أحكام الميراث - الثاني

الرسالة المحمدية
في أحكام الميراث الأبدية
تأليف فقيه أهل البيت (عليهم السلام)
المحدّث الشيخ يوسف آل عصفور البحراني
المتوفى سنة 1186 هـ ق
(قدس الله سره الشريف)


(الفصل السادس في اللواحق)

وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم:
والبحث فيها يقع في مواضع:
(الأول): الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب أن من شروط الارث العلم بحياة الوارث عند موت الموروث، فلو علم موتهما دفعة، واشتبه التقدم والتأخر فلا توارث، ويدل على الأول رواية القداح عن الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال: {ماتت أم كلثوم بنت علي عليه السلام وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا يدري أيهما هلك قبل، فلم يورث أحدهما من الآخر، وصلّى عليهما جميعاً}.
وبالجملة: قضية الأصل أنه لم يحكم بالتوارث إلا بتحقق سبق موت الموروث على الوارث إلا ما خرج بدليل، وهو مسألة الغرقى والمهدوم عليهم، مع الاشتباه، والحكم فيها اجماعي منصوص، لكنه مشروط عند الأصحاب بشروط ثلاثة:

(الأول) وجود المال لكل منهما أو لأحدهما، وإلا فمتى لم يكن لهما مال انتفى الارث من عدم وجود ما يورث، ولو كان لأحدهما مال دون الآخر انتقل المال إلى من لا مال له، ومنه إلى ورثة الحي.
(الثاني) اشتباه المتقدم بالمتأخر، ولو علم اقتران الموت فلا ارث، ولو علم المتقدم من المتأخر ورث المتأخر المتقدم من غير عكس.
(الثالث) أن تكون الموارثة دائرة بينهما بمعنى ان كل واحد منهما يرث من الآخر ولو بمشاركة غيره، فلو انتفى كما لو لم يكن استحقاق ارث بالكلية إما لعدم السبب أو النسب أو لوجود مانع من كفر أو رق، أو وجود وارث حي لكل منهما أو لأحدهما حاجب للميت الآخر، فلا يجري فيه الحكم المذكور على المشهور، فلو غرق اخوان ولكل منهما ولد، فإنهما لا توارث بينهما بل لكل منهما يحرز ميراثه ولده، أما لو كان الولد لأحدهما خاصة دون الثاني، وليس للثاني وارث إلا اخوة ذو الولد، فإن المشهور عدم توريث الأخ واختصاص الميراث بغيره وإن كان أبعد لعدم ثبوت بقائه بعد أخيه الذي هو شرط في الارث كما تقدم، وعدم دخوله في مسألة الغرقى والمهدوم عليهم لاشتراطها بالتوارث من الجانبين كما ذكرنا.
وظاهر الفاضل الخراساني في الكفاية وقبله المولى الأردبيلي في شرح الارشاد المناقشة في ذلك، لجواز ادخال ذلك في المسألة، وجعل الصورة المذكورة مثل لو كان لأحدهما مال دون الآخر، فيرثه من لا مال له، إلا أن المولى الأردبيلي قال في آخر كلامه ما لفظه: (إلا أن يقال هذا الحكم مخالف للأصل والقاعدة، وإنما الاستثناء للدليل، وقد وجد في صورة المال من جانب واحد لا غيره فتأمل… انتهى) والفاضل المشار إليه بناء على ما ذكره من الاشكال الذي قدمنا نقله عنه سابقاً أيده بأن عموم قول الصادق عليه السلام : {يورث بعضهم من بعض} في أخبار متعددة يقتضي الارث هنا من جانب واحد، ومتى اجتمعت الشرائط المذكورة ورث كل منهما من الآخر إن وجد المال من الطرفين، وأحدهما من الآخر إن اختص به أحدهما كما تقدّم، والنصوص به مستفيضة:
(فمنها) صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي عبدالله عليه السلام قال: {سألته عن بيت وقع على قوم مجتمعين، فلا يدرى أيهم مات قبل؟ قال فقال: بعضهم يورث من بعض، قلت: فإن أبا حنيفة أدخل فيها شيئاً، فقال: وما أدخل؟ قلت: رجلين أخوين أحدهما مولاي والآخر مولى لرجل، لأحدهما مائة ألف درهم والآخر ليس له شيء، ركبا في السفينة فغرقا فلم يدر أيهما مات أولاً، قال: المال لورثة الذي ليس له شيء، ولم يكن لورثة الذي له المال شيء، قال فقال أبو عبدالله عليه السلام : لقد سمعها وهو هكذا} وبالجملة فالحكم اجماعي لا ضرورة إلى الاطالة بالاستدلال عليه.

(الثاني): المشهور بين الأصحاب {رضوان الله عليهم} أن التوارث بينهما إنما هو من أصل التركة دون ما ورث أحدهما من صاحبه، بمعنى أن يفرض موت أحدهما أولاً، فيورث الآخر منه، ثم يفرض موت الآخر أولاً، فيورث الأول منه من أصل ماله دون ما ورثه، كما إذا غرق رجل وزوجته، ولكل منهما مال فإنه يفرض أولاً موت الزوجة مثلاً فيرث الزوج حصته منها، ثم يفرض موت الزوج أولاً فترث الزوجة نصيبها من أصل ماله، لا مما ورثه منها، فلو كان لأحدهما مال دون الآخر انتقل مال ذي المال إلى من لا مال له ثم منه إلى ورثته الأحياء، ويدل على ذلك مرسلة حمران بن أعين عمن ذكره عن أمير المؤمنين عليه السلام في قوم غرقوا جميعاً أهل بيت؟ قال: {يورث هؤلاء من هؤلاء، وهؤلاء من هؤلاء، لا يورث هؤلاء مما ورثوا من هؤلاء شيئاً ولا يرث هؤلاء مما ورثوا من هؤلاء شيئاً}، ويؤيده أيضاً رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يسقط عليه وعلى امرأته بيت؟ قال: {تورث المرأة من الرجل، ويورث الرجل من المرأة، معناه يورث بعضهم من بعض من صلب أموالهم، لا يورثون مما يورث بعضهم بعضاً}، إنما جعلناه مؤيداً دون أن يكون دليلاً لاحتمال أن يكون قوله معناه من كلام أحد الرواة دون الإمام عليه السلام ، ويدل عليه أيضاً الأخبار الدالة على أنه لو كان لأحدهما مال دون الآخر، فإنه يصير المال إلى ورثة من ليس له مال، ولا يكون لورثة الذي له المال شيء كصحيحة عبدالرحمن المتقدمة وغيرها، ونقل عن الشيخ المفيد وسلار أنه يورث كل منهما مما ورثه من الآخر أيضاً، لأن ما ورث الثاني من الأول قد صار كسائر أمواله المتروكة قبل حكمنا بموته، فوجب ارث الأول من مجموعه بخلاف الثاني، فإنه حين فرض موت الأول لم يكن له شيء سوى ما ترك، ولصحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام عن رجل سقط عليه وعلى امرأته بيت؟ فقلب: {تورث المرأة من الرجل ثم يورث الرجل من المرأة}، وفي معناه رواية محمد بن مسلم، ووجه الاستدلال بهما من حيث تضمنهما وجوب تقديم توريث من هو أقل نصيباً فلولا وجوب ارث الثاني من الأول ومما ورث معاً لم يكن لتقديم موت الأكثر نصيباً أولاً، فيورث الأقل نصيباً مما تركه ثم العكس، فيورث مما تركه ومما ورث من الأول.
وأجيب عن الأول أنه اجتهاد في مقابلة النّص، وعن الصحيحة وما في معناها باحتمال كون الفائدة شيئاً آخر غير ما ذكر، فإن خفاء الفائدة علينا وظهور كون شيء من فائدة ظاهراً لا يستلزم القول بذلك، فإن أكثر الحكم والمصالح الشرعية مخفية عنّا ولهذا لم يذكر لفظ ثم في بعض أخبار هذا الحكم، كرواية محمد بن مسلم المتقدمة مع تأيده بما زيد في آخرها من قوله {ومعناه…الخ} على أنه لا يطرد فيما لو لم يوجد ضعيف، كما إذا تساويا في الإرث، وكذا لو لم يكن لأحدهما مال أصلاً، أو يكون شخص واحد يرثهما كالامام، ثم بعد الاغماض عن ذلك كله لا يدل على وجوب تقديم الأضعف على غيره مطلقاً، وفي جميع مراتب الوارث بل في الزوج والزوجة فقط، وبالجملة فالأظهر هو المشهور.

(الثالث): ألحق الاسكافي والحلبي بالغرق والهدم كل سبب موجب للاشتباه في تقديم موت أحدهما على الآخر كالحرق والقتل ونحوهما مما سوى حتف الأنف، وهو ظاهر كلام الشيخ في النهاية، واستندوا في ذلك إلى أن العلة في التوارث إنما هي الاشتباه الموجود في القتلى والمحترقين، كوجوده في الغرقى والمهدوم عليهم، فيلزم من وجودها وجود المعلول الذي هو التوارث.
(الجواب) هو أن هذه العلة مستنبطة بل العلة هو النص، وإلا لكان الحكم مطرداً في أسباب حتف الأنف من المرض والطاعون ونحوهما، وبالجملة فالحكم لما كان على خلاف الأصل فالواجب الاقتصار فيه على موضع النّص والوفاق.

(الرابع): اختلف الأصحاب في وجوب تقديم الأضعف في لتوريث، فذهب جماعة -منهم الشيخان وابن ادريس والمحقق في النافع- إلى وجوبه، عملاً بما تقدّم من خبري محمد بن مسلم وعبيد بن زرارة حيث عطف فيهما توريث الأكثر على الأضعف بثم التي هي حيقة في الترتيب، وذهب آخرون -منهم المحقق في الشرائع- إلى عدم الوجوب، لانتفاء الفائدة وقصور دليل الوجوب.
ورد بأن العلم بالفائدة غير شرط في اثبات الحكم، والرواية الظاهرة في الوجوب صحيحة، ومن الجائز أيكون تعبداً فلا يجب طلب الفائدة، نعم لو قيل بقول المفيد فالفائدة ظاهرة.
أقول ومما يمكن أن يستدل به للقول الثاني رواية محمد بن مسلم المتقدمة المتضمنة للعطف بالواو، ومثلها موثقة عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي عبدالله عليه السلام قال: {قلت له رجل وامرأة سقط عليهما البيت فماتا؟ قال: يورث الرجل من المرأة والمرأة من الرجل} ومقتضاهما عدم وجوب التقديم والتأخير في الفرض مطلقاً، وحينئذ فما تضمن ذلك يمكن حمله على الاستحباب جمعاً، إلا أن يقال الجمع المستفاد من الواو لا ينافي الترتيب المفهوم من لفظة ثم في ذينك الخبرين، لأن الجمع مطلق والترتيب مقيد، فيحمل عليه كما هو الشائع في أمثال ذلك.

المسألة الثانية: في ميراث الخنثى:
وهو من له فرج الذكر وفرج الأنثى، وقد ذكر الأصحاب لهذا المقام فردين آخرين مما يشكل حكمهما: (أحدهما) من ليس له ما للرجال ولا ما للنساء، و(ثانيهما) من له بدنان على حقو واحد، فالكلام هنا في مقامات:
(المقام الأول) لا ريب أن المفهوم من الآيات القرآنية انحصار نوع الإنسان في الذكر والأنثى ويستحيل اجتماعهما، لقوله سبحانه: }خلق الزوجين الذكر والأنثى{، وقوله تعالى: }يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور{، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على الحصر فيهما بمعونة المقامات، وعلى هذا فالخنثى لا تخرج عنهما، بأن يكون أحد الفرجين هو الأصلي، والثاني زائداً كسائر الزوائد في الخلقة من يد ورجل واصبع ونحوهما، ولكن إن أمكن استعلام الزائد من الأصلي فهو المعروف بين الأصحاب بالخنثى الواضح، وإلا فهو المشكل، وطريق استعلامه -على ما ذكره الأصحاب وصرّحت به نصوص أهل الخصوص- انه يختبر في حاله من كونه ذكراً أو أنثى ببوله، فإن بال من فرج الرجال فهو يلحق بهم، وإن بال من فرج النّساء فهو يلحق بهن، فإن بال منهما معاً اعتبر بابتداء بوله، فأيهما ابتدأ حكم به، وإن ابتدأ منهما دفعة اعتبر بالإنقطاع أخيراً، فأيهما انقطع أخيراً حكم به، ولا خلاف في شيء من ذلك فيما أعلم إلا في الأخير، وهو الاعتبار بالانقطاع، فذهب ابن البراج إلى ات الاعتبار بسبق الانقطاع كالابتداء لا بيأخره، فجعل الأصلي هو الذي يسبق انقطاعه، وذهب جماعة -منهم الصدوق وابن الجنيد والمرتضى- إلى عدم الاعتبار بالانقطاع مطلقاً، والأخبار التي وقفت عليها في المقام حسنة داود بن فرقد عن أبي عبدالله عليه السلام قال: {سئل عن مولود وله قبل وذكر كيف يورث؟ قال إن كان يبول من ذكره فله ميراث الذكر، وإن كان يبول من القبل فله ميراث الأنثى}، وحسنة هشام بن سالم عنه عليه السلام قال: {قلت له المولود يولد له ما للرجل وما للنساء؟ قال: يورث من حيث سبق بوله، فإن خرج سواء فمن حيث ينبعث، فإن كان سواء ورث ميراث الرجال والنّساء}، قال في الكافي وفي رواية أخرى عن أبي عبدالله عليه السلام في {المولود له ما للرجال وله ما للنساء يبول منهما جميعاً، قال: من زيهما سبق؟ قيل: فإن خرج منهما جميعاً؟ قال: من أيهما استدر، قيل: فإن استدرا جميعاً؟ قال: فمن أبعدهما}، والظاهر أن هذه الرواية الدليل للقول المشهور في الاعتبار بالانقطاع أخيراً، إذ الظاهر أن معنى قوله عليه السلام فمن زبعدهما أي زماناً، وألا فلم نقف للاعتبار بالإنقطاع على دليل من الأخبار، لكن قد تضمنت هذه الرواية الاعتبار بالاستدرار قبله والظاهر أيضاً انه المراد من قوله عليه السلام في حسنة هشام المتقدمة من حيث ينبعث قال في القاموس بعثه كمنعه ارسله فانبعث، والمراد انه ينظر أيهما أشد استرسالاً وادراراً فيحكم به، وحينئذ فبموجب هذين الخبرين انه مع التساوي في السبق يعتبر بزيادة الاسترسال وشدة الانبعاث والادرار، ولم أقف في كلام أحد من الأصحاب على هذه المرتبة من مراتب الاستعلام، ثم مع التساوي فعلى رواية الكافي يعتبر بالانقطاع أخيراً، كما ذكرنا انه الظاهر من قوله عليه السلام : {فمن أبعدها}، وعلى حسنة هشام: {فيورث ميراث الرجال والنساء} ولعل هذه الرواية هي مستند من اسقط الاعتبار بالانقطاع مطلقاً، ثم ان تساوي الفرجان في البول ابتداءاً وانقطاعاً فهو الخنثى المشكل.
فقد اختلف الأصحاب في حكم الميراث، فالمشهور بين المتأخرين -وفاقاً للشيخ في النهاية- أن تعطى نصف ميراث الرجل ونصف ميراث المرأة، فلو كان نصيبه ثمانية لو اتفق كونه ذكر، أو أربعة لو اتفق كونه انثى أعطي ستة، واستدلوا بحسنة هشام بن سالم المتقدمة، حيث قال في آخرها: {فإن كان سواء ورث ميراث الرجال والنساء} بحملها على ذلك إذ لو لم تحمل عليه فلا محمل غيره، إلا أن يراد مجموع الميراثين، وهم ممتنع باتفاق الأمة أن لا تعطى نفس واحدة ميراث نفسين فيتعين الحمل على الأول، ويؤيده ان فيه مراعاة للحالتين لتساويهما عقلاً، فيعمل بالمتيقن ويعطى ميراث الأنثى، ويقسم ما زاد عليه من سهم المشكوك فيه وهو كونه ذكراً نصفين، كما وقع نظيره في الشرع عند اختلاف الدعويين مع عدم الحجة، وأظهر من ذلك دلالة رواية اسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام ان علياً عليه السلام كان يقول: {الخنثى تورث من حيث تبول، فإن بال منهما جميعاً فمن أيهما سبق ورث عليه، وإن مات ولم يبل فنصف عقل المرأة ونصف عقل الرجل}، والعقل (لغة) الدية، والمراد هنا الميراث، وما رواه الحميري في قرب الاسناد عن أبي البحتري عن جعفر عن أبيه عليه السلام : {أن علياً عليه السلام قضى في الخنثى الذي يخلق وله فرجان انه يورث من حيث يبول، فإن بال منهما جميعاً فمن أيهما سبق، وإن لم يبل من واحد حتى يموت، فنصف ميراث المرأة ونصف ميراث الرجل}، وذهب الشيخ في الخلاف إلى العمل بالقرعة، فإن خرج سهم الرجل فله نصيبه، وإن خرج سهم المرأة فله نصيبها واحتج عليه بالاجماع والأخبار، ولعله أراد بالأخبار ما ورد من أن القرعة لكل أمر مشتبه، وهذا منها وإلا فلم نقف في كتب الأخبار في هذه المسألة على خبر يدل على القرعة، وذهب المفيد والمرتضى وارتضاه ابن ادريس إلى اعتبار عن الأضلاع، فإن استوت أضلاع جنبيه فهو امرأة، وإن اختلفت فهو رجل ويدل عليه ما رواه الشيخ في التهذيب باسناده إلى ميسرة بن شريح من قضية المرأة المروية عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو أن (امرأة تقدمت إلى شريح فقالت إني امرأة ولي احليل وفرج؟ فقال: قد كان أمير المؤمنين عليه السلام في هذا ورث من حيث جاء البول، قالت: انه يجيء منهما، فقال لها: من أي سبق البول؟ فقالت: ليس شيء منهما يسبق، يجيئان في وقت واحد وينقطعان في وقت واحد -وساق الحديث إلى أن قال- قال أمير المؤمنين عليه السلام جردوها من ثيابها وعدوا أضلاع جنبيها، ففعلوا ثم خرجوا فقالوا عدد الجنب الأيمن اثنا عشر ضلعاً، والجنب الأيسر أحد عشر ضلعاً، فقال عليه السلام الله أكبر ائتوني بالحجام، فأخذ من شعرها فأعطاها رداء وحذاء وألحقها بالرجال، قال لأن حواء خلقت من ضلع آدم عليه السلام وأضلاع الرجال أقل من النساء …الحديث)، وطعن الأكثر في الخبر بجهالة رواته، وفيه أن الصدوق {قدس سره} روى ذلك في الفقيه عن محمد بن قيس بن أبي جعفر عليه السلام وطريقه إليه في المشيخة حسن، إلا ان في رواية الفقيه ان اضلاعها كانت سبعة عشر تسعة في اليمنى وثمانية في اليسار وهذا لا دخل له في الاستدلال، وروي في الفقيه أيضاً عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام {أن علياً عليه السلام كان يورث الخنثى فيعد أضلاعه، فإن كان أضلاعه ناقصة عن أضلاع النساء ضلع ورث ميراث الرجال، لأن الرجل تنقص أضلاعه عن أضلاع المرأة بضلع، لأن حواء خلقت من ضلع آدم …الحديث}، ورواه الشيخ المفيد في الارشاد عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام وحينئذ فيقوى مستند الشيخ المفيد والسيد المرتضى {رضي الله عنهما} ولم أر من تعرض للجمع بين هذين الدليلين من أصحابنا حيث انهم لم ينقلوا دليلاً للقول بعدّ الأضلاع إلا رواية الشيخ في التهذيب، ويردّونها بضعف الاسناد، ولا يبعد الجمع بينهما بحمل الأخبار السابقة على ما إذا مات ولم يعلم عدد الأضلاع، كما هو ظاهر تلك الأخبار وحمل هذه على ما إذا علم قبل موته.

(كيفية قسمة التركة):
(المقام الثاني) في كيفية قسمة التركة لو جامع الخنثى وارث آخر، قد عرفت مما تقدم في لمقام الأول أن الأقوال في ميراث الخنثى ثلاثة وهي القول بالقرعة والقول بعد الأضاع، وعلى هذين القولين فلا اشكال، إذ بالقرعة يخرج أحد الأمرين أما الذكورية أو الأنوثية، وكذلك عدّ الأضلاع، فإنه لا ينفك في الواقع عن التساوي أو الاختلاف، وبالأول يحكم بالأنوثية وبالثاني يحكم بالذكورية، إنما الاشكال على القول الثالث وهو اعطاؤه نصف النصيبين وللأصحاب فيه طريقان، ذهب كل منهما بعض:
(أحدهما) أن يعطى الخنثى نصف ميراث الذكر ونصف ميراث الأنثى، فإن اجتمع مع الخنثى ابن كان له أربعة، وللخنثى ثلاثة، ولو كان معه بنت فلها سهمان وله ثلاثة، ولو اجتمعا معه فكذلك للذكر أربعة وللأنثى اثنان وللخنثى ثلاثة، وتوضيحه أن يجعل للأنثى أقل عدد يكون له نصف وهو اثنان، فللذكر ضعف ذلك، وللخنثى نصف كل منهما، فالفريضة على الفرض الأول من سبعة، للخنثى ثلاثة وللذكر أربعة، وعلى الثاني من خمسة، للأنثى سهمان وللخنثى ثلاثة، وعلى الثالث تسعة حسبما تقدّم من التفصيل.
و(ثانيهما) أن تفرض الخنثى مرة ذكراً وأخرى أنثى وتقسّم الفريضة على كل منهما، وتعطى نصف النّصيبين، و(بيانه) انك إذا أقسمت الفريضة على تقدير الذكورية، ثم قسمتها مرّة أخرى على تقدير الأنوثية ثم نظرت إلى كل من الفريضتين، فإن تباينتا ضربت احداهما في الأخرى، وإنما تماثلتها اجتزيت بإحداهما، وإن تداخلتا اخذت بالأكثر، ثم تضرب ذلك في اثنين، ويعطى كل وارث من المجموع نصف ما حصل من الفرضين، فلو كان مع الخنثى ذكر، فعلى تقدير فرض الخنثى ذكراً تكون الفريضة من اثنين، وعلى تقدير فرضه انثى تكون الفريضة من ثلاثة، والفريضتان متباينتان، فتضرب احداهما في الأخرى، ثم المجتمع في اثنين يكون اثني عشر للخنثى على تقدير الذكورية ستة، وعلى تقدير الأنوثية أربعة، فيؤخذ نصفهما وهو خمسة، فلها حينئذ خمسة من اثني عشر، وللذكر سبعة لأنها نصف ما له على تقدير ذكورية الخنثى وهو ستة وما له على تقدير الأنوثية وهو ثمانية، ولو كان مع الخنثى أنثى، فالمسألة بحالها إلا أن للخنثى سبعة وللأنثى خمسة، فإنه على تقدير فرض الخنثى ذكراً فالفريضة من ثلاث، وعلى تقدير فرضه أنثى، فالفريضة من اثنين، فتضرب احداهما في الآخر لتباينهما ثم تضرب الجمع في اثنين يصيران اثني عشر، للخنثى على تقدير الذكورية ثمانية، وعلى تقدير الأنوثية ستة، فيؤخذ نصفها وهو سبعة للأنثى على تقدير ذكورية الخنثى أربعة، وعلى تقدير الأنوثية ستة، ومجموع النصف من كل منهما خمسة.
ولو اجتمع مع الخنثى ذكر وأنثى، فعلى تقدير فرض الخنثى ذكراً تكون الفريضة من خمسة، وعلى تقدير فرضها أنثى تكون الفريضة من أربعة، والنّسبة بين الفريضتين التباين، وتضرب احداهما في الأخرى تبلغ عشرين، ثم المجتمع في اثنين تبلغ أربعين، وللخنثى على تقدير الذكورية ستة عشر، وعلى تقدير الأنوثية عشرة، ومجموع نصفهما ثلاثة عشر، وللذكر على تقدير فرض ذكورية الخنثى ستة عشر، وعلى تقدير أنوثيته عشرون، ونصف ذلك ثمانية عشر، وللأنثى على تقدير فرض الذكورية ثمانية، وعلى تقدير فرض الأنوثية عشرة، ونصف كل ذلك تسعة، وقد تقرر أن للخنثى حينئذ ثلاثة عشر من أربعين، وللذكر ثمانية عشر، وللأنثى تسعة، وتختلف النسبة بين الطريقين في هذه الفروض.
أما على الفرض الأول فبموجب الطريق الأول للخنثى ثلاثة أسباع التركة وللذكر أربعة أسباعها، وبموجب الطريق الثاني ينقص نصيب الخنثى عن ثلاثة أسباع الاثني عشر أعني خمسة وسبعاً واحداً كما لا يخفى على المتأمّل.
وأما على الفرض الثاني فبموجب الطريق الأول للخنثى ثلث أخماس التركة وللأنثى خمسان، وعلى الطريق الثاني ينقص عنه خمس واحد من اثني عشر كما لا يخفى على المحاسب.
وأما على الفرض الثالث فبمقتضى الطريق الأول للخنثى ثلث التركة ثلاثة من تسعة، وللذكر أربعة اتساع التركة، وللأنثى تسعان، وعلى الطريق الثاني ينقص نصيب الخنثى من الثلث بثلث واحد كما يظهر بالنظر في ذلك.
ولو دخل في هذه الفروض أو غيرها أحد الزوجين صحّت الفريضة مع قطع النظر عنه، ثم ضرب الحاصل في مخرج نصيبه أعني الاثنين أو الأربع مع عدم الولد، والاربع والثمانية مع وجوده، فالحاصل من الضرب هو الفريضة حينئذ فعلى الفرض الأول من الطريق الأول وهو سبعة لو جامعهم زوج ضربت السبعة في نصيبه وهو أربعة يحصل ثمانية وعشرون، فللزوج منها الربع سبعة، ومن كان له منها شيء أخذه مضروباً في ثلاثة وهو ما نقص من مضروب الأربعة عن نصيب الزوج، فللخنثى تسعة فللذكر اثنا عشر، ولو جامعهم زوجة ضربت السبعة في مخرج نصيبها وهو ثمانية يحصل ستة وخمسون فللزوجة منها سبعة ومن له منها شيء أخذه مضروباً في سبعة، وهو ما نقص من مضروب الثمانية عن نصيب لزوجة وعلى الفرض الأول من الطريق الثاني فالفريضة اثنا عشر، فلو جامعهم زوج ضربت الاثني عشر في مخرج نصيبه وهو أربعة يحصل ثمانية وأربعون للزوج منه الربع اثنا عشر، ومن كان له منه شيء أخذه مضروباً في ثلاثة كما تقدّمو فللخنثى خمسة عشر، وللابن أحد وعشرون، ولو جامعهم زوجة ضربت الاثني عشر في مخرج نصيبها وهو ثمانية تبلغ ستة وتسعين، للزوجة منها اثنا عشر وكل من له شيء أخذه مضروباً في سبعة كما ذكرنا سابقاً فللخنثى خمسة وثلاثون وللابن تسعة وأربعون، وعلى هذ القياس في الفروض الباقية وغيرها على كل من الطريقين.

(ميراث الممسوخ):

(المقام الثالث) المشهور بين الأصحاب {رضوان الله عليهم} أن من ليس له فرج الرجال ولا فرج النساء، إن الحكم فيه بالقرعة، فإن خرج له سهم الرجل ورث ميراثه، وإن خرج سهم المرأة ورث ميراثها، ويدل عليه صحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: {سزلته عن مولود ليس له ما للرجال ولا ما للنساء؟ قال: يقرع الامام أو المقرع، يكتب على سهم عبدالله وعلى سهم أمة الله، ثم يقول الامام أو المقرع: اللهم أنت الله لا إله إلا أنت عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، فبين لنا أمر هذا المولود كيف يرث ما فرضت له في الكتاب، ثم يطرح السهمان في سهام مبهمة، ثم يحال السهام على ما خرج ويرث عليه}، ومثلها رواية تغلبة أيضاً.
ونقل عن ابن الجنيد عدم العمل بالقرعة، بل قال إذا بال نحى ببوله عند خروجه فهو ذكر وإن كان لا ينحى ببوله بل يبول على مباله فهو أنثى، وتدل عليه مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام {في مولود ليس له مما للرجال ولا له ما للنساء إلا ثقب يخرج منه البول، على أي ميراث يرث؟ قال: إن كان إذا بال نحى ببوله ورث ميراث الذكر، وإن كان لا ينحى بوله ورث ميراث الأنثى} ولم يعمل به أكثر الأصحاب لضعفه من حيث الارسال عن مقاومة الأخبار المعتبرة، وجمع الشيخ في الاستبصار بينه وبين أخبار القرعة بحملها على ما إذا لم يعلم بطريق من الطرق أنه إذا ذكر أم أنثى، قال: (فأما إذا أمكن معرفة ذلك بما تضمنته هذه المرسلة فلا يمنع العمل عليها، وإن كانالأخذ بالقرعة أحوط).

(ميراث ذي الرأسين في حقو واحد):

(المقام الرابع) من له رأسان وبدنان في حقو واحد، فالحكم فيه عند الأصحاب أنه يوقظ أحدهما إذا ناما، فرن انتبه الآخر أيضاً فهما واحد في الإرث وإلا فهما اثنان، والمستند فيه ما رواه المشايخ الثلاثة {طيب الله مضاجعهم} في كتبهم بأسانيدهم إلى حريز عن أبي عبدالله عليه السلام قال: {قال ولد على عهد أمير المؤمنين عليه السلام مولود له رأسان وصدران في حقو واحد، فسئل أمير المؤمنين عليه السلام يورث ميراث اثنين أو واحد؟ فقال: يترك حتى ينام، فيصاح به فإن انتبها جميعاً فله ميراث واحد، وإن انتبه واحد وبقى الآخر نائماً يورث ميراث اثنين}، قال بعض مشايخنا المتأخرين: وينبغي حمل الصياح على أن يكون بوجه يختص بإيقاظ أحدهما، كأن يصيح في أذنه، ولذا لم يذكر الأصحاب الصياح، بل قالوا يوقظ أحدهما (انتهى) وهو جيد.

(تذنيب):
لم أقف في كلام الأصحاب ولا شيد من الأخبار على تصريح صريح في بيان حكم الخنثى، وهو من ليس له ما للرجال ولا ماللنساء بالنّسبة إلى غير الميراث من العبادات والمعاملات من أن يكون تابعاً للميراث في علامة الذكورية والأنوثيّة أم لا، والذي يظهر لي أن الحكم كذلك، لأنه متى حكم الشارع له بميراث الذكر والأنثى لوجود شيء من نلك الامارات من قرعة أو نحوها، فهو فرع الحكم بذكوريته أو أنوثيته، وحينئذ فتلزمه أحكام الذكور أو الاناث في العبادات والمعاملات، كما تضمنته قضية المرأة التي حلق أمير المؤمنين عليه السلام رأسها واعطاها حذاء ورداء، وألحقها بالرجال لما اختلفت أضلاعها، فمثله ينبغي القول فيما لو خرجت القرعة بذلك فيما ورد فيه القرعة، وأولى منه في الخنثى الواضح، نعم يبقى الاشكال في الخنثى المشكل، بناء على المشهور من اعطائه نصف ميراث الذكر ونصف ميراث الأنثى وظاهر كلام جملة من الأصحاب التفصيل في من له رأسان وبدنان في حقو واحد في ما عدا الميراث من لعبادات والمعاملات، حيث حكموا في العبادات بالتعدد وقالوا انهما اثنان فيها، سواء انتبه أحدهما مع ايقاظ الآخر أم لا، فيجب عليه غسل أعضائه جميعاً ومسحها في الوضوء، وكذا في الغسل والتيمم والصوم والصلاة وغيرها من العبادات البدنية، أم الشهادة فيعتبر اتحاده فيها وتعدده بالايقاظ كما في الرواية، وفي النكاح واحد نظراً إلى الذكورية أو الأنوثية، وأما في العقد فاشكال، وكذا في الطلاق، وأما في البيع وكذا سائر العقود فاثنان على المشهور، وكذا في الجنايات فلا يقتص من أحدهما بجناية لآخر، هكذا ذكر، وأكثرها لا يخلو عن اشكال.

(فائدة):
روى المشايخ الثلاثة {نوّر الله ضرايحهم} عن البزنطي عن ابن جميلة، قال: (رأيت بفارس امرأة لها رأسان وصدران في حقو واحد متزوجة، تغار هذه على هذه وهذه على هذه) وقال في الكافي والتهذيب عن البزنطي، وحدث غيره أنه رأى رجلاً كذلك، وكانا حائكين يعملان جميعاً على حقو واحد.

(حكم تركة الميت مع الدين)

(المسألة الثالثة) في حكم تركة الميت إذا كان عليه دين:
المشهور بين الأصحاب ان من مات وخلف تركة وعليه دين يستوعبها، فإن التركة في حكم مال الميت ولا تنتقل إلى الوارث، وإن لم يستوعب فالفاضل عن الدين ينتقل إلى الوارث استناداً إلى قوله تعالى: }من بعد وصيّة يوصي بها أو دين{ ويدل على ذلك ظاهر صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبدالله عليه السلام قال: {قضى أمير المؤمنين عليه السلام في دية المقتول انه يرثها الورثة على كتاب الله تعالى إذا لم يكن على المقتول دين …الحديث} وذهب جماعة -منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك- رلى أن التركة تنتقل إلى الوارث، لكنه يمنع من التصرّف فيها إلا أن يوفي الدين أو يضمنه لاستحالة بقاء الملك بلا مالك، وهذا هو الأظهر عندي إذ متى فرض عدم ملك الوارث كما ذكروه والميت لا يقبل لملك، والديان لا يمكلكونها قبل قبضها اجماعاً، ولا مجال لاحتمال تعلق الملك بغير هؤلاء، فيلزم ما ذكرنا، وحينئذ يتعين ملك الوارث وإن كان التصرف فيها محجوراً عليه إلا مع الوفاء أو الضمان.
وقيده بعضهم برضا الديان كما هو المشهور في مسألة الضمان من اعتبار رضى المضمون له، وحينئذ يكون منع الوارث من التصرّف على الوجه المذكور من قبيل منع الراهن من التصرّف في الرهن حتى يفي ما عليه، وعلى هذا فتحمل الآية على الملك المستقر، بيعني ان الوارث لا يملك التركة ملكاً مستقراً يتصرّف فيه كيف شاء بعد اخراج الوصيّة والدين وهكذا الرواية.
أقول: ويدل على هذا القول ما رواه الكليني والشيخ {قدس سرهما} في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: {سألته عن رجل مات وترك عليه ديناً، وترك عبداً له مال في التجارة وولداً، وفي يد العبد مال ومتاع وعليه دين استدانه العبد في حياته وفي تجارته، وإن الورثة وغرماء الميت اقتسموا ما في يد العبد من المال والمتاع ورقبة العبد؟ فقال: أرى أن ليس للورثة سبيل على رقبة العبد ولا على ما في يده من المتاع والمال إلا أن يضمنوا دين الغرماء جميعاً، فيكون العبد وما في يده من المال للورثة، فإن أبوا كان العبد وما في يده للغرماء، يقوم العبد وما في يده من المال، ثم يقسم ذلك بينهم بالحصص، فإن عجز عن قيمة العبد وما في يده عن أموال الغرماء، رجعوا على الورثة فيما بقي لهم، إن كان الميت ترك شيئاً، وإن فضل من قيمة العبد وما كان في يده عن دين الغرماء رد على الورثة}، وهذه الروايةكما ترى صريحة الدلالة في القول الثاني، حيث انه عليه السلام نفى سبيل الورثة على العبد والمال، بمعنى عدم جواز التصرّف إلا بعد ضمان المال في ذمتهم والالتزام به، فإذا ضمنوا الدين جاز لهم التصرّف إلا بعد ضمان المال في ذمتهم والالتزام به، فإذا ضمنوا الدين جاز لهم التصرّف حسبما أرادوا، ولم أر أحداً من أصحابنا تعرّض لنقل هذه الرواية، مع انها كما ترى صريحة الدلالة واضحة المقالة، وبذلك يترجح القول الثاني، وتحمل أدلّة القول الأول على ما ذكرنا آنفاً، وظاهر الرواية أيضاً عدم اشتراط رضى المضمون له، كما هو أحد القولين، وعليه يدل بعض الأخبار أيضاً.
وتظهر فائدة الخلاف فيما نحن في نماء التركة بعد الموت وقيل أداء الدين، فعلى الأول يكون للديان، لأن النماء تابع للملك لهم، وعلى الثاني يكون ملكاً للوارث لعين ما ذكر قبل، ويتفرّع على ذلك زيضاً وجوب تسليم العين إلى الديان على الأول، من غير تسلط الوارث عليها، وتخيير الوارث بين أداء الدين منها أو من غيرها على الثاني، ولو لم يستوعب الدين التركة، ففي منعه من التصرف مطلقاً أو في ما قابل الدين خاصة وجهان: اجودهما -كما استجوده في المسالك أيضاً الثاني، قال فيه لكن يوكن التصرّف مراعى بوفاء الباقي بالدين.

(ميراث الحمل):

(المسألة الرابعة) في ميراث الحمل وارثه مشروط بأمرين:
(أحدهما) وجوده عند موت الموروث ولو نطفة، ويعلم إما بولادتها له دون ستة أشهر من الموت حياً كاملاً، فإنه مما يقطع بوجوده وقت الموت ألبتة، أو بمضي أقصى الحمل فما دون، ولم توطأ في تلك المدّة وطأ يصح استناده إليه فإنه يحكم بوجوده شرعاً.
و(ثانيهما) أن ينفصل حياً فلو انفصل ميتاً لم يورث، وإن كان قد تحرّك سابقاً في البطن، إذ هو في حكم العدم، وكذا لو مات قبل تمام الانفصال، إذ الشرط خروجه حياً؛ كما يفهم من الأخبار، وتعلم الحياة بعد الولادة باستهلاله أو عطاسه أو التثاؤب أو امتصاص الثدي ونحوها من الحركات الدالة على كونه حي، دون حركة التقلّص والاختلاج، ويدل على ما ذكرنا من الأخبار صحيحة ربعي قال: {سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول في السقط إذا سقط من بطن أمه، فتحرّك تحركاً بيناً، يرث ويورث، فإنه ربما كام أخرس}، وموثق أبي بصير قال: {قال أبو عبدالله عليه السلام قال أبي: إذا تحرّك المولود تحركاً بيناً فإنه يرث ويورث، فإنه ربما كان أخرس}، وبمضمونها أخبار عديدة ولفظ السقوط في الرواية الأولى مما يدل على الانفصال بتمامه، واتصافه بالحياة كذلك، وقوله تحركاً بيناً فيه دلالة على ما قلنا من عدم الاكتفاء بحركة مثل التقلّص.
وأما ما ورد في جملة من الزخبار من انه لا يرث حتى يصيح ويسمع صوته فالظاهر حمله على التقيّة كما يشعر به بعضها، وهل يشترط فيه استقرار الحياة بمعنى أن يولد وله حياة مستقرّة، بحيث يمكن أن يعيش، فلا يعتبر بحياته لو سقط بجناية جان، وتحرك حركة المذبوح، ثم مات أم لا؟ قولان: الأكثر العدم، ويؤيده اطلاق الأخبار، وظاهر المحقق في الشرائع في آخر كتاب الميراث اشتراط الاستقرار فلا يجزي مثل حركة المذبوح، وجملة من أصحابنا قد عدوا الحمل في جملة موانع الارث، بمعنى إن بقاءه في البطن مانع له من الارث حتى يخرج حياً، والحمل كما يحجب الولد عن الارث يحجب أيضاً غيره، ممن هو دونه في الطبقة حتى يستبين أمره، كما لو كان للميت امرأة حامل، وله اخوة فيترك الارث حتى تضع، نعم لو طلبت الزوجة حقّها اعطيت النّصيب الأقل لأنه المتيقن بخلاف الأخوة، ولو كان ثمة أبوان أعطيا السدسين أو أولاد ارتجى من التركة للحمل بينهم ذكرين، لندور الزوائد، وبعد انكشاف الحال بالولادة يستدرك جميع ذلك بزيادة أو نقصان.

(ميراث ولد الزنا):

(المسألة الخامسة) في ميراث ابن الزنا:
المشهور بين الأصحاب أن من تولد من الزنا من الطرفين إنما يرثه ولده واحد الزوجين دون الأبوين ومن يتقرب بهما، لانتفائه شرعاً من زبويه، فلا يرثانه هما، ولا من يتقرّب بهما، ولا يرثهم، ولو اختص الزنا بأحد الطرفين دون الآخر بأن كان بشبهة انتفى التوارث بينه وبين الزاني منهما خاصّة، ووقع التوارث بينه وبين الآخر، لكونه ابناً شرعياً بالنّسبة إليه، وكذا من يتقرّب به مع عدم الولد وأحد الزوجين؛ فميراثه لضامن الجريرة، وإلا فالامام عليه السلام ومستند هذا الحكم أخبار عديدة:
(منها) صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: {سألته فقلت: جعلت فداك كم دية ولد الزنا -إلى أن قال- قلت فإنّه مات وله مال، من يرثه؟، قال: الإمام}، ورواية الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: {أيما رجل وقع على وليدة قوم حرام ثم اشتراها فادّعى ولدها، فإنه لا يورث منه شيء، فإن رسول الله| قال الولد للفراش وللعاهر الحجر}، ومثلها مكاتبة محمد بن الحسن القمّي، وذهب الصدوق والتقي الحلي وابن الجنيد إلى أن ابن الزنا ترثه امه واخوته منها وعصبتها كابن الملاعنة، استنادا إلى رواية اسحق بن عمّار عن جعفر عن أبيه عليه السلام أن علياً عليه السلام كان يقول: {ولد الزنا وابن الملاعنة ترثه أمّه واخوته لأمه أو عصبتها} ومقطوعة يونس، قال: {ميراث ولد الزنا لقرابته من قبل أمه على نحو ميراث ابن الملاعنة}، والظاهر ترجيح الأول لصحة دليله واعتضاده بموافقة الأصول، لقيام الأدلة على انحصار موجبات الارث في السبب والنّسب، والثاني منتف نصاً واجماعاً، والأول محصور في مواضع ليس هنا منها، وحمل الشيخ الرواية الأولى على وهم الراوي، وهو بعيد، والثانية ردها بالوقف، وربما حملتا على كون الزنا من جهة الرجل دون المرأة، بل هو من جهتها شبهة وهو بعيد، إذ ليس فرض المسألة في واقعه مخصوصة، بل ظاهر الخبرين ان ذلك حكم كلي.

(ميراث المفقود):

(المسألة السادسة) في ميراث المفقود.
وقد اختلف الأصحاب {رضوان الله عليهم} في ذلك على أقوال أربعة:
(أحدها) وهو المشهور انه ينتظر بعد مدّة لا يعيش إليها عادة ولم يقدر أكثرهم تلك امدة بحد معين، قيل لأن ذلك مما يختلف باختلاف الأزمان والأصقاع، وربما قدرها بعضهم بمائة وعشرين سنة، ومال في المسالك بعد نقل ذلك إلى الاكتفاء بما دونها في زماننا، قال: (فإن بلوغ العمر الآن مائة سنة على خلاف العادة، وهي الحكمة عندهم في ذلك لا الامكان لأنه يتحقق بما هو أضعاف ذلك …انتهى)، ولم نقف لهذا القول على دليل من الأخبار كما اعترف بذلك جملة ممن ذهب إليه، وإنما استندوا في ذلك إلى التمسك بالأصل من بقاء الحياة إلى أن يقطع بالموت، وعدم جواز التصرّف في مال الغير إلا على وجه شرعي ولا وجه هنا، فيصبر حتى ييأس من حياته فيحكم الشرع بموته، قالوا ويرد على هذا القول انه لا يشترط حكم الحاكم بموته، بل يكفي مضي تلك المدة من حين ولادته فيحكم حينئذ بموته، ويقسم ميراثه وتعتد زوجته، ولو مات له قريب قبل الحكم بموته عزل نصيبه من ميراثه أو كان بحكم ماله.
(الثاني) وهو مذهب الصدوق والمرتضى مدعيا عليه الاجماع أن يطلب في الأرض أربع سنين فإن لم يوجد له خبر قسم ماله واعتدت زوجته وإليه ذهب أبو الصلاح وقواه في الدروس، واستوجهه في المسالك، إلا انه اختار الأول، وإليه مال المحدث الكاشاني في المفاتيح ويدل عليه موثقة سماعة عن أبي عبدالله عليه السلام قال: {المفقود يحبس ماله على الورثة قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين، فإن لم يقدر عليه قسم اله وميراثه}، وموثقة اسحق بن عمار قال: {قال لي أبو الحسن عليه السلام المفقود يتربّص بماله أربع سنين ثم يقسم}، ويؤيده أيضاً الأخبار المتعددة الواردة في حكم الزوجة من التربّص أربع سنين، ليطلب فيها ثم يعتد بها، والحكم فيها اتفاقي عندهم، فإذا كان التفحص على هذا الوجه مقتضياً لاعتداد الزوجة وجواز تزويجها بعد ذلك، مع ان عصمة الفرج أشد وأهم في نظر الشارع فليجر في قسمة المال بطريق أولى، ورد شيخنا الشهيد الثاني ذلك في المسالك بالفرق بين الزوجة وغيرها، لاختصاص النص بالزوجة فلا يتعدّى إلى الميراث وقوفاً فيما خالف الأصل على مورده، فيتوقف ميراثه وما يترتب عليه على مضي مدة لا يعيش إليها عادة، ولأن الغرض دفع الضرر عن المرأة بصبرها دون غيرها من الوراث، وان للمرأة الخروج عن النكاح بالجب لفوات الاستمتاع وبالاعسار بالنفقة على قول لفوات المال، وان تخرج خنا -وقد اجتمع الضرران- أولى، وانها لو صبرت بقيت الزوجية فزوالها على تقدير عدمه لدفع الضرر خاصة، فتقييده بمورده مردود:
(أولاً) بأن النص كما دل على حكم الزوجة بما ذكر بعد تلك المدة دل أيضاً على حكم الميراث كذلك كما تضمنته تلك الموثقتان المتقدمتان، فكما خرج ذلك عن حريم الأصل فكذلك هنا، إلا ان هذا لا يوافق مذاقه من عده الموثق في قسم الضعيف وترجيح الأصل عليه، كما هي قاعدته التي بني عليها في غير موضع.
و(ثانياً) انه كما يكون الحكم في الاعتداد بعد تلك المدة دفع الضرر عن الزوجة فيجوز أن يكون الحكم أيضاً في قسمة الميراث دفع الضرر عن الوارث، بعين ما قاله في الاعسار بالنفقة، وإن كان أحد الضررين أشد، وأشدية الضرر عليها دون الوارث مقابل بمطلوبية الشارع العصمة في الفروج زيادة على الأموال.
و(بالجملة) فالأصل في ذلك هو النص، وهذه التوجيهات إنما هي لبيان الحكمة فيه لا علل مؤسسة، وحيث كان النص فيما ندعيه موجوداً صح البناء وجاز توجيهه بما ذكرنا.
(الثالث) مذهب ابن الجنيد وهو القول بما ذهب إليه الصدوق والسيد (فيمن فقد في عسكر شهدت هزيمته، وقتل من كان فيه أو أكثرهم، والقول بانتظار عشر سنين في من لا يعرف مكانه في غيبته ولا خبر له) ولم يصرح بشرط الطلب والفحص في شيء من الموضعين، ولم نقف لهذا التفصيل على دليل والموجود عندنا من الأخبار لا ينطبق عليه، فإن الموثقتين المتقدمتين الدالتين على التقيّد بأربع سنين لا اشعار فيها بالتخصيص بمن فقد في عسكر كما ذكره، والدال على الانتظار عشر سنين، وفي صحيحة علي بن مهزيار الآتية موردها العقار خاصّة، مع ما في الدلالة من المناقشة كما يأتي.
(الرابع) مذهب الشيخ المفيد وهو الانتظار عشر سنين في بيع عقاره، ومع ذلك يكون البائع ضامناً درك الثمن، فإن رجع المفقود خرج إليه من حقه، وأما في سائر أمواله فذهب إلى جواز اقتسام الورثة لها، بشرط ملاءنهم وضمانهم له على تقدير ظهوره، واستندل عليه بالنسبة إلى الأول بصحيحة علي بن مهزيار، قال: {سألت أبا جعفر عليه السلام عن دار كانت لامرأة وكان لها ابن فغاب الابن في البحر وماتت المرأة، فادعت ابنتها ان امها كانت قد صيرت هذه الدار لها، وباعت شفصاً منها، وبقيت في الدار قطعة إلى جنب دار رجل من أصحابنا، وهو يكره أن يشتريها لغيبة الابن، وما يتخوف أن لا يحل شراؤها، وليس يعرف للابن خبر، فقال ومنذ كم غاب؟، قلت: سنين كثيرة، قال: ينتظر به غيبته عشر سنين ثم يشتري، فقلت: إذا انتظر به غيبة عشر سنين يحل شراؤها؟ قال: نعم}، وطعن في المسالك هذه الرواية بضعف السند، وهو بناء على نقله لها من الكافي، حيث ان في طريقها سهل بن زياد وإلا فهي في التهذيب صحيحة، لأنه رواها عن علي بن مهزيار وطريقه إليه في المشيخة صحيح، ويدل عليه بالنّسبة إلى الثاني موثقة اسحق ابن عمار، قال: {سألته عن رجل كان له ولد، فغاب بعض ولده، فلم يدر أين هو، ومات الرجل كيف يصنع بميراث الغائب عن أبيه؟ قال: يعزل حتى يجيء، قات: فقد الرجل فلم يجيء، قال: إن كان ورثة الرجل ملاء اقتسموا بينهم، فإذا جاء ردوه عليه}، وهذه الرواية وإن كانت مضمرة في التهذيب إلا انه صرح في الفقيه بكون المروي عنه الكاظم عليه السلام ، وفي الاستدلال بصحيحة علي بن مهزيار في هذا المقام نظر، نبه عليه جملة من علمائنا الأعلام، منهم شيخنا الشهيد الثاني {ره} في المسالك، حيث قال بعد قول المصنف: (إن الاستدلال بهذه الرواية تيف ما لفظه، وجه النسف أنه يستلزم تسويفه عليه السلام بيع القطعة من الدار بعد العشرة الحكم بموته حينئذ، فإن الغائب يمكن للحاكم أن يبيع ماله للمصلحة، فكيف بالإمام؟ مع ان الرواية تضمنت ان بائع الدار ادعى كونه ملكاً، ولم يحصل له منازع هذه المدة الطويلة، فجاز كون تسويغ البيع لذلك وإن بقى الغائب على حجته.
أقول: ويؤيد ذلك أن المرأة باعت اشقاصاً من الدار ولم ينكر الامام عليه السلام عليه ذلك، و(بالجملة) فتصرف المرأة البائعة بمقتضى القواعد الشرعية صحيح لأنها قد ادعت الملكية ولا منازع لها، مؤيداً بعدم انكار ما فعلته من بيع تلك السهام.
و(أما الرواية الثانية) فهي في التحقيق غير دالة على كون ما اقتسموه ميراثاً، إذ لو كان كذلك لما كان لردّه بعد مجيئ المفقود وجه، إذ قضية جعله ميراثاً الحكم بموته شرعاً، كما في اعتداد الزوجة، وبموجب ذلك فلا يرد عليه لو رجع، كما لا ترد إليه الزوجة لو جاء بعد خروجها من العدة، وتزويجها اجماعاً أو قبل التزويج على الأشهر الأظهر، وحينئذ فيمكن حملها على أن ذلك على جهة الاستصلاح منه عليه السلام والذي يقرب عندي -وإن كان خلاف ما فهمته ممن وقفت على كلامه من أصحابنا- ان المراد بالرجل أخيراً في قوله: {إن كان ورثة الرجل} الرجل الميت المسؤول عنه في صدر الرواية وهو الأب، يعني ان ورثة الأب مع فقد الابن يقتسمون حصته في جملة الميراث، ويكون ديناً عليهم فإن رجع أدوها رليه وإلا كان حكمها حكم مجهول المالك، فإن كثيراً من الأخبار دلت على أن المال المجهول المالك كسبيل مال من هو في يده، فإذا جاء صاحبه رجعه إليه، وإن حدث به أو أصابه، وربما يستأنس لذلك بالاتيان بالزجل مظهراً دون الضمير، بعد معلومية الورثة للابن في الخبر، فيحتمل ان لا ورثة له بالمرة، بخلاف الأب فإن ورثته معلومون من الخبر (وبالجملة) فإن لم يكن هذا الاحتمال أظهر فلا أقل من المساواة المبطلة للاستدلال.
وقد ظهر لك مما حققناه أن القولين الأخيرين لا مستند لهما، وأما الأول فغاية ما اعتمدوا فيه على الأصل، وقد قرروا في غير موضع أن الأصل يخرج عنه الدليل، وهو هنا موجود لما عرفت من صراحة تلك الموثقتين، وكذا ما قالوه من قبح التصرف فهو مخصوص بذلك، وبالجملة فالأظهر هو القول الثاني.

(تنبيه):
ذهب بعض مشايخنا المعاصرين إلى أن من حصل العلم العادي بعدم حياته فإنه يجوز نكاح زوجته وإن لم ترفع أمرها إلى الحاكم، ومثله يأتي أيضاً في قسمة ماله، قال: (لأن المفقودين في مثل البحر مع كثرة المترددين من السواحل المحيط بموضع الغرق، يحصل العمل من جاري العادة بهلاكهم كما هو واضح، وهو أقوى من العلم بالشاهدين وكذا المفقود في المفاوز في شدة الحر والبرد مع إحاطة الأودان بالاطراف، ولم يأت مخبر عنه فيها مع كثرة المترددين، وكذا المفقود في المعارك العظام، ولا يحتاج فيها إلى التأجيل إلى أربع سنوات ليفحص فيها عن حاله في الأطراف، لأن ذلك إنما هو في المفقود لا كذلك، وأما هنا فيكفي في مثل حصول المترددين في الأطراف التي تظن بجاري العادة انه لو كان حياً لكان فيها، وأتى بخبره المترددون، وحيث لم يأت له خبر علم هلاكه …انتهى)، وهو عندي قوي متين، وإن كان خلاف المفهوم من كلام الأصحاب حيث عمموا الحكم في هذا الباب، ومما يؤيده ما قاله {قدس سره} ألفاظ الأخبار الواردة في المسأة حيث تضمنت أنه يكتب إلى الصقع الذي فقد فيه، كما في صحيحة يزيد، ويبعث الوالي ويكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها، كما في حسنة الحلبي، وهذا إنما ينطبق على من سافر إلى ناحية أو بلد ثم لم يأت عنه خبر بموت ولا حياة، وأما من فقد على أحد هذه الوجوه وليس ثمة بلد ولا صقع يمكن الحياة فيه، ولا أحد يكتب إليه، فإنه يكفي في الحكم بموته حصول المترددين من تلك الأطراف المحيطة التي يعلم بجاري العادة أنه لو كان حياً لكان فيها، وإلا أتى بخبره المترددون إليها.

(ميراث المرتد):

(المسألة السابعة) في ميراث المرتد، وهو إما فطري وأحد أبويه مسلم أو ملي وهو على خلافه، وعلى كل منهما فرما أن يكون رجلاً أو امرأة، والحكم في هذه المسألة مختص بالرجل المرتد عن فطرة دون المرأة، فإن حكمها أن تحبس وتضرب أوقات الصلاة إلى أن تتوب أو تموت، فطرية كانت أو مليّة دون الرجل الملي فإنه يستتاب فإن تاب قبلت توبته وإلا قتل، ولا يقسم ماله حتى يقتل بخلاف الفطري وهو محل البحيث، فإنه بمجرد الارتداد وإن تاب يجب قتله، ويقسّم ماله على ورثته، وتعتد زوجته عدة الوفاة ولو تعذّر قتله لتغلّب أو هرب فلا تسقط الأحكام الباقية، إذ لا ترتب لها على القتل، والظاهر قبول توبته لو تاب فيما بينه وبين الله تعالى، ولكن لا تسقط عنه الأحكام المذكورة، ويدل على ذلك الأخبار المستفيضة:
(منها) صحيحة محمد بن مسلم قال: {سألت أبا جعفر عليه السلام عن المرتد؟ فقال: من رغب عن الاسلام وكفر بما أنزل على محمد| بعد اسلامه فلا توبة له، وقد وجب قتله وبانت امرأته ويقسم ما ترك على ولده}.
وموثقة عمار الساباطي قال: {سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول كل مسلم بين المسلمين ارتد عن الاسلام، وجحد محمداً| وكذبه، فإن دمه مباح لكل من سمع ذلك منه فلا تقربه، وامرأته بائنة منه يوم ارتد، ويقسم ماله على ورثته وتعتد امرأته عدة المتوفي عنها زوجها، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه}.
وروى الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه {إنه كتب عامل أمير المؤمنين عليه السلام إليه اني اصيب قوماً من المسلمين زنادقة، وقوماً من النصارى زنادقة، فكتب إليه إما من كان من المسلمين ولد على الفطرة ثم تزندق فاضرب عنقه ولا تستتبه، ومن لم يولد على الفطرة فاستتبه، فإن تاب وإلا فاضرب عنقه، وإما النّصارى فما هم عليه أعظم من الزندقة}، وفي حسنة الحسن بن محبوب: {والمرأة إذا ارتدت عن الاسلام استتيبت، فإن تابت ورجعت وإلا خلدت في السجن وضيق عليها في حبسها} إلى غير ذلك من الأخبار، والرواية الأولى وإن كانت مطلقة بالنّسبة إلى الفطري والملّي إلا انها محمولة على الفطري بقرينة الأخبار التي بعدها وغيرها أيضاً.

(حكم الدية):

(المسألة الثامنة) في حكم الدية:
قد اختلف كلام الأصحاب فيها على أقوال:
(الأول) انها في حكم مال المقتول، فيقضى منها دينه، وتنفذ منها وصاياه ويرثها الورثة كغيرها من سائر أمواله.
(الثاني) انها تصرف في الدين المتأخر استحقاقه عن الحياة التي هي شرط الملك، والدين كان متعلقاً بالذمّة حال الحياة وبالمال بعدها، والميت لا يملك بعد وفاته، وهو اجتهاد في مقابلة النص كما ستسمع، ومن ثم نسب جماعة من أصحابنا إلى الشذوذ.
(الثالث) الفرق بين دية الخطأ ودية العمد رذا رضي الوارث بها، قال لأن العمد إنما يوجب القصاص، وهو حق الوارث، فإذا رضي بالدية كانت عوضاً عنه، فكانت أبعد من استحقاق الميت من دية الخطأ.
(الرابع) لنه يرثها من عدا المتقرب بالأم خاصة من المتقرب بالأبوين أو الأب وحده.
(الخامس) اضافة المتقرب بالأب خاصة إلى المتقرب بالأم، وتخصيص الإرث بالمتقرّب بالأبوين.
ويدل على القول الأول عموم آيات الإرث وأخباره، وخصوص رواية اسحاق بن عمّار عن أبي جعفر عليه السلام ان رسول الله| قال: {إذا قبلت الدية، فصارت مالاً، فهي ميراث كسائر الأموال}، وما رواه أبو عمرو العبدي عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث قال: {الدية تقسّم على من أحرز الميراث}.
وأما القول الثاني والثالث فدليلهما ما عرفت من مجرد الاعتبارات المحضة والتخريجات الصرفة، ويدفعها ما رواه الكليني في الصحيح عن يحيى الأزرق عن أبي الحسن عليه السلام في {رجل قتل وعليه دين، ولم يترك مالاً فأخذ أهله الدية من قاتله أعليهم أن يقضوا الدين؟ قال: نعم، قال: قلت وهو لم يترك شيئاً؟ قال: إنما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا دينه}، وموثقته أيضاً عنه عليه السلام قال: {سألته عن رجل قتل وعليه دين وأخذوا أولياؤه الدية يقضي دينه؟ قال: نعم إنما أخذوا ديته}، ومثلهما أيضاً روايته عن أبي عبدالله عليه السلام ورواية عبدالحميد بن سعيد عن الرضا عليه السلام وهذه الروايات شاملة باطلاقها لما لو كانت الدية عن خطأ أو عمد.
وأما القول الرابع فتدل عليه صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبدالله عليه السلام قال: {قضى أمير المؤمنين عليه السلام في دية المقتول أنه يرثها الورثة على كتاب الله وسهامهم إذا لم يكن على المقتول دين إلا الاخوة والأخوات من الأم فإنهم لا يرثون من ديته شيئاً}، ومثلها صحيحة عبدالله بن سنان وصحيحة محمد بن قيس أو موثقته، وموثقة عبيد بن زرارة ورواية أبي البقباق، وحينئذ فالظاهر تقييد العمومات الدالة على القول الأول والروايتين المذكورتين ثمة بهذه الأخبار، ولكن مورد هذه الأخبار كلها اختصاص الحرمان بالاخوة والأخوات كما تضمنته صحيحة سليمان المذكورة، والمدعى أعم من ذلك وكذا استوجه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك قصر الحرمان على مورد النص، قال: (فلو قيل بقصر الحكم فيها على مورد النص كان وجهاً …انتهى)، ولعل مستند من ذهب إلى العموم واستدل بهذه الأخبار الخاصّة كما عرفت دخول ما عدا الاخوة فيها بطريق أولى.
وأما القول الخامس فلم نقف له على مستند مع دلالة صحيحة سليمان ابن خالد وما بعدها، وما هو في معناها على خلافه، حيث لم يستثن فيها إلا الاخوة من الأم خاصة، ومن ذلك ظهر أن الأظهر القول الرابع مع الاختصاص بمورد النص.

(ميراث المشكوك فيه):

(المسألة التاسعة) في ميراث المشكوك فيه:
والكلام يقع فيها في موضعين:
(أحدهما) المشهور بين الأصحاب أنه لا توارث بين الولد المشكوك فيه وبين أبيه، فلو وطأ الزوج أو المولى زوجته أو أمته، ووطأها الأجنبي أيضاً في طهر واحد فولدت المرأة لم يثبت التوارث بينهما، بل يستحب للأب حينئذ أن ينفق عليه مدة حياته، وأن يعزل له قسطاً من ميراثه قدر ما يتقوى به ويعيش، ولو مات الولد لم يرثه الأب ولا الأم وإنما يرثه أحد الزوجين والولد وهو قول الشيخ في النهاية، ونسب إلى الأكثر.
وتدل عليه صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: {إن رجلاً من الأنصار أتى أبي، فقال: له إني ابتليت بأمر عظيم، إني وقعت على جاريتي ثم خرجت في بعض حوائجي، فانصرفت من الطريق فأصبت غلامي بين رجلي الجارية فاعتزلتها فحبلت، ثم وضعت جارية لعدة تسعة أشهر، فقال له أبو جعفر عليه السلام : لا ينبغي لك أن تقربها، ولا تبيعها وأنفق عليها حتى تموت أو يجعل الله لها مخرجاً، فإن حدث بك حدث فأوص أن ينفق عليها من مالك حتى يجعل الله لها مخرجاً}، وفي رواية حريز عن أبي عبدالله عليه السلام في جارية كذلك قال: {إذا ولدت امسك الولد ولا تبعه، ويجعل له نصيباً من داره{، وبمضمونها أخبار أخر.
ورد في المسالك هذا القول بمخالفته للقواعد الشرعية والأخبار المتفق عليها من أن الولد للفراش وهو وارد في روايات صحيحة:
(فمنها) صحيحة سعيد الزعرج عن أبي عبدالله عليه السلام قال: {سألته عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد، لمن يكون الولد؟ قال: الذي عنده لقوله| الولد للفراش وللعاهر الحجر} وبمضمونها أخبار عديدة، والمسألة لذلك لا تخلو من اشكال، وإن كان القول الثاني لا يخلو من قوة.
و(ثانيهما) من كانت له أمة قد وطزها الشركاء في طهر واحد، فإنه يقرع بينهم فمن خرج اسمه الحق الولد به وتوارثا، وتدل على ذلك أخبار عديدة:
(منها) صحيحة سليمان بن خالد وحسنة أبي بصير وغيرهما.

(ختام)
ختام به إتمام حساب الرائض الذي هو في هذا الباب من أعظم المهام، وفيه فوائد:
(الأولى) كل عدد إذا نسب رلى آخر فإما أن يكون متساويين كثلاثة وثلاثة ويقال لهما المتمثلان أيضاً، أو مختلفين وحينئذ فرنا أن يعد الأقل الأكثر بمعنى أنه يفنى اأكثر باسقاط الأقل منه مرة بعد أخرى أولاً.
و(الأول) المتداخلان، لدخول أحدهما في الآخر كالثلاثة مع التسعة، والأربعة مع الاثني عشر، وطريق استعلام كون العددين متداخلين أن يسقط الأقل من الأكثر مرة بعد أخرى أو يزاد على الأقل مثله مرّة بعد أخرى، فإ أفنى الأكثر أو ساوى الأقل الأكثر فهما متداخلان.
و(الثاني) وهو ما لا يعد الأقل الأكثر لا يخلو إما أن يعدهما غير الواحد من الأعداد، أي يفنيهما جميعاً بالاسقاط مرة بعد أخرى أو لا يفنيهما إلا الواحد.
(فالأول) المتوافقان كالعشرة والستة، فإنه يفنيهما الاثنان والستة والثمانية كذلك، والستة والتسعة يفنيهما الثلاثة والعشرة والخمسة عشر يفنيهما الخمسة، وقد يتعدد المفني لهما كما في اثني عشر وثمانية عشر، فإنه يفنيهما الستة والثلاة والاثنين فتوافقهما بالسدس والثلث والنصف، لكن المعتبر عندهم أقلها جزء لأنه أقل للفريضة وأسهل في الحساب، وهو هذا السدس وكالعشرين والثلاثين فإنه يفنيهما العشرة والخمسة والاثنان، فتوافقهما بالعشر والخمس والنصف والمعتبر العشر لما قلنا.
(والثاني) المتباينان: كثلاثة وخمسة وثلاثة وسبعة، وطريق استعلام كون العددين متوافقين أم لا أن تسقط الأقل من الأكثر ما أمكن، فما بقي فأسقطه من الأقل، فإن بقي منه شيء فأسقطه مما بقي من الأكثر، ولا تزال تفعل ذلك حتى يفنى العدد المنقوص منه أخيراً فرن فني بواحد فلا موافقة بينهما بل هما متباينان، وإن فني بعدد فهما متوافقان بالجزء المأخوذ من ذلك العدد، فإن فني باثنين فهما متوفقان بالنثف أو بثلاثة فالتوافق بالثلث، أو أربعة فبالربع، وهكذا وقد يترامى إلى جزء من أحد عشر فصاعداً، (مثاله) أحد وعشرون وتسعة وأربعون، تسقط الأقل من الأكثر مرتين، تبقى سبعة، تسقط السبعة من الأحد والعشرين تفنيهما فهما متوافقان بالسبع، وكعشرة وستة تسقط الستة من العشرة تبقى أربعة، تسقط الأربعة من الستة تبقى اثنان، وهما يفنيان الأربعة باسقاطهما مرتين فالتوافق بالنصف، وكمائة وعشرين ومائة وخمسة وستين تسقط الأقل من الأكثر تبقى خمسة وأربعون تسقطها من المائة وعشرين، تبقى ثلاثون تسقطها من الخمسة وأربعين تبقى خمسة عشر تسقطها من الثلاثين مرتين تفنيهما والتوافق هنا بجزء من خمسة.
إذا عرفت ذلك فقد اتضح لك أن المتماثلين هما المتساويان قدراً، والمتداخللان هما اللذان إذا اسقط أقلهما من الأكثر مرة أو مراراً أفناه، وبعبارة أخرى زيد على الأق منهما مثله مرة أو مراراً ساوى الأكثر، والمتوافقان هما اللذان لا يعد أقلهما الأكثر ويعدهما غير الواحد ويلزمهما أنه لو أسقط الأقل من الأكثر مرة أو مراراً بقي أكثر من واحد، والمتباينان هما اللذان إذا أسقط أقلهما من الأكثر مرة أو مراراً بقي واحد، ولا يعدهما سوى الواحد.
(الثانية) مخارج الفروض ستة، وهي المتقدمة في أول المقدمة، ولكنها هنا ترجع إلى خمسة لاجتماع الثلث والثلين في مخرج واحد وهو الثلاثة.
والمراد بالمخرج أقل عدد يخرج منه ذلك الجزء صحيحاً كالنصف فإنه يخرج صحيحاً من اثنين لأن نصفهما واحد، فمخرج النصف من اثنين، والثلث والثلثين من ثلاثة والربع من أربعة، والسدس من ستة، والثمن من ثمانية، وحينئذ فإما أن يقع في المسألة واحد منها أو اثنان فصاعداً، أو لا يقع منهما شيء، وعلى الأول فالمخرج المأخوذ منه ذلك الكسر هو أصل المسألة، كما لو اجتمع الزوج مع المرتبة الثانية، فإن أصل الفريضة اثنان الذي هو مخرج النصف حصة الزوج فللزوج منهما واحد، والواحد الآخر ان انقسم على الباقين، وإلا عملت به ما يأتي إلى أن تصبح الفريضة من عدد ينتهي إليه الحساب، وهكذا لو اجتمع فيها نصفان اشتملت على ثلث أو ثلثين وعلى هذا القياس، وعلى الثاني فرن خرج الكسران من مخرج واحد كالثلث والثلثين من الثلاثة فالثلاثة أصل المسألة، وإن كان مختلفي المخرج فلابد من النظر فيهما، فإن كانا متداخلين كالثمانية مخرج فريضة الزوجة وهي الثمن، والاثنين مخرج فريضة البنت وهو النصف، وكما إذا اجتمع أحد الزبوين والبنت، فأكثر المخرجين كالثمانية في الفرض الأول، والستة في الفرض الثاني هو أصل المسألة وإنا كانا متوافقين كالستة مخرج فريضة الواحد من كلالة الأم، والأربعة مخرج فريضة الزوجة، فتضرب وفق أحد المخرجين في جمع الآخر، فالتوافق هنا بالنصف وفق الأربعة اثنان، ووفق الستة ثلاثة، وأيهما ضربت في جميع الآخر يجعل اثني عشر وهو أصل المسألة، ولو اجتمع الثمن والسدس كزوجة وأحد الأبوين مع ابن فالثمن مخرجه الثمانية، والسدس مخرجه الستة، وبينهما توافق بالنصف، فتضرب نصف أحدهما في مجموع الآخر يحصل أربعة وعشرون، وهي أصل الفريضة، وهكذا وإن كانا متباينين كأربعة وثلاثة فيما إذا اجتمع زوجة لها الربع وأم لها الثلث، وكثمانية وثلاثة فيما إذا اجتمع زوجة لها الثمن وبنتان لهما الثلثان فتضرب أحد المخرجين في الآخر وحاصل الضرب هو أصل المسألة، ففي الفرض الأول تضرب الأربعة في الثلاثة يحصل اثني عشر، وفي الثاني تضرب ثمانية في ثلاثة يحصل أربعة وعشرون، وعلى هذا القياس، وعلى الثالث يجعل المال على عدد رؤوس الورثة مع التساوي، كأربعة أولاد ذكور وإن اختلفوا بالذكورة والأنوثة فلكل ذكر سهمانو رلكل أنثى سهم، فما اجتمع فهو أصل الفريضة.
(الثالثة) إما أن تكون موافقة للسهام التي هي حصص الوارث أو تكون زائدة عليها أو ناقصة عنها، فعلى الأول فإما أن تنقسم من غير كسر أو لا، وعلى تقديم عدم الانقسام إلا بكسر، فرما أن يكون المنكسر عليه فريق واحد زو أيد، وعلى تقدير كونه زائداً فإما أن يستوعب الكسر الجميع أو لا، وعلى كلا التقديرين فإما أن يكون بين نصيب كل فريق وعددهم توافق أو لا يكون أو يكون في البعض دون البعض، فالأقسام حينئذ عشرة، إلا أن اعتبار النسبة بين عدد كل فريق ونصيبهم فيما إذا لم يستوعب الكسر الجميع قد أحلناه -خوف التطويل- على معرفة ذلك من قسم ما إذا استوعب الجميع، لأنه يفهم منه بمراجعة ما إذا اشتمل مثله في القواعد والضوابط، وحينئذ فتكون الأقسام ثمانية لا غير.
(الأول) أن تكون الفريضة موافقة للسهام وتنقسم من غير كسر، فالحكم فيها ظاهر، كزوج وأخت للأبوين أو لأب، وفريضة كل منهما النّصف، ومخرجه اثنان، لكل منهما واحد.
(الثاني) أن تكون الفريضة موافقة للسهام، ولا تنقسم إلا بكسر، والمنكسر عليه فريق واحد، ولابد حينئذ من اعتبار النسبة بين لنصيب والعدد والنسبة هنا منحصرة في التباين والتوافق دون التداخل، قالوا لأنه يحتاج إلى تصعيد الفريضة على وجه تنقسم على المنكسر عليه بغير كسر، واعتبار التداخل يوجب ابقاء الفريضة على حالها، فلا يحصل الغرض وحينئذ فإن كانا متباينين ضربت عدد رؤوسهم في أصل الفريضة، فما اجتمع فمنه تصح الفريضة، (مثاله) زوج وزخوان للزوج النصف فالفريضة من اثنين، للزوج واحد يبقى واحد نصيب الأخوين ينكسر عليهما، والنسبة بين الواحد والاثنين التباين إذ لا وفق بينهما، فتضرب عددهما وهو اثنان في أصل الفريضة وهو اثنان يحصل أربعة ومنها تصح المسألة، فللزوج منها اثنان وللأخوين اثنان لكل واحد منهما واحد، وكذلك لو اجتمع أبوان وخمس بنات، ففريضة الأبوين السدسان ومخرجهما من ستة، وفريضة البنات الثلثان وخرجهما من ثلاثة، وبين الثلاثة والستة تداخل، فلذا اقتصرنا على كما هو المعمول في التداخل، فللأبوين السدسان إثنان يبقى أربعة نصيب البنات الخمس تنكسر عليهن، والنّسبة بين عدد رؤوسهن وهو خمسة وبين نصيبهن وهو أربعة التباين، فتضرب عددهن وهو الخمسة في أصل الفريضة، وهو ستة يحصل ثلاثون ومنها تصح الفريضة فللأبوين سدساها عشرة، وللبنات الخمس ثلثاها عشرون فينقسم عليهن بالسويّة أربعة أربعة وإن كانا متوافقين ضربت الوفق من عدد رؤوسهن لا من النّصيب في الفريضة، وما حصل فمنه تصح المسألة، (مثاله) أخوان لأم مع ستة زخوة لأب، للزخوين الثلث، اثنان من ستة تبقى أربعة نصيب الاخوة الستة، لا تنقسم عليهم وبين عدد رؤوسهم والنصيب توافق بالنصف، فتضرب الوفق من عددهم وهو ثلاثة في أصل الفريضة وهو ستة يحصل ثمانية عشر، تنقسم عليهم بغير كسر للأخوين من الأم الثلث انصاصفاً ستة لكل ثلاثة، والياقي وهو اثني عشر ينقسم إلى الاخوة الستة اثنان اثنان، ولو كان الاخوة في الصورة المفروضة ثمانية، فالتوافق بين نصيبهم وهو الأربعة وبين عددهم وهو ثمانية بالربع، ولا يعتبر هنا التداخل لما أشرنا إليه آنفاً، فتضرب الوفق من عددهم وهو اثنان لأنها ربع الثمانية في أصل الفريضة، وهي ستة تبلغ اثني عشر، فللأخوين للأم الثلث أربعة، وللأخوة الثمانية ثمانية تنقسم عليهم بغير كسر.
(الثالث) أن تكون الفريضة موافقة للسهام، ولا تنقسم إلا بكسر والمنكسر عليه أكثر من فريق، والكسر مستوعب للجميع، وبين نصيب كل فريق وعددهم توافق حينئذ فترد كل فريق إلى جزء الوفق، ثم تعتبر الأعداد بعد الرد هل هي متماثلة أو متداخلة أو متوافقة أو متباينة فههنا أربع صور:
(أحدها) أن تبقى الأعداد بعد ردها متماثلة، كست زوجات وثمانية من كلالة الأم وعشرة من كلالة الأب، فللزوجات الربع ومخرجه أربعة ولكلالة الأم الثلث ومخرجه ثلاثة، وبين العددين تباين، فتضرب أححدهما في الآخر تبلغ اثني عشر هي أصل الفريضة، للزوجات منها ثلاثة توافق عددهن بالثلث، ولكلالة الأم أربعة توافق عددهم بالربع، ولكلالة الأب خمسة توافق عددهم بالخمس، فترد كل فريق إلى جزء وفقه هو في الجميع اثنان، لأنهما ثلث باعتبار عدد الزوجات، وربع باعتبار عدد الأخوة من الأم، وخمس باعتبار عدد الاخوة من الأب، فاجزاء الأوفاق جزء فيهما متوافقة، فتجتزي بواحد منها وتضربه في أصل الفريضة تبلغ أربعة وعشرين، فلزوجات منها ستة، وللاخوة منها ثمانية، وللاخوة للأب عشرة.
و(ثانيتها) أن تبقى الأعداد بعد ردها إلى جزء التوافق متداخلة كالمثال المتقدم، إلا أن الاخوة من الأم ستة عشر، ونصيبهم يوافق عددهم بالربع فتردهم إلى أربعة، والاثنان الذين رجع إليهما عدد الزوجات والاخوة للأب تداخل الأربعة، فتجتزي بالأربعة، وتضربها في أصل الفريضة، فتبلغ ثمانية وأربعين، للزوجات منها اثنا عشر وللاخوة للأم ستة عشر عددهم والباقي وهو العشرون للاخوة للزب،
و(ثالثتها) أن تبقى الأعداد بعد ردها إلى جزء الوفق متوافقة، (مثاله) ما لو كانت ست زوجات واخوة من الأم أربعة وعشرون، واخوة من الأب عشرون، فالفريضة كما عرفت من اثني عشر، نصيب الزوجات ثلاثة يوافق عددهن بالثلث، ونصيب الاخوة للأم أربعة يوافق عددهم بالزبع، ونصيب الاخوة للب خمسة يوافق عددهم بالخمس، وحينئذ فترد كل فريق إلى جزء الوفق وهو اثنان بالنسبة إلى الزوجات، وستة بالنّسبة إلى الاخوة للأم وأربعة بالنسبة إلى الاخوة للأب، وبين كل عدد وما فوقه موافقة بالنّصف، فتضرب اثنين جزء وفق الأربعة في ستة، ثم تضرب المجتمع في أصل الفريضة اثني عشر، يبلغ مائة وأربعة وأربعين هي أصل المسألة، والقسمة واضحة.
و(رابعتها) أن تكون الأعداد بعد الرد متباينة، كما لو كانت الزوجات ست، والاخوة من الأم اثني عشر ومن الأب خمسة وعشرون، فيرجع عددهم بعد الرد إلى اثنين بالنّسبة إلى الزوجات، لأنهما جزء وفق عددهم وثلاثة بالنسبة إلى الاخوة من الام، لعين ما ذكرنا، وخمسة بالنّسبة إلى الاخوة من الأب لما قلنا أيضاً، والنّسبة بين هذه الأعداد أعني الاثنين والثلاثة والخمسة هي التباين، فتضرب الأوفاق بعضها في بعض، وحاصل الجميع في أصل الفريضة فتضرب الاثنين في الثلاثة تصير ستة، تضربها في خمسة تصير ثلاثين، تضرب الثلاثين في أصل الفريضة اثني عشر تبلغ ثملاثمائة وستين، والقسمة ظاهرة بمراجعة ما تقدم.
(الرابع) الصورة بحالها، ولكن لا وفق بين نصيب كل فريق وعدده، والنسبة بين أعداد كل فريق مع الآخر إما بالتساوي أو التداخل أو التوافق أو التباين، فيأتي ما تقدم من الصور الأربع وأما إذا كانت النسبة التساوي، فحكمه بأن يكتفي بأحد المتساويين، ويضرب في أصل الفريضة، (مثاله) ثلاثة اخوة من الام وثلاثة من الأب أصل الفريضة ثلاثة، لأنه مخرج الثلث الذي هو حصة كلالة الأم، فلكلالة الأم واحد ينكسر على عددهم، ولكلالة الأب اثنان ينكسر أيضاً على عددهم، النسبة بين عددي الفريقين لتساوي، فتضرب أحد المتساويين وهو ثلاثة في أصل الفريضة، وهو ثلاثة يحصل تسعة هي أصل المسألة، فللاخوة من الأم ثلثها ثلاثة لكل منهم واحد، والاخوة من الأب ستة لكل سهمان والباقي اثنا عشر للاخوة الستة من الأب لكل سهمان، وزما إذا كانت النسبة التداخل فحكمه أن يقتصر على العدد الأكثر، ويضرب في الفريضة، (مثاله) ثلاثة اخوة من الأم وستة من الأب فريضة، من ثلاثة نخرج الثلث الذي هو حصة كلالة الأم، وبالنّسبة بين الثلاثة والستة التداخل فيكتفي بالأكثر، وتضرب الستة في أصل الفريضة وهي ثلاثة تبلغ ثمانية عشر، ثلثها لأخوة الأم ستة لكل سهمان والباقي اثنا عشر للأخوة الستة من الأب لكل سهمان، وأما رذا كانت النسبة التوافق، فالحكم فيه أن يضرب وفق أحدهما في مجموع الآخر ثم المرتفع في أصل الفريضة، (مثاله) أربعة اخوة من الأم وستة من الأب الفريضة من ثلاثة كما عرفت، وبين الفريقين توافق بالنصف، فأي الوفقين ضربت في مجموع الآخر يحصل اثنا عشر، فتضربه في أصل الفريضة، ثلاثة تبلغ ستة وثلاثين للاخوة من الام ثلثها اثنا عشر، لكل منهم ثلاثة، وللاخوة للأب أربعة وعشرون لكل أربعة، وأما إذا كانت النسبة التباين فالحكم أن تضرب أحدهما في الآخر ثم المرتفع في أصل الفريضة، (مثاله) ثلاثة اخوة لأم، وأربعة لأب، وعدد الثلاثة مع الإبعة متباين، فتضرب الثلاثة في الأربعة تبلغ اثني عشر، تضربها في أصل الفريضة تبلغ ستة وثلاثين والقسمة واضحة.
(الخامس) الصورة بحالها، ولكن عدد البعض يوافق النصيب وعدد البعض الآخر لا يوافق، وفيه الصور الأربع أيضاً، لأن الحكم ان ترد العدد الموافق إلى جزء وفقه، فبعد الرد لا يخلو إما أن تكون النسبة -بين الوفق وبين العدد الآخر بغير الموافقة لنصيبه- هو التساوي أو التداخل أو التوافق أو التباين، فعلى الأول حكمه بعد رد الموافق إلى جزء وفقه ومساواته لذلك العدد -كما هو المفروض- أن تختار أحد العددين وتضربه في أصل الفريضة، (مثاله) زوجتان وستة اخوة لأب فريضتهم زربعة، مخرج الربع الذي هو نصيب الزوجات وهي تنكسر على الفريقين، وللاخوة منها ثلاثة، وهي توافق عددهم بالمعنى الأعم بالثلث، فترد الستة إلى جزء وفقها اثنين، فيما ثل عدد الزوجات، فتقتصر على أحد العددين وتضربه في أصل الفريضة أربعة فيحصل ثمانية، للزوجين ربعها إثنان لكل منهما، وللاخوة ستة لكل منهم سهم.
وعلى الثاني فحكمه أن تجتزي بالأكثر وتضربه في أصل الفريضة، (،مثاله) أربع زوجات وستة اخوة، الفريضة كما عرفت من أربعة مخرج سهم الزوجات، نصيب الاخوة منها ثلاثة، وبينها وبين عددهم توافق بالمعنى الأعم، فترد الستة إلى الوفق وهو اثنان، والنسبة بين الاثنين وعدد الزوجات الأربع التداخل وحكمه أن تكتفي بالأكثر فتضربه في أصل الفريضة التي هي أربع يحصل ستة عشر، للزوجات ربعها أربعة أربعة لكل منهم سهم، وللاخوة الستة اثني عشر لكل سهمان.
وعلى الثالث فتضرب وفق احدهما في مجموع الآخر ثم المجتمع في أصل الفريضة، (مثاله) زوجتان وستة اخوة من الأب، وستة عشر من الأم، الفريضة من اثني عشر وهي المجتمع من ضرب أربعة مخرج الربع حصة الزوجين في ثلاثة مخرج الثلث حصة الاخوة من الأم، للزوجتين منها ثلاثة وهي مباينة لعددهما، وللاخوة من الأب خمسة وهي مباينة لعددهم أيضاً، وللاخوة من الأم أربعة توافق عددهم بالربع، فتردهم إلى أربعة من الوفق فيوافق عدد اخوة الأب بالنصف، وتضرب نصف أحدهما في مجموع الآخر ثم المجتمع في أصل الفريضة اثني عشر، تبلغ مائة وأربعة وأربعين أصل المسألة، فللزوجين الربع ستة وثلاثون ينقسم عليها صحيحاً انصافاً، وللاخوة للام الثلث ثمانية وأربعون لكل واحد منهم ثلاثة والباقي وهو ستون لاخوة الأب لكل عشرة.
وعلى الرابع فتضرب بعد الرد بعضها في بعض ثم المرتفع في أصل الفريضة، (مثاله) زوجات أربع وخمسة اخوة من الأب واخوة من الأم ستة، الفريضة من اثني عشر حاصله من ضرب مخرج الربع في مخرج الثلث ثلاثة نصيب اخوة الام منها أربعة يوافق عددهم بالنصف، فتردهم إلى ثلاثة جزء الوفق فيقع التباين بينها وبين أربعة عدد الزوجات من الأب، فتضرب الثلاثة في الأربعة ثم المجتمع في الخمسة تبلغ ستين، تضربها في أصل الفريضة اثني عشر يحصل سبعمائة وعشرون، للزوجات منه الربع مائة وثمانون لكل واحدة خمسة وأربعون، ولاخوة الأم الثلث مائتان وأربعون، ولاخوة الأب البقاي ثلاثمائة لكل واحد ستون.
(السادس) أن تكون الفريضة موافقة للسهام، ولا تنقسم رلا كسر والمنكسر عليه أكثر من فريق، ولكن لا يستوعب الكسر الجميع كثلاث زوجات وثلاثة اخوة للأم وثلاثة اخوة للأب الفريضة من اثني عشر حاصلة من ضرب مخرج الربع حصة الزوجات في الثلث، حصة الاخوة للام، فللزوجات منها ثلاثة، ولاخوة الأم منها أربعة، ولاخوة الأب خمسة، ونصيب الزوجات ينقسم عليهن صحيحاً، ونصيب الاخوة من الطرفين ينكسر عليهم، والعدد والنصيب فيهما متباينان، واعداد الفريقين متماثلة، فيكتفي بأحدهما ويضرب في أصل الفريضة، يحصل ستة وثلاثون، للزوجات منها الربع، تسعة لكل ثلاثة ولاخوة الأم منها الثلث اثني عشر لكل أربعة، ولاخوة الأب خمسة عشر لكل خمسة وقد أشرنا سابقاً في صدر التقسيم إلى الصور الحاصلة باعتبار ملاحظة النسبة بين نصيب كل فريق وعددهم من التوافق وعدمه، ووجوده في بعض دون بعض كما يجري فيما إذا استوعب الكسر الجميع، كذلك يجري فيما إذا لم يستوعب، وإنما أعرضنا عن نشرها هنا خوف التطويل، والمثال الذي أردناه هنا داخل تحت الصورة الأولى من القسم الرابع.
(السابع) أن تكون الفريضة زائدة على السهام، فيرد الزائد على ذوي السهام عدا الزوج والزوجة، والأم مع الحاجب لها من الاخوة، يجتمع من ذوي الفروض من له سببان مع من له سبب واحد، فيختص الرد بمن له سببان على الأشهر الأظهر، كما تقدم، كما إذا اجتمع اخت من الأبوين ولها النصف مع الاخوة للأم ولهم الثلث، فإن الباقي وهو السدس يرد على الأخت للأبوين خاصة على المشهور، كما تقدم بيانه في الصورة الثانية من الفصل الثاني، فلو اجتمع أبوان وبنت، فللأبوين الثلث لكل منهما سدس فريضة وللبنت النصف فريضة، يبقى السدس زائداً، فيرد على الأبوين والبنت على نسبة سهامهم إن لم يكن للأم حاجب، وإلا اختص الرد بالأب دونها، فيرد على التقدير الأول اخماساً، وعلى الثاني أرباعاً.
وتوضيحه ان أصل الفريضة من ستة مخرج السدس لأن الاثنين الذي هم مخرج النصف حصة البنت يداخل الستة فيكتفى بالستة التي هي الأكثر، كما عرفت غير مرة، للأبوين منها اثنان وللبنت ثلاثة يبقى واحد، والمراد قسمته أخماساً مع عدم الحاجب، وأرباعاً مع وجوده، فتعمد إلى مخرج الكسر وهو خمسة أو أربعة، وتضربه في أصل الفريضة وهو ستة، تبلغ ثلاثين على الأول وأربعة وعشرين على الثاني، فعلىالأول للأبوين الخمسان اثني عشر ينقسم عليهما صحيحاً، وللبنت ثمانية عشر، وعلى الثاني فللام سدسها خاصةأربعة، والباقي وهو عشرون للأب ربعه خمسة فريضة، منها أربعة وواحد من جهة الرد، وخمسة عشر منها للبنت فريضتها اثني عشر، وثلاثة حصتها من الرد، ولو اجتمع أحد الأبوين وبنتان فصاعداً الثلثان، والباقي يرد بنسبة السهام أخماساً.
وبيانه أن مخرج السدس ستة، ومخرج الثلثين ثلاثة، وبينهما تداخا بالمعنى الأعم، فيكتفى بالزكثر وهو الستة، فلأحد الأبوين سدسها واحد، وللبنتيت ثلثها أربعة، والباقي هو واحد يرد عليهم كل بنسبة حصته.
وقد عرفت انهم اقتسموا المقتسم في خمسة للبنتين أربعة أخماس.، ولأحدالأبوين الخمس فيجب أن يكون الرد أخماساً فقد انكسرت الفريضة في مخرج الخمس، فتضرب مخرج الكسر وهو خمسة في أصل الفريضة وهي ستة تبلغ ثلاثين، لأحد الأبوين خمسها ستة، فرضها منها خمسة ورده واحد، والبنت أربعج وعشرون فريضتها وأربعة من جهة الرد، وعند العامة ان هذا الزائد من السهام يجعلونه للعصبة كما قدمنا ذكره في البحيث الثالث من مقدمة الرسالة، وقد قدمنا أيضاً جملة من الصور المتضمنة للرد في ذلك البحث وفي فصول الرسالة.
(الثامن) أن تكون الفريضة ناقصة عن السهام، والنقص لا يدخل إلا بدخول أحد الزوجين في الفريضة، ولكن يختص النقص بالأب ومن يتقرب به من الاخوة والأولاد كما قدمنا ذكره في البحث الثالث من مقدمات الرسالة، كما لو اجتتمع أبوان وبنتان مع زوج، فإن للأبوين الثلث وللبنتين الثلثان، وللزوج الربع، فقد زادت السهام، لأن المال فقد في حصة الأبوين والبنتين وبقي الربع زائداً، فالفريضة من اثني عشر حاصلة من ضرب ستة مخرج السدس فريضة كل من الأبوين في اثنين جزء وفق الأربعة مخرج الربع حصة الزوج أو بالعكس، بأن تضرب الأربعة في جزء وفق الستة، وهو ثلاثة فإن الحاصل على كلا التقديرين اثنا عشر، للأبوين سدسها أربعة، وللزوج ربعها ثلاثة، والباقي للبنتين، فقد دخل النقص عندنا على البنتين، وعند العامة يدخلون النقص على الجميع، وهي مسألة العول التي قدمنا بيانه في البحث الثالث أيضاً من المقدمة.
والضابط أنه متى اجتمع أصحاب الفروض ونقصت الفريضة عن السهام أدخلت النقص على ما ذكرنا، فإن انقسمت الفريضة على صحة وإلا ضربت سهام من انكسر عليهن النصيب في أصل الفريضة، فالأول كما رذا اجتمع أبوان وزوج وخمس بنات فإن فريضتهم من اثني عشر، لأن فيها ربع ومخرجه من أربعة، وسدس ومخرجه من ستة، وهما متوافقان بالنّصف فتضرب نصف لأربعة في ستة أو نصف ستة في أربعة تبلغ اثنا عشر، وهي تنقسم عليهم قسمة صحيحة، فللأبوين الثلث أربعة لكل سهمان، وللزوج الربع ثلاثة وللبنات الخمس الباقي وهو خمسة لكل واحد.
(الثاني) المثال بعينه ولكن البنات كن ثلاثة فلم تنقسم الخمسة عليهن، وهذا من أمثلة ما لو انكسر على فريق واحد وبين عدده ونصيبه تباين، وقد عرفت هناك انه متى كان كذلك تضرب عدد رؤوسهم في أصل الفريضة اثني عشر، تبلغ ستة وثلاثين، وكل من له شيء في الفريضة السابقة أخذه هنا مضروباً في ثلاثة، فللأبوين الثلث اثني عشر، وللزوج الربع تسعة، وللبنات خمسة عشر لكل خمسة، وهكذا لو كنّ البنات أربعاً أو ستة إلى ما دون العشرة، فإن الأعداد مباينة لنصيبهن فالحكم فيها واحد، ولو كن عشرة ،افق عددهن نصيبهن بالخمس.
وقد عرفت مما تقدم فيما اذا انكسر على فريق واحد انه يضرب الوفق من عدد رؤوسهم لا من النصيب في الفريضة وما حصل فمنه تصح المسألة، فترد عددهن إلى اثنين الذي هو الخمس جزء الوفق، فتضربهما في أصل الفريضة وهو اثني عشر تبلغ أربعاً وعشرين، وكل من له شيء سابقاً يأخذه مضروباً في اثنين، فللأبوين الثلث ثمانية وللزوج الربع ستة، وللبنات العشر عشرة بعددهن، ولو كنّ خمس عشرة فقد وافق عددهن نصيبهن الخمس أيضاً، فترده إلى ثلاثة، وتضربها في أصل الفريضة تبلغ ستاً وثلاثين، والقسمة واضحة.

(المناسخات)
(الرابعة) في المناسخات:
ونعني بها أن يموت إنسان فلا تقسم تركته ثم يموت بعض ورثته، فإنه يعتبر حينئذ قسمة الفريضتين من أصل واحد، وحينئذ فاما أن ينقسم نصيب الميت الثاني على ورثته من غير كسر بمجرّد تصحيح الفريضة الأولى أولاً، وعلى كل منهما فقد يقع ذلك على أكثر الفريضتين أيضاً، فهاهنا صور:
(الأولى) أن يكون مجرد تصحيح الفريضة الأولى كافياً في قسمة حصة الميت الثاني على ورثته، فعلى هذا يكفي الفريضة الأولى، ولا يحتاج إلى عمل آخر أعم من أن يتحد الوارث والاستحقاق معاً، أو يختلفا أو يختلف الوارث خاصة أو الاستحقاق خاصة، فالأول كرجل مات وخلف أربع اخوة واختين والجميع لأب وأم، أو للأم فمات أخوان منهم وأخت وليس لهم وارث أيضاً إلا الاخوة الباقون، فإن المال ينقسم بين الأخوين والاخت الباقين أخماساً إن تقربوا بالأب، وبالسوية إن تقرّبوا بالأم خاصة، ومن مات منهم ينزل بمنزلة العدم، فكان الميت الأول لم يخلّف إلا هؤلاء الباقين، والثاني كما لو مات رجل وخلّف زوجة وابناً وبنتاً، ثم ماتت الزوجة عن ابن وبنت، فإن فريضة الميت الأول من أربعة وعشرين حاصلة من ضرب مخرج الثمن وهي ثمانية في مخرج الثلث أو الثلثين هو ثلث حصة الزوجة، منها ثلاثة تنقسم على ابنها وبنتها، والثالث كما لو مات رجل وترك ابنين ثم مات أحد الابنين وترك ابناً، وإن فريضة الميت الأول تنقسم على ورثة الميت الثاني والثالث كما لو مات رجل وترك ابنين ثم مات أحد الابنين وترك ابنً، فإن فريضة الميت تنقسم على ورثة الميت الثاني، والرابع كما لو مات رجل وترك ثلاثة أولاد ثم مات أحد الأولاد ولم يترك غير اخوته المذكورين، فإن الميت الثاني ينزل منزلة العدم، ويقسم ميراث الأول على هؤلاء الموجودين، لكن ينلغي أن يقيد تنزيل الميت الثاني منزلة العدم في صورة اتحاد الوارث بأن يكون ميراث الباقين من الميت الثاني على حسب ارثهم من الأول، وإلا كان من قبل صور اختلاف الوارث، كما لو ماتت امرأة عن أولاد من أب وولد آخر من أب آخر، ثم مات أحد أولاد أحد الذين من أب واحد، فإن ميراث الأولاد كملاً من الأم بالسوية، مع التساوي ذكورية أو أنوثية، وميراثهم بعد ذلك من أخيهم مختلف، فإن الأخ من الأم له السدس خاصة، والباقي لاخوته من الأبوين، فيكون هنا من قبيل اختلاف الوارث.
(الثانية) عدم انقسام حصة الميت الثاني على ورثته بمجرد تصحيح الفريضة الأولى، بل يحصل فيها كسر، فلابد حينئذ من عمل آخر به تصح الفريضة الأولى، بل يحصل على وجه تنقسم على ورثة الميت الثاني بغير كسر، وطريق ذلك أن تنظر النّسبة بين نصيب الميت الثاني وسهام ورثته من الفريضة لا من النصيب، فإن كان بينهما وفق ضربت الوفق من الفريضة في المسألة الأولى فما بلغت صحت منه، (مثاله) رجل مات عن أبوين وابن، ثم يموت الابن عن ابنين وبنتين، ففريضة الميت الأول من ستة، للابن منها أربعة تنكسر على ورثته لأن فريضتهم ستة، وحينئذ فالنّسبة بين نصيب الميت الثاني -وهو أربعة- وبين سهام ورثته -وهو ستة- التوافق بالنّصف، فتضرب الوفق من الفريضة الثانية وهو ثلاثة في ستة فريضة الميت الأول، تبلغ ثمانية عشر منها تصح المسألة، فلأبوي الميت الأول ثلثها ستة، وللابن اثنا عشر تنقسم على ورثته لابنه منها ثمانية، وللابنتين أربعة، لكل واحدة سهمان.
ومن أمثلة ذلك ما لو خلفت المرأة أخوين لأم، ومثلها لأب، وزوجاً ثم مات الزوج عن أبي وبنتين، فإن فريضة الميت الأول من ستة حاصلة من ضرب مخرج الثلث لحصة الاخوة للأم في مخرج النصف حصة الزوج، فللزوج منها ثلاثة وللأخوين من الأم اثنان، وللأخوين من الأب واحد ينكسر عليهما لأن لهما سهمين فتضربهما في أصل الفريضة، تبلغ اثنا عشر،، للزوج منها ستة لا تنقسم على ورثته، لأن فريضتهم من أربعة، وسهام ورثته توافق نصيبه بالنّصف، فتضرب وفق فريضته وهو اثنان في الفريضة الأولى وهي الاثنا عشر، تبلغ أربعة وعشرين، ومنها تصح المسألة، فللأخوين من الأم ثلثها ثمانية، وللزوج نصفها إثنا عشر تنقسم على ورثته، للابن منها ستة، وللبنتين منها ستة لكل واحدة ثلاثة، وللأخوين للأب أربعة، وكل من هؤلاء يأخذ نصيبه من الفريضة الأولى مضروباً في اثنين، وهو ما ضربته في أصل الفريضة الأولى، وإن كان بين نصيب الميت الثاني وسهام ورثته تباين، ضربت الفريضة الثانية في الأولى، فما بلغت صحت منه الفريضتان، (مثاله) لو ماتت المرأة عن زوج وأخوين من أم وأخ من الأب ثم مات الزوج عن ابنين وبنت، فإن فريضة الميت الأول من ستة كما عرفت، نصيب الزوج منها ثلاثة وسهام ورثته خمسة، فلا تنقسم فريضته عليها، فتضرب في أصل الفريضة، وهي ستة تبلغ ثلاثين منها تصح المسألة، فللأخوين من الأم ثلثا عشرة، وللزوج نصفها خمسة عشر تقسم على ورثته قسمة صحيحة، وكل من له في الفريضة الأولى شيء أخذه مضروباً في خمسة، وهي الفريضة الثانية.
ومن أمثلته أيضاً ما لو خلف الميت الأول الأوبين وابناً، ثم مات الابن عن ابنين وبنت، ففريضة الأول من ستة كما عرفت آنفاً، للابن منها أربعة لا تقسم على ورثته لأن فريضتهم من خمسة، فهي مباينة لنصيبه، فتضرب الخمسة في أصل الفريضة وهي ستة، تبلغ ثلاثين والقسمة واضحة.
(الثالثة) كون المناسخات أكثر من فريضتين، بان مات بعض ورثة الميت الثاني قبل القسمة، وبعض ورثة الأول أيضاً، وحينئذ تنظر في الفريضة الثالثة فإن انقسمت على ورثة الميت الثالث على صحة، وإلا عملت فيها مع ما حصل عندك من الفريضتين السابقتين، بعد العمل فيها على ما قدمنا كما علمت في فريضة الثاني مع الأول، وهكذا لو مات رابع وخامس وما زاد فالعمل واحد، وجميع ما تقدّم في الصورتين، وما اشتملا عليه من الافراد هنا أيضاً، فقد يكون مجرد تصحيح فريضة الميت الأول كافياً في انقسام نصيب الميت الثاني والثالث كما تقدم، (مثاله) فيما لو خلف الميت اخوة أربعة واختين، ثم مات أحد الاخوة ثم آخر، ثم أحد الاختين، وانحصر الميراث في أخوين وأخت فإن المناسخات هنا أربع، ولكن حيث اتحد الوارث والاستحقاق كما عرفت، كان حكم من مات بمنزلة العدم، وقد يكون مع اختلاف الوارث أيضاً، ولكن مجرد تصحيح الفريضة الأولى كاف في الانقسام على ورثة الثاني والثالث، كما لو ماتت امرأة عن زوجها وامها وولدين، ثم مات الزوج عن ثلاث بنات، ثم ماتت إحدى البنات عن بنت واحدة، فإن الفريضة الأولى من اثني عشر، لاشتمالها على الربع حصة الزوج، والسدس حصة الأم، ومخرج الربع وهو أربعة موافق لمخرج السدس، وهو ستة بالنصف فتضرب نصف أحدهما في الآخر يبلغ ما قلنا، فللزوج منها ثلاثة تنهض بالقسمة على بناته، لكل واحدة سهم، وسهم الميتة منهن ينهض بحصّة ابنتها، فلك أن تفرض جملة من الأقسام المتقدمة في مثال واحد، كالمثال الأول من مثال مباينة نصيب الميت الثاني لسهام ورثته، بأن يموت أحد ولدي الزوج، فإن نصيبه من أبيه ستة من خمسة عشر بغير كسر، وهذا من أفراد الصورة الأولى، وان خلف ابنين وبنتين أو ستة أولاد متساويين ذكورية أو أنوثية، انقسمت فريضة من سهمه، وهذا من أفراد الصورة الأولى، وان خلف ابناً وبنتين كانت فريضته من أربعة وهي توافق نصيبه بالنصف، فتضرب نصف فريضته وهو اثنان فيما اجتمع من لمسألتين السابقتين، وهو ثلاثون كما عرفت آنفاً تبلغ ستين، ومنها تصح الفرائض كملاً، وكل من له شيء من الفريضة الثانية أخذه مضروباً في اثنين والقسمة واضحة، وهذا من القسم الأول من الصورة الثانية، فإن خلف ابنين وبنتاً كانت فريضته من خمسة، ونصيبه كما عرفت ستة، وبينهما تباين، فتضرب في فريضته فيما حصل من المسألتين وهو الثلاثون تبلغ مائة وخمسين، ومن كان له شيء من الفريضة الثانية أخذه مضروباً في خمسة، وهذا هو القسم الثاني من الصورة الثانية، وهكذا تععمل فيما زاد على ما ذكرناه.
(الخامسة) في معرفة السهام من التركة، وهذا هو ثمرة حساب الفرائض، فإن التركة قد تكون ثلاثة دنانير، وسهام الورثة مائة سهم، فلا يظهر ما يصيب كل وارث، وقد ذكروا لذلك طرقاً يعلم بها نصيب كل واحد من الورثة:
(أحدها) أن تنسب سهام كل وارث من الفريضة، وتأخذ له من التركة بتلك النسبة، كما لو كان الورثة منحصرين في زوج وأخ لأم وأختين لأب، والتركة ثمانية وأربعون درهماً، فإن الفريضة من ستة، للزوج نصفها ثلاثة، فيأخذ من التركة نصفها، وللأخ للأم السدس من الفريضة فيأخذ من التركة سدسها، وللأختين للأب ما بقي وهو سهمان من الستة، وهما ثلث الفريضة فيأخذان ثلث التركة، والعمل بهذا الطريق متجه فيما إذا كانت النسبة واضحة كالمثال المذكور، وإلا فلابد من عمل آخر كما سيأتي، كما لو كانت التركة خمسة دنانير، فإنه يعسر معرفة سدسها، فلابد من عمل آخر زائد على ما ذكرنا.
و(ثانيها) أن تقسم التركة على الفريضة، فما خرج بالقسمة تضربه في سهام كل واحد، فما بلغ فهو نصيبه من التركة، فإذا قسّمت ثمانية وأربعين في المثال المتقدم على الفريضة وهي ستة يكون خارج القسمة ثمانية لأن الثمانية والأربعين إذا حللتها إلى الأسداس فسدسها ثمانية، فتضرب الخارج بالقسمة وهو ثمانية في سهام كل واحد من الفريضة فما بلغ فهو نصيبه، فللزوج من الفريضة المذكورة ثلاثة إذا ضربتها في ثمانية التي هي خارج القسمة تبلغ أربع وعشرين، وهي نصيبه من التركة المذكورة، وللأخ للأم من الفريضة سهم واحد وهو سدسها إذا ضربته في ثمانية فهي الثمانية بعينها وهي نصيبه من التركة، وللأختين للأب من الفريضة سهمان إذا ضربتهما في ثمانية تبلغ ستة عشر هي رصدها من التركة، وهذا الطريق يحتاج إليه حيث يعسر معرفة نسبة عدد التركة إلى سهام الفريضة كما أشرنا إليه سابقاً، كما لو كانت التركة خمسة في المثال المتقدم، فيعسر معرفة سدسها، فإذا قسمت التركة وهي خمسة على الفريضة وهي ستة، فخارج القسمة خمسة أسداس، فإذا أردت أن تعرف نصيب الزوج من التركة ضربت الخارج من القسمة في سهمه من الفريضة وهو ثلاثة تبلغ خمسة عشر سدساً عبارة عن اثنين ونصف، وهو نصف الخمسة المفروضة تركة، وهكذا في معرفة سهم الأخ للأم وهو السدس، فتضرب الخمسة أسداساً خارج القسمة في سهم وهو واحد في الستة، فهي الخمسة الأسداس بعينها وهي حصة من التركة، وفي معرفة سهم الأختين للأب وهي سهمان إذا ضربت الخمسة الأسداس فيهل يحصل عشرة أسداس وهي إثنان إلا ثلث وذلك حصتهما من التركة المذكورة.
وكما لو كانت التركة عشرة دنانير، والورثة زوج وأبوان فريضتهم من ستة، للزوج النصف ثلاثة، وللأم مع عدم الحاجب الثلثان، وللأب السدس واحد، فإذا قسمت العشرة على ستة يكون خارج القسمة واحداً وثلثين، فإذا أردت معرفة حصة الزوج من التركة فاضرب الخارج في سهامه وهي ثلاثة تبلغ خمسة هي نصف العشرة التي فرضناها تركة، وتضرب الخارج في اثنين سهام الأم يخرج ثلاثة وثلث فهي نصيبها من العشر، فتضرب الخارج في واحد يخرج بقدره واحد وثلثان وهي نصيب الأب من العشرة، ولو كانت التركة عشرة دنانير زيضاً، والورثة زوجة وأبوان، فالفريضة من اثني عشر، للزوجة منها الربع ثلاثة وللأم مع عدم الحاجب ثلثها أربعة، وللأب الباقي وهو خمسة، فإذا قسمت العشرة على الفريضة التي هي اثنا عشر، كان خارج القسمة خمسة زسداس، فإذا ضربته في حصة الزوجة من الفريضة وهي ثلاثة يحصل اثنان ونصف هو رصدها من التركة فإذا ضربت الخارج في أربعة نصيب الأم يحصل ثلاثة وثلث، فهو رصدها من التركة، فإذا ضربته في خمسة نصيب الأب يحصل أربعة وسدس وهي رصده من التركة.

(فائدة)
إعلم أنه متى حصل التوافق بين الفريضة والتركة كالمثال المذكور فإن العشرة موافقة للاثني عشر بالنصف، فلك أن تأخذ وفق التركة وتضرب سهام كل وارث فيه، فيما بلغ فاقسمه على وفق الفريضة، فما خرج فهو نصيبه من التركة، ففي المثال المذكور تأخذ وفق التركة وهو خمسة، وتضرب فيها سهام الزوجة وهي ثلاثة تبلغ خمسة عشر، فتقسمها على وفق الفريضة وهي ستة، فخارج القسمة اثنان ونصف، وهو رصدها من التركة كما عرفت آنفاً، وإذا ضربت زيضاً سهام الأم وهي أربعة في الوفق المذكور تحصل عشرون، فتقسم العشرين على الستة التي هي وفق الفريضة، يكون الخارج ثلاثة وثلث، وهي رصد الأم من التركة كما تقدّم أيضاً وإذا ضربت سهام الأب وهي خمسة في الوفق المذكور يحصل خمسة وعشرون، فتقسمها على وفق الفريضة يكون الخارج أربعة وسدساً هي حصته كما قدمنا، ولك أيضاً أن تقسم وفق التركة على وفق الفريضة، فما خرج فاضربه في سهم كل وارث من الفريضة، فما بلغ فهو نصيبه من التركة، ففي المثال المذكور تقسم وفق التركة وهو خمسة على وفق الفريضة وهو ستة، يكون خارج القسمة خمسة أسداس، إذا ضربته في سهم كل من الورثة المذكورين حصل ما ذكرناه، وهو نصيبه من التركة، وهذا الطريق أسهل من الأول عند خفاء النّسبة كما ذكرنا سابقاً، والطريق الأول أسهل عند ظهورها.
و(ثالثها) انه إن كانت التركة صحاحاً لا كسر فيها، فحررالعدد الذي منه تصح الفريضة، ثم خذ ما حصل لكل واحد من الورثة ،اضربه في التركة، فما حصل منه فاقسمه على العدد الذي صحت منه الفريضة وما خرج فهو نصيب ذلك الوارث، ففي المثال المتقدم وهو كون التركة عشرة دنانير تأخذ سهام الزوجة وهو ثلاثة تضربه في التركة يحصل ثلاثون، فتقسمها على الأعداد اثنا عشر الذي صحت الفريضة يكون الخارج اثنان ونصف هو رصدها من التركة، وتأخذ سهام الأم وهو أربعة وتضربها في التركة يحصل أربعون تقسمها على الاثنا عشر يكون الخارج ثلاثة وثلث هو رصدها من التركة، وهكذا تفعل في حصة الأب وفي غير ذلك من الفرلئض أيضاً.
وإن كات التركة مشتملة على كسر فابسط التركة من جنس ذلك الكسر، بأن تضرب مخرج ذلك الكسر في التركة، فما حصل اضفت إليه الكسر وعملت فيه ما عملت في الصحاح، فما اجتمع للوارث قسمته على ذلك المخرج، فإن كان الكسر نصفاً قسمته على اثنين، وإن كان ثلثاً قسمته على ثلاثة، وعلى هذا إلى العشر على العشرة، فلو كانت التركة في المثال المتقدم عشرة ونصفاً، بسطتها من جنس ذلك الكسر بأن تجعلها نصوفاً، يصير الجميع احداً وعشرين نصفاً، وكذا إذا ضربت مخرج ذلك الكسر وهو الاثنان فيما نحن فيه من التركة وهي عشرة تبلغ عشرين، ثم تضيف الكسر السابق تبلغ ما ذكرنا أيضاً فتعمل فيها ما عملت سابقاً في الصحاح، بأن تضرب سهام الزوجة وهو ثلاثة في واحد وعشرين تبلغ ثلاثة وستين فتقسمها على الاثني عشر وهو العدد الذي صحت منه الفريضة يكون الخارج خمسة وربعاً فتقسمها على اثنين وهو مخرج النصف، يخرج اثنان وخمسة أسهم من ثمانية، وتضرب سهام الأم وهي أربعة في احدى وعشرين يحصل أربعة وثمانون فتقسمها على الاثنى عشر يكون الخارج سبعة تقسمها على اثنين مخرج النصف يحصل ثلاثة ونصف وهي حصة الأم من التركة، وتضرب سهام الأب وهي خمسة في احدى وعشرين يحصل مائة وخمسة تقسمها على الاثنى عشر يكون الخارج ثمانية وثلاثة أرباع تقسمها على اثنين يحصل أربعة وثلاثة أسهم من ثمانية، وعلى هذا فقس، وإذا جمعت الجميع وأضفت الكسور بعضها إلى بعض حصل عشرة ونصف، ولو كانت الفريضة عدداً أصم وهو الخالي من الكسور التي هي النصف والربع والثلث إلى العشر، كأحد عشر وثلاثة عشر، فاقسم التركة على ذلك العدد، فإن بقي مالاً يبلغ ديناراً فابسطه قراريط واقسمه، فإن بقي مالاً يبلغ قيراطاً فابسطه حبات واقسمه، وإن بقي مالاً يبلغ حبّة فابسطه ارزات واقسمه، وإن بقي مالاً يبلغ ارزة فانسبه بالأجزاء، (مثاله) لو خلف الميت أربع بنين وثلاث بنات، فإن فريضتهم من أحد عشر، والتركة كانت أحد عشر ديناراً وثلاثة أرباع دينار، فابسط كسر الدنانير قراريط يبلغ خمسة عشر قيراطاً، لأن الدينار عشرون قيراطاً، فتقسم القراريط على مقتضى الفريضة تبقى منها أربعة قراريط تبسط الأربعة حبات تبلغ اثني عشر حبّة، لأن القيراط ثلاث حبات، فتقسم الحبات على السهام يزيد منها حبة تبسطها ارزات تكون الأربع ارزات لاتقسم أيضاً، فاعتبره بالجزء، يكون لكل سهم أربعة زجزاء من ارزة، فعلى هذا يكون لكل سهم من الأحد عشر ديناراً وقيراط وحبة وأربعة أجزاء من أحد عشر جزءاً من ارزة، وإذا جمعت الكسور بعضها إلى بعض وهي احد عشر قيراطاً واحد عشر حبة عبارة عن أربعة قراريط إلا حبة، ثم زضفت رليها الحبّة التي قسمتها أربع ارزات فكانت أربعة قراريط تماماً، فأضفت الأربعة إلى الأحد عشر صارت خمسة عشر قيراطاً، وهي ثلاثة أرباع دينار، لأن الدينار كما عرفت عشرون قيراطاً.
ولو خلف أربعة بنين وخمس بنات، والتركة عشرون ديناراً فالفريضة من ثلاثة عشر عدد أصم أيضاً، فإذا قسمت العشرين ديناراً على ثلاثة عشر يزيد منها سبعة، فتبسطها إلى قراريط تكون مائة وأربعين قيراطاً، تقسمها على الثلاثة عشر يصيب كل سهم منها عشرة قراريط، ويزيد عشرة تبسطها حبات تبلغ ثلاثين حبّة، تقسمها على ثلاثة عشر يصيب كل سهم حبتان، وتبقى أربع حبات تبسطها ارزات، تكون ستة عشر ارزة تقسمها على ثلاثة عشر يصيب كل سهم ارزة، تبقى منها ثلاثة تقسمها ثلاثة عشر بالأجزاء يخرج لكل سهم ثلاثة أجزاء من ثلاثة عشر جزء من ارزة، فالذي اجتمع لكل سهم من الثلاثة عشر ديناراً وعشرة قراريط وحبتان وارزة وثلاثة أجزاء من ثلاثة عشر جزء من ارزة، وهو حصة البنت وللذكر ضعفها، وهو ثلاثة دنانير وأربع حبات وارزتين، وستة أجزاء من ثلاثة عشر جزء من ارزة وعلى هذا القياس.
(تتمة)
قد يحصل الغلط في الحساب بزيادة أو نقصان، فالضابط في معرفة صحته أن تجمع ما يحصل لكل وارث وتضم بعضه إلى بعض، فإن بلغ مجموع السهام أو مجموع التركة بانسبة إلى قسمتها فالقسمة صواب، وإلا فهي خطأ كما ذكرنا في المثال الأول من ضم الكسور بعضها إلى بعض حتى بلغ المطلوب ثمنه وهو ثلاثة أرباع دينار، وكذا في المثال الثاني تجمع ما حصل للأولاد، وتضم الدنانير واجزاءها بعضها إلى بعض، وتعتبر هل تبلغ العشرين التي هي التركة المقسوم عليها أم لا، وقد عرفت أن لكل سهم من الثلاثة عشر ديناراً وعشرة قراريط وحبتان وارزة وثلاثة أجزاء من ثلاثة عشر جزءاً من ارزة، فتضم بعضها إلى بعض، يحصل عندك من الدنانير ثلاثة عشر ديناراً، ويجتمع عندك من القراريط ستة دنانير ونصف، يكون الجميع تسعة عشر ديناراً ونصفاً، ويجتمع من الحبات ستة وعشرون حبّة، ومن الارزات ثلاثة عشر ارزة، ومع الثلث التي نسبتها بالأجزاء تكون ستة عشر ارزة، الجميع أربع حبات تبلغ مع الحبات السابقة ثلاثين حبّة، وهي عشرة قراريط عبارة عن نصف دينار، وبه يتم عشرون ديناراً فقد ظهر أن القسمة في المثال المذكور صحيحة.
وإذا أردت اعتبار بلوغ مجموع السهام أيضاً، فاجمع ما أصاب كل سهم من الثلاثة عشر، فإن ساوى المقسم ولم يختلف معه زيادة ولا نقيصة، فالقسمة صحيحة أيضاً.
(السادسة) في الاشارة إلى نبذة يسيرة من الكلام في معنى الضرب، لكونه العمدة في هذا الباب، والمرجع في انتاج الحساب والضرب تحصل عدد نسبة أحد المضروبين إليه كنسبة الواحد إلى المضروب الآخر، وأوضح منه هو تكرار المضروب بعدة آحاد المضروب فيه، فإذا ضربت ثلاثة في أربعة، فإنّك تكرر الثلاثة أربع مرات بعدة آحاد الأربعة، فيكون حينئذ نسبة الثلاثة إلى الحاصل من الضرب وهو اثنى عشر بالربع مثل نسبة الواحدة إلى الأربعة، إذ هي بالربع أيضاً، ونسبة الأربعة أيضاً إلى الاثني عشر بالثلث، مثل نسبة الواحد إلى الثلاثة، إذ هي بالثلث أيضاً، وفي ذلك يعلم أن الواحد لا تأثير له في الضرب، إذ لا عدد زائداً على عددي المضروب والمضروب فيه، حتى ينسب إليه أحد المضروبين، وكذا قال بعض المحققين أن ذلك ليس بضرب في شيء، بل اعتبار عروض وحدة العدد ولا حجر في ذلك، فإن الواحد يقع صفة لكل شيء ولكل عدد (انتهى) وحينئذ فكل عدد ضرب في الواحد أو ضرب لاواحد فيه يكون الحاصل ذلك العدد.
ثم الأعداد المضروب بعضها في بعض إما صحاح خاصة أو مشتملة على كسور، والأول منها إما مفرد في مفرد أو مفرد في مركب أو مركب في مركب، والمفرد في المفرد إما آحاد في آحاد، أو آحاد في غيرها، فهاهنا صور ستة:
(الأولى) الآحاد في الآحاد، والمراد بها الواحد إلى ما قبل العشرة، والأمر فيها بعد ما قدمنا واضح المأخذ، وقد نظم بعضهم بالجملة ضرب ما بين الخمسة إلى ما قبل العشرة في بعض بقوله: (وولد ورمز وح مح وطند ززمط زحنوز طسج ححسد حط وعب طفاطح الضرب ما فوق خمس فعليه فاعتمد)
(الثانية والثالثة) الآحاد في غيرها وغيرها في غيرها، ونعني بالأولى الآحاد في العشرات أو في المئات أو في آحاد الألوف وهكذا، وبالثانية العشرات في العشرات أو في غيرها من المئات أو آحاد الألوف وهكذا، والمئات في مثلها وفي الألوف والألوف في الوف، والطريق -في معرفة الضرب في هاتين الصورتين بسهولة- أن ترد غير الآحاد من العشرات والمئات ونحوهما إلى سميها من الآحد يعين عقودهما، كأن ترد العشرة إلى الواحد، والعشرين إلى الاثنين، وهكذا إلى تسعين، وكذا في المائة والمائتين والثلاثمائة إلى تسعمائة، وكذا في الألف والألفين وثلاثة آلاف إلى تسعة آلاف وعلى ذلك فقس في باقي المراتب، ثم تضرب بعد ذلك الآحاد في الآحاد، وتحفظ حاصل الضرب، ثم تجمع مراتب المضروب والمضروب فيه، فلو كان كل من العددين عشرات كانت المراتب أربعة، ولو كان أحدهما آحاداً كانت ثلاثاً، ولو كان كل منهما مئات كانت ستاً، ولو كان أحدهما عشرات كانت خمساً، ولو كان كل منهما ألوف كانت ثماناً، ولو كان أحدهما مئات كانت سبعاً، فإذا اجتمعت المراتب فابسط الحاصل من الضرب من جنس ما قبل المرتبة الأخيرة من تلك المراتب المجتمعة.
(مثال) ذلك إذا ضربت ثالثين في أربعين ترد الثلاثين إلى سميها من الآحاد وهي الثلاثة، والأربعين إلى سميتها من الآحاد وهي أربعة، وتضرب الثلاثة في الأربعة يحصل اثني عشر، فتحفظها وتجمع المضروبين وهي هنا أربع، فتبسط تلك الاثني عشر المحفوظة من جنس المرتبة الثالثة وهي مرتبة المائة يحصل حينئذ ألف ومائتان هي المجتمع من الضرب.
و(مثال آخر) إذا ضربت خمسة في ثلاثين، ترد الثلاثين إلى ثلاثة وتضرب خمسة في ثلاثة يحصل خمسة عشر، والمراتب هنا ثلاث فتبسط الخمسة عشر من جنس الثانية، وهي العشرات يحصل مائة وخمسون.
و(مثال آخر) إذا ضربت ثلاثين في ثلاثمائة رددت كلاً من الثلاثين والثلاثمائة إلى ثلاثة، وضربت الثلاثة في ثلاثة بلغت تسعة، والمراتب هنا خمسة، فتبسط التسعة من جنس المرتبة الرابعة وهي مرتبة آحاد الألوف يحصل تسعة آلاف وعلى ذلك فقس.
(الرابعة والخامسة) ضرب المفرد في المركب، وضرب المركب في المركب، والطريق إليه تحلل المركب الذي هو في أحد الجانبين أو كليهما إلى مفرداته، فيرجع إلى ما تقدم، فاعمل في المفردات -آحاداً كانت أو غيرها- ما تقدم واجمع الحواصل من ضرب كل منهما في الآخر، فالمجموع هو حاصل المجموع.
(مثاله) إذا ضربت ثلاثة في خمسة عشر، حللت الخمسة عشر إلى خمسة وعشرة، ثم ضربت الثلاثة في خمسة حصل خمسة عشر، ثم ضربت ثلاثة في سمي العشرة وهو واحد، فهي ثلاثة بحالها، والمراتب هنا ثلاثة، فتبسط الثلاثة من جنس المرتبة الثانية وهي العشرات، يحصل ثلاثون ثم جمعت الحاصل فكانت خمسة وأربعين، وهي حاصل الضرب في المثال المذكور.
و(مثال آخر) إذا ضربت خمسة عشر في ثلاثة عشر، حللت كلاً من الطرفين إلى مفرداته، فضربت الخمسة في الثلاثة حصل خمسة عشر، ثم ضربت خمسة في عشرة بالقاعدة التي عرفت يحصل خمسون، ثم ثلاثة في عشرة على نهج ما سبق يحصل ثلاثون، ثم عشرة في عشرة يحصل مائة ومجموع الحواصل وهي مائة وخمسة وتسعون هو حاصل ضرب الجميع في الجميع.
و(مثال آخر) إذا ضربت أربعة عشر في مائة وأربع وعشرين، حللت كلاً من المركبين إلى مفرداته، ثم ضربت الأربعة في الأربعة يحصل ستة عشر، ثم ضربت الأربعة في العشرين يحصل ثمانون، ثم الأربعة في المائة يحصل أربعمائة، ومجموع ذلك أربعمائة وستة وتسعون، ثم تضرب العشرة في الأربعة يحصل أربعون، ثم في العشرين يحصل مائتان، ثم في مائة يحصل ألف، ومجموع الحواصل أولاً وآخراً ألف وسبعمائة وستة وثلاثون، وهو حاصل ضرب المجموع في المجموع، وعلى ذلك فقس.
و(الثاني) منهما ضرب الكسور، وهما قسمان: باعتبار وقوع الكسر في أحد الطرفين أو كليهما ، لكنا نقتصر هنا على الأول لكونه الأكثر وقوعاً في هذا الباب، مع زيادة صعوبة في القسم الآخر لا يهتدي إليها سائر الطلاب ممن ليس له اليد الطولى في علم الحساب، فنقول: على تقدير كون الكسر في أحد الطرفين لا يخلو إما أن يكون معه صحيح أو لا، فعلى الأول تجنس الصحيح من جنس الكسر، ثم تزيد على صورة الكسر الموجود أولاً، وتضرب الجميع فيما قابله من الصحاح، وعلى الثاني تضرب صورة الكسر في الصحيح، وعلى كل منها بعد ذلك تقسم الحاصل من الضرب، وعلى مخرج ذلك الكسر إن كان الحاصل زائداً على المخرج أو مساوياً، وإلا فالنسبة منه.
فعلى الأول إذا ضربنا اثنين وثلاثة أخماس في أربعة، حسبنا الاثنين من جنس الأخماس، وأضفنا لهما الثلاثة، فصارت ثلاثة عشر، ضربناه في أربعة بلغت اثنان وخمسون، قسمناها على خمسة التي هي مخرج الكسر، فكان خارج القسمة عشرة وخمسين، وهو حاصل الضرب في المثال المذكور.
وعلى الثاني إذا ضربنا ثلاثة أرباع في خمسة، ضربنا صورة الكسر وهو ثلاثة في الصحيح وهو خمسة يحصل خمسة عشر، قسمنا الخمسة عشر على أربعة التي هي مخرج الكسر يكون خارج القسمة ثلاثة وثلاثة أرباع، وهو حاصل الضرب المذكور.
ومن أمثلة الثاني أيضاً إذا ضربت ثلاثة في خمسين، وثلاثة أرباع المخرج المشترك للكسور المذكورة عشرون وخمساها، وثلاثة أرباعها تبلغ ثلاثة وعشرين، فهي الكسور المضروب بينها، فإذا ضربنا ثلاثة فيها يحصل التسعة وستون، نقسمها على مخرج تلك الكسور، وهي العشرون يكون الخارج ثلاثة وربع وخمس، وهو حاصل الضرب هنا.
هذا في صورة القسمة على المخرج، وأما في صورة النسبة إليه، وهو ما إذا كان الحاصل أقل من المخرج إذا ضربت ثلاثة في نصف سدس، فالكسر واحد من اثني عشر، فضرب الثلاثة في واحد هي الثلاثة بحالها، وهي أقل من مخرج الكسر الذي هو اثني عشر، كما عرفت فنسبتها منه تكون بالربع، فيكون حاصل الضرب ثلاثة من اثني عشر، وهي ربعها.

وهذا آخر ما جرى به القلم في هذه الرسالة وسمحت به القريحة الجامدة في هذه العجالة، فقد جاءت بحمد الله سبحانه ومنه مشتملة على تحقيقات فائقة وتدقيقات رائقة وتنبيهات لم يسبق إليها سابق من الأعلام، وتوجيهات رشيقة مذيلة بأخبار أهل الذكر عليهم السلام ، وقد درت فيها مدار الأخبار المعصومية والآثار الإمامية إلا ما اشتبه من الأحكام أو عرى عن النصوص في المقام، فرجعت فيه إلى الاحتياط، ووقفت فيه على جادة ذلك الصراط حسبما أمرت به نصوص أهل الخصوص.
والله سبحانه أسأل أن يوفقني للعلم والعمل بجملة أحكامه، وأن يجنبني الخطل في معرفة حلاله وحرامه، وأن يجعل جملة ما جرى به قلمي في جملة المسائل والرسائل ذخراً لي في يوم لا تغني فيه الوسائل.

وكتب بيمنه الدائرة،أعطاه الله كتابه في الآخرة، فقير ربه الكريم، وأسير حوبه العظيم؛ يوسف بن أحمد بن ابراهيم الدرازي البحراني، أفاض الله تعالى عليه رواشح جوده السبحاني، في محروسة دار العلم شيراز أصانها الله تعالى عن الاعواز بتاريخ سلخ شهر رمضان المبارك من السنة الخامسة والخمسين بعد المائة والألف حامداً مصلياً مسلماً مستغفراً، تمت الرسالة بعون ذي الملك والجلالة.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *