ج23 - التحريم - ما يحرم عينا
المورد الثاني
وفيه أيضا
مسائل :
الأولى : قالوا : لا
يحل العقد على ذات البعل ولا تحرم به مع الجهل بكونها ذات بعل ، وأما مع العلم
فإشكال ، نعم لو زني بها حرمت ، وكذا لو زنى بها في العدة الرجعية من غير خلاف
يعرف في الموضعين.
وتفصيل هذا الإجمال بما يزيح عنه غشاوة الإشكال يقع في
مواضع.
الأول : هل المراد من
قولهم. «لا يحل» هو أنه يحرم عليه العقد ويأثم لو أوقعه في هذه الحال ، أو أن
المراد أنه يبطل ويصير لاغيا ، لا يترتب عليه أثر شرعي؟ احتمالان : ونظير ذلك ما
صرحوا به في قولهم ـ لا يجوز استعمال الماء النجس في الطهارة ـ فإنه قد صرح بعضهم
بأن المراد به تحريم ذلك وترتب الإثم عليه ، لأن استعمال المكلف الماء النجس فيما
يعد طهارة في نظر الشارع أو إزالة نجاسة يتضمن إدخال ما ليس من الشرع فيه ،
كالصلاة بغير طهارة فيكون حراما لا محالة.
وقيل : إن المراد به إنما هو عدم الاعتداد به في الطهارة ورفع الحدث. به صرح العلامة في النهاية ، فقال ـ بعد أن حكم بتحريم ذلك ـ : لا نعني بالتحريم حصول الإثم ، بل نعني عدم الاعتداد به في رفع الحدث ، انتهى. وهو الأقرب ، فإن الحكم بالتأثيم يتوقف على دليل واضح.
نعم لو اعتقد صحته وصحة ما يترتب عليه كان مشرعا ، وإلا
فمجرد الاستعمال لا يوجب ذلك ، بل غايته أن يكون لاغيا عابثا ، وكيف كان فإنه قد
تقدم ما يدل على تحريم التعريض بالخطبة لذات العدة الرجعية بالآية ، فتحريم العقد
على ذات البعل أولى.
الثاني. في أنها هل تحرم على العاقد بذلك العقد فلا يجوز
له تزويجها لو طلقها زوجها أم لا؟ ظاهر الأكثر الجواز ، للأصل السالم من المعارض.
قال : السيد السند (قدسسره) في شرح
النافع ـ بعد فتواه بما أفتى به المصنف من عدم التحريم ـ : وفي المسألة وجه
بالتحريم مع العلم بكونها ذات بعل ، لتحريم المعتدة بمجرد العقد عليها مع العلم
بأنها في العدة فذات البعل أولى ، لأن علاقة الزوجية أقوى من علاقة الاعتداد.
ويشكل بأن الأولوية إنما تثبت إذا ثبت التعليل وهو غير
ثابت هنا ، ومن الجائز اختصاص المعتدة بمزية اقتضت ذلك ، وبالجملة فإلحاق ذات
البعل بالمعتدة في هذا الحكم لا يخرج عن القياس. انتهى.
أقول : بل الظاهر الاستناد في التحريم هنا إلى الأخبار
الدالة بإطلاقها على ذلك ، مثل موثقة أديم بن الحر (1) قال : «قال
أبو عبد الله عليهالسلام : التي تتزوج
ولها زوج يفرق بينهما ، ثم لا يتعاودان أبدا».
ومرفوعة أحمد بن محمد المروية في الكافي (2) عدة من
أصحابنا عن أحمد بن محمد رفعه «أن الرجل إذا تزوج المرأة وعلم أن لها زوجا فرق
بينهما ولم تحل له أبدا».
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 305 ح 29 ، الوسائل ج 14 ص 341 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 429 ح 11 ، التهذيب ج 7 ص 305 ح 28 ، الوسائل
ج 14 ص 343 ح 10.
وقوله «وعلم لها زوجا» جملة حالية ، فتكون الرواية دالة
على أنه مع العلم بكونها ذات بعل لا تحل له أبدا ، والأولى دالة على ذلك أيضا
بإطلاقها ، فتكونان هما المسند في الحكم المذكور ، وما ذكر من التعليل يكون توجيها
للنص مؤكدا له.
وسيأتي في الموضع الثالث في عبارة كتاب الفقه الرضوي ما
يدل على التحريم مؤبدا (فيما إذا تزوج امرأة لها زوج دخل بها أو لم يدخل) وهي
صريحة في التحريم دخل بها أو لم يدخل ، لكن ينبغي تقييدها بالعالم بأن لها زوجا ،
هذا في صورة العلم مع عدم الدخول.
وأما في صورة الدخول ، فإن كان عالما بأنها ذات بعل
فإنها تحرم عليه اتفاقا ، لكونه زانيا بذات بعل ، وسيأتي الكلام فيه.
وإن كان جاهلا فإنها تحرم أيضا لموثقة زرارة (1) عن أبي جعفر عليهالسلام «في امرأة فقدت
زوجها أو نعي إليها فتزوجت ، ثم قدم زوجها بعد ذلك فطلقها ، فقال : تعتد منهما
جميعا ثلاثة أشهر عدة واحدة ، وليس للأخير أن يتزوجها أبدا».
ورواية زرارة (2) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «إذا
نعي الرجل إلى أهله أو أخبروها أنه قد طلقها فاعتدت ثم تزوجت فجاء زوجها الأول ،
فإن الأول أحق بها من هذا الأخير دخل بها الأول أو لم يدخل ، وليس للأخير أن يتزوج
بها أبدا ، ولها المهر بما استحل من فرجها».
قوله «ولها المهر بما استحل من فرجها» يعنى مع فرض
الدخول بها ، وما دلت عليه من أنه «ليس للأخير أن يتزوج بها» مع عدم الدخول يجب
تقييده وإن بعد بالعلم بكونها ذات بعل ، وإلا فمع الجهل فإنها لا تحرم عليه.
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 308 ح 37 ، الوسائل ج 14 ص 341 ح 2.
(2) الكافي ج 6 ص 149 ح 1 مع اختلاف يسير ، التهذيب ج 7 ص 488
ح 169 ، الوسائل ج 14 ص 342 ح 6.
وربما قيل : بعدم التحريم في الموضعين ، استنادا إلى
أصالة الصحة ، واستضعافا للأخبار المذكورة ، ومن ثم استشكل السيد السند في شرح
النافع لذلك وهو ضعيف ولا يلتفت إليه ، فإن رد هذه الأخبار من غير معارض لا يتجشمه
ذو مخافة من الله سبحانه وتقوى في دينه.
وبالجملة فإن المستفاد من هذه الروايات هو الحكم
بالتحريم في صورتي العلم بكونها ذات بعل ، فإن نكاحها محرم دخل بها أو لم يدخل ،
وفي صورة الدخول بها علم أو لم يعلم ، وهذا حكم العقد في العدة.
نعم يبقى الكلام فيما لو انتفى الأمران : من العلم
بكونها ذات بعل والدخول بها ، بأن عقد عليها غير عالم بأنها ذات بعل ولم يدخل بها
، والظاهر من كلامهم من غير خلاف يعرف هو عدم التحريم.
وبما ذكرنا هنا يظهر لك ما في كلام شيخنا الشهيد الثاني
في الروضة والمسالك حيث قال في الروضة : ففي إلحاق ذات البعل بالمعتدة وجهان : من
أن علاقة الزوجية فيها أقوى ، وانتفاء النص ونحوه في المسالك ، وقبله العلامة في
القواعد حيث قال : لو تزوج بذات البعل ففي إلحاقه بالمعتدة إشكال ، ينشأ من عدم
التنصيص وأولوية التحريم ، وقال ابنه في الإيضاح : الأولى عندي الاقتصار على محل
النص ، أعني القول بالتحريم في المعتدة خاصة التي هي موضع النصوص دون ذات البعل
حيث لا نص فيها ، مع أن النصوص كما شرحناه ظاهرة في التحريم ، وأن حكم ذات البعل
والمعتدة واحد في التحريم.
الثالث : أنه لا خلاف
بين الأصحاب بل ادعى عليه غير واحد منهم الإجماع (1) في أنه لو زنى
بذات بعل أو في عدة رجعية فإنها تحرم عليه مؤبدا ، وظاهر
__________________
(1) قال السيد المرتضى (رضوان الله عليه) في الانتصار : مما
انفردت به الإمامية القول بأن من زنى بامرأة ولها بعل حرم عليه نكاحها أبدا وان
فارقها بعلها ، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ، والحجة في ذلك إجماع الطائفة. (منه
ـ قدسسره ـ).
المحقق في الشرائع التوقف فيه ، حيث
نسب الحكم إلى قول المشهور ، قال في. المسالك : إنما نسبه إلى الشهرة مع عدم ظهور
المخالف لعدم وقوفه على مستند صالح له من النص ، وعدم تحقق الإجماع على وجه يكون
حجة كما حققناه سابقا.
نعم يتوجه على ما تقدم ـ من إلحاق العقد على ذات البعل
بالمعتدة ـ تحريمها هنا مع الدخول ، لأنه إذا ثبت تحريمها بالعقد المجرد مع لعلم
فمع الدخول أولى ، أو نقول : إذا ثبت تحريمها بالدخول مع العقد فمع التجرد عنه
أولى انتهى.
أقول : هذا الحكم قد استدل عليه الشيخ في التهذيب
بمرفوعة أحمد بن محمد (1) المتقدمة
وموثقة أديم بن الحر (2) المتقدمة أيضا
، وردهما المتأخرون بضعف الاسناد وقصور الدلالة ، والظاهر أن الشيخ بنى في
الاستدلال بهذه الأخبار مع كون موردها إنما هو التزويج ، والمدعى إنما هو الزنا ،
أما على ما ذكره المحقق الشيخ علي (قدسسره) في شرح
القواعد من شمول هذه الأخبار لمحل النزاع ، قال : لأن ذلك شامل لما إذا أدخل بها
عالما بأن لها زوجا فإنه زان حينئذ. وإن احتمل اختصاص الحكم بحال العقد دون مطلق
الزنا. انتهى.
وما ذكره المحدث الكاشاني (عطر الله مرقده) في الوافي من
الجمع بين هذه الأخبار وبين ما دل على جواز تزويجه لها في الصورة المذكورة مثل صحيحة
عبد الرحمن بن الحجاج (3) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل تزوج
امرأة ولها زوج وهو لا يعلم ، فطلقها الأول أو مات عنها ثم علم الأخير ، أيراجعها؟
قال : لا ،
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 429 ح 11 ، التهذيب ح 7 ص 305 ح 28 ، الوسائل
ج 14 ص 343 ح 10.
(2) التهذيب ج 7 ص 305 ح 29 ، الوسائل ج 14 ص 341 ح 1.
(3) التهذيب ج 7 ص 477 ح 123 ، الوسائل ج 14 ص 341 ح 3.
حتى تنقضي عدتها». وفي بعض النسخ «أيتزوجها»
بدل «أيراجعها» وهو أظهر ، وعلى تقدير النسخة التي في الخبر فالمراجعة بمعنى
تزويجها مرة أخرى ، كما يدل عليه قوله «حتى تنقضي عدتها» بأن تحمل هذه الروايات
على ما إذا لم يثبت الموت أو الطلاق ثبوتا شرعيا مع علمه بأنها ذات زوج ، فإنه
يكون حينئذ زانيا.
بخلاف ما دل عليه صحيح عبد الرحمن ، فإنه صريح في عدم
علمه بأن لها زوجا ، ومرفوعة أحمد بن محمد ظاهرة في أنه تزوجها مع علمه بأن لها
زوجا ، فيكون ذلك زنا البتة ، ووقوعه مع الاقتران بالعقد لا يكون سببا في الفرق ،
فإن وقوع العقد والحال أنه عالم بالزوج في حكم العدم ، هذا.
والظاهر عندي أن الحكم إنما خرج عن المتقدمين بهذه
الكيفية استنادا الى ما ذكره الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي فإنه صرح به في موضعين من الكتاب المذكور أحدهما (1) قوله عليهالسلام «ومن تزوج
امرأة لها زوج دخل بها أو لم يدخل بها أو زنا بها لم تحل له أبدا». وقال في موضع
آخر (2) : «ومن زنا
بذات بعل محصنا كان أو غير محصن ثم طلقها زوجها أو مات عنها وأراد الذي زنى بها أن
يتزوج بها لم تحل له أبدا ، ويقال لزوجها يوم القيامة : خذ من حسناته ما شئت».
وقد ذكر شيخنا المجلسي وأبوه «رضوان الله تعالى عليهما»
بأن كثيرا من الأحكام التي ذكرها المتقدمون عارية من الدليل ، واعترضهم فيها
المتأخرون بعدم وجود دليل ، أو تكلفوا لها الاستدلال بما لا يدفع الاختلال ولا
يزيل الإشكال فإن أدلتها موجودة في هذا الكتاب ، وقد نبهنا على مواضع كثيرة في كتب
العبادات من هذا الكتاب.
__________________
(1 و 2) فقه الرضا ص 32 و 37، مستدرك الوسائل ج 2 ص 577 ب 16 ح
1 وص 576 ب 11 ح 8.
وأعظم السبب في ذلك أن المتقدمين كثيرا ما يعدون فتاوى
على بن الحسين بن بابويه في عداد النصوص فيعتمدون في الإفتاء عليها ، وفتاوى علي
بن الحسين في رسالته إلى ابنه الصدوق جلها مأخوذة من هذا الكتاب كما نبهنا عليه في
مواضع لا تحصى سيما في كتب العبادات ، وكذلك كثيرا ما يذكره الصدوق في الفقيه
عاريا عن النسبة إلى المعصوم فإنه من هذا الكتاب.
وأما ما ربما يعترض به من أن الكتاب لم يثبت كونه عنه عليهالسلام فإنه ناشئ عن
قصور التتبع ، فإن اعتماد الصدوقين على الإفتاء بعبائر هذا الكتاب بعينها ـ سيما
في مقابلة الأخبار المتكاثرة الصريحة الظاهرة ـ أدل دليل على اعتماد هما عليه
وثبوته عندهما.
وقد تقدم في الجلد الثاني في كتاب الطهارة نقل كلام والد
الصدوق في صورة ظهور هذا الكتاب في الأعصار المتأخرة ، واعتماد شيخنا المجلسي
وأبيه على الكتاب المذكور ، وما وجدا على نسخة الكتاب بخط جملة من العلماء
المتقدمين.
وبالجملة فإن الكتاب عندي معتمد لاعتماد الصدوقين عليه ،
كما لا يخفى على المتتبع البصير والفاضل النحرير ، ولا ينبئك مثل خبير.
وتقييد العدة في كلامهم بالرجعية عن احتراز البائن ، لأن
الأولى زوجة ، بخلاف الثانية ، والأصل العدم حتى يقوم دليل على خلافه. ثم إنه لا
فرق على على ما اخترناه ـ كما هو المشهور ـ بين علم الزاني بكونها ذات بعل أو في
عدة أم لا ولا بين دخول الزوج بها أم لا ، ولا بين المتمتع بها والدائم ، عملا
بعموم النص المتقدم ، ولا يلحق به الزنا بذات العدة البائنة ولا عدة الوفاة ، ولا
يلحق به الزنا بذات البعل الموطوءة بالشبهة ولا بالأمة الموطوءة بالملك ، عملا
بأصالة الحل وعدم وجود ما يخرج منها.
تذنيب :
طعن في المسالك في موثقة زرارة (1) المتقدمة في
الموضع الثاني الدالة على مساواة النكاح للعدة بأنها مع ضعف سندها تضمنت الاكتفاء
بعدة واحدة وهم لا يقولون به ، وكذا إطلاق كون العدة ثلاثة أشهر ، إلا أن هذا سهل
، أقول : لا ريب في أنه وإن كان المشهور بينهم عدم تداخل عدة وطئ الشبهة وعدة
النكاح الصحيح ، بل تعتد لكل منهما عدة ، وربما ظهر من كلام شيخنا المذكور في موضع
آخر من الكتاب اتفاق الأصحاب على ذلك إلا أن الظاهر من من الأخبار خلافه ، ومنها
الخبر المذكور.
ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة عن موسى بن بكر عن زرارة (2) قال : «سألت
أبا جعفر عليهالسلام عن امرأة نعي
إليها زوجها فاعتدت وتزوجت ، فجاء زوجها الأول ففارقها ، وفارقها الآخر ، كم تعتد
للناس ، قال : ثلاثة قروء ، وإنما تستبرئ رحمها بثلاثة قروء ، وتحل للناس كلهم ،
قال زرارة : وذلك أن الناس قالوا : تعتد عدتين من كل واحد عدة ، فأبى ذلك أبو جعفر
عليهالسلام وقال تعتد
ثلاثة قروء وتحل للرجال».
وما رواه في الكافي عن يونس (3) عن بعض أصحابه
«في امرأة نعي إليها زوجها فتزوجت ثم قدم زوجها الأول فطلقها ، وطلقها الآخر قال :
فقال إبراهيم النخعي :
عليها أن تعتد عدتين فحملها زرارة إلى أبي جعفر عليهالسلام فقال : عليها
عدة واحدة».
ومن هذين الخبرين يظهر أن تعدد العدة مذهب العامة ، فما
ورد بذلك
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 308 ح 37 ، الوسائل ج 14 ص 341 ح 2.
(2) الكافي ج 6 ص 150 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 489 ح 171 ، الفقيه
ج 3 ص 355 ح 3 مع اختلاف يسير ، الوسائل ج 14 ص 343 ح 7.
(3) الكافي ج 6 ص 151 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 468 ح 2.
في أخبارنا يجب حمله على التقية ، وإن
اشتهر بينهم العمل عليه ، والله العالم.
المسألة الثانية : إذا تزوج الرجل
امرأة في العدة فلا ريب في أن العقد فاسد ، ثم إنه إن كان عالما بكونها في عدة
وأنه يحرم ذلك ، فلا ريب في أنها تحرم مؤبدا بمجرد ذلك العقد ، وإن كان جاهلا
بأحدهما لم تحرم عليه إلا بالدخول.
وهذه الأحكام مع الاتفاق عليها قد تكاثرت بها النصوص عن
أهل الخصوص (صلوات الله عليهم وسلامه).
ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن
الحلبي (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «إذا
تزوج الرجل المرأة في عدتها ودخل بها لم تحل له أبدا ، عالما كان أو جاهلا ، وإن
لم يدخل بها حلت للجاهل ولم تحل للآخر».
وما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (2) عن أبي
إبراهيم عليهالسلام قال : «سألته
عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة ، أهي ممن لا تحل له أبدا؟ فقال : لا ، أما
إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها ، وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو
أعظم من ذلك ، فقلت : بأي الجهالتين يعذر؟ بجهالته أن يعلم أن ذلك محرم عليه؟ أم
بجهالته أنها في عدة؟ فقال : إحدى الجهالتين أهون من الأخرى ، الجهالة بأن الله
حرم ذلك عليه ، وذلك بأنه لا يقدر على الاحتياط معها ، فقلت : فهو في الأخرى معذور
، قال : نعم ، إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها ، فقلت : فإن كان أحدهما
متعمدا والآخر يجهل ، فقال : الذي تعمد لا يحل له أن يرجع إلى صاحبه أبدا».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 426 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 307 ح 34 ، الوسائل
ج 14 ص 345 ح 3.
(2) الكافي ج 5 ص 427 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 306 ح 32 ، وفيه «أعذر»
بدل «أهون» وعن أبي عبد الله عليهالسلام بدل أبي إبراهيم عليهالسلام ، الوسائل ج 14 ص 345 ح 4.
وما رواه في الكافي والتهذيب عن إسحاق بن عمار (1) في الموثق قال
: «قلت لأبي إبراهيم عليهالسلام : بلغنا عن
أبيك ان الرجل إذا تزوج المرأة في عدتها لم تحل له أبدا ، فقال : هذا إذا كان
عالما ، فإذا كان جاهلا فارقها وتعتد ، ثم يتزوجها نكاحا جديدا».
وما رواه الشيخ عن حمران (2) في الحسن قال
: «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن امرأة
تزوجت في عدتها بجهالة منها بذلك ، قال : فقال : لا أرى عليها شيئا ، ويفرق بينها
وبين الذي تزوج بها ولا تحل له أبدا ، قلت : فإن كانت قد عرفت أن ذلك محرم عليها
ثم تقدمت على ذلك ، فقال : إن كانت قد تزوجته في عدة لزوجها الذي طلقها عليها فيها
الرجعة ، فإني أرى أن عليها الرجم ، وإن كانت تزوجت في عدة ليس لزوجها الذي طلقها
عليها فيها الرجعة ، فإني أرى عليها حد الزاني ويفرق بينها وبين الذي تزوجها ، ولا
تحل له أبدا».
أقول : قيد في الاستبصار صدر الخبر بما إذا دخل بها ليصح
تأبيد الحرمة وأنت خبير بأن الخبر بتمامه وما اشتمل عليه من الأحكام لا يتم إلا مع
الدخول بها فالتقييد لا يختص بصدر الخبر ، بل لا بد من التقييد في جملة ما اشتمل
عليه من الأحكام ، كما لا يخفى على ذوي الأفهام.
وما رواه في الكافي والتهذيب عن الحلبي (3) في الحسن أو
الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن المرأة الحبلى يموت زوجها فتضع وتزوج قبل أن تمضي لها أربعة أشهر وعشرا ، فقال
: إن كان دخل بها فرق بينهما ، ثم لم تحل له أبدا ،
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 428 ح 10 ، التهذيب ج 7 ص 307 ح 33 ، الوسائل
ج 14 ص 347 ح 17.
(2) التهذيب ج 7 ص 487 ح 166 ، الوسائل ج 14 ص 348 ح 10.
(3) الكافي ج 5 ص 427 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 306 ح 31 ، الوسائل
ج 14 ص 346 ح 6.
واعتدت بما بقي عليها من الأول ،
واستقبلت عدة اخرى من الآخر ثلاثة قروء وإن لم يكن دخل بها فرق بينهما واعتدت بما
بقي عليها من الأول ، وهو خاطب من الخطاب».
وعن محمد بن مسلم (1) في الموثق عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته
عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها؟ قال : إن كان دخل بها فرق بينهما ولم تحل له أبدا
، وأتمت عدتها من الأول ، وعدة اخرى من الآخر ، وإن لم يكن دخل بها فرق بينهما
وأتمت عدتها من الأول ، وكان خاطبا من الخطاب».
قال الشيخ في كتابي الأخبار قوله «وهو خاطب من الخطاب»
محمول على من عقد عليها وهو لا يعلم أنها في عدة ، وحينئذ يجوز له العقد عليها بعد
انقضاء عدتها.
وعن سليمان بن خالد (2) في الموثق قال : «سألته عن رجل تزوج
امرأة في عدتها؟ فقال : يفرق بينهما ، فإن كان دخل بها فلها المهر بما استحل من
فرجها ، ويفرق بينهما ولا تحل له أبدا ، وإن لم يكن دخل بها فلا شيء لها من مهرها».
وعن أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه قال في
رجل نكح امرأة وهي في عدتها قال : يفرق بينهما ، ثم تقضي عدتها ، فإن كان دخل بها
فلها المهر بما استحل من فرجها ويفرق بينهما ، وإن لم يكن دخل بها فلا شيء لها».
أقول : ينبغي تقييد استحقاقها المهر ـ بما استحل من
فرجها ـ بما إذا كانت جاهلة بالتحريم.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 428 ح 8 ، الوسائل ج 14 ص 346 ح 9.
(2) الكافي ج 5 ص 427 ح 6 ، التهذيب ج 7 ص 308 ح 39 ، الوسائل
ج 14 ص 346 ح 7.
(3) الكافي ج 5 ص 427 ح 9 ، الوسائل ج 14 ص 346 ح 8.
وما رواه في التهذيب عن زرارة (1) في الصحيح عن
أبي جعفر عليهالسلام «في امرأة
تزوجت قبل أن تنقضي عدتها ، قال : يفرق بينهما ، وتعتد عدة واحدة منهما جميعا».
وعن أبي العباس (2) عن أبي عبد الله عليهالسلام «في المرأة
تتزوج في عدتها قال : يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما جميعا».
وما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار (3) في الموثق قال
: «سألت أبا إبراهيم عليهالسلام عن الأمة يموت
سيدها ، قال : تعتد عدة المتوفى عنها زوجها ، قلت : فإن رجلا تزوجها قبل أن تنقضي
عدتها؟ قال : يفارقها ، ثم يتزوجها نكاحا جديدا بعد انقضاء عدتها ، قلت : فأين ما
بلغنا عن أبيك في الرجل إذا تزوج المرأة في عدتها لم تحل له أبدا ، قال : هذا جاهل».
وما رواه الشيخ عن جميل عن بعض أصحابه (4) عن أحدهما عليهماالسلام «في المرأة
تزوج في عدتها ، قال : يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما جميعا ، وإن جاءت بولد
لستة أشهر أو أكثر فهو للأخير وإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر فهو للأول». ورواه
الصدوق بطريقه إلى جميل بن دراج (5) نحوه.
وعن عبد الله بن الفضل الهاشمي (6) عن بعض مشيخته
قال : «قال : أبو عبد الله عليهالسلام : قضى أمير
المؤمنين عليهالسلام في امرأة توفي
زوجها وهي جبلي فولدت قبل أن يمضي أربعة أشهر وعشرا ، وتزوجت قبل أن تكمل الأربعة
الأشهر والعشر فقضى
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 308 ح 36 ، الوسائل ج 14 ص 347 ح 11.
(2) التهذيب ج 7 ص 308 ح 38 ، الوسائل ج 14 ص 347 ح 12.
(3) الكافي ج 6 ص 171 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 155 ح 138 ، الوسائل
ج 14 ص 345 ح 15.
(4) التهذيب ج 7 ص 309 ح 41 ، الوسائل ج 14 ص 347 ح 14.
(5) الفقيه ج 3 ص 301 ح 24 ، الوسائل ج 14 ص 347 ح 14.
(6) التهذيب ج 7 ص 474 ح 111 ، الوسائل ج 14 ص 348 ح 16.
أن يطلقها ، ثم لا يخطبها حتى يمضي
آخر الأجلين ، فإن شاء موالي المرأة أنكحوها ، وإن شاؤا أمسكوها وردوا عليه ماله».
أقول يجب حمله على عدم الدخول ويشير إليه قوله «وردوا
عليه ماله» يعني المهر ، ولو دخل بها لكان لها المهر عوض البضع ، والطلاق هنا
عبارة عن المفارقة لبطلان العقد ، وقد تقدم ما يفصح عن جميع ذلك في صحيحة الحلبي
أو حسنته الأخيرة.
وعن علي بن بشير النبال (1) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل تزوج
امرأة في عدتها ولم يعلم ، وكانت هي قد علمت أنه بقي من عدتها ، وأنه قذفها بعد
علمه بذلك ، فقال : إن كانت علمت أن الذي صنعت محرم عليها فقدمت على ذلك ، فإن
عليها الحد حد الزاني ، ولا أرى على زوجها حين قذفها شيئا ، وإن فعلت ذلك بجهالة
منها ثم قذفها بالزنا ضرب قاذفها الحد ، وفرق بينهما ، وتعتد ما بقي من عدتها
الأولى وتعتد بعد ذلك عدة كاملة».
وروى أحمد بن محمد (2) بن عيسى في كتاب النوادر عن النضر عن
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل
يتزوج المرأة المطلقة قبل أن تنقضي عدتها؟ قال : يفرق بينهما ولا تحل له أبدا ، ويكون
لها صداقها بما استحل من فرجها ، أو نصفه إن لم يكن دخل بها».
إذا عرفت ذلك فالكلام هنا يقع في مواضع : الأول : ينبغي
أن يعلم أن تفصيل أحكام المسألة أنهما إما أن يكونا عالمين أو جاهلين ، أو تكون
المرأة عالمة والرجل جاهلا أو بالعكس.
وعلى كل من هذه التقديرات إما أن يحصل دخول أم لا؟ فهنا
صور :
(الأولى) أن يكونا عالمين بالعدة والتحريم ويدخل بها.
(الثانية) الصورة بحالها إلا أنه لم يدخل بها ، وفي
هاتين الصورتين تحرم مؤبدا اتفاقا نصا وفتوى كما عرفته من النصوص المذكورة.
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 309 ح 42 ، الوسائل ج 14 ص 349 ح 18.
(2) فقه الرضا : ص 68 ، الوسائل ج 14 ص 350 ح 21.
(الثالثة) أن يكونا جاهلين بالعدة أو التحريم ويدخل بها
وهذه كذلك تحرم مؤبدا نصا وفتوى.
(الرابعة) الصورة بحالها إلا أنه لم يدخل ، وهذه لا تحرم
اتفاقا نصا وفتوى.
(الخامسة) علم إحداهما وجهل الآخر والذي صرح به جملة من
الأصحاب أنه يلزم كل واحد منهما حكمه ، فالعالم يلزمه مقتضى علمه ، والجاهل يلزمه
مقتضى جهله. ويدل على ذلك ما تقدم في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج من قوله «فقلت :
وإن كان أحدهما متعمدا والآخر يجهل ، فقال : الذي تعمد لا يحل له أن يرجع إلى
صاحبه أبدا» ، وقريب منها رواية علي بن بشير النبال.
وأورد في هذا المقام بأنه كيف يعقل التحريم في أحد
الجانبين خاصة مع أنه متى حرم على أحدهما الآخر لم يجز للآخر التزويج به ، لما في
ذلك من المعاونة على الإثم والعدوان.
وفيه أن هذا إنما يتم فيما لو علم الآخر بأن من حرم عليه
ذلك قدم على ارتكاب المحرم ، وأما لو كان جاهلا بذلك فلا ورود لما أوردوه ، مثلا
إذا كانت الزوجة عالمة بأنها في العدة وأنها يحرم عليها التزويج في هذه الحال ،
والذي أراد أن يتزوج بها لا علم له بشيء من ذلك بالكلية فهو جاهل بمعرفة حال
المرأة ، وما هي عليه من العلم بالأمرين المذكورين فإنه لا يحصل بتزويجه لها
معاونة على الإثم والعدوان.
وعلى ما ذكرنا تدل رواية علي بن بشير النبال فإنها دلت
على أن المرأة كانت عالمة بأنها في العدة ، والزوج غير عالم بذلك ولا عالم بحالها
، فإن تزويجه لها صحيح من الجانبين إن جهلت تحريم التزويج في العدة ، وأن قذفه لها
بالزنا والحال هذه موجب للحد عليه.
وإن علمت التحريم فالنكاح من جهته صحيح لا يلحقه إثم
بذلك ولا عقوبة ، ومن جهتها باطل فإنها زانية ، ويجب عليها حد الزاني ، وليس على
زوجها
بقذفه لها شيء لثبوت الزنا.
وبالجملة فإن ما ذكروه ـ من هذا الاشكال وتكلفوا للجواب
عنه بما لا يخلو من الاختلال ـ لا أعرف له وجها وجيها ، والحكم هنا باعتبار صحة
النكاح من جهته وبطلانه من اخرى إنما هو بحسب الظاهر ، لا بحسب الواقع ونفس الأمر
، كما في المختلفين في صحة العقد وفساده.
الثاني : قد صرحوا (رضوان الله عليهم) بأنه لا فرق في
العدة بين كونها رجعية أو بائنة ، أو عدة وفاة ، أو عدة شبهة ، ولا في العقد بين
الدائم والمنقطع ، وهو كذلك لا طلاق النصوص المتقدمة.
قال في المسالك : وفي إلحاق مدة الاستبراء بالعدة وجهان
، وعدمه أقوى ، وقوفا على موضع النص واستصحابا للحل في غيره ، ومثله يأتي في
الوفاة المجهولة ظاهرا قبل العدة مع وقوعه بعد الوفاة في نفس الأمر ، لأن العدة لا
تصح إلا بعد بلوغ الخبر والأقوى عدم التحريم مطلقا أيضا. انتهى.
وأقول : ينبغي أن يعلم أن الحكم في الوفاة المجهولة مقيد
بما إذا علم الزوج بالوفاة ، وإلا فلو لم يعلم ولا حصل دخول فإنه لا تحرم بغير
إشكال ، وحينئذ فإذا علم بالوفاة وعقد في تلك المدة المتخللة بين الوفاة وبين
العدة ، أو دخل والحال كذلك فالأظهر عدم التحريم المؤبد ، لعدم المقتضي له من
كونها معتدة أو ذات بعل ، أما عدم كونها معتدة فلأن العدة انما تكون بعد العلم
بالوفاة أو ما في معناه وإن طال الزمان ، والمفروض عدمه. وأما عدم كونها ذات بعل
فظاهر ، لفرض كونه بعد علم الزوج بالوفاة.
وكيف كان فالمسألة لا تخلو من الاشكال ، وإن كان ما ذكره
(قدسسره) وغيره من
الأصحاب هو الأظهر في بادى النظر لما ذكر ، إلا أن الفرع المذكور غريب يحتاج الحكم
فيه إلى دليل واضح وإن كان الأصل الحل ، وهو معتمد الأصحاب.
واحتمل بعض هنا التحريم المؤبد ، قال : لأنه لو تزوجها
بعد هذا الزمان
في زمان العدة لاقتضى التحريم ففيه
أولى لأنه أقرب إلى زمان الزوجية ورد بمنع تحقق الأولوية. وبالجملة فالمسألة غير
خالية من شوب الاشكال.
الثالث : قد صرحوا أيضا بأنه مع الدخول فإنها تحرم على
أبيه وابنه مطلقا ، لأنه إما زنا أو وطئ شبهة ، وقد تقدم أنهما موجبان لذلك على
الأصح وإن كان الثاني منهما عندي لا يخلو عن توقف كما تقدم ذكره.
الرابع : إطلاق النصوص وكلام الأصحاب يقتضي أنه متى كان
العقد في العدة فإنه يقتضي التحريم المؤبد مع الدخول جاهلا سواء كان الدخول في
العدة أو بعدها ، إلا أنه قال في المسالك : ووطئ الجاهل بالتحريم بعد العدة لا أثر
له في التحريم وإن تجدد له العلم ، وإنما المحرم الوطي فيها أو العلم بالتحريم
حاله العقد ، وهو مشكل ، ولم أقف على من ذكر ذلك غيره ، وإلى ما ذكرناه هنا تنبه
صاحب الكفاية أيضا.
الخامس : قد اختلفت الروايات المذكورة هنا في تعدد العدة
واتحادها والمشهور بين الأصحاب وجوب التعدد ، حتى قال السيد السند في شرح النافع :
إن القول بإجزاء العدة الواحدة غير معروف القائل.
وفي شرح المختصر لابن فهد أن القائل هنا أبو علي بن
الجنيد ، ومن أجل قولهم بوجوب التعدد (1) حمل الشيخ في كتابي الأخبار روايتي
زرارة وأبي العباس المتقدمتين ـ الدالتين على العدة الواحدة ـ على ما إذا لم يكن
الثاني قد دخل بها.
وهو كما ترى ، فإن الخبرين قد صرحا بأنها تعتد عدة واحدة
منهما جميعا ، فكيف تعتد من الثاني وهو لم يدخل بها ، ما هذه إلا غفلة ظاهرة ،
__________________
(1) أقول ظاهره في المسالك الميل الى القول باتحاد العدة حيث
قال : في القول بالاكتفاء بواحدة مجهول القائل ، ولكن مستنده روايات كثيرة ، ثم
نقل صحيحة زرارة ، بل رواية أبي العباس ونقل جواب الشيخ عنهما ، ورده بما ذكرناه
في الأصل ولم يرد على ذلك. (منه ـ قدسسره ـ).
وجملة من المتأخرين منهم السيد السند
في شرح النافع والمحدث الشيخ محمد الحر جمعوا بين الأخبار بحمل التعدد على
الاستحباب ، وزاد في الوسائل حمل أخبار العدة الواحدة على التقية.
أقول : قد عرفت مما قدمناه في التذنيب الذي في آخر
المسألة المتقدمة أن الأظهر إنما هو حمل أخبار التعدد على التقية ، لما عرفت من
ظهور تلك الروايتين المتقدمتين ثمة في ذلك.
السادس : قد صرح الشيخ وغيره من الأصحاب بأنه مع الدخول
يجب عليه المهر ، وهو مما لا إشكال فيه ، لكن هل الواجب هو المسمى في العقد أو مهر
المثل؟ الذي صرح به الشيخ والمحقق في الشرائع هو المسمى ، نظرا إلى أن المسمى هو
الذي وقع التراضي عليه في العقد ، والأظهر ما صرح به آخرون من مهر المثل لانه
الواجب مع عدم المقدر وهو هنا كذلك لأن العقد وقع باطلا فيبطل ما اشتمل عليه من
المسمى ، وقد تقدم ما فيه مزيد إيضاح لذلك.
والظاهر من كلام الأصحاب هو أن المهر مخصوص بالدخول ،
ومع عدم الدخول فلا شيء لها ، وعليه تدل رواية أبي بصير المتقدمة ، وقوله فيها «وإن
لم يكن دخل بها فلا شيء لها» ومثلها رواية سليمان بن خالد أيضا إلا أن رواية أحمد
بن محمد بن عيسى في كتابه النوادر دلت على أنه مع عدم الدخول لها نصف المهر ، وهي
دالة على التنصيف في انفساخ عقد الشبهة ، ولا أعلم بمضمونها قائلا ، وسيأتي تحقيق
المسألة في محله إن شاء الله.
السابع : قال في المسالك في هذا المقام : وفي إلحاق ذات
البعل بالمعتدة وجهان أيضا : من مساواتها لها في المعنى ، وزيادة علقة الزوجية
فيكون من باب مفهوم الموافقة ، وانتفاء العدة التي هي مورد النص ، وإن كان اختصاص
العدة بمزية خاصة.
أقول : قد تقدم تحقيق الكلام في ذلك وأن الظاهر كون
الحكم في الموضعين
واحدا للروايات التي تقدمت ثمة ، لا
بهذه التعليلات العليلة.
الثامن : إذا تزوج في العدة ودخل بها فحملت فمتى كان
جاهلا كان النكاح شبهة فيلحق به الولد ، لأنه في حكم النكاح الصحيح كما تقدم ،
بشرط أن يكون لستة أشهر فصاعدا من وقت الوطي ، وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من
حين الوطي فهو للأول ، وعلى ذلك يدل مرسلة جميل (1) المتقدمة ،
وقوله فيها «وإن جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر فهو للأخير ، وإن جاءت بولد لأقل من
ستة أشهر فهو للأول».
التاسع : ما اشتملت عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (2) من تقسيم
الجاهل إلى من كان جاهلا بالعدة أو جاهلا بالتحريم وإن علم العدة ، وأن كلا منهما
معذور يصح نكاحه ظاهرا مما لا إشكال ولا خلاف فيه.
وتوضيح معنى الخبر على وجه يظهر لكل من نظر أن نقول : قد
اشتمل هذا الخبر على فردي الجاهل بالحكم الشرعي والجاهل ببعض جزئيات الحكم الشرعي
وأفراد موضوعه ، ودل على معذورية كل منهما ، إلا أن الأول أعذر ، لعدم قدرته على
الاحتياط ، وذلك فإن الجاهل بالحكم الشرعي ، وهو تحريم التزويج في العدة جهلا
ساذجا غير متصور له بالمرة ، لا يتصور الاحتياط في حقه بالكلية لعدم تصوره الحكم
بالمرة كما عرفت.
وأما الجاهل بكونها في عدة مع علمه فتحريم التزويج في
العدة ، فهو جاهل بموضوع الحكم المذكور مع معلومية أصل الحكم له ، وهذا يمكنه
الاحتياط بالفحص والسؤال عن كونها ذات عدة أم لا ، إلا أنه غير مكلف به ، بل
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 309 ح 41 ، الفقيه ج 3 ص 301 ح 24 ، الوسائل
ج 14 ص 347 ح 14.
(2) الكافي ج 5 ص 427 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 306 ح 32 ، الوسائل
ج 14 ص 345 ح 4.
ظاهر جملة من الأخبار مرجوحية السؤال
والفحص ، كما في غير هذا الموضع كما حققناه في محل أليق ، عملا بسعة الشريعة
الحنفية.
نعم متى كان الجهل ببعض جزئيات الحكم الشرعي مع العلم
بأصل الحكم فإنه يجب الفحص والسؤال ، كما تضمنته
صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) «قال : سألت
أبا الحسن عليهالسلام عن رجلين
أصابا صيدا وهما محرمان الجزاء عليهما أو على كل واحد منهما؟ قال : لا ، بل عليهما
أن يجزي كل واحد منهما عن الصيد ، قلت : إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك ، فلم أدر ما
عليه ، فقال : عليهالسلام إذا أصبتم
بمثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط».
وظاهر الخبر أن السائل كان عالما بأصل وجوب الجزاء
عليهما ، وإنما الشك في موضعه بأن يكون عليهما معا جزاء واحد يشتركان فيه ، أو على
كل واحد جزاء بانفراده (2).
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 391 ح 1 ، التهذيب ج 5 ص 466 ح 277 ، الوسائل
ح 9 ص 210 ح 6.
(2) فهو يرجع الى الشك في جزئي من جزئيات ذلك الأمر الكلى ،
وهو وجوب الجزاء على المحرم ، وبالجملة مع العلم بأصل الحكم الشرعي ان حصل الشك في
معروضه ومحله ، كما إذا علم بتحريم الميتة وشك في كون هذا اللحم ميتة أم لا؟ وعلم
بتحريم التزويج في العدة ولكن شك في كون تلك المرأة في عدة أم لا؟ فإنه لا يجب
عليه الفحص والسؤال ، بل ورد النهى عنه عملا بسعة الشريعة.
وان
حصل الشك في كون هذا الجزئي هل هو من جزئيات ذلك الحكم أم لا؟ وجب الفحص والسؤال ،
لأنه شك في نفس الحكم الشرعي ، وقد علم من الآيات والاخبار وجوب البناء على اليقين
والعلم ، وحينئذ فيجب عليه الفحص والسؤال : وان تعذر فالوقوف على جادة الاحتياط. هذا
كله مع العلم بأصل الحكم الشرعي ، وأما مع عدمه بأن كان جاهلا به فان كان جهلا
سازجا بالاصطلاح فهو معذور لعدم إمكان الاحتياط في حقه كما
المسألة الثالثة : الظاهر أنه لا
خلاف بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) بأن من لاط بغلام فأوقب فإنه يحرم على
الواطئ العقد على أم ذلك الموطوء وأخته وبنته ، هذا مع عدم سبق عقدهن على الفعل
المذكور ، فلو سبق فإن الفعل المذكور لا يوجب تحريما ، عملا باستصحاب الحل السابق
، «وأن الحرام لا تحرم الحلال».
ومما يدل على الوجه الذي قلناه أخبار عديدة ، والذي وقفت
عليه من الأخبار المتعلقة في هذا المقام.
منها : ما رواه في الكافي عن حماد بن عثمان (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام رجل أتى غلاما
، أتحل له أخته ، قال : فقال : إن كان ثقب فلا».
وعن ابن أبي عمير (2) عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل يعبث
بالغلام قال : إذا أوقب حرمت عليه ابنته وأخته».
قال في الكافي (3) وبهذا الاسناد عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل يأتي
أخا امرأته فقال : إذا أوقبه فقد حرمت عليه المرأة» ، أقول : المراد أنه أتى أخاها
قبل أن يتزوج بها».
__________________
ذكرناه في الجاهل بتحريم التزويج في العدة ، والا فالواجب عليه
الفحص والسؤال ، وان تعذر العلم بالحكم فليعمل على الاحتياط كما تضمنته رواية بريد
الكناسي بالنسبة إلى العالمة بالعدة الا إلها لم تقدر بقدرها ، قال عليهالسلام : «إذا علمت أن عليها العدة لزمت الحجة
فتسأل حتى تعلم». (منه ـ قدسسره ـ).
(1) الكافي ج 5 ص 417 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 340 ح 4.
(2) الكافي ج 5 ص 417 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 339 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 418 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 339 ح 2.
وعن موسى بن سعدان (1) عن بعض رجاله قال : «كنت عند أبي عبد
الله عليهالسلام جالسا فقال له
رجل : ما ترى في شابين كانا مصطحبين ، فولد لهذا غلام وللآخر جارية ، أيتزوج ابن
هذا ابنة هذا ، قال : فقال : نعم سبحان الله لم لا يحل؟ فقال : إنه كان صديقا له ،
قال : فقال : وإن كان فلا بأس ، قال : فإنه كان يفعل به ، قال : فأعرض بوجهه ، ثم
أجابه وهو مستتر بذارعيه ، فقال : إن كان الذي كان منه دون الإيقاب فلا بأس أن
يتزوج ، وإن كان قد أوقب فلا يحل له أن يتزوج».
وما رواه الصدوق في كتاب عقاب الأعمال (2) قال : «روي عن
أبي عبد الله عليهالسلام في رجل لعب
بغلام ، قال : إذا أوقب لن تحل له أخته أبدا». ورواه البرقي في المحاسن (3) مثله.
وما رواه الشيخ (4) عن إبراهيم بن عمر عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل لعب
بغلام ، هل تحل له امة؟ قال : إن كان ثقب فلا».
وهذه الأخبار كلها كما ترى ضعيفة السند بالاصطلاح المحدث
، ولكن أصحابنا المتأخرين تمسكوا هنا في الحكم المذكور بالإجماع المنقول وجبر ضعف
الأخبار بالشهرة بين الأصحاب ، ولا يخفى عليك ما فيه ، ولكن ضيق الخناق بالعمل
بهذا الاصطلاح ألجأهم إلى هذه الأعذار الواهية.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أن تحقيق الكلام في المقام يتوقف
على بيان أمور :
الأول الظاهر أن الإيقاب المترتب عليه التحريم في هذا
المقام هو إدخال بعض الحشفة ولو قليلا وإن لم يترتب عليه الغسل ، فإن الغسل إنما
يجب بغيبوبة الجميع ،
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 417 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 310 ح 43 ، الوسائل
ج 14 ص 340 ح 3.
(2) عقاب الأعمال ص 316 ح 4 ط إيران ، الوسائل ج 14 ص 340 ح 5.
(3) المحاسن ص 112 ح 104 ، الوسائل ج 14 ص 340 ح 5.
(4) التهذيب ج 7 ص 310 ح 45 ، الوسائل ج 14 ص 340 ح 7.
يقال : وقب الشيء يقب وقوبا : إذا
أدخل ، والدخول يصدق بإدخال بعض الحشفة وبالجملة فإن الحكم مما لا خلاف فيه لغة
وشرعا.
الثاني : ظاهر الأصحاب الاتفاق على تعدي الحكم إلى الأم
وإن علت ، والبنت وإن سفلت ، فتحرم على الفاعل جدات المفعول لأب كن أو لام ، لصدق
الام على كل منهن ، وكذا القول في البنات ، سواء كن بنات أولاد أو بنات بنات ،
وتعدي الحكم في الموضعين ، إما من حيث شمول اللفظين المذكورين لذلك حقيقة (1) أو للاتفاق على
الحكم المذكور ، وظاهره في المسالك أنه لو لا ذلك لكان للكلام في التعدي مجال ،
قال : لما عرفت من أنهما حقيقتان في المتصلتين دون المنفصلتين بالوسائط.
أقول : لا يخفى أن المستفاد من الآيات والروايات الواردة
في الميراث والنكاح هو العموم والشمول في الأمهات والبنات ، والآباء والأولاد لمن
ارتفع من الآباء والأمهات ، ومن نزل من الأولاد والبنات ، فلو ادعى كون ذلك حقيقة
شرعية ـ لاستعمال الشارع لهما في هذا المعنى ـ لم يكن بعيدا.
وقد تقدم الكلام في ذلك وتحقيق القول فيه في مواضع ، ولا
سيما في كتاب الخمس ، نعم المستعمل في عرف الناس إطلاق الأم والأب على من يولد
منهما الولد بغير فاصلة ، والجد والجدة على من كانا بفاصلة وهكذا في البنت وبنت
البنت ، وبالجملة فإن الحكم هنا مما لا خلاف ولا إشكال فيه ، أما الأخت فلا يتعدى
الحكم إلى بنتها اتفاقا.
الثالث : الظاهر من كلام الأصحاب أنه لا فرق في الفاعل
والمفعول بين الصغير والكبير عملا بالإطلاق ، ونسبه في المسالك إلى الأقوى ،
والظاهر أنه أشار
__________________
(1) أقول : قال ابن إدريس هنا : ويدخل في تحريم الأم الجدة وان
علت لأنها أم عندنا حقيقة ، وكذلك بنت البنت ، وكذلك بنت ابن بنته وان سفلن ،
لأنهن بناته حقيقة. انتهى ، وهو مبنى على ما تقدم نقله عند من مذهبه في كون أولاد
الأولاد أولادا حقيقة ، كما تقدم في كتاب الخمس. (منه ـ قدسسره ـ).
إلى ما ذكره العلامة في القواعد من
الإشكال في شمول ذلك للفاعل إذا كان صغيرا.
ووجه الاشكال على ما ذكره بعض شراح الكتاب (1) من حيث عموم «من
وطأ غلاما» المتناول للصغير والكبير ، ومن قرينة «حرم عليه» الدالة على اختصاص
الحكم بالمكلفين ، فإن الصغير لا يحرم عليه شيء ، كما لا يجب عليه شيء ولأصالة
عدم التحريم. انتهى.
وقال المحقق الشيخ على (رحمهالله) في توجيه الاشكال
المذكور ، منشأه من أن التحريم الوارد في النص دليل على أن هذا الحكم إنما هو في
البالغ ، لامتناع تعلق التحريم في الصبي ، ومن أن النص خرج مخرج الغالب ، وأن هذا
الفعل إنما يقع غالبا من البالغ ، ولأنه بعد البلوغ يصدق عليه أنه رجل أوقب غلاما
تعلق به التحريم ، لعموم النص لمن تقدم إلحاقه على البلوغ ومن تأخر عنه. انتهى.
أقول : لا يخفى على من راجع أخبار المسألة وهي التي
قدمناها لم يشذ منها شيء ـ أن موردها بالنسبة إلى الفاعل إنما هو الرجل ، وهو
ظاهر بل صريح في الكبير ، وبه يظهر أنه لا وجه لقول الشارح الأول أن مستند الاشكال
عموم «من وطأ غلاما» المتناول للصغير والكبير ، وقوله في الوجه الثاني من وجهي
الاشكال ومن قرينة «حرم عليه» الدالة على اختصاص الحكم بالمكلفين.
ولا معنى أيضا لما ذكره المحقق الشيخ على في وجهي
الإشكال ، من الاستناد إلى التحريم الوارد في النص بمعنى أن الدليل على كونه كبيرا
، إنما هو التحريم الوارد في النص ، فإن الصبي لا تحريم بالنسبة إليه ، إذ هو غير
مخاطب بالمرة ، ومن أن التحريم إنما خرج مخرج الغالب ، وذلك فإنه إذا كان المصرح
به في الأخبار بالنسبة إلى الفاعل إنما هو الرجل الذي إنما يطلق على البالغ ، ولا
سيما بقرينة
__________________
(1) أقول : هو الفاضل عميد الحق والدين عبد المطلب بن الأعرج
الحسيني أحد تلامذة العلامة في شرحه المسمى بكنز الفوائد في حل مشكلات القواعد. (منه
ـ قدسسره).
المقابلة بالغلام ، فأي وجه لهذه
الاعتبارات المتكلفة والتوجيهات المتعسفة ، نعم ما ذكره أخيرا ـ من قوله ـ ولأنه
بعد البلوغ يصدق عليه أنه رجل إلى آخره ـ محتمل إلا أنه مقابل بأصالة الحلية وعدم
التحريم.
وبالجملة فالمسألة لا يخلو من شوب الاشكال ، وإن كان
الاحتياط فيما ذكروه (رضوان الله تعالى عليهم) ، وكيف كان فإنه على تقدير الشمول
للصغير فإن التحريم يتعلق بالولي قبل بلوغ الفاعل ، وبعد البلوغ يتعلق به كما
صرحوا به أيضا.
الرابع : هل الام والبنت الرضاعيتان تدخلان تحت التحريم
هنا فتحرمان كما تحرمان من النسب؟ استشكل العلامة في القواعد في ذلك ، ومنشأه من
أن صدق الام والبنت عليهما إنما هو بطريق المجاز ، لأن الحقيقة إنما تصدق على ما
إذا كان بالولادة ، فلا يتناولهن النص الوارد بالتحريم ، ومن عموم قوله عليهالسلام (1) «يحرم من
الرضاع ما يحرم من النسب».
أقول : وقد تقدم الكلام هنا في هذه المسألة في آخر
المطلب الثاني في الرضاع في المسألة الثانية من مسائل المورد السابع ، وقد ذكرنا
ثمة أن التحريم هو الأقوى وهو المشهور ، وأن القول الأخر بمحل من القصور.
الخامس : استشكل العلامة في القواعد في شمول المفعول
للميت ، بمعنى لو لاط ميتا فهل تحرم عليه تلك المحرمات المذكورة أم لا؟ ومنشأه
الإشكال من العموم الشامل للميت ، ومن خروجه بالموت عن كونه مشهية طبعا ، وتعلق
أحكام الجناية ، فإن المتبادر إلى الفهم من النص إنما هو الحي دون الميت ، كذا
ذكره المحقق الشيخ علي ، ثم قال : والتحريم ليس ببعيد.
وقال بعض شراح الكتاب (2) في توجيه
الاشكال أنه ينشأ من عموم النص
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 437 ح 2 و 3 ، التهذيب ج 7 ص 291 ح 59 وص 292
ح 60 ، الوسائل ج 14 ص 281 ح 3 و 4.
(2) هو السيد عميد الدين المتقدم ذكره في الحاشية السابقة. (منه
ـ قدسسره ـ).
الصادق على الحي والميت ، ومن أنه
بالموت خرج عن إلحاق أحكام الأحياء وصار جاريا مجرى الجمادات. انتهى.
أقول : أما ما استندوا إليه في وجه التحريم من إطلاق
النصوص ففيه ما صرح غير واحد من الأصحاب ـ في غير موضع من الأحكام ، بل صار
كالقاعدة الكلية ـ من أن إطلاق الأخبار إنما يحمل على الأفراد الغالبة المتكثرة
المتكررة وهي التي يتبادر إليها الإطلاق دون الفروض النادرة التي ربما لا تقع
وإنما تذكر فرضا ، وبذلك يظهر لك أن ما ذكره المحقق المتقدم ذكره ـ من أن التحريم
غير بعيد ـ في غاية البعد.
السادس : قد صرح جملة من الأصحاب بأنه لا يحرم على
المفعول بسبب ذلك الفعل شيء ، وإنما التحريم على الفاعل خاصة ، وقال السيد السند
في شرح النافع : أنه نقل عن بعض الأصحاب تعلق التحريم به كالفاعل ، ثم قال : وهو
ضعيف انتهى ، وهو كذلك لعدم الدليل على ذلك.
السابع : ما تضمنته مرسلة موسى بن سعدان (1) عن بعض رجاله
من تحريم بنت الفاعل على ابن المفعول وبالعكس لم أقف على قائل به من الأصحاب ، ولا
على من نبه عليه في هذا الباب ، بل الظاهر منهم الجواز ، إلا أن الخبر لا معارض له
إلا العمومات ، ويمكن تخصيصها به حيث لا معارض له على الخصوص إلا أنه بعد لا يخلو
من الاشكال ، والاحتياط لا يخفى سيما في الفروج ، كما صرحت به الأخبار.
الثامن : قد تقدم في صدر المسألة أن تحريم المذكورات
مشروط بسبق الفعل على العقد عليهن ، فلو سبق العقد عليهن فإنه لا تحرم ، وهو مما
لا إشكال فيه لما تقدم ، وإنما الإشكال فيما لو فارق من سبق عقدها قبل الفعل ، فهل
يجوز
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 417 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 310 ح 43 ، الوسائل
ج 14 ص 340 ح 3.
له تجديد نكاحها بعده أم لا؟
استظهر السيد السند في شرح النافع الأول ولم يبين وجهه ،
ثم احتمل عدمه ، لصدق سبق الفعل بالنسبة إلى العقد الجديد ، والمسألة عندي لا يخلو
من شوب الاشكال لعدم النص والاحتمال المذكور قريب ، بل لا يبعد ترجيحه لدخوله
بالنسبة إلى هذا العقد المتأخر تحت إطلاق الأخبار المتقدمة الموجبة للتحريم ،
ويؤيده أنه الأحوط في المقام. والله العالم.
المسألة الرابعة : الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان
الله تعالى عليهم) في أنه لو عقد المحرم على امرأة عالما بالتحريم حرمت عليه مؤبدا
وإن لم يدخل بها ، ولو كان جاهلا فسد العقد ولم تحرم مؤبدا وإن دخل.
ونقل في المنتهى إجماع الفرقة على الحكمين المذكورين ـ أعني
حكمي العالم والجاهل ـ وأسنده في التذكرة إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ،
والأصل في ذلك الأخبار ، إلا أنها بحسب الظاهر مختلفة.
فمنها ما يدل على أن النكاح باطل بقول مطلق ، ومن ذلك ما
رواه الشيخ في فمنها ما يدل على أن النكاح باطل بقول مطلق ، ومن ذلك ما رواه
الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «ليس
للمحرم أن يتزوج ولا يزوج ، فإن تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل بقول مطلق» ، وبهذا
المضمون روايات عديدة.
ومنها ما يدل على البطلان أيضا مع التصريح بجواز تزويجها
بعد الإحرام كصحيحة محمد بن قيس (2) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قضي
أمير المؤمنين عليهالسلام في رجل ملك
بضع امرأة وهو محرم قبل أن يحل ، فقضى أن يخلي سبيلها ولم يجعل نكاحه شيئا حتى يحل
فإذا أحل خطبها إن شاء ، فإن شاء أهلها زوجوه». وهي دالة
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 328 ح 41 ، الفقيه ج 2 ص 230 ح 68 الا ان
فيه «ولا يزوج محلا» ، الوسائل ج 9 ص 89 ح 1.
(2) التهذيب ج 5 ص 330 ح 47 ، الوسائل ج 9 ص 92 ح 3.
بإطلاقها على عدم التحريم المؤبد أعم
من أن يكون عالما أو جاهلا.
ومنها ما دل بإطلاقه على تحريم المؤبد عالما كان أو
جاهلا ، وهو ما رواه الشيخ عن أديم بن الحر الخزاعي (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «إن
المحرم إذا تزوج وهو محرم فرق بينهما ولا يتعاودان أبدا».
وفي الموثق عن ابن بكير عن إبراهيم بن الحسن (2) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «إن
المحرم إذا تزوج وهو محرم فرق بينهما ثم لا يتعاودان أبدا».
ومنها ما يدل على التحريم المؤبد إن كان عالما بالتحريم
، وهو ما رواه الكليني والشيخ عن زرارة وداود بن سرحان (3) عن أبي عبد
الله عليهالسلام في حديث قال
فيه «والمحرم إذا تزوج وهو يعلم أنه حرام عليه لم تحل له أبدا».
وروى الحسين بن سعيد في كتابه بسنده فيه عن أديم بياع
الهروي (4) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «الملاعنة
إذا لا عنها زوجها لم تحل له أبدا ـ إلى أن قال ـ : والمحرم إن تزوج وهو يعلم أنه
حرام عليه لا تحل له أبدا».
والشيخ (رحمهالله) قد حمل
روايتي أديم بن الحر وإبراهيم بن الحسن ـ الدالتين بإطلاقهما على التحريم المؤيد
مطلقا ـ على ما إذا كان عالما ، وحمل صحيحة محمد بن قيس ـ الدالة على جواز
المراجعة بعد الإحرام مطلقا عالما كان أو جاهلا ـ على الجاهل ، واستند في هذا
الحمل إلى رواية زرارة وداود بن سرحان ، فإنها تدل بمنطوقها على التحريم المؤبد مع
العلم ، وتدل بمفهومها على عدم التحريم
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 329 ح 45 ، الوسائل ج 9 ص 91 ح 2.
(2) الكافي ج 4 ص 372 ح 3 ، التهذيب ج 5 ص 329 ح 46 ، الوسائل
ج 9 ص 91 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 426 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 305 ح 30 ، الوسائل
ج 14 ص 378 ح 1.
(4) مستدرك الوسائل ج 2 ص 581 ب 32 ح 1.
مع الجهل وهو جمع حسن لا يعتريه
الاشكال ، سيما مع تأيده بالإجماع المدعى في المقام كما عرفت ، والرواية الثانية
المنقولة من كتاب الحسين بن سعيد.
وبذلك يظهر ضعف مناقشة صاحب المسالك وسبطه السيد السند
في هذا المقام من حيث ضعف رواية زرارة وداود بن سرحان مع أنهما في غير موضع قد
عملا بالأخبار الضعيفة من حيث جبرها بالشهرة ، وقد عرفت دعوى الإجماع هنا وعدم
ظهور المخالف ، ويظهر من صاحب المسالك أنه ليس في هذا الباب من الأخبار إلا رواية
زرارة المذكورة ، ونقل عن ابن إدريس والشيخ فخر الدين بن العلامة أنهما أطلقا
التحريم مع العلم ومع الدخول في صورة الجهل.
ولا بأس بنقل كلامه ليظهر لك ما في نقضه وإبرامه ، قال (قدسسره) ـ بعد ذكر
عبارة المصنف الدالة على الحكم بالتحريم المؤبد مع العلم وعدمه مع الجهل ـ ما لفظه
: هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ومستنده رواية زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام ومن جملتها أن
«المحرم إذا تزوج وهو يعلم أنه حرام عليه لا تحل له أبدا».
وهي دالة بإطلاقها على التحريم مع العلم وان لم يدخل ،
ومفهومها على عدم التحريم مع عدمه وإن دخل ، ويعتضد المفهوم بالأصل فيقوي من ضعفه
، وإنما الكلام في حالة العلم لضعف الرواية إلا أنه لا قائل بعدم التحريم مطلقا
وإن اختلفت كلماتهم في الشرط ، فإن الأكثرين اعتبروا ما ذكره المصنف.
ومنهم من اقتصر على حال العلم كالمفيد (رحمة الله عليه) (1) وقوفا مع
الرواية
__________________
(1) أقول : صورة عبارة الشيخ المفيد (رحمهالله) على ما نقله في المختلف : ومن عقد على
امرأة وهو محرم مع العلم بالنهي عن ذلك فرق بينهما ولم تحل له أبدا ، انتهى. وهي
وان لم تدل على الجهل ولا الدخول ، لكنها تدل من حيث المفهوم على ما ذكره الشيخ من
عدم التحريم مع الجهل وان دخل ، وحينئذ فلا يعد ذلك قولا مخالفا كما لا يخفى.
(منه ـ قدسسره ـ).
ومنهم من أطلق التحريم من غير فرق بين
العالم وغيره كسلار والصدوق ، وجماعة أطلقوا التحريم مع العلم ، ومع الدخول في
حالة الجهل ، منهم ابن إدريس وقواه فخر الدين في شرحه إلى غير ذلك من الاختلافات ،
وليس في الباب من النصوص سوى ما ذكرناه. انتهى.
أقول : الظاهر أنه تبع العلامة في المختلف (1) في هذا المقام
، فإنه بعد أن نقل عبائر هؤلاء المذكورين في الكتاب كما أشار إليه هنا قال : والذي
بلغنا في هذا الباب ما رواه زرارة عن الصادق عليهالسلام «والمحرم إن
تزوج وهو يعلم أنه حرام عليه لا تحل له أبدا».
وأنت قد عرفت أن الأخبار في المسألة متكاثرة ، إلا أنها
بحسب الظاهر مختلفة ، وإن ادعيا أنه ليس في الباب إلا رواية زرارة ، غفلة عن
مراجعة باقي الأخبار المذكورة ، وحينئذ فما ذكره المحقق ونحوه غيره من بيان حكم
العالم والجاهل فالظاهر أنهم قد تبعوا الشيخ فيما قدمنا نقله عنه من الجمع بين
الأخبار ، وهو جيد وجيه ، كما لا يخفى على الفطن النبيه ، وما ذكره الشيخ المفيد
فإنه يرجع إلى الوقوف على رواية زرارة المذكورة منطوقا ومفهوما.
وما ذكره الصدوق وسلار من الحكم بالتحريم المؤبد أعم من
أن يكون جاهلا أو عالما الظاهر (2) أنهما استندا فيه إلى روايتي أديم
وإبراهيم المذكورتين.
__________________
(1) أقول : وعلى هذا النهج جرى المحقق الشيخ على في شرحه على
القواعد فقال بعد نقل الأقوال التي في المختلف ملخصا : قال المصنف في المختلف :
والذي بلغنا في هذا الباب ما رواه زرارة ثم ساق كلامه الى آخره ، ثم قال : وهو
صحيح في موضعه.
(منه ـ قدسسره ـ).
(2) بل الأظهر أنه انما استند في ذلك الى كتاب الفقه الرضوي
كما هي قاعدته غالبا فإنه عليهالسلام قال في الكتاب المذكور «والمحرم إذا
تزوج في إحرامه فرق بينهما ولا تحل له أبدا». وقد قدمنا في كتب العبادات أمثال هذا
من الصدوق وأبيه (عطر الله مرقديهما).
(منه ـ قدسسره ـ).
قال في المقنع : ولا يجوز للمحرم أن يتزوج ولا يزوج
المحل ، وإذا تزوج في إحرامه فرق بينهما ولم تحل له أبدا ، وهو كما ترى موافق لما
دل عليه الخبران المذكوران وما ذكره ابن إدريس ، أما بالنسبة إلى التحريم مع العلم
فدليله واضح من الرواية المذكورة ، وأما مع الدخول في صورة الجهل فلا أعرف عليه
دليلا من الأخبار ، إلا بأن يكون نوعا من الاعتبار كما هي قاعدتهم الجارية في هذا
المضمار.
قال ابن إدريس في كتاب السرائر في تعداد المحرمات :
ويحرم أيضا على التأييد المعقود عليها في عدة معلومة أي عدة كانت أو إحرام معلوم ،
والمدخول بها فيهما على كل حال ، سواء كان عن علم أو جهل بحالهما ، ونحوها عبارة
أبي الصلاح ، ويمكن أن يكون قد حمل الإحرام على العدة في ذلك.
ومما يدل على عدم التحريم ـ مع الجهل دخل أو لم يدخل ـ مفهوم
رواية زرارة وداود بن سرحان وإطلاق صحيحة محمد بن قيس ، خرج عنها العالم بتقييدها
بروايتي أديم وإبراهيم وبقي الجاهل ، وبالجملة فالظاهر هو القول المشهور ، فإنه لا
يعتريه قصور ولا فتور.
وينبغي أن يعلم أنه إنما يحصل التحريم بالعقد مع صحته
لولا المانع الذي هو الإحرام ، وحينئذ فلا عبرة بالفاسد ، ولا يترتب عليه تحريم
سواء علم بفساده أم لا.
ونقل عن العلامة في التحرير أنه استقرب إلحاقه بالصحيح
إذا اعتقد صحته والظاهر بعده ، ولا فرق في التحريم بين إحرام الحج والعمرة في ذلك
، ولا بين الفرض والنفل ، ولا بين كونه عن نفسه أو غيره ، ولا بين كون المعقود عليه
محرما وعدمه ، كل ذلك لإطلاق النص ، ولو انعكس الفرض في الأخير بأن كان الزوج محلا
والزوجة محرمة ، فالأصل يقتضي عدم التحريم ، ولا نص هنا يوجب الخروج عنه وفي بعض
عبارات الأصحاب ما يدل على التسوية بين الأمرين ، وكيف كان فالعقد
فاسد ، والله العالم.
المسألة الخامسة : لا خلاف في أنه
يحرم وطئ الصبية قبل بلوغ تسع سنين ، وعلى هذا فلو خالف وتزوج بصبية لم تبلغ تسع
سنين فوطأها فقد اختلف كلام الأصحاب في ذلك.
فقال الشيخ في النهاية : إنه إذا وطأها فرق بينهما ولم
تحل له أبدا.
وقال : الشيخ المفيد (عطر الله مرقده) : الرجل إذا جامع
الصبية ولها دون تسع سنين فأفضاها كان عليه دية نفسها ، والقيام بها حتى يفرق
الموت بينهما.
وقال : ابن الجنيد : فإن أولج عليها بالوطء فأفضاها قبل
تسع سنين فعليه أن لا يطلقها حتى يموت ، وينفق عليها ويقوم بأمرها ، فإن أحب
طلاقها غرم ديتها ولزمه مع ذلك مهرها.
وقال ابن حمزة لما عد المحرمات وذكر من جملتها التي
أفضاها بالوطي وهي في حباله : ولها دون تسع سنين ، وتبين منه بغير طلاق.
وقال ابن إدريس : إنها تحرم مؤبدا لكن لا تبين منه ولا
ينفسخ عقدها بمجرد ذلك ، بل هو بالخيار بين أن يطلقها أو يمسكها ولا يحل له وطؤها
أبدا ، وليس بمجرد الوطي تبين منه وينفسخ عقدها ، كما يظن ذلك من لا يحصل شيئا من
هذا الفن ، ولا يفهم معنى ما يقف عليه من سواد الكتب.
ومعنى قول الشيخ ـ فرق بينهما ـ أي في الوطي ، دون
بينونة العقد وانفساخه ، لا جماع أصحابنا على أن من دخل بالمرأة وطأها دون تسع
سنين وأراد طلاقها طلقها على كل حال ، ولا عدة عليها بعد الطلاق ، وإذا كانت قد
بانت بوطئها قبل بلوغ التسع فلا حاجة إلى طلاقها. انتهى.
أقول : ظاهر كلام الشيخ أنه بمجرد الدخول بها تحرم عليه
وينفسخ عقدها ، إلا أن ابن إدريس حمل التفريق في كلامه على المنع من الوطي وإن
بقيت زوجته ،
والمشهور في كلام المتأخرين أن المحرم
إنما هو الإفضاء لا مجرد الدخول (1) وإن قلنا ان التحريم إنما هو في
الوطي خاصة.
وظاهر عبارة الشيخ المفيد بقاء الزوجية ، وأن الإفضاء
لها إنما يوجب الدية ، والقيام بها حتى يفرق الموت بينهما ، بمعنى أنه لا يجوز له
طلاقها والحال هذه ، وأما تحريمها عليه في الوطي أو خروجها من الزوجية بالكلية فلم
يتعرض له ، وكذلك عبارة ابن الجنيد ، إلا أنه بالإفضاء حرم عليه الطلاق وأوجب
عليها القيام بها ، وأنه مع ارادة الطلاق يجب عليه ديتها ، ويلزمه مهرها.
وعبارة الشيخ المفيد ظاهرة في وجوب الدية وإن لم يطلق ،
وأما كلام ابن حمزة فإنه صريح في البينونة وانفساخ العقد بالإفضاء (2). وقد عرفت
إنكار ابن إدريس ذلك أشد الإنكار ، وتشنيعه على صاحب هذا القول. والواجب أولا نقل
ما وصل إلينا من الأخبار ، فإنها هي التي عليها المدار في الإيراد والإصدار.
ومنها ما رواه الصدوق بطريقه إلى الحسن بن محبوب عن أيوب
عن حمران (3) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «سئل عن
رجل تزوج جارية بكرا لم تدرك ، فلما
__________________
(1) قال المحقق في الشرائع : إذا أدخل بصبية لم تبلغ تسعا
فأفضاها حرم عليه وطؤها ولم تخرج عن حبالته ، ولو لم يفضها لم تحرم على الأصح.
وقال العلامة في القواعد : لا يحل وطي الزوجة الصغيرة قبل أن تبلغ تسعا فان فعل لم
تحرم على الأصح إلا مع الإفضاء فتحرم مؤبدا ، قيل ولا تخرج من حباله وفيه نظر.
ويجب
عليه الإنفاق عليها الى أن يموت أحدهما ، وان طلقها وتزوجت بغيره على اشكال ، وعلى
هذا النهج كلام غيرهما. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) بمعنى أن الإفضاء هو الموجب للتحريم أعم من أن يكون تحريم
الوطي خاصة أو تحريم بقائها على الزوجية بمعنى أنها لا تكون زوجته بعد ذلك بل تحرم
عليه مؤبدا.
(منه ـ قدسسره ـ).
(3) الفقيه ج 3 ص 272 ح 79 ، الوسائل ج 14 ص 380 ح 1.
دخل بها افتضها فأفضاها فقال : إن كان
دخل بها ولها تسع سنين فلا شيء عليه ، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين وكان لها أقل من
ذلك بقليل حين افتضها فإنه قد أفسدها وعطلها على الأزواج ، فعلى الامام أن يغرمه
ديتها ، وإن أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شيء عليه». وطريق الصدوق إلى الحسن
بن محبوب في الصحيح ، فتكون الرواية حسنة بحمران.
وما رواه في الكافي عن يعقوب بن يزيد عن بعض أصحابنا (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «إذا
خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرق بينهما ولم تحل له أبدا».
وعن بريد بن معاوية (2) عن أبي جعفر عليهالسلام «في رجل افتض
جارية يعني امرأته فأفضاها ، قال : عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ سنين ،
قال : فإن كان أمسكها ولم يطلقها فلا شيء عليه ، وإن كان دخل عليه ولها تسع سنين
فلا شيء عليه إن شاء أمسك ، وإن شاء طلق».
وعن الحلبي (3) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل تزوج جارية فوقع بها فأفضاها ، قال : عليه الاجراء عليها ما دامت حية».
قال الشيخ : هذا محمول على من دخل بعد تسع سنين فلا
يلزمه الدية ، بل الاجراء عليها إن أمسكها أو طلقها.
هذا ما حضرني من روايات هذه المسألة.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 429 ح 12 ، التهذيب ج 7 ص 311 ح 50 ، الوسائل
ج 14 ص 381 ح 2.
(2) الكافي ج 7 ص 314 ح 18 ، التهذيب ج 10 ص 249 ح 17 ،
الوسائل ج 14 ص 381 ح 3.
(3) التهذيب ج 10 ص 249 ح 18 ، الفقيه ج 4 ص 101 ح 19 ،
الوسائل ج 14 ص 381 ح 4 ، وج 19 ص 212 ح 2.
وأنت خبير بأن غاية ما تدل عليه الرواية الأولى هو أنه
بالإفضاء قد عطلها وأفسدها على الأزواج ، فعلى الامام أن يغرمها ديتها ، وإن
أمسكها ولم يطلقها وقام بواجبها فلا دية عليه ، والمفهوم منه بقاء النكاح وعدم
البينونة بالإفضاء ، وأما أنه يحرم عليه نكاحها ويجب التفريق بينهما في النكاح فلا
دلالة في الخبر عليه ، بل هو في ذلك مطلق ، وهذا الرواية مطابقة لما ذهب إليه ابن
الجنيد.
وأما الرواية الثانية فهي مطابقة لما تقدم نقله عن الشيخ
في النهاية ، من أنه بالدخول بها يفرق بينهما ولم تحل له أبدا.
وأما الرواية الثالثة فهي كالرواية الاولى في أنه
بالافضاء عليه الدية إن طلقها ، وإن أمسكها وقام بواجبها لم يكن عليه شيء ، وهي
ظاهرة في بقائها على الزوجية ومطلقة في تحريم الوطي وعدمه.
وأما الرواية الرابعة فقد دلت على أنه بالإفضاء عليه
القيام بواجبها وإجراء النفقة ونحوها عليها ما دامت حية ، وهي أشد الروايات إطلاقا
وأعظمها إغلاقا من جهات عديدة.
ويمكن الجمع بين هذه الأخبار بحمل الدخول الذي اشتملت
عليه الرواية الثانية على الإفضاء كما هو القول المشهور ، وتقييد إطلاق ما عدا
الرواية الثانية بها حيث ما عدا الرواية الثانية مطلق في تحريم الوطي وعدمه وإن
دلت على بقاء الزوجية ، فيحمل إطلاقها على ما دلت عليه الرواية الثانية من أنه
بالإفضاء يجب التفريق بينهما يعني في النكاح ، ولا يحل له وطؤها أبدا وإن كانت
باقية على الزوجية ، كما دلت عليه الأخبار الباقية ، وبه يظهر ضعف قول ابن حمزة من
أنها تبين منه بغير طلاق.
وعلى هذا تلتئم الأخبار ويتلخض من ذلك أنه بالإفضاء يحرم
عليه وطؤها ونكاحها وإن كانت زوجته ، ولا تبين منه بمجرد ذلك ، وأنه إن أمسكها
وقام بواجبها فلا إشكال ، ولا يجب عليه شيء أزيد من ذلك ، وإن طلقها وجب عليه
الدية.
وتمام تحقيق القول في المقام يتوقف على رسم فوائد الأولى
: قد عرفت من كلام ابن إدريس أنه بالإفضاء لا يخرج عن الزوجية ، وإنما يحرم عليه
وطؤها مؤبدا وإن كانت زوجته ، ومن كلام ابن حمزة أنه صريح في الخروج عن الزوجية
كما هو ظاهر الخبر الثاني.
وأيد هذا القول جملة من المتأخرين منهم شيخنا الشهيد
الثاني في المسالك والمحقق الثاني في شرح القواعد بأن التحريم المؤبد ينافي مقتضى
النكاح إذ ثمرته حل الاستمتاع ، ولأنه يمنع النكاح سابقا فيقطعه لاحقا ، كالرضاع
واللعان والقذف للزوجة الصماء والخرساء.
ومن أجل ذلك توقف العلامة في المختلف في هذا المقام
وتبعه الفاضلان المتقدمان ، فقال في المسالك ـ بعد ذكر ما ذكرناه ، وأن الحكم
بالبينونة هو الظاهر من مرسلة يعقوب بن يزيد ، وعدمه هو الظاهر من رواية بريد بن
معاوية ـ ما لفظه : والطريق فيهما مظلم فيبنغي التوقف فيه ، وقال المحقق الثاني : وتوقف
المصنف في المختلف لعدم الظفر بقاطع من الجانبين ، وقول ابن حمزة ليس ببعيد
والتوقف طريق السلامة. انتهى.
أقول : لا ريب أن ما ذكروه من الوجه الاعتباري ـ وهو أنه
كما يمنع التحريم من النكاح سابقا كذا يبطله لاحقا ـ جيد ، إلا أنك قد عرفت اتفاق
حسنة بكير وإن كانوا لم يذكروها في هذا المقام ، ورواية بريد على بقاء الزوجية ،
وهما صريحتان في ذلك مع تأيدهما بالاستصحاب ، وهو هنا حجة شرعية لأنه عبارة عن
وجوب العمل بمقتضي العقد السابق حتى يثبت المخرج عنه ، ومرسلة يعقوب ابن يزيد وإن
كان ظاهرها ما ذكروه ، إلا أن تأويلها بالحمل على التفريق والتحريم المؤبد في
النكاح خاصة جمعا بين الأخبار قريب جدا.
وما ذكروه من التقريب الاعتباري وإن كان جيدا إلا أنه من
الجائز ـ بعد دلالة الخبرين المذكورين على خلافه ـ أن يكون ذلك عقوبة له ومؤاخذة
له
بسوء فعله وارتكابه هذا الأمر الفظيع
، كما دلت على وجوب الدية عليه ، فيكون ما ذكروه من ذلك الوجه الاعتباري مخصصا
بهذه الروايات بالتقريب المذكور.
والأصحاب لم ينقلوا في المقام إلا روايتي يعقوب بن يزيد
وبريد بن معاوية على أنهم قد خرجوا عن العمل بالرواية المذكورة بالنسبة إلى الدخول
فحملوه على الإفضاء ، مع أنه لا معارض في ذلك لها فإن ما تضمن الإفضاء من الروايات
إنما يترتب عليه الدية خاصة ، فكيف يتوقفون في الخروج عنها في محل البحث ، والحال
أن المعارض موجود وهو أصرح وأرجح.
الثانية : المشهور أن
الإفضاء هو صيرورة مسلك البول والحيض واحدا بذهاب الحاجز بينهما ، وقيل : صيرورة
مسلك الغائط والحيض واحدا ، والظاهر أنه لا يخلو من بعد ، لشدة ما بين المسلكين
وقوة الحاجز بينهما فلا يكاد يتفق زواله ، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ مزيد تحقيق لذلك
في كتاب الديات.
الثالثة : قال العلامة في القواعد : ويجب عليه الإنفاق
عليها إلى أن يموت أحدهما وإن طلقها وتزوجت بغيره على إشكال.
أقول : الظاهر من كلامهم أنه بالإفضاء يجب على الزوج
الإنفاق عليها إلى أن يموت أحدهما ، وإن خرجت بالإفضاء من الزوجية كما هو أحد
القولين أو طلقها فإنه يجب عليه الإنفاق عليها ، واستندوا في ذلك إلى إطلاق رواية
الحلبي المتقدمة حيث دلت على الأمر بالإجراء عليها ما دامت حية ، مع أنك قد عرفت
ان مقتضى حسنة حمران ورواية بريد أنه مع الطلاق فالواجب إنما هو الدية وهم لم
يتعرضوا لذكر الدية في هذه المسألة بالكلية ، كما لا يخفى على من راجع كلامهم.
بقي الكلام فيما إذا تزوجت ، فهل يكون الحكم كذلك عملا
بإطلاق الرواية المذكورة أم لا؟ نظرا إلى أن الظاهر أن الأمر بالإجراء عليها إنما
هو لأنها قد خرجت بالإفضاء عن ان يرغب فيها الأزواج ، فأوجب الشارع علي المفضي
نفقتها إرفاقا بها ، فإذا تزوجت انتفى
المقتض من الإرفاق.
ومال المحقق الثاني في شرح الكتاب إلى وجوب الإنفاق
عليها في الصورة المذكورة قال بعد الكلام في المسألة : فالذي يجب أن يقال : إن
الرواية إن كانت معتبرة وجب العمل بظاهرها ، ولا يسقط وجوب الإنفاق بالتزويج.
انتهى.
أقول : لا يخفى أن الاستناد في هذا الحكم إلى الرواية
المذكورة لا يخفى ما فيه من الاشكال لما هي عليه من غاية الإجمال ، فإنه لم يصرح
فيها ببلوغ التسع ولا عدمه. فلذا حملها الشيخ على ما بعد بلوغ التسع هذا ، مع أن
الحكم المذكور ظاهر تمام الظهور من حسنه حمران ورواية بريد فإنهما قد اتفقتا على
الدلالة على أنها بالإفضاء فالواجب على زوجها الدية إن طلقها ، أعم من أن تتزوج أم
لا ، والقيام بواجبها إن أمسكها ، وبذلك يزول الاشكال ويؤول إلى الاضمحلال.
الرابعة : لو وطأ
أجنبية قبل البلوغ بزنا أو نكاح شبهة فأفضاها ، فهل تثبت فيها الأحكام المذكورة من
التحريم المؤبد والإنفاق إلى أن يموت أحدهما أم لا؟ استقرب العلامة في القواعد
الأول عدا النفقة فإنه استشكل فيها ، وعلل وجه القرب في التحريم أن هذا الفعل حيث
اقتضى التحريم المؤبد في الزوجة ففي الأجنبية أولى ، لأنه أفحش فيناسبه زيادة
العقوبة ، وذلك لأنه إذا كانت الزوجة التي قد ملك بالعقد الشرعي نكاحها فتحرم عليه
أبدا بالإفضاء ، فبطريق الأولى في الأجنبية التي هي يحرم عليه نكاحها.
وأما النفقة فوجه الاشكال فيها ينشأ من أن المقتضي له في
الزوجية العقوبة بارتكاب الوطي المحرم ، وهي في الأجنبية أفحش ، ولحصول الضرر بعدم
رغبة الأزواج فيها ، ومن أن الظاهر أن النفقة تابعة للزوجية ، وهي غير موجودة في
محل الفرض فلا تكون واجبة ، وقال المحقق الشيخ على في الشرح : والذي يقتضيه النظر
ثبوت التحريم المؤبد بإفضاء الأجنبية بزناء أو شبهة من باب مفهوم الموافقة ، فإن
وطئ الزوجة
قبل البلوغ وإن حرم إلا أن وطئ الأجنبية
أبلغ منه في التحريم وأفحش ، وأما باقي الأحكام فإن إثباتها مشكل ، ولا دليل قويا
عليه. انتهى.
ونقل عن الشيخ في الخلاف أنه ألحق بالإفضاء للزوجة
الإفضاء بوطىء الشبهة في التحريم ووجوب الإنفاق ، وعن ابن إدريس أنه منع ذلك.
أقول : والتحقيق في المقام أن جميع ما ذكروه في الأجنبية
من الأحكام إنما هو من قبيل أضغاث الأحلام ، وإن تستروا عنه بكونه مفهوم موافقة أو
أولوية أو نحو ذلك من الكلام ، فإن المدار عندنا في الأحكام الشرعية إنما هو على
النصوص ودلالتها بالعموم أو الخصوص.
ولا ريب أن القدوم على تحريم ما أحله الله وتحليل ما حرم
الله بغير نص واضح جرأة عظيمة لمخالفة الآيات والروايات ، وهذه الأجنبية مما علم
حل نكاحها قبل وقوع الفعل اتفاقا ، والقول بتحريمها به يحتاج إلى النص الصريح كما
ورد في الزوجة.
على أن الأمر في الزوجة كما عرفت آنفا محل إشكال ، فنحن
في عويل من ذلك لعدم تحقق الجزم بالحكم بكون المحرم هو مجرد النكاح ، أو أنها تبين
بذلك بالكلية لما عرفت من إجمال النصوص ، فكيف بالملحق بها في ذلك.
الخامسة : لا يخفى أن
مورد الأخبار المتقدمة الزوجة ، وعلى هذا لا تدخل الأمة لو أفضاها ، والظاهر من
الأخبار أيضا الإفضاء بالوطء فلا تدخل فيه الإفضاء بالإصبع ونحوها ، وبذلك صرح
العلامة في القواعد أيضا فقال : والأقرب عدم تحريم الأمة والمفضاة بالإصبع ، ووجه
قربه ظاهر مما ذكرناه.
وبالجملة فإن الدليل الوارد في المسألة غير شامل لهما
فإدخالهما بغير دليل مجرد قياس لا يوافق أصول الشريعة.
السادسة : لو كان الإفضاء بالوطء بعد بلوغ الزوجة لم يكن على الزوج شيء لأن الوطي مأذون فيه محلل له شرعا ، وإذا حصل به الإفضاء لم يثبت به شيء من هذه الأحكام لعدم الدليل عليه ، بل قيام الدليل على خلافه ، لقوله عليهالسلام في حسنة حمران المتقدمة «إن كان دخل بها ولها تسع سنين فلا شيء عليه» ، ومفهوم الشرط في رواية بريد «وإن كان بالنسبة إلى الدية».
وبذلك يظهر ما في كلام الشيخ في حمله رواية الحلبي ـ المتضمنة
لوجوب الاجراء عليها ـ على ما إذا دخل بها بعد بلوغ التسع ، وأنه يجب عليه الاجراء
عليها أمسكها أو طلقها ، فإن فيه أن مقتضى الأصل المؤيد بما نقلناه من حسنة حمران
أنه بعد بلوغ التسع لا يتعلق به شيء من هذه الأحكام بالكلية ، وإنما هي مخصوصة
بالإفضاء قبل التسع.
والرواية المذكورة فيها من الإجمال ما يمنع الاعتماد
عليها في الاستدلال ، وذلك من جهات عديدة : (أحدها) أن الحكم مخصوص بمن لم تبلغ
التسع وهي مجملة فيه. (وثانيها) التحريم مؤبدا في النكاح خاصة أو التزويج وهي
مجملة فيه (وثالثها) وجوب الدية إن طلقها وهي مجملة فيه ، وكيف كان فإنه يجب حمل
إطلاقها في هذه الأحكام على ما فصله غيرها ، وجواب الشيخ عنها في هذه الصورة التي
ذكرها لا يحسم مادة الاشكال. والله العالم.
المسألة السادسة : المشهور بين
الأصحاب من غير خلاف يعرف أن البنت المتولدة من الزنا حرام على الزاني ، واستدل
عليه الشيخ في الخلاف بوجهين :
الأول ـ أنه إذا زنى بامرأة حرمت عليه بنتها وانتشرت
الحرمة ، وطريقة الاحتياط يقتضي تجنب هذه.
الثاني : قوله تعالى (1) «وَرَبائِبُكُمُ» وهذه بنتها
وبنته لغة وإن لم يكن شرعا ، وقال ابن إدريس بالتحريم أيضا ، لكن لا من هذه
الحيثية ، بل من حيث إن بنت الزنا كافرة فلا يحل على المسلم نكاحها وليست بنتا له
شرعا وعرف الشارع هو الطاري على عرف اللغة.
__________________
(1) سورة النساء ـ آية 22.
ورد (أولا) بمنع كفر ولد الزنا لعدم الدليل عليه ، و (ثانيا)
بالمنع من طريان عرف شرعي في ذلك لقوله تعالى (1) «إِنْ
أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللّائِي وَلَدْنَهُمْ» فجعل المولدة
مطلقا اما : فتكون المتولدة بنتا على حسب القانون اللغوي.
أقول : والحق في هذا المقام أن يقال : إن المسألة لعدم
ورود شيء فيها من النصوص بالعموم أو الخصوص من المتشابهات «حلال بين ، وحرام بين
، وشبهات بين ذلك». كما استفاضت به الأخبار.
والحكم في الشبهات كما دلت عليه الأخبار هو الوقوف عن
الفتوى فيها والعمل بالاحتياط متى احتيج إلى ذلك ، فالواجب هنا ـ في البنت
المتولدة من ماء الزاني بالنسبة إليه ، والولد المتولد من الزانية بالنسبة إليها ،
وكذا بالنسبة إلى الاخوة وأشباههم في الموضعين ـ هو العمل بما يقتضيه الاحتياط من
المعاملة تارة بحكم الأجنبي ، وتارة بحكم الأولاد النسبية ، فتحرم المناكحة بينه
وبين من تولد منه كالولد النسبي ، ويحرم النظر واللمس كما يحرم في الأجنبي وعلى
هذا فقس ، والله العالم.
__________________
(1) سورة المجادلة ـ آية 2.