ج8 - أحكام الركوع
الفصل الخامس
وهو لغة الانحناء ، يقال ركع الشيخ اي انحنى من الكبر ،
وفي الشرع انحناء مخصوص ، قال في القاموس ركع المصلي ركعة وركعتين وثلاث ركعات
محركة : صلى ، والشيخ انحنى كبرا أو كبا على وجهه وافتقر بعد غنى وانحطت حاله ،
وكل شيء يخفض رأسه فهو راكع ، والركوع في الصلاة ان يخفض رأسه بعد قومة القراءة
حتى ينال راحتاه ركبتيه. انتهى.
ووجوبه ثابت بالنص والإجماع في كل ركعة مرة إلا في صلاة
الآيات كما سيجيء ان شاء الله تعالى في محله ، وقد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم)
بأنه ركن تبطل الصلاة بتركه عمدا وسهوا وكذا زيادته إلا ما استثنى.
ومن الأخبار الدالة على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن
عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «ان
الله فرض من الصلاة الركوع والسجود ألا ترى لو ان رجلا دخل في الإسلام لا يحسن ان
يقرأ القرآن أجزأه ان يكبر ويسبح ويصلي؟».
وفي الصحيح عن رفاعة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن الرجل ينسى ان يركع حتى يسجد ويقوم؟ قال يستقبل».
وعن إسحاق بن عمار في الصحيح (4) قال : «سألت
أبا إبراهيم (عليهالسلام) عن الرجل
ينسى ان يركع؟ قال يستقبل حتى يضع كل شيء من ذلك موضعه».
__________________
(2) الوسائل الباب 3 من القراءة.
(3 و 4) الوسائل الباب 10 من الركوع.
وعن أبي بصير (1) قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن رجل نسي
أن يركع؟ قال عليه الإعادة».
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
أيقن الرجل انه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة».
وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) (3) قال : «الصلاة
ثلاثة أثلاث : ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود».
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهماالسلام) (4) قال : «ان
الله فرض الركوع والسجود.».
وروى الشيخ في الصحيح بإسناده عن عبد الله بن سنان عن
أبي عبد الله (عليهالسلام) (5) قال : «ان
الله فرض من الصلاة الركوع والسجود. الحديث».
وروى الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أحدهما (عليهماالسلام) (6) قال : «ان
الله فرض الركوع والسجود والقراءة سنة. الحديث».
وعن زرارة (7) قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن الفرض في
الصلاة فقال الوقت والطهور والقبلة والتوجه والركوع والسجود والدعاء. قلت ما سوى
ذلك؟
قال سنة في فريضة».
وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليهالسلام) (8) في حديث «ان
أمير المؤمنين (عليهالسلام) كان يقول ان
أول صلاة أحدكم الركوع
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 10 من الركوع.
(3 و 4 و 5 و 6 و 7) الوسائل الباب 9 من الركوع.
(8) الوسائل الباب 9 من الركوع ، والموجود في التهذيب ج 1 ص
161 هكذا «وكان يقول ـ يعني أمير المؤمنين «ع» ـ أول صلاة أحدكم الركوع» من دون
اضافة السجود ولا سؤال آخر ، وكذا في الوافي والوسائل.
والسجود. قيل هل نزل في القرآن؟ قال
نعم قول الله عزوجل : (يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا)» (1).
وعن سماعة في الموثق (2) قال : «سألته عن الركوع والسجود هل
نزل في القرآن؟ قال نعم قول الله عزوجل : يا ايها
الذين آمنوا اركعوا واسجدوا (3). الخبر».
أقول : وهذان الخبران ظاهران في وجود الحقائق الشرعية
ردا على من أنكر ذلك.
والقول بركنية الركوع في الصلاة في كل ركعة هو المشهور
وذهب الشيخ في المبسوط إلى انه ركن في الأوليين وفي ثالثة المغرب دون غيرها ،
وسيجيء ان شاء الله تعالى تحقيق البحث في المسألة في محلها.
ثم انه لا يخفى ان الركوع يشتمل على الواجب والمستحب
فتحقيق الكلام فيه حينئذ يحتاج إلى بسطه في مقامين :
(الأول) في الواجب والواجب فيه أمور (الأول) الانحناء
بقدر ما تصل يداه ركبتيه ويمكن وضعهما على الركبتين ، اما وجوب الانحناء فلا شك
فيه لأن الركوع كما عرفت عبارة عن الانحناء لغة وشرعا فما لم يحصل الانحناء لا
يصدق الإتيان بالركوع. واما التحديد بما ذكر فقد نقل الفاضلان في المعتبر والمنتهى
والشهيدان عليه إجماع العلماء كافة إلا من أبي حنيفة (4) واستدلوا على
ذلك بوجوه :
(أحدهما) ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يركع
كذلك فيجب التأسي به.
و (ثانيها) ـ صحيحة حماد المتقدمة في أول الباب (5) وقوله فيها : «ثم
ركع وملأ كفيه من ركبتيه منفرجات ورد ركبتيه إلى خلفه حتى استوى ظهره حتى لو صب
__________________
(1 و 3) سورة الحج ، الآية 76.
(2) الوسائل الباب 5 و 9 من الركوع.
(4) في الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 231 «عند الحنفية يحصل
الركوع بطأطأة الرأس بان ينحني انحناء يكون إلى حال الركوع أقرب».
(5) ص 2 ، وليس في كتب الحديث «ثلاث مرات» بعد ذكر الركوع.
عليه قطرة من ماء أو دهن لم تزل
لاستواء ظهره ، ومد عنقه وغمض عينيه ثم سبح ثلاثا بترتيل فقال سبحان ربي العظيم
وبحمده (ثلاث مرات). الحديث».
و (ثالثها) ـ صحيحة زرارة المتقدمة ثمة أيضا (1) حيث قال (عليهالسلام) فيها «وتمكن
راحتيك من ركبتيك وتضع يدك اليمنى على ركبتيك اليمنى قبل اليسرى وبلع بأطراف
أصابعك عين الركبة وفرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك ، فان وصلت أطراف أصابعك في
ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك ، وأحب الي ان تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في
عين الركبة وتفرج بينها ، وأقم صلبك ومد عنقك وليكن نظرك إلى ما بين قدميك». قال
في المدارك : وهذان الخبران أحسن ما وصل إلينا في هذا الباب.
ونقل المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى عن معاوية
بن عمار وابن مسلم والحلبي (2) قالوا : «وبلع
بأطراف أصابعك عين الركبة فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك ،
وأحب ان تمكن كفيك من ركبتيك فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير وخر ساجدا». والظاهر
ان هذه الرواية قد نقلها المحقق من الأصول التي عنده ولم تصل إلينا إلا منه (قدسسره) وكفى به
ناقلا.
إذا عرفت ذلك فاعلم انه لا خلاف بين الأصحاب في ما اعلم
انه لا يجب وضع اليدين على الركبتين وقد نقلوا الإجماع على ذلك ، وانما المعتبر
وصولهما بحيث لو أراد الوضع لوضعهما والوضع انما هو مستحب.
وانما الخلاف في القدر المعتبر في الوصول من اليد ،
فالمشهور على ما ذكره شيخنا في البحار ان الانحناء إلى ان تصل الأصابع إلى
الركبتين هو الواجب والزائد مستحب وقال الشهيد في البيان الأقرب وجوب انحناء تبلغ
معه الكفان ركبتيه ولا يكفي بلوغ أطراف الأصابع وفي رواية «بكفي». وبذلك صرح
الشهيد الثاني في الروض والروضة
__________________
(1) ص 3 ، وكلمة (بلع) بالعين المهملة كما في الوافي باب
الركوع.
(2) المعتبر ص 179 والمنتهى ج 1 ص 281.
والمحقق الشيخ علي ، وظاهر عبارة
المعتبر وصول الكفين إلى الركبتين ، وفي عبارة العلامة في التذكرة وصول الراحتين
وادعيا عليه الإجماع إلا من أبي حنيفة (1) وفي المنتهى تبلغ يداه إلى ركبتيه ،
ونحوها عبارة الشهيد في الذكرى ، وهو ظاهر في الاكتفاء بوصول جزء من اليد. ويمكن
حمل عبارة المعتبر والتذكرة على المسامحة في التعبير لأنه في المعتبر قد استدل ـ كما
عرفت ـ بالرواية المنقولة عن الثلاثة المتقدمين وهي صريحة في الاكتفاء بوصول رؤوس
الأصابع ، وكذلك صحيحة زرارة المتقدمة هنا لقوله : «فان وصلت أطراف أصابعك في
ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك» وبذلك يظهر لك ما في كلام المشايخ الثلاثة المتقدم
ذكرهم من ان وصول شيء من رؤوس الأصابع إلى الركبتين غير كاف
قال في الروض بعد نقل قول الباقر (عليهالسلام) في صحيحة
زرارة «وتمكن راحتيك من ركبتيك». والمراد بالراحة الكف ومنها الأصابع ، ويتحقق
بوصول جزء من باطن كل منهما لا برءوس الأصابع. انتهى. وفيه ان سياق عبارة الرواية
ينادي بان ما استند اليه هنا انما هو على جهة الأفضلية لا انه الواجب الذي لا يجزئ
ما سواه لتصريحه في الرواية بما ذكرناه أولا ثم قال بعده : «وأحب الي ان تمكن كفيك
من ركبتيك» وبذلك يظهر ان ما ذكره ناشىء عن الغفلة عن مراجعة الخبر.
بقي هنا شيء وهو ان المحقق في المعتبر والعلامة في
التذكرة ادعيا الإجماع إلا من أبي حنيفة (2) على ما ذكراه من وصول الكفين أو
الراحتين إلى الركبة ، والعلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى ادعيا الإجماع على
ما ذكراه من وصول اليد الصادق بوصول رؤوس الأصابع إلى الركبة ، والتدافع في نقل
هذا الإجماع ظاهر من الكلامين فلا بد من حمل احدى العبارتين على التساهل في
التعبير وإرجاعها إلى العبارة الثانية ، ونحن قد أشرنا إلى ان التجوز والتساهل قد
وقع في عبارتي المعتبر والتذكرة لما ذكرناه
__________________
(1 و 2) في الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 231 «عند الحنفية
يحصل الركوع بطأطأة الرأس بان ينحني انحناء يكون إلى حال الركوع أقرب».
من استدلال المحقق على ما ذكره
بالرواية المنقولة عن الرواة الثلاثة المتقدمين وهي صريحة في خلاف ظاهر كلامه
ونحوه صحيحة زرارة كما عرفت ، فلو لم يحمل كلامه على ما ذكرناه لم يتم استدلاله
بالخبر المذكور.
والفاضل الخراساني في الذخيرة مال إلى ان التجوز
والمسامحة في عبارتي المنتهى والذكرى فيجب إرجاعهما إلى عبارتي المعتبر والتذكرة
مستندا إلى ان الذي يقع في الخاطر من وضع اليد وصول شيء من الراحة ، وتشعر بذلك
الأدلة التي في الكتابين سيما الذكرى ، فإنه قال فيه بعد نقل قول الباقر (عليهالسلام) في صحيحة
زرارة «وتمكن راحتيك من ركبتيك» وهو دليل على الانحناء هذا القدر لأن الإجماع على
عدم وجوب وضع الراحتين. فاذن لا معدل عن العمل بما ذكره المدققان لتوقف البراءة
اليقينية عليه ، ولا تعويل على ظاهر الخبر إذا خالف فتاوى الفرقة. انتهى.
وفيه (أولا) انك قد عرفت صراحة الروايتين المتقدمتين في
الاكتفاء ببلوغ رؤوس الأصابع ، ويؤكده تصريحه (عليهالسلام) في صحيحة
زرارة بالأفضلية في وضع الكفين بقوله «وأحب الي» والواجب هو العمل بالأخبار لا
بالأقوال العارية عن الأدلة وان ادعى فيها الإجماع.
و (ثانيا) ـ ما ذكره ـ من ان الذي يقع في الخاطر من وضع
اليد وصول شيء من الراحة ـ فإنه ممكن لو كان عبارة المنتهى والذكرى كما ذكره من
وضع اليد والذي فيهما انما هو «الى ان تبلغ اليد» والفرق بين العبارتين ظاهر فان
بلوغ اليد يصدق ببلوغ رؤوس الأصابع.
و (ثالثا) ـ ان استدلال الشهيد في الذكرى بما ذكره من
صحيحة زرارة وقوله : «وهو دليل على الانحناء هذا القدر» انما وقع في مقام
الاستدلال على أصل الانحناء ردا على أبي حنيفة وإلا فالرواية المذكورة صريحة كما
عرفت في ان هذه الكيفية انما هي على جهة الفضل والاستحباب.
و (رابعا) ـ ما ذكره من رد الخبر إذا خالف فتاوى الفرقة
انما يتم مع الإغماض عما فيه إذا ثبت هنا إجماع على ما يدعيه ، وهو لم ينقل إلا
عبارتي المعتبر والتذكرة خاصة مع مخالفة ظاهر عبارتي المنتهى والذكرى لذلك ، فأين
فتاوى الفرقة التي ينوه بها والحال كما ترى؟ على انك قد عرفت مما قدمنا نقله عن
شيخنا المجلسي (قدسسره) في البحار ان
المشهور انما هو ما اخترناه من الاكتفاء برءوس الأصابع ، ما هذه إلا مجازفات محضة
ودعاوي صرفة.
و (خامسا) ـ ان الشهيد الثاني وان صرح بما ذكره في الروض
والروضة إلا انه قد صرح بما ذكرناه في المسالك ، حيث قال : والظاهر الاكتفاء ببلوغ
الأصابع ، وفي حديث زرارة المعتبر «فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك
أجزأك ذلك وأحب إلى ان تمكن كفيك» انتهى. وهو عدول عما ذكره في الروض والروضة ولا
شك ان كلامه هنا هو المؤيد بالدليل كما عرفت. وكيف كان فالاحتياط في الانحناء إلى
وصول الكف والراحة.
ثم لا يخفى ان ظاهر اخبار المسألة هو الوضع لا مجرد
الانحناء بحيث لو أراد لوضع وان الوضع مستحب كما هو المشهور في كلامهم والدائر على
رؤوس أقلامهم ، فإن هذه الأخبار ونحوها ظاهرة في خلافه ولا مخصص لهذه الأخبار إلا
ما يدعونه من الإجماع على عدم وجوب الوضع.
فوائد
(الأولى) ـ اعتبار مقدار وصول اليد إلى الركبتين
بالانحناء احتراز عن الوصول بغير انحناء ، فإنه لا يكفي في صدق الركوع ولا يسمى
ركوعا كالانخناس بان يخرج ركبتيه وهو مائل منتصب فإنه لا يجزئه ، وكذا لو جمع بين
الانحناء والانخناس بحيث لو لا الانخناس لم تبلغ اليدان لم يجزئ.
(الثانية) ـ الراكع خلقة يستحب ان يزيد الانحناء يسيرا
ليفرق بين قيامه وركوعه ، قاله الشيخ واختاره في المعتبر لأن ذلك حد الركوع فلا
يلزم الزيادة عليه ، واليه مال في المدارك. وجزم المحقق في الشرائع والعلامة في
جملة من كتبه بالوجوب ليكون فارقا بين حالة القيام وحالة الركوع فان المعهود
افتراقهما. ورد بمنع وجوب الفرق على العاجز. والمسألة خالية من النص والاحتياط
فيها مطلوب بالإتيان بانحناء يسير.
(الثالثة) ـ يجب ان يقصد بهويه الركوع ، فلو هوى لسجدة
العزيمة في النافلة أو هوي لقتل حية أو لقضاء حاجة ـ فلما انتهى إلى حد الراكع
أراد ان يجعله ركوعا وكذا لو هوى للسجود ساهيا فلما وصل إلى قوس الركوع ذكر فأراد
أن يجعله ركوعا ـ فإنه لا يجزئ ويجب عليه الرجوع والانتصاب ثم الهوى بقصد الركوع فإن
الأعمال بالنيات (1). كما تقدم
تحقيقه في مبحث نية الوضوء من كتاب الطهارة. ولا يلزم من ذلك زيادة ركوع لأن الأول
ليس بركوع. والظاهر انه لا خلاف في الحكم المذكور.
(الرابعة) ـ لو تعذر الانحناء للركوع اتى بالمقدور ، ولا
يسقط الميسور بالمعسور (2). و «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها» (3) ولو أمكن
إيصال إحدى اليدين دون الأخرى لعارض في إحدى الشقين وجب خاصة. ولو امكنه الانحناء
إلى أحد الجانبين فظاهر المبسوط الوجوب. ولو افتقر إلى ما يعتمد عليه في الانحناء
وجب ولو تعذر ذلك أجزأ الإيماء برأسه ، لما رواه الشيخ عن إبراهيم الكرخي (4) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل شيخ لا
يستطيع القيام إلى الخلاء ولا يمكنه الركوع والسجود؟ فقال ليومئ برأسه إيماء وان
كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد فان لم يمكنه ذلك فليومئ برأسه نحو القبلة
إيماء».
__________________
(1) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات.
(2) عوائد النراقي ص 88 وعناوين مير فتاح ص 146 عن عوالي
اللئالي عن على «ع».
(3) سورة البقرة ، الآية 286.
(4) الوسائل الباب 1 من القيام و 20 من السجود.
(الخامسة) ـ لو كانت يداه في الطول بحيث تبلغ ركبتيه من
غير انحناء ـ أو قصيرتين بحيث لا تبلغ مع الانحناء ، ونحوهما المقطوعتان ـ انحنى
كما ينحني مستوي الخلقة حملا لألفاظ النصوص على ما هو الغالب المتكرر كما عرفت في
غير موضع.
(السادسة) ـ لو لم يضع يديه على ركبتيه وشك بعد انتصابه
هل أكمل الانحناء أم لا؟ احتمالان ذكرهما العلامة والشهيدان (أحدهما) العود لعموم رواية
أبي بصير عن الصادق (عليهالسلام) (1) «في رجل شك وهو
قائم فلا يدري أركع أم لم يركع قال يركع». وكذا رواية عمران الحلبي (2) (ثانيهما)
العدم لأن الظاهر منه إكمال الركوع ، ولأنه في المعنى شك بعد الانتقال. أقول :
الظاهر هو الوجه الثاني فإن المتبادر من رواية أبي بصير المذكورة ـ وكذا رواية
الحلبي وهي ما رواه في الموثق (3) قال : «قلت الرجل يشك وهو قائم فلا
يدري أركع أم لا؟ قال فليركع». ـ انما هو من لم يأت بالانحناء بالكلية وشك في ان
قيامه هذا هل هو قيام قبل الركوع والانحناء فيجب الركوع عنه أو قيام بعده فيجب ان
يسجد عنه؟ فإنه يصدق عليه انه شك في المحل فيجب الإتيان بالمشكوك فيه ، واما من
انحنى وشك بعد رفعه في بلوغه المقدار الواجب في الانحناء فإنه يدخل تحت قاعدة الشك
بعد الدخول في الغير وتجاوز المحل.
(الثاني) ـ الطمأنينة بضم الطاء وسكون الهمزة بعد الميم
وهي عبارة عن سكون الأعضاء واستقرارها في هيئة الراكع بقدر الذكر الواجب في الركوع
، ووجوبها بهذا القدر مما لا خلاف فيه ونقل الإجماع عليه الفاضلان وغيرهما ، وانما
الخلاف في الركنية فذهب الشيخ في الخلاف إلى انها ركن ، والمشهور العدم وهو الأصح
لما سيأتي ان شاء الله تعالى من عدم بطلان الصلاة بتركها سهوا.
والأصحاب لم يذكروا هنا دليلا على الحكم المذكور من
الأخبار وظاهرهم انحصار الدليل في الإجماع ، مع انه قد روى ثقة الإسلام في الصحيح
أو الحسن عن زرارة عن
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 12 من الركوع. والرواية رقم (2) هي
رقم (3).
أبي جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «بينا
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) جالس في
المسجد إذ دخل رجل فقام يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال (صلىاللهعليهوآله) نقر كنقر
الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني». ورواه البرقي في المحاسن عن
ابن فضال عن عبد الله بن بكير عن زرارة نحوه (2).
وفي الذكرى يجب الركوع بالإجماع ولقوله تعالى «وَارْكَعُوا
مَعَ الرّاكِعِينَ» ولما روى (3) «ان رجلا دخل
المسجد ورسول الله (صلىاللهعليهوآله) جالس في
ناحية المسجد فصلى ثم جاء فسلم عليه فقال (صلىاللهعليهوآله) وعليك السلام
ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى ثم جاء فقال له مثل ذلك فقال له الرجل في الثالثة
علمني يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقال إذا قمت
إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم
اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم
ارفع حتى تستوي قائما ثم افعل ذلك في صلاتك كلها». أقول : وهذا الخبر لم أقف عليه
في ما وصل الي من كتب الأخبار حتى كتاب البحار إلا في كتاب الذكرى.
ولو كان مريضا لا يتمكن من الطمأنينة سقطت عنه لأن
الضرورات تبيح المحظورات وما غلب الله عليه فهو اولى بالعذر (4). والحكم
المذكور مما لا خلاف فيه ولا اشكال يعتريه ، انما الخلاف في انه لو تمكن من مجاوزة
الانحناء أقل الواجب والابتداء بالذكر عند بلوغ حده وإكماله قبل الخروج منه فهل
يجب ذلك؟ قيل نعم استنادا إلى ان الذكر في حال الركوع واجب والطمأنينة واجب آخر
ولا يسقط أحد الواجبين بسقوط الآخر واستحسنه الفاضل الخراساني في الذخيرة وجعله في
المدارك اولى. وقيل لا لأصالة العدم واليه ذهب الشهيد في الذكرى ، قال (قدسسره) بعد ذكر
الطمأنينة أولا : ويجب
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 3 من الركوع.
(3) مستدرك الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة عن عوالي اللئالئ
مثله.
(4) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات.
كونها بقدر الذكر الواجب لتوقف الواجب
عليها ، ولا يجزئ عن الطمأنينة مجاوزة الانحناء القدر الواجب ثم العود إلى الرفع
مع اتصال الحركات لعدم صدقها حينئذ ، نعم لو تعذرت أجزأ زيادة الهوي ويبتدئ بالذكر
عند الانتهاء إلى حد الراكع وينتهي بانتهاء الهوى ، وهل يجب هذا الهوى لتحصيل
الذكر في حد الراكع؟ الأقرب لا للأصل فحينئذ يتم الذكر رافعا رأسه. انتهى.
والمسألة لعدم النص محل اشكال والاحتياط يقتضي الإتيان بما ذكروه من الكيفية
المذكورة وان لم يقم دليل واضح على الوجوب.
ولو اتى بالذكر من دون الهوى أو رفع قبل إكماله فظاهر
الشهيد الثاني في الروض بطلان صلاته ان كان عامدا قال لتحقق النهي ، وان كان ناسيا
استدركه في محله ان أمكن. وظاهر الشهيد في الدروس والعلامة القول بمساواة العامد
للناسي إذا استدركه في محله ، قال في الروض وليس بجيد. ويتحقق التدارك في الأول
بالهوى ثم الإتيان بالذكر وفي الثاني بالإتيان به مطمئنا قبل الخروج عن حد الراكع.
(الثالث) ـ رفع الرأس منه حتى يقوم منتصبا فلا يجوز ان
يهوى للسجود قبل الانتصاب إلا لعذر.
ويدل عليه جملة من الأخبار ففي صحيحة حماد (1) بعد ذكر
الركوع قال : «ثم استوى قائما فلما استمكن من القيام قال : سمع الله لمن حمده.
الحديث».
وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك فإنه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه». ومثلها روايته
الأخرى (3)
وفي كتاب الفقه الرضوي (4) «وإذا رفعت
رأسك من الركوع فانتصب قائما حتى ترجع مفاصلك كلها إلى المكان ثم اسجد».
(الرابع) ـ الطمأنينة قائما ولا حد لها بل يكفي مسماها
وهو ما يحصل به الاستقرار والسكون ، ولا خلاف في وجوبها بل نقل عليه الإجماع جمع
منهم.
__________________
(1) ص 2.
(2 و 3) الوسائل الباب 16 من القراءة.
(4) ص 7.
وذهب الشيخ هنا إلى الركنية أيضا ، ورد بقوله (عليهالسلام) في صحيحة
زرارة (1) «لا تعاد
الصلاة إلا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود».
والظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب انه لا فرق في ذلك بين
الفريضة والنافلة ونقل جمع من الأصحاب عن العلامة في النهاية القول بأنه لو ترك
الاعتدال في الرفع من الركوع أو السجود في صلاة النفل عمدا لم تبطل صلاته لانه ليس
ركنا في الفرض فكذا في النفل. وهو ضعيف مردود بان جميع ما يجب في الفريضة فهو شرط
في صحة النافلة فلا معنى للتخصيص بهذا الموضع ، إلا ان يمنع وجوبه في الفريضة وهو
لا يقول به بل صرح في جميع كتبه بخلافه. نعم خرج من ذلك السورة على القول بوجوبها
في الفريضة بدليل خاص وغيرها يحتاج إلى دليل أيضا وليس فليس. وقوله ـ انه ليس
ركنا. إلخ ـ كلام مزيف لا معنى له عند المحصل.
(الخامس) ـ التسبيح وقد وقع الخلاف هنا في موضعين (أحدهما)
انه هل الواجب في حال الركوع والسجود هو التسبيح خاصة أو يجزئ مطلق الذكر؟ قولان
مشهوران (الثاني) انه على تقدير القول الأول من تعين التسبيح فقد اختلفوا في
الصيغة الواجبة منه على أقوال ، ونحن نبسط الكلام في المقامين بنقل الأخبار
والأقوال وما سنح لنا من المقال في هذا المجال بتوفيق الملك المتعال وبركة الآل (عليهم
صلوات ذي الجلال) :
(الموضع الأول) ـ اعلم انه قد اختلف الأصحاب في ان
الواجب في الركوع والسجود هل هو مطلق الذكر أو يتعين التسبيح؟ قولان : والأول
منهما مذهب الشيخ في المبسوط والجمل والحلبيين الأربعة ، واليه ذهب جملة من
المتأخرين : منهم ـ شيخنا الشهيد الثاني وسبطه في المدارك وغيرهما. والثاني مذهب
الشيخ في باقي كتبه والشيخ المفيد والمرتضى وابني بابويه وأبي الصلاح وابن البراج
وسلار وابن حمزة وابن الجنيد ، وادعى
__________________
(1) الوسائل الباب 29 من القراءة و 10 من الركوع.
عليه السيد المرتضى في الانتصار
والشيخ في الخلاف وابن زهرة في الغنية الإجماع. والظاهر انه المشهور بين المتقدمين
ونسبه في الذكرى إلى المعظم. وللشيخ في النهاية قول آخر يؤذن بكونه ثالثا في
المسألة حيث يجوز ان يقال بعد التسبيح في الفريضة «لا إله إلا الله والله أكبر» مع
انه قال فيه : والتسبيح في الركوع فريضة من تركه عمدا فلا صلاة له.
والذي يدل على الأول من الأخبار ما رواه ثقة الإسلام
والشيخ في كتابيهما عن هشام بن سالم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
يجزئ عني ان أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود : لا إله إلا الله والحمد لله
والله أكبر؟ قال نعم كل هذا ذكر الله». ولفظ «والحمد لله» ليس في رواية الكافي
وانما هو في التهذيب.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) (2) قال : «قلت له
يجزئ أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود : لا إله إلا الله والحمد لله والله
أكبر؟ قال نعم كل هذا ذكر الله».
ورواه في الكافي في الصحيح عن هشام بن الحكم (3) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) ما من كلمة
أخف على اللسان منها ولا أبلغ من «سبحان الله». قال قلت يجزئني في الركوع
والسجودان أقول مكان التسبيح : لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر؟ قال نعم كل
ذا ذكر الله». وروى هذا الخبر ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب النوادر
لمحمد بن علي بن محبوب عن احمد بن محمد عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم نحوه (4)
وأيد هذا القول في المدارك بما رواه الشيخ في الصحيح عن
عبد الرحمن بن ابي نجران عن مسمع ابي سيار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (5) قال : «يجزئك
من القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسلا وليس له ولا كرامة أن
يقول
__________________
(1 و 2 و 4) الوسائل الباب 7 من الركوع. و «كل هذا ذكر الله»
في الرقم 1 ليس في الكافي.
(3) الفروع ج 1 ص 91 وفي الوسائل الباب 7 من الركوع.
(5) الوسائل الباب 5 من الركوع.
سبح سبح سبح».
والظاهر ان عده هذه الرواية من المؤيدات دون ان تكون
دليلا اما من حيث ان الراوي لها مسمع أبي سيار وهو يطعن في حديثه في مواضع من شرحه
وان عده حسنا تارة وصحيحا أخرى في مواضع أخر ولهذا وصف الحديث بالصحة إلى عبد
الرحمن ابن أبي نجران مؤذنا بانتهاء صحة الحديث اليه ، ويحتمل ان يكون من حيث
إجمال متنها بقوله «أو قدرهن» لاحتمال ان يكون قدرهن من الذكر ، ويحتمل ان يكون
قدرهن من تسبيحة واحدة كبرى.
ومثلها حسنة أخرى لمسمع أيضا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «لا
يجزئ الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات أو قدرهن». هذا ما يتعلق من الأخبار
بالقول المذكور.
واما ما يدل على القول الآخر فروايات عديدة تأتي ان شاء
الله تعالى في المقام الآتي والذي يظهر لي في وجه الجمع بين اخبار القولين على وجه
يندفع به التنافي في البين ان يقال ان المفهوم من الأخبار ان التسبيح هو الأصل
والذكر وقع رخصة كما يشير اليه هنا ما تقدم في اخبار الهشامين من قولهما «يجزئ ان
يقول مكان التسبيح» وحينئذ فتحمل روايات التسبيح على الأفضلية وروايات الذكر على
الرخصة والاجزاء ، وهذا كما في غسل الجنابة ترتيبا وارتماسا فإن الأصل فيه هو
الأول وهو الذي استفاضت به الأخبار وعليه عمل النبي (صلىاللهعليهوآله) وأهل بيته
الاطهار والثاني ورد في خبرين رخصة كما أشرنا إلى ذلك ثمة. ولعله على هذا بنى
الشيخ (قدسسره) في عبارته في
النهاية حيث صرح بأن الفريضة التسبيح مع قوله بجواز إبداله بالذكر المذكور في
كلامه ، وبذلك يندفع ما أورده عليه المتأخرون من التناقض في كلامه. ولم أقف
للقائلين بتعين التسبيح على جواب عن هذه الروايات الدالة على الاجتزاء بمطلق الذكر
والله العالم.
__________________
(1) الوسائل الباب 5 من الركوع.
(الموضع الثاني) ـ اعلم انه قد اختلف أصحاب القول بتعين
التسبيح في ما يجب منه على أقوال : (أحدها) القول بجواز التسبيح مطلقا وهو منقول
عن السيد المرتضى (رضياللهعنه) و (ثانيها) وجوب تسبيحة واحدة كبرى وهي «سبحان
ربي العظيم وبحمده» وهو قول الشيخ في النهاية. و (ثالثها) تسبيحة واحدة كبرى أو
ثلاث صغريات وهي «سبحان الله» ثلاثا ، ونقل عن ظاهر ابني بابويه وهو ظاهر التهذيب
كما ذكره في المدارك. و (رابعها) وجوب ثلاث مرات على المختار وواحدة على المضطر ،
وهو منقول عن أبي الصلاح ، ونقل عنه في المختلف انه قال أفضله «سبحان ربي العظيم
وبحمده» ويجوز «سبحان الله» وهو ظاهر في تخيير المختار بين ثلاث صغريات أو كبريات و
(خامسها) وجوب ثلاث تسبيحات كبريات ، نسبه العلامة في التذكرة إلى بعض علمائنا.
هذا ما وقفت عليه من الأقوال في المسألة.
واما الأخبار الجارية في هذا المضمار (فأحدها) ما رواه
الشيخ في التهذيب عن هشام ابن سالم (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن التسبيح
في الركوع والسجود فقال تقول في الركوع «سبحان ربي العظيم» وفي السجود «سبحان ربي
الأعلى» الفريضة من ذلك تسبيحة والسنة ثلاث والفضل في سبع».
الثاني ـ ما رواه عن عقبة بن عامر الجهني (2) قال : «لما
نزلت (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (3) قال لنا رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) اجعلوها في
ركوعكم ، فلما نزلت «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى» (4) قال لنا رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) اجعلوها في
سجودكم».
الثالث ـ ما رواه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) (5) قال : «قلت له
ما يجزئ من القول في الركوع والسجود؟ فقال ثلاث تسبيحات في
__________________
(1 و 5) الوسائل الباب 4 من الركوع.
(2) الوسائل الباب 21 من الركوع.
(3) سورة الواقعة ، الآية 73.
(4) سورة الأعلى ، الآية 1.
في ترسل وواحدة تامة تجزئ».
الرابع ـ ما رواه عن علي بن يقطين في الصحيح عن ابى
الحسن الأول (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن الركوع والسجود كم يجزئ فيه من التسبيح؟ فقال ثلاثة وتجزئك واحدة إذا أمكنت
جبهتك من الأرض».
قال في الوافي الظاهر ان المراد بالتسبيح «سبحان الله»
ويحتمل التام. ولعل السر في اشتراط إمكان الجبهة من الأرض في الاجتزاء بالواحدة
تعجيل أكثر الناس في ركوعهم وسجودهم وعدم صبرهم على اللبث والمكث فمن اتى منهم
بواحدة فربما يصدر منه بعضها في الهوى أو الرفع ، فلا بد لمن هذه صفته أن يأتي
بالثلاث ليتحقق لبثه بمقدار واحدة.
الخامس ـ ما رواه عن الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه
الحسين بن علي بن يقطين في الصحيح عن أبي الحسن الأول (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن الرجل يسجد كم يجزئه من التسبيح في ركوعه وسجوده؟ فقال ثلاث وتجزئه واحدة».
السادس ـ ما رواه عن مسمع في الحسن عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «يجزئك
من القول. الخبر». وقد تقدم في المقام الأول (3).
السابع ـ ما رواه عن سماعة في الموثق (4) قال : «سألته
عن الركوع والسجود هل نزل في القرآن. الخبر وقد تقدم ، إلى ان قال فقلت كيف حد
الركوع والسجود؟ فقال اما ما يجزئك من الركوع فثلاث تسبيحات تقول سبحان الله سبحان
الله (ثلاثا). الحديث». ويأتي ان شاء الله تعالى.
الثامن ـ ما رواه عن معاوية بن عمار في الصحيح (5) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) أخف ما يكون
من التسبيح في الصلاة قال ثلاث تسبيحات مترسلا تقول سبحان
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 4 من الركوع.
(3) ص 246.
(4 و 5) الوسائل الباب 5 من الركوع.
الله سبحان الله سبحان الله».
التاسع ـ ما رواه عن مسمع في الحسن عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «لا
يجزئ الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات أو قدرهن».
العاشر ـ ما رواه عن أبي بصير (2) قال : «سألته
عن ادنى ما يجزئ من التسبيح في الركوع والسجود؟ فقال ثلاث تسبيحات».
الحادي عشر ـ ما رواه عن أبي بكر الحضرمي (3) قال قال أبو
جعفر (عليهالسلام): «أتدري أي
شيء حد الركوع والسجود؟ قلت لا. قال تسبيح في الركوع ثلاث مرات «سبحان ربي العظيم
وبحمده» وفي السجود «سبحان ربي الأعلى وبحمده» ثلاث مرات ، فمن نقص واحدة نقص ثلث
صلاته ومن نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته ومن لم يسبح فلا صلاة له».
الثاني عشر ـ ما رواه عن ابان بن تغلب في الصحيح (4) قال : «دخلت
على ابى عبد الله (عليهالسلام) وهو يصلي
فعددت له في الركوع والسجود ستين تسبيحة».
الثالث عشر ـ ما رواه عن حمزة بن حمران والحسن بن زياد (5) ، قالا «دخلنا
على ابى عبد الله (عليهالسلام) وعنده قوم
فصلى بهم العصر وقد كنا صلينا فعددنا له في ركوعه «سبحان ربى العظيم» أربعا أو
ثلاثا وثلاثين مرة. وقال أحدهما في حديثه «وبحمده» في الركوع والسجود».
الرابع عشر ـ ما رواه في كتاب العلل بسنده عن هشام بن
الحكم عن ابى الحسن
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 5 من الركوع.
(3) الوسائل الباب 4 من الركوع وما ذكره في المتن لفظ الكافي
كما في نفس الباب من الوسائل وفي ج 1 من الفروع ص 91 واما لفظ التهذيب ج 1 ص 156
فهو هكذا «قلت لأبي جعفر «ع» أي شيء حد الركوع والسجود؟ قال تقول : سبحان ربى
العظيم وبحمده «ثلاثا» في الركوع ، وسبحان ربي الأعلى وبحمده «ثلاثا» في السجود
فمن نقص. الحديث».
(4 و 5) الوسائل الباب 6 من الركوع.
موسى (عليهالسلام) (1) قال : «قلت
لأي علة يقال في الركوع «سبحان ربي العظيم وبحمده» ويقال في السجود «سبحان ربي
الأعلى وبحمده»؟ قال يا هشام ان الله تبارك وتعالى لما اسرى بالنبي (صلىاللهعليهوآله) وكان من ربه
كقاب قوسين أو أدنى رفع له حجابا من حجبه فكبر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) سبعا حتى رفع
له سبع حجب فلما ذكر ما رأى من عظمة الله ارتعدت فرائصه فابترك على ركبتيه وأخذ
يقول «سبحان ربي العظيم وبحمده» فلما اعتدل من ركوعه قائما ونظر إليه في موضع أعلى
من ذلك الموضع خر على وجهه وجعل يقول «سبحان ربي الأعلى وبحمده» فلما قال سبع مرات
سكن ذلك الرعب فلذلك جرت به السنة».
الخامس عشر ـ ما رواه إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب
الغارات عن عباية (2) قال : «كتب
أمير المؤمنين (عليهالسلام) الى محمد بن
أبي بكر انظر ركوعك وسجودك فإن النبي (صلىاللهعليهوآله) كان أتم
الناس صلاة واحفظهم لها وكان إذا ركع قال : «سبحان ربي العظيم وبحمده» ثلاث مرات ،
وإذا رفع صلبه قال : سمع الله لمن حمده اللهم لك الحمد ملء سماواتك وملء أرضيك
وملء ما شئت من شيء ، فإذا سجد قال : «سبحان ربي الأعلى وبحمده» ثلاث مرات».
السادس عشر ـ ما رواه الصدوق في كتاب الهداية مرسلا (3) قال : «قال
الصادق (عليهالسلام) سبح في ركوعك
ثلاثا : تقول «سبحان ربي العظيم وبحمده» ثلاث مرات ، وفي السجود «سبحان ربي الأعلى
وبحمده» ثلاث مرات ، فان الله عزوجل لما انزل على
نبيه (صلىاللهعليهوآله) «فَسَبِّحْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ» (4). قال النبي (صلى
__________________
(1) الوسائل الباب 7 من تكبيرة الإحرام و 21 من الركوع.
(2) مستدرك الوسائل الباب 13 و 16 من الركوع.
(3) مستدرك الوسائل الباب 16 و 4 من الركوع.
(4) سورة الواقعة ، الآية 73.
الله عليه وآله) اجعلوها في ركوعكم
فلما انزل الله «سبح اسم ربك الأعلى» (1) قال اجعلوها في سجودكم ، فان قلت
سبحان الله سبحان الله سبحان الله أجزأك ، وتسبيحة واحدة تجزئ للمعتل والمريض
والمستعجل».
السابع عشر ـ ما رواه في كتاب العلل لمحمد بن علي بن
إبراهيم بن هاشم (2) قال : «سئل
أمير المؤمنين (عليهالسلام) عن معنى قوله
: سبحان ربي العظيم وبحمده. الحديث».
الثامن عشر ـ ما ذكره في كتاب الفقه الرضوي (3) قال : «فإذا
ركعت فمد ظهرك ولا تنكس رأسك وقل في ركوعك بعد التكبير : اللهم لك ركعت. ثم ساق
الدعاء إلى ان قال بعد تمامه : سبحان ربي العظيم وبحمده ، ثم ساق الكلام في السجود
كذلك إلى ان قال : سبحان ربي الأعلى وبحمده».
إذا عرفت ذلك فاعلم ان الظاهر ان مستند القول الأول وهو
القول بجواز التسبيح مطلقا هو العمل بأخبار المسألة كملا والاكتفاء بكل ما ورد ،
ومرجعه إلى التخيير بين جملة الصور الواردة في الأخبار ، إلا ان ظاهره الاكتفاء
ولو بتسبيحة صغرى لصدق التسبيح بها مع دلالة جملة من الأخبار على ان ادنى ما يجزئ
ثلاث صغريات.
وهذا القول قد اختاره الفاضل الخراساني في الذخيرة
واستدل عليه بالرواية الرابعة والخامسة فإنهما دالتان على جواز الاكتفاء بواحدة
ويحمل الأخبار المعارضة لهما على الاستحباب جمعا بين الأدلة. وأراد بالأخبار
المعارضة ما دل على ان أقل المجزئ ثلاث صغريات كالرواية السابعة والثامنة والتاسعة
والعاشرة.
وفيه ان الروايتين اللتين استند إليهما غير صريحتين بل
ولا ظاهرتين في ما ادعاه لجواز ان يكون المراد بالواحدة تسبيحة كبرى ، ومرجعه إلى
التخيير بين ثلاث
__________________
(1) سورة الأعلى ، الآية 1.
(2) مستدرك الوسائل باب نوادر ما يتعلق بأبواب الركوع.
(3) ص 8.
صغريات وواحدة كبرى ، فان جعل كل
منهما في قالب الإجزاء يقتضي كونهما في مرتبة واحدة ، ويشير إلى ما ذكرناه ما
قدمناه من كلام صاحب الوافي ، ويعضد ما ذكرناه الخبر الثالث حيث انه جعل المجزئ
ثلاث تسبيحات في ترسل وواحدة تامة والمراد ثلاث صغريات بتأن وتثبت أو واحدة تامة
كبرى. نعم قد ورد في الخبر السادس عشر ما يدل على الاكتفاء بواحدة صغرى للمعتل
والمريض والمستعجل. وبذلك يظهر لك ان القول المذكور لا مستند له من الأخبار.
واما القول الثاني فاستدل عليه في المدارك بالخبر الأول.
وفيه ان الخبر ليس فيه «وبحمده» كما هو المذكور في كلام الشيخ (قدسسره) فلا ينطبق
على تمام المدعى إلا بتكلف. والأظهر الاستدلال عليه بالخبر الحادي عشر ـ ولا
ينافيه نقص الصلاة بنقص واحدة أو اثنتين إذ المراد نقص ثوابها ـ والخبر الرابع عشر
والخامس عشر والسابع عشر والثامن عشر وكذا حديث حماد بن عيسى المتقدم في أول الباب
(1).
واما القول الثالث فاستدل عليه في المدارك بالخبر الثالث
والخبر الثامن. وفيه ان الثاني لا دلالة فيه على تمام المدعى ، فان القول المذكور
مشتمل على التخيير بين واحدة كبرى وثلاث صغريات والرواية إنما اشتملت على ثلاث
تسبيحات صغريات. وكونها أخف ما يقال في التسبيح لا يستلزم خصوصية كون الفرد الآخر
تسبيحة كبرى كما لا يخفى ، والدليل انما هو الأول. ويدل عليه أيضا الحديث الرابع
والخامس بالتقريب الذي قدمناه ذكره من حملهما على ما دل عليه الخبر الثالث.
واما القول الرابع فاستدل عليه في المدارك بالخبر الحادي
عشر. وفيه (أولا) ان الخبر المذكور غير منطبق على القول المشار اليه بكلا طرفيه إذ
لا تصريح في الخبر المذكور بحكم المضطر. و (ثانيا) ان ظاهر القول المذكور وجوب
الثلاث والخبر المذكور لا دلالة له على ذلك ، لان نقصان ثلث الصلاة لمن ترك واحدة
وثلثيها لمن ترك ثنتين انما هو بمعنى نقص
__________________
(1) ص 2.
ثوابها فغاية ما يفهم منه الفضل
والاستحباب في الإتيان بالزائد على واحدة ، وحينئذ فلا يكون منطبقا على القول
المذكور.
والأظهر الاستدلال له بالخبر السادس عشر فإنه مشتمل على
حكم المختار والمضطر ، وان المختار مخير بين ثلاث كبريات وثلاث صغريات حسب ما تقدم
نقله عن المختلف في نقله عن ذلك القائل ما يؤذن بالتخيير بين ثلاث كبريات وثلاث
صغريات ، وبالجملة فالرواية منطبقة على القول المذكور من جميع جهاته كما لا يخفى
فهي الأولى بأن تجعل دليلا له. إلا انها معارضة بالخبر الثالث لدلالته على حصول
الواجب بواحدة كبرى وثلاث صغريات فالواجب حمله على الفضل والاستحباب ، ومنه يظهر
انه لا دليل للقول المذكور.
واما القول الخامس فلم أقف له على دليل ظاهر من الأخبار.
بقي الكلام في شيء آخر وهو انه على تقدير القول بمطلق
الذكر كما هو أحد القولين أو كون ذلك رخصة وان كان الأصل انما هو التسبيح كما
قدمنا ذكره فاللازم الاكتفاء بتسبيحة واحدة صغرى لحصول الذكر بذلك مع انك قد عرفت
من جملة من الأخبار ان أقل المجزئ ثلاث تسبيحات صغريات والواحدة انما هي لذوي
الاعذار.
وهذا الاشكال قد تنبه له في الروض حيث انه اختار
الاكتفاء بمطلق الذكر ، وأجاب عنه وقال بعد نقل جملة من اخبار القولين : والتحقيق
انه لا منافاة بين هذه الأخبار الصحيحة من الجانبين فإن التسبيحة الكبرى وما يقوم
مقامها تعد ذكر الله فتكون أحد أفراد الواجب التخييري المدلول عليه بالأخبار
الأولى ، فإنها دلت على اجزاء ذكر الله وهو أمر كلي يتأدى في ضمن التسبيحة الكبرى
والصغرى المكررة والمتحدة فيجب الجميع تخييرا. وهذا مع كونه موافقا للقواعد
الأصولية جمع حسن بين الأخبار فهو اولى من اطراح بعضها أو حملها على التقية
وغيرها. نعم رواية معاوية بن عمار عن الصادق (عليهالسلام) (1) ـ حين «سأله
عن أخف ما يكون من التسبيح في
__________________
(1) الوسائل الباب 5 من الركوع.
الصلاة فقال ثلاث تسبيحات مترسلا تقول
سبحان الله سبحان الله سبحان الله». ـ قد تأبى هذا الحمل لكن لا صراحة فيها بان
ذلك أخف الواجب فيحمل على أخف المندوب فإنه أعم منهما إذ لم يبين فيه الفرد
المنسوب إليه الأخفية. انتهى.
وفي هذا الحمل الذي ذكره (قدسسره) من البعد ما
لا يخفى سيما مع دلالة الخبر التاسع الذي هو نظيره في هذا المعنى على انه لا يجزئ
الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات أو قدرهن ، وفي الخبر العاشر «ادنى ما يجزئ من
التسبيح».
ويمكن ان يقال في الجواب عن هذا الاشكال ـ بناء على ما
اخترناه من ان الأصل هو التسبيح والاكتفاء بمطلق الذكر انما وقع رخصة ـ ان
المستفاد من اخبار التسبيح كما عرفت هو ان الواجب منه انما هو تسبيحة كبرى أو ثلاث
صغريات ، وحينئذ فيجب التخصيص في اخبار الذكر بما ذكرنا من اخبار التسبيح الدالة
على الصورة المذكورة بمعنى انه لا يجزئ من التسبيح أقل مما ذكرنا وكل ما صدق عليه
الذكر فإنه يجزئ ما عدي ما نقص من التسبيح عما ذكرنا. هذا أقصى ما يمكن ان يقال.
والعجب هنا ان العلامة في المنتهى قال اتفق الموجبون
للتسبيح من علمائنا على ان الواجب من ذلك تسبيحة واحدة تامة كبرى صورتها «سبحان
ربي العظيم وبحمده (1)» أو ثلاث
صغريات صورتها «سبحان الله» ثلاثا مع الاختيار ، ومع الضرورة تجزئ الواحدة الصغرى
لرواية زرارة ، والاجتزاء بالواحدة الكبرى دل عليه قول أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث هشام
بن سالم «تقول في الركوع سبحان ربي العظيم ، الفريضة.». ثم ساق الخبر كما تقدم ،
ثم قال وعلى قيام الثلاث الصغرى مقامها ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار
، ثم ساق الرواية كما تقدمت ، ثم قال والاجتزاء بواحدة صغرى في حال الضرورة مستفاد
من الإجماع. انتهى. ولا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما تلوناه عليك فلا ضرورة في
الإعادة.
__________________
(1) ليس في المنتهى المطبوع «وبحمده» في ذكر الركوع.
تذييل جليل
قال شيخنا البهائي (قدسسره) في كتاب
الحبل المتين : ومعنى «سبحان ربي العظيم وبحمده» انزه ربي عن كل ما لا يليق بعز
جلاله تنزيها وانا متلبس بحمده على ما وفقني له من تنزيهه وعبادته ، كأنه لما أسند
التسبيح إلى نفسه خاف ان يكون في هذا الاسناد نوع تبجح بأنه مصدر لهذا الفعل
فتدارك ذلك بقوله وانا متلبس بحمده على ان صيرني أهلا لتسبيحه وقابلا لعبادته ،
على قياس ما قاله جماعة من المفسرين في قوله تعالى حكاية عن الملائكة «ونحن نسبح
بحمدك» (1) فسبحان مصدر
بمعنى التنزيه كغفران ولا يكاد يستعمل إلا مضافا منصوبا بفعل مضمر كمعاذ الله وهو
هنا مضاف إلى المفعول وربما جوز كونه مضافا إلى الفاعل ، والواو في «وبحمده» حالية
وربما جعلت عاطفة. و «سمع الله لمن حمده» بمعنى استجاب لكل من حمده ، وعدي باللام
لتضمنه معنى الإصغاء والاستجابة ، والظاهر انه دعاء لا مجرد ثناء كما يستفاد مما
رواه المفضل عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «قلت له
جعلت فداك علمني دعاء جامعا فقال لي احمد الله فإنه لا يبقى أحد يصلي إلا دعا لك
يقول سمع الله لمن حمده». ، انتهى كلامه زيد إكرامه
(المقام الثاني) ـ في ما يستحب في الركوع وهي أمور : (منها)
التكبير له على المشهور بين الأصحاب ، ونقل عن ابن أبي عقيل القول بوجوب تكبير
الركوع والسجود وهو اختيار سلار ونقله الشيخ في المبسوط عن بعض أصحابنا ، وتردد
فيه المحقق في الشرائع ثم استظهر الندب.
قال في المدارك : منشأ التردد من ورود الأمر به في عدة
اخبار كقول أبي جعفر (عليهالسلام) في صحيحة
زرارة (3) «إذا أردت أن
تركع فقل وأنت منتصب
__________________
(1) سورة البقرة ، الآية 28.
(2) الوسائل الباب 17 من الركوع.
(3) الوسائل الباب 1 من الركوع.
الله أكبر ثم اركع». وفي صحيحة أخرى
له عنه (عليهالسلام) (1) «ثم تكبر وتركع».
ومن أصالة البراءة من الوجوب ، واشتمال ما فيه ذلك الأمر على كثير من المستحبات ، وموثقة
أبي بصير (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن ادنى ما
يجزئ من التكبير في الصلاة؟ قال تكبيرة واحدة». والمسألة محل إشكال إلا ان المعروف
من مذهب الأصحاب هو القول بالاستحباب. انتهى. وعلى هذا النهج كلام غيره أيضا.
أقول : لقائل أن يقول ان أصالة البراءة يجب الخروج عنها
بالدليل وهو هنا الأمر الذي هو حقيقة في الوجوب كما قرر في محله ، واشتمال ما فيه
ذلك الأمر على كثير من المستحبات لا يستلزم حمل ذلك الأمر على الاستحباب إذ ليس
هذا أحد قرائن المجاز فان كثيرا من الأخبار قد اشتمل على الصنفين المذكورين ،
وقيام الدليل على استحباب تلك الأشياء المذكورة لا يقتضي استحباب ذلك في ما لا
دليل فيه.
ويؤيد القول بالوجوب ما ذكره في كتاب الفقه الرضوي (3) حيث قال (عليهالسلام): «واعلم ان
الصلاة ثلث وضوء وثلث ركوع وثلث سجود ، وان لها أربعة آلاف حد ، وان فروضها عشرة :
ثلاثة منها كبار وهي تكبيرة الإحرام والركوع والسجود ، وسبعة صغار وهي القراءة
وتكبير الركوع وتكبير السجود وتسبيح الركوع وتسبيح السجود والقنوت والتشهد ، وبعض
هذه أفضل من بعض». انتهى.
واما موثقة أبي بصير التي أوردها فظني انها ليست على ما
فهمه منها ، فان الظاهر ان السؤال في هذه الرواية انما هو بالنسبة إلى التكبيرات
الافتتاحية وادنى ما يجزئ منها لا تكبيرات الصلاة ليدخل فيه تكبير الركوع والسجود
كما ظنه.
ومن هذا القبيل رواية أبي بصير أيضا عنه (عليهالسلام) (4) قال : «إذا
__________________
(1) الوسائل الباب 2 من الركوع. واللفظ هكذا «وكبر ثم اركع»
كما سيأتي منه «قدسسره» ص 258 رقم 3.
(2) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الإحرام.
(3) ص 8.
(4) الوسائل الباب 7 من تكبيرة الإحرام.
افتتحت الصلاة فكبر إن شئت واحدة وان
شئت ثلاثا وان شئت خمسا وان شئت سبعا. الحديث».
وصحيحة الشحام (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) الافتتاح؟ قال
تكبيرة تجزئك. قلت فالسبع؟ قال ذلك الفضل».
وهذه الرواية إنما خرجت هذا المخرج وان كانت مجملة ليست
كهذين الخبرين في التقييد بالافتتاح ومقتضى المقام وقرائن الكلام يومئذ كانت ظاهره
في ذلك ونحوه في الأخبار غير عزيز.
وبالجملة فالمسألة غير خالية من الاشكال والاحتياط فيها
مطلوب على كل حال ، ولو لا اتفاق الأصحاب قديما وحديثا إلا ابن أبي عقيل ـ مع
إمكان إرجاع كلامه إلى ما ذكروه ـ لكان القول بالوجوب متعينا.
و (منها) ـ رفع اليدين بالتكبير قائما قبل الركوع حتى
يحاذي أذنيه على نحو ما تقدم تحقيقه في بحث تكبيرة الإحرام.
ويدل على ذلك قوله (عليهالسلام) في صحيحة
زرارة (2) : «إذا أردت
أن تركع فقل وأنت منتصب : الله أكبر ، ثم اركع وقل اللهم : لك ركعت. الحديث».
وفي صحيحته الأخرى عن أبي جعفر (عليهالسلام) (3) قال : قال «إذا
أردت أن تركع وتسجد فارفع يديك وكبر ثم اركع واسجد».
وفي صحيحة حماد المتقدمة أول الباب (4) في وصف صلاة
الصادق (عليهالسلام) «انه رفع
يديه حيال وجهه وقال الله أكبر وهو قائم ثم ركع».
وقال الشيخ في الخلاف : ويجوز ان يهوى بالتكبير. قيل فإن
أراد الجواز المطلق فهو متجه وان أراد المساواة في الفضيلة فهو ممنوع. ذكر ذلك جمع
من المتأخرين.
__________________
(1) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الإحرام.
(2) الوسائل الباب 1 من الركوع.
(3) الوسائل الباب 2 من الركوع.
(4) ص 2.
وقد تقدم نقل الخلاف في رفع اليدين في التكبير وجوبا
واستحبابا وكذا الكلام في نهاية الرفع وحده في الموضع المشار اليه آنفا.
فائدة
روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال : «رأيت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يرفع يديه
إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وإذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود وإذا أراد ان
يسجد الثانية».
وعن ابن مسكان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «في
الرجل يرفع يديه كلما أهوى للركوع والسجود وكلما رفع رأسه من ركوع أو سجود؟ قال هي
العبودية».
وقد وقع الخلاف في ما دل عليه هذان الخبران من رفع
اليدين بعد الركوع والسجود في موضعين :
(أحدهما) في ثبوته واستحبابه كما هو ظاهر الخبرين
المذكورين وبه قال ابنا بابويه وصاحب الفاخر ونفاه ابن أبي عقيل والمحقق والعلامة
، وأكثرهم لم يتعرضوا لذلك بنفي ولا إثبات ، قال في المعتبر : رفع اليدين بالتكبير
مستحب في كل رفع ووضع إلا في الرفع من الركوع فإنه يقول «سمع الله لمن حمده» من
غير تكبير ولا رفع يد وهو مذهب علمائنا. انتهى. وقال الشهيد في الذكرى بعد نقل
الخبرين المذكورين : لم أقف على قائل باستحباب رفع اليدين عند الرفع من الركوع إلا
ابني بابويه وصاحب الفاخر ونفاه ابن ابي عقيل والفاضل وهو ظاهر ابن الجنيد ،
والأقرب استحبابه لصحة سند الخبرين وأصالة الجواز وعموم «ان الرفع زينة الصلاة
واستكانة من المصلي» (3). وحينئذ يبتدئ
بالرفع عند
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 2 من الركوع.
(3) الوسائل الباب 9 من تكبيرة الإحرام رقم «11» و «14» والباب
2 من الركوع رقم «3» و «4» و «8».
ابتداء رفع الرأس وينتهي بانتهائه
وعليه جماعة من العامة (1) انتهى. ونقل
هذا الكلام عن الذكرى في كتاب الحبل المتين ونفى عنه البأس ، وظاهر المدارك أيضا
الميل إلى ذلك
و (ثانيهما) في التكبير مصاحبا للرفع فأثبته بعض الأصحاب
ومنهم ـ المحدث السيد نعمة الله الجزائري (قدسسره) في رسالته (التحفة)
وادعى ان الخبرين المذكورين صريحان في ذلك. وهو عجيب فإنهما كما عرفت لم يتضمنا
إلا الرفع خاصة. وممن بالغ في ذلك وأطال الاستدلال عليه شيخنا المحدث الصالح الشيخ
عبد الله بن الحاج صالح البحراني في بعض أجوبة المسائل وادعى ما ادعاه السيد
المزبور من ظهور الخبرين في التكبير وادعى أيضا تصريح ابن بابويه وصاحب الفاخر
بذلك. وأنت خبير بان الخبرين المذكورين لا دلالة فيهما على ما ادعياه كما عرفت ،
واما كلام صاحب الفاخر فلا يحضرني الآن ، واما كلام الصدوق في الفقيه فهو بهذه
العبارة «ثم ارفع رأسك من الركوع وارفع يديك واستو قائما ثم قل سمع الله لمن حمده
والحمد لله رب العالمين ، ثم ذكر الدعاء إلى ان قال واهو إلى السجود. وهي كما ترى
خالية من ذلك.
ومن ذلك يظهر ان الأقوال في المسألة ثلاثة (أحدها) نفى
الرفع كما هو قول ابن أبي عقيل ومن تبعه. و (ثانيها) إثباته كما دل عليه الخبران. و
(ثالثها) القول بالرفع واضافة التكبير. والأول والثالث طرفا إفراط وتفريط ، لأن
الأول فيه رد للحكم مع وجود النص الصحيح الصريح الدال على ذلك ، والثالث يتضمن
زيادة ليس لها في النص اثر ، وأحسن الأمور أوسطها.
والشيخ المحدث الصالح المشار اليه قد أطال في الاستدلال
على ما ادعاه بما لا مزيد طائل في التعرض اليه ، وعمدة ما استدل به التلازم بين
الرفع والتكبير ، قال (قدسسره) : الأول انه
لما ثبت استحباب الرفع ثبت استحباب التكبير لعدم انفكاك الرفع عن التكبير شرعا إذ
لم يعهد من الشارع رفع بدون تكبير وانما ذكر الملزوم وهو الرفع
__________________
(1) ص 50.
مع ارادة التكبير لأن التكبير لازم
للرفع تنبيها على تأكده ولزومه له بخلاف العكس. انتهى
وهذه الدعوى ممنوعة لعدم دليل على التلازم ، ومجرد عدم
وجود الرفع بدون التكبير في غير هذه الصورة لا يصلح دليلا إذ هو محل النزاع ، وهل
هي إلا مصادرة على المطلوب؟ وبالجملة فإن العبادات تشريعية دائرة مدار الورود عن
صاحب الشرع ولا مدخل للاستبعادات العقلية فيها ، والذي ورد هو ما ترى من الرفع
خاصة وما زاد يتوقف على الدليل وليس فليس ، بل لا يبعد ان الإتيان بالتكبير في
الصورة المذكورة تشريع لعدم ثبوت التعبد به.
وبالجملة فالظاهر هو القول الوسط من الأقوال الثلاثة
المتقدمة ، على ان احتمال التقية في الخبرين المذكورين بالنسبة إلى هذا الحكم غير
بعيد كما أشار إليه الشهيد في الذكرى في ما قدمنا من عبارته ، ويؤيد ذلك ما ذكره
شيخنا المجلسي (قدسسره) حيث قال بعد
نقل كلام الذكرى : أقول : ميل أكثر العامة إلى استحباب الرفع (1) صار.
__________________
(1) في فتح الباري ج 2 ص 149 باب (رفع اليدين إذا كبر وعند
الركوع وإذا رفع منه) قال «صنف البخاري في هذه المسألة جزء مفردا وحكى فيه ان
الصحابة كانوا يفعلون ذلك ، وقال محمد بن نصر المروزي أجمع علماء الأمصار على
مشروعية ذلك إلا أهل الكوفة ، وقال ابن عبد البر لم يرو أحد عن مالك ترك الرفع
فيهما إلا ابن القاسم. ونقل الخطابي والقرطبي انه آخر قولي مالك وأصحهما ولم أر
للمالكية دليلا على تركه. والحنفية عولوا على رواية مجاهد انه صلى خلف ابن عمر فلم
يره يفعل ذلك. الى ان قال وقال البخاري في جزئه من زعم ان رفع اليدين عند الركوع
وعند الرفع منه بدعة فقد طعن في الصحابة فإنه لم يثبت عن أحد منهم تركه» وفي
المغني ج 1 ص 497 «فإذا فرغ من القراءة كبر للركوع ويرفع يديه كرفعه عند تكبيرة
الإحرام ، وبهذا قال ابن عمر وابن عباس وجابر وأبو هريرة وابن الزبير وانس والحسن
وعطاء وطاوس ومجاهد وسالم وسعيد ابن جبير وغيرهم من التابعين ، وهو مذهب ابن
المبارك والشافعي وإسحاق ومالك في إحدى الروايتين عنه. وقال الثوري وأبو حنيفة لا
يرفع يديه إلا في الافتتاح وهو قول إبراهيم النخعي».
سببا لرفع الاستحباب عند أكثرنا.
انتهى. أقول ومن ذلك يعلم انه لا يبعد حمل الحكم المذكور على التقية حيث انه لم
يشتهر هذا الحكم في اخبارهم ولا بين متقدمي أصحابهم (عليهمالسلام).
ومما يؤيد ذلك ما وقفت عليه في كتاب المنتظم للشيخ أبي
الفرج ابن الجوزي الحنبلي في مقام الطعن على أبي حنيفة ، حيث عد فيه جملة من
المسائل التي خالف فيها أبو حنيفة روايات الصحاح باجتهاده ، وقد نقلت تلك المسائل
في مقدمة كتاب سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد في جملة مطاعن أبي حنيفة ،
قال في كتاب المنتظم : الخامس ـ تعين رفع اليدين في الركوع وعند الرفع منه وقال
أبو حنيفة لا يسن ، وفي الصحيحين (1) من حديث ابن عمر «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان إذا
افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه وإذا أراد ان يركع وبعد ما يرفع رأسه من
الركوع». الى ان قال : وقد رواه عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) نحو من عشرين
صحابيا. انتهى. أقول : لا يخفى ان تخصيص أبي حنيفة بالمخالفة في هذا الحكم مؤذن
بشهرة الحكم عندهم واتفاق من عداه على الحكم المذكور ، وقد استفاضت الأخبار
بمخالفة ما عليه العامة والأخذ بخلافهم وان كان في غير مقام تعارض الأخبار كما لا
يخفى على من جاس خلال الديار والتقط من لذيذ تلك الثمار. والله العالم.
ومنها ـ ما اشتملت عليه صحيحة حماد (2) من قوله : «ثم
ركع وملأ كفيه من ركبتيه منفرجات ورد ركبتيه إلى خلفه حتى استوى ظهره حتى لو صبت
عليه قطرة من.
__________________
(1) صحيح مسلم ج 1 ص 153 باب استحباب رفع اليدين مع تكبيرة
الإحرام وعند الركوع عن ابن عمر قال «كان رسول الله «ص» إذا قام إلى الصلاة رفع
يديه حتى تكونا حذو منكبيه ثم كبر فإذا أراد ان يركع فعل مثل ذلك وإذا رفع من
الركوع فعل مثل ذلك ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود». ومثله في البخاري ج 1 ص
118.
(2) ص 2. وليس في كتب الحديث بعد ذكر الركوع «ثلاث مرات».
ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره ، ومد
عنقه وغمض عينيه ثم سبح ثلاثا بترتيل فقال سبحان ربي العظيم وبحمده (ثلاث مرات) ثم
استوى قائما فلما استمكن من القيام قال «سمع الله لمن حمده» ثم كبر وهو قائم ورفع
يديه حيال وجهه ثم سجد. الحديث».
وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
أردت أن تركع فقل وأنت منتصب «الله أكبر» ثم اركع وقل : اللهم لك ركعت ولك أسلمت
وبك آمنت وعليك توكلت وأنت ربي خشع لك قلبي وسمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي
ومخي وعصبي وعظامي وما أقلته قدماي غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر سبحان ربي
العظيم وبحمده (ثلاث مرات في ترتيل) وتصف في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر
، وتمكن راحتيك من ركبتيك وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى ، وبلع
بأطراف أصابعك عين الركبة وفرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك ، وأقم صلبك ومد عنقك
وليكن نظرك بين قدميك ، ثم قل : سمع الله لمن حمده ـ وأنت منتصب قائم ـ الحمد لله
رب العالمين أهل الجبروت والكبرياء والعظمة لله رب العالمين. تجهر بها صوتك. ثم
ترفع يديك بالتكبير ثم تخر ساجدا».
وفي صحيح زرارة الآخر عن أبي جعفر (عليهالسلام) المتقدم في
صدر الباب (2) «فإذا ركعت فصف
في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر وتمكن راحتيك من ركبتيك وتضع يدك اليمنى
على ركبتك اليمنى قبل اليسرى وبلع بأطراف الأصابع عين الركبة وفرج أصابعك إذا
وضعتها على ركبتيك فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك ، وأحب
الي ان تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة وتفرج بينها ، وأقم صلبك
ومد عنقك وليكن نظرك إلى ما بين قدميك ، فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير
وخر ساجدا. الحديث».
وقال في كتاب الفقه الرضوي (3) «وإذا ركعت
فألقم ركبتيك راحتيك وتفرج
__________________
(1) الوسائل الباب 1 من الركوع.
(2) ص 3.
(3) ص 7.
بين أصابعك واقبض عليهما».
وقال في موضع آخر (1) : «فإذا ركعت فمد ظهرك ولا تنكس رأسك
وقل في ركوعك بعد التكبير : اللهم لك ركعت ولك خشعت وبك اعتصمت ولك أسلمت وعليك
توكلت أنت ربي خشع لك قلبي وسمعي وبصري وشعري وبشري ومخي ولحمي ودمي وعصبي وعظامي
وجميع جوارحي وما الأرض مني غير مستنكف ولا مستكبر لله رب العالمين لا شريك له
وبذلك أمرت سبحان ربي العظيم وبحمده (ثلاث مرات) وان شئت خمس مرات وان شئت سبع
مرات وان شئت التسع فهو أفضل. ويكون نظرك في وقت القراءة إلى موضع سجودك وفي
الركوع بين رجليك ثم اعتدل حتى يرجع كل عضو منك إلى موضعه وقل : سمع الله لمن حمده
بالله أقوم واقعد أهل الكبرياء والعظمة لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت ثم
كبر واسجد».
أقول : وفي هذا المقام فوائد (الأولى) ما دل عليه خبر
حماد من استحباب التغميض حال الركوع مناف لما دل عليه صحيحا زرارة من استحباب
النظر إلى ما بين القدمين ، وكلامه (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي ، وربما جمع بينهما بالتخيير وإلى ذلك أشار الشيخ (قدسسره) في النهاية
حيث قال : وغمض عينيك فان لم تفعل فليكن نظرك إلى ما بين رجليك وقال في الذكرى :
لا منافاة فإن الناظر إلى ما بين قدميه تقرب صورته من صورة المغمض ، وهذا الكلام
محتمل لمعنيين (أحدهما) ان إطلاق حماد التغميض على هذه الصورة الشبيهة به مجاز. و
(ثانيهما) ان صورة الناظر إلى ما بين قدميه لما كانت شبيهة بصورة المغمض ظن حماد
ان الصادق (عليهالسلام) كان مغمضا. وهذان
الاحتمالان ذكرهما في كتاب الحبل المتين واستظهر الأول منهما واستبعد الثاني.
(الثانية) ـ ان صريح خبر حماد انه (عليهالسلام) كبر للسجود
قائما وظاهر خبر زرارة كون التكبير حال الهوى للسجود ، وأصرح منهما في ذلك ما رواه
في الكافي
__________________
(1) ص 8.
عن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال «سمعته
يقول كان علي بن الحسين (عليهماالسلام) إذا هوى
ساجدا انكب وهو يكبر». والجمع بالتخيير جيد وقال في الذكرى : ولو كبر في هويه جاز
وترك الأفضل. وهو مشكل بعد ورود الخبر كما عرفت. وقال ابن أبي عقيل : يبدأ
بالتكبير قائما ويكون انقضاء التكبير مع مستقره ساجدا. وخير الشيخ في الخلاف بين
هذا وبين التكبير قائما. وفيه تأييد لما ذكرناه من الجمع بين الأخبار بالتخيير.
إلا ان ما ذكره ابن أبي عقيل ـ من امتداد ذلك إلى ان يستقر ساجدا ـ فيه ما ذكره
بعضهم من انه لا يستحب مده ليطابق الهوى لما ورد (2) «ان التكبير
جزم». وقال في الذكرى : لا ينبغي مد التكبير قصدا لبقائه ذاكرا إلى تمام الهوى لما
روى عن النبي (صلىاللهعليهوآله) (3) قال : «التكبير
جزم». وبالجملة فإن غاية ما يدل عليه خبر المعلى انه يكبر هاويا ، واما امتداده
إلى هذا المقدار فلا دلالة فيه عليه.
(الثالثة) ـ ظاهر الأخبار المذكورة بل صريحها انه يأتي
بالسمعلة بعد الاستقرار قائما وهو المشهور في كلام الأصحاب ، ونقل في الذكرى عن
ظاهر كلام ابن أبي عقيل وابن إدريس وصريح أبي الصلاح وابن زهرة انه يقول «سمع الله
لمن حمده» في حال ارتفاعه وباقي الأذكار بعد انتصابه. وهو خال من المستند بل
الأخبار ـ كما ترى ـ صريحة في رده.
(الرابعة) ـ قد تضمنت صحيحة زرارة الأولى (4) بعد السمعلة :
الحمد لله رب العالمين. الى آخر الدعاء المذكور ثمة ، وكذلك عبارة الفقه الرضوي
بعد البسملة : بالله أقوم واقعد. إلى آخر ما هو مذكور ثمة ، وهو ظاهر في العموم
لجميع المصلين. وقد نقل الفاضلان في المعتبر والمنتهى الإجماع على استحباب السمعلة
للمصلي إماما كان أو مأموما أو منفردا.
__________________
(1) الوسائل الباب 24 من السجود.
(2) ص 37 وفي الوسائل الباب 15 من الأذان والإقامة.
(3) ص 37.
(4) ص 263.
وفي صحيحة جميل المروية في الكافي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) «قلت ما يقول
الرجل خلف الإمام إذا قال : سمع الله لمن حمده؟ قال يقول : الحمد لله رب العالمين
ويخفض من الصوت». وضمير «قال» يحتمل رجوعه إلى الامام وحينئذ فالمستحب للمأموم
انما هو «الحمد لله رب العالمين» خاصة فيمكن تخصيص الأخبار الأولة بها ، ويحتمل
رجوعه إلى المأموم فيكون من قبيل الأخبار المتقدمة إلا انه يقتصر في الذكر بعد
السمعلة على لفظ «الحمد لله رب العالمين» والظاهر ان الأول أقرب إلا ان فيه ما
يوجب الخروج عن الإجماع المدعى في المقام كما عرفت.
وقال في الذخيرة : ولو قيل باستحباب التحميد خاصة
للمأموم لم يكن بعيدا لما رواه الكليني عن جميل بن دراج في الصحيح ، ثم ذكر
الرواية. وفيه ما عرفت من الاحتمالين في الرواية وكلامه لا يتم إلا على تقدير
الاحتمال الأول ، وفيه ما عرفت من الخروج عن دعوى الإجماع المنقول.
ونقل في الذكرى عن الحسين بن سعيد انه روى بإسناده إلى
أبي بصير عن الصادق (عليهالسلام) (2) انه كان يقول
بعد رفع رأسه «سمع الله لمن حمده الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم بحول الله
وقوته أقوم واقعد أهل الكبرياء والعظمة والجبروت». وروى أيضا بإسناده إلى محمد بن
مسلم عنه (عليهالسلام) (3) «إذا قال
الامام سمع الله لمن حمده قال من خلفه ربنا لك الحمد ، وان كان وحده إماما أو غيره
قال : سمع الله لمن حمده الحمد لله رب العالمين».
ونقل المحقق في المعتبر عن الشيخ في الخلاف ان الامام
والمأموم يقولان : «الحمد لله رب العالمين أهل الكبرياء والعظمة» بعد السمعلة ،
قال وهو مذهب علمائنا ثم نقل عن الشافعي يقول الامام والمأموم «ربنا ولك الحمد»
وعن احمد روايتان : إحداهما كما قال الشافعي ، والثانية لا يقولها المنفرد ، وفي
وجوبها عنه روايتان ، وعن أبي حنيفة يقولها
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 17 من الركوع.
المأموم دون الامام (1) وأنكر في
المعتبر ذلك مستندا إلى خلو أخبارنا منه وان المنقول فيها ما ذكره الشيخ. قال في
الذكرى : والذي أنكره في المعتبر يدفعه قضية الأصل والخبر حجة عليه وطريقه صحيح
واليه ذهب صاحب الفاخر واختاره ابن الجنيد ولم يقيده بالمأموم
أقول : الظاهر ان المحقق (قدسسره) لم يقف على
الخبر الذي نقله في الذكرى فيكون إنكاره في محله لعدم وصول الخبر اليه والذي وصل
اليه خال من ذلك ، ويعضده ما نقله في المدارك عن الشيخ انه قال ولو قال «ربنا لك
الحمد» لم تفسد صلاته لانه نوع تحميد لكن المنقول عن أهل البيت (عليهمالسلام) أولى ، فإنه
مشعر بعدم وصول الرواية له بذلك عن أهل البيت (عليهمالسلام).
ثم أقول : من المحتمل قريبا حمل الخبر المذكور على
التقية لموافقته لما عليه العامة من استحباب هذا اللفظ واليه يشير ما نقله في
المدارك عن الشيخ (قدسسره) من قوله «لكن
المنقول عن أهل البيت اولى» والحمل على التقية لا يختص بوجود المعارض كما عرفته
غير مرة حسبما صرحت به اخبارهم (عليهمالسلام).
ثم ان الخبر المنقول عندنا بلفظ «ربنا لك الحمد» بغير
واو والعامة مختلفون في ثبوتها وسقوطها بناء على اختلاف رواياتهم في ذلك ، فمنهم
من أسقطها لأنها زيادة لا معنى لها وهو منقول عن الشافعي ، والأكثر منهم على
ثبوتها ، وعلى تقدير ثبوتها فمنهم من زعم انها واو العطف ومنهم من زعم انها مقحمة (2).
(الخامسة) ـ لا يخفى ان «سمع» من الأفعال المتعدية إلى
المفعول بنفسها وعدي هنا باللام تضمينا لمعنى (استحباب) فعدي بما يعدى به كما ان
قوله تعالى «لا يسمعون إلى الملإ الأعلى» (3) ضمن معنى الإصغاء اي يصغون فعدي ب «إلى»
قال في النهاية الأثيرية
__________________
(1) المغني ج 1 ص 508 و 510 والبحر الرائق ج 1 ص 316.
(2) البحر الرائق ج 1 ص 316 وعمدة القارئ ج 3 ص 113 والمغني ج
1 ص 508.
(3) سورة الصافات ، الآية 8.
«سمع الله لمن حمده» أي أجاب حمده
وتقبله ، يقال اسمع دعائي أي أجب لأن غرض السائل الإجابة والقبول ، ومنه الحديث «اللهم
إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع». اي لا يستجاب ولا يعتد به فكأنه غير مسموع.
(السادسة) ـ قال في الذكرى : يستحب للإمام رفع صوته
بالذكر في الركوع والرفع ليعلم المأموم لما سبق من استحباب إسماع الإمام للمأمومين
، أما المأموم فيسر واما المنفرد فمخير إلا التسميع فإنه جهر على إطلاق الرواية
السالفة. انتهى. أقول : أشار بالرواية إلى ما تقدم في صحيحة زرارة الاولى (1) من قوله «تجهر
بها صوتك».
(السابعة) ـ قال في الذكرى أيضا : ويجوز الصلاة على
النبي (صلىاللهعليهوآله) في الركوع
والسجود بل يستحب ، ففي الصحيح عن عبد الله بن سنان (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يذكر النبي (صلىاللهعليهوآله) وهو في
الصلاة المكتوبة إما راكعا أو ساجدا فيصلي عليه وهو على تلك الحال؟ فقال نعم ان
الصلاة على نبي الله كهيئة التكبير والتسبيح وهي عشر حسنات يبتدرها ثمانية عشر
ملكا أيهم يبلغها إياه». وعن الحلبي عنه (عليهالسلام) (3) «كل ما ذكرت
الله عزوجل به والنبي (صلىاللهعليهوآله) فهو من
الصلاة».
أقول : روى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال عن محمد بن أبي
حمزة عن أبيه (4) قال : «قال
أبو جعفر (عليهالسلام) من قال في
ركوعه وسجوده وقيامه : اللهم صل على محمد وآل محمد ، كتب الله له ذلك بمثل الركوع
والسجود والقيام». ونحوه روى الشيخ في التهذيب (5) إلا ان فيه «صلى الله على محمد وآل
محمد». وهذا الخبر هو الأليق
__________________
(1) ص 263.
(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 20 من الركوع.
(5) هذه الرواية رواها الكليني في الكافي ج 1 من الفروع ص 89
ونقلها عنه في الوافي باب الصلاة على النبي وآله «ص» وفي الوسائل في الباب 20 من
الركوع ولم ينقلاها عن التهذيب.
بالاستدلال على الحكم المذكور ، إذ
المدعى هو استحباب الصلاة ابتداء في هذه المواضع والأخبار المذكورة انما تدل على
الاستحباب من حيث ذكره (صلىاللهعليهوآله) بناء على ما
هو المشهور بينهم من استحباب الصلاة متى ذكر وان كان الأظهر عندي القول بالوجوب
وهذا أمر عام لحال الركوع وغيره والمدعى انما هو استحباب الصلاة في الركوع وكذا في
السجود والقيام كما دل عليه الخبر المذكور.
(الثامنة) ـ قد صرح جملة من الأصحاب بكراهة القراءة في
الركوع والسجود ، قال في المنتهى لا تستحب القراءة في الركوع والسجود وهو وفاق لما
رواه علي (عليهالسلام) «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) نهى عن قراءة
القرآن في الركوع والسجود». رواه الجمهور (1) ولأنها عبادة فتستفاد كيفيتها من
صاحب الشرع وقد ثبت انه لم يقرأ فيهما فلو كان مستحبا لنقل فعله ، وقال : يستحب ان
يدعو في ركوعه لانه موضع اجابة لكثرة الخضوع فيه. وقال في الدروس : يكره قراءة
القرآن في الركوع والسجود. وقال في الذكرى : كره الشيخ القراءة في الركوع وكذا
يكره عنده في السجود والتشهد ، وقد روى العامة عن علي (عليهالسلام) عن النبي (صلىاللهعليهوآله) (2) انه قال : «ألا
اني نهيت ان اقرأ راكعا وساجدا». ولعله ثبت طريقه عند الشيخ (رحمهالله) وقد روى في
التهذيب قراءة المسبوق مع التقية في ركوعه (3) وروى عن عمار عن الصادق (عليهالسلام) (4) في الناسي
حرفا من القرآن «لا يقرأ راكعا بل ساجدا».
__________________
(1) صحيح الترمذي على هامش شرحه لابن العربي ج 2 ص 65 والمغني
ج 1 ص 503.
(2) سنن أبي داود ج 1 ص 232 رقم 876 عن ابن عباس عن النبي «ص».
(3) لم نقف على هذه الرواية بعد الفحص عنها في مظانها وقد صرح
المصنف «قدسسره» عند تعرضه للمسألة في صلاة الجماعة ص
256 بأنه لم يقف على مستند للقول بأن المصلي خلف من لا يقتدي به يقرأ حال الركوع
إذا ركع الامام قبل إتمامه لفاتحة.
(4) الوسائل الباب 30 من القراءة و 8 من الركوع.
أقول : ظاهر كلام أصحابنا في هذا المقام انه لا سند لهذا
الحكم في أخبارنا ولذلك ان العلامة في المنتهى اقتصر على الخبر المنقول عن علي (عليهالسلام) مع اعترافه
بكونه من روايات الجمهور ، واليه يشير أيضا قوله في الذكرى بعد اسناد الحكم إلى
الشيخ وتعقيبه بالخبر المذكور : «ولعله ثبت طريقه عند الشيخ».
أقول : والذي وقفت عليه من أخبارنا في ذلك ما رواه
الحميري في كتاب قرب الاسناد عن أبي البختري عن الصادق عن أبيه عن علي (عليهمالسلام) (1) قال : «لا
قراءة في ركوع ولا سجود انما فيهما المدحة لله عزوجل ثم المسألة
فابتدئوا قبل المسألة بالمدحة لله عزوجل ثم اسألوا
بعدها».
وما رواه في الخصال عن السكوني عن الصادق عن آبائه عن
علي (عليهمالسلام) (2) قال : «سبعة
لا يقرأون القرآن : الراكع والساجد وفي الكنيف وفي الحمام والجنب والنفساء والحائض».
أقول : ما اشتمل عليه الخبر الأول من استحباب الدعاء في
الركوع قد صرح به ابن الجنيد فقال : لا بأس بالدعاء فيهما ـ يعني الركوع والسجود ـ
لأمر الدين والدنيا من غير ان يرفع يديه في الركوع عن ركبتيه ولا عن الأرض في
سجوده.
وروى في كتاب معاني الأخبار عن محمد بن هارون الزنجاني
عن علي بن عبد العزيز عن القاسم بن سلام رفعه (3) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) اني قد نهيت
عن القراءة في الركوع والسجود ، فاما الركوع فعظموا الله فيه واما السجود فأكثروا
فيه الدعاء فإنه قمن ان يستجاب لكم».
أقول : والذي يقرب في الخاطر الفاتر ان أصل هذا الحكم
انما هو من
__________________
(1 و 3) الوسائل الباب 8 من الركوع.
(2) الوسائل الباب 47 من قراءة القرآن.
العامة (1) وان هذه
الأخبار خرجت مخرج التقية ، ويعضدها ان رواتها رجال العامة ، وان هذا الحكم انما
ذكره المتأخرون واشتهر بينهم ولا وجود له في كلام المتقدمين في ما أظن ، وقد عرفت
ان أصحابنا القائلين بذلك انما استندوا إلى ذلك الخبر العامي وهذا الخبر الأخير
يشير إليه أيضا ، وكيف كان فالاحتياط في ترك ذلك.
(التاسعة) ـ قال في الذكرى : ظاهر الشيخ وابن الجنيد
وكثير ان السبع نهاية الكمال في التسبيح وفي رواية هشام (2) اشارة اليه ،
لكن روى حمزة بن حمران والحسن بن زياد ، ثم نقل الخبر وقد تقدم في الموضع الثاني
من المقام الأول (3) ثم نقل رواية
أبان بن تغلب المنقولة ثمة ، ثم قال قال في المعتبر الوجه استحباب ما لا يحصل معه
السأم إلا ان يكون اماما. وهو حسن. ولو علم من المأمومين حب الإطالة استحب له أيضا
التكرار.
أقول : أشار برواية هشام إلى الخبر الأول من الأخبار
المتقدمة في الموضع الثاني من المقام الأول (4) المصرحة بأن السنة ثلاث والفضل في
سبع ، وظاهر عبارة كتاب الفقه المتقدمة ان الفضل في التسع ، والجمع بين الأخبار لا
يخلو من اشكال إلا ان المقام مقام استحباب.
(العاشرة) ـ روى الحميري في كتاب قرب الاسناد بسنده عن
علي بن جعفر (5) ورواه علي بن
جعفر في كتابه عن أخيه موسى (عليهالسلام) (6) قال : «سألته
عن تفريج الأصابع في الركوع أسنة هو؟ قال من شاء فعل ومن شاء ترك».
__________________
(1) المغني ج 1 ص 503 «يكره ان يقرأ في الركوع والسجود لما روى
عن على «ع» ان النبي (ص) نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود». وفي بداية
المجتهد لابن رشد ج 1 ص 117 «اتفق الجمهور على منع قراءة القرآن في الركوع والسجود
لحديث على (ع) في ذلك ، إلى ان قال : وصار قوم من التابعين إلى جواز ذلك».
(2 و 4) ص 248.
(3) 250.
(5 و 6) الوسائل الباب 22 من الركوع.
وربما أشعر هذا الخبر بان تفريج الأصابع ليس بسنة حال
الركوع مع دلالة الأخبار المتقدمة وغيرها على استحبابه ، ولعل المراد انه ليس بسنة
مؤكدة ، أو ليس من الواجبات التي علمت من جهة السنة ، وبالجملة فالواجب ارتكاب
التأويل في الخبر وان بعد لكثرة الأخبار الدالة على استحباب ذلك مع اعتضادها بفتوى
الأصحاب.
وقال في المنتهى : يستحب للمصلي وضع الكفين على عيني
الركبتين مفرجات الأصابع عند الركوع ، وهو مذهب العلماء كافة إلا ما روى عن ابن
مسعود (1) انه كان إذا
ركع طبق يديه وجعلهما بين ركبتيه.
وفي الذكرى عد التطبيق من مكروهات الركوع قال : ولا يحرم
على الأقرب وهو قول أبي الصلاح والفاضلين ، وظاهر الخلاف وابن الجنيد التحريم ،
وحينئذ يمكن البطلان للنهي عن العبادة والصحة لأن النهي عن وصف خارج.
أقول : لم أقف في الأخبار على نهي عن ذلك بل ولا ذكر
لهذه المسألة بنفي أو إثبات فالقول بالتحريم وما فرع عليه من البطلان لا اعرف له
وجها.
(الحادية عشرة) ـ قد عد جملة من الأصحاب : منهم ـ الشيخ (عطر
الله مرقده) ومن تأخر عنه من مكروهات الركوع ان يركع ويداه تحت ثيابه ، وقالوا
يستحب ان تكونا بارزتين أو في كمه. وقال ابن الجنيد لو ركع ويداه تحت ثيابه جاز
ذلك إذا كان عليه مئزر أو سراويل.
ويمكن الاستدلال على ما ذكروه برواية عمار عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) (2) «في الرجل يصلي
فيدخل يده تحت ثوبه؟ قال ان كان عليه ثوب آخر إزار أو سراويل فلا بأس».
ونقل عن أبي الصلاح انه قال : يكره إدخال اليدين في
الكمين أو تحت الثياب. وأطلق ، ويدفعه ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر
(عليهالسلام) (3)
__________________
(1) المغني ج 1 ص 499.
(2 و 3) الوسائل الباب 40 من لباس المصلي.
قال : «سألته عن الرجل يصلي ولا يخرج
يديه من ثوبه؟ قال ان اخرج يديه فحسن وان لم يخرج فلا بأس».
(الثانية عشرة) ـ روى في مستطرفات السرائر من كتاب الحسن بن محبوب عن بريد العجلي (1) قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) أيهما أفضل في الصلاة كثرة القراءة أو طول اللبث في الركوع والسجود؟ قال فقال كثرة اللبث في الركوع والسجود في الصلاة أفضل ، أما تسمع لقول الله تعالى «فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ» (2) إنما عنى بإقامة الصلاة طول اللبث في الركوع والسجود ، قلت فأيهما أفضل كثرة القراءة أو كثرة الدعاء؟ فقال كثرة الدعاء أفضل أما تسمع لقوله تعالى لنبيه (صلىاللهعليهوآله) (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ)» (3).
__________________
(1) الوسائل الباب 26 من الركوع.
(2) سورة المزمل ، الآية 20.
(3) سورة الفرقان ، الآية 77.