وصية الميت النافذة ، قالوا ويحتمل الاكتفاء فيه بما يستر العورة لأنه موضع ابتداء سترها ويستحب ان يكون يستر ما بين صدره وقدمه. والمراد عندهم بالقميص ما يصل الى نصف الساق لانه المتعارف ويجوز الى القدم بمراعاة ما تقدم ، ويحتمل جوازه مطلقا. والمراد بالإزار بكسر الهمزة ثوب شامل لجميع البدن ، قالوا ولا بد من زيادته على ذلك بحيث يمكن شده من قبل رأسه ورجليه ، والواجب فيه عرضا ان يشمل البدن ولو بالخياطة ، وينبغي زيادته بحيث يمكن جعل أحد جانبيه على الآخر كما تشهد به الأخبار. ونقل عن سلار الاكتفاء بثوب واحد اختيارا.
وأنت خبير بان ما ذكره الأصحاب من هذه الأثواب الثلاثة المعينة لم يوجد له مستند ظاهر من الاخبار الواردة في المسألة وانما الموجود ثوبان وقميص أو ثلاثة أثواب والمتبادر منها كونها شاملة للبدن كملا ، ولهذا صرح جملة من متأخري المتأخرين ان الكفن المفروض انما هو هذا وان ما ذهب إليه الأصحاب من المئزر الذي يربط من السرة أو الصدر إلى الركبة أو الى القدم لا مستند له في الأخبار ، قال في المدارك بعد البحث في المسألة : «واما المئزر فقد ذكره الشيخان وأتباعهما وجعلوه أحد الأثواب الثلاثة المفروضة ولم أقف في الروايات على ما يقتضي ذلك بل المستفاد منها اعتبار القميص والثوبين الشاملين للجسد أو الثواب الثلاثة» وعلى هذه المقالة تبعه من تأخر عنه من محققي متأخري المتأخرين.
وعندي فيه نظر يحتاج بيانه الى تقديم كلام في المقام لينجلي به غياهب الإبهام ، وهو ان الظاهر ان الإزار شرعا ولغة انما هو عبارة عما يشد في وسط الإنسان وان المئزر بمعناه وربما أطلق في اللغة على الشامل للبدن ، قال في مجمع البحرين : وقد تكرر في الحديث ذكر الإزار بالكسر وهو معروف يذكر ويؤنث ، ومعقد الإزار من الحقوين. وفي كلام البعض من أهل اللغة الإزار بالكسر ثوب شامل لجميع البدن. وفي الصحاح وغيره المئزر والإزار يلتحف به ، وفي كتب الفقه يذكرون المئزر مقابل الإزار ويريدون به غيره ، وحينئذ لا بعد في الاشتراك ويعرف المراد بالقرينة ، وفي الخبر «أزره المؤمن الى نصف
الساق ولا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين» الازرة بالكسر الحالة والهيئة الاتزار كالركبة والجلسة انتهى ملخصا. واما الاخبار الدالة على ان الإزار شرعا عبارة عما ذكرناه فهي كثيرة وأكثرها في باب الحمام وما ورد من الأمر بالإزار متى دخله ، ومنها ـ ما رواه في الكافي مسندا الى الصادق (عليهالسلام) (1) قال : قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وفي الفقيه مرسلا قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر». وروى في الكافي عن علي بن الحكم عن رجل من بني هاشم ثم ساق الخبر عن ابي الحسن (عليهالسلام) (2) الى ان قال : «قلت ما تقول في الحمام؟ قال لا تدخل الحمام إلا بمئزر. الحديث». وعن حمزة بن احمد عن ابي الحسن الأول (عليهالسلام) (3) قال : «سألته أو سأله غيري عن الحمام؟ قال ادخله بمئزر.». وروى في التهذيب عن مسمع عن الصادق عن أمير المؤمنين (عليهماالسلام) (4) : «أنه نهى ان يدخل الرجل الماء إلا بمئزر». وعن حماد ابن عيسى عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهمالسلام) (5) قال : «قيل له ان سعيد بن عبد الملك يدخل مع جواريه الحمام؟ قال وما بأس إذا كان عليه وعليهن الأزر لا يكونون عراة كالحمير. الحديث». وفي التهذيب والفقيه عن سعدان بن مسلم (6) قال : «كنت في الحمام في البيت الأوسط فدخل علي أبو الحسن (عليهالسلام) وعليه النورة وعليه إزار فوق النورة. الحديث». وروى في الكافي في الموثق عن حنان بن سدير عن أبيه (7) قال : «دخلت انا وابي وجدي وعمي حماما بالمدينة فإذا رجل في بيت المسلخ فقال لنا ممن القوم؟ فقلنا من أهل العراق. فقال واي العراق؟ فقلنا كوفيون.
__________________
(1 و 2 و 6 و 7) رواه في الوسائل في الباب 9 من آداب الحمام.
(3) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب الماء المضاف.
(4) رواه في الوسائل في الباب 10 من آداب الحمام.
(5) رواه في الوسائل في الباب 1 من آداب الحمام.
فقال مرحبا بكم يا أهل الكوفة أنتم الشعار دون الدثار ، ثم قال ما يمنعكم من الأزر؟ فإن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال : عورة المؤمن على المؤمن حرام. قال فبعث الى أبي كرباسة فشقها بأربعة ثم أخذ كل واحد منا واحدا ، ثم ساق الخبر الى ان قال : سألنا عن الرجل فإذا هو علي بن الحسين ومعه ابنه محمد بن علي (صلوات الله عليهما)». الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة التي يقف عليها المتتبع. وبالجملة فالمستفاد من الأخبار على وجه لا يزاحمه الشك ولا الريب اتحاد الإزار والمئزر وان المراد من كل منهما هو ما ذكرناه لا ما شمل البدن ، وحينئذ فما اشتهر في كلام متأخري أصحابنا ـ من الفرق بين المئزر والإزار وان الأول عبارة عما يشد في الوسط والثاني ما يكون شاملا لجميع البدن ـ لا اعرف له وجها لا من الاخبار ولا من كلام أهل اللغة كما عرفت.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان الواجب بمقتضى ما قلناه انه حيثما وجد المئزر والإزار في شيء من اخبار الكفن أو كلام متقدمي الأصحاب حمله على ما ذكرناه الا مع قرينة صارفة عن معناه الحقيقي ، واما ما لم يشتمل على لفظ الإزار والمئزر وانما اشتمل على الثوب فهو ظاهر في الإجمال القابل للاحتمال على ما ذكروه من الشمول للبدن وما ذكرناه من معنى الإزار ، وبالجملة فهو مجمل وقضية الحمل على الروايات المفصلة تساعد ما ذكرناه ، وها أنا أسوق لك ما وقفت عليه من اخبار المسألة مذيلا كلا منها بالبيان الساطع البرهان والله الموفق الهادي لمن يشاء.
فمنها ـ ما رواه الكليني والشيخ عن معاوية بن وهب عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «يكفن الميت في خمسة أثواب : قميص لا يزر عليه وإزار وخرقة يعصب بها وسطه وبرد يلف فيه وعمامة يعمم بها ويلقى فضلها على صدره».
أقول : هذا الخبر ـ كما ترى ـ واضح الظهور في القول المشهور لا يعتريه نقص ولا قصور وقد اشتمل على واجب الكفن ومستحبه ، فالواجب القميص والإزار الذي
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين.
يشد في وسطه كما عرفت من الاخبار وكلام أهل اللغة وعليه العرف العام والبرد الذي يلفه والباقي مستحب.
ومنها ـ موثقة سماعة (1) قال : «سألته عما يكفن به الميت؟ قال ثلاثة أثواب وانما كفن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في ثلاثة أثواب : ثوبين صحاريين وثوب حبرة ـ والصحارية تكون باليمامة ـ وكفن أبو جعفر (عليهالسلام) في ثلاثة أثواب».
وعن يونس عن بعض رجاله عن الصادق والباقر (عليهماالسلام) (2) قالا :«الكفن فريضته للرجال ثلاثة أثواب ، والعمامة والخرقة سنة. الحديث».
وعن زرارة في الموثق عن الباقر (عليهالسلام) (3) قال : «كفن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في ثلاثة أثواب : ثوبين صحاريين وثوب يمنة عبري أو أظفار».
وعن محمد بن سهل عن أبيه (4) قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الثياب التي يصلي فيها الرجل ويصوم أيكفن فيها؟ قال أحب ذلك الكفن يعني قميصا. قلت يدرج في ثلاثة أثواب؟ قال لا بأس به والقميص أحب الي».
وروى في الفقيه (5) قال : «سئل موسى بن جعفر (عليهالسلام) عن الرجل يموت أيكفن في ثلاثة أثواب بغير قميص؟ قال لا بأس بذلك والقميص أحب الي».
الى غير ذلك من الأحاديث المشتملة على لفظ الأثواب الثلاثة أو ثوبين وقميص
وأنت خبير بأنه لا منافاة في حمل الثوب الذي هو أحد هذه الأثواب على الإزار بالمعنى الذي ذكرناه ، ودعوى كون الثوب انما يطلق على ما يشمل البدن ممنوعة لصدق الثوب على السراويل وثوبي الإحرام اللذين أحدهما الإزار ، ولا ينافي ذلك لفظ الإدراج في بعضها لصدقه في الإزار أيضا بالمعنى المذكور.
ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان (6) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) كيف اصنع بالكفن؟ قال تأخذ خرقة فتشد على مقعدته ورجليه. قلت
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين.
فالإزار؟ قال انها لا تعد شيئا إنما تصنع لتضم ما هناك لئلا يخرج منه شيء وما يصنع من القطن أفضل منها ثم يخرق القميص إذا غسل وينزع من رجليه ، قال ثم الكفن قميص غير مزرور ولا مكفوف وعمامة يعصب بها رأسه ويرد فضلها على رجليه».
أقول : الظاهر ان لفظ «رجليه» هنا وقع سهوا عن «صدره» وهذا الخبر ظاهر فيما دل عليه الخبر الأول إلا انه لم يذكر فيه الثوب الثالث وهو الذي يلف فيه وانما اشتمل على الإزار والقميص وكأنه لظهوره استغنى عن ذكره ، وقد عرفت معنى الإزار. بقي الكلام في قوله : «قلت فالإزار؟ قال انها لا تعد شيئا» والمعنى فيه ان الظاهر انه لما أمر (عليهالسلام) بالخرقة المذكورة توهم الراوي انها تغني عن الإزار لحصول ستر العورة بها فأجابه (عليهالسلام) بأنها لا تعد من اجزاء الكفن الواجب وانما تصنع لهذه الفائدة والإزار من اجزاء الكفن الواجب لا بد منه فلا تغني هذه عنه.
ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليهالسلام) (1) قال : «يكفن الرجل في ثلاثة أثواب والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة : درع ومنطق وخمار ولفافتين».
أقول : وهذه الرواية ايضا ظاهرة الدلالة على القول المشهور لأنها وان أجملت في كفن الرجل ثلاثة أثواب إلا انها فصلت في كفن المرأة في الأثواب الخمسة ، ولا ريب في تساوي المرأة والرجل في الواجب ، والواجب هنا من هذه الخمسة القميص المعبر عنه بالدرع ، والإزار المعبر عنه بالمنطق فإنه بكسر الميم الإزار ، ولفافة ، والخمار واللفافة الأخرى مما انفردت به المرأة.
ومنها ـ ما رواه في الكافي أيضا عن يونس عنهم (عليهمالسلام) (2) في تحنيط الميت وتكفينه قال : «ابسط الحبرة بسطا ثم ابسط عليها الإزار ثم ابسط القميص
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين.
(2) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب التكفين.
عليه وترد مقدم القميص عليه ، ثم اعمد الى كافور مسحوق فضعه على جبهته موضع سجوده ، وامسح بالكافور على جميع مفاصله من قرنه الى قدمه ، وفي رأسه وعنقه ومنكبه ومرافقه وفي كل مفصل من مفاصله من اليدين والرجلين وفي وسط راحتيه ، ثم يحمل فيوضع على قميصه ويرد مقدم القميص عليه ويكون القميص غير مكفوف ولا مزور ، وتجعل له قطعتين من جريد النخل رطبا قدر ذراع ، تجعل له واحدة بين ركبتيه نصفا مما يلي الساق ونصفا مما يلي الفخذ وتجعل الأخرى تحت إبطه الأيمن ، ولا تجعل في منخريه ولا في بصره ولا مسامعه ولا على وجهه قطنا ولا كافورا ، ثم يعمم فيؤخذ وسط العمامة فيثنى على رأسه بالتدوير ثم يلقى فضل الشق الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ثم يمد على صدره».
وهذه الأجزاء الثلاثة هي المذكورة في كلام الأصحاب وان غيروا العبارة فإنه متى حمل الإزار على المعنى الذي عرفته من كلام أهل اللغة والأخبار فإنه منطبق على القول المشهور بما هو أوضح واضح في الظهور ، ومقتضى ما ذكره أولئك الأفاضل من المناقشة حمل الإزار في هذه الأخبار المشتملة عليه على الشامل للبدن ، وقد عرفت انه لا مستند له من الأخبار بل الأخبار كلها متفقة على المعنى الذي ذكرناه ، وبعض أهل اللغة وان ذكره الا ان المشهور في كلامهم انما هو المعنى الذي ذكرناه والعرف العام مؤيد لما قلناه ، ويؤيده تأييدا ما ورد دالا على استحباب التكفين بما أحرم فيه كما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «كان ثوبا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) اللذان أحرم فيهما يمانيين عبري وأظفار وفيهما كفن». ورواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار مثله. وروى في الكافي عن يونس بن يعقوب عن ابي الحسن الأول (عليهالسلام) (2) قال : «سمعته يقول اني كفنت أبي في ثوبين مطويين كان يحرم فيهما وفي قميص من قمصه. الحديث».
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب التكفين.
أقول : من الظاهر البين الظهور أن ثوبي الإحرام ـ كما سيأتيك بيانه ان شاء الله تعالى في كتاب الحج ـ إزار يتزر به ورداء يتردى به ، ومن اخبار الإحرام قوله (عليهالسلام) في صحيحة عبد الله بن سنان : «والتجرد في إزار ورداء أو عمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء». وبذلك يثبت ان أحد أجزاء كفنه (صلىاللهعليهوآله) الإزار ، وعلى هذا الخبر يحمل إجمال اخبار تكفينه (صلىاللهعليهوآله) في ثلاثة أثواب بأن يقال ان من جملتها الإزار ، ومنه يعلم انه لا يشترط في الثوب الشمول للبدن كما توهموه.
ومنها ـ ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن الصادق (عليهالسلام) (1) في تكفين الميت وتحنيطه بعد ذكر ما تقدم منها في التغسيل قال : «ثم تغسل يديك الى المرافق ورجليك الى الركبتين ثم تكفنه : تبدأ وتجعل على مقعدته شيئا من القطن وذريرة وتضم فخديه ضما شديدا وجمر ثيابه بثلاثة أعواد ثم تبدأ فتبسط اللفافة طولا ثم تذر عليها شيئا من الذريرة ثم الإزار طولا حتى يغطى الصدر والرجلين ثم الخرقة عرضها قدر شبر ونصف ثم القميص تشد الخرقة على القميص بحيال العورة والفرج حتى لا يظهر منه شيء ، واجعل الكافور في مسامعه واثر سجوده منه وفيه وأقل من الكافور واجعل على عينيه قطنا وفيه وأذنيه شيئا قليلا ثم عممه والق على وجهه ذريرة وليكن طرف العمامة متدليا على جانبه الأيسر قدر شبر ترمي بها على وجهه ، وليغتسل الذي غسله. وكل من مس ميتا فعليه الغسل وان كان الميت قد غسل ، والكفن يكون بردا وان لم يكن بردا فاجعله كله قطنا فان لم تجد عمامة قطن فاجعل العمامة سابريا ، وقال : تحتاج المرأة من القطن لقبلها قدر نصف من ، وقال : التكفين ان تبدأ بالقميص ثم بالخرقة فوق القميص على ألييه وفخذيه وعورته وتجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع ونصفا وعرضها شبرا ونصفا ثم تشد
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب التكفين.
الإزار أربعة أذرع ثم اللفافة ثم العمامة وتطرح فضل العمامة على وجهه وتجعل على كل ثوب شيئا من الكافور وتطرح على كفنه ذريرة.».
أقول : وهذا الخبر قد تضمن ما تضمنته الأخبار المتقدمة من ان اجزاء الكفن الواجب هي الإزار والقميص واللفافة إلا ان ظاهر كلامه في الإزار لا يخلو من خلل في المقام نسبته إلى الراوي المذكور اولى من نسبته الى الامام (عليهالسلام) حيث ان المعهود من الإزار شرعا ولغة وعرفا هو ما عرفت وهو ما يشد من تحت السرة ومنتهاه الى نصف الساق الى القدم ، وهذا الخبر قد اشتمل صدره على ان الإزار يبسط طولا حتى يغطى الصدر والرجلين مع ان المعروف من شد الإزار انما هو بالعرض لا بالطول وفي آخره ان الإزار أربعة أذرع وهذا مما ينافي الكلام الأول لأنه متى كان طوله أربعة أذرع وبسط طولا فإنه يتجاوز الصدر الى ما فوق الرأس ، وهذا التهافت في المقام مما يجعل عنه كلام الإمام الذي هو امام الكلام ، وقد وقع للراوي المذكور مثله في الخبر وهو قوله : «وكل من مس ميتا فعليه الغسل وان كان الميت قد غسل» فإنه مخالف للإجماع واتفاق الأمة فضلا عن هذه الفرقة الناجية. وبالجملة فإني لا اعرف لما اشتمل عليه هذا الخبر في هذا المقام وجه استقامة يبنى عليه الكلام.
ومنها ـ ما ذكره مولانا الرضا (عليهالسلام) في كتاب الفقه (1) من قوله :«ثم يكفن بثلاث قطع وخمس وسبع ، فاما الثلاث فمئزر وعمامة ولفافة ، والخمس مئزر وقميص وعمامة ولفافتان ، الى ان قال : وروي انه لا يقرب الميت من الطيب شيئا ولا البخور ، وساق (عليهالسلام) جملة من الأحكام بطريق الرواية الى ان قال : وقال يأخذ خرقة فيشدها على مقعدته ورجليه. قلت الإزار؟ قال انها لا تعد شيئا وانما أمر بها لكي لا يظهر منه شيء ، وذكر ان ما جعل من القطن أفضل وقال : ويكفن بثلاثة أثواب لفافة وقميص وإزار. إلى آخر كلامه». وظاهر صدر هذا الكلام يشعر بإفتائه
__________________
(1) ص 20.
بالثلاث أو الخمس أو السبع ، ولا يخفى ما فيه من الإجمال ، إلا ان ما نقله أخيرا بطريق الرواية واضح فيما ادعيناه ، والظاهر ان هذه الرواية التي ذكرها عن الصادق (عليهالسلام) بقرينة حديث الخرقة التي ذكر انها لا تعد شيئا فإنه قد تقدم بهذه الصورة في صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليهالسلام) (1).
ومنها ـ ما رواه في الكافي عن الحلبي (2) قال أبو عبد الله (عليهالسلام) في حديث : «ان ابي كتب في وصيته ان أكفنه في ثلاثة أثواب أحدها رداء له حبرة. وثوب آخر وقميص. الحديث». والتقريب فيه حمل الثوب الآخر على الإزار لذكره في تلك الأخبار المتقدمة فيحمل إطلاق هذا الخبر على تلك الأخبار.
نعم ربما دل على ما ذكروه ما رواه الشيخ في الحسن على الظاهر عن حمران بن أعين عن الصادق (عليهالسلام) (3) في حديث قال فيه : «قلت فالكفن؟ قال يأخذ خرقة فيشد بها سفلية ويضم فخذيه بها ليضم ما هناك وما يصنع من القطن أفضل ثم يكفن بقميص ولفافة وبرد يجمع فيه الكفن».
فان ظاهر لفظ اللفافة الاختصاص بما يشمل البدن والبرد من حيث انه يجمع الكفن كما ذكره يجب ان يكون شاملا. والجواب عنه انه إذا ثبت بما قدمناه من الأخبار كون الإزار أحد أجزاء الكفن وان الإزار شرعا ولغة وعرفا انما يطلق على ما يشد في الوسط فالواجب تأويل هذه الرواية بما ترجع به الى تلك الاخبار وهو بحمل اللفافة على الإزار فإنه يلف ما يقع عليه من أسافل البدن ومثله في تأويل الأخبار غير عزيز.
أقول : وبما ذكرناه مما أشارت إليه هذه الاخبار صرحت عبائر جملة من متقدمي علمائنا الأبرار الذين عليهم المعتمد في الإيراد والإصدار : منهم ـ شيخنا المفيد (عطر الله مرقده) في المقنعة حيث قال : «ويعد الكفن وهو قميص ومئزر وخرقة يشد بها
__________________
(1) ص 6.
(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين.
(3) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب التكفين.
سفله الى وركيه ولفافة وحبرة وعمامة ، الى ان قال في صفة التكفين : وصار الى الأكفان التي كان أعدها له فبسطها على شيء طاهر يضع الحبرة أو اللفافة التي تكون بدلا منها وهي الظاهرة وينشرها وينثر عليها شيئا من الذريرة التي كان أعدها ثم يضع اللفافة الأخرى عليها وينثر عليها شيئا من الذريرة ثم يضع الإزار ويضع القميص على الإزار وينثر عليه شيئا من الذريرة ويكثر منه ثم يرجع الى الميت فينقله من الموضع الذي غسله فيه حتى يضعه في قميصه ويأخذ شيئا من القطن فيضع عليه شيئا من الذريرة ويجعله على مخرج النجو ويضع شيئا من القطن وعليه الذريرة على قبله ويشده بالخرقة التي ذكرناها شدا وثيقا الى وركيه لئلا يخرج منه شيء ويأخذ الخرقة التي سميناها مئزرا فيلفها عليه من سرته الى حيث تبلغ من ساقيه كما يأتزر الحي فتكون فوق الخرقة التي شدها على القطن» وعلى هذا النهج كلام الشيخ في النهاية. وقال ابن ابي عقيل : «الفرض إزار وقميص ولفافة ، والسنة ثوبان عمامة وخرقة وجعل الإزار فوق القميص ، وقال : السنة في اللفافة ان تكون حبرة يمانية فإن أعوزهم فثوب بياض» وقال علي بن بابويه في رسالته : «ثم اقطع كفنه تبدأ بالنمط وتبسطه وتبسط عليه الحبرة وتبسط الإزار على الحبرة وتبسط القميص وتكتب على قميصه وإزاره وحبرته» وقال الجعفي : «الخمسة لفافتان وقميص وعمامة ومئزر ، وقال وقد روى سبع : مئزر وعمامة وقميصان ولفافتان ويمنية ، وليس تعد الخرقة التي تجعل على مخرجه من الكفن ، قال وروي ليس العمامة من الكفن المفروض» وقال أبو الصلاح : «يكفنه في درع ومئزر ولفافة ونمط ويعممه ، قال : والأفضل ان تكون الملاف ثلاثا إحداهن حبرة يمنية وتجزيء واحدة» وقال الصدوق في الفقيه : «وغاسل الميت يبدأ بكفنه فيقطعه يبدأ بالنمط فيبسطه ويبسط عليه الحبرة وينثر عليه شيئا من الذريرة ويبسط الإزار على الحبرة وينثر عليه شيئا من الذريرة ويبسط القميص على الإزار وينثر عليه شيئا من الذريرة ، ثم ساق الكلام الى ان قال في صفة التكفين ما ملخصه : ثم يضع الميت في أكفانه ، ثم ذكر موضع الجريدتين وقال : ثم يلفه في إزاره وحبرته ، الى ان قال : وقبل ان يلبسه قميصه يأخذ شيئا من القطن وينثر عليه ذريرة ويحشو به دبره ويجعل من القطن
شيئا على قبله ويضم رجليه جميعا ويشد فخذيه الى وركيه بالمئزر شدا جيدا لئلا يخرج منه شيء فإذا فرغ من تكفينه حنطة ، الى ان قال بعد ذكر جملة من الأحكام : والكفن المفروض ثلاثة : قميص وإزار ولفافة سوى العمامة والخرقة فلا يعدان من الكفن» انتهى أقول : وهذا الكلام كله ما ذكرناه وما حذفناه مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي.
فهذه جملة من عبائر المتقدمين متفقة الدلالة على ان الكفن المفروض هو القميص واللفافة والإزار ، وربما عبر بعضهم بالمئزر وهو المطابق لما قدمناه من الأخبار. ثم انه بالتأمل فيما نقلناه عن الصدوق هنا يظهر لك بطلان ما توهمه جملة من الاعلام الذاهبين الى ما ذهب اليه السيد في هذا المقام من الاستناد الى كلام الصدوق في الفقيه في التأييد لما ذهبوا اليه من ان المئزر الذي ذكره الأصحاب من جملة أجزاء الكفن الواجب الذي لا وجود له في الأخبار ، وان الصدوق قد فسره في الفقيه بالخرقة التي يشد بها الفخذان قال الأمين الأسترآبادي ـ وهو من جملة تلامذة السيد صاحب المدارك في تعليقاته على الفقيه ـ ما صورته : «أقول : وقد وقع من جمع من المتأخرين سهو عظيم حيث زعموا ان من جملة الكفن الواجب المئزر وفسروه بثوب يكون من السرة إلى الركبة مع انه لا دلالة في الأحاديث على ذلك. وكلام المصنف في هذا الباب صريح بخلاف قولهم وصريح بان المراد بالمئزر ما يشد به فخذاه ، وهو الحق» انتهى. أقول : بل السهو العظيم انما وقع منه وممن حذا حذوه في هذا المقام كما لا يخفى على من تأمل ما تلوناه وما سنذكره في المقام ، ونسبة ما زعمه من السهو لجمع من المتأخرين مع انه من كلام المتقدمين ـ كما عرفت وستعرف ـ سهو آخر منه ، وبيان ذلك انك قد عرفت مما قدمناه ترادف لفظ المئزر والإزار لغة وشرعا وان المراد منه ما يشد من الوسط كما عرفته من عبارة الشيخ المفيد المتقدمة وتعبيره عن ذلك تارة بالإزار وتارة بالمئزر ، وكلام الصدوق هنا في صدره صريح بأن أجزاء الكفن الواجب هو الحبرة والإزار والقميص ، اما النمط فالظاهر انه ذكره استحبابا كما سيأتي بيان القول فيه ان شاء الله تعالى ، وكذا قوله : «يلفه في إزاره
وحبرته» فإنه صريح في كون الإزار من اجزاء الكفن ، وكلامه الأخير أصرح صريح في ذلك ايضا كما لا يخفى ، وإذا ثبت ان أحد أجزاء الكفن الإزار والإزار ـ كما عرفت لغة وشرعا ـ انما هو عبارة عما يربط من الوسط فقد ثبت المطلوب ، غاية الأمر ان الأصحاب عبروا عن الإزار الذي ذكره الصدوق هنا بالمئزر وقد عرفت ترادفهما فأي فساد يلزم من ذلك؟ وكلام الصدوق هنا وان سمى الخرقة التي يشد بها المقعدة مئزرا فإنه لا دلالة فيه على انه المئزر الذي ذكره الأصحاب في اجزاء الكفن ، وغاية الشبهة نشأت هنا من شيئين : (أحدهما) ـ تعبير الأصحاب بالمئزر. و (ثانيهما) ـ تعبير الصدوق عن الخرقة المستحبة لشد المقعدة بالمئزر ، وأنت إذا تأملت ما ذكرناه ظهر لك ان المطلوب والمدعى من كون الكفن عبارة عن اللفافة والإزار والقميص ظاهر من كلام الصدوق في الفقيه ، وبتقريب ما قدمناه ـ من ان الإزار لغة وشرعا هو ما يشد من الوسط ـ يظهر انطباق كلام الصدوق والمفيد ونحوهما على كلام متأخري الأصحاب وان عبروا عن الإزار الذي ذكره هؤلاء بالمئزر فإنهما مترادفان فلا حرج.
بقي الكلام في تعبير الأصحاب عن اللفافة الشاملة لجميع البدن بالإزار وقد عرفت ما فيه وكان الاولى تعبيرهم بما عبر به متقدموهم كالشيخين المشار إليهما ونحوهما من الحبرة أو اللفافة أو نحوهما ، وكذا بقي الكلام في تعبير الصدوق عن هذه الخرقة بالمئزر فإنه وان كان غريبا إلا انك قد عرفت ان عبارته هذه وما قبلها وما بعدها إنما أخذت من الفقه الرضوي ، ومع كونها من عنده فإنه لا مشاحة في العبارة بعد ظهور المراد ، فعليك بالتأمل التام فيما حققناه في المقام.
وتمام القول في المقام يتوقف على بيان أمور (الأول) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه لو تعذرت الأثواب الثلاثة ولم يوجد إلا ثوب واحد فإنه يكفن فيه ، قالوا لأن الضرورة تبيح دفنه بغير كفن فببعضه أولى. أقول : غاية ما يستفاد من هذا الكلام الجواز ولا ريب فيه ، واما الوجوب فمحل إشكال لأن الواجب انما
هو الثلاثة المتقدمة ومع فقد بعضها فهل يجب ما أمكن من الباقي أم لا؟ وجهان ، للأول مفهوم جملة من الأخبار الدالة على ان حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا (1). ونحوها من الأدلة العامة ، وللثاني عدم وجود نص في المسألة والاحتياط ظاهر.
واما مع وجود الجميع فقد عرفت انه لا مخالف في المسألة إلا سلار حيث اكتفى بثوب واحد اختيارا مستندا ـ كما نقل عنه ـ الى الأصل وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة ومحمد بن مسلم (2) قالا : «قلنا لأبي جعفر (عليهالسلام) العمامة للميت من الكفن؟ قال لا انما الكفن المفروض ثلاثة أثواب وثوب تام لا أقل منه يواري جسده كله. فما زاد فهو سنة الى ان يبلغ خمسة أثواب. فما زاد فهو مبتدع ، والعمامة سنة.».
أقول : هذا الخبر رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح ، وفيه «انما الكفن المفروض ثلاثة أثواب تام لا أقل منه. الى آخر الخبر» وذكر جملة من الأصحاب : منهم ـ شيخنا البهائي في الحبل المتين ان في بعض نسخ التهذيب كما في الكافي ، وظاهر الخبر على رواية الكليني يعطي أن الكفن أربعة أثواب ولا قائل به ، ويحتمل التخيير ـ بجعل الواو بمعني «أو» ـ بين الثلاثة والثوب الواحد وبه يصلح الاستدلال به للقول المذكور. واحتمل جملة من الأصحاب : منهم ـ الشهيدان في الذكرى والروض كونه بيانا لأحد الأثواب الثلاثة فيكون من باب عطف الخاص على العام وان المراد بذلك الواحد الإزار بناء على ما فسروه به من انه الساتر لجميع البدن. واحتمل في الذكرى حمل الخبر المذكور على التقية فإن معظمهم على الاجتزاء بالثوب الواحد (3) وهذا كله على تقدير رواية الكافي
__________________
(1) رواها في الوسائل في الباب 50 من أبواب الدفن.
(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين.
(3) في المهذب للشيرازي الشافعي ج 1 ص 129 «وأقل ما يجزئ من الكفن ما يستر العورة كالحي ، ومن أصحابنا من قال أقله ثوب يعم البدن لان ما دونه لا يسمى
واما على تقدير رواية التهذيب فلا حجة فيها إلا ان الأظهر هو سقوط لفظة الثوب من قلم الشيخ كما لا يخفى على من له انس بما وقع له من التحريف والسهو والزيادة والنقصان في متون الاخبار وأسانيدها. وبالجملة فالأظهر عندي هو طرح هذه الرواية من البين لما هي عليه من الاحتمالات وبذلك تصير من المتشابهات التي يجب الوقوف فيها. وكيف كان فالقول المذكور ضعيف لا يلتفت إليه في مقابلة الأخبار المتكاثرة وبها يجب الخروج عن الأصل الذي استند اليه. وما ذكره بعض متأخري المتأخرين من ضعف الاخبار المشار إليها وان المسألة محل اشكال فهو مما لا يلتفت إليه ، فإنها مع الإغماض عن المناقشة في هذا الاصطلاح قد تلقاها أصحابه بالقبول واتفقوا على العمل بها وهو جابر عندهم لضعفها.
(الثاني) ـ المشهور بين الأصحاب تعين القميص وضمها إلى الإزار واللفافة ، وقيل بالتخيير بينها وبين لفافة ثانية مع أفضلية القميص ، وهو مذهب ابن الجنيد ومال اليه المحقق في المعتبر وجملة من متأخري المتأخرين ، وهو الظاهر ، ويدل عليه ما تقدم في رواية محمد بن سهل عن أبيه ومرسلة الفقيه (1) قال المحقق الشيخ علي «ويراعى في جنس هذه الأثواب التوسط باعتبار اللائق بحال الميت عرفا فلا يجب الاقتصار على أدون المراتب وان ماكس الورثة أو كانوا صغارا حملا لإطلاق اللفظ على المتعارف» واستحسنه في الروض بعد نقله عنه قال : «لان العرف هو المحكم في أمثال ذلك مما لم يرد له تقدير شرعي» انتهى. وهو جيد لان الخطابات الشرعية انما تتعلق بالمكلفين باعتبار أحوالهم
__________________
كفنا والأول أصح» وفي الوجيز للغزالي ج 1 ص 45 «وأقله ثوب واحد ساتر لجميع البدن والثاني والثالث حق الميت في التركة تنفذ وصيته بإسقاطهما» وفي المنهاج للنووي ص 13 «يكفن بماله لبسه حيا وأقله ثبوب» وفي بداية المجتهد ج 1 ص 213 «قال مالك لأحد في الكفن وانه يجزئ ثوب واحد في المرأة والرجل الا انه يستحب الوتر» وفي المغني ج 2 ص 464 و 467 «يكفن في ثلاثة أثواب ويجوز التكفين في ثوبين وقال الأوزاعي أقل ما يجزئ ثوب واحد يستر جميعه».
(1) وإطلاق الأثواب الثلاثة في جملة من الاخبار ـ ص 6.
التي هم عليها من قوة وضعف وعسر ويسر ونحو ذلك فلكل تكليف باعتبار حاله ، ألا ترى ان استطاعة الحج تتفاوت بتفاوت الأحوال والصلاة كيفية وكمية تتفاوت بتفاوتها ايضا سفرا وحضرا وصحة ومرضا ونحو ذلك.
(الثالث) ـ قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض : «والمفهوم من خبر زرارة المتقدم الاكتفاء بمواراة البدن بالثلاثة فلو كان بعضها رقيقا بحيث لا يستر العورة ويحكى البدن لم يضر مع حصول الستر بالمجموع ، والأحوط اعتبار الستر في كل ثوب لانه المتبادر وليس في كلامهم ما يدل عليه نفيا ولا إثباتا» انتهى. أقول : الظاهر ان مراده بخبر زرارة المذكور هو ما تقدم في الأمر الأول (1) وقد عرفت اختلاف روايتي الكافي والتهذيب له والظاهر عندي من قوله : «يوارى جسده» انما هو باعتبار شمول الثوب البدن وإتيانه عليه بحيث لا يبقى شيء من البدن عاريا لا مواراة البشرة بمعنى ان لا يكون رقيقا حاكيا للبشرة ، ويؤيده التأكيد بقوله «كله» وحينئذ فيكون قوله «يواري جسده» مؤكدا لقوله «تام لا أقل منه» وان لم يكن ما ذكرناه أظهر لا أقل ان يكون مساويا لما ذكره وبه لا يتم الاستدلال ، وحينئذ تبقى المسألة عارية عن النص ، وأصالة العدم ترجح الجواز مطلقا وبالجملة فالظاهر ان ما ذكره شيخنا المذكور لا يخلو من البعد ، ولو كانت الرواية المذكورة دالة على الحكم المذكور لما خفي على محدثي أصحابنا المتأخرين ولا سيما بعد الوقوف على كلامه ولنبهوا على ذلك في تصانيفهم سيما شيخنا البهائي في الحبل المتين وأمثاله ممن عادتهم تتبع هذه الدقائق والتنبيه عليها. والله العالم.
(الرابع) ـ الظاهر انه لا خلاف في عدم جواز التكفين بالحرير المحض ، قال في المعتبر : وهذا الحكم ثابت بإجماعنا ويدل عليه ما رواه في الكافي عن الحسن بن راشد (2) قال : «سألته عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب اليماني من قز وقطن هل يصلح ان يكفن فيها الموتى؟ قال : إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس».
__________________
(1) ص 15.
(2) رواه في الوسائل في الباب 23 من أبواب التكفين.
ورواه في الفقيه مرسلا (1) قال : «سئل أبو الحسن الثالث (عليهالسلام) عن ثياب تعمل بالبصرة. الحديث». أقول : ويشير الى ذلك جملة من الأخبار الدالة على النهي عن التكفين بكسوة الكعبة فإن الظاهر انه ليس إلا من حيث كونها حريرا محضا كما استظهره شيخنا الشهيد في الذكرى وإلا كان الأنسب الاستحباب للتبرك ، ومن تلك الأخبار ما رواه في التهذيب عن الحسين بن عمارة عن الباقر (عليهالسلام) (2) قال : «سألته عن الرجل اشترى من كسوة البيت شيئا هل يكفن به الميت؟ قال : لا». ونحوها رواية عبد الملك بن عتبة الهاشمي (3) وقال في الفقه الرضوي (4) : «لا تكفنه في كتان ولا ثوب إبريسم وإذا كان ثوب معلم فاقطع علمه ولكن كفنه في ثوب قطن ولا بأس في ثوب صوف». انتهى. وقال في الفقيه : «ولا يجوز ان يكفن الميت في كتان ولا إبريسم ولكن في القطن» والظاهر انه مأخوذ من هذه العبارة كما عرفت في غير مقام.
والشيخ قد روى عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهمالسلام) (5) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : نعم الكفن الحلة ونعم الأضحية الكبش الأقرن». ثم حمله على التقية لموافقته لمذهب العامة (6) قال : لان الكفن لا يجوز ان يكون من
__________________
(1 و 5) رواه في الوسائل في الباب 23 من أبواب التكفين.
(2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب التكفين. (4) ص 18.
(4) ص 18.
(6) في المحلى لابن حزم ج 5 ص 123 «لا يحل تكفين الرجل بما لا يحل لباسه من حرير أو مذهب أو معصفر وجائز تكفين المرأة في كل ذلك» وفي المنهاج للنووي على هامش شرحه تحفة المحتاج ج 1 ص 531 «يكفن الميت بعد غسله بما له لبسه حيا فلا يجوز الحرير والمزعفر للرجل والخنثى» وفي شرح النووي على صحيح مسلم بهامش إرشاد الساري ج 4 ص 266 «قال أصحابنا يحرم تكفين الرجل بالحرير ويجوز للمرأة فيه مع الكراهة وكره مالك وعامة العلماء التكفين في الحرير مطلقا ، قال ابن المنذر لا احفظ خلافه» وفي البحر الرائق ج 2 ص 176 «لا يكفن بما لا يجوز لبسه حال الحياة كالحرير للرجال» وفي مجمع الانهر فقه الحنفية ج 1 ص 181 «لا يكفن إلا فيما يجوز له لبسه حال
الإبريسم. وقيل عليه انه لا يعتبر في الحلة أن تكون من الإبريسم فإنها ربما تطلق على البرد وغيره ايضا وان لم يكن إبريسما ، قال في القاموس : «الحلة إزار ورداء برد أو غيره ولا يكون إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة» فينبغي ان تحمل الحلة على البرد الذي لا يكون إبريسما. وقيد الحرير بالمحض احترازا عن الممتزج بغيره على وجه لا يستهلكه الحرير فإنه يجوز التكفين فيه كما يجوز الصلاة فيه. والظاهر انه لا فرق بين الرجل والمرأة في الحكم المذكور. وقال في الذكرى وعليه اتفاقنا ، ونقل عن العلامة في النهاية انه احتمل كراهته للمرأة للإباحة لها في حال الحياة. والظاهر ضعفه.
وفي جوازه بالجلود تردد لأصالة الجواز وعدم صدق الثوب عليها عرفا فان المتبادر منه انما هو المنسوج ، وبه صرح جملة من الأصحاب ، وأيدوا ذلك بوجوب نزعه عن الشهيد قالوا فهنا أولى.
أما المتخذ من الشعر والوبر فالظاهر المشهور الجواز لصدق الثوب عليه وانتفاء المانع كما صرح به في المعتبر ، ونقل عن ابن الجنيد المنع منه ، وقد تقدم في عبارة كتاب الفقه نفى البأس عن ثوب الصوف ، وجعل في المدارك اجتنابه اولى.
ولا يجوز التكفين بالنجس إجماعا كما في الذكرى ولوجوب إزالة النجاسة العارضة من الكفن. وكذا لا يجوز التكفين في المغصوب أيضا إجماعا كما نقله في الكتاب المشار اليه وللنهي عن إتلاف مال الغير.
هذا كله مع الاختيار اما مع الضرورة فظاهر هم الاتفاق على عدم الجواز بالمغصوب واما غيره من الحرير والجلد والنجس فأوجه ثلاثة : المنع لإطلاق النهي ، والجواز لئلا يدفن عاريا مع وجوب ستره ولو بالحجر ، ووجوب ستر العورة لا غير حالة الصلاة ثم ينزع
__________________
الحياة فلا يجوز الحرير ونحوه ويجوز للنساء الحرير» وفي نيل المآرب لعبد القادر الشيباني الحنبلي ج 1 ص 54 «يحرم التكفين بحرير ومذهب الذكر والأنثى والخنثى ويجوز الحرير عند عدم ثوب واحد يستر جميعه».
(الخامس) ـ المفهوم من كلام أكثر الأصحاب في كيفية التكفين انه يبدأ بخرقة الفخذين فيشدها بعد وضع القطن في دبر الميت وقبل المرأة ثم يؤزره عليها كما يؤزر الحي ثم يلبسه القميص ثم يلفه في اللفافة ثم الحبرة التي هي مستحبة عندهم ، فمن ذلك عبارة المفيد المتقدمة (1) ومنها عبارة الشيخ في النهاية حيث قال ما هذا ملخصه : فإذا فرغ منه ـ يعنى من الغسل ـ عمد الى القطن ، ثم ذكر شد القطن بالخرقة الى ان قال : فيأخذ الإزار فيؤزره ، ثم ساق الكلام في صفة الإزار ووضع الحنوط الى ان قال : ثم يرد القميص عليه ، ثم ساق الكلام في العمامة الى ان قال : ثم يلفه في اللفافة. ونحوه عبارته في المبسوط وبذلك صرح ابن إدريس في السرائر فقال ما ملخصه : فيأخذ الخرقة التي هي الخامسة ، ثم ذكر شد فخذيه بها الى ان قال : ثم يؤزره ويلبسه القميص وفوق القميص الإزار وفوق الإزار الحبرة. ومراده بالإزار الذي فوق القميص هو اللفافة وهي الثوب الثالث من الكفن الواجب ، فإنك قد عرفت ان الفقهاء يطلقون على هذا الثوب الإزار ، ومراده بالحبرة هي المستحبة عندهم. وهكذا عبارة العلامة في المنتهى حيث قال ما ملخصه في كيفية التكفين من انه يحشو دبره بالقطن ثم يشده بخرقة الفخذين ثم يؤزره بالمئزر ثم يلبسه القميص ثم يضعه في الإزار ثم في الحبرة. وعلى هذا النهج عبارة الذكرى والدروس والبيان إلا انه في البيان لم يتعرض لذكر الخرقة هنا وانما ذكرها سابقا قبل ذلك. وبالجملة فالذي حضرني من عبائرهم كلها على هذه الكيفية إلا عبارة الصدوق فإنه لا تخلو من الإجمال ، وعبارة ابن ابي عقيل المتقدمة فإن ظاهرها البدأة بالقميص وان يكون الإزار فوقها. وكيف كان ففي فهم ما ذكره الأصحاب واشتهر بينهم من الأخبار خفاء وغموض. والذي وقفت عليه من الأخبار المتضمنة لذلك رواية يونس وموثقة عمار وعبارة كتاب الفقه الرضوي وقد تقدم الجميع (2) فإما رواية يونس فان ظاهرها انه يلبسه القميص أولا ثم يؤزره بالإزار المذكور فيها ثم يلفه بالحبرة المذكورة. ولم يذكر الخرقة هنا وانما ذكرها في موضع آخر.
__________________
(1) ص 11.
(2) ص 7 و 9 و 10.
وقد عرفت مما حققناه آنفا ان المراد بالإزار في الأخبار هو الذي يشد على الوسط وظاهرها انه يشد فوق القميص ، ومخالفتها لما ذكروه ظاهرة ، نعم هي موافقة لظاهر عبارة ابن ابي عقيل. واما موثقة عمار فإنها قد اشتملت على شد الخرقة فوق القميص ثم الإزار فوق الخرقة ثم اللفافة ، والمخالفة فيها هنا في موضعين : (أحدهما) ـ شد الخرقة فوق القميص. و (الثاني) ـ جعل الإزار فوق القميص والخرقة ، مضافا الى ما عرفت آنفا من المناقضات الأخر ، قال في الذكرى : «وفي خبر عمار عن الصادق (عليهالسلام) «وتبدأ بالقميص ثم بالخرقة فوق القميص ثم تشد المئزر ثم اللفافة ثم العمامة» وهو مخالف للمشهور من جعل الخرقة تحت المئزر والقميص فوقه ، قال الأصحاب ونقل الشيخ فيه الإجماع» انتهى. واما عبارة كتاب الفقه فالذي تقدم منها لا دلالة فيه على ما نحن فيه إلا انه قال في موضع آخر ما لفظه : «وقبل ان يلبسه القميص يأخذ شيئا من القطن ويجعل عليه حنوطا يحشو به دبره ، الى ان قال : ويضم رجليه ويشد فخذيه الى وركيه بالمئزر شدا جيدا لئلا يخرج منه شيء» وظاهر هذه العبارة هو انه يلبسه القميص بعد شد الخرقة ، ولم يتعرض هنا لباقي اجزاء الكفن وان ذكرها في موضع آخر كما تقدم من ان اجزاء الكفن ثلاثة : لفافة وقميص وإزار ، إلا انها لا يستفاد منها في هذا المقام أزيد مما قلناه. والجميع ـ كما ترى ـ ظاهر المنافاة لما ذكره الأصحاب مما عرفت من عباراتهم المتقدمة حيث ان ظاهر الجميع البدأة بالقميص. ولم أقف على خبر يدل على ما ذكروه من هذه الكيفية ولا على كلام لأحد من الأصحاب في هذا الباب يدفع هذا الاشكال والارتياب. والله العالم.
(المسألة الثانية) ـ في التحنيط والكلام هنا في مقامين (الأول) ـ في بيان المواضع التي يوضع الكافور عليها ، فالمشهور بين الأصحاب انه يوضع على المساجد السبعة وعن الشيخ في الخلاف دعوى إجماع الفرقة عليه ، وأضاف الشيخ المفيد طرف الأنف الذي يرغم في السجود ، وأضاف الصدوق السمع والبصر والفم والمغابن ، واحدها مغبن كمسجد وهي الآباط وأصول الأفخاذ ، قال في الفقيه : «ويجعل الكافور على بصره
وانفه وفي مسامعه وفيه ويديه وركبتيه ومفاصله كلها وعلى اثر السجود منه فإن بقي منه شيء جعل على صدره» ومال في المختلف الى هذا القول.
والأخبار في المسألة مختلفة ، ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن على المشهور عن الحلبي عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «إذا أردت أن تحنط الميت فاعمد الى الكافور فامسح به آثار السجود منه ومفاصله كلها ورأسه ولحيته وعلى صدره من الحنوط ، وقال : حنوط الرجل والمرأة سواء ، وقال : أكره أن يتبع بمجمرة». وما في رواية يونس المتقدمة (2) من قوله : «ثم اعمد الى كافور مسحوق فضعه على جبهته موضع سجوده وامسح بالكافور على جميع مفاصله من قرنه الى قدمه وفي رأسه وعنقه ومنكبه ومرافقه وفي كل مفصل من مفاصله من اليدين والرجلين وفي وسط راحتيه ، الى ان قال : ولا تجعل في منخريه ولا في بصره ولا مسامعه ولا على وجهه قطنا ولا كافورا». وفي موثقة سماعة (3) «وتجعل شيئا من الحنوط على مسامعه ومساجده وشيئا على ظهر الكفين». وفي موثقة عبد الرحمن بن ابي عبد الله (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الحنوط للميت؟ فقال اجعله في مساجده». وفي رواية عثمان النوا المتقدمة (5) «ولا تمس مسامعه بكافور». وفي حسنة حمران ابن أعين المتقدمة (6) «قلت فالحنوط كيف اصنع به؟ قال : يوضع في منخره وفي موضع سجوده ومفاصله». وفي موثقة عمار المتقدمة (7) «واجعل الكافور في مسامعه واثر سجوده منه وفيه وأقل من الكافور». وفي رواية الحسين بن المختار عن الصادق (عليهالسلام) (8) قال : «يوضع الكافور من الميت على موضع المساجد وعلى اللبة وباطن
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب التكفين.
(2) ص 7.
(3) المروية في الوسائل في الباب 15 من أبواب التكفين.
(4 و 5 و 8) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب التكفين.
(6) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التكفين.
(7) ص 9.
القدمين وموضع الشراك من القدمين وعلى الركبتين والراحتين والجبهة واللبة». وفي صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله البصري عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «لا تجعل في مسامع الميت حنوطا». وفي صحيحة عبد الله بن سنان (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) كيف اصنع بالحنوط؟ قال : تضع في فمه ومسامعه وآثار السجود من وجهه ويديه وركبتيه». وفي رواية زرارة عن الباقر والصادق (عليهماالسلام) (3) قال : «إذا جففت الميت عمدت الى الكافور فمسحت به آثار السجود ومفاصله كلها واجعل في فيه ومسامعه ورأسه ولحيته من الحنوط وعلى صدره وفرجه ، وقال : حنوط الرجل والمرأة سواء». وفي الفقه الرضوي (4) «فإذا فرغت من كفنه حنطته بوزن ثلاثة عشر درهما وثلث من الكافور ، وتبدأ بجبهته وتمسح مفاصله كلها به وتلقي ما بقي منه على صدره وفي وسط راحتيه ، ولا تجعل في فمه ولا منخره ولا في عينيه ولا في مسامعه ولا على وجهه قطنا ولا كافورا ، فان لم تقدر على هذا المقدار فأربعة دراهم ، فان لم تقدر فمثقال لا أقل من ذلك لمن وجده».
أقول : المشهور بين الأصحاب هو الجمع بين هذه الروايات فيما اختلفت فيه بحمل أخبار النهي على الكراهة ، والشيخ جمع بينها بحمل «في» الدالة على الوضع في سمعه وبصره وفيه على معنى «على» كما في قوله تعالى : «وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ» (5) ومرجعه الى حمل أخبار النهي على النهي من إدخاله فيها وحمل اخبار الجواز على جعله فوقها. والأظهر ـ كما صرح به جملة من متأخري أصحابنا ـ هو حمل الروايات الدالة على استحبابه في هذه المواضع على التقية لشهرة الاستحباب عند العامة.
بقي الكلام في بعض المواضع الزائد على المساجد السبعة مما لم يدل على النهي عنه دليل مثل مفاصله ووسط راحتيه ورأسه ولحيته وصدره وعنقه واللبة وهي النحر وموضع
__________________
(1 و 2 و 3) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب التكفين.
(4) ص 17.
(5) سورة طه الآية 74.
القلادة ، والظاهر دخولها تحت الصدر في الرواية الأخرى ، وباطن القدمين ونحوها مما اشتملت عليه الأخبار مما لا معارض له ، والظاهر استحبابه لدلالة الأخبار عليه مع عدم المعارض.
وهل يجب استيعاب كل المسجد بالمسح أو يكفي المسمى؟ وجهان جزم بأولهما الشهيد الأول في الذكرى وبالثاني الثاني في الروض.
(المقام الثاني) ـ في مقدار الكافور ، قال في المعتبر : «أقل المستحب من الكافور للحنوط درهم وأفضل منه أربعة دراهم وأكمل منه ثلاثة عشر درهما وثلث ، كذا ذكره الخمسة واتباعهم ثم لا أعلم للأصحاب فيه خلافا» وقال الصدوق في الفقيه (1) «والكافور السائغ للميت وزن ثلاثة عشر درهما وثلث ، والعلة في ذلك ان جبرئيل (عليهالسلام) اتى النبي (صلىاللهعليهوآله) بأوقية كافور من الجنة ـ والأوقية أربعون درهما ـ فجعلها النبي ثلاثة أثلاث : ثلثا له وثلثا لعلي (عليهالسلام) وثلثا لفاطمة ، ومن لم يقدر على وزن ثلاثة عشر درهما وثلث كافورا حنط الميت بأربعة مثاقيل ، فان لم يقدر فمثقالا لا أقل منه لمن وجده» وأكثر الأصحاب ـ ومنهم الشهيد في كتبه ـ نقلوا عن الشيخين ان الأقل مثقال وأوسطه أربعة دراهم ، وفي الذكرى عن الجعفي ان أقله مثقال وثلث قال : ويخلط بتربة الحسين (عليهالسلام) ونقل شيخنا المجلسي (رحمهالله) عن ابن الجنيد ان أقله مثقال وأوسطه أربعة مثاقيل ، وعن ابن البراج انه قدر الأكثر بثلاثة عشر درهما ونصف.
والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بذلك ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه رفعه (2) قال : «السنة في الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلث ، وقال : ان جبرئيل نزل على رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بحنوط وكان وزنه أربعين درهما فقسمها
__________________
(1) ج 1 ص 91 وفي الوسائل في الباب 3 من أبواب التكفين.
(2) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب التكفين.
رسول الله ثلاثة أجزاء : جزء له وجزء لعلي وجزء لفاطمة (عليهماالسلام)». وعن ابن ابي نجران عن بعض أصحابه عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «أقل ما يجزئ من الكافور للميت مثقال». قال في الكافي بعد نقل هذا الخبر : وفي رواية الكاهلي وحسين بن المختار عن الصادق (عليهالسلام) قال : «القصد من ذلك أربعة مثاقيل». والمراد بالقصد يعني الحد الوسط بين الأقل والأكثر ، والاقتصاد في الأمور سلوك سبيل الوسط. وروى الشيخ في الحسن عن عبد الله بن يحيى الكاهلي والحسين بن المختار عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «القصد من الكافور أربعة مثاقيل». وعن عبد الرحمن بن ابي نجران عن بعض رجاله عن الصادق (عليهالسلام) (3) قال قال : «أقل ما يجزئ من الكافور للميت مثقال ونصف». وقد تقدم في عبارة كتاب الفقه التحنيط بوزن ثلاثة عشر درهما وثلث وان لم يقدر على هذا المقدار فأربعة دراهم وان لم يقدر فمثقال لا أقل من ذلك لمن وجده. إلا انه قال في موضع آخر من الكتاب أيضا (4) : «إذا فرغت من غسله حنطته بثلاثة عشر درهما وثلث درهم كافورا تجعل في المفاصل ولا تقرب السمع والبصر وتجعل في موضع سجوده وادنى ما يجزئ من الكافور مثقال ونصف».
إذا عرفت ذلك فالكلام هنا يقع في مواضع (الأول) ـ ظاهر هذه الروايات ان هذه التقديرات قلة وكثرة ووسطا على جهة الوجوب وانه لا يصار إلى المرتبة الوسطى إلا مع تعذر العليا ولا إلى الأقل إلا مع تعذر الوسط. والمفهوم من كلام الأصحاب هو الحمل على الأفضلية ، والظاهر من كلام المحقق في المعتبر ان الحامل لهم على الخروج عن ظاهر هذه الروايات انما هو ضعف إسنادها ، قال في الكتاب المذكور بعد ذكر رواية ابن ابي نجران المشتملة على المثقال ورواية الحسين بن المختار ومرفوعة علي بن إبراهيم : «وفي الروايات كلها ضعف لان سهلا ضعيف والحسين بن المختار واقفي ورواية علي بن إبراهيم مقطوعة فاذن الواجب الاقتصار على ما يحصل به الامتثال ويحمل ما ذكر على الفضيلة» وقد تبعه
__________________
(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب التكفين.
(4) ص 20.
من تأخر عنه في هذه المقالة ، وهو مشكل سيما ورواية الحسين بن المختار مروية عنه وعن عبد الله بن يحيى الكاهلي الذي لا خلاف بينهم في عد حديثه في الحسن وان كان هو انما نسبها الى الحسين بن المختار خاصة ، ورد الاخبار مع ظهورها في الوجوب وعدم المعارض لها فيه بمجرد ضعف السند خال عندنا من الدليل والمستند المعتمد. وبالجملة فإن المشهور عندهم الاكتفاء بالمسمى لما ذكر ، والعمل بالاخبار سبيل النجاة كما لا يخفى.
(الثاني) ـ لا يخفى ان الحد الأوسط في هذه التقديرات اما أربعة مثاقيل كما وقع في عبارة ابن بابويه وعليه تدل حسنة الكاهلي والحسين بن المختار أو أربعة دراهم كما يدل عليه كتاب الفقه ، وبه يندفع ما أورده بعض أفاضل متأخري المتأخرين على الشيخين وأتباعهما من انه لم يعرف للتحديد بالأربعة دراهم دليل ، نعم ما ذكره في المعتبر في الأقل من انه درهم لم أقف له على دليل ، والذي في الاخبار انما هو مثقال كما في عبارة كتاب الفقه ومرسلة ابن ابي نجران الأولى ، أو مثقال ونصف كما في مرسلته الثانية وعبارة كتاب الفقه الثانية ، وبالمثقال في جانب الأقل عبر الصدوق كما تقدم ، واما ما نقل عن الجعفي من المثقال وثلث فلم أقف على دليله ، وقول ابن الجنيد في الأقل والوسط موافق لكلام الصدوق وقد عرفت مستنده ، واما قول ابن البراج في تحديد الأكثر بثلاثة عشر درهما ونصف فخال ايضا من المستند.
(الثالث) ـ نقل عن ابن إدريس انه فسر المثاقيل الواقعة في الروايات بالدراهم نظرا الى قول الأصحاب ، وهو ضعيف ، ولهذا نقل ان ابن طاوس طالبه بالمستند ، وهو كذلك فان المتبادر من المثقال حيث يطلق في كلام الشارع انما هو المثقال الشرعي الذي هو عبارة عن الدينار وهو ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي فالصيرفي مثقال وثلث من الشرعي.
(الرابع) ـ المشهور بين الأصحاب ان كافور الغسل خارج عن هذا المقدار الذي ورد للحنوط ، وقيل انه داخل فيه واليه مال في الوافي ، وظني بعده فان ظواهر
الأخبار المذكورة انما تساعد على القول المشهور ، فان قوله (عليهالسلام) (1) : «السنة في الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلث». يقتضي تخصيص هذا المقدار بالحنوط ، وباقي الأخبار وان كانت مطلقة إلا انه يجب حمل إطلاقها على هذا الخبر المقيد ، وأصرح منه قوله (عليهالسلام) في عبارة كتاب الفقه الرضوي الثانية (2) : «إذا فرغت من غسله حنطته بثلاثة عشر درهما وثلث درهم كافورا». وترجيح هذا القول بالاحتياط ظاهر ، والخلاف المذكور في المسألة لم يستند الى معين وانما نقلوا عن ابن إدريس انه حكى عن بعض الأصحاب المشاركة وقال ان الأظهر عنهم خلافه.
(الخامس) ـ ينبغي ان يعلم ان ثلاثة عشر درهما وثلثا الذي هو القدر الأعلى من الحنوط يكون بالمثاقيل الشرعية التي هي عبارة عن الدنانير الرائجة التي لم تتغير في جاهلية ولا إسلام تسعة مثاقيل وثلث وبالمثاقيل الصيرفية المعروفة بين الناس سبعة مثاقيل ، لما تقدم تحقيقه من ان المثقال الشرعي درهم وثلاثة أسباع درهم والدرهم نصف المثقال الشرعي وخمسه ، فيكون مقدار عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية وبموجب ذلك تصير الثلاثة عشر درهما وثلث تسعة مثاقيل وثلثا بإضافة الثلث من كل منهما الى الأصل واما كونها بالمثاقيل الصيرفية سبعة فلما عرفت من ان المثقال الصيرفي مثقال وثلث من الشرعي والمثقال الشرعي ثلاثة أرباع الصيرفي ولا ريب ان سبعة أربعة أثلاث تسعة وثلث.
(السادس) ـ قد تعارضت الروايات في جانب الأقل من المثقال ومثقال ونصف وفي الوسط بين أربعة مثاقيل وأربعة دراهم ، والجمع بالحمل على التخيير في كل من الموضعين.
(السابع) ـ قال في الوافي : «والحنوط يقال لكل طيب يحنط به الميت إلا ان السنة جرت ان يحنط بالكافور كما ورد عن أهل البيت (عليهمالسلام) وهو طيب
__________________
(1) المروي في الوسائل في الباب 3 من أبواب التكفين.
(2) ص 20.
معروف يكون في أجواف شجر بجبال الهند خشبه أبيض هش يظل خلقا كثيرا وهي أنواع ولونها احمر وانما تبيض بالتصعيد ، كذا في القاموس. وقال بعض فقهائنا : الكافور صمغ يقع من شجر فكلما كان جلالا وهو الكبار من قطعه لا حاجة له الى النار ويقال له الكافور الخام وما يقع من صغار ذلك الصمغ من الشجر في التراب يؤخذ بترابه ويطرح في قدر فيها ماء يغلي ويميز من التراب فذلك لا يجزئ في الحنوط. انتهى كلامه. وما قاله من عدم اجزاء المطبوخ غير واضح بل الظاهر من إطلاق الأخبار وكلام الأصحاب اجزاؤه. وما يقال ان مطبوخه يطبخ بلبن الخنزير ليشتد بياضه لم يثبت ، وكذا ما قيل انه لبن دويبة كالسنور تسمى بالزباد» انتهى كلام المحدث المشار إليه.
(المسألة الثالثة) ـ قد عرفت مما تقدم اجزاء الكفن الواجبة واما المستحبة فمنها ـ ما ذكره جمع من المتأخرين من انه يستحب ان يزاد الرجل حبرة ومع تعذرها ثوب آخر يقوم مقامها في لف الكفن ، والحبرة كعتبة برد يماني ، وزاد بعضهم في وصفه عبرية بكسر العين نسبة الى بلد في اليمن أو جانب واد ، وقال في المختلف : «ويستحب ان يزاد في أكفان الرجل حبرة بكسر الحاء وفتح الباء ولفافة غيرها وتزاد المرأة لفافة أخرى ونمطا ، قاله الشيخ الطوسي ، وقال المفيد يستحب ان تزاد المرأة في الكفن ثوبين وهما لفافتان أو لفافة ونمط ، وقال سلار تزاد لفافتان ، وقال ابن إدريس تزاد لفافة أخرى لشد ثدييها وروى نمط ، والصحيح الأول وهو مذهب الشيخ في الاقتصاد ، لان النمط هو الحبرة وقد زيدت على أكفانها لان الحبرة مشتقة من التزيين والتحسين ، وكذلك النمط وهو الطريقة وحقيقته الأكسية والفرش ذات الطرائق ومنه سوق الأنماط ، ثم استدل الشيخ في التهذيب على ما قاله المفيد بما رواه عن سهل بن زياد عن بعض أصحابنا رفعه (1) قال : «سألته كيف تكفن المرأة؟ فقال كما يكفن الرجل غير انه يشد على ثدييها خرقة تضم الثدي إلى الصدر وتشد الى ظهرها.». وعن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين.
السلام) (1) قال : «يكفن الرجل في ثلاثة أثواب والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة أثواب : درع وخمار ومنطق ولفافتين». وعن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «تكفن المرأة في خمسة أثواب أحدها الخمار». وليس فيه دلالة على مطلوب الشيخ هنا. وقول ابن إدريس ان النمط هو الحبرة فيه نظر لان علي بن بابويه قال في أعداد الكفن للميت في رسالته : «ثم اقطع كفنه تبدأ بالنمط فتبسطه وتبسط عليه الحبرة وتنثر عليها شيئا من الذريرة وتبسط الإزار على الحبرة وتنثر عليه شيئا من الذريرة وتبسط القميص على الإزار» انتهى كلامه في المختلف. وقال الصدوق في الفقيه : «والكفن المفروض ثلاثة : قميص وإزار ولفافة سوى العمامة والخرقة فلا يعدان من الكفن فمن أحب ان يزيد ثوبين حتى يبلغ العدد خمسة أثواب فلا بأس» انتهى. وقد تقدم نقل عبارة الجعفي وابي الصلاح الدالتين على زيادة لفافتين ايضا. وبالجملة فالظاهر ان المشهور بين متقدمي الأصحاب استحباب لفافتين زائدتين على الأثواب الثلاثة المفروضة ، والشيخ المفيد خصهما بكفن المرأة واما الرجل فلفافة واحدة كما قدمناه آنفا من عبارته. ولم نقف في الاخبار التي وصلت إلينا على ما يدل على ما ذكروه من زيادة لفافتين على الكفن المشهور سوى عبارة كتاب الفقه.
وجملة من متأخري المتأخرين قد استدلوا لمن ذكر استحباب زيادة الرجل حبرة أو مع المرأة بالأخبار المشتملة على عد الحبرة من جملة أجزاء الكفن الواجب ثم ردوها بذلك ، إذ غاية ما يفهم من الأخبار كون الحبرة أحد الثواب الثلاثة لا مستحبة زائدة عليها.
أقول : قد روى الشيخان الكليني والطوسي بسنديهما عن يونس بن يعقوب عن ابي الحسن الأول (عليهالسلام) (3) قال : «سمعته يقول : اني كفنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما وفي قميص من قمصه وعمامة كانت لعلي بن الحسين (عليهماالسلام) وفي
__________________
(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين.
برد اشتريته بأربعين دينارا لو كان اليوم لساوى أربعمائة دينار». وظاهر هذا الخبر ـ كما ترى ـ الدلالة على ما ذكره متأخر والأصحاب من زيادة الحبرة التي أشار إليها هنا بالبرد على الأثواب الثلاثة الواجبة. إلا ان ظاهر ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن الصادق (عليهالسلام) (1) ـ قال : «كتب أبي في وصيته ان أكفنه في ثلاثة أثواب أحدها رداء له حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة وثوب آخر وقميص ، فقلت لأبي ولم تكتب هذا؟ فقال أخاف ان يغلبك الناس فان قالوا كفنه في أربعة أو خمسة فلا تفعل وعممني بعمامة وليس تعد العمامة من الكفن انما يعد ما يلف به الجسد». ونحو هذه الرواية نقل في الفقه الرضوي عن العالم والظاهر ان مراده الصادق (عليهالسلام) كما أشرنا إليه آنفا ، قال في الكتاب المذكور (2) : «وقال العالم : وكتب أبي في وصيته ان أكفنه في ثلاثة أثواب أحدها رداء له حبرة وكان يصلي فيه يوم الجمعة وثوب آخر وقميص فقلت لأبي لم تكتب هذا؟ فقال انى أخاف ان يغلبك الناس يقولون كفنه بأربعة أثواب أو خمسة فلا تقبل قولهم. وعصبته بعد بعمامة ، وليس تعد العمامة من الكفن انما يعد ما يلف به الجسد ، وشققنا له القبر شقا من أجل انه كان رجلا بدينار وأمرني أن أجعل ارتفاع قبره أربع أصابع مفرجات» انتهى ـ هو ان ما زاد على الثلاثة من الأثواب الشاملة للبدن انما خرج مخرج التقية فيجب حمل الخبر المذكور على ذلك (3) ويؤيده
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين.
(2) ص 20.
(3) في الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 470 «عند الشافعية الكفن للذكر والأنثى ثلاثة أثواب يستر كل واحد منها جميع بدن الميت إلا رأس المحرم ووجه المحرمة وتجوز الزيادة على ذلك ان لم يكن في الورثة قاصر أو محجور عليه وإلا حرمت الزيادة ، وعند الحنفية كفن السنة قميص وإزار ولفافة ويزاد للمرأة خمار يستر وجهها وخرقة تربط ثدييها. وعند المالكية الأفضل ان يكفن الرجل في خمسة أشياء : قميص له أكمام وإزار وعمامة لها عذبة قدر ذراع تطرح على وجهه ولفافتان ، وتكفن المرأة في سبعة : إزار وقميص وخمار وأربعة لفائف. وعند الحنابلة الواجب ثوب يستر جميع البدن للذكر والأنثى
ما تقدم في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم أو حسنتهما (1) من قوله (عليهالسلام) بعد ذكر الثلاثة المفروضة : «وما زاد فهو سنة الى ان يبلغ خمسة أثواب فما زاد فهو مبتدع والعمامة سنة». واما احتمال ان يراد ان ما زاد على الثلاثة المفروضة من اللفائف فهو سنة الى ان يبلغ خمسة وان المراد بالخمسة ما عدا العمامة وخرقة الفخذين فالظاهر بعده بل المراد بالخمسة انما هو الثلاثة المفروضة مع العمامة والخرقة ولذا اشتهر تسمية الخرقة بالخامسة ، ومقتضى كلام الصدوق ـ وهو قوله : «ومن أحب ان يزيد ثوبين حتى يبلغ العدد خمسة أثواب فلا بأس» ـ إمكان حمل الخبر المذكور عليه ، ونحوه عبارة الجعفي المتقدمة أيضا وعبارة ابن البراج في الكامل حيث قال : «تسن لفافتان زيادة على الثلاثة المفروضة إحداها حبرة يمنية فإن كان الميت امرأة كانت احدى اللفافتين نمطا ، فهذه الخمس هي الكفن ولا يجوز الزيادة عليها ، ويتبع ذلك وان لم يكن من الكفن خرقة وعمامة وللمرأة خرقة الثديين» ونحوه قال في التهذيب ، ويشير الى ذلك ما تقدم في عبارة كتاب الفقه من قوله (عليهالسلام) (2) : «ويكفن بثلاث قطع وخمس وسبع». فان الظاهر ان السبع انما هو بإضافة اللفافتين إلى الخمسة الحاصلة من الواجب والمستحب ، وبالجملة فإن إطلاق لفظ الخمس على غير العمامة وخرقة الفخذين شائع في كلام كثير منهم. ولا يخفى انه مع الحمل على ما دلت عليه هذه العبارات يكون معارضا بما تقدم من صحيحة الحلبي ورواية كتاب الفقه الرضوي الدالتين على وصية الباقر (عليهالسلام) بعدم الزيادة على الثلاثة المفروضة من تلك الأثواب ، وان مذهب العامة يومئذ زيادتها الى ان تكون أربعة أو خمسة. وبالجملة فإنه بالنظر الى اشتهار هذا الحكم بين المتقدمين كما عرفت ربما أمكن حمل الخبر المذكور عليه ، فإنه من البعيد كل البعد انهم يذهبون الى ذلك من غير
__________________
والمسنون للرجل ثلاث لفائف ويكره الزيادة عليها كما تركه العمامة ، والأنثى والخنثى يكفنان في خمسة أثواب بيض : إزار وخمار وقميص ولفافتان».
(1) المروية في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين.
(2) ص 20.
دليل يصل إليهم ولا سيما مثل الشيخ الصدوق الذي هو من أرباب النصوص وأبوه من بينهم بالخصوص. والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال.
ثم انه على تقدير الخمس المذكورة قد اختلفت عبائرهم في اشتراك المرأة والرجل فيها كما يظهر من إطلاق جملة من عبائرهم أو اختصاص المرأة بها دون الرجل أو زيادة المرأة عليها.
ومنها ـ النمط للمرأة صرح به جمع من الأصحاب ، قالوا : وتزاد المرأة نمطا وهو لغة ضرب من البسط أو ثوب فيه خطط مأخوذ من الأنماط وهي الطريق ، وفسره ابن إدريس بالحبرة لدلالة الاسمين على الزينة ، وقد تقدم في كلام المختلف رده ، والمشهور مغايرة النمط للحبرة ، واستدلوا على استحبابه للمرأة بقول الباقر (عليهالسلام) في صحيحة محمد بن مسلم (1) : «يكفن الرجل في ثلاثة أثواب والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة : درع ومنطق وخمار ولفافتين». قال في المدارك : «وليس فيها دلالة على المطلوب بوجه فان المراد بالدرع القميص والمنطق بكسر الميم ما يشد به الوسط ولعل المراد به هنا ما يشد به الثديان والخمار القناع لانه يخمر به الرأس ، وليس فيها ذكر للنمط بل ولا دلالة على استحباب زيادة المرأة لفافة عن كفن الرجل ، لما بيناه فيما سبق من ان مفاد الاخبار اعتبار الدرع واللفافتين أو الثلاث لفائف في مطلق الكفن» انتهى. أقول : اما ما ذكره ـ من عدم دلالة الرواية على ما ادعوه ـ ففيه ان مبنى الاستدلال بالرواية انما هو على ان الكفن الواجب قميص وإزار ولفافة كما هو المشهور بين المتقدمين والمتأخرين ولا مخالف فيه إلا هو ومن تبعه ، وقد عبر في الرواية عن القميص بالدرع وعن الإزار بالمنطق كما أوضحناه فيما تقدم ، وبه صرح شيخنا الشهيد في الذكرى والشيخ البهائي في الحبل المتين فإنهما فسرا المنطق في الرواية ـ بعد ذكرهما معناه لغة وعدم مناسبة المعنى اللغوي للمقام ـ بالإزار ، وهو الحق ، واحدى اللفافتين هي أحد أجزاء الكفن الواجب واللفافة الأخرى هي
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين.
أحد أجزاء الكفن الواجب واللفافة الأخرى هي النمط وان لم يعبر عنها بالنمط أو انها لفافة أخرى عوض النمط ، فإنهم صرحوا بالنسبة إلى الحبرة المستحبة في الكفن بأنه لو لم يجدها جعل عوضها لفافة فكذا النمط ، وبه يتم الاستدلال بالرواية المذكورة. واما ما ذكره من حمل المنطق على خرقة الثديين فبعيد غاية البعد كما لا يخفى ، قال في الحبل المتين : «والمنطق كمنبر شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها ثم ترسل الأعلى على الأسفل إلى الركبة والأسفل ينجر على الأرض ، قاله صاحب القاموس. ولعل المراد به هنا المئزر كما قاله شيخنا في الذكرى. وقال بعض الأصحاب لعل المراد ما يشد به الثديان. وهو كما ترى» انتهى كلام شيخنا المذكور. ولا يخفى ان هذا البعض الذي أشار إليه هو صاحب المدارك كما نقلناه عنه ، والظاهر ان السيد السند لا يخفى عليه بعد هذا المعنى ولكنه انما ارتكبه فرارا عما أنكره من وجود الإزار والمئزر في الأخبار مع انا قد بينا وجوده في غير هذا الخبر ايضا كما قدمنا بيانه.
بقي الكلام في ان كلام الأصحاب مضطرب في اختصاص زيادة هذا الثوب بالمرأة أو مشاركة الرجل لها. واما وجود هذا الثوب للمرأة بلفظ النمط فلم يصل إلينا في الأخبار وان ذكره شيخنا المفيد ونحوه كما قدمنا ذكره ، إلا انك قد عرفت من صحيحة الحلبي أو حسنته ومن رواية كتاب الفقه ان ما زاد على الثلاثة المفروضة فهو من سنن العامة وبموجبه يجب حمل كل ما تضمن الزيادة على التقية. وبالجملة فالاحتياط في ترك الزيادة على الثلاثة المفروضة من الأثواب التي يلف فيها البدن. والله العالم.
ومنها ـ الخرقة التي يشد بها الفخذان وتسمى عند الأصحاب بالخامسة كما ذكره في الذكرى ، وهي للرجال والنساء كما يفهم من الأخبار وما ذكر فيها من التعليل بعدم خروج شيء منه مع التصريح في بعضها بالقبل ، واستحبابها ثابت بالروايات المستفيضة كما في رواية عبد الله بن سنان عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «الميت يكفن في ثلاثة
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين.
أثواب سوى العمامة والخرقة يشد بها وركيه كيلا يبدو منه شيء». وقد تقدم في رواية عمار (1) وقال «تحتاج المرأة من القطن لقبلها قدر نصف من ، وقال : التكفين ان تبدأ بالقميص ثم بالخرقة فوق القميص على ألييه وفخذيه وعورته وتجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع ونصفا وعرضها شبرا ونصفا ثم يشد الإزار. الحديث». وفي رواية يونس المتقدمة (2) في كيفية الغسل «وخذ خرقة طويلة عرضها شبر فشدها من حقويه وضم فخذيه ضما شديدا ولفها في فخذيه ثم اخرج رأسها من تحت رجليه الى الجانب الأيمن وأغرزها في الموضع الذي لففت فيه الخرقة وتكون الخرقة طويلة تلف فخذيه من حقويه الى ركبتيه لفا شديدا». وفي رواية الكاهلي المتقدمة (3) نحوه ، ولا منافاة في تقدير العرض بين روايتي عمار ويونس ، إذ الظاهر ان المراد انما هو التقريب في ذلك لا ان يكون حدا شرعيا. قال في المدارك بعد ذكر جملة من هذه الأخبار : «وهذه الروايات وان كانت ما بين ضعيف ومرسل إلا انها مؤيدة بعمل الأصحاب فلا تقصر عن إثبات حكم مستحب» أقول : لا يخفى ما فيه من الوهن والمجازفة وذلك فان الاستحباب حكم شرعي والقول به بغير دليل واضح قول على الله بغير علم كما في الوجوب ولا فرق بينهما في وجوب الدليل ، وحينئذ فإن صلح العمل بالخبر الضعيف المؤيد بعمل الأصحاب فيجب ان يقف عليه في جميع الأبواب مع ان كلامه في ذلك مضطرب غاية الاضطراب ، على انا نقول ايضا انه لا وجه للعمل بالخبر الضعيف المؤيد بعمل الأصحاب كما يكررونه ويتسترون به عن إلزامهم بالخروج عن اصطلاحهم المشار إليه. فإنه ان كان الخبر الضعيف دليلا شرعيا وجب العمل عليه مطلقا وإلا وجب رميه وإلغاؤه مطلقا ، فيرجع العمل فيما ذكروه إلى متابعة الأصحاب من غير دليل في المقام إذ المفروض رمي الضعيف من البين وعدم الاعتداد به بالكلية ، ولا أراه يلتزمه ولا يقول به : ثم قال (قدسسره) : «وقد يظهر من مجموعها ان صورة وضع هذه الخرقة ان تربط أحد طرفيها في وسط الميت اما بان يشق رأسها أو يجعل فيها خيط ونحوه ثم تدخل الخرقة من بين فخذيه وتضم بها
__________________
(1) ص 9.
(2) ج 3 ص 439.
(3) ج 3 ص 438.
عورته ضما شديدا وتخرجها من تحت الشداد الذي على وسطه ثم تلف حقويه وفخذيه بما بقي لفا شديدا فإذا انتهت ادخل طرفها تحت الجزء الذي انتهت عنده منها» انتهى. وهو جيد.
ومنها ـ العمامة للرجل وتحنيكه بها. والحكمان مجمع عليهما والاخبار بهما كثيرة قد تقدم بعضها وانما يبقى الكلام في كيفية ذلك ، ففي رواية معاوية بن وهب المتقدمة (1) «وعمامة يعمم بها ويلقى فضلها على صدره». وفي رواية يونس عنهم (عليهمالسلام) (2) «ثم يعمم يؤخذ وسط العمامة فيثنى على رأسه بالتدوير ثم يلقى فضل الشق الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ثم يمد على صدره». وفي رواية عثمان النوا عن الصادق (عليهالسلام) (3) «وإذا عممته فلا تعممه عمة الأعرابي. قلت كيف اصنع؟ قال خذ العمامة من وسطها وانشرها على رأسه ثم ردها الى خلفه واطرح طرفيها على صدره». وفي بعض النسخ «على ظهره» وفي حسنة حمران بن أعين (4) «ثم خذوا عمامة وانشروها مثنية على رأسه واطرح طرفيها من خلفه وابرز جبهته». وفي صحيحة ابن ابي عمير أو حسنته عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليهالسلام) (5) «في العمامة للميت قال حنكه». وفي صحيحة عبد الله بن سنان (6) «وعمامة تعصب بها رأسه وترد فضلها على رجليه». هكذا في التهذيب والظاهر انه تحريف وفي الكافي (7) «ويرد فضلها على وجهه». وفي موثقة عمار (8) «وليكن طرف العمامة متدليا على جانبه الأيسر قدر شبر ترمى بها على وجهه». وفي الفقه الرضوي (9)
__________________
(1) ص 5.
(2) ص 7.
(3) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب التكفين.
(4 و 5) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التكفين.
(6) المروية في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين.
(7) الموجود في الكافي ج 1 ص 41 «على رجليه» ورواه في الوسائل عنه كذلك وقال «أقول : هذا تصحيف والصحيح يرد فضلها على وجهه».
(8) ص 9.
(9) ص 17.
«ثم تعممه وتحنكه فتثني على رأسه بالتدوير وتلقي فضل الشق الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ثم تمد على صدره ثم تلفه باللفافة ، وإياك ان تعممه عمة الأعرابي وتلقي طرفي العمامة على صدره». وهذه الرواية عين ما في رواية يونس وهي الصورة المشهورة في كلام الأصحاب. واما عمة الأعرابي المنهي عنها فالظاهر انها غير مشتملة على التحنيك وانما هي ان يلف وسط العمامة على رأسه ويلقى طرفها الأيمن على جانب الصدر الأيمن والأيسر على الأيسر من غير ان يمد كل منهما إلى الجهة الثانية كما في الخبرين المذكورين ، قال في المبسوط : «عمة الأعرابي بغير حنك» ويمكن حمل رواية معاوية بن وهب على ما دلت عليه الروايتان المذكورتان. ولا تقدير لطول العمامة شرعا فيعتبر فيها ما يؤدي هذه الهيئة وفي العرض ما يطلق معه عليها اسم العمامة كما صرح به الأصحاب.
ومنها ـ الخمار للمرأة عوض العمامة للرجل ، ذكره الأصحاب ، ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (1) وقوله (عليهالسلام) فيها : «وتكفن المرأة إذا كانت عظيمة في خمسة : درع ومنطق وخمار. الخبر». وسمي به لانه يخمر الرأس اي يستره.
ومنها ـ خرقة الثديين ويدل عليها ما رواه في الكافي عن سهل بن زياد عن بعض أصحابه رفعه (2) قال : «سألته كيف تكفن المرأة؟ فقال كما يكفن الرجل غير انها تشد على ثدييها خرقة تضم الثدي إلى الصدر وتشد الى ظهرها ويوضع لها القطن أكثر مما يوضع للرجال ويحشى القبل والدبر بالقطن والحنوط ثم تشد عليها الخرقة شدا شديدا».
(المسألة الرابعة) ـ من المستحبات في هذا المقام زيادة على ما تقدم انه بعد الفراغ من غسله ينشفه بثوب طاهر وكأنه صونا للكفن عن البلل ، ففي خبر يونس المتقدم (3) «ثم نشفه بثوب طاهر». وفي خبر عمار (4) «ثم تجففه بثوب نظيف». وفي
__________________
(1) ص 7.
(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين.
(3) ج 3 ص 439.
(4) ج 3 ص 440.
خبر الحلبي (1) «إذا فرغت من غسله جعلته في ثوب نظيف جففته». وفي كتاب الفقه (2) «فإذا فرغت من الغسلة الثالثة فاغسل يديك من المرفقين إلى أطراف أصابعك والق عليه ثوبا تنشف به عنه الماء».
ومنها ـ ما ذكره الأصحاب من انه يستحب اغتسال الغاسل قبل تكفينه أو الوضوء ، وممن ذكر ذلك الصدوق في الفقيه فقال بعد ذكر الغسل والتنشيف : «ثم يغتسل الغاسل يبدأ بالوضوء ثم يغتسل ثم يضع الميت في أكفانه» واعترضهم جملة من متأخري المتأخرين بعدم المستند في هذا الحكم بل ربما كان الظاهر من الروايات خلافه ، وهو كذلك فان في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) (3) قال : «قلت له : الذي يغمض الميت ، الى ان قال : فالذي يغسله يغتسل؟ قال : نعم. قلت فيغسله ثم يلبسه أكفانه قبل ان يغتسل؟ قال يغسله ثم يغسل يديه من العاتق ثم يلبسه أكفانه ثم يغتسل». وفي صحيحة يعقوب بن يقطين المتقدمة (4) «ثم يغسل الذي غسله يده قبل ان يكفنه الى المنكبين ثلاث مرات ثم إذا كفنه اغتسل». وفي حديث عمار عن الصادق (عليهالسلام) (5) «ثم تغسل يديك الى المرافق ورجليك الى الركبتين ثم تكفنه». وقد تقدم في عبارة كتاب الفقه نحو ذلك ايضا وهي كالصريحة في استحباب تقديم التكفين على الغسل وانما المأمور به غسل اليدين من العاتق كما اشتمل عليه بعضها أو من المرفق كما اشتمل عليه الآخر ، والأحوط الأول ، وكذلك الأحوط ان يكون ثلاثا كما دل عليه صحيح يعقوب ، وظاهر شيخنا في الذكرى حمل هذه الأخبار على خوف تضرر الميت بالتأخير ، قال (قدسسره) بعد ذكر كيفية التكفين : «وليكن ذلك بعد غسل الغاسل من المس أو بعد وضوئه الذي يجامع الغسل ، فان خيف على الميت فليغسل الغاسل يديه الى المنكبين كما رواه
__________________
(1) ج 3 ص 438.
(2) ص 17.
(3 و 4) المروية في الوسائل في الباب 35 من أبواب التكفين.
(5) ص 9.
يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح (عليهالسلام) ، ثم ذكر خبر محمد بن مسلم وقال بعده : ويمكن حمله على الضرورة» وليت شعري أي معارض لهذه الاخبار في المقام يوجب تأويلها بما ذكره؟ مع انهم لم ينقلوا مستندا لما ذكروه وانما علله العلامة في التذكرة بأن الغسل من المس واجب فاستحب الفورية به. ولا يخفى ما فيه.
ومنها ـ وضع جريدتين خضراوين ، وهذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، والجريدة هي العود الذي يجرد عنه الخوص وما دام الخوص فيه فإنه يسمى سعفا ، قال شيخنا المفيد في المقنعة (1) : «والأصل في وضع الجريدة مع الميت ان الله تعالى لما اهبط آدم من الجنة إلى الأرض استوحش في الأرض فسأل الله تعالى ان ينزل إليه شيئا من أشجار الجنة يأنس به فأنزلت عليه النخلة فلما رآها عرفها وانس بها وأوى إليها. فلما جمع الله بينه وبين زوجته حواء واقام معها ما شاء الله تعالى ان يقيم وأولدها ثم حضرته الوفاة جمع ولده وقال : يا بني اني كنت قد استوحشت عند نزولي هذه الأرض فآنسني الله تعالى بهذه النخلة المباركة وانا أرجو الأنس بها في قبري فإذا قضيت نحبي فخذوا منها جريدة فشقوها باثنين وضعوها معي في أكفاني ، ففعل ذلك ولده بعد موته وفعلته الأنبياء بعده ثم اندرس أثره في الجاهلية فأحياه النبي (صلىاللهعليهوآله) وشرعه ووصى أهل بيته باستعماله فهو سنة الى ان تقوم الساعة» انتهى. وقال في التهذيب (2) : «سمعت ذلك مرسلا من الشيوخ ومذاكرة ولم يحضرني الآن إسناده وجملته ان آدم (عليهالسلام) لما أهبطه الله تعالى من الجنة ، وساق الكلام المذكور ثم قال : وقد روي ان الله عزوجل خلق النخلة من فضله الطينة التي خلق منها آدم (عليهالسلام) فلأجل ذلك تسمى النخلة عمة الإنسان». انتهى.
أقول : والأخبار بفضل الجريدتين في هذا المقام مستفيضة من طرق الخاصة
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب التكفين.
(2) ج 1 ص 93.
والعامة ، قال الشيخ في التهذيب : «وقد روي من طريق العامة في أصل التخضير شيء كثير» (1). إلا ان العامة لمزيد تعصبهم على الشيعة والسعي في خلافهم قد عدلوا عن كثير من السنن مراغمة للشيعة حيث انهم يواظبون عليها ويؤكدون العمل بها ، ومنها هذا الموضع كما سيظهر لك من الأخبار ، ومنها تسطيح القبور عدلوا عنه الى التسنيم مع اعترافهم بأن السنة انما هو التسطيح وانما صاروا الى التسنيم مراغمة للشيعة ، ومنها التختم باليمين ، ومنها ترك الصلاة على الأئمة المعصومين ، ونحو ذلك مما أوضحنا الكلام فيه في كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن ابي الحديد.
ومن الاخبار الواردة في فضلهما وفيما يتعلق بهما في هذا المقام ما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة (2) قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) أرأيت الميت إذا مات لم تجعل معه الجريدة؟ فقال يتجافى عنه العذاب والحساب ما دام العود رطبا ، انما العذاب والحساب كله في يوم واحد في ساعة واحدة قدر ما يدخل القبر ويرجع القوم ، وانما جعلت السعفتان لذلك فلا يصيبه عذاب ولا حساب بعد جفوفها ان شاء الله تعالى». ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله. وبإسناده عن الحسن بن زياد (3) «انه سأل الصادق (عليهالسلام) عن الجريدة التي تكون مع الميت فقال تنفع المؤمن
__________________
(1) في صحيح البخاري باب الجريدتين على القبر وصحيح مسلم باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه وسنن ابى داود باب الاستبراء من البول وسنن النسائي باب التنزه عن البول وسنن البيهقي باب التوقي عن البول «عن الأعمش سمعت مجاهدا يحدث عن طاوس عن ابن عباس مر النبي «ص» على قبرين فقال انهما يعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة واما الآخر فكان لا يستنزه عن البول فدعا بعسيب رطب فشقه نصفين ثم غرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا وقال لعله ان يخفف عنهما العذاب ما لم يبسا». ونحوه في مجمع الزوائد ج 3 ص 56 عن امامة وعن ابن عمر وعن أبي هريرة. وفي عمدة القارئ ج 4 ص 203 «رواية الأكثرين اوصى بريدة الأسلمي بوضع الجريدة في قبره ورواية المستملي على قبره».
(2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب التكفين.
والكافر». وعن يحيى بن عبادة المكي (1) انه قال : «سمعت سفيان الثوري يسأل أبا جعفر (عليهالسلام) عن التخضير فقال ان رجلا من الأنصار هلك فأوذن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بموته فقال لمن يليه من قرابته خضروا صاحبكم فما أقل المخضرين يوم القيامة. قال وما التخضير؟ قال جريدة خضراء توضع من أصل اليدين إلى أصل الترقوة». قال : «وسئل الصادق (عليهالسلام) عن علة الجريدة فقال يتجافى عنه العذاب ما دامت رطبة» (2). قال في الوافي : «انما كان المخضرون قلائل يوم القيامة لأن المخالفين للشيعة لا يخضرون موتاهم وهم الأكثرون مع انهم رووا في فضله أخبارا كثيرة كما قاله في التهذيب» وروى في الكافي عن رجل عن يحيى بن عبادة عن الصادق (عليهالسلام) (3) قال : «تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع وتوضع ـ وأشار بيده من عند ترقوته الى يده ـ تلف مع ثيابه». وروى الصدوق في معاني الأخبار هذا الخبر في الصحيح بزيادة في أوله عن يحيى بن عبادة عن الصادق (عليهالسلام) (4) قال : «سمعته يقول ان رجلا مات من الأنصار فشهد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقال خضروه فما أقل المخضرين يوم القيامة. فقلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) وأي شيء التخضير؟ قال تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع ـ وأشار بيده الى عند ترقوته ـ تلف مع ثيابه». قال الصدوق بعد إيراده الخبر : «جاء هذا الخبر هكذا والذي يجب استعماله ان يوضع للميت جريدتان من النخل خضراوان رطبتان طول كل واحدة قدر عظم الذراع تجعل إحداهما من عند الترقوة تلصق بجلده وعليه القميص والأخرى عند وركه ما بين القميص والإزار فان لم يقدر على جريدة من النخل فلا بأس ان يكون من غيره من بعد ان يكون رطبا» انتهى.
وروى في الكافي في الصحيح الى الحسن بن زياد الصيقل عن الصادق (عليهالسلام) (5) قال : «توضع للميت جريدتان واحدة في اليمين
__________________
(1 و 3) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب التكفين.
(2 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب التكفين.
والأخرى في الأيسر ، قال وقال : الجريدة تنفع المؤمن والكافر». الى غير ذلك من الاخبار الآتية ان شاء الله تعالى في المقام.
ومما يدل على اشتراط كونهما خضراوين زيادة على ما تقدم فلا تجزئ اليابسة ما رواه في التهذيب عن محمد بن علي بن عيسى (1) قال : «سألت أبا الحسن الأول عن السعفة اليابسة إذا قطعها بيده هل يجوز للميت توضع معه في حفرته؟ فقال لا يجوز اليابس».
وتمام البحث هنا يقع في مواضع (الأول) ـ الظاهر انه لا خلاف في استحباب كون الجريدتين من النخل ، انما الخلاف في بدلهما لو تعذرتا ، فقيل كل شجر رطب ونقل عن ابن بابويه والجعفي والشيخ في الخلاف وابن إدريس واستجوده في الذكرى ، وقيل من الخلاف وإلا فمن السدر وإلا فمن شجر رطب ونسب الى الشيخ المفيد وسلار ، وقيل بتقديم السدر على الخلاف ذكره المحقق في الشرائع وهو مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط وقال في المدارك وهو المشهور ، وزاد الشهيد في الدروس والبيان الرمان بعد الخلاف ، وقيل الشجر الرطب.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك ما رواه في الكافي عن العدة عن سهل عن غير واحد من أصحابنا (2) قالوا : «قلنا له جعلنا فداك ان لم نقدر على الجريدة؟ فقال عود السدر. قيل فان لم نقدر على السدر؟ فقال عود الخلاف». وظاهر هذه الرواية الدلالة على القول الثالث الذي هو المشهور وروى في الفقيه (3) قال : «كتب علي بن بلال الى ابي الحسن الثالث (عليهالسلام) : الرجل يموت في بلاد ليس فيها نخل فهل يجوز مكان الجريدة شيء من الشجر غير النخل؟ فإنه قد روي عن آبائكم (عليهمالسلام) انه يتجافى عنه العذاب ما دامت الجريدتان رطبتين وانهما تنفع المؤمن والكافر. فأجاب (عليهالسلام) يجوز من شجر آخر رطب». وهذه الرواية ظاهرة في الدلالة على القول
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب التكفين.
(2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب التكفين.
الأول ، ونحوها روي في الكافي عن علي بن بلال (1) : «انه كتب إليه يسأله عن الجريدة إذا لم نجد نجعل بدلها غيرها في موضع لا يمكن النخل؟ فكتب : يجوز إذا أعوزت الجريدة والجريدة أفضل وبه جاءت الرواية». أقول : ومراده (عليهالسلام) بالرواية يعني عن الرسول (صلىاللهعليهوآله) قال في الكافي بعد هذه الرواية : وروى علي بن إبراهيم في رواية أخرى قال : «يجعل بدلها عود الرمان» (2). وظاهر هذا الخبر الأخير انه مع فقدها من النخل تبدل بشجر الرمان من غير ترتيب. والظاهر ان ما ذهب اليه الشهيد في الدروس والبيان ناشىء من الجمع بين هذه الروايات بتقديم الخلاف على الرمان وتقييد إطلاق روايتي علي بن بلال برواية الرمان فيكون الرمان مقدما على الشجر الرطب ، وفي كتاب الفقه الرضوي (3) «فان لم تقدر على جريدة من النخل فلا بأس بأن يكون من غيره بعد ان يكون رطبا». وهي في معنى رواية علي بن بلال. والجمع بين الاخبار المذكورة بالتخيير جيد.
(الثاني) ـ اختلف الأصحاب في مقدار الجريدة ، فالمشهور ـ وهو مذهب الشيخين ومن تبعهما وعلي بن بابويه ـ انه قدر عظم الذراع ، وقال الصدوق في الفقيه : «طول كل واحدة قدر عظم الذراع وان كانت قدر ذراع فلا بأس أو شبر فلا بأس» وقال ابن ابي عقيل : «مقدار كل واحدة أربع أصابع إلى ما فوقها».
ومنشأ اختلاف هذه الأقوال اختلاف الرواية بذلك ، ففي روايتي يحيى بن عبادة المتقدمتين (4) انها قدر ذراع ، وفي الكافي في الصحيح أو الحسن عن جميل بن دراج (5) قال قال : «ان الجريدة قدر شبر توضع واحدة من عند الترقوة الى ما بلغت مما يلي الجلد والأخرى في الأيسر من عند الترقوة الى ما بلغت من فوق القميص». وقد تقدم
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب التكفين.
(3) ص 17.
(4) ص 40.
(5) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب التكفين.
في رواية يونس (1) الواردة في كيفية التكفين انها قدر ذراع ، وفي الفقه الرضوي (2) «روي ان الجريدتين كل واحدة بقدر عظم الذراع». أقول : ان هذه الرواية هي مستند المشهور فانا لم نقف في الاخبار المشهورة بين الأصحاب على ما يدل على هذا القول مع شهرته ، والظاهر ان الجماعة تبعوا فيه علي بن الحسين بن بابويه حيث انه ذكر ذلك في رسالته كما نقلوه عنه ، وقد عرفت وستعرف ان عباراته وجل رسائله مأخوذة من هذا الكتاب ، والصدوق في الفقيه جمع بين الروايات الثلاث بالتخيير كما قدمنا في عبارته ، والعجب ان المتأخرين تلقوا هذا القول بالقبول مع عدم إتيانهم عليه بدليل حتى قال الشهيد في الذكرى وتبعه من تأخر عنه فيه : «والمشهور قد عظم الذراع وفي خبر يونس قدر ذراع وروى الصدوق قدر الذراع أو الشبر وفي خبر جميل بن دراج قدر شبر وابن ابي عقيل قدر أربع أصابع فما فوقها ، والكل جائز لثبوت الشرعية مع عدم القاطع على قدر معين» وفيه انه لا ريب وان كان الشرعية حاصلة بوضع الجريدة بأي قدر كان لان الغرض تعلق بدفعها العذاب عنه ما دامت خضراء إلا ان السنة المطهرة قدر حددتها بحد وان اختلفت الرواية في ذلك الحد ، ومقتضى ما تلوناه من اخبار المسألة ان ذلك دائر بين الشبر والذراع ، والواجب ـ كما هو قضية الاختلاف بين الأخبار ـ اما الترجيح بين الخبرين أو التخيير جمعا ، ومن ذلك يظهر سقوط القول بعظم الذراع والقول بأربع أصابع. وقوله : «مع عدم القاطع على قدر معين» لا معنى له بعد وصول الخبرين المذكورين فان الحد المعين دائر بين هذين الحدين المذكورين. ومقتضى قواعدهم واصطلاحهم في الاخبار هو ترجيح رواية جميل لأنها حسنة عندهم وحسنها انما هو بإبراهيم بن هاشم الذي لا يقصر حديثه عندهم عن الصحيح بل عده في الصحيح جمع منهم والأخبار الباقية ضعيفة باصطلاحهم. هذا ان عملوا بمقتضى هذا الاصطلاح وإلا فالواجب الجمع بالتخيير بين الروايتين وبه يظهر سقوط القولين الآخرين ، فقوله : «والكل
__________________
(1) ص 7.
(2) ص 17.
جائز إلا وجه له كما عرفت ، ولو تم هذا الكلام في هذا المقام لانجر الى غيره من الأحكام وهم لا يقولون بذلك بل يدورون مدار الأدلة والاخبار ولا سيما متأخري المتأخرين. وبالجملة فكلامهم هنا لا يخلو من مسامحة. وكيف كان فبما أوضحناه من رواية عظم الذراع فالوجه هو التخيير بين الروايات الثلاث كما صرح به في الفقيه ورد القول بالأربع أصابع لعدم الوقوف على مستنده ، وتعليل شيخنا المشار إليه في قبوله عليل كما عرفت.
(الثالث) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في محلهما فالمشهور انه يجعل إحداهما من الجانب الأيمن من ترقوتة يلصقها بجلده والأخرى من الجانب الأيسر كذلك بين القميص والإزار ، ذهب اليه الصدوق في المقنع والشيخان وجمهور المتأخرين وذهب علي بن بابويه والصدوق في غير المقنع الى جعل اليمنى مع ترقوته يلصقها بجلده ويمد عليه قميصه واليسرى عند وركه بين القميص والإزار ، وعن الجعفي ان إحداهما تحت الإبط الأيمن والأخرى نصف مما يلي الساق ونصف مما يلي الفخذ ، وعن ابن ابي عقيل انها واحدة تحت إبطه الأيمن.
والروايات في ذلك لا تخلو من الاختلاف ، ففي صحيحة جميل أو حسنته المتقدمة قريبا (1) ما يدل على القول المشهور ، وفي رواية يونس المتقدمة (2) «تجعل له واحدة بين ركبتيه نصفا مما يلي الساق ونصفا مما يلي الفخذ وتجعل الأخرى تحت إبطه الأيمن». وهذه الرواية دالة على ما ذهب إليه الجعفي ، وفي روايتي يحيى بن عبادة المتقدمتين (3) قريبا «تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع ـ وأشار بيده من عند ترقوته ـ تلف مع ثيابه». وظاهرهما ان الموضوع جريدة واحدة ، وقد تقدم كلام الصدوق في معاني الأخبار (4) الدال على إنكار ذلك ، ونحو هاتين الروايتين رواية يحيى بن عبادة المكي المتقدمة أيضا (5) وفيها «جريدة خضراء توضع من أصل اليدين إلى أصل الترقوة». وفي رواية الحسن بن زياد الصيقل المتقدمة أيضا (6) «واحدة في اليمين والأخرى في الأيسر».
وهي مجملة قابلة للانطباق
__________________
(1) ص 42.
(2) ص 7.
(3 و 4 و 5 و 6) ص 40.
على كل من القولين ، ونحوها رواية الفضيل بن يسار عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «توضع للميت جريدتان واحدة في الأيمن والأخرى في الأيسر». وفي صحيحة جميل أو حسنته بإبراهيم بن هاشم (2) قال : «سألته عن الجريدة توضع من دون الثياب أو من فوقها؟ قال فوق القميص ودون الخاصرة. فسألته من اي جانب؟ قال من الجانب الأيمن». وهذه الرواية المعتبرة الاسناد قد دلت ايضا على ما دلت عليه الروايات الثلاث المتقدمة من كون الجريدة واحدة ، وقد عين موضعها في هذه الرواية بأنه قرب الخاصرة فوق القميص من الجانب الأيمن ، وفي الروايات المشار إليها آنفا توضع عند الترقوة ، وقد تقدم ان مذهب ابن ابي عقيل ان الموظف هنا جريدة واحدة ، فهذه الروايات مما تشهد له وان أنكره الصدوق فيما تقدم من كلامه إلا ان المنقول عنه انه جعل موضعها تحت إبطه وهذه الروايات قد عينت موضعا آخر واختلفت فيه. وأنت خبير بأنه لم ينقل أحد منهم دليلا على ما ذهب اليه الصدوقان بل اعترف في المدارك بأنه لم يقف على مأخذهما ، وفي المختلف تكلف الاستدلال على ذلك برواية يونس (3) ولا يخفى ما فيه من عدم الانطباق بل الرواية المذكورة انما تنطبق على مذهب الجعفي ، والظاهر ان مستنده انما هو الفقه الرضوي على الطريقة التي عرفت وستعرف ، حيث قال في الكتاب المذكور (4) : «ثم تضعه في أكفانه واجعل معه جريدتين إحداهما عند ترقوته تلصقها بجلده ثم تمد عليه قميصه والأخرى عند وركه ، وروى ان الجريدتين كل واحدة بقدر عظم ذراع تضع واحدة عند ركبتيه تلصق الى الساق والى الفخذين والأخرى تحت إبطه الأيمن ما بين القميص والإزار». انتهى. أقول : وبصدر هذه العبارة عبر الصدوق في الفقيه بتغيير ما ومنه يعلم ان مستند هما انما هو الكتاب المذكور ، واما الكيفية التي نقلها (عليهالسلام) وأسندها إلى الرواية فهي مطابقة لما دلت عليه رواية يونس
__________________
(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 10 من أبواب التكفين.
(3) ص 7.
(4) ص 17.
فيكون ايضا مستندا للجعفي فيما قدمنا نقله عنه ، قال في المعتبر ـ بعد ذكر الخلاف في المسألة ونقل رواية جميل الاولى ورواية يحيى بن عبادة المرسلة (1) ـ ما لفظه : «والروايتان ضعيفتان لأن القائل في الأولى مجهول والثانية مقطوعة السند ، ومع اختلاف الأقوال والروايات يجب الجزم بالقدر المشترك بينها وهو استحباب وضعها مع الميت في كفنه أو في قبره بأي هذه الصور شئت» انتهى. واستحسنه في المدارك. أقول : اما ما ذكره من الجزم بالقدر المشترك الى آخره فمرجعه الى التخيير بين ما دلت عليه هذه الاخبار وهو وجه حسن في الجمع بينها. ولقد كان يغنيه التعبير بذلك عن الطعن فيها ، فان من جملة الأخبار المذكورة ـ كما عرفت ـ صحيحتي جميل أو حسنتيه (2) اللتين لا يقصر وصفهما بالحسن عن الإلحاق بالصحيح وليس فيهما إلا الإضمار الذي قد صرح هو وغيره من المحققين بأنه غير مضر ولا موجب للطعن. وبالجملة فالوجه في الجمع بينها هو التخيير. والله العالم.
(الرابع) ـ إطلاق الأخبار وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في استحباب وضعهما مع الميت بين كونه صغيرا أو كبيرا عاقلا أو مجنونا اقامة للشعار وان كان ظاهر التعليل يوهم خلاف ذلك إلا ان علل الشرع ـ كما أوضحناه في غير مقام ـ ليست عللا حقيقية يدور المعلول مدارها وجودا وعدما وانما هي معرفات. ألا ترى انه ورد تعليل وجوب العدة على المطلقة بالاستبراء من الحمل مع انه لا يطرد ذلك في كل مطلقة ولا متوفي عنها ، وورد في تعليل استحباب غسل الجمعة بأن الأنصار كانت تعمل في نواضحها فإذا حضروا الصلاة يوم الجمعة تأذى الناس بريح آباطهم فشكوا ذلك اليه (صلىاللهعليهوآله) فأمر بالغسل للجمعة (3) ونحو ذلك ، وممن صرح بجواز وضع الجريدتين مع الصغير والمجنون الشهيد في البيان ، وهو جيد.
__________________
(1) ص 40.
(2) ص 42 و 45.
(3) المروية في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.
(الخامس) ـ قد صرح الأصحاب بأنه لو كانت الحال حال تقية وضعها حيث يمكن ، ويدل عليه مرفوعة سهل بن زياد (1) قال : «قيل له جعلت فداك ربما حضرني من أخافه فلا يمكن وضع الجريدة على ما رويتنا؟ فقال أدخلها حيث ما أمكن». قال الشيخ في التهذيب : وروى هذا الحديث محمد بن احمد مرسلا (2) وزاد فيه قال : «فان وضعت في القبر فقد أجزأه». وفي مكاتبة أحمد بن القاسم (3) «واما الجريدة فليستخف بها ولا يرونه وليجهد في ذلك جهده». وفي الفقه الرضوي (4) «وان حضرك قوم مخالفون فاجهد ان تغسله غسل المؤمن وأخف عنهم الجريدة». أقول : ويعضده ما رواه في الكافي في الموثق عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن الصادق (عليهالسلام) (5) قال : «سألته عن الجريدة توضع في القبر؟ قال : لا بأس». قال في الفقيه بعد نقل الخبر المذكور مرسلا : «يعنى ان لم توجد إلا بعد حمل الميت الى قبره أو يحضره من يتقيه فلا يمكنه وضعها على ما روي فيجعلها معه حيث أمكن» ولو نسيها فذكرها بعد الدفن وضعها على القبر. ويؤيده ما رواه الصدوق مرسلا (6) قال : «مر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) على قبر يعذب صاحبه فدعا بجريدة فشقها نصفين فجعل واحدة عند رأسه والأخرى عند رجليه. قال : وروي ان صاحب القبر كان قيس بن فهد الأنصاري وروى قيس بن نمير ، وانه قيل له لم وضعتهما؟ فقال انه يخفف عنه العذاب ما كانتا خضراوين».
(السادس) ـ إطلاق الأخبار عدا الحديث النبوي المتقدم وكذا إطلاق كلام أكثر الأصحاب يقتضي أن تكون الجريدة غير مشقوقة ، وصرح بعض باستحباب الشق للحديث النبوي ، والأظهر الأول ، واستظهره في المدارك ايضا نظرا الى التعليل واستضعافا لرواية الشق.
__________________
(1 و 2 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب التكفين.
(3) المروية في الوسائل في الباب 7 من أبواب التكفين.
(4) ص 17.
ثم انه قد ذكر بعض الأصحاب أيضا استحباب وضع القطن على الجريدتين. ولم أقف فيه على نص ، ولعله الاستبقاء الرطوبة ، وفيه ان الخبر المتقدم يدل على ان العذاب والحساب انما هو ساعة رجوع المشيعين للميت وجفا هما في هذا الوقت بعيد جدا.
ومنها ـ ان يطوي جانب اللفافة الأيسر على الأيمن والأيمن على الأيسر ، قال في الفقيه في كيفية التكفين : «ثم يلفه في إزاره وحبرته ويبدأ بالشق الأيسر فيمده على الأيمن ثم يمد الأيمن على الأيسر وان شاء لم يجعل الحبرة معه حتى يدخله قبره فيلقيه عليه» وهذه الكيفية مشهورة بين الأصحاب واعترف كثير منهم بعدم النص عليها ، قال في المدارك : «ولعل وجهه التيمن والتبرك» أقول : لا ريب ان الصدوق إنما أخذ هذا الحكم من الفقه الرضوي على ما عرفت وستعرف ان شاء الله تعالى. وربما كان أيضا في رسالة أبيه إليه إلا انه لا يحضرني الآن نقل ذلك عن الرسالة ، والظاهر ان الأصحاب تبعوا الصدوق في ذلك كما ذكرنا مثله في غير موضع ، قال (عليهالسلام) في كتاب الفقه (1) : «وتلفه في إزاره وحبرته وتبدأ بالشق الأيسر وتمد على الأيمن ثم تمد الأيمن على الأيسر وان شئت لم تجعل الحبرة معه حتى تدخله القبر فتلقيه عليه». وعبارة الصدوق عين هذه العبارة كما ترى. واما ما ذكره (عليهالسلام) هنا ـ من التخيير في تأخير الحبرة عن التكفين فيها وان تجعل معه بعد إدخاله القبر فتلقى عليه ـ فقد ورد مثله في صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «البرد لا يلف به ولكن يطرح عليه طرحا فإذا أدخل القبر وضع تحت خده وتحت جنبه». إلا ان هذه الصحيحة دلت على انه يوضع تحت جنبه ، قال في الذكرى : «وذهب بعض الأصحاب الى ان البرد لا يلف ولكن يطرح عليه طرحا وإذا أدخل القبر وضع تحت خده وتحت جنبه وهو رواية ابن سنان» انتهى. قال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين ولا يبعد القول بالتخيير.
__________________
(1) ص 17.
(2) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التكفين.
ومنها ـ ما رواه أبو كهمس (1) : «ان الصادق (عليهالسلام) كتب في حاشية الكفن : إسماعيل يشهد ان لا إله إلا الله». والأصحاب ذكروا استحباب ذلك على الحبرة واللفافة والقميص والعمامة والجريدتين ، وزاد ابن الجنيد «وان محمدا رسول الله (صلىاللهعليهوآله)» وزاد الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف وابن البراج أسماء النبي والأئمة (صلوات الله عليهم) وظاهره في الخلاف دعوى الإجماع عليه. وذكروا ان الكتابة بتربة الحسين (عليهالسلام) ومع عدمها بطين وماء ومع عدمه بالإصبع ، وفي المسائل الغرية للشيخ المفيد (قدسسره) بالتربة أو غيرها من الطين ، وابن الجنيد بالطين والماء ، ولم يعين ابن بابويه ما يكتب به. واشترط جملة من الأصحاب التأثير في الكتابة لأنه المعهود. أقول : وما ذكروه من زيادة ما يكتب وما يكتب به وما يكتب عليه وان كان خاليا من النص على الخصوص إلا ان التيمن والتبرك بأسمائهم كاف في أمثال ذلك. ومما يستأنس به للكتابة بالتربة الحسينية ما رواه الطبرسي في الاحتجاج في التوقيعات الخارجة من الناحية المقدسة في أجوبة مسائل الحميري (2) «انه سأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب (عليهالسلام) يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه ان شاء الله تعالى. وسأل فقال روي لنا عن الصادق (عليهالسلام) انه كتب على إزار إسماعيل ابنه : إسماعيل يشهد ان لا إله إلا الله. فهل يجوز لنا ان نكتب مثل ذلك بطين القبر أو غيره؟ فأجاب يجوز والحمد لله».
أقول : ومما يستحب ان يكتب على الكفن وان لم اطلع على من قال به من الأصحاب دعاء الجوشن الكبير كما نقله الكفعمي في كتاب جنة الأمان رواه عن السجاد (عليهالسلام) (3) والقرآن بتمامه إن أمكن وإلا فيما تيسر منه لما رواه الصدوق في العيون
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 29 من أبواب التكفين.
(2) رواه في الوسائل في الباب 12 و 29 من أبواب التكفين.
(3) وهو ما رواه في الكتاب المذكور عن السجاد زين العابدين عن أبيه عن جده
بسنده عن الحسن بن عبد الله الصيرفي عن أبيه (1) في حديث «ان موسى بن جعفر (عليهالسلام) كفن بكفن فيه حبرة استعملت له بمبلغ ألفين وخمسمائة دينار وكان عليها القرآن كله».
ومنها ـ ان يكون الكفن قطنا وان يكون أبيض إلا الحبرة ، أما استحباب كونه قطنا ففي المعتبر انه مذهب العلماء كافة ، ويدل عليه ما رواه في الكافي عن ابي خديجة عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به والقطن لامة محمد (صلىاللهعليهوآله)». ورواه الصدوق مرسلا واما ما يدل على كونه أبيض فأخبار عديدة : منها ـ ما رواه في الكافي في الموثق عن ابن القداح عن الصادق (عليهالسلام) (3) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) البسوا البياض فإنه أطيب واطهر وكفنوا فيه موتاكم». وعن جابر عن الباقر (عليهالسلام) (4) قال : «قال النبي (صلىاللهعليهوآله) ليس من لباسكم شيء أحسن من البياض فالبسوه وكفنوا فيه موتاكم». واما ما يدل على الحبرة وانها ليست ببياض فروايات عديدة قد تقدم بعضها ، ومنها ـ ما رواه أبو مريم الأنصاري في الصحيح (5) قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول كفن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في ثلاثة أثواب :
__________________
عن النبي «صلىاللهعليهوآله» قال : نزل جبرئيل على النبي «صلىاللهعليهوآله» في بعض غزواته وعليه جوشن ثقيل إله ثقله فقال يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول لك اخلع هذا الجوشن واقرأ هذا الدعاء فهو أمان لك ولأمتك ، وساق الحديث الى ان قال : ومن كتبه على كفنه استحى الله ان يعذبه بالنار ، وساق الحديث الى ان قال : قال الحسين «عليهالسلام» أوصاني ابى «عليهالسلام» بحفظ هذا الدعاء وتعظيمه وان اكتبه على كفنه ثم ذكر دعاء الجوشن الكبير» منه «قدسسره».
(1) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب التكفين.
(2) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب التكفين.
(3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 19 من أبواب التكفين.
(5) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين.
برد أحمر حبرة وثوبين أبيضين صحاريين ، ثم قال : وقال ان الحسن بن علي (عليهماالسلام) كفن أسامة بن زيد في برد أحمر حبرة وان عليا (عليهالسلام) كفن سهل بن حنيف في برد أحمر حبرة» (1).
ومنها ـ ان يخاط الكفن بخيوط منه ، قاله الشيخ في المبسوط والأصحاب على ما نقله في الذكرى ، وقال في المدارك : «ذكره الشيخ واتباعه ولا اعرف مستنده» انتهى. وهو كذلك.
ومنها ـ ان يسحق الكافور بيده ويجعل ما يفضل من مساجده على صدره كذا ذكره الأصحاب ، اما الحكم الأول فقال في المعتبر بعد نقله عن الشيخين : ولم أتحقق مستنده ، قال : واما وضع ما يفضل من المساجد على صدره فقد ذكره جماعة من الأصحاب. قال في المدارك : «ويمكن ان يستدل عليه بحسنة الحلبي عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «إذا أردت أن تحنط الميت فاعمد الى الكافور فامسح به آثار السجود منه ومفاصله كلها ورأسه ولحيته وعلى صدره من الحنوط». ثم قال : لكن لا يخفى ان هذه الرواية إنما تضمنت الأمر بوضع شيء من الكافور على الصدر لا اختصاصه بالفاضل» أقول : ومثل حسنة الحلبي المذكورة رواية زرارة المتقدم ذكرها (3) في مسألة وضع الحنوط حيث قال فيها : «واجعل في فيه ومسامعه ورأسه ولحيته من الحنوط وعلى صدره وفرجه». الا ان الظاهر ان من قال بهذا الحكم انما تبع فيه الصدوق في الفقيه حيث ذكر ذلك ، وقد قدمنا عبارته في صدر المسألة الثانية ، والصدوق
__________________
(1) أقول : ما اشتمل عليه هذا الخبر من ان الحسن «عليهالسلام» كفن أسامة ابن زيد لا يخلو من اشكال لما ذكره الذهبي في تأريخه وكذا ابن حجر وغيرهما من أرباب السير أن أسامة بن زيد مات سنة أربع وخمسين والحسن «عليهالسلام» توفي سنة خمسين أو سبع وأربعين ، وعلى هذا فلعل المكفن انما هو الحسين «عليهالسلام» ويكون الحسن «عليهالسلام» دفع الحبرة الى أسامة قبل موته ليجعلها في كفنه منه «قدسسره».
(2) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التكفين.
(3) ص 23.
انما أخذه من الفقه الرضوي حيث ذكر (عليهالسلام) ذلك وقد تقدمت عبارته في صدر المسألة المشار إليها (1) ومنه يعلم وجود المستند كما في جملة من الأحكام التي اختص هذا الكتاب بمستنداتها.
ومنها ـ ان ينثر على الحبرة واللفافة والقميص ذريرة. قال في المعتبر : «وقد اتفق العلماء كافة على استحباب تطييب الكفن بالذريرة» أقول : ويدل على ذلك من الأخبار ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «إذا كفنت الميت فذر على كل ثوب شيئا من ذريرة وكافور». وقد تقدم في موثقة عمار (3) «ويطرح على كفنه ذريرة». واما الذريرة فقد تقدم الكلام في بيان معناها في مستحبات الغسل.
ومنها ـ تجويد الكفن لما روي (4) من انهم يتباهون يوم القيامة بأكفانهم ،. قال في المنتهى : ويستحب اتخاذ الكفن من أفخر الثياب وأحسنها ثم قال في مسألة أخرى : ويستحب ان يكون بالجديد بلا خلاف.
أقول : ومن الأخبار الدالة على ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن يونس بن يعقوب (5) قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) ان ابي أوصاني عند الموت يا جعفر كفني في ثوب كذا وكذا واشتر لي بردا واحدا وعمامة وأجدهما فإن الموتى يتباهون بأكفانهم». وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن ابى عمير عن بعض أصحابه عن الصادق (عليهالسلام) (6) قال : «أجيدوا أكفان موتاكم فإنها زينتهم». وعن ابي خديجة عن الصادق (عليهالسلام) (7) قال : «تنوقوا في الأكفان فإنكم تبعثون بها». وقد تقدم في حديث يونس بن يعقوب عن ابي الحسن الأول (8) «انه سمعه يقول كفنت أبي في برد اشتريته بأربعين دينارا لو كان اليوم لساوى أربعمائة
__________________
(1) ص 23.
(2) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب التكفين.
(3) ص 9.
(4 و 5 و 6 و 7 و 8) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التكفين.
دينار». وفي العلل بسنده عن احمد بن محمد عن بعض أصحابنا يرفعه الى الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «أجيدوا أكفان موتاكم فإنها زينتهم». وفي كتاب العلل بسنده عن يونس بن يعقوب عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «أوصاني أبي بكفنه فقال لي يا جعفر اشتر لي بردا وجوده فان الموتى يتباهون بأكفانهم». ويؤيد ذلك ما تقدم (3) من الخبر الدال على ان موسى بن جعفر (عليهالسلام) كفن في حبرة استعملت بمبلغ ألفين وخمسمائة دينار وعليها القرآن كله.
ومنها ـ وضع التربة الحسينية على مشرفها أفضل الصلاة والسلام والتحية في حنوط الميت ، لما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري (4) قال : «كتبت الى الفقيه اسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب (عليهالسلام) وقرأت التوقيع ومنه نسخت : يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه ان شاء الله تعالى». ورواه الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه عن صاحب الزمان (عليهالسلام). والمراد بالطين هو طين قبر الحسين (عليهالسلام) كما يأتي بيانه ان شاء الله تعالى في باب الدفن.
(المسألة الخامسة) ـ من المكروهات في هذا المقام ان يكفن بالسواد ، قال في المنتهى : «لا نعرف فيه خلافا» ويدل على ذلك ما رواه الشيخ عن الحسين بن المختار عن الصادق (عليهالسلام) (5) قال : «لا يكفن الميت في السواد». وعن الحسين ابن المختار (6) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) يحرم الرجل في ثوب اسود؟ قال لا يحرم في الثوب الأسود ولا يكفن به». وربما عدي الحكم إلى كل صبغ كما يفهم من الذكرى حيث قال : ويكره في السواد بل وكل صبغ على الأصح ، قال : وعليه تحمل رواية الحسين بن المختار (7) «لا يكفن الميت في السواد». وظاهره حمل السواد
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التكفين.
(3) ص 50.
(4) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب التكفين.
(5 و 6 و 7) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب التكفين.
هنا على ما يعم كل صبغ ، والظاهر بعده. ثم انه (قدسسره) نقل عن ابن البراج انه منع من المصبوغ ونقل الكراهة في الأسود وكذا منع الممتزج بالحرير وبما فيه اوله طراز من حرير ومن القميص المبدأ للكفن إذا خيط ، ثم قال : والأقرب الكراهية للأصل ولصحة الصلاة ولخبر الحسين بن راشد. انتهى. وأشار بخبر الحسين بن راشد الى ما قدمناه عنه (1) من سؤاله عن الثياب التي تعمل بالبصرة على عمل العصب اليماني من قز وقطن هل يصلح ان يكفن فيها الموتى؟ قال : «إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس».
ومن ذلك ـ الكتان ايضا لما رواه الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن يزيد عن عدة من أصحابنا عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «لا يكفن الميت في كتان».
ومنها ـ الطيب ، والمشهور بين الأصحاب كراهته مسكا كان أو غيره وظاهر الصدوق جوازه بل استحبابه ، قال في الفقيه (3) بعد ذكر حديث تكفين النبي (صلىاللهعليهوآله) : «وروي انه حنط بمثقال من مسك سوى الكافور». وروى في خبر آخر (4) قال : «سئل أبو الحسن الثالث (عليهالسلام) هل يقرب الى الميت المسك والبخور؟ قال نعم».
أقول : والأخبار في المقام مختلفة كما سيظهر لك ولكن لما كان استحباب الطيب للميت مشهورا عند العامة (5) فإنه يجب حمل ما دل على ذلك على التقية ، فمما يدل على ما ذكره الصدوق ما نقله من الروايتين المذكورتين ، وما رواه في التهذيب عن مغيرة مؤذن بني عدي عن الصادق (عليهالسلام) (6) قال : «غسل علي بن ابي طالب (عليه
__________________
(1) ص 17.
(2) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب التكفين.
(3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين.
(5) كما في المغني ج 2 ص 468 والبحر الرائق ج 2 ص 173 والبداية لابن رشد المالكي ج 1 ص 213.
(6) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب غسل الميت.
السلام) رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بدأ بالسدر والثانية بثلاثة مثاقيل من كافور ومثقال من مسك ودعا بالثالثة قربة مشدودة الرأس فأفاضها عليه ثم أدرجه».
ومما يدل على القول المشهور ما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) لا تجمروا الأكفان ولا تمسحوا موتاكم بالطيب إلا بالكافور فان الميت بمنزلة المحرم». ورواه الصدوق في العلل والخصال عن ابي بصير ومحمد بن مسلم عن الصادق (عليهالسلام) مثله. وما رواه الحميري في قرب الاسناد عن محمد بن عبد الله الجعفري (2) قال : «رأيت جعفر بن محمد (عليهماالسلام) ينفض بكمه المسك على الكفن ويقول ليس هذا من الحنوط في شيء». وما رواه في الكافي عن يعقوب بن يزيد عن عدة من أصحابنا عن الصادق (عليهالسلام) (3) قال : «لا يسخن للميت الماء لا يعجل له النار ولا يحنط بمسك». ومما يؤيد ما ذكرناه من حمل الأخبار الأولة على التقية ما رواه في الكافي عن داود بن سرحان (4) قال : «مات أبو عبيدة الحذاء وانا بالمدينة فأرسل الي أبو عبد الله (عليهالسلام) بدينار وقال اشتر بهذا حنوطا واعلم ان الحنوط هو الكافور ولكن اصنع كما يصنع الناس. قال فلما مضيت اتبعني بدينار وقال اشتر بهذا كافورا». أقول : الظاهر ان الدينار الأول للحنوط الذي يحنط به الناس وهو ما يتخذه العامة من الكافور المخلوط بأنواع الطيب والدينار الثاني للكافور خاصة ليكون جامعا بين السنة والتقية. ويؤكد ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن داود بن سرحان (5) قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) في كفن ابي عبيدة الحذاء انما الحنوط الكافور ولكن اذهب فاصنع كما يصنع الناس». وقال في الفقه الرضوي (6) : «وروي انه لا يقرب الميت من الطيب شيئا ولا البخور إلا الكافور فان سبيله سبيل المحرم. وروي إطلاق المسك فوق الكفن وعلى الجنازة لأن في ذلك
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين.
(6) ص 20.
مكرمة الملائكة فما من مؤمن يقبض روحه إلا تحضر عنده الملائكة. وروي ان الكافور يجعل في فيه وفي مسامعه وبصره ورأسه ولحيته وكذلك المسك وعلى صدره وفرجه». أقول : لا يبعد ان يكون اقتصاره (عليهالسلام) على نقل الروايات في المقام من غير ان يفتي بشيء منها خرج ايضا مخرج التقية. قال في الذكرى : واما المسك ففي خبرين أرسلهما الصدوق : أحدهما ان النبي (صلىاللهعليهوآله) حنط بمثقال من مسك سوى الكافور ، والآخر عن الهادي (عليهالسلام) انه سوغ تقريب المسك والبخور الى الميت ، ويعارضهما مسند محمد بن مسلم ثم ساق الرواية المتقدمة ثم قال : وخبر غياث ابن إبراهيم عن الصادق (عليهالسلام) (1) «ان أباه كان يجمر الميت بالعود». ضعيف السند. انتهى. أقول : لا حاجة الى الطعن بضعف السند بل ولو كان صحيح السند فان سبيله التقية التي هي في الأحكام الشرعية أصل كل بلية ، ويؤيد ما ذكرنا تأكيدا ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن عبد الله بن المغيرة عن غير واحد عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «الكافور هو الحنوط». وبالجملة الظاهر عندي هو القول المشهور للأخبار المذكورة ونحوها ، وما عارضها هنا محمول على التقية. والله العالم.
ومنها ـ التجمير وأصحابنا جميعا عدا الصدوق على الكراهة ، قال في المنتهى : «ذهب أكثر علمائنا إلى كراهية تجمير الأكفان ، وقال ابن بابويه يجمر الكفن ، وهو قول الجمهور» أقول : والأخبار هنا أيضا مختلفة ولكن سبيل هذه المسألة سبيل سابقتها في حمل ما دل على جواز ذلك على التقية (3) فمن الأخبار الدالة على الجواز ما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم عن الصادق عن أبيه (عليهماالسلام) (4) «انه كان يجمر الميت بالعود فيه المسك وربما جعل على النعش الحنوط وربما لم يجعله وكان يكره ان يتبع الميت بالمجمرة». وعن عبد الله بن سنان في الحسن عن الصادق (عليهالسلام) (5)
__________________
(1 و 2 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين.
(3) كما في البحر الرائق ج 2 ص 177 والمهذب ج 1 ص 130 والمغني ج 2 ص 464.
قال : «لا بأس بدخنة كفن الميت وينبغي للمرء المسلم ان يدخن ثيابه إذا كان يقدر». ومما يدل على النهي عنه ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «لا يجمر الكفن». وما تقدم في سابق هذه المسألة من رواية محمد بن مسلم (2) وعن السكوني عن الصادق (عليهالسلام) (3) «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) نهى ان تتبع جنازة بمجمرة». وبهذا الاسناد عن الصادق (عليهالسلام) (4) «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) نهى ان يوضع على النعش الحنوط». وفي الصحيح عن أبي حمزة (5) قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) : لا تقربوا موتاكم النار يعني الدخنة». وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن الصادق (عليهالسلام) (6) قال : «إذا أردت أن تحنط الميت ، الى ان قال : وقال أكره أن يتبع بمجمرة».
ومنها ـ اتخاذ الأكمام للقميص المبتدأ فاما إذا كان لبيسا فلا بأس ، ويدل على ذلك ما رواه الشيخ عن محمد بن سنان عمن أخبره عن الصادق (عليهالسلام) (7) قال : «قلت له الرجل يكون له القميص ا يكفن فيه؟ فقال اقطع أزراره. قلت وكمه؟ قال انما ذاك إذا قطع له وهو جديد لم يجعل له كما فاما إذا كان ثوبا لبيسا فلا تقطع منه إلا الأزرار». ورواه في الفقيه مرسلا. وروى في التهذيب في الصحيح عن محمد بن إسماعيل ابن بزيع (8) قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) ان يأمر لي بقميص أعده لكفني فبعث به الي فقلت كيف اصنع؟ قال انزع أزراره». وروى الصدوق مرسلا (9) قال : «قال الصادق (عليهالسلام) ينبغي ان يكون القميص للميت غير مكفوف ولا مزرور».
__________________
(1 و 3 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين.
(2) ص 55.
(4) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب التكفين.
(7 و 8 و 9) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب التكفين.
وروى الصدوق في العلل بسنده عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليهالسلام) (1) في حديث قال : «ان فاطمة بنت أسد أوصت الى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقبل وصيتها فلما ماتت نزع قميصه وقال كفنوها فيه». وروى في الكتاب المذكور بسنده فيه عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده (2) في حديث : «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) دفن فاطمة بنت أسد وكفنها في قميصه ونزل في قبرها وتمرغ في لحدها». وروى في المجالس بسنده عن عباية بن ربعي عن عبد الله بن عباس في حديث وفاة فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين (عليهالسلام) (3) قال : «قال النبي (صلىاللهعليهوآله) لعلي خذ عمامتي هذه وخذ ثوبي هذين فكفنها فيهما ومر النساء فليحسن غسلها». وربما دلت هذه الاخبار الثلاثة بإطلاقها على جواز الكفن في القميص الملبوس بأزراره حيث لم يتعرض فيها لذكر قطع الأزرار ، ولا يبعد ان يكون لخصوصية من الطرفين ، إلا انه يمكن ان يقال ان الغرض من سياقها انما هو بيان تشريفه (صلىاللهعليهوآله) لها (رضياللهعنها) بتكفينها في قميصه لا بيان جواز التكفين في القميص حتى يكون الإخلال بذكر ذلك موجبا لعدمه من حيث ان المقام مقام البيان ، وحينئذ فيكون إطلاقها مقيدا بما مر من تلك الأخبار.
ومنها ـ ما ذكره الأصحاب من انه يكره جعل الحنوط في سمعه وبصره للأخبار المتقدمة الدالة على النهي عن ذلك ، حيث انهم (رضوان الله عليهم) ـ كما قدمنا نقله عنهم ـ قد جمعوا بين الاخبار الدالة على جواز وضع الحنوط في هذه المواضع والاخبار الدالة على النهي بالجواز على كراهة ، واما على ما قدمنا ذكره من ان الأظهر حمل اخبار الجواز على التقية فإنه تبقى أخبار النهي سالمة عن المعارض والنهي حقيقة في التحريم ولا موجب لإخراجه عن حقيقته. قال في المدارك ـ بعد قول المصنف : وان يجعل في سمعه وبصره شيء من الكافور ـ ما ملخصه : هذا قول الأكثر ويدل عليه
قوله (عليه
__________________
(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 26 من أبواب التكفين.
السلام) في رواية يونس : «ولا تجعل في منخريه.». ثم ذكر تمام الرواية وقد تقدمت (1) ثم قال وصحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله (2) قال : «لا تجعل في مسامع الميت حنوطا». ثم قال وفي الرواية الأولى إرسال وفي الثانية قطع ، ثم نقل كلام الصدوق في الفقيه وقال : ولعل مستنده صحيحة عبد الله بن سنان ثم ساق الرواية كما قدمنا (3) ثم نقل موضع الاستدلال من موثقة سماعة المتقدمة وخبر عمار (4) الدالين على مذهب الصدوق ثم قال : وحمل المصنف هذه الروايات في المعتبر على الجواز وتلك على الكراهة وهو بعيد لأن الأمر ظاهر في الوجوب أو الاستحباب. انتهى. أقول : فيه (أولا) ان ما طعن به في صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله ـ من انها مقطوعة حيث نقلها في كتابه عارية الإسناد الى الامام (عليهالسلام) ـ عجيب فإنها في كتب الأخبار مسندة إلى الصادق (عليهالسلام) كما قدمنا ذكره. و (ثانيا) ـ ان مقتضى القاعدة المنصوصة في مقام اختلاف الأخبار هو العرض على مذهب العامة والأخذ بخلافه والعامة هنا متفقون على استحباب وضع الحنوط في هذه المواضع التي اختلفت فيها الأخبار (5) فكيف يمكن التمسك بالأمر فيها في الدلالة على وجوب أو استحباب؟ ولكنه (قدسسره) انما يدور مدار السند فمتى صح سند الرواية جمد عليه ولا ينظر الى ما في ذلك من العلل الأخر ولا ما يترتب عليه من الضرر من مخالفة القواعد المأثورة أو علة أخرى في متن ذلك الخبر.
ومنها ـ ما ذكره جمع من الأصحاب من انه يكره ان يكتب على الكفن بالسواد ، قال في المعتبر : «ذكر ذلك الشيخ في المبسوط والنهاية وهو حسن لأن في ذلك نوع استبشاع وان وظائف الميت متلقاة من الشارع فتقف على الدلالة».
ومنها ـ بل الخيوط التي يخاط بها الكفن بالريق ، قال في المعتبر : «ذكره
__________________
(1) ص 7.
(2) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب الحنوط.
(3) ص 23.
(4) ص 22.
(5) كما في المغني ج 1 ص 466 والمهذب ج 1 ص 130.
الشيخ ورأيت الأصحاب يجتنبونه ولا بأس بمتابعتهم لازالة الاحتمال ووقوفا على موضع الوفاق» قال في الذكرى : «اما بلها بغير الريق فالظاهر عدم الكراهة للأصل ولإشعار التخصيص بالريق اباحة غيره» أقول : لا يخفى ما في هذا الكلام من المجازفة الظاهرة ، فإن الاستحباب حكم شرعي يتوقف الحكم به والفتوى على الدليل الواضح ، مع انهما (قدسسرهما) ولا سيما المحقق كثيرا ما يخرجون عما عليه الأصحاب مع وجود الأدلة لكلام الأصحاب بزعم ان الرواية التي هي مستند الأصحاب ضعيفة فكيف يوافقونهم هنا مع اعترافهم بعدم الدليل بالمرة؟ وحينئذ فإن أراد المحقق المذكور بقوله : «ولا بأس بمتابعتهم» يعني في العمل بذلك بان لا يبل الخيوط بالريق فلا بأس به وان أراد في الحكم بالكراهة والفتوى بها فهو محل الاشكال لما عرفت. واما قوله في الذكرى : «ولإشعار التخصيص بالريق اباحة غيره» فان فيه ان هذا الإشعار انما يكون حجة لو كان الدليل المشعر بذلك دليلا شرعيا والأمر هنا ليس كذلك ، وقضية الأصل الذي يتمسكون به في غير مقام هو الإباحة مطلقا الى ان يقوم الدليل على المنع.
ومنها ـ ما ذكروه من قطع الكفن بالحديد ، ذكر ذلك الشيخان في النهاية والمبسوط والمقنعة والرسالة الغرية ، وقال في التهذيب : «سمعنا ذلك مذاكرة من الشيوخ وكان عملهم عليه» قال في المعتبر بعد نقل ذلك : «قلت ويستحب متابعتهم تخلصا من الوقوع فيما يكره» أقول : والكلام في هذه المسألة كما في سابقتها ، ثم أقول ونحن في الموضعين نعمل على مقالتهم ونجري على منوالهم وان لم نحكم بما حكموا به من الكراهة وخطابنا غير خطابهم.
خاتمة تشتمل على مسائل :
(الاولى) ـ لو خرج من الميت نجاسة بعد الغسل فههنا صور (الاولى) ـ ان تلاقي جسده خاصة ، والمشهور انه يجب إزالتها خاصة ولا يجب اعادة الغسل ، وذهب ابن
ابي عقيل الى وجوب اعادة الغسل ، وهو ضعيف مردود بالأخبار ، وقد تقدم القول في ذلك في آخر المسألة التاسعة في مستحبات الغسل (1).
(الثانية) ـ ان تلاقي مع ذلك كفنه قبل وضعه في القبر ، والمنقول عن الصدوقين وأكثر الأصحاب وجوب غسلها ما لم يطرح في القبر وقرضها بعده ، والمنقول عن الشيخ وجوب قرضها مطلقا ، ويدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «إذا خرج من الميت شيء بعد ما يكفن فأصاب الكفن قرض منه». وما رواه الشيخ في الحسن عن الكاهلي عن الصادق (عليهالسلام) (3) قال : «إذا خرج من منخر الميت الدم أو الشيء بعد ما يغسل فأصاب العمامة أو الكفن قرض منه». ورواه الكليني عن الكاهلي أيضا مثله (4) وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابي عمير واحمد بن محمد عن غير واحد من أصحابنا عن الصادق (عليهالسلام) (5) قال : «إذا خرج من الميت شيء بعد ما يكفن فأصاب الكفن قرض من الكفن». والأصحاب انما استدلوا هنا للقول المشهور ـ كما في المدارك والذخيرة ـ بان في القرض إتلافا للمال وهو منهي عنه فيقتصر في ذلك على محل الاتفاق ، قال في المدارك بعد نقل القول بالتفصيل : «وهو حسن لأن في القرض. الى آخر ما ذكرناه» واعترضه في الذخيرة (6) بجواز
__________________
(1) ج 3 ص 466.
(2 و 3 و 5) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب التكفين.
(4) أقول خبر الكاهلي قد نقله الشيخ بطريق صحيح عن الكاهلي وهو احمد بن محمد ابن عيسى عن احمد بن محمد بن ابى نصر عن الكاهلي ، ونقله ايضا بطريق آخر عن على بن محمد عن احمد بن محمد بن ابي نصر ، وعلي بن محمد هنا مشترك ، والمنقول في الأصل هو السند الصحيح إلى الكاهلي وهو ممدوح. منه «قدسسره».
(6) حيث قال : «احتج الأولون بان في القرض إتلاف المال وهو منهي عنه
تخصيص ما دل على تحريم إتلاف المال بعموم الأخبار الدالة على القرض ، قال في الذخيرة بعد ذكر اخبار الغسل في الرد على ابن ابي عقيل في الصورة الاولى واخبار القرض التي في هذه الصورة : «ولا يخفى ان الجمع بين هذه الأخبار والأخبار السابقة الدالة على الغسل ممكن بوجهين : (أحدهما) ـ تخصيص الأخبار السابقة بصورة لم تصب النجاسة الكفن حملا للمطلق على المقيد. و (ثانيهما) ـ الحمل على التخيير. واما التفصيل بما قبل الدفن وما بعده فغير مستفاد من الأدلة» أقول : لا يخفى ان المستند فيما ذهب اليه الصدوق في هذا المقام انما هو الفقه الرضوي حيث قال (عليهالسلام) فيه (1) : «فان خرج منه شيء بعد الغسل فلا تعد غسله ولكن اغسل ما أصاب من الكفن الى ان تضعه في لحده فإن خرج منه شيء في لحده لم تغسل كفنه ولكن قرضت من كفنه ما أصاب من الذي خرج منه ومددت أحد الثوبين على الآخر». وبهذه العبارة عبر الصدوق في الفقيه بتغيير ما. ونقل في المعتبر عن علي بن بابويه القول بذلك في الرسالة إلا انه لا يحضرني الآن عبارته (2) والأصحاب قد اقتفوا أثرهما كما عرفت في غير موضع مما نبهنا عليه ، وبذلك يزول الاشكال ويجمع بين اخبار الغسل واخبار القرض ويظهر ما في كلام صاحب الذخيرة ، إلا ان عذره ظاهر حيث لم يقف على دليل التفصيل. والله الهادي إلى سواء السبيل.
(الثالثة) ـ ان تلاقي كفنه بعد وضعه في قبره ، وقد عرفت الاتفاق هنا
__________________
فيقتصر في ذلك على محل الاتفاق. وفيه ان عموم الأخبار الآتية دال على القرض فيخصص بها ما دل على تحريم إتلاف المال ، ثم ذكر اخبار القرض» منه «قدسسره».
(1) ص 17.
(2) قال قدسسره : «فان خرج منه شيء بعد الغسل فلا يعاد غسله ولكن يغسل ما أصاب الكفن الى ان يوضع في اللحد فان خرج منه شيء في اللحد لم يغسل كفنه ولكن يقرض من كفنه ما أصاب الشيء الذي خرج منه ويمد أحد الثوبين على الآخر» انتهى العبارة بتغيير يسير منه «قدسسره».
على القرض من الكفن. بقي الكلام في نجاسة الجسد ، والظاهر من كلامهم اغتفارها في هذه الصورة فإنه من الظاهر ان النجاسة لا تتعدى الى الكفن حتى ينجس بها الجسد مع انهم لم يتعرضوا للكلام فيها ، وكذا عبارة الفقه الرضوي التي هي المستند في التفصيل انما دلت على قرض الكفن خاصة واما تطهير جسد الميت في قبره أو إخراجه منه وتطهيره فلا تعرض فيها له ، والروايات الدالة على الغسل كأنها محمولة عندهم على ما قبل الوضع في القبر كما هو ظاهر سياقها. وبما حققناه في المقام يظهر ما في كلام صاحب المدارك في هذا المقام من المجازفة التي لا تخفى على ذوي الأفهام ، حيث قال بعد نقل حسنة الكاهلي وردها بعدم توثيق الكاهلي ونقل صحيحة ابن ابي عمير واحمد بن محمد وطعنه فيها بالإرسال : «ولو لا تخيل الإجماع على هذا الحكم لأمكن القول بعدم وجوب القرض والغسل مطلقا تمسكا بمقتضى الأصل واستضعافا للرواية الواردة بذلك» انتهى. أقول : لا يخفى انه قد رد الإجماع في غير موضع مع التصريح به فكيف يستند هنا الى مجرد تخيله على ان الروايات المذكورة من أقوى الأدلة وأمتنها ، أما رواية الكاهلي فهي معدودة في الحسن عند أصحاب هذا الاصطلاح والقسم الحسن معمول عليه بينهم واما رواية ابن ابي عمير فهي صحيحة وإرساله لها غير مناف للصحة عند أرباب هذا الاصطلاح ، ومثلها مرسلته بمشاركة أحمد بن محمد بن ابي نصر الذي قد عد ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، مع ان هذه العبارة وهو قولهما «عن غير واحد» مما ينادي باستفاضة النقل المذكور وشهرته ، وهذه العبارة أقوى دلالة على الصحة من التعبير برجل ثقة ، ولهذا ان صاحب الذخيرة الذي من عادته اقتفاء أثره تنظر في كلامه هنا. والله العالم.
(المسألة الثانية) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في ان كفن المرأة على زوجها بل ادعى عليه الشيخ في الخلاف الإجماع ، وعلله العلامة في التذكرة بثبوت الزوجية إلى حين الوفاة وبان من وجبت نفقته وكسوته حال الحياة وجب تكفينه كالمملوك فكذا الزوجة.
وعلله المحقق في المعتبر بأن الزوجية باقية الى حين الوفاة ومن ثم حل تغسيلها ورؤيتها وجاز ميراثها فتجب مؤنتها لأنها من أحكام الزوجية والكفن من جملة ذلك. ولا يخفى ما في هذه التعليلات العليلة من عدم الصلاح لتأسيس الأحكام الشرعية وان أدعوها أدلة عقلية وقدموها على السمعية. ويرد على ما ذكروه هنا من ثبوت الزوجية إلى حين الوفاة من عدم دلالة ما قبل الوفاة على ما بعدها ، أما المطابقة والتضمن فظاهر ، واما الالتزام فلعدم الملازمة فيما ذكر لاستلزام الموت عدم كثير من أحكام الزوجية ولهذا جاز له تزويج أختها والخامسة. وما ذكره في التذكرة ـ من ان من وجبت نفقته وكسوته حال الحياة وجب تكفينه ـ منقوض بواجب النفقة من الأقارب فإنه لا يجب تكفينهم على القريب وان وجبت نفقتهم حال الحياة ، على انه لو تم لاقتضى اختصاص الحكم بالزوجة الدائمة الممكنة فلا يجب للمتمتع بها ولا الناشز مع ان ظاهرهم خلافه ، فالواجب الرجوع الى الاخبار :
ويدل عليه منها ما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) (1) «ان أمير المؤمنين (عليهالسلام) قال : على الزوج كفن امرأته إذا ماتت». وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (2) قال : «قال (عليهالسلام) : كفن المرأة على زوجها إذا ماتت». وصاحب المدارك لما أورد رواية السكوني تنظر فيها من حيث ضعف السند ، ثم قال : والأجود الاستدلال على ذلك بما رواه الصدوق في الصحيح عن الحسن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليهالسلام) (3) قال : «ثمن الكفن من جميع المال ، وقال كفن المرأة على زوجها إذا ماتت». والظاهر ان قوله «وقال عليهالسلام» انما هو رواية مرسلة لا تعلق لها بالصحيحة المذكورة كما هي قاعدته في الكتاب المذكور ، ويؤيده أن الكليني رواها في الكافي عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 32 من أبواب التكفين.
(3) رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب التكفين.
عن الحسن بن محبوب الى آخر السند خالية من هذه الزيادة ، والشيخ رواها في التهذيب تارة عن أحمد إلى آخر السند وتارة أخرى عن الحسن بن محبوب الى آخر السند خالية من ذلك ايضا ، والعجب هنا انه قد سرى هذا الوهم إلى جملة من المتأخرين كشيخنا البهائي في الحبل المتين وصاحب الوسائل اغترارا بكلام صاحب المدارك ، ولا يخفى على من عرف عادة الصدوق في الكتاب المذكور انه ان لم يكن ما ذكرناه أقرب فلا أقل ان يكون مساويا في الاحتمال وبه لا يتم الاستدلال ، ولم أر من تفطن لما ذكرناه إلا الفاضل الخراساني في الذخيرة مع اقتفائه غالبا اثر صاحب المدارك.
فروع
(الأول) ـ قد صرح جمع من الأصحاب بوجوب مؤنة التجهيز ايضا على الزوج كالحنوط والسدر والكافور وماء الغسل وغيره من الواجب ، قال في المبسوط : «يلزم زوجها كفنها وتجهيزها ولا يلزم ذلك في مالها» وبه صرح ابن إدريس والعلامة في النهاية وغيرهم ، وتوقف في هذا الحكم في المدارك ، وهو في محله.
(الثاني) ـ إطلاق الخبر وكلام الأصحاب يقتضي انه لا فرق في الزوجة بين الدائم والمستمتع بها ولا بين المطيعة والناشز ولا بين الحرة والأمة ، واحتمل في المدارك اختصاصه بالدائم لأنها التي ينصرف إليها الذهن عند الإطلاق ، وقال في الذكرى : «لا فرق بين الحرة والأمة في ذلك وكذا المطلقة الرجعية ، اما الناشز فالتعليل بالإنفاق ينفي وجوب الكفن وإطلاق الخبر يشمله وكذا المستمتع بها».
(الثالث) ـ قالوا ولا يلحق بالزوجة غيرها من واجبي النفقة إلا المملوك فان كفنه على مولاه للإجماع عليه وان كان مدبرا أو مكاتبا مشروطا أو مطلقا لم يتحرر منه شيء أو أم ولد ، ولو تحرر منه شيء فبالنسبة.
(الرابع) ـ ما ذكر من وجوب الكفن أو المؤنة كملا على الزوج مشروط بيساره ولو بإرثه من تركتها فلو أعسر بان لا يفضل ماله عن قوت يوم وليلة وما يستثني في الدين كفنت من تركتها ان كان لها مال ، صرح به العلامة وغيره ، ولو أعسر عن البعض أكمل من تركتها ، كل ذلك مع عدم وصيتها به ، اما لو أوصت بالكفن الواجب كانت الوصية من ثلثها وسقط عنه ان نفذت.
(الخامس) ـ قال في المنتهى : «لو أخذ السيل الميت أو أكله السبع وبقي الكفن كان للورثة دون غيرهم إلا ان يكون قد تبرع به رجل فإنه يعود اليه» انتهى. وهو جيد. وانما الإشكال فيما لو كفن الرجل زوجته ثم ذهبت وبقي الكفن فهل يعود الى الزوج أو يكون ميراثا لورثتها؟ إشكال ينشأ من ثبوت استحقاقها له فيرجع الى ورثتها ومن عدم الجزم بخروجه عن ملك الزوج فيكون له.
(المسألة الثالثة) [كفن الرجل يؤخذ من أصل تركته ولو لم يكن له مال] ـ قد صرح الأصحاب بأن كفن الرجل يؤخذ من أصل تركته مقدما على الدين والوصايا ، والمستند فيه روايات عديدة : منها ـ ما تقدم من صحيحة عبد الله ابن سنان (1) وما رواه المشايخ الثلاثة عن زرارة في الصحيح (2) قال : «سألته عن رجل مات وعليه دين بقدر ثمن كفنه؟ قال يجعل ما ترك في ثمن كفنه الا ان يتجر عليه بعض الناس فيكفنونه ويقضى ما عليه مما ترك». وعن السكوني عن الصادق (عليهالسلام) (3) قال : «أول شيء يبدأ به من المال الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث».
ولو لم يكن له مال دفن عاريا ولا يجب على المسلمين بذل الكفن له وان استحب كما تقدمت الأخبار الدالة عليه في صدر المقصد ، ويجوز تكفينه من الزكاة كما نص عليه جمع من الأصحاب. ويدل عليه ما رواه الشيخ عن الفضل بن يونس الكاتب في الموثق (4) قال : «سألت أبا الحسن موسى (عليهالسلام) فقلت له ما ترى في رجل
__________________
(1) ص 64.
(2) رواه في الوسائل في الباب 27 من كتاب الوصايا.
(3) رواه في الوسائل في الباب 28 من كتاب الوصايا.
(4) رواه في الوسائل في الباب 33 من أبواب التكفين.
من أصحابنا يموت ولم يترك ما يكفن به اشترى له كفنه من الزكاة؟ فقال أعط عياله من الزكاة قدر ما يجهزونه فيكونون هم الذين يجهزونه. قلت فان لم يكن له ولد ولا أحد يقوم بأمره فأجهزه انا من الزكاة؟ فقال كان ابي يقول ان حرمة بدن المؤمن ميتا كحرمته حيا فوار بدنه وعورته وجهزه وكفنه وحنطه واحتسب بذلك من الزكاة وشيع جنازته. قلت فان اتجر عليه بعض إخوانه بكفن آخر وكان عليه دين ا يكفن بواحد ويقضى دينه بالآخر؟ قال لا ليس هذا ميراثا تركه انما هذا شيء صار اليه بعد وفاته فليكفنوه بالذي اتجر عليه ويكون الآخر لهم يصلحون به شأنهم».
ويستحب ان يكون الكفن من خالص الأموال وطهورها لما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا وفي العيون مسندا (1) «ان السندي بن شاهك قال لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليهالسلام) أحب ان تدعني ان أكفنك؟ فقال انا أهل بيت حج صرورتنا ومهور نسائنا وأكفاننا من طهور أموالنا». ورواه المفيد في إرشاده (2) وزاد فيه «وعندي كفني».
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 34 من أبواب التكفين.
(2) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 26 من أبواب التكفين.