ج10 - صلاة العيدين

الفصل الثاني

في صلاة العيدين

وهما اليومان المعلومان واحدهما عيد وياؤه منقلبة عن «واو» لأنه مأخوذ من العود إما لكثرة عوائد الله تعالى فيه على عباده واما لعود السرور والرحمة بعوده ، والجمع أعياد على غير القياس لان حق الجمع رد الشي‌ء إلى أصله ، قيل وانما فعلوا ذلك للزوم الياء في مفردة أو للفرق بين جمعه وجمع عود الخشب.

وتفصيل الكلام في هذا المقام يقع في بحوث الأول ـ في وجوبها وما يتبعه وفيه مسائل :

الأولى ـ أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على وجوبها كما نقله جماعة : منهم ـ المحقق والعلامة في جملة من كتبه ، والأصل في ذلك مضافا الى الإجماع المذكور الكتاب والسنة ، قال الله عزوجل «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى» (2) فقد ذكر جمع من المفسرين في معنى هذه الآية ان المراد بالزكاة زكاة الفطرة والصلاة صلاة العيد.

ويدل عليه من الاخبار ما رواه في الفقيه مرسلا (3) قال : «وسئل الصادق (عليه‌السلام) عن قول الله عزوجل (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى)؟ قال من أخرج الفطرة. فقيل له (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى؟) قال خرج الى الجبانة فصلى».

وروى حماد بن عيسى عن حريز عن ابى بصير وزرارة (4) قالا : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان من تمام الصوم إعطاء الزكاة يعني الفطرة كما ان الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من تمام الصلاة لأنه من صام ولم يؤد الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمدا ولا

__________________

(2) سورة الأعلى الآية 14 و 15.

(3) الوسائل الباب 17 من صلاة العيد.

(4) الوسائل الباب 1 من زكاة الفطرة.


صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي وآله (صلوات الله عليهم) ان الله عزوجل قد بدأ بها قبل الصلاة فقال : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى».

وفي تفسير على بن إبراهيم (1) «قوله (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى)؟ قال زكاة الفطرة إذا أخرجها قبل صلاة العيد ، وذكر اسم ربه فصلى؟ قال صلاة الفطر والأضحى».

واستدل جملة من الأصحاب : منهم ـ السيد السند في المدارك على ذلك بقوله عزوجل «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» (2) قال قيل هي صلاة العيد ونحر البدن للأضحية. وقال في المعتبر قال أكثر المفسرين المراد صلاة العيد وظاهر الأمر الوجوب. وبنحو ما ذكره في المدارك صرح في الذكرى أيضا.

أقول : لم أقف في الأخبار على تفسير الآية بهذا المعنى وانما الذي ورد فيها التفسير بمطلق الصلاة والمراد بالنحر رفع اليدين حال التكبير حذاء الوجه ، وقد تقدمت الأخبار بذلك في المسألة الثالثة من الفصل الثاني في تكبيرة الإحرام من كتاب الصلاة (3).

واما السنة فمنها انه قد روى الصدوق والشيخ (عطر الله مرقديهما) في الصحيح عن جميل (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التكبير في العيدين قال سبع وخمس. وقال صلاة العيدين فريضة. قال وسألته ما يقرأ فيهما؟ قال «والشمس وضحاها» و «هل أتاك حديث الغاشية» وأشباههما».

وعن جميل في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) (5) انه قال : «صلاة العيدين فريضة وصلاة الكسوف فريضة».

__________________

(1) ص 721.

(2) سورة الكوثر الآية 2.

(3) ج 8 ص 43.

(4) الوسائل الباب 11 من صلاة العيد ، واللفظ من أوله الى آخره للشيخ ولم يرو الصدوق منه إلا قوله «صلاة العيدين فريضة» كما سيأتي في الرواية الأخرى فإنها للصدوق.

(5) الوسائل الباب 1 من صلاة العيد ومن صلاة الكسوف.


وروى الشيخ في التهذيب عن أبي أسامة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «صلاة العيدين فريضة وصلاة الكسوف فريضة».

قال في الفقيه بعد نقل صحيحة جميل الثانية : يعني انهما من صغار الفرائض وصغار الفرائض سنن لرواية حريز عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «صلاة العيدين مع الإمام سنة». ومراده بهذا الجمع بين الخبرين بأنه لا منافاة بين كونها سنة وبين كونها فريضة. وفيه ما سيأتي ذكره ان شاء الله تعالى. والشيخ في التهذيبين قد فسر السنة بما علم وجوبه بالسنة لئلا ينافي كونها فريضة يعنى واجبة.

وفي كل من الجمعين نظر ، أما ما ذكره الصدوق فانا لا نعرف له مستندا لان الفرض ان أريد به ما وجب بالكتاب ويقابله إطلاق السنة بمعنى ما وجب بالسنة فإنه لا فرق بين كبار الفرائض ولا صغارها في المعنى المذكور ، وإطلاق السنة على صغار الفرائض دون كبارها مع كون السنة بمعنى ما ثبت وجوبه بالسنة لا معنى له ههنا لان هذه الفريضة مما ثبت وجوبها بالكتاب كما عرفت من الأخبار المتقدمة بتفسير قوله تعالى «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى» (3) فلا معنى لوجوبها بالسنة. وأظهر منه بطلانا حمل السنة على المتبادر منها وهو المستحب.

واما كلام الشيخ فيدفعه دلالة الآية بمعونة الأخبار الواردة بتفسيرها بصلاة العيدين ، وحينئذ فتكون الفريضة في خبر جميل بمعنى ما ثبت وجوبه بالكتاب لا بمعنى الواجب المقابل بالسنة بمعنى المستحب.

والظاهر في الجمع بين الخبرين المذكورين ـ كما ذكره المحدث الكاشاني في الوافي ـ انما هو حمل الفريضة في الخبر المذكور على معنى ما ثبت وجوبه بالكتاب والسنة ، وفي خبر حريز عن زرارة إنما أريد بها ان السنة في فرض هذه الصلاة ان

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة العيد و 1 من صلاة الكسوف.

(2) الوسائل الباب 1 من صلاة العيد.

(3) سورة الأعلى الآية 14 و 15.


تكون مع الامام فمن صلاها بدون الامام معتقدا وجوبها فقد خالف السنة كما تدل عليه الأخبار الآتية من انه لا صلاة إلا مع إمام يعنى واجبة.

إلا أن لقائل أن يقول ان ما استدل به من الآيتين المتقدمتين لا دلالة فيهما على الوجوب نصا بل ولا ظاهرا ، اما الثانية فلعدم ورود نص فيها بما ذكروه كما عرفت واما الأولى فإن غاية ما تدل عليه هو مدح المزكى والمصلى بأنه قد أفلح وهذا لا ظهور له في الوجوب وان أفهمه إفهاما ضعيفا ، وحينئذ فيكون المراد بالفرض في الأخبار المتقدمة انما هو بمعنى الواجب كما هو أحد اطلاقيه ، ويؤيده اضافة صلاة الكسوف وانها فريضة في صحيحة جميل الثانية ورواية أبي أسامة مع انها غير مذكورة في القرآن.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (1) : ان الصلاة في العيدين واجبة. الى ان قال : وان صلاة العيدين مع الإمام مفروضة ولا تكون إلا بإمام وخطبة. الى ان قال ايضا : وصلاة العيدين فريضة واجبة مثل صلاة يوم الجمعة إلا على خمسة. الى آخر ما سيأتي من نقل تتمة العبارة المذكورة ان شاء الله تعالى.

(المسألة الثانية) ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ بل نقل جملة منهم الإجماع عليه ـ انه يشترط في صلاة العيد ما يشترط في الجمعة من الشروط المتقدمة وقد تقدم أنها خمسة ، إلا ان الخلاف هنا قد وقع في الخطبتين كما سيأتي ان شاء الله تعالى ذكره في المقام :

أحدها عندهم ـ السلطان العادل أو من نصبه ، وظاهر العلامة في المنتهى دعوى الإجماع على هذا الشرط.

واحتج عليه بصحيحة زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «ليس في الفطر والأضحى أذان ولا اقامة. الى ان قال : ومن لم يصل مع إمام في جماعة فلا صلاة له ولا قضاء عليه».

__________________

(1) ص 12.

(2) الوسائل الباب 2 و 7 من صلاة العيد.


وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) قال : «سألته عن الصلاة يوم الفطر والأضحى فقال ليس صلاة إلا مع امام».

ورواية معمر بن يحيى عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «لا صلاة يوم الفطر والأضحى إلا مع إمام».

أقول : ومن الأخبار بهذا المعنى ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبى جعفر (عليه‌السلام) (3) قال : «من لم يصل مع إمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له ولا قضاء عليه».

وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (4) قال : «لا صلاة يوم الفطر والأضحى إلا مع امام عادل».

وعن سماعة في الموثق عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (5) «لا صلاة في العيدين إلا مع امام وان صليت وحدك فلا بأس».

ونحوه كلام المحقق وتبعهما جماعة ممن تأخر عنهما.

إلا ان جملة من متأخري المتأخرين الذين جرت عادتهم بدقة النظر في الأحكام والتأمل التام في أخبارهم (عليهم‌السلام) قد طعنوا في هذا الشرط فمنهم من استشكله وصارت المسألة عنده في قالب الإشكال ، ومنهم من خالفهم وجزم بمنع ما ذكروه.

ومنشأ ذلك عند الأولين هو احتمال حمل الإمام في الأخبار المذكورة على ما هو أعم من إمام الأصل وامام الجماعة ، والى هذا ذهب المحدث الكاشاني في الوافي والمفاتيح فإنه جعل هذه الأخبار متشابهة باعتبار احتمال ارادة المعصوم منها وليست محكمة في أحد المعنيين ، وعند الآخرين هو ان الظاهر منها انما هو إمام الجماعة خاصة.

قال في المدارك بعد نقل الاستدلال عن العلامة بما قدمناه من الاخبار : وعندي في هذا الاستدلال نظر إذ الظاهر ان المراد بالإمام هنا إمام الجماعة لا إمام

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 2 من صلاة العيد.


الأصل كما يظهر من تنكير الامام ولفظ الجماعة وقوله (عليه‌السلام) (1) في صحيحة ابن سنان «من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل وحده كما يصلى في الجماعة». وفي موثقة سماعة (2) «لا صلاة في العيدين إلا مع امام وان صليت وحدك فلا بأس». قال جدي (قدس‌سره) في روض الجنان : ولا مدخل للفقيه حال الغيبة في وجوبها في ظاهر الأصحاب وان كان ما في الجمعة من الدليل قد يتمشى هنا إلا انه يحتاج إلى القائل ، ولعل السر في عدم وجوبها حال الغيبة مطلقا بخلاف الجمعة ان الواجب الثابت في الجمعة انما هو التخييري كما مر أما العيني فهو منتف بالإجماع والتخييري في العيد غير متصور إذ ليس معها فرد آخر يتخير بينها وبينه فلو وجبت لوجبت عينا وهو خلاف الإجماع. قلت : الظاهر انه أراد بالدليل ما ذكره في الجمعة من ان الفقيه منصوب من قبله عموما فكان كالنائب الخاص وقد بينا ضعفه في ما سبق. واما ما ذكره من السر فكلام ظاهري إذ لا منافاة بين كون الوجوب في الجمعة تخييريا وفي العيد عينيا إذا اقتضته الأدلة. وبالجملة فتخصيص الأدلة الدالة على الوجوب بمثل هذه الروايات لا يخلو من اشكال ، وما ادعوه من الإجماع فغير صالح للتخصيص ايضا لما بيناه غير مرة من ان الإجماع انما يكون حجة مع العلم القطعي بدخول قول الإمام في أقوال المجمعين وهو غير متحقق هنا ، ومع ذلك فالخروج من كلام الأصحاب مشكل واتباعهم بغير دليل أشكل. انتهى. وقال في الذخيرة بعد ذكر نحو ما ذكره في المدارك أولا : ويؤيد الوجوب ما دل على وجوب التأسي بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في ما علم كونه صدر عنه على جهة الوجوب وان كان لنا فيه نوع تأمل إذ الأمر ههنا كذلك فان وجوبها عليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثابت بإجماع الأصحاب ، مع ان التمسك بأصل عدم الوجوب في ما ثبت وجوبه عليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) محل إشكال ، فإذن القول بعدم الوجوب في غاية الاشكال والاجتراء على الحكم بالوجوب

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من صلاة العيد.

(2) الوسائل الباب 2 من صلاة العيد.


مع عدم ظهور مصرح به من الأصحاب لا يخلو من اشكال. وطريق الاحتياط واضح

وقال شيخنا المجلسي في كتاب البحار ـ بعد نقل كلام الفاضلين بالاشتراط واستدلالهما بالإجماع وبعض الأخبار المتقدمة ـ ما لفظه : وفيه نظر إذ الظاهر ان المراد بالإمام في هذه الأخبار إمام الجماعة لا إمام الأصل كما يشعر به تنكير الامام ولفظة الجماعة في بعض الأخبار ومقابلة «ان صليت وحدك» مما يعين هذا. وقوله «لا صلاة» يحتمل «كاملة» كما هو الشائع في هذه العبارة ، وفي صحيحة عبد الله ابن سنان عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (1) «من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل وحده كما يصلى في الجماعة». ويؤيد الوجوب ما دل على وجوب التأسي بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في ما علم صدوره عنه على وجه الوجوب والأمر هنا كذلك قطعا. وبالجملة ترك هذه الفريضة بمحض الشهرة بين الأصحاب جرأة عظيمة مع انه لا ريب في رجحانه ، ونية الوجوب لا دليل عليها ولعل القربة كافية في جميع العبادات كما عرفت سابقا. انتهى.

أقول : معظم الإشكال عند هؤلاء بعد إجمال هذه الاخبار هو عدم تصريح أحد ممن ذهب الى الوجوب العيني في الجمعة زمان الغيبة بالوجوب العيني هنا ، وأنت خبير بان مقتضى حكمهم في العيدين بأنها جارية على نحو صلاة الجمعة في شروط الوجوب هو تبعية صلاة العيدين لصلاة الجمعة كيف كانت ، فان هذا الكلام قد صرح به الجميع ممن حكم بالوجوب التخييري في الجمعة زمان الغيبة أو التحريم أو الوجوب العيني ، وحينئذ فاللازم من ذلك ان كل من اشترط في الجمعة شرطا من حضور إمام الأصل أو نائبه أو انعقادها بإمام الجماعة أو وجوبها عينا به فإنه يجريه في صلاة العيدين ، وبه يظهر ان كل من قال بالوجوب العيني زمان الغيبة في الجمعة فهو قائل به في العيدين ايضا.

قال شيخنا المفيد في المقنعة في باب صلاة العيدين : وهذه الصلاة فرض

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من صلاة العيد.


لازم لجميع من لزمته الجمعة على شرط حضور الإمام سنة على الانفراد عند عدم حضور الامام.

وهو كما ترى صريح في ما قلناه واضح في ما ادعيناه فإنه حكم بأن صلاة العيدين فرض عيني لكل من لزمته الجمعة ، وقد عرفت مذهبه في الجمعة وشرطها عنده انما هو إمام الجماعة وهي واجبة عينية عنده باجتماع شرائطها المتقدمة التي من جملتها إمام الجماعة ، ومقتضى ذلك وجوب صلاة العيدين عينا متى حصلت تلك الشروط

وقوله هنا «على شرط حضور الإمام. الى آخره» أراد به بيان التفرقة بين الجمعة والعيدين بحصول الاستحباب في هذه دون تلك فجعل مدار الوجوب والاستحباب على حضور الامام وعدم حضوره فمتى صلى مع الإمام فهي واجبة عينا ومتى تعذر الصلاة معه فهي مستحبة فرادى بخلاف الجمعة فإنه مع عدم الامام تسقط بالكلية. والمراد بالإمام في كلامه هو إمام الجماعة الذي تقدم تصريحه به في صلاة الجمعة.

واما ما ذهب اليه بعض من الاستحباب جماعة فهو باطل كما سيجي‌ء بيانه ان شاء الله تعالى بل هي اما واجبة عينا ان وجد الامام وكملت باقي الشروط وإلا صليت فرادى استحبابا. وجميع ما ذكرنا بحمد الله سبحانه ظاهر لا خفاء عليه.

واما توهم حمل الأخبار المتقدمة على إمام الأصل فقد عرفت ما فيه من كلام مشايخنا المذكورين (رضوان الله عليهم) فإنه جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.

ويؤيد ما ذكرناه من عدم اشتراط إمام الأصل في هذه الصلاة ما نقله في كتاب البحار (1) عن الصدوق في كتاب ثواب الأعمال حيث انه نقل فيه خبرا عن سلمان الفارسي (رضى الله عنه) عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في ثواب صلاة أربع ركعات على كيفية مخصوصة بعد صلاة العيد ، ثم قال (قدس‌سره) هذا لمن كان امامه مخالفا لمذهبه فيصلي معه تقية ثم يصلى هذه الأربع ركعات للعيد فاما من كان

__________________

(1) ج 18 الصلاة ص 861 والعبارة فيها تلخيص ونقل بالمضمون.


امامه موافقا لمذهبه وان لم يكن مفروض الطاعة لم يكن له ان يصلى بعد ذلك حتى تزول الشمس. انتهى.

وهو صريح كما ترى في ان مذهبه (قدس‌سره) صحة الصلاة بإمام الجماعة وعدم اشتراط إمام الأصل ، وبه يظهر لك ما في دعوى الإجماع على اشتراط هذه الصلاة بإمام الأصل مع تصريح هذا العمدة الذي هو من أهل الصدر الأول الذين عليهم المعول بجوازها مع إمام الجماعة كما سمعت. واما احتمال الحمل على صلاة مستحبة فغير جيد لما سنبين ان شاء الله تعالى من انه لا مستند له ولا دليل عليه وان ذكره جلهم.

وبالجملة فإن عدم ذكر قدماء أصحابنا للوجوب العيني في هذه الصلاة انما هو باعتبار احالتهم لاحكام هذه الصلاة على صلاة الجمعة فكل ما حكموا به في صلاة الجمعة فهو آت في هذه الصلاة ، فلا يتوهم من سكوتهم عن التصريح به هنا نفيه عن هذه الصلاة وان قالوا به في الجمعة فهو غلط محض كما أوضحناه لك في عبارة المقنعة.

ومما يؤيد ذلك الأخبار الآتية ان شاء الله تعالى الدالة على تعليم الأئمة (عليهم‌السلام) لأصحابهم كيفية الصلاة وآدابها وأحكامها وما يتعلق بالإمام فيها فان جميع ذلك قرينة واضحة على انها يتأتى من أصحابهم أن يصلوها بغير المعصوم إذ مع الاختصاص بالمعصوم لا يظهر لهذا التعليم كثير فائدة كما لا يخفى على المتأمل المنصف.

وثانيها ـ العدد وقد أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على اعتباره هنا ، ويدل عليه صحيحة الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) انه قال : «في صلاة العيدين إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة».

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (2) انه قال : «في صلاة العيدين إذا كان القوم خمسة فصاعدا مع إمام في مصر فعليهم ان

__________________

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الجمعة و 39 من صلاة العيد.

(2) مستدرك الوسائل الباب 31 من صلاة العيد.


يجمعوا للجمعة والعيدين».

ونقل عن ابن ابى عقيل أنه ذهب الى اشتراط السبعة هنا مع انه اكتفى في الجمعة بخمسة. ورده بعض الأصحاب بعدم المستند.

أقول : الظاهر من كلام ابن أبى عقيل وصول المستند اليه بذلك وان لم يصل إلينا حيث قال ـ على ما نقله عنه في المختلف ـ ولا عيد مع الامام ولا مع أمرية في الأمصار بأقل من سبعة من المؤمنين فصاعدا ولا جمعة بأقل من خمسة ، ولو كان الى القياس سبيل لكانا جميعا سواء ولكنه تعبد من الخالق سبحانه. وهو كما ترى ظاهر في وصول المستند اليه ،

وثالثها ـ الجماعة وقد تقدمت جملة من الاخبار الدالة على ذلك (1).

ورابعها ـ الوحدة قال في المدارك وظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) اشتراطها حيث أطلقوا مساواتها للجمعة في الشرائط ، ونقل عن الحلبيين التصريح بذلك محتجين بأنه لم ينقل عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه صلى في زمانه عيدان في بلد كما لم ينقل انه صليت جمعتان ، وبما رواه محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «قال الناس لأمير المؤمنين (عليه‌السلام) ألا تخلف رجلا يصلى في العيدين؟ قال لا أخالف السنة». وهما لا يدلان على المنع ومن ثم توقف العلامة في التذكرة والنهاية في اشتراط ذلك وهو في محله. انتهى.

أقول : الظاهر ان مرجع التعليل المنقول عن الحلبيين الى أن العبادات لما كانت توقيفية من الشارع وجوبا وندبا وتعددا واتحادا وكمية وكيفية ونحو ذلك فالواجب الوقوف على ما علم منهم (صلوات الله عليهم) بقول أو عمل ، وغاية ما يفهم من الاخبار هو جواز صلاة واحدة في المصر وتوابعه الى امتداد مسافة الفرسخ فثبوت الثانية ومشروعيتها في هذه المسافة يتوقف على الدليل. وهذا الكلام موجه صحيح دال على المدعى بأوضح دلالة كما لا يخفى وبه يقيد إطلاق الأخبار

__________________

(1) ص 202 و 203.

(2) الوسائل الباب 17 من صلاة العيد.


الدالة على الوجوب فلا يمكن الاستناد إليها في المقام.

واما الرواية فلا إشكال في أن ظاهرها هو انه لما كان (عليه‌السلام) يصحر بصلاة العيدين كما هو السنة فيها قالوا له أن يخلف في المصر من يصلى العيدين بمن تخلف من الضعفة والعجزة عن الخروج فأجاب بأني لا أخالف السنة ، والمراد بالسنة يعنى وحدة الصلاة في الفرسخ فإنه واجب بالسنة النبوية ، وإطلاق السنة على ما وجب بالسنة شائع في الأخبار كما قدمنا ذكره في مسألة غسل الجمعة من كتاب الطهارة ، لا ان المراد بالسنة المستحب كما ربما يتوهم ، وعلى هذا المعنى بنى الاستدلال بالرواية وهو معنى واضح لا غبار عليه.

وبنحو هذه الرواية روى في كتاب دعائم الإسلام عن على (عليه‌السلام) (1) انه «قيل له يا أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لو أمرت من يصلى بضعفاء الناس يوم العيد في المسجد؟ قال أكره أن أستن سنة لم يستنها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)».

وروى شيخنا المجلسي في كتاب البحار (2) نقلا من كتاب عاصم بن حميد عن محمد ابن مسلم قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول قال الناس لعلى (عليه‌السلام) ألا تخلف رجلا يصلى بضعفة الناس في العيدين؟ قال فقال لا أخالف السنة».

ونحوه بهذا المضمون روى في المحاسن عن رفاعة (3) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام). الحديث».

ومما يؤيد ذلك ما تقدم (4) في صحيحة زرارة من ان «من لم يصل مع إمام في جماعة فلا صلاة له ولا قضاء عليه». ونحوه في صحيحته الأخرى (5) وهو شامل بإطلاقه لما لو لم يكن ثمة إمام أو كان ولكن فاتته الصلاة معه. ومعنى «لا صلاة له» يعنى وجوبا وإلا فالاستحباب لا ريب فيه نصا وفتوى ، ففي الصحيح لابن سنان (6)

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 14 من صلاة العيد.

(2) ج 18 الصلاة ص 863.

(3) البحار ج 18 الصلاة 86.

(4) ص 202.

(5) ص 203.

(6) الوسائل الباب 3 من صلاة العيد.


«من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل وحده». ونحوه غيره مما سيأتي ان شاء الله تعالى.

والتقريب في هذه الأخبار انه لو شرعت الصلاة مرة أخرى في البلد لما حسن هذا الإطلاق في هذه الأخبار بان يقال «لا صلاة له ولا قضاء عليه» أو يقال : «فليصل وحده» لإمكان الاجتماع على جماعة أخرى كما لا يخفى.

وأما ما ذكره الشهيد ومن تأخر عنه ـ من أن هذا الشرط انما يعتبر مع وجوب الصلاتين فلو كانتا مندوبتين أو إحداهما لم يمنع التعدد ـ ففيه انه لم يقم لنا دليل على استحباب الجماعة في العيدين كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في مسألة على حدة والى ذلك أشار في المدارك ايضا حيث قال بعد نقل ذلك عن الشهيد : وليس في النصوص دلالة على شي‌ء من ذلك. انتهى.

وقال في الذكرى : مذهب الشيخ في الخلاف ومختار صاحب المعتبر ان الامام لا يجوز له أن يخلف من يصلى بضعفة الناس في البلد. ثم أورد صحيحة ابن مسلم (1) ثم قال ونقل في الخلاف عن العامة «ان عليا (عليه‌السلام) (2) خلف من يصلى بالضعفة» وأهل البيت (عليهم‌السلام) أعرف. انتهى.

وخامسها ـ الخطبتان وقد اختلف فيهما كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) فقال الشيخ في المبسوط في باب صلاة العيدين : وشرائطها شرائط الجمعة سواء في العدد والخطبة وغير ذلك. وهو ظاهر في قوله بشرطيتهما في العيدين ، وبه قال ابن إدريس والعلامة في المنتهى حيث قال : والخطبتان واجبتان كوجوبهما في الجمعة ولا نعرف خلافا بين المسلمين في كونهما بعد الصلاة إلا من بنى أمية (3) ثم ذكر ايضا انه لا يجب حضورهما ولا استماعهما بغير خلاف. ونحو ذلك ذكر في التذكرة أيضا.

__________________

(1) ص 208.

(2) المغني ج 2 ص 373.

(3) المغني ج 2 ص 384.


وقال المحقق في المعتبر : والخطبتان مستحبتان فيهما بعد الصلاة ولا يجب حضورهما ولا استماعهما اما استحبابهما فعليه الإجماع.

وقال الشهيد في الذكرى : المشهور بين الأصحاب في ظاهر كلامهم استحباب الخطبتين في صلاة العيدين وصرح به في المعتبر وأوجبهما ابن إدريس والفاضل والروايات مطلقة. ونقل بعض الأخبار الدالة على الخطبة ثم قال والعمل بالوجوب أحوط نعم ليستا شرطا في صحة الصلاة بخلاف الجمعة.

وقال السيد في المدارك ـ في شرح قول المصنف : وهي واجبة مع وجود الإمام. الى آخره ـ ان الشيخ صرح في المبسوط باشتراطهما في هذه الصلاة فقال شرائطها شرائط الجمعة سواء في العدد والخطبة وغير ذلك. ثم ذكر انه الظاهر من عبارة الشرائع حيث أطلق مساواتها للجمعة في الشرائط. ثم ذكر ان العلامة جزم في جملة من كتبه بعدم اعتبار هذا الشرط هنا. ثم قال وهو كذلك تمسكا بالأصل والتفاتا الى كونهما متأخرتين عن الصلاة ولا يجب استماعهما إجماعا فلا تكونان شرطا فيها.

وقال في موضع آخر ـ في شرح قول المصنف : الثالثة الخطبتان في العيد بعد الصلاة وتقديمهما بدعة ـ ولم يتعرض المصنف في هذا الكتاب لبيان حال الخطبتين من حيث الوجوب والاستحباب ونقل عنه في المعتبر انه جزم بالاستحباب وادعى عليه الإجماع ، وقال العلامة في جملة من كتبه بالوجوب ، واحتج عليه في التذكرة بورود الأمر بهما وهو حقيقة في الوجوب. وكأنه أراد بالأمر ما يستفاد من الجملة الخبرية فإنا لم نقف في ذلك على أمر صريح. والمسألة محل تردد وكيف كان فيجب القطع بسقوطهما حال الانفراد للأصل السالم من المعارض.

وقال أيضا ـ في شرح قول المصنف : ولا يجب استماعهما بل يستحب ـ هذا الحكم مجمع عليه بين المسلمين حكاه في التذكرة والمنتهى مع تصريحه في الكتابين بوجوب الخطبتين وهو دليل قوى على الاستحباب وروى العامة عن عبد الله بن


السائب (1) قال : «شهدت مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) العيد فلما قضى الصلاة قال انا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب».

والى القول بالاستحباب مال الفاضل الخراساني في الذخيرة والمحدث الكاشاني في المفاتيح.

والأظهر عندي هو القول بالوجوب ، ويدل عليه قول الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الذي قد ظهر لك في غير موضع مما قدمنا وسيجي‌ء أمثاله اعتماد الصدوقين سيما الأول عليه وافتاؤهما بعبائر الكتاب كما كشفنا عنه النقاب في غير باب من الأبواب حيث قال (عليه‌السلام) (2) «فإن صلاة العيدين مع الإمام فريضة ولا تكون إلا بإمام وخطبة».

ومما يعضد ذلك ويؤيده بأوضح تأييد ما رواه الصدوق في كتاب العلل والعيون من علل الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه‌السلام) (3) قال : «انما جعلت الخطبة يوم الجمعة قبل الصلاة وجعلت في العيدين بعد الصلاة لأن الجمعة أمر دائم يكون في الشهر مرارا وفي السنة كثيرا فإذا كثر على الناس ملوا وتركوه وتفرقوا عنه والعيد إنما هو في السنة مرتان والزحام فيه أكثر والناس فيه أرغب وان تفرق بعض الناس بقي عامتهم».

والتقريب فيه انه لو كان ما يدعونه من الاستحباب حقا لكان هو الأولى بأن يذكر علة للفرق في الخبر بان يقال إنما أخرت لان استماعها غير واجب حيث انها مستحبة فمن شاء جلس لاستماعها ومن شاء انصرف ، وظاهر الخبر انما هو وجوبها في الصلاتين وان اختلفتا بالتقدم والتأخر للعلة المذكورة في الخبر. ويؤيده توقف يقين

__________________

(1) نيل الأوطار ج 3 ص 376 عن النسائي وابن ماجة وابى داود ونقله في الوسائل في الباب 30 من صلاة العيد من مجالس ابن الشيخ عن عبد الله بن السائب باختلاف في اللفظ.

(2) ص 12.

(3) الوسائل الباب 11 من صلاة العيد.


البراءة عليه لانه المعهود من فعلهم والمأثور من أوامرهم (عليهم‌السلام).

وذكر الخطبتين في بيان كيفية الصلاة أيضا ظاهر في ذلك إذ قضية الذكر في بيان كيفية الواجب الوجوب في جميع ما اشتملت عليه الكيفية وخروج بعض الأفراد التي قام الدليل من خارج على استحبابها لا يقتضي خروج ما لم يقم عليه دليل.

هذا ، وما ذكره في المدارك هنا لا يخلو من نوع تشويش واضطراب بل النظر الظاهر في ما أيد به ذلك من عدم وجوب استماعهما بل الاستحباب.

أما الأول فلان مقتضى كلامه الأول هو اختيار الاستحباب صريحا وظاهر الثاني بل صريحه التردد والتوقف في المسألة. وايضا ظاهر كلامه الأول ان العلامة في جملة من كتبه جزم بالاستحباب وظاهر كلامه الثاني خلافه وانه جزم بالوجوب ثم أورد دليله ، ومقتضى الدليل الذي نقله لازم له حيث انه صرح في مواضع من كتابه بأنه لا فرق في دلالة الأمر على الوجوب بين كونه بلفظ الأمر أو بالجملة الخبرية ، وحينئذ فالظاهر ان منشأ التردد عنده هو معارضة دعوى الإجماع الذي ذكره في المعتبر مع ما عرفت من طعنه في هذه الإجماعات.

واما الثاني ـ وهو ما ذكره في كلامه الثالث من أن تصريح العلامة في الكتابين بالإجماع على عدم وجوب استماع الخطبتين دليل قوى على الاستحباب ـ ففيه أن خطبة الجمعة مع الاتفاق على وجوبها وانها شرط في صحة الصلاة قد وقع الخلاف في وجوب استماعها فممن ذهب الى عدم وجوب استماعها الشيخ في المبسوط والمحقق في المعتبر مع قولهما بوجوبها وشرطيتها في صحة الصلاة وتردد في الشرائع ، ولم نره في تلك المسألة بعد أن نقل قولهما المذكور رد عليهما بأنه يلزم منه المناقضة لأن القول بالوجوب يستلزم القول بوجوب الاستماع وعدم وجوب الاستماع يستلزم الاستحباب كما ذكره هنا. وبالجملة فإنه كما ان أصل وجوب الخطبة متوقف على الدليل كذلك وجوب الاستماع يتوقف عليه ولا ملازمة بينهما ؛ وما علل به وجوب الاستماع في خطبة الجمعة في مقام الرد على صاحب المعتبر من انتفاء فائدة الخطبة بدون الاستماع فهي علة مستنبطة ترجع الى مجرد الاستبعاد ، ومع فرض


وجودها في نص فإنه يمكن الجواب عنها بان علل الشرع ليست عللا حقيقية يجب اطرادها كالعلل العقلية التي يدور المعلول مدارها وجودا وعدما وانما هي معرفات وموضحات لنوع مناسبة أو بيان حكمة أو نحو ذلك كما لا يخفى على من أحاط خبرا بالعلل المذكورة في اخبار علل الشرائع والأحكام.

واما ما ذكره في كلامه الثالث من الخبر العامي للتأييد به ـ ولعله من حيث ان الشيخ نقله في كتاب المجالس (1) ـ فضعفه أظهر من أن يمكن الاعتماد عليه في تأسيس حكم شرعي به.

وبالجملة فإن مقتضى ظواهر الأخبار كما ذكره في التذكرة واعترف به في المدارك هو الوجوب مع اعتضاده بما ذكرناه من خبري كتاب الفقه والعلل والعيون ، وليس في الأخبار ما يدل على الاستحباب ولا ما يشير اليه إلا ما ربما يتوهم من كونهما بعد الصلاة وهو محض خيال قاصر.

واما دعوى عدم اشتراطهما في صحة الصلاة ـ وكذا دعوى ما يلازمه ويقتضيه من عدم وجوب حضورهما واستماعهما ـ فلم نقف له على دليل أزيد من دعوى الإجماع ، مع ما عرفت من دلالة ظاهر كلام الشيخ في المبسوط بل ظاهر كل من أطلق الحكم بكون شرائط العيد شرائط الجمعة من غير تعرض لعدم وجوب ما ذكروه على خلاف هذا الإجماع.

قال بعض المحققين من متأخري المتأخرين بعد ذكر نحو ما ذكرناه : انا لا نعرف لهم دليلا سوى الإجماع المسبوق بخلاف الشيخ صريحا بل سائر أرباب النصوص ايضا حيث لم يتعرضوا لاستثناء هذا من شرائط الجمعة لا صريحا ولا ضمنا سوى خبر عامي ضعيف السند نقله الشيخ أولا من كتب المخالفين في مجالسه (2) مع انه لم يعمل به على ما يظهر من كلامه ثم اشتهر بين من بعده فاستدلوا به من غير وجدان شاهد من روايات أهل البيت (عليهم‌السلام) ولا مؤيد ، إذ لو كان

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 30 من صلاة العيد.


لنقلوه قطعا مع خلو الكتب عنه اليوم ايضا ، والخبر ما رواه من طريق العامة عن عطاء عن عبد الله بن السائب ثم ساق الخبر كما قدمنا نقله من المدارك. ثم قال : والذي يظهر من فحوى كلام أصحابنا ان أصل مناط حكمهم في جميع ما ذكروا من نفى الاشتراط وعدم وجوب الحضور والاستماع بل أصل استحباب الخطبتين هذا الخبر فان عليه مبنى الإجماع الذي ذكروه. انتهى كلامه (زيد مقامه) وهو جيد متين كما لا يخفى على الحاذق المكين.

المسألة الثالثة ـ قد اشتهر في كلام متأخري الأصحاب انه مع اختلال شرائط الوجوب أو بعضها فإنه يستحب أن تصلى جماعة وفرادى ، قال في المعتبر : وتستحب مع عدم الشرائط أو بعضها جماعة وفرادى في السفر والحضر وتصلى كما تصلى في الجماعة. وقال القطب الراوندي من أصحابنا من ينكر الجماعة في صلاة العيد سنة بلا خطبتين لكن جمهور الإمامية يصلون هاتين الصلاتين جماعة وعملهم حجة.

أقول : وتصريح المحقق ومن تأخر عنه بذلك معلوم من كتبهم وعليه العامة أيضا فإنهم بين قائل بتعين الاستحباب جماعة وقائل بالتخيير بين الجماعة والانفراد وهو قول أكثرهم (1).

وقال الشيخ المفيد بعد ذكر ما قدمنا نقله عنه من انها فرض لجميع من لزمته الجمعة على شرط حضور الإمام سنة على الانفراد مع عدم حضور الامام : ومن فاتته صلاة العيد جماعة صلاها وحده كما يصلى في الجماعة ندبا مستحبا.

وقال الشيخ في المبسوط : متى تأخر عن الحضور لعارض صلاها في المنزل منفردا سنة وفضيلة. ثم قال : ومن لا تجب عليه صلاة العيد من المسافر والعبد

__________________

(1) المذكور في المعتبر والتذكرة والمنتهى نسبة هذا القول إلى الشافعي واحمد في إحدى الروايتين وفي الأخرى لا تصلى إلا في جماعة وهو قول أبي حنيفة ، وأضاف في المنتهى الحسن البصري إلى الشافعي واحمد. راجع المهذب ج 1 ص 120 والإنصاف ج 2 ص 426 وعمدة القارئ ج 3 ص 399 والبحر الرائق ج 2 ص 175.


وغيرهما يجوز لهما إقامتها منفردين سنة.

وقال السيد المرتضى في المسائل الناصرية : هما سنة تصلى على الانفراد عند فقد الإمام أو اختلال بعض الشرائط.

وأنت خبير بان ظاهر عبارة الشيخ المفيد والشيخ في المبسوط والمرتضى هنا هو استحباب الصلاة منفردا بعد فوات الصلاة الواجبة ولم يتعرضوا للاستحباب جماعة.

وقال أبو الصلاح : فان اختل شرط من شرائط العيد سقط فرض الصلاة وقبح الجمع فيها مع الاختلال وكان كل مكلف مندوبا الى هذه الصلاة في منزله والإصحار بها أفضل.

وقال ابن إدريس : معنى قول أصحابنا «على الانفراد» ليس المراد بذلك أن يصلى كل واحد منهم منفردا بل الجماعة أيضا عند انفرادها من دون الشرائط مسنونة مستحبة ، قال ويشتبه على بعض المتفقهة هذا الموضع بان يقول على الانفراد أراد مستحبة إذا صلاها كل واحد وحده قال لان الجمع في صلاة النوافل لا يجوز وإذا عدمت الشرائط صارت نافلة فلا يجوز الاجتماع فيها ، قال محمد بن إدريس وهذا قلة بصيرة من قائله بل مقصود أصحابنا على الانفراد ما ذكرناه من انفرادها عن الشرائط.

وقال العلامة في المختلف ونعم ما قال : وتأويل ابن إدريس بعيد مع انه روى النهى

عمار بن موسى عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «قلت له هل يؤم الرجل بأهله في صلاة العيدين في السطح أو بيت؟ قال لا يؤم بهن ولا يخرجن». ولو كانت الجماعة مستحبة لاستحبت هنا إذ المستحب في حق الرجل مستحب في حق المرأة إلا ما خرج بالدليل ، إلا ان فعل الأصحاب في زماننا الجمع فيها. ثم نقل ملخص كلام الراوندي الذي قدمناه بتمامه.

وقال الشهيد في الذكرى : وتفارق الجمعة عند الأصحاب بأنها مع عدم الشرائط تصلى سنة جماعة وهو أفضل وفرادى ، وكذلك يصليها من لم تجب عليه من المسافر

__________________

(1) الوسائل الباب 28 من صلاة العيد.


والعبد والمرأة ندبا ان لم يقم في البلد فرضها مع الامام. ثم نقل كلام السيد المرتضى وابى الصلاح وابن إدريس والراوندي. ثم قال ونص عليه الشيخ في الحائريات. ثم قال وقد روى عمار عن الصادق (عليه‌السلام) ثم ساق الرواية كما قدمناه ، ثم قال : وربما يفهم منه نفى الجماعة فيها وكذلك في رواية سماعة عنه (عليه‌السلام) (1) قال : «لا صلاة في العيدين إلا مع الإمام فإن صليت وحدك فلا بأس». وقد يجاب عن رواية عمار بنفي تأكيد الجماعة بالنساء ، وعن الثانية ان المراد بها إذا كانت فريضة لا تكون إلا مع الامام كما قاله في التهذيب ، وقد روى عبد الله بن المغيرة (2) قال : «حدثني بعض أصحابنا قال سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن صلاة الفطر والأضحى فقال صلهما ركعتين في جماعة وغير جماعة». وظاهر هذا عموم الجماعة. انتهى.

أقول : لا يخفى ان ظاهر مرسل عبد الله بن المغيرة المذكور انما هو بيان ان صلاة العيد ركعتان صليت وجوبا في الجماعة أو ندبا بغير جماعة. وفيه اشارة للرد على من قال بالأربع ركعات متى فاتت الصلاة مع الامام. وان لم يكن ما ذكرناه هو الأظهر فلا أقل من أن يكون مساويا لما ذكره وبه يسقط الاستدلال بالخبر المذكور.

ثم أقول : لا يخفى ان الأخبار قد تكاثرت بالصلاة منفردا مع عدم الإمام بالكلية أو عدم إدراك الصلاة معه ولم نقف في الأخبار على ما يقتضي توظيف الجماعة في هذه الصورة بل ظاهر خبر عمار المتقدم كما عرفت هو التصريح بالمنع منها

وأما ما يدل على استحباب الصلاة وحده مع عدم الجماعة فمن ذلك موثقة سماعة المتقدمة (3) وصحيحة عبد الله بن سنان (4) قال : «من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل في بيته وحده كما يصلى في الجماعة».

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 2 من صلاة العيد.

(2) الوسائل الباب 5 من صلاة العيد.

(4) الوسائل الباب 3 من صلاة العيد.


وموثقة الحلبي (1) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل لا يخرج في يوم الفطر والأضحى أعليه صلاة وحده؟ قال نعم».

وعن سماعة في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «قلت له متى يذبح؟ قال إذا انصرف الامام. قلت فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة؟ فقال إذا استقلت الشمس. وقال لا بأس أن تصلى وحدك ولا صلاة إلا مع امام».

ومرسلة عبد الله بن المغيرة المتقدمة ، وقد عرفت ان المراد بقوله فيها «في جماعة» انما هو حال الوجوب وحينئذ يكون غير الجماعة عبارة عن الانفراد وهو المستحب

وصحيحة منصور بن حازم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «مرض ابى يوم الأضحى فصلى في بيته ركعتين ثم ضحى».

واحتمل في الوافي في هذا الخبر الوجوب مع اختصاص الحكم بالإمام وأيده بما رواه الشيخ عن الحلبي (4) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الامام لا يخرج يوم الفطر والأضحى أعليه صلاة وحده؟ قال نعم». واحتمل الاستحباب مع عموم الحكم كما تقدم في الأخبار المذكورة.

وظني ان ما ذكره من الاحتمال الأول بعيد ، وتوهم الوجوب من قوله (عليه‌السلام) في رواية الحلبي «أعليه» معارض بما تقدم في موثقة الحلبي (5) من قوله «الرجل لا يخرج في يوم الفطر والأضحى أعليه صلاة وحده؟ قال نعم». وحينئذ فالمراد بقوله «عليه» في كلتا الروايتين انما هو مطلق الثبوت الشامل للوجوب والاستحباب ، على ان وجه الخصوصية هنا غير ظاهر ، وحينئذ فالرواية منتظمة مع ما ذكرناه من الأخبار.

ولا ينافي ذلك ما في رواية هارون بن حمزة الغنوي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (6) من قوله : «فقلت أرأيت ان كان مريضا لا يستطيع ان يخرج أيصلى في بيته؟ قال لا».

وفي رواية محمد بن قيس عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (7) قال : «إنما الصلاة

__________________

(11 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 3 من صلاة العيد. والظاهر ان الرقم (4) عين الرقم (1) ولفظ «الإمام» في الوافي.

(2 و 6 و 7) الوسائل الباب 2 من صلاة العيد.


يوم العيد على من خرج الى الجبانة ومن لم يخرج فليس عليه صلاة».

وفي صحيحة زرارة (1) حيث قال (عليه‌السلام) «ومن لم يصل مع إمام في جماعة فلا صلاة له ولا قضاء عليه». فان الوجه فيها الحمل على نفى الوجوب جمعا بين الاخبار.

وفي هذه الأخبار رد على ما نقل عن الصدوق في المقنع حيث قال : ولا يصلين الا مع الإمام جماعة. وابن ابى عقيل حيث قال : من فاتته الصلاة مع الامام لم يصلها وحده. ولعلهما قد استندا الى ما ذكرناه من هذه الروايات الأخيرة. إلا انه يمكن تأويل كلامهما بما أولنا به الأخبار المذكورة إذ من البعيد عدم اطلاعهما على الأخبار الدالة على الانفراد مع كثرتها وتعددها وأبعد منه الاطلاع عليها وطرحها من البين.

إذا عرفت ذلك فاعلم انا لم نقف لما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) من الاستحباب جماعة مع اختلال بعض شروط الوجوب على دليل.

وغاية ما استدل به في الذكرى كما تقدم مرسلة عبد الله بن المغيرة وقد عرفت الجواب عنها ، مع معارضتها ـ لو سلمت من الاحتمال الذي ذكرناه ـ بموثقة عمار المتقدمة (2) وان تأولها بالبعيد والاحتمال الغير السديد.

وغاية ما تعلق به الراوندي هو عمل جمهور الإمامية وصلاتهم لها جماعة استحبابا حال الغيبة. ولا يخفى ما فيه إذ رب مشهور لا أصل له ورب متأصل ليس بمشهور ، سيما مع ورود الأخبار المتقدمة الدالة على التقييد بالوحدة والانفراد في الإتيان بها مع اختلال شرط الوجوب ، مع عدم وجود المعارض الصريح بل وجود المؤيد الفصيح كما عرفت من موثقة عمار ، فكيف يمكن التعلق بعملهم وفعلهم في مقابلة هذه الأخبار وخصوصا مع موافقة ما يفعلونه للعامة كما تقدمت الإشارة اليه (3) وأما إيقاع القدماء لها كذلك ان ثبت فلعله بناء على الوجوب كما هو ظاهر ما تقدم من عدم الدليل على اشتراط إمام الأصل في وجوبها فتوهم من اشترطه

__________________

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة العيد.

(2) ص 216.

(3) ص 215.


ان فعلهم لها على جهة الاستحباب. وسيأتي ما يؤيده.

وبالجملة فالظاهر هو انحصار الاستحباب في الانفراد كما هو مفاد الأخبار المتقدمة مع كونه خلاف جميع العامة.

وكيف كان فالاستحباب جماعة إنما يتجه على ما هو المشهور من اشتراط وجوب العيدين وجوبا عينيا بإمام الأصل ، ولا ريب ان هذا الشرط مختل زمان الغيبة ولهذا نقل القطب الراوندي والعلامة في المختلف ـ على ما قدمنا نقله عنهما ـ ان عمل الأصحاب على الصلاة جماعة استحبابا زمان الغيبة ، إلا انك قد عرفت انه لا مستند له.

واما على ما هو الظاهر من كلام جملة من محققي متأخري المتأخرين ـ وهو الظاهر ايضا ممن قال بالوجوب العيني حال الغيبة من المتقدمين حيث انهم يجعلون شرائط الجمعة ثابتة لصلاة العيد من أن صلاة العيد زمن الغيبة كصلاة الجمعة واجبة عينا والامام المشترط فيها انما هو إمام الجماعة ـ فيشكل التعدد جماعة فيها في مسافة الفرسخ كما عليه علماء زماننا الآن فإنهم يصلون جماعات عديدة في البلد الواحد مع ترجيحهم هذا القول الذي أشرنا اليه وقولهم باشتراط الوحدة فيها كما في الجمعة ، لأنه متى صليت في مسافة الفرسخ بناء على ما ذكرنا امتنعت الصلاة ثانيا لعين ما تقرر في صلاة الجمعة من عدم مشروعية الجمعة الثانية في المسافة المذكورة.

وربما كان مستندهم في جواز التعدد في الصورة المذكورة ما تقدم نقله عن شيخنا الشهيد من أن شرط الوحدة في فرسخ انما يعتبر مع وجوب الصلاتين فلو كانتا مندوبتين أو إحداهما لم يمتنع التعدد.

وفيه ان كلام شيخنا المذكور مبنى على اشتراط المعصوم في الوجوب العيني فهي الآن عنده مستحبة فلا يشترط فيها هذا الشرط إذ هو مخصوص بالواجبة ، وأما من ثبت عنده الوجوب زمن الغيبة عملا بإطلاق الأخبار المتقدمة الدالة على الوجوب من غير ما يصلح لتقييدها بوجود إمام الأصل كما يدعونه وقد حصل باقي الشروط فان الوجوب يكون عينيا عنده فلا بد من اعتبار الوحدة فيها كما في الجمعة


التي قد حملوها عليها ، على ان ما ادعاه الشهيد من مشروعية الجماعة وان كانت مستحبة محل المنع كما عرفت.

وبالجملة فإن ما يفعله علماء زماننا كما حكيناه عنهم مما لا اعرف له وجه صحة على كل من القولين ، اما على القول المشهور ـ من اشتراط الوجوب العيني بوجود إمام الأصل فتكون في زمن الغيبة مستحبة ـ ففيه أنه مع تسليم ذلك فإن غاية ما دلت عليه الأخبار هو استحبابها فرادى لا جماعة كما تقدم تحقيقه ، سيما مع دلالة الأخبار المتكاثرة على عدم مشروعية الجماعة في صلاة النافلة إلا في مواضع مخصوصة وليس هذا منها ، واما على القول المختار ـ من وجوبها حال الغيبة عينا وانعقادها بإمام الجماعة حسبما مر في الجمعة ـ فإنها باستكمال الشروط من وجود الامام وإمكان الخطبة والعدد والجماعة والكون في فرسخ تكون واجبة عينا فمتى أقيمت وجب على كل من في مسافة الفرسخ السعي إليها والحضور فيها وكيف يتجه صلاتها ثانيا ندبا بناء على الحال المذكورة. ثم لو فرضنا تخلف بعض عن الحضور لعذر أو لغير عذر فغاية ما دلت عليه الأخبار انه يصليها منفردا.

وبالجملة فالحكم فيها كما في الجمعة إلا انها تزيد هنا باستحباب الصلاة فرادى مع عدم إدراك الجماعة أو تعذر حضورها ، وأما الصلاة جماعة فكما انه تحرم الجمعة الثانية بعد إقامتها أولا كذلك تحرم صلاة العيد ثانيا جماعة بعد الإتيان بها أولا ، ولهذا انا نعجل الصلاة بها حال طلوع الشمس ليتوجه البطلان الى من صلى بعدنا. والله العالم

المسألة الرابعة ـ ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) الاتفاق على سقوط صلاة العيدين عن كل من تسقط عنه صلاة الجمعة ، قال في التذكرة انما تجب صلاة العيد على من تجب عليه الجمعة عند علمائنا أجمع. وقال في المنتهى لا نعرف فيه خلافا.

قال في المدارك : ويدل عليه أصالة براءة الذمة من وجوب هذه الصلاة على من لا تجب عليه الجمعة السالمة عن ما يصلح للمعارضة لانتفاء ما يدل على العموم في من تجب عليه.


وفيه نظر ظاهر وكيف لا والأخبار التي قدمناها في المسألة الأولى ظاهرة الدلالة في العموم فإنه لا ريب ان الخطاب فيها راجع الى جميع المكلفين فان قولهم (عليهم‌السلام) (1) : «صلاة العيدين فريضة وصلاة الكسوف فريضة». يعنى على كل مكلف إلا ما خرج بدليل وارد عنهم (عليهم‌السلام) وإلا لزم مثله في صلاة الكسوف التي قرنها بها مع ان هذا القائل لا يلتزمه ، وحينئذ فالواجب الوقوف على ما دل الدليل على خروجه من هذا العموم ويبقى ما عداه داخلا تحت خطاب التكليف.

والذي وقفت عليه في الأخبار من الافراد المستثناة عن الدخول منها المسافر لصحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (2) قال : «إنما صلاة العيدين على المقيم ولا صلاة إلا بإمام».

وصحيحة ربعي والفضيل بن يسار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «ليس في السفر جمعة ولا فطر ولا اضحى».

وما رواه البرقي في كتاب المحاسن بسنده عن العلاء بن الفضيل عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «ليس في السفر جمعة ولا أضحى ولا فطر». قال ورواه ابى عن خلف بن حماد عن ربعي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) مثله (5).

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن على (عليه‌السلام) (6) انه قال : «ليس على المسافر جمعة ولا عيد».

أقول : دلالة هذه الروايات على السقوط عن المسافر واضحة مضافا الى الإجماع المتقدم نقله.

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة العيد و 1 من صلاة الكسوف.

(2 و 3) الوسائل الباب 8 من صلاة العيد.

(4 و 5) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة رقم 29.

(6) مستدرك الوسائل الباب 5 من صلاة العيد.


وأما ما رواه في التهذيب والفقيه عن سعد بن سعد عن ابى الحسن الرضا (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن المسافر إلى مكة وغيرها هل عليه صلاة العيدين الفطر والأضحى؟ قال نعم إلا بمنى يوم النحر». فقد حمله الشيخ على الاستحباب ، والأظهر ـ كما ذكره في الوافي ـ ان يقيد الاستحباب بما إذا شهد المسافر بلدة يصلى فيها العيد فإنه يستحب له حضوره كما في الجمعة لا انه ينشئ صلاة العيد في سفره.

ونحو هذه الرواية أيضا موثقة سماعة (2) قال : «سألته عن صلاة العيد قال في الأمصار كلها إلا في يوم الأضحى بمنى فإنه ليس يومئذ صلاة ولا تكبير».

وأنت خبير بان هذه الرواية ليست نصا في عدم السقوط عن المسافر بل ربما كان استثناء الأضحى بمنى مشعرا بالسقوط عن المسافر فتكون منطبقة على الأخبار المتقدمة.

ومنها ـ النساء لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «انما رخص رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) للنساء العواتق في الخروج في العيدين للتعرض للرزق».

وعن عمار بن موسى في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «قلت له هل يؤم الرجل بأهله في صلاة العيدين في السطح أو بيت؟ فقال لا يؤم بهن ولا يخرجن وليس على النساء خروج. وقال أقلوا لهن من الهيئة حتى لا يسألن الخروج».

وما رواه في كتاب معاني الأخبار عن محمد بن شريح (5) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن خروج النساء في العيدين فقال لا إلا العجوز عليها منقلاها يعنى الخفين».

ودلالة هذه الروايات ايضا على السقوط عن النساء واضحة مضافا الى الإجماع المتقدم.

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 8 من صلاة العيد.

(3 و 4 و 5) الوسائل الباب 28 من صلاة العيد.


إلا ان بإزاء هذه الأخبار ما يدل بظاهره على وجوب الخروج عليهن مثل ما رواه في قرب الاسناد (1) عن على بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) قال : «سألته عن النساء هل عليهن صلاة العيدين والتكبير؟ قال نعم قال وسألته عن النساء هل عليهن من صلاة العيدين والجمعة ما على الرجال؟ قال نعم. قال وسألته عن النساء هل عليهن من التطيب والتزين في الجمعة والعيدين ما على الرجال؟ قال نعم».

وما رواه في كتاب الذكرى (2) قال روى ابن ابى عمير في الصحيح عن جماعة منهم حماد بن عثمان وهشام بن سالم عن الصادق (عليه‌السلام) انه قال : «لا بأس بأن تخرج النساء في العيدين للتعرض للرزق».

ومن الذكرى ايضا (3) قال روى إبراهيم بن محمد الثقفي في كتابه بإسناده الى على (عليه‌السلام) قال : «لا تحبسوا النساء عن الخروج في العيدين فهو عليهن واجب».

وحملها الأصحاب على الاستحباب ، والمشهور استحباب صلاة العيد لكل من سقطت عنه إلا الشواب وذوات الهيئة من النساء فإنه يكره لهن الخروج إليها.

قال في الذكرى : قال الشيخ لا بأس بخروج العجائز ومن لا هيئة لهن من النساء في صلاة الأعياد ليشهدن الصلاة ولا يجوز ذلك لذوات الهيئات منهن والجمال. وفي هذا الكلام أمران (أحدهما) ان ظاهره عدم الوجوب عليهن ولعله لما رواه ابن ابى عمير في الصحيح عن جماعة ثم ساق الرواية كما تقدمت. ثم قال إلا انه لم يخص فيها العجائز وقد روى عبد الله بن سنان قال : انما رخص رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم ساق الخبر كما قدمناه (4) ثم قال والعواتق الجواري حين يدركن. ولكنه معارض بما رواه أبو إسحاق إبراهيم الثقفي في كتابه بإسناده الى على (عليه‌السلام) ثم ذكره كما تقدم ثم قال ولأن الأدلة عامة للنساء (الأمر الثاني) ان الشيخ منع خروج ذوات الهيئات

__________________

(1) ص 100 وفي الوسائل الباب 18 من صلاة الجمعة و 28 من صلاة العيد والثالث في الباب 47 من صلاة الجمعة.

(2 و 3) الوسائل الباب 28 من صلاة العيد.

(4) ص 223.


والجمال والحديث دال على جوازه للتعرض للرزق اللهم إلا ان يريد به المحصنات أو المملكات كما هو ظاهر كلام ابن الجنيد حيث قال : وتخرج إليها النساء العواتق والعجائز ونقله الثقفي عن نوح بن دراج من قدماء علمائنا. انتهى كلامه في الذكرى ملخصا.

ومنها ـ المريض لما رواه الشيخ والصدوق في الحسن بل الصحيح عن هارون ابن حمزة الغنوي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «الخروج يوم الفطر والأضحى إلى الجبانة حسن لمن استطاع الخروج إليها. فقلت أرأيت ان كان مريضا لا يستطيع أن يخرج أيصلى في بيته؟ قال لا». وقد تقدم ان المراد بقوله «لا» نفى الوجوب لما عرفت سابقا من استحبابها فرادى بالنصوص المتقدمة.

ومنها ـ العبد ويدل عليه وعلى الافراد المتقدمة أيضا قول الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (2) «وصلاة العيدين فريضة واجبة مثل صلاة الجمعة إلا على خمسة : المريض والمرأة والمملوك والصبي والمسافر».

هذا ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على الاستثناء في هذه الصلاة وبموجبه يبقى ما عدا هؤلاء المذكورين داخلين تحت خطاب التكليف إلا ان يقال باستثنائها بالأدلة العامة كالأعمى والكبير السن لحصول الحرج والمشقة في السعي عليهما.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد صرح الأصحاب باستحباب الصلاة لهؤلاء فرادى وجماعة بناء على ما يدعونه من مشروعية الجماعة استحبابا في هذه الصلاة ، ويدل عليه فرادى بالنسبة إلى المسافر والمرأة ما تقدم من الأخبار المحمولة على الاستحباب وعلى المريض صحيحة منصور بن حازم المتقدمة (3) في حكاية الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) انه مرض يوم الأضحى فصلى في بيته ركعتين ثم ضحى.

قال في المدارك : وقد حكم الأصحاب باستحبابها ايضا لمن لا تجب عليه الجمعة كالمسافر والعبد والمرأة ، وهو حسن وان أمكن المناقشة فيه بعدم الظفر بما يدل عليه بالخصوص. نعم روى سعد بن سعد الأشعري في الصحيح عن الرضا (عليه‌السلام) ثم ساق الرواية

__________________

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة العيد.

(2) ص 12.

(3) ص 218.


كما تقدم في المقام ثم قال : وهي محمولة على الاستحباب جمعا بينها وبين قوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (1) «إنما صلاة العيدين على المقيم». انتهى كلامه زيد مقامه.

والعجب منه (قدس‌سره) انه مع اعترافه بعدم الظفر بما يدل عليه بالخصوص كيف حكم باستحسان ما ذكره الأصحاب وان كان بغير دليل مع مناقشاته للأصحاب في ما قامت الأدلة عليه بزعم انها ضعيفة باصطلاحه وان كانت مجبورة بالشهرة بينهم فكيف يوافقهم هنا من غير دليل بالكلية؟ وربما أوهم قوله : «ما يدل عليه بالخصوص» على وجود دليل بطريق العموم وليس كذلك.

وبالجملة فإن الذي وقفنا عليه من أخبار المسألة هو ما ذكرناه إلا ان ثبوت الاستحباب بها في المقام عندي لا يخلو من الإشكال لما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم من أن الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل الواضح ، ومجرد اختلاف الأخبار ليس بدليل إذ مبنى القول بالاستحباب هنا على الجمع بين الأخبار وإلا فلو خلينا وأدلة الثبوت لكانت دالة على الوجوب إلا ان ضرورة الجمع بينها وبين الأخبار الدالة على السقوط أوجب حملها على الاستحباب. وأيضا فإن إخراج ما ظاهره الوجوب عن حقيقته يحتاج إلى القرينة واختلاف الأخبار ليس من قرائن المجاز. ومحل الإشكال في روايات النساء حيث أن ظاهر جملة منها الوجوب عليهن وإلا فروايات المسافر لا إشكال فيها متى حملنا صحيحة سعد بن سعد على ما قدمنا ذكره من أن المراد بها صلاة المسافر مع من يصليها من الحاضرين دون أن ينشئ صلاة وحده أو جماعة مسافرين. وأما رواية سماعة فقد عرفت انها غير ظاهرة الدلالة. ويمكن حمل ما دل على الوجوب في النساء على العجائز منهن فلا ينحصر الجمع في الاستحباب كما ادعوه. والله العالم.

المسألة الخامسة ـ أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ كما حكاه العلامة في التذكرة والنهاية ـ على ان وقت صلاة العيدين ما بين طلوع الشمس الى الزوال.

__________________

(1) ص 221.


قال في المدارك بعد نقل ذلك : ومستنده حسنة زرارة (1) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) ليس في الفطر والأضحى أذان ولا إقامة إذ انهما طلوع الشمس إذا طلعت خرجوا». وموثقة سماعة (2) قال : «سألته عن الغدو الى المصلى في الفطر والأضحى فقال بعد طلوع الشمس». ثم نقل عن الشيخ في المبسوط ان وقتها إذا طلعت الشمس وارتفعت وانبسطت. ثم قال : وهو أحوط. ومقتضى الروايتين ان وقت الخروج الى المصلى بعد طلوع الشمس ، وقال المفيد انه يخرج قبل طلوعها فإذا طلعت صبر هنيئة ثم صلى. انتهى.

أقول : لا يخفى ان المدعى في كلامهم هو امتداد الوقت من طلوع الشمس الى الزوال والخبران المذكوران اللذان جعلهما مستندا لهذه الدعوى انما يدلان على التوقيت بطلوع الشمس بمعنى انه إذا طلعت الشمس خرجوا إلى الصلاة ولا دلالة فيهما على ما يدعونه من الامتداد الى الزوال فهما غير منطبقين على المدعى بتمامه.

ومما يدل ايضا على ما دل عليه الخبران المذكوران ما رواه السيد العابد الزاهد المجاهد رضى الدين على بن طاوس (قدس‌سره) في كتاب الإقبال (3) بإسناده إلى يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسكان عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يخرج بعد طلوع الشمس».

وروى فيه (4) بسنده الى محمد بن هارون بن موسى بإسناده إلى زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) قال : «لا تخرج من بيتك إلا بعد طلوع الشمس».

وفي حديث خروج الرضا (عليه‌السلام) الى صلاة العيد بتكليف المأمون المروي في كتابي الكافي وعيون أخبار الرضا (عليه‌السلام) (5) «فلما طلعت الشمس قام فاغتسل وتعمم». ثم ساق الخبر في كيفية خروجه (عليه‌السلام).

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 29 من صلاة العيد.

(3 و 4) الوسائل الباب 18 من صلاة العيد.

(5) الوسائل الباب 19 من صلاة العيد.


ولم أقف في الأخبار بعد التتبع التام على ما يدل على الامتداد الى الزوال كما ذكروه ولا اعرف لهم مستندا غير الإجماع الذي ادعوه مع ظهور الخلاف من ظاهر عبارتي الشيخين المنقولتين.

والعجب من السيد السند (طاب ثراه) انه مع مناقشاته الأصحاب وعدوله عن ما عليه اتفاقهم في جملة من الأحكام كما لا يخفى على من له أنس بكتابه مع قيام الأدلة على ما يدعونه بمناقشاته في أسانيد أدلتهم والجمود هنا على ما ذكروه من غير دليل. وأعجب منه استدلاله لهم بهذين الخبرين والحال كما عرفت.

نعم ربما يشير الى ما ذكروه من الامتداد صحيحة محمد بن قيس الدالة على قضاء صلاة العيد في الغد مع ثبوت الرؤية بعد الزوال (1) لقوله فيها «إذا شهد عند الامام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالإفطار في ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس فان شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم وأخر الصلاة الى الغد».

قال في الوافي : هكذا وجد في النسخ والظاهر سقوط «وصلى بهم» بعد قوله «في ذلك اليوم» أولا ويجوز انه قد اكتفى عنه بالظهور. انتهى.

أقول : أنت خبير بأنه مع تسليم صحة ما ذكروه فغاية ما يدل عليه الخبر ثبوت الامتداد في هذه الصورة ولعله مقصور عليها من حيث الضرورة وعدم إمكان الصلاة في ذلك الوقت المذكور في الأخبار لفواته فلا يثبت به الحكم كليا وإلا فمن المحتمل قريبا في الخبر المذكور ان جملة «وأخر الصلاة الى الغد» مستأنفة لا معطوفة على الجملة الجزائية ، وحاصل الكلام انه أمر بالإفطار مع ثبوت الرؤية قبل الزوال أو بعد الزوال وعلى كل منهما أخر الصلاة الى الغد لفوات وقتها.

ويؤيده إطلاق الخبر الذي معه وهو مرفوعة محمد بن احمد (2) قال : «إذا

__________________

(1) الوسائل الباب 9 من صلاة العيد. وتتمة الرواية هكذا «فصلى بهم».

(2) الوسائل الباب 9 من صلاة العيد.


أصبح الناس صياما ولم يروا الهلال وجاء قوم عدول يشهدون على الرؤية فليفطروا وليخرجوا من الغد أول النهار الى عيدهم». فإنه كما ترى مطلق في كون ثبوت الرؤية قبل الزوال أو بعده.

قال في الوافي بعد ذكر هذا الخبر أيضا : يعني إذا شهدوا بعد فوات الوقت. ومراده يعنى بعد الزوال الذي هو آخر الوقت بقرينة كلامه الأول.

ولا يخفى عليك ان صحة هذه التأويلات التي ذكرها في ذيل كل من هذين الخبرين موقوفة على قيام الدليل على ما ادعوه من الامتداد الى الزوال وقد عرفت انه لا دليل عليه ، وحينئذ فلا ثمرة لهذه التأويلات وإخراج الأخبار عن ظاهرها من غير معارض.

ويعضد ما ذكرناه ما رواه في كتاب دعائم الإسلام عن على (عليه‌السلام) (1) «في القوم لا يرون الهلال فيصبحون صياما حتى يمضى وقت صلاة العيد من أول النهار فيشهد شهود عدول أنهم رأوه من ليلتهم الماضية؟ قال يفطرون ويخرجون من غد فيصلون صلاة العيد في أول النهار». فإنها كما ترى ظاهرة الدلالة في أن وقت صلاة العيد أول النهار وهو بعد طلوع الشمس كما صرحت به الأخبار المتقدمة ، وان الشهود إذا كانوا انما شهدوا بعد مضى ذلك الوقت أفطر الناس وأخروا صلاة العيد الى الغد

وبالجملة فإنه لا يظهر لما ذكروه (رضوان الله عليهم) دليل غير الإجماع الذي ادعوه ، وطرح هذه الأخبار التي قدمناها مع صحة بعضها وصراحة الجميع في مقابلة هذا الإجماع مما لا يتجشمه ذو دين سيما مع ظهور القدح في إجماعاتهم كما تقدم في صلاة الجمعة وفي هذا الإجماع بخصوصه بمخالفة الشيخين المذكورين كما أشرنا اليه. وحمل تلك الأخبار على معنى تتفق به مع الإجماع المذكور غير ظاهر.

وأنت خبير بان البحث في هذه المسألة نظير ما تقدم في وقت صلاة الجمعة حيث ان أكثر الأصحاب على الامتداد فيه الى المثل ومنهم من زاد على ذلك وجعله

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 6 من صلاة العيد.


ممتدا بامتداد وقت الظهر ومنهم من خصه بساعة الزوال ، وهذا هو المؤيد بالأخبار كما قدمنا بيانه وشيدنا أركانه.

وظاهر صاحب المدارك في تلك المسألة الميل الى ما دلت عليه تلك الأخبار المخالفة للقول المشهور وهنا الميل الى القول المشهور مع عدم الدليل عليه بل قيام الدليل على خلافه ، وسؤال الفرق متجه. والله العالم.

المسألة السادسة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في قضاء صلاة العيد وعدمه لو زالت الشمس ولم تصل بالكلية وكذا لو صليت ولكن فات ذلك بعض المكلفين ، ثم على تقدير القول بالقضاء في الصورة الثانية فهل تقضى ركعتين أم أربعا؟

والكلام هنا يقع في مقامين (الأول) في القضاء وعدمه لو لم تصل بالكلية قال في المختلف : لو لم تثبت رؤية الهلال إلا بعد الزوال أفطر وسقطت الصلاة فرضا ونفلا ، وقال ابن الجنيد ان تحققت الرؤية بعد الزوال أفطروا وغدوا الى العيد ، لنا ان الوقت قد فات والأصل عدم القضاء فإنه انما يجب بأمر متجدد ولم يثبت بل قد ورد ان من فاتته مع الامام فلا قضاء عليه (1) ولان شرطها شرط الجمعة ومن شرائط الجمعة بقاء الوقت فكذا ما سواها. احتج القائلون بالقضاء بما ورد من أن من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته (2). والجواب المراد بذلك الصلاة اليومية لظهورها عند الإطلاق. انتهى.

وقال الشهيد في الذكرى : لو ثبت الرؤية من الغد فان كان قبل الزوال صليت العيد وان كان بعده سقطت إلا على القول بالقضاء. وقال ابن الجنيد ان تحققت الرؤية بعد الزوال أفطروا وغدوا الى العيد لما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (3) انه قال : «فطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون وعرفتكم يوم تعرفون». وروى (4) «ان ركبا

__________________

(1) ص 203.

(2) الوسائل الباب 6 من قضاء الصلوات.

(3) كنز العمال ج 4 ص 302 والمهذب للشيرازي ج 1 ص 121.

(4) سنن البيهقي ج 4 ص 249.


شهدوا عنده (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أنهم رأوا الهلال فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا أن يغدوا الى مصلاهم». وهذه الأخبار لم تثبت من طرقنا. انتهى. وعلى هذا النهج كلام غيرهم من المتأخرين بل ظاهر العلامة في المنتهى كون ذلك متفقا عليه عندنا.

أقول : العجب منهم (رضوان الله عليهم) في ما ذكروه في هذا المقام مع وجود الأدلة على القضاء في الصورة المذكورة وهو ما قدمناه في سابق هذه المسألة من صحيحة محمد بن قيس ومرفوعة محمد بن احمد ورواية كتاب الدعائم ، وظاهر الكليني والصدوق ايضا القول بذلك حيث انه في الكافي (1) قال : «باب ما يجب على الناس إذا صح عندهم بالرؤية يوم الفطر بعد ما أصبحوا صائمين» ثم أورد الخبرين المتقدمين. وأما الصدوق فإنه قال أيضا (2) : باب ما يجب على الناس الى آخر ما ذكره الكليني ثم أورد رواية محمد بن قيس ثم قال وفي خبر ثم أورد مرفوعة محمد بن أحمد المذكورة مؤيدا ذلك بما قدمه في صدر كتابه.

(الثاني) ـ في القضاء لو لم تدرك الصلاة مع الجماعة ، وقد اضطرب كلامهم في هذا المقام والمشهور عدم القضاء. قال في المدارك بعد قول المصنف «ولو فاتت لم تقض» ما صورته : إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الصلاة بين كونها فرضا أو نفلا وفي الفوات بين أن يكون عمدا أو نسيانا ، وبهذا التعميم صرح في التذكرة وقال ان سقوط القضاء مذهب أكثر الأصحاب. وقال الشيخ في التهذيب من فاتته الصلاة يوم العيد لا يجب عليه القضاء ويجوز أن يصلى ان شاء ركعتين وان شاء أربعا من غير أن يقصد بها القضاء وقال ابن إدريس يستحب قضاؤها. وقال ابن حمزة إذا فاتت لا يلزم قضاؤها إلا إذا وصل في حال الخطبة وجلس مستمعا لها. وقال ابن الجنيد من فاتته ولحق الخطبتين صلاها أربعا مفصولات يعنى بتسليمتين. ونحوه قال على بن بابويه إلا انه قال يصليها بتسليمة. والأصح السقوط مطلقا. ثم استدل على ذلك بان القضاء

__________________

(1) الفروع ج 1 ص 210.

(2) الفقيه ج 2 ص 109.


فرض مستأنف فيتوقف على الدلالة ولا دلالة ، وبصحيحة زرارة (1) الدالة على ان من لم يصل مع الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له ولا قضاء عليه. ثم نقل عن القائلين بأنها أربع الاحتجاج برواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (2) قال : «من فاتته صلاة العيد فليصل أربعا». ثم أجاب بالطعن في السند وبمنع الدلالة فإن الأربع لا يتعين كونها قضاء. انتهى.

أقول : لا يخفى ما في كلامهم هنا من الإجمال بل الاختلال وذلك انك قد عرفت في سابق هذه المسألة أنهم أجمعوا على ان وقت صلاة العيد ممتد الى الزوال وحينئذ فالقضاء الذي هو عبارة عن فعل العبادة في خارج وقتها لا يصدق إلا على ما كان بعد الزوال مع ان ظاهر كلامهم واختلافهم هنا يعطي ان المراد بالقضاء انما هو ما بعد فوات الجماعة كما يعطيه مذهب ابن حمزة وابن الجنيد وابن بابويه من فرضهم المسألة في من لحق الخطبة واستمع لها فإنه يصلى بعدها ركعتين أو أربعا على الخلاف ، وهذا لا يسمى قضاء وانما يرجع الى ما قدمناه من ان من لم يدرك الجماعة أو كان له عذر عن حضورها فإنه يستحب له أن يصلى صلاة العيد ركعتين ، وهذا هو الذي دلت عليه الأخبار المتقدمة واتفقت عليه كلمات الأصحاب ، وانما وقع الخلاف والإشكال في كون ذلك الاستحباب مخصوصا بالفرادى أو يشمل الجماعة أيضا ، وحينئذ فذكر هذه المسألة هنا ونقل هذه الأقوال مما لا وجه له ولا معنى بالكلية إذ القضاء كما يدعونه غير متجه كما عرفت.

(فان قيل) يمكن حمل القضاء في كلامهم هنا على مجرد الإتيان بها فالقضاء بمعنى الفعل كما في قوله سبحانه وتعالى «فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ» (3).

(قلنا) الحمل على هذا المعنى ينافيه مقابلة هذه الأقوال بسقوط القضاء الذي

__________________

(1) ص 703.

(2) الوسائل الباب 5 من صلاة العيد. والسند هكذا «عن أبيه عن على قال».

(3) سورة الجمعة الآية 9.


هو المشهور ، إذ ليس المراد بالقضاء هنا إلا الإتيان بها خارج الوقت كما عرفت من احتجاج صاحب المدارك ، مع ان المشهور استحباب الإتيان بها مع اختلال الشرائط فرادى وجماعة كما تقدم ، فلو كان مرادهم بالقضاء انما هو مجرد الفعل لكان معنى القول المشهور بأنه لا قضاء يعنى لا تفعل بعد ذلك مع ان المشهور هو فعلها كما عرفت. وبالجملة فإن كلامهم هنا لا يخلو من تشويش وإجمال كما أوضحناه بحمد الملك المتعال.

نعم هذا الخلاف انما يتجه على ما اخترناه وصرحنا به آنفا من أن وقت صلاة العيد هو طلوع الشمس الى أن يأتي بها جماعة فلو فات هذا الوقت وانقضت صلاة الجماعة فيه صدق القضاء لخروج الوقت الذي ذكرناه ، وهذا هو الذي دلت عليه صحيحة زرارة المذكورة (1) فإطلاق القضاء فيها مؤيد لما اخترناه من تخصيص الوقت بما قلناه ، ففيها تأييد ظاهر لما ذكرناه من الوقت وان خالف المشهور فان ذلك هو مقتضى الأدلة كما عرفت وهذا الخبر من جملتها.

بقي الكلام هنا في أشياء : أحدها ـ ان ظاهر كلام المدارك عدم وجود دليل لابن حمزة في ما نقله عنه من تخصيصه وجوب القضاء بما إذا وصل حال الخطبة وجلس مستمعا ، حيث ذكر الدليل للقول المشهور ولمذهب ابن الجنيد وابن بابويه ولم يتعرض لدليل ابن حمزة ، وقد استدل له في المختلف برواية زرارة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال قال : «إذا أدركت الامام على الخطبة تجلس حتى يفرغ من خطبته ثم تقوم فتصلي. الحديث». وهي ظاهرة الدلالة على القول المذكور.

وثانيها ـ في ما دل على الصلاة أربع ركعات والمروي في كتب الأخبار المشهورة هو ما قدمناه من رواية أبي البختري ونحوها في كتاب دعائم الإسلام حيث روى فيه عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (3) «انه سئل عن الرجل لا يشهد العيد

__________________

(1) ص 219.

(2) الوسائل الباب 8 من صلاة العيد. والرواية كما في المختلف ايضا هكذا قال : «قلت أدركت الامام على الخطبة؟ قال تجلس حتى يفرغ من خطبته ثم تقوم فتصلي».

(3) مستدرك الوسائل الباب 2 و 3 من صلاة العيد.


هل عليه ان يصلى في بيته؟ قال نعم ولا صلاة إلا مع امام عدل ، ومن لم يشهد من رجل أو امرأة صلى أربع ركعات ركعتين للعيد وركعتين للخطبة ، وكذلك من لم يشهد العيد من أهل البوادي يصلون لأنفسهم أربعا».

والأظهر عندي حمل ما دل على الأربع على التقية لما ذكره بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين من ان جمعا من العامة ذهبوا الى ذلك مع اختلافهم أيضا في انها تقضى بسلام واحد أو سلامين ، ورووا عن ابن مسعود مضمون هذا الخبر (1) بل رووا عن على (عليه‌السلام) ذلك في حديث هذه صورته (2)

__________________

(1) في البداية لابن رشد ج 1 ص 201 «اختلفوا في من تفوته صلاة العيد مع الامام فقال قوم يصلى أربعا قال به احمد ، وقال قوم يقضيها على صفة صلاة الامام وبه قال الشافعي وأبو ثور ، وقال قوم بل ركعتين لا يجهر فيهما ولا يكبر تكبيرة العيد ، وقال قوم ان صلى الإمام في المصلى صلى ركعتين وان صلى في غير المصلى صلى اربع ركعات ، وقال قوم لا قضاء عليه وبه قال مالك وأصحابه» وفي المغني ج 2 ص 390 «من فاتته صلاة العيد فلا قضاء عليه لأنها فرض كفاية وقام بها من حصلت به الكفاية فإن أحب قضاءها فهو مخير ان شاء صلاها أربعا اما بسلام واحد وإما بسلامين ، روى هذا عن ابن مسعود وهو قول الثوري ـ ثم ذكر رواية هزيل بن شرجيل انه قيل لعلى (عليه‌السلام) «لو أمرت رجلا يصلى بضعفة الناس هونا في المسجد الأكبر قال ان أمرت رجلا يصلى بهم أمرت أن يصلى بهم أربعا». وروى انه استخلف أبا مسعود فصلى بهم في المسجد ـ وقال أحمد أنها قضاء صلاة عيد فكان أربعا كالجمعة. وان شاء صلى ركعتين كصلاة التطوع وهذا قول الأوزاعي ، وان شاء صلاها على صفة صلاة العيد بتكبير ، نقل ذلك عن احمد واختاره الجوزجاني وهو قول النخعي ومالك والشافعي وابى ثور وابن المنذر» وفي الإنصاف في الفقه الحنبلي ج 2 ص 433 ذكر ان أشهر الروايات عن أحمد قضاؤها على صفة صلاة العيد ، ثم ذكر رواية عنه انه يقضيها أربعا بلا تكبير بسلام واحد ورواية أخرى قضاؤها أربعا بلا تكبير بسلام أو سلامين.

(2) المغني ج 2 ص 372 قال : وروينا عن على انه قيل له. ولم ينسبه الى مصدر من مصادر الحديث.


«قيل لعلى (عليه‌السلام) قد اجتمع في المسجد ضعفاء الناس وعميانهم فلو صليت بهم في المسجد فقال أخالف السنة اذن ولكن نخرج الى المصلى واستخلف من يصلى بهم في المسجد أربعا». وقد عرفت مما قدمناه (1) من أخبار أهل البيت (عليهم‌السلام) إنكار استخلافه (عليه‌السلام) ردا لهذا الخبر.

وثالثها ـ ان الروايات المتقدمة في المقام الأول صريحة كما عرفت في وجوب القضاء لو فات وقت الصلاة ، وصحيحة زرارة المذكورة في هذا المقام صريحة في العدم والذي يظهر لي من الجمع بينهما هو حمل الروايات الأولة على فوات الصلاة من أصلها بحيث لم تصل بالكلية فإنه يجب القضاء على عامة المكلفين بها أداء من الامام والمأمومين كما هو موردها ، والصحيحة المذكورة على الإتيان بالصلاة وفواتها بالنسبة الى بعض المكلفين كما هو موردها أيضا ، فيحمل كل منهما على مورده.

ورابعها ـ انه مع وجوب القضاء كما دلت عليه الأخبار الأولة فما السبب في التأخير إلى الغد ولم لا يقع في ذلك اليوم بعينه؟ فان القضاء لا يختص بوقت بل ربما تعين ساعة الذكر كما تقدم في قضاء اليومية ، ولعل الوجه في ذلك هو تحصيل مثل الوقت الموظف الذي هو عبارة عن أول النهار من اليوم الثاني كما صرحت به تلك الأخبار. وبالجملة فإنه بعد ورود الأخبار عنهم (عليهم‌السلام) بذلك يجب القول بها ولا يجب علينا طلب العلة وهو مرجوع إليهم (عليهم‌السلام).

وظاهر كلام شيخنا المجلسي في البحار كونها في الصورة المذكورة أداء ، قال وظاهر الروايات كونها أداء. أقول وعلى هذا يزول الاشكال. ثم نقل عن العامة انهم اختلفوا في ذلك فذهب بعضهم إلى انه يأتي بها في الغد قضاء وبعضهم أداء وبعضهم نفوها مطلقا (2) ثم قال ولعل الأحوط إذا فعلها ان لا ينوي الأداء ولا

__________________

(1) ص 208 و 209.

(2) عمدة القارئ ج 3 ص 299 ونيل الأوطار ج 3 ص 163 والإنصاف ج 2 ص 420 و 426.


القضاء. انتهى. والله العالم.

(المسألة السابعة) لو اتفق العيد والجمعة فقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك ، فقال الشيخ في جملة من كتبه أنه يتخير من صلى العيد في حضور الجمعة وعدمه ، ونحوه قال الشيخ المفيد في المقنعة ورواه ابن بابويه في كتابه ، واختاره ابن إدريس ، واليه ذهب أكثر المتأخرين بل نسبه العلامة في المنتهى الى من عدا ابى الصلاح وفي الذكرى الى الأكثر ، ونقل عن ابن الجنيد في ظاهر كلامه اختصاص الترخيص بمن كان قاصي المنزل ، واختاره العلامة في بعض كتبه. وقال أبو الصلاح قد وردت الرواية إذا اجتمع عيد وجمعة ان المكلف مخير في حضور أيهما شاء ، والظاهر في المسألة وجوب عقد الصلاتين وحضورهما على من خوطب بذلك. وقريب منه كلام ابن البراج وابن زهرة.

والذي وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن الحلبي (1) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الفطر والأضحى إذا اجتمعا يوم الجمعة قال اجتمعا في زمان على (عليه‌السلام) فقال من شاء أن يأتي الجمعة فليأت ومن قعد فلا يضره وليصل الظهر. وخطب على (عليه‌السلام) خطبتين جمع فيهما خطبة العيد وخطبة الجمعة».

وما رواه في الكافي عن سلمة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «اجتمع عيدان على عهد أمير المؤمنين (عليه‌السلام) فخطب الناس فقال هذا يوم اجتمع فيه عيدان فمن أحب أن يجمع معنا فليفعل ومن لم يفعل فان له رخصة يعنى من كان متنحيا».

وما رواه في التهذيب عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (3) «ان على بن ابى طالب (عليه‌السلام) كان يقول إذا اجتمع عيدان للناس في يوم واحد فإنه ينبغي للإمام ان يقول للناس في خطبته الاولى انه قد اجتمع لكم

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 15 من صلاة العيد.


عيدان فأنا أصليهما جميعا فمن كان مكانه قاصيا فأحب أن ينصرف عن الآخر فقد أذنت له».

وما رواه في كتاب دعائم الإسلام عن على (عليه‌السلام) (1) «انه اجتمع في خلافته عيدان في يوم واحد جمعة وعيد فصلى بالناس صلاة العيد ثم قال قد أذنت لمن كان مكانه قاصيا ـ يعنى من أهل البوادي ـ أن ينصرف ثم صلى الجمعة بالناس في المسجد».

واختار في المدارك القول الأول واستدل عليه بصحيحة الحلبي المذكورة ثم نقل احتجاج ابن الجنيد برواية إسحاق بن عمار ونحوها رواية سلمة ، ثم قال والجواب بعد تسليم السند منع الدلالة على اختصاص الرخصة بالنائي فإن استحباب اذن الامام في الخطبة للنائي في عدم الحضور لا يقتضي وجوب الحضور على غيره. ثم قال احتج القائلون بوجوب الصلاتين بان دليل الحضور فيهما قطعي وخبر الواحد المتضمن لسقوط الجمعة والحال هذه انما يفيد الظن فلا يعارض القطع. وأجاب عنه في الذكرى بان الخبر المتلقى بالقبول المعمول عليه عند معظم الأصحاب في قوة المتواتر فيلحق بالقطعي ، وبان نفى الحرج والعسر يدل على ذلك ايضا فيكون الخبر معتضدا بالكتاب العزيز. هذا كلامه (قدس‌سره) وفيه بحث طويل ليس هذا محله. انتهى. أقول ومنه يعلم أدلة الأقوال في المقام وما يتعلق بها من النقض والإبرام

والتحقيق عندي في هذه المسألة ان يقال لا ريب ان من يرى العمل بهذا الاصطلاح فإن الأظهر من هذه الأقوال عنده هو القول الأول للصحيحة المذكورة وضعف ما عارضها من الروايات المذكورة ، وأما ما عارضها من الأدلة الدالة على وجوب الجمعة كتابا وسنة فالظاهر انها تخصص بها كما وقع لهم في غير موضع من تخصيص عموم أدلة الكتاب والسنة بالخبر الصحيح ، وأما من لا يرى العمل به بل يحكم بصحة جميع الأخبار الواردة ولكن يحكم بإلحاقه بالصحيح لشهرته بين الأصحاب وتلقيه بالقبول كما سمعت من كلام الذكرى فإنه يجب ان يكون الأظهر عنده

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 12 من صلاة العيد.


هو ما ذكره ابن الجنيد.

وتوضيحه ان صحيحة الحلبي وان دلت بإطلاقها على السقوط عن كل من حضر العيد من أهل المصر وغيرهم من أهل القرى إلا ان الروايات الأخر قد خصت الرخصة بالنائي من أهل القرى ، فيجب حمل إطلاق الصحيحة المذكورة على ما فصلته هذه الروايات حمل المطلق على المقيد كما هو القاعدة المسلمة بينهم. وأما قوله في المدارك ـ في منع دلالة الروايتين المذكورتين في كلامه : ان اذن الإمام للنائي في عدم الحضور لا يقتضي وجوب الحضور على غيره ـ فهو مغالطة لأن أحدا لا يدعى ذلك وانما الوجه في ذلك هو ان الأدلة من الكتاب والسنة قد دلت على وجوب الجمعة فسقوطها يحتاج الى دليل ، والروايات هنا مع صحتها كما هو المفروض قد دل بعضها على السقوط مطلقا وبعضها على تخصيص السقوط بالنائي ، ومقتضى الجمع حمل مطلقها على مقيدها وبها حينئذ يخص عموم الكتاب والسنة ، واللازم من ذلك هو ما قلناه من تخصيص الرخصة بالنائي خاصة.

وبذلك يظهر لك ضعف قول من ذهب الى السقوط مطلقا كما هو القول الأول لما فيه من اطراح هذه الأخبار مع إمكان الجمع بينها وبين الصحيحة المذكورة بما ذكرناه ، وضعف قول من ذهب الى الوجوب مطلقا كما هو قول ابى الصلاح ومن معه لما ذكرنا من تخصيص تلك الأدلة بهذه الأخبار بعد جمعها على ذلك الوجه الواضح المنار

وأما ما ذكره في الذكرى ـ من ان البعد والقرب من الأمور الإضافية فيصدق القاصي على من بعد بأدنى بعد فيدخل الجميع إلا من كان مجاورا للمسجد ، وجعل هذا وجه جمع بين الأخبار ومن ثم قال بالقول الأول مع ما ذكره من الاعتماد على روايتي إسحاق وسلمة ـ فبعده أظهر من أن يخفى ، إذ المتبادر عرفا من القاصي هنا انما هو من كان خارجا عن المصر وهم أصحاب القرى الخارجة كما صرح به صاحب كتاب الدعائم ، وهذا هو المعنى الذي فهمه عامة الأصحاب لأنه هو المتبادر المنساق الى الفهم في هذا الباب ، وقد اعترف هو نفسه بذلك ايضا فقال بعد ذكر


ما قدمنا نقله عنه : وربما صار بعض الى تفسير القاصي بأهل القرى دون أهل البلد لأنه المتعارف. انتهى. وتخصيصه بالبعض المؤذن بوجود بعض آخر قائل بما ذهب اليه لا وجه له فان من أمعن النظر في كلام الأصحاب لا يخفى عليه ان ما ذكره (قدس‌سره) مخصوص به.

ثم على تقدير القول المشهور من تخيير الجميع المؤذن بسقوط الوجوب عنهم فهل يجب الحضور على الإمام أم لا؟ قطع جمع من الأصحاب : منهم ـ المرتضى في المصباح على ما نقل عنه بوجوب الحضور عليه فان اجتمع معه العدد صلى الجمعة وإلا سقطت وصلى الظهر.

قال في المدارك وربما ظهر من الشيخ في الخلاف تخيير الإمام أيضا ولا بأس به. انتهى.

أقول : لا يخفى ثبوت البأس في ما نفى عنه البأس (أما أولا) فللأدلة العامة في وجوب الحضور للجمعة وهي قطعية لا معارض لها هنا.

و (اما ثانيا) فلقوله (عليه‌السلام) في خبر إسحاق بن عمار (1) «فأنا أصليهما جميعا». وقوله (عليه‌السلام) في خبر سلمة «ان يجمع معنا». وفي خبر الدعائم (2) «قد أذنت لمن كان مكانه قاصيا».

وبالجملة فإن المفهوم من هذه الأخبار ان التخيير إنما هو للمأمومين كما تشعر به الصحيحة المذكورة أو لخصوص القاصي كما تشعر به الروايات الأخر.

قال في الذكرى : تنبيه ـ ظاهر كلام الشيخ في الخلاف تخيير الإمام أيضا وصرح المرتضى بوجوب الحضور عليه وهو الأقرب لوجود المقتضى مع عدم المنافي ، ولما مر في خبر إسحاق «وانا أصليهما جميعا» انتهى. وهو جيد.

ونقل في الذخيرة القول بالوجوب على الامام عن ابى الصلاح وابن البراج والمحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى وهو الحق في المسألة.

__________________

(1) ص 236.

(2) ص 237.


ثم انهم صرحوا بأنه يستحب للإمام الاعلام بذلك في الخطبة تأسيا بأمير المؤمنين (عليه‌السلام) (1) وهو جيد. وهو العالم.

البحث الثاني ـ في الكيفية وكيفيتها أن يكبر تكبيرة الإحرام ويقرأ الحمد وسورة ثم يكبر بعد القراءة على الأظهر ثم يقنت بالمرسوم حتى يكبر خمسا ثم يكبر ويركع فإذا سجد السجدتين قام وقرأ الحمد وسورة ثم يكبر أربعا ويقنت بعد كل تكبيرة ثم يكبر خامسة للركوع ويركع ، فيكون الزائد على المعتاد تسع تكبيرات خمس في الاولى واربع في الثانية.

والأصل في هذه الكيفية الأخبار الواردة عن أهل العصمة (عليهم‌السلام) ومنها ـ

ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن معاوية بن عمار (2) قال : «سألته عن صلاة العيدين فقال ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء وليس فيهما أذان ولا اقامة ، يكبر فيهما اثنتي عشرة تكبيرة : يبدأ فيكبر ويفتتح الصلاة ثم يقرأ فاتحة الكتاب ثم يقرأ «والشمس وضحاها» ثم يكبر خمس تكبيرات ثم يكبر ويركع فيكون يركع بالسابعة ثم يسجد سجدتين ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب و «هل أتاك حديث الغاشية» ثم يكبر أربع تكبيرات ويسجد سجدتين ويتشهد ويسلم. قال : وكذلك صنع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والخطبة بعد الصلاة وانما أحدث الخطبة قبل الصلاة عثمان. الحديث».

ومنها ـ ما رواه عن على بن أبي حمزة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) «في صلاة العيدين قال يكبر ثم يقرأ ثم يكبر خمسا ويقنت بين كل تكبيرتين ثم يكبر السابعة ويركع بها ، ثم يسجد ثم يقوم في الثانية فيقرأ ثم يكبر أربعا ويقنت بين كل تكبيرتين ثم يكبر ويركع بها».

ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4)

__________________

(1) كما دلت عليه صحيحة الحلبي ورواية سلمة المتقدمتان ص 236.

(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد.


قال : «التكبير في الفطر والأضحى اثنتا عشرة تكبيرة : يكبر في الأولى واحدة ثم يقرأ ثم يكبر بعد القراءة خمس تكبيرات والسابعة يركع بها ، ثم يقوم في الثانية فيقرأ ثم يكبر أربعا والخامسة يركع بها. الحديث».

وعن يعقوب بن يقطين في الصحيح (1) قال : «سألت العبد الصالح (عليه‌السلام) عن التكبير في العيدين أقبل القراءة أو بعدها؟ وكم عدد التكبير في الاولى وفي الثانية والدعاء بينهما وهل فيهما قنوت أم لا؟ فقال تكبير العيدين للصلاة قبل الخطبة يكبر تكبيرة يفتتح بها الصلاة ثم يقرأ ويكبر خمسا ويدعو بينهما ثم يكبر اخرى ويركع بها فذلك سبع تكبيرات بالتي افتتح بها ، ثم يكبر في الثانية خمسا : يقوم فيقرأ ثم يكبر أربعا ويدعو بينهن ثم يكبر التكبيرة الخامسة».

وعن إسماعيل الجعفي عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (2) «في صلاة العيدين قال يكبر واحدة يفتتح بها الصلاة ثم يقرأ أم الكتاب وسورة ثم يكبر خمسا يقنت بينهن ثم يكبر واحدة ويركع بها ، ثم يقوم فيقرأ أم القرآن وسورة ، يقرأ في الأولى «سبح اسم ربك الأعلى» وفي الثانية «والشمس وضحاها» ثم يكبر أربعا ويقنت بينهن ثم يركع بالخامسة».

وعن محمد بن مسلم (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التكبير في الفطر والأضحى فقال ابدأ فكبر تكبيرة ثم تقرأ ثم تكبر بعد القراءة خمس تكبيرات ثم تركع بالسابعة ، ثم تقوم فتقرأ ثم تكبر أربع تكبيرات ثم تركع بالخامسة».

وعن سماعة في الموثق (4) قال : «سألته عن الصلاة يوم الفطر فقال ركعتين بغير أذان ولا اقامة ، وينبغي للإمام أن يصلى قبل الخطبة ، والتكبير في الركعة الأولى يكبر ستا ثم يقرأ ثم يكبر السابعة ثم يركع بها فتلك سبع تكبيرات ، ثم يقوم في الثانية فيقرأ فإذا فرغ من القراءة كبر أربعا ثم يكبر الخامسة ويركع بها. الحديث». الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد.


إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد وقع الخلاف هنا في مواضع (الأول) في التكبيرات الزائدة وهي التكبيرات التسع هل هي واجبة أو مستحبة؟ فالذي عليه الأكثر ـ ومنهم السيد المرتضى وابن الجنيد وأبو الصلاح وابن إدريس ـ الوجوب وقال الشيخ المفيد في المقنعة : من أخل بالتكبيرات التسع لم يكن مأثوما إلا انه يكون تاركا سنة ومهملا فضيلة. وهو صريح في الاستحباب.

واستدل له الشيخ في التهذيب بصحيحة زرارة (1) قال : «ان عبد الملك بن أعين سأل أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الصلاة في العيدين فقال الصلاة فيهما سواء : يكبر الإمام تكبيرة الصلاة قائما كما يصنع في الفريضة ثم يزيد في الركعة الأولى ثلاث تكبيرات وفي الأخرى ثلاثا سوى تكبيرة الصلاة والركوع والسجود ، وان شاء ثلاثا وخمسا وان شاء خمسا وسبعا بعد ان يلحق ذلك الى وتر». قال الشيخ : ألا ترى انه جوز الاقتصار على الثلاث تكبيرات وعلى الخمس تكبيرات وهذا يدل على ان الإخلال بها لا يضر الصلاة.

والى هذا القول مال جملة من المتأخرين : منهم ـ المحقق في المعتبر وغيره. وأجاب في الاستبصار عن هذه الرواية وما في معناها بالحمل على التقية لموافقتها لمذهب كثير من العامة (2) قال ولسنا نعمل به وإجماع الفرقة المحقة على ما قدمناه.

واستدل في المدارك للقول المشهور ـ حيث اختاره وجعله الأصح ـ بالتأسي وظاهر الأمر.

وأنت خبير بان استدلاله بالتأسي هنا لا وجه له وان وقع منه مثله في غير موضع كما وقع منه رد ذلك أيضا في غير موضع ، وهذا من جملة المواضع التي اضطرب فيها كلامه كما تقدمت الإشارة إليه في مواضع من الكتاب. والتأسي انما يمكن الاستدلال به على الوجوب في ما علم وجوبه على المعصوم (عليه‌السلام) لا مطلقا كما

__________________

(1) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد.

(2) نيل الأوطار ج 3 ص 253 والبحر الرائق ج 2 ص 160.


صرحوا به في الأصول. نعم الاستدلال بظاهر الأمر جيد.

ثم ان مما يؤيد ما ذكره الشيخ من صحيحة زرارة ما رواه عن هارون بن حمزة الغنوي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن التكبير في الفطر والأضحى قال خمس واربع فلا يضرك إذا انصرفت على وتر». قوله «خمس واربع» يعني خمس في الأولى وأربع في الثانية من غير إضافة تكبيرة الإحرام ولا تكبيرة الركوع. وقوله «فلا يضرك إذا انصرفت على وتر» يعنى ان السنة في التكبيرات هو ما ذكرنا من التسع على الوجه المذكور إلا انه لا يضرك الاقتصار على ما دون ذلك مع كون إتمام التكبير على وتر فيهما معا كما في الخبر ، أو في كل واحدة كما في صحيحة زرارة المذكورة.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (2) بعد أن ذكر أولا كيفية الصلاة على نحو ما قدمناه في الأخبار : وروى ان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) صلى بالناس صلاة العيد فكبر في الركعة الأولى بثلاث تكبيرات وفي الثانية بخمس تكبيرات وقرأ فيهما «سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية» وروى انه كبر في الأولى بسبع وكبر في الثانية بخمس وركع بالخامسة ، وقنت بين كل تكبيرتين.

وكيف كان فالأقرب هو القول المشهور مع تأيده بالاحتياط وتوقف الخروج عن عهدة التكليف على الإتيان بذلك وتعين حمل ما خالفه على التقية (3) كما صرح به في الاستبصار. والله العالم.

الثاني ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في التكبير في الركعتين هل هو بعد القراءة فيهما معا أو في الثانية خاصة وأما الأولى فقبلها أو يفرق في الثانية فتجعل واحدة قبل القراءة والباقي بعدها؟ على أقوال ، والمشهور الأول ونقله في المدارك عن معظم الأصحاب ، قال : ومنهم ـ الشيخ والمرتضى وابن بابويه وابن

__________________

(1) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد.

(2) ص 12.

(3) التعليقة 2 ص 242.


ابى عقيل وابن حمزة وابن إدريس ، وقال ابن الجنيد التكبير في الأولى قبل القراءة وفي الثانية بعدها ، وقال الشيخ المفيد يكبر للقيام إلى الثانية قبل القراءة ثم يكبر بعد القراءة ثلاثا ويقنت ثلاثا. وهذا القول نقله في المختلف عن السيد المرتضى والشيخ المفيد وابى الصلاح وابن البراج وابن زهرة.

قال (قدس‌سره) في الكتاب المذكور : مسألة ـ قال الشيخ يبدأ بعد تكبيرة الإحرام بالقراءة ثم يكبر التكبيرات للقنوت في الركعة الاولى وفي الثانية يكبر ايضا بعد القراءة ، وهو قول السيد المرتضى وابن ابى عقيل وابن حمزة وابن إدريس وابن بابويه والمفيد وابى الصلاح وابن البراج وابن زهرة ، إلا ان السيد المرتضى قال : فإذا نهض إلى الثانية كبر وقرأ ثم كبر الباقي بعد القراءة. وكذا قال المفيد وأبو الصلاح وابن البراج وابن زهرة. والظاهر ان مرادهم بالتكبير السابق على القراءة في الركعة الثانية هو تكبيرة القيام إليها. ثم نقل مذهب ابن الجنيد.

أقول : وظاهره انه قول مشهور بين المتقدمين فاقتصاره في المدارك على نقل ذلك عن الشيخ المفيد خاصة غفلة منه عن ملاحظة ما في المختلف بل عده ابن بابويه والمرتضى من جملة القائلين بالقول المشهور مع ان الأمر ليس كذلك ، أما المرتضى فلما عرفت من عبارة المختلف واما ابن بابويه فلما ذكره في الفقيه حيث قال : يبدأ الإمام فيكبر واحدة ثم يقرأ الحمد و «سبح اسم ربك الأعلى» ثم يكبر خمسا يقنت بين كل تكبيرتين ثم يركع بالسابعة ويسجد سجدتين فإذا نهض إلى الثانية كبر وقرأ الحمد و «الشمس وضحاها» ثم كبر تمام أربع تكبيرات مع تكبيرة القيام ثم يركع بالخامسة.

بقي الكلام في مستند هذا القول حيث انه خلاف ما صرحت به أخبار المسألة مما تقدم وسيأتي ان شاء الله تعالى ، وعدم وصول المستند إلينا لا يدل على العدم فإن هؤلاء الأجلاء لا يقولون بذلك إلا مع وصول النص إليهم إلا أنا غير مكلفين به مع عدم وصوله إلينا. واما مستند القول المشهور فهو ما قدمناه من الأخبار.


واما ما ذهب اليه ابن الجنيد فيدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله ابن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «التكبير في العيدين في الأولى سبع قبل القراءة وفي الأخيرة خمس بعد القراءة».

وعن إسماعيل بن سعد الأشعري في الصحيح عن الرضا (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن التكبير في العيدين قال التكبير في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الأخيرة خمس تكبيرات بعد القراءة».

وعن هشام بن الحكم عن ابى عبد الله وحماد عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) «في صلاة العيدين قال تصل القراءة بالقراءة ، وقال تبدأ بالتكبير في الاولى ثم تقرأ ثم تركع بالسابعة».

وعن سماعة في الموثق (4) قال : «سألته عن الصلاة يوم الفطر فقال ركعتين بغير أذان ولا اقامة. الخبر». وقد تقدم في صدر البحث.

ومنها ـ ما رواه الصدوق في الفقيه عن ابى الصباح الكناني (5) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التكبير في العيدين فقال اثنتا عشرة سبع في الاولى وخمس في الأخيرة ، فإذا قمت في الصلاة فكبر واحدة وتقول اشهد ان لا إله إلا الله. ثم ساق التكبيرات والأدعية بعدها الى أن قال وتقرأ الحمد و «سبح اسم ربك الأعلى» وتكبر السابعة وتركع وتسجد وتقوم وتقرأ الحمد و «الشمس وضحاها» وتقول الله أكبر اشهد أن لا إله إلا الله.» ثم ساق التكبيرات وأدعيتها.

وأجاب الشيخ في التهذيبين عن هذه الروايات بأنها موافقة لمذهب بعض العامة (6) قال في المعتبر بعد نقل ذلك عنه : وليس هذا التأويل بحسن فان ابن بابويه ذكر ذلك في كتابه بعد أن ذكر في خطبته انه لا يودعه إلا ما هو حجة ، قال

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد.

(5) الوسائل الباب 26 من صلاة العيد.

(6) نيل الأوطار ج 3 ص 253.


والأولى ان يقال فيه روايتان أشهرهما بين الأصحاب ما اختاره الشيخ. قال في المدارك بعد نقل ذلك : وهو حسن. أقول ـ وبالله سبحانه التوفيق الى هدايته سواء الطريق ـ ما ذكره هذان الفاضلان محل نظر عندي من وجوه :

الأول ـ انه لا يخفى على من تأمل كتاب من لا يحضره الفقيه ونظره ولاحظه بعين التدبر والتفكر انه لم يبق مصنفه على هذه القاعدة التي ذكرها في صدر كتابه (1) أو انه أراد بها معنى غير ما يتسارع اليه فهم الناظر فيها ، حيث انه أورد في الكتاب جملا من الأخبار الظاهرة التناقض من غير تعرض للجمع بينها وجملا من الاخبار الشاذة النادرة الظاهرة في الموافقة للعامة وجملا من الاخبار المخالفة لما عليه كافة علماء الفرقة سلفا وخلفا ، مثل خبر الوضوء والغسل بماء الورد (2) وخبر نقض الطهارة بمجرد مس الذكر (3) وخبر طهارة جلد الميتة (4) وأمثال ذلك مما مر بنا حال قراءة

__________________

(1) ج 1 ص 6.

(2) الوسائل الباب 3 من الماء المضاف عن الكليني ورواها الشيخ في التهذيب ج 1 ص 62 عن الكليني وكذا في الاستبصار ج 1 ص 14 والصدوق لم يورد ذلك في الفقيه بنحو الرواية وانما ذكره ج 1 ص 6 بنحو الفتوى. هذا على تقدير ان تكون العبارة ـ كما نقلها المصنف (قدس‌سره) ج 1 ص 394 ـ هكذا «ولا بأس بالوضوء والغسل من الجنابة والاستياك بماء الورد» واما على تقدير أن تكون العبارة ـ كما هي في الفقيه ـ هكذا «ولا بأس بالوضوء منه والغسل من الجنابة والاستياك بماء الورد» فلا دلالة لها على جواز الوضوء والغسل بماء الورد أصلا وانما تتعرض للاستياك بماء الورد فقط إذ هي واردة عقيب خبر بلوغ الماء القلتين وانه لا ينجسه شي‌ء فهي ناظرة إلى جواز الوضوء والغسل من الماء البالغ قلتين وضمير «منه» راجع إليه.

(3) الوسائل الباب 9 من نواقض الوضوء عن الشيخ ولم يورده في الفقيه بنحو الرواية وانما ذكره ج 1 ص 39 بنحو الفتوى.

(4) الوسائل الباب 34 من النجاسات.


بعض الأخوان في الكتاب علينا. وبالجملة فإنا قد صار الأمر عندنا في عبارته المذكورة بناء على ما وقفنا عليه في كتابه مما لا شك في عدم العمل بها على ظاهرها كما يقف عليه المتتبع البصير ولا ينبئك مثل خبير.

الثاني ـ ان ما ذكروه ـ من حجية ما ذكره ابن بابويه في كتابه بناء على ما قدمه في صدره ـ لا نراهم يقفون عليه دائما ولا يجعلونه كليا وانما يدورون فيه مدار أغراضهم ومقاصدهم ، فتارة يحتجون بما في الكتاب بناء على القاعدة المذكورة في صدره وتارة يرمون اخباره بضعف السند إذا لم تكن صحيحة باصطلاحهم ويغمضون النظر عن هذه القاعدة ويلغون ما فيها من الفائدة كما لا يخفى على من تتبع كتاب المدارك في غير مقام. ومقتضى الوقوف على هذه القاعدة هو الجواب عن اخباره بغير ضعف السند كما لا يخفى.

الثالث ـ ان مرجع كلام هذا القائل إلى التخيير ، وفيه انه لا يخفى ان التخيير حكم شرعي يتوقف على ثبوت الدليل الواضح كغيره من الأحكام الشرعية ، ومجرد اختلاف الأخبار لا يصلح لان يكون دليلا على ذلك وإلا لكان ذلك قاعدة كلية في مواضع اختلاف الأخبار ولا أظن هذا القائل يلتزمه ، والاخبار المذكورة عارية عن الإشارة فضلا عن الدلالة الظاهرة على ما ادعاه.

الرابع ـ ان الأئمة (عليهم‌السلام) قد قرروا لنا قواعد لاختلاف الأخبار وأمروا بالرجوع إليها في الترجيح بينها والأخذ بالراجح في هذا المضمار ومنها العرض على مذهب العامة والأخذ بخلافه (1).

والعامة وان كانوا في هذه المسألة مختلفين أيضا إلا ان جملة منهم ـ كما نقله في المنتهى ـ على التقديم مطلقا وجملة منهم على التقديم على القراءة في الاولى والتأخير في الثانية كما هو مذهب ابن الجنيد ، ونقل الأول في المنتهى عن الشافعي قال : وهو المروي عن أبي هريرة والفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز والزهري ومالك والليث

__________________

(1) الوسائل الباب من 9 صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به.


واحمد في إحدى الروايتين ، ونقل الثاني عن أحمد في الرواية الأخرى وابن مسعود وحذيفة وابى موسى والحسن وابن سيرين والثوري ، قال وبه قال أصحاب الرأي (1)

ومنه يظهر ان اخبار القول المشهور سالمة من تطرق احتمال التقية بالكلية حيث لا قائل منهم بالتأخير في الركعتين معا وهذه الأخبار موافقة لأهل القول الثاني الذين من جملتهم أبو حنيفة واتباعه وهم المشار إليهم بأصحاب الرأي ، ولا ريب ان مذهب أبي حنيفة في عصره كان في غاية القوة والشيوع كما لا يخفى على من لاحظ السير والأخبار فيتعين حملها على التقية.

ولكن بعض المتصلفين من أصحاب هذا الاصطلاح كما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم يتهافتون على صحة الأسانيد فإذا كان الخبر صحيحا باصطلاحهم جمدوا عليه وان كان مضمونه مخالفا للقواعد الشرعية ومشتملا على العلل الظاهرة غير الخفية ، ومتى كان الخبر ضعيفا باصطلاحهم أعرضوا عنه وان اعتضد بموافقة الأصول والكتاب والشهرة بين الأصحاب إلا ان تلجئهم الحاجة إليه فيغمضون عن ذلك.

ومما يعضد ما ذكرناه اتفاق الأصحاب على العمل بمضمون ما قدمناه من الأخبار والإعراض عن هذه الأخبار قديما وحديثا سوى ابن الجنيد الذي قد طعنوا عليه بموافقته للعامة في جملة فتاواه بل عمله بالقياس الذي هو من أصول العامة. وبالجملة فالحق هو القول المشهور.

وقد وافقنا في هذا المقام الفاضل الخراساني في الذخيرة مع اقتفائه أثر صاحب المدارك في جل الأحكام والجمود على أقواله وأدلته وتشييدها ، فقال بعد نقل الجمع بين الأخبار بحمل اخبار ابن الجنيد على التقية : وهو حسن. وقال بعد نقل كلام المعتبر الذي استحسنه صاحب المدارك : وفيه تأمل لا يخفى على المتدبر.

وبالجملة فالجمع بما ذكره الشيخ (قدس‌سره) بين الأخبار جيد لا يعتريه عند

__________________

(1) نيل الأوطار ج 3 ص 253.


الإنصاف شبهة الإنكار. والله العالم.

الثالث ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في القنوت بعد التكبيرات السبع هل هو واجب أو مستحب؟ فالأكثر على الأول وهو الذي عليه المعول ونص المرتضى كما ذكره في الذكرى على انه مما انفرد به الإمامية ، وقال الشيخ في الخلاف انه مستحب لأن الأصل براءة الذمة من الوجوب.

وظاهر صاحب المدارك الميل الى ذلك فإنه بعد ان احتج للقول الأول بروايتي يعقوب بن يقطين وإسماعيل بن جابر (1) نقل عن الشيخ في الخلاف القول بالاستحباب والاحتجاج عليه بأصالة براءة الذمة من الوجوب. قال وجوابه ان الأصل يصار الى خلافه لدليل وقد بيناه. ثم قال : وقد يقال ان هاتين الروايتين لا تنهضان حجة في إثبات حكم مخالف للأصل خصوصا مع معارضتهما بعدة أخبار واردة في مقام البيان خالية من ذكر القنوت.

وأنت خبير بما فيه كما لا يخفى على الفطن النبيه (أما أولا) فلأنه قد حكم بصحة رواية يعقوب بن يقطين في صدر هذه المقالة في الاستدلال على بيان الكيفية والأمر كذلك وان ذكرها هنا عارية عن وصف الصحة ، وحينئذ فتمسكه بالأصل في مقابلة الخبر الصحيح الصريح الذي هو دليل شرعي عنده خروج عن قاعدته في هذا الكتاب بل القاعدة المتفق عليها بين الأصحاب.

و (أما ثانيا) فان الفصل بالقنوت والأمر به هنا ليس منحصرا في هاتين الروايتين بل هو موجود في جملة من الأخبار :

ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (2) قال : «سألته عن الكلام الذي يتكلم به في ما بين التكبيرتين في العيدين فقال ما شئت من الكلام الحسن».

__________________

(1) ص 241.

(2) الوسائل الباب 26 من صلاة العيد.


وفي رواية على بن أبي حمزة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال في الركعة الاولى : «ثم يكبر خمسا ويقنت بين كل تكبيرتين. الى ان قال في الثانية : ثم يكبر أربعا فيقنت بين كل تكبيرتين».

وفي رواية بشر بن سعيد عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «تقول في دعاء العيدين بين كل تكبيرتين : الله ربي. الى آخره».

وفي رواية محمد بن عيسى بن ابى منصور عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «تقول بين كل تكبيرتين في صلاة العيدين : اللهم أهل الكبرياء.».

وفي رواية جابر عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (4) قال : «كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) إذا كبر في العيدين قال بين كل تكبيرتين : اشهد ان لا إله إلا الله. الى آخره».

وفي موثقة سماعة (5) «وينبغي ان يتضرع بين كل تكبيرتين ويدعو الله».

ولفظ «ينبغي» في الأخبار كما قدمنا بيانه مشترك بين الوجوب والاستحباب.

وفي رواية الكناني (6) «فكبر واحدة وتقول أشهد ان لا إله إلا الله. الى آخره».

ثم ساق التكبيرات والأدعية على أثرها.

وفي كتاب الفقه الرضوي (7) «تكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس تكبيرات تقنت بين كل تكبيرتين ، والقنوت أن تقول. الى آخره».

و (أما ثالثا) فان ما ذكره ـ من المعارضة بعدة من الأخبار الواردة في مقام البيان خالية من ذكر القنوت ـ مردود بان غايتها ان تكون مطلقة بالنسبة إلى الإتيان بالقنوت وعدمه لا انها دالة على نفيه ، ومقتضى الجمع بينها وبين ما ذكرنا من الأخبار هو حمل إطلاقها على هذه الأخبار المقيدة كما هو مقتضى القاعدة المطردة على انه يمكن ان يقال ـ بل هو الظاهر لا على طريق الاحتمال ـ ان كون المقام في تلك الأخبار مقام البيان انما هو بالنسبة إلى التكبيرات كما وكيفا لاختلاف الأخبار

__________________

(1 و 5) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد.

(2 و 3 و 4 و 6) الوسائل الباب 26 من صلاة العيد.

(7) ص 12.


كما عرفت آنفا ـ في ذلك وكون بعضها انما خرج مخرج التقية كما قدمنا ذكره في روايات ابن الجنيد الدالة على ان التكبير في الأولى قبل القراءة (1) وكما تقدم نقله (2) عن الشيخ في الاستبصار في الجواب عن رواية عبد الملك بن أعين الدالة في التكبير على التخيير «ان شاء ثلاثا وخمسا وان شاء خمسا وسبعا بعد ان يلحق ذلك الى وتر» ونحوها مما قدمنا ذكره ، وحينئذ فإذا كان الاختلاف في التكبير على هذا الوجه يكون الغرض من هذه الأخبار البيان بالنسبة إلى الوجه المذكور لا بالنسبة إلى كيفية الصلاة ، ويعضد ذلك ان هذه الروايات التي زعم ورودها في مقام البيان انما تضمنت التكبير خاصة دون غيره مما يتعلق بكيفية الصلاة.

ومن ذلك يظهر لك ان الظاهر هو القول المشهور من الوجوب في القنوت لوقوع الأمر به في جملة من هذه الأخبار وان كان بالجملة الفعلية ، ويعضده توقف يقين البراءة عليه.

وبذلك يتبين لك ايضا ما في كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث انه تبع صاحب المدارك في الاستناد الى مقام البيان في تلك الأخبار الخالية من ذكر القنوت كما هي عادته غالبا. والله العالم.

الرابع ـ أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على وجوب قراءة سورة بعد الحمد وانه لا يتعين في ذلك سورة مخصوصة قاله في التذكرة ، وانما اختلفوا في الأفضل ، فنقل عن الشيخ في الخلاف والمفيد والسيد المرتضى وابى الصلاح وابن البراج وابن زهرة انه الشمس في الاولى والغاشية في الثانية ، وقال الشيخ في المبسوط والنهاية انه يقرأ في الأولى الأعلى وفي الثانية الشمس ، وهو قول ابن بابويه في المقنع ومن لا يحضره الفقيه.

وقال في الذكرى : يجب قراءة الحمد وسورة معها كسائر الفرائض ، ولا خلاف في عدم تعين سورة وانما الخلاف في الأفضل ، فذهب جماعة إلى انه يقرأ

__________________

(1) ص 245.

(2) ص 242.


الأعلى في الاولى والشمس في الثانية ، وقال آخرون الشمس في الاولى والغاشية في الثانية ، وهذان القولان مشهوران ، وقال على بن بابويه يقرأ في الأولى الغاشية وفي الثانية الأعلى ، وقال ابن ابى عقيل يقرأ في الأولى الغاشية وفي الثانية والشمس.

وقال في المدارك بعد ذكر القول الأول : وعليه دلت صحيحة جميل (1) لانه قال : «وسألته ما يقرأ فيهما؟ قال والشمس وضحاها وهل أتاك حديث الغاشية وأشباههما». ثم نقل القول الثاني وذكر انه رواه إسماعيل بن جابر عن الباقر (عليه‌السلام) (2) ثم رد الرواية بضعف السند وقال : والعمل على الأول لصحة مستنده. انتهى.

أقول : لا يخفى ان هذه الصحيحة التي نقلها دليلا للقول الأول واختاره لأجلها لا دلالة فيها على ذلك إذ لا اشعار فيها فضلا عن التصريح أو الظهور بما ذكره هؤلاء المشار إليهم ، فان المدعى في كلامهم هو أفضلية الشمس في الاولى والغاشية في الثانية ، وغاية ما تدل عليه هذه الرواية هو انه يقرأ في صلاة العيدين هاتين السورتين وأشباههما في الطول من غير تعرض لافضلية هاتين السورتين على غيرهما ولا تعرض لوظيفة الركعة الاولى والثانية من هذه السور ، وانما الدليل على هذا القول ما رواه في الكافي بطريق فيه محمد بن عيسى عن يونس عن معاوية ابن عمار وقد تقدمت في صدر البحث (3) وهذه الرواية هي الرواية الصريحة في هذا القول وهي التي اعتمد عليها القائلون به ، والظاهر انه انما عدل عنها لضعف سندها ولم ير في هذا الباب رواية صحيحة السند إلا هذه الرواية فالتجأ إلى الاستدلال بها على القول المذكور ، وهي عن الدلالة بمعزل لما عرفت من انها لا خصوصية فيها لهاتين السورتين بل هما وما شابههما ومن الظاهر دخول سورة الأعلى ونحوها في ذلك المشابه ، ولا تعرض فيها لبيان وظيفة كل ركعة والمدعى ذلك وهو محل الخلاف إذ لا خلاف ولا نزاع في اجزاء هذه السور كيف اتفق انما الخلاف في بيان الفضيلة في التوظيف وتخصيص كل ركعة بسورة فكيف تصلح هذه الرواية للمدعى والحال

__________________

(1) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد.

(2) ص 241.

(3) ص 240.


كما عرفت؟ ولكن ضيق الخناق في هذا الاصطلاح أوجب لهم الوقوع في أمثال ما قلناه من المجازفات التي تتطرق إليها المناقشات ، والواجب بمقتضى العمل باصطلاحه هو ضرب الصفح عن الكلام في هذه المسألة وترجيح شي‌ء من القولين لان اخبار القولين كلها ضعيفة باصطلاحه ، وهذا أحد مفاسد هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب من الصلاح.

وكيف كان فالذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذا المقام ما عرفته من رواية معاوية بن عمار (1) وفيها والشمس وضحاها في الأولى والغاشية في الثانية ، ورواية إسماعيل بن جابر (2) وفيها سبح اسم ربك الأعلى في الركعة الأولى وفي الثانية والشمس وضحاها ، والأولى دليل القول الأول والثانية دليل القول الثاني كما عرفت ، ورواية أبي الصباح الكناني المتقدم نقلها عن الفقيه (3) وفيها سبح اسم ربك الأعلى في الركعة الأولى والشمس وضحاها في الركعة الثانية وهي موافقة لرواية إسماعيل بن جابر فتكون دليلا للقول الثاني.

وقال (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (4) : واقرأ في الركعة الأولى هل أتاك حديث الغاشية وفي الثانية والشمس وضحاها أو سبح اسم ربك الأعلى. الى ان قال وروى ان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) صلى بالناس صلاة العيد فكبر في الأولى بثلاث تكبيرات وفي الثانية بخمس تكبيرات وقرأ فيهما بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية.

وفي صحيحة جميل المذكورة آنفا ان الذي يقرأ فيهما الشمس وضحاها وهل أتاك حديث الغاشية وأشباههما.

وأنت خبير بأنه من المحتمل قريبا ان تعيين بعض هذه السور في الركعة الاولى والثانية انما وقع على جهة التمثيل لا الاختصاص على جهة الأفضلية كما ادعوه فإنه لا قرينة في شي‌ء من هذه الأخبار تؤنس بهذه الأفضلية ولا إشعار بالكلية وانما غاية ما تدل عليه انه يقرأ فيها سورة كذا ، ويعضد ذلك إطلاق صحيحة جميل وإطلاق

__________________

(1) ص 240.

(2) ص 241.

(3) ص 245.

(4) ص 12.


ما نقله في كتاب الفقه عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ويشير اليه قوله (عليه‌السلام) في كتاب الفقه وفي الثانية والشمس وضحاها أو سبح اسم ربك الأعلى. ومن كلامه (عليه‌السلام) في الفقه يعلم مستند الشيخ على بن بابويه وابن ابى عقيل في ما تقدم نقله عنهما حيث انهما اتفقا على الغاشية في الاولى واختلفا في الثانية فأحدهما ذكر سورة الشمس والأخر سورة الأعلى ، والرواية المذكورة قد دلت على التخيير في الثانية بين هاتين السورتين. والله العالم.

الخامس ـ المشهور انه لا يتعين في القنوت لفظ مخصوص للأصل ، وما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) قال «سألته عن الكلام الذي يتكلم به في ما بين التكبيرتين في العيدين فقال ما شئت من الكلام الحسن».

ويعضده اختلاف الروايات في القنوت المرسوم عنهم (عليهم‌السلام). وربما ظهر من عبارة الشيخ ابى الصلاح قصر الوجوب بما ورد عنهم (عليهم‌السلام) فإنه قال : فيلزمه أن يقنت بين كل تكبيرتين فيقول : اللهم أهل الكبرياء والعظمة. الى آخره. قال في الذكرى فإن أراد به الوجوب تخييرا والأفضلية فحق وان أراد به الوجوب عينا فممنوع. وهو جيد.

أقول : ومن الأخبار الواردة عنهم (عليهم‌السلام) في القنوت في هذه الصلاة ما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن عيسى بن ابى منصور عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «تقول بين كل تكبيرتين في صلاة العيدين : اللهم أهل الكبرياء والعظمة ، وأهل الجود والجبروت وأهل العفو والرحمة وأهل التقوى والمغفرة أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ذخرا ومزيدا أن تصلى على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت على عبد من عبادك وصل على ملائكتك ورسلك واغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون وأعوذ بك من شر ما عاذ بك

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 26 من صلاة العيد.


منه عبادك المرسلون».

وعن جابر عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) إذا كبر في العيدين قال بين كل تكبيرتين : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عبده ورسوله اللهم أهل الكبرياء.» وذكر الدعاء المتقدم الى آخره.

وعن بشر بن سعيد عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «تقول في دعاء العيدين بين كل تكبيرتين : الله ربي أبدا والإسلام ديني أبدا ومحمد نبيي أبدا والقرآن كتابي أبدا والكعبة قبلتي أبدا وعلى وليي أبدا والأوصياء أئمتي أبدا ـ وتسميهم الى آخرهم ـ ولا أحد إلا الله».

وما رواه في التهذيب والفقيه عن محمد بن الفضيل عن ابى الصباح الكناني (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التكبير في العيدين فقال اثنتي عشرة سبع في الاولى وخمس في الأخيرة فإذا قمت في الصلاة فكبر واحدة وتقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عبده ورسوله اللهمّ أنت أهل الكبرياء والعظمة وأهل الجود والجبروت والقدرة والسلطان والعزة أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ذخرا ومزيدا أن تصلى على محمد وآل محمد وان تصلى على ملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين وان تغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبادك المخلصون ، الله أكبر أول كل شي‌ء وآخره وبديع كل شي‌ء ومنتهاه وعالم كل شي‌ء ومعاده ومصير كل شي‌ء ومرده ومدبر الأمور وباعث من في القبور قابل الأعمال مبدئ الخفيات معلن السرائر ، الله أكبر عظيم الملكوت شديد الجبروت حي لا يموت دائم لا يزول إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ، الله أكبر خشعت لك الأصوات وعنت لك الوجوه وحارت دونك الأبصار وكلت الألسن عن عظمتك

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 26 من صلاة العيد.


والنواصي كلها بيدك ومقادير الأمور كلها إليك لا يقضى فيها غيرك ولا يتم منها شي‌ء دونك ، الله أكبر أحاط بكل شي‌ء حفظك وقهر كل شي‌ء عزك ونفذ كل شي‌ء أمرك وقام كل شي‌ء بك وتواضع كل شي‌ء لعظمتك وذلك كل شي‌ء لعزتك واستسلم كل شي‌ء لقدرتك وخضع كل شي‌ء لملكك الله أكبر ، وتقرأ الحمد وسبح اسم ربك الأعلى وتكبر السابعة وتركع وتسجد وتقوم وتقرأ الحمد والشمس وضحاها وتقول الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عبده ورسوله ، اللهم أنت أهل الكبرياء والعظمة. تتمه كله كما قلت أول التكبير يكون هذا القول في كل تكبيرة حتى تتم خمس تكبيرات».

وقال الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (1) «تقنت بين كل تكبيرتين والقنوت ان تقول : اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عبده ورسوله اللهمّ أنت أهل الكبرياء والعظمة وأهل الجود والجبروت وأهل العفو والمغفرة وأهل التقوى والرحمة أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ذخرا ومزيدا أن تصلى على محمد وآل محمد وأسألك بهذا اليوم الذي شرفته وكرمته وعظمته وفضلته بمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أن تغفر لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك مجيب الدعوات يا ارحم الراحمين».

وقال الشيخ في المتهجد (2) في القنوت : ثم يرفع يديه بالتكبير فإذا كبر قال اللهم أهل الكبرياء والعظمة وأهل الجود والجبروت وأهل العفو والرحمة وأهل التقوى والمغفرة أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ذخرا ومزيدا ان تصلى على محمد وآل محمد وان تدخلني في كل خير أدخلت فيه محمدا وآل محمد وان تخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا وآل محمد صلواتك عليه وعليهم اللهم إني أسألك خير ما سألك عبادك الصالحون وأعوذ بك مما استعاذ منه عبادك الصالحون.

__________________

(1) ص 12.

(2) ص 454 وفي آخره «عبادك المخلصون».


قال شيخنا المجلسي في البحار : واما ما ذكره الشيخ في المصباح فلم أره في رواية والظاهر انه مأخوذ من رواية معتبرة عنده اختاره فيه إذ لا سبيل الى الاجتهاد في مثل ذلك. انتهى.

أقول : ويعضده ما ذكره السيد الزاهد العابد رضى الدين بن طاوس (عطر الله مرقده) في كتاب الإقبال حيث قال : واعلم أنا وقفنا على عدة روايات في صفات صلاة العيد بإسنادنا الى ابن أبي قرة والى ابى جعفر بن بابويه والى ابى جعفر الطوسي وها نحن نذكر رواية واحدة ، ثم ذكر رواية المتهجد كما ذكرنا من القنوت وغيره مما لم نذكره.

بقي الكلام هنا في فوائد تتعلق بالمقام وبها يتم ما يتعلق به من الأحكام :

الأولى ـ لا يخفى ان ظاهر الروايات المتقدمة ان القنوتات في الركعة الأولى انما هي أربعة وفي الثانية انما هي ثلاثة لنصها على ان القنوت بين التكبيرات وقضية البينة انه لا قنوت بعد التكبير الخامس في الركعة الأولى ولا بعد الرابع في الركعة الثانية ، وبذلك عبر الشيخ في النهاية والمبسوط والصدوق في الفقيه وغيرهما ، والمعروف من كلام جل الأصحاب ان القنوت بعدد التكبيرات وانه بعد كل تكبير قنوت فتكون القنوتات في الأولى خمسة وفي الثانية أربعة ، وقد تقدم في كلام الشيخ المفيد ومن تبعه ان التكبيرات في الركعة الثانية بعد القراءة ثلاث ومعها ثلاثة قنوتات.

ويمكن حمل البينية في الأخبار على الأغلب بمعنى انه لما كان أكثر القنوتات واقعا بين التكبيرات ـ إذ لا يتخلف عن ذلك إلا القنوت الذي بعد التكبيرة الخامسة في الركعة الأولى والذي بعد الرابعة في الركعة الثانية ـ صح إطلاق البينية على الجميع تجوزا وباب المجاز واسع.

وعلى ذلك يحمل كلام من عبر بهذه العبارة من الأصحاب ، قال في المدارك بعد قول المصنف «ثم يكبر أربعا ويقنت بينها أربعا» ما لفظه : واعلم ان في قول المصنف ـ ثم يكبر أربعا ويقنت بينها أربعا ـ تجوزا لأنه إذا كانت التكبيرات أربعا لم يتحقق


كون القنوت بينها أربعا بل ثلاثا وكان الأظهر أن يقول بعد كل تكبيرة. ثم ذكر ان المستفاد من الروايات سقوط القنوت بعد الخامسة والرابعة. إلا انه يمكن خدشه بان الحمل على خلاف الظاهر لا يصار اليه إلا مع المعارض ولا معارض هنا من الأخبار والمعارضة انما هي في كلام الأصحاب.

وربما يستعان على ما ذكرنا من الحمل المذكور برواية الكناني المتقدمة (1) المشتملة على خمسة قنوتات بعد خمس تكبيرات في الركعة الاولى وأربعة في الثانية وان كانت الرواية قد اشتملت على تقديم التكبيرات والقنوتات على القراءة كما تقدم ، واشتملت على تكبير سادس بعد التكبيرات الخمس وأدعيتها والجميع خلاف ما عليه جل الأصحاب والاخبار إلا ان ذلك أمر خارج عن ما نحن فيه.

وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الإشكال والأحوط هو الإتيان بالقنوت الخامس والرابع من غير ان يعتقد به الوجوب.

الثانية ـ قال في الذكرى : يستحب التوجه بالتكبيرات المستحب تقديمها في اليومية ودعواتها سواء قلنا بان تكبير العيد قبل القراءة أو بعدها ، وربما خطر لبعضهم سقوط دعاء التوجه ان قلنا بتقديم التكبير ، ولا ارى له وجها لعدم المنافاة بين التوجه والقنوت بعده. انتهى.

أقول : ما ذكره هنا من استحباب التكبيرات المستحبة للتوجه في اليومية في هذه الصلاة زيادة على التكبيرات الموظفة فيها لم أقف عليه في كلام غيره من الأصحاب بل ظاهر كلامهم وكذا ظاهر الاخبار الواردة في بيان الكيفية ـ كما قدمنا شطرا منها ـ انما هو انه يكبر تكبيرة الإحرام ثم يقرأ ثم يأتي بالتكبيرات الموظفة كما هو أحد القولين أو يأتي بعد تكبيرة الإحرام بالتكبيرات الموظفة لهذه الصلاة مقدمة على القراءة ثم يقرأ بعدها كما هو القول الآخر ، ففي رواية معاوية بن عمار المتقدمة في صدر البحث (2) «يبدأ فيكبر ويفتتح الصلاة ثم يقرأ فاتحة الكتاب.».

__________________

(1) ص 255.

(2) ص 240.


وفي رواية على بن أبي حمزة «يكبر ثم يقرأ ثم يكبر خمسا». وفي رواية أبي بصير «يكبر في الأولى واحدة ثم يقرأ ثم يكبر بعد القراءة خمس تكبيرات». وفي صحيحة يعقوب بن يقطين «يكبر تكبيرة يفتتح بها الصلاة ثم يقرأ ويكبر خمسا». وفي رواية إسماعيل الجعفي «يكبر واحدة يفتتح بها الصلاة ثم يقرأ أم الكتاب وسورة ثم يكبر خمسا». وعلى هذا النهج جملة روايات المسألة كما لا يخفى على من راجعها ، وهذه الروايات المذكورة كلها قد تقدمت في صدر البحث (1) ونحوها الروايات الواردة بتقديم التكبيرات على القراءة وهي متفقة في عدم ذكر هذه التكبيرات التي ادعى استحبابها في هذه الصلاة. نعم قد تقدم في الفصل الثاني في تكبيرة الإحرام من الباب الثاني في الصلوات اليومية (2) ان من جملة الأقوال في استحباب هذه التكبيرات هو استحبابها في الفرائض مطلقا وكذا في النوافل مطلقا ولعله هنا بنى على ذلك ونحن قد أوضحنا المسألة في المقام المشار إليه وبينا ان الاخبار الواردة بهذه التكبيرات وان كانت مطلقة إلا ان إطلاقها محمول على الفريضة اليومية لأنها المتبادرة من الإطلاق ، وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك مستوفى.

وكيف كان فمن الظاهر بل الصريح في عدم استحباب هذه التكبيرات في هذه الصلاة ما رواه الصدوق في كتابي العلل والعيون عن عبد الواحد بن عبدوس عن على بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه‌السلام) (3) في العلل التي رواها عنه (عليه‌السلام) قال في الخبر : «فان قال فلم جعل سبع في الاولى وخمس في الأخيرة ولم يسو بينهما؟ قيل لأن السنة في صلاة الفريضة ان يستفتح بسبع تكبيرات فلذلك بدئ هنا بسبع تكبيرات وجعل في الثانية خمس تكبيرات لان التحريم من التكبير في اليوم والليلة خمس تكبيرات وليكون التكبير في الركعتين جميعا وترا وترا. الحديث». وهو ظاهر كما ترى في ان هذه السبع الموظفة في هذه الصلاة

__________________

(1) ص 240 و 241.

(2) ج 8 ص 52.

(3) الوسائل الباب 10 من صلاة العيد.


انما جعلت سبعا في الركعة الأولى عوضا عن السبع الافتتاحية التي في الصلوات اليومية وقضية ذلك عدم الإتيان بتلك السباع الافتتاحية الموظفة في اليومية ، وإلا لزم الجمع بين العوض والمعوض عنه ، فكيف يجمع بينهما كما ذكره (قدس‌سره) والمراد بالفريضة في هذا الخبر الصلاة اليومية ، وفيه اشعار بما قدمنا ذكره من ان إطلاق تلك الأخبار الدالة على استحباب التكبيرات الافتتاحية محمول على الصلوات اليومية. والله العالم.

الثالثة ـ يستحب رفع اليدين في كل تكبيرة كما في تكبيرات الصلاة اليومية وبه صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم).

ويدل عليه ما رواه الشيخ في التهذيب عن يونس (1) قال : «سألته عن تكبير العيدين أيرفع يده مع كل تكبيرة أم يجزئه أن يرفع في أول تكبيرة؟ فقال يرفع مع كل تكبيرة».

الرابعة ـ قال في المدارك : لو نسي التكبيرات أو بعضها حتى ركع مضى في صلاته ولا شي‌ء عليه لأنها ليست أركانا ولعموم قوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (2) «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود». وهل تقضى بعد الصلاة؟ أثبته الشيخ لقوله (عليه‌السلام) في صحيحة ابن سنان (3) «إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ثم ذكرت فاصنع الذي فاتك سهوا». نفاه المصنف في المعتبر ومن تأخر عنه لانه ذكر تجاوز محله فيسقط للأصل السالم من المعارض. انتهى. وظاهره التوقف في المسألة حيث اقتصر على نقل القولين وما استدل به كل منهما في البين ولم يرجح شيئا منهما.

وقال في الذكرى : لو نسي التكبيرات أو بعضها حتى يركع مضى في صلاته

__________________

(1) الوسائل الباب 30 من صلاة العيد.

(2) الوسائل الباب 29 من القراءة في الصلاة.

(3) الوسائل الباب 12 من الركوع و 23 و 26 من الخلل.


ولا شي‌ء عليه إذ ليست أركانا ، وهل تقضى بعد الصلاة؟ أثبته الشيخ ولعله لما سبق من الرواية في باب السهو المتضمنة لقضاء الفائت من الصلاة بعدها ، ونفاه في المعتبر وتبعه الفاضل لانه ذكر تجاوز محله فيسقط بالنافي السليم من المعارض. وكأنه عنى بالنافي دلالة الأصل على عدم القضاء وان الفائت لا يجب قضاؤه وعنى بالمعارض الأمر الجديد الدال على القضاء فإنه منفي ، وللشيخ أن يبدى وجود المعارض وهي الرواية المشار إليها. انتهى.

أقول : ومنه يعلم ان ذكر صاحب المدارك صحيحة ابن سنان دليلا للشيخ انما هو منه (قدس‌سره) لا ان الشيخ استدل بها كما يوهمه ظاهر كلامه ، ومنه يعلم ايضا ان توقفه في المسألة كما حكيناه عنه لا وجه له بعد استدلاله بالصحيحة المذكورة والواجب عليه حينئذ أن يجيب عن كلام المحقق الذي نقله عنه ـ من سقوط القضاء بالأصل السالم من المعارض ـ بان المعارض موجود وهو هذه الصحيحة كما هو ظاهر كلام الذكرى.

هذا ، ويمكن أن يقال ان المحقق انما نفى وجوب القضاء هنا بنا على ما يختاره في هذه التكبيرات من الاستحباب كما تقدم نقله عنه في الموضع الأول وان كان تعليله ربما أشعر بان ذلك بناء على القول بالوجوب.

وأما صحيحة ابن سنان التي استدلوا بها هنا للشيخ فقد تقدم الكلام عليها وعلى أمثالها مما دل على ذلك أيضا في المسألة الخامسة من المطلب الثاني في السهو من كتاب الصلاة (1) فإن جميع الأخبار المشار إليها قد اشتركت في الدلالة على قضاء ما نسبه من الأفعال كائنا ما كان وان كان ركنا ، ولم يقل به أحد منهم وانما أوجبوا قضاء أشياء معينة كالتشهد والسجدة الواحدة والقنوت بالأدلة الخاصة المتعلقة بذلك وأبطلوا الصلاة بنسيان الركن كالركوع والسجدتين ، وبالجملة فإنها على إطلاقها غير معمول عليها فلا يمكن الاستناد إليها ، ومن ذلك يعلم قوة ما ذهب اليه المحقق وغيره

__________________

(1) ج 9 ص 141.


من عدم وجوب القضاء لعدم الدليل الواضح على ذلك مضافا الى أصالة العدم. والله العالم

وهل تجب سجدتا السهو لنسيان التكبير هنا كلا أو بعضا؟ صرح ابن الجنيد بذلك فقال على ما نقله عنه في المختلف : ولو نسي بعض التكبير رجع فتممه ما لم يركع وان تجاوز الركوع وأيقن بالترك سجد سجدتي السهو. انتهى. وجعله في الذكرى احتمالا فقال : ويحتمل ايضا وجوب سجدتي السهو بناء على تناول أدلة الوجوب في اليومية لهذه الصورة وهو قول ابن الجنيد. انتهى.

الخامسة ـ لو قلنا بتقديم التكبير على القراءة في الأولى كما هو أحد القولين فنسي التكبير حتى قرأ قال في المعتبر : لم يعد اليه لفوات محله. وقال في الذكرى وليس ببعيد وجوب استدراكه أو ندبه على اختلاف القولين لانه محل في الجملة ولهذا كان التكبير في الثانية واقعا فيه ، ولان الروايات المتضمنة لتأخره عن القراءة في الركعتين أقل أحوالها أن يقتضي استدراكه إذا نسي. وفي التذكرة أوجب استدراكه وتوقف في إعادة القراءة من حيث عدم وقوعها في محلها وصدق القراءة. قال في الذكرى والأولى إعادتها ، ثم قال ولو ذكر في أثنائها قطعها واتى به ثم استأنف القراءة ، ولا يقضى التكبير عندنا في الركوع لما فيه من تغيير هيئة الصلاة وإذا قلنا بقضاء التكبير أو استدراكه فالقنوت تابع. والظاهر وجوب الاستقبال فيهما لأنهما جزءان مما يجب فيه الاستقبال وكذا يعتبر بقية شرائط الصلاة. انتهى كلامه زيد مقامه.

السادسة ـ لو أدرك بعض التكبيرات مع الامام دخل معه فإذا ركع الإمام فإن أمكنه الإتيان به وبالقنوت مخففا واللحوق بالإمام في الركوع فلا اشكال ، وإلا فإن قلنا بالاستحباب في التكبير والقنوت فإنه يركع مع الإمام حينئذ إذ لا يجوز له ترك المتابعة الواجبة لأجل أمر مندوب ، وان قلنا بالوجوب فيهما كما هو المختار فعلى قول الشيخ بالقضاء في ما تقدم فإنه يتابع هنا ويقضى بعد الفراغ ، واما مع عدم العمل بهذا القول فإنه يحتمل المنع من الاقتداء في هذه الصورة أعني إذا علم


عدم اللحوق به ، فلو اقتدى ولما يعلم ولم يمكنه الجمع بين المتابعة وبين التكبير فإنه ينوي الانفراد. ويحتمل جواز الاقتداء ويسقط القنوت ويأتي بالتكبير ولاء. ويشكل بأن الأصل عدم سقوط فرض المكلف بفعل غيره إلا في ما دل عليه الدليل.

والعلامة مع قوله بوجوبهما أسقطه مع عدم إمكان الإتيان به ولم يوجب قضاءه بعد التسليم حتى لو أدرك الإمام راكعا كبر ودخل معه واجتزأ بالركعة عنده ولا يجب القضاء.

وفيه ما عرفت ، ويعضده ايضا ان المتابعة وإن كانت واجبة إلا ان وجوبها ليس جزء من الصلاة من حيث هي صلاة بخلاف التكبير والقنوت فإنهما واجبان ومن جملة اجزاء الصلاة الواجبة لأن كلامنا مبنى على القول بالوجوب فكيف تصح الصلاة مع فوات بعض واجباتها عمدا؟ وسقوطه بفعل الغير قد عرفت انه متوقف على الدليل. والمسألة لا تخلو من شوب الإشكال لعدم الدليل الواضح في هذا المجال. والله العالم.

السابعة ـ قال في الذكرى : لا يتحمل الامام هذا التكبير ولا القنوت وإنما يتحمل القراءة ، ويحتمل تحمل الدعاء ويكفى عن دعاء المأمومين ، وهذا لم أقف فيه على نص ولو قلنا بالتحمل فيه فدعا المأموم فلا بأس سواء كان بدعاء الإمام أو غيره. وعدم تحمل الامام القنوت في اليومية يدل بطريق اولى على عدم تحمله هنا. انتهى.

أقول : قد عرفت آنفا ان سقوط الواجب عن المكلف بفعل غيره يتوقف على الدليل وهو قد اعترف بعدم الوقوف هنا على نص ، فما ذكره من احتمال تحمل الامام القنوت بعيد جدا سيما مع ما ذكره من الأولوية في آخر كلامه.

الثامنة ـ قال في الذكرى ايضا : لو شك في عدده بنى على الأقل لأنه المتيقن ، وفي انسحاب الخلاف في الشك في الأولتين المبطل للصلاة هنا احتمال ان قيل بوجوبه ، ولو تذكر بعد فعله انه كان قد كبر لم يضر لعدم ركنيته. وكذا الشك. في القنوت. انتهى.


وهو جيد إلا ان ما ذكره من الاحتمال في انسحاب الخلاف في الشك في الأولتين المبطل للصلاة هنا محل نظر ، لما قدمنا تحقيقه من أن الشك المبطل في الأولتين انما هو الشك في أعداد الركعات لا في سائر الواجبات ، وحينئذ فلا وجه لهذا الاحتمال في المقام. والله العالم.

البحث الثالث ـ في سنن هذه الصلاة وما يلحق بها ، فمنها الإصحار بها إلا في مكة المعظمة وعليه إجماع علمائنا وأكثر العامة (1).

ومستنده التأسي به (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإنه كان يصحر بها ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يخرج حتى ينظر الى آفاق السماء وقال لا يصلين يومئذ على بساط ولا بارية».

وما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى رفعه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «السنة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين إلا أهل مكة فإنهم يصلون في المسجد الحرام». ورواه في الفقيه عن حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) مثله (4).

وما رواه في الكافي عن ليث المرادي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «قيل لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يوم فطر أو يوم اضحى لو صليت في مسجدك؟ فقال إني لأحب أن أبرز إلى آفاق السماء».

__________________

(1) الامام للشافعي ج 1 ص 207 والمغني ج 2 ص 372 وعمدة القارئ ج 3 ص 370 والفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 313. وفي البحر الرائق ج 2 ص 159 عن التجنيس «الصحيح عند عامة المشايخ السنة في صلاة العيد الخروج إلى الجبانة وان كان يسعهم المسجد الجامع» ولم يستثن مكة.

(2 و 3 و 5) الوسائل الباب 17 من صلاة العيد.

(4) الوسائل الباب 17 من صلاة العيد. وفي النسخ هكذا «عن حفص بن غياث عن أبيه عن جعفر عن أبيه» وحيث ان كلمة «عن أبيه» الاولى زائدة حذفناها واللفظ في الفقيه ج 1 ص 321 هكذا «وروى حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه».


وما رواه في الفقيه عن ابن رئاب عن ابى بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لا ينبغي أن تصلى صلاة العيدين في مسجد مسقف ولا في بيت انما تصلى في الصحراء أو في مكان بارز».

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن الفضيل عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «اتى ابى بالخمرة يوم الفطر فأمر بردها ثم قال : هذا يوم كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يجب ان ينظر فيه الى آفاق السماء ويضع جهته على الأرض».

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (3) «انه كان إذا خرج يوم الفطر والأضحى ابى أن يؤتى بطنفسة يصلى عليها يقول هذا يوم كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يخرج فيه حتى يبرز لآفاق السماء ثم يضع جبهته على الأرض».

وروى في كتاب الإقبال (4) قال : روى محمد بن أبي قرة في كتابه بإسناده إلى سليمان بن حفص عن الرجل (عليه‌السلام) قال : «الصلاة يوم الفطر بحيث لا يكون على المصلى سقف إلا السماء».

وألحق ابن الجنيد بمسجد مكة شرفها الله تعالى مسجد المدينة. وصحيحة معاوية ابن عمار وكذا رواية ليث المرادي (5) وصحيحة الحلبي (6) صريحة في رده.

ولو كان هناك عذر من مطر أو خوف أو وحل أو نحوها فلا بأس بصلاتها في المسجد دفعا للمشقة اللازمة من الخروج.

ومنها ـ السجود على الأرض دون غيرها مما يصح السجود عليه إظهارا لمزيد التذلل فيها ، وعليه يدل ما تقدم من صحيحة الحلبي (7) وصحيحة الفضيل (8).

ويظهر من صحيحة معاوية بن عمار (9) استحباب الصلاة على الأرض بحيث لا يكون تحته بساط ولا بارية ولا نحوهما بل يكون مباشرا للأرض في قيامه وجلوسه

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 6 و 7 و 8) الوسائل الباب 17 من صلاة العيد.

(5) ص 264.

(9) ص 264.


ونحوها ما رواه في الكافي عن معاوية عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) في حديث «انه سأله عن صلاة العيدين فقال ركعتان. الى ان قال : ويخرج الى البر حيث ينظر الى آفاق السماء ولا يصلى على حصير ولا يسجد عليه وقد كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يخرج الى البقيع فيصلي بالناس».

وما رواه في كتاب الإقبال عن محمد بن الحسن بن الوليد بإسناده عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يخرج حتى ينظر الى آفاق السماء ، وقال لا تصلين يومئذ على بارية أو بساط. يعني في صلاة العيدين».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (3) «وإذا أردت الصلاة فابرز تحت السماء وقم على الأرض ولا تقم على غيرها. الى آخره».

وقل من نبه على هذا الحكم من أصحابنا (رضوان الله عليهم).

ومنها ـ ان يقول المؤذن عوض الأذان والإقامة ـ فإنه لا أذان ولا إقامة لغير الخمس ـ الصلاة (ثلاثا).

ويدل على ذلك ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن إسماعيل بن جابر عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «قلت له أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان واقامة؟ قال ليس فيهما أذان ولا اقامة ولكن ينادى الصلاة (ثلاث مرات) وليس فيهما منبر ، المنبر لا يحرك من موضعه ولكن يصنع للإمام شبه المنبر من طين فيقوم عليه فيخطب الناس ثم ينزل».

والأخبار بأنه ليس فيها أذان ولا إقامة كثيرة قد تقدم جملة منها.

قال في الذكرى : لا أذان لصلاة العيد بل يقول المؤذن الصلاة (ثلاثا) ويجوز رفعها بإضمار خبر أو مبتدأ ونصبها بإضمار «احضروا أو ائتوا» وقال ابن ابى عقيل يقول «الصلاة جامعة». ولم نقف على مستنده.

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 17 من صلاة العيد.

(3) صلاة البحار ص 862.

(4) الفقيه ج 1 ص 322 وفي الوسائل الباب 7 و 33 من صلاة العيد.


وظاهر الأصحاب كما ذكره في الذكرى ان النداء بذلك ليعلم الناس بالخروج الى المصلى ، لأنه اجرى مجرى الأذان الذي يحصل به الأعلام بالوقت ، ومقتضى ذلك أن يكون قبل القيام للصلاة بل في أول الخروج إليها ، ولا ينافي ذلك ما ورد في صحيحة زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (1) من قوله «ليس فيهما أذان ولا إقامة أذانهما طلوع الشمس فإذا طلعت خرجوا». لجواز الجمع بينهما بحصول ذلك بكل من الأمرين استظهارا ، وتعدد العلل الشرعية لمعلول واحد كثير في الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار حتى قال الصدوق في بعض تلك المواضع ان هذا مما يزيد تأكيدا وتقوية. ويحتمل ايضا حمل خبر زرارة على من كان عالما بان وقتها الذي يخرج فيه طلوع الشمس يعنى عالما بالوقت الشرعي لها وخبر إسماعيل بن جابر على من ليس كذلك ليحصل له العلم بالخروج لها.

ونقل عن ابى الصلاح ان محله بعد القيام إلى الصلاة فإذا قال المؤذن ذلك كبر الإمام تكبيرة الإحرام ودخل بهم في الصلاة ، والى هذا مال بعض محققي متأخري المتأخرين.

ومنها ـ الخروج بعد الغسل متطيبا لابسا أحسن أثوابه متعمما شتاء كان أو قيظا.

أما الغسل فلما تقدم من الأخبار في باب الأغسال من كتاب الطهارة ، ومن ذلك

ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل ينسى أن يغتسل يوم العيد حتى يصلى قال ان كان في وقت فعليه ان يغتسل ويعيد الصلاة فان مضى الوقت فقد جازت صلاته».

__________________

(1) الوسائل الباب 7 من صلاة العيد. واللفظ ـ كما في الفروع ج 1 ص 128 والتهذيب ج 1 ص 289 ـ هكذا «ليس في يوم الفطر والأضحى أذان ولا إقامة أذانهما طلوع الشمس إذا طلعت خرجوا.».

(2) الوسائل الباب 16 من الأغسال المسنونة.


ومن ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «من لم يشهد جماعة الناس يوم العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل وحده كما يصلى في الجماعة ، وقال (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (2) قال العيدان والجمعة».

وروى الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (3) في قوله تعالى (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) «أى خذوا ثيابكم التي تتزينون بها للصلاة في الجمعات والأعياد».

وقال الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (4) «وإذا أصبحت يوم الفطر اغتسل وتطيب ، وتمشط والبس أنظف ثيابك وأطعم شيئا قبل أن تخرج إلى الجبانة فإذا أردت الصلاة فابرز تحت السماء وقم على الأرض ولا تقم على غيرها وأكثر من ذكر الله تعالى».

ومنها ـ خروج الامام ماشيا حافيا مشمرا ثيابه داعيا بالمأثور عليه السكينة والوقار معتما شاتيا كان أو قائظا ببرد أو حلة.

ويدل على هذه الأحكام حديث خروج الرضا (عليه‌السلام) (5) الى صلاة العيد بأمر المأمون له (عليه‌السلام) وهو مشتمل على سنن عديدة وهو مروي في الكافي وغيره من كتب الصدوق وفيه «لما حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا (عليه‌السلام) يسأله أن يركب ويحضر العيد ويصلى. الى أن قال فقال يا أمير المؤمنين ان أعفيتني من ذلك فهو أحب الى وان لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأمير المؤمنين (عليه‌السلام) فقال المأمون اخرج كيف شئت ، وأمر المأمون القواد والناس أن يركبوا (6) الى باب ابى الحسن (عليه‌السلام) قال فحدثني ياسر الخادم انه قعد الناس لأبي الحسن (عليه‌السلام) في الطرقات والسطوح الرجال والنساء والصبيان واجتمع القواد والجند على باب ابى الحسن

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 14 من صلاة العيد.

(2) سورة الأعراف الآية 29.

(4) صلاة البحار ص 862.

(5) الأصول ج 1 ص 489 وفي الوسائل الباب 19 من صلاة العيد.

(6) «يبكروا» خ ل.


(عليه‌السلام) فلما طلعت الشمس قام فاغتسل وتعمم بعمامة بيضاء من قطن القى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه وتشمر ثم قال لجميع مواليه افعلوا مثل ما فعلت ثم أخذ بيده عكازا ثم خرج ونحن بين يديه وهو حاف قد شمر سراويله الى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة فلما مشى ومشينا بين يديه رفع رأسه الى السماء وكبر أربع تكبيرات فخيل إلينا ان السماء والحيطان تجاوبه ، والقواد والناس على الباب قد تهيئوا ولبسوا السلاح وتزينوا بأحسن زينة ، فلما طلعنا عليهم بهذه الصورة وطلع الرضا (عليه‌السلام) وقف على الباب وقفة ثم قال : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام والحمد لله على ما أبلانا. نرفع بها أصواتنا ، قال ياسر فتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج والصياح لما نظروا الى ابى الحسن (عليه‌السلام) وسقط القواد عن دوابهم ورموا بخفافهم لما رأوا أبا الحسن (عليه‌السلام) حافيا وكان يمشى ويقف في كل عشر خطوات ويكبر ثلاث تكبيرات ، قال ياسر فتخيل إلينا ان السماء والأرض والجبال تجاوبه وصارت مرو ضجة واحدة من البكاء ، وبلغ المأمون ذلك فقال له الفضل بن سهل ذو الرئاستين يا أمير المؤمنين ان بلغ الرضا (عليه‌السلام) المصلى على هذا السبيل افتتن به الناس والرأي أن تسأله أن يرجع فبعث إليه المأمون فسأله الرجوع فدعا أبو الحسن (عليه‌السلام) بخفه فلبسه وركب ورجع».

وفي هذا الخبر الشريف جملة من الفوائد : منها ـ ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعليا (عليه‌السلام) كانا يخرجان بهذه الكيفية.

ومنها ـ استحباب التشمير للثياب والسراويل لكل من الإمام والمأموم والمشي حافيا للكل ايضا والتعمم على النحو المذكور ، وهذا هو السنة في التعمم لا ما اشتهر من التحنك كما قدمنا تحقيقه في بحث اللباس من كتاب الصلاة (1) ومنها ـ أن تكون العمامة بيضاء من القطن.

__________________

(1) ج 7 ص 127 و 128.


ومنها ـ مشى الامام وبيده عكاز وقد روى نحوه عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : روى في الفقيه عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (1) قال «كانت لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عنزة في أسفلها عكاز يتوكأ عليها ويخرجها في العيدين يصلى إليها».

وفي صحيحة محمد بن قيس عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (2) في حديث في أحوال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الى ان قال : وكان له عنزة يتكى‌ء عليها ويخرجها في العيدين فيخطب بها.

والظاهر الاختصاص بالإمام فقط وظاهر الخبرين استحباب العنزة مطلقا.

ومنها ـ الاشتغال بالتكبير والدعاء في طريقه مما ذكر هنا وغيره مما تقدم ويأتي ان شاء الله تعالى ، ومنها الوقوف حال التكبير.

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (3) انه قال : «وينبغي لمن خرج الى العيد أن يلبس أحسن ثيابه ويتطيب بأحسن طيبه وقال عزوجل «يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» (4) قال ذلك في العيدين والجمعة ، قال وينبغي للإمام أن يلبس يوم العيد بردا وإن يعتم شاتيا كان أو صائفا. وعن على (عليه‌السلام) انه كان يمشي في خمس مواطن حافيا ويعلق نعليه بيده اليسرى وكان يقول انها مواطن لله تعالى وأحب أن أكون فيها حافيا : يوم الفطر ويوم النحر ويوم الجمعة وإذا عاد مريضا وإذا شهد جنازة». انتهى ما نقلناه من كتاب الدعائم.

وفي صحيحة محمد بن مسلم (5) «لا بد من العمامة والبرد يوم الأضحى والفطر فأما الجمعة فإنها تجزئ بغير عمامة وبرد».

وفي صحيحة الحلبي (6) «قلت تجوز صلاة العيدين بغير عمامة؟ قال نعم والعمامة

__________________

(1 و 2 و 5) الوسائل الباب 11 من صلاة العيد.

(3) مستدرك الوسائل الباب 11 و 8 و 15 من صلاة العيد.

(4) سورة الأعراف الآية 29.

(6) الوسائل الباب 11 من صلاة العيد.


أحب الى». وظاهره العموم للإمام والمأموم.

وفي صحيحة معاوية (1) «وينبغي للإمام أن يلبس يوم العيدين بردا ويعتم شاتيا كان أو قائظا».

وفي تفسير العياشي بسنده عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) «في قول الله تعالى (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)؟ قال الأردية في العيدين والجمعة».

وفي صحيحة عبد الله بن سنان عنه (عليه‌السلام) (3) قال : «سمعته يقول كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يعتم في العيدين شاتيا كان أو قائظا ويلبس درعه وكذلك ينبغي للإمام ، ويجهر بالقراءة كما يجهر في الجمعة».

وفي صحيحة أبي بصير (4) «ينبغي للإمام أن يلبس حلة ويعتم». ولعل المراد بالحلة هنا الرداء حيث ان الحلة المشهورة لا تكون إلا من الحرير كما صرحوا به.

ومنها ـ الذهاب الى المصلى من طريق والعود منه من آخر ، بل الظاهر من الأخبار الاستحباب مطلقا :

روى الصدوق في الفقيه عن السكوني (5) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان إذا خرج الى العيدين لم يرجع في الطريق الذي بدأ فيه يأخذ في طريق غيره».

وروى في الكافي عن موسى بن عمر بن بزيع (6) قال : «قلت للرضا (عليه‌السلام) ان الناس رووا ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان إذا أخذ في طريق رجع في غيره فهكذا كان؟ قال فقال. نعم فانا أفعله كثيرا ثم قال : أما انه أرزق لك.

وروى ابن طاوس في كتاب الإقبال بإسناده عن ابى محمد هارون بن موسى التلعكبري بإسناده عن الرضا (عليه‌السلام) (7) قال «قلت له يا سيدي انا نروى عن النبي

__________________

(1 و 3 و 4) الوسائل الباب 11 من صلاة العيد.

(2) مستدرك الوسائل الباب 11 من صلاة العيد.

(5 و 6) الوسائل الباب 36 من صلاة العيد.

(7) ص 283 وفي الوسائل الباب 36 من صلاة العيد.


(صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه كان إذا أخذ في طريق لم يرجع فيه وأخذ في غيره ، فقال هكذا كان نبي الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يفعل وهكذا أفعل انا وهكذا كان أبي يفعل وهكذا فافعل فإنه أرزق لك؟ وكان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول هذا ارزق للعباد».

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) «انه كان إذا انصرف من المصلى يوم العيد لم ينصرف على الطريق الذي خرج عليه».

ومنها ـ أن يطعم قبل خروجه يوم الفطر وبعد رجوعه في يوم الأضحى والأفضل في الأول أن يكون إفطاره على حلو والمروي التمر ، وفي الإفطار على التربة الحسينية كلام ، والأفضل في الثاني الأكل من أضحيته.

فههنا مقامات «الأول» في الفرق بين العيدين بالإفطار في الأول قبل الخروج وفي الثاني بعد الرجوع.

ويدل عليه صحيحة حريز عن زرارة المروية في الفقيه عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «لا تخرج يوم الفطر حتى تطعم شيئا ولا تأكل يوم الأضحى إلا من هديك وأضحيتك إن قويت عليه وان لم تقو فمعذور. قال وقال أبو جعفر (عليه‌السلام) كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا يأكل يوم الأضحى شيئا حتى يأكل من أضحيته ولا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ويؤدى الفطرة. قال وكذلك نفعل نحن».

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «اطعم يوم الفطر قبل ان تخرج الى المصلى».

وروى فيه وفي الفقيه عن جراح المدائني عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : اطعم يوم الفطر قبل أن تصلى ولا تطعم يوم الأضحى حتى ينصرف الامام».

وروى في الفقيه مرسلا (5) قال «كان على (عليه‌السلام) يأكل يوم الفطر قبل ان يغدو

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 29 من صلاة العيد.

(2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 12 من صلاة العيد.


الى المصلى ولا يأكل يوم الأضحى حتى يذبح».

وروى في التهذيب في الموثق عن سماعة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «الأكل قبل الخروج يوم العيد وان لم تأكل فلا بأس». أقول : يعنى عيد الفطر كما تقدم في الأخبار.

المقام الثاني ـ في ما يستحب الإفطار عليه في الفطر ، فروى الشيخان في الكافي والفقيه عن على بن محمد النوفلي (2) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) انى أفطرت يوم الفطر على طين وتمر؟ فقال لي جمعت بركة وسنة».

وقال في كتاب الإقبال : روى ابن أبي قرة بإسناده عن الرجل (عليه‌السلام) (3) قال : «كل تمرات يوم الفطر فان حضرك قوم من المؤمنين فأطعمهم مثل ذلك».

وفي كتاب الفقه الرضوي (4) «والذي يستحب الإفطار عليه يوم الفطر الزبيب والتمر ، واروى عن العالم (عليه‌السلام) الإفطار على السكر ، وروى أفضل ما يفطر عليه طين قبر الحسين (عليه‌السلام)».

قال في المدارك : ويستحب يوم الفطر الإفطار على الحلو لما روى (5) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يأكل قبل خروجه تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أقل أو أكثر». ولا يجوز الإفطار على التربة الحسينية إلا بقصد الاستشفاء لمن كان به علة كغيره من الأيام. انتهى.

وقال في الذكرى : قال كثير من الأصحاب يستحب الإفطار يوم الفطر على الحلو لما روى (6) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يأكل قبل خروجه في الفطر تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أقل أو أكثر». ولو أفطر على التربة الحسينية (على مشرفها الصلاة والسلام) لعلة به فحسن وإلا فالأقرب التحريم ، والأفضل الإفطار على الحلاوة وأفضلها

__________________

(1) الوسائل الباب 12 من صلاة العيد.

(2 و 3) الوسائل الباب 13 من صلاة العيد.

(4) ص 25.

(5 و 6) مستدرك الحاكم ج 1 ص 294.


السكر ، وروى تربة الحسين (عليه‌السلام) والأول أظهر لشذوذ الرواية وتحريم الطين على الإطلاق إلا ما خرج بالدليل من التربة للاستشفاء. انتهى.

أقول : اما ما ذكروه من الإفطار على الحلو بقول مطلق فلم أقف فيه على خبر والذي وقفت عليه ما قدمت من الأخبار الدالة على التمر وزاد في كتاب الفقه الزبيب ، واما السكر فقد ذكره الشهيد كما عرفت ، ولعله استند فيه الى رسالة على بن الحسين ابن بابويه الذي قد عرفت انه يفتي فيها غالبا بعبارات هذا الكتاب ، ولعله كان في الرسالة المذكورة أو انه ذكره أحد من المتقدمين فذكره الشهيد كذلك ، وكيف كان فالمستند فيه هو هذا الكتاب وبه يظهر ما في اعتراض بعض متأخري المتأخرين على الشهيد بعدم وجود المستند فيه. ولعل من عبر بالحلو بقول مطلق حمل ما ذكر من التمر ونحوه هنا على التمثيل. واما الرواية التي نقلوها عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فالظاهر انها من طريق العامة التجأوا الى الاستدلال بها حيث لم تحضرهم هذه الروايات التي ذكرناها فانى بعد التتبع لم أقف عليها في كتب أخبارنا ، وأيضا فإن بعض محققي متأخري أصحابنا (رضوان الله عليهم) أسندها إلى العامة (1).

المقام الثالث ـ في الكلام على التربة الحسينية (على مشرفها أفضل الصلاة والتحية) والظاهر اتفاق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على جواز الأكل منها لقصد الاستشفاء وعليه تدل جملة من الأخبار ، انما الخلاف في الأكل للتبرك فظاهر جملة من الأخبار المنع إلا انه روى الجواز في العيد كما عرفت من رواية النوفلي المتقدمة ورواية كتاب الفقه (2) وروى في إفطار يوم عاشوراء ايضا.

قال شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار : واما الأكل بمحض التبرك فالظاهر عدم الجواز للتصريح به في بعض الأخبار وعموم بعضها ، لكن ورد في بعض الأخبار جواز إفطار العيد به وإفطار يوم عاشوراء ايضا وجوزه فيهما بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) ولا يخلو من قوة ، والاحتياط في الترك إلا

__________________

(1) مستدرك الحاكم ج 1 ص 294.

(2) ص 273.


أن يكون به مرض يقصد الاستشفاء.

وقال المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) بعد ذكر المسألة : ولا بد أن يكون بقصد الاستشفاء وإلا فيحرم ولم يحصل له الشفاء كما في رواية أبي يحيى (1) ويدل عليه غيرها ايضا ، وقد نقل اكله يوم عاشوراء بعد العصر وكذا الإفطار به في يوم العيد ولم تثبت صحته فلا يؤكل إلا للشفاء.

وظاهر كلامه (قدس‌سره) رد خبري الجواز في هذين الموضعين لضعف السند بناء على هذا الاصطلاح حيث انه (قدس‌سره) من القائلين به والعاكفين عليه ، وظاهر كلام شيخنا المجلسي (قدس‌سره) القول بمضمون الخبرين والظاهر انه لكونهما خاصين وتلك الأخبار مطلقة فالعمل بهما مقدم كما هو القاعدة ، وكلامه (قدس‌سره) مبنى على إلغاء هذا الاصطلاح كما هو المعروف من طريقته.

والظاهر ان الرواية المشار إليها في الجواز يوم عاشوراء هو ما ذكره الشيخ في المتهجد (2) قال : ويستحب صوم هذا العشر فإذا كان يوم عاشوراء أمسك عن الطعام والشراب الى بعد العصر ثم يتناول شيئا يسيرا من التربة. ولم يذكر شيخنا المجلسي في كتاب البحار دليلا سواها في هذا الحكم.

ومن الأخبار الواردة في المسألة ما رواه في كتاب كامل الزيارات (3) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «قلت له ما تقول في طين قبر الحسين (عليه‌السلام)؟ قال يحرم على الناس أكل لحومهم ويحل لهم أكل لحومنا ولكن الشي‌ء اليسير منه مثل الحمصة». وظاهر الخبر الجواز بهذا المقدار وان لم يكن بقصد الاستشفاء.

ومنها ـ ما رواه فيه ايضا بسنده عن سماعة بن مهران عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «كل طين حرام على بنى آدم ما خلا طين قبر ابى عبد الله (عليه

__________________

(1) ص 276.

(2) ص 538.

(3) ص 285 و 286 وفي الوسائل الباب 74 من المزار عن الشيخ عن ابن قولويه.

(4) الوسائل الباب 59 من الأطعمة المحرمة.


السلام) من أكله من وجع شفاه الله». وظاهره يشير الى الجواز بقصد الشفاء إلا انه غير صريح بل ولا ظاهر في المنع من غيره.

ومنها ـ ما رواه في كتاب دعوات الراوندي عن سدير عن الصادق (عليه‌السلام) (1) انه قال «من أكل من طين قبر الحسين (عليه‌السلام) غير مستشف به فكأنما أكل من لحومنا». وهو صريح في التحريم إلا بقصد الاستشفاء ويمكن تقييده بالأخبار المتقدمة.

ومنها ـ ما رواه في كتاب العلل (2) عن أبي يحيى الواسطي عن رجل قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) الطين حرام أكله كلحم الخنزير ومن أكله ثم مات فيه لم أصل عليه إلا طين القبر ، فمن أكله بشهوة لم يكن فيه شفاء».

ورواه الكليني في الكافي (3) وابن قولويه في كتاب كامل الزيارات (4) عن الكليني وفيهما «حرام أكله. إلى قوله إلا طين القبر فان فيه شفاء من كل داء ومن أكله بشهوة لم يكن فيه شفاء». وليس فيه دلالة صريحة بل ولا ظاهرة على التحريم بقصد التبرك كما هو محل الخلاف.

والظاهر ان جملة «فإن فيه شفاء من كل داء» سقطت من قلم صاحب العلل أو من بعض الرواة حيث انها الأنسب بسياق الخبر ورواية الشيخين المذكورين لها وهذه هي الرواية التي أشار إليها المحقق الأردبيلي (نور الله مرقده) وادعى دلالتها على التحريم إلا بقصد الاستشفاء والحال فيها كما ترى.

وبالجملة فالأخبار المدعى دلالتها على التحريم مطلقا وان كان للتبرك لا بقصد الشفاء لا صراحة فيها ولا ظاهرية بذلك كما عرفت إلا رواية سدير وقد عرفت قيام الاحتمال بتقييدها ، وروايتا النوفلي وكتاب الفقه الرضوي صريحتان

__________________

(1) البحار ج 14 ص 323.

(2) ص 179 وفي الوسائل الباب 59 من الأطعمة المحرمة.

(3) الفروع ج 2 ص 156 وفي الوسائل الباب 59 من الأطعمة المحرمة.

(4) ص 286 وفي الوسائل الباب 59 من الأطعمة المحرمة.


في الجواز للتبرك ورواية المصباح في يوم عاشوراء. وقضية الجمع بين أخبار المسألة تقييد ما يدعى دلالته على التحريم بإطلاقه وقصر الحكم بالتحريم على ما عدا المواضع الثلاثة المذكورة في ما قدمناه من الأخبار. والاحتياط لا يخفى. والله العالم

ومنها ـ التكبير في الفطر عقيب أربع صلوات أولها المغرب وآخرها صلاة العيد ، وضم الصدوق الى هذه الصلوات الأربع صلاة الظهرين ، وضم ابن الجنيد النوافل ايضا ، وفي الأضحى عقيب خمس عشرة صلاة أولها ظهر يوم النحر لمن كان بمنى وفي الأمصار عقيب عشر صلوات أولها ما تقدم.

وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع (الأول) اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب هذا التكبير واستحبابه في عيد الفطر فنقل عن المرتضى (رضى الله عنه) القول بالوجوب والمشهور الاستحباب.

ويدل على ما ذهب اليه المرتضى من الوجوب في الفطر الآية أعني قوله عزوجل «وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ» (1).

وروى الصدوق (قدس‌سره) في كتاب الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (2) في حديث شرائع الدين قال : «والتكبير في العيدين واجب أما في الفطر ففي خمس صلوات يبتدأ به من صلاة المغرب ليلة الفطر إلى صلاة العصر من يوم الفطر ، وهو ان يقال : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا. لقوله عزوجل (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ). الحديث».

والتقريب فيه انه قد فسر (عليه‌السلام) الآية بهذا التكبير الواقع في الفطر ، والأوامر القرآنية للوجوب إجماعا إلا ما قام الدليل على خلافه ، ويعضده تصريح الخبر بالوجوب أيضا.

__________________

(1) سورة البقرة الآية 181.

(2) الوسائل الباب 20 من صلاة العيد.


ونحوه ما رواه الصدوق في كتاب عيون الأخبار عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه‌السلام) (1) «انه كتب الى المأمون : والتكبير في العيدين واجب في الفطر في دبر خمس صلوات ويبدأ به في دبر صلاة المغرب ليلة الفطر». ورواه الحسن بن على بن شعبة في كتاب تحف العقول مرسلا (2).

وقال في المدارك ـ بعد نقل القول بالاستحباب عن أكثر الأصحاب والوجوب عن المرتضى ـ ما لفظه : والذي وقفت عليه في هذه المسألة رواية سعيد النقاش (3) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) اما ان في الفطر تكبيرا ولكنه مسنون. قال قلت واين هو؟ قال في ليلة الفطر في المغرب والعشاء الآخرة وفي صلاة الفجر وصلاة العيد ثم يقطع. قال قلت كيف أقول؟ قال تقول : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا. وهو قول الله سبحانه (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ)» (4). وهي صريحة في الاستحباب وينبغي العمل بها في كيفية التكبير ومحله وان ضعف سندها لأنها الأصل في هذا الحكم. انتهى.

ولا يخفى عليك ما فيه (أما أولا) فلما ادعاه من أن الذي وقف عليه انما هو هذه الرواية وانها الأصل في هذا الحكم مع ما عرفت مما قدمناه من الروايتين في هذه المسألة. ومن رواياتها ايضا

ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «تكبر ليلة الفطر وصبيحة الفطر كما تكبر في العشر».

أقول : الظاهر ان المراد بالعشر يعنى عشر صلوات في الأمصار في الأضحى والمراد استحباب التكبير أو وجوبه في هذا الموضع كما في ذلك الموضع ، ولا يلزم منه اتحاد الكيفية.

و (اما ثانيا) فان ما ذكره ـ من ان هذه الرواية هي الأصل في هذا الحكم

__________________

(1 و 2 و 3 و 5) الوسائل الباب 20 من صلاة العيد.

(4) البقرة الآية 181.


وانه ينبغي العمل بها وان ضعف سندها ـ إنما ألجأه إليه ضيق الخناق في هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب من الصلاح ، وذلك فان الخبر الضعيف عنده ليس بدليل شرعي ومن عادته وقاعدته رد الأخبار الضعيفة في كتابه ، وبموجب ذلك انه لا يصلح لتأسيس الأحكام الشرعية ولا يجوز بناؤها عليه ، ومن قاعدته تقديم العمل بالبراءة الأصلية على الأخبار الضعيفة ، فكيف خرج عن قاعدته هنا واحتج بهذه الحجة الواهية التي هي لبيت العنكبوت ـ وانه لأوهن البيوت ـ مضاهية؟ على انك قد عرفت وجود الأخبار في الحكم المذكور غير هذه الرواية كرواية معاوية بن عمار ، فإنها قد تضمنت الأمر بالتكبير وان لم تدل على كيفيته ، ورواية الأعمش وان اشتملت على كيفيته إلا ان في رواية الأعمش زيادة على ما نقله في رواية النقاش في آخر التكبير «والحمد لله على ما أبلانا» وهذه الزيادة أيضا موجودة في رواية النقاش بنقل الصدوق لها في الفقيه (1) وأما على نقل الشيخ في التهذيب (2) وهو الذي أخذ منه فهو كما نقله هنا. وبالجملة فهو معذور في ما ذكره حيث لم يعط التأمل حقه في تتبع الأخبار والوقوف عليها في مظانها وان لم يكن معذورا حقيقة لما ذكرناه.

وكيف كان فان ظاهر رواية النقاش هو الاستحباب ، إذ الظاهر من قوله «مسنون» انما هو المستحب لا ما ثبت وجوبه بالسنة كما يدل عليه السياق ، وعلى ذلك تحمل الآية المذكورة في الخبر ، لأنه لو أريد بها الوجوب لكان حق العبارة في الخبر ان يقال انه مفروض أى واجب بالكتاب ، ويؤيد ذلك ما يأتي في صحيحة على بن جعفر (3) وأما لفظ الوجوب في الخبرين المتقدمين ففيه ما عرفت مما قدمناه في غير موضع من مباحث الكتاب من ان هذا اللفظ من الألفاظ المتشابهة ، فإنه وان كان في اصطلاح أرباب الأصول بمعنى ما يترتب العقاب على تركه لكنه في الأخبار أعم

__________________

(1) الوسائل الباب 20 من صلاة العيد.

(2) ج 1 ص 290 عن الكليني.

(3) ص 281.


من ذلك كما لا يخفى على من تدبر الأخبار وجاس خلال الديار.

الثاني ـ في وجوبه أو استحبابه في عيد الأضحى ، والمشهور الاستحباب ايضا ونقل عن المرتضى وابن الجنيد والشيخ في الاستبصار الوجوب.

قال في المدارك بعد ذكر المصنف تكبير الأضحى : المشهور بين الأصحاب ان ذلك على سبيل الاستحباب ايضا ، وقال المرتضى وابن الجنيد والشيخ في الاستبصار بالوجوب لما رواه محمد بن مسلم في الحسن (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الله عزوجل (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ) (2) قال التكبير في أيام التشريق من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث ، وفي الأمصار عشر صلوات فإذا نفر الناس النفر الأول أمسك أهل الأمصار». انتهى. ثم نقل الاختلاف في الكيفية.

أقول : ظاهر كلامه (زيد في مقامه) ـ حيث ذكر ان المشهور هو الاستحباب ولم ينقل عليه دليلا ثم نقل القول بالوجوب وأورد له دليلا الحسنة المذكورة ثم تجاوز عن المقام الى نقل الاختلاف في الكيفية ، ولم يرجح شيئا من القولين ولم يتكلم بشي‌ء في البين ـ هو التوقف في الحكم بل ربما أشعر بالميل الى الوجوب حيث نقل ما يدل عليه ولم يطعن فيه بشي‌ء كما هي عادته إذا لم يرتض القول بالخبر ، مع عدم تعرضه لنقل دليل مقابله.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمسألة الحسنة التي ذكرها ، ولا يخفى ان وصفه لها بالحسن انما هو بإبراهيم بن هاشم الذي قد عرفت اضطراب كلامه فيه ما بين ان يرد روايته بالضعف وما بين ان يصفها بالحسن كما هنا وما بين أن يصفها

__________________

(1) الوسائل الباب 21 من صلاة العيد. وفيه كما في الفروع ج 1 ص 306 «فإذا نفر بعد الاولى» وفي التهذيب ج 1 ص 523 عن الكليني والوافي باب التكبير في أيام التشريق من الحج كما هنا.

(2) سورة البقرة الآية 199.


بالصحة كما أشرنا إليه في الأبحاث المتقدمة.

ومنها ـ موثقة عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «التكبير واجب في دبر كل صلاة فريضة أو نافلة أيام التشريق».

ومنها ـ صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن التكبير أيام التشريق أواجب هو؟ قال يستحب وان نسي فلا شي‌ء عليه. الحديث».

ومنها ـ صحيحة منصور بن حازم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) «في قول الله عزوجل (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ) (4) قال هي أيام التشريق كانوا إذا أقاموا بمنى بعد النحر تفاخروا فقال الرجل منهم كان ابى يفعل كذا وكذا فقال الله عزوجل (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ) ـ (كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) (5) قال والتكبير : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام».

وجملة من الأخبار انما تضمن السؤال عنه أو بيان كيفيته من غير اشعار بوجوب أو استحباب.

وأنت خبير بأنه وان كان ظاهر ما عدا صحيحة على بن جعفر من هذه الأخبار هو الوجوب إلا ان ظاهر الصحيحة المذكورة بل صريحها هو الاستحباب لانه لا مجال للتأويل هنا في لفظ الاستحباب فيها فيجب حمل ما عداها من الأخبار عليها ، وكذلك الآية المذكورة في حسنة محمد بن مسلم وصحيحة منصور.

ومما يؤيد القول بالاستحباب صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (6) قال : «سألته عن التكبير بعد كل صلاة فقال كم شئت انه ليس شي‌ء

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 21 من صلاة العيد.

(2) الوسائل الباب 21 و 23 من صلاة العيد.

(4) سورة البقرة الآية 199.

(5) سورة البقرة الآية 196 «فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ ...».

(6) الوسائل الباب 24 من صلاة العيد.


موقت. يعني في الكلام». وظاهر هذه الرواية العموم لكل من تكبير الفطر والأضحى

وأظهر منه قوله في هذا الحديث على ما نقله في مستطرفات السرائر من جامع البزنطي بسند صحيح ايضا (1) عوض هذه العبارة قال : «كم شئت انه ليس بمفروض» ويشعر به ايضا قوله (عليه‌السلام) في موثقة عمار المتقدمة (2) «واجب في دبر كل صلاة فريضة أو نافلة». مع دلالة رواية داود بن فرقد (3) على انه ليس في النافلة تكبير. والله العالم.

الثالث ـ في كيفيته وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك فقال ابن ابى عقيل ان كيفيته : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام والحمد لله ما أولانا. ولم يذكر تكبير الفطر.

وقال ابن الجنيد في كيفية تكبير الفطر : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد على ما هدانا. وفي الأضحى الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام والحمد لله على ما أولانا.

وروى الصدوق في من لا يحضره الفقيه (4) عن على (عليه‌السلام) انه كان يقول في دبر كل صلاة في عيد الأضحى : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

ولم يذكر تكبير الفطر. وفي المقنع (5) في صفة تكبير الأضحى : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد والله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام.

__________________

(1) الوسائل الباب 24 من صلاة العيد.

(2) ص 281.

(3) ص 288.

(4) ج 1 ص 308 وفي الوسائل الباب 21 من صلاة العيد.

(5) مستدرك الوسائل الباب 17 من صلاة العيد.


وقال الشيخ المفيد في تكبير الفطر : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا. وفي الأضحى الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله على ما رزقنا من بهيمة الانعام.

وقال الشيخ في النهاية في صفة تكبير الفطر : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد الحمد لله على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا. وفي الأضحى كذلك إلا انه يزيد فيه «ورزقنا من بهيمة الانعام» وكذلك في المبسوط.

وقال في الخلاف : صفة التكبير ان يقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. ولم يفصل بين العيدين.

هذا ما وقفت عليه من الأقوال المنقولة في المختلف ، وأقوال من تأخر عنه أيضا مختلفة في ذلك كما لا يخفى على من راجعها.

واما الاخبار الواردة في ذلك فاما بالنسبة إلى عيد الفطر فالذي وقفت عليه ما تقدم في رواية الأعمش المنقولة من كتاب الخصال ورواية سعيد النقاش (1).

والذي في الأولى : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا.

والذي في الثانية برواية الصدوق (2) مثل هذه الرواية ، وأما برواية الكليني والشيخ عنه (3) فإنهما أسقطا قوله في آخر الرواية : «والحمد لله على ما أبلانا» كما أشرنا إليه آنفا.

وروى في كتاب الإقبال (4) قال : روينا بإسنادنا الى ابى محمد هارون بن موسى التلعكبري بإسناده إلى معاوية بن عمار قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول ان في الفطر تكبيرا. قلت متى؟ قال في المغرب ليلة الفطر والعشاء وصلاة الفجر وصلاة العيد ثم ينقطع وهو قول الله تعالى (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) (5) والتكبير

__________________

(1) ص 277 و 278.

(2 و 3) الوسائل الباب 20 من صلاة العيد.

(4) ص 271.

(5) سورة البقرة الآية 181.


ان يقول : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد على ما هدانا.

أقول : وهذه كيفية أخرى أيضا. والعمل بالصورة التي اتفقت عليها رواية الأعمش ورواية النقاش بناء على نقل الصدوق لها هو الأحوط وان كان القول بالتخيير بين ما ورد هو الوجه في الجمع بين الأخبار.

وأنت خبير بان ما قدمنا نقله عن ابن الجنيد والشيخ المفيد وكذلك الشيخ في النهاية والمبسوط من صورة تكبير الفطر مع اختلافه لا ينطبق شي‌ء منه على ما دل عليه الخبران المذكوران ، وحمله على وصول اخبار لهم مما ذكره كل منهم مع عدم وصول شي‌ء منها لنا وان أمكن لكنه بعيد ، وأبعد منه أن يكون ما قاله كل منهم عن اجتهاد في المسألة إذ لا مسرح للاجتهاد في مثل ذلك.

واما بالنسبة إلى عيد الأضحى فالأخبار فيه أشد اختلافا وأبعد ائتلافا ، قال في المدارك : واختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في كيفية التكبير في الأضحى والأجود العمل بما رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «والتكبير ان يقول : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام والحمد لله على ما أبلانا». انتهى.

أقول : لا أعرف لهذه الاجودية وجها إلا من حيث صحة سند هذه الرواية باصطلاحه ، وقد عرفت ان صحيحة منصور بن حازم المتقدمة (2) قد تضمنت التكبير في الأضحى بوجه آخر ، وفي صحيحة زرارة أو حسنته بإبراهيم بن هاشم الذي قدمنا قريبا عنه عد حديثه في الحسن عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (3) «يقول فيه : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام». وهذه أيضا كيفية ثالثة.

وبذلك يظهر لك انه لا وجه لهذه إلا جودية وترجيح تلك الرواية لأجلها

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 21 من صلاة العيد.

(2) ص 281.


إلا من حيث غفلته وقت التصنيف عن هاتين الروايتين كما يشعر به قوله في رواية النقاش «انه لم يقف في تلك المسألة إلا عليها» مع وجود الأخبار التي ذكرناها ثمة.

ثم ان في صحيحة على بن جعفر المروية في كتابه وهي مروية في كتاب قرب الاسناد (1) عن أخيه (عليه‌السلام) قال : «تقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام».

وهذه الكيفية مطابقة لما ورد في صحيحة زرارة أو حسنته المتقدمة (2). وفي رواية الأعمش المنقولة من كتاب الخصال التي قدمنا ذكرها في تكبير الفطر (3) قال في آخرها. «وبالأضحى في الأمصار في دبر عشر صلوات. الى ان قال ويزاد في هذا التكبير : والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام». وهذه أيضا كيفية رابعة

وما يأتي نقله من كتاب الفقه الرضوي وهي كيفية خامسة أيضا. والعمل بكل ما ورد حسن ان شاء الله تعالى.

فائدة

قد تقدم في كلام ابن الجنيد ذكر التكبير في صدر التكبير المسنون في الأضحى ثلاث مرات والموجود في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) وكذا في الاخبار انما هو مرتان ، وأخبار المسألة على كثرتها وتعددها في الكتب الأربعة وغيرها لم تشتمل إلا على المرتين ، قال المحقق في الشرائع بعد قوله الله أكبر مرتين : وفي الثالثة تردد. والظاهر انه اشارة الى ما نقلناه عن ابن الجنيد كما تقدم تصريحه به في عبارته المتقدمة. وكيف كان فإنه لا وجه لهذا التردد بمجرد وجود القائل بذلك مع عدم وجود ما يدل عليه من الاخبار ، اللهم إلا أن يكون وصل اليه دليل لم يصل إلينا وهو بعيد.

الرابع ـ ما تقدم نقله عن الصدوق من زيادة فريضتين على الأربع المشهورة

__________________

(1) الوسائل الباب 21 من صلاة العيد.

(2) ص 284.

(3) الوسائل الباب 20 من صلاة العيد.


قد صرح به في المقنع حيث قال بأنه عقيب ست صلوات اخيرتها صلاة العصر يوم الفطر. والأصحاب لم يذكروا له مستندا بل صرح الشهيد في الذكرى بعدم وقوفه على مأخذه.

قال بعض الأصحاب بعد نقل ذلك من الذكرى : الظاهر ان مأخذه ما أشار إليه في الفقيه عند نقل رواية سعيد (1) حيث قال : وفي غير رواية سعيد وفي الظهر والعصر

أقول : بل الظاهر ان مأخذه انما هو كتاب الفقه الرضوي الذي قد عرفت في غير مقام مما تقدم اعتماده وكذا أبوه في الرسالة على أخذ عبارات هذا الكتاب والإفتاء بها.

قال (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور (2) «وكبر بعد المغرب والعشاء الآخرة والغداة وصلاة العيد والظهر والعصر كما تكبر أيام التشريق : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا وأبلانا والحمد لله بكرة وأصيلا».

وقد تقدم (3) في رواية الأعمش المنقولة من الخصال انه في خمس صلوات يبتدأ به من صلاة المغرب ليلة الفطر إلى صلاة العصر. والظاهر ان مراده بالخمس مع لزوم كونها ستا يعنى من اليومية فلا ينافي كونها ستا مع صلاة العيد.

ويشير الى هذا القول ايضا ما رواه في عيون الأخبار في حديث عن الفضل ابن شاذان عن الرضا (عليه‌السلام) (4) في كتابه إلى المأمون «والتكبير في العيدين واجب في الفطر في دبر خمس صلوات ويبدأ به في دبر صلاة المغرب ليلة الفطر». وإجمال هذه الرواية يعلم من رواية الخصال.

ويدل على هذا القول ايضا ما رواه العياشي في تفسيره عن سعيد ، والظاهر انه النقاش المتقدم حيث نقل عنه تلك الرواية المتقدمة في تفسيره (5) ثم قال وعن

__________________

(1 و 4) الوسائل الباب 20 من صلاة العيد.

(2) ص 25.

(3) ص 277.

(5) مستدرك الوسائل الباب 16 من صلاة العيد.


سعيد عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «ان في الفطر تكبيرا. قال قلت ما تكبير إلا في يوم النحر؟ قال فيه تكبير ولكنه مسنون : في المغرب والعشاء والفجر والظهر والعصر وركعتي العيد».

وبذلك يظهر لك ما في كلام من رد على الصدوق هنا بعدم وجود المستند ، لعدم إعطاء التأمل حقه في تتبع الأخبار.

ولم أقف على من تعرض للجواب عن هذه الأخبار حيث ان الأكثر كما عرفت لم يطلعوا عليها بالكلية ، وغاية ما أجاب به بعض محققي متأخري المتأخرين بعد أن ذكر رواية الأعمش المنقولة في الخصال ان قال : ولا يخفى ان الاستناد الى ما هو المنجبر بعمل الأصحاب والمروي في الكتب الأربعة أولى. ولا يخفى ما فيه سيما بعد ما عرفت من تعدد الرواية بذلك.

واما ما ذكره ابن الجنيد من ضم النوافل فإن العلامة في المختلف نقل عنه القول بالوجوب عقيب الفرائض المذكورة والاستحباب عقيب النوافل ، ونقل عنه انه احتج بأنه تكبير مستحب وذكر مندوب اليه فيكون مشروعا ، ثم أجاب عنه بما حاصله انا نسلم ان التكبير مستحب لكن من حيث انه تكبير اما من حيث انه تكبير العيد فمنع مشروعيته.

وظاهره في المنتهى إنكار القول المذكور ونسبه للشافعي (2) ونقل استدلاله عليه بما نقله في المختلف عن ابن الجنيد ثم رده بمثل ما رده في المختلف.

أقول : لا يخفى ان جملة من الروايات قد صرحت بالاستحباب بعد النوافل مثل

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 16 من صلاة العيد.

(2) في المهذب للشيرازي الشافعي ج 1 ص 122 «وهل يكبر خلف النوافل؟ فيه طريقان ، من أصحابنا من قال يكبر قولا واحدا لأنها صلاة راتبة فأشبهت الفرائض ، ومنهم من قال لا يكبر لان النفل تابع للفرض والتابع لا يكون له تبع» وفي الأم ج 1 ص 214 «ويكبر خلف النوافل وخلف الفرائض وعلى كل حال» وفي المغني ج 2 ص 395 «وقال الشافعي يكبر عقيب كل صلاة فريضة كانت أو نافلة منفردا صلاها أو في جماعة».


ما في صحيحة على بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن النوافل أيام التشريق هل فيها تكبير؟ قال نعم وان نسي فلا بأس».

وفي موثقة عمار المتقدمة في الموضع الثاني (2) «واجب في دبر كل صلاة فريضة أو نافلة أيام التشريق».

وفي رواية حفص بن غياث بإسناده الى على (عليه‌السلام) الآتية قريبا ان شاء الله تعالى (3) «وعلى من صلى تطوعا».

إلا ان في صحيحة داود بن فرقد (4) ـ قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) التكبير في كل فريضة وليس في النافلة تكبير أيام التشريق».

ـ ما يدل على نفى ذلك. والجمع بين هذه الصحيحة والروايات المتقدمة لا يخلو من اشكال إلا ان يحمل هذه الصحيحة على نفى الوجوب والأخبار المتقدمة على تأكيد الاستحباب إلا ان ذلك لا يوافق مراد الأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث أن التكبير عندهم بعد الفريضة أو النافلة انما هو على جهة الاستحباب وبموجبه يكون النفي في الصحيحة المذكورة متوجها الى نفى التوظيف مطلقا وان كان ما ذكرناه من الجمع موافقا لما نقله في المختلف عن ابن الجنيد. وجملة من أصحابنا نقلوا الأخبار المذكورة مع ما هي عليه من التعارض ولم يتعرضوا لوجه الجمع بينها.

وبالجملة فالظاهر من الأخبار هو ما ذكره ابن الجنيد من الاستحباب عقيب النافلة ، وحينئذ يحمل النفي في صحيحة داود بن فرقد على نفى تأكد الاستحباب مثل الفريضة. وأما على القول المشهور من تخصيص الاستحباب بالفريضة فيشكل الجمع بين أخبار المسألة كما عرفت.

هذا ، والظاهر الاستحباب في هذا التكبير للرجال والنساء والمصلي جماعة

__________________

(1) الوسائل الباب 25 من صلاة العيد عن كتاب على بن جعفر.

(2) ص 281.

(3) ص 289.

(4) الوسائل الباب 25 من صلاة العيد.


أو منفردا ، قال في الذكرى : هذا التكبير مستحب للمنفرد والجامع والحاضر والمسافر والبلدي والقروي والذكر والأنثى والحر والعبد للعموم. انتهى. وهو كذلك.

ومن الأخبار المتعلقة بذلك ما رواه الشيخ في التهذيب عن حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (1) قال : «قال على (عليه‌السلام) على الرجال والنساء أن يكبروا أيام التشريق في دبر الصلوات وعلى من صلى وحده وعلى من صلى تطوعا».

وعن على بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن النساء هل عليهن التكبير أيام التشريق؟ قال نعم ولا يجهرن. قال : وسألته عن الرجل يصلى وحده أيام التشريق هل عليه تكبير؟ قال نعم وان نسي فلا بأس. قال : وسألته عن التكبير أيام التشريق هل يرفع فيه اليدين أم لا؟ قال يرفع يده شيئا أو يحركها». وروى هذا الخبر بكماله الحميري في قرب الإسناد عن على بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) في الصحيح مثله (3).

ولو نسيه حتى قام من موضعه سقط الإتيان به لما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «سألته عن الرجل ينسى أن يكبر أيام التشريق قال ان نسي حتى قام من موضعه فليس عليه شي‌ء».

الخامس ـ المعروف من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) بحيث لم يظهر فيه مخالف ان أول التكبير في الأضحى ظهر يوم النحر الى تمام خمس عشرة صلاة وهو غداة اليوم الثالث عشر لمن كان بمنى ناسكا أو غير ناسك ، وعشر صلوات اخيرتها غداة اليوم الثاني عشر لمن كان من أهل الأمصار أو نفر اليوم الثاني عشر من منى.

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 22 من صلاة العيد.

(2) الوسائل الباب 22 من صلاة العيد عن كتاب على بن جعفر والسؤال الأول نقله من التهذيب أيضا في نفس الباب رقم (1).

(4) التهذيب ج 1 ص 523 وفي الوسائل الباب 23 من صلاة العيد.


قال بعض محققي متأخري المتأخرين : هذا مما تفردنا به ايضا ولم يقل به أحد من العامة ، فإن أحدا منهم لم يفرق بين من بمنى ومن بغيرها (1) ومع هذا أوله عند أكثرهم من صلاة الفجر يوم عرفة وآخره عند الشافعي وجماعة العصر من آخر أيام التشريق ، وعند أبي حنيفة وجمع منهم العصر من يوم النحر ، وفي قول آخر للشافعي يكبر من المغرب ليلة النحر الى الصبح من آخر أيام التشريق ، وقال جمع منهم من الظهر يوم النحر الى الظهر من يوم النفر ، ولهم أقوال أخر شاذة (2) انتهى.

وبالجملة فإن المتفق عليه عندنا هو تحديد الوقت أولا وآخرا بما قدمنا ذكره إلا ان بعض الأخبار الواردة في المسألة ربما ظهر منه المنافاة فلا بأس ببسط أخبار المسألة الواردة في ذلك عنهم (عليهم‌السلام) ما كان موافقا أو مخالفا ليحصل به الوقوف على ما تضمنته من الأحكام فلا نحتاج إلى إعادته في كتاب الحج وان كان هو الأنسب بالمقام فنقول :

من الأخبار الواردة في ذلك ما رواه ثقة الإسلام والشيخ في الصحيح أو الحسن عن زرارة (3) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) التكبير أيام التشريق في دبر الصلوات؟ فقال التكبير بمنى في دبر خمس عشرة صلاة وفي سائر الأمصار في دبر عشر صلوات ، وأول التكبير في دبر صلاة الظهر يوم النحر يقول فيه : الله أكبر. إلى آخر ما تقدم في الموضع الثالث. ثم قال (عليه‌السلام) وانما جعل في سائر الأمصار في دبر عشر صلوات لأنه إذا نفر الناس في النفر الأول أمسك أهل

__________________

(1) في عمدة القارئ ج 3 ص 383 «حكى ابن المنذر عن ابن عيينة واستحسنه احمد ان أهل منى يبدأون من ظهر يوم النحر وأهل الأمصار من صبح يوم عرفة واليه مال أبو ثور».

(2) المغني ج 2 ص 393 وفتح الباري ج 2 ص 316 وعمدة القارئ ج 3 ص 383.

(3) الوسائل الباب 21 من صلاة العيد. والرواية عن ابى جعفر (عليه‌السلام) كما في الفروع ج 1 ص 306 والتهذيب ج 1 باب الرجوع الى منى والوافي باب التكبير في العيدين ، إلا انها في الوسائل عن ابى عبد الله (عليه‌السلام).


الأمصار عن التكبير وكبر أهل منى ما داموا بمنى الى النفر الأخير».

وما رواه ثقة الإسلام (عطر الله مرقده) في الكافي في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الله عزوجل : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ) (2) قال التكبير في أيام التشريق من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث وفي الأمصار عشر صلوات ، فإذا نفر الناس النفر الأول أمسك أهل الأمصار ومن أقام بمنى فصلى بها الظهر والعصر فليكبر».

وهذه الرواية قد دلت على انه من أقام بمنى في اليوم الثالث عشر وصلى بها الظهر والعصر فليكبر ، وفيه زيادة فريضتين هي الظهر والعصر على الخمس عشرة المحدودة

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «التكبير أيام التشريق من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق ان أنت أقمت بمنى وان أنت خرجت فليس عليك التكبير ، والتكبير ان يقول الله أكبر. الحديث». وقد تقدم في الموضع الثالث في كلام صاحب المدارك.

وهذه الرواية بهذه الصورة في الكافي (4) والظاهر ان لفظ «الظهر» الأخير تحريف الفجر كما هو الموجود في التهذيب (5) ولهذا ان صاحب الوافي إنما نقلها (6) برواية التهذيب ، وعليه فلا إشكال في الخبر المذكور.

__________________

(1) الوسائل الباب 21 من صلاة العيد. وقوله «فإذا نفر الناس النفر الأول» مطابق لرواية التهذيب ج 1 ص 523 عن الكليني ، وفي الفروع ج 1 ص 306 «فإذا نفر بعد الأولى».

(2) سورة البقرة الآية 199.

(3) الوسائل الباب 21 من صلاة العيد.

(4) الموجود في الكافي ج 1 ص 306 هكذا «الى صلاة العصر من آخر أيام التشريق» وكذا في الوسائل.

(5) ج 1 ص 523.

(6) في باب التكبير أيام التشريق من أفعال العمرة والحج.


وما رواه الشيخ في التهذيب عن غيلان (1) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن التكبير في أيام الحج من أى يوم يبتدئ به وفي أي يوم يقطعه؟ وهو بمنى وسائر الأمصار سواء أو بمنى أكثر؟ فقال التكبير بمنى يوم النحر عقيب صلاة الظهر إلى صلاة الغداة من يوم النفر فإن أقام الظهر كبر وان أقام العصر كبر وان أقام المغرب لم يكبر ، والتكبير بالأمصار يوم عرفة صلاة الغداة إلى النفر الأول صلاة الظهر وهو وسط أيام التشريق».

وهذه الرواية فيها من الإشكال مثل ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم من زيادة فريضتين.

قال بعض المحققين من متأخري المتأخرين في الجواب عن الخبرين المذكورين : يحتمل أن يكون المرادان من نفر في النفر الأول من غير أن يصلى الظهرين بمنى فاخيرتها الفجر ، وان أقام الى أن صلاهما فليكبر بعدهما ايضا ولا سيما إذا كان مراده البيتوتة الأخيرة. ويحتمل أن يكون هذا في النفر الأخير أي من لم ينفر في الأخير إلى صلاة الظهرين فليكبر بعدهما ايضا إما تقية لكونه مذهب جمع منهم واما لاستحبابه بالنسبة الى هذا واقعا. انتهى.

أقول : والظاهر هو الحمل على التقية كما أشار إليه (قدس‌سره) فإنه لا وجه لهذه المخالفة مع اتفاق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على الحكم المذكور سلفا وخلفا كما تقدمت الإشارة إليه المعتضد بالأخبار الكثيرة إلا التقية ويؤيده التتمة التي في رواية غيلان «والتكبير بالأمصار يوم عرفة. الى آخره» فإنه موافق لمذهب جمع من العامة (2) ولهذا ان الشيخ (قدس‌سره) قال في الجواب عن هذا الخبر انه موافق للعامة ولسنا نعمل به.

السادس ـ قال بعض المحققين من مشايخنا من متأخري المتأخرين : واعلم ان

__________________

(1) الوسائل الباب 21 من صلاة العيد.

(2) ارجع الى التعليقة 1 ص 290.


ظاهر ما رواه الصدوق عن على (عليه‌السلام) «انه كان إذا صلى كل صلاة يبدأ بهذا التكبير». أى مقدما على سائر التعقيب (1) وكذا يظهر من ما مر من تكبير على (عليه‌السلام) في أول خطبته (2) وكذا من ما نقل من حكاية الرضا (عليه‌السلام) من انه حين ما خرج من بيته نادى بالتكبير وكلما مشى عشر خطوات وقف فنادى بالتكبير (3) وكذا يظهر من غيرهما ايضا عدم اختصاص هذا التكبير بتعقيب الصلاة بل الظاهر استحبابه في ذينك الوقتين ايضا ولا سيما وقت الذهاب الى المصلى. انتهى.

ولا يخفى ما فيه فإنه وان أمكن احتماله إلا ان ظواهر الأخبار تعطي ان التكبير الذي وقع الاختلاف في كيفيته نصا وفتوى انما هو التكبير المخصوص بأعقاب الصلوات ، وقد تقدم ان من جملة أحكامه انه متى نسيه حتى قام من مكانه فلا قضاء عليه ، ولو كان التكبير المذكور انما هو الموقت كما زعمه (قدس‌سره) لما حسن نفى القضاء مع بقاء الوقت ، ومثله نفى البأس عن من نسي وقد صلى وحده كما تقدم في صحيحة على بن جعفر (4) فإنه لو كان الاستحباب لهذا الوقت لما حسن نفى البأس عن من نسيه دبر الصلاة الى غير ذلك من المؤيدات لما ذكرناه كما لا يخفى على المتأمل. وجميع ما عده من المواضع المشتملة على تكبيرهم (عليهم‌السلام) فالظاهر أنها وظائف أخر ومستحبات على حدة كما لا يخفى ، خصوصا مع عدم انطباق التكبير في هذه المواضع التي ذكرها على شي‌ء من الكيفيات الواردة في الأخبار المتضمنة لكيفية ذلك التكبير المخصوص وتفسيره ما في الآية الشريفة بهذه الكيفية الواردة عقيب الصلوات. والله العالم.

ومنها ـ كراهة التنفل قبلها وبعدها الى الزوال إلا بمسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإنه يصلى فيه ركعتين قبل خروجه الى المصلى.

والأصل في ذلك الأخبار المتكاثرة وقد مر طرف منها ، ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «صلاة العيدين مع

__________________

(1 و 2) الفقيه ج 1 ص 328.

(3) ص 268.

(4) ص 289.

(5) الوسائل الباب 1 من صلاة العيد.


الإمام سنة وليس قبلها ولا بعدها صلاة ذلك اليوم الى الزوال».

وفي صحيحة عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) «صلاة العيدين ركعتان بلا أذان ولا اقامة ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء».

وفي صحيحة حريز المروية في التهذيب عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «لا تقض وتر ليلتك ان كان فاتك حتى تصلى الزوال في يوم العيدين». وفي الفقيه رواها عن حريز عن زرارة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) مثله (3).

وروى الشيخ في التهذيب عن زرارة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «صلاة العيدين مع الإمام سنة وليس قبلها ولا بعدها صلاة ذلك اليوم الى الزوال فان فاتك الوتر في ليلتك قضيته بعد الزوال». ومطلق هذه الأخبار يحمل على مقيدها.

وروى الشيخان ثقة الإسلام والصدوق (عطر الله مرقديهما) في الكافي والفقيه عن محمد بن الفضل الهاشمي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «ركعتان من السنة ليس تصليان في موضع إلا بالمدينة قال تصلى في مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في العيد قبل أن يخرج الى المصلى ليس ذلك إلا بالمدينة لأن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فعله».

وقد وقع الخلاف هنا في مواضع (أحدها) ان المشهور كما عرفت هو الكراهة ونقل في الذكرى عن ابن زهرة وابن حمزة انهما قالا لا يجوز التنفل قبلها ولا بعدها. وظاهرهما التحريم كما ترى. وقال أبو الصلاح لا يجوز التطوع ولا القضاء قبل صلاة العيد ولا بعدها حتى تزول الشمس. وظاهره كما ترى التحريم ايضا ، وربما أشعر بتحريم قضاء الفريضة أيضا إلا ان يحمل على قضاء النافلة كما دل عليه الخبران المتقدمان.

__________________

(1 و 3 و 5) الوسائل الباب 7 من صلاة العيد.

(2) الوسائل الباب 7 من صلاة العيد ، والسند مطابق للوافي باب آداب العيدين ، وفي التهذيب ج 1 ص 214 والوسائل عن حريز عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام).

(4) الوسائل الباب 1 من صلاة العيد.


وقال في المختلف بعد نقل العبارة المذكورة : وهذه عبارة ردية فإنها توهم المنع من قضاء الفرائض إذ قضاء النوافل داخل تحت التطوع ، فان قصد بالتطوع ابتداء النوافل وبالقضاء ما يختص بقضاء النوافل فهو حق في الكراهة ، وان قصد المنع من قضاء الفرائض فليس كذلك وتصير المسألة خلافية. ثم احتج على وجوب القضاء في الفرائض بعموم الأمر بالقضاء وقوله (عليه‌السلام) (1) «من فاتته صلاة فريضة فوقتها حين يذكرها» ثم قال فان احتج بما رواه زرارة في الحسن عن الباقر (عليه‌السلام) (2) «وليس قبلها ولا بعدها صلاة». أجبنا بأن المراد بذلك النوافل جمعا بين الأدلة ، وما أظنه يريد سوى ما قصدناه. انتهى. وهو جيد.

وثانيها ـ قد عرفت استثناء الركعتين في مسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من الكراهة حيث انهما تستحبان فيه قبل الخروج ، وهو المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ونقل في المختلف والذكرى عن الصدوق في المقنع والشيخ في الخلاف إطلاق الكراهة وعدم الاستثناء ، ونقل في الذكرى استنادهما الى حسنة زرارة المتقدمة ورده بأن إطلاق الرواية المذكورة محمول على الروايات المقيدة الدالة على استثناء الركعتين في مسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله). وهو كذلك.

وثالثها ـ انه نقل في المختلف والذكرى عن ابن الجنيد انه قال : ولا يستحب التنفل قبل الصلاة ولا بعدها للمصلي في موضع التعبد ، فان كان الاجتياز بمكان شريف كمسجد الحرام أو مسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلا أحب إخلاءه من ركعتين قبل الصلاة وبعدها ، وقد روى عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يفعل ذلك في البدأة والرجعة في مسجده» انتهى.

وأنت خبير بان كلامه هذا يشعر بالمخالفة في مقامين (أحدهما) ـ في إلحاق

__________________

(1) هذا المضمون يستفاد مما ورد من الأحاديث في الوسائل في الباب 63 من مواقيت الصلاة و 1 من قضاء الصلوات.

(2) الوسائل الباب 1 من صلاة العيد.


المسجد الحرام وكل مكان شريف بمسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقد عرفت ان الاستثناء نصا وفتوى مقصور على مسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله). و (ثانيهما) ـ استحباب الركعتين بعد الرجوع ، والموجود في النص وعليه اتفقت كلمة الأصحاب انما هو قبل الخروج.

ونقل عنه في المختلف انه احتج بمساواة المسجد الحرام لمسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في أكثر الأحكام فيساويه في هذا الحكم ، والابتداء كالرجوع فيتساويان. ثم أجاب عنه بالمنع من التساوي في المقامين للحديث. وأشار بالحديث الى ما قدمه من رواية محمد بن الفضل الهاشمي التي ذكرناها.

أقول : الظاهر ان ما ذكره من مستند ابن الجنيد انما هو من كلامه كما هي قاعدته في الكتاب المذكور غالبا ، والذي يقرب عندي ان مستنده بالنسبة إلى الإلحاق انما هو شرف المكان كما يشير اليه قوله «الاجتياز بمكان شريف» وفيه ان هذه العلة مستنبطة فالعمل بها قياس محض ، وبالنسبة إلى استحباب الركعتين بعد انما هو الخبر الذي نقله عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) من أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يفعل في البدأة والرجعة في مسجده ، وحينئذ فإن ثبت الخبر المذكور فلا اعتراض عليه في ذلك ويبقى محل الإيراد على كلامه بالنسبة إلى الأول.

ورابعها ـ ما ذكره في الذكرى عن الفاضلين من جواز صلاة التحية إذا صليت في مسجد لعموم الأمر بالتحية ، ثم أجاب عنه بان الخصوص مقدم على العموم.

أقول : التحقيق ان هنا عمومين قد تعارضا وهو صلاة التحية فإن ظاهر النصوص استحبابها مطلقا في يوم العيد وغيره ، وكراهية الصلاة يوم العيد قبل صلاة العيد وبعدها أعم من أن تصلى في مسجد أو غيره ، فقول شيخنا المذكور ان الخصوص مقدم على العموم لا أعرف له وجها ، فإنه كما يحتمل العمل بعموم الأمر بالتحية الشامل ليوم العيد وغيره وتقييد الكراهة في العيدين بما عدا صلاة التحية كما ذكره الفاضلان يمكن ايضا العمل بعموم ما دل على كراهية التنفل يوم العيد الشامل لصلاة التحية وغيرها وتخصيص عموم صلاة التحية بغير يوم العيد. وبالجملة تخصيص


أحد العامين بالآخر يحتاج الى دليل من خارج وإلا فالاحتمال قائم من الطرفين كما عرفت.

وخامسها ـ ما رواه الصدوق (قدس‌سره) في كتاب ثواب الأعمال عن محمد بن إبراهيم عن عثمان بن محمد وابى يعقوب القزاز معا عن محمد بن يوسف عن محمد بن شعيب عن عاصم بن عبد الله عن إسماعيل بن ابى زياد عن سليمان التيمي عن ابى عثمان النهدي عن سلمان (رضى الله عنه) (1) قال «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من صلى اربع ركعات يوم الفطر بعد صلاة الإمام يقرأ في أولاهن «سبح اسم ربك الأعلى» فكأنما قرأ جميع الكتب كل كتاب أنزله الله تعالى ، وفي الركعة الثانية «والشمس وضحاها» فله من الثواب ما طلعت عليه الشمس ، وفي الثالثة «والضحى» فله من الثواب كمن أشبع جميع المساكين ودهنهم ونظفهم ، وفي الرابعة «قل هو الله أحد» ثلاثين مرة غفر الله له ذنوب خمسين سنة مستقبلة وخمسين سنة مستدبرة».

وهذا الخبر كما ترى مخالف لما تكاثرت به الاخبار واجتمعت عليه كلمة جل الأصحاب (رضوان الله عليهم) من عدم الصلاة في هذا الوقت ، ولهذا قال الصدوق (قدس‌سره) في الكتاب المذكور بعد نقله ما صورته : أقول ـ وبالله التوفيق ـ ان هذا الثواب هو لمن كان امامه مخالفا لمذهبه فيصلي معه تقية ثم يصلى هذه الأربع ركعات للعيد ولا يعتد بما صلى خلف مخالفه ، فاما من كان امامه يوم العيد اماما من الله تعالى عزوجل واجب الطاعة على العباد فصلى خلفه صلاة العيد لم يكن له ان يصلى بعد ذلك صلاة حتى تزول الشمس ، وكذا من كان امامه موافقا لمذهبه وان لم يكن مفروض الطاعة وصلى معه العيد لم يكن له ان يصلى بعد ذلك صلاة حتى تزول الشمس. انتهى.

وأنت خبير بما فيه من البعد عن سياق الخبر المذكور سيما مع ما قدمناه من أن استحباب الإتيان بها مع اختلال الشرائط انما هو بالإتيان بركعتين كما تصلى في

__________________

(1) الوسائل الباب 6 من صلاة العيد. وفيه «شبيب» بدل «شعيب».


الجماعة لا بأربع كما دل عليه الخبر المذكور وان كان قد قيل بالأربع أيضا ودل عليه بعض الأخبار الضعيفة التي قدمنا ان الأظهر حملها على التقية ، ولو صح سند الخبر المذكور لأمكن تخصيص تلك الأخبار به إلا انه لضعفه وشذوذه وندوره لا يمكن التعلق به ، ولا اعرف جوابا عنه إلا الإرجاء فيه الى قائله لو ثبت عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلا ان الظاهر ان الخبر عامي ورجاله انما هم من العامة وحينئذ فلا حاجة الى تكلف الجواب عنه.

واما ما ذكره الصدوق من الجواب عنه فبعيد إلا ان مذهبه في القضاء مع اختلال الشروط هو الصلاة أربعا كما ذكره في الهداية ، ومن أجل ذلك حمل الأربع المذكورة هنا على انها صلاة العيد المقضية بعد فوات شرطها. والله العالم.

ومنها ـ كراهة نقل المنبر من المسجد بل يعمل له شبه المنبر من طين ، ونقل عليه في الذكرى الإجماع.

ويدل عليه ما رواه الصدوق عن إسماعيل بن جابر عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «قلت له أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان واقامة؟ قال ليس فيهما أذان ولا اقامة ولكن ينادى : الصلاة «ثلاث مرات» وليس فيهما منبر ، المنبر لا يحرك من موضعه ولكن يصنع للإمام شي‌ء شبه المنبر من طين فيقوم عليه فيخطب الناس ثم ينزل».

ومنها ـ كراهة الخروج بالسلاح ، قال في الذكرى : لمنافاته الخضوع والاستكانة ، ولو خاف عدوا لم يكره لما روى عن السكوني عن الصادق عن الباقر (عليهما‌السلام) (2) انه قال : «نهى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يخرج السلاح في العيدين إلا أن يكون عدو ظاهر».

ومنها ـ كراهة السفر بعد الفجر من يوم العيد ، وتردد المحقق في الشرائع في

__________________

(1) الوسائل الباب 7 و 33 من صلاة العيد.

(2) الوسائل الباب 16 من صلاة العيد.


التحريم ثم قال الأشبه الجواز.

قال في المدارك : منشأ التردد أصالة الجواز السالمة عن معارضة الإخلال بالواجب ، وقوله (عليه‌السلام) في رواية أبي بصير (1) «إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت بالبلد فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد». قال في الذكرى : ولما لم يثبت الوجوب حمل ، النهى عن السفر على الكراهة. ويشكل بعدم المنافاة بين الأمرين حتى يتوجه الحمل لكن الراوي وهو أبو بصير مشترك بين الثقة والضعيف فلا يصح التعلق بروايته والخروج بها عن مقتضى الأصل. انتهى ما ذكره في المدارك.

أقول : لا إشكال في أن ظاهر النهي في الرواية المذكورة هو التحريم ، وجواب صاحب الذكرى ـ بأنه لما لم يدخل وقت الصلاة ولم يتحقق وجوبها والخطاب بها يحمل النهى على الكراهة ـ فيه ما ذكره السيد (قدس‌سره) من ان التحريم لا يتوقف على دخول وقتها إذ لا منافاة بين التحريم وبين عدم وجوبها إذ يجوز ان يكون التحريم لأمر آخر.

وجواب صاحب المدارك بضعف الرواية مردود بأن الراوي عن ابى بصير هنا عاصم بن حميد ، وقد تقرر في كلامهم انه متى كان الراوي عن ابى بصير عاصم بن حميد أو عبد الله بن مسكان فهو ليث المرادي الثقة الجليل القدر ، والراوي هنا عنه عاصم بن حميد فتكون الرواية صحيحة ، ولهذا ان صاحب الذخيرة وصفها بالصحة ولكن أجاب عنها بعدم انتهاض الدلالة على التحريم خصوصا إذا لم يكن القول بذلك مشهورا بين الأصحاب. ولا يخفى ما فيه إذ لا أعرف لهذا الجواب وجها إلا من حيث ما تكرر في كلامه ـ كما نبهنا عليه في غير مقام ـ من أن الأوامر والنواهي عنده في الأخبار لا تدل على الوجوب والتحريم إلا باعتبار اعتضادها بالشهرة بين الأصحاب. وقد أوضحنا ما فيه من الوهن والبطلان في غير مقام مما تقدم.

__________________

(1) الوسائل الباب 27 من صلاة العيد.


وبالجملة فإنه لا خلاف كما ذكره في التذكرة في جواز السفر قبل الفجر ، ولا خلاف ايضا بينهم في ما أعلم في التحريم بعد طلوع الشمس ، والبحث هنا يجرى على حسب ما تقدم في تحريم السفر بعد الزوال يوم الجمعة على من وجبت عليه الجمعة وانما الإشكال في ما بعد الفجر وقبل طلوع الشمس ، وقد عرفت الكلام في ذلك والاحتياط لا يخفى.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *