مر برجل يصلي وقد رفع يديه فوق رأسه فقال ما لي أرى أقواما يرفعون أيديهم فوق رؤوسهم كأنها آذان خيل شمس؟». انتهى. ونحوه روى في المعتبر والمنتهى عن علي (عليه‌السلام) (4)

__________________

(1) الوسائل الباب 10 من تكبيرة الإحرام.

(2) ص 7.

(3) مستدرك الوسائل الباب 8 من تكبيرة الإحرام.

(4) الوسائل الباب 10 من تكبيرة الإحرام.


قال شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار : روى المخالفون هذه الرواية في كتبهم فبعضهم روى «آذان خيل» وبعضهم «أذناب خيل» قال في النهاية «ما لي أراكم رافعي أيديكم في الصلاة كأنها أذناب خيل شمس؟» هي جمع شموس وهي النفور من الدواب الذي لا يستقر لشغبه وحدته. انتهى. والعامة حملوها على رفع الأيدي في التكبير (1) لعدم قولهم بشرعية القنوت في أكثر الصلوات وتبعهم الأصحاب

__________________

(1) قال في بدائع الصنائع ج 1 ص 207 : «واما رفع اليدين عند التكبير فليس بسنة في الفرائض عندنا إلا في تكبيرة الافتتاح. إلى ان قال في ضمن الاستدلال : وروى انه (ص) رأى بعض أصحابه يرفعون أيديهم عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع فقال ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ اسكنوا في الصلاة». وقال في نيل الأوطار ج 2 ص 191 في مبحث رفع الأيدي عند التكبير : احتج من قال بعدم الاستحباب بحديث جابر بن سمرة عند مسلم وأبي داود قال «خرج علينا رسول الله (ص) فقال ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا في الصلاة». وأجيب عن ذلك بأنه ورد على سبب خاص فان مسلما رواه أيضا من حديث جابر بن سمرة قال «كنا إذا صلينا مع النبي (ص) قلنا السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله ـ وأشار بيديه إلى الجانبين ـ فقال لهم النبي (ص) علام تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ إنما يكفي أحدكم ان يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله». وفي هامش المنتقى ج 1 ص 461 في التعليق على الحديث باللفظ الثاني المنسوب إلى أحمد ومسلم وبلفظ آخر للنسائي وهو «كنا نصلي خلف النبي (ص) فقال ما بال هؤلاء يسلمون بأيديهم كأنها أذناب خيل شمس؟ إنما يكفي أحدكم ان يضع يده على فخذه ثم يقول السلام عليكم السلام عليكم». قال : قد احتج به الأحناف على ترك رفع اليدين عند الركوع والرفع منه ، قال البخاري في جزء رفع اليدين : فاما احتجاج بعض من لا يعلم بحديث وكيع عن الأعمش عن المسيب ابن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة قال : دخل علينا رسول الله (ص) ـ ونحن رافعو أيدينا ـ الحديث فإنما كان هذا في التشهد لا في القيام كان يسلم بعضهم على بعض فنهى النبي (ص) عن رفع الأيدي في التشهد ولا يحتج بهذا من له حظ من العلم.


فاستدلوا بها على كراهة تجاوز اليد عن الرأس في التكبير ، ولعل الرفع للقنوت منها أظهر ويحتمل التعميم أيضا والأحوط الترك فيهما معا. انتهى كلام شيخنا المشار إليه.

أقول : والظاهر هو ما استظهره من الحمل على القنوت ، وينبغي ان يخص بالفريضة كما تضمنه الخبران المتقدمان ولا بأس بذلك في النافلة كما تضمنته عبارة كتاب الفقه. واما الحمل على رفع اليدين في التكبير كما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) فالظاهر بعده عن سياق الخبر وان كان الحكم كذلك كما يدل عليه النهي عن الرفع في التكبير عما زاد على محاذاة الأذنين إلا ان الخبر المذكور ليس مرادا به ذلك بل المراد به ما اشتمل عليه خبر أبي بصير وكلامه (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور.

(الثالث) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يتبدئ في التكبير بابتداء رفع يديه وينتهي بانتهائه ويرسلهما بعد ذلك ، قال في المعتبر : وهو قول علمائنا. ونحوه كلام العلامة في المنتهى. وعللوه بأنه لا يتحقق رفعهما بالتكبير إلا بذلك وعلى هذا جرى في المدارك والذخيرة وغيرهما.

مع ان في المسألة قولين آخرين (أحدهما) انه يبتدئ بالتكبير حال إرسالهما. وقيل انه يبتدئ بالتكبير عند انتهاء الرفع فيكبر عند تمام الرفع ثم يرسل يديه. وهذا هو الظاهر من صحيحة الحلبي أو حسنته المتقدمة (1) لقوله (عليه‌السلام) «إذا افتتحت الصلاة ـ أي إذا أردت افتتاح الصلاة كما في قوله عزوجل «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ» (2) و «إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ» (3) ـ فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات» وأجاب العلامة عن هذه الرواية بحمل «ثم» على الانسلاخ عن معنى التراخي.

واما ما تمسكوا به من ان الرفع بالتكبير لا يتحقق إلا بذلك فهو جيد لو وجدت هذه العبارة في شي‌ء من اخبار المسألة وقد تقدم لك ذكرها وان وجد ذلك فإنما هو في كلام الأصحاب ولا حجة فيه.

__________________

(1) ص 39.

(2 و 3) سورة النحل ، الآية 100 و 9.


وقريب من صحيحة الحلبي في ذلك صحيحة صفوان المتقدمة (1) وقوله : «إذا كبر في الصلاة يرفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه». فإن المراد إذا أراد التكبير كما تقدم فيدل على ان الرفع متقدم على وقوع التكبير واقع عند إرادته واما كون التكبير عند انتهاء الرفع أو حال الإرسال فهي مجملة في ذلك فهي موافقة للقول المشهور ومحتملة للقولين الآخرين.

وقال العلامة في التذكرة : قال ابن سنان (2) «رأيت الصادق (عليه‌السلام) يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح». وظاهره يقتضي ابتداء التكبير مع ابتداء الرفع وانتهاءه مع انتهائه وهو أحد وجهي الشافعية والثاني يرفع ثم يكبر عند الإرسال وهو عبارة بعض علمائنا. وظاهر كلام الشافعي انه يكبر بين الرفع والإرسال (3) انتهى.

أقول : لا ريب ان ظاهر صحيحة الحلبي المتقدمة ما عرفت من الدلالة على القول الثالث وقريب منها صحيحة صفوان بالتقريب الذي ذكرناه ، وهذه الرواية ظاهرة أيضا في القول المشهور كما ذكره شيخنا المذكور وان أمكن التأويل فيها بحمل قوله : «استفتح» على ارادة الاستفتاح كما في الخبرين الآخرين ، وبذلك تنطبق على الخبرين المذكورين ويكون الجميع دليلا للقول الثالث. واما حملها على ظاهرها فيوجب المناقضة بينها وبين الخبرين الأولين ، إلا ان يجاب عن صحيحة الحلبي بما ذكره العلامة من حمل «ثم» على الانسلاخ من معنى التراخي وعن صحيحة صفوان بان المراد بقوله «إذا كبر» أي إذا ابتدأ في التكبير فيصير ابتداء التكبير بابتداء الرفع كما هو القول المشهور ، وبذلك تبقى المسألة في قالب الإشكال في البين لتصادم الاحتمال من الطرفين.

(الرابع) ـ ذهب جمع من الأصحاب إلى استحباب ضم الأصابع حين الرفع ونقل الفاضلان عن المرتضى وابن الجنيد تفريق الإبهام وضم الباقي ، ونقله في الذكرى عن المفيد وابن البراج وابن إدريس وجعله اولى وأسنده إلى الرواية.

__________________

(1 و 2) ص 43 و 46.

(3) شرح صحيح مسلم للنووي الشافعي على هامش إرشاد الساري ج 3 ص 4 والام للشافعي ج 1 ص 90.


أقول : ظاهر كلامهم في هذا المقام ان ضم الأصابع بعضها إلى بعض متفق عليه في ما عدا الإبهام والخلاف انما هو فيها ضما وتفريقا. ولم أقف لهم على دليل لا في موضع الوفاق ولا في موضع الخلاف.

وظاهر صاحب المدارك الاستناد في أصل المسألة إلى خبر حماد (1) حيث قال : ولتكن الأصابع مضمومة كما يستفاد من رواية حماد في وصف صلاة الصادق (عليه‌السلام) ..

وأنت خبير بان خبر حماد لم يشتمل على رفع اليدين في تكبيرة الإحرام فضلا عن كونها في حال الرفع مضمومة الأصابع أم لا ، وقد صرح بالرفع في تكبير الركوع وتكبير السجود ولكنه أيضا غير متضمن لضم الأصابع ، نعم ذكر في صدر الرواية قال : «فقام أبو عبد الله (عليه‌السلام) مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه». فضم الأصابع في الخبر انما وقع في حال الإسدال على الفخذين ، وحينئذ فلا دلالة فيه على ما ادعوه إلا ان يدعى استصحاب تلك الحال إلى حال الرفع. وفيه من البعد ما لا يخفى.

وظاهر الشهيد في الذكرى وصول النص اليه بالتفريق في الإبهام والضم حيث قال : ولتكن الأصابع مضمومة وفي الإبهام قولان وفرقه أولى ، واختاره ابن إدريس تبعا للمفيد وابن البراج وكل ذلك منصوص. انتهى.

نعم روى شيخنا المجلسي في كتاب البحار (2) عن زيد النرسي في كتابه عن ابي الحسن الأول (عليه‌السلام) «انه رآه يصلى فكان إذا كبر في الصلاة ألزق أصابع يديه الإبهام والسبابة والوسطى والتي تليها وفرج بينها وبين الخنصر ثم يرفع يديه بالتكبير قبالة وجهه ثم يرسل يديه ويلزق بالفخذين ولا يفرج بين أصابع يديه فإذا ركع كبر ورفع يديه بالتكبير قبالة وجهه ثم يلقم ركبتيه كفيه ويفرج بين الأصابع فإذا اعتدل لم

__________________

(1) ص 2.

(2) ج 84 بحار الأنوار ص 225 ح 12.


يرفع يديه وضم الأصابع بعضها إلى بعض كما كانت ويلزق يديه مع الفخذين ثم يكبر ويرفعهما قبالة وجهه كما هي ملتزق الأصابع فيسجد. الحديث». وهو وان تضمن ضم الأصابع إلا انه تضمن تفريق الخنصر دون الإبهام فهو لا يصلح لأن يكون دليلا في المقام ، وظاهره ضم الأصابع كملا في تكبير السجود.

(المسألة الرابعة) ـ قد تقدم استحباب اضافة ست تكبيرات للافتتاح مع تكبيرة الإحرام وهو مما لا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وانما الخلاف في عموم هذا الحكم للفرائض والنوافل أو لخصوص الفرائض أو بانضمام مواضع مخصوصة من النوافل لا جميعها كما هو القول الأول؟ أقوال ، وبالأول صرح المحقق في المعتبر والعلامة وابن إدريس واختاره السيد السند في المدارك والظاهر انه المشهور بين الأصحاب ونقل عن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في المسائل المحمدية انه خصها بالفرائض دون النوافل وعن ابن الجنيد انه خصها بالمنفرد.

وقال الشيخ المفيد (نور الله مرقده) يستحب التوجه بسبع تكبيرات في سبع صلوات. قال الشيخ في التهذيب ذكر ذلك علي بن الحسين في رسالته ولم أجد به خبرا مسندا وتفصيلها ما ذكره : أول كل فريضة وأول ركعة من صلاة الليل وفي المفردة من الوتر وفي أول ركعة من ركعتي الزوال وفي أول ركعة من نوافل المغرب وفي أول ركعة من ركعتي الإحرام ، فهذه الستة مواضع ذكرها علي بن الحسين (قدس‌سره) وزاد الشيخ ـ يعني المفيد ـ الوتيرة. انتهى.

أقول : ينبغي ان يعلم ان ما ذكره علي بن الحسين (قدس‌سره) في رسالته انما أخذه من كتاب الفقه الرضوي على ما عرفت وستعرف في غير مقام مما تقدم وسيأتي حيث قال (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور «ثم افتتح بالصلاة وتوجه بعد التكبير فإنه من السنة الموجبة في ست صلوات وهي أول ركعة من صلاة الليل والمفردة من الوتر وأول ركعة من نوافل المغرب وأول ركعة من ركعتي الزوال وأول ركعة من ركعتي


الإحرام وأول ركعة من ركعات الفرائض» انتهى. ورواه الصدوق في كتاب الهداية مرسلا ومن الظاهر انه من هذا الكتاب كما عرفت.

احتج السيد السند (قدس‌سره) في المدارك على ما اختاره من القول الأول بإطلاق الأحاديث ، قال وقد تقدم طرف منها في ما سبق ثم قال :

وروى الشيخ في الصحيح عن زيد الشحام (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الافتتاح؟ قال تكبيرة تجزئك ، قلت : فالسبع؟ قال ذلك الفضل». وروى ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) «انه خرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلى الصلاة وقد كان الحسين (عليه‌السلام) ابطأ. الحديث». وقد تقدم قريبا (2) ثم نقل حسنة الحلبي أو صحيحته المتقدمة (3) المشتملة على التكبيرات السبع والأدعية الثلاثة بينها.

أقول : ما ذكره من إطلاق الأحاديث أشار به إلى الأخبار التي قدمناها في الأمر الثالث من المسألة الثالثة ، وأنت خبير بأنه وان كان الأمر كما ذكره بالنسبة إلى إطلاق الأخبار إلا انه مدخول بأنه من المحتمل قريبا حمل الإطلاق على الفريضة سيما اليومية التي هي الفرض المتكرر الشائع المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق كما صرحوا به في غير موضع سيما ان جملة منها ظاهرة كالصريح في الفريضة كأخبار العلل بزيادة هذه التكبيرات من أحاديث الحسين (عليه‌السلام) واخبار الحجب فإنها كلها ظاهرة كالصريح في الفريضة واخبار الامام فإنها كذلك.

وأنت إذا راجعت الأخبار وتأملتها بعين التفكر والاعتبار وضممت بعضها إلى بعض ظهر لك صحة ما قلناه وقوة ما اخترناه ، وبذلك يظهر لك قوة ما ذكره علي بن الحسين بن بابويه لاعتماده فيه على الكتاب المذكور.

ويعضده أيضا ما رواه السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاوس

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الإحرام.

(2) ص 22.

(3) ص 29.


(رضوان الله عليه) في كتاب فلاح السائل عن التلعكبري عن محمد بن همام عن عبد الله ابن علاء المذاري عن ابن شمون عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال قال : «افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجه والتكبير : في أول الزوال وصلاة الليل والمفردة من الوتر ، وقد يجزئك في ما سوى ذلك من التطوع ان تكبر تكبيرة لكل ركعتين».

وظاهر الخبر ان المراد ثلاثة مواطن يعني بعد الفرائض كما يشير اليه قوله «قد يجزئك في ما سوى ذلك من التطوع» وقد حمله ابن طاوس في الكتاب المذكور على التأكيد في هذه الثلاثة بعد تخصيصه الاستحباب بسبعة مواضع بإلحاق الفريضة واولى نافلة المغرب والوتيرة وركعتي الإحرام. وظاهره كما ترى موافقة الشيخ المفيد (قدس‌سره) في ضم الوتيرة إلى الستة المتقدمة في كتاب الفقه الرضوي.

وقال شيخنا المجلسي في البحار بعد نقله كلام علي بن بابويه المطابق لعبارة كتاب الفقه كما عرفت : ويمكن حمله على تأكد الاستحباب في تلك المواضع لا نفيه عن غيرها. وفيه ان ذلك فرع الدليل الظاهر في العموم وقد عرفت ما فيه.

(المسألة الخامسة) ـ قال شيخنا الشهيد في الذكرى : زاد ابن الجنيد بعد التوجه استحباب تكبيرات سبع و «سبحان الله» سبعا و «الحمد لله» سبعا و «لا إله إلا الله» سبعا من غير رفع يديه ونسبه إلى الأئمة (عليهم‌السلام) وروى زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (2) «إذا كبرت في أول الصلاة بعد الاستفتاح احدى وعشرين تكبيرة ثم نسيت التكبير أجزأك». انتهى.

أقول : ظاهر كلامه (قدس‌سره) في نقل مذهب ابن الجنيد انه يستحب سبع تكبيرات سوى التكبيرات الافتتاحية المشهورة ويمكن حمل التوجه على الكناية

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 5 من تكبيرة الإحرام.

(2) الوسائل الباب 6 من تكبيرة الإحرام.


عن تكبيرة الإحرام خاصة فتكون السبع المذكورة بعدها ، وكيف كان فهو مخالف لما عليه الأصحاب.

وقال في النفلية : وروى التسبيح بعده سبعا والتحميد سبعا. قال شيخنا الشهيد الثاني في شرحها : ذكره ابن الجنيد ونسبه إلى الأئمة (عليهم‌السلام) ولم نقف عليه وكذا اعترف المصنف في الذكرى بذلك. انتهى.

أقول : قد روى الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (1) وذكر حديث تكبيرات الافتتاح ثم قال : «قال زرارة فقلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) فكيف نصنع؟ قال تكبر سبعا وتحمد سبعا وتسبح سبعا وتحمد الله وتثني عليه ثم تقرأ». ولعل هذا الخبر هو المستند لما ذكره ابن الجنيد إلا ان ابن الجنيد ذكر التهليل سبعا والخبر خال من ذلك ولعل الخبر عنده كان كذلك ، ويؤيده ما نقله بعض مشايخنا عن بعض الثقات انه رأى هذا الخبر في بعض النسخ بعد قوله «وتسبح سبعا» و «تهلل سبعا» كما ذكره ابن الجنيد.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ما ذكره في النفلية بعيد الانطباق على مذهب ابن الجنيد وان كان شيخنا الشهيد الثاني قد فسره به ، لأن ابن الجنيد ـ كما عرفت ـ ذكر التسبيح سبعا والتهليل سبعا ومع فرض ان يكون المصنف فهم من التكبير سبعا في كلام ابن الجنيد التكبيرات السبع بإضافة تكبيرة الإحرام إليها فلم يذكره لموافقته لكلام الأصحاب وانما أراد التنبيه على ما لم يتعرضوا له إلا انه ينافيه حذف التهليل وعدم ذكره. ولعل المصنف اطلع على رواية زرارة المذكورة وأشار بقوله «روى» إليها لا إلى ما نقل عن ابن الجنيد دعوى الرواية به فإنه بعيد عن ظاهر هذه العبارة ، وكلامه إلى الانطباق على ظاهر الصحيحة المذكورة ـ بحمله التكبير سبعا فيها على تكبيرات الافتتاح المشهورة فلم يذكره وانما

__________________

(1) الوسائل الباب 11 من تكبيرة الإحرام.


ذكر التسبيح والتحميد كما في الخبر ـ أقرب منه إلى الانطباق على كلام ابن الجنيد كما فهمه الشارح.

واما رواية زرارة التي ذكرها فصورتها على ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح والصدوق أيضا في الصحيح عن زرارة (1) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) إذا أنت كبرت في أول صلاتك بعد الاستفتاح بإحدى وعشرين تكبيرة ثم نسيت التكبير كله ولم تكبر أجزأك التكبير الأول عن تكبير الصلاة كلها».

والخبر المذكور محمول على الرباعية والمراد بالاستفتاح الإحرام أي إذا كبرت بعدها احدى وعشرين تكبيرة ـ وهي مجموع التكبيرات المستحبة في الرباعية ، إذ في كل ركعة خمس تكبيرات واحدة للركوع ولكل سجدة اثنتان فيكون في الأربع الركعات عشرون تكبيرة وتكبيرة القنوت وهي تمام العدد المذكور ـ فإذا نسيت جميع التكبيرات المستحبة في أماكنها أجزأك عنها التكبير الأول على ارادة الجنس اي الإحدى والعشرين المتقدمة أولا ، فعلى هذا يكون في الثلاثية ست عشرة تكبيرة وفي الثنائية إحدى عشرة كل ذلك سوى تكبيرة الافتتاح.

ويؤكد ذلك وان كان واضحا ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «التكبير في صلاة الفرض ـ الخمس الصلوات ـ خمس وتسعون تكبيرة منها تكبيرات القنوت خمس». ورواه أيضا عن علي عن أبيه عن ابن المغيرة (3) وفسرهن : في الظهر احدى وعشرون تكبيرة وفي العصر احدى وعشرون تكبيرة وفي المغرب ست عشرة تكبيرة وفي العشاء الآخرة احدى وعشرون تكبيرة وفي الفجر إحدى عشرة تكبيرة وخمس تكبيرات القنوت في خمس صلوات.

__________________

(1) الوسائل الباب 6 من تكبيرة الإحرام.

(2 و 3) الوسائل الباب 5 من تكبيرة الإحرام.


أقول : ظاهر هذه الأخبار طرح الست المستحبة الافتتاحية ، ولعل طرحها في صحيحة زرارة محمول على الاكتفاء بتلك التكبيرات التي يقدمها وفي هذين الخبرين باعتبار تأكد هذه التكبيرات زيادة عليها فإنها من أصل الصلاة قبل تلك الست التي تجددت لتلك العلل المذكورة. والله العالم.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *