ج19 - أقسام وأحكام الخيارات
بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وبه نستعين
الفصل الثاني
والكلام هنا يقع في أقسامه وأحكامه ، فالواجب بسط ذلك في
مقامين : الأول ـ في أقسامه ، فبعضهم عدها خمسة ، وآخر سبعة ، وثالث ثمانية ،
وأنهاها رابع إلى أربعة عشر قسما ، ونحن نذكر الثمانية الدائرة في كلام الأكثر ـ إنشاء
الله (تعالى) ـ ونبين ما دلت عليه الأدلة الشرعية من أحكامها ، وما لم يقم عليه
دليل والله (سبحانه) الهادي إلى سواء السبيل ، والموفق للنجاة من مهاوي الضلال
والتضليل.
فنقول : ينبغي أولا ان يعلم ان مقتضى البيع اللزوم ، قال
في التذكرة : والأصل في البيع اللزوم ، لان الشارع قد وضعه مفيدا لنقل الملك من
البائع إلى المشترى والأصل الاستصحاب ، وكون الغرض تمكن كل من المتعاقدين من
التصرف فيما صار اليه ، وانما يتم باللزوم ليأمن من نقض صاحبه عليه ، وانما يخرج
عن أصله بأمرين : أحدهما ثبوت الخيار ، والثاني ظهور عيب في أحد العوضين انتهى وهو
جيد ، ويدل على اللزوم الكتاب أو
السنة ، نحو قوله (تعالى) (1) «أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ» وأخبار (2) «المؤمنون عند
شروطهم». ونحوها وحينئذ فيجب الوقوف على مقتضى هذه القاعدة حتى يقوم الدليل على
الخروج عنها في بعض الموارد ، وهي ما ذكروه في هذا المقام من الخيار ، ونحن نذكر
اقسامه واحدا واحدا ، معطين البحث فيها حقها من التحقيق ، مستمدين الإعانة ممن
بيده التوفيق.
الأول خيار المجلس
هكذا اشتهر التعبير عن هذا النوع في ألسنة الفقهاء ، قال
في المسالك : اضافة هذا الخيار الى المجلس ، اضافة الى بعض أمكنته ، فان المجلس
موضع الجلوس ، وليس بمعتبر في تحقق هذا الخيار ، بل المعتبر فيه مكان العقد مطلقا
، أو في معناه (3) والأصل فيه قول
النبي صلىاللهعليهوآله (4) «البيعان
بالخيار ما لم يفترقا». وهو أوضح دلالة من عبارة الفقهاء. انتهى.
أقول : والظاهر ان التسمية خرجت بناء على ما هو الغالب
من وقوع ذلك حال الجلوس ، والاستقرار في مكان ، وباب التجوز في مثله واسع ، وهو
ثابت للمتبايعين ـ سواء كانا مالكين ، أو وكيلين ، أو متفرقين ـ بعد انعقاد البيع
بالإيجاب والقبول.
__________________
(1) سورة المائدة الآية ـ 1.
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب المهور الرقم 4.
(3) أقول : لعل المراد بما في معناه ، هو قيامها في موضع العقد
مصطحبين بحيث لم يفارق أحدهما الأخر ، زيادة على ما كان عليه وقت العقد ، فان
الخيار باق لهما ، وأولى منه لو تقاربا. منه رحمهالله.
(4) الكافي ج 5 ص 170 الوسائل الباب ـ 1 ـ من أبواب الخيار
الرقم ـ 2.
ويدل عليه ـ زيادة على الاتفاق ـ الأخبار المتضافرة :
منها ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة (1) عن أبى جعفر عليهالسلام» قال : سمعته
يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : البيعان
بالخيار حتى يفترقا ، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام الحديث».
ورواه المشايخ الثلاثة بسند آخر عن زرارة (2) عن أبى جعفر عليهالسلام قال : «قلت له
: الرجل يشترى المتاع» الحديث. الى آخر ما نقلناه منه ، وسيأتي إنشاء الله تعالى.
وروى في الكافي عن محمد بن مسلم في الصحيح (3) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله : البيعان
بالخيار حتى يفترقا وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام».
وروى في الكافي والتهذيب في الصحيح عن الفضيل (4) وهو ابن يسار
ـ عن الصادق عليهالسلام» قال : قلت :
ما الشرط في الحيوان؟ فقال : إلى ثلاثة أيام للمشتري ، قلت : وما الشرط في غير
الحيوان؟ قال : «البيعان بالخيار ما لم يفترقا ، فإذا افترقا فلا خيار بعد
__________________
(1) الكافي ج ـ 5 ـ ص 170 الوسائل الباب ـ 1 ـ من أبواب الخيار
الرقم ـ 2.
(2) الكافي ج 5 ص 171.
(3) الكافي ج 5 ص 170 الوسائل الباب ـ 1 ـ من أبواب الخيار
الرقم ـ 1.
(4) الكافي ج 5 ص 170 الوسائل الباب ـ 1 ـ من أبواب الخيار
الرقم ـ 3.
الرضا منهما».
وروى المشايخ الثلاثة عن الحلبي في الصحيح (1) عن أبى عبد
الله عليهالسلام قال : «أيما
رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار حتى يفترقا ، فإذا افترقا وجب البيع».
وزاد في الكافي والتهذيب قال : وقال أبو عبد الله عليهالسلام : أن أبي
اشترى أرضا يقال لها : العريض ، فلما استوجبها قام فمضى ، فقلت يا أبت عجلت
بالقيام ، فقال : يا بني إني أردت أن يجب البيع».
وروى في الكافي عن محمد بن مسلم (2) في الصحيح أو
الحسن قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : بايعت
رجلا ، فلما بعته قمت فمشيت خطأ ، ثم رجعت الى مجلسي ليجب البيع حين افترقنا».
وأما ما رواه الشيخ (3) عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه
عن علي عليهالسلام» قال : قال
علي عليهالسلام : إذا صفق
الرجل على البيع فقد وجب وان لم يفترقا». فقد أجاب الشيخ عنه في الاستبصار بالبعيد
، والأظهر حمله اما على أن المراد بالصفقة على البيع يعني إمضاء البيع والتزامه
والرضا به ، كما سيأتي ـ إنشاء الله ـ ذكره في مسقطات الخيار ، أو على التقية ،
وهو الأقرب ، فإنه مذهب أبي حنيفة.
وقد نقل عنه ، أنه رد على رسول الله صلىاللهعليهوآله في أربعمائة
حديث.
منها حديث «البيعان بالخيار ما لم يفترقا». نقله عنه
الزمخشري في كتاب ربيع
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 170 الوسائل الباب ـ 1 ـ من أبواب الخيار
الرقم ـ 6.
(2) الكافي ج 5 ص 171 الوسائل الباب ـ 2 ـ من أبواب الخيار
الرقم ـ 1.
(3) الوسائل الباب ـ 1 ـ من أبواب الخيار الرقم ـ 7.
الأبرار مع أنه حنفي المذهب.
وقد نقلنا جملة من هذه الأحاديث التي رد بها على النبي صلىاللهعليهوآله في مطاعنه ،
في مقدمة كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن ابى الحديد بنقل ابن الجوزي من علمائهم
ويؤيد ذلك أن الراوي عامي.
وبالجملة فهو على ظاهره غير معمول عليه في مقابلة هذه
الاخبار التي سردناها ، المؤيدة باتفاق الطائفة المحققة على الحكم المذكور ،
وإطلاق الاخبار المذكورة شامل لما قدمنا ذكره من كون المتبايعين مالكين أو وكيلين
أو بالتفريق ، لصدق البيعان على الجميع ، وهما من وقع منهما الإيجاب والقبول.
ثم ان العلامة في التذكرة ومن تأخر عنه ، ذكروا أن
مسقطات الخيار في هذا المقام أربعة.
أحدها ـ اشتراط سقوطه في العقد ، ولا خلاف فيه بين
الأصحاب رضياللهعنهم ، ويدل عليه
الاخبار (1) الدالة على
وجوب الوفاء بالشروط إلا شرطا حرم حلالا ، أو حلل حراما ، انما الخلاف فيما لو
شرطاه قبل العقد.
قال في الخلاف : «مسألة : إذا شرطا قبل العقد أن لا يثبت
بينهما خيار بعد العقد صح الشرط ، ولزم العقد بنفس الإيجاب والقبول ، ثم نقل
الخلاف عن بعض أصحاب الشافعي ، ثم قال : دليلنا أنه لا مانع من هذا الشرط ، والأصل
جوازه ، وعموم الاخبار في جواز الشرط يتناول هذا الموضع انتهى.
وقال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : وعندي في ذلك نظر ،
لان الشرط انما يعتبر حكمه لو وقع في متن العقد ، نعم لو شرطا قبل العقد ، وتبايعا
على ذلك الشرط صح ما شرطاه. انتهى.
__________________
(1) الوسائل الباب ـ 6 ـ من أبواب الخيار.
أقول : الظاهر أن كلام الشيخ ـ رحمهالله ـ لا يخرج عما
ذكره أخيرا بقوله «نعم» وانما مراده ذلك ، ولو شرط أحدهما خاصة سقط خياره وحده.
وثانيها ـ إيجابهما العقد بعد وقوعه ، والتزامهما به بأن
يقولا : تخايرنا ، أو اخترنا إمضاء العقد ، أو أمضينا العقد أو التزمنا به ، ونحو
ذلك من الألفاظ الدالة على هذا المعنى ، ونقل عليه في التذكرة الإجماع.
ولقائل أن يقول : انه حيث لا نص على ما ذكروه هنا ، وقد
عرفت أن مقتضى العقد اللزوم كما تقدم ذكره في صدر البحث ، وهذا الكلام من قولهما
اخترنا أو أمضينا لا يدل على أزيد مما دل عليه العقد بمقتضاه ، وان كان ذلك مؤكدا
لما دل عليه العقد من اللزوم ، والروايات دلت على انهما ـ بعد هذا العقد مؤكدا أو
خاليا من التأكيد ـ لهما الخيار الى أن يفترقا ، فيصدق هنا أن لهما الخيار ، وان
قالا ما قالاه من هذه الألفاظ ، الا أن يقال : ان هذه الألفاظ في قوة اشتراط سقوط
الخيار ، فيرجع الى الأول.
وبالجملة فإن باب المناقشة غير مسدود فيما ذكروه هنا.
ثم انهم ذكروا أنه لو اختار أحدهما ورضى الأخر ، فهو في
حكم الاختيار أيضا ، إذ لا يختص بلفظ ، بل كل ما دل على التراضي فهو كاف ، ولو
أوجبه أحدهما خاصة سقط خياره ، ولو وقع ذلك في العقد ، فالظاهر أنه من قبيل الشروط
التي دلت الاخبار على وجوب الوفاء بها ، وقبله يبنى على ما تقدم في المسقط الأول.
ولو خير أحدهما صاحبه فسكت ، فلا خلاف في بقاء خيار
الساكت ، وأما المخير فالمشهور أيضا بقاء خياره ، وهو قول الخلاف والمبسوط ، ووجهه
أنه لم يحصل منه ما يدل على سقوط الخيار ، ومجرد تخييره صاحبه لا يدل على الإمساك
بشيء من الدلالات الثلاث.
ونقل عن الشيخ أيضا القول بسقوط خياره ، استنادا الى ما
روى عن النبي
صلىاللهعليهوآله (1) بعد قوله ما
لم يفترقا «أو يقل أحدهما لصاحبه اختر». ورد بعدم ثبوت هذه الزيادة في أخبارنا.
وأجاب العلامة في المختلف بعد تسليم صحة الخبر ، بأنه
خيره فاختار.
وفي هذا الجواب ما لا يخفى ، إذ لا يخفى أن محل الكلام
انما هو المخير بصيغة اسم الفاعل ، وان تخييره لصاحبه يدل على اختياره الإمساك ،
وظاهر كلامه أن الذي اختار انما هو المخبر بصيغة اسم المفعول وهو ليس محل البحث ،
وبالجملة فالحديث غير ثابت في أخبارنا فلا حجة فيه.
ثالثها : التصرف ، فان كان من البائع في المبيع فهو فسخ
منه المعقد ، فيبطل البيع ، ويبطل خيارهما ، وان كان من المشترى في المبيع فهو
التزام بالبيع ، ويبطل خياره ، ويبقى خيار البائع ، وان كان التصرف في الثمن
فالظاهر أن الأمر بالعكس ، ولو كان التصرف من المشترى في المبيع ومن البائع في
الثمن فهو التزام بصحة البيع ، وبالعكس التزام ببطلانه ، ولو تصرفا في المبيع أو
الثمن فظاهر كلامهم أنه يقدم من تصرفه فسخ ، فلو تصرفا في المبيع قدم تصرف البائع
، وفي الثمن قدم تصرف المشترى.
وهكذا لو فسخ أحدهما وأجاز الأخر قدم الفاسخ ، وان تأخر
عن الإجازة ، لأن إثبات الخيار انما قصد به التمكن من الفسخ ، دون الإجازة
لأصالتها ، وكذا يقدم الفاسخ على المجيز : في كل خيار مشترك ، لاشتراك الجميع في
العلة المذكورة ،.
قال في التذكرة : «لو اختار أحدهما الإمضاء والأخر الفسخ
قدم الفسخ على الإجازة ، إذ لا يمكن الجمع ، ولا انتفاؤهما ، لاشتماله على الجمع
بين النقيضين ، فيتعين تقدم أحدهما ، لكن الذي اختار الإمضاء قد دخل في عقد ينفسخ
باختيار صاحبه الفسخ ، ورضي به ، فلا أثر لرضاه به لازما بعد ذلك. انتهى.
__________________
(1) المستدرك ج 2 ص 473.
قيل : والمراد من التصرف هنا : ما هو أعم من الناقل
وغيره ، وأكثر عبارات الأصحاب انما اشتملت على التصرف بقول مطلق ، ولهذا ان ظاهر
المحقق الأردبيلي ـ هنا ـ المناقشة في ذلك ، بل في أصل الحكم حيث لم يرد به دليل
في النصوص ، حيث قال : ثم ان المراد بالتصرف غير ظاهر ، وهل هو اللازم والمخرج عن
الملك أو أعم فهو مجمل ، وكذا دليله ايضا غير واضح ، إذ مجرد التصرف في المبيع
مثلا لا يدل على الفسخ من جانب البائع ، إذ قد يكون سهوا أو لغرض آخر مباح أو
حرام.
وبالجملة انه أعم ، الا أن تدل قرينة ، ومع ذلك قد لا
يكون الفعل كافيا في اختيار الفسخ ، ويحتاج الى اللفظ فتأمل انتهى.
وبالجملة فإن جملة من شقوق المسألة لا تخلو من الاشكال ،
سيما لو وقع التصرف الناقل للمبيع من المشتري مع بقاء خيار البائع كما نبه عليه في
المسالك (1).
ورابعها ـ التفرق بمعنى مفارقة كل منهما صاحبه ، ويصدق
بانتقال أحدهما من مكانه بحيث يبعد عن صاحبه ، ولا يشترط القيام والمشي خطأ ، وان
كان أظهر في التفرق كما دلت عليه جملة من الاخبار المتقدمة ولو قاما مصطحبين بحيث
لم يحصل التباعد بينهما زيادة على حال العقد ، فالخيار باق ، لعدم حصول الافتراق.
وكذا لو ضرب بينهما بستر رقيق كالثوب ونحوه أو غليظ
كالجدار أو مانع من الاجتماع كالنهر العظيم لم يمنع الخيار لعدم صدق الافتراق بشيء
من ذلك الذي هو كما عرفت عبارة عن التباعد عن الحد الذي كانا عليه وقت العقد خلافا
لبعض العامة هنا حيث أسقط به الخيار.
وكذا لو أكرها على التفرق فإنه لا يسقط الخيار ، والوجه
فيه أن الذي دلت الاخبار على كونه مسقطا انما هو التفرق الذي هو فعل اختياري لهما
، والتفريق بينهما قهرا ليس كذلك ، فلا يكون داخلا تحت النص.
وبذلك يظهر أن ما ذكره في الكفاية بقوله ولا أعلم نصا في
هذا الباب وكذا
__________________
(1) حيث قال : بعد ان ذكر أنه لا فرق في التصرف بين الناقل
للملك وغيره ما لفظه لكن لو وقع الناقل من المشترى مع بقاء خيار البائع ففي صحته
اشكال. انتهى منه رحمهالله.
قول المحقق الأردبيلي ـ وقيد المفارقة
المسقطة بالاختيار وما رأيت له دليلا في النص ، ولعل وجهه ما يتخيل أن الفعل
الجبري بمنزلة العدم ، فإنه ما فعله باختياره فكأنه بعد باق في محله خصوصا إذا كان
عارفا بالمسألة وأراد الجلوس لعله يظهر له وجه يدل على مصلحته في هذا العقد. انتهى
ـ غير موجه.
وفيه ما عرفت من أن النص الموجب لسقوط الخيار هو
الافتراق والتفرق ، الظاهر في كونهما باختيار المكلف وإرادته ، وهذا هو الذي يناسب
الإسقاط بأن يفعل ذلك لأجل إسقاط الخيار كما سمعت من أخبار مولانا الباقر عليهالسلام.
وأما الجبر على التفرق فلا يدخل تحت إطلاق اللفظين
المذكورين ، ولا يصح كونه سببا للغرض المترتب على ذلك.
وبالجملة فإن كلام هذين الفاضلين عندي غير ظاهر.
واعلم أن الأصحاب ـ رضى الله عنهم ـ عبروا هنا بأنه لو
أكرها على التفرق ولم يتمكنا من التخاير ـ بمعنى اختيار العقد والبقاء عليه ، وهو
المسقط الثاني الذي قدمناه ، ويتحقق الإكراه بمنعهما من الكلام فعلا بسد أفواههما
أو تهديد ، فإنه ـ لا يسقط خيارهما حينئذ بالتفرق ، بل لهما الفسخ عند زوال المانع
لكن هل يعتبر في مجلس الزوال ، أو يكون الخيار على الفور ، وجهان : وكذا لو أخرج
أحدهما كرها ومنع ، فالحكم فيه كذلك.
وفيه ان عدم التمكن من التخاير بمعنى اختيار العقد ، لا
يدخل تحت العقد ، لان التزام العقد واختيار البقاء عليه لا يتوقف على الكلام. بل
لو تفرقا ساكتين حصل اللزوم فيه ، وانما يتوقف على الكلام الفسخ ، فيكون الإكراه
والمنع من الكلام بسد أفواههما أو تهديدهما هو المعتبر فيه ، لا في التخاير
بالمعنى المذكور ، الا أن يراد بالتخاير الكناية عن الفسخ ، والاختيار ، وعبائرهم
لا تساعد عليه.
والمفهوم من كلام الأصحاب ـ وهو الظاهر من الاخبار
المتقدمة ـ ثبوت هذا
الحكم لمن أوقع العقد مالكا كان أو
وكيلا ، ويثبت للوكيل بمجرد التوكيل على العقد ، لانه من توابع العقد قيل : ولا
يبعد ثبوت الخيار للمالك على تقدير كون العاقد وكيله ، لان يده يد الموكل.
وفيه اشكال ، لخروجه عن ظواهر الاخبار ، وعدم صدق البائع
والمشترى عليه ، وهي قد ناطت الحكم المزبور بالبيعين ، يعنى من وقع منهما عقد
البيع والشراء.
قال في التذكرة على ما نقل عنه : لو اشترى الوكيل أو باع
أو تعاقد الوكيلان ، فالأقرب تعلق الخيار بهما و «بالموكلين جميعا ، وإلا
فبالموكلين» وفيه ما عرفت من الخروج عن ظواهر النصوص.
وهل يثبت الافتراق بموت أحدهما أو جنون أحدهما أو
الإغماء عليه أم لا؟ صرح بالثاني في الدروس فقال : «ولو مات أحدهما ، أو ماتا
فللوارث أو الولي ، ولو جن أو أغمي عليه فللولي» وهو صريح في ثبوت الخيار للوارث
والولي ، لعدم تحقق الافتراق بذلك ، واحتمل في القواعد سقوط الخيار وثبوته ، وعلل
الأول بأن مفارقة الدنيا أولى من مفارقة المجلس ، فيسقط بطريق أولى.
ورده المحقق الشيخ علي في شرح القواعد بمنع الأولوية قال
: فان المراد من الافتراق التباعد في المكان ، وهو انما يكون في الجسم ، فلا يعقل
ارادة الروح ، ثم ان المحقق المذكور اختار الثبوت تمسكا بالاستصحاب ، لان ثبوته
معلوم بالعقد ، والمسقط غير متيقن. انتهى.
وفي الاعتماد على هذا الاستصحاب نظر تقدم ذكره في مقدمة
الاستصحاب من مقدمات كتاب الطهارة (1) وظاهر المحقق الأردبيلي التوقف في
ذلك ، لعدم صدق البائع والمشترى في الاخبار عليهم.
__________________
(1) ج 1 ص 53.
أقول : والحكم محل اشكال لعدم الدليل الواضح في ذلك.
تنبيهات
الأول ـ قد صرحوا بأنه لو كان العاقد واحدا عن اثنين ،
ففيه احتمالات ثلاثة : الأول : ثبوت الخيار ما لم يشترط سقوطه ، أو يلتزمه عنهما ،
أو يفارق المجلس الذي عقد فيه على قول ، وهو ظاهر الشرائع والقواعد.
الثاني ـ ثبوته دائما ما لم يلتزماه أو يشترطا سقوطه ،
ونقل عن التذكرة ، وهو ظاهر اختيار الدروس.
الثالث ـ عدم ثبوت الخيار أصلا ، واختاره بعض فضلاء
متأخر المتأخرين ، والظاهر أنه الأقرب.
وتفصيل هذه الجملة هو أن الواحد عاقد عن اثنين يشمل ما
لو كان العاقد وليا شرعيا يبيع ماله من ولده ، أو بالعكس ، أو مال ولديه أحدهما
على الأخر ، ويشمل ما لو كان وكيلا عن المتبايعين ، وكما لو كان أحد المتبايعين
وكيلا عن الآخر وفي دخول هذا الفرد (1) تحت العبارة المذكورة ما لا يخفى ،
وما قيل من أنه يصدق أيضا من أن الواحد عاقد عن اثنين وقائم مقامهما وان كان هو
أحدهما لا يخلو من خفاء.
ولهذا ان المحقق الشيخ على (رحمة الله عليه) في شرح
القواعد اعترض على عبارة المصنف ، وهي مثل هذه العبارة فقال : واعلم ان في قوله :
العاقد عن اثنين مناقشة ، لأن العاقد عن واحد مع نفسه يخرج من العبارة ، ولا وجه
لإخراجه بل ينبغي إدراجه ، فيكون الحكم واردا عليهما. انتهى.
والخيار المحكوم بثبوته أعم من كونه لذلك العاقد ولو
بالولاية ، كما لو كان
__________________
(1) إشارة الى ما ذكره في المسالك حيث انه ادعى الصدق في ذلك ـ
منه رحمهالله.
أبا أو جدا يبيع من نفسه ، فان له
الخيار وللطفل ، وله مراعاة الجانبين ، لكن في الطفل يراعى المصلحة ـ أو كونه لغير
العاقد ، كما لو كان وكيلا في العقد خاصة ، فإن الخيار للموكلين ، لا له ان قلنا
به ، وقولهم : ما لم يشترط سقوطه أو يلتزم به عنهما انما يتم فيمن له الاشتراط
والالتزام كالأب والجد ، وأما لو كان وكيلا في إيقاع العقد خاصة لم يكن له ذلك ،
ولو أريد العموم كان المراد ما لم يشترط أو يلتزم حيث يكون له ذلك.
وكيف كان فالالتزام عنهما لا يدخل فيه ما لو كان هو
أحدهما إلا بتكلف شديد.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنهم ذكروا أن الوجه في الاحتمال
الأول بالنسبة إلى مفارقة المجلس ان المعتبر في سقوط خيار المتبايعين مفارقة
أحدهما مجلس العقد ولما كان ذلك متعذرا هنا ـ لان الواحد لا يفارق نفسه ـ اعتبر
فيه التمكن ، وهو مفارقته مجلس العقد ، لانه مشبه بمفارقة أحد المتعاقدين ، وأصل
هذا القول نقله في المبسوط بلفظ قيل ولم يذكر قائله (1) ووجهه ما ذكر.
ورد هذا التوجيه جملة من المتأخرين بأن الواقع في
الاخبار هو الافتراق ، لا مفارقة المجلس ، فلو فارقاه مصطحبين لم يبطل خيارهما ـ كما
تقدم ذكره ـ وان بقيا مدة طويلة. وهو جيد.
وأما الوجه في الاحتمال الثاني ـ وهو بقاء الخيار ،
وانما يسقط بالالتزام بعد
__________________
(1) قال في المبسوط : إذا أراد ان يشترى لولده من نفسه وأراد
الانعقاد ينبغي ان يختار لزوم العقد عند انعقاد العقد ، أو يختار بشرط بطلان
الخيار ، وعلى كل حال قد قيل انه ينتقل من المكان الأول الذي عقد فيه العقد ،
فيجري ذلك مجرى تفرق المتبايعين ، كذا قال ابن البراج ولم يسند هذا القول الى أحد
من علمائنا بالنصوصية ، قال في المختلف بعد نقل ذلك وهذا القول عندي محتمل. انتهى منه
رحمهالله.
العقد ، أو اشتراط السقوط ـ فهو ان
ظاهر قولهم (عليهمالسلام) «البيعان
بالخيار» يعم البائعين بوكيلهما أو وليهما فيثبت في الصورة المذكورة : وأما قولهم (عليهمالسلام) «ما لم
يفترقا» فهو محمول على ارادة السلب ، بمعنى أن الخيار ثابت ما لم يحصل افتراق ،
وهنا لم يحصل افتراق ، لعدم ما يحصل به الافتراق ، وهو التعدد : ومع كونه محتملا
لعدم الملكة ـ أي عدم الافتراق عما شأنه الافتراق ـ فيبطل الخيار هنا بناء على هذا
الاحتمال ، فإنه يمكن ان يقال : ان صدر الخبر وهو قوله «البيعان بالخيار» دل على
ثبوت الخيار ، فيثبت الخيار بذلك ويحصل الشك في المسقط بناء على الاحتمالين
المذكورين ، فيجب استصحاب الحكم الأول الى ان يثبت المزيل.
قال في الدروس والعاقد عن اثنين له الخيار ويبطل كلما
يبطل به خيار المتعاقدين ، وهو ظاهر في اختيار هذا الاحتمال.
وأما الوجه في الاحتمال الثالث ـ وهو عدم ثبوته أصلا ـ فلان
ظاهر الاخبار المتقدمة هو المغايرة بين المتعاقدين والتعدد فيها ، ودعوى عموم ذلك
الوكيل أو الولي عن اثنين خروج عن ظاهر اللفظ ، ومع تسليمه فإن الإطلاقات في
الاخبار انما تحمل على الأفراد الشائعة المتكررة ، وهي المتبادرة عند الإطلاق ،
كما قرروه في غير موضع.
وما أورده على ذلك القول ـ الذي نقله الشيخ في المبسوط ،
وضعفوه به ـ وارد عليهم في هذا المقام ، وأنه ان وجب الوقوف على ظاهر النص ففي
الموضعين ، وان قيل بالتخريج والتحمل في التأويل والخروج عن الظاهر ، فلا معنى
لردهم ذلك القول ، كما لا يخفى على المنصف.
وأما ما ذكروه في قوله «ما لم يفترقا» من احتمال الحمل
على السلب فلا يخلو من مسامحة ، فإن المتبادر من هذه العبارة بالنظر الى صدر الخبر
هو توجه النفي إلى القيد خاصة دون المقيد. وهم قد صرحوا في محاوراتهم في هذا البحث
بأن
معناه أن المتبايعين بالخيار ما لم
يفارق أحدهما الآخر ، ويحصل البعد بينهما بما يزيد على وقت العقد ، فالمنفي انما
هو الافتراق ، دون من يترتب عليه الافتراق ، وهما البيعان ، ومبنى كلامهم المتقدم
انما يتم على رجوع النفي إلى القيد والمقيد ، وهو خلاف ظاهر سياق الخبر كما عرفت.
ويؤيد ما ذكرناه ـ ما قدمنا ذكره ـ من أن مقتضى العقد
اللزوم كتابا وسنة ، وإثبات الخيار الموجب للخروج عن ذلك يحتاج الى دليل واضح ،
والركون الى هذه التعليلات العليلة وبناء الأحكام الشرعية عليها مجازفة ظاهرة.
وبذلك يظهر رجحان وجه المذكور وأنه لا خيار في هذه
الصورة ، واليه يميل كلام المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد والفاضل الخراساني في
الكفاية.
وبالتوقف في هذه المسألة من أصلها صرح شيخنا المحقق
الشيخ على في شرح القواعد ، حيث قال بعد البحث في المسألة : وانا في المسألة من
المتوقفين وهو في محله ، واليه يميل كلام المسالك ، الا أنه قال بعد ذلك «والأوسط
أوسط»
الثاني ـ المشهور في كلام الأصحاب أنه لو اشترى من ينعتق
عليه كالأب والابن ونحوهما فإنه لا خيار للمشتري ، والظاهر أن الوجه فيه الترجيح
لأدلة العتق الدالة على أن من اشترى أباه مثلا فإنه ينعتق عليه ، فلا خيار له بأن
يجعله رقا بعد أن صار معتقا ، ولانه لم يعهد من الشارع عود المعتق رقا.
وربما قيل باحتمال عدم الملك في زمن الخيار ، وفيه ما
تقدم من أن مقتضى العقد اللزوم ، فالعقد مملك ومتى ثبت الملك ترتب عليه الانعتاق :
والى القول بذلك يميل كلام المحقق الأردبيلي «قدسسره» في شرح الإرشاد
، وكذا ظاهرهم أيضا أنه لا خيار للبائع ، خصوصا مع علمه بانعتاقه على المشترى.
واليه يميل أيضا كلام المحقق المشار اليه قال بعد الكلام
في المسألة : «ولعل ترجيح العتق الذي يرجح عندهم بأدنى شيء لا يبعد عملا بمقتضى
العقد من غير لزوم محذور
الا تخصيص دليل الخيار على تقدير
القول بعمومه ، على أن في عمومه تأملا فتأمل. ولا إجماع حتى يلزم خلافه ، بل
تخصيصه أيضا.
أقول : والتحقيق هنا هو أنه قد تقابل إطلاق الاخبار
الدالة على العتق في مثل هذه الصورة ، وإطلاق الاخبار الدالة على خيار المجلس هنا
، وتخصيص أحد الإطلاقين بالآخر يحتاج الى دليل واضح ، وليس فليس ، والركون الى هذه
الاحتمالات المذكورة الناشئة عن مجرد الدعوى ليس بشيء في مقام التحقيق.
هذا بالنسبة إلى المشترى وأما بالنسبة إلى البائع فلا
أعرف لهم حجة واضحة في إسقاط خياره ، وبه يعظم الإشكال في هذا المجال.
قال : في الدروس : أسقط الفاضل الخيار في شراء القريب ،
أما المشتري فلعتقه عليه ، ولأنه وسن نفسه على الغبن ، إذ المراد به العتق ، وأما
البائع فلما ذكر ولتغليب العتق ، ويحتمل ثبوت الخيار لهما بناء على أن الملك نافذ
بانقضاء الخيار وثبوته للبائع ، لأن نفوذ العتق لا يزيل حقه السابق ، وحينئذ يمكن
وقوف العتق ونفوذه فيغرم المشتري القيمة لو فسخ البائع ويجرى مجرى التلف الذي لا
يمنع من الخيار ، انتهى.
وظاهره التوقف في المسألة حيث نسب الإسقاط إلى الفاضل ،
وأردفه بهذا الاحتمال الذي جمد عليه ، ولم يتعرض للقدح فيه.
وحاصل معنى ما ذكره تخصيص أدلة العتق بأدلة الخيار ، بأن
يقال : انه يحتمل ثبوت الخيار لهما بناء على ان الانعتاق يتوقف على الملك ، والملك
النافذ الذي يترتب عليه العتق انما يحصل بانقضاء الخيار ، وإسقاطه بأحد المسقطات
المتقدمة منهما معا.
ويحتمل ثبوت الخيار للبائع خاصة ، أما المشتري فإنه
ينعتق عليه بمجرد
الشراء وانعتاقه على المشترى لا يزيل
حق البائع الحاصل بمجرد العقد السابق على الانعتاق ، وحينئذ يمكن وقوف العتق على
انقضاء الخيار كما هو الاحتمال الأول ، ويمكن نفوذه بناء على الاحتمال الثاني بأن
ينعتق على المشترى ويبقى خيار البائع ، فإن اختار الفسخ فليس له تسلط على العبد
لانعتاقه وانما يرجع بقيمته اجراء للعبد هنا مجرى المبيع التالف.
ومن ذلك يظهر لك أن المسألة محل توقف واشكال ومنشأ
الاشكال ما عرفت من تعارض اخبار العتق وإطلاق أخبار الخيار.
وظاهر الأصحاب إبقاء أخبار العتق على إطلاقها ، وتخصيص
اخبار الخيار بها ، فخيار المجلس عندهم ثابت إلا في هذا الموضع.
وظاهر الاحتمال الذي ذكره شيخنا المذكور العكس ، ولا
أعرف مرجحا لأحد الطرفين. وبه يظهر الاشكال. والله سبحانه وأولياؤه العالمون
بحقيقة الحال.
الثالث ـ قد صرح غير واحد من الأصحاب (رضوان الله عليهم)
بان هذا الخيار مختص بالبيع بجميع أنواعه إلا ما عرفت مما وقع فيه الاشكال والخلاف
ولا يثبت في غير البيع من عقود المعاوضات ، وان قام مقام البيع كالصلح ، ووجهه
ظاهر لأن الاخبار انما وردت في البيع ، وحمل غيره عليه قياس لا يوافق أصول المذهب.
ونقل عن الشيخ في المبسوط أنه أثبته في العقود الجائزة ،
مثل الوكالة والمضاربة والوديعة.
ورد بأنه غير جيد ، لان العقود الجائزة يصح فسخها في
المجلس وبعده ، فلا معنى لإثبات خيار المجلس فيها. وهو جيد.
الرابع ـ قال في الدروس : ويثبت في بيع خيار الرؤية ،
ولا يمنعه اجتماع الخيارين ، وكذا بيع خيار الشرط والحيوان ، وكذا يثبت في بيع
الصرف تقابضا
أولا ، فإن التزما به قبل القبض وجب
على القابل ، فلو هرب أحدهما عصى ، وانفسخ العقد ، ولو هرب قبل الالتزام فلا معصية
، ويحتسل قويا عدم العصيان مطلقا ، لان للقبض مدخلية في اللزوم فله تركه.
الخامس ـ قال أيضا في الكتاب المذكور : لو تنازعا في
التفرق حلف المنكر ولو تنازعا في الفسخ وكانا قد تفرقا قدم منكره ، ولو قال أحدهما
، تفرقنا قبل الفسخ ، وقال الأخر : فسخنا قبل التفرق احتمل تقديم الأول لأصالة
بقاء العقد ، وتقديم الثاني ، لأنه يوافقه عليه ويدعى فساده والأصل صحته ، ولان
الفسخ فعله انتهى.
وروى الشيخ عن الحسين بن عمر بن يزيد (1) عن أبيه عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله : «إذا
التاجران صدقا بورك لهما ، فإذا كذبا وخانا لم يبارك لهما وهما بالخيار ما لم
يفترقا ، فان اختلفا فالقول قول رب السلعة أو يتتاركا».
السادس ـ قال : لو تناديا بالعقد على بعد مفرط صح العقد
ولهما الخيار على الأقوى وان تقاربا بالتنقل ، ووجه عدم الخيار انه لا يجمعهما
مجلس عرفا.
الثاني خيار الحيوان
والشرط فيه ثلاثة أيام والمشهوران الخيار للمشتري خاصة ،
وعن المرتضى ثبوته للبائع أيضا ويظهر من المسالك ترجيحه وكذا من المحدث الكاشاني
في المفاتيح.
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 26 الكافي ج 5 ص 174 الوسائل الباب ـ 1 من
أبواب الخيار الرقم 6.
وقيل بثبوته لهما فيما لو كان الثمن حيوانا ، ونفى عنه
البعد المحقق الشيخ على في شرح القواعد قال : لان فيه جمعا بين الاخبار الا انه
استوجه العمل بالمشهور ، ونقل عن ابى الصلاح انه ذهب الى ثبوت الخيار في الإماء
مدة الاستبراء.
واستدل للقول المشهور بصحيحة الفضيل (1) وقد تقدمت في
روايات خيار المجلس : وموثقة الحسن بن على بن فضال (2) قال : «سمعت
أبا الحسن على بن موسى الرضا (عليهالسلام) يقول : صاحب
الحيوان المشترى بالخيار ثلاثة أيام».
ورواية على بن أسباط (3) عن ابى الحسن الرضا (عليهالسلام) قال : «سمعته
يقول : الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري» الحديث.
وصحيحة الحلبي المروية في الفقيه (4) عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «في
الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري ، فهو بالخيار إن اشترط أو لم يشترط». ورواه
الشيخ أيضا في الصحيح عن الحلبي مثله.
وصحيحة ابن رئاب (5) عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «الشرط
في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أو لم يشترط» الحديث.
وفي الكفاية ادعى دلالة صحيحة زرارة (6) وصحيحة محمد
بن مسلم (7) على هذا القول
ـ فإن أراد بهما الروايتين الآتيتين ـ في أدلة المرتضى (رضى الله عنه) ـ فهما
بالدلالة على خلاف ما يدعيه أشبه ، والا فليس في الباب سواهما ، وهذه روايات
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 170.
(2) التهذيب ج 7 ص 67 الوسائل الباب ـ 3 ـ من أبواب الخيار.
(3) التهذيب ج 7 ص 64 الكافي ج 5 ص 216.
(4) الفقيه ج 3 ص 126 التهذيب ج 7 ص 24.
(5) التهذيب ج 7 ص 24 الكافي ج 5 ص 169.
(6 و 7) التهذيب ج 7 ص 23.
المسألة قد استوفيناها فيما ذكرنا وما
يأتي في المقام إنشاء الله تعالى.
أقول : ويدل عليه ـ بأصرح دلالة لا تقبل التأويل ـ ما
رواه الثقة الجليل عبد الله ابن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله وأحمد
ابني محمد بن عيسى عن الحسن ابن محبوب عن على بن رئاب (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اشترى
جارية لمن الخيار؟ للمشتري أو للبائع أو لهما كلاهما؟ فقال : الخيار لمن اشترى
ثلاثة أيام نظرة ، فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء».
والحديث ـ مع صحة سنده ـ صريح الدلالة على القول
المذكور.
واستدل للمرتضى ـ بصحيحة محمد بن مسلم (2) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «المتبايعان
بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان وما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا».
ويدل عليه ـ أيضا ـ صحيحة زرارة (3) عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «سمعته
يقول : قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) البيعان
بالخيار حتى يفترقا ، وصاحب الحيوان ثلاثة أيام».
ونحوه عن محمد بن مسلم ـ في الصحيح (4) ـ عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) والتقريب في
الخبرين الأخيرين أن المتبادر من صاحب الحيوان هو البائع ، ويخدشه أن موثقة الحسن
بن على بن فضال قد فسرت صاحب الحيوان هنا بأنه المشترى ، وهو الأقرب ، لأن ظاهر
هذه العبارة تدل على انحصار الخيار فيه ، ولا قائل بانحصار الخيار في البائع ،
وبالحمل على المشترى يصح الانحصار ، بناء على القول المشهور والمؤيد المنصور.
قال في المسالك بعد قول المصنف «والشرط فيه كله ثلاثة
أيام للمشتري خاصة دون البائع على الأظهر» : ما صورته : «نبه بالأظهر على خلاف
المرتضى (رضوان الله عليه) ـ حيث ذهب الى أن الخيار لهما ، وصحيحة محمد بن مسلم
__________________
(1) الوسائل الباب ـ 3 ـ من أبواب الخيار الرقم 9.
(2) الوسائل الباب ـ 3 ـ من أبواب الخيار الرقم 3 التهذيب ج 7
ص 23.
(3 و 4) الكافي ج 5 ص 170 التهذيب ج 7 ص 24.
عن الصادق عليهالسلام قال : «المتبايعان
بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان». صريحة الدلالة على ما يدعيه.
وما تقدم في صحيحة الحلبي من إثبات خياره للمشتري غير
مناف لثبوته للبائع الأمن حيث المفهوم المخالف وهو ضعيف ، فالقول به في غاية القوة
ان لم يثبت إجماع على خلافه : وحملت الرواية على ما لو باع حيوانا بحيوان ـ وهو
تخصيص بغير مخصص ـ وعلى أن الخيار للمشتري وعلى البائع ، فهو بالنسبة إليهما مدة
ثلاثة أيام.
ويضعف بان مقتضى الخبر كونه لهما كما في قوله «البيعان
بالخيار ما لم يفترقا» وعلى ان الخيار للمجموع من حيث هو مجموع فلا يدل على ثبوته
للافراد وفيه ما مر.
وفي الدروس الشهرة بل الإجماع على خلافه ، وهو يؤذن
بدعوى الإجماع ، فإن ثبت فهو الحجة ، والا فلا. انتهى.
أقول : لا يخفى أن ما ذكروه ان سلم في روايات المسألة ـ المشهورة
في كلامهم الا انه لا يجري في صحيحة ابن رئاب (1) التي قدمنا نقلها عن قرب الاسناد ،
فإنها صريحة في القول المذكور ، وبها يتأيد ذلك المفهوم الذي دلت عليه تلك الأخبار
العديدة.
على أن لقائل أن يقول : انه وان كان المفهوم ـ كما ذكره
ـ ليس بحجة الا ان سوق الكلام في جملة من الاخبار المذكورة تدل على إرادته
واعتباره هنا ، مثل قولهما (عليهمالسلام) في صحيحتي
زرارة ومحمد بن مسلم «البيعان بالخيار ما لم يفترقا وصاحب الحيوان ثلاثة أيام». ونحوهما
صحيحة الفضيل المتقدمة في خيار المجلس.
والتقريب في الجميع أنه لو كان الخيار لهما في الحيوان ـ
كما هو المدعى ـ لما كان لتخصيص أحدهما به وجه ـ بعد أن ذكر الخيار لهما في غيره ـ
ويفصل في المقام ، بل ينبغي أن يقول هما بالخيار في كل من الموضعين.
ويؤيد القول المشهور ان الظاهر ان وجه الحكمة في هذا
الخيار أن الحيوان
__________________
(1) الوسائل الباب ـ 3 ـ من أبواب الخيار الرقم ـ 9.
مظنة للعيوب ، وهي قد تخفى كثيرا ولا
تظهر غالبا ، وايضا قد يتعلق به أغراض لا يمكن الاطلاع عليها الا بالاختبار ومرور
الأيام ، فضرب الشارع للمشتري هذه المدة لإمكان ظهور عيب خفي فيها ، وهذه الحكمة
لا يظهر وجهها بالنسبة إلى البائع المطلع على عيوب حيوانه ، فلا يكون الخيار
مشروعا في حقه لانتفاء وجه الحكمة.
ويؤيده أيضا ـ ما قدمنا ذكره ـ من أن مقتضى العقد كتابا
وسنة اللزوم من الجانبين حتى يقوم دليل على خلافه.
وبالجملة فإن العمدة في رد القول المزبور ـ انما هي
صحيحة ابن رئاب المروية في قرب الاسناد الغير القابل للتأويل بوجه من الوجوه ، وان
كانت جميع هذه الوجوه مؤيدة لذلك. ومن ذلك يعلم أنه يجب جعل التأويل في جانب صحيحة
محمد بن مسلم المذكورة بالحمل على أحد المحامل المتقدمة التي أقربها الحمل على ما
لو باع حيوانا بحيوان.
وقول شيخنا المتقدم ـ بأنه تخصيص بغير مخصص ـ مدفوع بأن
ضرورة الجمع بين الاخبار أوجب التخصيص. على أنه قد اختار القول بذلك ، وجعله وجه
جمع بين الاخبار ، كما سيأتي في كلامه إنشاء الله تعالى. وأما ما عداها مما ظاهره
ذلك أيضا فقد عرفت الجواب عنه.
واحتمل في الوسائل حملها على التقية ، ولعله الأقرب ـ وان
كان لا يحضرني الان مذهب العامة في هذه المسألة ـ لما عرفت في مقدمات كتاب الطهارة
(1) ـ من ان الحمل
على التقية لا يتوقف على وجود القائل بذلك منهم ، فإنه لما كان الأصحاب سلفا وخلفا
ـ سوى المرتضى (رضى الله عنه) ـ على هذا القول المشهور ، وأخبارهم كما عرفت
متظافرة به ، فإنه يعلم بذلك كونه مذهب الأئمة (عليهمالسلام) وليس لما
خالف ذلك ـ مما ورد عنهم ـ محمل غير التقية.
__________________
(1) ج 1 ص 5.
ومن روايات ـ المسألة ـ المؤيدة للقول المشهور ـ أيضا
زيادة على ما قدمناه ـ ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن ابن سنان (1) والظاهر أنه
عبد الله ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يشتري الدابة أو العبد ويشترط الى يوم أو يومين فيموت العبد أو الدابة أو يحدث فيه
حدث ، على من ضمان ذلك؟ فقال : على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير
المبيع للمشتري» (2).
وزاد في التهذيب «شرط له البائع أو لم يشترط قال وان كان
بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشترى قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البائع».
ورواه في الفقيه مرسلا (3) كما في
الكافي. الا انه قال : «لا ضمان على المبتاع حتى ينقضي الشرط ويصير المبيع له» (4).
والعجب من المرتضى ـ (رضوان الله عليه) ـ المانع من
العمل باخبار الآحاد والدائر في أقوله مدار الإجماع ـ كيف اعتمد على هذا الخبر في
هذا المقام مع مخالفته الأخبار الكثيرة المعتضدة بالشهرة بل الإجماع المدعى في
المقام ، والظاهر أن دليله شيء آخر غير الخبر من الأمور العقلية كما هي قاعدته ،
فان تعلقه بالاخبار نادر جدا.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 169 التهذيب ج 7 ص 24.
(2) ظاهر الخبر المذكور عدم انتقال المبيع في مدة الخيار إلى
المشتري كما هو قول الشيخ ، والمشهور يحملونه على استقرار الملك وسيأتي تحقيق
المسألة في محله إنشاء الله تعالى.
(3) الفقيه ج 3 ص 128.
(4) ومما يدل على ما دل عليه هذا الخبر من أن التلف أو الحدث
زمن الخيار مضمون على البائع. رواية ابن رباط عن زرارة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : ان حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة
أيام فهو من مال البائع» والظاهر ان الحكم لا خلاف فيه. منه رحمهالله.
وبالجملة فالمعتمد هو القول المشهور. والله العالم.
وتحقيق البحث في المقام يتم برسم مسائل.
الأولى ـ لم نقف لأبي الصلاح فيما ذهب اليه من ثبوت
الخيار في الإماء مدة الاستبراء على دليل ، وظاهر اخبار ـ المسألة ـ المتقدمة يرده
، مثل قوله (عليهالسلام) في صحيحة
الحلبي (1) المتقدمة «الخيار
في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري». وقوله (عليهالسلام) في صحيحة (2) ابن رئاب «الشرط
في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري ، اشترط أو لم يشترط».
وأظهر من جميع ذلك صحيحة على بن رئاب (3) المتقدم نقلها
عن قرب الاسناد ، لأن موردها الجارية بخصوصها ، وقد حكم (عليهالسلام) «بان الخيار
فيها ثلاثة أيام للمشتري وأنه إذا مضت الثلاثة فقد وجب الشراء ولزم». وصحيحة عبد
الله بن سنان (4) عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال : عهدة
البيع في الرقيق ثلاثة أيام ان كان بها خبل أو برص أو نحو هذا». الحديث وبذلك يظهر
ضعف القول المذكور.
الثانية ـ لو باع الدراهم أو المتاع بالحيوان كان يقول :
بعتك هذه الدراهم أو هذا المتاع بهذا الحيوان ، فيقول المشترى اشتريتها به.
فالظاهر أن خيار الحيوان ـ هنا ـ ثابت لمن انتقل له
الحيوان بهذا العقد ، وهو البائع للدراهم أو المتاع ، نظرا الى ما قدمنا ذكره من
وجه الحكمة في هذا الخيار.
وثبوت الخيار هنا للبائع غير مناف لما تقدم ـ بناء على
القول المشهور ـ وما دل عليه من الاخبار ، من أن خيار الحيوان للمشتري خاصة ، لأن
مبنى تلك المسألة ـ في
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 24.
(2) الكافي ج 5 ص 169.
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب الخيار الرقم 9.
(4) الكافي ج ـ 5 ـ ص 172.
النصوص وكلام الأصحاب ـ انما هو على
كون المبيع هو الحيوان بغيره من الأثمان ، فجعل الخيار فيها لمشتريه ، وهيهنا الحيوان
انما وقع ثمنا وقيمة لمبيع آخر فيكون الخيار انما هو لمن انتقل اليه وهو البائع ،
نظرا الى ما أشرنا إليه من وجه الحكمة في هذا الخيار.
ويمكن الاستدلال عليه في هذه الصورة بالأخبار الدالة على
أن لصاحب الحيوان الخيار ثلاثة أيام ، وهو من انتقل اليه ثمنا أو مثمنا ، لما تقدم
من أنه لا يصح حمل صاحب الحيوان هنا على المالك ، وانما حملناه سابقا على المشترى
بقرينة موثقة ابن فضال ، من حيث وقوع البيع على الحيوان ، وكونه مثمنا ، وأما لو
جعل ثمنا ، فإنه يكون الخيار فيه لمن انتقل اليه ، وان سمي بحسب هذه الصورة بائعا.
أو الى ما اخترنا في هذا المقام يشير كلام شيخنا الشهيد
الثاني في المسالك والروضة وبه صرح المحقق الأردبيلي (رحمهالله عليه) في شرح
الإرشاد ، الا أن كلامه لا يخلو من خلل في تأدية المطلوب منه والمراد ، فإنه قال ـ
بعد ذكر الفرع المذكور.
ـ وبالجملة انه ثابت لمن ينتقل اليه الحيوان بعقد البيع
، سواء يقال له البائع أو المشترى ، وأتى بالصيغة بلفظ البيع أو الشراء قدمها أو
أخرها ، لأن الحكمة في الخيار فيه أن الحيوان مظنة العيب ويختفى فيه كثيرا ، ولا
يظهر غالبا ، فشرع الخيار ليعلم ذلك وهو يدل على ثبوته لكل من ينتقل اليه.
والعمدة في ذلك ـ الأخبار المتقدمة ، مثل صحيحة زرارة أو
حسنته (1) قال : قال :
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) «البيعان
بالخيار حتى يفترقا وصاحب الحيوان ثلاثة أيام». الظاهر أن المراد أن صاحبه الذي
عنده ومالكه بالفعل ـ لا الذي كان ـ يخير ثلاثة أيام ، ثم ذكر صحيحة محمد بن مسلم
الموافقة لصحيحة زرارة في هذا المتن.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 170.
كما قدمناه ثم قال : الظاهر شمول هذه
الاخبار لمن قلناه ، وان قلنا بشمولها لغيره ايضا. انتهى.
ومحل الإشكال في قوله : الظاهر ان المراد صاحبه الذي
عنده الى آخره مع قوله قبله ان الخيار ثابت لمن ينتقل اليه الحيوان مؤيدا ذلك بوجه
الحكمة المذكورة في كلامه ، فإنه لا يخلو من مدافعة ومناقضة.
الثالثة ـ هل مبدء الخيار هنا ـ وكذا في خيار الشرط
الاتى إنشاء الله تعالى ـ من حين العقد أو التفرق؟ قولان : نقل ثانيهما عن الشيخ (رحمة
الله عليه) ومن تبعه. وبالأول صرح جملة من محققي متأخري الأصحاب ، والظاهر أنه
الأقرب.
ويؤيده أن المتبادر من الأجل المذكور بعد العقد هو
اتصاله بزمان العقد ، وهكذا كل ما اشترط من الأجل في العقود ، فان المتبادر منه
كون ابتدائه من حين العقد.
ويعضده ظاهر جملة من الاخبار المتقدمة ، مثل قوله (عليهالسلام) في صحيحة
زرارة (1) «البيعان
بالخيار حتى يفترقا» وصاحب الحيوان ثلاثة أيام.
وقوله في صحيحة محمد بن مسلم (2) «المتبايعان
بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا». فان المفهوم
منهما ان كلا الخيارين في البدء سواء وانما الاختلاف بينهما باعتبار الأخر ،
فنهايته في خيار المجلس التفرق ، وفي خيار الحيوان إلى ثلاثة أيام وتمام الكلام في
المقام يأتي ـ إنشاء الله تعالى ـ في المقام الثاني في الأحكام.
الرابعة ـ يسقط هذا الخيار عند الأصحاب باشتراط سقوطه في
العقد ، وبإسقاطه بعد العقد ، وبالالتزام بالعقد ، وبالتصرف ، والوجه في الأول ـ العمل
بما دل على لزوم الوفاء بالشرط وفي الثاني أنه حق لصاحبه ، فمتى أسقطه سقط.
واما الثالث فقد تقدم الكلام فيه في خيار المجلس ، الا
ان الظاهر هنا لزوم العقد
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 7 ص 24 الكافي ج 5 ص 170.
بالالتزام به ، وسقوط الخيار بذلك ،
لما في رواية عبد الله بن الحسن بن زيد بن على بن الحسن عن أبيه (1) «عن جعفر بن
محمد (عليهمالسلام) قال : قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله في رجل اشترى
عبدا بشرط ثلاثة أيام فمات العبد في الشرط قال : يستحلف بالله ما رضيه ، ثم هو بريء
من الضمان». فإنه ظاهر في أنه متى التزم بالعقد ورضى به سقط الخيار.
وأما الرابع فيدل عليه ـ بعد الإجماع المدعى في التذكرة
ـ جملة من الاخبار
منها صحيحة على بن رئاب (2) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «الشرط
في لحيوان ثلاثة أيام» للمشتري اشترط أم لم يشترط ، فإن أحدث المشتري فيما اشترى
حدثا قبل الثلاثة (الأيام) فذلك رضى منه فلا شرط ، قيل له : وما الحدث؟ قال : أن
لامس أو قبل أو نظر منها الى ما كان يحرم عليه قبل الشراء».
وصحيحة محمد بن الحسن الصفار (3) قال : «كتبت
الى ابى محمد (عليهالسلام) في الرجل
اشترى من رجل دابة فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر أو نعلها أو ركب ظهرها فراسخ ،
إله أن يردها في الثلاثة أيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو
الركوب الذي ركبها فراسخ؟ فوقع عليهالسلام : إذا أحدث
فيها حدثا فقد وجب الشراء ان شاء الله تعالى».
وروى في قرب الاسناد عن على بن رئاب في الصحيح (4) : قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اشترى
جارية لمن الخيار؟ فقال : الخيار لمن اشترى «الى ان قال :» قلت له : أرأيت ان
قبلها المشتري أو لامس ، قال : فقال : إذا قبل أو
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 80 الوسائل الباب ـ 5 ـ من أبواب الخيار.
(2) الكافي ج 5 ص 169 التهذيب ج 7 ص 24 وفيه (أيام) الوسائل
الباب 4 من أبواب الخيار.
(3) التهذيب ج 7 ص 75 الوسائل الباب 4 من أبواب الخيار.
(4) الوسائل الباب ـ 4 ـ من أبواب الخيار الرقم ـ 3.
لامس أو نظر منها الى ما يحرم على
غيره فقد انقضى الشرط ولزمته».
قال في المسالك ـ بعد نقل مضمون صحيحة على بن رئاب
الاولى : ـ وإطلاق التصرف والحدث يشمل الناقل وغيره ، بل مطلق الانتفاع كركوب
الدابة وتحميلها وحلب ما يحلب ونحو ذلك ، ولو قصد به الاستخبار ففي المنع من الرد
قول لا بأس به ، فان استثنياه اعتبر منه ما يعلم به الحال ، بان يركب الدابة قدرا
يظهر به فراهتها وعدمه ، ويحلب الشاة بحيث يعلم حالها ونحو ذلك فلو زاد عنه منع ،
ولو ساق الدابة إلى منزله فإن كان قريبا بحيث لا يعد تصرفا عرفا فلا اثر له ، وان
كان بعيدا كثيرا احتمل قويا منعه ، وبالجملة فكل ما يعد تصرفا وحدثا يمنع والا
فلا. انتهى وهو جيد.
ونقل المحقق الأردبيلي (رحمهالله) في شرح
الإرشاد عن بعض المحققين قال : قال بعض المحققين : المراد بالتصرف المسقط للخيار
هو ما يكون المقصود منه التملك لا الاختبار ، (1) ولا حفظ المبيع كالركوب لسقي الدابة
، ثم قال : وفيه تأمل ، لأن ظاهر الروايات أعم من ذلك.
أقول : ان ما ذكروه من التصرف لأجل الاختبار لا وجه له
في المقام ، فان مقتضى العادة أن المشترى للحيوان لا يشتريه ولا يعقد صيغة البيع
حتى يختبره بركوبه معرفة حسن مشيه وعدمه ، والجارية لا يشتريها حتى ينظر منها الى
ما يتعلق به غرضه بنظره باذن المالك ، ومن هذه الجهة أطلقت الأخبار كون التصرف بعد
البيع مسقطا للخيار ، فان جميع ما يتوقف عليه غرضه من ذلك الحيوان قد علم قبل
البيع ، وانما جعل له هذا الخيار هذه المدة بالنسبة إلى شيء لم يحصل له الاطلاع
عليه من العيوب الخفية.
__________________
(1) أقول ظاهر المحقق الشيخ على في شرح القواعد الميل الى هذا
القول حيث قال : ولو قصد به الاختبار فقد استثناه بعضهم من التصرف المسقط وليس
ببعيد ـ منه رحمهالله.
واما ما ذكره ذلك المحقق من السقي ، فإنه لا يتوقف على
الركوب ليكون ذلك مستثنى من التصرف المانع من الرد ، والظاهر انه أراد بالتملك ،
معنى الالتزام بالبيع والا فالتملك حاصل بأصل العقد.
نعم يبقى الكلام في التصرف الذي يتوقف عليه حفظ الدابة
في ضمن تلك الثلاثة أيام ، من علفها وسقيها وربطها ، ونقلها من مكان الى مكان لأجل
حفظها من الحر أو البرد ونحو ذلك ، والأقرب أنه لا يعد من التصرف المانع من الرد
لخوف تطرق الضرر بدونه.
وأما مناقشة المحقق الأردبيلي «رحمهالله» في هذا
المقام في عموم التصرف وشموله لجميع التصرفات ـ حيث طعن في دلالة صحيحة على بن
رئاب الأولى بالحصر في الجارية ، فلم يعلم غيرها من الحيوانات واختصاصه بالإفراد
المذكورة فيها ، وأنه يمكن ما كان مثلها أو أعلى وأما الأدنى فلا.
وفي صحيحة الصفار بأنها وان دلت بظاهرها على أن كل حدث
مسقط للخيار ـ الا ان الحدث مجمل ، ويمكن أن يكون كل ما هو عيب يكون مسقطا ـ فالظاهر
أنها من المناقشات البعيدة الاحتمال ، فان الظاهر أن ما ذكر في الخبرين المذكورين
من الجارية والدابة والتصرف فيهما بما ذكره في الخبرين انما خرج مخرج التمثيل ، لا
الاختصاص وذكر في كل منهما من التصرف ما هو المناسب له من قبيل التمثيل أيضا لا
الحصر.
فالمراد من الخبرين انما هو ما فهمه الأصحاب (رضوان الله
عليهم) ، من عموم الحكم في الحيوان مطلقا ، والتصرف بجميع وجوهه في كل منها بما
يناسبه ، والله العالم (1).
__________________
(1) أقول بذلك يظهر أيضا ما في كلام الفاضل الخراساني حيث قال
واعلم أنى لا أعلم دليلا على كون شيء من التصرفات موجبا للزوم ، سوى ما ورد في
صحيحة على بن رئاب ، وصحيحة محمد بن الحسن الصفار ، وما في قوته أو أقوى منه ، وان
ثبت إجماع في غيرها كان متبعا ، والا كان للتأمل فيه مجال. انتهى.
وكأنه
تبع في هذا المقام المحقق المشار إليه في الأصل وقد عرفت ـ
الخامسة ـ قد عرفت فيما تقدم أن من جملة الأقوال في
المسألة ثبوت الخيار لهما فيما إذا كان الثمن أيضا حيوانا واختاره في المسالك ،
نظرا الى تحقق الحكم من الجانبين ، قال : فان اختصاص الخيار بالحيوان لاشتماله على
أمور باطنة لا يطلع عليها غالبا إلا بالتروي والاختبار مدة ، وفيه جمع بين الاخبار
المختلفة ظاهرا. وهو جيد ، سيما على مذهبه في ترجيح قول السيد المرتضى ثم انه في
المسالك قال : ولو كان الثمن خاصة حيوانا ثبت الخيار للبائع خاصة على الأقوى.
انتهى.
وبنحوه في الموضعين صرح في الروضة أيضا (1)
وبالجملة ، فإن مرجع الكلام في هذه المسألة الى ما
قدمناه في الفائدة الثانية ، قد عرفت انه أحد الوجوه في حمل الخبر الذي استدل به
المرتضى (رضى الله عنه) كما أشار إليه شيخنا المذكور هنا بقوله : وفيه جمع بين
الاخبار المختلفة ظاهرا ، وان كان قد رده في كلامه المتقدم نقله عنه في صدر البحث
بقوله وهو تخصيص بغير مخصص وقد عرفت ما فيه آنفا.
الثالث ـ خيار الشرط
والأصل فيه ـ بعد الإجماع في التذكرة ـ الأدلة العاملة
من الاخبار الدالة على وجوب الوفاء بالشرط الا ما حرم حلالا وحلل حراما ، والخاصة
لهذا المقام وها نحن نتلوا عليك جملة الأخبار المتعلقة بذلك عامها وخاصها ، كما هي
قاعدتنا
__________________
ما فيه من أن ما ذكر في الخبرين انما خرج مخرج التمثيل لا
الحصر كما لا يخفى ، واليه يشير قوله «فأحدث حدثا من أخذ الحافر الى آخره» فان
المراد بالحدث هو ما فهمه الأصحاب من التصرف مطلقا ، وان مثل له في الخبر ببعض
الافراد كما لا يخفى على المتأمل. منه رحمهالله.
(1) حيث قال : ولو كان حيوانا بحيوان قوى ثبوته لهما كما يقوى
ثبوته للبائع وحده لو كان الثمن خاصة وهو ما قرن بالباء حيوانا ، انتهى منه رحمهالله.
في الكتاب في كل حكم وباب.
فمنها ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الله
بن سنان (1) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «سمعته
يقول : من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله فلا يجوز له ، ولا يجوز على الذي اشترط
عليه ، والمسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب الله عزوجل.
وما رواه في الفقيه والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن
سنان (2) عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «المسلمون
عند شروطهم ، الا كل شرط خالف كتاب الله عزوجل فلا يجوز».
وما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار (3) عن جعفر عن
أبيه (عليهماالسلام) «أن على بن
أبى طالب (عليهالسلام) كان يقول : من
شرط لامرأته شرطا فليف لها به ، فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرم حلالا أو
أحل حراما».
ومنها ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (4) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «سألته
عن الشرط في الإماء ألا تباع ولا تورث ولا توهب؟ فقال : يجوز ذلك غير الميراث ،
فإنها تورث ، وكل شرط خالف كتاب الله فهو» (مردود)».
ونحو هذه الرواية بهذا المضمون مرسلة جميل بن دراج ، (5) ومرسلة ثانية
له ، والمشهور في كلام الأكثر أنه لو شرط ما ينافي مقتضى العقد كما لو شرط أن لا
يبيعه
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 169 التهذيب ج 7 ـ ص 22.
(2) الفقيه ج 3 ص 127 التهذيب ج 7 ص 22.
(3) التهذيب ج 7 ص 467.
(4) الكافي ج 5 ص 212 ـ في الكافي فهو (رد).
(5) التهذيب ج 7 ص 25.
أو لا يعتقه أو لا يطأ أو لا يهب ،
فهذه الشروط باطلة ، والمشهور بطلان العقد بها أيضا.
ويظهر من بعض الأصحاب القول بلزوم أمثال هذه الشروط
المشروعة ، والاخبار المذكورة تدل عليه ، وعلى المشهور يمكن حملها على الاستحباب ،
بناء على قواعدهم في أمثال هذه الأبواب.
ثم ان الفرق بين الميراث وغيره مما ذكر في الاخبار
المذكورة لا يخلو من خفاء وربما قيل بأن الفرق هو ان اشتراط عدم البيع والهبة
اشتراط ما يتعلق بنفسه ، واشتراط عدم التوريث يتعلق بغيره ، ولا أثر فيه لرضاه ،
ولا يخلو من تكلف ، ومقتضى العقد كتابا وسنة هو التصرف فيه بما شاء من أنواع
التصرفات ، فاشتراط منعه من ذلك كما دلت عليه هذه الاخبار مشكل.
ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن إسحاق بن
عمار (1) قال : «أخبرني
من سمع أبا عبد الله (عليهالسلام) «قال سأله
رجل وأنا عنده فقال له : رجل مسلم احتاج الى بيع داره فمشى إلى أخيه فقال له :
أبيعك داري هذه وتكون لك أحب الي من أن تكون لغيرك على أن تشترط لي ان أنا جئتك
بثمنها إلى سنة أن ترد علي؟ فقال : لا بأس بهذا ان جاء بثمنها إلى سنة ردها عليه
قلت : فإنها كانت فيها غلة كثيرة فأخذ الغلة لمن تكون؟ فقال : الغلة للمشتري ، ألا
ترى أنه لو احترقت لكانت من ماله».
ورواه الصدوق بطريقه إلى إسحاق بن عمار (2) عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال : سأله
رجل الحديث
وما رواه في التهذيب عن معاوية بن ميسرة (3) قال : «سمعت
أبا الجارود يسأل
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 171 التهذيب ج 7 ص 23.
(2) الفقيه ج 3 ص 128.
(3) التهذيب ج 7 ص 176.
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل باع
دار إله من رجل ، وكان بينه وبين الرجل الذي اشترى منه الدار حاصر ، فشرط أنك ان
أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك فأتاه بماله قال : له شرطه ، قال له
أبو الجارود : فان ذلك الرجل قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين قال : هو ماله ،
وقال أبو عبد الله (عليهالسلام) : أرأيت لو أن
الدار احترقت من مال من كانت تكون الدار دار المشترى».
وما رواه في الكافي عن سعيد بن يسار (1) في الصحيح قال
: «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : انا نخالط
أناسا من أهل السواد وغيرهم ، فنبيعهم ونربح عليهم العشرة اثنا عشر والعشرة ثلاثة
عشر ونؤخر ذلك فيما بيننا وبينهم السنة ونحوها ، ويكتب لنا الرجل على داره أو أرضه
بذلك المال الذي فيه الفضل الذي أخذ منا شراء (وقد باع) وقبض الثمن منه ، فنعده ان
هو جاء بالمال الى وقت بيننا وبينه ان نرد عليه الشراء ، فان جاء الوقت ولم يأتنا
بالدراهم فهو لنا. فما ترى في ذلك الشراء؟ قال : ارى أنه لك ان لم يفعل ، وان جاء
بالمال للوقت فرد عليه».
وما رواه الشيخ عن أبى الجارود (2) عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «ان
بعت رجلا على شرط فإن أتاك بمالك والا فالبيع لك». والبيع في الخبر بمعنى الشراء ،
فإنه من الأضداد كما ذكره أهل اللغة.
وتحقيق البحث في المقام بما يحصل به الإحاطة بأطراف
الكلام وبيان ما يدخل فيه من الأحكام يقع في مواضع.
الأول ـ الأشهر الأظهر هو انه متى كان الشرط سائغا في
العقد ، وجب على المشروط عليه الوفاء به فان امتنع كان للمشروط له إجباره عليه ،
فان لم يمكنه رفع امره الى الحاكم الشرعي فإن تعذر كان له خيار الفسخ ، وقيل متى
امتنع كان للمشروط له اختيار الفسخ ، وسيأتي إنشاء الله تعالى مزيد تحقيق للمسألة
في محله (3)
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 172 الفقيه ج 3 ص 128 وفيه (بأنه قد باعه).
(2) التهذيب ج 7 ص 23.
(3) وهو في المسألة الاولى من المقام الثاني في أحكام الخيار.
الثاني ـ يجوز اشتراط مدة يرد فيها البائع الثمن إذا شاء
ويرتجع المبيع وفي هذا المقام أحكام.
الأول ـ قد دلت موثقة إسحاق بن عمار وما بعدها من
الاخبار على أنه يجوز اشتراط مدة مضبوطة يرد فيها البائع الثمن إذا شاء ويرتجع
المبيع ، وظاهر الاخبار المذكورة أنه يكفى مجرد إعطاء الثمن ، والمفهوم من كلام
الأصحاب من غير خلاف بعرف أنه لا بد من الفسخ وأنه لا يكفى مجرد رد الثمن.
الثاني ـ لو شرط في العقد رد المثل أو القيمة في تلك
المدة لزم أيضا ، قال في الدروس : فليس للبائع الفسخ بدون رد الثمن أو مثله ولا
يحمل الإطلاق على العين ، ولو شرط رد العين احتمل الجواز انتهى.
الثالث ـ المشهور أنه لا يتوقف الفسخ أو الإمضاء على
حضور الأخر أو الحاكم. نعم ثبوته يتوقف على الاشهاد مع النزاع ، ونقل في الدروس عن
ابن الجنيد انه يشترط في الخيار المختص للفسخ أو الإمضاء الحضور أو حكم الحاكم أو
الإشهاد قال : وفي المشترط لا ينفذا لفسخ والإمضاء إلا بحضورهما ونقل عن ابن حمزة
انه لا بد في المشترك من اجتماعهما على الفسخ أو لا إمضاء.
وفي المبسوط لا خلاف في جواز الإمضاء بغير حضور الأخر ،
والظاهر ان ما ذهب اليه ابن الجنيد هنا هو مذهب العامة ، فإنه قد نقل المحقق الشيخ
على (رحمهالله) في شرح
القواعد توقف الفسخ على أحد الأمرين المذكورين عن أبي حنيفة.
وأنت خبير بان الروايات المذكورة خالية من التعرض لذكر
الفسخ ، كما قدمنا الإشارة اليه ، وليس فيها أزيد من رد الثمن في المدة المضروبة
وظاهره هو الرد على المشترى ودفعه اليه ، ولو جعل رد الثمن فيها كناية عن الفسخ
مثلا ، فظاهرها اشتراط حضور المشترى ليفسخ البائع بعد دفع الثمن أو مثله اليه ،
فما ذكروه من جواز الفسخ مع عدم حضور المشترى وجعل الثمن أمانة الى أن يجيء
المشترى ، وان كان ظاهرهم الاتفاق
عليه عدا من تقدم ذكره ، الا انه بعيد عن سياق الأخبار المذكورة كما لا يخفى على
المتأمل فيها.
الرابع ـ الظاهر انه لا فرق (1) في هذا الشرط
بين وقوعه من البائع بأن يقول : بعتك هذه الدار بشرط ان تردها علي إذا أتيتك
بالثمن في ضمن شهر ، أو من المشترى بأن يشترط له انك ان أتيتني بالثمن في ضمن
المدة المعلومة ، رجعت عليك المبيع والذي تضمنته الأخبار المتقدمة الثاني.
قال في الدروس : يجوز اشتراط ارتجاع المبيع عند رد الثمن
مع تعيين المدة فليس للبائع الفسخ بدون رد الثمن أو مثله ، ثم قال : ولو شرط
المشترى ارتجاع الثمن إذا رد المبيع جاز ، ويكون الفسخ مشروطا برد المبيع ، فلو
فسخ قبله لغى انتهى.
أقول ظاهر الاخبار المتقدمة انه بعد وقوع العقد مشتملا
على هذا الشرط من البائع أو المشتري فإنه بمجرد رد البائع الثمن في المدة المضروبة
يجب على المشترى رفع اليد عن المبيع وتسليط البائع عليه لقوله (عليهالسلام) في موثقة
إسحاق (2) «ان جاء بثمنها
إلى سنة ردها عليه». وفي رواية معاوية فأتاه بماله قال : له شرطه ،. وقوله في
صحيحة سعيد بن يسار (3) «ان جاء بالمال
في الوقت فرد عليه».
وظاهر هذه العبارات ان الفسخ يحصل بمجرد رد الثمن في المدة
المضروبة وانه يجب على المشترى رد المبيع ورفع يده عنه.
وبه يظهر ما في عبارة الدروس المذكورة وغيرها من اعتبار
الفسخ وتفريع
__________________
(1) لقوله في خبر إسحاق ان حبئت بثمنها إلى سنة ، وفي رواية
معاوية الى ما بين ثلاث سنين وقوله في رواية سعيد بن يسار ولم يأتنا بالدراهم وفي
رواية أبي الجارود فإن أتاك بمالك والجميع كما ترى ظاهر في انه لا بد من رده على
المشترى منه رحمهالله.
(2) الوسائل الباب 8 ـ أبواب الخيار الرقم ـ 1 التهذيب ج 237
الرقم 13.
(3) التهذيب ج 7 ص 23 الرقم 12.
ما ذكروه من الأحكام عليه فان دخوله
تحت الأخبار المذكورة لا يخلو من غموض وخفاء.
الخامس ـ قال في الدروس لو شرط ارتجاع بعضه ببعض الثمن
أو الخيار في بعضه ففي الجواز نظر.
أقول : الظاهر ان وجه النظر المذكور ينشأ من مخالفة
النصوص الواردة في المسألة وكون هذا الفرد خارجا عنها ، ومن عموم «المؤمنون عند
شروطهم».
وفي المسالك استوجه الثاني ولا يخلو من قرب ، فان النصوص
المذكورة لا دلالة فيها على حصر الصحة في الصورة المذكورة فيها ، وان ما عداها غير
جائز مع ان هذا الشرط سائغ في حد ذاته ولا مانع منه.
الثالث من المواضع المتقدمة هل يملك المبيع بالعقد أو بمضي
مدة الخيار قولان ، وسيأتي تحقيق المسألة إنشاء الله تعالى في المقام الثاني في
الأحكام.
الرابع ـ قد دلت الأخبار المتقدمة على ان منافع المبيع
ضمن مدة الخيار للمشتري ، وتلفه من المشترى فيكون ملكا له ، وهو موافق للمشهور من
أن التلف بعد القبض في زمن الخيار من مال من لا خيار له.
وهذا في صورة ما لو كان الخيار للبائع ، واما لو كان
الخيار للمشتري كما تقدم في خيار الحيوان فان تلفه من البائع ، كما تضمنته صحيحة عبد
الله بن سنان (1) المتقدمة في
خيار الحيوان وقوله فيها «فان كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشترى قبل
أن يمضي الشرط فهو من مال البائع». وهذا ايضا جار على مقتضى القاعدة المتقدمة ،
وهي ان تلف المبيع بعد القبض فهو من مال من لا خيار له.
وتمام الكلام في ذلك يأتي إنشاء الله تعالى في المقام
الثاني.
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 24 الرقم 20 الوسائل الباب 8 من أبواب
الخيار الرقم 2.
الخامس ـ قد تقدم أنه لا بد من كون الشرط في متن العقد
بين الإيجاب والقبول قال في التذكرة : ولا اعتداد بالشرط قبله أو بعده.
السادس ـ خيار الشرط ثابت لمن اشترطه سواء كاناهما معا ،
أو أحدهما أو أجنبيا ، أو أحدهما مع أجنبي ، من غير خلاف يعرف ومستنده عموم أدلة
وجوب الوفاء بالشروط المتقدم ذكرها.
السابع ـ يجب أن يكون المدة مضبوطة ، والوجه فيه رفع
الجهالة المبطلة للعقد ، وأن الأجل ـ كما صرحوا به ـ له قسط من الثمن ، فيئول إلى
جهالة أحد العوضين ، وان تكون متصلة بالعقد أو منفصلة عنه مع ضبطها ، فلو شرطاها
متأخرة صار العقد لازما بعد المجلس وجائزا فيها ، اما اتصالها بالعقد فوجهه ظاهر
مما تقدم في خيار الحيوان ، واما جواز اشتراط تأخيرها فوجهه كون الشرط المذكور
سائغا ، فيصح اشتراطه ، وفي جواز جعل المدة متفرقة قولان ، ولو لم تكن المدة
مضبوطة كقدوم الحاج مثلا أو إدراك الغلة بطل الشرط قولا واحدا.
وهل يبطل العقد قولان : المشهور البطلان ، وهذا جار في
كل عقد اشتمل على شرط فاسد ، وقيل بصحة العقد وان بطل الشرط.
وقد تقدم تحقيق هذه المسألة والكلام فيها في المقدمة
الحادية عشر (1) من مقدمات
كتاب الطهارة ، ولو أطلقا ولم يعينا مدة فالمشهور انه لا يصح ونقل عن الشيخ الصحة
وانه ثلاثة أيام مدعيا فيه النص والإجماع ، ورد بعدم وجود خيار الثلاثة في الاخبار
الا في خيار الحيوان واما الإجماع فأوضح ، حيث لم يقل ذلك سواه.
والظاهر ان الوجه في وجوب ضبط المدة كما اشترطوه هو رفع
الجهالة المبطلة للعقد وأن الأجل له قسط من الثمن فيؤل الى جهل أحد العوضين.
الثامن ـ قد تقدم النقل عن الشيخ بأن مبدأ هذا الخيار
بعد التفرق من المجلس ولم نقف له على دليل ، وثبوت خيار المجلس بأصل الشرع لا يدل
على كون مدة الخيار المشروط غير ذلك ، حتى يكون ابتداؤه بعد انقضاء ذلك ، إذ لا
مانع من
__________________
(1) ج 1 ص 133.
التداخل في بعض المدة كما مر في خيار
الحيوان (1).
التاسع ـ قال بعض المحققين (2) والظاهر عدم
سقوط هذا الخيار بالتصرف ـ لما مر وسيجيء ـ ولا بالشرط ، وهو ظاهر. نعم يمكن
بالإسقاط والالتزام بعده كما في غيره.
والعمدة في ذلك قول الأصحاب (رضى الله عنهم) في الكل ـ والتسلط
للإنسان على ماله ، والترغيب على العمل بالقول ـ وعدم مخالف له ، ولانه لا شك في
لزوم الفسخ باختياره ، وكذا اللزوم.
ويدل عليه أيضا رواية السكوني (3) عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) «أن أمير
المؤمنين صلوات الله عليه قضى في رجل اشترى ثوبا بشرط الى نصف النهار فعرض له ربح
فأراد بيعه ، قال : ليشهد أنه قد رضيه واستوجبه ثم ليبعه ان شاء ، فان أقامه في
السوق ولم يبع فقد وجب عليه». انتهى. وهو جيد.
وحمل بعض الأصحاب الأمر بالإشهاد هنا على الإرشاد لرفع
النزاع أو الاستحباب ، والخبر صريح في أنه مع الالتزام بالعقد يسقط الخيار ،
وظاهره أيضا أنه يسقط بالتصرف ، وان إقامته في السوق وجعله في معرض البيع ـ وان لم
يبعه ـ تصرف مسقط للخيار.
العاشر قد صرح الأصحاب بأنه يجوز اشتراط المؤامرة يعنى
اشتراطهما أو أحدهما استيمار من سمياه والرجوع الى أمره مدة مضبوطة ، فيلزم العقد
من جهتهما ويتوقف على أمره ، فإن أمر بالفسخ جاز للمشروط له استئماره والفسخ ،
والظاهر انه لا يتعين عليه ، لان الشرط انما هو مجرد استئماره لا الالتزام بقوله ،
وان أمر بالالتزام
__________________
(1) ص 25.
(2) هو المحقق الأردبيلي قدسسره في شرح الإرشاد منه رحمهالله.
(3) الكافي ج 5 ص 173 التهذيب ج 7 ص 23.
لم يكن له الفسخ قطعا ، وان كان الفسخ
أصلح عملا بالشرط
قال في التذكرة : وليس للشارط ان يفسخ حتى يستأمر ويأمره
بالرد ، لانه جعل الخيار اليه دونه. قيل : ويمكن أن يكون له الفسخ قبلها ،
والمخالفة لعدم لزومه. الا ان يشترط ذلك. قال في التذكرة : هذا القول الثاني
للشافعي. كما أن الأول قوله الأول ، وهو المعتمد. مع انه في التحرير قال بهذا
القول الثاني فقال : وله الفسخ قبل الاستيمار.
أقول لا ريب ان جواز اشتراط الاستيمار كما هو أصل
المسألة لا اشكال فيه ، لانه من الشروط السائغة ، فلا مانع من اشتراطها ، فإن أمره
بالفسخ تسلط على الفسخ ، وله الخيار بين ان يفسخ وبين ان لا يفسخ ، كما في سائر
مواضع الخيار ، وان أمره بالالتزام الذي هو مقتضى العقد فليس له المخالفة ، وان
كان الفسخ أصلح ، لأنه لا يتسلط على الفسخ الا بالشرط ، له وهو لم يشترط لنفسه
والفرق بين المؤامرة وجعل الخيار لأجنبي ان الغرض من المؤامرة الانتهاء إلى أمره ،
فليس لذلك المستأمر بفتح الميم الفسخ أو الالتزام ، وانما إليه الأمر والرأي خاصة
بخلاف من جعل له الخيار.
الرابع ـ خيار الغبن
بسكون الباء وأصله الخديعة ، والمراد هنا البيع والشراء
بغير القيمة مع الجهالة إذا كان الغبن بما لا يتسامح به غالبا بان شراه بزيادة على
القيمة أو باع بنقصان عنها فالمرجع فيه الى العادة لعدم تقديره شرعا ، وهذا النوع
من الخيار لم يذكره كثير من المتقدمين ، والقول به انما ثبت عن الشيخ واتباعه ،
ونقل في الدروس وكذا في المسالك عن المحقق في الدروس القول بعدمه.
ويظهر من التذكرة عدم الخلاف فيه بين علمائنا (1) ، والمشهور
بين
__________________
(1) قال في التذكرة : وهو اى خيار الغبن ثابت عند علمائنا وبه
قال مالك واحمد لقوله لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ، ولقوله الا أن تكون تجارة عن
تراض منكم ، ومعلوم بان المغبون لو عرف الحال لم يرض ، ولأن النبي صلىاللهعليهوآله اثبت الخيار في التلقي وانما أثبته
للغبن ، وقال انما يثبت للمغبون خاصة إجماعا ـ منه رحمهالله.
المتأخرين ثبوته ، واعترف جمع من
المتأخرين بأنهم لم يقفوا في النصوص على نص عليه بالخصوص ، وانما ورد في تلقى
الركبان تخيرهم إذا غبنوا.
واستدلوا عليه ايضا بحديث الضرار (1) ، وما ذكروه
من حديث الغبن في تلقى الركبان لم أقف عليه في كتب الاخبار ، ولا في كتب الفروع
ايضا ويمكن ان يستدل عليه بما رواه في الكافي (2) عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «غبن
المسترسل سحت».
وعن ميسر (3) عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «غبن
المؤمن حرام». وفي رواية «لا يغبن المسترسل فان غبنه لا يحل».
قال في كتاب مجمع البحرين : والاسترسال : الاستيناس ،
والطمأنينة إلى الإنسان والثقة به فيما يحدثه وأصله السكون والثبات ، ومنه الحديث
أيما مسلم استرسل الى مسلم فغبنه فهو كذا ، ومنه غبن المسترسل سحت ، انتهى ،
وظاهره وجود حديث رابع زائد على ما نقلناه.
وبالجملة فهذه الاخبار وان كانت مطلقة الا أنها دالة
بإطلاقها على ما نحن فيه من تحريم الغبن في البيع والمنع منه ، وحينئذ فيثبت
لصاحبه الخيار.
وكيف كان فثبوته عند الأصحاب مشروط بأمرين كما تقدمت
الإشارة إليه. ـ أحدهما ـ جهالة المغبون بالقيمة وقت العقد ، فلو عرف القيمة ثم
زاد أو نقص مع علمه ، أو تجددت الزيادة أو النقيصة بعد العقد فلا غبن ولا خيار
إجماعا ، كما نقله المسالك. ثانيهما ان يكون الغبن الذي هو عبارة عن الزيادة
والنقيصة فاحشا لا يتسامح بمثله عادة ، مثل ان يبيع ما يساوى مأة : بخمسين ونحوها
فلو كان يسيرا
__________________
(1) أقول من اخبار الضرار موثقة زرارة عن أبى جعفر عليهالسلام في حديث ان الرسول صلىاللهعليهوآله قال : لا ضرر ولا ضرار. ورواية عقبة
ابن خالد عن ابى عبد الله (عليهالسلام) في حديث ان الرسول صلىاللهعليهوآله قال : لا ضرر ولا ضرار على مؤمن. ونحوهما
غيرهما ـ منه رحمهالله.
(2 ـ 3) الكافي ج 5 ص 153 التهذيب ج 7 ص 7 الفقيه ج 3 ـ 173.
يتسامح به كالدرهم بل الأربعة والخمسة
في المأة فلا غبن.
وقد عرفت ان مرجع ذلك عندهم الى العرف حيث لا تقدير له
في الشرع وطريق معرفة الثاني ظاهرة ، لانه يمكن إقامة البينة على القيمة فيناط
بها.
وأما الأول فإن أمكن إقامة البينة عليه فكذلك والا فإن
ادعاه مع معلومية عدم إمكان ذلك في حقه حيث يعلم ممارسته لذلك النوع في ذلك الزمان
بحيث لا يخفى عليه قيمته لم يقبل قوله ، والا ففي القبول إشكال ينشأ من أصالة عدم
العلم ، ولان العلم والجهل من الأمور التي تخفى غالبا ولا يطلع عليها الا من قبل
من هي به ، ومن أصالة لزوم العقد ووجوب الوفاء به فيستصحب الى أن يثبت المزيل.
وقوى في الروضة الأول ، قال : والأقوى قبول قوله في
الجهالة بيمينه مع إمكانها في حقه ، واستظهره في المسالك أيضا الا انه احتمل فيه
الثاني ، ثم استشكل فيه بأنه ربما تعذر إقامة البينة ، ولم يمكن معرفة الخصم
بالحال ، فلا يمكنه الحلف على عدمه فتسقط الدعوى بغير بينة ولا يمين. وما ذكره ـ قدسسره ـ جيد بناء
على قواعدهم الا أن المسألة لخلوها من النص الواضح موضع توقف.
وحيث ثبت الغبن فإنه يتخير المغبون بين الرد والإمساك
مجانا ، وليس له الأرش إجماعا كما ذكره في التذكرة ، والمشهور في كلام المتأخرين
انه لا يسقط الخيار ببذل الغابن التفاوت ، وان انتفى موجبه استصحابا لما ثبت قبله.
نعم لو اتفقا على إسقاطه بالعوض صح كغيره من الخيار ،
وفيه نظر لأنه ان كان مدرك هذا النوع من الخيار خبر الضرار كما اعترفوا به ، فقضية
ذلك ان يكون الضرار ، هو المدار ، وظاهر أن بذل التفاوت يدفعه ، فينبغي القطع بعدم
الخيار اقتصارا فيما خالف الأصل على القدر المتيقن ومحل الضرورة ، وان كان الإجماع
فقد عرفت عدم ثبوته ، لما ذكره في الدروس وغيره من عدم ذكر كثير من المتقدمين لهذا
الخيار وما نقل عن المحقق آنفا.
وتردد العلامة في التذكرة هنا فقال : ولو دفع الغابن
التفاوت احتمل سقوط خيار المغبون لانتفاء موجبه وهو النقص ، وعدمه لانه ثبت له ،
فلا يزول عنه الا بسبب شرعي انتهى. مع انه قد ادعى الإجماع (1) على عدم ثبوت
الأرش به ، قالوا ولا يسقط الخيار هنا بالتصرف وظاهرهم انه سواء كان المتصرف
الغابن في مال المغبون أو بالعكس خرج به عن الملك كالبيع أم منع من الرد
كالاستيلاد أم لا.
ولهم في هذه المسألة تفاصيل وشقوق عديدة أنهاها شيخنا في
الروضة والمسالك الى ما يزيد على مأتي مسألة ، وأطال في تقريرها وليس في التعرض
لذكرها مزيد فائدة مع خلوها من النصوص على العموم والخصوص. فمن أحب الوقوف عليها
فليرجع الى أحد الكتابين المشار إليهما.
والمشهور أن الخيار هنا فوري وقيل : بأنه على التراخي ،
وعلل الأول بعموم الأمر بالوفاء بالعقود ، وأن الأصل بناء العقود على اللزوم ،
فيقتصر فيما خالفه على موضوع اليقين ، وهو المقدار الذي يمكن حصوله فيه ، ولاقتضاء
التراخي الإضرار بالمردود عليه حيث يختلف الزمان ، ويؤدى الي تغيير المبيع.
ولا يخفى ما في بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه الوجوه
من المجازفة وعلل الثاني بثبوت أصل الخيار فيستصحب الى ان يثبت المزيل لانتفاء
الدليل على خصوص الفورية ، ولا يخفى ان هذا هو الأقرب والأنسب بقواعدهم والاربط
بضوابطهم.
__________________
(1) وجه المدافعة هو ان مقتضى دعوى الإجماع من أنه لا يجب عليه
به أرش ان يكون له الخيار وان بذل الغابن الغبن ، وذلك لان اللازم من الغبن
والمترتب عليه انما هو اما هو الخيار بين الإمساك مجانا أو الرد ، لا التفاوت بين
الثمن والقيمة الموجب للغبن سواء بذله الغابن أم لا وهذا هو الذي ادعى عليه
الإجماع ، فكيف يتردد مع بذل الغابن الغبن ، مع انه ليس بما يترتب على الغبن وانما
يترتب عليه مجرد الخيار ـ منه رحمهالله.
وبالجملة فأصالة العدم أقوى مستند في المقام حتى يقوم
دليل على خلاف ذلك ولو جهل الخيار أو الفورية فالظاهر أنه لا خلاف في العذر الى ان
يعلم ذلك.
الخامس ـ خيار التأخير
اى تأخير إقباض الثمن أو المثمن عن ثلاثة أيام ، فلو باع
ولم يقبض الثمن ولا سلم المبيع ولا اشتراط تأخير الثمن ، فالبيع لازم ثلاثة أيام ،
فإن جاء المشترى بالثمن فيها ، والا كان البائع أولى بالمبيع ، والأصل فيه بعد
الإجماع الأخبار الواردة عن أهل العصمة عليهمالسلام.
ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح (1) عن على بن
يقطين «انه سأل أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل
يبيع البيع ، ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن قال : الأجل بينهما ثلاثة أيام ، فإن
قبض بيعه ، والا فلا بيع بينهما».
وعن إسحاق بن عمار (2) عن عبد صالح عليهالسلام قال : «من
اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيام ، ولم يجيء فلا بيع له». ورواه في الفقيه بطريقه إلى
إسحاق ابن عمار مثله.
وما رواه في الكافي والتهذيب (3) عن عبد الرحمن
بن الحجاج قال : «اشتريت محملا ، وأعطيت بعض ثمنه ، وتركته عند صاحبه ثم احتبست
أياما ثم جئت الى بائع المحمل لأخذه فقال : قد بعته فضحكت ثم قلت : لا والله لا
أدعك أو أقاضيك فقال لي : أترضى بأبي بكر بن عياش؟ قلت : نعم فأتيناه فقصصنا عليه
قصتنا ، فقال أبو بكر : بقول من تحب أن أقضي بينكما بقول صاحبك أو غيره؟ قال : قلت
: بقول صاحبي قال : سمعته يقول : من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة
أيام والا فلا بيع له».
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 22 الرقم 9.
(2) التهذيب ج 7 ص 22 الرقم 8.
(3) التهذيب ج 7 ص 21 الرقم 7 الكافي ج 5 ـ ص 172.
وما رواه ـ في الفقيه (1) في الصحيح عن
جميل عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : «قلت له : الرجل يشترى من الرجل المتاع ثم
يدعه عنده ، فيقول : حتى آتيك بثمنه؟ قال : ان جاء بثمنه فيما بينه وبين ثلاثة
أيام ، والا فلا بيع له». ورواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة مثله :
ورواه في التهذيب بسند فيه على بن حديد عن زرارة عن ابى
جعفر (عليهالسلام) مثله ، وطعن
في هذه الرواية المحقق الأردبيلي (رحمهالله) في شرح
الإرشاد بوجود على بن حديد بناء على نقله لها عن التهذيب ، وغفل عن مراجعة
الكتابين الآخرين ثم اعتذر عن ضعفها بما هو أضعف ، من اصطلاحه الذي بنا عليه.
وأما ما رواه الشيخ بسند معتبر عن على بن يقطين (2) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) عن رجل اشترى
جارية وقال : أجيئك بالثمن ، فقال : ان جاء فيما بينه وبين شهر ، والا فلا بيع له»
(3). فهو غير
معمول عليه عند الأصحاب ، ولا قائل به ، وربما حمل على استحباب الصبر له ، وعدم
الفسخ الى مضى المدة المذكورة.
وتحقيق البحث في المقام وبيان ما فيه من الأحكام يقع في
مواضع :
الأول هذا الخيار مشروط عند الأصحاب بشروط ثلاثة ، أحدها
ـ عدم قبض الثمن ، والثاني ـ عدم قبض المبيع ، والثالث عدم اشتراط التأجيل في
الثمن والمثمن وبعض كل منهما ولو ساعة ، والثلاثة ظاهرة من الأخبار المذكورة وقبض
بعض من كل منهما كلا قبض ، مجتمعا ومنفردا لصدق عدم قبض الثمن واقباض المثمن الذي
دلت عليه الروايات.
ولو قبض الجميع أو اقبض فلا خيار لاختلال أحد الشروط
المتقدمة ، وهو
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 127 الكافي ج 5 ص 171 التهذيب ج 7 ص 21 الرقم
5.
(2) التهذيب ج 7 ص 80 الرقم 56.
(3) ظاهر الصدوق في المقنع القول بالخبر المذكور حيث قال : «إذا
ـ
الأول (1) على الأول ،
والثاني على الثاني ، وشرط القبض المانع من الخيار كونه باذن المالك ، فلا أثر لما
يقع بدونه ، وكذا لا أثر لما لو ظهر مستحقا لغير المالك أو بعضه.
الثاني ـ قد صرحوا بأنه لا يسقط هذا الخيار بمطالبة
البائع بالثمن بعد الثلاثة ، وان كان قرينة الرضا بالعقد ، مستندين في ذلك الى
الاستصحاب ، وهو جيد ، بناء على أصولهم من حجية مثل هذا الاستصحاب وقد تقدم الكلام
فيه في مقدمات الكتاب.
ومن ظاهر اتفاقهم على توقف بطلان العقد وانفكاكه على
الفسخ فيما لم يختر الفسخ بعد الثلاثة ، فإن البيع باق وله المطالبة بالثمن ، وان
المطالبة لا يستلزم زوال خياره وان كانت مؤذنة بالرضا بالعقد.
وأنت خبير بان المفهوم من ظواهر الأخبار المذكورة هو
انفساخ البيع من نفسه بعد مضي الثلاثة ، من غير توقف على فسخ لقوله (عليهالسلام) في الاخبار
المتقدمة ، والا فلا بيع له ومقتضاه بطلان البيع بعد الثلاثة إذا لم يحصل قبض
الثمن أو المثمن في ضمن تلك الثلاثة ، لا أنه يبقى البيع ، وكذا الخيار.
بل ظاهر الاخبار أنه لا خيار هنا بالكلية ، فإن غاية ما
تدل عليه الاخبار هو أن البيع مع عدم القبض والإقباض وعدم اشتراط التأجيل صحيح ،
ولزومه مراعى بهذه الثلاثة ، فإن حصل القبض والإقباض أو أحدهما فيها لزم البيع ،
والا بطل من أصله
__________________
اشترى رجل من رجل جارية وقال : أجيئك بالثمن فان جاء فيما بينه
وبين شهر والا فلا بيع له» منه رحمهالله.
(1) وهو الأول أي الشرط الأول بناء على الفرض الأول هنا وهو
قولنا قبض الجميع ، والثاني أي اختلال الشرط الثاني على الفرض الثاني هنا ، وهو
قولنا أو أقبض ـ منه رحمهالله.
وأما أن البيع بعد الثلاثة باق
والبائع مخير في الفسخ أو الصبر الى أن يأتي المشتري بالثمن ، فلا دلالة في
الاخبار عليه بوجه كما لا يخفى على المتأمل في سياقها.
وقد نقل القول بالبطلان هنا عن ظاهر ابن الجنيد والشيخ ،
وبه اعترف العلامة في المختلف ، وان أجاب بما لا يجدى نفعا قال في الكتاب المذكور
: قال ابن الجنيد (رحمة الله عليه) : إذا خرجت الثلاثة ولم يأت بالثمن فلا بيع.
وفي المبسوط روى أصحابنا إذا اشترى شيئا بعينه بثمن
معلوم ، وقال للبائع أجيئك بالثمن ومضى فان جاء في مدة الثلاثة كان المبيع له ،
وان لم يجيء في هذه المدة بطل البيع.
وظاهر هذه العبارة يوهم بطلان البيع بعد مضى الثلاثة.
والذي نص عليه المفيد والشيخ في النهاية انه يكون للبائع
الخيار ان شاء فسخ البيع ، وان شاء طالب بالثمن ، وهو الحق ، لنا الأصل بقاء صحة
العقد. والاخبار تعطي الذي قاله الشيخ أولا وابن الجنيد ، ثم نقل صحيحة زرارة
المتقدمة وصحيحة على بن يقطين ، ثم قال : والجواب الحمل على انه لا بيع لازم له.
أقول : فيه ان ما ذكره من التأويل مع تعسفه وبعده يتوقف
على وجود المعارض ولا معارض هنا الا ما يدعيه من ان الأصل بقاء صحة العقد ، وهو
أصل غير متأصل (1)
__________________
(1) أقول : فإن فرض عدم لزومه في الثلاثة باعتبار تطرق البطلان
عليه من جهة عدم التقابض ، وانما يلزم وتصير بيعا مانعا من الرجوع بذلك ، وعدم
اللزوم بعد الثلاثة باعتبار الخيار الذي للبائع كما يدعونه فإنه مسلط على الفسخ
فالحالان مشتركان في عدم لزوم البيع وتمامه وان اختلف الوجه في كل منهما.
وأما
قولهم ان البيع لازم ثلاثة أيام فإنما يريدون به من حيث عدم الخيار في ضمن ثلاثة
أيام ، فلو لم يحصل بطل على أحد القولين ، وصار غير لازم من جهة الخيار على القول
المشهور ، ـ منه رحمهالله.
وكيف يكون الأصل بقاؤه مع تصريح الأخبار بأنه لا بيع بعد
مضي الثلاثة ، وكيف يختص النفي باللزوم كما ادعاه مع انه في ضمن الثلاثة كذلك ،
لان لزومه مراعى بحصول التقابض في ضمن الثلاثة منهما أو قبض أحدهما ، وان اختلف
وجه عدم اللزوم في الحالين.
وبالجملة فان الحق هو ما ذهب اليه ابن الجنيد والشيخ هنا
كما هو ظاهر الاخبار المذكورة والله العالم.
الثالث ـ لو بذل المشترى الثمن بعد الثلاثة ، قيل ،
يحتمل سقوط الخيار : وهو الذي قطع به العلامة في كتبه ، محتجا بزوال المقتضى
لثبوته ، وهو الضرر بالتأخير.
وقيل : يحتمل بقاؤه ، عملا بالاستصحاب ، وزوال مقتضيه
بعد ثبوته لم يؤثر في نظائره.
أقول والأظهر ـ بناء على ما قدمنا تحقيقه من بطلان البيع
بعد الثلاثة ـ أن لا ثمرة لهذا الفرع بالكلية ، حتى يترتب عليه هذان الاحتمالان ،
ومع الإغماض عما ذكرنا والجري على مقتضى كلامهم في هذا المقام ، فإن الأقوى ما ذهب
إليه العلامة ، لأن التمسك بهذا الاستصحاب الذي يكررونه في هذه الأبواب غير مجد
نفعا كما حققنا في مقدمات الكتاب (1).
الرابع ـ الظاهر أنه لا خلاف في أنه لو تلف المبيع بعد
الثلاثة ، فإنه من مال البائع لما تقرر من القاعدة من أنه متى تلف قبل القبض فهو
من مال البائع.
ويعضده ظواهر الأخبار المتقدمة الدالة على أنه بعد
الثلاثة لا بيع له ، وسيما على ما اخترناه من بطلان البيع بعد الثلاثة فإنه من مال
بائعه ، إنما الخلاف فيما لو هلك في الثلاثة ، فالمشهور أنه كذلك.
__________________
(1) ج 1 ص 51.
وقال المفيد : يكون التلف من المشترى ، وهو مذهب المرتضى
(رضى الله عنه) وسلار وجمع ممن تبعهم ، وعن ابن حمزة أنه ان عرض البائع تسليمه على
المشترى ولم يتسلمه فهو من مال المشترى ، والا فمن البائع. وهو ظاهر أبى الصلاح
حيث قال : فان كان تأخيره من قبل المبتاع فهلاكه ونقصه من ماله.
وأورد على القول المذكور بان العرض على البائع لا يقوم
مقام القبض الا ان يمتنع المشترى من القبض ، ولا يرضى به البائع ببقائه في يده ،
وحينئذ فلا فرق بين التلف في الثلاثة أو بعدها في كونه من المشترى ، بل يخرج على
هذا الفرض عن محل المسألة ، وهذا المعنى أقرب في عبارة أبي الصلاح.
ويدل على القول المشهور رواية عقبة بن خالد المروية في
الكافي (1) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) «في رجل
اشترى متاعا من رجل وأوجبه غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه قال : آتيك غدا ان
شاء الله تعالى فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال : من مال صاحب المتاع الذي هو في
بيته حتى يقبض المتاع ، ويخرجه من بيته ، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه
حتى يرد اليه ماله».
ونقل بعض المحققين (2) انه روى عنه صلىاللهعليهوآله (3) «كل مبيع تلف
قبل قبضه فهو من مال بايعه». ، ولم أقف عليها فيما وصل إلينا من الاخبار.
ويؤيده أيضا دخوله تحت القاعدة المتقدمة ، لأنه يصدق
عليه أنه تلف قبل القبض وهذه الرواية من أدلة هذه القاعدة ، وظاهرها أنه مضمون على
البائع ما دام لم يقبضه المشترى ، ويخرجه من بيته في الثلاثة وبعد الثلاثة.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 172 الوسائل الباب ـ 10 ـ من أبواب الخيار
الرقم ـ 1.
(2) هو المحقق الأردبيلي قدسسره في شرح الإرشاد ونقله في موضع آخر عن
العلامة في التذكرة ـ منه رحمهالله.
(3) المستدرك ج 2 ص 473.
وعن المفيد التعليل لما ذهب إليه بأن المبيع انتقل اليه
، فيكون ضمانه عليه ، والتأخير لمصلحته ، وأجاب في المختلف بالمنع من الملازمة ،
ونفى البأس عن قول ابن حمزة ، وظاهر أبى الصلاح ، مع اختياره القول المشهور ، وقد
عرفت ما فيه.
وبالجملة فالظاهر هو القول المشهور لما عرفت والله
العالم.
الخامس ـ قد عرفت سابقا أنه لو قبض البائع الثمن أو
المشتري المبيع فإنه لا خيار ، ونقل في الدروس عن الشيخ بأن له قولا بأنه لو قبض
المبيع وتعذر الثمن فإن للبائع الفسخ ، ثم قال : وفيه قوة.
قال في المسالك : «وكان مستنده خبر الضرار ، إذ لا نص
فيه بخصوصه ، وليس ببعيد ، الا أن التمسك بلزوم العقد ووجوب الوفاء به أقوى ،
وأخذه مقاصة لدفع الضرر ان تمكن من أخذ العين ، والا فلا يدفع بالفسخ انتهى وهو جيد.
السادس ـ قال في المختلف : لو قبضه المشترى ثم تلف ، فان
كان في مدة الثلاثة كان من مال المشترى دون البائع ، وان هلك بعدها فكلام الشيخ
يشعر بأنه من مال البائع.
واحتج بان له الخيار بعد انقضاء الثلاثة ، لأن عبارته
هكذا إذا باع الإنسان شيئا ولم يقبض المتاع ولا قبض الثمن ومضى المبتاع ، فان
العقد موقوف ثلاثة أيام ، فإن جاء المبتاع في مدة ثلاثة أيام كان المبيع له ، وان
مضى ثلاثة أيام كان البائع أولى بالمتاع ، فان هلك المتاع في هذه الثلاثة أيام ولم
يكن قبضه إياه كان من مال البائع دون مال المبتاع ، وان كان قبضه إياه ثم هلك في
مدة الثلاثة كان من مال المبتاع دون مال البائع ، وان هلك بعد الثلاثة أيام كان من
مال البائع على كل حال. وفيه نظر إذ مع القبض يلزم البيع. انتهى.
وهو جيد الا أن من المحتمل ـ وان بعد بالنسبة إلى سياق
العبارة المذكورة الا انه غير بعيد بالنسبة الى طريقة الشيخ في التعبير ، وهو
الموافق للقواعد ،
إذ يبعد من الشيخ كل البعد ارادة ما
دلت عليه العبارة بظاهرها ـ أن يكون قوله أخيرا «وان هلك بعد الثلاثة أيام» انما
هو بالنسبة إلى صورة عدم القبض ، فيكون قسيما لقوله فان هلك المتاع في هذه الثلاثة
، ولم يكن قبضه إياه كان من مال البائع دون مال المبتاع ، وان هلك بعدها كان من
مال البائع على كل حال. يعنى أنه أولى بأن يكون من مال البائع لمضي الثلاثة
القاطعة لتعلق المشترى به بخلاف ما إذا كان في ضمن الثلاثة التي هو فيها مال
المشترى ، ويكون جملة وان كان قبضه إياه ثم هلك الى آخره متوسطة بين الجملتين
المتعاطفتين.
السابع قال في المختلف أيضا لم يفرق الشيخان وأتباعهما
بين الحيوان وغيره في التربص ثلاثة أيام ، وقال في المقنع إذا اشترى رجل من رجل
جارية فقال أجيئك بالثمن ، فان جاء فيما بينه وبين شهر والا فلا بيع له ، وإذا
اشترى ما يفسد من يومه كالبقول فان جاء ما بينه وبين الليل والا فلا بيع له ، وإذا
اشترى ما لا يفسد من يومه فان جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيام والا فلا بيع له.
انتهى.
ليس في كلام المقنع رحمهالله هنا ما يدل
على مخالفة الأصحاب في هذه المسألة بالنسبة إلى الحيوان ، لان قوله «وإذا اشترى ما
لا يفسد» الى آخره شامل للحيوان وغيره وقوله «إذا اشترى رجل جارية» الى آخره لا
يدل على أن هذا خيار الحيوان بجميع أفراده بأن يحمل ذكر الجارية على التمثيل.
وانما هذا فتوى برواية على بن يقطين (1) المتقدمة
المشتملة على هذا الحكم المخصوص بالجارية إذ يبعد منه رحمهالله اطراح اخبار
الثلاثة الواردة في خيار الحيوان (2) مع تعددها وصحتها ، والاقتصار على
هذا الخبر الشاذ النادر مع عدم ظهوره في العموم.
__________________
(1) التهذيب ج ـ 7 ـ ص 80 الرقم 56.
(2) التهذيب ج ـ 7 ص 24.
فالظاهر ان هذا الحكم الذي ذكره مخصوص بالجارية كما هو
مورد الخبر المشار اليه ، وربما كان منشأ التوهم عدم ذكر خيار الحيوان في هذا
المقام والكتاب لا يحضرني الآن.
وبالجملة فالأظهر حمل كلامه على ما ذكرنا تحاشيا عن
خروجه عن مقتضى الأخبار الواردة في خيار الحيوان ، وانه ثلاثة أيام للمشتري ، أو
مع البائع على الخلاف المتقدم.
ويعضد ما قلناه أنه في الفقيه روى موثقة الحسن بن على بن
فضال (1) المتقدمة في
روايات خيار الحيوان الدالة على أنه ثلاثة أيام ، ومع هذا قال في الكتاب المذكور :
ومن اشترى جارية وقال للبائع أجيئك بالثمن فان جاء فيما بينه وبين شهر والا فلا
بيع له ، والعهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول والبطيخ والفواكه يوم الى الليل.
انتهى.
وحينئذ فالظاهر حمل قوله «ما لا يفسد» على ما هو أعم من
الحيوان وغيره ، ليوافق فتوى الأصحاب.
نعم ـ يخرج من ذلك حكم الجارية بناء على عمله بخبر على
بن يقطين (2) المشار اليه
وقد تقدم.
السادس ـ خيار ما يفسد ليومه
والأصل في هذا النوع من الخيار ما رواه في الكافي
والتهذيب عن أبي حمزة (3) أو غيره عمن
ذكره عن ابى عبد الله عليهالسلام وأبى الحسن عليهماالسلام «في الرجل
يشتري الشيء الذي يفسد من يومه ، ويتركه حتى يأتيه بالثمن؟ قال : فان جاء فيما
بينه وبين الليل بالثمن والا فلا بيع له».
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 127 الرقم 7 الوسائل الباب ـ 3 ـ من أبواب
الخيار الرقم ـ 2.
(2) التهذيب ج 7 ص 80 الرقم 56.
(3) التهذيب ج 7 ص 25 الرقم 25 الوسائل الباب ـ 9 ـ من أبواب
الخيار.
ونقل في الوسائل عن الصدوق أنه روى بإسناده عن ابن فضال
عن ابن رباط (1) عن زرارة عن
أبى عبد الله (عليهالسلام) في حديث «قال
العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول والبطيخ والفواكه يوم الى الليل».
أقول : روى في التهذيب عن الحسين بن سعيد عن ابن فضال (2) وفي الفقيه عن
ابن فضال عن ابن رباط عمن رواه عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان
حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال البائع».
وزاد في الفقيه «ومن اشترى جارية وقال للبائع أجيئك
بالثمن فان جاء فيما بينه وبين شهر والا فلا بيع له ، والعهدة فيما يفسده من يومه».
الى آخر ما تقدم.
والظاهر أن هذه الزيادة إنما من كلامه الذي يدخله بين
الاخبار ، وهو إشارة الى ما تضمنه مرسلة ابن أبي حمزة (3) المذكورة
ورواية على بن يقطين (4) المتقدمة كما
أشرنا إليه آنفا ، لا أنه من متن الرواية المذكورة.
وكيف كان فإن الرواية المذكورة لا تخلو عن الإشكال
بالنسبة الى ما يترتب على هذا الخيار ، وذلك لان الظاهر أن الخيار انما شرع لدفع
الضرر ، وإذا توقف ثبوته على دخول الليل مع كون الفساد يحصل في يومه ، ولا يندفع
به الضرر وانما يندفع بالفسخ قبل الفساد.
وفي الدروس عنونه بما يفسده المبيت ، وهو جيد ، الا أن
فيه خروجا عن النص ولعله لتلافيه بخبر الضرار ، واستقرب تعديته الى كل ما يتسارع
اليه الفساد عند خوفه.
__________________
(1) الوسائل الباب 11 ـ من أبواب الخيار.
(2) التهذيب ج 7 ص 67 الفقيه ج 3 ص 127 الرقم ـ 7.
(3) التهذيب ج 7 ص 25 الرقم 25.
(4) التهذيب ج 7 ص 80 الرقم 56.
ولا يتقيد بالليل (1) واكتفى في
الفساد بنقص الوصف وفوات الرغبة كما في الخضروات. واللحم والعنب وكثير من الفواكه
، واستشكل فيما لو التلزم التأخير فوات السوق فعلى هذا لو كان مما يفسده في يومين
تأخر الخيار عن الليل الى حين خوفه.
وهذا كله وان كان متجها في حد ذاته الا انه خارج عن
مدلول النص الوارد في هذا الحكم ـ كما عرفت ـ الا ان خبر الضرار (2) يفيده في
الجميع.
تنبيهات
الأول ـ الظاهر ان هذا الخيار فرد من افراد خيار التأخير
كما يشير اليه كلام العلامة في التذكرة حيث ذكره في مسألة من مسائل خيار التأخير ،
فكأنه قال : خيار التأخير فيما لا يفسد إلى ثلاثة أيام ، وفيما يفسد في يومه الى
الليل ، والى ذلك يشير أيضا عبارة المقنع المتقدمة.
__________________
(1) قال المحقق الشيخ على في شرح القواعد والذي ينبغي ان يعرف
ـ ان لزوم البيع هيهنا الى حين خوف الفساد بحسب العادة المستمرة وقرائن الأحوال
الموجودة بحيث ان يتربص به زيادة فسد ، لأنه ينبغي لزوم البيع ، مدة بقائه ، ثم
حين الشروع في الفساد يثبت الخيار كما توهمه كثير من العبارات لان الخيار حينئذ
مما لا فائدة فيه لتحقق الضرر ، وليس في النص ما ينافي شيئا من ذلك ـ مردود بأنه
كيف لا ينافي ما ذكره ، وهو قد اشتمل على السؤال مما يفسد في يومه ، والخيار بناء
على ما يدعونه انما يناط بدخول الليل وهو ظاهر ـ منه قدسسره.
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار.
ويعضده ظاهر كلامهم هنا من حيث عدم القبض والإقباض ، كما
في خيار التأخير المتقدم ، وهو ظاهر النص الوارد في المسألة أيضا ، فحينئذ فعده
قسما برأسه ليس مما ينبغي.
الثاني ـ ان مقتضى كلامهم أنه بعد مضى اليوم يتخير
البائع بين الصبر وان فسد ، فأخذ الثمن من المشترى ، وبين الفسخ وبيعه ، أو يتصرف
فيه بأي نحو أراد ، ولا يرجع الى المشترى ، بنحو ما قالوه في الخيار بعد الثلاثة
والمفهوم من الرواية المتقدمة ـ هنا إنما هو ما ذكرناه ـ في روايات خيار التأخير
ثلاثة أيام ـ من بطلان البيع حيث ان العبارة في الموضعين واحدة ، إذ مؤدى (لا بيع
له) هو البطلان ، لا ثبوت الخيار ، وهو يرجع الى ما قدمنا تحقيقه من أنه ليس هنا
خيار بالكلية.
وانما غاية ما يدل عليه الخبر المذكور هنا ـ كالاخبار في
تلك المسألة ـ أنه يبقى البيع مراعى بمضي المدة المذكورة ، فإن قبضه المشترى فيها
أو أقبض الثمن صح البيع والابطل من أصله.
هذا هو ظاهر الاخبار المشار إليها كما عرفت.
وحاصل الخبر هنا أنه يجب على البائع الصبر إلى أول دخول
الليل ، فان أتى المشتري بالثمن فهو له ، فسد أو لم يفسد ، والا بطل البيع كذلك.
هذا ظاهر الخبر المذكور ، ووجه الاشكال فيه وجوب الصبر
المدة المذكورة وان تضرر بفساد المبيع فيها ، ويمكن التفصي عنه بان رضاه بذلك مع
علمه بالحكم الشرعي ، وقدومه على البيع والحال هذه بدفع الاشكال المذكور.
الثالث ـ قد عرفت سابقا ان ظاهر كلام الأصحاب ـ وهو ظاهر
الخبر الوارد في هذه المسألة ـ أن الشرط هنا عدم التقابض ، لا من الطرفين ، ولا من
أحدهما ، وحينئذ فلو قبض المشتري السلعة ، ولم يقض البائع الثمن ، فان البيع يكون
لازما ، ولا يقدر بالمدة المذكورة وكذا بالعكس ، ولو قبض بعض الثمن أو سلم بعض
المبيع فكالعدم ، لصدق عدم
قبض الثمن ، وعدم قبض المبيع المترتب
عليهما الحكم المتقدم في الخبر ، وفي كلام الأصحاب والله العالم.
السابع خيار الرؤية
وهو ثابت لمن لم ير ، إذا باع أو اشترى بالوصف ، ثم ظهر
مخالفا ، فان كانت المخالفة بظهور الزيادة على الوصف تخير البائع ، وان كانت
بالنقص عنه تخير المشترى ، والأصل فيه ـ أيضا مضافا الى الاتفاق ـ هو اشتراط
الرؤية أولا في صحة البيع ولزومه ، كما يدل عليه ما رواه في الكافي (1) عن عبد الأعلى
بن أعين قال : «نبئت عن ابى جعفر (عليهالسلام) انه كره
بيعين اطرح وخذ على غير تقليب ، وشراء ما لم ير» (2).
وروى في التهذيب (3) قال : نبئت عن ابى جعفر ـ عليهالسلام ـ انه يكره
شراء ما لم ير. والكراهة هنا بمعنى التحريم كما وقع مثله كثيرا في الاخبار ، بل هو
الأغلب الأكثر فيها.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 154 الوسائل الباب 18 من أبواب الخيار الرقم
ـ 1.
(2) قال بعض مشايخنا المحققين من متأخر المتأخرين قوله عليهالسلام (اطرح وخذ) أى يقول البائع للمشتري
اطرح الثمن ، وخذ المتاع من غير أن يكون المشترى قلب المتاع واختبره.
والفرق
بينه وبين الثاني أنه في الثاني لم ير أصلا ، وفي الأول رأى من بعيد ولم يختبره ،
أو يقول المشترى اطرح المتاع ، وخذ الثمن الذي أعطيك ، فيكون الفساد لجهالة الثمن
، وفي الثاني لجهالة المبيع ، وعلى التقديرين لا بد من تقيده بعدم الوصف الرافع
للجهالة. والله العالم. منه قدسسره.
(3) التهذيب ج 7 ص 9 الرقم ـ 30.
وثانيا ما رواه الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب (1) في الصحيح عن
جميل بن دراج قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اشترى
ضيعة وقد كان يدخلها ويخرج منها فلما ان نقد المال صار الى الضيعة «ففتشها» (2) ثم رجع
فاستقال صاحبه فلم يقله فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) : لو قلبها
ونظر منها الى تسع وتسعين قطعة ثم بقي منها قطعة لم يرها لكان له في ذلك خيار
الرؤية».
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن زيد الشحام (3) قال : «سألت
أبا عبد الله عن رجل اشترى سهام القصابين من قبل أن يخرج السهم فقال : لا يشترى
شيئا حتى يعلم أين يخرج السهم ، فان اشترى شيئا فهو بالخيار إذا خرج».
وتوضيح معنى هذا الخبر ما رواه الشيخان المذكوران في
الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن منهال القصاب (4) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام): اشترى الغنم
، أو يشترى الغنم جماعة ثم ندخل دارا ثم يقوم رجل على الباب فيعد واحدا واثنين
وثلاثة وأربعة وخمسا ثم يخرج السهم قال : لا يصلح هذا ، انما يصلح السهام إذا عدلت
القسمة.
والمراد منه أنه إذا اشترى عشرة مثلا ، مائة من الغنم ،
فيدخل بيتا فيخرج من الغنم كيف ما اتفق ، فإذا بلغ المخرج خمسة مثلا اخرج اسم رجل
، فمن خرج اسمه يعطيه هذه الخمسة ، فلم يجوزه ـ (عليهالسلام) ـ للغرر وعدم
تحقق شرائط القسمة ، إذ من شروطها تعديل السهام أولا ، فربما وقع في سهم بعضهم
كلها سمانا وفي سهم الأخر هزالا.
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 171.
(2) التهذيب ج 7 ص 200 الرقم 29 وفيها (فقلبها) بدل (ففتشها).
(3) الكافي ج 5 ص 223 الرقم ـ 3 التهذيب ج 7 ص 79 الرقم 54.
(4) التهذيب ج 7 ص 79 الرقم 53 الكافي ج 5 ص 223.
ومن أجل هذا انه لو اشترى والحال هذه فان له الخيار كما
صرح به في صحيح الشحام (1) «إذا خرج الردى
في ذلك السهم».
وأما إذا أمكن القسمة بعد تعديل السهام ، فإنه لا مانع
لأنه يشتري متاعا فان اقتسموا بالتعديل فلا خيار ، والا فإن خرج في سهمه الردى كان
له الخيار في القسمة ، فالمتاع في صحيح الشحام مبنى على ما هو دأبهم من شرائهم
مجهولا غير معدل ، كما يشير اليه قوله في رواية منهال انما يصلح السهام إذا عدلت
القسمة.
وكيف كان فمورد الخبرين المذكورين انما هو المشترى ،
والمدعى ـ كما هو المتفق عليه بينهم ـ ثبوت ذلك ـ أيضا ـ للبائع الا ان يجبر ذلك
بخبر الضرار (2)
وربما احتمل بعض الأصحاب في صحيحة جميل أن يكون التفتيض
من البائع بأن يكون البائع باعه بوصف المشترى ، وحينئذ فيكون الجواب عاما بالنسبة
إليهما على تقدير هذا الاحتمال ، الا أن الظاهر بعده غاية البعد عن سياق الخبر
المذكور ، ومع تسليمه فثبوت كون الجواب عاما ـ أيضا ـ محل خفاء واشكال.
وبالجملة فالظاهر ان مستند العموم انما هو خبر الضرار
المجبور باتفاق الأصحاب على الحكم المذكور ، قالوا : ولا بد في هذا النوع من
الخيار من ذكر الجنس والوصف الرافعين للجهالة ، وضابط ذلك أن كل وصف يتفاوت
الرغبات بثبوته والتفائه ، ويتفاوت به القيمة تفاوتا ظاهرا لا يتسامح بمثاله ،
فإنه يجب ذكره ، فلا بد من استقصاء صفات السلم كلها كما صرح به العلامة في
التذكرة.
فروع
الأول : لو وصف بها فوقع البيع والشراء بوصف الغير ثم
ظهر الزيادة والنقصان من جهتين تخيرا معا ، ويقدم قول الفاسخ كما تقدم بيانه.
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 79 الرقم ـ 54.
(2) الوسائل الباب 17 ـ من أبواب الخيار الرقم 3 ـ 4.
الثاني : قال في الدروس : ولو شرطا دفعة فالظاهر بطلان
العقد ، للغرر ، أقول : والوجه فيه ان الوصف قائم مقام الرؤية ، فإذا شرط عدم
الاعتداد به كان المبيع غير مرئي ولا موصوف ، ويلزم من ذلك الغرر المنهي عنه
المبطل للبيع ، والظاهر انه لا خلاف بينهم في صحة إسقاط خيار المجلس والحيوان
والعيب ، وأما خيار الغبن والتأخير ففيهما احتمال والصحة أظهر ، وأما خيار الرؤية
فالحكم فيه ما عرفت.
الثالث : ظاهر كلام أكثر الأصحاب اشتراط الفورية في هذا
الخيار.
الرابع : قال في الدروس : لو شرط البائع إبداله ان لم
يظهر على الوصف فالأقرب الفساد ، أقول : ظاهر كلامه أن الحكم بالفساد أعم من ان
يظهر على الوصف أم لا ، وفيه انه لا موجب للفساد (1) مع ظهوره على
الوصف المشروط ، ومجرد شرط البائع الإبدال مع عدم الظهور على الوصف لا يصلح سببا
في الفساد لعموم الأخبار المتقدمة.
نعم لو ظهر مخالفا فإنه يكون فاسدا من حيث المخالفة ،
ولا يجبره هذا الشرط لإطلاق الاخبار في الخيار ، والأظهر رجوع الحكم بالفساد في
العبارة إلى الشرط المذكور ، حيث لا تأثير له مع الظهور وعدمه.
وبالجملة فإني لا اعرف للحكم بفساد العقد في الصورة
المذكورة على الإطلاق وجها يحمل عليه ، والله العالم.
الخامس : لو اشترى برؤية قديمة تخير أيضا لو ظهر بخلاف
ما رآه ، وكذا من طرف البائع ، الا ان هذا ليس من افراد هذا الخيار الذي هو محل
البحث ، لانه مقصور على ما لم ير ، حيث اشترط فيه الوصف عوضا عن الرؤية ، ولا
يشترط وصف ما سبقت رؤيته ، وانما يباع ويشترى بالرؤية السابقة ، غاية الأمر انه
إذا ظهر بخلاف ذلك ، لطول المدة أو عروض عارض أو نحو ذلك تخير ، بايعا كان أو
مشتريا.
__________________
(1) أقول موجب الفساد على ما هو الظاهر ان الشرط المذكور لما
كان مخالفا للسنة ـ فاسدة ـ واقتضى فساد العقد قضاء للشرطية ـ منه رحمهالله.
«الثامن خيار العيب»
وضابطه في الحيوان كلما زاد عن أصل الخلقة أو نقص وزاد
بعضهم عينا كان كالإصبع الزائدة أو الناقصة ، أو صفة كالحمي ولو يوما بأن يشتريه
فيجده محموما أو يحم قبل القبض.
أقول : ويدل على الأول ما رواه في الكافي عن أحمد بن
محمد السياري (1) قال : «روى عن
ابن أبى ليلى أنه قدم اليه رجل خصما له فقال : ان هذا باعني هذه الجارية فلم أجد
على ركبها حين كشفتها شعرا وزعمت أنه لم يكن لها قط قال : فقال له ابن أبى ليلى :
ان الناس ليحتالون لهذا بالحيل حتى يذهبوا به فما الذي كرهت؟ فقال : أيها القاضي
ان كان عيبا فاقض لي به. فقال : اصبر حتى أخرج إليك فإني أجد أذى في بطني ثم دخل
وخرج من باب آخر حتى أتى محمد بن مسلم الثقفي فقال له أي شيء تروون عن أبى جعفر (عليهالسلام) في المرأة لا
يكون على ركبها شعرا يكون ذلك عيبا».
فقال له محمد بن مسلم : أما هذا نصا فلا أعرفه ، ولكن
حدثني أبو جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهمالسلام) عن النبي صلىاللهعليهوآله «أنه قال :
كلما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب ، فقال له ابن أبى ليلى : حسبك ثم رجع
الى القوم فقضى لهم بالعيب».
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 65 الرقم ـ 26 الكافي ج 5 ص 215 الوسائل
الباب ـ 1 ـ من أبواب العيوب الرقم ـ 1.
وعلى الثاني في الجملة ما رواه في الكافي عن داود بن
فرقد (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اشترى
جارية مدركة فلم تحض عنده حتى مضى لها ستة أشهر وليس بها حمل ، قال : ان كان مثلها
تحيض ولم يكن ذلك من كبر ، فهذا عيب ترد منه». ورواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن
محبوب.
وللمشتري الخيار بين الرد والقبول مع الأرش في صورة
الجهل بالعيب عند الشراء ، ويسقط الرد خاصة دون الأرش بالتصرف في المبيع ، سواء
كان قبل علمه بالعيب أم بعده ، وسواء كان التصرف ناقلا للملك أم لا ، مغير اللعين
أم لا.
ونقل عن ابن حمزة أنه إذا تصرف المشترى بعد العلم بالعيب
سقط الرد والأرش معا ،
وهو مردود بالاخبار الاتية ، وكذا يسقط الرد خاصة دون
الأرش بحدوث عيب بعد القبض ، فإنه مانع من الرد بالعيب السابق ، ويسقطان معا
بالعلم بالعيب قبل العقد ، فان قدومه عليه عالما به رضى بالعيب.
وكذا يسقطان بالرضا به بعده ، وفي حكمه إسقاط الخيار
وكذا يسقطان ببراءة البائع من العيوب ، والأصل في بعض هذه الأحكام الاخبار الجارية
في هذا المضمار.
ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح أو الحسن عن
جميل (2) عن بعض
أصحابنا عن أحدهما ـ (عليهماالسلام) «في الرجل
يشترى الثوب من الرجل أو المتاع فيجد به عيبا ، قال : ان كان الثوب قائما بعينه
رده على صاحبه وأخذ الثمن ، وان كان خاط الثوب أو صبغه أو قطعه رجع بنقصان العيب».
وما رواه في الكافي والتهذيب (3) عن زرارة عن
أبى جعفر (عليهالسلام)
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 65 الفقيه ج 3 ـ 285 الكافي ج 5 ص 213.
(2) الفقيه ص 136 الرقم 33 الكافي ج 54 ص 207 مع اختلاف يسير ،
التهذيب ج 7 ص 60 الرقم 2.
(3) الكافي ج 5 ص 207 الرقم 3 التهذيب ج 7 ص 60 الرقم 1.
قال : «أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب
أو عواز لم يتبرأ إليه منه ولم يبرأ به وأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا وعلم بذلك
العور أو بذلك العيب انه يمضى عليه البيع ويرد عليه بقدر ما ينقص ذلك الداء والعيب
من ثمن ذلك لو لم يكن به».
وما رواه في الكافي عن أبى صادق (1) قال : «دخل
أمير المؤمنين (عليهالسلام) ورواه الصدوق
مرسلا قال دخل أمير المؤمنين (عليهالسلام) سوق التمارين
فإذا امرأة قائمة تبكي وهي تخاصم رجلا تمارا ، فقال لها : مالك؟ فقالت : يا أمير
المؤمنين اشتريت من هذا تمرا بدرهم فخرج أسفله رديا وليس مثل هذا الذي رأيت فقال
له. رد عليها ، فأبى حتى قال له ثلاث مرات فأبى ، فعلاه بالدرة حتى رد عليها ،
وكان عليهالسلام يكره أن يجلل
التمر.».
وما رواه المشايخ الثلاثة عن ميسر بن عبد العزيز (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل اشترى
زق زيت فوجد فيه درديا فقال : ان كان ممن يعلم ان ذلك يكون في الزيت لم يرده عليه
، وان لم يكن يعلم أن ذلك يكون في الازيت رده عليه».
وما رواه في التهذيب عن جعفر بن عيسى (3) قال : «كتبت
الى أبى الحسن (ع) جعلت فداك المتاع يباع فيمن يزيد ، فينادي عليه المنادي فإذا
نادى عليه بريء من كل عيب فيه ، فإذا اشتراه المشترى ورضيه ، ولم يبق إلا نقده
الثمن فربما زهده فإذا زهد فيه ادعى فيه عيوبا وأنه لم يعلم بها فيقول له المنادي
: قد برئت منها ، فيقول له المشترى : لم أسمع البراءة منها أيصدق فلا يجب عليه
الثمن ، أم لا يصدق فيجب عليه الثمن؟ فكتب (عليهالسلام) : عليه الثمن».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 230 الفقيه ج 3 ص 172 الرقم 2.
(2) الفقيه ج 3 ص 172 التهذيب ج 7 ـ ص 66 الكافي ج 5 ص 229.
(3) التهذيب ج 7 ص 66 الرقم 29.
الا أن ظاهر الأصحاب عدم القول بهذه الرواية كما سيأتي
تحقيقه إنشاء الله تعالى. في فصل العيوب.
وما رواه في التهذيب أيضا ـ عن السكوني (1) عن جعفر عن
أبيه عليهمالسلام «أن عليا (عليهالسلام) قضى في رجل
اشترى من رجل عكة فيها سمن احتكرها حكرة فوجد فيها ربا فخاصمه الى علي (عليهالسلام) فقال له علي (عليهالسلام) : لك بكيل
الرب سمنا ، فقال له الرجل : انما بعته منك حكرة ، فقال له (عليهالسلام) ـ : انما
اشترى منك سمنا ولم يشتر منك ربا».
قال في الوافي والحكر الجمع والإمساك يقال : اشترى المتاع
حكرة أي جملة. انتهى ، الى غير ذلك من الاخبار الاتية إنشاء الله في الفصل الذي في
حكم العيوب ، وقد تقدم في المباحث السابقة ما يدل على بعض هذه الأحكام ايضا.
والعجب من صاحب الكفاية هنا حيث قال : ولو تصرف المشترى
سقط الرد دون الأرش للاخبار المتعددة ، لكن الأخبار مختصة بمن اشترى جارية فوطأها
ثم وجد بها عيبا. انتهى.
وكأنه لم يقف على هذه الاخبار التي قدمناها صريحة في
الأرش مع التصرف في المبيع مطلقا جارية أو غيرها ، الا ان عندي في المقام اشكالا ،
وهو ان المذكور في كلامهم انه مع ظهور العيب السابق قبل العقد أو القبض فللمشتري
الخيار بين الرد والقبول مع الأرش ، والروايات المتقدمة خالية من ذكر الأرش ،
وانما المذكور فيها الرد ، والأرش إنما ذكر في صورة التصرف المانع من الرد ،
ومثلها الاخبار الاتية إنشاء الله تعالى ـ في شراء الجواري ، ولم أقف على من تنبه
لذلك ولا نبه عليه (2).
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 66 الرقم 30.
(2) أقول الى ما ذكرنا من الاشكال هنا أشار المحقق الأردبيلي
في شرحه
وبالجملة فالدليل على التخيير المذكور غير ظاهر من
الاخبار الا ان يكون الإجماع ، لظهور اتفاقهم على الحكم المذكور.
نعم ذلك مذكور في الفقه الرضوي (1) حيث قال (عليهالسلام) «فان خرج في
السلعة عيب وعلم المشترى ، فالخيار اليه ان شاء رد وان شاء أخذه أورد عليه بالقيمة
مع أرش العيب». وظاهر العبارة التخيير بين الرد وبين أخذه من غير أرش أو أخذه مع
الأرش ويحتمل أن لفظة (أو) غلط ، وانما هو بالواو فيكون مخيرا بين الأول والثالث.
والظاهر أن هذه العبارة هي المستند في ذلك ، في كلام
المتقدمين وجرى عليه جملة المتأخرين كما في جملة من الأحكام التي أسلفنا ذكرها في
غير مقام.
وأما باقي شقوق المسألة مما لا يظهر وجهه من هذه الاخبار
، فيمكن استفادته من الرجوع الى القواعد المقررة والضوابط المعتبرة.
والأرش المذكور في الاخبار المتقدمة عبارة عن نسبة
التفاوت بين قيمته صحيحا وقيمته معيبا ، فيؤخذ من الثمن بتلك النسبة ، لا تفاوت ما
بين الصحيح والمعيب ، لانه قد يحيط بالثمن أو يزيد عليه ، فيلزم أخذه العوض
والمعوض ، كما إذا اشتراه بخمسين وقوم معيبا بها ، وقوم صحيحا بمأة أو أزيد ، وعلى
اعتبار النسبة يرجع في المثال المذكور بخمسة وعشرين ، وعلى هذا القياس.
وتمام تحقيق المسألة يأتي ـ إنشاء الله تعالى ـ في الفصل
المعقود للعيب ، وهذا ما وعدنا به آنفا من ذكر ثمانية من أفراد الخيار المذكورة في
كلام أكثر الأصحاب ، وزاد شيخنا في اللمعة ستة على هذه الثمانية بحيث يبلغ المجموع
أربعة عشر ، وانما أعرضنا عن ذكرها لعدم وجود النصوص على كثير من أحكامها وسيأتي ـ
إنشاء الله ـ التعرض لذكرها كل في مقامه ، وبيان ما يتعلق بنقضه وإبرامه.
__________________
على الإرشاد إلا انا لم نقف عليه الا بعد تجاوز هذا المقام
فاستثناه بعد ذلك فيما يأتي في مسألة الرد من احداث السنة في فصل العيوب فليتراجع
منه قدسسره.
(1) المستدرك ج 2 ص 474.
المقام الثاني في أحكام الخيار
وقد تقدم ذكر كثير منها في المباحث المتقدمة في المقام
الأول ، وبقي الكلام هنا في مسائل :
الأولى : قد صرح جمع من الأصحاب ـ رضى الله عنهم ـ بأن
خيار الشرط يثبت في كل نوع من أنواع العقود ، سوى النكاح والوقف والإبراء والطلاق
والعتق.
أما جواز الشرط في العقود ، فلعموم الأخبار المتقدمة في
خيار الشرط الدالة على جواز الاشتراط إذا كان الشرط سائغا لا يخالف الكتاب والسنة
، وقد استثنى من البيع ما يتعقبه العتق ، كشراء القريب الذي ينعتق عليه ، فإنه لا
يثبت فيه خيار الشرط ، ولا المجلس ، وكذا شراء العبد نفسه إذا جوزناه ، فإنه مناف
لمقتضاه ، وسيأتي تحقيق المسألة ـ إنشاء الله تعالى ـ في محلها.
واما استثناء ما ذكر ، فعلل بان النكاح لا يقصد فيه
المعاوضة ، والوقف ازالة ملك على وجه القربة ، ومثله العتق ، وقريب منه الإبراء.
وادعى في المسالك الإجماع على استثناء هذه المذكورات
أولا ، والظاهر أنه هو العمدة عندهم ، والا فهذه التعليلات لا تمنع تطرق المناقشة
، فإنها لا تصلح لتخصيص عموم تلك النصوص.
قال في التذكرة : والأقرب عندي دخول خيار الشرط في كل
عقد معاوضة ، خلافا للجمهور ، وهو مؤذن بعدم الخلاف عند الأصحاب ، وقد الحق
بالطلاق الخلع والمبارات ، وبالعتق التدبير والمكاتبة المطلقة ، وقد عرفت ما في
المحلق به.
والحق ان المسألة لا يخلو عن شوب الاشكال بالنظر الى
إطلاق النصوص ، وعدم وجود مخصص يصلح الاعتماد عليه ، وان كان الأحوط الوقوف على ما
ذكروه (رضى الله عنهم).
الثانية : لا خلاف بين الأصحاب في أن الضابط في صحة
الشرط هو أن لا يكون مؤديا إلى الجهالة في المبيع أو الثمن ، ولا مخالفا للكتاب
والسنة ، فلو كان مؤديا إلى الجهالة في أحدهما بطل ، كاشتراط تأخير المبيع في يد
البائع أو الثمن في يد المشترى ما شاء كل واحد منهما ، فإنه يلزم منه الجهالة ،
فإن للأجل قسطا من الثمن ، وإذا كان مجهولا يجهل الثمن ، وكذا القول في جانب
المبيع.
ومتى كان مخالفا للكتاب والسنة ، فإنه يبطل أيضا كاشتراط
عدم وطئ الأمة ، أو شرط وطئ البائع إياها بعد العقد مرة أو أزيد ، واشتراط أن لا
يبيعه أو لا يعتقه أو لا يهب.
قال في المسالك ـ بعد حد هذه الافراد ـ : وضابط ما ينافي
مقتضى العقد ، بأن يقتضي عدم ترتب الأثر الذي جعل الشارع العقد من حيث هو يقتضيه ،
وترتبه عليه ، كذا حققه جماعة انتهى.
ثم استشكل اشتراط عدم الانتفاع زمانا معينا ، واشتراط
سقوط خيار المجلس والحيوان وما شاكل ذلك مما أجمع على صحة اشتراطه.
أقول : ويمكن دفع الإشكال بالنسبة إلى الأول بالوقوف على
مقتضى الضابطة المذكورة ، والقول ببطلان هذا الشرط حيث لا دليل عليه ، وعن الثاني
بجميع أفراده بان ذلك ليس من مقتضى العقد ، فان مقتضاه اللزوم كما تقدم ، وانما
جاز الفسخ في هذه المواضع بدليل خارج أوجب الخروج عن مقتضى العقد.
وأما ما ذكره هنا هو وغيره من اشتراط أن لا يبيع ولا يهب
فجيد ، بناء على الضابطة المذكورة ، الا أنه قد ورد في جملة من الاخبار ما يؤذن
بصحة هذا الشرط مثل مرسلة (1) جميل عن بعض
أصحابنا عن أحدهما (عليهماالسلام) في الرجل
اشترى جارية وشرط لأهلها ان لا يبيع ولا يهب قال : يفي بذلك إذا شرط لهم.
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 25 الرقم 23.
ومرسلته الثانية (1) عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهماالسلام) «في الرجل
يشتري الجارية ويشترط لأهلها ان لا يبيع ولا يهب ولا يورث؟ قال : يفي بذلك إذا شرط
لهم الا الميراث». ونحوهما في ذلك صحيحة الحلبي وقد تقدمت في القسم الثالث في خيار
الشرط وتقدم نبذة من الكلام فيما يتعلق بهذا المقام.
وكذا يبطل الشرط باشتراط غير المقدور للمشروط عليه ،
كاشتراط حمل الدابة في ما بعد ، أو ان الزرع يبلغ السنبل ، سواء شرط عليه ان يبلغ
ذلك بفعله أو بفعل الله تعالى ، لاشتراكهما في عدم المقدورية.
ولو شرط تبقية الزرع في الأرض إلى أو ان السنبل إذا وقع
البيع على أحدهما دون الأخر جاز ، لان ذلك مقدور له ، ولا يعتبر تعيين مدة البقاء
بل يحمل على ما هو المتعارف عن البلوغ لانه منضبط.
وفي كل موضع يبطل الشرط فهل يختص البطلان به ـ لانه الممتنع
شرعا ـ دون البيع ولتعلق التراضي بكل منهما ، أو يبطل العقد من أصله؟ لأنه غير
مقصود بانفراده وما هو مقصود لم يسلم ، ولان للشرط قسطا من الثمن ، فإذا بطل يجهل
الثمن ـ قولان : وما تقدم من قوله تعلق التراضي بهما يضعف بعدم تعلق التراضي وقصده
منفردا وهو شرط الصحة.
أقول وما ذكروه في هذه المسألة في هذا الموضع وغيره من
بطلان العقد باشتماله على الشرط الباطل ، ـ وعللوه من أن القصد انما تعلق بالجميع
ـ والعقود تابع بالقصود ، فما تعلق به القصد غير حاصل ، وما حصل غير مقصود ـ جيد ،
الا ان جملة من الاخبار قد دلت على بطلان الشرط في مواضع مع صحة العقد ، وبعض
الاخبار يدل على ما ذكروه.
__________________
(1) الوسائل الباب 15 من أبواب بيع الحيوان في ذيل حديث
الثاني.
فهذه القاعدة غير مطردة بالنسبة الى ما دلت عليه الاخبار
في الباب كما حققنا ذلك في المقدمة الحادية عشر من مقدمات الكتاب (1).
ولو شرط عتق المملوك جاز لانه شرط سائغ بل راجح ، لكن ان
شرط عتقه عن المشتري أو أطلق فلا خلاف في الصحة ، وان شرط عتقه عن البائع ، فقولان
: أصحهما العدم ، لقوله ـ عليهالسلام ـ «لا عتق إلا
في ملك» (2). والبائع ليس
مالكا وعن التذكرة الحكم بالجواز.
ولو مات العبد قبل العتق كان للبائع الخيار أيضا ، فإن
اختار الفسخ رجع بجميع القيمة.
وفي تعيين وقتها أقوال تقدم نقلها في الموضع الثالث من
المسألة السابعة من المقام الثالث في العوضين (3) ـ ورد ما قبضه من الثمن لبطلان البيع
بالفسخ ، وانما يرجع بالقيمة ، لأنه مضمون ـ على المشترى بعد القبض.
أما لو اختار الإمضاء فهل يرجع على المشترى بما يقتضيه
شرط العتق من القيمة ، فإنه يقتضي نقصانا من الثمن أم يلزم مع اجازة ما عين من
الثمن خاصة قولان (4)
__________________
(1) ج 1 ص 133.
(2) التهذيب ج 8 ص 217.
(3) ج 18 ص 468.
(4) أحدهما ما ذهب إليه العلامة وجماعة ، وهو الأول.
وثانيهما
ما يظهر من الدروس محتجا عليه بان الشروط لا يوزع عليه الثمن ورد بأن الثمن لم
يوزع على الشرط بحيث يجعل بعضه مقابلا له ، وانما الشرط محسوب مع الثمن ، وقد حصل
باعتباره نقصان في القيمة ، وطريق تداركه ما ذكر وطريق معرفة ما يقتضيه الشرط أن
يقوم العبد بدون الشرط ، ويقوم معه ، وينظر التفاوت بين القيمتين ، وينسب إلى
القيمة التي هي مع شرط العتق ، ويؤخذ من المشترى مضافا الى الثمن بمقدار تلك
النسبة من الثمن.
فلو
كانت قيمته بدون الشرط مائة ومعه ثمانين فالتفاوت بعشرين ونسبتها الى الثمانين
الربع فيؤخذ من المشترى مقدار ربع الثمن مضافا اليه وذلك هو الذي سامح به البائع
في مقابلة شرط العتق منه ـ قدسسره.
ولو شرط أن لا خسارة على المشترى لو باع المبيع بل على
البائع فخسر ، فان هذا الشرط باطل ، لمنافاته لمقتضى البيع.
ويدل عليه رواية عبد الملك بن عتبة (1) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل
ابتاع منه متاعا على ان ليس على منه وضيعة هل يستقيم هذا وكيف يستقيم وحد ذلك؟ قال
: لا ينبغي». ولفظ لا ينبغي وان كان في العرف الان بمعنى الكراهة ، الا أن وروده
بمعنى التحريم في الاخبار أكثر كثير ، والمراد منه هنا ذلك.
ولو شرط في البيع ان يضمن انسان كل الثمن أو بعضه جاز ،
كما صرح به جملة من الأصحاب ،
وكل شرط لم يسلم لمشترطه بان امتنع المشروط عليه من
الوفاء به ، فهل الواجب جبره على الوفاء به؟ ـ لعموم الأمر بالوفاء بالعقد (2) الدال على
الوجوب ، وقولهم (عليهمالسلام) «المؤمنون
عند شروطهم» (3). الدال على
وجوب الوفاء بالشرط ، فعلى هذا لو امتنع من الوفاء بالشرط أثم وعوقب بتركه ووجب
إجباره على ذلك ، ولو لم يمكن إجباره رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي ليجبره عليه ،
ان كان مذهبه ذلك وان تعذر فسخ إنشاء.
أو انه لا يجب على المشروط عليه ، لأن الأصل عدم الوجوب
، وللمشروط له وسيلة إلى التخلص بالفسخ ، فغاية الشرط حينئذ جعل البيع اللازم عرضة
للزوال عند فقد الشرط ، ولزومه عند الإتيان به ، قولان : أظهرهما الأول لما عرفت
من حجج القولين.
ويؤكده أيضا انه في مثل شرط العتق فيه حق لله سبحانه
وللعبد ، فكيف إبطاله.
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 238 الرقم 62.
(2) سورة المائدة الآية 1.
(3) الوسائل الباب 20 ـ من أبواب المهور الحديث 4.
وعن الشهيد في بعض تحقيقاته تفصيل في هذا المقام ، وهو
ان الشرط الواقع في العقد اللازم ان كان العقد كافيا في تحققه ، ولا يحتاج بعده
إلى صيغة فهو لازم لا يجوز الإخلال به كشرط الوكالة في العقد ، وان احتاج بعده إلى
أمر آخر وراء ذكره في العقد كشرط العتق فليس بلازم ، بل يقلب العقد اللازم جائزا ،
وجعل السر فيه ان اشتراطه للعقد كاف في تحققه كجزء من الإيجاب والقبول فهو تابع
لهما في اللزوم والجواز ، واشتراط ما سيوجد أمر منفصل عن العقد ، وقد علق عليه
العقد والمعلق على الممكن ممكن ، وهو معنى قلب اللازم جائزا.
واستحسن هذا التفصيل في المسالك ، لكنه اختار القول
الأول وهو الأظهر كما عرفت ، وهذا التفصيل من حيث الاعتبار بالتقريب الذي ذكره لا
يخلو من وجه ، لكن قد عرفت ـ في غير موضع ما تقدم ان بناء الأحكام الشرعية على هذه
الاعتبارات العقلية مشكل ، والقول الأول مطابق لمقتضى النصوص كما عرفت والله
العالم.
الثالثة : قد صرح الأصحاب ـ رضى الله عنهم ـ بأنه إذا مات
من له الخيار انتقل الى وارثه ، من أي أنواع الخيار كان ، والوجه فيه أنه حق مالي
قابل للانتقال فيدخل تحت عموم الأخبار الدالة على إرث مثل ذلك ، وحينئذ فلو كان
الخيار خيار شرط ثبت للوارث في بقية المدة المضروبة ، ولو كان غائبا أو حاضرا ولم
يبلغه الخبر حتى انقضت مدة الخيار سقط خياره بانقضاء المدة كالمورث.
وان كان خيار غبن اعتبر فيه الفورية حين بلوغه الخبر
وعلمه بالفورية على القول بها وان طالت المدة.
وان كان خيار مجلس وكان الوارث حاضرا في مجلس البيع قام
مقامه في الخيار وفيه تأمل ، لدلالة ظاهر الاخبار على تعلق ذلك بالبيعين الذين
أوقعا العقد ، وعلى تقدير قيامه مقامه ، فهل يقوم مقامه في اعتبار التصرف ، أو
يبقى الحكم معلقا على المفارقة من الميت أو الوارث وجهان.
رجح ثانيهما في المسالك قال : عملا بظاهر النص فان ضمير
يتفرقا عائد إلى المتبايعين ، والتفرق هنا يصدق بانتقال الحي ، وبنقل الميت مع عدم
المصاحبة ، ومعها يبقى الى ان يتفرقا.
واما احتمال سقوط الخيار بالموت لأن مفارقة الدنيا أبعد
من مفارقة المجلس فقد تقدم ما فيه في قسم خيار المجلس.
هذا كله مع اتحاد الوارث ، فلو تعدد في كل من هذه
الأقسام فإن اتفقوا فلا اشكال وان فسخ بعضهم ، وأجاز الأخر ، قدم الفاسخ عند
الأصحاب وفي انفساخ الجميع أو في حصته خاصة ، ثم يتخير الأخر لتبعض الصفقة وجهان :
وفي خيار المجلس مع عدم حضورهم جميعا للمجلس اشكال.
وبالجملة فإن أكثر هذه الفروع لا يخلو عن الاشكال والله
العالم.
الرابعة : المشهور بين الأصحاب ـ رضى الله عنهم ـ ان
المبيع يملك بالعقد ملكا متزلزلا قابلا للفسخ مدة الخيار. ونقل عن الشيخ أنه انما
يملك بانقضاء الخيار إذا كان الخيار للبائع أو لهما ، أما لو كان للمشتري فإنه
يملك من حين العقد.
وعن ابن الجنيد أنه انما يملك بانقضاء الخيار مطلقا ،
وربما نقل الإطلاق عن الشيخ أيضا ، الا ان عبارته في الخلاف دالة على التفصيل
المتقدم ، لكن ظاهرها انما هو زوال ملك البائع عن المبيع بنفس العقد ، متى كان
الخيار للمشتري ، وأنه لا ينتقل إلى المشتري حتى ينقضي الخيار ، فإذا انقضى ملكه
بالعقد الأول ، وهذا خلاف ما نقلوه عنه ، من أنه متى كان الخيار للمشتري فإنه يملك
من حين العقد.
ومقتضى ما نقلناه عنه في الخلاف ان الفرق بين الأمرين
انما هو باعتبار زوال ملك البائع ، وانه لا يزول في صورة ما لو كان الخيار له أو
لهما ، ويزول فيما كان الخيار للمشتري ، وأما المشتري فإنه لا يملكه ولا ينتقل
اليه الا بانقضاء الخيار مطلقا.
وهذه صورة عبارته في الكتاب ننقلها ليزول بذلك عما
ذكرناه شبهة الشك والارتياب.
قال ـ رحمهالله : العقد يثبت
بنفس الإيجاب والقبول فان كان مطلقا فإنه يلزم بالافتراق بالأبدان ، وان كان
مشروطا فإنه يلزم بانقضاء الشرط ، فان كان الشرط لهما أو للبائع ، فإذا انقضى
الخيار ملك المشترى بالعقد المتقدم ، وان كان الخيار للمشتري وحده زال ملك البائع
عن الملك بنفس العقد ، لكنه لا ينتقل إلى المشتري حتى ينقضي الخيار فإذا انقضى ملك
المشترى بالعقد الأول ـ انتهى.
ومقتضاه انه في صورة ما إذا كان الخيار للمشتري وحده زال
ملك البائع عن المبيع بنفس العقد ، ويبقى المبيع مدة الخيار بلا مالك لزوال ملك
البائع بنفس العقد ، وعدم دخوله في ملك المشترى حتى ينقضي الخيار ، ولم أقف على من
تنبه لذلك من عبارته مع انها ظاهرة فيما قلناه (1).
__________________
(1) نعم قد وقفت في كلام شيخنا الشهيد في كتاب غاية المراد في
شرح نكت الإرشاد ما يؤيد على ما قلناه حيث قال : بعد ذكر آخر عبارة الشيخ المتقدمة
وهذا الكلام يشم منه التناقض ، لكون الملك لا يخلو عن مالك ، ولا مالك غيرهما قطعا
، وقد زال ملك البائع مع الحكم بعدم انتقاله إلى المشترى مع أنه إذا لم ينتقل اليه
كان ملكا للبائع ، فيكون ملك البائع زائلا غير زائل وملك المشترى ثابتا غير ثابت ،
وانه تناقض.
ثم
أجاب عن ذلك فقال قد يجاب بأن الموقوف هو الملك المستقر ، وعلى هذا يرتفع الخلاف
انتهى ، وهو جيد.
وبالجملة
فالأمر دائر بين العمل بكلام الشيخ بناء على ظاهره الذي نقله الأصحاب عنه ،
واللازم منه ما عرفت من الإشكال في الموردين المذكورين وبين تأويل كلامه بما ذكر
من الملك المستقر وبه يرجع الى كلام الأصحاب. ويزول الخلاف من البين بمعنى ان
العقد سبب تام في الملك غاية ما في الباب انه متزلزل في موضع الخيار حتى يسقط فرفع
الخيار موجب للقرار لا جزء علة نقله للملك (منه قدسسره).
وفيه أيضا ان مقتضى ما ذكره في صورة ما لو كان الخيار
مشتركا أو للبائع خاصة من جعل ملك المشترى معلقا على انقضاء الخيار ، وانه ينبغي
أيضا ان يكون ملك البائع الثمن أيضا معلقا على ذلك ، ومتوقفا عليه ، وهذا اشكال
آخر في العبارة المذكورة.
ثم انه على تقدير هذا القول مطلقا أو مقيدا كما ذكروه ،
فهل يكون انقضاء الخيار مع عدم الفسخ كاشفا عن ملك المشترى من حين العقد أم ناقلا؟
كل محتمل ولكن ظاهر عبارة الشيخ المذكورة الأول.
ويظهر فائدة الخلاف في مواضع :
منها النماء المنفصل كاللبن والحمل والثمرة المتجددة زمن
الخيار ، فإنه على القول المشهور وكذا على القول بالكشف إذا لم يفسخ يكون للمشتري
وعلى القول بالنقل يكون للبائع.
ومنها ـ الأخذ بالشفعة زمن الخيار ، فعلى تقدير عدم
الانتقال لا يأخذ بها الا بعد الخيار ، وعلى تقدير الانتقال يأخذ بها من بعد
العقد.
ومنها ـ جريانه في حول الزكاة لو كان زكويا ، فإنه بعد
العقد على تقدير الانتقال به ، وبعد الخيار على تقدير القول الأخر.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان ما ذكروه من الحكم المذكور غير
مطرد بالنظر الى الاخبار ، فإنها مختلفة في ذلك بالنسبة إلى اختلاف الخيارات ، ففي
بعضها ما يوافق المشهور وفي بعض آخر ما يوافق القول الأخر.
فمن الأخبار الدالة على الأول الاخبار الواردة في خيار
الشرط ، وقد تقدمت في الموضع المذكور كموثقة إسحاق بن عمار ، (1) ورواية معاوية
بن ميسرة ، (2) فإنهما
صريحتان في كونه زمن الخيار ملكا للمشتري ، وانه لو تلف في تلك المدة كان
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 171.
(2) الوسائل الباب ـ 8 ـ من أبواب الخيار الرقم ـ 3.
من ماله ، ويحمل عليهما ما أطلق من
اخبار المسألة.
ويؤيده أيضا ان المتبايعين أقدما على ان يكون المبيع
للمشتري ، وانما شرطا خيارا في مدة معينة ، فالبيع على اللزوم كما هو مقتضاه ،
وليس للبائع إلا مجرد الخيار.
ومن الاخبار الدالة على القول الأخر صحيحة ابن سنان ـ (1) المتقدمة في
القسم الثاني في خيار الحيوان الدالة على أنه «إذا اشترى الدابة أو العبد واشترط
الى يوم أو يومين ، فيموت العبد أو الدابة أو يحدث فيه حدث ، فضمان ذلك على البائع
حتى ينقضي الشرط ، ويصير المبيع للمشتري». فإنها ظاهرة في عدم الملك للمشتري ، وان
كان الأصحاب حملوها على استقرار الملك.
وموثقة عبد الرحمن بن أبى عبد الله (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اشترى
أمة بشرط من رجل يوما أو يومين ، فماتت عنده ، وقد قطع الثمن على عن يكون الضمان؟
فقال : ليس على الذي اشترى ضمان حتى يمضى بشرطه».
والجواب عنه بعدم علمه بخيار الحيوان أو التأكيد أو بعد
الثلاثة تكلف بعيد عن سياق الخبر.
ومرسلة ابن رباط (3) عمن رواه عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان
حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال البائع».
ورواية عبد الله بن الحسن (4) بن زيد بن على
بن الحسين (عليهالسلام) عن أبيه عن
جعفر بن محمد (عليهالسلام) قال : قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله): في رجل
اشترى عبدا بشرط ثلاثة أيام ، فمات العبد في الشرط ، قال : يستحلف بالله ما رضيه
وهو بريء من الضمان.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 169 الوسائل الباب 5 ـ من أبواب الخيار.
(2) الكافي في ج 5 ص 171.
(3 و 4) الوسائل الباب ـ 5 ـ من أبواب الخيار الرقم ـ 5.
وهي ظاهرة كما ترى في أن موت الحيوان في الشرط من البائع
، الا أن يلتزم المشترى بالبيع المسقط للخيار.
وبالجملة فروايات خيار الحيوان كما ترى مشتركة في ان
تلفه مدة الخيار من مال البائع.
وهو خلاف ما عليه القول المشهور ، من ان المبيع ملك
المشترى الموجب لكون التلف من ماله. وخلاف ما نقلوه عن الشيخ من أنه متى كان
الخيار للمشتري ، فإنه يوافق القول المشهور في هذه الصورة ، مع ان الخيار هنا
للمشتري كما هو الأشهر الأظهر.
وهذه الاخبار انما تصت على قول ابن الجنيد ، وأن مضي مدة
الخيار ناقل لا كاشف ، مع أنه قول مرغوب عنه في كلامهم.
وقد تقدم في قسم خيار التأخير ذكر رواية عقبة ابن خالد (1) الدالة على
تلف المتاع عند البائع ، وانه مضمون على البائع حتى يقبضه المشترى ، مع أن مقتضى
قاعدتهم وقولهم أن المبيع يملك بالعقد هو كونه من ملك المشترى ، لخروجه بالعقد عن
ملك البائع ، وكونه ملكا للمشتري ، وأما البناء ثمة على ما ذكروه من قاعدة التلف
قبل القبض موجب للضمان على البائع.
ففيه انه لا مستند شرعيا لهذه القاعدة ، ولعل قول الشيخ
المفيد والمرتضى ومن تبعهما ثمة بكونه من مال المشترى ، التفاتا الى هذه القاعدة
المذكورة هنا من حصول الملك بالعقد ، فإنه موجب لذلك الا أن الرواية كما ترى بخلاف
ذلك.
ومن ذلك يظهر ان الاولى والأليق هو الوقوف في كل حكم على
ما يقتضيه النصوص المتعلقة بذلك الحكم ، وعدم الوثوق بهذه القواعد التي يؤسوها. والله
العالم.
الخامسة ـ قالوا إذا تلف المبيع قبل قبضه ، فهو من مال
بايعه ، والمراد انه ينفسخ
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 171.
العقد بتلفه من حينه ، ويرجع الثمن
الى ملك المشترى ، ولو كان قد تجدد له نماء بعد العقد وقبل التلف فهو للمشتري ،
وليس للمشتري مطالبة البائع بالمثل أو القيمة ، وان كان الحكم بكونه من البائع
يوهم ذلك.
وانما عبروا بذلك تبعا للنص (1) والمراد منه
ما ذكر ، وحينئذ فيقدر دخوله في ملك البائع قبل التلف آنا ما ويكون التلف كاشفا
عنه ، ومثله دخول الدية في ملك الميت ، والعبد المأمور بعتقه في ملك المعتق عنه.
وحكى في التذكرة وجها بان الفسخ هنا يكون من أصله ،
وعليه فلا يحتاج الى التقدير.
هذا كله إذا كان تلفه من الله سبحانه ، أما لو كان من
أجنبي أو من البائع تخير المشترى بين الرجوع بالثمن وبين مطالبة المتلف بالمثل أو
القيمة ، ولو كان التلف من المشترى ولو بتفريطه فهو بمنزلة القبض ، فيكون التلف منه
ولو كان التلف في زمن الخيار.
فإنه قد قرر له في المسالك ضابطة ، وهي ان المتلف ان كان
هو المشترى فلا ضمان على البائع مطلقا ، لكن ان كان له خيار أو لأجنبي فاختار
الفسخ يرجع الى المشتري بالمثل أو القيمة.
وان كان التلف من البائع أو من أجنبي تخير المشترى بين
الفسخ والرجوع بالثمن ، وبين مطالبة المتلف بالمثل أو القيمة ان كان له خيار ، وان
كان الخيار للبائع
__________________
(1) وهو ما نقله في التذكرة من قوله (صلىاللهعليهوآله) «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال
بايعه». وهذا الخبر لم نقف عليه فيما وصل إلينا من كتب الاخبار ووجه الإيهام فيه
قوله «من مال بائعه» فإنه دال على خروج ذلك عن ملكه بالبيع فليس معنا قوله من ماله
الا باعتبار ضمانه مثله أو قيمته ، منه رحمهالله. واخرج هذا الحديث في المستدرك ج 2 ص
473 عن عوالي اللئالي.
والمتلف أجنبي ، تخير كما مر ورجع على
المشترى أو الأجنبي.
وان كانت التلف بآفة من الله تعالى سبحانه ، فان كان
الخيار للمشتري أو له أو لأجنبي ، فالتلف من البائع ، والا فمن المشترى ، هذا
خلاصة كلامهم في هذا المقام.
وأنت خبير بان ما ذكر من الكلام في هذا المقام مبنى على
ثبوت القاعدة القائلة» بأن التلف قبل القبض مضمون على البائع» مع انها معارضة
بالقاعدة الأخرى المتقدمة القائلة «بأن المبيع يملك بالعقد».
والتفصي عن المعارضة بما ذكر هنا من ان المراد بكونه من
مال البائع انه ينفسخ العقد بتلف المبيع من حينه ، بمعنى انه يقدر دخوله في مال
البائع آنا ما قبل التلف ويكون التلف كاشفا عنه ـ لا يظهر له وجه من النص الوارد
في هذه المسألة ، وهو خبر عقبة بن خالد المتقدم ، بل ظاهره انما هو ما نقل عن
العلامة من الوجه المتقدم ، وهو ان الفسخ يكون من أصله وبه يحصل الاشكال لتصادم
القاعدتين في المقام.
والى ما ذكرنا هنا يشير كلام المحقق الأردبيلي ـ رضوان
الله عليه ـ في شرح الإرشاد ـ حيث قال : بعد كلام في المسألة مماشاة للجماعة ـ ما
لفظه «فتأمل فإن الأمر مشكل لكون الملك للمشتري مثلا قبل القبض في زمن الخيار على
ما مر وبعده ، والبائع غير مقصر ، والقاعدة تقتضي كونه من ماله وايضا قالوا ان
المراد بكونه من مال البائع فسخ العقد ، فيكون التالف من مال البائع مثلا وفي ملكه
، وليس للمشتري الا الثمن أو مثله لو أعطاه ، وليس له طلب مثل المبيع وقيمته ،
والنماء الحاصل الى حين التلف أيضا مثل الولد والكنز الذي وجده المملوك والمال
الذي وهب له وقبل وقبض ، وقال : وهو مشكل أيضا إذا كان ملكا للمشتري وتلف كيف يصير
التلف في ملكه ، فقيل بتجدد الملك للبائع قبل الهلاك بجزء لا يتجزى من الزمان ،
مثل دخول العبد المأمور بعتقه في ملك المعتق عنه ، ودخول
الدية في ملك الميت ، فتأمل فيه»
انتهى كلامه (1) وهو جيد وان
كانت عباراته لا تخلو من تعقيد من حيث غلبة الاعجمية عليه.
وبالجملة فالواجب هو الوقوف على الروايات في كل حكم حكم
كما قدمنا ذكره ، والروايات المتعلقة بهذه المسألة هي ما قدمنا ذكر بعضها في
المسألة المتقدمة ، وأشرنا إلى البعض الآخر فيما تقدم ، وهي أخبار خيار الشرط
الدالة على كون المبيع ملكا للمشتري ، وأن تلفه منه ، واخبار خيار الحيوان
المتقدمة على ان تلفه في زمن الخيار من ملك البائع ، وخبر عقبة بن خالد (2) الدال على كون
التلف من ملك البائع ، وعدم البناء وعلى هذه القاعدة التي لا مستندة لها من النصوص
وكل ما يتفرع عليها من الفروع الا ما اقتضته قواعد آخر من الاخبار ، والله العالم.
__________________
(1) أقول : وحاصل هذا الكلام يرجع الى ملاحظة القاعدة الدالة
على أنه بالعقد يدخل المبيع في ملك المشترى ، والجمع بينها وبين القاعدة المذكورة
هنا ، وهي «ان تلف المبيع قبل القبض من مال البائع» بأن يقال : انه بالتلف ينفسخ
البيع من حينه ، ويرجع المبيع الى ملك البائع ، والثمن الى ملك المشترى ، فيقدر
دخوله في ملك البائع آنا ما قبل التلف ويكون التلف كاشفا عنه ، ولا ينافي ذلك كونه
قبل ذلك ملكا للمشتري ، وان له نماؤه.
ومن
أجل ذلك انه لا يرجع المشترى بالمثل أو القيمة لخروجه عن ملكه قبل التلف ،
وصيرورته للبائع في ذلك الآن المقدر ، وانما يرجع بالثمن لبطلان البيع. منه رحمهالله.
(2) الكافي ج 5 ص 171.
الفصل الثالث في أحكام العيوب
وفيه مسائل
الأولى ـ قد صرح غير واحد منهم (رضى الله عنهم) بان مقتضى
العقد السلامة ، والمراد من ذلك هو اللزوم معها ، والخيار مع عدمها ، الا ما ربما
يتسارع الى الذهن من وقوع العقد على السالم دون المعيب ، والا لزم البطلان لو ظهر
معيبا مع وقوع البيع على معين ، ومع الإطلاق يجب طلب السالم ان وجد ، والا بطل
العقد ان حصل اليأس منه ، ولا يكون المعيب داخلا تحت العقد ولا موردا له. وهو خلاف
ما عليه الاتفاق نصا وفتوى.
ولو شرطا الصحة فهو لا يزيد على مقتضى العقد ، فإن
فائدته التأكيد ، لأنك قد عرفت ان الإطلاق يقتضي السلامة لأنها الأصل في الأعيان.
وربما قيل : ان فائدته جواز الفسخ وان تصرف لو ظهر عيب ،
فيفيد فائدة زائدة على الإطلاق ، كاشتراط الحلول.
وكيف كان فان ظهر في المبيع عيب سابق على العقد ، تخير
المشترى بين الرد والأخذ بالأرش ، وقد تقدمت الأخبار الواردة في ذلك ، الا أنها
كما أشرنا إليه آنفا قاصرة عن ذلك ، وانما تدل على الرد مع ظهور العيب قبل التصرف
، والأرش
بعد التصرف ـ الا ما عرفت من عبارة
الفقه الرضوي وقد تقدمت أيضا مسقطات هذا الخيار ، والاخبار الدالة عليه.
ومنها التصرف قبل العلم بالعيب أو بعده ، فإنه يسقط به
الخيار إلا في موضعين قد صرحوا باستثنائهما.
أحدهما : إذا اشترى أمة ووطأها ثم ظهرانها كانت حاملا
فان له الرد ، ومن المعلوم ان الحمل عيب ، لأنه زيادة معرضة للتلف ومانعة من بعض
الانتفاعات في الجملة.
ولا شك أيضا أن الوطي تصرف ، فمقتضى القاعدة عدم جواز
الرد حينئذ ، بل الاقتصار على الأرش كما في غير هذا الموضع من التصرفات مع ظهور
العيب ، لكن قد ورد استثناء هذا الموضع من القاعدة ، وظاهر الأصحاب الاتفاق على
ذلك ايضا.
ومن الاخبار الدالة على أن حكم الجارية إذا ظهر بها عيب
غير الحمل حكم غيرها ـ من أفراد تلك القاعدة المشار إليها ـ ما رواه في الكافي
والتهذيب عن طلحة ابن زيد (1) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «قضى
أمير المؤمنين (عليهالسلام) في رجل اشترى
جارية فوطأها ثم وجد فيها عيبا ، قال : تقوم وهي صحيحة ، وتقوم وبها الداء ، ثم
يرد البائع على المبتاع فضل ما بين الصحة والداء».
وما رواه فيهما أيضا في الصحيح عن منصور بن حازم (2) عن أبى عبد الله
(ع) «في رجل اشترى جارية فوقع عليها وقال : ان وجد فيها عيبا فليس له أن يردها ،
ولكن يرد عليه بقيمة ما نقصها العيب» قال : قلت : هذا قول علي عليهالسلام؟ قال : نعم».
وما رواه في التهذيب عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله (3) قال : «سمعت
أبا عبد الله
__________________
(1 و 2) الكافي ج 5 ص 214 التهذيب ج 7 ص 16 وفي التهذيب (وفيها).
(3) التهذيب ج 7 ص 60 الوسائل الباب 40 من أبواب أحكام العيوب.
(عليهالسلام) يقول : أيما
رجل اشترى جارية فوقع عليها فوجد بها عيبا لم يردها ورد البائع عليه قيمة العيب».
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) عن أحدهما (عليهماالسلام) «أنه سئل عن
الرجل يبتاع الجارية فيقع عليها ، ثم يجد بها عيبا بعد ذلك قال : لا يردها على
صاحبها ، ولكن يقوم ما بين العيب والصحة فيرد على المبتاع ، معاذ الله أن يجعل لها
أجرا».
وما رواه في الفقيه عن ميسرة ، (2) عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «كان
على (عليهالسلام) لا يرد
الجارية بعيب إذا وطئت ، ولكن يرجع بقيمة العيب ، وكان علي (عليهالسلام) يقول : معاذ
الله أن أجعل لها اجرا».
وما رواه في التهذيب عن حماد بن عيسى في الصحيح (3) قال : «سمعت أبا
عبد الله (عليهالسلام) يقول : قال
على بن الحسين : كان القضاء الأول في الرجل إذا اشترى الأمة فوطأها ثم ظهر على عيب
أن البيع لازم وله أرش العيب.».
وهذه الاخبار كما ترى جارية على مقتضى القاعدة المذكورة
، وإطلاقها شامل لما إذا كان العيب حملا أو غيره ، الا انه قد وردت الاخبار
باستثناء الحمل من حكم العيب المذكور هنا مع الإجماع عليه.
ومن الاخبار الدالة عليه في الكافي والتهذيب في الصحيح
عن ابن سنان (4) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اشترى
جارية حبلى ولم يعلم بحبلها فوطأها ، قال : يردها على الذي ابتاعها منه ، ويرد
عليه نصف عشر قيمتها لنكاحه إياها ،
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 215 التهذيب ج 7 ص 61 الوسائل الباب 4 من
أبواب أحكام العيوب.
(2) الفقيه ج 3 ص 139 وفيه عن محمد بن ميسر الوسائل الباب 4 من
أبواب أحكام العيوب.
(3) التهذيب ج 7 ص 61 الوسائل الباب 4 من أبواب أحكام العيوب.
(4) الكافي ج 5 ص 214 التهذيب ج 7 ص 61.
وقد قال على (عليهالسلام) لا ترد التي
ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها ويوضع عنه من ثمنها بقدر عيب ان كان فيها».
وما روياه فيهما أيضا عن عبد الملك بن عمرو (1) عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «لا
ترد التي ليست بحبلى إذا وطئها صاحبها وله أرش العيب ، وترد الحبلى ويرد معها نصف
عشر قيمتها».
وزاد في الكافي قال : وفي رواية اخرى «ان كانت بكرا فعشر
ثمنها ، وان لم تكن بكرا فنصف عشر ثمنها».
وما رواه في التهذيب عن فضيل مولى محمد بن راشد (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل باع
جارية حبلى وهو لا يعلم ، فنكحها الذي اشترى ، قال : يردها ويرد نصف عشر قيمتها».
ورواه بسند آخر صحيح (3) مشتمل على إرسال ابن ابى عمير عن
سعيد بن يسار عن أبى عبد الله (عليهالسلام) مثله.
وبإزاء هذه الاخبار ما يدل على معارضتها فيما دلت عليه
من وجوب رد نصف العشر.
ومنها ما رواه في الفقيه والشيخ في التهذيب عن عبد
الرحمن بن أبى عبد الله (4) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل يشتري
الجارية فيقع عليها فيجدها حبلى قال : يردها ويرد معها شيئا».
وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن محمد بن مسلم (5) عن أبى جعفر (عليهالسلام) في الرجل
يشتري الجارية الحبلى فينكحها وهو لا يعلم؟ قال : يردها ويكسوها».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 214 وفيه (بن عمير) التهذيب ج 7 ص 62.
(2 و 3) التهذيب ج 7 ص 62.
(4) الفقيه ج 3 ص 139 التهذيب ج 7 ص 62.
(5) الكافي ج 5 ص 215 التهذيب ج 7 ص 62 الفقيه ج 3 ص 139.
وما رواه في التهذيب (1) عن عبد الملك بن عمرو عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) «في الرجل
يشتري الجارية وهي حبلى فيطأها قال : يردها ، ويرد عشر ثمنها».
والشيخ (رحمهالله) حمل الشيء
في الحديث الأول على نصف العشر ، وكذا الكسوة في الحديث الثاني على ما يكون قيمتها
ذلك.
واحتمل بعض مشايخنا حملها على ما إذا رضى البائع بهما.
واما الحديث الثالث فحمله في التهذيب على غلط الراوي
والناسخ ، بإسقاط لفظ «نصف» ليطابق ما رواه هذا الراوي بعينه وغيره ، ثم قال : ولو
كانت الرواية مضبوطة لجاز ان تحمل على من وطأ الجارية مع العلم بأنها حبلى ،
فحينئذ يلزمه عشر قيمتها عقوبة ، وانما يلزمه نصف العشر إذا لم يعلم بحبلها ووطأها
ثم علم بالحبل ، انتهى.
وكتب عليه بعض مشايخنا (2) في الحاشية ما
صورته : أنت خبير بأن هذا ليس ببعيد من جهة اللفظ ، لكن الحكم بالرد والحال هذه
مشكل. انتهى (3)
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 62 الكافي ج 5 ص 215 وفي بعض النسخ ابن
عمير.
(2) هو الشيخ على بن سليمان البحراني (قدسسره) في حواشيه على الكتاب. منه رحمهالله.
(3) قال المحقق الأردبيلي (قدسسره) في شرح الإرشاد : ولو لا الإجماع
لأمكن الجمع بينهما بحمل ما فيه العشر ونصف العشر على الاستحباب ، والباقية على
كفاية ما يصدق عليه الشيء والكسوة ، وفيه من البعد ما لا يخفى ، ولو تم هذا لأمكن
أيضا القول بحمل الرد في هذه الاخبار على الاستحباب لو لا الإجماع ، لمعارضتها بما
ذكرناه من الاخبار الواردة على أن وطء الأمة ثم ظهور العيب فيها انما يوجب الأرش
خاصة ، كما هو مقتضى القاعدة المعتضدة بالاتفاق والنصوص ، مع انه لا يقول به ، منه
رحمهالله.
أقول : نقل في الدروس (1) عن الحلبي
وجوب رد العشر في الصورة المذكورة ، وحينئذ فتصلح هذه الرواية دليلا له.
وعن ابن إدريس التفصيل بالبكارة والثيوبة ، ويمكن حمل
هذه الرواية أيضا على ذلك ، وان ندر الفرض.
قال بعض أصحابنا : ولا استبعاد في اجتماع البكارة مع
الحمل ، فإنه ممكن وان كان نادرا. انتهى. وحينئذ فلا يبعد حمل الرواية على أنها كانت
بكرا وان ندر الفرض ، لجواز حصول الحمل بالمساحقة والجماع في الدبر كما صرحوا به ،
ويؤيده مرسلة الكافي المتقدمة.
قال بعض محققي متأخر المتأخرين : ولزوم نصف العشر في
أكثر الأخبار مبنى على ما هو الغالب من ثيوبة الحبلى ، فان كانت بالفرض النادر
بكرا فعليه أن يرد معها عشر قيمتها لما مر في النكاح من أن قيمة بضع الأمة الباكرة
انما هو العشر. انتهى.
وفي الدروس عن ابن الجنيد التقييد بكون الحمل من المولى
، قال : ويلوح من النهاية.
__________________
(1) قال في الدروس : ولو وطئ ما بعد العلم بالحمل فعليه الأرش
ويظهر من التهذيب جواز الرد ويلزمه عشر قيمته عقوبة ، وجعله محتملا للرواية ،
وأكثر الأخبار مقيدة بعدم العلم. انتهى.
وهو
ما أشار إليه شيخنا المذكور في الأصل من الاشكال ، وظاهرهم رضوان الله عليهم أن
التصرف بالوطء بعد العلم بالحبل انما يوجب الأرش خاصة دون الرد ، والرد وجوب نصف
العشر انما هو موضع الجهل.
والظاهر
أن المستند فيه الوقوف على ظواهر نصوص المسألة من الجهل بالحمل ، لأنها على خلاف
القاعدة المقررة المؤيدة بالاخبار والاتفاق ، فيقتصر محل الخلاف على مورد النص ـ منه
قدسسره.
أقول : وهو ظاهر اختيار العلامة في المختلف ، ويرد عليه
أولا أنه يدافع إطلاق النصوص المتقدمة ، فإن ظاهرها وجوب الرد في الصورة المذكورة
، سواء كان الحمل من المولى أو من غيره.
وثانيا ـ أنه لا وجه للتقييد بالتصرف بالوطء ، بل اللازم
هو الرد على كل حال ، لبطلان البيع بظهور كونها أم ولد.
وكيف كان فالأظهر هو القول المشهور للأخبار المتقدمة ،
وارتكاب التأويل فيما عارضها بأحد الوجوه المذكورة.
ولشيخنا في المسالك هنا كلام جيد في المقام لا بأس بنقله
، وان طال به زمام الكلام لما فيه من الفوائد الجمة الظاهرة لذوي الأفهام ، قال رحمهالله بعد ذكر
المصنف أصل المسألة ، ما صورته : تحرير هذه المسألة يتوقف على مقدمات :
الاولى ـ أن تصرف المشترى في المبيع المعيب يمنع من رده
، وان جاز له أخذ الأرش.
الثانية ـ أن الحمل في الأمة عيب سواء شرط خلوها عن
الحمل أم لا ، ولان ولادتها تشتمل على الخطر ، وهو نقص محض ان قلنا أن الحمل لا
يدخل في بيع الأمة كما هو المشهور ، والا كان نقصا من وجه ، وزيادة من وجه ، وهو
كاف في ثبوت الخيار أيضا.
الثالثة ـ أن الوطي تصرف بل هو من أقوى أنواع التصرف
والأصل فيه أن يكون مانعا من الرد.
الرابعة ـ أن وطئ المالك حال الوطي لا يستعقب عليه ضمانا
للبضع ، لانه تصرف في ماله وان فسخ المبيع بعد ذلك بوجه من الوجوه المجوزة له.
الخامسة ـ أن المولى لو وطأ أمته جاز له بيعها مع عدم
تيقن الحمل ، ثم وان ظهر بها حمل منه تبين بطلان البيع لكونها أم ولد ، وهذه
المقدمات كلها إجماعية.
السادسة ـ أن وطأ أمة الغير جهلا بتحريمه يوجب على
الواطئ عشر قيمتها ان كانت بكرا ونصف العشر ، ان كانت ثيبا ، لدلالة النصوص على
هذا التقدير.
السابعة ـ أن الفسخ بالعيب يبطل العقد من حينه لأمن أصله
، لتحقق الملك بالعقد ، وجواز الاستمرار عليه ، فلا معنى لرفع ما قد ثبت. (1)
إذا تقرر هذه المقدمات فنقول : إذا اشترى أمة وتصرف فيها
ثم علم بعيب سابق لم يجز له ردها ، بل يتعين الأرش ، لكن وردت النصوص هنا باستثناء
مسألة ـ وهي ما لو كان العيب حبلا ، وكان التصرف بالوطء فإنه حينئذ يردها ويرد
معها نصف العشر لمكان الوطي.
وهذا الحكم كما ترى مخالف لهذه المقدمات من حيث جواز الرد
مع التصرف وفي وجوب شيء على المشترى مع أنه وطأ أمته ، وفي إطلاق وجوب نصف العشر
مع أن ذلك عقر الثيب ، والمسألة مفروضة فيما هو أعم منها.
__________________
(1) أقول : هذا مبنى على أن المبيع بالعقد ينتقل إلى المشترى ،
وأن الانتفاعات والنماء في مدة الخيار له وان رد المبيع بالعيب بعد ذلك ، إلا أنك
عرفت مما سبق أن النصوص مختلفة في ذلك ، واخبار خيار الحيوان متفقة على أن تلفه في
زمن الخيار من مال البائع ، وهو مؤذن بعدم الانتقال للمشتري ، ولهذا نقل عن بعض
الأصحاب أن المبيع زمن الخيار والنماء للبائع ، وحينئذ فلا استبعاد هنا بأن الفسخ
بالعيب يبطل العقد من أصله.
وبذلك
يظهر أيضا المناقشة فيما ذكره في المقدمة الرابعة من ان وطء المالك حال الوطي لا
يستعقب عليه ضمان للبضع ، فإنه تصرف في ملكه ، فإنه بناء على ما قلنا ليس في ملكه
، فالضمان حينئذ ثابت ، وتخصيصه بنصف العشر على ما هو الأغلب الأكثر من ثيبوبة
الحامل ، لما عرفت فيما تقدم في غير موضع من الكتاب من الإطلاق في الأحكام الشرعية
انما يحمل على الغالب الأكثر ، دون الفروض النادرة.
وبالجملة
فإن باب المناقشة فيما ذكره قدسسره ، غير منسد ، وبه يظهر صحة
القول المشهور والله العالم ، منه قدسسره.
ولأجل هذه المخالفات التجأ بعض الأصحاب (1) إلى حملها على
كون الحمل من المولى البائع ، فإنها تكون حينئذ أم ولد ، ويكون البيع باطلا ،
والوطء في ملك الغير جهلا ، فيلزم فيه العقر ، وإطلاق نصف العشر مبنى على الأغلب
من كون الحبل مستلزما للثيبوبة ولو فرض ـ على بعد ـ كونها حاملا بكرا كان اللازم
العشر.
وفي هذا دفع لهذه الإشكالات ، الا أنه مدافع لإطلاق النص
بالحمل ، وبنصف العشر من غير تقييد بكونه من المولى وكونها ثيبا.
وفيه أيضا أنه لا وجه لتقييد بكونه بالوطء بل اللازم
حينئذ الرد على كل حال ، لبطلان البيع ، وليس تقييد الحمل المطلق في النصوص
الصحيحة وفتوى أكثر الأصحاب وكون المراد رد نصف العشر خاصة ، أولى من استثناء هذا
النوع من التصرف من بين سائر التصرفات.
وكون المنفعة مضمونة على المشترى اما بناء على أن الفسخ
يبطل العقد من أصله ، نظرا الى أن العيب يقتضي تزلزل العقد ، فمع اختيار الرد
ينكشف لنا عن عدم الملك ، وأن العقد موقوف على اختيار الرضا بالعيب ـ أو أن ضمان
المنفعة قد وجد في المصراة على ما يأتي ، ويكفي في التخصيص بكون المردود نصف العشر
، موافقته للغالب الأكثر من أن الحامل لا تكون بكرا.
وبالجملة فالعدول عن ظواهر هذه الاخبار والنصوص الكثيرة
ـ مع قول أكثر الأصحاب بها لمناسبة الأصول ـ غير واضح.
وعلى هذا فيكون الرد على وجه الجواز لا اللزوم ان لم يكن
الحمل من المولى ويختص بالوطء انتهى.
أقول : والأظهر ما قدمنا لك ذكره في غير مقام ـ من أن
الاولى هو الدوران في
__________________
(1) الظاهر انه ابن الجنيد والشيخ في النهاية والعلامة في
المختلف حيث انهم كما عرفت حملوا النصوص على ذلك ، وقد عرفت ما فيه واليه أشار
بقوله هيهنا بقوله : الا انه مدافع لإطلاق النص الى آخره ، منه قدسسره.
الأحكام مدار النصوص ، وما دلت عليه
بالعموم أو الخصوص ، وافقت قواعدهم أم لم توافق ، واليه يشير هنا قوله في إجمال
البحث المتقدم بقوله : وبالجملة فالعدول عن ظواهر النصوص الى آخره.
الموضع الثاني حلب المصراة وسيجيء حكمه إنشاء الله (تعالى).
الثانية ـ قد عرفت أنه متى كان العيب سابقا على العقد ،
فإن للمشتري الخيار بعد ظهوره بين الرد ، والأخذ بالأرش.
وأما لو تجدد بعد العقد وقبل القبض ، فإنه لا خلاف في أن
له الرد ، وانما الخلاف في أنه مع أخذه والرضا به هل له الأرش أم لا؟ قولان :
كلاهما للشيخ.
قال في النهاية : من اشترى شيئا ولم يقبضه ثم حدث فيه
عيب كان له رده ، فإن أراد أخذه وأخذ الأرش كان له ذلك.
وقال في الخلاف : إذا حدث في المبيع عيب في بد البائع
كان للمشتري الرد والإمساك ، وليس له اجازة البيع مع الأرش ، فلا يجبر البائع على
بذل الأرش بلا خلاف ، فان تراضيا على الأرش كان جائزا ، وكذا قال في المبسوط ،
وتبعه ابن إدريس على ذلك.
والى الأول ذهب العلامة في المختلف ، ونقله عن ابن
البراج وأبى الصلاح ، واحتج في المختلف لما ذهب اليه ، قال : لنا ان المبيع لو تلف
لكان من ضمان البائع فكذا أبعاضه وصفاته ، لأن المقتضي لثبوت الضمان ـ في الجميع
وهو عدم القبض ـ موجود في الصفات ، ثم نقل عن الشيخ أنه احتج بأن الأصل ثبوت البيع
ولزومه ، وعدم التسلط بالأرش ، وانما أوجبنا له الخيار بين الرد والقبول ، لدفع
الضرر اللاحق بإيجاب القبول فيبقى الباقي على الأصل.
ثم أجاب عنه بأن التزامه بأحد هذين نوع ضرر ، إذ الحاجة
قد مست إلى المعاوضة ، والا لم توجد ، والتزامه جميع الثمن ضرر عظيم ، لانه دفعه
في مقابلة الجميع بصفاته فلا يجب دفعه عن البعض. انتهى.
وما ذكره رحمهالله في تعليل ما
اختاره ، وكذا في الجواب عما نقله عن الشيخ وان كان لا يخلو عن قوة ، الا أن
المسألة لما كانت عارية عن النص ـ سيما مع ما عرفت من أنه لا وجود للأرش إلا في
صورة التصرف وأنه ليس له الرد ، وانما له الأرش ـ أشكل الحكم بذلك.
وأما ما هو المشهور من أنه مع ظهور العيب مطلقا تقدم على
العقد أو تأخر عنه فإنه مخير بين الرد والأرش ، فلم نقف له في الاخبار على أثر ،
وانما تضمنت الرد خاصة ، كما قدمنا ذكره في خيار العيب.
وبالجملة فلتوقف في الحكم المذكور مجال ، وربما حمل
الإجماع الذي ادعاه في الخلاف على عدم الأرش على إجماع العامة ، وفيه ما لا يخفى.
ولو قبض بعضه ثم حدث في الباقي عند البائع حدث كان الحكم
في الباقي ما تقدم في تجدد العيب بعد العقد ولو قبل القبض على أحد القولين ، نظرا
الى أن سبب الرد هو العيب الحادث في البعض ، وقد حدث حين كون ذلك البعض مضمونا
وحده ، فيتعلق به وحده جواز الرد دون المقبوض.
وفيه أنه يستلزم تبعيض الصفقة المنهي عنه ، وقيل : وهو
الأظهر انه يتخير بين رد الجميع وأخذ أرش العيب (1).
ولو حدث فيه عيب بعد القبض يمنع من الرد بالعيب السابق ،
دون الأرش عند الأصحاب ، ولم أقف فيه على نص.
قالوا : ولا فرق بين العيب الحادث بين كونه من جهة
المشتري أو غير جهته
__________________
(1) بناء على ما عرفت من ظاهر اتفاقهم على انه بظهور العيب
السابق على العقد يتخير بين الرد والأرش ، وكذا ما هو المشهور في العيب المتأخر عن
العقد قبل القبض كما عرفت ، فان هذه المسألة من فروع تلك المسألة وقد عرفت ما في
الأصل ـ منه رحمهالله.
واستثنوا من ذلك ما لو كان المبيع
حيوانا وحدث فيه العيب في الثلاثة من غير جهة المشتري ، فإنه لا يمنع من الرد ولا
الأرش لأنه حينئذ مضمون على البائع ، وسيأتي الكلام في هذه المسألة.
قيل : والظاهر ان كل خيار مختص بالمشتري كذلك.
ولو اشترى شيئين صفقة وعلم بالعيب في أحدهما ، لم يجز رد
المعيب منفردا ، لما يتضمنه من ضرر تبعيض الصفقة على البائع ، وانما له ردهما معا
ـ ان لم يتصرف فيهما ولا في أحدهما ـ أو أخذ أرش المعيب متى تصرف في أحدهما ، وان
كان الصحيح ، سقط رد المعيب ، لأنهما بمنزلة مبيع واحد ، وكذا الحكم فيما اشترى
اثنان شيئا واحدا كان لهما رده أو إمساكه مع الأرش ، وليس لأحدهما رد نصيبه دون
صاحبه ، للزوم تبعيض الصفقة. هذا هو المشهور في هذه الصورة.
ونقل عن الشيخ وجماعة : جواز التفرق في هذه الصورة ،
لجريانه مجرى عقدين بسبب تعدد المشترى ، فان التعدد في المبيع يتحقق بتعدد البائع
، وبتعدد المشترى ، وبتعدد العقد ، ولان العيب جاء من قبله حيث باع من اثنين ،
وارتكب التشقيص ، فان كل واحد منهما صار مشتريا للبعض ، فهو بمنزلة البيعين. (1)
وأنت خبير بأن هذا انما يتم مع علمه بالتعدد ، وحينئذ
فلو قيل بالتفصيل ـ بين علمه بالتعدد فيجوز التفرق ، وجهله بذلك ، فليس لهما الا
الاتفاق في الرد أو الأرش ، كما اختاره العلامة في التحرير ـ لكان قريبا.
وظاهر المحقق الأردبيلي الميل اليه ، وكذا شيخنا الشهيد
الثاني في المسالك الا انه قال : وان كان القول بالجواز مطلقا متوجها.
__________________
(1) وأيده المحقق الأردبيلي بعدم ثبوت كون التشقيص عيبا مطلقا
بالدليل ، مع عموم دليل ثبوت الخيار بين الرد والأرش ـ منه رحمهالله.
وفيه ان الظاهر ان الجهل عذر شرعي كما مر تحقيقه في
مقدمات الكتاب (1) على تفصيل
فيه.
الثالثة المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) من
غير خلاف يعرف انه إذا قال البائع : بعت بالبراءة ، وأنكر المشترى ، ولم يكن
للبائع بينة فالقول قول المشترى بيمينه ، للخبر المتفق عليه (2) «البينة على من
ادعى ، واليمين على من أنكر». ولأن الأصل عدم صدور البراءة منه حتى يتحقق.
قال المحقق الأردبيلي (قدسسره ـ ، في شرح
الإرشاد بعد ذكر نحو ما قلناه : «ولا يلتفت الى ما في الخبر عن جعفر بن عيسى في
مكاتبته الى أبى الحسن (عليهالسلام) «فيقول له
المنادي : قد برئت منها ، فيقول له المشترى : لم أسمع البراءة منها ، أيصدق فلا
يجب عليه الثمن ، أم لا يصدق ، فيجب عليه الثمن؟ فكتب : عليه الثمن». لضعفه مع
الكفاية ، ومخالفة القاعدة» انتهى.
والعجب هنا من صاحب الكفاية حيث جعل هذا الخبر مؤيدا
لعموم «البينة على المدعى ، واليمين على من أنكره» وهو على العكس من ذلك.
أقول : والمفهوم من سياق الخبر المذكور أن إنكار المشتري
انما وقع مدالسة ، لعدم رغبته في المبيع ، والا فهو عالم بتبرئ البائع ، والامام (عليهالسلام) إنما ألزمه
الثمن من هذه الجهة ، ونحن قدمنا الخبر المذكور في خيار العيب ، ولكن نعيده هنا
إزاحة لثقل المراجعة ، ليظهر لك صحة ما ادعيناه.
وهو ما رواه الشيخ في التهذيب عن جعفر بن عيسى (3) قال : «كتبت
الى أبى الحسن (عليهالسلام) جعلت فداك
المتاع يباع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي ،
__________________
(1) ج 1 ص 77.
(2) الوسائل الباب ـ 3 ـ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى.
(3) التهذيب ج 7 ص 66.
فإذا نادى عليه بريء من كل عيب فيه ،
فإذا اشتراه المشترى ورضيه ولم يبق الا نقده الثمن فربما زهده ، فإذا زهد فيه ادعى
فيه عيوبا وأنه لم يعلم بها ، فيقول له المنادي : قد برئت منها ، فيقول المشترى :
لم أسمع البراءة منها أيصدق فلا يجب عليه الثمن أم لا يصدق فيجب عليه الثمن؟ فكتب
: عليه الثمن».
فإنه ظاهر في أنه عالم بالنداء بالبراءة ، وأنه رضيه مع
ذلك ، الا أنه لما تجدد له زهده وعدم الرغبة فيه ، ادعى عدم علمه بالعيوب وعدم
سماعه النداء ، فهذه الدعوى إنما نشأت من حيث زهده فيه وعدم رغبته ، لا من حيث
العيوب.
وحينئذ فلا يكون الخبر مخالفا للقاعدة المتفق عليها ،
ولا يحتاج الى طرحه ، وكثيرا ما يحكمون (عليهمالسلام) في بعض
الأحكام بمقتضى علمهم بالحال ، فكيف مع ظهور ذلك في السؤال.
الرابعة ـ التصرية تدليس يثبت به الخيار بين الرد ،
والإمساك بالثمن بلا أرش ، كما في خيار التدليس في غير هذا الموضع والتصرية مصدر
من قولك صريت إذا جمعت بين الصرى ، وهو الجمع.
يقال : صرى الماء في الحوض إذا جمعه ، (1) وصريت الشاة
تصرية إذا تركت حبلها أياما حتى يجتمع اللبن في ضرعها ، والشاة مصراة وتسمى
المصراة محفلة أيضا ، وهو من الحفل ، ومنه قيل للمجمع : محفل.
والمراد هنا أن يربط إحلاف الشاة ونحوها يومين أو ثلاثة
، فيجتمع اللبن في ضرعها ، ويظن الجاهل بحالها أنها لكثرة ما تحلبه كل يوم ، فيرغب
في شرائها.
قال في المسالك : «والأصل في تحريمه مع الإجماع النص
__________________
(1) قال في المصباح المنير : وصرى الماء صريا طال مكثه ،
ويتعدى بالحركة فيقال : صريته صريا من باب رمى إذا جمعته فصار كذلك ، وصريته
بالتشديد مبالغة ، منه رحمهالله.
عن النبي (صلىاللهعليهوآله) وهو من طرق
العامة (1) وليس في
أخبارنا تصريح به ، لكنه في الجملة موضع وفاق ، انتهى.
أقول : وروى الصدوق (عطر الله مرقده) في كتاب معاني
الاخبار عن محمد ابن هارون الزنجاني على بن عبد العزيز عن أبى عبيد (2) رفعه إلى
النبي (صلىاللهعليهوآله) قال : «لا
تصروا الإبل والغنم فإنه خداع ، من اشترى مصراة فإنه بأحد النظرين ، ان شاء ردها
ورد معها صاعا من تمر.
والظاهر أن الصدوق نقل هذا الخبر من طريق الجمهور ، لعدم
وجوده في كتب الاخبار ، حسبما اعترف به شيخنا المتقدم ذكره.
وكيف كان فالكلام هنا يقع في مواضع ، الأول ـ أنه إذا
اختار الرد قالوا يرد معها لبنها الموجود وقت البيع ، لانه جزء من المبيع ، فإذا
فسخ البيع رده ، كما رد المصراة ، فإن تعذر فمثله ، وان تعذر فقيمته وقت الدفع
ومكانه.
أما اللبن المتجدد بعد العقد ففي رده وجهان ، من إطلاق
الرد في الاخبار ، ومن أنه نماء المبيع الذي هو ملكه ، والعقد انما ينفسخ من حينه
، قال في المسالك : وهو الأقوى.
أقول : قد عرفت أنه لا نص في المسألة ، كما اعترفوا به
كيف يستند في الوجه الأول إلى إطلاق الاخبار.
اللهم ان يراد أخبار العامة ، وفيه ما لا يخفى ، وبه
يظهر قوة الوجه الثاني مضافا الى ما ذكره في تعليله.
ثم انه لو امتزج الموجود حالة البيع بالمتجدد صار شريكا
ورجعا الى الصلح ، وللشيخ قول بأنه مع ردها يرد معها ثلاثة أمداد.
__________________
(1) سنن البيهقي ج 5 ص 318.
(2) الوسائل الباب ـ 13 ـ من أبواب الخيار الرقم ـ 2 لكن عن
القاسم ابن سلام بإسناد متصل.
واستدل له بعض المحققين (1) بحسنة الحلبي (2) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) في رجل اشترى
شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثم ردها ، قال : ان كان في تلك الثلاثة الأيام يشرب لبنها
رد معها ثلاثة أمداد ، وان لم يكن لها لبن فليس عليه شيء». قال : والرواية مختصة
بصورة شرب اللبن ، ولا يبعد العمل بمضمونها لحسنها مع اعتضادها بغيرها.
أقول : فيه أولا أن الشيخ انما حكم بذلك في المصراة ،
وما تضمنه الخبر المذكور ليس كذلك ، فلا يكون منطبقا على المدعى.
وثانيا ـ ان الرواية المذكورة تضمنت جواز الرد بعد
الثلاثة» وهو مخالف لمقتضى القاعدة المتفق عليها نصا وفتوى ، وان المشترى ليس له
الخيار في الحيوان إلا في ضمن الثلاثة ، وأما بعدها فلا ، وحمل الرواية على كون
الرد في الثلاثة بعيد عن مقتضى سياقها ، وحاق لفظها.
وثالثا ـ ان مقتضى كلامهم أنه بالعقد ينتقل الى ملك
المشترى ، فالمشتري في ضمن الثلاثة انما تصرف في ملكه ، فكيف يضمنه ، ويعطى بعد
الرد ثلاثة أمداد عوضا عنه ، (3).
ورابعا ـ أنه لا ريب في انه ضمن الثلاثة قد أنفق على
الشاة ما لعله أكثر من قيمة لبنها ، فكيف أهمل ذالك في الرواية ، أو مثلها ،
وبالجملة فالاستناد في الحكم المذكور الى هذه الرواية مع ما عرفت لا يخلو من غفلة
أو مسامحة.
ونقل عن الشيخ قول آخر ، وهو انه : يرد معها صاعا من تمر
أو بر ، قيل : وهو
__________________
(1) هو الفاضل الخراساني في الكفاية منه رحمهالله.
(2) الوسائل الباب ـ 13 ـ من أبواب الخيار الرقم ـ 1.
(3) أقول هذا الوجه الثالث إلزامي حيث أنهم يقولون بذلك والا
فقد عرفت من أخبار الحيوان أنه انما ينتقل للمشتري بعد الثلاثة كما تقدم تحقيقه
منه رحمهالله.
منصوص عن النبي (1) (صلىاللهعليهوآله) من طرق
العامة ولعله في رواية أخرى غير التي قدمنا نقلها عن الصدوق فإنها اشتملت على صاع
التمر خاصة.
الثاني قد صرحوا بأنه لو ثبتت التصرية بإقرار البائع أو
البينة قبل أن يحلبها ثبت له الخيار ، ولا يحتاج الى الاختبار بمضي ثلاثة أيام لو
لم يثبت ذلك.
وربما صرح بعضهم بالفورية ، لأن التصرية التي هي تدليس
وموجبة لجواز الرد قد ثبتت ، فيكون مقتضاها ايضا ثابتا ، الا ان الظاهر من كلام
بعض انه لا مانع من جواز الصبر والاختبار ، لاحتمال الارتفاع بهبة من الله عزوجل ، فلا يثبت له
بزوال الموجب ، لأن التصرية غير موجبة من حيث هي هي ، وانما هي موجبة من حيث الاستظهار
بمعرفة ما فيه ، مما يوجب زيادة الثمن والرغبة.
قال في المسالك : فلو ثبت بإقرار البائع أو البينة جاز
الفسخ قبل الثلاثة ، لكن بشرط النقصان ، فلو تساوت أو زادت هبة من الله تعالى
فالأشهر زوال الخيار لزوال الموجب له مع احتمال بقائه ، ومثله ما لو لم يعلم العيب
حتى زال انتهى.
ونقل عن الشيخ في الخلاف انه قوى جواز الرد مع ثبوت
التصرية وان زالت ، وصار اللبن زائدا كل يوم على لبن الأول ، أو ساواه.
وفي المبسوط صرح بسقوط الخيار كما هو المشهور. ولو لم
يثبت بأحد الأمرين المتقدمين فلا بد من اختبارها ثلاثة أيام ، فإن اتفقت فيها
الحلبات عادة ، أو زادت اللاحقة فليست مصراة ، وان اختلفت في الثلاثة وكان بعضها
ناقصا عن الأول نقصانا خارجا عن العادة ، وان زاد بعد الثلاثة ثبت الخيار بعد
الثلاثة بلا فصل على الفور.
الثالث ـ ظاهر الأصحاب الإجماع على ثبوت التصرية في
الشاة ، والمشهور ذالك أيضا في الناقة والبقرة ، بل قيل : انه إجماع.
قال شيخنا في الروضة : فإن ثبت فهو الحجة ، والا
فالمنصوص الشاة ، وإلحاق غيرها بها قياس ، انتهى.
__________________
(1) سنن البيهقي ج 5 ص 318.
أقول : وأى نص هنا ورد في الشاة وبذلك اعترف «قدسسره» في المسالك ،
انه في الموضعين إنما التجأ إلى الإجماع ، قال في الكتاب المذكور بعد قول المصنف (رحمهالله) : وتثبت
التصرية في الشاة قطعا ، وفي الناقة والبقرة على تردد ، ما لفظه :
وجه التردد من عدم النص ظاهر عندنا على هذا الحكم ، لكن
الشاة محل وفاق فيحتمل إلحاق الناقة والبقرة بها ، لمساواتهما لها في العلة
الموجبة للخيار ، وهي كون اللبن مقصود مع التدليس ، كما ادعى الشيخ الإجماع على
إلحاقها بها ، فان ثبت فهو الحجة ، والا ففي إثبات الحكم المخالف للأصل ، بغير
النص والإجماع إشكال.
ثم نقل عن ابن الجنيد ، أنه طرد الحكم في سائر الحيوانات
حتى الأدمي ، قال وفي بعض الاخبار من طرق العامة ما يدل عليه ، وهو مناسب لمقابلة
المدلس ، وفي الدروس انه ليس بذلك البعيد. انتهى.
ويظهر من المحقق الأردبيلي (عطر الله مرقده) الميل إلى
إلحاق البقرة والناقة في الموضع المذكور ، لكن لا من حيث التصرية ، بل من حيث
التدليس وحصول الضرر المنفي عقلا ونقلا لو لم يتخير ، قال في بيان وجه الإشكال في
إلحاق الفردين المذكورين : ووجه الاشكال عدم وجود النص والإجماع ، ووجود العلة
الموجبة في الشاة ، فالثبوت ليس ببعيد ، لما تقدم من العلة في الشاة ، إذ لا نص ،
بل التدليس الموجب لذلك ، والا لزم الضرر المنفي عقلا ونقلا ، مؤيدا بأخبار العامة
، انتهى.
هذا خلاصة كلامهم في هذه المسألة.
وقد عرفت خلو أصل المسألة من المستند ، والظاهر أن أصل
هذه المسألة انما هي في كلام العامة ، لأنها مروية في أخبارهم ، والأصحاب كثيرا ما
يستلقون الاخبار والأحكام والفروع من كتبهم.
قال المحقق الأردبيلي (قدسسره) في بعض مواضع
البحث في هذه المسألة ما لفظه :
والظاهر أنه لا دليل للأصحاب على رد الشاة واللبن عينا
أو مثلا أو قيمة بعد التصرف الموجب للسقوط ، بل في هذه المسألة مما لا نص فيه
للأصحاب ، كما قال المصنف والشارح وغيرهما ، وانما هي مذكورة في بعض كتب العامة
وأخبارهم.
ولهذا قالوا المراد برد اللبن رد اللبن الموجود حال
البيع ، وقبل أن تصير الشاة للمشتري ، وهو بناء على مذهبهم من كون المبيع زمن
الخيار ملك البائع فلا إشكال حينئذ ، ولكن يشكل ذلك على مذهب الأصحاب بناء على ما
تقرر عندهم (1) الى آخر كلامه
زيد في مقامه والله سبحانه العالم بأحكامه.
الرابع قد عرفت مما تقدم في المسألة الأولى انهم استثنوا
من التصرف المسقط للرد بالعيب أمرين ، ثانيهما حلب الشاة المصراة وهو مبنى على أن
التصرية من قبيل العيوب.
والظاهر من كلام جملة منهم أنها تدليس ، وخيار العيب
وأحكامه على حده ، وخيار التدليس وأحكامه على حده ولا يدخل إحديهما في الأخر ،
ولهذا عد في اللمعة كلا منهما على حده وجعل التصرية في التدليس.
والمفهوم من كلامهم ان خيار حكم التدليس هو التخيير بين
الرد والإمساك بغير أرش ، تصرف أو لم يتصرف متى ظهر التدليس ، وحكم خيار العيب هو
التخيير قبل التصرف ، بين الرد والإمساك بالأرش ، وبعد التصرف ليس إلا الإمساك مع
الأرش ، وليس له الرد.
والمفهوم من كلامهم أيضا ان التدليس انما هو عبارة عن
اشتراط أمر زائد ، ثم يظهر عدمه ، وأما العيب فإنما يتعلق بذات المبيع مما يوجب
نقصه وخروجه عن أمثاله أو أبناء نوعه.
__________________
(1) أقول المراد بما تقرر عندهم ما تقدم ذكره من أن المبيع
ينقل بالعقد الى ملك المشترى منه رحمهالله.
وبالجملة فإنه متى جعلت التصرية من قبيل التدليس لم
يتوجه الاستثناء الذي ذكروه كما عرفت والله العالم.
الخامسة ـ أطلق جمهور الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن
الثيوبة ليست عيبا ، نظرا الى أن أكثر الإماء لا يوجدون الاثيبات ، فكانت الثيوبة
بمنزلة الخلقة الأصلية ، وان كانت عارضة.
واستشكل ذلك في المسالك في الصغيرة التي ليست محل الوطي
، فإن أصل الخلقة والغالب في مثلها البكارة ، فينبغي أن يكون الثيوبة عيبا.
قال : ونقل مثل ذلك في التذكرة عن بعض الشافعية ، ونفى
البأس عنه ، وهو كذلك ، بل يمكن القول بكونها عيبا مطلقا ، نظرا الى الأصل ، وهو
ظاهر ابن البراج انتهى.
أقول : صورة عبارة التذكرة هكذا إطلاق العقد في الأمة لا
يقتضي البكارة ولا الثيوبة ، فلا يثبت الخيار بأحدهما مع الإطلاق.
وقال بعض الشافعية : الا أن تكون صغيرة ، وكان المعهود
في مثلها البكارة ، ولا بأس به عندي ، لأن البكارة أمر مرغوب اليه ، وانما بذل
المشترى المال بناء على بقائها على أصل الخلقة ، فكان له الرد قضاء للعادة. انتهى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه على المشهور لو اشترط البكارة
فظهر كونها ثيبا حال البيع بالبينة ، أو إقرار البائع ، أو قرب زمان الاختبار
لزمان البيع ، بحيث لا يمكن تجدد الثيوبة فيه ، فالمشهور أنه يتخير بين الرد
والإمساك ، وان جهل ذلك لم يكن له الرد ، لان ذلك قد يذهب بالنزوة والعلة ونحو
ذلك.
وقال الشيخ في النهاية : من اشترى جارية على أنها بكر
فوجدها ثيبا لم يكن له ردها ، ولا الرجوع على البائع بشيء من الأرش ، لأن ذلك قد
يذهب من العلة والنزوة انتهى.
ومثله ابن البراج في الكامل حيث قال : ان ابتاعها على
أنها بكر فوجدها ثيبا لم يكن له ردها ، ولا أرش في ذلك انتهى.
أقول : ويدل على هذا القول موثقة سماعة (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل باع
جارية على انها بكر فلم يجدها على ذلك قال : لا ترد عليه ولا يجب عليه شيء ، لانه
يكون يذهب في حال مرض أو أمر يصيبها».
والعلامة في المختلف تأول كلام الشيخ بالحمل على ما إذا
لم يعلم سبق الثيوبة على العقد ، وعلى هذا يمكن حمل الرواية أيضا ، وفي التعليل
اشعار بذلك.
وهل يثبت له الأرش مع اختيار الإمساك؟ الظاهر من كلام
الأكثر ذلك.
ويدل عليه ما رواه في الكافي والتهذيب عن يونس (2) «في رجل اشترى
جارية على أنها عذراء فلم يجدها عذراء قال : يرد عليه فضل القيمة إذا علم أنه صادق».
والظاهر أن وجوب الأرش هنا مبنى على العلم بالثيوبة حال
البيع بأحد الوجوه المتقدمة ، جمعا بينه وبين الخبر المتقدم ، والخبر الأول قد
عرفت أنه محمول على الجهل بذلك.
قال : في الدروس : ان مع فوات الشرط يتخير بين الفسخ
والإمضاء بغير أرش إلا في اشتراط البكارة ، فظهر سبق الثيوبة ، فإن الأرش مشهور ،
وان كانت رواية يونس به مقطوعة ، وفي المسالك الأقوى ذلك لان فواته مما يؤثر في
نقصان القيمة تأثيرا بينا ، ثم قال : ويحتمل العدم ، لأن الأرش جزء من الثمن ، وهو
لا يوزع على الشروط انتهى.
وظاهره في الكفاية التوقف هنا ، وهو في محله ، لعدم
اسناد الرواية المذكورة الى الامام (عليهالسلام) ، ولو كانت
مسندة لما كان عنها معدل.
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 65 الكافي ج 5 ص 215 الرقم 11.
(2) الكافي ج ـ 5 ص 216 التهذيب ج 7 ص 64.
ونقل في المسالك عن بعض الأصحاب : أنه ذهب الى عدم
التخيير بفوات البكارة مطلقا ، يعنى مع الشرط وعدمه ، والظاهر أنه اشارة الى ما
قدمنا نقله عن الشيخ في النهاية وابن البراج في الكامل.
ثم انه لو انعكس الفرض بأن شرط الثيوبة فظهرت بكرا قيل :
فالأقوى تخييره أيضا بين الرد والإمساك ، لكن بغير أرش ، لجواز تعلق غرضه بذلك ،
لعجزه عن البكر وقيل : لا رد هنا لزيادة قيمة البكر.
السادسة الإباق الحادث عند المشترى لا يرد به العبد ،
وانما يرد به إذا حصل عند البائع أو غيره من الملاك السابقين ، وبالجملة حصوله قبل
البيع ، وهل يكفي في ثبوت ذلك حصوله ولو مرة واحدة؟
ظاهر جمع منهم ذلك وبه صرح في التذكرة ، وشرط بعض
الأصحاب الاعتياد ، قيل : وأقل ما يتحقق به مرتين.
والذي وقفت عليه من الاخبار هنا ما رواه الكليني والشيخ
في الصحيح عن أبى همام (1) قال : «سمعت
الرضا (عليهالسلام) يقول : يرد
المملوك من أحداث السنة من الجنون والجذام والبرص ، فقلت : كيف يرد من أحداث السنة
قال : هذا أول السنة وإذا اشتريت مملوكا به شيء من هذه الخصال ما بينك وبين ذي
الحجة رددته على صاحبه ، فقال له محمد بن على : فالإباق من ذلك ، فقال : ليس
الإباق من ذلك الا ان يقيم البينة أنه كان آبق عنده».
وظاهر هذا الخبر أنه لا بد من ثبوت الإباق عند البائع ،
وأنه تكفي المرة الواحدة ، كما صرح به في التذكرة.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 217 التهذيب ج 7 ص 63 الوسائل الباب 1 ـ من
أبواب أحكام العيوب الرقم ـ 2.
الا أنه قد روى في التهذيب في الموثق عن محمد بن قيس (1) عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «قضى
علي (عليهالسلام) أنه ليس في
إباق العبد عهدة الا أن يشترط المبتاع».
وروى في الكافي في الصحيح عن محمد بن قيس (2) عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «ليس
في الإباق عهدة».
والظاهر أن المراد بالعهدة هنا الخيار ، لما في حديث
يونس (3) ان العهدة في
الحيوان وحده إلى سنة وفي حديث عبد الله بن سنان (4) «وعهدته يعني
الرقيق السنة»
وحينئذ فمقتضى الخبرين المذكورين بعد الجمع بينهما لحمل
مطلقهما على مقيدهما هو أنه لا خيار في الإباق الا أن يشترط المشترى عدم ذلك وهو
مشكل ، لما عرفت من كلام الأصحاب مما ظاهرهم الاتفاق عليه ، مع الصحيحة المتقدمة ،
ولم أطلع على من تعرض لذكر هذين الخبرين في المقام ، فضلا عن الجواب عنهما ، قالوا
ولو تجدد عند المشترى في الثلاثة فهو كما لو وقع عند البائع.
السابعة ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ،
أنه إذا اشترى زيتا أو بذرا (5) أو نحوهما
فوجد فيه ثفلا فان كان مما جرت العادة بمثله لم يكن له رد ولا أرش ، وكذا لو كان
كثيرا وعلم به قبل البيع. وفي حسنة ميسر. المتقدمة في قسم العيب التفصيل بنحو آخر.
قال : ان كان المشترى يعلم أن الدردي يكون في الزيت فليس
عليه أن يرده ،
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 237.
(2) الوسائل الباب ـ 10 ـ من أبواب العيوب.
(3) الوسائل الباب ـ 2 ـ من أبواب أحكام العيوب الرقم ـ 5.
(4) الكافي ج 5 ص 172.
(5) البذر هو دهن الكتان وهو على حذف مضاف أى دهن البذر والثفل
بالضم والسافل ما استقر تحت الشيء من الكدر ـ منه رحمهالله.
وان لم يكن يعلم فله أن يرده ، ويمكن
إرجاع الرواية الى ما ذكروه بمعنى أنه ان كان يعلم أن هذا بحسب العادة مما يكون في
الزيت ونحوه لم يكن له الرد ، والا فله ، الا أنه يبقى فرد آخر وهو ما إذا لم يعلم
ذلك وظن أنه خالص من الثفل.
والأقرب أن الحكم فيه ما ذكره الأصحاب ، تنزيلا للعادة
منزلة العلم بذلك ، كما في كثير من المواضع ، ونظرا الى ان مثل ذلك هنا ليس عيبا ،
لاقتضاء طبيعة الدهن كون ذلك فيه غالبا.
الا انه ربما أشكل ذلك فيما لو كان كثيرا وعلم به ،
باعتبار الجهل بقدر المقصود بالذات الموجب للغرر ، والمشاهدة في مثل ذلك غير
كافية.
ويمكن اندفاع ذلك بان معرفة مقدار الجميع كافية ، كما في
معرفة مقدار السمن بظروفه جملة من دون العلم بالتفصيل ، ونحوه التراب في الحنطة
والشعير ونحوهما والتبن في الأولين ، وأما ما عدا ذلك فلا إشكال في كونه عيبا
يترتب عليه أحكامه.
الثامنة ـ إذا قال المشترى : هذا العيب كان عند البائع ،
وأنكر البائع ذلك فالقول قول البائع مع يمينه عملا بالقاعدة المنصوصة ، ولأصالة
عدم التقدم الا ان يكون للمشتري بينة أو شاهد حال.
والمراد بشاهد الحال نحو زيادة الإصبع واندمال الجرح مع
قصر زمان البيع ، بحيث لا يحتمل تأخره عادة.
ويعتبر في شاهد الحال هنا كونه مفيدا للقطع ، فيقدم قول
المشتري حينئذ بغير يمين ، ولو شهد الحال للبائع كذلك ، كطراوة الجرح مع تطاول
زمان البيع فلا يمين عليه ايضا ، وحيث يفتقر البائع إلى اليمين ، فلا بد أن يحلف
على القطع بعدم العيب ، لا على عدم العلم ، ان كان اختبر المبيع قبل البيع ، واطلع
على خفايا أمره ، كما يشهد بالقطع على الاعتبار ، وبالعدالة وغيرهما مما يكتفى فيه
بالاختبار ، الظاهر ، ولو لم يكن اختبره ففي جواز حلفه على القطع ، عملا بأصالة
العدم واعتمادا على ظاهر السلامة نظر
، واستقرب في التذكرة هنا الاكتفاء بالحلف على نفى العلم ، واستحسنه في المسالك
لاعتضاده بأصالة عدم التقدم ، فيحتاج المشترى الى إثباته.
التاسعة قالوا إذا اشترى أمة لا تحيض في ستة أشهر ومثلها
تحيض كان ذلك عيبا ، لانه لا يكون الا لعارض غير طبيعي.
أقول : هذا قول الأكثر ، وعليه تدل
رواية داود بن فرقد (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اشترى
جارية مدركة فلم تحض عنده حتى مضى لها ستة أشهر وليس بها حمل ، فقال : ان كان
مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر فهذا عيب ترد منه».
وأنت خبير بأنه وان اشتمل السؤال على تأخر الحيض ستة
أشهر ، الا أن الجواب لم يتقيد به ، فإنه (عليهالسلام) انما علق
الحكم على حيض مثلها ، وأراد به نفى الصغر واليأس ، وان كان ذلك مستفادا من
الإدراك ، فإن من المعلوم ان من كانت كذلك فان مثلها تحيض في تلك المدة ، وحينئذ
فلو قيل بثبوت الخيار متى تأخر حيضها عن عادة أمثالها في تلك البلاد من غير تقييد
بالستة الأشهر كان حسنا.
ويظهر من ابن إدريس على ما نقله عنه في المسالك نفى
الحكم رأسا ، وإنكار كون عدم الحيض عيبا ، والرواية به صريحة في رده كما عرفت.
ثم ان ما دل عليه الخبر ، من جواز الرد بعد ستة أشهر مما
لا اشكال فيه إذا لم يتصرف تصرفا موجبا لسقوط الخيار كما تقدم ، وأما مع التصرف
فظاهر الخبر كونه كذلك أيضا ، فإن عدم التفصيل دليل على العموم ، في أمثال هذا
المقام ، ويؤيده أن العادة قاضية بأنه لا تمضى على المملوك قدر هذه المدة من غير
تصرف ، بأن يأمره مولاه افعل كذا وافعل كذا من الأغراض والمطالب التي تتعلق غرض
السيد بها وهو مشكل ، لقيام الأدلة كما عرفت سابقا على أن التصرف مسقط للخيار ، الا
أن يقال :
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 213.
باستثناء هذا العيب للرواية المذكورة.
العاشر ـ قد صرح الأصحاب وبه نطقت الأخبار بأنه يرد
المملوك من أحداث السنة ، بمعنى أن هذه الأمراض إذا حدثت ما بين الوقت البيع الى
تمام السنة كان للمشتري رد المملوك بها ، وان لم يكن الرد في السنة ، لأن خيار
العيب ليس على الفور.
ويؤيده رواية أسباط الاتية ، وعدها بعضهم بالجنون
والجذام والبرص ، وزاد بعض القرن ، والذي وقفت عليه من الاخبار هنا صحيحة أبي همام
(1) المتقدمة
قريبا في المسألة السادسة ، وقد تضمنت الثلاثة المتقدمة.
ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن على (2) وهو مجهول ،
وان احتمل بعض مشايخنا كونه الحلبي قال : «سمعت الرضا ـ (عليهالسلام) يقول : يرد
المملوك من أحداث السنة من الجنون والجذام والبرص والقرن ، قال : فقلت : وكيف يرد
من أحداث السنة؟ قال : فقال : هذا أول السنة ـ يعني المحرم ـ فإذا اشتريت مملوكا
فحدث فيه من هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة رددته على صاحبه».
وما رواه ثقة الإسلام في الكافي (3) والشيخ في
التهذيب (4) عن ابن فضال
عن أبى الحسن الرضا (عليهالسلام) «أنه قال :
ترد الجارية من أربع خصال : من الجنون والجذام والبرص والقرن والحدبة» كذا في
التهذيب ، وفي الكافي ـ والقرن الحدبة الا أنها تكون في الصدر تدخل الظهر وتخرج
الصدر».
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 63.
(2) التهذيب ج 7 ص 64.
(3) الكافي ج 5 ص 216.
(4) التهذيب ج 7 ص 64.
وما رواه في الكافي عن على بن أسباط عن أبى الحسن الرضا (عليهالسلام) قال : «سمعته
يقول : الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري ، وفي غير الحيوان أن يتفرقا واحداث
السنة ترد بعد السنة ، قلت : وما أحداث السنة؟ قال الجنون والجذام والبرص والقرن ،
فمن اشترى فحدث فيه هذه الأحداث فالحكم أن يرد صاحبه الى تمام السنة من يوم اشتراه».
وما رواه الصدوق في كتاب الخصال في الموثق عن ابن فضال (1) عن أبى الحسن (عليهالسلام) قال : «في
أربعة أشياء خيار سنة ، الجنون والجذام والبرص والقرن». وأكثر هذه الاخبار قد
اشتمل على هذه الأربعة ، فيجب حمل ما عداها عليها.
بقي الكلام هنا في مواضع : الأول ـ ذكر الحدبة في رواية
ابن فضال على تقدير رواية الكافي الظاهر أنه تفسير للقرن ، وهو خلاف المعروف ، لان
القرن كما هو المشهور بين الفقهاء واللغويين هو شيء كالسن يكون في باطن الفرج
يمنع من الجماع ، وعلى تقدير رواية التهذيب يكون معطوفة على الأربع المذكورة ، وهو
بعيد أيضا ، لخلو الأخبار المذكورة في المسألة عن ذلك : سيما مع اختلاف الكتابين
في ذلك.
وقيل : ان المراد به أن القرن والحدبة يشتر كان في
كونهما بمعنى النسق ، لكن أحدهما في الفرج والأخر في الصدر ، ولا يخفى ما فيه ،
وبالجملة فإنه يشكل الاعتماد على هذه الرواية في عد الحدبة.
الثاني ظاهر المحقق الأردبيلي هنا الاستشكال في عد القرن
في جملة هذه العيوب ، لعدم عده في صحيحة أبي همام المقطوع بصحتها ، وعدم ظهور
القول به.
وأنت خبير بما فيه ، فان روايات المسألة كلها عدا
الصحيحة المذكورة قد اشتملت عليه ، ورد هذه الاخبار كلها باعتبار خلو تلك الرواية
عنه مع إمكان تقييدها
__________________
(1) الوسائل الباب ـ 2 ـ من أبواب أحكام العيوب الرقم ـ 7.
بهذه الاخبار بعيد ، فإن غاية الأمر
أنها مطلقة ، لا أن فيها ما يدل على نفيه ، لتحصل المخالفة الموجبة لترجيحها
لصحتها ، بناء على هذا الاصطلاح الذي بنى عليه.
وأما قوله لعدم ظهور القول به ، فان فيه أن الشهيد في
الدروس قد عده في جملة هذه الأربعة ، بل قال في المسالك والمشهور ثبوت الحكم
للأربعة المذكورة في رواية على بن أسباط ، مع أن منها القرن كما عرفت.
ثم ان المحقق المذكور استشكل أيضا في عد البرص هنا ،
لورود أن العهدة فيه ثلاثة أيام في حسنة عبد الله بن سنان ، (1) وهي ما رواه
عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : عهدة
البيع في الرقيق ثلاثة أيام ان كان بها خبل أو برص أو نحو هذا ، وعهدته السنة من
الجنون فما بعد السنة فليس بشيء».
وأقول : والاشكال هنا ظاهر ، الا أن الأظهر هو العمل
بهذه الأخبار الكثيرة التي فيها الصحيح باصطلاحهم ، سيما مع اعتضادها باتفاق
الأصحاب على عد البرص منها ، ويحتمل وان بعد ان لفظ البرص في الحسنة المذكورة
تحريف «مرض» من بعض الرواة ، فإن قرب التحريف بين أحد هذين اللفظين إلى الأخر مما
لا ينكر.
الثالث ـ ظاهر هذه الاخبار الرد في المدة المذكورة وان
تصرف ، إذ يبعد كل البعد أن يشترى الإنسان مملوكا ويبقى مدة سنة لا يأمره بفعل ولا
يكلفه بشيء يوجب التصرف ، مع ما علم علما يقينا من أن اشتراء المماليك انما هو
للخدمة والانتفاع بهم في وجوه المنافع المترتبة عليهم ، والمفهوم من كلام الأصحاب
هنا تقييد الخيار في هذه المدة بعدم التصرف ، فلو تصرف فليس له الأرش عملا
بالقاعدة المتقدمة في العيب (2).
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 172.
(2) قال في الدروس بعد عد الأربعة المذكورة ، وهذه الأربعة يرد
بها الرق ، ولو تجددت ما بين العقد والسنة ما لم يتصرف والا فالأرش. انتهى ونحوه
العلامة في القواعد والإرشاد وغيرهما منه رحمهالله.
وأنت خبير بما فيه من البعد ، بالنظر الى ظواهر هذه
الاخبار ، بالتقريب الذي ذكرناه ، وليس في شيء من هذه الاخبار إشارة فضلا عن
التصريح الى التقييد بعدم التصرف ، ضمن هذه المدة المذكورة ، وحينئذ فلا يبعد
استثناء هذه العيوب من قاعدة عدم جواز الرد مع التصرف ، وليس تقييد هذه الاخبار
بعدم التصرف كما هو ظاهر كلامهم بأولى من تقييد الأردبيلي تلك بعدم هذه العيوب
والى ما ذكرنا يميل كلام المحقق الأردبيلي قدسسره.
الرابع ـ قد استشكل شيخنا الشهيد الثاني هنا في حكم
الجذام ، حيث قال بعد أن ذكر أن المشهور ثبوت الحكم للأربعة : ولكن يبقى في حكم
الجذام إشكال ، فإنه يوجب العتق على المالك قهرا كما سيأتي ، وحينئذ فإن كان حدوثه
في السنة دليلا على تقدمه على البيع ، لما قيل في تعليل الرد بهذه الأحداث : ان
وجودها في السنة دليل على حدوثها قبل البيع ، لأنها تكن في البدن سنة ، ثم تخرج ،
فيكون عتقه على البائع ، فيكشف ظهوره عن بطلان البيع ، فلا يتجه الخيار.
وان حمل على الظاهر كان حدوثه في ملك المشترى موجبا
لعتقه قبل أن يختار الفسخ ، إذ ليس له اختيار حتى يتحققه ، ومتى تحققه حكم بعتقه
شرعا قبل الفسخ فيشكل جوازه بعد العتق ، وقد تقدم نظيره.
ويمكن حله بان الحكم بعتقه بالجذام مشروط بالفعل ، كما
هو ظاهر النص ، ولا يكتفى بوجوده في نفس الأمر ، فلا يعتق على البائع قبل بيعه ،
لعدم ظهوره ، ولا بعده قبل الفسخ ، لعدم ملكه ، وعتقه على المشترى موقوف أيضا على
ظهوره ، وهو متأخر عن سبب الخيار ، فيكون السابق مقدما ، فيتخير ، فان فسخ عتق على
البائع بعده ، وان اختار الإمضاء عتق على المشترى بعده ، فينبغي تأمل ذلك. انتهى.
أقول : ما ذكره (قدسسره) في تعليل عدم
انعتاقه على البائع جيد لما ذكره ، وانما الإشكال فيما ذكره من عدم عتقه على
المشترى ، وتعليله ذلك بأن انعتاقه على المشترى موقوف على ظهوره ، وهو متأخر عن
سبب الخيار ، فانى لا أعرف له
وجها وجيها ، إذ لا يخفى أن سبب
الخيار انما هو ظهور هذه العيوب المذكورة ، كما تنادي به الاخبار المتقدمة (1) ولا أعرف له
سببا غير الظهور ، فكيف يتم قوله ، ان الظهور متأخر عن سبب الخيار ، ويترتب على
ذلك ما ذكره من حصول الخيار له ، لتقدم سببه على سبب العتق ، وبالجملة فإني لا
أعرف لما ذكره (قدسسره) وجها ولعله
لضعف فهمي القاصر.
ويمكن أن يجاب بأن الانعتاق بالجذام ونحوه ، انما هو في
الملك المستقر الذي لا يتعقبه خيار ولا فسخ ، وما نحن فيه ليس كذلك ، فإنه مراعى
بمضي السنة سالما من العيوب المذكورة ، إذ مع ظهورها في هذه المدة فله رده ، فهو
غير مستقر ، وملخص البحث أن هذه الروايات مع كثرتها وصحة بعضها صريحة في الرد بهذه
العيوب التي من جملتها الجذام ، وقد اتفقت على الرد به ، على أن ما ذكروه من
الخيار في الصورة المذكورة سيأتي إنشاء الله تعالى في المقام ما فيه.
ما روى في الانعتاق بالجذام انما هو رواية السكوني (2) وان كان
ظاهرهم الاتفاق على القول بها ، وهي تضعف عن معارضة هذه الاخبار لو ثبتت المعارضة
والمنافاة ، فالواجب هو العمل بهذه الاخبار وحمل رواية السكوني على استقرار الملك.
__________________
(1) لقوله (عليهالسلام) في بعضها «فإذا اشتريت مملوكا فحدث
فيه من هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة رددته». وفي آخر «فمن اشترى فحدث فيه هذه
الأحداث فالحكم أن يرده على صاحبه الى تمام السنة». وهي كما ترى ظاهرة في أن سبب
الرد هو ظهور شيء من ذلك كما ذكرناه منه رحمهالله.
(2) الكافي ج 6 ص 189 الفقيه ج 3 ص 84 الوسائل الباب 23 من
أبواب العتق الرقم 2.
وبذلك يظهر ما في قوله تفريعا على ما قدمه ، فان فسخ عتق
على البائع بعده ، وان اختار الإمضاء عتق على المشترى بعده ، وأين هذا التفصيل من
ظاهر الاخبار المذكورة ، وهي انما تضمنت الرد بظهور أحد هذه العيوب خاصة ،
وبالجملة فالمسألة غير خالية عن شوب الاشكال.
الخامس ـ ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو أنه بظهور
أحد هذه العيوب ضمن السنة فإنه يتخير بين الرد والأخذ بالأرش ، كما هو قضية خيار
العيب ، والروايات المذكورة على كثرتها انما تضمنت للرد خاصة ، وهي موافقة
للروايات التي قدمناها في خيار العيب حيث انها تضمنت الرد خاصة ، وأما الأرش فإنما
هو في صورة التصرف المانع من الرد.
ويظهر من التحقق الأردبيلي (قدسسره) الموافقة لنا
هنا ـ فيما فهمناه من أخبار المسألة حيث قال هنا في تقييد المصنف الرد بعدم التصرف
ومعه الأرش خاصة ـ ما لفظه : وأما انه إذا تصرف فليس له الا الأرش فلا يجوز الرد ،
وقبله كان مخيرا ، فلما تقدم وثبت عندهم ان الرد يسقط مع التصرف في العيب مطلقا
دون الأرش ، إلا ما استثنى ، وليس هذا منه.
وقد مر الإشارة الى أنى ما رأيت دليلا صحيحا صريحا في
التخيير مطلقا ، ولكن يظهر عدم الخلاف منهم ، وهم أعرف. انتهى.
وأشار بقوله وقد مر الإشارة الى آخره الى ما ذكره سابقا
في خيار العيب من المناقشة في عدم دليل يدل على الخيار بين الرد والقبول مع الأرش
بعد ظهور العيب ، وعدم وجوب شيء من مسقطات الخيار.
حيث قال ـ بعد المناقشة لهم في المقام بما يطول به الكلام
ـ ما لفظه : نعم يوجد في الاخبار ما يدل على الرد بالعيب قبل الحدث ، والتصرف
والأرش بعده ، مع عدم البراءة من العيوب. انتهى.
وهو جيد كما أسلفناه ذكره ثمة ، إلا أنك قد عرفت مما
قدمنا في خيار العيب
دلالة ظاهر عبارة كتاب الفقه الرضوي (1) على ما ذكره
الأصحاب ، فلعلها كانت هي المستند ، وان غفل عنها المتأخرون ، لعدم وصول الكتاب
إليهم ، وقد ذكرنا في غير موضع من كتب العبادات نظائر لذلك تدفع الاستبعاد.
وأنت خبير بان هذا الكلام وان كان الأنسب به بحث خيار
العيب ، إلا انا لم نقف عليه في كلام المحقق المذكور الا بعد الوصول الى هذا
المكان ، فذكرناه هنا مؤيدا لما فهمناه من الاخبار الواردة في المسألة ما سبق ،
وما هنا ، والله العالم.
الحادي عشر ـ إذا حدث في الحيوان عيب بعد القبض من غير
جهة المشترى ، وقبل انقضاء الثلاثة ، فالأقرب أنه يجتمع الخياران للمشتري ، وان
بقي خيار العيب بعد الثلاثة ، إذ لا يتقيد خيار العيب بالثلاثة.
والمنقول عن المحقق ـ في الدرس على ما نقله في الدروس ـ أنه
ليس له الرد إلا بأصل الخيار ، لا بالعيب ، ويشير اليه قوله ـ في الشرائع ، ـ وما
يحدث في ـ الحيوان بعد القبض وقبل انقضاء الخيار ، فلا يمنع الرد في الثلاثة (2).
قال في المسالك : المفهوم من قوله لا يمنع الرد وجعل
الثلاثة ظرفا له ، ـ أن الرد بخيار الثلاثة لا بهذا العيب الحادث ، ووجه عدم منعه
من ذلك ظاهر ، لان العيب الحادث في الثلاثة من غير جهة المشتري مضمون على البائع
كالعيب السابق ، فلا يكون مؤثرا في رفع الخيار ، وهذا هو المنقول من مذهب المصنف
__________________
(1) ص 64.
(2) قال في الدروس ولو حدث في المبيع عيب غير مضمون على
المشترى لم يمنع من الرد ، وان كان قبل القبض أو في مدة خيار المشترى المشروط أو
الأصل فله الرد ما دام الخيار ، ولو خرج الخيار ففي الرد خلاف بين ابن نما وتلميذه
المحقق ، فجوزه ابن نما ، لانه من ضمان البائع ، ومنعه المحقق ، لان الرد لمكان
الخيار ، وقد زال. انتهى والناقل ذلك ـ في الدرس ـ الشهيد (رحمهالله) ـ في اللمعة ، منه رحمهالله.
في المسألة ، (1) والمنقول عن
ابن نما وهو شيخ المحقق أن الخيار في المسألة المذكورة بالعيب الحادث بالتقريب
المذكور آنفا ، وهو كون هذا العيب الحادث كالعيب السابق مضمونا على البائع ، فكما
يتخير المشترى ، بالسابق يتخير بهذا أيضا بين الرد والأخذ بالأرش.
وتظهر فائدة الخلاف في ثبوت الخيار بعد تمام الثلاثة
وعدمه ، فعلى الأول يرتفع ، دون الثاني ، لما عرفت من ان خيار العيب لا يتقيد
بالثلاثة ، وغاية ما يلزم حصول الخيار في الثلاثة بعلتين من العيب ، وكون المبيع
حيوانا ، وهو غير مانع ، فان علل الشرع ليست عللا حقيقية يمتنع اجتماعهما ، وانما
هي معرفات كما في اجتماع خيار المجلس والحيوان ، والشرط والغبن والعيب ، فإنه يمكن
اجتماعها على عين واحدة.
وكذا تظهر الفائدة هنا فيما لو شرط إسقاط بعضها ، فلو
أسقط الخيار الأصلي أو المشترط فله الرد بالعيب على قول ابن نما دون قول المحقق ،
قال في المسالك : وقول ابن نما هنا أوجه.
وقال في الروضة والأقوى التخيير بين الرد والأرش
كالمتقدم ، لاشتراكهما
__________________
(1) أقول : ويزيده إيضاحا أنه قد منع في هذا الموضع أنه ليس له
الرد الا بالخيار دون العيب ، مع أنه صرح في الشرائع بأن الحدث الموجب لنقص
الحيوان في الثلاثة من مال البائع وكذا التلف مع حكمه بعد ذلك بلا فصل بعدم الأرش
فيه ، وهذا مما ينافي كلامه المتقدم ، فان مقتضاه إسقاط ما يترتب على العيب
بالكلية ، وهذا الكلام يقتضي أنه بالعيب والتلف مضمون على البائع ، كالجملة ، لزم
منه الحكم بالأرش ، إذ لا معنى لكون الجزء مضمونا الا ثبوت أرشه ، لأن الأرش عوض
الجزء الفائت أو التخيير بينه وبين الرد كما أن ضمان الجملة يقتضي الرجوع بمجموع
عوضها ، وهو الثمن. منه رحمهالله.
في ضمان البائع وعدم المانعية من الرد
، وهو المنقول عن شيخه نجيب الدين ابن نما. انتهى.
ومنه يعلم وجه الا وجهية الذي ذكره في المسالك.
ثم ان ظاهر عبارة القواعد هنا الموافقة لما ذكره المحقق
، حيث قال : وكل عيب يحدث في الحيوان بعد القبض وقبل انقضاء الخيار فإنه لا يمنع
الرد في الثلاثة قال المحقق الشيخ على : والخيار الواقع في العبارة يراد به خيار
الحيوان ، وكذا كل خيار مختص بالمشتري انتهى. ولم ينقل هنا في المسألة خلافا ،
ولعله لعدم الوقوف على ما نقل عن ابن نما هنا.
الثانية عشر ـ عد العلامة في القواعد العيوب في هذا
المقام ، فقال : وحقيقته ـ يعنى العيب ـ هو الخروج عن المجرى الطبيعي ، لزيادة أو
نقصان موجب لنقص المالية ، كالجنون ، والجذام ، والبرص ، والعمى ، والعور ، والعرج
، والقرن ، والفتق ، والرتق ، والقرع ، والصمم ، والخرس ، وأنواع المرض سواء استمر
، كما في الممراض ، أولا كالعارض ولو حمى يوم ، والإصبع الزائدة ، والحول ، والخوص
، والسبل ، وهو زيادة في الأجفان ، والتخنيث ، وكونه خنثى. والجب والخصاء وان زادت
بهما قيمته ، وبول الكبير في الفراش ، والإباق ، وانقطاع الحيض ستة أشهر وهي في سن
من تحيض ، والثفل الخارج عن العادة في الزيت أو البزر ، واعتياد الزنا والسرقة ،
والبخر والضناء (1) الذي لا يقبل
العلاج ، وكون الضيعة منزل الجنود ، وثقيل الخراج ، واستحقاق القتل بالردة أو
القصاص ، والقطع بالسرقة أو الجناية ، والاستسعاء في الدين ، وعدم الختان في
الكبير دون الصغير والأمة ، والمجلوب من بلاد الشرك مع علم المشترى بجلبه.
__________________
(1) قال في مصباح المنير : ضني من باب تعب مرض مرضا ملازما حتى
أشرف على الموت فهو ضن بالنقص ، والضناء بالفتح والمد اسم منه على آخوندى.
والثيوبة ليست عيبا ، ولا الصيام ولا الإحرام ، ولا
الاعتداد ، ولا التزويج ولا معرفة الغناء والنوح ، ولا العسر على اشكال ، ولا
الكفر ، ولا كونه ولد زنا وان كان جارية ، ولا عدم المعرفة بالطبخ أو الخبز ، وغيرهما
، انتهى.
وزاد في الدروس الحدب في الظهر والصدر ، والسلع ، وعدم
شعر الركب قال : وهي قضية ابن أبى ليلى مع محمد بن مسلم ، والحبل في الأمة ، دون
الدابة ، والخيانة ، والحمق البين ، وشرب المسكر ، والنجاسة في غير قابل التطهير ،
أو فيه إذا احتاج زوالها الى مؤنة واقتضى نقصا في المبيع ، وكونه لزنية ، وكونه
أعس على الأقرب.
ثم قال : أما الكفر والغناء وعدم معرفة الصنائع ، وكونه
محرما أو صائما ، أو حجاما أو حائكا فليس بعيب ، ثم قوى كون الكفر عيبا ، وفاقا
لابن الجنيد والشيخ في أحد قوليه.
ونقل في الدروس عن الشيخ أنه لم يجعل البخر في الرقيق ،
ولا بول الكبير في الفراش ولا الزنا عيبا ، وكذا عدم الختان مطلقا.
أقول : والمراد بالخروج عن المجرى الطبيعي : أي كل ما
يزيد أو ينقص عن أصل الخلقة التي خلق عليها أكثر ذلك النوع وأغلبه ، وفي اندراج
ثقيل الخراج ومنزل الجنود الذي عده هنا في ذلك محل اشكال ، لاختصاص ما ذكره
بالحيوان الا أن يراد بعبارته ما هو أعم مما ذكر ، ومما جرى به العادة الغالبة ،
ليكون على نهج مقتضى الطبيعة.
ثم ان في تقييده بكونه موجبا لنقص المالية كما ذكره في
التذكرة أيضا إشكال لانتقاض ذلك بالخنثى والمجبوب وعدم الشعر على العانة فإنها
عيوب ، مع أنها موجبة لزيادة المالية ، فكان الأظهر أن يقيد العبارة بقوله غالبا ،
ولهذا ان جملة من الأصحاب لم يذكروا هذا القيد ، كالمحقق في الشرائع ، وهو (قدسسره) في القواعد
وغيره ، ومن ثم استشكل جملة منهم في الأرش في هذه العيوب الثلاثة ،
حيث أن العلة في الأرش النقصان ، وهو
منتف هنا.
والقرن ـ في نهاية ابن الأثير ـ بسكون الراء : شيء يكون
في فرج المرأة كالسن يمنع من الوطي ، ويقال له : العفل ، وفي كتاب الجمهرة لابن
دريد بالتحريك قال : وامرأة قرناء ، وهي التي يظهر قرنة رحمها من فرجها ، وهو عيب ،
والاسم القرن ، وضبطها ضبطا معتمدا محركة.
والفتق : بالتحريك على ما ذكره في النهاية قال : الفتق
بالتحريك انفتاق المثانة ، وقيل : انفتاق الصفاق إذا دخل في فراق البطن ، وقيل هو
أن ينقطع اللحم الذي على الأنثيين.
قال بعض المحققين : وضبطه في الغريبين بالتحريك أيضا ،
قال : هكذا أقرأنيه الأزهري ، وعلى حاشية الفائق بخط بعض الأفاضل ان هذا وهم
وافتراء على الأزهري ، وأنه وجد بخطه بالإسكان وعليه صح انتهى.
والرتق : على ما ذكره جملة من أهل اللغة بالتحريك ـ هو
أن يكون الفرج ملتحما ليس فيه للذكر مدخل ، ورتقت المرأة رتقا من باب تعب ، فهي
رتقاء إذا انسد مدخل الذكر من فرجها ، فلا يستطاع جماعها.
والقرع : بالتحريك قال في الجمهرة : وقرع رأس الإنسان
يقرع : إذا انحات شعره. الذكر أقرع ، والمرأة قرعاء.
والحرض (1) : قال في كتاب المصباح المنير : حرض
حرضا من باب تعب أشرف على الهلاك فهو حرض تسميه بالمصدر مبالغة.
والحول قال في القاموس : الحول محركة ظهور البياض في
مواخر العين ، ويكون السواد من قبل الماق ، أو إقبال الحدقة على الأنف ، أو ذهاب
حدقتها قبل
__________________
(1) لم يذكر هذا في صدر المسألة في كلام العلامة ، وكأنه سقط
هناك من النسخ التي عندنا والله اعلم. منه رحمهالله.
مؤخرها ، أو أن تكون العين كأنما تنظر
الى الحجاج ، أو ان تميل الحدقة إلى اللحاظ وفي كتاب الجمهرة حول الرجل حولا إذا
كان أحد سواد عينيه في موقه ، والأخر في لحاظه. وفي كتاب مجمع البحرين : ورجل أحول
العين وحولت عينه ، واحولت ايضا بالتشديد.
والخوص بالخاء المعجمة والصاد المهملة ، قال في كتاب
مصباح المنير : (الخوص) مصدر من باب تعب ، وهو ضيق العين وغورها ، وفي القاموس
الخوص بالخاء المعجمة. محركة غؤور العينين ، حوص كفرح فهو أخوص ، وبالمهملة محركة
: ضيق في مؤخر العين أو في إحداهما. حوص كفرح فهو أحوص.
والسبل : وقد فسره المصنف بأنه زيادة في الأجفان ، وقال
في القاموس والسبل غشاوة العين من انتفاخ عروقها الظاهرة في سطح الملتحمة ، وظهور
انتساج شيء فيما بينهما كالدخان.
والتخنيث : أى كونه مخنثا ممكنا من نفسه ، وهو من أقبح
العيوب.
والجب : قال في القاموس : الجب القطع كالجباب ،
والاجتباب واستئصال الخصية.
والخصاء قال في القاموس : وخصاه خصا سل خصيتيه ، فهو خصى
ومخصي ، وفي الصحاح : خصيت الفحل خصاء ممدودا إذا سللت خصيتيه.
والسلعة : قال في كتاب المصباح المنير : السلعة خراج
كهيئة الغدة يتحرك بالتحريك ، قال الأطباء : هي ورم غليظ غير ملتزق باللحم ، يتحرك
عند تحريكه ، ولها غلاف وتقبل التزايد ، لأنها خارجة عن اللحم. ولهذا قال الفقهاء
: يجوز قطعها عند الأمن. انتهى.
والعس والاعس : هو قوة اليد اليسرى على ما تقوى عليه
اليمنى مع ضعف اليمنى ، ووجه الإشكال في كلام العلامة المشار إليه بالأقربية في
عبارة الدروس ،
من أن المطلوب من المنافع حاصل ، ومن
خروجه عن المجرى الطبيعي الذي تضمنته رواية محمد بن مسلم ، ووجه الأقربية التي
ذكرها في الدروس ظاهر لدخوله تحت الرواية المذكورة.
أقول : والأصل في هذه المسألة قول النبي (صلىاللهعليهوآله) في رواية
محمد بن مسلم المتقدمة في خيار العيب (1) «كلما كان في
أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب». مضافا الى ما ورد في النكاح من ذكر بعض هذه
العيوب الا انه يشكل الحكم في كثير مما عدوه هنا مع عدم دخوله تحت الكلية المذكورة
، سيما مع كون بعضه عيبا في العرف مثل المخنث ، وما ذكر من حكم الضيعة في كلام
العلامة ، ومن ثم اعترض بعضهم على عد الكفر عيبا بأنه ليس خروجا عن المجرى الطبيعي
، الا أن يقال : ان قوله (عليهالسلام) (2) «كل مولود يولد
على الفطرة». قد يدل على خروجه عنه ، وفيه ما لا يخفى.
وبالجملة فالمسألة في جملة من الموارد لا تخلو من
الاشكال ، لعدم الدليل العام الشامل لجميع ما ذكروه ، وما ذكره هنا في عبارة
القواعد من تقييد الزنا والسرقة بالاعتياد ، خلاف ما صرح به في التذكرة والتحرير ،
فإنه صرح بالحكمين خاليا من قيد الاعتياد ، وهو الذي صرح به في الدروس ايضا.
قال المحقق الشيخ على (رحمهالله) في شرح
الكتاب : وظني أن الاعتياد غير شرط ، لأن الإقدام على القبيح مرة يوجب الجرأة ،
ولترتب وجوب الحد الذي لا يؤمن معه الهلاك عليها ، ثم قال : فعلى هذا يكون شرب
الخمر عيبا ، ومال في التذكرة إلى عدمه.
أقول : وفي اندراج الزنا والسرقة تحت كلية العيوب
المذكورة في الخبر
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 65 ح 26.
(2) البحار ج 3 ص 279.
اشكال ، لما عرفت ، مع أنهما عيب عرفا
، ثم قال المحقق المذكور على اثر الكلام المتقدم : ولو حصلت التوبة الخالصة
المعلوم صدقها بالقرائن القوية في هذه المواضع بعد تحقق العيب ، ففي زوال الحكم
نظر ، انتهى.
أقول : الظاهر أنه لا إشكال في زوال الحكم ، لتصريح
الاخبار (1) «بأن التائب من
الذنب كمن لا ذنب له». سيما إذا كانت توبة نصوحا كما فرضه ، وكيف لا وبالتوبة
النصوح يزول الفسق ، وتثبت العدالة الموجبة للأمانة ، وقبول الشهادة ، وأى عيب
يبقى حينئذ بعد ذلك ، حتى أنه (قدسسره) تنظر في زوال
العيب.
وما اختاره في كفارات القواعد من أن التولد من الزنا ليس
عيبا هو أحد القولين ، وفي الدروس اختار كونه عيبا ، واحتمل في حواشي القواعد كونه
عيبا لحصول النقص في نسب الولد.
وفيه أولا أن هذا ليس فيه خروج عن المجرى الطبيعي الذي
بنوه عليه ثبوت العيب ، وثانيا أن المقصود من الجارية ، المالية لا الاستيلاد ،
نظير ما صرحوا به في المتعة.
الثالثة عشر ـ المعروف من مذهب الأصحاب ـ من غير خلاف
يعرف ـ انه إذا علم بالعيب ولم يرد لم يبطل خياره ، ولو تطاولت المدة. نعم جعله في
التذكرة أقرب ، وربما أشعر ذلك بخلاف في المسألة ، الا أنه لم ينقل ، ويحتمل كون
ذلك في مقام الرد على الشافعي ، حيث نقل عنه الفورية في هذا الخيار ، قال : في
المسالك وهو محتمل ان لم يثبت الإجماع بالتقريب السابق في نظائره ، انتهى.
ولا فرق عندهم بين أن يكون الغريم حاضرا أو غائبا ،
خلافا لأبي حنيفة حيث شرط حضور الغريم في جواز الفسخ.
__________________
(1) الوسائل الباب ـ 86 من أبواب جهاد النفس الرقم ـ 8 ـ 14.