ج15 - بقية تروك الإحرام

بقية تروك الإحرام

الثالث ـ قد صرح العلامة في المنتهى والتذكرة وغيره بأنه لا يجوز للمحرم لبس الخفين ، ولا ما يستر ظهر القدم ، اختيارا ، ويجوز اضطرارا وهو من ما لا خلاف فيه بينهم ، كما ذكره العلامة في الكتابين المذكورين ، قال : ولا نعلم فيه خلافا.

أقول : ويدل عليه ما رواه الصدوق عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) : «في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل؟ قال : نعم ، ولكن يشق ظهر القدم».

وما رواه في الكافي في الموثق عن حمران عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «المحرم يلبس السراويل إذا لم يكن معه إزار ، ويلبس الخفين إذا لم يكن معه نعل».

وصحيحة الحلبي (3) وفيها : «واي محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله ان يلبس الخفين إذا اضطر الى ذلك ، والجوربين يلبسهما إذا اضطر الى لبسهما».

وفي صحيحة زرارة (4) : «أنه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يلبس الخفين والجوربين؟ قال : إذا اضطر إليهما».

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 51 من تروك الإحرام.

(3) الوسائل الباب 51 من تروك الإحرام.

(4) الفروع ج 4 ص 347 ، والفقيه ج 2 ص 217 ، والوسائل الباب 51 من تروك الإحرام رقم 4. والراوي هو رفاعة.


وفي صحيحة معاوية بن عمار (1) : «ولا تلبس سراويل إلا ان لا يكون لك إزار ، ولا خفين إلا ان لا يكون لك نعلان».

وهذه الروايات كلها إنما دلت على الخفين والجوربين ، واما ما يستر ظهر القدم من غير ان يدخل تحت اللباس فلا دليل عليه. والظاهر ان مرادهم ليس مجرد ستر القدم ، بل المراد لبس ما يوجب ستر القدم وعلى هذا فيحمل ذكر الخفين والجوربين على التمثيل دون الاختصاص.

والظاهر المتبادر من هذه الروايات هو اختصاص التحريم بما يلزم منه ستر ظهر القدم كلا دون بعضه ، بل احتمل في المدارك اختصاصه بساتر الجميع إذا كان له ساق كما في الخف والجورب.

بقي الكلام في انه متى اضطر الى لبسه فهل يجب شقه أم لا؟ فقال الشيخ واتباعه بالوجوب ، لرواية محمد بن مسلم المتقدمة ، ورواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) : «في رجل هلكت نعلاه ولم يقدر على نعلين؟ قال : له ان يلبس الخفين إذا اضطر الى ذلك ، وليشقه من ظهر القدم. الحديث».

وقال ابن إدريس وجمع من الأصحاب ـ منهم المحقق ـ : لا يجب شق الخفين ، للأصل ، وإطلاق الأمر بلبس الخفين مع عدم النعلين في الاخبار المتقدمة ، ولو كان الشق واجبا لذكر في مقام البيان. وفيه ان غاية هذه الاخبار ان تكون مطلقة في ذلك ، وهي لا تنافي الأخبار المقيدة ، لأن المقيد يحكم على المطلق ، كما هو القاعدة المسلمة بينهم.

ثم انه قد اختلف كلامهم أيضا في كيفية ذلك ، فقال الشيخ في

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 69 و 70 ، والوسائل الباب 35 من تروك الإحرام.

(2) الفروع ج 4 ص 346 ، والوسائل الباب 51 من تروك الإحرام.


للبسوط : يشق ظهر قدميهما. وقال في الخلاف : انه يقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين. وقال ابن الجنيد : ولا يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد نعلين حتى يقطعهما إلى أسفل الكعبين. وقال ابن حمزة : انه يشق ظاهر القدمين ، وان قطع الساقين كان أفضل. والذي دل عليه الخبران المتقدمان شق ظهر القدم خاصة. نعم ورد القطع الى الكعبين في روايات العامة حيث رووا عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) انه قال : «فان لم يجد نعلين فليلبس خفين ، وليقطعهما حتى يكونا الى الكعبين». ولا يبعد ان يكون من ذكر القطع من أصحابنا إنما تبع فيه العامة ، حيث انه لا مستند له في أخبارنا ، أو لعله وصل إليهم ولم يصل إلينا.

والظاهر اختصاص الحكم المذكور بالرجل ، لانه مورد الروايات دون المرأة. واستظهره شيخنا الشهيد في الدروس.

الرابع ـ قد صرحوا (رضوان الله عليهم) بأنه لا يجوز للمرأة المحرمة لبس القفازين ، ولا الحلي الذي لم تجر عادتها بلبسه قبل الإحرام.

ويدل على الأول ما رواه في الكافي في الصحيح عن عيص بن القاسم (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين. وكره النقاب. الحديث».

__________________

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 51. وارجع الى الاستدراكات.

(2) الفروع ج 4 ص 344 ، والوسائل الباب 33 من الإحرام ، والباب 48 من تروك الإحرام.


وعن النضر بن سويد عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن المرأة المحرمة أي شي‌ء تلبس من الثياب؟ قال : تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران والورس ، ولا تلبس القفازين ولا حليا تتزين به لزوجها ، ولا تكتحل إلا من علة ، ولا تمس طيبا ، ولا تلبس حليا ولا فرندا. ولا بأس بالعلم في الثوب».

والقفاز كرمان : شي‌ء يعمل لليدين يحشى بقطن ، تلبسهما المرأة للبرد ، ويكون لهما أزرار تزر على الساعدين.

وعن أبي عيينة (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) : ما يحل للمرأة ان تلبس من الثياب وهي محرمة؟ قال : الثياب كلها ما خلا القفازين والبرقع والحرير».

وما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه في الصحيح عن يحيى ابن ابي العلاء عن ابي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (3) : «انه كره للمحرمة البرقع والقفازين».

أقول : والمراد بالكراهة هنا التحريم كما هو شائع في الاخبار. واما الثاني فتحريمه هو المشهور بين الأصحاب ، بل لا نعلم فيه مخالفا إلا ما يظهر من المحقق في الشرائع حيث جعله الاولى. هذا في ما لم يقصد به الزينة ، واما مع ذلك فلا خلاف في تحريمه.

وتدل عليه رواية النضر بن سويد المتقدمة ، وصحيحة محمد بن مسلم المروية في التهذيب وفي من لا يحضره الفقيه عن ابي عبد الله

__________________

(1) الوسائل الباب 33 من الإحرام ، والباب 49 من تروك الإحرام.

(2) الفروع ج 4 ص 345 ، والوسائل الباب 33 من الإحرام.

(3) الفقيه ج 2 ص 219 ، والوسائل الباب 33 من الإحرام.


(عليه‌السلام) (1) قال : «المحرمة تلبس الحلي كله إلا حليا مشهورا للزينة». والمراد بالمشهور ، يعني : الظاهر الذي تحصل به الزينة.

واما تحريم ما لم تعتد لبسه قبل الإحرام ـ كما هو المشهور ـ فلم أقف في الاخبار على ما يدل عليه صريحا ولا ظاهرا ، وغاية ما استدل به في المدارك على ذلك مفهوم قوله (عليه‌السلام) في صحيحة حريز (2) : «إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للإحرام لم ينزع عنها». فان مفهومه يدل على النزع لو أحدثته للإحرام.

والذي وقفت عليه من روايات المسألة زيادة على ما ذكرنا ما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (3) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن المرأة يكون عليها الحلي ، والخلخال ، والمسكة ، والقرطان من الذهب والورق ، تحرم فيه وهو عليها ، وقد كانت تلبسه في بيتها قبل حجها ، انتزعه إذا أحرمت أو تتركه على حاله؟ قال : تحرم فيه وتلبسه ، من غير ان تظهره للرجال في مركبها ومسيرها».

وما رواه في من لا يحضره الفقيه (4) عن عبد الله بن يحيى الكاهلي في الحسن عنه (عليه‌السلام) انه قال : «تلبس المرأة المحرمة الحلي كله إلا القرط المشهور والقلادة المشهورة».

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 49 من تروك الإحرام.

(2) الفقيه ج 2 ص 220 ، والوافي باب (لباس المحرمة وحليها) والوسائل الباب 49 من تروك الإحرام.

(4) ج 2 ص 220 ، والوسائل الباب 49 من تروك الإحرام.


وقال في من لا يحضره الفقيه (1) : «وسأله يعقوب بن شعيب عن المرأة تلبس الحلي. فقال : تلبس المسك والخلخالين».

وقال : وفي رواية حريز (2) قال : «إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للإحرام لم تنزعه عنها».

وما رواه في التهذيب (3) في الصحيح عن يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في حديث قال : «وتلبس الخلخالين والمسك».

وعن عمار الساباطي في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «تلبس المحرمة الخاتم من الذهب».

أقول : والمستفاد من مجموع روايات المسألة وضم بعضها الى بعض هو انه يحرم عليها قصد الزينة ، سواء كان بما تعتاده قبل الإحرام أم لا ، وعليه تدل رواية النضر وصحيحة محمد بن مسلم المذكورتان. واليه يشير قوله في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : «تحرم فيه وتلبسه ، من غير ان تظهره للرجال» من زوجها وغيره من أقاربها. فلا وجه لتخصيص الزوج ، كما وقع في عبارات جملة من الأصحاب. واما ما لم تقصد به الزينة فلا بأس بما اعتادته قبل الإحرام بشرط ان لا تظهره ، وفي غير المعتاد تردد ، والأحوط تحريمه.

والظاهر انه لا فدية في لبس القفازين ولا الحلي المحرم سوى

__________________

(1) ج 2 ص 220 ، والوسائل الباب 49 من تروك الإحرام.

(2) الفقيه ج 2 ص 220 ، والوافي باب (لباس المحرمة وحليها) والوسائل الباب 49 من تروك الإحرام.

(3) ج 5 ص 74 و 75 ، والوسائل الباب 33 من الإحرام.

(4) التهذيب ج 5 ص 76 ، والوسائل الباب 46 و 49 من تروك الإحرام.


الاستغفار ، للأصل ، وعدم الدليل في الباب.

الخامس ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بأنه يحرم على الرجل لبس الخاتم ان قصد به الزينة ، وان قصد به السنة فلا بأس.

ويدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح عن احمد بن ابي نصر عن نجيح عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (1) قال : «لا بأس بلبس الخاتم للمحرم». قال في الكافي (2) : وفي رواية أخرى : «لا يلبسه للزينة».

وما رواه في التهذيب (3) في الصحيح عن محمد بن إسماعيل قال : «رأيت العبد الصالح (عليه‌السلام) وهو محرم ، وعليه خاتم ، وهو يطوف طواف الفريضة».

وما رواه في من لا يحضره الفقيه (4) عن مسمع عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته : أيلبس المحرم الخاتم؟ قال : لا يلبسه للزينة».

ويؤيده ما في رواية حريز (5) قال : «لا تنظر في المرآة وأنت محرم لانه من الزينة.

ولا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ، ان السواد زينة».

السادس ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في لبس السلاح للمحرم لغير ضرورة ، فقيل بالتحريم ، وهو المشهور ، والقول بالجواز نادر.

__________________

(1 و 2) الفروع ج 4 ص 343 ، والوسائل الباب 46 من تروك الإحرام.

(3) ج 5 ص 73 ، والوسائل الباب 46 من تروك الإحرام.

(4) التهذيب ج 5 ص 73 ، والوسائل الباب 46 من تروك الإحرام.

(5) الفروع ج 4 ص 356 ، والوسائل الباب 34 و 33 من تروك الإحرام.


ويدل على القول المشهور الاخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) : «ان المحرم إذا خاف العدو فلبس السلاح فلا كفارة عليه».

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) : أيحمل السلاح المحرم؟ فقال : إذا خاف المحرم عدوا أو سرقا فليلبس السلاح».

وفي من لا يحضره الفقيه (3) عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «المحرم إذا خاف لبس السلاح».

وفي الكافي عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (4) قال : «لا بأس بأن يحرم الرجل وعليه سلاحه إذا خاف العدو».

ودلالة هذه الاخبار على التحريم وان كان بالمفهوم إلا انه مفهوم شرط ، وهو حجة عند محققي الأصوليين وعندي ، للأخبار المتقدمة في مقدمات الكتاب. إلا انه ربما يقال : ان المفهوم إنما يعتبر إذا لم يظهر للتعليق وجه سوى نفى الحكم عن ما عدا محل الشرط ، وهنا ليس كذلك. ولا يبعد ان يكون التعليق باعتبار عدم الاحتياج الى لبس السلاح عند انتفاء الخوف لا تحريمه. ويؤيده ان مقتضى الرواية الأولى لزوم الكفارة بلبس السلاح مع انتفاء الخوف. ولا قائل به. ويمكن حملها على ما لا يجوز للمحرم لبسه كالدرع ، ومعه يسقط الاحتجاج بها رأسا. ومن أجل هذه الوجوه مال في المدارك الى القول بالكراهة وفاقا للمصنف. وفيه نظر ، فان الظاهر ان ما ذكره من

__________________

(1 و 2) التهذيب ج 5 ص 387 ، والوسائل الباب 54 من تروك الإحرام.

(3 و 4) الوسائل الباب 54 من تروك الإحرام.


الفائدة في التعليق بعيد جدا ، فان عدم الاحتياج الى لبس السلاح عند انتفاء الخوف أمر ظاهر لا يحتاج الى تنبيه عليه ليكون هو الغرض من التعليق. وعدم القول بمضمون الرواية الدالة على الكفارة مع صحتها وصراحتها لا يوجب طرحها ولا تأويلها ، بل الواجب العمل بها مع عدم وجود المعارض لها. وبالجملة فالظاهر هو المشهور. والله العالم.

الصنف الخامس والسادس ـ الاكتحال بالسواد ، وما فيه طيب. وكذا النظر في المرآة.

فاما الأول فالمشهور فيه القول بالتحريم ، وهو قول الشيخ في النهاية والمبسوط ، والشيخ المفيد ، وسلار ، وابن إدريس ، وغيرهم. وقال في الخلاف : انه مكروه. وقال أبو جعفر بن بابويه في المقنع : ولا بأس ان يكتحل بالكحل كله إلا كحلا أسود للزينة. وقال ابن الجنيد : ولا تكتحل المرأة بالإثمد.

والذي وقفت عليه من الروايات المتعلقة بالمسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لا يكتحل الرجل والمرأة المحرمان بالكحل الأسود إلا من علة».

وعن حريز في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) : قال : «لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ، ان السواد زينة».

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن حريز في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «لا تنظر في المرآة وأنت

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 33 من تروك الإحرام.

(3) الفروع ج 4 ص 356 ، والوسائل الباب 34 و 33 من تروك الإحرام.


محرم ، لانه من الزينة. ولا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ، ان السواد زينة».

وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الكحل للمحرم. قال : اما بالسواد فلا ولكن بالصبر والحضض».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عنه ـ يعني : أبا عبد الله (عليه‌السلام) (2) ـ قال : «تكتحل المرأة بالكحل كله إلا الكحل الأسود للزينة».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «لا بأس ان تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه ، فأما للزينة فلا».

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح (4) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : يكتحل المحرم ان هو رمد بكحل ليس فيه زعفران».

وما رواه ثقة الإسلام عن معاوية في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «المحرم لا يكتحل إلا من وجع. وقال : لا بأس بأن تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه ، فأما للزينة فلا».

وعن ابان عن من أخبره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (6) قال : «إذا اشتكى المحرم عينيه فليكتحل بكحل ليس فيه مسك ولا طيب».

وما رواه في التهذيب عن هارون بن حمزة الغنوي عن ابي عبد الله

__________________

(1 و 2 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 33 من تروك الإحرام.

(3) التهذيب ج 5 ص 302 ، والوسائل الباب 33 من تروك الإحرام.


(عليه‌السلام) (1) قال : «لا يكحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران وليكتحل بكحل فارسي». قال في القاموس : كحل فارس : الانزروت وكحل خولان : الحضض.

أقول : وهذه الاخبار ما بين ما هو ظاهر في المنع من حيث قصد الزينة به ـ كما ذكره الصدوق في المقنع ـ وما بين ما هو ظاهر في المنع مطلقا ، معللا في بعضها بلزوم حصول الزينة منه وان لم يقصدها كما هو القول المشهور. ويشير الى ما قلناه ما في صحيحتي حريز من قوله (عليه‌السلام) : «ان السواد زينة» فعلل التحريم بما يحصل منه الزينة وان لم يقصده المكتحل ، واما إذا قصدها فلا إشكال في التحريم. ولا تنافي بين هذه الاخبار. وحينئذ فتخصيص الصدوق التحريم بقصد الزينة ليس في محله ، لان فيه طرحا لهذه الأخبار الباقية. وبذلك يظهر قوة القول المشهور.

واما ما ذكره في الخلاف فيحتمل ان يكون مستنده قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار الثانية : «لا بأس ان تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه» وقوله (عليه‌السلام) في صحيحته أو حسنته التي بعدها «لا بأس بأن تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه» والجواب : حمل الكحل هنا على سائر الأكحال غير السواد ، جمعا. ويشير اليه قوله بعد هذه العبارة : «فأما للزينة فلا» يعني : الكحل الأسود الذي تحصل منه الزينة ويكتحل به للزينة.

واما ما ذكره في الذخيرة بعد نقل جملة من هذه الاخبار ـ :

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 301 ، والوسائل الباب 33 من تروك الإحرام.


والجمع بين الاخبار يقتضي حمل ما دل على النهي عن الاكتحال بالسواد على ما كان للزينة. ثم ان قلنا بأن النهي في أخبارنا يدل على التحريم تعين المصير اليه ، وإلا كان المتجه قول الشيخ. ويؤيده إجماع الفرقة عليه. انتهى ـ ففيه ما عرفت من انه لا منافاة بين الاخبار المذكورة بالتقريب الذي ذكرناه ، إذ ما دل على التحريم مطلقا قد علل بلزوم الزينة منه وان لم تقصد ، كما عرفت من صحيحتي حريز ، فلا يصلح للتقييد بما ذكره. وعلى هذا فيصير قصد الزينة به مرتبة اخرى فوق هذه المرتبة وأبلغ في التحريم. واما قوله : «ثم ان قلنا. الى آخره» فهو من تشكيكاته الواهية التي للوساوس مضاهية ، كما أوضحناه في غير موضع من ما تقدم.

هذا كله في الرجل والمرأة مع الاختيار ، اما لو دعت الضرورة إليه فالظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في الجواز.

ويدل عليه ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار الاولى : «لا يكتحل الرجل والمرأة المحرمان بالكحل الأسود إلا من علة» وصحيحة عبد الله بن سنان الدالة على انه إذا رمد يكتحل بكحل ليس فيه زعفران. وصحيحة معاوية أو حسنته الدالة على ان المحرم لا يكتحل إلا من وجع.

ويدل عليه ايضا ما رواه الكليني عن عبد الله بن يحيى الكاهلي في الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سأله رجل ضرير البصر وانا حاضر ، فقال : اكتحل إذا أحرمت؟ قال : لا ، ولم تكتحل؟ قال : اني ضرير البصر فإذا أنا اكتحلت نفعني وإذا لم اكتحل ضرني. قال :

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 358 ، والوسائل الباب 33 و 70 من تروك الإحرام.


فاكتحل. قال : فإني أجعل مع الكحل غيره؟ قال : ما هو؟ قال : آخذ خرقتين فأربعهما فاجعل على كل عين خرقة وأعصبهما بعصابة إلى قفاي ، فإذا فعلت ذلك نفعني وإذا تركته ضرني. قال : فاصنعه».

وروى الصدوق عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لا بأس للمحرم ان يكتحل بكحل ليس فيه مسك ولا كافور إذا اشتكى عينيه».

واما الثاني فإن المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) تحريمه حتى ان العلامة في التذكرة قال : أجمع علماؤنا على انه لا يجوز للمحرم ان يكتحل بكحل فيه طيب ، سواء كان رجلا أو امرأة. ونقل عن ابن البراج انه جعل ذلك مكروها. والظاهر ضعفه ، لما دل على تحريم استعمال الطيب مطلقا. وخصوص ما تقدم من الروايات ، مثل صحيحة معاوية بن عمار الثانية ، وصحيحة عبد الله بن سنان ، وصحيحة معاوية أو حسنته ، ومرسلة أبان ، ورواية الغنوي. وظاهر الاخبار المذكورة تقييد الطيب بأنه توجد رائحته ، فلو كان مسلوب الرائحة فالظاهر جوازه.

واما الثالث فالقول بالتحريم فيه هو المشهور ايضا ، وخالف الشيخ في الخلاف فذهب إلى انه مكروه. والأصح التحريم.

ويدل عليه ما تقدم في صحيحة حريز المتقدمة المروية في الكافي ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «لا تنظر في المرآة وأنت محرم ، فإنها من الزينة».

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 221 ، والوسائل الباب 33 من تروك الإحرام.

(2) التهذيب ج 5 ص 302 ، والوسائل الباب 34 من تروك الإحرام.


وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لا تنظر المرأة المحرمة في المرآة للزينة».

وهذان الخبران جاريان على ما قدمناه في الاخبار السابقة ، فإن الأول منهما دل على النهي عن النظر مطلقا ، معللا بترتب الزينة على النظر وان لم يقصدها الناظر ، والثاني دل على النظر لأجل الزينة. ولا منافاة بينهما ، بل أحدهما مؤكد للآخر. وبه يظهر ان الاخبار المتقدمة لا منافاة بينها لتحتاج الى الجمع بما ذكره ذلك الفاضل (رحمه‌الله تعالى).

النصف السابع والثامن ـ الفسوق والجدال ، والبحث هنا يقع في موضعين :

الأول ـ في الفسوق ، وقد اجمع العلماء كافة على تحريمه في الحج وغيره. والأصل فيه بالنسبة إلى الحج قوله (عزوجل) (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (2) والحج يتحقق بالتلبس بإحرامه ، بل بإحرام عمرة التمتع ، لدخولها في الحج.

وقد اختلف الأصحاب في تفسير الفسوق ، فقال الشيخ : الفسوق هو الكذب. وكذا قال الشيخ علي بن بابويه ، وابنه في المقنع. وقال ابن الجنيد : انه الكذب والسباب. وكذا قال السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه). وقال ابن ابي عقيل : انه الكذب واللفظ القبيح وقال ابن البراج : انه الكذب على الله (تعالى) وعلى رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعلى الأئمة (عليهم‌السلام).

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 302 ، والوسائل الباب 34 من تروك الإحرام.

(2) سورة البقرة ، الآية 197.


والمشهور الأول ، وهو المعتمد. ويدل عليه ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): إذا أحرمت فعليك بتقوى الله (تعالى) وذكر الله كثيرا ، وقلة الكلام إلا بخير ، فان من تمام الحج والعمرة ان يحفظ المرء لسانه إلا من خير ، كما قال الله (عزوجل) ، فان الله (تعالى) يقول (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (2) والرفث : الجماع ، والفسوق : الكذب والسباب ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله». وزاد في الكافي : «واعلم ان الرجل إذا حلف بثلاثة أيمان ولاء في مقام واحد وهو محرم فقد جادل ، فعليه دم يهريقه ويتصدق به ، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل ، وعليه دم يهريقه ويتصدق به. وقال : اتق المفاخرة ، وعليك بورع يحجزك عن معاصي الله (تعالى) ، فان الله (عزوجل) يقول (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (3) قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : من التفث ان تتكلم في إحرامك بكلام قبيح ، فإذا دخلت مكة وطفت بالبيت وتكلمت بكلام طيب ، فكان ذلك كفارة لذلك. قال : وسألته عن الرجل يقول : لا لعمري وبلى لعمري. قال : ليس هذا من الجدال ، إنما الجدال : لا والله وبلى والله». ورواه الصدوق (4)

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 227 و 238 ، والتهذيب ج 5 ص 296 ، والوسائل الباب 32 من تروك الإحرام ، والباب 1 من بقية كفارات الإحرام.

(2) سورة البقرة ، الآية 197.

(3) سورة الحج ، الآية 27.

(4) الفقيه ج 2 ص 214 ، والوسائل الباب 32 من تروك الإحرام.


من قوله (عليه‌السلام): «اتق المفاخرة» إلى قوله : «وكان ذلك كفارة لذلك».

وما رواه الشيخ في التهذيب (1) في الصحيح عن علي بن جعفر قال : «سألت أخي موسى (عليه‌السلام) عن الرفث والفسوق والجدال ما هو؟ وما على من فعله؟ فقال : الرفث : جماع النساء ، والفسوق : الكذب والمفاخرة ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله. الحديث».

وما رواه الصدوق (قدس‌سره) في كتاب معاني الاخبار (2) عن زيد الشحام قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرفث والفسوق والجدال. قال : اما الرفث فالجماع ، واما الفسوق فهو الكذب ، ألا تسمع لقوله (تعالى) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ، أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) (3) والجدال هو قول الرجل : لا والله وبلى والله ، وسباب الرجل الرجل».

وما رواه العياشي في تفسيره (4) عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) «في قول الله (عزوجل) (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ، فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (5)

__________________

(1) ج 5 ص 297 ، والوسائل الباب 32 من تروك الإحرام.

(2) ص 294 ، والوسائل الباب 32 من تروك الإحرام.

(3) سورة الحجرات ، الآية 6.

(4) ج 1 ص 95 ، والوسائل الباب 32 من تروك الإحرام.

(5) سورة البقرة ، الآية 197.


فالرفث : الجماع ، والفسوق : الكذب ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله».

وفي كتاب الفقه الرضوي (1) : «والفسوق : الكذب ، فاستغفر الله منه ، وتصدق بكف طعيم». والظاهر ان هذه عبارة الشيخ علي بن بابويه (رحمه‌الله).

أقول : قد تضمنت صحيحة معاوية بن عمار اضافة السباب الى الكذب في تفسير الفسوق ، وصحيحة علي بن جعفر اضافة المفاخرة واما باقي الروايات فإنما تضمنت تفسيره بالكذب خاصة. وفي المختلف حمل صحيحة علي بن جعفر على صحيحة معاوية بن عمار بإرجاع المفاخرة إلى السباب ، قال : وفي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (2) «والفسوق : الكذب والمفاخرة». وهي لا تنفك عن السباب ، إذ المفاخرة إنما تتم بذكر فضائل للمفتخر وسلبها عن خصمه ، أو بسلب رذائل عنه وإثباتها لخصمه. وهذا هو معنى السباب. انتهى. وحينئذ فيرجع الأمر إلى السباب خاصة. ويمكن ان تحمل الروايات المشتملة على هذه الزيادة على التقية ، فإن المنقول في التذكرة عن العامة تفسير الفسوق بالسباب ، قال : وروى العامة قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله): سباب المسلم فسوق (3). فجعلوا الفسوق هو السباب ، لهذا الخبر. وهو غير دال. انتهى. على ان رواية معاني الأخبار قد تضمنت إدخال السباب في الجدال ايضا

__________________

(1) ص 27.

(2) تقدمت ص 457.

(3) مجمع الزوائد ج 8 ص 73 ، والفتح الكبير ج 2 ص 151.


وبالجملة فإن الأخبار الباقية صريحة في تفسيره بالكذب خاصة ، والخبران المذكوران قد تعارضا في ما عدا الكذب وتساقطا ودفع كل واحد منهما الآخر ، فيؤخذ بالمتفق عليه منهما ويطرح المختلف فيه من كل من الجانبين.

بقي الكلام بالنسبة إلى الكفارة ، وظاهر الأصحاب انه لا كفارة في الفسوق سوى الاستغفار. قال في المنتهى : والفسوق هو الكذب على ما قلناه ، ولا شي‌ء فيه ، عملا بالأصل السالم عن معارضة نص يخالفه ، أو غيره من الأدلة.

ويدل عليه ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن محمد بن مسلم والحلبي جميعا (1) قالا له : «أرأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال : لم يجعل الله (عزوجل) له حدا ، يستغفر الله ، ويلبي».

أقول : ونحو هذه الرواية ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) في حديث : «قلت : أرأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال : لم يجعل الله له حدا ، يستغفر الله (تعالى) ويلبي».

وقد تضمنت عبارة كتاب الفقه الرضوي بعد الاستغفار التصدق بكف من طعيم. والظاهر انه تصغير «طعام» إشارة الى قتله.

إلا انه قد روى ثقة الإسلام في الكافي عن سليمان بن خالد في الصحيح (3) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : في

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 212 ، والوسائل الباب 2 من بقية كفارات الإحرام.

(2) الوسائل الباب 2 من بقية كفارات الإحرام.

(3) الفروع ج 4 ص 339 ، والوسائل الباب 1 و 2 من بقية كفارات الإحرام.


الجدال شاة ، وفي السباب والفسوق بقرة ، والرفث فساد الحج».

وظاهر الخبر وجوب البقرة في الفسوق.

ويؤيده عجز صحيحة علي بن جعفر التي تقدم صدرها ، حيث قال (عليه‌السلام) (1) بعد ما قدمناه منها : «فمن رفث فعليه بدنة ينحرها ، وان لم يجد فشاة ، وكفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله وهو محرم».

وظاهر المحدث الكاشاني الجمع بين الخبرين ، بحمل ما دل على مجرد الاستغفار على ما إذا لم يتضمن الكذب يمينا ، وما دل على البقرة على تكرر ذلك منه مرتين مع اليمين.

وفيه (أولا) : انه لا إشعار في شي‌ء من الروايات بهذا الحمل.

و (ثانيا) : ان اليمين غير معتبرة في معنى الفسوق ، بل انما هو عبارة عن الكذب مطلقا كما عرفت.

والأقرب حمل الرواية المتضمنة للبقرة على ما إذا انضاف الى الفسوق الذي هو عبارة عن الكذب خاصة السباب كما هو موردها ، وتخصيص الاستغفار بالفسوق الذي هو الكذب.

وجمع في الوسائل بين الخبرين بحمل خبر الاستغفار على غير المتعمد ـ قال : لما مر من عدم وجوب الكفارة على غير العامد إلا في الصيد ـ وخبر الكفارة على العامد. والظاهر بعده من خبري الاستغفار ، إذ الظاهر من لفظ الابتلاء انما ينصرف الى العامد ، والاستغفار إنما يناسب العامد ، إذ الجاهل والناسي لا يؤاخذان اتفاقا.

وصاحب الذخيرة حمل الكفارة هنا على الاستحباب ، كما هي الطريقة المعهودة في جميع الأبواب.

بقي الكلام في ان عجز صحيحة علي بن جعفر المذكورة لا يخلو

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 297 ، والوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع.


من خلل ، ولصاحب المنتقى (قدس‌سره) هنا كلام حسن يحسن ذكره ، قال (عطر الله ـ تعالى ـ مرقده) بعد ذكر الصحيحة المذكورة : قلت : كذا في النسخ التي تحضرني للتهذيب ، وما رأيت للحديث ذكرا في الكتب الفقهية ، سوى ان العلامة في المنتهى وبعض المتأخرين عنه ذكروا منه تفسير الفسوق ، وربما أشعر ذلك بتقدم وقوع الخلل فيه ، وإلا لذكروا منه حكم الفسوق في الكفارة أيضا. ولكنهم اقتصروا في هذا الحكم على ما في حديث الحلبي وابن مسلم محتجين به وحده ، ولو رأوا لهذا الحديث افادة للحكم مخالفة لذلك أو موافقة لتعرضوا له كما هي عادتهم ، لا سيما العلامة في المنتهى ، فإنه يستقصي كثيرا في ذكر الاخبار. وكان يختلج بخاطري أن كلمتي : «يتصدق به» تصحيف «يستغفر ربه» فيوافق ما في حديث الحلبي وابن مسلم وفي الاخبار من نحو هذا التصحيف كثير فلا يستبعد. ولكني راجعت كتاب قرب الاسناد لمحمد بن عبد الله الحميري ، فإنه متضمن لرواية كتاب علي بن جعفر ، إلا ان الموجود من نسخته سقيم جدا باعتراف كاتبها الشيخ محمد بن إدريس العجلي (رحمه‌الله تعالى) فالتعويل على ما فيه مشكل. وعلى كل حال فالذي رأيته فيه يوافق ما في التهذيب من الأمر بالتصدق ، وينافي ما في الخبر الآخر وينفي قضية التصحيف ، وفيه زيادة يستقيم بها المعنى ويتم بها الكلام. إلا ان المخالفة معها لما في ذلك الخبر وغيره من ما يأتي أكثر وأشكل. وهذه صورة ما فيه (1) «وكفارة الجدال والفسوق شي‌ء يتصدق به». والعجب من عدم تعرض الشيخ لهذا الاختلاف في الاستبصار. ولعل ما في قرب الاسناد من

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع رقم 16.


تصرف النساخ بعد وقوع نوع من الاختلال في أصل كتاب علي بن جعفر. مع ان في طريق الحميري لرواية الكتاب جهالة. وربما يحمل إطلاق التصدق فيه بالنسبة إلى كفارة الجدال على التقييد الوارد في غيره وان بعد. انتهى.

أقول : والعجب منه (قدس‌سره) انه تكلم في هذا الخبر بما عرفت ، من حيث ظهوره في مخالفة رواية الحلبي ومحمد بن مسلم ، وتأويله بوقوع التصحيف فيه على وجه يرجع إليها ، مع ان صحيحة سليمان بن خالد المصرحة بوجوب البقرة صريحة المخالفة ، وهو قد ذكرها في كتابه ، ولم يتعرض للجمع بينها وبين رواية الحلبي ومحمد بن مسلم بل نقلها ومضى في نقله. والاشكال فيها أعظم.

الثاني ـ في الجدال ، وهو قول : «لا والله وبلى والله» كما تقدم في جملة من الاخبار المتقدمة. وظاهر المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) حصره في هذا القول. وقيل : يتعدى الى كل ما يسمى يمينا. واختاره الشهيد في الدروس. والظاهر ان مستنده ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار من قوله (عليه‌السلام): «واعلم ان الرجل إذا حلف بثلاثة أيمان ولاء في مقام واحد وهو محرم فقد جادل ، فعليه دم يهريقه ، ويتصدق به ، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل وعليه دم يهريقه ، ويتصدق به». ونحوها رواية أبي بصير الآتية ان شاء الله (تعالى). وفيه انه لا منافاة بين الحصر في اللفظ المذكور وبين هذا الإطلاق ، لإمكان حمل الإطلاق عليه والجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد ، كما هي القاعدة المتفق عليها عندهم.

وهل الجدال مجموع هذين اللفظين اعني : «لا والله وبلى والله»؟


قولان ، قال في المدارك : أظهرهما الثاني ، وهو خيرة المنتهى. ولعل وجه الأظهرية أن مجموع هذين اللفظين يتضمن نفيا وإثباتا ، وهو من ما لا يكاد يقع في مقام واحد ، بل المتبادر الشائع إنما هو استعمال «بلى والله» في مقام الإثبات و «لا والله» في مقام النفي ، فيكون أيهما اتى به في مقامه جدالا. وبه يظهر ان في ما علقه بعض مشايخنا على هذا الموضع من الكتاب ـ من ان في هذه الأظهرية تأملا ، وقد بسطنا الكلام في بعض رسائلنا ـ لا اعرف له وجها. وكان الواجب ان يبين لنا في هذا المقام ما بسطه في بعض رسائله ولو بالإشارة الى ذلك.

والذي وصل الي من روايات المسألة زيادة على ما تقدم أخبار :

أحدها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن محمد بن مسلم والحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) : «في قول الله (عزوجل): (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (2). الى ان قال : فقالا له : أرأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال : لم يجعل الله (عزوجل) له حدا ، يستغفر الله ، ويلبى. فقالا له : فمن ابتلى بالجدال فما عليه؟ فقال : إذا جادل فوق مرتين فعلى المصيب دم يهريقه : شاة ، وعلى المخطئ بقرة». وروى الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي نحوه (3).

وثانيها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 212 ، والوسائل الباب 32 من تروك الإحرام ، والباب 2 و 1 من بقية كفارات الإحرام.

(2) سورة البقرة ، الآية 197.

(3) الوسائل الباب 2 و 1 من تروك الإحرام.


(عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الجدال في الحج. فقال : من زاد على مرتين فقد وقع عليه الدم. فقيل له : الذي يجادل وهو صادق؟ قال : عليه شاة ، والكاذب عليه بقرة».

وثالثها ـ ما رواه في الكافي عن ابي بصير عن أحدهما (عليهما‌السلام) (2) قال : «إذا حلف ثلاث ايمان متتابعات صادقا فقد جادل ، وعليه دم. وإذا حلف بيمين واحدة كاذبا فقد جادل وعليه دم».

ورابعها ـ ما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه في الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن ابي بصير (3) قال : «سألته عن المحرم يريد ان يعمل العمل ، فيقول له صاحبه : والله لا تعمله. فيقول : والله لا عملنه ، فيخالفه مرارا ، أيلزمه ما يلزم صاحب الجدال؟ قال : لا ، انما أراد بهذا إكرام أخيه ، إنما ذلك ما كان لله فيه معصية».

وخامسها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (4) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ان الرجل إذا حلف ثلاثة ايمان في مقام ولاء وهو محرم ، فقد جادل ، وعليه حد الجدال : دم يهريقه ، ويتصدق به».

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من بقية كفارات الإحرام.

(2) الفروع ج 4 ص 338 ، والوسائل الباب 1 من بقية كفارات الإحرام.

(3) الفروع ج 4 ص 338 ، والفقيه ج 4 ص 214 ، والوسائل الباب 32 من تروك الإحرام.

(4) التهذيب ج 5 ص 335 ، والوسائل الباب 1 من بقية كفارات الإحرام.


وسادسها ـ ما رواه عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا حلف الرجل ثلاثة ايمان وهو صادق ، وهو محرم ، فعليه دم يهريقه ، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل ، فعليه دم يهريقه».

وسابعها ـ ما رواه عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا جادل الرجل وهو محرم فكذب متعمدا ، فعليه جزور».

وثامنها ـ عن يونس بن يعقوب في الموثق (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يقول : لا والله وبلى والله ، وهو صادق ، عليه شي‌ء؟ قال : لا».

وتاسعها ـ عن معاوية بن عمار في الصحيح (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يقول : لا لعمري ، وهو محرم قال : ليس بالجدال ، انما الجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله. واما قوله : لاها ، فإنما طلب الاسم. وقوله : يا هناه ، فلا بأس به واما قوله : لا بل شانيك ، فإنه من قول الجاهلية».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المشهور بين الأصحاب ان الجدال كاذبا في المرة منه شاة ، والمرتين بقرة ، والثلاث بدنة ، وصادقا في الثلاث منه شاة ، ولا شي‌ء في ما دونها. وانطباق الروايات المذكورة على ما ذكروه من هذا التفصيل مشكل.

واستدل العلامة في المنتهى على ذلك بالنسبة إلى الجدال كذبا بالرواية

__________________

(1 و 2 و 3) التهذيب ج 5 ص 335 ، والوسائل الباب 1 من بقية كفارات الإحرام.

(4) التهذيب ج 5 ص 336 ، والوسائل الباب 32 من تروك الإحرام.


السادسة والثانية والسابعة ، قال (عطر الله مرقده) بعد ذكر التفصيل الذي نقلناه عنهم ، واختلاف المراتب في الكفارة بإزاء اختلافها في الذنب : ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابي بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : إذا حلف ثلاثة ايمان وهو صادق. ثم ساق الرواية السادسة ، ثم الرواية الثانية ، ثم السابعة. وجعل هذه الروايات الثلاث مستندا للاحكام الثلاثة في الجدال كذبا ، واستدل على وجوب الشاة في المرة الواحدة بالرواية السادسة ، واستدل على وجوب البقرة في المرتين كذبا بالرواية الثانية ، وعلى وجوب البدنة في الثلاث بالرواية السابعة.

وأنت خبير بان ما ذكره في المرة الواحدة مسلم ، لدلالة الرواية المذكورة عليه ، وان غفل في وصفه لها بالصحة. ولهذا اعترضه في المدارك بضعف الرواية وقصورها بسبب ذلك عن الدلالة. وفيه : انه وان كان كذلك بناء على اصطلاحه ، إلا ان هذا الحكم قد دلت عليه أيضا صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في صدر البحث ، فلا مجال للمنازعة فيه.

نعم يبقى الكلام في الحكمين الأخيرين ، فإن الروايتين المذكورتين لا دلالة فيهما على المدعى بوجه ، اما الرواية الثانية ـ وهي صحيحة محمد بن مسلم ـ فان ظاهرها انحصار الجدال الموجب للكفارة في ما زاد على المرتين ، وانه لا يتحقق الجدال إلا به ، وانه مع الزيادة على المرتين فعلى الصادق شاة وعلى الكاذب بقرة. ونحوها في الدلالة على هذا المعنى صحيحة الحلبي ومحمد بن مسلم ، وهي الاولى. ولهذا مال في المدارك الى العمل بهما ، فقال : وينبغي العمل بمضمون هاتين


الروايتين ، لصحة سندهما ، ووضوح دلالتهما. واما الرواية التي استدل بها على الحكم الثاني ـ وهي الرواية السابعة ـ فظاهرها وجوب الجزور في تعمد الكذب في الجدال مطلقا مرة كان أو أزيد.

واما بالنسبة إلى الجدال صادقا فاستدلوا على وجوب الشاة في الثلاث بصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في صدر البحث. ومثلها أيضا الرواية الثالثة والخامسة والسادسة. وينبغي حمل مطلقها على مقيدها ليتم الاستدلال بها. إلا ان مقتضى ذلك وجوب التقييد بالتتابع والتوالي بمعنى كونها في مقام واحد ، وكلام الأصحاب أعم من ذلك. نعم نقل التقييد عن ابن ابي عقيل ، فإنه قال. ومن حلف ثلاث ايمان بلا فصل في مقام واحد فقد جادل ، وعليه دم.

أقول : والظاهر عندي ان المستند في هذا التفصيل الذي اشتهر بين الأصحاب انما هو كتاب الفقه الرضوي ، فإنه صريح الدلالة واضح المقالة في الاستدلال ، لا تعتريه شبهة الشك ولا الاحتمال في هذا المجال حيث قال (عليه‌السلام) (1) : واتق في إحرامك الكذب ، واليمين الكاذبة والصادقة ، وهو الجدال الذي نهى الله (تعالى) عنه. والجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله. فان جادلت مرة أو مرتين وأنت صادق فلا شي‌ء عليك ، وان جادلت ثلاثا وأنت صادق فعليك دم شاة ، وان جادلت مرة وأنت كاذب فعليك دم شاة ، وان جادلت مرتين كاذبا فعليك دم بقرة ، وان جادلت ثلاثا وأنت كاذب فعليك بدنة. انتهى.

والظاهر ان هذه العبارة هي مستند المتقدمين في الحكم المذكور دون هذه الاخبار المختلفة المضطربة ، ولكن لما لم يصل ذلك الى

__________________

(1) ص 27.


المتأخرين تكلفوا الاستدلال عليه بهذه الروايات. وقد عرفت ما في ذلك

والصدوق في الفقيه (1) قد نقل هذه العبارة بعينها عن أبيه في رسالته اليه ، فقال : وقال ابي (رضي‌الله‌عنه) في رسالته الي : اتق في إحرامك الكذب ، واليمين الكاذبة والصادقة ، وهو الجدال. والجدال قول الرجل : لا والله. الى آخر ما قدمناه كلمة كلمة وحرفا حرفا. وهو ظاهر في تأييد ما قدمناه من اعتماد الشيخ المذكور على الكتاب زيادة على الاخبار الواصلة اليه ، وشدة وثوقه به زيادة عليها ، وما ذاك إلا لمزيد علمه وقطعه بثبوت الكتاب عنه (عليه‌السلام) بحيث لا تعتريه فيه الشكوك والأوهام.

وقال الجعفي : الجدال فاحشة إذا كان كاذبا أو في معصية ، فإذا قاله مرتين فعليه شاة. وقال الحسن بن ابي عقيل : من حلف ثلاث ايمان بلا فصل في مقام واحد فقد جادل ، وعليه دم ، قال : وروى ان المحرمين إذا تجادلا ، فعلى المصيب منهما دم شاة ، وعلى المخطئ بدنة. وظاهر كلام الجعفي تخصيص الجدال المحرم على المحرم بهذين الفردين ، وانه إذا جادل مرتين بأحد هذين النوعين فعليه دم شاة. ومستنده غير ظاهر ، بل ظاهر جملة من الروايات المتقدمة رده. واما مذهب الحسن فهو لا يخلو من الإجمال بكون هذه الثلاث الموجبة الدم في الجدال صادقا أو كاذبا أو أعم منهما ، وهل المراد انحصار الجدال في هذا الفرد فلا كفارة في غيره أم هذا بعض افراده؟ وبالجملة فالإجمال فيه ظاهر. وقد عرفت دلالة جملة من الاخبار

__________________

(1) ج 2 ص 212.


على وجوب الشاة في الثلاث ولاء ، ولكنها مخصوصة بالجدال صادقا كما عرفت.

ثم انه بناء على التفصيل المشهور انما تجب البقرة في المرتين إذا لم يكفر عن الأولى بالشاة ، وكذا الثلاث بالبدنة إذا لم يكفر عن الثنتين بالبقرة. والضابط اعتبار ترتب الكفارة على العدد المذكور ، فعلى المرة الواحدة شاة ، وعلى الثنتين بقرة ، وعلى الثلاث بدنة. وفي الجدال صادقا لو زاد على الثلاث ولم يكفر فالظاهر شاة واحدة عن الجميع ، ومع تخلله فلكل ثلاث شاة.

ولو اضطر المحرم الى اليمين لإثبات حق أو نفى باطل فالظاهر انه لا كفارة ، كما ذكره جملة من الأصحاب ، عملا بالأخبار الدالة على جوازها والأمر بها.

هذا. وظاهر الحديث الرابع (1) ان الجدال المحرم انما هو ما كان على معصية الله (تعالى) قال في المنتهى بعد ذكر الخبر المذكور : وهذا الحديث يدل على ان مطلق الجدال لا يوجب عقوبة بل ما يتضمن الحلف على معصية الله (تعالى).

والظاهر حصول المعصية بذلك وان كان صادقا ما لم يكن الغرض المترتب عليه امرا دينيا ، مثل إكرام أخيه في الخبر المذكور (2) فلا ينافي ما دل على وجوب الكفارة في الجدال صادقا ثلاثا.

وقد روى في الكافي (3) عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) انه قال لسدير : «يا سدير من حلف بالله كاذبا كفر ، ومن حلف بالله صادقا

__________________

(1) ص 464.

(2) ص 464.

(3) الفروع ج 7 ص 434 و 435 ، والوسائل الباب 1 من كتاب الايمان.


أثم ، ان الله ـ تعالى ـ يقول (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ)» (1).

الصنف التاسع والعاشر ـ تظليل الرجل سائرا ، وتغطية الرأس.

والكلام هنا يقع في مقامين الأول ـ التظليل ، المشهور ـ بل ادعى عليه في التذكرة والمنتهى إجماع علمائنا ـ انه يحرم على المحرم حالة السير الاستظلال ، فلا يجوز له الركوب في ما يوجب ذلك ، كالمحمل والهودج والكنيسة والعمارية وأشباه ذلك. ونقل عن ابن الجنيد انه قال : يستحب للمحرم ان لا يظلل على نفسه ، لأن السنة بذلك جرت فان لحقه عنت أو خاف من ذلك فقد روى عن أهل البيت (عليهم‌السلام) جوازه (2). وروى ايضا : انه يفدي عن كل يوم بمد (3). وروي : في ذلك اجمع دم (4). وروى : الإحرام المتعة دم والإحرام الحج دم آخر (5).

والمعتمد الأول ، للأخبار المستفيضة ، ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن المغيرة (6) قال : «قلت لأبي الحسن الأول (عليه‌السلام) : أظلل وانا محرم؟ قال : لا. قلت : أفأظلل وأكفر؟ قال : لا. قلت : فان مرضت؟ قال : ظلل وكفر. ثم قال : اما علمت ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه معها».

__________________

(1) سورة البقرة ، الآية 223.

(2) الوسائل الباب 64 و 67 من تروك الإحرام.

(3 و 4) الوسائل الباب 6 من بقية كفارات الإحرام.

(5) الوسائل الباب 7 من بقية كفارات الإحرام.

(6) الوسائل الباب 64 من تروك الإحرام.


وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يركب في القبة؟ فقال : ما يعجبني ذلك إلا ان يكون مريضا».

وفي الصحيح عن إسماعيل بن عبد الخالق (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) : هل يستتر المحرم من الشمس؟ فقال : لا ، إلا ان يكون شيخا كبيرا أو قال : ذا علة».

وفي الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن المحرم ، يظلل على نفسه؟ فقال : أمن علة؟ فقلت : يؤذيه حر الشمس وهو محرم. فقال : هي علة يظلل ويفدى».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن منصور عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (4) قال : «سألته عن الظلال للمحرم. فقال : لا يظلل إلا من علة أو مرض».

وما رواه في الكافي (5) عن عثمان قال : «قلت لأبي الحسن الأول (عليه‌السلام) : ان علي بن شهاب يشكو رأسه ، والبرد شديد ، ويريد ان يحرم؟ فقال : ان كان كما زعم فليظلل. واما أنت فاضح لمن أحرمت له».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن سعيد الأعرج (6) : «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يستتر من الشمس بعود أو بيده؟

__________________

(1) الوسائل الباب 64 من تروك الإحرام.

(2) الوسائل الباب 64 من تروك الإحرام.

(3) الوسائل الباب 6 من بقية كفارات الإحرام.

(4) الوسائل الباب 64 من تروك الإحرام.

(5) الفروع ج 4 ص 351 ، والوسائل الباب 64 من تروك الإحرام.

(6) الفقيه ج 2 ص 227 ، والوسائل الباب 67 من تروك الإحرام.


فقال : لا ، إلا من علة».

وما رواه في الكافي (1) في الصحيح أو الحسن عن عبد الله بن المغيرة قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الظلال للمحرم. فقال اضح لمن أحرمت له. قلت : اني محرور ، وان الحر يشتد علي؟ فقال : اما علمت ان الشمس تغرب بذنوب المحرمين».

وما رواه في الكافي (2) عن قاسم الصيقل قال : «ما رأيت أحدا كان أشد تشديدا في الظلال من ابي جعفر (عليه‌السلام) كان يأمر بقلع القبة والحاجبين إذا أحرم».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (3) قال : «سألته عن المحرم ، يركب القبة؟ فقال : لا. قلت : فالمرأة المحرمة؟ قال : نعم».

وما رواه في كتاب من لا يحضره الفقيه (4) في الصحيح عن علي بن مهزيار عن بكر بن صالح قال : «كتبت الى ابي جعفر الثاني (عليه‌السلام) : ان عمتي معي وهي زميلتي ، ويشتد عليها الحر إذا أحرمت ، فترى أن أظلل عليها وعلي؟ فكتب : ظلل عليها وحدها».

وما رواه في التهذيب (5) في الموثق عن إسحاق بن عمار عن ابي الحسن (عليه‌السلام) قال : «سألته عن المحرم ، يظلل عليه

__________________

(1 و 2) الفروع ج 4 ص 350 ، والوسائل الباب 64 من تروك الإحرام.

(3) التهذيب ج 5 ص 312 ، والوسائل الباب 64 من تروك الإحرام.

(4) ج 2 ص 226 ، والوسائل الباب 68 من تروك الإحرام.

(5) ج 5 ص 309 ، والوسائل الباب 64 من تروك الإحرام.


وهو محرم؟ قال : لا ، إلا مريض أو من به علة ، والذي لا يطيق الشمس».

وعن هشام بن سالم في الصحيح (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يركب في الكنيسة؟ فقال : لا. وهو للنساء جائز».

وما رواه في الكافي عن جعفر الخطيب ـ والتهذيب عن جعفر المذكور ـ عن محمد بن الفضيل وبشر بن إسماعيل (2) قال : «قال لي محمد : إلا أسرك يا ابن مثنى؟ فقلت : بلى. وقمت اليه. قال : دخل هذا الفاسق (3) آنفا فجلس قبالة أبي الحسن (عليه‌السلام) ثم اقبل عليه فقال له : يا أبا الحسن ما تقول في المحرم ، أيستظل على المحمل؟ فقال له : لا. قال : فيستظل في الخباء؟ فقال له : نعم. فأعاد عليه القول شبه المستهزئ يضحك ، فقال : يا أبا الحسن فما فرق بين هذا وهذا؟ فقال : يا أبا يوسف ان الدين ليس بقياس كقياسكم ، أنتم تلعبون بالدين ، انا صنعنا كما صنع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقلنا كما قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يركب راحلته فلا يستظل عليها ، وتؤذيه الشمس فيستر جسده بعضه ببعض ، وربما ستر وجهه بيده ، وإذا نزل استظل بالخباء وبالبيت وبالجدار».

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 312 ، والوسائل الباب 64 من تروك الإحرام.

(2) الفروع ج 4 ص 350 ، والتهذيب ج 5 ص 309 ، والوسائل الباب 66 من تروك الإحرام.

(3) وهو أبو يوسف القاضي تلميذ أبي حنيفة.


وما رواه في الكافي عن محمد بن الفضيل (1) قال : «كنا في دهليز يحيى بن خالد بمكة ، وكان هناك أبو الحسن موسى (عليه‌السلام) وأبو يوسف ، فقام إليه أبو يوسف وتربع بين يديه ، فقال : يا أبا الحسن ـ جعلت فداك ـ المحرم يظلل؟ قال : لا. قال : فيستظل بالجدار والمحمل ويدخل البيت والخباء؟ قال : نعم. فضحك أبو يوسف شبه المستهزئ ، فقال له أبو الحسن : يا أبا يوسف ان الدين ليس بالقياس كقياسك وقياس أصحابك ، ان الله أمر في كتابه بالطلاق وأكد فيه : بشهادة شاهدين ، ولم يرض بهما إلا عدلين (2) ، وأمر في كتابه بالتزويج وأهمله بلا شهود ، فأتيتم بشاهدين في ما أبطل الله (3) ، وأبطلتم الشاهدين في ما أكد الله (تعالى) (4) ، وأجزتم طلاق المجنون والسكران (5) ، حج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فأحرم ولم

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 352 ، والوسائل الباب 66 من تروك الإحرام.

(2) في قوله تعالى في سورة الطلاق الآية 2 «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ».

(3) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 353 ، والميزان للشعراني ج 2 ص 96 ، وفيه : ان الشافعي وأبا حنيفة واحمد لا يصححون النكاح إلا بشهادة ومالك لا يعتبرها ولكن يعتبر الإشاعة وترك التراضي بالكتمان.

(4) يظهر من الأشباه والنظائر للسيوطي ـ حيث عد موارد الشهادة ولم يذكر الطلاق ـ ان من المسلم عندهم عدم اعتبار الشهادة فيه.

(5) ذكر ابن قدامة في المغني ج 7 ص 114 : ان في وقوع طلاق السكران روايتين ، وذكر الخلاف في ذلك ، فمنهم من اجازه ، لإطلاق قوله (ص) : «كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه» ومنهم من أبطله. وعلله أحمد بأنه زائل العقل فأشبه المجنون والنائم. ولم يذكر في الفقه على المذاهب الأربعة خلاف في عدم صحة طلاق المجنون. وارجع الى الاستدراكات.


يظلل ، ودخل البيت والخباء واستظل بالمحمل والجدار ، ففعلنا كما فعل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). فسكت».

وما رواه الصدوق في الفقيه (1) عن الحسين بن مسلم عن ابي جعفر الثاني (عليه‌السلام) «انه سئل : ما فرق بين الفسطاط وبين ظل المحمل؟ فقال : لا ينبغي ان يستظل في المحمل ، والفرق بينهما ان المرأة تطمث في شهر رمضان فتقضي الصيام ولا تقضي الصلاة. قال : صدقت جعلت فداك». قال في الفقيه : معنى هذا الحديث : ان السنة لا تقاس.

وما رواه الصدوق في كتاب عيون اخبار الرضا (عليه‌السلام) (2) في الموثق عن عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه قال : «قال أبو يوسف للمهدي ـ وعنده موسى بن جعفر (عليه‌السلام) ـ : أتأذن لي ان أسأله عن مسائل ليس عنده فيها شي‌ء؟ فقال له : نعم. فقال لموسى بن جعفر (عليه‌السلام) : أسألك؟ قال : نعم. قال : ما تقول في التظليل للمحرم؟ قال : لا يصلح. قال : فيضرب الخباء في الأرض ويدخل البيت؟ قال : نعم. قال : فما الفرق بين هذين؟ قال أبو الحسن (عليه‌السلام) : ما تقول في الطامث ، أتقضي الصلاة؟ قال : لا. قال : فتقضي الصوم؟ قال : نعم. قال : ولم؟ قال : هكذا جاء. فقال أبو الحسن (عليه‌السلام) : وهكذا جاء هذا. فقال المهدي لأبي يوسف : ما أراك صنعت شيئا. قال : رماني بحجر دامغ». ورواه الطبرسي

__________________

(1) ج 2 ص 225 ، والوسائل الباب 66 من تروك الإحرام.

(2) الوسائل الباب 66 من تروك الإحرام.


في الاحتجاج (1) نحوه.

وما رواه الحميري في قرب الاسناد (2) في الصحيح عن البزنطي عن الرضا (عليه‌السلام) قال : «قال أبو حنيفة : أيش فرق ما بين ظلال المحرم والخباء؟ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ان السنة لا تقاس».

وما رواه الطبرسي في الاحتجاج (3) قال : «سأل محمد بن الحسن (4) أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه‌السلام) بمحضر من الرشيد وهم بمكة ، فقال له : أيجوز للمحرم ان يظلل عليه محمله؟ فقال له موسى (عليه‌السلام) : لا يجوز له ذلك مع الاختيار. فقال له محمد بن الحسن : أفيجوز ان يمشي تحت الظلال مختارا؟ فقال له : نعم. فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك ، فقال له أبو الحسن (عليه‌السلام): أتعجب من سنة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وتستهزئ بها؟ ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كشف ظلاله في إحرامه ومشى تحت الظلال وهو محرم ، ان أحكام الله (تعالى) يا محمد لا تقاس ، فمن قاس بعضها على بعض فقد ضل سواء السبيل. فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جوابا». ورواه الشيخ المفيد في الإرشاد (5) وذكر مثله.

واستدل في الذخيرة لابن الجنيد على الاستحباب بصحيحة الحلبي المتقدمة ، وهي الثانية من الروايات التي قدمناها ، لقوله فيها : «ما يعجبني» حيث قال بعد ذكر جملة وافرة من الاخبار الدالة على

__________________

(1 و 2 و 3 و 5) الوسائل الباب 66 من تروك الإحرام.

(4) هو محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة.


القول المشهور : وظاهر هذا الخبر الأفضلية. واستدل به بعضهم على التحريم. وهو بعيد. وأشار بذلك البعض الى صاحب المدارك. ثم قال : ومنها ـ ما رواه الشيخ عن علي بن جعفر في الصحيح (1) قال : «سألت أخي (عليه‌السلام) : أظلل وانا محرم؟ فقال : نعم ، وعليك الكفارة. قال : فرأيت عليا إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل». وعن جميل بن دراج في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «لا بأس بالظلال للنساء ، وقد رخص فيه للرجال». ثم قال : ويمكن الجمع بين الاخبار بوجهين : أحدهما ـ حمل اخبار المنع على الأفضلية ، ويؤيده ان النهي وما في معناه غير واضح الدلالة على التحريم في اخبار أهل البيت (عليهم‌السلام) كما ذكرناه كثيرا ، فهو حمل قريب ، بل ليس فيه عدول عن الظاهر. ويخدشه مخالفته المشهور ، وظاهر صحيحة هشام بن سالم ، فان قوله (عليه‌السلام) : «وهو للنساء جائز» بعد منعه عن المحرم يدل على تحريمه على الرجال والوجه فيه حمل الجواز على الإباحة ، فإن هذا الحمل غير بعيد في الاخبار كما لا يخفى على المتصفح. وثانيهما ـ حمل الأخبار المذكورة على التحريم ويحمل قوله : «ما يعجبني» على المعنى الشامل للتحريم وتحمل صحيحة علي بن جعفر على انه كان به علة يتضرر من الشمس. وفيه : ان الظاهر انه لو كان كذلك لذكر ذلك في مقام نقل الحكم المذكور ، أو ذكر الراوي عنه حيث ينقل عمله في هذا الباب. وتحمل

__________________

(1) الوسائل الباب 49 من كفارات الصيد ، والباب 6 من بقية كفارات الإحرام.

(2) الوسائل الباب 64 من تروك الإحرام.


صحيحة جميل على ان الترخيص مختص بحال الضرورة ، إذ ليس في الخبر ما يدل على عموم الترخيص. والمسألة عندي محل اشكال. انتهى.

أقول : لا يخفى ان هذا الفاضل قد ارتكب بما تفرد به من هذا القول شططا ، وازداد في جميع الأحكام غلطا ، وقد بينا في ما سبق ان في ارتكاب هذا القول خروجا عن الدين من حيث لا يشعر قائله ، فإنه متى كانت الأوامر الواردة في الاخبار وما في معناها لا تدل على الوجوب والنواهي وما في معناها لا تدل على التحريم ، فاللازم من ذلك اباحة المحرمات وسقوط الواجبات في جميع أبواب الفقه من عبادات ومعاملات ، إذ لا محرم ولا واجب بالكلية ، وبذلك يلزم العبث في بعثة الأنبياء والرسل وسقوط التكليف ، وهو كفر محض. نعوذ بالله من زلل الاقدام وزيغ الافهام.

والعجب من قوله هنا : «والمسألة عندي محل اشكال» بل مسائل الفقه كلها عنده محل اشكال ، بناء على هذه القاعدة الخارجة عن جادة الاعتدال. وأعجب من ذلك انه كثيرا ما يتستر في الحكم بالاخبار ـ بناء على هذه القاعدة ـ باتفاق الأصحاب أو اشتهار الحكم بينهم ، فكيف خرج عنه؟ مع ان هذه الروايات التي استند إليها لا تبلغ قوة في معارضة ما قدمناه سندا ولا عددا ولا دلالة ، والجمع إنما هو فرع وقوع التعارض بناء على قواعدهم.

ثم انه مع الإغماض عن جميع ما ذكرناه لو فرضنا وجود روايات صريحة في الدلالة على الجواز لكان الواجب حملها على التقية ، كما هي القاعدة المنصوصة عن أصحاب العصمة (صلوات الله عليهم). إلا ان الظاهر من العمل بقاعدته المذكورة هو اطراح تلك النصوص الواردة بطرق الترجيح كملا ، من العرض على الكتاب ، أو على مذهب


العامة ، ونحوهما من القواعد المذكورة في مقبولة عمر بن حنظلة وغيرها (1) ، لانه متى قيل بعدم الوجوب في شي‌ء من الأحكام وعدم التحريم وان الأحكام كلها على الإباحة ، فلا اختلاف إلا بالاستحباب والكراهة ، وهذا في التحقيق ليس باختلاف ، لاتفاق الاخبار من الطرفين على الجواز.

وبالجملة فإن كلامه في أمثال هذه المقامات باطل لا ينبغي ان يلتفت اليه ، وعاطل لا يعرج عليه ، ووجود الفساد أظهر من ان يخفى على أحد من ذوي السداد والرشاد.

وينبغي التنبيه هنا على فوائد :

الأولى ـ لا خلاف ولا إشكال في انه لو اضطر المحرم الى الظلال جاز له التظليل ، وقد تقدم ذلك في جملة من الاخبار السابقة.

ولا ينافي ذلك ما تقدم من صحيحة عبد الله بن المغيرة أو حسنته (2) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الظلال للمحرم. فقال : اضح لمن أحرمت له. قلت : اني محرور وان الحر يشتد علي؟ فقال : اما علمت ان الشمس تغرب بذنوب المحرمين». فالظاهر حمله على ما لم يبلغ المشقة والضرر بحيث يمكن تحمله.

نعم الخلاف هنا في موضعين : أحدهما ـ وجوب الفدية وعدمه ، والمشهور الوجوب ، وخالف فيه ابن الجنيد وذهب الى الاستحباب ، لما تقدم نقله عنه من عدم تحريم التظليل. وهو ضعيف.

وثانيهما ـ ما يجب من الفداء ، والمشهور انه شاة ، وعن ابن ابي عقيل

__________________

(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يقضي به.

(2) الوسائل الباب 64 من تروك الإحرام.


ان فديته صيام أو صدقة أو نسك ، كالحلق لأذى. وقال الصدوق : لا بأس بالتظليل ، ويتصدق عن كل يوم بمد. وقال أبو الصلاح الحلبي : على المختار لكل يوم شاة ، وعلى المضطر لجملة المدة شاة.

ويدل على المشهور صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (1) قال : «سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس ، وانا اسمع ، فأمره أن يفدي شاة ويذبحها بمنى ، وقال : نحن إذا أردنا ذلك ظللنا وفدينا».

وصحيحة إبراهيم بن ابي محمود (2) قال : «قلت للرضا (عليه‌السلام) : المحرم يظلل على محمله ويفدي إذا كانت الشمس والمطر يضر به؟ قال : نعم. قلت : كم الفداء؟ قال : شاة».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار عن علي ابن محمد (3) قال : «كتبت اليه : المحرم هل يظلل على نفسه إذا آذته الشمس أو المطر ، أو كان مريضا ، أم لا؟ فان ظلل هل يجب عليه الفداء أم لا؟ فكتب : يظلل على نفسه ، ويهريق دما ان شاء الله تعالى».

وفي الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (4) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الظل للمحرم من أذى مطر أو شمس. فقال : ارى ان يفديه بشاة يذبحها بمنى».

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 351 ، والفقيه ج 2 ص 226 ، والتهذيب ج 5 ص 311 ، والوسائل الباب 6 من بقية كفارات الإحرام.

(2) التهذيب ج 5 ص 311 ، والوسائل الباب 6 من بقية كفارات الإحرام.

(3 و 4) الوسائل الباب 6 من بقية كفارات الإحرام.


واما ما رواه الشيخ في الصحيح عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر (1) ـ قال : «سألت أخي (عليه‌السلام) : أظلل وانا محرم؟ فقال : نعم ، وعليك الكفارة. قال : فرأيت عليا إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل». ـ فيجب تقييده بالأخبار المستفيضة المتقدمة ، وحمله على الضرورة. وحمل جملة من الأصحاب البدنة هنا على الاستحباب ، لما تقدم من ان الواجب شاة. ونحرها بمكة محمول على كون التظليل في إحرام العمرة ، ومنى على ما كان في إحرام الحج ، كما تقدم ويأتي ان شاء الله (تعالى).

ومن الغريب ما وقع لصاحب الوافي في هذا الخبر ، حيث انه قال بعد ذكره (2) : بيان : يعني : «علي» أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام). والظاهر ان السبب فيه ان النسخة التي نقل منها الخبر كان فيها لفظ «عليه‌السلام» في الخبر بعد ذكر «علي» فحمل «عليا» في الخبر على الرضا (عليه‌السلام). وهو غفلة ظاهرة ، فان المراد : «علي» إنما هو علي بن جعفر السائل عن هذه المسألة ، والقائل هو موسى ابن القاسم الراوي عن علي. ولفظ «عليه‌السلام» ليس في شي‌ء من كتب الاخبار.

والظاهر ان مستند ابن ابي عقيل ما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «قال الله ـ تعالى ـ في

__________________

(1) الوسائل الباب 6 من بقية كفارات الإحرام ،.

(2) باب (تغطية الرأس والوجه والظلال والاحتباء والارتماس للمحرم).

(3) التهذيب ج 5 ص 333 و 334 ، والوسائل الباب 14 من بقية كفارات الإحرام.


كتابه (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (1) فمن عرض له أذى أو وجع ، فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا ، فالصيام ثلاثة أيام ، والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام ، والنسك : شاة يذبحها فيأكل ويطعم. وانما عليه واحد من ذلك».

والجواب عنها : ان ما قدمناه من الاخبار وارد في خصوص التظليل ودلالة هذا الخبر عليه انما هي بطريق الإطلاق ، فيحمل على ما عداه جمعا.

واما ما نقل عن الصدوق فالظاهر ان مستنده ما رواه في الكافي عن علي بن أبي حمزة عن ابي بصير (2) قال : «سألته عن المرأة يضرب عليها الظلال وهي محرمة؟ قال : نعم. قلت : فالرجل يضرب عليه الظلال وهو محرم؟ قال : نعم إذا كانت به شقيقة ، ويتصدق بمد لكل يوم». ورواه الصدوق ايضا بسنده عن علي بن أبي حمزة مثله (3). وحمل المد هنا على حال الضرورة والعجز عن الشاة.

وكيف كان فهذه الرواية قاصرة عن معارضة ما قدمناه من الاخبار فالعمل على المشهور. والله العالم.

الثانية ـ ظاهر الروايات المتقدمة عدم تكرر الفدية بتكرار التظليل في النسك الواحد. وقوى شيخنا الشهيد الثاني إلحاق المختار به. والأصل يعضده ، وعدم الدليل على التكرر يسعده.

نعم الظاهر تكرره بتكرر النسك ، لما رواه الشيخ عن ابي علي بن

__________________

(1) سورة البقرة ، الآية 196.

(2 و 3) الوسائل الباب 6 من بقية كفارات الإحرام.


راشد (1) قال : «قلت له (عليه‌السلام) : جعلت فداك انه يشتد على كشف الظلال في الإحرام ، لأني محرور يشتد علي حر الشمس؟ فقال : ظلل ، وأرق دما. فقلت له : دما أو دمين؟ قال : للعمرة؟ قلت : انا نحرم بالعمرة وندخل مكة فنحل ونحرم بالحج. قال : فارق دمين».

وما رواه في الكافي (2) عن ابي علي بن راشد قال : «سألته عن محرم ظلل في عمرته. قال : يجب عليه دم. قال : وان خرج الى مكة وظلل وجب عليه ايضا دم لعمرته ودم لحجته».

الثالثة ـ لو زامل الرجل الصحيح عليلا أو امرأة ، اختص التظليل بالعليل أو المرأة دونه ، من غير خلاف يعرف.

وتدل عليه الاخبار المستفيضة المتقدمة من تحريم التظليل للرجل الصحيح. وخصوص ما تقدم في الاخبار التي قدمناها من صحيحة علي ابن مهزيار عن بكر (3) قال : «كتبت الى ابي جعفر الثاني (عليه‌السلام). الحديث».

واما ما رواه الشيخ عن العباس بن معروف عن بعض أصحابنا عن الرضا (عليه‌السلام) (4) ـ قال : «سألته عن المحرم له زميل فاعتل فظلل على رأسه ، إله أن يستظل؟ قال : نعم». ـ

فأجاب عنه الشيخ باحتمال عود الضمير في : «إله أن يستظل» الى المريض الذي قد ظلل. وهو جيد. على ان هذه الرواية لا تبلغ حجة في معارضة ما قدمناه من الاخبار وغيرها أيضا.

الرابعة ـ قد صرح شيخنا الشهيد الثاني (نور الله ـ تعالى ـ مرقده

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 7 من بقية كفارات الإحرام.

(3) ص 172.

(4) التهذيب ج 5 ص 311 ، والوسائل الباب 68 من تروك الإحرام.


ومضجعه) وغيره بان التظليل انما يحرم حالة الركوب ، فلو مشى تحت الظلال ـ كما لو مشى تحت الجمل والمحمل ـ جاز.

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (1) قال : «كتبت الى الرضا (عليه‌السلام) : هل يجوز للمحرم ان يمشى تحت ظل المحمل؟ فكتب : نعم». وبها يخصص إطلاق جملة من الاخبار المتقدمة الدالة على تحريم التظليل مطلقا.

وقال العلامة في المنتهى : انه يجوز للمحرم ان يمشي تحت الظلال وان يستظل بثوب ينصبه إذا كان سائرا أو نازلا ، لكن لا يجعله فوق رأسه سائرا خاصة ، لضرورة وغير ضرورة ، عند جميع أهل العلم.

وظاهر هذا الكلام تحريم الاستظلال في حال المشي بجعل الثوب على رأسه سائرا. والظاهر ان صحيحة ابن بزيع المذكورة لا تنافي ذلك ، فان المتبادر من المشي في ظل المحمل كون المحمل في أحد الجانبين لا على رأسه.

ويؤيده أيضا ما تقدم في صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته : هل يستتر المحرم من الشمس؟ فقال : لا».

ودعوى ان المتبادر منها الاستتار حال الركوب ـ كما ذكر في المدارك ـ بعيد. وأكثر الأخبار المتقدمة شاملة بإطلاقها للراكب الماشي ، والحكم فيها وقع معلقا على المحرم مطلقا ، والحج كما يكون راكبا يكون ماشيا.

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 351 ، والوسائل الباب 67 من تروك الإحرام.

(2) التهذيب ج 5 ص 310 ، والوسائل الباب 64 من تروك الإحرام.


وبالجملة فالظاهر الاقتصار على مورد الصحيحة المذكورة ، وتخصيص الاخبار بخصوص ما اشتملت عليه ، ولا سيما مع تأيده بالاحتياط.

والظاهر ان ما ذكرناه هو مراد شيخنا الشهيد الثاني في ما قدمنا نقله عنه ، لا العموم لما فوق الرأس ، كما يشير اليه تمثيله ، ويشير إليه أيضا ظاهر كلامه في الروضة أيضا ، حيث قال : فلا يحرم ـ يعني : التظليل ـ نازلا إجماعا ، ولا ماشيا إذا مر تحت المحمل ونحوه.

فما ذكره في المدارك من ان المسألة محل تردد ـ فالظاهر انه لا وجه له.

الخامسة ـ قال شيخنا الشهيد (عطر الله مرقده) في الدروس : فرع ، هل التحريم في الظل لفوات الضحى أو لمكان الستر؟ فيه نظر ، لقوله (عليه‌السلام) (1) : «اضح لمن أحرمت له». والفائدة في من جلس في المحمل بارزا للشمس ، وفي من تظلل به وليس فيه. وفي الخلاف : لا خلاف ان للمحرم الاستظلال بثوب ينصبه ما لم يمسه فوق رأسه. وقضيته اعتبار المعنى الثاني. انتهى.

أقول : ظاهره (قدس‌سره) التردد في هذا المقام ، ولا اعرف له وجها إلا دعوى الشيخ في الخلاف الإجماع على ما نقله عنه.

وأنت خبير بان الظاهر من الاخبار المتقدمة هو المعنى الأول ، وقد تكرر فيها الأمر بقوله : «اضح لمن أحرمت له» كما في رواية عثمان ، وصحيحة عبد الله بن المغيرة أو حسنته (2) ومثله في روايات العامة (3).

قال في النهاية الأثيرية : «وضحا ظله» اى مات ، يقال :

__________________

(1) الوسائل الباب 61 و 64 من تروك الإحرام.

(2) الوسائل الباب 64 من تروك الإحرام.

(3) سنن البيهقي ج 5 ص 70. وارجع الى الاستدراكات.


«ضحا الظل» إذا صار شمسا ، فإذا صار ظل الإنسان شمسا فقد بطل صاحبه ومنه حديث الاستسقاء : «اللهم ضاحت بلادنا وأغبرت أرضنا» اي برزت للشمس وظهرت ، لعدم النبات فيها ، وهي «فاعلت» من «ضحى» مثل «رامت» من «رمى» وأصلها «ضاحيت» ومنه حديث ابن عمر (1) : «رأى محرما قد استظل ، فقال : اضح لمن أحرمت له».

أي أظهر واعتزل الكن والظل ، يقال : «ضحيت للشمس وضحيت اضحى فيهما» إذا برزت لها وظهرت. قال الجوهري : يرويه المحدثون «اضح» بفتح الالف وكسر الحاء وإنما هو بالعكس. انتهى. ونقل في الوافي عن الأصمعي إنما هو بكسر الالف وفتح الحاء من «ضحيت اضحى» لأنه إنما أمره بالبروز للشمس. ومنه قوله تعالى (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) (2). انتهى. وبذلك يظهر لك قوة ما ذكرناه.

ويؤيده أيضا ما علل به في جملة من الاخبار (3) من ان الشمس تغيب بذنوب المحرمين ، يعني : بسبب بروزهم لها وصبرهم على حرارتها فلو جاز ان يستظل بالثوب على رأسه ما لم يمسه ـ كما نقله عن الخلاف ـ لم يكن لهذا التعليل وجه.

ويؤيده أيضا النهي عن الاستتار عن الشمس في صحيحة إسماعيل ابن عبد الخالق وصحيحة سعيد الأعرج (4). ومجرد النهي في بعض الاخبار عن الكنيسة أو المحمل المظلل أو نحوهما لا يقتضي كون العلة

__________________

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 70.

(2) سورة طه ، الآية 119.

(3) الوسائل الباب 64 من تروك الإحرام.

(4) ص 471 و 484.


في التحريم هو الاستتار ، حتى انه لو لم يستتر بهذه الأشياء فلا يضره الاستظلال بغيرها من ما لا يوجب الاستتار. واما المشي في ظلال المحمل ونحوه فإنما قلنا به من حيث النص ، وإلا فعموم الاخبار المشار إليها يشمله.

ويوضح ما قلناه ـ زيادة على ما تقدم ـ ما رواه في الكافي (1) في الصحيح الى المعلى بن خنيس عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا يستتر المحرم من الشمس بثوب ، ولا بأس ان يستر بعضه ببعض».

وبذلك يظهر لك ان ما ذكره الشيخ (رحمه‌الله تعالى) وتردد فيه شيخنا المشار اليه لا اعرف له وجها ، بل ظاهر الاخبار يأباه.

السادسة ـ قد تقدم في صحيحة سعيد الأعرج النهي عن ان يستتر المحرم بيده أو بعود. ولعله محمول على الفضل والاستحباب ، لما ورد في الاخبار الكثيرة من جواز ذلك :

ومنها ـ حديث محمد بن الفضيل وبشر بن إسماعيل المتقدم (2) الدال على ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تؤذيه الشمس فيستر جسده بعضه ببعض ، وربما ستر وجهه بيده.

ومثله ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «لا بأس ان يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس ، ولا بأس ان يستر بعض جسده ببعض». ورواية المعلى بن خنيس المتقدمة في سابق هذه الفائدة.

واما ما رواه الصدوق عن عبد الله بن سنان (4) ـ قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : لأبي ، وشكى اليه حر الشمس

__________________

(1 و 3 و 4) الوسائل الباب 67 من تروك الإحرام.

(2) ص 473.


وهو محرم وهو يتأذى به ، فقال : ترى ان استتر بطرف ثوبي؟ قال : لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك». ـ

فهو محمول على الضرورة كما هو ظاهر السياق. وقوله : «رأسك» الظاهر انه بدل من الكاف في قوله : «يصبك» وفي بعض النسخ : «يصب رأسك».

السابعة ـ الظاهر انه لا يضر الخشب الباقية في المحمل والعمارية ونحوها بعد رفع الظلال ، لما رواه الفاضل الطبرسي في الاحتجاج (1) في التوقيعات الخارجة الى محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري : «انه كتب الى صاحب الزمان (عليه‌السلام) : يسأله عن المحرم يرفع الظلال ، هل يرفع خشب العمارية أو الكنيسة ، ويرفع الجناحين أم لا؟ فكتب (عليه‌السلام) إليه في الجواب : لا شي‌ء عليه في تركه رفع الخشب». ورواه الشيخ في كتاب الغيبة مثله (2).

واما ما تقدم (3) من رواية القاسم الصيقل ـ الدالة على ان أبا جعفر (عليه‌السلام) كان يأمر بقلع القبة والحاجبين ـ فالظاهر حمله على الفضل والاستحباب ، كما يعطيه سياق الخبر.

والظاهر ان «الحاجبين» في هذا الخبر وقع تصحيف «الجناحين» كما في الخبر الأول.

الثامنة ـ الظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في جواز تظليل النساء والصبيان كما تقدم في جملة من الاخبار السابقة.

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 67 من تروك الإحرام.

(3) ص 472.


ويزيده تأكيدا ما رواه في الكافي (1) في الحسن عن عبد الله بن يحيى الكاهلي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا بأس بالقبة على النساء والصبيان وهم محرمون».

المقام الثاني ـ في تغطية الرأس للرجل ، والحكم من ما لا خلاف فيه ، قال العلامة في المنتهى : ويحرم على الرجل حال الإحرام تغطية رأسه. وهو قول علماء الأمصار ، ولا نعلم فيه خلافا.

والأصل فيه الأخبار الكثيرة : ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (2) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : الرجل المحرم يريد ان ينام ، يغطى وجهه من الذباب؟ قال : نعم ، ولا يخمر رأسه».

وفي الصحيح عن حريز (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن محرم غطى رأسه ناسيا. فقال : يلقى القناع عن رأسه ، ويلبي ، ولا شي‌ء عليه».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي (4) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يغطى رأسه ناسيا أو نائما. قال : يلبي إذا ذكر».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن (5) ـ والظاهر انه ابن الحجاج ـ قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن المحرم يجد

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 351 و 352 ، والوسائل الباب 65 من تروك الإحرام.

(2) الوسائل الباب 55 و 59 من تروك الإحرام.

(3 و 4 و 5) الوسائل الباب 55 من تروك الإحرام.


البرد في أذنيه ، يغطيهما؟ قال : لا».

وعن زرارة (1) قال : «سألته عن المحرم ، أيتغطى؟ قال : اما من الحر والبرد فلا».

وفي الحسن عن عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (2) قال : «المحرمة لا تتنقب ، لأن إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه».

وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد (3) عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) قال : «المحرم يغطى وجهه عند النوم والغبار الى طرار شعره».

أقول : طرار شعره اي منتهى شعره ، وهو القصاص الذي هو منتهى حد الوجه من الأعلى. وفي اللغة : ان طرة الوادي والنهر : شفيره ، وطرة كل شي‌ء : طرفه.

وتنقيح الكلام في المقام يتوقف على بيان أمور :

الأول ـ قال السيد السند في المدارك : لو ستر رأسه بيده أو ببعض أعضائه فالأظهر جوازه ، كما اختاره العلامة في المنتهى ، واستشكله في التحرير ، وجعل في الدروس تركه اولى. ويدل على الجواز ـ مضافا الى الأصل ، وعدم صدق الستر ، ووجوب مسح الرأس في الوضوء المقتضى لستره باليد في الجملة ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «لا بأس

__________________

(1) الوسائل الباب 64 من تروك الإحرام.

(2 و 3) الوسائل الباب 55 من تروك الإحرام.

(4) التهذيب ج 5 ص 308 والوسائل الباب 67 من تروك الإحرام.


ان يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس. وقال : لا بأس ان يستر بعض جسده ببعض». انتهى.

وكتب عليه بعض مشايخنا المعاصرين في حواشي الكتاب : أقول : لا دلالة لصحيحة معاوية بن عمار على جواز ستر الرأس من المحرم بيده ، كما زعم الشارح وفاقا للعلامة ، إذ أقصى ما تدل عليه جواز وضع المحرم ذراعه على وجهه ، ومعلوم ان هذا القدر لا يستلزم ستر الرأس قطعا ، بل ولا أبعاضه. مع ان الصحيح من المذهب جواز تغطية الرأس كما ستعلمه. والحاصل ان الخبر لا دلالة له على المدعى بوجه ، وقد اعترف بذلك في الدروس. والعجب من السيد (قدس‌سره) حيث وافق العلامة على هذا الاحتجاج. ومن هنا يظهر ان استشكال العلامة الحكم في التحرير في محله.

ثم كتب (قدس‌سره) في حاشية اخرى : أقول : روى ابن بابويه في الفقيه (1) في القوى عن سعيد الأعرج : «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يستتر من الشمس بعود أو بيده؟ فقال : لا ، إلا من علة». وهو صريح في عدم الجواز إلا مع الضرورة. ولعله منشأ استشكال العلامة في التحرير للحكم ، وحكم الشهيد في الدروس بأولوية تركه. ويؤيده ما رواه أيضا في الفقيه (2) عن سماعة : «انه سأله عن المحرمة ، تلبس الحرير؟ فقال : لا يصلح ان تلبس حريرا محضا لا خلط فيه ، فاما الخز والعلم في الثوب فلا بأس ان تلبسه وهي محرمة. وان مر بها رجل استترت منه بثوبها ، ولا تستتر بيدها

__________________

(1) ج 2 ص 227 ، والوسائل الباب 67 من تروك الإحرام.

(2) ج 2 ص 220 ، والوسائل الباب 33 من الإحرام.


من الشمس». وحينئذ يظهر ان ما ذكره (قدس‌سره) من الجواز تعويلا على صحيحة معاوية بن عمار لا يخلو من نظر ، إذ ليست صريحة في المطلوب. انتهى كلامه (قدس‌سره).

وهو محل نظر من وجوه : الأول ـ ان قوله : «إذ أقصى ما تدل عليه جواز وضع المحرم ذراعه على وجهه. الى آخره» ليس في محله ، فان الظاهر ان موضع الاستدلال منها إنما هو قوله : «لا بأس ان يستر بعض جسده ببعض» فإنه دال بإطلاقه على المدعى كما لا يخفى ونحوه في ذلك ما قدمناه من رواية محمد بن الفضيل وبشر بن إسماعيل ورواية المعلى بن خنيس.

الثاني ـ قوله : «ان الصحيح من المذهب جواز تغطية الرأس» فإنه غفلة ظاهرة ، إذ لا خلاف في الحكم كما عرفت ، والاخبار به ـ كما سمعت ـ متظافرة.

الثالث ـ ان ما استند اليه من رواية سعيد الأعرج مردود بما عرفت من معارضتها بما هو أكثر عددا وأصرح دلالة ، فلا بد من تأويلها ، كما قدمنا ذكره من الحمل على الفضل والاستحباب. وعلى ذلك تحمل أيضا رواية سماعة المذكورة ، جمعا بين الاخبار.

الثاني ـ ظاهر الأصحاب القطع بوجوب شاة متى غطى رأسه بثوب أو طينه بطين ، أو ارتمس في الماء ، أو حمل ما يستره. وظاهر العلامة في المنتهى والتذكرة انه إجماع. ولعله الحجة ، فإنا لم نقف في الاخبار على ما يدل على ذلك. وبذلك ايضا اعترف في المدارك. والأصحاب ـ حتى العلامة في المنتهى ـ ذكروا الحكم ولم ينقلوا عليه دليلا ، وكأن مستندهم إنما هو الإجماع.


إلا انه قد روى الشيخ في الصحيح عن الحلبي (1) قال : «المحرم إذا غطى رأسه فليطعم مسكينا في يده».

وظاهر هذه الرواية ان الواجب في تغطية الرأس عمدا إعطاء مسكين ، لانه مع النسيان لا شي‌ء فيه ، كما تقدم في صحيحة حريز.

وبهذا الخبر أفتى في الوسائل (2) فقال : «ان المحرم إذا غطى رأسه عمدا لزمه طرح الغطاء وإطعام مسكين ، وان كان ناسيا لزمه طرح الغطاء خاصة ، واستحب له تجديد التلبية» ثم أورد صحيحة الحلبي المذكورة وصحيحة حريز المتقدمة المشار إليها. إلا ان صاحب الوافي إنما نقل صحيحة الحلبي المذكورة بلفظ «وجهه» عوض قوله «رأسه» (3) ولعل نسخ التهذيب كانت مختلفة في ذلك. وسيأتي ما يؤيد ان المذكور فيها هو لفظ الوجه.

ثم انه على تقدير كون الفدية شاة أو إطعام مسكين ، فهل تتكرر بتكرر الفعل؟ قولان ، واستقرب الشهيد التعدد مع الاختيار دون الاضطرار ، وحكم الشهيد الثاني بعدم التعدد مع الاضطرار ، وكذا مع الاختيار إذ اتحدا المجلس ، واستوجه التعدد مع اختلافه. ولا أعرف لشي‌ء من هذه الأقوال مستندا ، سيما مع كون أصل المسألة خاليا من الدليل على ما يدعونه. وقضية الأصل تقتضي العدم مطلقا.

الثالث ـ قد صرح العلامة ومن تأخر عنه بأنه لا فرق في التحريم

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 308 ، والوسائل الباب 55 من تروك الإحرام ، والباب 5 من بقية كفارات الإحرام. وسيأتي ص 497.

(2) ج 9 ص 29 رقم 5 الطبع الحديث.

(3) وكذلك التهذيب والوسائل الباب 55 من تروك الإحرام.


بين ان يغطي رأسه بالمعتاد كالعمامة والقلنسوة ، أو بغيره حتى الطين والحناء وحمل متاع يستره.

واعترضهم في المدارك بأنه غير واضح ، قال : لأن المنهي عنه في الروايات المعتبرة تخمير الرأس ، ووضع القناع عليه ، والستر بالثوب لا مطلق الستر. مع ان النهي لو تعلق به لوجب حمله على ما هو المتعارف منه ، وهو الستر بالمعتاد. إلا ان المصير الى ما ذكروه أحوط. انتهى. وهو جيد.

إلا ان ما يأتي من الاخبار الدالة على النهى عن الارتماس تحت الماء ربما يؤيد ما ذكروه. ولكنه إنما يتم لو كان المنع من ذلك من حيث هذه الحيثية ، وهو غير ظاهر من الاخبار المذكورة ، فلعله من جملة محرمات الإحرام كغيره.

ثم نقل عن التذكرة انه لو توسد بوسادة فلا بأس. وكذلك لو توسد بعمامة مكورة ، لأن المتوسط يطلق عليه عرفا انه مكشوف الرأس. ثم قال : وهو حسن :

أقول : لو استلزم التوسد التغطية للزم منه تحريم النوم عليه مضطجعا ، إذ لا بد من وقوع جزء من رأسه على الأرض أو غيرها من ما يجعله تحت رأسه. وهو باطل قطعا.

الرابع ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بان الرأس هنا عبارة عن منابت الشعر خاصة حقيقة أو حكما. وظاهرهم خروج الأذنين منه.

قال في المسالك : الظاهر ان الرأس هنا اسم لمنابت الشعر حقيقة أو حكما ، فالاذنان ليستا منه ، خلافا للتحرير. انتهى.


وظاهر العلامة في المنتهى التوقف ، حيث نقل في المسألة قولين للعامة الجواز والمنع (1) ، ولم يتعرض لغير ذلك. ونقل عن العلامة حديثا عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) قال : «الأذنان من الرأس».

ويمكن الاستدلال لما ذهب إليه في التحرير برواية عبد الرحمن المتقدمة (3) الدالة على السؤال عن المحرم يجد البرد في أذنيه ، يغطيهما؟ قال : لا.

الخامس ـ ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) عدم الفرق في التحريم بين تغطية الرأس كلا أو بعضا.

واستدل عليه في المنتهى بأن النهي عن إدخال الشي‌ء في الوجود يستلزم النهي عن إدخال أبعاضه. ولهذا لما حرم الله (تعالى) حلق الرأس تناول التحريم حلق بعضه.

وفيه تأمل ، لعدم دليل على ما ادعاه من اللزوم. وما استند اليه من الحلق فإنما هو من حيث الإطلاق الشامل للكل والبعض.

والأجود الاستدلال على ذلك بصحيحة عبد الله بن سنان (4) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لأبي ، وشكى اليه حر الشمس وهو محرم وهو يتأذى به ، وقال : ترى ان استتر بطرف ثوبي؟ قال : لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك». والتقريب فيه ان إطلاق النهي عن اصابة الثوب الرأس الصادق ولو ببعضه يقتضي ذلك.

__________________

(1) المغني ج 3 ص 292 طبع مطبعة العاصمة.

(2) سنن ابن ماجة ج 1 ص 168.

(3) ص 489 رقم 5.

(4) الفقيه ج 2 ص 227 ، والوسائل الباب 67 من بقية كفارات الإحرام.


واستثنى من ذلك عصام القربة. وعليه تدل صحيحة محمد بن مسلم (1) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يضع عصام القربة على رأسه إذا استسقى؟ فقال : نعم».

والعصابة عند الحاجة إليها. وعليه تدل صحيحة معاوية بن وهب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «لا بأس بأن يعصب المحرم رأسه من الصداع».

السادس ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) جواز تغطية الرجل وجهه ، بل قال في التذكرة : انه قول علمائنا اجمع. ونقل في الدروس عن ابن ابي عقيل انه منع من ذلك وجعل كفارته إطعام مسكين في يده. وقال الشيخ في التهذيب : فأما تغطية الوجه فيجوز مع الاختيار غير انه تلزمه الكفارة ، ومتى لم ينو الكفارة لم يجز ذلك.

أقول : ويدل على القول المشهور ما تقدم من صحيحة زرارة ، وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة (3) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : المحرم يقع الذباب على وجهه حين يريد النوم فيمنعه من النوم ، أيغطي وجهه إذا أراد ان ينام؟ قال : نعم».

ورواية الحميري المتقدمة (4) وما رواه الحميري أيضا في كتاب قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 221 ، والوسائل الباب 57 من تروك الإحرام.

(2) الوسائل الباب 56 و 70 من تروك الإحرام.

(3) الوسائل الباب 55 من تروك الإحرام رقم 5 و 7 عن التهذيب والفقيه.

(4) الوسائل الباب 59 من تروك الإحرام.


السلام) قال : «سألته عن المحرم هل يصلح له ان يطرح الثوب على وجهه من الذباب وينام؟ قال : لا بأس».

وما رواه في الكافي عن عبد الملك القمي (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المحرم يتوضأ ثم يجلل وجهه بالمنديل يخمره كله؟ قال : لا بأس».

وتؤيده حسنة عبد الله بن ميمون المتقدمة.

احتج الشيخ في التهذيب ـ على ما ذهب اليه من لزوم الكفارة بذلك ـ بما رواه في الصحيح عن الحلبي (2) قال : «المحرم إذا غطى وجهه فليطعم مسكينا في يده. قال : ولا بأس ان ينام المحرم على وجهه على راحلته».

وأجيب عن الرواية بالحمل على الاستحباب ، قال في المدارك : وهو غير بعيد ، لإطلاق الإذن بالتغطية في الاخبار الكثيرة ، ولو كانت الكفارة واجبة لذكرت في مقام البيان. ولا ريب ان التكفير اولى وأحوط. انتهى.

أقول : فيه ما عرفت في غير مقام من ما تقدم من ان الحمل على الاستحباب مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة ، واختلاف الاخبار ليس من قرائن المجاز. مع ان القاعدة المشهورة تقتضي حمل إطلاق الاخبار المذكورة على هذه الرواية ، وغاية ما يلزم بناء على ما ذكره هو تأخير البيان عن وقت الخطاب ، وهو جائز عندهم. مع ان دعوى ان المقام مقام بيان الكفارة ممنوعة ، بل المقام مقام بيان مطلق الجواز

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 349 ، والوسائل الباب 59 من تروك الإحرام.

(2) التهذيب ج 5 ص 308 ، والوسائل الباب 55 و 60 من تروك الإحرام والباب 5 من بقية كفارات الإحرام. وتقدم ص 493.


فلا ينافيه التقييد بخبر الكفارة المذكور.

السابع ـ نقل الشهيد في الدروس عن الشيخ في المبسوط ان فدية تغطية المرأة وجهها شاة. وقال الحلبي : لكل يوم شاة ، ولو اضطرت فشاة لجميع المدة. وكذا قال في تغطية الرأس. ولم أقف لشي‌ء من هذين القولين على دليل ، كما عرفت في مسألة تغطية الرجل رأسه. وظاهر الشهيد ـ حيث اقتصر على مجرد نقل القولين المذكورين ـ التوقف في المسألة.

الثامن ـ ظاهر الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) الاتفاق على عدم جواز الارتماس في الماء على وجه يعلو الماء رأسه ، قالوا : لأنه في حكم تغطية الرأس.

أقول : ويدل على المنع من الارتماس جملة من الاخبار :

منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سمعته يقول : لا تمس الريحان وأنت محرم. الى ان قال : ولا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك».

وعن حريز في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) في حديث قال : «ولا يرتمس المحرم في الماء ، ولا الصائم».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله

__________________

(1) الوسائل الباب 58 من تروك الإحرام.

(2) الوسائل الباب 3 من ما يمسك عنه الصائم ، والباب 58 من تروك الإحرام.


(عليه‌السلام) (1) قال : «لا يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم».

وروى عن حريز عن من أخبره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «لا يرتمس المحرم في الماء».

وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن إسماعيل بن عبد الخالق (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام): هل يدخل الصائم رأسه في الماء؟ قال : لا ، ولا المحرم. وقال : مررت ببركة بني فلان وفيها قوم محرمون يترامسون ، فوقفت عليهم فقلت لهم : انكم تصنعون ما لا يحل لكم».

أقول : والارتماس الممنوع منه أعم من ان يكون بدخوله ببدنه كملا تحت الماء أو بإدخال رأسه خاصة ، كما تقدم في ارتماس الصائم. والى الثاني تشير صحيحة عبد الله بن سنان.

والظاهر ان رأس المحرم هنا كرأس الصائم ، وقد تقدم في كتاب الصوم انه ما فوق الرقبة.

والمنع في الاخبار إنما تعلق بالارتماس ، فلا بأس بالصب على الرأس ، وان يفيض عليه الماء في غسل وغيره. والظاهر انه لا خلاف فيه.

وتدل عليه جملة من الاخبار ، كصحيحة حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «إذا اغتسل المحرم من الجنابة صب على رأسه الماء ، يميز الشعر بأنامله بعضه عن بعض».

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من ما يمسك عنه الصائم ، والباب 58 من تروك الإحرام.

(2 و 3) الوسائل الباب 58 من تروك الإحرام.

(4) الوسائل الباب 75 من تروك الإحرام.


وما رواه الشيخ عن يعقوب بن شعيب في الصحيح (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يغتسل؟ فقال : نعم يفيض الماء على رأسه ، ولا يدلكه».

الى غير ذلك من الاخبار.

الصنف الحادي عشر والثاني عشر ـ الادهان ، وقتل هوام الجسد ، فالكلام هنا يقع في مقامين :

الأول في الادهان ، وينبغي ان يعلم ان الادهان على قسمين : مطيبة وغير مطيبة.

فاما القسم الأول فالظاهر انه لا خلاف في تحريمه على المحرم ، إلا ما ينقل عن الشيخ في الجمل من القول بالكراهة. وهو ضعيف. وقال العلامة في المنتهى : انه قول عامة أهل العلم ، وتجب فيه الفدية إجماعا.

وهل يحرم استعماله قبل الإحرام إذا علم بقاء رائحته إلى وقت الإحرام أم لا؟ قولان ، والمشهور التحريم ، ونقل عن ابن حمزة القول بالكراهة.

والظاهر الأول ، للنهي عنه في عدة روايات : منها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «لا تدهن حين تريد ان تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر ، من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم. وادهن بما شئت من

__________________

(1) الوسائل الباب 75 من تروك الإحرام.

(2) الفروع ج 4 ص 329 ، والوسائل الباب 29 من تروك الإحرام.


الدهن حين تريد ان تحرم ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل».

وما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه وثقة الإسلام في الكافي عن علي بن أبي حمزة (1) قال : «سألته عن الرجل يدهن بدهن فيه طيب وهو يريد ان يحرم. فقال : لا تدهن حين تريد ان تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر تبقى رائحته في رأسك بعد ما تحرم ، وادهن بما شئت من الدهن حين تريد ان تحرم قبل الغسل وبعده ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل».

وما رواه في الكافي في الحسن عن الحسين بن ابي العلاء (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل المحرم يدهن بعد الغسل. قال : نعم. فادهنا عنده بسليخة بان. وذكر ان أباه كان يدهن بعد ما يغتسل للإحرام ، وانه يدهن بالدهن ما لم يكن غالية أو دهنا فيه مسك أو عنبر».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «الرجل يدهن بأي دهن شاة ـ إذا لم يكن فيه مسك ولا عنبر ولا زعفران ولا ورس ـ قبل ان يغتسل للإحرام. قال : ولا تجمر ثوبا لإحرامك».

أقول : وهذه الاخبار كما تدل على تحريم الاستعمال قبل الإحرام إذا كانت تبقى رائحته إلى وقت الإحرام تدل على التحريم في الإحرام

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 329 ، والفقيه ج 2 ص 202 ، والوسائل الباب 29 من تروك الإحرام.

(2 و 3) الوسائل الباب 30 من تروك الإحرام.


بطريق أولى ، فإن التحريم أولا على الوجه المذكور انما ينشأ من التحريم ثانيا كما هو ظاهر.

ويدل على ذلك ايضا ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) في حديث قال : «وسألته عن المحرم يدهنه الحلال بالدهن الطيب والمحرم لا يعلم ، ما عليه؟ قال : يغسله ايضا وليحذر».

وبه يظهر ضعف القولين المتقدمين.

واما القسم الثاني فلا خلاف في جواز اكله والادهان به عند الضرورة.

وانما الخلاف في الادهان به اختيارا ، فالمشهور التحريم ، ونقل الجواز في الدروس عن الشيخ المفيد ، ونقله الفاضل الخراساني في الذخيرة أيضا عن الشيخ المفيد وابن ابى عقيل وسلار وابي الصلاح.

والأظهر الأول ، ويدل عليه ما تقدم في صحيحة الحلبي ، ورواية علي بن أبي حمزة ، لقوله (عليه‌السلام) : فيهما بعد ان رخص له في الادهان إذا أراد الإحرام : «فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل».

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «لا تمس شيئا من الطيب وأنت محرم ، ولا من الدهن. الحديث».

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 355 و 356 ، والوسائل الباب 22 من تروك الإحرام ، والباب 4 من بقية كفارات الإحرام.

(2) الوسائل الباب 18 و 29 من تروك الإحرام.


وقال في آخره : «يكره للمحرم الأدهان الطيبة ، إلا المضطر الى الزيت أو شبهه يتداوى به».

وعنه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «ولا تمس شيئا من الطيب ولا من الدهن في إحرامك».

أقول : المراد بمسها يعني : الادهان بها ، لان جواز مسها بالأكل من ما لا خلاف ولا اشكال فيه. ولفظ الكراهة في الخبر الأول بمعنى التحريم ، كما هو شائع في الاخبار بتقريب الأخبار المتقدمة.

احتج من ذهب الى الجواز بالأصل والاخبار : ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم ـ وكذا الصدوق في الصحيح عنه ـ عن أحدهما (عليهما‌السلام) (2) قال : «سألته عن محرم تشققت يداه. قال : فقال : يدهنهما بزيت أو بسمن أو إهالة».

وما رواه الكليني في الصحيح عن هشام بن سالم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «ان خرج بالرجل منكم الخراج أو الدمل فليربطه وليتداو بزيت أو سمن».

وأجيب عن الأصل بما تقدم من الروايات. واما الخبران المذكوران وما في معناهما فان موردهما جواز الادهان عند الضرورة ، وهو ليس من محل النزاع في شي‌ء ، بل هو من ما لا خلاف فيه. وبذلك يظهر

__________________

(1) الوسائل الباب 18 من تروك الإحرام رقم 9.

(2) الوسائل الباب 31 و 69 من تروك الإحرام.

(3) الفروع ج 4 ص 359 ، والتهذيب ج 5 ص 304 ، والوسائل الباب 31 و 70 من تروك الإحرام.


ان المعتمد هو القول الأول.

ثم ان ظاهر جملة من الأصحاب ان وجوب الكفارة انما هو في الادهان بالدهن المطيب ، قال ابن إدريس : تجب به الكفارة سواء كان مختارا أو مضطرا. وقال في غير المطيب : لا تجب به كفارة بل الإثم ، فليستغفر الله. وقوى في المختلف وجوب الكفارة في المطيب دون غيره ، قال : واما أكل غير المطيب فإنه سائغ مطلقا.

أقول : لم أقف بعد التتبع على ما يدل على الكفارة في الادهان إلا على ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) : «في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج. قال : ان كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وان كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه».

وبهذا استدل الشيخ في التهذيب على ما نقله عنه في المدارك ، وعليها جمد في المدارك ، إذ ليس غيرها في البين.

ولا يخفى ما في الاستدلال بها : اما (أولا) : فلان الظاهر ان ضمير «قال» إنما يرجع الى معاوية بن عمار ، فتكون مقطوعة لا مضمرة كما ذكره في المدارك.

واما (ثانيا) : فلاشتمالها على وجوب الكفارة على الجاهل ، مع اتفاق الاخبار والأصحاب على ان الجاهل لا كفارة عليه إلا في الصيد خاصة كما تقدم.

واما (ثالثا) : فلقصورها عن الدلالة على تمام المدعى ، فان موردها حال الضرورة. إلا ان يستعان بعدم القائل بالفصل ، كما

__________________

(1) الوسائل الباب 4 من بقية كفارات الإحرام.


هو أحد أصولهم. وفيه ما لا يخفى. أو يقال بالأولوية في غير الضرورة. وفيه منع.

وبالجملة فالاحتياط يقتضي المصير الى ما ذكروه. ولعل اتفاقهم أولا وآخرا باعتضاده بهذه الرواية كاف في الحكم المذكور.

المقام الثاني ـ في قتل هوام الجسد ، جمع هامة : الدابة. والقول بتحريم قتل هوام الجسد ـ من القمل والبراغيث وغيرهما ، سواء كان على الثوب أو الجسد ـ هو المشهور بين الأصحاب. ونقل عن الشيخ وابن حمزة : أنهما جوزا قتل ذلك على البدن ، قال الشيخ : فإن القى القمل عن جسمه فدى ، والاولى ان لا يعرض له ما لم يؤذه. ومنع في النهاية من قتل المحرم البق والبرغوث وشبههما في الحرم ، فان كان محلا في الحرم فلا بأس. وأوجب المرتضى في قتل القملة أو الرمي بها كفا من طعام.

والذي وقفت عليه من الاخبار في المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عيسى (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها. قال : يطعم مكانها طعاما».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها. قال : يطعم مكانها طعاما».

وعن الحسين بن ابي العلاء في الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «المحرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمدا ، وان فعل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما : قبضة بيده».

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 15 من بقية كفارات الإحرام.


وما رواه الصدوق عن زرارة في الصحيح (1) قال : «سألته عن المحرم هل يحك رأسه ، أو يغسل بالماء؟ فقال : يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة. الحديث».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «المحرم يلقي عنه الدواب كلها إلا القملة ، فإنها من جسده ، فإذا أراد ان يحول قملة من مكان الى مكان فلا يضره».

وما رواه في الكافي عن الحسين بن ابي العلاء (3) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : لا يرمي المحرم القملة من ثوبه ولا من جسده متعمدا ، فان فعل شيئا من ذلك فليطعم مكانها طعاما. قلت : كم؟ قال : كفا واحدا».

وعن أبان في الصحيح عن ابي الجارود (4) قال : «سأل رجل أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل قتل قملة وهو محرم. قال : بئس ما صنع. قال : فما فداؤها؟ قال : لا فداء لها».

وما رواه الشيخ عن معاوية في الصحيح والكليني عنه في الحسن (5) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال : لا شي‌ء عليه في القملة ، ولا ينبغي ان يتعمد قتلها».

وعن صفوان في الصحيح عن مرة مولى خالد (6) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يلقي القملة. فقال : ألقوها ،

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 230 ، والوسائل الباب 73 و 78 من تروك الإحرام.

(2 و 3 و 4 و 6) الوسائل الباب 78 من تروك الإحرام.

(5) الوسائل الباب 78 من تروك الإحرام ، والباب 15 من بقية كفارات الإحرام.


أبعدها الله ، غير محمودة ولا مفقودة».

وروى زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) قال : «سألته عن المحرم ، يقتل البقة والبرغوث إذا رءاه؟ قال : نعم».

وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من نوادر احمد ابن محمد بن ابي نصر عن جميل (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يقتل البقة والبراغيث إذا آذاه؟ قال : نعم».

وما رواه في الكافي عن ابي الجارود (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : حككت رأسي وانا محرم ، فوقعت قملة؟ قال : لا بأس. قلت : اي شي‌ء تجعل علي فيها؟ قال : وما اجعل عليك في قملة؟ ليس عليك فيها شي‌ء».

وما رواه الشيخ عن الحلبي (4) قال : «حككت رأسي وانا محرم فوقع منه قملات ، فأردت ردهن فنهاني ، وقال : تصدق بكف من طعام».

وما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (5) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المحرم يحك رأسه فتسقط منه القملة والثنتان؟ قال : لا شي‌ء عليه ، ولا يعود. قلت : كيف يحك رأسه؟ قال : بأظافيره ما لم يدم ، ولا يقطع الشعر».

أقول : وهذه الاخبار كلها مع اختلافها انما وردت في القملة خاصة ، فالقول بالتعميم لا يخلو من اشكال ، سيما مع دلالة رواية زرارة المذكورة هنا على جواز قتل البرغوث. وقد تقدم ذكر الخلاف في جواز

__________________

(1) الوسائل الباب 79 من تروك الإحرام.

(2) الوسائل الباب 78 من تروك الإحرام.

(3 و 4 و 5) الوسائل الباب 15 من بقية كفارات الإحرام.


قتل البرغوث في المسألة التاسعة من مسائل الفصل الأول في صيد البر (1).

والشيخ ـ بناء على ما هو المشهور ـ أجاب عن الروايات الأخيرة (أولا) : بالحمل على الرخصة. و (ثانيا) : بالحمل على من يتأذى بها فيقتل ويكفر. قال : وقوله : «لا شي‌ء عليه» يعني : من العقاب أو لا شي‌ء معين.

وأنت خبير بما فيه ، إلا ان الاحتياط يقتضيه. والمسألة لا تخلو من نوع اشكال ، فان الروايات الأخيرة وان كانت على خلاف ما هو المشهور بين الأصحاب ، إلا انها مخالفة لمذهب العامة ، والروايات الأولى موافقة لهم (2) إلا ان الحكم بها بين أصحابنا مشهور ، والقائل بخلافها نادر. والله العالم.

تنبيه

المشهور بين الأصحاب انه يجوز إلقاء القراد والحلم عن نفسه وبعيره والحلم بفتح الحاء واللام جمع حلمة بالفتح ايضا ، وهي القراد العظيم كما نقل عن الصحاح. وقيل : إنها الصغيرة من القردان أو الضخمة ضدان.

واستدلوا على ذلك بالأصل ، وبما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الله بن سنان (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : أرأيت ان وجدت على قرادا أو حلمة أطرحهما؟ قال : نعم. وصغار لهما ،

__________________

(1) ص 159.

(2) ارجع الى الصفحة 247 الى 250.

(3) الوسائل الباب 79 من تروك الإحرام.


انهما رقيا في غير مرقاهما». وهذا الخبر ـ كما ترى ـ مختص بالإنسان ولا تعرض فيه للبعير.

وقال الشيخ في التهذيب : ولا بأس ان يلقى المحرم القراد عن بعيره ولا يلقي الحلمة. واستدل عليه بما رواه عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «ان القى المحرم القراد عن بعيره فلا بأس ، ولا يلقى الحلمة».

أقول : ويدل على ما ذكره (قدس‌سره) زيادة على الرواية المذكورة ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «ان القراد ليس من البعير ، والحلمة من البعير بمنزلة القملة من جسدك ، فلا تلقها ، والق القراد».

وعن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن المحرم ، يقرد البعير؟ قال : نعم ، ولا ينزع الحلمة».

وما رواه في التهذيب عن عمر بن يزيد (4) قال : «لا بأس ان تنزع القراد عن بعيرك ، ولا ترم الحلمة».

وما رواه في التهذيب ومن لا يحضره الفقيه في الصحيح عن معاوية ابن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «ان القى المحرم القراد عن بعيره فلا بأس ، ولا يلقى الحلمة».

وما رواه الصدوق عن ابي بصير (6) قال : «سألته عن المحرم

__________________

(1 و 3 و 4 و 6) الوسائل الباب 80 من تروك الإحرام.

(2) الفروع ج 4 ص 364 ، والوسائل الباب 80 من تروك الإحرام.

(5) الوسائل الباب 80 من تروك الإحرام. وقد تقدم نقله عن التهذيب برقم (1).


ينزع الحلمة عن البعير؟ فقال : لا ، هي بمنزلة القملة من جسدك».

وعن حريز في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «ان القراد ليس من البعير ، والحلمة من البعير».

وبذلك يظهر ان ما ذكره الشيخ من التفصيل هو الأظهر. وعليه يحمل إطلاق ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سعيد (2) قال : «سأل أبو عبد الرحمن أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يعالج دبر الجمل. قال : فقال : يلقي عنه الدواب ، ولا يدميه».

والظاهر من هذه الروايات ان الحلم غير القراد ، حيث انه (عليه‌السلام) جعل الحلمة منه بمنزلة القملة من الإنسان ، بمعنى انها تخلق من وسخه فكأنها من جسمه ، وان القراد ليس منه بل هو من الدواب الخارجة التي تأتي اليه. ومقتضى ما ذكره أهل اللغة ان الحلمة نوع من القراد أما الصغيرة منه أو الضخمة ، وهو لا يلائم ما دلت عليه هذه الاخبار. ولم أر من تنبه لذلك من المحدثين.

ثم ان الظاهر من هذه الاخبار انه لا كفارة في إلقاء الحلم عن البعير ، حيث لم يتعرض في شي‌ء منها لوجوب الكفارة لو فعل ، وانما غاية ما تدل عليه الإثم بذلك.

إلا انه قد روى عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (3) : «ان عليا (عليه‌السلام) كان يقول في المحرم ينزع عن بعيره القردان والحلم : ان عليه الفدية».

والرواية ـ مع ضعف سندها وكون رواتها من العامة ـ قد تضمنت

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 80 من تروك الإحرام.


وجوب الفدية في نزع القردان مع ان الروايات المتقدمة قد اشتركت في الدلالة على جواز النزع. وحينئذ فالعمل على هذه الرواية ـ والأمر كما عرفت ـ مشكل.

الصنف الثالث عشر والرابع عشر ـ ازالة الشعر ، وإخراج الدم.

والبحث في ذلك يقع في فصلين الأول ـ في إزالة الشعر.

وتحقيق الكلام فيه يتوقف على بسطه في مسائل :

الأولى ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في انه يحرم على المحرم ازالة الشعر من رأسه ولحيته وسائر بدنه ، بحلق أو نتف أو غيرهما ، مع الاختيار. ونقل عليه في التذكرة والمنتهى إجماع العلماء.

ويدل عليه بالنسبة إلى الحلق قوله (عزوجل) (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) (1).

ويدل عليه وعلى غيره الأخبار الكثيرة ، ومنها ـ صحيحة زرارة (2) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : من حلق رأسه ، أو نتف إبطه ـ ناسيا أو ساهيا أو جاهلا ـ فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمد أفعليه دم».

وروى الشيخ في الصحيح عن زرارة بن أعين (3) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : من نتف إبطه ، أو قلم ظفره ، أو حلق رأسه ، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه ، أو أكل طعاما

__________________

(1) سورة البقرة ، الآية 196.

(2) التهذيب ج 5 ص 339 ، والوسائل الباب 10 من بقية كفارات الإحرام.

(3) الوسائل الباب 8 من بقية كفارات الإحرام.


لا ينبغي له اكله وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا ، فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة».

وروى الصدوق في الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لا بأس ان يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر. واحتجم الحسن بن علي عليهما‌السلام. وهو محرم». قوله : «واحتجم الحسن بن علي عليهما‌السلام ...» يحتمل ان يكون من الخبر ومن كلام الصدوق. ونحوه ما رواه الشيخ عن حريز في الصحيح مثله (2).

وقد تقدم في صحيحة معاوية بن عمار (3) ـ وهي آخر الروايات المتقدمة في مسألة قتل هو أم الجسد ـ انه يحك رأسه بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر.

وعن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «لا بأس بحك الرأس واللحية ما لم يلق الشعر ، وبحك الجسد ما لم يدمه».

الى غير ذلك من الاخبار الآتية في المقام ان شاء الله (تعالى).

الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف في جوازه مع الضرورة وان وجبت الفدية.

ويدل على الجواز الأصل ، ونفي الحرج (5) وقوله (عزوجل)

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 222 ، والوسائل الباب 62 من تروك الإحرام.

(2) الوسائل الباب 62 من تروك الإحرام.

(3) ص 507 رقم (5).

(4) الوسائل الباب 73 من تروك الإحرام.

(5) ارجع الى الجزء الأول ص 151.


(فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (1).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «مر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على كعب بن عجرة الأنصاري والقمل يتناثر من رأسه ، فقال : أتؤذيك هوامك؟ قال : نعم. قال : فأنزلت هذه الآية (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (3) فأمره رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بحلق رأسه ، وجعل عليه الصيام ثلاثة أيام ، والصدقة على ستة مساكين لكل مسكين مدان ، والنسك : شاة. قال : وقال أبو عبد الله (عليه‌السلام): وكل شي‌ء في القرآن «أو» فصاحبه بالخيار يختار ما شاء ، وكل شي‌ء في القرآن «فمن لم يجد فعليه كذا» فالأول بالخيار».

قوله (عليه‌السلام) : «فالأول بالخيار» يعني : فالأول هو المختار وما بعده انما هو عوض عنه مع عدم إمكانه.

وقال الصدوق في الفقيه (4) : «مر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على كعب بن عجرة الأنصاري وهو محرم ، وقد أكل القمل رأسه وحاجبيه وعينيه ، فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ما كنت ارى ان الأمر يبلغ ما أرى ، فأمره فنسك عنه نسكا ، وحلق رأسه ، لقول الله (تعالى) (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (5). فالصيام : ثلاثة أيام ، والصدقة : على ستة مساكين ، لكل مسكين صاع من تمر. وروى : مد من تمر. والنسك : شاة لا يطعم منها أحدا إلا المساكين».

__________________

(1 و 3 و 5) سورة البقرة ، الآية 196.

(2) التهذيب ج 5 ص 333 ، والوسائل الباب 14 من بقية كفارات الإحرام.

(4) ج 2 ص 228 ، والوسائل الباب 14 من بقية كفارات الإحرام.


وما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «قال الله (تعالى) في كتابه (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (2) فمن عرض له أذى أو وجع ، فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا ، فالصيام ثلاثة أيام ، والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام ، والنسك : شاة يذبحها فيأكل ويطعم. وانما عليه واحد من ذلك».

الثالثة ـ لا خلاف في ان الفدية في إزالة الشعر ـ بأي الوجوه المتقدمة ، عمدا كان أو لضرورة ـ واجبة ، وان اختلفت مقاديرها ، قال في المنتهى : لا فرق بين شعر الرأس وبين شعر سائر البدن في وجوب الفدية ، وان اختلف مقاديرها على ما يأتي ، ذهب إليه علماؤنا.

ثم ان ظاهر عبارات جملة من الأصحاب ان التخيير بين الافراد الثلاثة مترتب على حلق الشعر مطلقا من الرأس أو البدن. وتأمل فيه بعض الأفاضل.

أقول : ظاهر رواية عمر بن يزيد العموم ، إلا ان موردها حالة الضرورة دون الاختيار.

بقي الكلام في الصدقة التي هي أحد أفراد الكفارة المخيرة ، وقد صرح جمع من الأصحاب بأنها على عشرة مساكين لكل مد. وقال الشيخ : من حلق رأسه لأذى فعليه دم شاة ، أو صيام ثلاثة أيام ، أو يتصدق على ستة مساكين ، لكل مسكين مد من طعام. وقد روى عشرة مساكين. وهو الأحوط. ونحوه قال الشيخ المفيد ، إلا انه لم يذكر رواية العشرة ، بل جعل الإطعام لستة مساكين لكل مسكين

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 333 ، والوسائل الباب 14 من بقية كفارات الإحرام.

(2) سورة البقرة ، الآية 196.


مد. وبه قال ابن إدريس. وقال ابن الجنيد : أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع. وهو الذي رواه الصدوق في المقنع. وبه قال ابن ابى عقيل. واختاره في المختلف.

والذي وقفت عليه من الاخبار في ذلك صحيحة حريز المتقدمة ، وكذا رواية عمر بن يزيد ، وصحيحة زرارة المتقدمة في صدر روايات المسألة الاولى.

وروى الشيخ عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا أحصر الرجل فبعث يهديه ، فأذاه رأسه قبل ان ينحر هديه ، فإنه يذبح شاة في المكان الذي أحصر فيه ، أو يصوم ، أو يتصدق على ستة مساكين. والصوم : ثلاثة أيام ، والصدقة : نصف صاع لكل مسكين». ورواه الكليني في الكافي عن زرارة مثله (2).

ومورد صحيحة حريز ورواية عمر بن يزيد ورواية زرارة ـ المشتمل كل منها على التخيير بين الافراد الثلاثة ـ انما هو الحلق للأذى ، وليس فيها ما يدل على حكم المتعمد من غير ضرورة. إلا ان يقال : انه إذا كان الحكم في الضرورة ذلك فالمتعمد بطريق اولى. وظاهر صحيحة زرارة المتقدمة في صدر المسألة الاولى وان كان يدل على المتعمد ، إلا انه أوجب فيها الشاة خاصة ، والحكم عندهم التخيير. قال في المدارك : ولو قيل به إذا كان الحلق لغير ضرورة لم يكن بعيدا. لكن قال في المنتهى : ان التخيير في هذه الكفارة لعذر أو غيره قول علمائنا اجمع.

ويدل على تعدى الحكم الى غير الحلق رواية عمر بن يزيد.

والظاهر ان مستند المشهور من التصدق على عشرة مساكين هو رواية عمر بن يزيد. لكنها قد اشتملت على انه يشبعهم من الطعام ،

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 14 من بقية كفارات الإحرام.


وهم انما قالوا بالمد خاصة. وأيضا فإنها قد اشتملت على ما لا يقول به أحد من الأصحاب ـ في ما اعلم ـ من انه يجوز له ان يأكل من فدائه وقد ورد ـ كما قدمنا نقله ايضا ـ ان الهدي الذي يكون جبرانا لما وقع في الحج أو العمرة من النقصان لا يؤكل منه. وقد تقدم في مرسلة الصدوق المذكورة في المقام (1) : «والنسك شاة لا يطعم منها أحدا إلا المساكين». قال في المنتهى : ولا يجوز ان يأكل منها شيئا ، لأنها كفارة فيجب دفعها الى المساكين كغيرها من الكفارات. انتهى.

وما دلت عليه صحيحة حريز من إطعام الستة هو مستند الشيخين ومن تبعهما ، إلا ان أكثرهم ذكر ان الصدقة مد ، ولم يذكر المدين إلا ابن الجنيد ، فتكون الرواية أشد انطباقا على مذهبه. ويعضدها أيضا رواية زرارة المتقدمة الواردة في حلق رأس المحصر ، فإنه جعل الصدقة على ستة مساكين ، وان يكون لكل مسكين نصف صاع. واما ما دلت عليه مرسلة الصدوق من الصاع فالظاهر انه متروك. ولعل لفظ : «نصف» سقط من قلم المصنف (قدس‌سره) أو من قبله.

وجمع الشيخ ـ بين صحيحة حريز وما دلت عليه من الستة والمدين ورواية عمر بن يزيد وما دلت عليه من العشرة والشبع لكل واحد ـ بالتخيير بين الأمرين. وهو جيد.

قال العلامة في المنتهى : والكفارة عندنا تتعلق بحلق جميع الرأس أو بعضه ، قليلا كان أو كثيرا ، لكن تختلف ، ففي حلق الرأس دم ، وكذا في ما يسمى حلق الرأس ، وفي حلق ثلاث شعرات صدقة بمهما كان. قال في المدارك : وهو جيد. لكن ينبغي تعين الصدقة في ذلك بكف من طعام أو بكف من سويق ، كما سيجي‌ء بيانه.

__________________

(1) الوسائل الباب 14 من بقية كفارات الإحرام رقم (5).


الرابعة ـ قال في المنتهى : إذا نبت الشعر في عينه أو نزل شعر حاجبه فغطى عينه جاز له قطع النابت في عينه وقص المسترسل. والوجه انه لا فدية عليه ، لانه لو تركه لا ضر بعينه ومنعه من الأبصار ، كما لو صال الصيد عليه فقتله ، فإنه لا فدية عليه.

ثم قال (قدس‌سره) : لو كان له عذر من مرض أو وقع في رأسه قمل أو غير ذلك من أنواع الأذى جاز له الحلق إجماعا ، للآية (1) والأحاديث السابقة. ثم ينظر ، فان كان الضرر اللاحق به من نفس الشعر فلا فدية عليه ، كما لو نبت في عينه أو نزل شعر حاجبه بحيث يمنعه من الأبصار ، لأن الشعر أضر به فكان له ازالة ضرره ، كالصيد إذا صال عليه ، وان كان الأذى من غير الشعر لكن لا يتمكن من إزالة الأذى إلا بحلق الشعر ـ كالقمل ، والقروح برأسه ، والصداع من الحر بكثرة الشعر ـ وجبت الفدية ، لأنه قطع الشعر لازالة الضرر عنه ، فصار كما لو أكل الصيد للمخمصة. (لا يقال) : القمل من ضرر الشعر ، والحر سببه كثرة الشعر ، فكان الضرر منه أيضا (لأنا نقول) : ليس القمل من الشعر وانما لا يمكنه المقام إلا بالرأس ذي الشعر ، فهو محل لا سبب. وكذلك الحر من الزمان ، لان الشعر يوجد في البرد ولا يتأذى به. فقد ظهر ان الأذى في هذين النوعين ليسا من الشعر. انتهى.

واعترضه في المدارك بعد نقل الكلام الأخير بأنه غير واضح ، قال : والمتجه لزوم الفدية إذا كانت الإزالة بسبب المرض ، أو الأذى الحاصل في الرأس مطلقا ، لإطلاق الآية الشريفة (2) دون ما عدا ذلك ، لان الضرورة مسوغة لإزالته ، والفدية منتفية بالأصل.

__________________

(1 و 2) سورة البقرة ، الآية 196.


أقول : لا ريب ان مورد الأخبار الموجبة لجواز الحلق مع الضرورة انما هو التضرر بالقمل أو بالصداع كما في روايات المحصر. وعليه يحمل إطلاق الآية (1) ويبقى ما عداه خارجا عن محل البحث. وبالجملة فالفدية انما هو في موضع رفع الأذى بأحد هذه الأشياء. واما ما يستلزم تركه الضرر الموجب للعمى ـ مثلا ـ أو عدم الأبصار ، أو نحو ذلك من الأمراض ، فالظاهر انه لا فدية فيه ، لعدم الدليل.

وبنحو ما ذكره العلامة هنا صرح في الدروس ايضا. وهو جيد. ومناقشة السيد (قدس‌سره) ضعيفة.

الخامسة ـ قال في الدروس : الأقرب انه لا شي‌ء على الناسي والجاهل. وأوجب الفاضل الكفارة على الناسي في الحلق والقلم ، لأن الإتلاف يتساوى فيه العمد والخطأ كالمال. وهو بعيد ، لصحيح زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (2) : «من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه». ونقل الشيخ الإجماع على عدم وجوب الفدية على الناسي. والقياس عندنا باطل ، وخصوصا مع معارضة النص. انتهى. وهو جيد.

السادسة ـ لو مس لحيته أو رأسه فسقط منه شي‌ء فالواجب كف من طعام. والحكم من ما لا خلاف فيه بين الأصحاب ، كما هو ظاهر المنتهى والتذكرة. ونقل عن ابن حمزة : التصدق بكفين. وقال الصدوق في المقنع : بكف أو كفين من طعام. وقال سلار : وان أسقط بفعله شيئا من شعره فعليه كف من طعام. ومن أسقط كثيرا من شعره فعليه دم شاة. وأطلق. ولم يذكر التفصيل بين الوضوء وغيره.

__________________

(1) سورة البقرة ، الآية 196.

(2) الوسائل الباب 10 من بقية كفارات الإحرام.


وكذا قال السيد المرتضى. وقال ابن البراج : إذا مس رأسه أو لحيته لغير طهارة ، فسقط شي‌ء من شعرهما بذلك ، فعليه كف من طعام ، وان كان مسهما للطهارة لم يكن عليه شي‌ء. وقد ذكر انه ان سقط في حال وضوئه كان عليه كف من طعام ، وان كان كثيرا فدم شاة.

واما الروايات الواردة في المقام : فمنها ـ ما رواه الشيخ والصدوق عن معاوية بن عمار في الصحيح (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة والثنتان؟ قال : يطعم شيئا». قال الصدوق (2) : وفي خبر آخر : «مدا من طعام أو كفين».

وعن هشام بن سالم في الصحيح (3) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا وضع أحدكم يده على رأسه أو لحيته وهو محرم ، فسقط شي‌ء من الشعر ، فليتصدق بكف من طعام أو كف من سويق». ورواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن هشام مثله (4) إلا انه قال : «بكف من كعك أو سويق».

وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «ان نتف المحرم من شعر لحيته وغيرها شيئا فعليه ان يطعم مسكينا في يده». وما رواه الشيخ عن منصور عن الصادق (عليه‌السلام) (6) : «في

__________________

(1 و 2 و 3 و 5 و 6) الوسائل الباب 16 من بقية كفارات الإحرام.

(4) الوافي باب (الحجامة وازالة الشعر والظفر للمحرم). ولكن في الوسائل الباب 16 من بقية كفارات الإحرام ينقله عن الصدوق والكليني فقط. ولم نجده في التهذيب.


المحرم إذا مس لحيته فوقع منها شعرة؟ قال : يطعم كفا من طعام أو كفين».

وعن الحسن بن هارون (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): اني أولع بلحيتي وانا محرم فتسقط الشعرات؟ قال : إذا فرغت من إحرامك فاشتر بدرهم تمرا وتصدق به ، فإن تمرة خير من شعرة».

أقول : وقضية ضم هذه الاخبار مطلقها الى مقيدها الاكتفاء بالكف من الطعام أو السويق أو التمر ، والمد أفضل. واما ما ذكر من هذه الأقوال فلم أقف لها على دليل.

واما ما رواه الشيخ عن ليث المرادي (2) ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يتناول لحيته وهو محرم يعبث بها ، فينتف منها الطاقات يبقين في يده خطأ أو عمدا. فقال : لا يضره». ـ

فقد حمله الشيخ على نفي العقاب ، قال : لان من تصدق بكف من طعام لم يستضر بذلك. واحتمل بعض الحمل على الإنكار.

أقول : غاية الخبر ان يكون مطلقا بالنسبة إلى الكفارة ، فيجب تقييده. ولا ينافيه قوله : «ولا يضره» لإمكان الحمل على عدم إفساد الحج.

واما ما رواه الشيخ عن المفضل بن عمر (3) ـ قال : «دخل النباجي على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فقال : ما تقول في محرم مس لحيته فسقط منها شعرتان؟ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ما كان علي شي‌ء».ـ

فحمله الشيخ على صورة السهو وعدم التعمد. أقول :

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 16 من بقية كفارات الإحرام.


ويمكن الحمل على حال الوضوء ، لما سيأتي ان شاء الله ـ تعالى ـ في المقام.

وهذه الرواية رواها في الوافي (1) بهذا الوجه الذي نقلناه ، والموجود في كتب الحديث (2) : «عن جعفر بن بشير والمفضل بن عمر» فيكون الحديث صحيحا ، لعطف المفضل على جعفر بن بشير. ولكنه لا يخلو من اشكال ـ كما نبه عليه جملة من المحدثين ـ لان جعفر بن بشير من أصحاب الرضا (عليه‌السلام) فتبعد روايته عن الصادق (عليه‌السلام). واحتمل بعض سقوط الواسطة ، وبعض التحريف في الإتيان بالواو عوض «عن». والظاهر ان ما ذكره في الوافي اجتهاد منه ، كما هي عادته في تصحيح الاخبار متنا وسندا بما ادى اليه فكره.

هذا كله في ما لو كان المس في غير الوضوء ، اما لو كان فيه فالمشهور انه لا شي‌ء عليه.

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن الهيثم بن عروة التميمي (3) قال : «سأل رجل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يريد إسباغ الوضوء ، فتسقط من لحيته الشعرة أو الشعرتان. فقال : ليس بشي‌ء (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)» (4).

وألحق الشهيد في الدروس بالوضوء الغسل ايضا. قال في المدارك : وهو حسن. بل مقتضى التعليل إلحاق إزالة النجاسة والحك الضروري به ايضا. انتهى.

ونقل في الدروس عن الشيخ المفيد : انه أوجب الكف في السقوط

__________________

(1) باب (الحجامة وازالة الشعر والظفر للمحرم).

(2 و 3) التهذيب ج 5 ص 339 ، والوسائل الباب 16 من بقية كفارات الإحرام.

(4) سورة الحج ، الآية 78.


بالوضوء ، قال : ولو كثر الساقط من شعره فشاة. ولم نقف على دليله ونقل عن سلار : ان في القليل كفا وفي الكثير شاة. وأطلق. ونقل عن الحلبي : في قص الشارب وحلق العامة والإبطين شاة.

السابعة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بان في نتف الإبط إطعام ثلاثة مساكين ، وفي نتفهما معا شاة.

واستدلوا على الحكم الأول بما رواه الشيخ عن عبد الله بن جبلة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) : «في محرم نتف إبطه؟ قال : يطعم ثلاثة مساكين».

وعلى الثاني بما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا نتف الرجل إبطيه بعد الإحرام فعليه دم».

وناقش في المدارك في الحكم الأول من حيث ضعف الرواية بان في طريقها عبد الله بن هلال ، وهو مجهول ، وراويها وهو عبد الله بن جبلة واقفي ، فإن مقتضى صحيحة زرارة (3) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم» (4).

أقول : اما المناقشة الأولى فهي جيدة على أصوله ولا ثمرة لها

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 11 من بقية كفارات الإحرام.

(3) التهذيب ج 5 ص 339 ، والوسائل الباب 10 من بقية كفارات الإحرام.

(4) هكذا وردت العبارة في النسخ ، ومن الواضح انها غير تامة. واللفظ الوارد في المدارك بعد تضعيف رواية عبد الله بن جبلة هو هكذا : «فلو قيل بوجوب الدم في نتف الإبط الواحد لصحيحة زرارة المتقدمة لم يكن بعيدا».


عندنا. ويمكن الجمع بحمل الصحيحة المذكورة على الإبطين بإرادة الجنس من المفرد المذكور فيها ، فتكون منطبقة مع صحيحة حريز على معنى واحد. إلا ان المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحرفي الوسائل (1) نقل ان الصدوق روى ايضا صحيحة حريز بلفظ : «إبطه» بدون تثنية. ويشكل ذلك بخلو القول المشهور من الدليل ، إذ المستند في وجوب الشاة في الإبطين انما هو صحيحة حريز المذكورة كما عرفت وعلى هذه الرواية فيشكل الحكم في المقام.

وكيف كان فالاحتياط في الدم بنتف الإبط ، لما عرفت.

الثامنة ـ اختلف كلام الشيخ (قدس‌سره) في المحرم هل له ان يحلق رأس المحل؟ فجوزه في الخلاف ، ولا ضمان. وقال في التهذيب : لا يجوز له ذلك.

واحتج في الخلاف بأن الأصل براءة الذمة ، ولم يوجد دليل على الشغل.

واحتج في التهذيب بما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «لا يأخذ الحرام من شعر الحلال».

الفصل الثاني ـ في إخراج الدم ، وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في ذلك. ويجب ان يعلم ـ أولا ـ ان أصل الخلاف في المسألة بين المتقدمين انما هو في الحجامة ، كما نقل العلامة في المختلف ، حيث قال : للشيخ في الحجامة قولان : أحدهما ـ التحريم

__________________

(1) الباب 11 من بقية كفارات الإحرام.

(2) الوسائل الباب 63 من تروك الإحرام. واللفظ كما في الوسائل.


إلا مع الحاجة. وبه قال شيخنا المفيد والسيد المرتضى وسلار وابن البراج وأبو الصلاح وابن إدريس ، وهو الظاهر من كلام ابن بابويه وابن الجنيد. والثاني ـ انه مكروه. ذكره في الخلاف ، وبه قال ابن حمزة. ثم قال : والأقرب الأول. وجملة من المتأخرين قد أجروا الخلاف أيضا في إخراج الدم ولو بحك جلده أو بالسواك أو نحو ذلك. وبذلك يظهر لك ان ما ذكره في المدارك ـ بعد ذكر المصنف إخراج الدم بهذه الوجوه بقوله : «القول بالتحريم في الجميع للشيخ في النهاية ، والمفيد في المقنعة ، والمرتضى ، وابن إدريس. ثم نقل القول بالكراهة عن الشيخ في الخلاف ، وجمع من الأصحاب ـ ليس من ما ينبغي. ثم ان ممن اختار القول بالكراهة أيضا المحقق في الشرائع والسيد السند في المدارك.

ويدل على القول الأول ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يحتجم؟ قال : لا ، إلا ان لا يجد بدا فليحتجم ، ولا يحلق مكان المحاجم».

وعن زرارة في القوى عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «لا يحتجم المحرم إلا ان يخاف على نفسه ان لا يستطيع الصلاة».

وما رواه الشيخ عن الحسن الصيقل عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) «عن المحرم يحتجم؟ قال : لا ، إلا ان يخاف التلف ولا يستطيع الصلاة. وقال : إذا آذاه الدم فلا بأس به ويحتجم ، ولا يحلق الشعر».

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 62 من تروك الإحرام.


وما رواه في الفقيه (1) قال : «سأل ذريح أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يحتجم؟ فقال : نعم إذا خشي الدم».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم كيف يحك رأسه؟ قال : بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر».

وعن عمر بن يزيد عن ابى عبد الله (عليه‌السلام). الرواية المتقدمة في الفصل الأول (3) حيث قال فيها : «ويحك الجسد ما لم يدمه».

وفي الصحيح عن الحلبي (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يستاك؟ قال : نعم ، ولا يدمي».

وما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (5) قال : «سألته عن المحرم هل يصلح له ان يستاك؟ قال : لا بأس ، ولا ينبغي ان يدمي فمه». ولفظ : «لا ينبغي» في الاخبار بمعنى التحريم شائع ، كما نبهنا عليه في غير موضع من ما تقدم.

واما ما يدل على القول الثاني فصحيحة حريز عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (6) قال : «لا بأس ان يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر».

قال في الفقيه (7) : واحتجم الحسن بن علي (عليهما‌السلام) وهو محرم.

وصحيحة معاوية بن عمار (8) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المحرم يستاك؟ قال : نعم. قلت : فإن أدمى يستاك؟

__________________

(1 و 6 و 7) الوسائل الباب 62 من تروك الإحرام.

(2 و 4 و 5) الوسائل الباب 73 من تروك الإحرام.

(3) ص 512.

(8) الفروع ج 4 ص 366 ، والفقيه ج 2 ص 222 ، والوسائل الباب 92 من تروك الإحرام.


قال : نعم ، هو من السنة».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن المحرم يعصر الدمل ، ويربط عليه الخرقة؟ فقال : لا بأس».

وما رواه في الكافي في الموثق عن عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن المحرم يكون به الجرب فيؤذيه. قال : يحكه ، فان سال منه الدم فلا بأس».

وبهذه الأخبار أخذ صاحب المدارك ، ومثله صاحب الذخيرة ، وجمع بينها وبين الاخبار المتقدمة بحمل النهي في الاخبار المتقدمة على الكراهة.

وأنت خبير بما فيه ، كما أشرنا إليه في غير موضع من ما تقدم. على نه انما يتم القول بالكراهة لو لم يمكن هنا وجه آخر للجمع بين الاخبار المذكورة مع انه ليس كذلك ، فان الظاهر في الجمع انما هو حمل هذه الاخبار على الضرورة ، فإن هذه الاخبار مطلقة والاخبار الأول مفصلة بين الاختيار فيحرم والاضطرار فيجوز. والقاعدة تقتضي حمل المجمل على المفصل. فالقول بالكراهة ـ كما صار اليه ـ ضعيف.

واما ما اعتضد به في المدارك من رواية يونس بن يعقوب (3) ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يحتجم؟ قال : لا أحبه». قال : فان لفظ : «لا أحبه» ظاهر في الكرامة ـ

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 359 ، والفقيه ج 2 ص 222 ، والوسائل الباب 70 من تروك الإحرام رقم 5 و 1.

(2) الفروع ج 4 ص 367 ، والوسائل الباب 71 من تروك الإحرام.

(3) الوسائل الباب 62 من تروك الإحرام.


ففيه : ان لفظ : «لا أحبه» وان كان في العرف كما ذكره إلا انه في الاخبار قد استعمل بمعنى التحريم كثيرا ، وقد حققنا سابقا ان هذا من جملة الألفاظ المتشابهة في الاخبار التي لا يجوز حملها على أحد المعنيين إلا بالقرينة.

ثم ان الظاهر من كلام الأصحاب انه على تقدير التحريم فليس فيه إلا مجرد الإثم ، ولا كفارة. وحكى الشهيد في الدروس عن بعض أصحاب المناسك : انه جعل فدية إخراج الدم شاة. وعن الحلبي : انه جعل في حك الجسم حتى يدمي إطعام مسكين.

واعلم ان الخلاف في المسألة بالتحريم والكراهة انما هو عند عدم الضرورة ، وإلا فمعها لا خلاف في الجواز ، كما ذكره

في التذكرة ، وبه صرحت الأخبار المتقدمة ، وعلى تجتمع الاخبار كملا كما ذكرناه.

ويؤيده ما رواه الصدوق عن الحسن الصيقل (1) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يؤذيه ضرسه ، أيقلعه؟ فقال : نعم لا بأس به».

ونقل في المدارك عن ابن الجنيد والصدوق : انه لا بأس بقلع الضرس مع الحاجة ، ولم يوجبا به شيئا. ونقل عن الشيخ : ان في قلع الضرس شاة ، استنادا الى ما رواه في التهذيب (2) عن محمد بن عيسى عن عدة من أصحابنا عن رجل من أهل خراسان : «ان مسألة وقعت في الموسم لم يكن عند مواليه فيها شي‌ء : محرم قلع ضرسه. فكتب : يهريق دما». وفيه : ـ مع إرساله ـ ان المكتوب اليه غير معلوم

__________________

(1) الوسائل الباب 95 من تروك الإحرام.

(2) الوسائل الباب 19 من بقية كفارات الإحرام.


والاستناد الى ما هذا شأنه وإثبات حكم شرعي به مشكل.

الصنف الخامس عشر والسادس عشر ـ قلع الشجر وقلم الأظفار.

والكلام هنا يقع في مقامين الأول ـ في قلع الشجر ، الظاهر انه لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في انه يحرم على المحرم قطع شجر الحرم ، والحشيش النابت فيه ، عدا ما يأتي استثناؤه في المقام ان شاء الله (تعالى).

وعليه تدل جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) انه قال : «كل شي‌ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلا ما أنبته أنت أو غرسته».

وما رواه الكليني في الحسن عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «كل شي‌ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل.

فقال : حرم فرعها لمكان أصلها. قال : قلت : فإن أصلها في الحل وفرعها في الحرم؟ فقال : حرم أصلها لمكان فرعها».

ورواه ابن بابويه والكليني في الصحيح نحوا منه (4). وما رواه الصدوق عن سليمان بن خالد في الصحيح أو الحسن (5) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يقطع من الأراك

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 166 ، والوسائل الباب 86 من تروك الإحرام.

(2) الوسائل الباب 86 من تروك الإحرام.

(3 و 4) الوسائل الباب 90 من تروك الإحرام.

(5) الفقيه ج 2 ص 166 ، والوسائل الباب 18 من بقية كفارات الإحرام.


الذي بمكة. قال : عليه ثمنه يتصدق به. ولا ينزع من شجر مكة شيئا إلا النخل وشجر الفواكه». ورواه الشيخ عن سليمان بن خالد في الموثق بأدنى تفاوت في المتن (1).

وما رواه الكليني في الحسن أو الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «لما قدم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مكة يوم افتتحها فتح باب الكعبة. فساق الحديث الى ان قال نقلا عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ألا ان الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، فهي حرام بحرام الله الى يوم القيامة ، لا ينفر صيدها ، ولا يعضد شجرها ، ولا يختلى خلاها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد. فقال العباس : يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلا الإذخر ، فإنه للقبر والبيوت. فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : إلا الإذخر».

قال الجوهري : الخلى مقصورا : الحشيش اليابس (3) الواحدة خلاة تقول : «خليت الخلى واختليته» اي جززته وقطعته. وقال في القاموس : الخلى مقصورا : الرطب من النبات ، واحدة خلاة ، أو كل بقلة قلعتها. وفي النهاية : الخلى مقصورا : النبات الرقيق ما دام رطبا ، واختلاؤه قطعه.

وما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة (4) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : حرم الله حرمه بريدا في بريد : ان يختلى

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 379 و 380 ، والوسائل الباب 18 من بقية كفارات الإحرام.

(2) الفروع ج 4 ص 225 ، والوسائل الباب 88 من تروك الإحرام.

(3) ارجع الى الاستدراكات.

(4) التهذيب ج 5 ص 381 ، والوسائل الباب 87 من تروك الإحرام.


خلاه ، أو يعضد شجره ، إلا الإذخر ، أو يصاد طيره. وحرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) المدينة ما بين لابتيها : صيدها ، وحرم ما حولها بريدا في بريد : ان يختلى خلاها ، أو يعضد شجرها ، إلا عودي الناضح».

وما رواه الكليني عن زرارة في الموثق (1) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : حرم الله (تعالى) حرمه : أن يختلى خلاه ، أو يعضد شجره ، إلا الإذخر ، أو يصاد طيره».

وما رواه الشيخ عن جميل بن دراج في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «رءاني علي بن الحسين (عليه‌السلام) وانا أقلع الحشيش من حول الفساطيط بمنى ، فقال : يا بنى ان هذا لا يقلع».

وما رواه الصدوق عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (3) قال : «قلت : المحرم ينزع الحشيش من غير الحرم؟ قال : نعم. قلت : فمن الحرم؟ قال : لا».

وما رواه الكليني عن عبد الكريم عن من ذكره عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «لا ينزع من شجر مكة إلا النخل وشجر الفاكهة».

وما رواه الصدوق عن منصور بن حازم (5) «انه سأل أبا عبد الله

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 225 ، والوسائل الباب 87 من تروك الإحرام.

(2) الوسائل الباب 86 من تروك الإحرام.

(3) الوسائل الباب 85 من تروك الإحرام.

(4) الفروع ج 4 ص 230 ، والوسائل الباب 87 من تروك الإحرام.

(5) الوسائل الباب 18 من بقية كفارات الإحرام.


(عليه‌السلام) عن الأراك يكون في الحرم فاقطعه. قال : عليك فداؤه».

واما ما رواه الشيخ عن محمد بن حمران في الصحيح ـ (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن النبت الذي في أرض الحرم ، أينزع؟ فقال : اما شي‌ء تأكله الإبل فليس به بأس ان تنزعه». ـ

فقد أجاب عنه الشيخ (رحمه‌الله) بأنه لا بأس ان تنزعه الإبل لانه يخلى عنها ترعى كيف شاءت. واستشهد بما رواه عن حريز في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «يخلى عن البعير في الحرم يأكل ما شاء».

إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد اختلف الأصحاب في كفارة قلع الشجر ، فقال الشيخ في الخلاف والمبسوط : في الشجرة الكبيرة بقرة ، وفي الصغيرة شاة ، وفي الأغصان قيمته. وقال ابن الجنيد : وان قلع المحرم أو المحل من شجر الحرم شيئا فعليه قيمة ثمنه. وقال أبو الصلاح : في قطع بعض شجر الحرم من أصله دم شاة ، ولقطع بعضها أو اختلاء خلاها ما تيسر من الصدقة. وقال ابن البراج : في ما يجب فيه بقرة ، أو يقلع شيئا من شجر الحرم الذي لم يغرسه هو في ملكه ولا نبت في داره بعد بنائه لها. ولم يفصل بين الكبيرة والصغيرة. وقال ابن حمزة : والبقرة تلزم بصيد بقرة الوحش وقلع شجر الحرم ثم قال : تجب شاة بقلع شجر صفير من الحرم. وقال ابن إدريس : الأخبار واردة عن الأئمة (عليهم‌السلام) بالمنع من قلع شجر الحرم وقطعه ، ولم يتعرض فيها الكفارة لا في الصغيرة ولا في الكبيرة. قال

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 89 من تروك الإحرام.


في المختلف : وهذا قول يشعر بسقوط الكفارة. وظاهر المشهور بين المتأخرين القول الأول. وتردد المحقق في الشرائع فيه.

قال في المدارك بعد نقل عبارة المصنف الموافقة لمذهب الشيخ ، وتردده في ذلك : هذا الحكم ذكره الشيخ وجمع من الأصحاب ، واحتج عليه في الخلاف بإجماع الفرقة والاحتياط. واستدل عليه في المنتهى بما رواه الشيخ عن موسى بن القاسم (1) قال : روى أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام) انه قال : «إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع ، فإن أراد نزعها نزعها وكفر بذبح بقرة يتصدق بلحمها على المساكين». وهذه الرواية ـ مع ضعفها بالإرسال ، وكونها متروكة الظاهر ـ لا تدل على وجوب الشاة في الشجرة الصغيرة ، ولا على حكم الأبعاض. وقال ابن الجنيد. ثم ساق عبارته المتقدمة. ونقل انه قواه في المختلف ، واستدل عليه برواية سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن رجل قلع من الأراك الذي بمكة. قال : عليه ثمنه». ثم قال : وهذه الرواية ضعيفة السند أيضا فإن من جملة رجالها الطاطري ، وقال النجاشي : انه كان من وجوه الواقفية وشيوخهم. ومن هنا يظهر ان المتجه سقوط الكفارة بذلك مطلقا كما اختاره ابن إدريس ، وان كان اتباع المنقول أحوط. انتهى.

أقول : فيه (أولا) : ما عرفت سابقا في غير موضع من ان الطعن

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 381 ، والوسائل الباب 18 من بقية كفارات الإحرام.

(2) التهذيب ج 5 ص 379 و 380 ، والوسائل الباب 18 من بقية كفارات الإحرام.


في الاخبار بضعف السند لا يقوم حجة على المتقدمين.

و (ثانيا) : ان طعنه في رواية سليمان بن خالد بما ذكره متجه بناء على نقله الرواية من التهذيب ، فإنها فيه مروية في الموثق الذي يعده في الضعيف ، ولكنها في الفقيه ـ كما قدمنا ذكره ـ صحيحة أو حسنة بإبراهيم بن هاشم ، الذي قد اعتمد حديثه في غير موضع من شرحه ، وان ناقض نفسه فيه أيضا في بعض المواضع ، إلا ان الاتفاق بين أصحاب هذا الاصطلاح على قبول روايته ، وان عدوها في الحسن ، بل عدها في الصحيح جملة من المحققين.

و (ثالثا) : انه قد روى الصدوق ايضا عن منصور بن حازم ـ وطريقه إليه في المشيخة صحيح على ما صرح به العلامة في الخلاصة ـ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) «انه سأله عن الأراك يكون في الحرم فاقطعه. قال : عليك فداؤه». وهي مطابقة لصحيحة سليمان المذكورة أو حسنته. والمراد بالفداء في رواية منصور هو الثمن المذكور في رواية سليمان بن خالد. وبذلك يظهر ضعف ما اختاره من سقوط الكفارة مطلقا.

وبالجملة فإن الذي وقفت عليه من روايات المسألة هو ما ذكرت ، ومقتضاها وجوب البقرة في نزع الشجرة صغيرة كانت أو كبيرة ، والفدية في غيره من الأراك ونحوه.

أقول : وفي هذا المقام فوائد الأولى ـ يستفاد من صحيحة سليمان ابن خالد وموثقته ومرسلة عبد الكريم استثناء النخل وشجر الفواكه من هذا الحكم. والظاهر انه لا خلاف فيه ، وهو من جملة ما استثناه

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 166 ، والوسائل الباب 18 من بقية كفارات الإحرام.


الأصحاب ، سواء أنبته الله (تعالى) أو الآدمي ، لإطلاق النص المذكور. وظاهر المنتهى انه اتفاقي. لكن المذكور في كلامهم شجر الفواكه ، حيث عدوه من الأربعة المستثناة في كلامهم. والظاهر ان مرادهم ما يعم النخل. وكيف كان فحيث دل النص عليه يجب استثناؤه.

الثانية ـ الإذخر ، وظاهر المنتهى والتذكرة الإجماع على جواز قطعه وهو من جملة الأربعة المستثناة عندهم. ويدل عليه استثناء الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالتماس العباس في صحيحة حريز أو حسنته المتقدمة ، ومثلها موثقة زرارة المتقدمة أيضا ، ورواية زرارة الآتية (1).

الثالثة ـ قد دلت صحيحة حريز ـ وهي الاولى من الاخبار المتقدمة ـ على استثناء ما أنبته الإنسان أو غرسه من البقول والزروع والرياحين والشجر ، ولم يذكره الأصحاب من جملة الأربعة التي صرحوا باستثنائها. والرواية المذكورة صحيحة صريحة في استثنائه ، فلا بأس باستثنائه.

الرابعة ـ قد دلت موثقة زرارة على استثناء عودي الناضح ، وهما عودا المحالة المذكورة في جملة الأربعة التي استثناها الأصحاب. والمحالة بفتح الميم : البكرة العظيمة التي يستقى بها ، قاله الجوهري. والمراد العودان اللذان تجعل عليهما المحالة ليستقى بها.

ويدل على ذلك ايضا ما رواه الشيخ بسند فيه إرسال عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «رخص رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في قطع عودي المحالة ـ وهي البكرة التي يستقى بها ـ من شجر الحرم ، والإذخر».

__________________

(1 و 2) التهذيب ج 5 ص 381 ، والوسائل الباب 87 من تروك الإحرام.


الخامسة ـ قد استثنى الأصحاب أيضا في جملة الأربعة التي ذكروها ما ينبت في ملك الإنسان.

واستدلوا على ذلك بما رواه حماد بن عثمان في القوى عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) «في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم؟ فقال : ان بنى المنزل والشجرة فيه فليس له ان يقلعها ، وان كانت نبتت في منزله وهو له فليقلعها».

وروى الشيخ عن حماد بن عثمان (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم. فقال : ان كانت الشجرة لم تزل قبل ان يبني الدار أو يتخذ المضرب فليس له ان يقلعها ، وان كانت طرية عليها فله قلعها».

وعليه يحمل ما رواه في الكافي عن إسحاق بن يزيد (3) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : الرجل يدخل مكة فيقطع من شجرها؟ قال : اقطع ما كان داخلا عليك ، ولا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك».

والمستفاد من هذه الروايات انه ان سبق الملك للأرض على نبت الشجرة جاز قلعها وإلا فلا.

والظاهر ان ذكر المنزل في الاخبار خرج مخرج التمثيل.

السادسة ـ قال في المدارك : ولا بأس بقطع اليابس من الشجر والحشيش ، للأصل. ولانه ميت فلم تبق له حرمة. ولان الخلى المحرم جزه الرطب من النبات لا مطلق النبات.

أقول : فيه : ان ظاهر الاخبار المتقدمة شمول الحكم لليابس والرطب

__________________

(1 و 2) التهذيب ج 5 ص 380 ، والوسائل الباب 87 من تروك الإحرام.

(3) الفروع ج 4 ص 231 ، والوسائل الباب 87 من تروك الإحرام.


من الشجر والحشيش ، وبه يجب الخروج عن حكم الأصل. واما ما ذكره ـ من ان الخلى هو الرطب من النبات ـ فهو مسلم بناء على ما نقله من عبارة القاموس ، حيث انه فسره بذلك ، واما عبارة الصحاح التي قدمنا ذكرها فقد فسره فيها باليابس (1) وقال في كتاب مجمع البحرين في ما اوله الخاء المعجمة : لا يختلى خلاها بضم الخاء وفتح اللام ، اي لا يجز نبتها الرقيق ولا يقطع ما دام رطبا ، وإذا يبس فهو حشيش. وظاهر هذا الكلام ان إطلاق الخلى عليه انما هو ما دام رطبا وإذا يبس يسمى حشيشا. وحينئذ فالحشيش هو اليابس ، مع انه قد دلت صحيحة جميل بن دراج وصحيحة محمد بن مسلم المتقدمتان على تحريم نزع الحشيش. ومع الإغماض عن ما ذكرناه فلا أقل من ان يكون الحشيش شاملا للرطب واليابس ، فإطلاق التحريم في الصحيحتين المذكورتين شامل للفردين. وبذلك قال الشيخ ـ على ما ذكره في المختلف ـ حيث نقل عنه انه قال : حشيش الحرم ممنوع من قلعه ، فان قلعه أو شيئا منه لزمته قيمته. ولا بأس ان تخلي الإبل ترعى. وقال ابن الجنيد : فاما الرعي فيه فمن ما لا اختاره ، لان البعير ربما جذب النبت من أصله. فأما ما حصده الإنسان منه وبقي أصله في الأرض فلا بأس به. أقول : إطلاق صحيحة حريز المتقدمة ـ الدالة على انه يخلى عن البعير في الحرم يأكل ما شاء ، ومثلها صحيحة محمد بن حمران ـ يدفع ما ذكره من منع الرعي. ومع تسليم ان الخلى عبارة عن الرطب خاصة فتخصيص الخلى بالذكر لا يدل على عدم شمول الحكم لغيره. ومع تسليمه فإنه مخصوص بالحشيش ولا دليل على ذلك في الشجر.

__________________

(1) ارجع الى الاستدراكات.


واما التعليل بأنه ميت فهو تعليل عليل ميت.

السابعة ـ مقتضى موثقة زرارة المتقدمة تحريم صيد حرم المدينة وشجره. وهو قول الشيخ (قدس‌سره). وقيل بالكراهة ، للأصل. وظاهر الخبر المذكور يوجب الخروج عن هذا الأصل.

الثامنة ـ قال في المدارك : واعلم ان قطع شجر الحرم كما يحرم على المحرم يحرم على المحل ايضا ، كما صرح به الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) ودلت عليه النصوص. وحينئذ فكان المناسب ان لا يجعل ذلك من تروك الإحرام بل يجعل مسألة برأسها كما فعل في الدروس. انتهى. وهو جيد.

أقول : والظاهر ان حكم الحشيش ايضا كذلك. وانه يحل للمحرم قطع الشجر وقلع الحشيش في غير الحرم ، بلا خلاف ولا إشكال في ذلك.

التاسعة ـ قطع العلامة في التذكرة بجواز قطع ما انكسر ولم يبن ، معللا بأنه قد تلف فهو بمنزلة الميت والظفر المنكسر. أقول : وهو لا يخلو من شوب الاشكال.

وجواز أخذ الكمأة ، معللا بأنه لا أصل له فهو كالثمرة الموضوعة على الأرض. أقول : وهو جيد ، فان ظاهر الاخبار المتقدمة التخصيص بالشجر والحشيش ونحوهما من ما لا يتناول ذلك.

ونقل الإجماع على جواز الانتفاع بالغصن المنكسر والورق الساقط إذا كان ذلك بغير فعل الآدمي ، لتناول النهي ما يقطع وهذا لم يقطع. أقول : وهو جيد.

واستقرب الجواز إذا كان بفعل الآدمي ، لأنه بعد القطع يكون


كاليابس. وتحريم الفعل لا ينافي جواز استعماله. ونسب المنع الى بعض العامة ، قياسا على الصيد يذبحه المحرم (1). ورده ، بان الصيد يعتبر في ذبحه الأهلية. أقول : وهو كذلك.

المقام الثاني ـ في قلم الأظفار ، وفي المنتهى والتذكرة ان على تحريمه إجماع فقهاء الأمصار.

ومستنده أخبار عديدة : منها : ما تقدم في صدر الروايات المنقولة في مسألة إزالة الشعر (2) من صحيحة زرارة المتضمنة لان من قلم أظفاره متعمدا فعليه دم.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (3) قال : «من قلم أظافيره ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم».

وما رواه في الكافي في الموثق عن إسحاق بن عمار (4) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل نسي ان يقلم أظفاره عند إحرامه. قال : يدعها. قلت : فان رجلا من أصحابنا أفتاه بأن يقلم أظفاره ويعيد إحرامه ، ففعل؟ قال : عليه دم يهريقه». وروى الصدوق عن إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) (5) نحوا منه.

وما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن ابى الحسن (عليه‌السلام) (6) قال : «سألته عن رجل أحرم فنسي ان يقلم أظفاره.

__________________

(1) المغني ج 3 ص 316 طبع مطبعة العاصمة.

(2) ص 511.

(3) الوسائل الباب 10 من بقية كفارات الإحرام.

(4 و 5) الوسائل الباب 13 من بقية كفارات الإحرام.

(6) التهذيب ج 5 ص 314 ، والوسائل الباب 77 من تروك الإحرام.


قال : فقال : يدعها. قال : قلت : انها طوال؟ قال : وان كانت. قلت : فان رجلا أفتاه أن يقلمها وان يغتسل ويعيد إحرامه ، ففعل؟ قال : عليه دم».

الى غير ذلك من الاخبار الآتية ونحوها.

والمستفاد من هذه الاخبار ترتب الحكم على القلم الذي هو عبارة عن مطلق الإزالة والقطع ، وجملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) انما عبروا في المقام بالقص ، وهو أخص حيث انه عبارة عن القطع بالمقص.

ولو انكسر ظفره وتأذى به فله إزالته ـ بلا خلاف كما نقله في التذكرة ـ وعليه الفدية.

ويدل على الحكمين المذكورين ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الرجل المحرم تطول أظفاره. قال : لا يقص شيئا منها ان استطاع ، فان كانت تؤذيه فليقصها ، وليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام».

ورواه في الفقيه (2) في الصحيح عن معاوية بن عمار ، والكليني عنه في الصحيح أو الحسن (3) وفيهما. «سألته عن المحرم تطول أظفاره أو ينكسر بعضها ، فيؤذيه ذلك. قال. الحديث».

واستشكل العلامة الفداء في الصورة المذكورة. والنص يدفعه.

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 314 ، والوسائل الباب 77 من تروك الإحرام.

(2) ج 2 ص 228 ، والوسائل الباب 12 من بقية كفارات الإحرام.

(3) الفروع ج 4 ص 360 ، والوسائل الباب 12 من بقية كفارات الإحرام.


واما ما يلزم من الفدية في ذلك فالمشهور بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) ان في تقليم كل ظفر مدا من طعام ، فان قلم أظفار يديه جميعا كان عليه دم شاة ، وكذا في أظفار رجليه ، فان قلم أظفار يديه ورجليه فدمان ان تعدد المجلس وان اتحد فدم واحد. ونقله في المختلف عن الشيخين والسيد المرتضى والصدوق وابن البراج وسلار وابن إدريس. وعن ابن ابي عقيل : ان من انكسر ظفره وهو محرم فلا يقصه ، فان فعل فعليه ان يطعم مسكينا في يده. وقال ابن الجنيد : من قص ظفرا كان عليه مد أو قيمته ، وفي الظفرين مدان أو قيمتهما ، فان قص خمسة أظافير من يد واحدة أو زاد على ذلك كان عليه دم ان كان في مجلس واحد ، فان فرق بين يديه ورجليه كان عليه ليديه دم ورجليه دم. وعن ابى الصلاح : في قص ظفر كف من طعام ، وفي أظفار إحدى يديه صاع ، وفي أظفار كلتيهما دم شاة ، وكذلك حكم أظفار رجليه ، وان قص أظفار يديه ورجليه في مجلس واحد فعليه دم واحد.

أقول : والذي وقفت عليه من اخبار المسألة ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن ابن مهزيار عن ابي بصير (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل قلم ظفرا من أظافيره وهو محرم. قال : عليه مد من طعام حتى يبلغ عشرة ، فإن قلم أصابع يديه كلها فعليه دم شاة. قلت : فان قلم أظافير يديه ورجليه جميعا؟ فقال : ان كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم ، وان كان فعله متفرقا في مجلسين فعليه دمان».

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 227 ، والوسائل 12 من بقية كفارات الإحرام.


وروى الشيخ هذه الرواية في التهذيب (1) وفيها : قال : «عليه في كل ظفر قيمة مد من طعام حتى يبلغ. الحديث».

وما رواه الشيخ عن الحلبي (2) : «انه سأله عن محرم قلم أظافيره. قال : عليه مد في كل إصبع ، فإن هو قلم أظافيره عشرتها فان عليه دم شاة».

قال في المدارك : وبمضمون هاتين الروايتين أفتى الأصحاب إلا من شذ. ويؤيدهما صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام). ثم نقل الصحيحة المذكورة في صدر الروايات ، ثم نقل قول ابن الجنيد وقول ابي الصلاح المتقدمين ، ثم قال : ولم نقف لهذين القولين على مستند.

أقول : ظاهر كلامه هنا يؤذن باختيار القول المذكور مع ان الروايتين المنقولتين في كلامه من قسم الضعيف باصطلاحه ، لأن الأولى عن ابي بصير وهو مشترك ، كما طعن به في غير موضع من شرحه ، وفي طريق الثانية. محمد بن سنان كما صرح به في الشرح ، وقد تقدم له في غير موضع الطعن في مثل ذلك ، وان اجمع الأصحاب على المذكور فضلا عن شهرته ، فكيف غض النظر هنا عن ذلك؟ ومقتضى قاعدته رد الروايتين المذكورتين والرجوع الى حكم الأصل كما اعتمده في غير موضع ، ولكن ضيق الخناق في هذا الاصطلاح ـ الذي هو الى الفساد أقرب من الصلاح ـ أوجب لهم انحلال الزمام واختلال النظام وعدم الوقوف على قاعدة في مقام.

__________________

(1 و 2) التهذيب ج 5 ص 332 ، والوسائل الباب 12 من بقية كفارات الإحرام.


ومنها : ما رواه في الكافي في الموثق عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا قلم المحرم أظفار يديه ورجليه في مكان واحد فعليه دم واحد ، وان كانتا متفرقتين فعليه دمان».

وهذا الخبر ايضا من ما يدل على القول المشهور بالنسبة إلى اتحاد الشاة وتعددها.

ومنها : صحيحة زرارة المتقدمة في صدر الروايات ، بحمل الدم فيها على مجموع الأظافير كما هو ظاهرها. وهو ايضا ظاهر موثقة ابن عمار المتقدمة المتضمنة لمن نسي ان يقلم أظفاره حتى أفتاه رجل ، فان ظاهرها مجموع الأظفار أو أظفار يديه العشرة.

ومنها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) : «في المحرم ينسى فيقلم ظفرا من أظافيره؟ فقال : يتصدق بكف من الطعام. قلت : فاثنين؟ قال : كفين. قلت : فثلاثة؟ قال : ثلاثة أكف ، كل ظفر كف ، حتى تصير خمسة ، فإذا قلم خمسة فعليه دم واحد ، خمسة كان أو عشرة أو ما كان».

وهذه الرواية حملها جملة من الأصحاب على الاستحباب ، لما دل على عدم الكفارة في صورة النسيان من صحيحة زرارة المتقدمة في صدر الروايات وغيرها.

ومنها : روايتا إسحاق بن عمار المتقدمتان بنقل صاحب الكافي وصاحب التهذيب ، فان ظاهرهما قلم أظفار يديه ورجليه أو أظفار يديه ، ووجوب

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 360 ، والوسائل الباب 12 من بقية كفارات الإحرام.

(2) التهذيب ج 5 ص 332 ، والوسائل الباب 12 من بقية كفارات الإحرام.


الشاة في ذلك ظاهر ، فتكون هاتان الروايتان من جملة روايات القول المشهور.

ومنها : ما رواه في الكافي عن حريز في الصحيح أو الحسن عن من أخبره عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) : «في محرم قلم ظفرا؟ قال : يتصدق بكف من طعام. قلت : ظفرين؟ قال : كفين. قلت : ثلاثة؟ قال : ثلاثة أكف. قلت : أربعة؟ قال : أربعة أكف. قلت : خمسة؟ قال : عليه دم يهريقه. فان قص عشرة أو أكثر من ذلك فليس عليه إلا دم يهريقه».

قال في الوافي بعد نقل هذا الخبر : ينبغي حمل الدم في الخمسة على الاستحباب ، لما يأتي من انه لا يلزمه الدم حتى يبلغ عشرة.

أقول : وعلى ذلك حمله الشيخ وجملة من الأصحاب. والظاهر عندي حمل الخبر المذكور على التقية ، لأن وجوب الشاة في الخمسة مذهب أبي حنيفة واتباعه (2) قال في التذكرة : قال أبو حنيفة : ان قلم خمس أصابع من يد واحدة لزمه الدم ، ولو قلم من كل يد أربعة أظفار لم يجب عليه دم بل الصدقة ، وكذا لو قلم يدا واحدة إلا بعض الظفر لم يجب الدم. وبالجملة فالدم عنده انما يجب بتقليم أظفار يد واحدة كاملة. انتهى. هذا. مع ما عرفت في الجمع بين الاخبار بالاستحباب ـ وان اشتهر بين الأصحاب ـ من عدم الدليل عليه من سنة أو كتاب. مع ما فيه من الإشكالات التي تقدم إيضاحها في غير باب.

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 360 ، والوسائل الباب 12 من بقية كفارات الإحرام.

(2) المغني ج 3 ص 644 طبع مطبعة العاصمة.


ولعل هذا الخبر هو مستند ابن الجنيد في ما ذكره من وجوب دم الشاة في خمسة أظافير ، وان لم يدل على تمام ما ذكره من التفصيل. وكيف كان فهو بالإعراض عنه حقيق ، لما عرفت. واما بقية الأقوال المذكورة فلا اعرف لها مستندا.

ومن ذلك يظهر قوة القول المشهور وانه هو المؤيد بالاخبار والنصوص المنصور.

بقي في المقام فوائد يجب التنبيه عليها :

الاولى ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) انه لو أفتاه مفت بتقليم ظفره فأدماه لزم المفتي شاة.

واستدلوا عليه برواية إسحاق الصيرفي (1) قال : «قلت لأبي إبراهيم (عليه‌السلام) : ان رجلا أحرم ، فقلم أظفاره ، وكانت له إصبع عليلة فترك ظفرها لم يقصه ، فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصه فأدماه؟ قال : على الذي افتى شاة».

واستدل عليه في المنتهى ـ زيادة على هذه الرواية ـ بموثقة إسحاق ابن عمار المتقدم نقلها عن صاحب الكافي (2) : «في الرجل الذي ينسى ان يقلم أظفاره عند إحرامه ، فأفتاه رجل بان يقلمها ويعيد إحرامه ، ففعل ذلك؟ قال : عليه دم يهريقه».

ورده في المدارك والذخيرة بأن الرواية الأولى ضعيفة فلا تصلح لإثبات حكم مخالف للأصل.

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 333 ، والوسائل الباب 13 من بقية كفارات الإحرام.

(2) ص 538 رقم (4).


أقول : فيه (أولا) : ما عرفت في غير مقام من ان هذا الطعن لا يرد على المتقدمين الذين لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم.

و (ثانيا) : انه كيف صار ضعف السند هنا موجبا لرمي الرواية والتمسك بالأصل؟ وهو في أصل المسألة انما تمسك بخبرين ضعيفين وخرج بهما عن حكم الأصل ـ كما نبهنا عليه ثمة ـ ووافق الأصحاب في ما أفتوا به من التفصيل المتقدم ، مع انه ليس في الاخبار الصحيحة ما يدل عليه ، وان كان في بعضها الإشارة في الجملة اليه ، وهو انما اعتمد على خبرين ضعيفين ، فان كان المعتمد على كلام الأصحاب وشهرة الحكم بينهم فهو مشترك بين المسألتين ، وان كان على الخبر وان ضعف فكذلك. وبالجملة فالمناقضة في كلامه ظاهرة.

ثم ان ما استدل به العلامة في المنتهى ـ من الحديث الثاني ـ الظاهر انه لا دلالة فيه ، إذ الظاهر ان رجوع الضمير في قوله : «عليه دم يهريقه» إنما هو للذي قلم أظفاره ـ كما أشرنا إليه آنفا ، فيكون كفارة لما فعله من تقليم أظافيره ـ لا إلى المفتي. على ان وجوب الكفارة على المفتي في كلامهم ـ وكذا في الخبر الذي هو مستند المسألة ـ إنما هو مع ترتب الإدماء على تلك الفتوى ، وهذه الرواية خالية من ذلك. والمعتمد في الاستدلال انما هو الرواية الاولى. والطعن بضعف السند عندنا لا تعويل عليه ، وعند الأصحاب مدفوع بالجبر بالشهرة ، فإنه لا مخالف في الحكم ولا راد لروايته غير هؤلاء المتصلفين الذين لو تم لهم هذا الضابط لبطلت أحكام الدين.

الثانية ـ صرح الشهيد في الدروس بأنه لا يشترط إحرام المفتي ولا كونه من أهل الاجتهاد. واعتبر الشهيد الثاني صلاحيته للإفتاء


بزعم المستفتي ليتحقق كونه مفتيا. قال في المدارك : وهو حسن.

أقول : الظاهر هو الأول ، عملا بإطلاق النص ، فان ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني ـ وان استحسنه سبطه ـ تقييد للنص من غير دليل. وكثيرا ما يقع في الاخبار الاخبار عن إفتاء من لم يكن من أهل الفتوى ، وقد وقع الإنكار على بعضهم بقولهم (عليهم‌السلام) (1) : «فأين باب الرد إلينا». وقوله (عليه‌السلام) (2) : «اما انه شر عليكم ان تقولوا بشي‌ء ما لم تسمعوه منا». ونحو ذلك.

قال في المدارك : ولو تعدد المفتي ففي تعدد الكفارة أو الاكتفاء بكفارة موزعة على الجميع ، أوجه ، ثالثها الفرق بين ان يقع الإفتاء دفعة وعلى التعاقب ، ولزوم الكفارة للأول خاصة في الثاني والتعدد في الأول ، واختاره في الدروس. والكلام في هذه الفروع قليل الفائدة ، لضعف الأصل المبني عليه. انتهى.

أقول : هذا الضعف الذي حكم به في المستند ليس إلا عنده ، واما مثل الشهيد وغيره فإنهم حاكمون بصحة هذه الاخبار ، كما هو صريح كلامه في مقدمات كتاب الذكرى من ما قدمنا نقله عنه في المقدمة الثانية من مقدمات الكتاب ، لان اتفاق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على العمل بها موجب لصحتها وجبر ضعف سندها.

الثالثة ـ قال في المدارك : وانما يجب الدم والدمان بتقليم أصابع اليدين والرجلين إذا لم يتخلل التكفير عن السابق قبل البلوغ

__________________

(1) محاسن البرقي ص 213. واللفظ هكذا : فأين باب الرد إذا؟.

(2) أصول الكافي ج 2 ص 401 و 402 ، والوسائل الباب 7 من صفات القاضي وما يجوز ان يقضي به.


الى حد يوجب الشاة ، وإلا تعدد المد خاصة بحسب تعدد الأصابع.

قال في الذخيرة بعد نقل هذا الكلام : وللتأمل فيه مجال.

أقول : لعل وجه التأمل عنده هو ان وجوب الشاة ترتب على تقليم العشرة ، وهو أعم من ان يكون قد اعطى عن كل ظفر مدا من ما تقدم على هذه المرتبة أم لا.

وفيه : انه وان احتمل إلا ان الظاهر ان التكفير عن الفعل يجعله في حكم العدم. من قبيل الاستغفار ، فان المستغفر عن الذنب كمن لا ذنب له (1) وحينئذ فتسقط هذه المراتب المتقدمة على العاشر بسبب التكفير بالمد عنها كلا أو بعضا وتكون في حكم العدم ، فلا بد في حصول العشرة التي تترتب عليها الشاة من خلوها كملا عن التكفير لتكون الشاة كفارة للجميع وإلا لزم وجوب كفارتين إحداهما المد لكل واحد ، والشاة للجميع ، والأمر ليس كذلك. وبالجملة فالظاهر أن تأمله لا يخلو من تأمل.

الرابعة ـ قال في المدارك : ولو كفر بشاة لليدين أو الرجلين ثم أكمل الباقي في المجلس وجب شاة أخرى. انتهى. ووجهه ظاهر ، لانه بعد ان كفر عن العشرة الأولى بالشاة لو لم يكفر عن العشرة الثانية للزم بقاؤها بلا كفارة ، إذ الأولى قد تقدمت على تقليمها فلا تصلح لأن تكون كفارة عنها.

ثم قال على اثر الكلام المتقدم : والظاهر ان بعض الظفر كالكل ، ولو قصه في دفعات مع اتحاد المجلس لم تتعدد الفدية ، وفي التعدد مع الاختلاف وجهان. انتهى. وما ذكره من ان بعض الظفر كالكل قد صرح به العلامة في المنتهى.

__________________

(1) الوسائل الباب 86 من جهاد النفس وما يناسبه.


أقول : لا يخفى ان جملة من الأصحاب قد انهوا محرمات الإحرام إلى ثلاث وعشرين ، كشيخنا الشهيد في الدروس ، وهي في كتابنا لا تنقص عن ذلك ، لان منها ما أدرجناه في طي المباحث لقصر الكلام عليه ، مثل لبس المرأة الحلي ، ولبس القفازين ، ولبس الرجل الخاتم للزينة ولبس السلاح ، فان هذا جميعه قد الحقاه بالصنف الرابع في لبس الرجل المخيط. ونحو ذلك ايضا.

ختام به الإتمام وفيه مسائل :

الأولى ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بأنه إذا اجتمعت أسباب مختلفة ـ كاللبس وتقليم الأظفار والطيب ـ تعددت الكفارة ، سواء كان ذلك في وقت واحد أو وقتين ، في مجلس واحد أو مجلسين ، تخلل التكفير أم لا.

واستدل عليه في المنتهى بان كل واحد منها سبب مستقل في وجوب الكفارة ، والحقيقة باقية عند الاجتماع ، فيجب وجود الأثر. وهو جيد. ويؤيده فحوى ما يدل على تكرر الكفارة بتكرر الصيد ، ولبس الأنواع المتعددة من الثياب.

ومع سبق التكفير فلا إشكال في التعدد ، وانما يحصل التردد مع عدمه ، لاحتمال التداخل. ولا ريب ان التعدد مطلقا أحوط.

الثانية ـ اختلف الأصحاب في ما لو تكرر منه الوطء فهل تتكرر الكفارة أم لا؟ فالمشهور الأول ، حتى ان السيد المرتضى (قدس‌سره) ادعى فيه في الانتصار الإجماع ، فقال : من ما انفردت به الإمامية القول بان الجماع إذا تكرر من المحرم تكررت الكفارة ، سواء كان


ذلك في مجلس واحد أو في أماكن كثيرة ، وسواء كفر عن الأول أو لا ، للإجماع ، وحصول يقين البراءة. ثم اعترض على نفسه بان الجماع الأول أفسد الحج بخلاف الثاني. ثم أجاب بأن الحج وان كان قد فسد لكن حرمته باقية ، ولهذا وجب المضي فيه ، فجاز ان تتعلق به الكفارة. انتهى.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : هذا كلامه (قدس‌سره) وما ذكره من جواز تعلق الكفارة به جيد ، لكن دليل التعلق غير واضح ، لمنع الإجماع على ذلك ، وعدم استفادته من النص ، إذ أقصى ما تدل عليه الروايات ان من جامع قبل الوقوف بالمشعر يلزمه بدنة وإتمام الحج والحج من قابل (1) ومن المعلوم ان مجموع هذه الأحكام الثلاثة انما تترتب على الجماع الأول خاصة ، فإثبات بعضها في غيره يحتاج الى دليل. انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) من عدم الدليل على تعلق الكفارة بالجماع ثانيا جيد ، لكن قوله ـ : «وما ذكره من جواز تعلق الكفارة به جيد» ـ غير جيد ، فإنه إذا كان خاليا من الدليل ـ كما قرره ـ فبأي وجه يكون جيدا.

ونقل عن الشيخ في الخلاف انه قال : ان قلنا بما قاله الشافعي ـ من انه إذا كفر عن الأول لزمه الكفارة ، وان كان قبل ان يكفر فعليه كفارة واحدة (2) ـ كان قويا.

ونقل في المختلف عن ابن حمزة قال ـ : ونعم ما قال ـ انه قال :

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع.

(2) المغني ج 3 ص 303 طبع مطبعة العاصمة.


الجماع اما مفسد للحج أو لا ، فالأول لا تتكرر فيه الكفارة ، والثاني ان تكرر فعله في حالة واحدة لا تتكرر فيه الكفارة بتكرر الفعل ، وان تكرر في دفعات تكررت الكفارة.

قال في المدارك : وهو غير بعيد. بل لو قيل بعدم التكرر بذلك مطلقا ـ كما هو ظاهر اختيار الشيخ في الخلاف ـ لم يكن بعيدا. انتهى

أقول : ظاهر كلام الشيخ في الخلاف المتقدم انما هو التفصيل بين التكفير عن ما فعله أولا فتتكرر أو لا فلا ، لا مطلقا كما ذكره.

وبالجملة فالمسألة عندي ـ لعدم الدليل الواضح ـ محل توقف واشكال ، وان كان القول بما ذكره في الخلاف لا يخلو من قرب.

الثالثة ـ الظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في انه لو تكرر الحلق في وقت واحد ـ بمعنى انه حلق بعض رأسه ثم حلق بعضا آخر في وقت واحد ـ فلا تتكرر الكفارة ، لصدق الامتثال بالكفارة الواحدة وأصالة البراءة من الزائد ، إذ غاية ما يستفاد من الاخبار ان من حلق رأسه فعليه شاة. والأصحاب جعلوا حكم البعض في حكم الجميع لصدق حلق الرأس في الجملة.

اما لو كرر الحلق في وقتين فظاهرهم تكرر الكفارة ، لأن ما حلقه أولا سبب مستقل في تحقيق الكفارة وإيجابها ، وحلقه في الوقت الثاني صالح للسببية أيضا ، فيترتب على كل منهما مسببه. ويشكل بان ما تقدم من الدليل على الواحدة في الصورة الأولى جار بعينه في الثانية ، من ان الامتثال يحصل بالواحدة ، والأصل براءة الذمة من الزائد ، وان غاية ما يستفاد من الأدلة ترتب الكفارة على حلق الرأس كله للأذى وما عداه يستفاد حكمه بالفحوى أو الإجماع على تعلق الكفارة به في


بعض الموارد ، وذلك لا يقتضي ثبوت الحكم المذكور كليا. وبالجملة فالمسألة محل اشكال ، لعدم وضوح الدليل القاطع لمادة القال والقيل.

الرابعة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تكرر الطيب أو اللبس في مجلس واحد أو مجالس متعددة ، فذهب الفاضلان الى ان مناط التعدد اختلاف المجلس ، فان تكرر في مجلس واحد فالكفارة واحدة ، وان تعدد المجلس تعددت الكفارة. والمنقول عن الشيخ وجمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) انهم اعتبروا في التكرر اختلاف الوقت ، يعني : تراخي الزمان عادة. وذهب بعضهم الى التكرر مع اختلاف صنف الملبوس كالقميص والسراويل وان اتحد الوقت ، وبه جرم في المنتهى ، فقال : لو لبس قميصا وعمامة وخفين وسراويل وجب عليه لكل واحد فدية ، لأن الأصل عدم التداخل ، خلافا لا حمد (1). وربما ظهر من كلامه في موضع آخر من المنتهى تكرر الكفارة بتكرر اللبس مطلقا ، فإنه قال : لو لبس ثيابا كثيرة دفعة واحدة وجب عليه فداء واحد ، ولو كان في مرات متعددة وجب عليه لكل ثوب دم ، لان لبس كل ثوب يغاير لبس الثوب الآخر فيقتضي كل واحد منها مقتضاه.

والأظهر التكرر مع اختلاف صنف الملبوس ، كما ورد في صحيحة محمد بن مسلم وقد تقدمت (2) ، وتقدم ما يمكن الجمع به بين كلامي العلامة المذكورين هنا في الصنف الرابع في لبس المخيط من أصناف محرمات الإحرام. واما الفرق بين اتحاد المجلس أو الوقت واختلافهما

__________________

(1) المغني ج 3 ص 448 طبع مطبعة العاصمة.

(2) ص 436.


كما تقدم عن الفاضلين والشيخ ـ فلم أقف له على مستند. وبذلك اعترف أيضا في المدارك. والكلام في الطيب كالكلام في اللبس.

وبالجملة فالظاهر التعدد في صورة تعدد الأصناف ، وفي صورة اتحاد الصنف مع تخلل التكفير ، وفي ما عدا ذلك إشكال.

الخامسة ـ لا إشكال في سقوط الكفارة عن الجاهل والناسي والمجنون إلا في الصيد ، فإن الكفارة تجب عليه مع العلم والجهل ، والنسيان والعمد ، وكذا الخطأ.

اما الحكم الأول فلا خلاف فيه ، وقد تقدمت جملة من الاخبار الدالة عليه (1).

واما الحكم الثاني فهو المشهور بين الأصحاب ، وحكى العلامة في المختلف عن ابن ابي عقيل انه نقل عن بعض الأصحاب قولا بسقوط الكفارة عن الناسي في الصيد. والمعتمد المشهور ، لما سبق من الاخبار في المسألة (2).

قالوا : ولو صال على المحرم صيد ولم يقدر على دفعه إلا بقتله جاز له قتله إجماعا. وهل تجب الكفارة بقتله؟ قولان ، قال في المدارك : والأصح انه لا يجب عليه الجزاء ، كما اختاره العلامة في المنتهى ، والشهيد في الدروس ، للأصل واباحة الفعل ، بل وجوبه عليه شرعا. ولا يعارض بأكل الصيد في حال الضرورة ، حيث وجبت به الكفارة مع تعينه شرعا ، لاختصاصه بالنص ، فيبقى ما عداه على مقتضى الأصل الى ان يثبت المخرج عنه. والله العالم.

__________________

(1) ص 135 و 136 و 355 الى 358 و 431 و 436 و 437.

(2) ص 319 ، والوسائل الباب 31 من كفارات الصيد.


السادسة ـ قد صرح جملة من الأصحاب بأن المحرم إذا أكل ما لا يحل للمحرم أكله ، أو لبس ما لا يجوز لبسه ، من ما لم يقدر فيه فدية مخصوصة ، فعليه شاة.

واستندوا في ذلك الى صحيحة زرارة بن أعين (1) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : من نتف إبطه ، أو قلم ظفره أو حلق رأسه ، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه ، أو أكل طعاما لا ينبغي له اكله ، وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا ، فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة».

وروى الشيخ عن الحسن بن هارون عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «قلت له : أكلت خبيصا فيه زعفران حتى شبعت؟ قال : إذا فرغت من مناسك وأردت الخروج من مكة فاشتر بدرهم تمرا ثم تصدق به ، يكون كفارة لما أكلت ولما دخل عليك في إحرامك من ما لا تعلم».

__________________

(1) الوسائل الباب 8 من بقية كفارات الإحرام.

(2) الوسائل الباب 3 من بقية كفارات الإحرام.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *