ج25 - لواحق أحكام الطلاق
المقام التاسع (1)
وفيه مسائل :
الأولى : قد صرح
الأصحاب بأنه لا يجوز لمن طلق رجعيا أن يخرج الزوجة من بيته إلا أن تأتي بفاحشة ،
وهي أن تفعل ما يجب به الحد فيخرج لإقامته ، وأدنى ما تخرج له أن تؤذي أهله ،
ويحرم عليها الخروج ما لم تضطر ، ولو اضطرت إلى الخروج خرجت بعد انتصاف الليل
وعادت قبل الفجر.
أقول : تحقيق الحال في تفصيل هذا الإجمال أن يقال :
الظاهر أنه لا خلاف نصا وفتوى في وجوب السكنى للمطلقة الرجعية كما تجب لها النفقة
، والأصل في ذلك قوله عزوجل «لا
تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ
بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» ، (2) والأخبار المتكاثرة ومنها :
ما رواه في الكافي (3) في الصحيح عن سعد بن أبي خلف قال : «سألت
أبا الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام عن شيء من الطلاق
فقال : إذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلقها
وملكت نفسها ولا سبيل له عليها وتعتد حيث شاءت ولا نفقة لها ، قال : فقلت : أليس
الله عزوجل يقول (لا
تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ)؟ قال : فقال :
إنما عنى بذلك التي تطلق تطليقة بعد تطليقة ، فتلك التي لا تخرج ، ولا تخرج حتى
تطلق الثالثة ، فإذا طلقت الثالثة فقد بانت منه ولا نفقة لها ، والمرأة التي
يطلقها الرجل تطليقة ثم يدعها حتى يخلو أجلها فهذه أيضا تعتد في منزل زوجها ولها
النفقة والسكنى حتى تنقضي عدتها».
__________________
(1) والصحيح هو المقام الثامن.
(2) سورة الطلاق ـ آية 1.
(3) الكافي ج 6 ص 90 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 436 ب 20 ح 1 وفيهما
اختلاف يسير.
وعن إسحاق بن عمار (1) عن أبي الحسن عليهالسلام قال : «سألته
عن المطلقة أين تعتد؟ قال : في بيت زوجها.
وما رواه في الكافي والتهذيب (2) عن أبي بصير
عن أحدهما عليهماالسلام «في المطلقة
أين تعتد؟ فقال : في بيتها إذا كان طلاقا له عليها رجعة ليس له أن يخرجها ، ولا
لها أن تخرج حتى تنقضي عدتها».
وما رواه في الكافي (3) عن سماعة في الموثق قال : «سألته عن
المطلقة أين تعتد؟ قال : في بيتها لا تخرج ، وإن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل
ولا تخرج نهارا ، وليس لها أن تحج حتى تنقضي عدتها» الحديث.
وعن محمد بن قيس (4) في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليهالسلام «قال المطلقة
تعتد في بيتها ولا ينبغي لها أن تخرج حتى تنقضي عدتها ، وعدتها ثلاثة قروء أو
ثلاثة أشهر إلا أن تكون تحيض».
وعن الحلبي (5) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا
ينبغي للمطلقة أن تخرج إلا بإذن زوجها حتى تنقضي عدتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر
إن لم تحض».
وعن أبي الصباح الكناني (6) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «تعتد
المطلقة في بيتها ولا ينبغي لزوجها إخراجها ولا تخرج هي».
أقول : إضافة البيت في هذه الأخبار إليها وقع تبعا للآية
، والمراد به بيت الزوج أضيف إليها للملابسة بالسكنى قبل الطلاق. وقد اتفق الأصحاب
أيضا على أنه يحرم عليه إخراجها إلا أن تأتي بفاحشة كما صرحت به الآية ، وأنه كما
__________________
(1 و 2) الكافي ج 6 ص 91 ح 8 و 9، الوسائل ج 15 ص 434 ب 18 ح 4
و 6.
(3) الكافي ج 6 ص 90 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 435 ب 19 ح 1.
(4) الكافي ج 6 ص 90 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 422 ب 12 ح 2.
(5 و 6) الكافي ج 6 ص 89 و 91 ح 1 و 6، الوسائل ج 15 ص 434 ب
18 ح 1 و 5.
يحرم عليه إخراجها يحرم عليها هي
الخروج أيضا ، لكن اختلفوا في أن تحريم الخروج عليها هل هو مطلقا وإن اتفقا عليه
بأن أرادت الخروج ورضي الزوج بذلك؟ أو يختص بعدم رضا الزوج ، فلو أجاز وأذن لها
جاز؟ ظاهر المشهور الأول لإطلاق الآية والأخبار ، ودلالتهما على تحريم الفردين
المذكورين.
قال في المسالك تفريعا على ذلك : فلو اتفقا على الخروج
منعهما الحاكم الشرعي لأن فيه حقا لله تعالى كما أن في العدة حقا له تعالى ، بخلاف
السكنى المستحقة بالنكاح ، فإن حقها مختص بالزوجين.
وقيل بتقييد التحريم بعدم الاتفاق ، فلو أذن لها في
الخروج فخرجت جاز ، نقله في المسالك عن جماعة من الأصحاب منهم أبو الصلاح والعلامة
في التحرير. ويدل عليه ما تقدم في صحيحة الحلبي أو حسنته ، فإنها ظاهرة في جواز
الخروج مع إذنه. وعلى هذا فيخص بها إطلاق الآية والأخبار المذكورة ، قال في
المسالك : والأجود التحريم مطلقا عملا بظاهر الآية.
وفيه أن الرواية المذكورة معتبرة الإسناد عندهم إذ حسنها
على تقدير عدها من الحسن إنما هو بإبراهيم بن هاشم الذي لا راد لروايته ، منهم كما
صرح به غير واحد ، فالواجب تخصيص إطلاق الآية بها ، وهم قد جروا على هذه القاعدة
في غير موضع ، ولهذا مال سبطه في شرح النافع إلى ما ذكرناه فقال : والعمل بهذه
الرواية متجه وإن كان المنع مطلقا أحوط ، وهو جيد.
وأما الفاحشة المذكورة في الآية الموجبة لإخراجها فقد
اختلف فيها (فقيل) هي الزنا ، والمعنى إلا أن يزنين فيخرجن لإقامة الحد عليهن. (وقيل)
مطلق الذنب وأدناه أن تؤذي أهله. (وقيل) المعنى أن خروج المرأة قبل انقضاء العدة
فاحشة في نفسه أي لا يطلق في الخروج الذي هو فاحشة ، وقد علمنا أنه لا يطلق لهن في
الفاحشة فيكون ذلك منعا لهن عن الخروج عن أبلغ وجه.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك ما رواه في
الكافي (1) عن محمد بن
علي بن جعفر قال : «سأل المأمون الرضا عليهالسلام عن قول الله عزوجل «لا
تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ
بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» قال : يعني بالفاحشة المبينة أن تؤذي
أهل زوجها ، فإذا فعلت ذلك فإن شاء أن يخرجها من قبل أن تنقضي عدتها فعل».
وعن علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه (2) عن الرضا عليهالسلام «في قوله عزوجل «لا
تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ
بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» قال : أذاها لأهل الرجل وسوء خلقها».
وما رواه في الفقيه (3) مرسلا قال : «سئل الصادق عليهالسلام عن قول الله عزوجل «وَاتَّقُوا
اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلّا أَنْ
يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» قال : إلا أن
تزني فتخرج ويقام عليها الحد».
وفي كتاب مجمع البيان للطبرسي (4) قيل : هو
البذاء على أهلها فيحل لهم إخراجها ، وهو المروي عن أبي جعفر عليهالسلام وأبي عبد الله
عليهالسلام.
وروى علي بن أسباط (5) عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام قال : «الفاحشة
أن تؤذي أهل زوجها وتسبهم».
وما رواه في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة (6) بسنده فيه عن
سعد بن عبد الله القمي قال : «قلت لصاحب الزمان صلوات الله وسلامه عليه : أخبرني
عن الفاحشة المبينة التي إذا أتت المرأة بها في أيام عدتها حل للزوج أن يخرجها من
بيته ، فقال عليهالسلام : الفاحشة
المبينة هي السحق دون الزنا ، فإن المرأة إذا زنت وأقيم عليها
__________________
(1 و 2) الكافي ج 6 ص 97 ح 2 و 1 ، الوسائل ج 15 ص 439 ب 23 ح
2 و 1.
(3) الفقيه ج 3 ص 322 ح 10 ، الوسائل ج 15 ص 440 ب 23 ح 3.
(4 و 5) مجمع البيان ج 10 ص 304 ، الوسائل ج 15 ص 440 ب 23 ح 5
و 6.
(6) إكمال الدين ص 254 ، الوسائل ج 15 ص 440 ب 23 ح 4.
الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك
من التزويج بها لأجل الحد ، وإذا سحقت وجب عليها الرجم ، والرجم أخزى ، ومن قد أمر
الله برجمه فقد أبعده ، ومن أبعده فليس لأحد أن يقربه».
وأكثر هذه الأخبار على تفسير الفاحشة بالأذى لأهل زوجها
، ومرسلة الفقيه فسرتها بالزنا ، ورواية إكمال الدين بالسحق ، وبذلك يظهر أن ما
ذكره الأصحاب من التفسير بمطلق الذنب وأن أدناه أن تؤذي أهله لا أعرف له وجها لأن
الروايات صريحة في التخصيص بأذى أهله ، وليس في شيء منها إشارة إلى مطلق الذنب ،
وكذلك ما ذكره بعضهم من التفسير بمطلق ما يوجب الحد وجعل من جملته الزنا فإنه لا
وجه له لاختصاص المرسلة التي هي مستند ذلك بالزنا ، فالتعدية إلى مطلق ما يوجب
الحد على هذا القول وكذا التعدية إلى مطلق الذنب على القول الآخر لا معنى له.
بقي الإشكال في رواية سعد بن عبد الله المروية عن صاحب
الزمان صلوات الله وسلامه عليه ، فإنها قد تضمنت تفسيرها بالسحق دون الزنا ،
وحملها في الوسائل على أن السحق أعظم أفراد الفاحشة المبينة جمعا بينه وبين ما مضى
ويأتي.
أقول : كيف يتم هذا الحمل مع نفيه الزنا بمعنى أن
الفاحشة في الآية لم يرد بها الزنا لقوله «السحق دون الزنا» والقدر المحكوم به في
هذه الروايات هو التفسير بأذى أهله ، وفيما عداه من الزنا والسحق إشكال لتصادم
الروايتين المذكورتين.
والظاهر أنه لو لم ينفق عليها جاز لها الخروج لاكتساب
المعيشة ، ويدل عليه ما رواه في الفقيه (1) قال : «كتب الصفار إلى أبي محمد
الحسن بن علي عليهماالسلام في امرأة
طلقها زوجها ولم يجر عليها النفقة للعدة وهي محتاجة ، هل يجوز لها أن تخرج وتبيت
عن منزلها للعمل والحاجة؟ فوقع عليهالسلام : لا بأس بذلك
إذا علم الله
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 328 ح 12 ، الوسائل ج 15 ص 461 ب 34 ح 1
ونقله المصنف ـ رحمهالله ـ بالمعنى.
الصحة منها».
قال في المسالك : وتحريم إخراجها وخروجها مشروط بحالة
الاختيار ، فلو اضطرت إلى الخروج جاز ، ووجب كونه بعد انتصاف الليل وتعود قبل
الفجر على ما ذكره المصنف وجماعة ، وهو في موقوفة سماعة ـ ثم ساق الرواية المذكورة
كما قدمنا ذكره ثم قال : ـ وإنما يعتبر ذلك حيث تتأدى الضرورة به ، وإلا جاز
الخروج مقدار ما تتأدى الضرورة به من غير تقييد بالليل ، انتهى وهو جيد.
ويدل على الحكم الآخر ما ذكرناه من صحيحة الصفار ،
والظاهر أنه لم يقف عليها ، وإلا لنقلها دليلا لما ذكره.
قالوا : ولا يلزم ذلك في البائن والمتوفى عنها زوجها بل
تبيت كل منهما حيث شاءت.
أقول : ويدل على البائن صحيحة سعد بن أبي خلف (1) المتقدمة ،
وأما المتوفى عنها زوجها فاستدل السيد السند في شرح النافع عليها بروايتي معاوية
ابن عمار وسليمان بن خالد (2) الدالتين على
إخراج أمير المؤمنين عليهالسلام أم كلثوم من
منزل عمر لما مات ، وقد تقدمتا في عدة الوفاة ، قال : وقد ورد في بعض الروايات أن
المتوفى عنها زوجها لا تبيت في غير بيتها ويجب حملها على الكراهة جمعا بين الأدلة.
وفيه أنا قد بينا في عدة الوفاة أنه لا منافة بين الوجوب
البينونة في المنزل وجواز الخروج من منزل إلى منزل بمعنى أنه لا يجب على مرأة
الاعتداد في منزل الزوج خاصة كالمطلقة بل لها أن تخرج إلى منزل أهلها فتعتد فيه أو
منزل آخر ولو تعددت المنازل ، لكن متى جلست واستقرت في ذلك المنزل لزمها حكم الاعتداد
، ومن جملته عدم الخروج إلا للضرورة أو قضاء الحقوق كما دلت عليه الروايات
__________________
(1) الوسائل ج 15 ص 436 ب 20 ح 1.
(2) الوسائل ج 15 ص 458 و 457 ب 32 ح 3 و 1.
المتقدمة ثمة ، فلا منافاة ولا ضرورة
إلى حمل تلك الأخبار على الكراهة ، فإن ظاهر جملة منها مزيد التأكيد في ذلك الدال
على التحريم كأخبار إنكار الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم على النساء ،
وأنهن كن في الجاهلية يلتزمن ذلك.
وبالجملة فإن الظاهر من الأخبار أن هذا من أحكام الحداد
الذي لا خلاف في وجوبه عليها ، وحينئذ فيحرم عليها المبيت في غير بيتها كما يحرم
عليها الزينة ، والله العالم.
المسألة الثانية : لا خلاف في
أن المطلقة الرجعية زمن العدة تستحق النفقة والكسوة والمسكن لأنها زوجته مسلمة
كانت أو ذمية.
قالوا : أما الأمة فإن أرسلها مولاها ليلا ونهارا فلها
النفقة والسكنى لوجود التمكين التام ، ولو منعها ليلا أو نهارا فلا نفقة لعدم
التمكين وأنه لا نفقة للبائن ولا سكنى إلا أن تكون حاملا ، فلها ذلك حتى تضع.
أقول : ومن الأخبار المتعلقة بهذه المسألة صحيحة سعد بن
أبي خلف المتقدمة في سابق هذه المسألة.
وما رواه في الكافي والفقيه (1) عن زرارة عن
أبي جعفر عليهالسلام قال : «إن
المطلقة ثلاثا ليس لها نفقة ولا سكنى على زوجها إنما ذلك للتي لزوجها عليها رجعة».
أقول : قوله «ولا سكنى» ليس في الكافي بل في الفقيه
خاصة.
وما رواه في الكافي (2) عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليهالسلام قال : «سألته
عن المطلقة ثلاثا على السنة هل لها سكنى ونفقة؟ قال : لا».
وعن أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه سئل عن
المطلقة ثلاثا إلها سكنى
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 104 ح 4 ، الفقيه ج 3 ص 324 ح 5 ، الوسائل ج
15 ص 232 ب 8 ح 2 وما في الوسائل والكافي هكذا «المطلقة ثلاثا ليس لها نفقة على
زوجها».
(2) الكافي ج 6 ص 104 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 233 ب 8 ح 5 وفيهما
«أو نفقة».
(3) الكافي ج 6 ص 104 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 233 ب 8 ح 6 وفيهما
«ونفقة».
أو نفقة؟ قال : حبلى هي؟ قلت : لا ،
قال : لا».
وعن سماعة (1) في الموثق قال : «قلت : المطلقة لها
سكنى ونفقة؟ فقال : حبلى هي؟ قلت : لا ، قال : ليس لها سكنى ولا نفقة».
وما رواه في التهذيب (2) عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله
عليهالسلام «أنه سئل عن
المطلقة ثلاثا إلها النفقة والسكنى؟ قال : أحبلى هي؟ قلت : لا ، قال : لا».
وعن ابن سنان (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المطلقة
ثلاثا على العدة إلها سكنى أو نفقة؟ قال : نعم». وهذا الخبر حمله الشيخ على
الاستحباب قال : ويحتمل أن يكون المراد به إذا كانت المرأة حاملا.
وما رواه في الكافي (4) عن محمد بن قيس في الصحيح أو الحسن
عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «الحامل
أجلها أن تضع حملها ، وعليه نفقتها بالمعروف حتى تضع حملها».
ورواية عبد الله بن سنان (5) عن أبي عبد
الله عليهالسلام «في الرجل يطلق
امرأته وهي حبلى ، قال : أجلها أن تضع حملها وعليه نفقتها حتى تضع».
ورواية أبي الصباح الكناني (6) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «إذا
طلق الرجل المرأة وهي حبلى أنفق عليها حتى تضع حملها» الحديث.
وصحيحة الحلبي أو حسنته (7) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «الحبلى
المطلقة ينفق عليها زوجها حتى تضع حملها» الحديث.
والرواية الاولى من هذه الروايات ونحوها صحيحة سعد بن أبي
خلف قد
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 104 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 232 ب 8 ح 3 وفيهما
«المطلقة ثلاثا».
(2 و 3) التهذيب ج 8 ص 133 ح 61 و 60 ، الوسائل ج 15 ص 233 ب 8
ح 7 و 8.
(4 و 5 و 6) الكافي ج 6 ص 103 ح 1 و 4 و 2 ، الوسائل ج 15 ص
230 ب 7 ح 3 و 1 و 2.
(7) الكافي ج 6 ص 103 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 231 ب 7 ح 4 وكلمة «زوجها»
غير موجودة فيهما.
تضمنت حكم المطلقة الرجعية الحامل ،
وأن لها السكنى والنفقة ما دامت في العدة. والروايات الأخيرة وهي صحيحة محمد بن
قيس وما بعدها قد تضمنت حكم المطلقة الرجعية الحامل وأن لها النفقة والسكنى حتى
تضع حملها. وباقي الروايات تضمنت حكم المطلقة البائن حاملا كانت أو حائلا ، وأن
الحائل لا نفقة لها ولا سكنى ، وأما الحامل فلها النفقة والسكنى ، وقد تقدم تحقيق
الكلام في هذا المقام بما لا يحوم حوله نقض ولا إبرام في المسألة الثانية من المقصد
الخامس في النفقات من الفصل الخامس فيما يلحق بالنكاح وهو آخر كتاب النكاح. (1)
قالوا : وشرط وجوب النفقة والسكنى للمطلقة رجعيا اجتماع
الشرائط المعتبرة فيها حال الزوجية من الصلاحية للاستمتاع وتسليم نفسها وغيره ،
لأن المطلقة رجعيا تبقى بحكم الزوجة ، فيعتبر فيما يجب لها ما يعتبر في الزوجة ،
فلو كانت صغيرة لا تتحمل الجماع لم تستحق النفقة في العدة كما لا تستحقها في
النكاح ، وكذا لو طلقها وهي ناشزة لم تستحق السكنى والنفقة في العدة كما لا
تستحقها في صلب النكاح ، وكذا لو نشزت في العدة ولو بالخروج عن مسكنها بغير إذنه تسقط
نفقتها وسكناها ، ولو عادت إلى الطاعة عاد الاستحقاق.
أقول : وما ذكروه وإن لم يرد به نص بالخصوص إلا أنه
الأوفق بالقواعد الشرعية لترتب ذلك على بقاء الزوجية ، إلا أن عد الصغيرة منها لا
يخلو من شيء فإنها لا عدة عليها بعد الطلاق لعدم الدخول بها.
بقي هنا شيء لم يتقدم ذكره ، وهو أنه لا ريب أن العدة
تجب مع وطء الشبهة إجماعا نصا وفتوى ، وهل تثبت النفقة لها لو كانت حاملا؟ وجهان ،
بل قولان مبنيان على أن النفقة على الحامل هل هي لها أو للحمل؟ فقال الشيخ : هي
للحمل وحينئذ فتجب ، وإن كانت الحامل غير مطلقة إذا كان الولد ملحقا بالواطئ كما
هو محل البحث ، فإن نفقة ولده واجبة عليه ، وإن لم تكن امه زوجته.
__________________
(1) راجع ص 108 من هذا الجزء.
وأما على القول بأنها للحامل فلا ، لأن الموطوءة بالشبهة
ليست زوجة يجب الإنفاق عليها ، كذا قيل.
وفيه أن القائل بكونها للحامل يقول بأنها لأجل الحمل ،
لا أنها لها مطلقا حتى يعلل نفيها بأنها ليست زوجة على أنه قد تقدم في الموضع
المشار إليه أن المسألة موضع إشكال ، لعدم النص الواضح في هذا المجال.
وظاهر المحقق في الشرائع الاستشكال في هذه المسألة ـ أعني
مسألة وجوب النفقة للموطوءة بالشبهة بناء على كونها للحمل من وجه آخر ـ ومنشأ
الاشكال مما تقدم من أنها بناء على القول المذكور لولده الواجب النفقة عليه ، ومن
إمكان أن يقال : إن وجوب نفقة البائن على خلاف الأصل فيقتصر فيها على مورد النص ،
وهو المطلقة الحامل فلا يتعدى إلى غيرها.
وبالجملة فالتمسك بأصالة العدم أقوى مستمسك حتى يقوم
دليل على الوجوب والتمسك في ذلك بما ذكر مع كون تلك المسألة كما عرفت غير خالية من
الاشكال مما لا يمكن الاعتماد عليه في هذه الحال.
وقد علم مما تقدم ـ وهو المشهور في كلام الأصحاب وعليه
دل ما تقدم من الأخبار ـ أن نفقة المعتدة. مختصة بالرجعية والبائن إذا كانت حاملا.
وأما المتوفى عنها زوجها ، فإن كانت حائلا فلا نفقة لها
إجماعا ، وإن كانت حاملا فلا نفقة لها أيضا في مال المتوفى عنها إجماعا ، وإنما
الخلاف في أنه يجب لها النفقة في نصيب الولد أم لا؟ فظاهر المشهور بين المتقدمين
الأول ، والمشهور بين المتأخرين الثاني ، وقد تقدم تحقيق الكلام في المسألة منقحا
في الموضع المتقدم ذكره.
المسألة الثالثة : قد صرح
الأصحاب بأنه لو تزوجت في العدة لم يصح ولم تنقطع عدة الأول ، فإن لم يدخل فهي في
عدة الأول ، وإن وطأها الثاني عالما بالتحريم فالحكم كذلك ، حملت أو لم تحمل ، ولو
كان جاهلا ولم تحمل أتمت عدة الأول لأنها أسبق ، واستأنفت أخرى للثاني على أشهر
الروايتين.
أقول : أما عدم صحة العقد عليها في العدة بائنة كانت أو
رجعية فهو مما لا خلاف فيه نصا وفتوى ، علم بالحكم أو لم يعلم ، وقد تقدمت الأخبار
المتضافرة بذلك في كتاب النكاح.
وأما عدم انقطاع عدة الأول فظاهر لعدم القاطع لها ،
ومجرد العقد عليها لا أثر له في ذلك لفساده وكونه في حكم العدم.
وأما أنه إذا وطأها الثاني ودخل بها بعد العقد عالما
بالتحريم فالحكم كذلك. يعني أنه لا عدة ، فعلل بأنه زان ولا حرمة لمائه ، فتكفي
بإكمال العدة الأولى سواء كانت عدة طلاق أم عدة وفاة أم غيرهما ، وهو مبني على ما
هو المشهور بينهم ، بل ربما ادعي عليه الإجماع من أنه لا عدة على الزانية لا من
ماء الزاني ولا غيره ، مع أنا قد قدمنا في غير موضع (1) ورود الأخبار
بالعدة في هذا الموضع وهو مذهب ابن الجنيد أيضا ، وحينئذ فالأظهر عدم الاكتفاء
بإكمال العدة الأولى كما ذكروه.
وأما أنه لو كان جاهلا ولم تحمل فإنها تتم عدة الأول ثم
تستأنف أخرى للثاني فالوجه في ذلك أن الدخول بها جاهلا يصير النكاح وطء شبهة ، وهو
نكاح صحيح موجب للعدة.
وأما عدم تداخل العدتين فعلل بأنه الأصل ، وأنهما حقان
مقصودان كالدين ، وأسنده هنا إلى أشهر الروايتين ، وأراد بهما الجنس لتعدد
الروايات من الطرفين.
فمما يدل على التعدد كما هو المشهور صحيحة الحلبي أو
حسنته (2) بإبراهيم
__________________
(1) منها ما في هذا الكتاب في أول الفصل الثالث في العدد وقبله
في كتاب النكاح في الإلحاق المشتمل على جملة من أحكام الزنا من المقام الثاني في
الزنا من المطلب الثالث فيما يحرم بالمصاهرة.
(منه ـ قدسسره ـ).
(2) الكافي ج 5 ص 427 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 306 ح 31 ، الوسائل
ج 14 ص 346 ب 17 ح 6.
ابن هاشم عن أبى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن المرأة الحبلى يموت زوجها فتضع وتزوج قيل أن تمضي لها أربعة أشهر وعشرا. فقال :
إن كان دخل بها فرق بينهما ثم لم تحل له أبدا واعتدت بما بقي عليها للأول واستقبلت
عدة اخرى من الآخر ثلاثة قروء ، وإن لم يكن دخل بها فرق بينهما واعتدت بما بقي
عليها من الأول وهو خاطب من الخطاب».
وموثقة محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته
عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها ، قال : إن كان دخل بها فرق بينهما ولم تحل له
أبدا واعتدت بما بقي عليها من الأول واستقبلت عدة اخرى من الآخر ، وإن لم يكن دخل
بها فرق بينهما وأتمت عدتها من الأول وكان خاطبا من الخطاب».
ورواية علي بن بشير النبال (2) عن أبي عبد
الله عليهالسلام وفيها «وإن
فعلت ذلك بجهالة منها ثم قذفها بالزنا ضرب قاذفها الحد وفرق بينهما ، وتعتد بما
بقي من عدتها للأولى ، وتعتد بعد ذلك عدة كاملة».
ومما يدل على الاتحاد صحيحة زرارة (3) عن أبي جعفر عليهالسلام «في امرأة
تزوجت قبل أن تنقضي عدتها ، قال : يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما جميعا».
وعن أبي العباس (4) عن أبي عبد الله عليهالسلام «في المرأة
تزوج في عدتها ، قال : يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما جميعا».
وعن جميل عن بعض أصحابه (5) عن أحدهما عليهماالسلام «في المرأة
تزوج في عدتها ، قال : يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما جميعا» الخبر.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 427 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 307 ح 35 ، الوسائل
ج 14 ص 344 ب 17 ح 2 وما في المصادر اختلاف يسير.
(2) التهذيب ج 7 ص 309 ح 42 ، الوسائل ج 14 ص 349 ب 17 ح 18
وفيهما اختلاف يسير.
(3 و 4 و 5) التهذيب ج 7 ص 308 ح 36 و 38 و 41 ، الوسائل ج 14
ص 347 ب 17 ح 11 و 12 و 14.
ورواية زرارة (1) عن أبي جعفر عليهالسلام «في امرأة فقدت
زوجها أو نعي إليها فتزوجت ثم قدم زوجها بعد ذلك فطلقها ، قال : تعتد منهما جميعا
ثلاثة أشهر عدة واحدة وليس للآخر أن يتزوجها أبدا».
والظاهر من نسبة الرواية إلى الشهرة أن المراد بها
الشهرة في الفتوى ، فإن المشهور هو التعدد كما عرفت ، وإلا فالشهرة في الرواية
إنما هي في جانب الروايات الدالة على الاتحاد.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الشيخ في كتابي الأخبار أجاب عن
روايتي زرارة وأبي العباس الدالتين على الاتحاد بالحمل على ما إذا لم يكن الثاني
دخل بها ، وهو كما ترى غفلة عجيبة ، فإنهما قد صرحتا بأنها تعتد منهما جميعا عدة
واحدة ، وكيف تعتد وهي غير مدخول بها.
وجملة من المتأخرين كالسيد السند في شرح النافع حملوا
أخبار التعدد على الاستحباب ، والأظهر عندي حملها على التقية التي في اختلاف
الأحكام أصل كل بلية.
وتدل على ذلك رواية زرارة (2) قال : «سألت
أبا جعفر عليهالسلام عن امرأة نعي
إليها زوجها فاعتدت وتزوجت ، فجاء زوجها الأول ففارقها وفارقها الآخر ، كم تعتد
للناس؟ فقال : ثلاثة قروء ، إنما يستبرء رحمها بثلاثة قروء وتحل للناس كلهم. قال
زرارة : وذلك أن أناسا قالوا تعتد عدتين من كل واحد عدة ، فأبى ذلك أبو جعفر عليهالسلام وقال : تعتد
ثلاثة قروء وتحل للرجال».
ورواية يونس عن بعض أصحابه (3) «في امرأة نعي
إليها زوجها فتزوجت ثم
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 308 ح 37 ، الوسائل ج 14 ص 341 ب 16 ح 2
وفيهما اختلاف يسير.
(2) الكافي ج 6 ص 150 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 468 ب 38 ح 1
وفيهما اختلاف يسير.
(3) الكافي ج 6 ص 151 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 468 ب 38 ح 2
وفيهما «ثم قدم زوجها الأول».
قدم الزوج الأول فطلقها وطلقها الآخر
، قال : فقال إبراهيم النخعي : عليها أن تعتد عدتين. فحملها زرارة إلى أبي جعفر عليهالسلام فقال : عليها
عدة واحدة».
ومن هذين الخبرين يعلم أن الاتحاد مذهب العامة فيجب حمل
أخباره على التقية بلا إشكال. وقد تقدم هذا التحقيق في كتاب النكاح أيضا ونحوه في
موضع آخر بعده أيضا.
هذا فيما لو كان جاهلا ولم تحمل ، وأما لو حملت فيأتي ـ بناء
على وجوب تعدد العدة وعدم التداخل ـ التفصيل بأنه إن كان ثمة ما يدل على أنه للأول
بأن وطئت للشبهة بعد الحمل اعتدت للأول أولا بوضعه ، ثم تعتد للثاني بالأقراء ،
وإلا بالأشهر وإن كان الحمل للثاني ويعلم بوضعه لما زاد عن أكثر الحمل من وطء
الأول (1) ولما بينه
وبين الأول من وطء الثاني اعتدت بوضعه للثاني وأكملت عدة الأول بعد ذلك ، فإن كانت
رجعية كان له الرجوع في زمن الإكمال دون زمان الحمل على الأشهر.
وربما قيل بجواز الرجوع في زمن الحمل أيضا لأنها لم تخرج
بعد من عدته الرجعية ، لكن لا يجوز الوطء إلى أن تخرج من عدة الشبهة ، ولو فرض
انتفاء الحمل عنهما بأن ولدته لأكثر من عدة الحمل من وطء الأول ولأقل من ستة أشهر
من وطء الثاني لم يعتبر زمان الحمل من العدة ، وأكملت الأولى بعد الوضع بالأقراء
أو الأشهر على حسبها ، ثم اعتدت بعدها للأخير كذلك.
ولو احتمل أن يكون منهما كما لو ولدته فيما بين أقل
الحمل وأقصاه بالنسبة إليهما انقضت إحدى العدتين بوضعه على كل حال واعتدت بعد ذلك
للآخر ، ثم إن الحق بالأول استأنفت عدة كاملة للثاني بعد الوضع ، وإن الحق بالثاني
أكملت عدة الأول ، كما لو كان الحمل للثاني ابتداء.
__________________
(1) بأن تضعه لعشرة مثلا من وطء الأول ، والحال أن أقصى الحمل
تسعة أشهر كما هو الأشهر الأظهر ، فإنه لا يمكن حينئذ إلحاق الولد بالأول ، أو
تضعه لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني ، بمعنى أنه إذا اعتبر بوطء الثاني كان لستة
أشهر من وطئه ، وان اعتبر بوطء الأول لأقل من ستة أشهر من وطئه فإنه يجب الحكم به
للثاني إذ لا يكون الولد حيا لأقل من ستة أشهر. (منه ـ قدسسره ـ).
بقي الكلام في أنه في هذه الصورة التي يحتمل كونه منهما
بمن يلحق منهما؟ قولان :
(أحدهما) للشيخ وهو أنه يقرع بينهما لأنها صارت فراشا
لكل منهما في وقت إمكان حمله فأشكل أمره ، والقرعة لكل أمر مشكل ، ولا فرق في ذلك
بين أن يتداعياه أم لا.
(وثانيهما) وعليه الأكثر أنه يلحق بالثاني لأنها فراش له
بالفعل وفراش الأول قد انقضى ، وصاحب الفراش الثابت بالفعل حال الحمل أولى لقوله عليهالسلام «الولد للفراش»
وقد تقدم تحقيق القول في هذا الحكم وذكر الروايات الدالة على القول المشهور في
كتاب النكاح. (1)
المسألة الرابعة : لا إشكال ولا
خلاف في أن زوجة الحاضر تعتد من الطلاق من حين وقوعه ، ومن الوفاة من حين وقوعها ،
وأما لو كان الزوج غائبا فالأشهر الأظهر أنها تعتد من الطلاق من حينه ، ومن الوفاة
من يوم بلوغ الخبر ، وعلى ذلك تدل الأخبار المتكاثرة.
ومنها بالنسبة إلى الطلاق ما رواه ثقة الإسلام (2) في الصحيح عن
محمد بن مسلم قال : «قال لي أبو جعفر عليهالسلام : إذا طلق
الرجل وهو غائب فليشهد على ذلك ، فإذا مضى ثلاثة أقراء من ذلك اليوم فقد انقضت
عدتها».
وعن الحلبي (3) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن الرجل يطلق امرأته وهو غائب عنها ، من أي يوم تعتد؟ فقال : إن قامت لها بينة
عدل أنها طلقت في يوم معلوم وتيقنت فلتعتد من يوم طلقت ، وإن لم تحفظ في أي يوم
وفي أي شهر فلتعتد من يوم يبلغها».
وعن زرارة ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية (4) كلهم عن أبي
جعفر عليهالسلام في الصحيح أو
الحسن «أنه قال في الغائب إذا طلق امرأته فإنها تعتد من اليوم
__________________
(1) تقدم ذلك في المقصد الرابع في أحكام أولاد من الفصل الخامس
فيما يلحق بالنكاح. (منه ـ قدسسره ـ). راجع ص 13 من هذا الجزء.
(2) الكافي ج 6 ص 111 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 443 ب 26 ح 1.
(3 و 4) الكافي ج 6 ص 110 ح 1 و 2، الوسائل ج 15 ص 444 ب 26 ح
2 و 3.
الذي طلقها».
وعلى هذا النهج رواية زرارة (1) ورواية أخرى
له (2) أيضا ورواية
أبي الصباح الكناني (3).
وما رواه
في كتاب قرب الاسناد (4) عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن
محمد بن أبي نصر عن الرضا عليهالسلام في الصحيح قال
: «سأله صفوان بن يحيى وأنا حاضر عن رجل طلق امرأته وهو غائب فمضت أشهر ، فقال :
إذا قامت البينة أنه طلقها منذ كذا وكذا وكانت عدتها قد انقضت فقد حلت للأزواج ،
قال : فالمتوفى عنها زوجها؟ قال : هذه ليست مثل تلك ، هذه تعتد من يوم يبلغها
الخبر ، لأن عليها أن تحد».
وتدل على ذلك الأخبار الدالة على أنها إذا لم تعلم
بالطلاق إلا بعد انقضاء العدة فلا عدة عليها ، ومنها رواية قرب الاسناد المذكورة.
وما رواه الشيخ في التهذيب (5) في الصحيح عن
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «إذا
طلق الرجل المرأة وهو غائب ولم تعلم إلا بعد ذلك بسنة أو أكثر أو أقل فإذا علمت
تزوجت ولم تعتد» الحديث.
وما رواه الكليني (6) في الصحيح أو الحسن عن أحمد بن محمد
بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام «قال في
المطلقة إذا قامت البينة أنه قد طلقها منذ كذا وكذا فكانت عدتها قد انقضت فقد بانت».
وعن أبي بصير (7) عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه عن سئل عن
المطلقة يطلقها زوجها فلا
__________________
(1 و 2 و 3) الكافي ج 6 ص 111 ح 3 و 7 و 8 ، الوسائل ج 15 ص
444 ب 26 ح 4 و 5 و 6.
(4) قرب الاسناد ص 159 ، الوسائل ج 15 ص 445 ب 26 ح 7.
(5) التهذيب ج 8 ص 164 ح 68 ، الوسائل ج 15 ص 445 ب 27 ح 1
وفيهما اختلاف يسير.
(6) الكافي ج 6 ص 111 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 445 ب 27 ح 2.
(7) الكافي ج 6 ص 111 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 446 ب 27 ح 3.
تعلم إلا بعد سنة ، فقال : إن جاء شاهد
اعدل فلا تعتد ، وإلا فلتعتد من يوم يبلغها».
وأما بالنسبة إلى الوفاة فيدل على ذلك ما تقدم في صحيحة
البزنطي المروية في قرب الاسناد.
وما رواه ثقة الإسلام (1) في الصحيح عن
محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام «في الرجل يموت
وتحته امرأة وهو غائب ، قال : تعتد من يوم يبلغها وفاته».
وعن أبي الصباح الكناني (2) عن أبي عبد
الله عليهالسلام ، قال : «التي
يموت عنها زوجها وهو غائب فعدتها من يوم يبلغها إن قامت لها البينة أو لم».
وعن زرارة ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية (3) في الصحيح أو
الحسن عن أبي جعفر عليهالسلام «قال في الغائب
عنها زوجها إذا توفي ، قال : المتوفى عنها زوجها تعتد من يوم يأتيها الخبر لأنها
تحد عليه».
وعن ابن أبي نصر (4) في الصحيح أو الحسن عن أبي الحسن
الرضا عليهالسلام قال : «المتوفى
عنها زوجها تعتد من يوم يبلغها لأنها تريد أن تحد عليه».
وعن الحسن بن زياد (5) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «في
المرأة إذا بلغها نعي زوجها تعتد من يوم يبلغها ، إنما تريد أن تحد له».
وعن رفاعة (6) قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المتوفى
عنها زوجها وهو غائب متى تعتد؟ قال : يوم يبلغها» الخبر.
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 112 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 446 ب 28 ح 1.
(2) الكافي ج 6 ص 112 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 446 ب 28 ح 2
وفيهما «ان قامت البينة أو لم تقم».
(3) الكافي ج 6 ص 112 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 446 ب 28 ح 3.
(4) الكافي ج 6 ص 113 ح 7 ، التهذيب ج 8 ص 163 ح 164 وفيهما «تعتد
حين يبلغها» ، الوسائل ج 15 ص 447 ب 28 ح 4.
(5) الكافي ج 6 ص 112 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 447 ب 28 ح 5.
(6) الكافي ج 6 ص 112 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 447 ب 28 ح 6.
وما رواه الشيخ في التهذيب (1) عن محمد بن
مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليهالسلام «في حديث قال :
المتوفى عنها زوجها وهو غائب تعتد من يوم يبلغها وإن كان قد مات قبل ذلك بسنة أو
سنتين».
وعن محمد بن مسلم (2) أيضا في الصحيح عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «إذا
طلق الرجل امرأته وهو غائب عنها فليشهد على ذلك ، وإذا مضى ثلاثة أشهر فقد انقضت
عدتها ، والمتوفى عنها تعتد إذا بلغها».
وما رواه الصدوق في الفقيه (3) بإسناده في
قضايا أمير المؤمنين عليهالسلام «في حديث قال :
والمطلقة تعتد من يوم طلقها زوجها والمتوفى عنها تعتد من يوم يبلغها الخبر ، إن
هذه تحد وهذه لا تحد».
وما رواه في العلل (4) عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح
عن الرضا عليهالسلام «في المطلقة إن
قامت البينة أنه طلقها منذ كذا وكذا ، وكانت عدتها قد انقضت فقد بانت منه ،
والمتوفى عنها زوجها تعتد حين يبلغها الخبر لأنها تريد أن تحد له».
قال في المسالك بعد إيراد بعض الأخبار المذكورة المتضمنة
للتعليل بالحداد ما لفظه : وفيه إشارة إلى الفرق بينهما ، فإن المتوفى عنها عليها
الحداد ، وهو لا يحصل قبل بلوغ الخبر ، بخلاف المطلقة المقصود منها براءة الرحم ،
وهو يحصل بمضي المدة علمت بالحال أم لم تعلم. ويشكل الحكم على هذا التعليل في
الأمة حيث لا يوجب عليها الحداد ، وأن مقتضاه مساواتها للمطلقة لعدم المقتضي لجعل
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 164 ح 168 ، الوسائل ج 15 ص 448 ب 28 ح 8
وفيهما «ولو كان قد مات».
(2) التهذيب ج 8 ص 61 ح 118 ، الوسائل ج 15 ص 448 ب 28 ح 11
وفيهما اختلاف يسير.
(3) الفقيه ج 3 ص 328 ح 11 ، الوسائل ج 15 ص 449 ب 28 ح 13
وفيهما اختلاف يسير.
(4) علل الشرائع ص 509 ط النجف الأشرف ، الوسائل ج 15 ص 449 ب
28 ح 14.
عدتها من حين بلوغ الخبر ، ويمكن
القول بمساواتها للحرة هنا نظرا إلى إطلاق كثير من الأخبار اعتداد المتوفى عنها
زوجها من حين بلوغ الخبر الشامل لها والتعليل في الأحكام الشرعية ضبطا للقواعد
الكلية لا يعتبر فيه وجوده في جميع أفرادها الجزئية كحكمة العدة وغيرها من الأحكام
، وقد نبهنا على هذا البحث غير مرة. انتهى وهو جيد ، وقد تقدم منا في هذا الكتاب
ما يساعده ويؤيده.
إذا تقرر ذلك فاعلم أن في المسألة أقوالا زائدة على ما
ذكرناه منها قول ابن الجنيد (1) بالتسوية
بينهما في الاعتداد من حين الموت والطلاق إن علمت الوقت وإلا حين يبلغها فيهما.
ويدل على هذا القول ما رواه الشيخ (2) في الصحيح عن
عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له
: امرأة بلغها نعي زوجها بعد سنة أو نحو ذلك ، قال : فقال : إن كانت حبلى فأجلها
أن تضع حملها ، وإن كانت ليست بحبلى فقد مضت عدتها البينة إذا قامت لها أنه مات في
يوم كذا وكذا ، وإن لم تكن لها بينة فلتعتد من يوم سمعت».
وعن الحسن بن زياد (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المطلقة
يطلقها زوجها ولا تعلم إلا بعد سنة ، والمتوفى عنها زوجها ولا تعلم بموته إلا بعد
سنة ، قال : إن جاء
__________________
(1) قال على ما نقله عنه في المختلف : والتي يطلقها زوجها أو
يموت وهو غائب عنها ان علمت الوقت ، والا حين بلغها ، فان كان قد خرج وقت العدة
عنها فلا عدة عليها ان كان مسيرة ما بين البلاد ما كان يمكن علمها بذلك قبل الوقت
الذي علمت ، وان كانت المسافة لا تحتمل أن تعلم الحال في الوقت الذي علمت به اعتدت
من يوم يبلغها طلاق ووفاة زوجها وهي معه في البلد ، انتهى. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) التهذيب ج 8 ص 164 ح 170 وفيه «عن عبد الله عن الحلبي» ،
الوسائل ج 15 ص 448 ب 28 ح 10 وفيه «عبيد الله عن الحلبي».
(3) التهذيب ج 8 ص 164 ح 169 وفيه «الحسين بن زياد» ، الوسائل
ج 15 ص 448 ب 28 ح 9 وفيهما «ان جاء شاهدان عدلان».
شاهدان عدل فلا تعتدان ، وإلا تعتدان».
وهذان الخبران حملهما الشيخ في التهذيبين على الشذوذ
لمخالفة سائر الأخبار فلم يجوز العدول عنها إليهما ، ثم احتمل وهم الراوي واشتباهه
المطلقة بالمتوفى عنها زوجها.
أقول : أما الشذوذ فنعم ، لما عرفت من استفاضة الأخبار
بخلافها ، وأما الحمل على وهم الراوي بأن يكون سمع ذلك في المطلقة ثم اشتبه عليه
وظن المتوفى عنها زوجها فبعيد غاية البعد ، فإنه عليهالسلام قد جمع بينهما
معا في الحكم وصرح بكل واحدة منهما على حالها.
وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك (1) ـ نظرا إلى
ورود صحيحة الحلبي دالة على هذا القول ، وهو أمثاله من أرباب هذا الاصطلاح يدورون
مدار ذلك ـ جمع بين الأخبار بحمل الأخبار السابقة على الاستحباب كما هي قاعدتهم
المتعارفة في هذه الأبواب.
وقد عرفت ما فيه (2) مما قدمناه في غير موضع من هذا
الكتاب ، والأظهر عندي حمل هذين الخبرين على التقية ، فإن المحدث الشيخ محمد بن
الحسن الحر العاملي نقل في الوسائل أن القول بما دل عليه مذهب جميع العامة.
__________________
(1) قال في المسالك ـ بعد ذكر جملة من الأخبار الدالة على هذه
الأقوال الثلاثة ـ ما صورته : واختلاف هذه الاخبار المعتبرة الاسناد يؤذن بجواز
العمل بكل منها ، وذلك فيما يقتضي التحديد على وجه الاستحباب والاحتياط. انتهى ،
وفيه ما عرفت في الأصل ، وأن الأظهر حمل الأخبار المخالفة على التقية وان كانت هذه
القاعدة عندهم مهجورة كما أشرنا في غير موضع مما تقدم في الكتاب. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) وهو أن الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل الواضح كالوجوب
والتحريم واختلاف الاخبار ليس من أدلة ذلك ، وأيضا أن الحمل على الاستحباب مع ظهور
الاخبار في الوجوب مجاز لا يصار اليه الا بالقرينة ، واختلاف الاخبار ليس من قرائن
المجاز ، هذا مع إمكان الحمل على وجوه أخر من تقية ونحوها. (منه ـ قدسسره ـ).
ونحو هذين الخبرين ما رواه الشيخ في التهذيب (1) عن وهب بن وهب
عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام «أن عليا عليهالسلام سئل عن
المتوفى عنها زوجها إذا بلغها ذلك وقد انقضت عدتها ، فالحداد يجب عليها؟ فقال علي عليهالسلام : إذا لم
يبلغها حتى تنقضي عدتها فقد ذهب ذلك كله وتنكح من أحبت».
ومما يؤكد القول المشهور ورود التعليل بالحداد ، وأنه
واجب عليها كما تقدم ، وأنه إنما كانت عدتها من يوم بلوغ الخبر لذلك والخبر المعلل
باصطلاحهم مقدم في العمل به ، فالقول بسقوط الحداد الثابت إجماعا بين كافة أهل
العلم نصا وفتوى بهذه الأخبار الثلاثة مع المعارضة بما تقدم مما هو أكثر عددا وأصح
سندا مشكل غاية الإشكال مع تأيد تلك الأخبار بالاحتياط الذي هو أحد المرجحات
الشرعية في مقام تعارض الأخبار ، كما دلت عليه مرفوعة زرارة.
ومنها ما ذهب إليه الشيخ في التهذيب ، وهو أن المتوفى
عنها تعتد من يوم وفاة الزوج وإن كانت قريبة كيوم أو يومين أو ثلاثة ، وإلا فمن
يوم بلغها الخبر.
واستدل عليه بما رواه في الصحيح عن منصور (2) قال : «سمعت
أبا عبد الله عليهالسلام يقول في
المرأة يموت زوجها أو يطلقها وهو غائب ، قال : إن كانت مسيرة أيام فمن يوم يموت
زوجها تعتد ، وإن كان من بعد فمن يوم يأتيها الخبر لأنها لا بد أن تحد له».
والأظهر عندي ارتكاب التأويل في هذا الخبر وإن بعد بحمل
مسيرة الأيام على الأيام القليلة التي يمكن فيها وصول الخبر عاجلا ، وتصير حينئذ
في حكم التي في البلد المعتدة من يوم الوفاة. لأنه لا فرق بينهما إلا تأخر وصول الخبر
فيما دلت عليه الرواية يوما أو يومين عن يوم الوفاة ، وهذا في حكم الوفاة في البلد
كما
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 469 ح 87 ، الوسائل ج 15 ص 447 ب 28 ح 7.
(2) التهذيب ج 8 ص 165 ح 171 ، الوسائل ج 15 ص 449 ب 28 ح 12.
لو كانت البلد متسعة جدا مشتملة على
محلات عديدة بحيث يمكن تأخر وصول الخبر من محلة إلى أخرى يوما أو يومين ، أو رستاق
فيه قرى عديدة كذلك ، وحينئذ فيجتمع هذا الخبر مع الأخبار المتقدمة ولا يصير بينه
وبينها كثير تناف.
ومنها ما ذهب إليه الشيخ أبو الصلاح (1) وهو أنها تعتد
من حين بلوغ الخبر مطلقا محتجا بأن العدة من عبادات النساء ، وافتقار العدة إلى
نية تتعلق بابتدائها ، وضعفه أظهر من أن يخفى على ناظر ، فإن فيه طرحا للأخبار
المتقدمة في المطلقة مع ما هي عليه من الكثرة والصحة والصراحة مع ما في تعليله
العليل ، لمنع كون العدة من العبادات المتوقفة على النية بل من العبادات مطلقا.
تنبيهات:
الأول : ظاهر الأخبار المتعلقة بعدة الوفاة وأنها تعتد
من يوم يبلغها الخبر أو يوم يأتيها الخبر ، ونحو ذلك من هذه العبارات أنه لا فرق
في جواز الاعتداد لها بين كون المخبر ثقة يفيد قوله ظن الموت أم لا ، صغيرا كان أو
كبيرا ، ذكرا كان أو أنثى ، كل ذلك للإطلاق ، إلا أنها وإن اعتدت وحدت بمجرد ذلك
لكن لا يجوز لها التزويج إلا بعد الثبوت الشرعي بالبينة أو الشياع وإن طالت المدة
المتوسطة ، وأما خبر الطلاق فلا بد أن يكون ثابتا معلوما كونه في أي وقت كما أشارت
إليها الأخبار المتقدمة.
ومنها قوله عليهالسلام
في صحيحة الحلبي أو حسنته (2) «إن قامت لها
بينة عدل
__________________
(1) قال على ما نقله في المختلف : إذا طلق الغائب أو مات
فعليها أن تعتد لكل منهما من يوم يبلغها الطلاق والوفاة لكون العدة من عبادات
النساء ، وافتقار العبادة إلى نية تتعلق بابتدائها ، انتهى. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) الكافي ج 6 ص 110 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 444 ب 26 ح 2.
أنها طلقت في يوم معلوم وتيقنت فلتعتد
من يوم طلقت». وفي صحيحة البزنطي المنقولة من كتاب قرب الاسناد (1) «إذا قامت
البينة أنه طلقها منذ كذا وكذا. ونحوها صحيحته الأخرى المنقولة من الكافي (2) وما أطلق من
الأخبار يحمل على هذه الأخبار المفصلة المبينة.
ثم إنه متى ثبت عندها خبر الطلاق ووقته فإن كان قد مضى
من الزمان ما تنقضي به العدة فقد انقضت عدتها ولتتزوج إن شاءت وإلا انتظرت تمام
المدة.
الثاني : لو بادرت فتزوجت بعد أن اعتدت بذلك الخبر الغير
الثابت شرعا فإن التزويج يقع باطلا بحسب الظاهر ، لأنا وإن جوزنا لها الاعتداد
بمجرد ذلك الخبر إلا أنه لا يجوز لها التزويج إلا بعد الثبوت الشرعي ، والحال أنه
لم يثبت.
نعم لو ظهر أن التزويج كان قد وقع بعد الموت والخروج من
العدة كان صحيحا لمطابقة ما وقع ظاهرا للواقع ، وإن أثم بالمبادرة إلى ذلك قبل
الثبوت الشرعي لو كان عالما بتحريم الفعل في تلك الحال.
وبذلك صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك (3) ثم قال : ولو
فرض دخول الزوج الثاني قبل العلم بالحال والحكم بالتحريم ظاهرا ثم انكشف وقوعه بعد
الموت والطلاق وتمام العدة لم تحرم عليه بذلك ، وإن كان قد سبق الحكم به ظاهرا
لتبين فساد السبب المقتضي للتحريم ، انتهى وهو جيد.
ومرجع ذلك إلى الاكتفاء في الصحة بمطابقة الواقع (4) وإن كان في
ظاهر
__________________
(1) قرب الاسناد ص 159 ، الوسائل ج 15 ص 445 ب 26 ح 7.
(2) الكافي ج 6 ص 111 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 444 ب 26 ح 4.
(3) قال ـ قدسسره ـ : لو بادرت فنكحت قبل ثبوته وقع العقد
باطلا ظاهرا. ثم ان تبين بعد ذلك بموته قبل العقد وتمام العدة قبله ظهر صحته في
نفس الأمر ولم يفتقر الى تجديده ، ولا فرق مع ظهور وقوعه بعد العدة بين كونه عالما
بتحريم العقد قبله وعدمه وان أثم في الأول ، ولو فرض. الى آخر ما في الأصل. (منه ـ
قدسسره ـ).
(4) وقد تقدم أن من القائلين بالصحة في هذه المسألة المحقق
الأردبيلي وتلميذه صاحب المدارك ـ قدسسرهما ـ وهو الحق في المسألة. (منه ـ قدسسره ـ).
الأمر على خلاف المشروع ، وهو على
خلاف ما بنوا عليه في غير موضع من الأحكام حيث إن من جملة ما خرجوا فيه عن هذه
القاعدة صلاة الجاهل بالأحكام الشرعية فحكموا فيمن صلى لا عن اجتهاد ولا تقليد
ببطلان صلاته وإن طابقت المشروع واقعا ، وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في غير
موضع من الكتب المتقدمة.
الثالث : قد دلت صحيحة الحلبي أو حسنته وهي أول الروايات
المتقدمة على التفصيل بين ما إذا قامت البينة على طلاقها في يوم معلوم فإنها تعتد
من ذلك اليوم. وإن لم تحفظ في أي يوم ولا أي شهر فلتعتد من يوم بلوغ الخبر.
وظاهرها أن الاعتداد ببلوغ الخبر في مقام يجهل وقت
الطلاق على تقدير الجهل به بكل وجه بحيث يحتمل وقوعه قبل الخبر بغير فصل ،
والاعتداد من يوم الطلاق إنما هو في صورة العلم بذلك اليوم الذي وقع فيه الطلاق ،
مع أن هنا فردا آخر خارج عن هذين الفردين ، وهو ما لو فرض العلم بتقدم الطلاق مدة
كما لو كان الزوج في بلاد بعيدة يتوقف بلوغ الخبر على قطع المسافة بينها وبينه
فإنه يحكم بتقدمه في أقل زمان يمكن مجيء الخبر فيه ، ويختلف باختلاف مسافات البعد
وسرعة حركة المخبر وبطئها ، وحينئذ فكل وقت يعلم تقدم الطلاق عليه يحسب من العدة
وإن كان ذلك قبل بلوغ الخبر فتضيف بعد بلوغ الخبر إلى ما تقدم ما تتم به العدة.
وبالجملة فإن من كان زوجها بعيدا عنها بمسافة يعلم تقدم
الطلاق عن بعض الأيام والشهور وإن جهلت يوم وقوعه وشهره فإنها تعتد بما تقدم مما
علم تأخره عن الطلاق ، وتضيف إليه بعد بلوغ الخبر ما يكمل به العدة ، والرواية
محمولة على عدم العلم بذلك بالكلية ، فلا منافاة بين ما ذكرنا وبين ما دلت عليه
الرواية المذكورة.
المسألة الخامسة : قالوا : إذا طلقها طلاقا رجعيا ثم راجعها انقضت العدة بالرجعة وعادت إلى النكاح الأول المجامع للدخول ، وصارت كأنها لم تطلق بالنسبة إلى كونها الآن منكوحة ومدخولا بها ، وإن بقي للطلاق السابق أثر ما من حيث عده في الطلقات الثلاث المحرمة ، فإذا طلقها بعد هذه الرجعة قبل المسيس لزمها استئناف العدة لأنها بالرجعة عادت إلى النكاح الذي مسها فيه ، فالطلاق الثاني طلاق في نكاح وجد فيه المسيس سواء ، كان الثاني بائنا أم رجعيا لاشتراكهما المقتضي للعدة ، وهو كونه طلاقا عن نكاح وجد فيه الوطء ، وفي معنى الطلاق البائن الخلع.
وفي هذا الأخير قول للشيخ في المبسوط بعدم العدة للخلع
بناء على أن الطلاق بطل إيجابه العدة بالرجعة ، ولم يمسها في النكاح المستحدث ،
والحل المستحدث وهو ما بعد الرجعة ، فأشبه ما إذا أبانها ثم جدد نكاحها وطلقها.
ورد بأن الرجعة إنما أبطلت العدة المسببة عن الطلاق بسبب
عود الفراش السابق ، وهو مقتض لصيرورتها مدخولا بها ، وخلع المدخول بها يوجب العدة
، ولم يتجدد نكاح آخر لم يمسها فيه ، وإنما عاد النكاح الممسوس فيه ، بخلاف ما إذا
أبانها ثم جدد نكاحها لارتفاع حكم النكاح الأول بالبينونة ، والنكاح بعده غير
الأول ، وإذا طلقها بعده فقد وقع بغير مدخول بها في ذلك النكاح.
هذا كله إذا كان الطلاق الأول رجعيا ، أما لو كان بائنا
كما إذا خالع زوجته المدخول بها ثم تزوجها في العدة ثم طلقها قبل الدخول فإنه لا
يلزمها منه العدة لأن العقد الثاني لم يعد الفراش الأول ، وإنما أحدث فراشا آخر ،
والعدة الأولى بطلت بالفراش المتجدد ولم يحصل فيه دخول ، فإذا طلقها حينئذ فقد صدق
أنها مطلقة عن نكاح غير مدخول بها فيه ، فيدخل تحت عموم قوله تعالى «ثُمَّ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ
عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها». (1)
وقيل : يلزم العدة ، وهو منقول عن القاضي ابن البراج في
المهذب محتجا بأنها لم تكمل العدة الاولى وقد انقطعت بالفراش الثاني فتجب العود إليها
بعد الطلاق. قالوا : وضعفه واضح مما بيناه. هذا خلاصة ما ذكروه في هذا المقام ،
__________________
(1) سورة الأحزاب ـ آية 49.
وهو ينحل إلى مسائل ثلاث :
الاولى : ما إذا طلقها طلاقا رجعيا ثم راجعها ثم طلقها
قبل الدخول ، وقد عرفت مما ذكروه أنه بالرجعة قد رجع النكاح الأول ، فالطلاق
الثاني الواقع بعد الرجعة إنما وقع لزوجة مدخول بها فيجب العدة البتة ، إلا أنه لا
يخلو من شوب الاشكال من حيث إن ما ذكروه غير منصوص وإنما هو تعليل اعتباري.
وقد عرفت ما في بناء الأحكام على هذه التعليلات
الاعتبارية ، فإنه من الجائز أن يكون الطلاق الأول قد رفع حكم النكاح ، فقوله «إنها
بعد الرجعة كأنها لم تطلق ، وأنها الآن منكوحة مدخولا بها» ممنوع لأن الطلاق قطع
حكم النكاح الأول ومنع من استيجابه ، وإن ثبت كونها زوجة بعد الرجعة إلا أنه ليس
ثبوت الزوجية من جميع الجهات ليترتب عليها ما ذكروه.
وبالجملة فالمانع مستظهر حتى يقوم الدليل الشرعي على ما
ذكروه وليس فليس. واستئناف العدة بعد الطلاق الثاني لا يستلزم ما ذكروه ، بل يجوز
أن يكون مستنده أنه حيث إن الطلاق الثاني لما كان بغير مدخول بها فلا عدة عليها
منه ، وعدة الطلاق الأول إنما انقطعت بالنسبة إلى الزوج كما يأتي مثله في المسألة
الثالثة.
وأما بالنسبة إلى غيره فلا فيجب حينئذ بعد الطلاق الثاني
استئناف عدة الطلاق الأول إذا أرادت التزويج بغير الزوج ، لا بد لنفي ما ذكرناه من
دليل.
الثانية : إذا كان الثاني بائنا ، وهذا هو الذي خالف فيه
الشيخ فقال بسقوط العدة كما تقدم من ذكر دليله وما أورد عليه ، وفيه ما في سابقته
من البحث المذكور فإن المسألتين من باب واحد.
الثالثة : ما إذا كان الطلاق الأول بائنا من خلع ونحوه ، وهذا هو محل الخلاف مع القاضي ابن البراج.
قال الشيخ في الخلاف على ما نقله في المختلف : إذا تزوج
امرأة ثم خلعها ثم تزوجها وطلقها قبل الدخول بها لا عدة عليها. وقال ابن البراج في
المهذب : فإن خالعها ثم تزوجها ثم طلقها استأنف أيضا العدة ولم يجز لها أن تبني
على ما تقدم ـ ثم قال في المختلف : ـ والوجه ما قاله الشيخ في الخلاف. انتهى ،
وعليه جملة من وقفنا على كلامه من الأصحاب ، ولم ينقل فيه الخلاف إلا عن القاضي
المذكور.
والظاهر أن ما ذكروه من الفرق بين المسألتين الأولتين
وبين الثالثة إنما ألجأهم إليه الحكم في الثالثة بسقوط العدة في الطلاق الثاني
استنادا إلى ما ذكروه من ظاهر الآية ، وعلى هذا بنوا الحيلة في إسقاط العدة في هذه
الصورة فجوزوا لغير الزوج أن يعقد عليها بعد هذا الطلاق الأخير لكونها مطلقة غير
مدخول بها ، وقد تقدم الكلام معهم في هذه المسألة في الإلحاق المذكور بعد الفصل
الثاني في الرجعة من المقصد الثالث في جملة من الأحكام ، وإلى ما اخترناه في هذه
المسألة من من استئناف العدة كما ذكره القاضي مال جملة من متأخري المتأخرين قد
تقدم ذكرهم في الموضع المشار إليه.
وعلى ما ذكرناه يتجه أن يقال : إن سقوط العدة الأولى
بتزويجها في العدة وهو المشار إليه بالفراش المتجدد إنما تثبت بالنسبة إلى الزوج
لحل ذلك له خاصة حيث إنه لا يجب الاستبراء من مائه الذي هو العلة في وجوب العدة ،
وأما غيره فإنه لا يجوز له العقد عليها في هذه الحال مع العلم إجماعا نصا وفتوى
لكونها في العدة وحينئذ فإذا طلقها بعد هذا العقد فإنه لا عدة عليها من هذا الطلاق
الثاني بلا إشكال لدلالة الآية المذكورة المعتضدة بالأخبار على عدم وجوب العدة على
المطلقة الغير المدخول بها ، ونحن أنما نوجب عليها العدة من الخلع الأول الذي قد
تقدم فإن عدته إنما سقطت سابقا بالنسبة إلى الزوج خاصة كما عرفت.
وحينئذ فقولهم «فقد صدق أنها مطلقة عن نكاح غير مدخول بها فيه» مغالطة ظاهرة ، فإن هذا الصدق المدعى إنما يتم بالنسبة إلى الطلاق الثاني ، وهو ليس محل البحث ، وإنما محله الخلع الذي تقدم ، فإن الأدلة الدالة على وجوب العدة منه دالة بإطلاقها على هذا الفرد الذي هو محل البحث ، غاية الأمر أنه قام الدليل على سقوطها بالنسبة إلى الزوج خاصة ، فهو باق تحت إطلاق الأدلة المشار إليها ، وتخرج رواية ابن أبي عمير المتقدمة في الموضع المشار إليه شاهدا على ما ذكرناه.
المسألة السادسة : قد صرحوا :
بأن الشبهة في الوطء إن وقعت من الطرفين فالولد يلحق بهما وعليها العدة ولها مهر
المثل إذا كانت حرة ، وإن اختصت بأحدهما لحق به النسب ووجبت العدة عليها سواء كانت
هي المختصة بالشبهة أو هو مراعاة لحق الوطء الصحيح من طرف المشتبه عليه ، ويختص
الحد بالعالم منهما ، ثم إن كانت هي العالمة فلا مهر لها ، وإلا ثبت ، ولو كانت
الموطوءة أمة وكانا معا جاهلين لحق به الولد وعليه قيمته لمولاها يوم يسقط حيا
لأنه عوض منفعتها الفائتة بالحمل وعقر الأمة ، وإن كانت عالمة دونه فكذلك ، إلا أن
في ثبوت المهر لمولاها هنا خلافا من حيث إنها بغي ولا مهر لبغي وكونه لمولاها (وَلا
تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) ، وإن كان هو
العالم دونها فعليه الحد والولد رق لمولاها ، وعليه القصر ، وحيث يثبت لها المهر
فهل هو المثل لأنه عوض البضع شرعا حيث لا مقدر؟ أم هو عشر قيمتها إن كانت بكرا
ونصفه إن كانت ثيبا؟ قولان ، والمنصوص منهما صحيحا هو الثاني.
أقول : وهذه الأحكام قد مرت متفرقة في الأبحاث المتقدمة
، وتقدمت النصوص المتعلقة بها ، ولكنهم ذكروها هنا إجمالا من حيث مناسبة المقام
وتتميما لما ذكر هنا من الأحكام.
ثم إنهم قالوا أيضا : إنه إذا طلقها بائنا ثم وطأها للشبهة فهل تتداخل العدتان لأنهما لواحد ، وتؤيده الروايات الدالة على التداخل مع التعدد ، فمع الاتحاد بطريق أولى؟ أم لا تتداخل بل تأتي بكل منهما على الكمال لأنهما حقان مختلفان؟ قولان ، والثاني منهما للشيخ وابن إدريس ، والأول هو المشهور.
أقول : قد عرفت مما قدمناه (1) قريبا أن
الأظهر هو الاتحاد مع التعدد وأن ما دل على التعدد من الأخبار إنما خرج مخرج
التقية. وحينئذ فالقول بذلك مع كونهما لواحد أظهر ظاهر.
والمراد من التداخل هو أنه يدخل الأقل منهما تحت الأكثر
، فلو كانت بالأقراء أو الأشهر استأنفت العدة من حين الوطء ، فيدخل باقي العدة
الأولى تحت الثانية ، وعلى تقدير كون الأولى رجعية يجوز له الرجعة في تلك البقية
لا بعدها لأن تلك البقية من عدته ، وما بعدها من عدة الشبهة ، وقد خرجت من عدته
فلا رجوع له عليه وقد خرجت من عدته.
قالوا : ويجوز تجديد النكاح في تلك البقية وبعدها إذا لم
يكن عدد الطلاق مستوفى ، يعني استيفاء الطلقات المحرمة بأن حصلت ، فإنه لا يجوز
العقد إما مطلقا أو إلا بمحلل.
ولو اجتمعت العدتان من شخصين وكانت إحداهما عدة طلاق
والأخرى عدة وطء الشبهة سواء كان المتقدم عدة الطلاق أو وطء الشبهة فلا تداخل على
المشهور وأما على ما اخترناه فيتداخلان.
ثم إنه على المشهور إن لم يكن هناك حمل أكملت عدة الطلاق
بالأقراء أو الأشهر إن كانت هي المتقدمة لتقدمها وقوتها ثم اعتدت للثاني بعد
الفراغ منها. وإن حصل هنا حمل ، فإن كان من الأول فكالأول ، وإن كان من الثاني
قدمت عدته لأنها لا تقبل التأخير وأكملت عدة الأول بعد الوضع ، فإن كانت بالأقراء
اعتبرت النفاس حيضا وأكملتها بعدها إن بقي منها شيء ، ولا فرق في ذلك بين العدة
الرجعية والبائنة إلا أن الرجعية يجوز للزوج الرجوع فيها سواء تقدمت أم تأخرت لأن
وربما قيل بجواز الرجوع في زمن الحمل أيضا لأنها لم تخرج بعد من العدة الرجعية ، لكن لا يجوز الوطء إلى أن تخرج عدة الشبهة ، والأصح الأول ولو كانت عدة الطلاق بائنة ، فالكلام في جواز تزويجها في العدة كالقول في جواز الرجوع ، كذا أفاده شيخنا في المسالك سلك الله تعالى به أفضل المسالك ، والله سبحانه العالم بحقائق أحكامه ونوابه العالمون بمعالم حلاله وحرامه.
__________________
(1) قد تقدم ذلك في المسألة الثالثة. (منه ـ قدسسره ـ).
هذا آخر الكلام في كتاب الطلاق، ويتلوه إن شاء الله تعالى الكلام في كتاب الخلع والمبارأة.
والحمد لله وحده وصلى الله عليه محمد وآله الطاهرين