ج25 - أحكام الأولاد

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين.

المقصد الرابع

في أحكام الأولاد

والبحث فيه يقع بالنسبة إلى الأولاد وسنن الولادة والحضانة ، فهنا مقامات :

الأول : ما يتعلق بالأولاد وبمن يلحقون ، وهم إما أن يكونوا أولاد زوجة موطوءة بالعقد الدائم أو أولاد موطوءة بالملك ، أو أولاد موطوءة بالشبهة ، فهنا مسائل :

الأولى : في أولاد الموطوءة بالعقد الدائم ، لا خلاف بين الأصحاب كما ادعاه جملة منهم في أن ولد الزوجة الدائمة يلحق بالزوج بشروط ثلاثة :

(أحدها) الدخول بالزوجة ، والدخول الموجب للحوق الولد يتحقق عندهم بغيبوبة الحشفة أو قدرها من مقطوعها في القبل وإن لم ينزل ، وألحقوا به الوطء في الدبر أيضا.

قال في المسالك : وذكر الشهيد في قواعده أن الوطء في الدبر على هذا الوجه يساوي القبل في هذا الحكم وغيره إلا في مواضع قليلة استثناها ـ ثم قال : ـ وما وقفت على كلام أحد يخالف ذلك ، انتهى.

وأنت خبير بما فيه على إطلاقه من الإشكال ، فإنه مع العلم بعدم الانزال وإن كان الجماع في القبل ، وكذا مع الجماع في الدبر كيف يحكم بالإلحاق والحال هذه ولم أر من تنبه لذلك إلا السيد السند في شرح النافع حيث قال : وقد يقع الاشكال مع العلم بعدم نزول الماء ، وذكر المصنف في الشرائع وغيره أن الوطء في الدبر على هذا الوجه يساوي الوطء في القبل في هذا الحكم وهو أشد إشكالا ، وربما ظهر من كلام ابن إدريس والعلامة في التحرير أنه لا عبرة بالوطء في الدبر ، وهو متجه. انتهى كلامه ، وهو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.

نعم لو كان قد أنزل لكنه عزل عن الزوجة فإن الإلحاق في هذه الصورة كما قطعوا به جيد ، لإمكان أن يسبقه شي‌ء من الماء يتحقق به الحمل من غير أن يشعر به ، أما في الصورتين المذكورتين فلا وجه لذلك يمكن الاستناد إليه والبناء في الحكم عليه.

ومما يدل على ما ذكرناه في صورة العزل ما رواه في كتاب قرب الاسناد (1) عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عليه‌السلام عن علي عليه‌السلام قال : «جاء رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : كنت أعزل عن جارية لي فجاءت بولد ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : قد ينفلت ، فألحق به الولد». ونحوه في بعض التوقيعات الخارجة من الناحية المقدسة (2).

ثم إنه ينبغي أن يعلم أنه لا بد أن يكون الزوج ممن يمكن التولد منه من جهة السن ، فلو كان صغيرا لا يمكن حصول ذلك منه لم يلحق به الولد ، ونقل عن العلامة في الإرشاد أنه اكتفى ببلوغ العشر ، وهو مشكل ، إلا أن يعلم بالعادة وقوع ذلك منه.

و (ثانيها) مضي أقل مدة الحمل ، وهي ستة أشهر من حين الوطء ، قال في شرح النافع : وهو موضع وفاق ، وفي المسالك نسب الإجماع على ذلك إلى علماء الإسلام.

__________________

(1) قرب الاسناد ص 65 ، الوسائل ج 15 ص 113 ب 15 ح 1 وفيه «ان الوكاء قد ينفلت».

(2) التوقيع المشار اليه هنا مكتوب في حاشية آخر المسألة الثانية (منه ـ قدس‌سره ـ).


ويدل عليه قوله تعالى «وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً» (1) مع قوله تعالى «وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ» (2) فإنه يتركب من الآيتين أن حمله يكون ستة أشهر ، لأنها هي الباقية من الثلاثين شهرا بعد عامي الفصال ، وليست هذه المدة هي أقصى مدة الحمل للإجماع والوجدان ، فتعين أن يكون أقل مدته.

ويدل على ذلك الأخبار أيضا ومنها ما رواه في الفقيه (3) عن سلمة بن الخطاب بسنده عن علي عليه‌السلام قال : «أدنى ما تحمل المرأة لستة أشهر ، وأكثر ما تحمل لسنة».

وما رواه في الكافي (4) عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا كان للرجل منكم الجارية يطؤها فيعتقها فاعتدت ونكحت فإن وضعته لخمسة أشهر فإنه من مولاها الذي أعتقها ، وإن وضعت بعد ما تزوجت لستة أشهر فإنه لزوجها الأخير».

وما رواه في الكافي والتهذيب (5) عن جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما‌السلام «في المرأة تزوج في عدتها ، قال : يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما ، وإن جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر فهو للآخر ، وإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر فهو للأول». ورواه في الفقيه (6) في الصحيح قال : «وفي رواية جميل في المرأة ـ الحديث».

__________________

(1) سورة الأحقاف ـ آية 15.

(2) سورة لقمان ـ آية 14.

(3) الفقيه ج 3 ص 330 ح 8 ، الوسائل ج 15 ص 118 ح 15.

(4) الكافي ج 5 ص 491 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 115 ح 1.

(5) لم نعثر عليه في الكافي ، التهذيب ج 7 ص 309 ح 41 ، الوسائل ج 15 ص 117 ح 13.

(6) الفقيه ج 3 ص 301 ح 24 ، الوسائل ج 15 ص 117 ذيل ح 13.


وما رواه في الكافي (1) عن محمد بن يحيى يرفعه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تلد المرأة لأقل من ستة أشهر». إلى غير ذلك من الأخبار المتفرقة في جملة من الأحكام الآتي بعضها إن شاء الله.

و (ثالثها) أن لا يتجاوز أقصى مدة الحمل ، وهو مما لا خلاف فيه ، إنما الخلاف في تقدير المدة المذكورة ، هل هي سنة أو تسعة أشهر أو عشرة أشهر؟ مع الاتفاق على أنه لا يزيد على السنة.

وإلى (الأول) ذهب المرتضى في الانتصار مدعيا عليه الإجماع ، ونفي عنه البأس في المختلف وهو مذهب أبي الصلاح ، واختاره شيخنا في المسالك وسبطه السيد السند في شرح النافع ، وجعله المحقق في الشرائع متروكا ، وإلى هذا القول مال صاحب الكفاية. وإلى (الثاني) أكثر الأصحاب فإنه المشهور بينهم. وإلى (الثالث) الشيخ في موضع من المبسوط ، قال في الشرائع بعد نقل القول بذلك : وهو حسن يعضده الوجدان.

والواجب بمقتضى عادتنا في الكتاب نقل الأخبار التي وصلت إلينا في المسألة المذكورة ، ثم الكلام فيها بما وفق الله سبحانه لفهمه منها ببركة أهل الذكر عليهم‌السلام.

ومنها ما تقدم في رواية سلمة بن الخطاب (2) من قوله «وأكثر ما تحمل لسنة». وهذه الرواية صريحة في السنة ، إلا أنه قال في الوافي : وفي بعض النسخ «وأكثر ما تحمل لسنتين» فإن صح فلعله ورد على التقية.

أقول : وبلفظ السنتين نقل الخبر في كتاب الوسائل ، ولم يذكر غيرها ، وعلى هذا النسخة لا دلالة في الرواية على شي‌ء من الأقوال المذكورة.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 563 ح 32 ، التهذيب ج 7 ص 486 ح 163 ، الوسائل ج 15 ص 116 ح 8.

(2) الفقيه ج 3 ص 330 ح 8 ، الوسائل ج 15 ص 118 ح 15.


وما رواه في الكافي والتهذيب (1) عن معاوية بن حكيم عن أبي إبراهيم عليه‌السلام أو أبيه عليه‌السلام «أنه قال في المطلقة يطلقها زوجها فتقول : أنا حبلى فتمكث سنة ، قال : إن جاءت به لأكثر من سنة لم تصدق ولو ساعة واحدة في دعواها».

وما رواه في الكافي (2) عن عبد الرحمن بن سيابة عمن حدثه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألت عن غاية الحمل بالولد في بطن أمه كم هو؟ فإن الناس يقولون : ربما بقي في بطنها سنتين ، فقال : كذبوا أقصى مدة الحمل تسعة أشهر لا يزيد لحظة. ولو زاد ساعة لقتل امه قبل أن يخرج». وهذه الرواية كما ترى صريحة في التسعة.

وما رواه في روضة الكافي (3) عن أبان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن مريم حملت بعيسى تسع ساعات ، كل ساعة شهر». وهي ظاهرة في التسعة.

واستند السيد السند في شرح النافع في الاستدلال على ما اختاره من السنة. وكذا من تبعه في ذلك إلى صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (4) قال : «سمعت أبا إبراهيم يقول : إذا طلق الرجل امرأته فادعت حبلى انتظر تسعة أشهر ، فإن ولدت وإلا اعتدت بثلاثة أشهر ثم قد بانت منه».

ورواية محمد بن حكيم (5) عن أبي الحسن عليه‌السلام : قال : «قلت له : المرأة الشابة

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 101 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 129 ح 45 ، الوسائل ج 15 ص 442 ح 3.

(2) الكافي ج 6 ص 52 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 115 ح 45 ، الوسائل ج 15 ص 115 ح 3.

(3) روضة الكافي ج 8 ص 273 ح 516 وفيه «أبان عن رجل عن» ، الوسائل ج 15 ص 116 ح 7.

(4) الكافي ج 6 ص 101 ح 1 ، الفقيه ج 3 ص 330 ح 7 ، التهذيب ج 8 ص 129 ح 43 ، الوسائل ج 15 ص 441 ب 25 ح 1.

(5) الكافي ج 6 ص 101 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 129 ح 44 ، الوسائل ج 15 ص 442 ح 2.


التي تحيض مثلها يطلقها زوجها فيرتفع حيضها كم عدتها؟ قال : ثلاثة أشهر ، قلت : فإنها ادعت الحبل بعد ثلاثة أشهر ، قال : عدتها تسعة أشهر ، قلت : فإنها ادعت الحبل بعد تسعة أشهر؟ قال : إنما الحبل تسعة أشهر ، قلت : تزوج؟ قال : تحتاط بثلاثة أشهر ، قلت : فإنها ادعت بعد ثلاثة أشهر ، قال : لا ريبة عليها تزوجت إن شاءت». قال : والظاهر أن المراد بقوله «الحبل تسعة أشهر» أن الغالب فيه ذلك ، ثم أمرها بالاحتياط ثلاثة أشهر ، وذلك مجموع السنة ، وفي رواية أخرى لابن حكيم ـ ثم نقل الرواية المتقدمة الظاهرة في السنة ، ثم قال : ـ وذكر جدي أنه وقع في زمانه في بعض النساء تأخر حمله سنة ، وحكي لنا في هذا الزمان أنه وقع ذلك أيضا في بعض نساء بلدنا ، ولا ريب أن اعتبار ذلك عادة وإن كان نادرا أولى من الحكم بنفي النسب عن أهله ، انتهى.

أقول : مرجع استدلاله بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، والرواية الاولى من روايتي محمد بن حكيم مع أن ظاهرهما أنما هو الدلالة على القول بالتسعة إلا أنه عليه‌السلام لم يرخص لها في التزويج إلا بعد مضي التسعة والثلاثة الأشهر التي بعدها الذي مجموعه سنة ، فهو يدل على أن أقصى مدة الحمل سنة ، إذ لو كان ذلك تسعة أشهر لجوز لها النكاح بعد التسعة ، أو حمل ما دل بظاهره على التسعة على أنه الأغلب.

وفيه : (أولا) أن المستفاد من أخبار هذه المسألة ـ أعني مسألة المسترابة كما سيأتي إن شاء الله تحقيقه في محله ـ هو أن هذه الأشهر الأخيرة هي العدة الشرعية ومضي التسعة الأشهر وإن حصل به براءة الرحم وحصل اليقين بعدم الحبل لمضي المدة التي هي أكثر الحمل ، لكنه لا ينافي وجوب الاعتداد ، فإن ما علل به وجوب الاعتداد من تحصيل براءة الرحم ليس كليا يجب إطراده ، لتخلفه في مواضع لا تحصى ، كمن مات عنها زوجها بعد عشر سنين من مفارقتها ، وكذا في الطلاق مع أنه لا ريب في وجوب العدة.


و (ثانيا) أن ارتكاب التأويل في الأخبار فرع وجود المعارض ، وهم لم يذكروا على ما اختاروه من القول بالسنة دليلا يوجب إخراج هذه الأخبار عن ظاهرها ، فحمله ما دل على التسعة ـ كهذه الروايات على أن ذلك الغالب ـ خروج عن الظاهر ، يتوقف على وجود المعارض الراجح الدال على القول بالسنة ، وليس إلا ما أورده من ظاهر رواية محمد بن حكيم الثانية (1) التي هي مع الغماض عن المناقشة في دلالتها معارضة بما هو أظهر دلالة منها كرواية عبد الرحمن بن سيابة (2) والرواية التي بعدها ، على أنك قد عرفت في غير موضع مما تقدم أن من القواعد المقررة في كلامهم (3) أن إطلاق الأخبار إنما تحمل على الأفراد الغالبة المتكررة المتكثرة دون الفروض النادرة التي ربما لا تقع ولا تعلم إلا بمثل هذه الحكايات التي نقلها.

و (ثالثا) أن اعتماده في الاستدلال على القول بالسنة بهاتين الروايتين بالتقريب الذي ذكره من ضم الثلاثة أشهر الأخيرة إلى التسعة ، وأن المجموع يصير سنة منقوض بما دلت عليه موثقة عمار الظاهرة في أن أقصى الحمل سنة ، حيث إنه عليه‌السلام أوجب الاعتداد فيها بالثلاثة بعد مضي السنة ، وهي ما رواه (4) عن أبي عبد الله

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 101 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 129 ح 44 ، الوسائل ج 15 ص 442 ح 2.

(2) الكافي ج 6 ص 52 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 115 ح 45 ، الوسائل ج 15 ص 115 ح 3.

(3) ومرجع ذلك الى أنه مع معلومية الحال بكونه تسعة أو سنة فلا اشكال ، وانما الإشكال فيما إذا جهل ذلك كما في صورة الارتياب ، فمقتضى ما قلنا من القاعدة هو الحمل على التسعة لأنه هو الفرد المتكرر الغالب ، فمتى حصلت التسعة حكم بخروجها من العدة.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

(4) الكافي ج 6 ص 98 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 119 ح 9 ، الوسائل ج 15 ص 442 ب 13 ح 1.


عليه‌السلام «أنه سئل عن رجل عنده امرأة شابة ، وهي تحيض كل شهرين أو ثلاثة أشهر حيضة واحدة ، كيف يطلقها زوجها؟ فقال : أمرها شديد تطلق طلاق السنة تطليقة واحدة على طهر من غير جماع بشهود ، ثم تترك حتى تحيض ثلاث حيض متى حاضت ، فإذا حاضت ثلاثا فقد انقضت عدتها ، قيل له : وإن مضت سنة ولم تحض فيها ثلاث حيض؟ قال : إذا مضت سنة ولم تحض ثلاث حيض يتربص بها بعد السنة ثلاثة أشهر ، ثم قد انقضت عدتها» الحديث ، وهذا الخبر من الأخبار الدالة على السنة ، وهو كما ترى ظاهر فيما قدمنا ذكره ، من أن هذه الثلاثة الأشهر الأخيرة هي العدة الشرعية ، وإن علم براءة الرحم بمضي أقصى الحمل بالتسعة كما في الأخبار المتقدمة ، أو السنة كما في هذه الرواية ، لا أن هذه الثلاثة تضم إلى المدة الأولى ليحصل بالمجموع أقصى الحمل ، وإلا للزم أن أقصى الحمل بناء على هذه الرواية خمسة عشر شهرا وهو باطل يقينا.

وبالجملة فإن ما تكلفه ـ رحمه‌الله ـ وقبله جده في المسالك من الاستدلال على ما ذهبا إليه بهذه الرواية فهو لا يخلو من تكلف وتعسف ، وسيظهر لك ـ إن شاء الله تعالى ـ ذلك في المسألة المذكورة وفق الله سبحانه للوصول إليها.

والعلامة في المختلف قد اقتصر على نقل أقوال المسألة ، وهي الثلاثة المذكورة ولم يتعرض لذكر أدلة شي‌ء منها ، وقد عرفت أن روايات المسألة وهي التي وقفنا عليها منحصرة في القول بالتسعة والقول بالسنة ، وأما القول بالعشرة فلم نقف له على خبر ، إلا أن ظاهر بعضهم أنه مروي أيضا ، قال ابن حمزة ـ على ما نقله عنه في المختلف ـ : أكثر مدة الحمل فيه روايات ثلاثة : تسعة أشهر ، وعشرة ، وسنة.

ثم لا يخفى أن ما دل عليه خبر محمد بن حكيم الأول قد روى نحوه في أخبار أخر له أيضا منها ما رواه (1)

عن أبي عبد الله عليه‌السلام أو أبي الحسن عليه‌السلام قال : «قلت له : رجل طلق امرأته ، فلما مضت ثلاثة أشهر ادعت حبلى ، قال : ينتظر بها تسعة

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 102 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 443 ح 5.


أشهر ، قال : قلت : فإنها ادعت بعد ذلك حبلى ، قال : هيهات هيهات ، إنما يرتفع الطمث من ضربين ، إما حبل بين وإما فساد من الطمث ، ولكنها تحتاط بثلاثة أشهر بعد».

وأنت خبير بما في هذا الخبر من الدلالة الظاهرة على ما قررناه ، والوضوح فيما اخترناه ، والتقريب فيه أنه لما ادعت الحبل بعد الثلاثة الأشهر فأمره عليه‌السلام بالانتظار لتسعة أشهر التي هي أقصى مدة الحمل ، فإن ظهر فيها حمل فذاك ، وإلا فإنه قد تبين بانقضاء المدة المذكورة عدم الحمل ، ولهذا لما قال له الراوي أنها بعد التسعة ادعت الحبل ، قال : هيهات هيهات. يعنى هذا لا يكون أبدا بأن تمضي مدة تسعة أشهر لم يتبين فيها الحمل ثم يتبين بعدها ، وما ذاك إلا من حيث إنها أقصى مدة الحمل ، ولو كان مدة الحمل سنة كما يقوله أولئك لم يكن لهذا الكلام معنى بالكلية ، بل كان ينبغي أن يرتب على مضي السنة ، لا التسعة الأشهر ، ثم إنه أمره بالثلاثة الأشهر بعد التسعة التي تبين بها عدم الحمل وبراءة الرحم منه احتياطا ، وهي العدة الشرعية المأمور بها بعد الطلاق ، وإنما نسبها إلى الاحتياط لتبين براءة الرحم قبلها ، وإنما هي مؤكدة لذلك والوجه ما قد عرفته من أن التعليل ببراءة الرحم إنما هو للتقريب إلى الأفهام ، لا أنه علة حقيقية ، يدور المعلول معها وجودا وعدما.

نعم يبقى الكلام في الجمع بين أخبار السنة والتسعة ، ولا يحضرني الآن وجه شاف يعول عليه.

ومن فروع المسألة ما لو وضعت الولد بعد سنة من وقت الجماع فإنه على القول بكون أقصى مدة الحمل تسعة لا يلحق بالزوج ، وإنما يلحق به على تقدير القول بالسنة ، وهذا معظم الشبهة عند شيخنا الشهيد الثاني وسبطه ، وإليه أشار السيد السند فيما قدمنا نقله عنه بقوله في آخر كلامه «ولا ريب أن اعتبار ذلك عادة وإن كان نادرا أولى من الحكم بنفي النسب عن أهله ، ومرجعه إلى التمسك


بأن الولد للفراش» كما ذكره جده بقوله : واستصحاب حكمه ، وحكم الفراش أنسب وإن كان خلاف الغالب.

وفيه أنه متى قام الدليل بأن أقصاه تسعة كما عرفته من الأخبار التي قدمناها ، وهي ما بين نص وصريح في ذلك وظاهر ، فإنه يجب تخصيص حديث الفراش بها ، وقد عرفت أن جل أخبار محمد بن حكيم وهي متعددة زيادة على ما نقلناه ظاهرة في التسعة ، وما ارتكبوه من تأويلها قد عرفت ما فيه بما أظهرناه من ضعف باطنه وخافية ، على أنك قد عرفت أن مقتضى قواعدهم إنما هو الحمل على الأفراد الغالبة المتكررة ، لا الفروض الشاذة النادرة.

وتحقيق الكلام في المقام يتم برسم فوائد :

الأولى : اختلف الأصحاب فيما لو دخل بزوجته وجاءت بولد لأقل من ستة أشهر وهو حي كامل ، فقال الشيخ المفيد : إن ولدت زوجته على فراشه حيا تاما لأقل من ستة أشهر من يوم لامسها فليس بولد في حكم العادة ، وهو بالخيار إن شاء أقر به ، وإن شاء نفاه عنه.

وقال الشيخ في النهاية : فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر حيا سليما جاز له نفيه عن نفسه.

وقال ابن إدريس : يجب عليه نفيه ، وإلى هذا القول ذهب إليه من تأخر عنه وهو المشهور بين المتأخرين.

قال في المختلف وهو المعتمد لنا : أنه ليس ولدا له فسكوته عن نفيه يوجب لحاقه به واعترافه بنسبه ، وهو حرام إجماعا. وعلى هذا المنهاج كلام غيره ، وهو الظاهر الذي لا إشكال فيه.

والعجب من مثل الشيخين في خلافهما لذلك. روى الصدوق في الفقيه ، والشيخ في التهذيب (1) عن أبان بن تغلب قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 301 ح 27 ، التهذيب ج 8 ص 167 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 117 ح 3.


فلم تلبث بعد ما أهديت إليه إلا أربعة أشهر حتى ولدت جارية ، فأنكر ولدها وزعمت هي أنها حملت منه ، قال : فقال : لا يقبل منها ذلك ، وإن ترافعا إلى السلطان تلاعنا وفرق بينهما ولم تحل له أبدا».

وكذا يجب أن يكون الحكم كذلك فيما إذا ولدت الزوجة بعد أقصى زمان الحمل من حين الوطء فإنه يجب على الزوج نفيه لانتفائه عنه في نفس الأمر ، فهو في معلومية نفيه عنه كما لو ولدت به قبل الدخول ، أو ولدت به لأقل من ستة أشهر كما تقدم ، وقد ذكر جملة من الأصحاب هنا أن ذلك يعلم بأحد أمرين ، إما اتفاق الزوجين على عدم الوطء في المدة المذكورة ، أو ثبوت ذلك بغيبة أحدهما عن الآخر في جميع هذه المدة.

ومما ورد بالنسبة إلى الغيبة ما رواه في الكافي (1) عن يونس «في المرأة يغيب عنها زوجها فتجي‌ء بولد ، أنه لا يلحق الولد بالرجل إذا كانت غيبة معروفة ، ولا تصدق إنه قدم فأحبلها». وقوله «إذا كانت غيبته معروفة» فيه إشارة إلى محل المسألة.

الثانية : لا خلاف ولا إشكال في أنه لو زنت المرأة على فراش زوجها كان الولد ملحقا بالزوج لا ينتفي منه إلا باللعان ، للخبر المستفيض (2) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «الولد للفراش وللعاهر الحجر».

وروى الكليني (3) عن سعيد الأعرج في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد ، لمن يكون الولد؟ قال : للذي

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 490 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 167 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 213 ب 100 ح 1.

(2) الكافي ج 7 ص 163 ح 1 ، التهذيب ج 9 ص 346 ح 26 ، الوسائل ج 17 ص 566 ح 1.

(3) الكافي ج 5 ص 491 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 169 ح 13 ، الوسائل ج 14 ص 568 ح 4.


عنده ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر».

وما رواه في التهذيب (1) عن سعيد الأعرج في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : الرجل يتزوج المرأة وليست بمأمونة تدعي الحمل ، قال : ليصبر لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر».

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة بهذا المضمون ، ولا فرق في ذلك بين كون الولد مشبها للزاني في الخلق والخلق أم لا ، عملا بالإطلاق.

تنبيه

قوله «الولد للفراش» قيل : أي لمالك الفراش ، وهو الزوج أو المولى. أقول : قال في كتاب المصباح المنير (2) : قوله «الولد للفراش» أي الزوج ، فإن كل واحد من الزوجين يسمى فراشا للآخر ، كما سمي كل واحد منهما لباسا للآخر ، انتهى. وعلى هذا فلا يحتاج إلى تقدير مضاف كما في الأول. وقوله «وللعاهر ـ أي الزاني ـ الحجر» يحتمل معنيين : أحدهما أن الحجر كناية عن الخيبة والحرمان بمعنى لا شي‌ء له ، كما يقال : له التراب. وثانيهما أنه كناية عن الرجم بالأحجار ، ورد بأن ليس كل زان يجب رجمه.

قال السيد الرضي صاحب كتاب نهج البلاغة في كتاب المجازات النبوية بعد ذكر الخبر : هذا مجاز على أحد التأويلين وهو أن يكون المراد أن العاهر لا شي‌ء له في الولد ، فعبر عن ذلك بالحجر ، أي له من ذلك ما لاحظ فيه ولا انتفاع به ، كما لا ينتفع بالحجر في أكبد الأحوال ـ إلى أن قال : ـ وأما التأويل الآخر الذي يخرج به الكلام عن حيز المجاز إلى الحقيقة فهو أن يكون المراد أنه ليس

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 183 ح 64 ، الوسائل ج 15 ص 565 ح 1.

(2) المصباح المنير ص 640.


للعاهر إلا إقامة الحد عليه وهو الرجم بالأحجار فيكون الحجر هنا اسما للجنس لا المعهود ، وهذا إذا كان العاهر محصنا ، فإن كان غير محصن فالمراد بالحجر هنا على قول بعضهم الإعناف به والغلظ عليه بتوفية الحد الذي يستحقه من الجلد ، وفي هذا القول تعسف ، والاستكراه ـ وإن كان داخلا في باب المجاز ـ إلا أن الغلظ على من يقام عليه الحد إذا كان الحد جلدا لا رجما لا يعبر عنه بالحجر لأن ذلك بعيد عن سنن الفصاحة ، والأولى الاعتماد على التأويل الأول.

الثالثة : إذا اختلف الزوجان في الدخول وعدمه فادعته المرأة ليلحق به الولد وأنكره الزوج فلا ريب في أن القول قوله بيمينه لأن الأصل عدمه ولأن الدخول من فعله فيقبل قوله فيه ، ولو اتفقا على الدخول لكن أنكر الزوج الولادة وادعى أنها أتت به من خارج فالقول قوله بيمينه أيضا لأن الأصل عدم الولادة ، ولو اعترف بالدخول والولادة وحصلت الولادة بعد مضي أقل مدة الحمل وقبل مضي أقصاه فإن الولد يلحق به شرعا ويلزمه الإقرار به ، ولو أنكره والحال هذه لم ينتف عنه إلا باللعان وهو موضع وفاق.

أما لو ادعى الأب ولادته لدون ستة أشهر أو لأزيد من أقصى الحمل وادعت الزوجة ولادته بعد مضي أقل مدته أو قبل مضي أقصاه ، فظاهر إطلاق بعض العبارات أن القول قول المرأة ، وأن الحكم كما في سابق هذا الموضع والأنسب بقواعدهم والأربط بضوابطهم أن القول قول المرأة فيما إذا ادعى الزوج ولادته بعد مضي أقصى الحمل ، لأن الأصل عدم مضي تلك المدة ، والأصل عدم تقدم الوطء على الوقت الذي تعترف به المرأة.

وأما في صورة ما إذا ادعى ولادته قبل مضي أقل مدة الحمل وادعت المرأة مضي تلك المدة ، فيشكل القول بتقديم قولها (1) في ذلك ، لأن الأصل عدم مضي

__________________

(1) لان مثال هذه الدعوى ـ أى دعوى عدم مضى تلك المدة ـ إلى دعوى الدخول ، فإنه إذا قال : لم تمض ستة أشهر من حين الوطء فمعناه أنه لم يطأ قبل هذه المدة


تلك المدة المتنازع فيها ، وعدم تقدم الوطء عن الوقت الذي يعترف به الزوج ، فالأظهر هنا تقديم قول الزوج في ذلك ، ومن هنا حمل بعضهم إطلاق تقديم قول المرأة في الاختلاف في المدة على المعنى الأول (1) ليتجه الحكم بتقديم قول المرأة.

قال في شرح النافع : ومتى قلنا بتقديم قول المرأة فالظاهر أن عليها اليمين كما صرح به الشهيد وجماعة ، وربما ظهر من كلام بعض الأصحاب عدم يمينها وهو بعيد. انتهى ، وهو جيد.

الرابعة : لو زنى بامرأة فأحبلها ثم تزوجها ، وكذا لو زنى بأمة غيره ثم اشتراها لم يجز له إلحاق الولد بنفسه ، لأن الولد إنما حصل بالزنا ، والنسب لا يثبت بالزنا ، ومجرد الفراش لا يقتضي إلحاق ما علم انتفاؤه.

ويدل على ذلك من الأخبار صريحا ما رواه الشيخ (2) في الصحيح عن علي ابن مهزيار عن محمد بن الحسن القمي قال : «كتب بعض أصحابنا على يدي أبي جعفر عليه‌السلام : جعلت فداك ما تقول في رجل فجر بامرأة فحبلت ثم إنه تزوجها بعد الحمل فجاءت بولد وهو أشبه خلق الله به ، فكتب عليه‌السلام بخطه وخاتمه : الولد لغية لا يورث».

وفي الصحيح عن الحلبي (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أيما رجل وقع على وليدة قوم حراما ثم اشتراها فادعى ولدها فإنه لا يورث منه ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

وانما وطأ في انتهائها ، فكما أن قوله يقدم في عدم الدخول لأصالة عدمه ، فكذا هنا لأصالة عدم تقدمه ، لاشتراكهما في تعليل الأصل. كذا إفادة شيخنا في المسالك.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

(1) وهو ما لو أتت به بعد مضى ستة أشهر. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) الكافي ج 7 ص 164 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 182 ح 61 ، الوسائل ج 15 ص 214 ب 101 ح 1.

(3) الكافي ج 7 ص 163 ح 1 مع زيادة فيه ، التهذيب ج 8 ص 207 ح 40 ، وج 9 ص 346 ح 26 ، الوسائل ج 17 ص 566 ح 1 وج 14 ص 583 ب 74 ح 1.


قال : الولد للفراش وللعاهر الحجر».

الخامسة : إذا طلق الرجل زوجته فاعتدت وتزوجت ثم أتت بولد فإن كان لدون ستة أشهر فهو للأول ولو كان لستة أشهر فصاعدا فهو للأخير ، وكذا لو أعتق أمة فتزوجت بعد العدة ثم ولدت فإن الحكم في الولد كما ذكر من التفصيل.

والوجه في الأول ظاهر لانتفاء الولد في هذه الحال عن الثاني بعدم مضي أقل مدة الحمل من وطيه ، مؤيدا ذلك بالأخبار الآتية في المقام ، ونحوه في الحكم بكونه للأول أيضا ما لو أتت به قبل تجاوز أقصى مدة الحمل من وطء الأول ولم تتزوج لأنها فراشه حينئذ ولم يشاركه فراش آخر ليشاركه في الولد.

وأما الثاني وهو ما لو أتت به لستة أشهر فصاعدا فالحكم به للثاني ظاهر فيما لو كان الإتيان به بعد مضي أقصى مدة الحمل من وطء الأول فإنه لا يمكن إلحاقه بالأول حينئذ ، وإنما الكلام فيما لو أتت به قبل مضي الأقصى ، فإنه يمكن أن يكون من الأول لعدم تجاوز أقصى مدة الحمل من وطئه ، وأن يكون من الثاني لمضي أقل مدة الحمل من وطئه ، والمشهور ـ وبه قطع الشيخ في النهاية والمحقق وجماعة ـ أنه للثاني ، وقال الشيخ في المبسوط : تعتبر القرعة لإمكان أن يكون من الأول ومن الثاني لأن الأم فراش لكل منهما حال وطئه ، ولا ترجيح إلا بالقرعة.

ويدل على المشهور جملة من الأخبار ، منها ما رواه الكليني (1) في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا كان للرجل منكم الجارية يطؤها فيعتقها فاعتدت ونكحت فإن وضعت لخمسة أشهر فإنه من مولاها الذي أعتقها ، وإن وضعت بعد ما تزوجت لستة أشهر فإنه لزوجها الأخير».

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 491 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 168 ح 10 وفيه «فإنه لمولاها» الوسائل ج 15 ص 115 ح 1.


وما رواه في التهذيب (1) عن زرارة قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل إذا طلق امرأته ثم نكحت وقد اعتدت ووضعت لخمسة أشهر فهو للأول ، وإن كان ولدا ينقص من ستة أشهر فلأمه ولأبيه الأول ، وإن ولدت لستة أشهر فهو للأخير».

وما رواه الصدوق في الفقيه (2) في الصحيح عن جميل بن دراج «في المرأة تتزوج في عدتها ، قال : يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما ، فإن جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر فهو للأخير ، وإن جاءت بولد في أقل من ستة أشهر فهو للأول».

ورواه الكليني والشيخ (3) عن جميل بن دراج عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما‌السلام «في المرأة تزوج» الحديث.

وما رواه الشيخ (4) عن أبي العباس البقباق قال : «إذا جاءت بولد لستة أشهر فهو للأخير ، وإن كان أقل من ستة أشهر فهو للأول».

وقد اشتركت هذه الروايات في الدلالة على أنه مع تعدد صاحب الفراش فإنه يحكم للأول إن نقص عن الستة ، وإن كانت ستة فصاعدا فهو للثاني ، ومنه يظهر بطلان القول بالقرعة ، وكذا الحكم في الأمة لو باعها سيدها بعد الوطء فإنه متى ولدت عند المشتري لأقل من ستة تبين أنه من البائع ، ويزيد هنا أنه يبطل البيع لظهور كونها أم ولد ، وأما لو ولدت لستة فصاعدا فهو من المشتري والبيع صحيح.

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 167 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 117 ح 11.

(2) الفقيه ج 3 ص 301 ح 24 ، التهذيب ج 7 ص 309 ح 41 مع اختلاف يسير ، الوسائل ج 15 ص 117 ح 13.

(3) لم نعثر عليه في الكافي ، التهذيب ج 8 ص 168 ح 8 ، الوسائل ج 15 ص 117 ح 13.

(4) التهذيب ج 8 ص 167 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 117 ح 12.


وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك (1) عدم الوقوف على شي‌ء من الروايات التي ذكرناها دليلا للقول باللحوق بالثاني منهما متى كان لستة فصاعدا ، لأنه بعد نقل القولين المذكورين إنما علل كلا منهما بالعلل الاعتبارية المتعارفة في كلامهم ثم قال : واختار المصنف إلحاقه بالثاني ولعله أقوى.

المسألة الثانية : في أولاد الموطوءة بالملك وما يترتب عليها من الأحكام ، وذلك يقع في مواضع : منها أنه متى وطأ الأمة فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا لزم الإقرار به لأنه لو نفاه لم يلاعن امه بل يحكم بنفيه ظاهرا ، ولو اعترف به بعد ذلك الحق به ، وتفصيل الوجه في هذا الإجمال أن يقال :

أما لزوم الإقرار به إذا لم يعلم انتفاؤه عنه فيدل عليه بعد اتفاق الأصحاب على الحكم المذكور ما رواه الكليني (2) في الصحيح عن سعيد بن يسار قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الجارية تكون للرجل يطيف بها وهي تخرج فتعلق ، قال : يتهمها الرجل أو يتهما أهله؟ قلت : أما ظاهرة فلا ، قال : إذا لزمه الولد».

__________________

(1) فإنه ـ قدس‌سره ـ قال : وان أمكن إلحاقه بهما بأن ولدته فيما بين أقصى الحمل وأدناه من وطئهما أمكن كونه منهما ، ولا خلاف في عدم الترجيح للأول لأن فراش الثاني اما أقوى ـ من حيث زوال الأول وحصول الثاني بالفعل ـ أو مساو له ، وفي ترجيح الثاني واعتبار القرعة قولان : منشأهما من كونها حال الوطء فراشا لكل منهما ، والزمان صالح لإلحاقه بهما فلا ترجيح إلا بالقرعة ، ومن أن فراش الثاني ثابت بالفعل حقيقة. بخلاف الزائل فإنه مجاز عند جمع من الأصوليين ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «الولد للفراش». والقولان للشيخ في المبسوط والنهاية والعلامة في المختلف وغيره ، واختاره المصنف الحاقه بالثاني ولعله أقوى ، انتهى.

وفيه ما لا يخفى كما عرفت في غير موضع مما تقدم ، والنصوص بحمد الله سبحانه واضحة جلية ، ولكنهم لمزيد الاستعجال يغفلون عن مراجعتها. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) الكافي ج 5 ص 489 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 181 ح 57 ، الوسائل ج 14 ص 565 ح 2.


وعن سعيد بن يسار (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وقع على جارية له تذهب وتجي‌ء وقد عزل عنها ولم يكن منه إليها شي‌ء ، ما تقول في الولد؟ قال ، أرى أن لا يباع هذا يا سعيد ، قال : وسألت أبا الحسن عليه‌السلام فقال : أيتهمها؟ فقلت : أما تهمة ظاهرة فلا ، قال : فيتهمها أهلك؟ فقلت : أما شي‌ء ظاهر فلا ، قال : فكيف تستطيع أن لا يلزمك الولد».

وما رواه الشيخ (2) في الصحيح عن عمر بن يزيد قال : «كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام : في هذا العصر رجل وقع على جاريته ثم شك في ولده ، فكتب عليه‌السلام : إن كان فيه مشابهة منه فهو ولده».

وظاهر هذه الأخبار عدم لحوقه به مع التهمة ، وسيجي‌ء الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

وأما أنه لو علم انتفاؤه عنه فإنه يجوز له نفيه ، وينبغي ظاهرا من غير أن يتوقف على لعان ، فهو مجمع عليه بينهم ، وقد نقل الإجماع على ذلك فخر المحققين في شرح القواعد وشيخنا الشهيد الثاني في الروضة والمسالك.

وأما سقوط اللعان هنا فلأن مورده ـ كما دلت عليه الآية ـ الزوجان كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله تعالى في محله. قال سبحانه «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ» الآية.

وأما انتفاؤه ظاهرا بمجرد النفي ، فاستدل عليه زيادة على الإجماع المدعى بأن ذلك لا يعرف إلا من قبله ، فلو لم ينتف بنفيه ـ والحال أنه لا ينتفي باللعان ـ لزم كون ولد الأمة أقوى من ولد الحرة لأن ولد الحرة ينتفي باللعان ، وهذا لا يمكن نفيه أصلا على هذا التقدير ، وذلك معلوم البطلان. انتهى ، وفيه ما لا يخفى.

وبالجملة فإني لا أعرف لهم دليلا ظاهرا إلا الإجماع المدعى.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 489 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 181 ح 58 ، الوسائل ج 14 ص 566 ح 5.

(2) التهذيب ج 8 ص 181 ح 56 وفيه «عن يعقوب بن يزيد» ، الوسائل ج 14 ص 564 ح 5.


وأما أنه إذا اعترف به بعد الإنكار الحق به ، فاستدل عليه بخبر (1) «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز». ولأن الملاعن الذي ينتفي عنه الولد باللعان إذا أكذب نفسه الحق به الولد ـ كما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى في باب اللعان ـ وإلحاقه به فيما إذا اعترف به بعد النفي بطريق أولى.

تذنيبات

الأول : لا يخفى أن ما ذكروه من هذه الأحكام في ولد الأمة يجي‌ء مثله ـ كما صرح به الأصحاب ـ في ولد المتعة من لزوم الاعتراف به إذا لم يعلم انتفاؤه ، وأنه إذا انفاه ينتفي ظاهرا من غير لعان ، وإذا اعترف به بعد النفي الحق به.

قال السيد السند في شرح النافع : ونقل جدي ـ رحمه‌الله عليه ـ في باب المتعة من الروضة والمسالك الاتفاق على أن ولد المتعة ينتفي بغير لعان ، مع أنه قال في هذا الباب من الروضة : أن انتفاء ولد المتعة بمجرد النفي هو المشهور ، وحكي عن المرتضى ـ رحمة الله عليه ـ قولا بإلحاقها بالدائمة في توقف انتفاء ولدها على اللعان.

أقول : وقد تقدم تحقيق الكلام في هذا المقام في الفصل الثالث في المتعة ، وبينا ما في المسألة من الاشكال ، وإن لم يتنبه إليه أحد من علمائنا الأبدال ، وأن الروايات التي استندوا إليها في ذلك لا تخلو من الإجمال ، فليرجع إليه من أحب تحقيق الحال.

الثاني : لا خلاف بين الأصحاب في أنه متى أقر بالولد فإنه لا يقبل منه إنكاره بعد ذلك ، وقد ادعى الإجماع على ذلك جملة منهم وعليه تدل الأخبار أيضا.

ومنها ما رواه الشيخ (2) في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه قال : وأيما رجل أقر بولد ثم انتفى منه فليس له ذلك ولا كرامة ، يلحق به ولده

__________________

(1) الوسائل ج 16 ص 111 ح 2.

(2) الكافي ج 7 ص 163 ح 1 ، التهذيب ج 9 ص 346 ح 26 ، الوسائل ج 17 ص 564 ح 1.


إذا كان من امرأته أو وليدته».

وما رواه في الكافي والفقيه (1) عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : من أقر بولد ثم نفاه جلد الحد والزم الولد».

وما رواه في التهذيب (2) عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام قال : «إذا أقر الرجل بالولد ساعة لم ينتف منه أبدا».

وما رواه في الكافي (3) عن سعد بن سعد في الصحيح قال : «سألته ـ يعني أبا الحسن الرضا عليه‌السلام ـ عن رجل كان له ابن يدعيه فنفاه وأخرجه من الميراث وأنا وصيه فكيف أصنع؟ فقال ـ يعني الرضا عليه‌السلام ـ : لزمه الولد بإقراره بالمشهد لا يدفعه الوصي عن شي‌ء قد علمه».

وما رواه في التهذيب (4) عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ادعى ولد امرأة لا يعرف له أب ثم انتفى من ذلك ، قال : ليس له ذلك».

وما رواه في التهذيب (5) عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا أقر الرجل بولد ثم نفاه لزمه».

الثالث : إذا كان للجارية موال عديدة ووطأها كل منهم وولدت ، فإما أن يكون وطء الموالي متفرقا بأن وطأها الأول ثم باعها من الثاني فوطأها ثم باعها من الثالث فوطأها وهكذا ، وإن كان في طهر واحد ، أو يكون وطء الموالي

__________________

(1) الكافي ج 7 ص 261 ح 8 ، الفقيه ج 4 ص 36 ح 12 وفيه «أن عليا عليه‌السلام قال :» ، التهذيب ج 10 ص 87 ح 103 ، الوسائل ج 18 ص 457 ح 1.

(2) التهذيب ج 8 ص 183 ح 63 ، الوسائل ج 17 ص 565 ح 4.

(3) الكافي ج 7 ص 64 ح 26 ، الفقيه ج 4 ص 163 ح 2 ، التهذيب ج 9 ص 235 ح 11 ، الوسائل ج 13 ص 476 ح 1.

(4) التهذيب ج 8 ص 167 ح 6 ، الوسائل ج 17 ص 564 ح 3.

(5) التهذيب ج 9 ص 346 ح 28 ، الوسائل ج 17 ص 564 ح 2.


مجتمعا بحيث يكونون مشتركين في الجارية فوطأها كل منهم من حيث الملك فهنا قسمان :

(أحدهما) أن يكون الموالي متفرقة على الوجه الذي ذكرناه ، والذي ذكره الأصحاب أنه يحكم بالولد للأخير الذي عنده الجارية إن جاءت بالولد لستة أشهر فصاعدا من يوم وطئها ، وإلا كان للذي قبله بالشرط المذكور ، وهكذا في كل واحد منهم ، وهي وإن كانت فراشا للجميع أو كالفراش إلا أن الولد عندهم يلحق بالمالك بالفعل دون الزائد وإن أمكن لحوقه به ، هذا إن حصل شرط الإلحاق وهو التولد على الوجه المذكور ، وإلا فالسابق ، لأنه ناسخ لحكم الذي قبله مع إمكان اللحوق أيضا ، وهكذا.

والذي يدل على ما ذكروه من تقديم الحاضر دون من سبق وإن أمكن اللحوق ما رواه المشايخ الثلاثة (1) ـ رحمة الله عليهم ـ عن الصيقل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سمعته يقول : وسئل عن رجل اشترى جارية ثم وقع عليها قبل أن يستبرء رحمها ، قال : بئس ما صنع ، ويستغفر الله ولا يعود ، قلت : فإنه باعها من آخر ولم يستبرء رحمها ثم باعها الثاني من رجل آخر فوقع عليها ولم يستبرء رحمها فاستبان حملها عند الثالث ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : الولد للفراش وللعاهر الحجر».

ورواه الشيخ في التهذيب (2) بسند آخر عن الصيقل قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام وذكر مثله ، إلا أنه قال «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : الولد للذي عنده الجارية ، وليصبر لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر».

وقال عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (3) «وإن كانوا ثلاثة واقعوا جارية على

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 491 ح 2 ، الفقيه ج 3 ص 285 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 168 ح 11 ، الوسائل ج 14 ص 568 ح 2.

(2) التهذيب ج 8 ص 168 ح 12 ، الوسائل ج 14 ص 568 ح 3.

(3) فقه الرضا ص 262 مع اختلاف يسير.


الانفراد بعد أن اشتراها الأول وواقعها ثم اشتراها الثاني وواقعها ثم اشترى الثالث وواقعها ، كل ذلك في طهر واحد ، فأتت بولدها لكان الحق أن يلحق الولد بالذي عنده الجارية ويصبر لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الولد للفراش وللعاهر الحجر» ، هذا مما لا يخرج في النظر وليس فيه إلا التسليم ، وفي الخبرين دلالة على كون الأمة فراشا ، والأصحاب قد استدلوا في ذلك بهذين الخبرين لضعف قول من منع كونها فراشا.

و (ثانيهما) أن يطأها الموالي المشتركون فيها في طهر واحد ، ولا ريب أنهم قد فعلوا محرما فإنه لا يجوز لأحد الشركاء الوطء بدون إذن الشركاء الأخر ، لكنه لا يكون بذلك زانيا بل عاصيا يستحق التعزير ويلحق به الولد ، ويقوم عليه الأمة والولد يوم سقط حيا ، وقد تقدم تحقيق الكلام في المسألة في كتاب البيع (1) والكلام هنا فيما إذا اجتمعوا على الوطء فإنهم وإن فعلوا محرما إلا أن الولد لاحق بهم لا بمعنى أنه يكون مشتركا بين الجميع بل يختص بواحد منهم ، يجب الرجوع إلى القرعة في تعيينه كما دلت عليه الأخبار ، فكل من خرج اسمه الحق به الولد واغرم حصص الباقين من قيمته وقيمة امه ، لأنها قد صارت أم ولد بالنسبة إلى من الحق به ، وها أنا أسوق ما وقفت عليه من أخبار المسألة.

ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب (2) في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا وقع الحر والعبد والمشرك بامرأة في طهر واحد فادعوا الولد أقرع بينهم فكان الولد للذي يخرج سهمه».

وما رواه في الكافي والفقيه (3) عن عاصم بن حميد عن أبي بصير في الصحيح أو

__________________

(1) ج 19 ص 478.

(2) الكافي ج 5 ص 490 ح 1 ، التهذيب ج 6 ص 240 ح 26 مع اختلاف في السند والمتن ، الوسائل ج 14 ص 567 ح 3 وج 18 ص 187 ح 1 مع اختلاف يسير.

(3) الكافي ج 5 ص 491 ح 2 ، الفقيه ج 3 ص 54 ح 11 ، التهذيب ج 8 ص 170 ح 16 ، الوسائل ج 14 ص 567 ح 4 وج 18 ص 188 ح 6.


الحسن عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا عليه‌السلام إلى اليمن فقال له حين قدم : حدثني بأعجب ما ورد عليك ، قال : يا رسول الله أتاني قوم قد تبايعوا جارية فوطؤوها جميعا في طهر واحد فولدت غلاما واحتجوا فيه كلهم يدعيه فأسهمت بينهم وجعلته للذي خرج سهمه ، وضمنته نصيبهم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنه ليس من قوم تنازعوا ثم فوضوا أمرهم إلى الله عزوجل إلا خرج سهم المحق».

ورواه الشيخ (1) عن عاصم بن حميد عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر عليه‌السلام مثله. وما رواه في التهذيب عن معاوية بن عمار في الصحيح والصدوق (2) عنه في الضعيف عن أبي عبد الله عليه‌السلام «إذا وطأ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد فولدت فادعوه جميعا أقرع الوالي بينهم ، فمن قرع كان الولد ولده ، ويرد قيمة الولد على صاحب الجارية» الحديث.

وما رواه في التهذيب (3) عن سليمان بن خالد في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قضى علي عليه‌السلام في ثلاثة وقعوا على امرأة في طهر واحد. وذلك في الجاهلية قبل أن يظهر الإسلام فأقرع بينهم وجعل الولد لمن قرع وجعل عليه ثلثي الدية للآخرين ، فضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى بدت نواجده قال : وما أعلم فيها شيئا إلا ما قضى علي عليه‌السلام».

ونحو ذلك صحيحة الحلبي (4) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا وقع المسلم واليهودي والنصراني على المرأة في طهر واحد أقرع بينهم ، وكان الولد للذي تصيبه القرعة».

__________________

(1) التهذيب ج 6 ص 238 ح 16 ، الوسائل ج 18 ص 188 ح 5.

(2) الفقيه ج 3 ص 52 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 169 ح 14 ، الوسائل ج 14 ص 566 ح 1 وج 18 ص 190 ح 14.

(3) التهذيب ج 8 ص 169 ح 15 ، الوسائل ج 14 ص 566 ح 2.

(4) التهذيب ج 9 ص 348 ح 33 ، الوسائل ج 17 ص 571 ب 10 ح 1.


قال في المسالك ـ بعد أن ذكر صحيحة أبي بصير (1) المشتملة على بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا عليه‌السلام إلى اليمن ولم ينقل سواها ـ ما صورته : والأصحاب حكموا بمضمونها وحملوا قوله «وضمنته نصيبهم» على النصيب من الولد والام معا كما لو كان الواطئ واحدا منهم ابتداء ، فإنه يلحق به ويغرم نصيبهم منهما كذلك ، لكن يشكل الحكم بضمانه لهم نصيب الولد لادعاء كل منهم أنه ولده وأنه لا يلحق بغيره ، ولازم ذلك أنه لا قيمة له على غيره من الشركاء ، وهذا بخلاف ما لو كان الواطئ واحدا ، فإن الولد محكوم بلحوقه به ، ولما كان من نماء الأمة المشتركة جمع بين الحقين بإغرامه قيمة الولد لهم وإلحاقه به ، بخلاف ما هنا ، والرواية ليست صريحة في ذلك ، لأن قوله «وضمنته نصيبهم» يجوز إرادة النصيب من الأم ، لأنه هو النصيب الواضح لهم باتفاق الجميع بخلاف الولد ، ويمكن أن يكون الوجه في إغرامه نصيبهم من الولد ، أن ذلك ثابت عليه بزعمه أنه ولده ، ودعواهم لم يثبت شرعا ، فيؤاخذ المدعي بإقراره بالنسبة إلى حقهم ، والنصيب في الرواية يمكن شموله لهما معا من حيث إن الولد نماء أمتهم ، فلكل منهم فيه نصيب سواء الحق به أم لا ، ولهذا يغرم من لحق به نصيب الباقين في موضع الوفاق ، وعلى كل حال فالعمل بما ذكره الأصحاب متعين ولا يسمع الشك فيه مع ورود النص به ظاهرا وإن احتمل غيره ، انتهى.

أقول : لا يخفى أن الرواية المذكورة وإن أوهمت ما ذكره من حيث عدم الصراحة في كون ما يغرمه نصيبهم من الولد ، إلا أن صحيحة معاوية بن عمار صريحة في ذلك لقوله «فمن قرع كان الولد ولده ، وترد قيمة الولد على صاحب الجارية».

وحاصله : أن من غلب بالقرعة وخرج اسمه يجب عليه إعطاء شريكه في الجارية حصته من قيمة الولد ، فقوله «قيمة الولد» أي حصته من قيمة الولد ،

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 170 ح 16 ، الوسائل ج 18 ص 188 ح 6.


وهو أيضا ظاهر صحيحة سليمان بن خالد وإن عبر عن القيمة بالدية ، فإنه بعد أن حكم بأن الولد لمن قرع أوجب عليه ثلثي القيمة أي قيمة الولد ، لأن الشركاء ثلاثة كما هو مذكور في صدر الخبر.

وبالجملة فإن ظاهر هذه الروايات المشتملة على القيمة إنما أريد بها قيمة الولد ، لأن سياقها إنما هو في حكم الأولاد لا قيمة الجارية ، وإن كان ذلك أيضا واجبا عليه إلا أنه لم يتعرض له في هذه الأخبار ، وإنما يستفاد من أخبار كما تقدم في كتاب البيع ، وعلى هذا فيمكن أن يقال ـ في دفع ما ذكره من الاستشكال ـ أنه لما دلت الأخبار بعد إلحاق الولد به بالقرعة وصيرورته هو الأب الحقيقي بذلك صار في حكم ما لو كان الواطئ لها واحدا من الشركاء خاصة ، ويترتب عليه هنا ما ذكر في تلك المسألة ، ودعوى كل من الشركاء ـ أنه ولده بزعمه بعد خروج القرعة لواحد معين ـ في حكم العدم ، فإن القرعة قد عينت الأب الحقيقي.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (1) ولو أن رجلين اشتريا جارية وواقعاها جميعا فأتت بولد لكان الحكم فيه أن يقرع بينهما ، فمن أصابت القرعة الحق به الولد ، ويغرم نصف قيمة الجارية لصاحبه ، وعلى كل واحد منهما نصف الحد. انتهى ، وهذا الخبر قد تضمن قيمة الجارية خاصة.

الرابع : أنه لو وطأها المولى ووطأها أجنبي بالزنا فولدت فإنه لا خلاف في إلحاقه بالمولى ، لأخبار الفراش المتظافرة وصحيحة سعيد الأعرج (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد ، لمن تكون الولد؟ قال : للذي تكون عنده لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر». وموثقة

__________________

(1) فقه الرضا ص 262 ، مستدرك الوسائل ج 3 ص 200 ب 11 ح 4.

(2) الكافي ج 5 ص 491 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 169 ح 13 وفيه «عنده الجارية» ، الوسائل ج 14 ص 568 ح 4.


سماعة (1) قال : «سألته عن رجل له جارية فوثب عليها ابن له ففجر بها ، قال : قد كان رجل عنده جارية وله زوجة فأمرت ولدها أن يثب على جارية أبيه ففجر بها ، فسأل أبو عبد الله عليه‌السلام عن ذلك فقال : لا يحرم ذلك على أبيه ، إلا أنه لا ينبغي له أن يأتيها حتى يستبرئها للولد ، فإن وقع فيما بينهما ولد فالولد للأب إذا كانا جامعاها في يوم واحد وشهر واحد».

وإنما الاشكال والخلاف فيما لو حصل في الولد أمارة تغلب على الظن أن الولد ليس من المولى ، قال الشيخ في النهاية : إذا حصل في الولد أمارة يغلب معها الظن أنه ليس من المولى لم يجز له إلحاقه به ولا نفيه عنه ، وينبغي أن يوصي له بشي‌ء ولا يورثه ميراث الأولاد ، وتبعه على ذلك جملة من الأصحاب منهم المحقق في النافع ، وفي الشرائع نسبه إلى قيل ، وتردد فيه ، والظاهر أنه المشهور.

ويدل عليه من الأخبار ما رواه في الكافي (2) عن محمد بن عجلان قال : «إن رجلا من الأنصار أتى أبا جعفر عليه‌السلام فقال له : إني قد ابتليت بأمر عظيم ، إني وقعت على جاريتي ثم خرجت في بعض حوائجي فانصرفت من الطريق ، فأصبت غلامي بين رجلي الجارية فاعتزلتها فحبلت ثم وضعت جارية لعدة تسعة أشهر ، فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : احبس الجارية لا تبعها وأنفق عليها حتى تموت أو يجعل الله لها مخرجا ، فإن حدث بك حدث فأوص بأن ينفق عليها من مالك حتى يجعل الله لها مخرجا» الحديث.

ورواه الكليني والشيخ في التهذيب (3) في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 179 ح 51 ، الوسائل ج 14 ص 564 ح 3.

(2) الكافي ج 5 ص 488 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 180 ح 53 ، الوسائل ج 14 ص 563 ح 2.

(3) الكافي ج 5 ص 488 ح 1 ، الفقيه ج 4 ص 230 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 179 ح 52 ، الوسائل ج 14 ص 563 ح 1.


أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن رجلا من الأنصار أتى أبي ـ الحديث. كما تقدم إلى قوله ـ حتى يجعل الله لها مخرجا» وفيه أيضا «فقال له أبي عليه‌السلام : لا ينبغي لك أن تقربها ولا تنفيها» عوض قوله «فقال له أبو جعفر عليه‌السلام» إلخ.

وما رواه في الفقيه والتهذيب (1) عن حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل كان يطأ جارية له وأنه كان يبعثها في حوائجه وأنها حبلت وأنه بلغه عنها فساد ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا ولدت أمسك الولد ولا يبيعه ويجعل له نصيبا في داره ، قال : فقيل له : رجل يطأ جارية له وأنه لم يكن يبعثها في حوائجه وأنه اتهمها وحبلت ، فقال : إذا هي ولدت أمسك الولد ولا يبيعه ويجعل له نصيبا من داره وماله ، وليس هذه مثل تلك».

وما رواه المشايخ الثلاثة (2) عن عبد الحميد بن إسماعيل قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كانت له جارية يطؤها وهي تخرج في حوائجه فحبلت فخشي أن لا يكون منه ، كيف يصنع؟ أيبيع الجارية والولد؟ قال : يبيع الجارية ولا يبيع الولد ولا يورثه من ميراثه شيئا».

وأنت خبير بأنه ليس في شي‌ء من هذه الأخبار على تعددها دلالة على ما ذكره الشيخ من اشتراط حصول أمارة يغلب معها الظن بأنه ليس من المولى في ترتب ما ذكره من الأحكام التي جعلها حالة وسطى بين الولد والأجنبي ، وغاية ما تدل عليه الأخبار المذكورة هو حصول الزنا منها مع وطء المولى لها أو التهمة لها بالزنا ، وأن هذه الأحكام مترتبة على ذلك ، وفيه ما لا يخفى من الاشكال لما عرفت من الأخبار المتقدمة وأخبار القاعدة المشهورة من أن «الولد للفراش

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 489 ح 2 ، الفقيه ج 4 ص 231 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 182 ح 59 ، الوسائل ج 14 ص 565 ح 3.

(2) الكافي ج 5 ص 489 ح 3 ، الفقيه ج 3 ص 230 ح 2 مع اختلاف يسير ، التهذيب ج 8 ص 180 ح 54 ، الوسائل ج 14 ص 565 ح 4.


وللعاهر الحجر» (1) ومحل البحث أحد أفراد القاعدة ومقتضى جميع ذلك حرية الولد وإلحاقه بالأب.

قال في المسالك : القول المذكور للشيخ وأتباعه وأكثر الأصحاب استنادا إلى روايات كثيرة دالة بظاهرها على ذلك لكنها مختلفة الدلالة والاسناد ، والواضح السند منها ليس بصريح في المطلوب ، والدال عليه الآخر ضعيف السند ، ولكثرتها أعرضنا عن نقلها مضافا إلى مخالفتها للقواعد الشرعية ، والأخبار الصحيحة المتفق عليها (2) من أن «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وأنه لا عبرة في الولد بمشابهة الأب أو غيره ، ولأن الولد المذكور إن كان لاحقا به فهو حر وارث ، وإلا فهو رق ، فجعله طبقة ثالثا وقسما آخر ليس بجيد ، ومقتضى النصوص أن الولد يملك الوصية ولا يملكه المولى ولا الوارث ، وهي من خواص الحر ، لكن عدم إلحاقه به ينافي ذلك ، فالأقوى الاعراض عن مثل هذه الروايات ، والأخذ بالمجمع عليه من أن الولد للفراش حيث تجتمع شرائط إلحاقه به ، انتهى.

أقول : ومن أخبار المسألة ما رواه في التهذيب (3) عن جعفر بن محمد بن إسماعيل ابن الخطاب «أنه كتب إليه يسأله عن ابن عم له كانت له جارية تخدمه وكان يطؤها ، فدخل يوما إلى منزله فأصاب معها رجلا تحدثه فاستراب بها فهدد الجارية فأقرت أن الرجل فجر بها ثم إنها حبلت فأتت بولد ، فكتب عليه‌السلام : إن كان الولد لك أو فيه مشابهة منك فلا تبعهما فإن ذلك لا يحل لك ، وإن كان الابن ليس منك ولا فيه مشابهة منك فبعه وبع أمه».

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 491 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 169 ح 13 ، الوسائل ج 14 ص 568 ح 4.

(2) التهذيب ج 8 ص 169 ح 12 و 13 ، الوسائل ج 14 ص 568 ب 58 ح 3 و 4.

(3) التهذيب ج 8 ص 180 ح 55 ، الوسائل ج 14 ص 564 ح 4.


وعن يعقوب بن يزيد (1) في الصحيح قال : «كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام في هذا العصر رجل وقع على جاريته ، ثم شك في ولده ، فكتب عليه‌السلام : إن كان فيه مشابهة منه فهو ولده».

وأنت خبير بما عليه أخبار هذه المسألة من الاختلاف والاضطراب بما لا يقبل الإصلاح ويزيل الارتياب ، فجملة منها وهو أكثرها على الإلحاق بصاحب الفراش مع العلم بالزنا فضلا عن التهمة به ، أعم من أن يظهر في الولد مشابهته له أم المشابهة للزاني أم لا ، وجملة وافرة ظاهرة في أنه مع التهمة فضلا عن وقوع الزنا بالفعل يجعل للولد تلك الحالة الوسطى كما هو صريح أكثر هذه الأخبار الأخيرة ، ونحوها مفهوم الأخبار المتقدمة في صدر المسألة كما أشرنا إليه ثمة ، وهذان الخبران قد تضمنا أنه مع تحقق الزنا يرجع إلى مشابهة الولد لمولى الجارية وعدمها.

مع أن هنا جملة من الأخبار دالة بصريحها على أنه قد يخرج الولد على غاية من البعد عن الأب في اللون ونحوه من الأمور التي جعلوها منشأ للإلحاق به ، وأنه ابنه حقيقة ، وإن كنا لا نهتدي لأسباب عدم المشابهة والاختلاف التام بينهما في الخلق والخلق مثل ما رواه في الكافي (2) عن عبد الله بن سنان عن بعض أصحابه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «أتى رجل من الأنصار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : هذه ابنة عمي وامرأتي لا أعلم إلا خيرا وقد أتتني بولد شديد السواد منتشر المنخرين جعد قطط ، أفطس الأنف ، لا أعرف شبهه في أخوالي ولا في أجدادي ، فقال لامرأته : ما تقولين؟ قالت : لا والذي بعثك بالحق نبيا ما أقعدت مقعده مني منذ ملكني أحدا غيره ، قال : فنكس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برأسه مليا ثم رفع بصره إلى السماء ثم أقبل على الرجل فقال : يا هذا إنه ليس من أحد إلا بينه وبين آدم تسعة وتسعون عرقا كلها تضرب في النسب ، فإذا وقعت النطفة في الرحم اضطربت تلك العروق

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 181 ح 56 ، الوسائل ج 14 ص 564 ح 4.

(2) الكافي ج 5 ص 561 ح 23 ، الوسائل ج 15 ص 218 ح 1.


تسأل الله لشبه لها ، فهذا من تلك العروق التي لم يدركها أجدادك ولا أجداد أجدادك ، خذ إليك ابنك ، فقالت المرأة : فرجت عني يا رسول الله».

وما رواه في الكافي (1) عن ابن مسكان عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن رجلا أتى بامرأته إلى عمر فقال : إن امرأتي هذه سوداء وأنا أسود ، وإنها ولدت غلاما أبيض ، فقال لمن بحضرته : ما ترون؟ فقالوا : نرى أن ترجمها ، فإنها سوداء وزوجها أسود وولدها أبيض ، قال : فجاء أمير المؤمنين عليه‌السلام وقد وجه بها لترجم فقال : ما حالكما؟ فحدثاه ، فقال للأسود : أتتهم امرأتك؟ فقال : لا ، قال : فأتيتها وهي طامث؟ قال : قد قالت لي في ليلة من الليالي : إني طامث ، فظننت أنها تتقي البرد فوقعت عليها ، فقال للمرأة : هل أتاك وأنت طامث؟ قالت : نعم سله قد حرجت عليه وأبيت ، قال : فانطلقا فإنه ابنكما وإنما غلب الدم النطفة فابيض ، ولو قد تحرك اسود فلما أيفع اسود». (2).

وروى الصدوق في الفقيه (3) مرسلا قال : «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من نعم الله عزوجل على الرجل أن يشبهه ولده».

قال : «وقال الصادق عليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يخلق خلقا جمع كل صورة بينه وبين آدم ، ثم خلقه على صورة إحداهن ، فلا يقولن أحد لولده هذا لا يشبهني ولا يشبه شيئا من آبائي».

أقول : ويمكن تفسير خبر العروق بهذا الخبر ، ومقتضى ذينك الخبرين أنه لو كان الحاكم غير المعصومين عليهم‌السلام هو نفي الولد في هاتين الصورتين عن أبيه عملا بما دلا عليه ، وهذان الخبران كما ترى على خلافهما ، فكيف يصح أن يجعل ما اشتمل عليه قاعدة شرعية ، والحال كما عرفت.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 566 ح 46 ، الوسائل ج 15 ص 219 ح 2.

(2) أيفع الغلام فهو يافع : إذا شارف الاحتلام ولم يحتلم.

(3) الفقيه ج 3 ص 312 ح 22 و 23 ، الوسائل ج 15 ص 219 ح 3 و 4.


ويمكن الجمع بين الأخبار بحمل خبر جعفر بن محمد بن إسماعيل وصحيحة يعقوب بن يزيد على مورديهما ، وأنها قضية في واقعة فلا تتعدى إلى غيرها.

وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال وإن كان الأقرب هو اللحوق بمن عنده الجارية ، وظاهر السيد السند في شرح النافع الميل إلى القول المشهور لصحة بعض أخباره حيث قال : وعذر المصنف في العمل بهذه الروايات واضح لصحة بعضها واعتضادها بالبعض الآخر وعمل الأصحاب بها ، ومع ذلك فالمسألة بمحل تردد ، انتهى.

وفيه أن هذه الروايات (1) سيما ما اشتمل عليه أكثرها من التهمة لا يبلغ قوة المعارضة لما دلت عليه تلك الأخبار لكثرتها وصراحتها في اللحوق بصاحب الفراش ، ولا يحضرني الآن مذهب العامة في هذه المسألة ، فينبغي أن يراجع.

المسألة الثالثة : في وطء الشبهة ، قال في المسالك : لا خلاف في أن وطء

__________________

(1) أقول : ومما يؤيد ما ذكرناه من عدم البناء على التهمة ما رواه الصدوق في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة (*) عن الحسين بن إسماعيل الكيدري عن أبى طاهر البلالي «قال : كتب جعفر بن حمدان فخرجت اليه هذه المسائل : استحللت بجارية وشرطت عليها أن لا أطلب ولدها ولم ألزمها منزلي ، فلما أتى لذلك مدة قالت قد حبلت ثم أتت بولد ثم أنكرته ـ الى أن قال : ـ فخرج جوابها ـ يعنى عن صاحب الزمان صلوات الله عليه. وأما الرجل الذي استحل بالجارية وشرط عليها أن لا يطلب ولدها : فسبحان الله من لا شريك له في قدرته ، شرطه على الجارية شرط على الله ، هذا ما لا يؤمن أن يكون ، وحيث عرض له في هذا شك ، وليس يعرف الوقت الذي أتاها ، فليس ذلك يوجب البراءة من ولده».

أقول : مرجع كلام السائل إلى أنه شرط العزل عن الجارية ، ومع هذا لم يلتزمها العزل فأتت بولد والحال هذه وهو ظاهر في تهمتها وقد حكم عليه‌السلام بأن الولد له ، وأن شكه وتهمته لها ليس بشي‌ء ، وأن اشتراط العزل كما قدمناه غير موجب لنفى الولد عنه. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(*) إكمال الدين وإتمام النعمة ص 500 توقيع 25 ، الوسائل ج 15 ص 119 ب 19 ح 1.


الشبهة كالصحيح في لحوق أحكام النسب ، انتهى.

أقول : وقد تقدم الكلام في تعريفه وبيان الخلاف في نشر حرمة المصاهرة به في الفصل الثاني في أسباب التحريم ، وأما لحوق ولد الشبهة بالواطئ كما في النكاح الصحيح فيدل عليه مضافا إلى الإجماع المذكور جملة من الأخبار.

ومنها صحيحة جميل بن دراج (1) «في المرأة تزوج في عدتها : قال : يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما ، فإن جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر فهو للأخير ، وإن جاءت بولد في أقل من ستة أشهر فهو للأول» هكذا في الفقيه. ورواه الكليني والشيخ (2) في الضعيف عن جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما‌السلام في المرأة. إلخ.

وما رواه في الكافي (3) عن زرارة في الموثق قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام ـ إلى أن قال : ـ قلت : فإن تزوج امرأة ثم تزوج أمها وهو لا يعلم أنها أمها؟ قال : قد وضع الله عنه بجهالة لذلك ، ثم قال : إذا علم أنها أمها فلا يقربها ، ولا يقرب البنت حتى تنقضي عدة الام منه ، فإذا انقضت عدة الام حل له نكاح البنت ، قلت : فإن جاءت الام بولد؟ قال : هو ولده وأخو امرأته».

وقد تقدم الكلام (4) في أنه لو وطأ أمة الغير بشبهة فولدت الحق الولد بالحر وعليه فكه بالقيمة لمولى الجارية على خلاف في ذلك.

ومن أفراد نكاح الشبهة ما لو تزوج امرأة بظن أنها لا زوج لها بموت أو

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 301 ح 24 مع اختلاف يسير.

(2) لم نعثر عليه في الكافي ، التهذيب ج 7 ص 309 ح 41 ، الوسائل ج 15 ص 117 ح 13.

(3) الكافي ج 5 ص 431 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 368 ب 26 ح 1 وفيه اختلاف يسير.

(4) تقدم ذلك في المسألة الرابعة من المطلب الأول من الفصل الرابع في أحكام الإماء. (منه ـ قدس‌سره ـ).


طلاق ، فظهر أنه لم يمت أو لم يطلق فإنها ترد على الأول بعد الاعتداد من الثاني ، وما أتت من الأولاد بعد تزويج الثاني يلحق بالثاني بالشرائط المتقدمة ، هذا إذا كان التزويج بحكم الحاكم أو شهادة الشاهدين ، لأن وطء الثاني يكون شبهة مسوغة للوطء وموجبة لإلحاق الولد ، وثبوت الاعتداد بعد ظهور الفساد ، وأما لو كان التزويج وقع بالعمل بخبر من لا يثبت به الحكم شرعا كالواحد فإن كان لظن جواز التعويل عليه شرعا جهلا منهما بالحكم الشرعي فإنه شبهة أيضا ، وإلا كان ذلك زنا فلا مهر ولا يلحق الولد بالواطئ ولا عدة عليها منه إلا على القول بوجوبها في الزنا مطلقا ، والظاهر أنه لا خلاف في هذه الأحكام ، وعليها يدل أيضا جملة من الأخبار.

ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة (1) عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا نعي الرجل إلى أهله أو خبروها أنه طلقها فاعتدت ثم تزوجت فجاء زوجها الأول بعد فإن الأول أحق بها من هذا الآخر دخل بها الأول أو لم يدخل ، ولها من الأخير المهر بما استحل من فرجها».

وزاد في الكافي والتهذيب «وليس للآخر أن يتزوجها أبدا». وروى هذا المضمون بعدة طرق في كتب الأخبار المشهورة ، وقد تقدم الكلام في هذه المسألة مستوفى في الفصل الثاني.

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 149 ح 1 ، الفقيه ج 3 ص 355 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 488 ح 169 ، الوسائل ج 14 ص 342 ب 16 ح 6 وج 15 ص 466 ب 37 ح 1.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *