ج11 - صلاة الجماعة

المقصد الثاني

في صلاة الجماعة

وفضلها عظيم وثوابها جسيم وقد ورد فيها عنهم (عليهم‌السلام) من ضروب التأكيدات ما كاد يلحقها بالواجبات :

روى الشيخ عن عبد الله بن ابى يعفور عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «هم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بإحراق قوم في منازلهم كانوا يصلون في منازلهم ولا يصلون الجماعة ، فأتاه رجل أعمى فقال يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انى ضرير البصر وربما اسمع النداء ولا أجد من يقودني إلى الجماعة والصلاة معك؟ فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شد من منزلك الى المسجد حبلا واحضر الجماعة».

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «سمعته

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 2 من صلاة الجماعة.


يقول : ان أناسا كانوا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ابطأوا عن الصلاة في المسجد فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد ان نأمر بحطب فيوضع على أبوابهم فتوقد عليهم نار فتحرق عليهم بيوتهم».

وروى في الفقيه مرسلا (1) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لقوم : لتحضرن المسجد أو لأحرقن عليكم منازلكم».

وروى الشيخ بسند معتبر عن عبد الله بن ابى يعفور عن ابى عبد الله عليه‌السلام في حديث العدالة الطويل المتقدم في باب صلاة الجمعة (2) قال عليه‌السلام : «والساتر لجميع عيوبه ـ حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وغيبته ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس ـ التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهم وحافظ على مواقيتهن بحضور جماعة المسلمين وان لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلا من علة ، وذلك ان الصلاة ستر وكفارة للذنوب ولولا ذلك لم يكن لأحد أن يشهد على أحد بالصلاح. لان من لم يصل فلا صلاح له بين المسلمين لان الحكم جرى فيه من الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالحرق في جوف بيته ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا صلاة لمن لا يصلى في المسجد مع المسلمين إلا من علة. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا غيبة إلا لمن صلى في بيته ورغب عن جماعتنا ، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجبت على المسلمين غيبته وسقطت بينهم عدالته ووجب هجرانه ، وإذا رفع الى امام المسلمين أنذره وحذره فان حضر جماعة المسلمين وإلا أحرق عليه بيته.».

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح (3) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام الصلاة في جماعة تفضل على صلاة الفذ بأربع وعشرين درجة». أقول : الفذ بالفاء والذال المعجمة : الفرد.

__________________

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الجماعة.

(2) ج 10 ص 25.

(3) الوسائل الباب 1 من صلاة الجماعة. وفي التهذيب باب فضل الجماعة «الفرد» نعم في الوافي باب فضل الجماعة كما هنا ، واللفظ في الجميع هكذا «تفضل على كل صلاة.».


وعن زرارة في الحسن (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما يروى الناس ان الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين صلاة؟ فقال صدقوا. فقلت الرجلان يكونان جماعة؟ فقال نعم ويقوم الرجل عن يمين الامام».

وفي كتاب المجالس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (2) «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة».

وقال الصدوق : قال ابى (قدس‌سره) في رسالته الى (3) صلاة الرجل في جماعة تفضل على صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين درجة في الجنة.

وقال عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (4) «وصلاة واحدة في جماعة بخمس وعشرين صلاة من غير جماعة ، وترفع له في الجنة خمس وعشرون درجة».

وروى في كتاب المجالس في خبر الأعمش (5) قال : «قال الصادق عليه‌السلام فضل الجماعة على الفرد بأربع وعشرين». ونحوه في كتاب العيون (6) في ما كتبه الرضا عليه‌السلام للمأمون.

أقول : ما دل من هذه الأخبار على أربع وعشرين درجة فالمراد به بيان الفضل الذي به يحصل الزيادة وما دل على خمس وعشرين فالمراد به التفضل مع إضافة الأصل.

وعن محمد بن عمارة (7) قال : «أرسلت الى ابى الحسن الرضا عليه‌السلام أسأله عن الرجل يصلى المكتوبة وحده في مسجد الكوفة أفضل أو صلاته في جماعة؟ فقال

__________________

(1) الوسائل الباب 1 و 4 من صلاة الجماعة.

(2) لم نقف على رواية المجالس عن النبي «ص» بهذا المضمون ، نعم في الوسائل الباب 1 من صلاة الجماعة عن الخصال عن النبي «ص» اللفظ المذكور ، وقد نقله في البحار ج 18 الصلاة ص 613 عن الخصال.

(3) الفقيه ج 1 ص 245 وليس فيه نسبة الى أبيه.

(4) ص 14.

(5) البحار ج 18 الصلاة 613 عن الخصال.

(6) الوسائل الباب 1 من صلاة الجماعة.

(7) الوسائل الباب 33 من أحكام المساجد.


الصلاة في جماعة أفضل».

قيل : ويستفاد من هذه الرواية ان الصلاة في جماعة أفضل من ألف صلاة ، لأن الصلاة في مسجد الكوفة أفضل من ألف صلاة على ما دل عليه بعض الروايات.

أقول : ما ذكره جيد إلا انه قد روى ابن قولويه في كتاب كامل الزيارات قال حدثني أبو عبد الرحمن محمد بن احمد بن الحسين العسكري عن الحسن بن على بن مهزيار عن أبيه عن الحسن بن سعيد عن محمد بن سنان (1) قال : «سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : الصلاة في مسجد الكوفة فردا أفضل من سبعين صلاة في غيره جماعة». وهو كما ترى ظاهر المنافاة للخبر الأول ، ولا يحضرني الآن وجه جمع بينهما.

وروى الشيخ في الصحيح أو الحسن عن زرارة والفضيل (2) قالا : «قلنا له الصلاة في جماعة فريضة هي؟ فقال الصلاة فريضة وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها ولكنها سنة من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علة فلا صلاة له».

وروى الكليني والشيخ عنه بإسنادين أحدهما من الصحاح أو الحسان عن زرارة (3) قال : «كنت جالسا عند ابى جعفر عليه‌السلام ذات يوم إذ جاءه رجل فدخل عليه فقال له جعلت فداك انى رجل جار مسجد لقومي فإذا انا لم أصل معهم ووقعوا في وقالوا هو كذا وكذا؟ فقال اما لئن قلت ذلك لقد قال أمير المؤمنين عليه‌السلام من سمع النداء فلم يجبه من غير علة فلا صلاة له. فخرج الرجل فقال له لا تدع الصلاة معهم وخلف كل امام. فلما خرج قلت له جعلت فداك كبر على قولك لهذا الرجل حين استفتاك فان لم يكونوا مؤمنين؟ قال فضحك عليه‌السلام فقال ما أراك بعد إلا ههنا يا زرارة فأي علة تريد من أنه لا يؤتم به؟ ثم قال يا زرارة أما تراني قلت صلوا في

__________________

(1) الوسائل الباب 33 من أحكام المساجد.

(2) الوسائل الباب 1 من صلاة الجماعة.

(3) الوسائل الباب 5 من صلاة الجماعة.


مساجدكم وصلوا مع أئمتكم». قال في الوافي في ذيل هذا الخبر : لعله عليه‌السلام اتقى الرجل أن يروى ذلك عنه عليه‌السلام وصرح بالحق مع زرارة.

وروى الصدوق في المجالس وفي ثواب الأعمال والبرقي في المحاسن بأسانيدهم عن ميمون القداح عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) (1) قال : «اشترط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على جيران المسجد شهود الصلاة وقال لينتهين أقوام لا يشهدون الصلاة أو لآمرن مؤذنا يؤذن ثم يقيم ثم آمر رجلا من أهل بيتي وهو على عليه‌السلام فليحرقن على أقوام بيوتهم بحزم الحطب لأنهم لا يأتون الصلاة».

وروى الشيخ (قدس‌سره) في كتاب المجالس بسنده عن زريق الخلقاني (2) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول رفع الى أمير المؤمنين عليه‌السلام بالكوفة ان قوما من جيران المسجد لا يشهدون الصلاة جماعة في المسجد فقال عليه‌السلام ليحضرن معنا صلاتنا جماعة أو ليتحولن عنا ولا يجاورونا ولا نجاورهم».

وبهذا الاسناد عن زريق عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) «ان أمير المؤمنين عليه‌السلام بلغه ان قوما لا يحضرون الصلاة في المسجد فحطب عليه‌السلام فقال ان قوما لا يحضرون الصلاة معنا في مساجدنا فلا يؤاكلونا ولا يشاربونا ولا يشاورونا ولا يناكحونا ولا يأخذوا من فيئنا شيئا أو يحضروا معنا صلاتنا جماعة ، وانى لا وشك ان آمر لهم بنار تشعل في دورهم فأحرقها عليهم أو ينتهون ، قال فامتنع المسلمون من مؤاكلتهم ومشاربتهم ومناكحتهم حتى حضروا الجماعة مع المسلمين».

وروى شيخنا الشهيد الثاني (عطر الله مرقده) في شرح الإرشاد عن كتاب الامام والمأموم للشيخ ابى محمد جعفر بن أحمد القمي بإسناده المتصل الى ابى سعيد الخدري (4) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتاني جبرئيل مع سبعين الف ملك بعد صلاة الظهر فقال يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ان ربك يقرئك السلام

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 2 من أحكام المساجد.

(4) مستدرك الوسائل الباب 1 من صلاة الجماعة.


واهدى إليك هديتين لم يهدهما إلى نبي قبلك. قلت وما تلك الهديتان؟ قال الوتر ثلاث ركعات والصلوات الخمس في جماعة. قلت يا جبرئيل وما لا متى في الجماعة؟ قال يا محمد إذا كانا اثنين كتب الله لكل واحد بكل ركعة مائة وخمسين صلاة ، وإذا كانوا ثلاثة كتب الله لكل واحد بكل ركعة ستمائة صلاة ، وإذا كانوا أربعة كتب الله لكل واحد بكل ركعة ألفا ومائتي صلاة ، وإذا كانوا خمسة كتب الله لكل واحد بكل ركعة ألفين وأربعمائة صلاة ، وإذا كانوا ستة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة أربعة آلاف وثمانمائة صلاة ، وإذا كانوا سبعة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة تسعة آلاف وستمائة صلاة ، وإذا كانوا ثمانية كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة تسعة عشر ألفا ومائتي صلاة ، وإذا كانوا تسعة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة ستة وثلاثين ألفا وأربعمائة صلاة ، وإذا كانوا عشرة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة سبعين ألفا وألفين وثمانمائة صلاة ، فإذا زادوا على العشرة فلو صارت بحار السماوات والأرض كلها مدادا والأشجار أقلاما والثقلان مع الملائكة كتابا لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة ، يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله تكبيرة يدركها المؤمن مع الامام خير له من ستين ألف حجة وعمرة وخير من الدنيا وما فيها سبعين ألف مرة ، وركعة يصليها المؤمن مع الامام خير من مائة ألف دينار يتصدق بها على المساكين ، وسجدة يسجدها المؤمن مع الإمام في جماعة خير له من عتق مائة رقبة».

وروى في جامع الأخبار عن أبي سلمة عن ابى سعيد الخدري مثله (1) الى قوله : «يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله تكبيرة يدركها المؤمن خير له من سبعين حجة وألف عمرة سوى الفريضة» يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ركعة يصليها المؤمن مع الامام خير له من ان يتصدق بمائة ألف دينار على المساكين ، وسجدة يسجدها خير له من عبادة سنة ، وركعة يركعها المؤمن مع الامام خير له من مائة رقبة يعتقها في سبيل الله ، يا محمد

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 1 من صلاة الجماعة.


صلى‌الله‌عليه‌وآله من أحب الجماعة أحبه الله والملائكة أجمعون».

قال شيخنا المجلسي في البحار ذيل هذا الخبر : بناء أكثر المثوبات وزيادتها في زيادة الاعداد على التضعيف إلا الأول والثامن والتاسع فإن التسعة على هذا الحساب ينبغي أن يكون ثوابها ثمانية وثلاثين ألفا وأربعمائة والعشرة سبعين ألفا وستة آلاف وثمانمائة ، ولعله من الرواة أو النساخ. انتهى.

وقال شيخنا الشهيد الثاني في كتاب الروضة : الجماعة مستحبة في الفريضة متأكدة في اليومية حتى ان الصلاة الواحدة منها تعدل خمسا أو سبعا وعشرين مع غير العالم ومعه ألفا ، ولو وقعت في المسجد تضاعف بمضروب عدده في عددها : ففي الجامع مع غير العالم ألفان وسبعمائة ومعه مائة ألف. قال وروى ان ذلك مع اتحاد المأموم فلو تعدد تضاعف في كل واحد بقدر المجموع (1).

وروى الشهيد في النقلية عن الصادق عليه‌السلام (2) «الصلاة خلف العالم بألف ركعة وخلف القرشي بمائة وخلف العربي خمسون وخلف المولى خمس وعشرون».

قال الشهيد الثاني في شرحها : المراد بالقرشي المنسوب الى النضر بن كنانة جد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والسادات الاشراف أجل هذه الطائفة ، والعربي المنسوب الى العرب يقابل العجم وهو المنسوب الى غير العرب مطلقا ، والمولى يطلق على معان كثيرة والمراد هنا غير العربي بقرينة ما قبله ، وكثيرا ما يطلقون المولى على غير العربي وان كان حر الأصل. انتهى.

وروى زيد النرسي في كتابه عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «ان قوما جلسوا عن حضور الجماعة فهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يشعل النار في دورهم حتى خرجوا

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة الجماعة ، وتتمة العبارة هكذا «بقدر المجموع في سابقة الى العشرة ثم لا يحصيه إلا الله تعالى».

(2) مستدرك الوسائل الباب 23 من صلاة الجماعة.

(3) مستدرك الوسائل الباب 2 من صلاة الجماعة.


وحضروا الجماعة مع المسلمين».

قال شيخنا المجلسي المتقدم ذكره (طيب الله مرقده) في الكتاب المذكور ذيل هذا الخبر : ظاهر هذا الخبر وأمثاله وجوب الجماعة في اليومية ولم ينقل عن أحد من علمائنا القول به ، وخالف فيه أكثر العامة (1) فقال بعضهم فرض على الكفاية في الصلوات الخمس ، وقال آخرون انها فرض على الأعيان. وقال بعضهم انها شرط في الصلاة تبطل بفواتها ، ولذا أول أصحابنا هذه الأخبار فحملوها تارة على الجماعة الواجبة واخرى على ما إذا تركها استخفافا. وربما يقال العقوبة الدنيوية لا تنافي الاستحباب كالقتل على ترك الأذان ، ولا يخفى ضعفه إذ لا معنى للعقوبة على ما لا يلزم فعله ولا يستحق تاركه الذم واللوم كما فسر أكثرهم الواجب به. والقول بأنه كان واجبا في صدر الإسلام فنسخ أو كان مع حضور إمام الأصل واجبا فمع ان أكثر الأخبار لا تساعدهما لم أر قائلا به ايضا. وبالجملة فالاحتياط يقتضي عدم الترك إلا لعذر وان كان بعض الأخبار يدل على الاستحباب ، وكفى بفضلها ان الشيطان لا يمنع من شي‌ء من الطاعات منعها ، وطرق لهم في ذلك شبهات من جهة العدالة ونحوها إذ لا يمكنهم إنكارها ونفيها رأسا لأن فضلها من ضروريات الدين ، أعاذنا الله وإخواننا المؤمنين من وساوس الشياطين. انتهى.

أقول : لا يخفى على من أحاط خبرا بالأخبار الواردة عنهم (عليهم‌السلام) في أمثال هذا المضمار انهم كثيرا ما يبالغون في الحث على المندوبات بما يكاد يلحقها بالواجبات والزجر عن المكروهات بما يكاد يدخلها في حين المحرمات تأديبا لرعيتهم لئلا يتهاونوا ويتكاسلوا عن القيام بالمستحبات ويتهاونوا بالانهماك في المكروهات ، وقد تقدم التصريح باستحبابها في صحيح زرارة والفضيل أو حسنهما (2)

__________________

(1) عمدة القارئ ج 2 ص 685 وفتح القدير ج 1 ص 243 ونيل الأوطار ج 2 ص 131.

(2) ص 65.


وبه يندفع توهم الوجوب من هذه الأخبار ونحوها. ومن المحتمل قريبا حمل هذه الأخبار ونحوها مما ورد دالا على ترتب العذاب على ترك المستحبات على ما إذا كان الترك على جهة الاستخفاف وعدم المبالاة بكمالات الشرع ، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في المقدمة الثانية من مقدمات هذا الكتاب.

ومما يؤيد ذلك زيادة على ما قدمناه في الموضع المذكور ما رواه في الكافي (1) في الحسن عن ميسر عن أبيه عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة لعنتهم وكل نبي مجاب : الزائد في كتاب الله والتارك لسنتي والمكذب بقدر الله والمستحل من عترتي ما حرم الله والمستأثر بالفي‌ء المستحل له».

والتقريب فيه انه عد التارك لسنته في عداد هؤلاء الذين لا إشكال في كفرهم وجعله ملعونا مثلهم ، ولا ريب ان الجماعة أفضل سننه صلوات الله عليه وآله ولا بد من حمل الترك فيه على كونه استخفافا وتهاونا ، وقد ورد اللعن زجرا في مواضع مثل من سافر وحده أو بات في بيت وحده أو نام على سطح غير محجر (2) ونحو ذلك ، والوجه فيه ما عرفت.

__________________

(1) الأصول ج 2 ص 293 وفي الخصال أبواب الستة «قال رسول الله (ص) ستة لعنهم الله وكل نبي مجاب. كما في المتن وزاد المتسلط بالجبروت ليذل من أعزه الله ويعز من اذله الله». وفي أبواب السبعة «قال رسول الله (ص) انى لعنت سبعة لعنهم الله وكل نبي مجاب قبلي. فقيل ومن هم؟ فقال الزائد في كتاب الله. وزاد والمحرم ما أحل الله». ورواه بطريقين. وفي كنز العمال ج 8 ص 191 عن عائشة «قال رسول الله (ص) ستة لعنتهم وكل نبي مجاب. كما في الخصال برواية الستة إلا انه أبدل المستأثر بالفي‌ء بالمستحل لحرم الله». وكذا في مجمع الزوائد ج 7 ص 205 إلا انه لم يذكر السادس. وفي كنز العمال ايضا ج 8 ص 192 عن عمرو بن شعيب «قال رسول الله (ص) سبعة لعنتهم. وزاد على روايته المتقدمة المستأثر بالفي‌ء» ...

(2) الوسائل الباب 20 من أحكام المساكن و 30 من آداب السفر «لعن رسول الله (ص) ثلاثة : الآكل زاده وحده والنائم في بيت وحده والراكب في الفلاة وحده». وفيه النهى


تتمة مهمة

قد استفاضت الأخبار بأنه يستحب حضور جماعة المخالفين استحبابا مؤكدا وها انا مورد في هذا المقام جملة من الأخبار الواردة عنهم (عليهم‌السلام) في ذلك وفي ما يتعلق بالصلاة معهم من الأحكام مذيلا لها ان شاء الله تعالى بما يكشف عنها نقاب الإبهام مستمدا منه سبحانه التوفيق لبلوغ المرام فأقول :

الأول ـ ما رواه الصدوق (قدس‌سره) في الفقيه في الصحيح عن زيد الشحام عن الصادق عليه‌السلام (1) قال «يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم صلوا في مساجدهم وعودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم ، وان استطعتم ان تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا ، فإنكم إذا فعلتم ذلك قالوا هؤلاء الجعفرية رحم الله جعفرا ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه وإذا تركتم ذلك قالوا هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر ما كان اسوأ ما يؤدب أصحابه».

الثاني ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن إسحاق بن عمار (2) قال : «قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام يا إسحاق أتصلى معهم في المسجد؟ قلت نعم. قال صل معهم فإن المصلي معهم في الصف الأول كالشاهر سيفه في سبيل الله». قال في الوافي : إنما قيد بالصف الأول لأنه أدخل في معرفتهم بإتيانه المسجد وأدل على كونه منهم ، وانما شبهه بشاهر سيفه في سبيل الله لدفعه شر العدو.

الثالث ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصف الأول».

الرابع ـ ما رواه في الفقيه مرسلا (4) قال : «قال الصادق عليه‌السلام إذا صليت

__________________

عن المبيت على سطح غير محجر كما في البحار ج 16 باب أنواع النوم وسنن ابى داود ج 4 ص 310 ومجمع الزوائد ج 8 ص 99 ولم نقف على ورود اللعن في المبيت على سطح غير محجر.

(1) الوسائل الباب 75 من صلاة الجماعة.

(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 5 من صلاة الجماعة. وليس في الرقم (3) لفظ «في الصف الأول» ثانيا.


معهم غفر لك بعدد من خالفك».

الخامس ـ ما رواه فيه عن عمر بن يزيد عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «ما منكم أحد يصلى صلاة فريضة في وقتها ثم يصلى معهم صلاة تقية وهو متوضئ إلا كتب الله له بها خمسا وعشرين درجة فارغبوا في ذلك. قال (2) وقال له رجل أصلي في أهلي ثم اخرج الى المسجد فيقدموننى؟ فقال تقدم لا عليك وصل بهم».

السادس ـ ما رواه فيه ايضا عن عبد الله بن سنان عنه عليه‌السلام (3) انه قال : «ما من عبد يصلى في الوقت ويفرغ ثم يأتيهم ويصلى معهم وهو على وضوء إلا كتب الله له خمسا وعشرين درجة. قال (4) وقال له ايضا ان على بابي مسجدا يكون فيه قوم مخالفون معاندون وهم يمسون في الصلاة فأنا أصلي العصر ثم اخرج فأصلي معهم؟ فقال أما ترضى أن تحسب لك بأربع وعشرين صلاة؟».

السابع ـ ما رواه المشايخ الثلاثة عن الحسين بن عبد الله الأرجاني عن ابى عبد الله عليه‌السلام (5) قال : «من صلى في منزله ثم اتى مسجدا من مساجدهم فصلى معهم خرج بحسناتهم».

الثامن ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن نشيط بن صالح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (6) قال : «قلت له الرجل منا يصلى صلاته في جوف بيته مغلقا عليه بابه ثم يخرج فيصلي مع جيرته تكون صلاته تلك وحده في بيته جماعة؟ فقال الذي يصلى في بيته يضاعف الله له ضعفي أجر الجماعة تكون له خمسون درجة والذي يصلى مع جيرته يكتب الله له أجر من صلى خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويدخل معهم في صلاتهم فيخلف عليهم ذنوبه ويخرج بحسناتهم».

__________________

(1 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 6 من صلاة الجماعة.

(2) الوسائل الباب 54 من صلاة الجماعة.

(6) الوسائل الباب 6 من صلاة الجماعة. والرواية عن ابى الحسن الأول (ع).


التاسع ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن إسحاق بن عمار (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انى أدخل المسجد وأجد الإمام قد ركع وقد ركع القوم فلا يمكنني أن أؤذن وأقيم وأكبر؟ فقال لي فإذا كان ذلك فادخل معهم في الركعة واعتد بها فإنها من أفضل ركعاتك. قال إسحاق فلما سمعت أذان المغرب وانا على بابي قاعد. قلت للغلام انظر أقيمت الصلاة؟ فجاءني فقال نعم. فقمت مبادرا فدخلت المسجد فوجدت الناس قد ركعوا فركعت مع أول صف أدركت واعتددت بها ثم صليت بعد الانصراف أربع ركعات ثم انصرفت فإذا خمسة أو ستة من جيراني قد قاموا الى من المخزوميين والأمويين فاقعدوني ثم قالوا يا أبا هاشم جزاك الله عن نفسك خيرا فقد والله رأينا خلاف ما ظننا بك وما قيل فيك. فقلت وأي شي‌ء ذلك؟ قالوا اتبعناك حين قمت إلى الصلاة ونحن نرى انك لا تقتدى بالصلاة معنا وقد وجدناك قد اعتددت بالصلاة معنا وصليت بصلاتنا فرضي الله عنك وجزاك خيرا. قال قلت لهم سبحان الله المثلي يقال هذا؟ قال فعلمت ان أبا عبد الله عليه‌السلام لم يأمرني إلا وهو يخاف على هذا وشبهه».

العاشر ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن سعيد البصري (2) وهو مجهول قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انى نازل في بني عدي ومؤذنهم وامامهم وجميع أهل المسجد عثمانية يتبرأون منكم ومن شيعتكم وأنا نازل فيهم فما ترى في الصلاة حلف الامام؟ قال صل خلفه. قال وقال واحتسب بما تسمع ولو قدمت البصرة لقد سألك الفضيل بن يسار وأخبرته بما أفتيتك فتأخذ بقول الفضيل وتدع قولي. قال على فقدمت البصرة وأخبرته فضيلا بما قال فقال هو أعلم بما قال لكني قد سمعته وسمعت أباه يقولان لا تعتد بالصلاة خلف الناصب واقرأ لنفسك كأنك وحدك. قال فأخذت بقول الفضيل وتركت قول ابى عبد الله عليه‌السلام».

__________________

(1) الوسائل الباب 34 من صلاة الجماعة.

(2) الوسائل الباب 10 و 33 من صلاة الجماعة.


الحادي عشر ـ ما رواه عن عبيد بن زرارة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «قلت انى ادخل المسجد وقد صليت فأصلي معهم فلا احتسب بتلك الصلاة؟ قال لا بأس وأما أنا فأصلي معهم وأريهم أني أسجد وما أسجد».

الثاني عشر ـ ما رواه عن ناصح المؤذن (2) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انى أصلي في البيت واخرج إليهم؟ قال اجعلها نافلة ولا تكبر معهم فتدخل معهم في الصلاة فإن مفتاح الصلاة التكبير».

الثالث عشر ـ ما رواه عن ابى الربيع عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما‌السلام) (3) في حديث «انه سئل عن الامام ان لم أكن أثق به أصلي خلفه وأقرأ؟ قال لا صل قبله أو بعده. قيل له أفأصلي خلفه واجعلها تطوعا؟ قال فقال لو قبل التطوع لقبلت الفريضة ولكن اجعلها سبحة».

الرابع عشر ـ ما رواه في الصحيح ورواه الكليني أيضا عن يعقوب بن يقطين (4) قال : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام جعلت فداك تحضر صلاة الظهر فلا نقدر أن تنزل في الوقت حتى ينزلوا وننزل معهم فنصلي ثم يقومون فيسرعون فنقوم ونصلي العصر ونريهم كأنا نركع ثم ينزلون العصر فيقدمونا فنصلي بهم؟ قال صل بهم لا صلى الله عليهم».

الخامس عشر ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (5) قال : «إذا صليت خلف امام لا تقتدى به فاقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع».

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 6 من صلاة الجماعة.

(3) الوسائل الباب 6 من صلاة الجماعة. والراوي عمرو بن الربيع والمروي عنه هو جعفر بن محمد (ع).

(4) الوسائل الباب 54 من صلاة الجماعة.

(5) الوسائل الباب 33 من صلاة الجماعة.


السادس عشر ـ ما رواه في التهذيب في الصحيح عن على بن يقطين (1) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يصلى خلف من لا يقتدى بصلاته والامام يجهر بالقراءة؟ قال اقرأ لنفسك وان لم تسمع نفسك فلا بأس».

السابع عشر ـ ما رواه عن أبي حمزة عن من ذكره عن ابى عبد الله عليه‌السلام ورواه في الفقيه مرسلا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «يجزئك إذا كنت معهم مثل حديث النفس».

الثامن عشر ـ ما رواه عن معاوية بن وهب في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «سألته عن الرجل يؤم القوم وأنت لا ترضى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فقال إذا سمعت كتاب الله يتلى فأنصت له. قلت فإنه يشهد على بالشرك؟ قال ان عصى الله فأطع الله. فرددت عليه فأبى أن يرخص لي ، قال قلت له أصلي اذن في بيتي ثم أخرج اليه؟ فقال أنت وذاك ، وقال ان عليا عليه‌السلام كان في صلاة الصبح فقرأ ابن الكوا وهو خلفه «وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» (4) فأنصت على عليه‌السلام تعظيما للقرآن حتى فرغ من الآية ثم عاد في قراءته ثم أعاد ابن الكوا الآية فأنصت على عليه‌السلام ثم قرأ فأعاد ابن الكوا فأنصت على عليه‌السلام ثم قال «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ» (5) ثم أتم السورة ثم ركع».

التاسع عشر ـ ما رواه عن ابن بكير عن أبيه في الموثق أو الحسن عليه‌السلام (6) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الناصب يؤمنا ما تقول في الصلاة معه؟ فقال

__________________

(1) الوسائل الباب 33 من صلاة الجماعة.

(2) الوسائل الباب 33 من صلاة الجماعة. والراوي في التهذيب ج 1 ص 256 محمد ابن أبي حمزة.

(3 و 6) الوسائل الباب 34 من صلاة الجماعة.

(4) سورة الزمر الآية 65.

(5) سورة الروم الآية 60.


إذا جهر فأنصت للقرآن واسمع ثم اركع واسجد أنت لنفسك».

العشرون ـ ما رواه عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (1) قال : «لا بأس أن تصلى خلف الناصب ولا تقرأ خلفه في ما يجهر فيه فان قراءته تجزئك إذا سمعتها».

الحادي والعشرون ـ ما رواه في الفقيه مرسلا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «اذن خلف من قرأت خلفه».

الثاني والعشرون ـ ما رواه في التهذيب عن احمد بن محمد بن ابى نصر عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام (3) قال : «قلت له انى ادخل مع هؤلاء في صلاة المغرب فيعجلوني الى ما ان أؤذن وأقيم ولا اقرأ إلا الحمد حتى يركع أيجزئنى ذلك؟ قال نعم تجزئك الحمد وحدها».

الثالث والعشرون ـ ما رواه عن احمد بن عائذ (4) قال : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام انى أدخل مع هؤلاء في صلاة المغرب فيعجلوني الى ما ان أؤذن وأقيم فلا أقرأ شيئا حتى إذا ركعوا واركع معهم أيجزئنى ذلك؟ قال نعم».

الرابع والعشرون ـ ما رواه عن ابن أسباط عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله وابى جعفر (عليهما‌السلام (5) «في الرجل يكون خلف الامام لا يقتدى به فيسبقه الإمام بالقراءة؟ قال إذا كان قد قرأ أم الكتاب أجزأه يقطع ويركع».

الخامس والعشرون ـ ما رواه عن ابى بصير في الصحيح (6) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام من لا اقتدى به في الصلاة؟ قال افرغ قبل أن يفرغ فإنك في حصار فان فرغ قبلك فاقطع القراءة واركع معه».

السادس والعشرون ـ ما رواه عن محمد بن عذافر عن ابى عبد الله عليه‌السلام (7) قال : «سألته عن دخولي مع من اقرأ خلفه في الركعة الثانية فيركع عند فراغي

__________________

(1 و 6) الوسائل الباب 34 من صلاة الجماعة.

(2 و 3 و 5 و 7) الوسائل الباب 33 من صلاة الجماعة.

(4) مستدرك الوسائل الباب 30 من صلاة الجماعة.


من قراءة أم الكتاب فقال تقرأ في الأخراوين كي تكون قد قرأت في ركعتين».

السابع والعشرون ـ ما رواه في الكافي في الحسن عن زرارة (1) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الصلاة خلف المخالفين فقال ما هم عندي إلا بمنزلة الجدر».

الثامن والعشرون ـ ما رواه عبد الله بن جعفر في كتاب قرب الاسناد عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام (2) قال : «كان الحسن والحسين عليهما‌السلام يقرءان خلف الامام».

التاسع والعشرون ـ ما رواه في الكافي عن حمران بن أعين (3) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام جعلت فداك انا نصلي مع هؤلاء يوم الجمعة وهم يصلون في الوقت فكيف نصنع؟ فقال صلوا معهم. فخرج حمران إلى زرارة فقال له قد أمرنا أن نصلي معهم بصلاتهم فقال زرارة ما يكون هذا إلا بتأويل فقال له حمران قم حتى تسمع منه قال فدخلنا عليه فقال له زرارة جعلت فداك ان حمران زعم أنك أمرتنا أن نصلي معهم فأنكرت ذلك؟ فقال لنا كان على بن الحسين عليه‌السلام يصلى معهم الركعتين فإذا فرغوا قام فأضاف إليهما ركعتين».

الثلاثون ـ ما رواه في التهذيب في الحسن عن حمران (4) في حديث قال : «فقال أبو عبد الله في كتاب على عليه‌السلام إذا صلوا الجمعة في وقت فصلوا معهم ولا تقومن من مقعدك حتى تصلى ركعتين أخريين. الحديث».

الحادي والثلاثون ـ ما رواه في التهذيب عن ابى بكر الحضرمي (5) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام كيف تصنع يوم الجمعة؟ قال كيف تصنع أنت؟ قلت أصلي في منزلي ثم أخرج فأصلي معهم قال كذلك أصنع أنا».

الثاني والثلاثون ـ ما رواه عن زرارة في الصحيح أو الحسن (6) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ان أناسا رووا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انه صلى اربع ركعات

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 33 من صلاة الجماعة.

(3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 29 من صلاة الجمعة.


بعد الجمعة لم يفصل بينهن بتسليم؟ فقال يا زرارة ان أمير المؤمنين عليه‌السلام صلى خلف امام فاسق فلما سلم وانصرف قام أمير المؤمنين عليه‌السلام فصلى اربع ركعات لم يفصل بينهن بتسليم فقال رجل الى جنبه يا أبا الحسن عليه‌السلام صليت أربع ركعات لم تفصل بينهن بتسليم؟ فقال انها أربع ركعات مشتبهات فسكت فوالله ما عقل ما قال له».

الثالث والثلاثون ـ ما رواه في كتاب المحاسن عن عبد الله بن حبيب بن جندب (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انى أصلي المغرب مع هؤلاء وأعيدها فأخاف أن يتفقدوني؟ قال إذا صليت الثالثة فمكن في الأرض إليك ثم انهض وتشهد وأنت قائم ثم اركع واسجد فإنهم يحسبون أنها نافلة».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام في هذه الأخبار يقع في مواضع : (الأول) ان المستفاد من جملة هذه الأخبار الدالة على الحث والتأكيد على الصلاة معهم وما ذكر فيها من الثواب الجزيل هو استحباب الصلاة أو وجوبها معهم على أحد وجهين : (أحدهما) ان يصلى في منزله لنفسه ثم يخرج إلى الصلاة معهم كما دل عليه جملة من هذه الأخبار ، والظاهر انه الأفضل والأولى لما فيه من الإتيان بالصلاة المستجمعة لشرائط الصحة والكمال ، حيث ان الغالب مع الصلاة معهم لزوم ترك بعض الواجبات أو المستحبات كما صرح به جملة من الأخبار المذكورة.

و (ثانيهما) ان يصلى معهم ابتداء صلاة منفردة يؤذن ويقيم ويقرأ لنفسه مع الإمكان. والظاهر انه إلى القسمين المذكورين أشار في الحديث الثامن.

ثم انه هل يشترط بالنسبة إلى القسم الثاني عدم وجود المندوحة عن الصلاة معهم أم لا؟ قولان والى الأول مال في المدارك وبالثاني صرح الشهيدان في الروض والبيان ، وللمحقق الشيخ على (قدس‌سره) تفصيل في المقام قد سبق ذكره مع نقل الخلاف في المسألة في باب الوضوء من كتاب الطهارة في مسألة المسح على الرجلين

قال في المدارك : وهل يشترط في التقية عدم المندوحة؟ قيل لا لا طلاق

__________________

(1) البحار ج 18 الصلاة 632.


النصل وقيل نعم لانتفاء الضرورة مع وجودها فيزول المقتضى وهو أقرب. انتهى

والظاهر بعده لما عرفت من هذه الأخبار ولا سيما الخبر الأول من الحث على الأمر بمخالطتهم ومعاشرتهم وعيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم وان استطاعوا أن يكونوا أئمة لهم ومؤذنين فعلوا ، والغرض من ذلك كله هو تأليف القلوب واجتماعها لدفع الضرر والطعن على المذهب وأهله كما سمعت من الحديث التاسع ، وأمر الصادق عليه‌السلام بالدخول في تلك الركعة التي قد فاتته القراءة فيها فضلا عن الأذان والإقامة فإنها أفضل ركعاته ، وما قاله أولئك المخالفون لإسحاق لما رأوه قد اقتدى بهم مع ان الامام عليه‌السلام لم يأمره بشرط المندوحة أو عدمها ولم يأمره بالإعادة بعد ذلك وان كان في الوقت. وبه يظهر ضعف ما فرعوه على الخلاف المتقدم من الإعادة في الوقت وعدمه متى زال موجب التقية كما قدمنا ذكره في الموضع المشار اليه آنفا.

وبالجملة فإن المستفاد من الأخبار على وجه لا يقبل الإنكار عند من تأمل فيها بعين التحقيق والاعتبار انه يجوز الدخول معهم ابتداء وان يصلى معهم صلاة منفردة ويتابع في الركوع والسجود سواء كان له مندوحة عن الدخول أو لم تكن وانه يغتفر له ما يلزم فواته من الواجبات إذا لم يمكن الإتيان بها كما تضمنه خبر إسحاق وهو التاسع ، وكذا الخبر الثالث والعشرون من فوات القراءة ، وخبر ابى بصير وهو الخامس والعشرون من قطع القراءة ، وفي خبر آخر لأبي بصير ايضا اشتمل على التشهد قائما لمن اضطره الإمام إلى القيام قبل تشهده ونحو ذلك ، كل ذلك لتحصيل المحافظة على تأليف القلوب ودفع الطعن على المذهب وامامه وشيعته كما دل عليه الخبر الأول.

ونحوه ما رواه في المقنع ونقله في كتاب مشكاة الأنوار عن كتاب المحاسن عن عمر بن ابان (1) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول يا معشر

__________________

(1) البحار ج 18 الصلاة ص 646.


الشيعة انكم قد نسبتم إلينا كونوا لنا زينا ولا تكونوا شينا كونوا مثل أصحاب على عليه‌السلام في الناس ان كان الرجل منهم ليكون في القبيلة فيكون امامهم ومؤذنهم وصاحب أماناتهم وودائعهم ، عودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم وصلوا في مساجدهم ولا يسبقوكم الى خير فأنتم والله أحق منهم به».

وعن عبد الله بن بكير (1) قال : «دخلت على ابى عبد الله عليه‌السلام ومعى رجلان فقال أحدهما لأبي عبد الله عليه‌السلام آتى الجمعة؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام ائت الجمعة والجماعة واحضر الجنازة وعد المريض واقض الحقوق ثم قال أتخافون ان نضلكم لا والله لا نضلكم ابدا».

الثاني ـ المفهوم من أكثر الأخبار الدالة على الصلاة أولا لنفسه ثم الخروج والصلاة معهم مأموما أو إماما لهم هو ان تلك الصلاة الثانية تقع نافلة ، وقد دل الخبر الخامس والسادس والسابع على مقدار ثواب تلك الصلاة المعادة معهم ، وكذا الحديث الثامن على أحد الاحتمالين وقد تقدمت الإشارة إلى الاحتمال الآخر وقد دل الحديث الخامس على اشتراط الوضوء فيها إشارة إلى أنها صلاة حقيقية وان كانت نفلا ، وكذا الحديث السادس أيضا.

إلا ان ظاهر الخبر الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر انه لا ينويها صلاة ولا يكبر فيها تكبيرة الإحرام وانما يأتي بالأذكار من قراءة وذكر ركوع وسجود وقيام وقعود ونحو ذلك. وهو غريب لم أقف على من نبه عليه ولا من تنبه اليه.

أما الأول منها فإنه تضمن في حكايته عليه‌السلام عن نفسه في الصلاة معهم انه يريهم انه يسجد وهو لا يسجد وعليه يحمل كلام السائل وقوله «فلا احتسب بتلك الصلاة» يعني لا احتسبها صلاة بل مجرد اذكار آتى بها وان احتمل على بعد أن يكون مراده انى لا احتسبها من الصلاة الواجبة على إلا ان جواب الامام

__________________

(1) البحار ج 18 الصلاة ص 636.


واخباره له عن نفسه بالأول أنسب.

وأما الثاني فإنه عليه‌السلام قال له : «اجعلها نافلة ولا تكبر معهم فتدخل معهم في الصلاة.» وظاهره الإتيان بمجرد الأذكار والمتابعة وهو المراد بالنافلة.

وأما الثالث فإنه أصرح الجميع حيث قال له السائل : «أصلي خلفه واجعلها تطوعا» فأجابه بأنه «لو قبل التطوع لقبلت الفريضة ولكن اجعلها سبحة» يعنى تسبيحا وتنزيها واذكارا من غير نية صلاة وهو المراد بالنافلة في سابقة.

وبالجملة فإن هذه الأخبار ظاهرة في أن الصلاة معهم انما هي عبارة عن المتابعة في القيام والقعود والأذكار من غير ان ينويها صلاة ، بل ظاهر قوله في الثاني «ولا تكبر معهم» أى لا تفتتح الصلاة بالتكبير فإن الذي يأتي به انما هو مجرد اذكار وليس بصلاة ، وكذا نهيه في الخبر الثالث عن الصلاة معهم وانما يصلى قبلهم أو بعدهم مع استفاضة الأخبار بالصلاة معهم.

ولا يحضرني الآن وجه جواب عنها إلا ان يكون هذا قسما ثالثا في الصلاة معهم مضافا الى القسمين المتقدمين في الموضع الأول. وتأويل هذه الأخبار بما ترجع به الى الأخبار الكثيرة المذكورة يحتاج الى مزيد تعسف وتكلف وربما لا يجري في بعضها بالكلية. والله العالم.

الثالث ـ قد اختلفت الأخبار المتقدمة في القراءة خلف المخالف فجملة منها دلت على الأمر بذلك وان سمع قراءته وعليه عمل الأصحاب (رضوان الله عليهم) وهو الأوفق بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية ، لأنه منفرد يجب عليه الإتيان بما يجب على المنفرد من قراءة وغيرها ، وجملة منها دلت على المنع من القراءة خلفه إذا سمعه والاجتزاء بقراءته ، والظاهر حملها على شدة التقية بحيث لا يتمكن من القراءة ولو خفيا مثل حديث النفس ، وعلى ذلك حمل الشيخ الأخبار المذكورة. ويحتمل حمل هذه الأخبار على خصوص السائلين لما يعلمونه صلوات الله عليهم) من لحوق الضرر لهم بترك ذلك كما في أمر إسحاق بن عمار بما أمره به عليه‌السلام


في الحديث التاسع لعلمه بما يبتلى به من تلك القضية ، ونحوه خبر على بن يقطين وخبر داود بن زربي في الأمر بالوضوء ثلاثا (1) لعلمه (عليه‌السلام) بما يجرى عليهما مما هو مذكور في خبريهما. وبالجملة فإن العمل على الأخبار الأولى كما عليه كافة الأصحاب ، ويؤيده قوله (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (2) بعد النهى عن القراءة خلف من يقتدى به «وإذا كان لا يقتدى به فاقرأ خلفه سمعت أم لم تسمع».

الرابع ـ قد عرفت ان الواجب على هذا المصلى معهم تقية القراءة لانتفاء القدوة وكونه منفردا وهو مما لا خلاف فيه بين الأصحاب لما ذكرناه ، وقد عرفت الوجه في ما دل على خلاف ذلك من عدم القراءة خلفه في الجهرية.

ولا خلاف أيضا في سقوط الجهر في الجهرية وان قلنا بوجوبه للتقية ، وعليه يدل ايضا الخبر السادس عشر والسابع عشر.

وتجزئه الحمد وحدها مع تعذر السورة بلا خلاف ولا إشكال ، وعليه يدل الخبر الثاني والعشرون والرابع والعشرون.

وانما الخلاف لو ركع الامام قبل إتمامه الفاتحة ، فقيل انه يقرا في ركوعه وقيل انه تسقط القراءة للضرورة وبه قطع الشيخ في التهذيب ، قال ان الإنسان إذا لم يلحق القراءة معهم جاز له ترك القراءة والاعتداد بتلك الصلاة بعد أن يكون قد أدرك الركوع. ثم استدل بالخبر التاسع.

وقال في المدارك بعد نقل ذلك عن الشيخ : وهذه الرواية وان كانت واضحة المتن لكنها قاصرة من حيث السند ، والمسألة محل إشكال ولا ريب ان الإعادة مع عدم التمكن من قراءة الفاتحة طريق الاحتياط. انتهى.

أقول : ويدل على ما قاله الشيخ ايضا الخبر الثالث والعشرون والخامس والعشرون ، وهو صحيح إذ ليس فيه من ربما يتوقف فيه إلا أبو بصير وهو هنا ليث المرادي بقرينة رواية عبد الله بن مسكان عنه ، فما ذكره من الاستشكال

__________________

(1) الوسائل الباب 42 من الوضوء.

(2) ص 11.


في المدارك ليس في محله. وأما القول بأنه يقرأ حال ركوعه فلم أقف على مستنده بل صريح هذه الأخبار انما هو المضي والمتابعة للإمام واغتفار ترك القراءة في هذا المقام.

الخامس ـ ما اشتمل عليه الحديث الثالث والثلاثون من التشهد حال القيام إذا ألجأته التقية الى ذلك قد ورد مثله في خبر لأبي بصير إلا انه لا يحضرني الآن مكانه وبه صرح الصدوق ، قال في المنتهى : قال ابن بابويه وان لم يتمكن من التشهد جالسا قام مع الامام وتشهد قائما.

أقول : وبذلك صرح الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (1) في ما لو دخل في صلاة المخالف بعد ان صلى بعض صلاته. وسيأتي الكلام في المسألة ان شاء الله تعالى في المطلب الثالث في الأحكام.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان البحث في هذا المقصد يقع في مطالب ثلاثة الأول في الجماعة وفيه مسائل :

المسألة الأولى ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ان الجماعة لا تجب أصالة إلا في الجمعة والعيدين مع اجتماع الشرائط المتقدمة فيهما ، وتجب بالعارض كالنذر وشبهيه ، وفي جاهل القراءة مع ضيق الوقت عن التعلم وإمكان الائتمام ، وما عدا ذلك فهي مستحبة ، وقد عرفت تأكد استحبابها في اليومية.

والمشهور بين الأصحاب بل ادعى في المنتهى عليه الإجماع هو استحبابها في جميع الفرائض ، قال في المنتهى : وهو مذهب علمائنا أجمع. وتنظر فيه بعض فضلاء متأخري المتأخرين ، قال : وفي استفادة هذا التعميم من الأخبار نظر. وهو في محله والأحوط الوقوف في ذلك على موارد النصوص.

قالوا : ولا تجوز الجماعة في شي‌ء من النوافل عدا الاستسقاء والعيدين مع اختلال الشرائط. أقول : أما استحبابها في الاستسقاء فقد تقدم الكلام فيه في صلاة

__________________

(1) ص 14.


الاستسقاء ، واما العيدان فقد تقدم ايضا تحقيق القول في ذلك في صلاة العيد وان الأمر ليس كما ادعوه (رضوان الله عليهم).

وأما عدم الجواز في غير هذين الموضعين من النوافل فقال في المنتهى انه مذهب علمائنا أجمع ، واستدل بما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل عن الصادقين (عليهما‌السلام) (1) «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ان الصلاة بالليل في شهر رمضان النافلة في جماعة بدعة». وعن إسحاق بن عمار عن ابى الحسن عليه‌السلام وسماعة بن مهران عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) «ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في نافلة شهر رمضان ايها الناس ان هذه الصلاة نافلة ولن يجتمع للنافلة فليصل كل رجل منكم وحده وليقل ما علمه الله من كتابه واعلموا ان لا جماعة في نافلة».

واعترضه في المدارك بان في هذا الاستدلال نظرا لقصور الرواية الأولى عن افادة العموم وضعف سند الثانية باشتماله على محمد بن سليمان الديلمي وغيره ، قال وربما ظهر من كلام المصنف في ما سيأتي ان في المسألة قولا بجواز الاقتداء في النافلة مطلقا. ثم نقل عن الذكرى ما يقرب من ذلك ثم قال وهذا الكلام يؤذن بأن المنع ليس إجماعيا وقد ورد بالجواز روايات : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) انه قال له : «صل بأهلك في رمضان الفريضة والنافلة فإني افعله». وفي الصحيح عن هشام بن سالم (4) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تؤم النساء فقال تؤمهن في النافلة فأما في المكتوبة فلا». ونحوه روى ايضا في الصحيح عن الحلبي وسليمان بن خالد عن ابى عبد الله عليه‌السلام (5) ومن هنا يظهر ان ما ذهب اليه بعض الأصحاب من استحباب الجماعة في صلاة الغدير جيد وان لم يرد فيها نص على الخصوص. انتهى.

__________________

(1) الوسائل الباب 10 من نافلة شهر رمضان.

(2) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.

(3 و 4 و 5) الوسائل الباب 20 من صلاة الجماعة.


أقول : لا يخفى ما فيه على الفطن النبيه المطلع على ما ورد عنهم عليه‌السلام في هذه المسألة من الأخبار والمتأمل فيها بعين الفكر والاعتبار :

اما أولا ـ فلعدم انحصار ما دل على تحريم الجماعة في النافلة في هذه الروايات التي استدل بها العلامة (قدس‌سره) ليتم له بالطعن فيها القول بالجواز.

ومما يدل على ذلك زيادة على الأخبار المذكورة ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن سليم بن قيس (1) قال : «خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام فحمد الله واثنى عليه ثم صلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال ألا إن أخوف ما أخاف عليكم خلتان اتباع الهوى وطول الأمل. وساق الخطبة الى ان قال عليه‌السلام وأمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة فتنادي بعض أهل عسكري ممن يقاتل معى يا أهل الإسلام غيرت سنة عمر. الى آخرها».

وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب ابى القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن ابى جعفر وابى عبد الله عليهما‌السلام (2) قالا «لما كان أمير المؤمنين عليه‌السلام بالكوفة أتاه الناس فقالوا له اجعل لنا اماما يؤمنا في رمضان فقال لهم لا ونهاهم ان يجتمعوا فيه فلما أمسوا جعلوا يقولون ابكوا رمضان وا رمضاناه ، فاتى الحارث الأعور في أناس فقال يا أمير المؤمنين ضج الناس وكرهوا قولك فقال عند ذلك دعوهم وما يريدون ليصل بهم من شاءوا ثم قال (وَمَنْ). (يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً» (3). ورواه العياشي في تفسيره عن حريز عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام (4).

وما رواه الحسن بن على بن شعبة في كتاب تحف العقول عن الرضا عليه‌السلام (5) قال : «ولا يجوز التراويح في جماعة».

__________________

(1 و 2 و 4 و 5) الوسائل الباب 10 من نافلة شهر رمضان.

(3) سورة النساء الآية 115 «وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ ...».


وأنت خبير بأنه بعد ورود هذه الأخبار كملا ما ذكرناه وما ذكره العلامة (قدس‌سره) لا مجال للمناقشة في الحكم المذكور سيما مع ما سيظهر لك ان شاء الله تعالى في رواياته من الخلل والقصور.

واما ثانيا ـ فلان صحيحة الفضلاء الثلاثة وان كان موردها انما هو النهى عن الاجتماع في صلاة الليل في شهر رمضان كما قدمنا بيانه في بحث نافلة شهر رمضان إلا ان النهى انما وقع من حيث تحريم الاجتماع في النافلة لا من حيث خصوصية شهر رمضان أو خصوصية الليل كما أفصحت به الروايات الأخر من قوله عليه‌السلام في صحيحة سليم بن قيس «وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة». وقولهما عليهما‌السلام في حديثي سماعة وإسحاق «ان هذه الصلاة نافلة ولن يجتمع للنافلة». وقوله عليه‌السلام (1) «واعلموا ان لا جماعة في نافلة». ومن ذلك يعلم ان إجمال هذا الخبر يحمل على غيره من الأخبار المتقدمة المفصلة حمل المطلق على المقيد والمجمل على المبين

وأما ثالثا ـ فان ما ذكره من الروايات الدالة على الجواز ـ من صحيحتي عبد الرحمن وهشام ـ ففيه أولا ـ انه قد اعترض صحيحة الفضلاء بأنها قاصرة عن افادة العموم إشارة الى ان موردها انما هو النهى عن الجماعة في النافلة في الليل في شهر رمضان فلا تدل على عموم تحريم النافلة مطلقا كما هو محل البحث ، وهذا بعينه وأرد عليه في الصحيحتين المذكورتين ، فإن الأولى موردها ايضا شهر رمضان والثانية موردها النساء خاصة فلا دلالة فيها على عموم الجواز ، فكيف يدعى بعد ذكرهما العموم ويقول : ومن هنا يظهر ان ما ذهب اليه بعض الأصحاب من استحباب الجماعة في صلاة الغدير جيد وان لم يرد فيها نص والحال ان دليله كما عرفت أخص من المدعى ما هذا إلا عجب عجيب من هذا المحقق الأريب.

وثانيا ـ ان ظاهر صحيحة عبد الرحمن هو أن هذه النافلة المذكورة في الخبر انما

__________________

(1) ص 84 و 85.


هي نافلة شهر رمضان وإلا لما كان لذكر شهر رمضان معنى في المقام ، وقد عرفت استفاضة الأخبار بتحريم الجماعة فيها ، وحينئذ فالواجب حمل هذا الخبر على التقية (1) وبذلك يسقط الاستناد إليه بالكلية.

وأما صحيحة هشام فسيأتيك الجواب عنها واضحا مشروحا ان شاء الله تعالى في المطلب الثاني في شرط ذكورية الامام.

وأما رابعا ـ فان ما ذكره ـ من انه يفهم من كلام المصنف والشهيد في الذكرى احتمال وجود المخالف في المسألة ليتم له القول بجواز الجماعة في النافلة ومخالفة الأصحاب في ما ظاهرهم الاتفاق عليه تحاشيا عن مخالفة الإجماع ـ فلا يخفى ما فيه وكم قد خالف الأصحاب في ما ظاهرهم الاتفاق عليه وان تحاشا عن ذلك في مواضع أخر كما في هذا الموضع ، مع انه قد ذكر في صدر كتابه في مقام طعنه على إجماعاتهم انه قد صنف رسالة في الطعن على هذا الإجماع وانه مما لا يعول عليه في مقام التحقيق ولا يرجع اليه.

هذا. ومما استثنى من تحريم الجماعة في النافلة صلاة الغدير عند ابى الصلاح كما أشار إليه في المدارك واليه ذهب الشهيد في اللمعة والمحقق الشيخ على على ما نقل عنه ورجحه شيخنا أبو الحسن في رسالته في الصلاة ، ونقل عن ابى الصلاح انه نسبه الى الرواية وهو ظاهر كلامه في الكافي. إلا ان الخروج عن ظواهر الأخبار الدالة على التحريم بمثل ذلك لا يخلو عن مجازفة فالتحريم أقوى.

ومما استثنى ايضا إعادة المنفرد صلاته جماعة إماما كان أو مأموما كما سيأتي بيان ذلك في محله.

المسألة الثانية ـ من شرائط الجماعة وترتب ثوابها وأحكامها العدد وأقله اثنان في غير الجمعة والعيدين يقوم المأموم عن يمين الامام وان كان امرأة فخلفه ، فههنا أحكام ثلاثة :

__________________

(1) المهذب ج 1 ص 82 والمغني ج 2 ص 168.


أما الحكم الأول أعني كون أقل الجماعة اثنين فيدل عليه صحيحة زرارة (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجلان يكونان جماعة؟ قال نعم ويقوم الرجل عن يمين الامام».

وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (2) قال : «الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه».

قال في المدارك : ويدل عليه رواية الحسن الصيقل عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «سألته عن أقل ما تكون الجماعة قال رجل وامرأة ، وإذا لم يحضر المسجد أحد فالمؤمن وحده جماعة». ومعنى كون المؤمن وحده جماعة انه إذا طلب الجماعة فلم يجدها تكون صلاته على الانفراد مساوية لصلاة الجماعة في الثواب تفضلا من الله تعالى ومعاملة له بمقتضى نيته. انتهى.

أقول : رواية الصيقل المذكورة قد رواها الشيخ في التهذيب (4) بما نقله الى قوله «رجل وامرأة» ورواها الصدوق في الفقيه (5) هكذا : وسأل الحسن الصيقل أبا عبد الله عليه‌السلام عن أقل ما تكون الجماعة قال رجل وامرأة ، وإذا لم يحضر المسجد أحد فالمؤمن وحده جماعة لأنه متى اذن واقام صلى خلفه صفان من الملائكة ومتى أقام ولم يؤذن صلى خلفه صف واحد. انتهى.

وأنت خبير بان الظاهر ان ما زاد على رواية التهذيب فهو من كلام الصدوق الذي يداخل به الأخبار فيقع بسببه الالتباس باحتمال كونه منها ، وفي التعليل الذي ذكره إيناس بما قلنا ، وظاهر صاحب المدارك ان قوله : «وإذا لم يحضر المسجد أحد. إلخ» من الرواية ، والظاهر انه ليس كذلك بل انما هو من كلام الصدوق لما

__________________

(1) الوسائل الباب 4 من صلاة الجماعة.

(2) الوسائل الباب 23 من صلاة الجماعة.

(3) الوسائل الباب 4 من صلاة الجماعة. واللفظ هكذا «سألته كم أقل.».

(4) ج 1 ص 253.

(5) ج 1 ص 246.


ذكرناه من نقل الشيخ الرواية عارية عن ذلك وإيناس التعليل بما هنالك.

وروى الشيخ في التهذيب عن أبي البختري عن جعفر عليه‌السلام (1) «أن عليا عليه‌السلام قال : الصبي عن يمين الرجل إذا ضبط الصف جماعة ، والمريض القاعد عن يمين الصبي جماعة».

وروى في الفقيه مرسلا (2) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الاثنان جماعة. قال وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المؤمن وحده حجة والمؤمن وحده جماعة».

وروى في الكافي والشيخ في التهذيب في الصحيح عن محمد بن يوسف عن أبيه (3) وهو مجهول قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول ان الجهني اتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله انى أكون في البادية ومعي أهلي وولدي وغلمتي فأؤذن وأقيم وأصلي بهم أفجماعة نحن؟ فقال نعم. الى أن قال فإن ولدي يتفرقون في الماشية فأبقى أنا وأهلي فأؤذن وأقيم وأصلي بها أفجماعة نحن؟ فقال نعم. فقال يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان المرأة تذهب في مصلحتها فأبقى أنا وحدي فأؤذن وأقيم أفجماعة أنا؟ فقال نعم المؤمن وحده جماعة». والظاهر في تعليل كونه وحده جماعة هو ما ذكره في الفقيه مما قدمنا نقله عنه. وأما ما علله به في المدارك فالظاهر بعده وان أمكن احتماله.

وأما الحكم الثاني أعني قيام المأموم إذا كان واحدا عن يمين الامام فهو مما لا خلاف في رجحانه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم وان كان المأموم أكثر من واحد وقفوا خلف الامام.

واستندوا في هذا التفصيل الى ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (4) قال : «الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه فان كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه».

وبالجملة فإنه لا خلاف في أفضلية قيام الرجل وحده عن يمين الإمام إنما

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 4 من صلاة الجماعة.

(4) الوسائل الباب 23 من صلاة الجماعة.


الخلاف في وجوبه واستحبابه والمشهور ان ذلك على جهة الفضل والاستحباب ، قال في المنتهى : وهذا الموقف سنة فلو خالف بان وقف الواحد على يسار الإمام أو خلفه لم تبطل صلاته عند علمائنا أجمع. ونقل في المختلف عن ابن الجنيد القول بالبطلان مع المخالفة ، قال في المدارك وهو ضعيف.

أقول : لا أعرف لما ذكره الأصحاب من الاستحباب هنا مستندا سوى الإجماع الذي ادعاه في المنتهى ، ولا اعرف لحكم السيد بضعف قول ابن الجنيد وجها مع عدم الدليل على خلافه وقيام الأدلة وتكاثرها على ما نقلوه عنه ، وهم انما استندوا في هذا التفصيل إلى صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة بأنه ان كان واحدا قام عن يمين الامام وان كانوا أكثر قاموا خلفه ، وهي ان لم تدل على ما ذهب اليه ابن الجنيد كما هو الظاهر منها فلا تدل على خلافه ، وبالجملة فإنها أعم من ذلك فلا دلالة فيها على كون ذلك على جهة الاستحباب بوجه ، وجميع ما حضرني من روايات هذه المسألة على كثرتها وتعددها لا إشارة في شي‌ء منها فضلا عن الدلالة إلى الاستحباب بل المتبادر من سياقها واتفاقها على الحكم المذكور انما هو الوجوب ، لان العبادات كمية وكيفية صحة وبطلانا مبنية على التوقيف فما ثبت عن صاحب الشرع وجب الحكم بصحته وما لم يثبت عنه فلا مساغ للحكم بصحته بمجرد التخرص والظن ، والذي ثبت عنه كما ستقف عليه ان شاء الله تعالى انما هو ما ذكرناه.

وها أنا أسوق لك ما وقفت عليه من اخبار المسألة ، فمنها صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة وصحيحة زرارة المتقدمة في صدر المسألة ورواية أبي البختري المتقدمة أيضا.

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد (1) قال : «ذكر الحسين ـ يعنى ابن سعيد ـ انه أمر من يسأله عن رجل صلى الى جانب رجل فقام عن يساره وهو لا يعلم ثم علم وهو في صلاته كيف يصنع؟ قال

__________________

(1) الوسائل الباب 24 من صلاة الجماعة.


يحوله عن يمينه».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن إبراهيم بن ميمون عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) «في الرجل يؤم النساء ليس معهن رجل في الفريضة؟ قال نعم وان كان معه صبي فليقم الى جانبه».

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (2) «انه سئل عن الرجل يؤم الرجلين؟ قال يتقدمهما ولا يقوم بينهما. وعن الرجلين يصليان جماعة؟ قال نعم يجعله عن يمينه».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسين بن يسار المدائني (3) «أنه سمع من يسأل الرضا عليه‌السلام عن رجل صلى الى جانب رجل فقام عن يساره وهو لا يعلم كيف يصنع ثم علم وهو في الصلاة؟ قال يحوله عن يمينه».

وما رواه في كتاب العلل بسنده فيه عن احمد بن رباط عن ابى عبد الله عليه‌السلام (4) قال : «قلت له لأي علة إذا صلى اثنان صار التابع عن يمين المتبوع؟ قال لأنه امامه وطاعة للمتبوع وان الله جعل أصحاب اليمين المطيعين ، فلهذه العلة يقوم عن يمين الامام دون يساره».

وما رواه في كتاب قرب الاسناد عن الحسين بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن على عليهم‌السلام (5) «انه كان يقول المرأة خلف الرجل صف ولا يكون الرجل خلف الرجل صفا انما يكون الرجل الى جنب الرجل عن يمينه».

وما رواه فيه ايضا عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على عليهم‌السلام (6) قال : «رجلان صف فإذا كانوا ثلاثة تقدم الامام».

وروى الصدوق في كتاب المجالس في الصحيح الى محمد بن عمر

__________________

(1 و 2 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 23 من صلاة الجماعة.

(3) الوسائل الباب 24 من صلاة الجماعة.


الجرجاني (1) قال : «قال الصادق عليه‌السلام أول جماعة كانت ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلى وأمير المؤمنين على بن ابى طالب عليه‌السلام معه إذ مر أبو طالب وجعفر معه فقال يا بنى صل جناح ابن عمك فلما أحس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تقدمهما وانصرف أبو طالب مسرورا. الحديث».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (2) «يؤم الرجلين أحدهما صاحبه يكون عن يمينه فإذا كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه».

أقول : هذا ما حضرني من اخبار المسألة المذكورة وهي كما ترى متطابقة الدلالة متعاضدة المقالة على ان الحكم في الاثنين هو قيام المأموم عن يمين الامام والحكم في الأكثر التأخر ، وقد عرفت ان العبادات مبنية على التوقيف عن صاحب الشريعة ، وهذا هو الذي وورد به الشرع عنهم عليهم‌السلام في كيفية الائتمام في هذه الصورة سيما مع اشتمالها على الأوامر التي هي حقيقة في الوجوب ، والخروج عن ذلك خروج عن المشروع عين ما سيأتي ان شاء الله تعالى في استدلالهم في مسألة عدم جواز تقدم المأموم على الامام ، حيث قالوا ثمة : لأن المنقول من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام إما تقدم الإمام أو تساوى الموقفين فيكون الإتيان بخلافه خروجا عن المشروع. انتهى. وهذا بعينه آت في ما نحن فيه فان المنقول عنهم عليهم‌السلام كما عرفت من هذه الأخبار هو وقوف الواحد عن يمين الامام وتأخر الأكثر ، والخروج عنه من غير دليل ولا نص خروج عن المشروع. نعم لو كان هنا دليل معارض لهذه الأخبار لتم لهم حملها على الاستحباب جمعا بين الدليلين كما هي قاعدتهم المطردة إلا ان الأمر ليس كذلك.

وغاية ما استدل به العلامة في المختلف للقول المشهور ما رواه أبو الصباح في الصحيح (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقوم في الصف وحده فقال

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة الجماعة.

(2) ص 11.

(3) الوسائل الباب 57 من صلاة الجماعة.


لا بأس إنما يبدو واحد بعد واحد». ثم نقل الاحتجاج لابن الجنيد برواية زرارة المتقدمة وهي صحيحته المتقدمة في صدر المسألة ، قال والأمر للوجوب. ثم قال والجواب المنع من كونه للوجوب. انتهى.

وأنت خبير بما في كلامه من الوهن والضعف الظاهر الذي لا يخفى على الخبير الماهر ، اما الخبر الذي استدل به فان الظاهر منه انما هو قيام المأموم وحده في صف مع امتلاء الصفوف وعدم وجود مكان له فيها فإنه يقوم وحده كما ورد في صحيحة سعيد الأعرج (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يدخل المسجد ليصلي مع الامام فيجد الصف متضايقا بأهله فيقوم وحده حتى يفرغ الامام من الصلاة أيجوز ذلك له؟ قال نعم لا بأس». وفي موثقة أخرى لسعيد الأعرج (2) أيضا قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي الصلاة فلا يجد في الصف مقاما أيقوم وحده حتى يفرغ من صلاته؟ قال نعم لا بأس يقوم بحذاء الامام». وما ذكرناه في معنى الخبر المذكور ان لم يكن متعينا لما ذكرنا من الأخبار فلا أقل أن يكون مساويا لما ذكره في الاحتمال وهو كاف في إبطال الاستدلال. واما جوابه عن صحيح زرارة بعد اعترافه بان الأمر فيه للوجوب بمنع ذلك فهو تحكم محض كما لا يخفى.

وبالجملة فالقول المذكور في غاية القوة لما عرفت ، ولا أعرف لهم وجها في رد هذه الأخبار إلا قصور النظر عن تتبعها والاطلاع عليها والجمود على ظواهر المشهورات المزخرفة بالإجماعات.

قال في الذكرى : وتنعقد الجماعة بالصبي المميز لان ابن عباس ائتم بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان إذ ذاك غير بالغ (3).

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 57 من صلاة الجماعة.

(3) في سنن ابى داود ج 1 ص 166 عن ابن عباس قال : بت في بيت خالتي ميمونة فقام رسول الله «ص» من الليل فأطلق القربة فتوضأ ثم اوكأ القربة ثم قام إلى الصلاة فقمت فتوضأت كما توضأ ثم جئت فقمت عن يساره فأخذني بيمينه فأدارني من وراثه فأقامني عن يمينه فصليت معه ...


أقول : الأظهر الاستدلال على ذلك بخبر أبي البختري وإبراهيم بن ميمون المتقدمين ، وأما الخبر الذي أشار إليه فالظاهر انه من طريق القوم.

وتنعقد بالمرأة خلف الرجل كما دل عليه خبر كتاب قرب الاسناد المتقدم وغيره

ثم انه لا يخفى ان ظاهر الأخبار المتقدمة الدالة على انهما إذا كان اثنين يقوم المأموم عن يمين الامام هو مساواة المأموم للإمام في الموقف ، ونقل في المختلف عن ابن إدريس انه لا بد من تقدم الامام عليه بقليل. ثم أجاب عنه بأنه ممنوع لأن الأصل براءة الذمة منه. ثم أورد صحيحة محمد بن مسلم وحسنة زرارة المتقدمتين الدالتين على أنه يقوم عن يمين الامام. ثم استدل بأنه لو كان كذلك بطلت صلاة الاثنين إذا قال كل واحد منهما كنت اماما ، قال لأنهما إن أخلا بالتقدم المذكور مع وجوبه بطلت صلاتهما ، ويستحيل ان يأتيا به معا ، وان تقدم أحدهما فهو الامام ، لكن التالي باطل إجماعا فكذا المقدم. انتهى.

وظاهر الشهيد (قدس‌سره) في الذكرى موافقة ابن إدريس هنا حيث قال في بيان سنة الموقف : أحدها ـ أن يقتدى الرجل بالرجل فيستحب قيامه عن يمينه ويتقدم الامام بيسير. انتهى. ولا ريب في ضعفه لما عرفت.

وأما الحكم الثالث وهو تأخر المرأة خلفه فهو مبنى على ما هو المختار من عدم جواز محاذاة المرأة للرجل في الموقف كما تقدم تحقيقه في مبحث المكان من مقدمات الكتاب ، واما من قال بجواز المحاذاة فالحكم هنا عنده على الاستحباب.

والذي يدل على تأخرها روايات : منها ـ ما رواه الشيخ عن ابى العباس (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يؤم المرأة في بيته؟ قال نعم تقوم وراءه».

وعن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) «في الرجل يؤم المرأة؟ قال نعم تكون خلفه. وعن المرأة تؤم النساء؟ قال نعم تقوم وسطا

__________________

(1) الوسائل الباب 19 من صلاة الجماعة.

(2) الوسائل الباب 19 و 20 من صلاة الجماعة.


بينهن ولا تتقدمهن».

ويستحب لها مع التأخر أن تقوم عن يمين الإمام إذا كانت واحدة لما رواه الصدوق في الصحيح عن هشام بن سالم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «الرجل إذا أم المرأة كانت خلفه عن يمينه سجودها مع ركبتيه».

وما رواه الشيخ عن الفضيل بن يسار (2) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أصلي المكتوبة بأم على؟ قال نعم تكون عن يمينك يكون سجودها بحذاء قدميك».

ولو كان المأموم رجلا وامرأة قام الرجل عن يمين الامام والمرأة خلفه لما رواه عن القاسم بن الوليد (3) قال : «سألته عن الرجل يصلى مع الرجل الواحد معهما النساء؟ قال يقوم الرجل الى جنب الرجل ويتخلفن النساء خلفهما». والله العالم.

المسألة الثالثة ـ من الشرائط أيضا عند الأصحاب (رضوان الله عليهم المشاهدة بمعنى أن لا يكون ثمة بين الامام والمأموم أو بين المأمومين بعض مع بعض حائل يمنع المشاهدة ، قال في المدارك : هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب.

والأصل فيه ما رواه الشيخ في الحسن والصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (4) قال : «ان صلى قوم وبينهم وبين الامام ما لا يتخطى فليس ذلك الامام لهم بإمام ، وأى صف كان أهله يصلون بصلاة امام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة ، وان كان بينهم سترة أو جدار

__________________

(1) الوسائل الباب 5 من مكان المصلي.

(2 و 3) الوسائل الباب 19 من صلاة الجماعة.

(4) الوسائل الباب 62 و 59 من صلاة الجماعة. ومصدر الحديث الفقيه والكافي والشيخ يرويه عن الكليني. وقوله «ع» «ينبغي ان تكون الصفوف.» الى قوله «ع» «إذا سجد» رواه في الفقيه قبل قوله «ع» «ان صلى قوم.» وفي كلمة «إذا سجد» دون الكافي كما ان قوله «ع» «إنما امرأة.» حديث الفقيه دون الكافي راجع الفروع ج 1 ص 107 والفقيه ج 1 ص 253.


فليس تلك لهم بصلاة إلا من كان حيال الباب. قال : وهذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس وإنما أحدثها الجبارون وليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة. قال : وقال أبو جعفر عليه‌السلام ينبغي أن تكون الصفوف تامة متواصلة بعضها الى بعض لا يكون بين الصفين ما لا يتخطى يكون قدر ذلك مسقط جسد الإنسان إذا سجد. قال وقال : أيما امرأة صلت خلف امام وبينها وبينه ما لا يتخطى فليس لها تلك بصلاة. قال قلت : فان جاء انسان يريد أن يصلى كيف يصنع وهي إلى جانب الرجل؟ قال : يدخل بينها وبين الرجل وتنحدر هي شيئا».

وتحقيق الكلام في هذا المقام ان يقال قد عرفت انه لا يجوز الحيلولة بين الامام والمأمومين ولا بين المأمومين بعضهم مع بعض بما يمنع المشاهدة من الحائل فلو لم يمنع المشاهدة كالحائل القصير المانع حالة الجلوس خاصة والشباك والمانع من الاستطراق دون المشاهدة فلا بأس بالصلاة والحال هذه ، وبذلك صرح معظم الأصحاب ومنهم الشيخ في المبسوط على ما نقله في الذخيرة ، وخالف في الخلاف فقال من صلى وراء الشبابيك لا تصح صلاته مقتديا بصلاة الإمام الذي يصلى داخلها. واستدل بصحيحة زرارة ، قال في المدارك : وكأن موضع الدلالة فيها النهى عن الصلاة خلف المقاصير فان الغالب فيها أن تكون مشبكة. وأجاب عنه في المختلف بجواز أن تكون المقاصير المشار إليها فيها غير مخرمة. الى أن قال : ولا ريب ان الاحتياط يقتضي المصير الى ما ذكره الشيخ. انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) ـ من أن موضع الدلالة في ما استدل به الشيخ من الرواية النهي عن الصلاة خلف المقاصير فان الغالب فيها أن تكون مشبكة ـ لا يخلو من بعد ، فإنه لا يخفى أن ظاهر قوله عليه‌السلام : «وهذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس» انما وقع تفريعا على قوله : «وان كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة» فإنه لما حكم عليه‌السلام ببطلان الصلاة والحال هذه وكانت تلك


المقاصير حائلة وساترة مع كون الناس يصلون خلفها استدرك عليه‌السلام وبين أن هذه المقاصير التي يصلى خلفها الناس الآن لم تكن في الصدر الأول من زمنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا ما قاربه وانما هي شي‌ء محدث ، ولا يجوز الصلاة خلفها لحصول الستر والحيلولة بها. هذا هو ظاهر سياق الخبر المذكور وهو الذي فهمه الأصحاب منه كما نقله عن المحقق ومثله العلامة وغيرهما. فقوله (قدس‌سره) ان الغالب في تلك المقاصير ان تكون مشبكة مع كونه مجرد دعوى مخالف لظاهر النص ، ومن اين علم ان تلك المقاصير التي كانت في زمانهم عليهم‌السلام كانت مشبكة لو ثبت كونها في زمانه كذلك.

وبالجملة فإن استدلال الشيخ بالخبر المذكور على ما ادعاه ليس له وجه ان ثبت ما نقلوه عنه من انه استدل بخبر زرارة ، ومن المحتمل قريبا عندي ان هذا الاستدلال انما هو من كلام الأصحاب وان أسندوه اليه ظنا منهم استناده في ذلك الى الخبر المذكور كما وقع في المختلف في استدلاله للأقوال التي ينقلها فيه وان أسند ذلك الى صاحب القول ، كما لا يخفى على من تأمل ذلك بعين التحقيق.

هذا. ولا يخفى ان صاحب الذخيرة نقل ان الشيخ في المبسوط وافق المشهور في جواز الصلاة خلف الشبابيك وانما خالفهم في الخلاف ، والمفهوم من كلام الذكرى ان خلافه انما هو في المبسوط حيث قال : ولو كانت المقصورة مخرمة صحت كالشبابيك ، ويظهر من المبسوط وكلام ابى الصلاح عدم الجواز مع حيلولة الشباك لرواية زرارة مع اعتراف الشيخ بجواز الحيلولة بالمقصورة المخرمة ولا فرق بينهما. انتهى.

أقول : لا يخفى على من لاحظ عبارة المبسوط في هذا المقام انها غير خالية من التدافع والتناقض في هذه الأحكام ومنه وقع الاشتباه في ما نقل عنه من هذا الكلام ، حيث قال : الحائط وما يجرى مجراه مما يمنع من مشاهدة الصفوف يمنع من صحة الصلاة والاقتداء بالإمام ، وكذلك الشبابيك والمقاصير تمنع من الاقتداء


بإمام الصلاة إلا إذا كانت مخرمة لا تمنع من مشاهدة الصفوف. انتهى.

ووجه الإشكال فيها انه لا ريب ان الشبابيك لا تمنع المشاهدة مع انه عدها في ما يمنع من صحة الصلاة والاقتداء بالإمام وجوز في المقاصير المخرمة ، ولا ريب أن المقصورة المخرمة والشباك بمعنى واحد ولهذا أورد عليه في الذكرى ما ذكره ، وصاحب الذخيرة نظر الى آخر العبارة وغفل عن ذكره الشبابيك وانها تمنع.

ثم انه لا يخفى عليك ان ظاهر الشهيد في الذكرى كما قدمناه في عبارته ان الشيخ في المبسوط استند في عدم الجواز مع حيلولة الشباك إلى رواية زرارة مع ان عبارة المبسوط كما حكيناها خالية من ذلك ، وهو دليل على ما قدمناه من أن نسبة الاستدلال بالرواية إلى الشيخ انما هو من الأصحاب تكلفا لتحصيل الدليل له ، وبذلك يسقط ما ذكره في المدارك من تحمل توجيه الاستدلال له بالخبر المذكور ، ونحوه في الذخيرة حيث حذا حذوه في المقام كما هو الغالب عليه في أكثر الأحكام.

تنبيهات

الأول ـ لو وقف بحذاء باب المسجد وهو مفتوح بحيث يشاهد الواقف حذاء الباب الإمام أو المأمومين الذين في المسجد صحت صلاة المحاذي للباب لمشاهدته لمن في المسجد وصلاة من على يمينه ويساره من الصف لمشاهدتهم ذلك الواقف حذاء الباب ، وقد صرح بذلك الشيخ (قدس‌سره) وجملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة في المنتهى حيث قال : لو وقف المأموم خارج المسجد بحذاء الباب وهو مفتوح يشاهد المأمومين في المسجد صحت صلاته ، ولو صلى قوم عن يمينه وشماله صحت صلاتهم لأنهم يرون من يرى الامام. ولو وقف بين يدي هذا الصف صف آخر عن يمين الباب أو يساره لا يشاهدون من في المسجد لم تصح صلاتهم. انتهى. وبنحو ذلك صرح في المدارك ايضا.

وتوقف في الذخيرة في الحكم الأول فقال ـ بعد نقل ما ذكره في المنتهى عن جماعة من الأصحاب ـ ما لفظة : والحكم الثاني صحيح وأما الحكم الأولى فقد ذكره


غير واحد من الأصحاب كالشيخ ومن تبعه ، وهو متجه ان ثبت الإجماع على ان مشاهدة بعض المأمومين تكفي مطلقا وإلا كان في الحكم المذكور اشكال نظرا الى قوله عليه‌السلام (1) «إلا من كان بحيال الباب» فان ظاهره قصر الصحة على صلاة من كان بحيال الباب. وجعل بعضهم هذا الحصر إضافيا بالنسبة إلى الصف الذي يتقدمه عن يمين الباب ويساره. وفيه عدول عن الظاهر يحتاج الى دليل. انتهى.

أقول : الظاهر أن منشأ الشبهة الحاصلة له هو تخصيص المشاهدة التي هي شرط في صحة القدوة بمشاهدة الإنسان من يكون قدامه دون من على يمينه ويساره والذي على الباب من المأمومين يشاهد الإمام أو المأمومين الذين في المسجد فتصح صلاته وأما من على يمينه ويساره فإنهم لا يشاهدون قادمهم إلا جدار المسجد فتبطل صلاتهم لفوات شرط المشاهدة ، ومشاهدة من على جنبه غير كافية عنده. واللازم من هذا أنه لو استطال الصف الأول على وجه لا يرى من في طرفيه الإمام فإنه يلزم بطلان صلاتهم ، حيث انهم لا يشاهدون الامام ومشاهدة من على الجنب يمينا ويسارا غير كافية ، ولا أظن هذا القائل يلتزمه. ونحو ذلك لو استطال الصف الثاني أو الثالث زيادة على الصفوف المتقدمة وكان الذي يلي قبلة هذه الزيادة جدارا لا أحدا من المأمومين فإنه يلزم بطلان صلاة هذه الزيادة لعدم وجود المأمومين قدامهم وعدم الاكتفاء بمشاهدة من على الجنب. والظاهر من قوله عليه‌السلام «إلا من كان بحيال الباب» يعنى من الصفوف لا من المأمومين لأن عبارة الخبر هنا كلها منصبة على الصفوف ، حيث قال «وأى صف كان أهله يصلون بصلاة امام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة وان كان بينهم ستر أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلا من كان حيال الباب» وهذا الكلام كما ترى مشتمل على شرطين : (أحدهما) ـ أن لا يكون بين الصفوف من البعد ما لا يتخطى. و (الثاني) أن لا يكون بينهم ستر ولا جدار كالصف الذي يقوم عن يمين الباب

__________________

(1) ص 95 و 96.


ويساره ، فإنه لا ريب في بطلان صلاتهم لعدم المشاهدة ، ثم استثنى الصف الذي يقوم بحيال الباب لحصول الشرط المذكور فيه بمشاهدة من على الباب لمن في المسجد ومشاهدة من على يمين ذلك الرجل ويساره له وهكذا.

وبالجملة فاللازم مما ذكره في هذه الصورة هو بطلان الصلاة في الصورتين المذكورتين اللتين فرضناهما ولا أظنه يلتزمه. ونحوهما ايضا وقوف بعض المأمومين خلف الأساطين بحيث ان الأسطوانة في قبلته فهو لا يرى من قدامه من المأمومين وانما يرى من على يمينه ويساره ، واللازم بمقتضى ما ذهب اليه بطلان صلاته مع ان صحيح الحلبي (1) دل على انه لا بأس بالصفوف بين الأساطين.

وبالجملة فما ذكره (قدس‌سره) انما هو من قبيل الأوهام البعيدة والتشكيكات الغير السديدة. والله العالم.

الثاني ـ الأشهر الأظهر عدم اشتراط هذا الشرط في حق المرأة فيجوز لها الاقتداء مع الحائل ، ويدل على ذلك ـ مضافا الى الأصل والعمومات وعدم ظهور تناول الصحيحة المتقدمة التي هي الأصل في هذا الحكم لهذه الصورة ـ ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلى بالقوم وخلفه دار فيها نساء هل يجوز لهن أن يصلين خلفه؟ قال نعم ان كان الإمام أسفل منهن. قلت فان بينهن وبينه حائطا أو طريقا؟ قال لا بأس».

وقال ابن إدريس في سرائره : وقد وردت رخصة للنساء أن يصلين وبينهن وبين الإمام حائط والأول أظهر وأصح. ومراده بالأول مساواة النساء للرجال في هذا الشرط ، وهو جيد على أصله الغير الأصيل.

الثالث ـ لو لم يشاهد بعض المأمومين الامام وشاهد من يشاهده ولو بوسائط عديدة كفى في صحة القدوة وإلا بطلت صلاة الصفوف الأخيرة مع كثرة الصفوف حيث انهم لا يشاهدون الامام وهو معلوم البطلان ، قال في المنتهى : ولا نعرف

__________________

(1) ص 101.

(2) الوسائل الباب 60 من صلاة الجماعة.


فيه خلافا ، والخبر إنما دل على بطلان القدوة بالحائل والساتر من جدار ونحوه لا بحيلولة المأمومين بعضهم ببعض. وبالجملة فالأصل وعموم الأدلة يقتضي صحة القدوة في الصورة المذكورة مضافا الى دعوى الاتفاق على ذلك.

الرابع ـ نقل عن ابى الصلاح وابن زهرة المنع من حيلولة النهر بين الامام والمأموم ، قال في المدارك فإن أرادا به ما لا يمكن تخطيه من ذلك كان جيدا لإطلاق صحيحة زرارة المتقدمة ، وان لم يعتبرا فيه هذا القيد طولبا بالدليل على الإطلاق. وقال في الذكرى : ومنع أبو الصلاح وابن زهرة من حيلولة النهر لرواية زرارة السالفة وقد بينا حملها على الاستحباب.

أقول : سيأتي ان مذهب هذين الفاضلين هو تفسير البعد الموجب لبطلان القدوة بما لا يتخطى وهو الذي دل عليه الخبر المشار اليه ، وسيأتي في معنى الخبر المذكور انه لا بد من تواصل الصفوف بعضها مع بعض وهكذا مع الإمام ، بان لا يزيد ما بين موقف الصف الثاني إلى الصف الذي قدامه على مسقط جسد الإنسان حال سجوده وان هذا هو الحد الذي يتخطى عادة وما زاد عليه فهو مما لا يتخطى ، ولا ريب ان النهر إذا فصل بين الصفوف أو بين الامام والصف فقد حصلت الزيادة في المسافة المعتبرة وانتهت الى ما لا يتخطى.

وبذلك يظهر ان كلامهما هنا يرجع الى ما ذكروه ثمة كما قدمنا نقله عنهما ، وهو جيد عند من عمل بالخبر المذكور كما يشير اليه كلام صاحب المدارك دون من يتأوله كما يشير اليه كلام صاحب الذكرى.

الخامس ـ تجوز الصلاة بين الأساطين مع المشاهدة واتصال الصفوف لقوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي (1) «لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأسا». وقال في كتاب الفقه الرضوي (2) : نقلا عن العالم عليه‌السلام قال :

«وقال لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأسا». وهو يشتمل ما لو كانت الأساطين

__________________

(1) الوسائل الباب 59 من صلاة الجماعة.

(2) ص 11.


معترضة بين الصف الواحد أو بين الصفين. وفيه دلالة على أنه لا يضر الوقوف خلف الأسطوانة وان كان مانعا من رؤية الإمام إذا رأى المأمومين الذين يرون الإمام أو من يراه.

وبما ذكرنا صرح في الذكرى فقال : يجوز الصلاة بين الأساطين مع المشاهدة واتصال الصفوف لقوله (عليه‌السلام) : «لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأسا»

وبذلك يظهر ما في كلام العلامة (أجزل الله إكرامه) في المنتهى حيث قال : ويكره للمأمومين الوقوف بين الأساطين لأنها تقطع صفوفهم ، وبه قال ابن مسعود والنخعي وحذيفة وابن عباس ، ولم يكره مالك وأصحاب الرأي (1) لعدم الدلالة على المنع. والجواب ما رواه الجمهور عن معاوية بن قرة عن أبيه (2) قال : «كنا ننهى ان نصف بين الأساطين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونطرد عنها طردا». ولما ذكرناه من قطعها للصف. انتهى. وظاهره انه لا مستند له في ما ذكره إلا هذه الرواية العامية وهذا التعليل العليل وغفل عن ملاحظة النص الواضح في نفى البأس عن ذلك.

السادس ـ قال في الذكرى : لو صلى في داره خلف امام المسجد وهو يشاهد الصفوف صحت قدوته وأطلق الشيخ ذلك ، والأولى تقييده بعدم البعد المفرط ، قال ولو كان باب الدار بحذاء باب المسجد أو باب المسجد عن يمينه أو عن يساره واتصلت الصفوف من المسجد الى داره صحت صلاتهم ، وان كان قدام هذا الصف في داره صف لم تصح صلاة من كان قدامه ، ومن صلى خلفهم صحت صلاتهم سواء كان على الأرض أو في غرفة منها لأنهم يشاهدون الصف المتصل بالإمام والصف الذي قدامه لا يشاهدون الصف المتصل بالإمام ، وقد روى (3) «ان أنسا كان يصلى في بيت حميد بن عبد الرحمن بن عوف بصلاة الامام وبينه وبين

__________________

(1 و 2) المغني ج 2 ص 220.

(3) المغني ج 2 ص 209 وفيه هكذا «. في موت حميد بن عبد الرحمن.».


المسجد طريق» وفيه أيضا دلالة على أن الشارع ليس بحائل (فإن قلت) قد روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) «من كان بينه وبين الإمام حائل فليس مع الامام». قلت يحمل على البعد المفرط أو على الكراهة. انتهى ما ذكره في الذكرى.

أقول : هذا الكلام من أوله الى آخره مبنى على ما تقدم نقله عنهم من تفسير البعد الموجب لبطلان القدوة بما قدمنا نقله عن الشيخ في الخلاف والمبسوط وما ذكره الأكثر من الإحالة إلى العرف ، وقد عرفت ما في الجميع وان الاعتماد في ذلك انما هو على الخبر الصحيح الصريح الدال على التقدير بما لا يتخطى عادة المفسر في الخبر المذكور بما زاد على مسقط جسد الإنسان حال السجود. واما ما استند اليه في عدم كون الشارع حائلا من الخبر العامي فضعفه أظهر من أن يبين ، وتأويله الخبر المروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله بما ذكره موقوف على وجود المعارض وليس في المقام ما يعارضه بل الموجود فيها ما يعضده ويقويه وهو صحيحة زرارة المتقدمة.

وبالجملة فإن كلماتهم في هذا المقام لكون البناء على غير أساس وثيق القوام مختلة النظام عديمة الانتظام.

المسألة الرابعة ـ قال في المدارك : أجمع علماؤنا وأكثر العامة على انه يشترط في الجماعة عدم التباعد بين الامام والمأموم إلا مع اتصال الصفوف ، وانما الخلاف في حده فذهب الأكثر الى ان المرجع فيه الى العادة ، وقال في الخلاف حده مع عدم اتصال الصفوف ما يمنع من مشاهدته والاقتداء بأفعاله ، ويظهر منه في المبسوط جواز البعد بثلاثمائة ذراع. انتهى.

__________________

(1) في المجموع للنووي شرح المهذب للشيرازي ج 4 ص 409 في مسألة حيلولة الطريق «وقال أبو حنيفة لا يصح الحديث رووه مرفوعا «من كان بينه وبين الامام طريق فليس مع الامام» ثم قال : وهذا حديث باطل لا أصل له وانما يروى عن عمر من رواية ليث بن ابى سليم عن تميم وليث ضعيف وتميم مجهول» وفي التذكرة في المسألة الرابعة من الشرط الثالث من شروط الجماعة رواه كما تقدم بلفظ «طريق» وبما تقدم من النووي يظهر ان نسبة الحديث إلى النبي «ص» كما في الذكرى والتذكرة ليست في محلها.


أقول : فيه (أولا) ـ ان الظاهر من كلام العامة ـ على ما نقله بعض محققي متأخري المتأخرين ـ خلاف ما ذكره (قدس‌سره) فإنه نقل ان مذهب الشافعية الفرق في ذلك بين المساجد وغيرها ، قال البغوي في التهذيب : فان تباعدت الصفوف أو بعد الصف الأول عن الامام نظر ان كانوا جميعا في مسجد واحد صحت صلاتهم مع الامام ، وان بعدوا واختلف بهم البناء أو كان بين الامام والمأموم حائل. الى ان قال : وان كانوا في غير المسجد فان كان بين المأموم والامام أو بينه وبين الصف الآخر ثلاثمائة ذراع أو أقل صحت. انتهى. وهو صريح في عدم اعتبار الصفوف كما زعمه (قدس‌سره). وقال في شرح المنهاج : واشترطوا ان يجمع الامام والمأموم المسجد وان بعدت المسافة وحالت الأبنية نافذة أغلق أبوابها أم لا ، وقيل لا تصح في الإغلاق. وهو كما ترى ظاهر في انهم لم يشترطوا في المساجد غير ذلك من قرب المسافة أو وجود الصفوف فضلا عن اتصالها لكن لا بد أن يعلم بانتقالات الامام إما برؤية شخصه أو يسمعه أو يبلغه غيره. ومذهب مالك على ما ذكره العثماني في كتابه انه إذا صلى في داره بصلاة الامام وهو في المسجد وكان يسمع التكبير صح الاقتداء إلا في الجمعة فإنها لا تصح إلا في الجامع أو في رحابه إذا كان متصلا به ، وقال أبو حنيفة يصح الاقتداء في الجمعة وغيرها ، وقال عطاء الاعتبار العلم بصلاة الإمام دون المشاهدة وعدم الحائل وحكى ذلك عن النخعي والحسن البصري (1) انتهى. ومقتضاه ان أبا حنيفة قائل

__________________

(1) في المجموع للنوى الشافعي ج 4 ص 309 «فرع في مسائل : إحداها ـ يشترط ان لا تطول المسافة بين الامام والمأمومين إذا صلوا في غير المسجد وبه قال جماهير العلماء ، وقدر الشافعي القرب بثلاثمائة ذراع ، وقال عطاء يصح مطلقا وان طالت المسافة ميلا وأكثر إذا علم صلاته. الثانية ـ لو حال بينهما طريق صح الاقتداء عندنا وعند مالك والأكثرين ، وقال أبو حنيفة لا يصح. الى آخر ما تقدم في التعليقة (1) ص 103 الثالثة ـ لو صلى في دار أو نحوها بصلاة الإمام في المسجد وحال بينهما حائل لم يصح عندنا وبه قال احمد ، وقال مالك تصح إلا في الجمعة ، وقال أبو حنيفة تصح مطلقا».


بقول مالك حتى في الجمعة ، وبذلك يظهر ان ما نسبه الى أكثر العامة من موافقة الأصحاب في ما ذكره ليس في محله وكان ينبغي أن يقول : أجمع أصحابنا خلافا لأكثر العامة بل جميعهم. على ان ما ادعاه من إجماع أصحابنا على ما ذكره يرده ظاهر كلام العلامة في المختلف من قوله : والمشهور المنع من التباعد الكثير ، ويستند في ذلك الى العرف.

و (ثانيا) ان ما نسبه الى الشيخ في المبسوط من انه يظهر منه جواز البعد بثلاثمائة ذراع ليس في محله ، وهذه عبارته قال في المبسوط : وحد البعد ما جرت العادة بتسميته بعدا ، وحد قوم ذلك بثلاثمائة ذراع وقالوا على هذا ان وقف وبينه وبين الإمام ثلاثمائة ذراع ثم وقف آخر وبينه وبين هذا المأموم ثلاثمائة ذراع ثم على هذا الحساب والتقدير بالغا ما بلغوا صحت صلاتهم. قالوا وكذلك إذا اتصلت الصفوف في المسجد ثم اتصلت بالأسواق والدروب والدور بعد أن يشاهد بعضهم بعضا ويرى الأولون الإمام صحت صلاة الكل. وهذا قريب على مذهبنا ايضا. قال العلامة (قدس‌سره) ومراده بالقوم هنا بعض الجمهور لانه لا قول لعلمائنا في ذلك. انتهى. وهو جيد. وقد عرفت قول بعض الجمهور بذلك من ما نقلناه.

وقال في الذكرى بعد نقل ذلك عنه : يمكن أن يشير الى جميع ما تقدم فيكون رضى بالثلاثمائة ، ويمكن أن يشير بالقرب الى الفرض الأخير خاصة فلا يكون راجعا الى التقدير بثلاثمائة ذراع وهو الأنسب بقوله : وحد البعد ما جرت العادة بتسميته بعدا. وقال أبو الصلاح وابن زهرة لا يجوز أن يكون بين الصفين من المسافة ما لا يتخطى.

والى هذا القول مال جملة من أفاضل متأخري المتأخرين ، وهو الحق الحقيق بالاتباع لقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة المتقدمة (1) «ان صلى قوم وبينهم وبين الامام ما لا يتخطى فليس ذلك الامام لهم بإمام ، وأى صف كان أهله يصلون بصلاة إمام

__________________

(1) ص 95 و 96.


وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة».

وأجاب عنها في المعتبر بان اشتراط ذلك مستبعد فيحمل على الأفضل. وأجاب عنها في المختلف باحتمال أن يكون المراد ما لا يتخطى من الحائل لا من المسافة. ورد بالتصريح في الرواية بعد ذلك بذكر الحائل ، مع ان اللازم من حمله على الحائل المنع من الصلاة خلف الشبابيك والحائل القصير الذي يمنع من الاستطراق دون المشاهدة وهو لا يقول به.

أقول : ويؤيد الرواية المذكورة ما رواه في كتاب دعائم الإسلام عن ابى جعفر محمد بن على عليهما‌السلام) (1) انه قال : ينبغي للصفوف أن تكون تامة متصلة ويكون بين كل صفين قدر مسقط جسد الإنسان إذا سجد ، وأى صف كان أهله يصلون بصلاة الامام وبينهم وبين الصف الذي تقدمهم أزيد من ذلك فليس تلك الصلاة لهم بصلاة. انتهى.

ثم ان العجب منهم (نور الله مراقدهم) في هذا المقام في ارتكاب هذه التأويلات البعيدة والتمحلات الشديدة من غير موجب لذلك ، فان ما ذهبوا اليه من الحوالة على العادة لا دليل عليه غير مجرد تخرصهم وظنهم ، مع ما عرفت في غير مقام من ما تقدم ما في حوالة الأحكام الشرعية على العرف الذي لا انضباط له بالكلية ، وهل هو إلا رد إلى جهالة لما يعلم من اختلاف الأقطار والبلدان في هذا العرف فان لكل قطر عرفا على حدة ، ثم انه من الذي يدعى الوقوف والاطلاع على العرف العام لجميع الناس في جميع الأقطار والأمصار حتى يرتب عليه حكما شرعيا أو أنه يجب الوقوف في الحكم حتى يحصل تتبع العرف أو أنه يكتفى بعرف كل بلد وإقليم على حدة ، ما هذه إلا تخرصات ظنية ومجازفات وهمية في أحكامه سبحانه المبنية على القطع واليقين والعلم «أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ» (2) مع ان

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 49 من صلاة الجماعة. وفيه بدل «أزيد» «أقل».

(2) سورة الأعراف الآية 27.


الخبر المذكور صحيح صريح خال من المعارض دال على الحكم المذكور بأظهر تأكيد لقوله عليه‌السلام (1) زيادة على ما قدمنا ذكره «ينبغي أن تكون الصفوف تامة متواصلة بعضها الى بعض لا يكون بين الصفين ما لا يتخطى». و «ينبغي» هنا بمعنى الوجوب كما استفاض في الأخبار ، وعليه صدر الكلام الى أن قال عليه‌السلام أيضا في الخبر «أيما امرأة صلت خلف امام وبينها وبينه ما لا يتخطى فليس لها تلك بصلاة» وهل وقع في حكم من الأحكام ما وقع في هذا الحكم من المبالغة بهذا التأكيد التام؟ ما هذا إلا عجب عجيب من هؤلاء الأعلام تجاوز الله عنا وعنهم في دار المقام.

وبالجملة فالظاهر عندي من النص المذكور هو وجوب مراعاة هذا المقدار بين الامام والمأمومين وكذا ما بين المأمومين بعضهم مع بعض ، وظاهر الخبر المذكور انه لا ينبغي أن يكون بين الصفين زيادة على مسقط جسد الإنسان حال السجود بمعنى أنه يكون سجوده متصلا بعقب رجلي المتقدم فتكون مسافة البعد من موقف المصلى لا من موضع سجوده ، وقوله عليه‌السلام : «يكون قدر ذلك مسقط جسد الإنسان» أي قدر المسافة التي يحصل بها تواصل الصفوف بعضها الى بعض هذا المقدار. وما ذكرناه ظاهر من عبارة الخبر المنقول من كتاب الدعائم أتم الظهور.

فرعان

الأول ـ قال في المدارك : واعلم انه ينبغي للبعيد من الصفوف أن لا يحرم بالصلاة حتى يحرم قبله من المتقدم من يزول معه التباعد. انتهى. وهو جيد لأنه مع إحرام البعيد بهذا المقدار قبل إحرام من يزول به البعد يصدق وجود ما لا يتخطى فان وجود المأمومين قبل الدخول في الصلاة في حكم العدم وحينئذ تبطل القدوة. واحتمال انهم آن وجودهم مريدين الصلاة وان لم يحرموا في حكم من أحرم معارض بجواز انصرافهم وتركهم الاقتداء أو عروض مانع منه. إلا ان اعتبار هذا الشرط في غاية الإشكال الآن في حق المأمومين الذين هم في الأغلب

__________________

(1) ص 96.


الأكثر من الجهال ولكن جهلهم ليس عذرا شرعيا يوجب الخروج عن العمل بأحكام الملك المتعال.

الثاني ـ لو حصل البعد المذكور بخروج الصفوف المتخللة بين الامام والمأمومين من الصلاة عن الاقتداء لانتهاء صلاتهم أو نية الانفراد ، فهل تنفسخ القدوة لحصول البعد حينئذ أم لا؟ وعلى تقدير الانفساخ هل تعود القدوة بالانتقال الى محل القرب الذي به يزول البعد بناء على جواز تجديد المؤتم بإمام آخر إذا انتهت صلاة الإمام الأول أم لا؟ ولعل الأظهر ان اشتراط عدم البعد انما هو في ابتداء الصلاة خاصة دون استدامتها ، كما تقدم نظيره في صلاة الجمعة والعيد من أن اشتراط الجماعة والعدد المشروط فيهما إنما هو في الابتداء فلو انفض العدد بعد الدخول في الصلاة وجب الإتمام جمعة ولو لم يبق إلا الإمام خاصة.

المسألة الخامسة ـ من الشرائط أيضا في صحة الجماعة عدم علو الامام بما يعتد به من الابنية ونحوها بل إما أن يكون مساويا للمأموم أو أخفض منه ، ولا بأس بذلك في المأموم ويستثني من ذلك العلو في الأرض المنبسطة لو قام الإمام في المكان الأعلى منها.

والأصل في هذه الأحكام ما رواه ثقة الإسلام والصدوق والشيخ في الموثق عن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن الرجل يصلى بقوم وهم في موضع أسفل من موضعه الذي يصلى فيه؟ فقال ان كان الامام على شبه الدكان أو على موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم ، وان كان أرفع منهم بقدر إصبع أو أكثر أو أقل إذا كان الارتفاع ببطن مسيل ، فان كان أرضا مبسوطة وكان في

__________________

(1) الوسائل الباب 63 من صلاة الجماعة. والشيخ يرويه عن الكليني. وقوله «سألته» في رواية الكليني في الفروع ج 1 ص 107 والشيخ عنه في التهذيب ج 1 ص 261 ، وفي الفقيه ج 1 ص 253 «قال عمار سئل أبو عبد الله ع» وفي الفقيه ايضا هكذا «وان كانت الأرض مبسوطة» وفيه ايضا بعد قوله «منحدر» هكذا «فلا بأس به» وفي الفروع والتهذيب «قال لا بأس».


موضع منها ارتفاع فقام الإمام في الموضع المرتفع وقام من خلفه أسفل منه والأرض مبسوطة إلا انهم في موضع منحدر فلا بأس به. وسئل فإن قام الإمام أسفل من موضع من يصلى خلفه؟ قال لا بأس. قال وان كان رجل فوق بيت أو غير ذلك دكانا كان أو غيره وكان الامام يصلى على الأرض أسفل منه جاز للرجل أن يصلى خلفه ويقتدى بصلاته وان كان أرفع منه بشي‌ء كثير».

قوله : «إذا كان الارتفاع ببطن مسيل» في الكافي ، وفي غيره (1) «إذا كان الارتفاع بقدر شبر» وطعن السيد السند في المدارك في هذه الرواية بأنها ضعيفة السند متهافتة المتن قاصرة الدلالة فلا يسوغ التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل ، قال ومن ثم تردد فيه المصنف (رحمة الله عليه) وذهب الشيخ في الخلاف إلى كراهة كون الإمام أعلى من المأموم بما يعتد به كالأبنية وهو متجه. انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : ومما ورد في المسألة أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان ـ وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ـ عن محمد بن عبد الله وهو مجهول عن الرضا عليه‌السلام (2) قال : «سألته عن الامام يصلى في موضع والذين خلفه يصلون في موضع أسفل منه أو يصلى في موضع والذين خلفه في موضع أرفع منه؟ فقال يكون مكانهم مستويا».

وما رواه على بن جعفر (رضى الله عنه) في كتاب المسائل عن أخيه موسى ابن جعفر عليه‌السلام (3) قال : «سألته عن الرجل هل يحل له أن يصلى خلف الامام فوق دكان؟ قال إذا كان مع القوم في الصف فلا بأس».

أقول : قضية الجمع بين هذه الأخبار هو المنع من علو الامام كما دلت عليه الموثقة المذكورة ، إذ لا معارض لها في البين وطرحها من غير معارض مشكل وجواز علو المأموم كما دل عليه خبر على بن جعفر ، والظاهر انه مما لا خلاف فيه كما يظهر من المنتهى حيث انه أسنده إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، وأفضلية

__________________

(1) هذا في التهذيب وفي الفقيه «بقطع سيل».

(2 و 3) الوسائل الباب 63 من صلاة الجماعة.


المساواة بحمل خبر محمد بن عبد الله المذكور على ذلك جمعا بين الأخبار المذكورة.

وحمل العلامة في المختلف كلام الشيخ في الخلاف على أنه انما قصد به التحريم وهو غير بعيد. إلا ان ظاهر كلام المحقق في المعتبر ان الشيخ في الخلاف انما استند في ما ذكره من الكراهة إلى رواية سهل (1) قال : «رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على المنبر فكبر وكبر الناس وراءه ثم ركع وهو على المنبر ثم رجع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس فعلت كذا لتأتموا ولتعلموا صلاتي». ثم أجاب في المعتبر بمنع الرواية (أولا) وبالحمل على علو لا يعتد به كالمرقاة السفلى (ثانيا) وبجواز كونه من خواصه صلى‌الله‌عليه‌وآله (ثالثا) وزاد العلامة فقال : ولانه لم يتم الصلاة على المنبر فان سجوده وجلوسه انما كان على الأرض بخلاف ما وقع فيه الخلاف ، أو لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله علمهم الصلاة ولم يعتدوا بها. انتهى.

أقول : ربما أشعر تكلف هذه الأجوبة عن الخبر المذكور بثبوته عندهم إلا ان يحمل على التنزل بعد تسليم صحته وهو الأقرب ، فإن الظاهر ان الخبر المذكور ليس من طرقنا ولا من أخبارنا. وكيف كان فالظاهر ان الشيخ إنما ذهب الى الكراهة جمعا بين ما دل عليه هذا الخبر من الجواز كما يعطيه استدلاله به وما دلت عليه موثقة عمار من المنع فجعل وجه الجمع بينهما حمل خبر عمار على الكراهة ، ومنه يظهر بعد ما ذكره العلامة في المختلف من حمل الكراهة في عبارته على التحريم.

ثم انه في المختلف نقل عن ابن الجنيد أنه قال لا يكون الإمام أعلى في مقامه بحيث لا يرى المأموم فعله إلا أن يكون المأمومون أضراء ، فإن فرض البصراء الاقتداء بالنظر وفرض الأضراء الاقتداء بالسماع إذا صح لهم التوجه. ثم استدل للقول المشهور بالموثقة المتقدمة ثم قال وهو شامل للبصراء والأضراء.

هذا. وقد استدل في الذكرى للقول المشهور زيادة على الموثقة المذكورة

__________________

(1) صحيح مسلم ج 1 ص 205 باب جواز الخطوة والخطوتين.


بما روى (1) «ان عمارا (رضى الله عنه) تقدم للصلاة على دكان والناس أسفل منه فقدم حذيفة (رضى الله عنه) فأخذ بيده حتى أنزله فلما فرغ من صلاته قال له حذيفة ألم تسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم؟ قال عمار فلذلك اتبعتك حين أخذت على يدي». قال وروى ايضا (2) «ان حذيفة أم الناس بالمدائن على دكان فأخذ عبد الله بن مسعود بقميصه فجذبه فلما فرغ من صلاته قال ألم تعلم انهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال بلى ذكرت حين جذبتني». والظاهر ان هذين الخبرين من روايات العامة أو من الأصول التي وصلت اليه ولم تصل إلينا.

فروع

الأول ـ اختلف الأصحاب (رضى الله عنهم) في مقدار العلو المانع من صحة القدوة فقيل انه القدر المعتد به وانه لا تقدير له إلا بالعرف ، وهو قول الأكثر ومنهم الشهيد في الذكرى والعلامة في بعض كتبه ، وقيل قدر شبر ، وقيل ما لا يتخطى وبه صرح العلامة في التذكرة ، قال لو كان العلو يسيرا جاز إجماعا وهل يتقدر بشبر أو بما لا يتخطى؟ الأقرب الثاني. والظاهر انه بنى في ذلك على صحيحة زرارة المتقدمة.

قال في الذكرى : لا تقدير للعلو إلا بالعرف وفي رواية عمار (3) «ولو كان أرفع منهم بقدر إصبع إلى شبر فان كان أرضا مبسوطة وكان في موضع فيه ارتفاع فقام الإمام في المرتفع وقام من خلفه أسفل منه إلا انه في موضع منحدر فلا بأس». وهي تدل بمفهومها على ان الزائد على شبر ممنوع وأما الشبر فيبني على دخول الغاية في المغني وعدمه. انتهى.

__________________

(1 و 2) سنن ابى داود باب (الامام يقوم مكانا ارفع من مكان القوم.

(3) ص 108 و 109.


أقول : وهذا الموضع من ما طعن به على الرواية بأنها متهافتة فإنه لا يخفى ما في عبارة الخبر من القصور عن تأدية هذا المعنى الذي ذكره هنا.

الثاني ـ لو وقف الامام على الموضع الأعلى بما يعتد به صحت صلاته وبطلت صلاة المأموم لأنه منهي عن الاقتداء به في هذه الحال ، وأما الامام فلا وجه لبطلان صلاته ، والنهى عن قيامه في الموضع المذكور انما هو لأجل صحة صلاة المأموم لا لأجل صحة صلاته. ونقل عن بعض العامة القول ببطلان صلاة الإمام أيضا لأنه منهي عن القيام على مكان أعلى من مكان المأمومين (1) وفيه ما عرفت.

الثالث ـ قال في المدارك : لو صلى الامام على سطح والمأموم على آخر وبينهما طريق صح مع عدم التباعد وعلو سطح الامام. انتهى.

أقول : قد عرفت من ما قدمنا ان المستفاد من خبر زرارة وكذا من خبر كتاب الدعائم انه لا بد من اتصال الصفوف بالإمام والصفوف بعضها ببعض بحيث لا يكون بينهم أزيد من مسقط جسد الإنسان حال سجوده ، وحينئذ فالطريق التي بين السطحين متضمنة لزيادة المسافة على القدر المذكور ، وبه يظهر الإشكال في الحكم بالصحة في الصورة المفروضة إلا أن تعتبر مسافة التقدير بما لا يتخطى من موضع سجود المأموم ، والظاهر أنه ليس كذلك بل المسافة إنما هي من موقفه الى موقف من قدامه فإنه هو الذي به يحصل تواصل الصفوف المأمور به في الخبر ، ورواية كتاب الدعائم كما تقدم صريحة في ما ذكرناه.

وظاهر الأصحاب ان هذا الحكم اعنى تواصل الصفوف على الوجه المذكور

__________________

(1) في المغني ج 2 ص 211 «إذا صلى الإمام في مكان أعلى من المأمومين فقال ابن حامد بطلت صلاتهم وهو قول الأوزاعي ، لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه. وقال القاضي لا تبطل وهو قول أصحاب الرأي ، لان عمارا أتم صلاته ولو كانت فاسدة لاستأنفها. ثم قال : ويحتمل أن يتناول النهي الإمام لكونه منهيا عن القيام في مكان أعلى من مقامهم ، فعلى هذا الاحتمال تبطل صلاة الجميع عند من أبطل الصلاة بارتكاب النهى».


انما هو على سبيل الاستحباب ، قال في الذكرى : يستحب تقارب الصفوف فلا يزيد ما بينها على مسقط الجسد إذا سجد ، رواه زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (1) وقدر ايضا بمريض عنز (2) ذكره في المبسوط. انتهى.

أقول : لا ريب ان تصريحهم بالاستحباب هنا مبنى على حملهم الخبر في ما يدل عليه من النهى عن البعد بما لا يتخطى على الاستحباب كما تقدم ذكره واعتمادهم في تقدير البعد على ما تقدم نقله عنهم من الأقوال ، وأما من يجعل البعد الموجب لبطلان القدوة هو ما دل عليه الخبر فلا إشكال عنده في صحة ما ذكرنا ، وبه يظهر ما في كلام صاحب المدارك حيث انه ممن يقول بما دل عليه الخبر المذكور ظاهرا وان كان كلامه غير صريح في ذلك مع قوله هنا بصحة الصلاة على السطحين اللذين بينهما طريق فاصلة ، فان القول بالصحة هنا لا يجامع ما دل عليه الخبر كما أوضحناه وانما يتم بناء على القول المشهور من تحديد البعد بما تقدم نقله عنهم. والله العالم.

المسألة السادسة ـ من الشرائط في صحة القدوة أن لا يتقدم المأموم في الموقف على الامام بمعنى أن يكون أقرب الى القبلة من الامام ، قال في المدارك : هذا قول علمائنا أجمع ووافقنا عليه أكثر العامة (3) ثم احتج عليه بان المنقول من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام إما تقدم الإمام أو تساوى الموقفين فيكون الإتيان بخلافه خروجا عن المشروع ، ولأن المأموم مع التقدم يحتاج الى استعلام حال الامام بالالتفات الى ما وراءه وذلك مبطل. انتهى.

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 62 من صلاة الجماعة.

(3) في المهذب للشيرازي ج 1 ص 99 «ان تقدم المأموم على الامام ففيه قولان : قال في القديم لا تبطل كما لو وقف خلف الامام وحده. وقال في الجديد تبطل ، لانه وقف في موضع ليس بموقف مؤتم بحال فأشبه إذا وقف في موضع نجس» وفي المغني ج 2 ص 213 «السنة ان يقف المأمومون خلف الإمام فإن وقفوا قدامه لم تصح وبذا قال أبو حنيفة والشافعي ، وقال مالك وإسحاق تصح».


والتعليل الأول جيد لأن مرجعه الى أن العبادات توقيفية فيرجع في كيفيتها صحة وبطلانا الى ما ثبت من الشارع فما ثبت التعبد به حكم بصحته وإلا فلا ، إلا انه ينقض عليهم بما قدمنا ذكره في مسألة صلاة المأموم الواحد مع الامام حيث جعلوا موقفه على يمينه من المستحبات وجوزوا كونه خلفه وعن يساره ، والأخبار الواردة في المسألة كلها متفقة على كون المأموم المتحد موقفه عن يمين الامام والأكثر خلفه ، وقضية التعليل المذكور في هذه المسألة جار في تلك المسألة كما عرفت فكيف عدلوا عنه ثمة من غير دليل؟

وكيف كان فظاهر كلامهم انهم لم يقفوا على دليل من الأخبار زائدا على ما ذكروه هنا من هذا الدليل المؤيد باتفاقهم.

ويمكن أن يستدل على ذلك بصحيحة محمد بن عبد الله الحميري المروية في التهذيب (1) قال : «كتبت الى الفقيه عليه‌السلام اسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة عليهم‌السلام هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلى ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة بل يضع خده الأيمن على القبر ، وأما الصلاة فإنها خلفه يجعله الامام ولا يجوز أن يصلى بين يديه لأن الإمام لا يتقدم ويصلى عن يمينه وشماله».

والتقريب فيها انه عليه‌السلام جعل القبر الشريف بمنزلة إمام الجماعة في الأحكام المذكورة فكما لا يجوز التقدم على الإمام في الجماعة لا يجوز التقدم في الصلاة على القبر الشريف ، وكما يجوز التأخر والمساواة هناك فإنهما يجوزان هنا.

وقد سبقنا الى فهم هذا المعنى من الخبر شيخنا البهائي عطر الله مرقده) في كتاب الحبل المتين حيث قال ما صورته : هذا الخبر يدل على عدم جواز وضع

__________________

(1) الوسائل الباب 26 من مكان المصلي.


الجبهة على قبر الامام عليه‌السلام. الى أن قال : وعلى عدم جواز التقدم على الضريح المقدس حال الصلاة ، لأن قوله عليه‌السلام «يجعله الامام» صريح في جعل القبر بمنزلة الإمام في الصلاة ، فكما أنه لا يجوز للمأموم أن يتقدم على الإمام بأن يكون موقفه أقرب الى القبلة من موقف الامام بل يجب أن يتأخر عنه أو يساويه في الموقف يمينا أو شمالا فكذا هنا ، وهذا هو المراد هنا بقوله عليه‌السلام «لا يجوز أن يصلى بين يديه لأن الإمام لا يتقدم ويصلى عن يمينه وشماله» والحاصل ان المستفاد من الحديث ان كل ما ثبت للمأموم من وجوب التأخر عن الإمام أو المساواة أو تحريم التقدم عليه فهو ثابت للمصلي بالنسبة إلى الضريح المقدس من غير فرق فينبغي لمن صلى عند رأس الإمام أو عند رجليه أن يلاحظ ذلك. انتهى المقصود نقله من كلامه (أفاض الله تعالى عليه رواشح إكرامه) وهو جيد رشيق كما لا يخفى على ذوي التحقيق ، ومنه يظهر الدليل على الحكم المذكور وان غفل عنه الجمهور.

بقي الكلام هنا في مواضع (الأول) ـ ان ظاهر كلام أكثر الأصحاب (رضوان الله عليهم أنه يجوز المساواة مع تعدد المأمومين ، بل نقل عن العلامة في التذكرة دعوى الإجماع على ذلك وان الممنوع منه انما هو التقدم على الامام ، ونقل عن ابن إدريس هنا انه اعتبر تأخر المأموم ولم يكتف بالتساوي ، قال في المدارك : وهو مدفوع بالأصل السالم من المعارض وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (1) قال : «الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه فان كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه». ونحوه روى زرارة (2) قال : دلت الروايتان على استحباب وقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام أو وجوبه ولو وجب التأخر لذكره إذ المقام مقام البيان. انتهى.

أقول : قد تقدم في المسألة الثانية النقل عن ابن إدريس في صورة اتحاد

__________________

(1) الوسائل الباب 23 من صلاة الجماعة.

(2) الوسائل الباب 4 من صلاة الجماعة.


المأموم أنه أوجب أيضا تقدم الامام بقليل ، وظاهر النقل عنه في هذه المسألة أنه مع التعدد أيضا أوجب تقدم الامام.

والتحقيق في المقام بالنظر الى ما يفهم من أخبارهم عليهم‌السلام التي عليها المدار في النقض والإبرام ان ما ذكره ابن إدريس في هذه المسألة جيد دون ما ذكره في المسألة المتقدمة ، لما عرفت في المسألة المتقدمة من تكاثر الأخبار واستفاضتها بأنه متى كان المأموم متحدا فموقفه عن يمين الامام والمتبادر منه المحاذاة وان كانوا أكثر فموقفهم خلفه ، وقد عرفت من ما قدمنا في المسألة المذكورة تطابق الأخبار على ذلك ، وحينئذ فحكمهم بالاستحباب في كل من الموقفين ـ مع دلالة ظواهر الأخبار على الوجوب من غير معارض سوى مجرد الشهرة بينهم ـ تحكم محض ، وبه يظهر قوة ما ذكره ابن إدريس هنا. وما استدل به عليه في المدارك من الأخبار الدالة على صورة وحدة المأموم ليس في محله إذ هو أخص من المدعى ، فان المدعى أنه هل تجوز المساواة تعدد المأموم أو اتحد أم لا؟ والبحث هنا انما هو في هذه المسألة والروايات إنما دلت على جواز المساواة مع الاتحاد كما قدمناه في تلك المسألة. وأما ما يدل على الجواز مع التعدد فلم يرد في شي‌ء من الأخبار بل الوارد فيها إنما هو وجوب التأخر خلف الامام كما تقدم ، فكلام ابن إدريس في صورة تعدد المأموم حق لا ريب فيه.

وبالجملة فالمستفاد من الأخبار كما عرفت هو كون المأموم متى كان رجلا واحدا فموقفه على يمين الامام ومتعددا خلفه ، وما ذكروه من جواز خلاف ذلك فلم نقف فيه على دليل ، ومقتضى دليلهم الذي قدمنا ذكره في صدر هذه المسألة كما أشرنا إليه هو عدم الجواز كما لا يخفى.

الثاني ـ قال في المدارك : وقد نص الأصحاب على أن المعتبر التساوي بالأعقاب فلو تساوى العقبان لم يضر تقدم أصابع رجل المأموم أو رأسه ، ولو تقدم بعقبة على الامام لم ينفعه تأخره عنه بأصابعه أو رأسه ، واستقرب العلامة في


النهاية اعتبار التقدم بالعقب والأصابع معا ، وصرح بأنه لا يقدح في التساوي تقدم رأس المأموم في حالتي الركوع والسجود ومقاديم الركبتين أو الاعجاز في حال التشهد. والنص خال من ذلك كله. ولو قيل ان المرجع في التقدم المبطل الى العرف كان وجيها قويا. انتهى.

أقول : روى في كتاب دعائم الإسلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) قال : «سووا صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم ولا تخالفوا بينها فتختلفوا ويتخللكم الشيطان. الحديث». وهو ظاهر في ان التساوي في الموقف يحصل بتحاذي المناكب فإذا وقع المنكب بحذاء المنكب فقد حصل التساوي في الموقف ولهذا رتب اعتدال الصفوف واستقامتها على ذلك ، وعلى هذا فلا يحتاج الى ما تكلفوه هنا من ما لم يقم عليه دليل في المقام.

واما ما اختاره من الحوالة على العرف فقد عرفت في غير مقام من ما تقدم ولا سيما ما تقدم قريبا ما في حوالة الأحكام الشرعية على العرف من المجازفة بل الاختلال مضافا الى عدم وجود الدليل عليه من الآل عليهم صلوات ذي الجلال.

واما ما ذكره من عدم ورود نص في هذا المقام فهو وان كان كذلك إلا ان المستفاد من النصوص التي قدمناها في المقدمة السادسة في المكان في مسألة محاذاة الرجل للمرأة جوازا ومنعا ما به يعلم التساوي والتقدم ، فان المستفاد من تلك الأخبار كما قدمنا تحقيقه في تلك المسألة المذكورة هو تحريم محاذاة المرأة للرجل حال الصلاة وانه لا بد من تقدم الرجل عليها ، وانه يحصل التقدم بنحو شبر كما في صحيحة معاوية بن وهب عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) «انه سأله عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد فقال إذا كان بينهما قدر شبر صلت بحذائه وحدها وهو وحده لا بأس». والمراد تقدم الرجل بالشبر ، وفي بعض الأخبار «بقدر عظم الذراع» (3).

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 54 من صلاة الجماعة.

(2) الوسائل الباب 5 من مكان المصلى.

(3) وهو حديث زرارة المروي في الفقيه ج 1 ص 159 باللفظ الآتي : «إذا كان


وفي بعض «قدر ما يتخطى» وفي موثقة عبد الله بن بكير (1) قال : «إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس». بمعنى ان موضع سجودها يحاذي ركبتيه ، وفي صحيحة لزرارة (2) «لا تصلى المرأة بحيال الرجل إلا ان يكون قدامها ولو بصدره». وهذه الرواية قريبة من ما ذكره الأصحاب من بناء ذلك على التقدم بالأعقاب ، فإنه متى تقدم الرجل بعقبة لزم تقدم صدره إلى القبلة على صدر من يحاذيه ممن كان متأخرا عنه بالمقدار المذكور.

وبالجملة فالمفهوم من هذه الروايات انه متى حصل تقدم الرجل بأحد هذه المقادير زالت المحاذاة وهي وان كانت متفاوتة لكن التفاوت يسير ، وأقل مراتبها التقدم بالصدر وبعده بالشبر ، وفي معناه سجودها مع ركوعه ثم عظم الذراع ثم بما يتخطى الذي قد عرفت آنفا انه عبارة عن مسقط جسد الإنسان حال السجود. والله العالم

الثالث ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم في جواز استدارة المأمومين حول الكعبة في المسجد الحرام ، فقل عن ابن الجنيد القول بجواز ذلك بشرط أن لا يكون المأموم أقرب الى الكعبة من الامام ، وبه قطع الشهيد في الذكرى محتجا بالإجماع عليه عملا في كل الأعصار السالفة ، ونقل عن العلامة في جملة من كتبه منع ذلك ، وأوجب وقوف المأموم في الناحية التي فيها الامام بحيث يكون خلفه أو الى جانبه كما في غير المسجد ، واحتج عليه في المنتهى بان موقف المأموم خلف الإمام أو الى جانبه وهو انما يحصل في جهة واحدة فصلاة من غايرها باطلة ، وبان المأموم مع الاستدارة إذا لم يكن واقفا في جهة الإمام يكون واقفا بين يديه فتبطل صلاته.

__________________

بينها وبينه قدر ما يتخطى أو قدر عظم ذراع فصاعدا فلا بأس صلت بحذائه وحدها». وهكذا أورده في الوافي باب صلاة كل من الرجل والمرأة بحذاء الآخر أو قريبا منه) وأورده في الوسائل في الباب 5 من مكان المصلى هكذا : «إذا كان بينها وبينه ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعدا فلا بأس».

(1 و 2) الوسائل الباب 6 من مكان المصلي.


أقول : لم أقف في هذا المقام على نص عنهم عليهم‌السلام وطريق الاحتياط في ما ذهب إليه العلامة (أجزل الله تعالى إكرامه) والله العالم.

المسألة السابعة ـ من الشرائط في صحة القدوة نية الائتمام بإمام معين ، فلو نوى كل منهما الإمامة صحت صلاتهما معا ، بخلاف ما لو نوى كل منهما الائتمام بالآخر فإنه يجب الحكم ببطلان صلاتهما معا ، وكذا في ما لو شكا في ما أضمراه من الإمامة والائتمام.

وتفصيل هذا الإجمال يحتاج إلى بسطه في مقامات ثلاثة (الأول) في وجوب نية الائتمام بإمام معين ، أما وجوب نية الائتمام فلأنه بدون ذلك يكون منفردا يجب عليه ما يجب على المنفرد ، وهو من ما لا خلاف فيه حتى قال في المنتهى انه قول كل من يحفظ عنه العلم. وأما قصد تعيين الامام فالظاهر ايضا انه من ما لا خلاف فيه.

واستدلوا على ذلك بعدم الدليل على سقوط القراءة بدون ذلك فتكون العمومات الدالة على وجوب القراءة باقية على عمومها بالنسبة اليه. ولا يخفى ما فيه إلا ان الحكم لما كان من ما ظاهرهم الاتفاق عليه مع معلومية ذلك من حال السلف من أصحابنا (رضوان الله عليهم مضافا الى توقف يقين البراءة عليه ورجوع الاحتياط اليه فيجب العمل به.

وتعيين الامام كما يكون باسمه وصفته يكون أيضا بالإشارة إليه بهذا الحاضر إذا علم استجماعه لشرائط الإمامة.

ولو اقتدى بالحاضر على انه زيد فبان انه عمرو مثلا ففي ترجيح الإشارة على الاسم فيصح الاقتداء أو العكس فيبطل نظر ، بمعنى انه لاحظ في حال النية هذا الحاضر مع كونه زيدا فبالنظر الى قيد الحضور وظهور كونه عمرا يصح من حيث أنه هو الحاضر وبالنظر الى نية كونه زيدا مع ظهور انه ليس هو يبطل ، والحق ان منشأ النظر والتوقف انما هو من حيث عدم النص والدليل في المسألة ، قال في الذكرى : ونظيره أن يقول المطلق لزوجة اسمها عمرة «هذه زينب طالق» أو يشير البائع إلى


حمار فيقول «بعتك هذا الفرس».

وهل يشترط في الإمام نية الإمامة؟ ظاهر الأصحاب العدم ، بل قال العلامة لو صلى بنية الانفراد مع علمه بان من خلفه يأتم به صح عند علمائنا ، لأن أفعال الإمام مساوية لأفعال المنفرد في الكيفية والأحكام فلا وجه لاعتبار تمييز أحدهما عن الآخر. وهو جيد.

وظاهرهم ـ بل صرح به جملة منهم ـ ان الثواب لا يترتب على صلاة الإمام إلا مع النية ، ولو تحققت القدوة به وهو لا يعلم حتى فرغ من الصلاة فهل يكون الحكم فيه كالحكم في من نوى الانفراد فلا يترتب عليه الثواب أو حكم من نوى الجماعة فيترتب؟ إشكال إلا انه لا يبعد من سعة كرمه سبحانه وفضله وإحسانه جل شأنه امداده بالثواب وإدخاله في سعة تلك الأبواب.

وفي وجوب نية الإمامة في الجماعة الواجبة احتمالات ، استظهر جملة من أصحابنا العدم ، إذ المعتبر فيها تحقق القدوة في نفس الأمر وهي حاصلة ، وجزم الشهيدان بالوجوب لوجوب نية الواجب. وفيه بحث تقدم في باب الوضوء من كتاب الطهارة في بحث النية.

المقام الثاني ـ في ما لو صلى اثنان فقال كل منهما كنت الإمام فإنه يحكم بصحة صلاتهما ، ولو قال كل منهما كنت مأموما بطلت صلاة كل منهما.

والوجه في الأول ان كلا منهما اتى بجميع الأفعال الواجبة من قراءة وغيرها ولم يخل بشي‌ء من الواجبات فلا وجه لبطلان صلاته ، ونية الإمامة لا منافاة فيها لصحة صلاة المنفرد فلا تؤثر بطلانا. وفي الثاني انه أخل كل منهما بالقراءة الواجبة فتبطل صلاته.

والأصل في ذلك مضافا الى ما ذكرناه من ما هو واضح الدلالة على الحكم المذكور ما رواه الشيخ عن السكوني عن ابى عبد الله عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام عن


على صلوات الله عليه) (1) «انه قال في رجلين اختلفا فقال أحدهما كنت امامك وقال الآخر انا كنت إمامك ان صلاتهما تامة. قال قلت : فان قال كل واحد منهما كنت أئتم بك؟ فقال صلاتهما فاسدة وليستأنفا». ورواه الصدوق في الفقيه عن على عليه‌السلام مرسلا (2).

ونقل عن المحقق الشيخ على (قدس‌سره) انه استشكل في البطلان في الصورة الثانية ، قال لان اخبار كل منهما بالائتمام بالآخر يتضمن الإقرار على الغير فلا يقبل كما لو أخبر الإمام بعد الصلاة بفسادها بغير ذلك. وأجيب عنه بأنه غير مسموع في مقابلة النص الدال على البطلان.

قال في المدارك : وهو جيد لو كانت الرواية صالحة لا ثبات هذا الحكم لكنها ضعيفة جدا. أقول : لا ريب انها وان كانت ضعيفة بهذا الاصطلاح المحدث إلا ان ضعفها مجبور بعمل الأصحاب بها ، إذ لا مخالف في الحكم المذكور ، وهو (قدس‌سره) قد جرى على هذه القاعدة في غير موضع من كتابه وان خالف نفسه في مواضع أخر كما هنا. وبالجملة فإن الخبر معمول عليه بالاصطلاحين فالخروج عن ما دل عليه بهذه التخريجات اجتهاد محض في مقابلة النص.

واما ما ذكره في المدارك ـ حيث قال : ويمكن أن يقال ان من شرائط الائتمام أن يظن المأموم قيام الإمام بوظائف الصلاة التي من جملتها القراءة وسبقه بتكبيرة الإحرام ، فإن دخل كل منهما في الصلاة على هذا الوجه كان دخولهما مشروعا واتجه عدم قبول اخبار كل منهما بما ينافي ذلك كما في صورة الإخبار بالحدث ، وان انتفى ذلك تعين الحكم بالبطلان وان لم يحصل الإخبار ، وعلى هذا الوجه يمكن تنزيل

__________________

(1) الوسائل الباب 29 من صلاة الجماعة. والسند فيه وفي التهذيب ج 1 ص 261 والوافي باب (نوادر الجماعة) هكذا «عن ابى عبد الله عن أبيه قال قال أمير المؤمنين.» والشيخ يرويه عن الكليني. نعم السند في المدارك والذخيرة كما في المتن.

(2) الوسائل الباب 19 من صلاة الجماعة.


الرواية وكلام الأصحاب. انتهى ـ

ففيه ان ما ذكره الشيخ على (قدس‌سره) لا يخرج عن ما ذكره من الدخول على الوجه الشرعي ، إلا ان ما ذكره من اتجاه عدم قبول اخبار كل منهما بما ينافي ذلك ممنوع بالخبر المذكور. وقياسه على صورة الاخبار بالحدث قياس مع الفارق ، إذ من الجائز خروج هذا الجزئي بهذا الخبر من تلك القاعدة ، وكم وقع أمثال ذلك في القواعد الشرعية والضوابط المرعية من انه ترد اخبار بقاعدة كلية ويرد في بعض الأخبار في بعض جزئياتها ما يوجب التخصيص والاستثناء مع اتفاقهم على ذلك من غير تناكر ، فما لمانع أن يكون ما نحن فيه من قبيل ذلك؟ وقد اتفقت الروايات وكلمة الأصحاب على ان كل شي‌ء على أصل الطهارة حتى تعلم النجاسة وعلى عدم نقض اليقين بالشك ، مع انهم قد خرجوا عن هاتين القاعدتين في مواضع : منها البلل المشتبه بعد البول قبل الاستبراء فقد حكموا بنجاسته ونقضه الطهارة وهو خروج عن القاعدتين المذكورتين ، ونحوه البلل المشتبه بعد الجنابة وقبل البول من الحكم بنجاسته ونقضه للطهارة ، وأمثال ذلك مما يقف عليه المتتبع. وبالجملة فالعمل على القول المشهور وعدم الالتفات الى هذه التخريجات والاستبعادات في مقابلة النصوص.

قال في المدارك : ولا يخفى ان وقوع الاختلاف على هذا الوجه نادر جدا فإنه لا يكاد يتحقق إلا في حال التقية والائتمام بثالث ظاهرا.

المقام الثالث ـ في ما لو شكا في ما أضمراه من الإمامة أو الائتمام ، وقد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا تصح صلاتهما في هذه الحال ، قالوا : لأن الشك ان كان في أثناء الصلاة لم يمكنهما المضي على الائتمام وهو ظاهر ، ولا على الانفراد أو الإمامة لجواز أن يكون كل واحد منهما قد نوى الائتمام بصاحبه فتبطل النية من رأسها ويمتنع العدول لبطلان النية ، وان كان بعد الفراغ لم يحصل منهما اليقين بالإتيان بأفعال الصلاة.

وفصل العلامة في التذكرة فقطع بالبطلان ان عرض الشك في أثناء الصلاة


لأنه لا يمكنهما المضي في الصلاة على الانفراد ولا على الاجتماع ، وتردد في ما إذا شكا بعد الفراغ من انه شك بعد الانتقال ، ومن عدم اليقين بالإتيان بأفعال الصلاة.

وفصل الشهيد في الذكرى تفصيلا آخر فقال : يمكن أن يقال ان كان الشك في الأثناء وهو في محل القراءة لم يمض ما فيه إخلال بالصحة نوى الانفراد وصحت الصلاة ، لأنه ان كان نوى الإمامة فهي نية الانفراد وان كان نوى الائتمام فالعدول عنه جائز ، وان كان بعد مضى محل القراءة فإن علم انه قرأ بنية الوجوب أو علم القراءة ولم يعلم بنية الندب انفرد ايضا لحصول الواجب عليه ، وان علم ترك القراءة أو القراءة بنية الندب أمكن البطلان للإخلال بالواجب.

واعترضه في المدارك بأنه يشكل بما ذكرناه من جواز أن يكون كل منهما قد نوى الائتمام بصاحبه فتبطل الصلاة ويمتنع العدول. انتهى.

أقول : والحق في المقام ان المسألة المذكورة لما كانت عارية عن النصوص عنهم (عليهم‌السلام) فالواجب الوقوف فيها على ساحل الاحتياط كما أشرنا إليه في جملة من المواضع وعدم الالتفات الى هذه التخريجات والاحتمالات سيما مع ما هي عليه من التدافع. والله العالم.

المسألة الثامنة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في القراءة خلف الامام على أقوال منتشرة وآراء متعددة حتى قال شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في الروض انه لم يقف في الفقه على خلاف في مسألة يبلغ ما وقع في هذه المسألة ، وها نحن ننقل أولا ما وصل إلينا من أقوالهم (رضوان الله عليهم) ثم نردفها بما وصل إلينا من الأخبار في المقام مذيلين لها بما يرتفع به ان شاء الله تعالى عنها غشاوة الإبهام من التحقيق الذي لا يخفى على ذوي الأفهام ، فنقول مستمدين منه عزوجل التوفيق لأصالة الصواب والعصمة من زلل أقدام الأقلام في هذا الباب وفي كل باب :

قال الصدوق (قدس‌سره) في المقنع : واعلم ان على القوم في الركعتين الأولتين أن يستمعوا الى قراءة الامام ، وإذا كان في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة


سبحوا ، وعليهم في الركعتين الأخراوين أن يسبحوا.

وقال المرتضى (رضى الله عنه) لا يقرأ المأموم خلف الموثوق به في الأولتين في جميع الصلوات من ذوات الجهر والإخفات إلا أن تكون صلاة جهر لم يسمع فيها المأموم قراءة الإمام فيقرأ كل واحد لنفسه ، وهذا أشهر الروايات ، وروى أنه لا يقرأ في ما جهر فيه الامام وتلزمه القراءة في ما يخافت فيه الامام ، وروى انه بالخيار في ما يخافت فيه. وأما الأخيرتان فالأولى أن يقرأ المأموم أو يسبح فيهما ، وروى انه ليس عليه ذلك.

وقال الشيخ في النهاية : إذا تقدم من هو بشرائط الإمامة فلا تقرأن خلفه جهرية أو إخفاتية بل تسبح مع نفسك وتحمد الله ، وان كانت جهرية فأنصت للقراءة ، فإن خفي عليك قراءة الامام وقرأت لنفسك ، وان سمعت مثل الهمهمة من قراءة الإمام جاز لك ان لا تقرأ وأنت مخير في القراءة ، ويستحب أن تقرأ الحمد وحدها في ما لا يجهر الإمام بالقراءة فيها وان لم تقرأها فليس عليك شي‌ء.

وقال ابن البراج : ومتى أم من يصح تقدمه بغيره في صلاة جهر وقرأ فلا يقرأ المأموم بل يسمع قراءته ، وان كان لا يسمع قراءته كان مخيرا بين القراءة وتركها ، وان كانت صلاة إخفات استحب للمأموم أن يقرأ فاتحة الكتاب وحدها ويجوز أن يسبح الله ويحمده.

وقال أبو الصلاح : ولا يقرأ خلفه في الأولتين من كل صلاة ولا في الغداة إلا أن يكون بحيث لا يسمع قراءته ولا صوته في ما يجهر فيه فيقرأ ، وهو في الأخيرتين من الرباعيات وثالثة المغرب بالخيار بين قراءة الحمد والتسبيح ، والقراءة أفضل.

وقال ابن حمزة : فالواجب أربعة أشياء. وعد منها الإنصات لقراءته ، ثم قال : وإذا اقتدى بالإمام لم يقرأ في الأولتين ، فإن جهر الامام وسمع أنصت وان خفي عليه قرأ وان سمع مثل الهمهمة فهو مخير ، وان خافت الامام سبح في نفسه ، وفي الأخيرتين ان قرأ كان أفضل وان لم يقرأ جاز وان سبح كان أفضل من السكوت


وقال سلار في قسم المندوب : ولا يقرأ المأموم خلف الامام ، وروى ان ترك القراءة في صلاة الجهر خلف الامام واجب فان ثبت وإلا ثبت الأول.

وقال ابن زهرة : ويلزم المؤتم أن يقتدى بالإمام عزما وفعلا فلا يقرأ في الأولتين من كل صلاة ولا في الغداة إلا ان تكون صلاة جهر وهو لا يسمع قراءة الامام ، واما الآخرتان وثالثة المغرب فحكمه فيها حكم المنفرد.

قال في الذكرى : وهذه العبارة وعبارة أبي الصلاح تعطى وجوب القراءة أو التسبيح على المؤتم في الأخيرتين وكأنهما أخذاه من كلام المرتضى.

وقال ابن إدريس : اختلفت الرواية في القراءة خلف الامام الموثوق به ، فروى انه لا قراءة على المأموم في الأولتين في جميع الركعات والصلوات سواء كانت جهرية أو إخفاتية في أظهر الروايات ، والذي تقتضيه أصول المذهب ان الامام ضامن للقراءة بلا خلاف ، وروى انه لا قراءة على المأموم في الأولتين في جميع الصلوات الجهرية والإخفاتية إلا ان تكون صلاة جهر لم يسمع فيها المأموم قراءة الإمام فيقرأ لنفسه ، وروى انه ينصت في ما جهر فيه الإمام بالقراءة ولا يقرأ هو شيئا ويلزمه القراءة في ما خافت فيه ، وروى انه بالخيار في ما خافت فيه الإمام فأما الركعتان الأخيرتان فقد روى انه لا قراءة فيهما ولا تسبيح ، وروى انه يقرأ فيهما أو يسبح ، والأول أظهر.

وقال المحقق : وتكره القراءة خلف الإمام في الإخفاتية على الأشهر وفي الجهر لو سمع ولو همهمة ولو لم يسمع قرأ ، وقال : تسقط القراءة عن المأموم وعليه اتفاق العلماء. ونقل عن الشيخين انهما قالا : لا يجوز أن يقرأ المأموم في الجهرية إذا سمع قراءة الامام ولو همهمة. كذا في المعتبر وقال في الشرائع نحوه.

وقال ابن عمه نجيب الدين يحيى بن سعيد : ولا يقرأ المأموم في صلاة جهر بل يصغى لها فان لم يسمع وسمع كالهمهمة أجزأه وجاز أن يقرأ ، وان كان في صلاة إخفات سبح مع نفسه وحمد الله. وندب الى قراءة الحمد في ما لا يجهر فيه.


وقال العلامة في المختلف بعد ذكر جملة من روايات المسألة : والأقرب في الجمع بين الأخبار استحباب القراءة في الجهرية إذا لم يسمع ولا همهمة لا الوجوب وتحريم القراءة فيها مع السماع لقراءة الامام ، والتخيير بين القراءة والتسبيح في الأخيرتين من الإخفاتية.

وقال في التذكرة : لا يجب على المأموم القراءة سواء كانت الصلاة جهرية أو إخفاتية وسواء سمع قراءة الإمام أم لا ، ولا يستحب في الجهرية مع السماع عند علمائنا أجمع. ثم نقل عن الشيخين انه لا يجوز القراءة في الجهرية مع السماع ولو همهمة. ثم قال ويحتمل الكراهة ، قال ولو لم يسمع القراءة في الجهرية ولو همهمة فالأفضل القراءة ، ونقل عن الشيخ استحباب قراءة الحمد خاصة في صلاة السر أقول : والذي ظهر لي من الأخبار هو تحريم القراءة خلف الإمام في الأولتين جهرية كانت الصلاة أو إخفاتية ، إلا إذا كانت صلاة جهرية ولم يسمع المأموم قراءة الامام ولو همهمة فإنه يستحب له القراءة في هذه الحال. وأما في الأخيرتين فقد تقدم تحقيق الكلام فيهما في الفصل الثامن من الباب الثاني في الصلوات اليومية وما يلحق بها ، وأوضحنا ان الحكم فيهما أفضلية التسبيح وانه لا فرق بين المأموم ولا غيره من المنفرد.

والذي وصل الى من اخبار المسألة المذكورة هنا عدة روايات (الأولى) ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي ـ ورواه الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن عن الحلبي أيضا ـ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) انه قال : «إذا صليت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع إلا ان تكون صلاة يجهر فيها بالقراءة ولم تسمع فاقرأ».

وهذه الرواية كما ترى واضحة الدلالة في ما اخترناه صريحة المقالة في ما ادعيناه فإن النهي الذي هو حقيقة في التحريم قد وقع عن القراءة خلف من يأتم به مطلقا

__________________

(1) الوسائل الباب 31 من صلاة الجماعة. والشيخ يرويه عن الكليني.


في جهرية أو إخفاتية ولم يستثن منه إلا الجهرية التي لم يسمع فيها فإنه امره بالقراءة والأمر هنا محمول على الاستحباب كما يأتي بيانه ان شاء الله تعالى.

الثانية ـ ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة خلف الامام اقرأ خلفه؟ فقال أما الصلاة التي لا يجهر فيها بالقراءة فإن ذلك جعل اليه فلا تقرأ خلفه ، وأما الصلاة التي يجهر فيها فإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه فان سمعت فأنصت وان لم تسمع فاقرأ».

والتقريب في هذا الخبر كما في سابقه فإنه دال على تحريم القراءة خلفه في الإخفاتية والجهرية إلا في صورة عدم سماع قراءته في الجهرية فإنه يقرأ استحبابا كما يأتي ان شاء الله تعالى بيانه.

الثالثة ـ ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم عن زرارة ومحمد ابن مسلم (2) قالا : «قال أبو جعفر عليه‌السلام كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول من قرأ خلف إمام يأتم به فمات بعثت على غير الفطرة». وهو صريح الدلالة على تحريم القراءة مطلقا إلا انه مخصوص بما عرفت من الأخبار الدالة على الاستحباب مع عدم السماع في الجهرية.

الرابعة ـ ما رواه الصدوق عن زرارة في الصحيح عن ابى جعفر عليه‌السلام (3) انه قال : «وان كنت خلف امام فلا تقرأن شيئا في الأولتين وأنصت لقراءته ، ولا تقرأن شيئا في الأخيرتين فإن الله عزوجل يقول للمؤمنين «وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ ـ يعني في الفريضة خلف الامام ـ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» (4) والأخيرتان تبع للأولتين».

ومورد هذا الخبر الصلاة الجهرية لتعليل التحريم في الأولتين بوجوب

__________________

(1) الوسائل الباب 31 من صلاة الجماعة. والشيخ يرويه عن الكليني.

(2 و 3) الوسائل الباب 31 من صلاة الجماعة.

(4) سورة الأعراف الآية 203.


الإنصات لقراءة الامام ، وهو ظاهر في مرجوحية القراءة في الأخيرتين مطلقا خلافا لجمهور الأصحاب كما تقدم تحقيقه.

الخامسة ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام (1) قال : «إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت وسبح في نفسك».

أقول : دل هذا الخبر على وجوب الإنصات في الصلاة الجهرية ، والأمر بالتسبيح سرا وإخفاتا محمول على الاستحباب ، وبذلك صرح أيضا جملة من الأصحاب.

السادسة ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن قتيبة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «إذا كنت خلف إمام ترتضي به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك وان كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ».

والتقريب فيه انه دل على المنع من القراءة مع سماع الهمهمة في الجهرية ، وفيه رد على الشيخ في المبسوط حيث قال : لو سمع مثل الهمهمة جاز له أن يقرأ. وقال في المنتهى : ولعله استند الى ما رواه في الحسن عن الحلبي. ثم نقل الرواية الأولى ثم قال : وسماع الهمهمة ليس سماعا للقراءة فربما كان الوجه في ما ذكره هذا الحديث. انتهى. ولم يتعرض للجواب عن ذلك ، وقد عرفت ان الخبر المذكور صريح في الرد لما ذكره ، وقضية الجمع بينه وبين حسنة الحلبي المذكورة هو حمل قوله في الحسنة المذكورة «ولم يسمع» على ما هو أعم من سماع القراءة نفسها أو سماع الصوت وان لم يسمع الحروف مفصلة. ويؤيد ذلك موثقة سماعة الآتية في المقام ان شاء الله تعالى. ونظير صحيحة قتيبة المذكورة في ما ذكرناه في الرد على الشيخ ما ذكره الصدوق في الفقيه (3) حيث قال : وفي رواية عبيد بن زرارة «ان سمع الهمهمة فلا يقرأ».

السابعة ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن يقطين (4) قال : «سألت أبا الحسن الأول عليه‌السلام عن الرجل يصلى خلف امام يقتدى به في صلاة يجهر فيها

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 31 من صلاة الجماعة.


بالقراءة فلا يسمع القراءة؟ قال لا بأس ان صمت وان قرأ».

أقول : ومن هذا الخبر يعلم ما قدمنا ذكره من حمل الأمر بالقراءة في صورة عدم السماع في الجهرية ولو همهمة على الاستحباب لتخييره هنا بين الصمت والقراءة

الثامنة ـ ما رواه الشيخ في الموثق عن يونس بن يعقوب (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة خلف من ارتضى به اقرأ خلفه؟ قال من رضيت به فلا تقرأ خلفه».

والتقريب فيه ظاهر للنهى الدال على التحريم الشامل للجهرية والإخفاتية. نعم يجب ان يستثني منه صورة عدم السماع في الجهرية بالنصوص المتقدمة.

التاسعة ـ ما رواه عن سليمان بن خالد (2) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أيقرأ الرجل في الأولى والعصر خلف الامام وهو لا يعلم انه يقرأ؟ فقال لا ينبغي له أن يقرأ يكله الى الامام».

أقول : قوله «وهو لا يعلم انه يقرأ» ليس المراد به الشك في قراءة الامام وعدمها لأن فيه طعنا على الإمام بالإخلال بالواجب فلا يجوز الاقتداء به حينئذ ، وانما المراد بهذا الكلام الكناية عن عدم سماع قراءته ، فكأنه قال وهو لا يسمع انه يقرأ. وكأنه ظن انه انما يترك القراءة في ما إذا جهر الامام لوجوب الإنصات وأما مع الإخفات وعدم السماع فإنه يجوز القراءة. وقوله عليه‌السلام «لا ينبغي» المراد به التحريم كما استفاض مثله في الأخبار بقرينة باقي أخبار المسألة الصريحة في النهي عن القراءة الذي مفاده التحريم. والمراد من إيكال ذلك الى الامام هو الإشارة الى ما ورد في بعض الأخبار من أن الامام ضامن للقراءة (3).

العاشرة ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (4) قال : «إذا كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ

__________________

(1 و 2 و 4) الوسائل الباب 31 من صلاة الجماعة.

(3) الوسائل الباب 30 من صلاة الجماعة.


وكان الرجل مأمونا على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأولتين. وقال يجزئك التسبيح في الأخيرتين. فقلت أى شي‌ء تقول أنت؟ قال اقرأ فاتحة الكتاب».

أقول : دل الخبر المذكور على النهى عن القراءة خلف الإمام في الأولتين من الإخفاتية وهو بعض المدعى. وأما معنى باقي الخبر فقد تقدم القول فيه في الفصل الثامن في ما يعمل في الأخيرتين من الباب الثاني.

الحادية عشرة ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن يزيد (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امام لا بأس به في جميع أموره عارف غير انه يسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما اقرأ خلفه؟ قال لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقا قاطعا».

والتقريب فيه النهى عن القراءة خلف الإمام المرضي مطلقا في جهرية أو إخفاتية. وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في ما دل عليه من جواز امامة من يسمع أبويه الكلام الغليظ في بحث العدالة من الفصل الأول في صلاة الجمعة من هذا الباب.

الثانية عشرة ـ ما رواه أيضا في الموثق عن سماعة (2) قال : «سألته عن الرجل يؤم الناس فيسمعون صوته ولا يفقهون ما يقول؟ فقال إذا سمع صوته فهو يجزئه وإذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه».

دل الخبر المذكور على انه يكتفى في تحريم القراءة بمجرد سماع صوت الامام وهو المشار اليه بالهمهمة في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم واما قراءته مع عدم السماع فقد تقدم الكلام فيه.

الثالثة عشرة ـ ما رواه الصدوق والشيخ عن بكر بن محمد الأزدي في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «انى اكره للمؤمن أن يصلى خلف الإمام في صلاة

__________________

(1) الوسائل الباب 11 من صلاة الجماعة.

(2) الوسائل الباب 31 من صلاة الجماعة.

(3) الوسائل الباب 32 من صلاة الجماعة.


لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنه حمار. قال قلت جعلت فداك فيصنع ما ذا؟ قال يسبح». واستحباب التسبيح في هذا المقام قد صرح به الأصحاب أيضا استنادا الى الخبر المذكور.

ويدل عليه ايضا وان لم يذكره أحد منهم ما رواه على بن جعفر (رضى الله عنه) في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن الرجل يكون خلف الإمام يقتدي به في الظهر والعصر يقرأ خلفه؟ قال لا ولكن يسبح ويحمد ربه ويصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى أهل بيته».

الرابعة عشرة ـ ما رواه الشيخ عن إبراهيم المرافقي وابى أحمد عمرو بن الربيع البصري عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام (2) «انه سئل عن القراءة خلف الامام فقال إذا كنت خلف امام تتولاه وتثق به فإنه يجزيك قراءته وان أحببت أن تقرأ فاقرأ في ما يخافت فيه فإذا جهر فأنصت قال الله تعالى (وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)» (3).

أقول : الظاهر ان هذا الخبر هو مستند الشيخ في ما تقدم نقله عنه من كتاب النهاية من قوله : ويستحب ان يقرأ الحمد وحدها في ما لا يجهر الإمام بالقراءة فيها. إلا انه معارض بما هو أصح منه سندا وأكثر عددا ومنها الأخبار العامة كالخبر الثالث والثامن والحادي عشر وخصوص الخبر الثاني وقد تضمن النهي الذي هو حقيقة في التحريم ، والخبر التاسع وقد عرفت ان «لا ينبغي» محمولة على التحريم بقرينة الأخبار الباقية ، والخبر العاشر وقد تضمن النهي أيضا ، والخبر الثالث عشر وقد تضمن ان المستحب في هذه الصورة انما هو التسبيح دون القراءة وعاضدها في ذلك على وجه أبلغ خبر على بن جعفر حيث نهى عن القراءة وأمر بالتسبيح والتحميد والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبالجملة فإن الخبر المذكور لما عرفت غير

__________________

(1) البحار ج 4 الصلاة 151 وفي الوسائل الباب 32 من صلاة الجماعة.

(2) الوسائل الباب 31 من صلاة الجماعة. وفي التهذيب ج 1 ص 255 النصري بالنون.

(3) سورة الأعراف الآية 203.


معمول عليه عند النظر في الأخبار بعين التحقيق فهو مردود إلى قائله عليه‌السلام إذ لا يحضرني الآن وجه يمكن حمله عليه.

الخامسة عشرة ـ ما رواه الشيخ ايضا عن سالم ابى خديجة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «إذا كنت امام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأولتين وعلى الذين خلفك أن يقولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وهم قيام ، فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك ان يقرأوا فاتحة الكتاب وعلى الامام التسبيح مثل ما يسبح القوم في الركعتين الأخيرتين».

أقول : يمكن حمل الخبر المذكور على ما هو أعم من الجهرية والإخفاتية ، فان استحباب التسبيح للمأموم في حال قراءة الامام وان كان أكثر الأخبار على كونه في الصلاة الإخفاتية وكذا كلام الأصحاب إلا انه قد تقدم في الخبر الرابع ما يؤذن بذلك في الجهرية أيضا وبه صرح جملة من الأصحاب ، ويمكن تخصيصه بالإخفاتية لا ظهرية الحكم المذكور فيها.

وكيف كان فالمراد بقوله «فإذا كان في الركعتين الأخيرتين. إلخ» انه إذا كان الائتمام وقع في الركعتين الأخيرتين بمعنى ان المأموم لم يدخل مع الإمام إلا في الركعتين الأخيرتين فعلى من خلفه من المأمومين ان يقرأوا ، لما سيأتي ان شاء الله تعالى في المسألة المذكورة من ان حكم المسبوق بالركعتين الأولتين هو وجوب القراءة عليه في أولتيه اللتين هما أخيرتا الامام وعلى الامام التسبيح فيهما من حيث انهما اخيرتاه وحكم الأخيرتين التسبيح كما يسبح الناس في الركعتين الأخيرتين ، لأن التسبيح وظيفتهما مطلقا إماما أو مأموما أو منفردا على جهة الأفضلية كما هو أحد الأقوال في المسألة أو التعيين كما صار اليه بعض أفاضل المتأخرين ، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في الفصل الثامن في ما يعمل في الأخيرتين من الباب الثاني في الصلوات اليومية (2).

__________________

(1) الوسائل الباب 32 من صلاة الجماعة.

(2) ج 8 ص 388.


السادسة عشرة ـ ما رواه الشيخ عن الحسين بن بشير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) «انه سأله رجل عن القراءة خلف الامام فقال لا ان الامام ضامن للقراءة وليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه وإنما يضمن القراءة».

أقول : قد دل الخبر المذكور على النهى عن القراءة خلف الامام مطلقا في جهرية أو إخفاتية معللا ذلك بان الامام ضامن للقراءة ، وفيه رد ايضا لما دل عليه خبر المرافقي والبصري من استحباب القراءة خلف الإمام في الإخفاتية حسبما دلت عليه الأخبار المتقدمة عموما وخصوصا.

السابعة عشرة ـ ما رواه الشيخ عن عبد الرحيم القصير (2) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول إذا كان الرجل تعرفه يؤم الناس فقرأ القرآن فلا تقرأ واعتد بقراءته».

والتقريب فيه ما تقدم ، ويجب تقييد إطلاقه بما إذا لم يسمع المأموم في الصلاة الجهرية القراءة ولو همهمة فإنه لو قرأ لا بأس للأخبار المتقدمة.

الثامنة عشرة ـ ما ذكره الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه (3) حيث قال : نقلا عن العالم عليه‌السلام وقال : «إذا صليت خلف امام تقتدى به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أم لم تسمع إلا أن تكون صلاة يجهر فيها فلم تسمع فاقرأ». أقول : وهذا الخبر طبق ما ادعيناه ووفق ما اخترناه. هذا ما حضرني من اخبار المسألة.

إذا عرفت ذلك فاعلم انى لا أعرف لما ذهب اليه المحقق وغيره من القول بكراهة القراءة مطلقا وجها يعتمد عليه ولا دليلا يرجع اليه ، وغاية ما استدل به في المعتبر على ذلك هو تعليل الجهر بالإنصات في الرواية الثانية حيث انه بعد أن

__________________

(1) الوسائل الباب 30 من صلاة الجماعة.

(2) الوسائل الباب 12 من صلاة الجماعة. واللفظ الوارد فيه «لا تعرفه» كما في التهذيب ج 1 ص 331 والوافي باب صفة إمام الجماعة وفيه «بصلاته» بدل «بقراءته».

(3) ص 11.


نقل عن الشيخ تحريم القراءة في الجهرية إذا سمع قراءة الامام ولو همهمة قال : ولعله استند إلى رواية يونس بن يعقوب ثم أورد بعده الخبر الأول ثم قال : والأولى أن يكون النهى على الكراهة لرواية عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) : إنما أمر بالجهر لينصت من خلفه. الى آخر ما في الرواية الثانية ، فانظر الى هذا الدليل العليل إذ لا ريب في أن ظاهر النهي في الخبرين اللذين نقلهما أولا هو التحريم لأنه المعنى الحقيقي للنهى كما هو الأشهر الأظهر ، والخروج عنه الى الحمل على الكراهة مجاز يحتاج إلى قرينة ظاهرة ، ودعوى إيذان التعليل بالإنصات بالاستحباب ممنوعة ، فإن علل الشرع ليست من قبيل العلل الحقيقية وانما هي معرفات والتعليل هنا إنما وقع بيانا للحكمة وإلا فالعلة الحقيقية إنما هي أمر الشارع فيتحقق الوجوب ونهيه فيتحقق التحريم. هذا مع قطع النظر عن ملاحظة ما ذكرنا من الأخبار الظاهرة العلية المنار الساطعة الأنوار في الدلالة على ما هو المختار.

وقال في الروض ـ بعد أن نقل عن المصنف كراهة القراءة خلف الإمام المرضي إلا إذا لم يسمع ولو همهمة ـ ما صورته : أما كراهة القراءة خلفه فلقوله تعالى «وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا» (2) وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (3) «انما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا». وقول الصادق عليه‌السلام (4) : «من ارتضيت قراءته فلا تقرأ خلفه». وحمل الأمر على الندب والنهى على الكراهة

__________________

(1) ص 127.

(2) سورة الأعراف الآية 203.

(3) في سنن ابى داود ج 1 ص 164 باب (الامام يصلى من قعود) عن أبي هريرة قال : «قال رسول الله (ص) انما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر ، وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع ، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد». ثم روى هذا الحديث من طريق آخر عن أبي هريرة أيضا بزيادة قوله في آخره «وإذا قرأ فأنصتوا» ثم قال وهذه الزيادة ليست بمحفوظة والوهم انما هو من ابى خالد.

(4) لم نقف على اللفظ المذكور وانما الموجود في الرواية الثامنة «من رضيت به فلا تقرأ خلفه».


جمعا بينهما وبين ما دل على عدم التحريم كصحيحة على بن يقطين عن الكاظم عليه‌السلام (1) «في الرجل يصلى خلف من يقتدى به ويجهر بالقراءة فلا يسمع القراءة؟ فقال لا بأس ان صمت وان قرأ». انتهى.

أقول : لا يخفى ما في هذا الاستدلال من الاختلال الذي لا يخفى على سائر الناظرين في هذا المقال فضلا عن ذوي الكمال ، وذلك فإن الآية المذكورة والخبر العامي الذي بعدها صريحان في وجوب الإنصات في الجهرية ، والخبر الذي نقله عن الصادق عليه‌السلام صريح في النهي الذي مفاده التحريم عن القراءة خلف من ارتضى قراءته جهرية كانت الصلاة أو إخفاتية. وخبر على بن يقطين إنما دل على التخيير بين السكوت والقراءة في صورة ما لو كانت الصلاة جهرية ولم يسمع المأموم القراءة وهو أخص من المدعى ، وأنت خبير بان محل الخلاف والإشكال إنما هو في ما عدا هذه الصورة ، وحينئذ فأين الدليل على الكراهة في صورة سماع القراءة ولو همهمة في الجهرية وكذا في الصلاة الإخفاتية كما يدعونه؟

ثم انظر الى اقتصاره (رضى الله عنه) على ما نقله من هذه الرواية العامية وهذا الخبر المجمل الذي بعدها وروايات المسألة كما نقلناها مستفيضة عديدة ولم يرجعوا إليها ولم يتأملوا فيها ، ومن هنا يعلم ان منشأ هذا الاختلاف وكثرة هذا الخلاف انما هو من حيث عدم تتبع الأخبار والتأمل فيها بعين الفكر والاعتبار وإلا فمن أعطى التأمل فيها حقه فإنه لا يخفى عليه صحة ما ذكرناه ووضوح ما أوضحناه

وأعجب من ذلك انهم أدخلوا حكم الأخيرتين للمأموم في هذا الاختلاف ونظموه في سلك هذا الخلاف ، وقد أوضحنا ما فيه في الفصل الثامن (2) من فصول الباب الثاني في الصلوات اليومية وما يلحق بها فليرجع اليه من أحب تحقيق الحال وإزاحة الاشكال. والله العالم.

__________________

(1) الوسائل الباب 31 من صلاة الجماعة.

(2) ج 8 ص 388.


فروع

الأول ـ لو كان الامام ممن لا يقتدى به وجبت القراءة على المأموم لأنه منفرد وحكم المنفرد ذلك ، وقد تقدم تحقيق الكلام في هذه المسألة في التتمة المذكورة في أول هذا المقصد.

الثاني ـ قد ذكر جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم انه يستحب للمأموم التسبيح حال قراءة الإمام في الإخفاتية وهو جيد ، ويدل عليه الخبر الثالث عشر وصحيح على بن جعفر المذكور في ذيله.

ولا يبعد القول باستحباب التسبيح ايضا ولو كانت الصلاة جهرية وأنصت لقراءة الإمام إذا أمكن الجميع بينهما كما يشير اليه الخبر الخامس.

وربما قيل بأنه ينافي ظاهر الآية من وجوب الإنصات فينبغي حمل الخبر المذكور على التسبيح والذكر القلبي كما يشير اليه قوله «في نفسك».

وفيه ان الظاهر انه لا منافاة بين الإنصات الذي هو عبارة عن الاستماع وبين الذكر والتسبيح إذا كان خفيا لا يظهر ولا يسمع ، إلا ان يقال ان الإنصات عبارة عن السكوت فما لم يحصل السكوت لا يتحقق الإنصات ، وفيه ما فيه ، مع انه يمكن إطلاق السكوت العرفي على هذه الصورة التي يكون التسبيح ونحوه فيها خفيا لا يسمع

ويؤيده انه لم يعهد التكليف بالأذكار من التسبيح ونحوه في القلب خاصة وانما هذا اللفظ خرج مخرج المبالغة في الإخفات ، كما عبر في بعض الأخبار عن القراءة الإخفاتية بتحريك اللسان في لهواته (1) وعبر عنه تارة بالصمت (2) وفي مرسلة ابن أبي حمزة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) «يجزئك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس».

الثالث ـ متى قلنا بتحريم القراءة على المأموم فهل يستحب له الاستعاذة ودعاء الاستفتاح أم لا؟ الظاهر بالنسبة إلى الاستعاذة العدم لأنها من مستحبات القراءة

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 52 من القراءة.

(2) الوسائل الباب 31 من الجماعة.


فلا وجه لها هنا. واما دعاء الاستفتاح وهو دعاء التوجه فالظاهر استحبابه إلا أن يكون وقت قراءة الامام ويشغله ذلك عن السماع.

قال في الذكرى : وهل يستحب له دعاء الاستفتاح اعنى دعاء التوجه؟ الوجه ذلك للعموم ، نعم لو كان يشغله الاستفتاح عن السماع أمكن استحباب تركه ، وقطع العلامة بأنه لا يستفتح إذا اشتغل به.

الرابع ـ لو قرأ المأموم في الموضع الذي سوغنا له القراءة فيه وفرغ قبل الامام استحب له أن يبقى آية ليقرأها عند فراغ الامام ويركع بعدها.

ويدل عليه ما رواه في الكافي عن زرارة في الموثق (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإمام أكون معه فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ؟ قال فأمسك آية ومجد الله وأثن عليه فإذا فرغ فاقرأ الآية واركع».

قال في الذكرى : وفيه دليل على استحباب التسبيح والتحميد في الأثناء ودليل على جواز القراءة خلف الإمام.

أقول : قد عرفت من الأخبار المتقدمة وهي مجموع أخبار المسألة انه لا يجوز القراءة للمأموم إلا في صورة واحدة وهي في ما إذا كانت الصلاة جهرية ولم يسمع المأموم ولا همهمة فإنه يستحب له القراءة ، وهذا الحديث وان كان مطلقا إلا انه يجب حمله على ما علم من خارج من جواز القراءة للمأموم وهو إما في الصورة المذكورة أو في صورة الصلاة خلف المخالف ، فيكون المراد بالإمام هنا وان أطلق هو الإمام الذي يجب القراءة خلفه ، ولهذا ان المحدث الكاشاني نظم هذا الخبر في اخبار الصلاة خلف من لا يقتدى به ، كما رواه في الكافي والتهذيب عن إسحاق بن عمار في الموثق (2) عن من سأل أبا عبد الله عليه‌السلام قال «أصلي خلف من لا اقتدى به

__________________

(1) الوسائل الباب 35 من صلاة الجماعة. واللفظ المذكور للشيخ في التهذيب ج 1 ص 257 ، وفي الكافي ج 1 ص 104 هكذا : «قلت لأبي عبد الله (ع) أكون مع الإمام فأفرغ.» وفيه بدل «فأمسك» «أبق».

(2) الوسائل الباب 35 من صلاة الجماعة عن الكافي فقط والنقل عنهما في الوافي ولم نقف عليه في التهذيب.


فإذا فرغت من قراءتي ولم يفرغ هو؟ قال فسبح حتى يفرغ». وما رواه الشيخ في الموثق عن عمر بن أبي شعبة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «قلت له أكون مع الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ من قراءته؟ قال فأتم السورة ومجد الله وأثن عليه حتى يفرغ». وهذا الحديث مطلق مثل موثقة زرارة المذكورة ، وبالجملة فالظاهر ان هذه الأخبار الثلاثة إنما خرجت بالنسبة إلى الصلاة خلف المخالفين لأنه هو الغالب المتكرر يومئذ وان دخل في إطلاق الخبرين المذكورين الصلاة خلف من يقتدى به في الصورة المذكورة. والله العالم.

المسألة التاسعة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم في وجوب متابعة المأموم للإمام في الأفعال حتى قال في المعتبر : وعليه اتفاق العلماء ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (2) «إنما جعل الإمام ليؤتم به». وقال في المنتهى : متابعة الإمام واجبة وهو قول أهل العلم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله (3) «انما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا». وظاهر كلامهما (طاب ثراهما) انه لا دليل لهم على هذا الحكم بعد دعوى الإجماع إلا هذا الخبر ، والظاهر انه عامي فإنا لم نقف عليه بعد التتبع في أخبارنا ، والى ذلك أيضا أشار في الذخيرة.

وفسرت المتابعة في كلامهم بأنها عبارة عن عدم تقدم المأموم على الامام وعلى هذا فتصدق مع المساواة ، ولم نجد لهم على هذا التفسير دليلا مع ان المتبادر من اللغة والعرف ان المتابعة انما هي التأخر. والتمسك بأصالة عدم الوجوب وصدق الجماعة عند المقارنة ضعيف لا يصلح لتأسيس حكم شرعي. إلا ان ظاهر كلام الصدوق المنقول هنا يقتضي الصحة في صورة المساواة ، حيث قال : ان من المأمومين من لا صلاة له وهو الذي يسبق الإمام في ركوعه وسجوده ورفعه ، ومنهم من له صلاة واحدة وهو المقارن له في ذلك ، ومنهم من له اربع وعشرون ركعة وهو الذي

__________________

(1) الوسائل الباب 35 من صلاة الجماعة.

(2 و 3) صحيح مسلم باب ائتمام المأموم بالإمام.


يتبع الإمام في كل شي‌ء ويركع بعده ويسجد بعده ويرفع منهما بعده. وحيث كان من أرباب النصوص فالظاهر انه لا يقوله إلا مع وصول نص اليه بذلك.

هذا بالنسبة إلى الأفعال واما الأقوال فاما في تكبيرة الإحرام فتجب المتابعة فيها إجماعا فلو تقدم المأموم بها لم تنعقد صلاته ، ولا ريب في الصحة مع تأخره بها عن الامام ، وانما الإشكال والخلاف في المقارنة فقيل بالمنع وبه صرح في المدارك والذخيرة ، وعلله في الذخيرة بالشك في تحقق الجماعة والائتمام حينئذ فلا يحصل اليقين بالبراءة من التكليف الثابت ، قال واستدل عليه ايضا بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «إذا كبر فكبروا» فان الفاء ظاهرة في التعقيب.

وأنت خبير بما في الدليل الثاني من الوهن ، وأما الأول فمرجعه الى ان العبادات صحة وبطلانا مبنية على التوقيف ولم يثبت من صاحب الشريعة انعقاد الصلاة جماعة في صورة المقارنة. وهو جيد.

إلا انه روى الحميري في كتاب قرب الاسناد بسنده عن على بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن الرجل يصلى إله أن يكبر قبل الامام؟ قال لا يكبر إلا مع الإمام فإن كبر قبله أعاد التكبير». فان ظاهرها جواز المقارنة ، وقواه شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في كتاب البحار للخبر المذكور.

ويخطر بالبال العليل ان الظاهر ان معنى الخبر ليس على ما فهمه شيخنا المشار اليه ، والذي يظهر من قوله «لا يكبر إلا مع الامام» ان المراد به انما هو أنه لا يدخل في الصلاة إلا حين يدخل الإمام في الصلاة أولا ، فالمعية ليس المراد بها المعية مع تكبير الامام كما ربما يتوهم بل المعية مع الامام وحصول الإمامة لأنه لو سبق الامام بالتكبير لم تكن هناك امامة ، وقوله عليه‌السلام «فان كبر قبله أعاد» لا يدل على انه لو كبر مقارنا له صح ، فان تخصيص هذين الفردين بالذكر انما هو من حيث كونهما الشائع

__________________

(1) البحار ج 18 الصلاة ص 627 ولم نجده في قرب الاسناد ولا في الوسائل ولا في المستدرك.


المتكرر ، فإن المقارنة أمر نادر والمتكرر إما التقدم أو التأخر فلا جل ذلك بين الكلام فيهما في الخبر.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من اشتباه واشكال والاحتياط عندنا في أمثال ذلك واجب على كل حال.

وأما في غير تكبيرة الإحرام من الأقوال فقولان : الوجوب واختاره الشهيد في جملة من كتبه ، والعدم واختاره العلامة وجملة ممن تأخر عنه والظاهر انه المشهور ، واختاره صاحب المدارك واحتج على ذلك بأصالة البراءة من هذا التكليف ، ولانه لو وجبت المتابعة فيها لوجب على الامام ان يجهر بها ليتمكن المأموم من متابعته ، قال والثاني منفي بالإجماع فالمقدم مثله. وتكليف المأموم بتأخير الذكر الى أن يعلم وقوعه من الامام بعيد جدا بل ربما كان مفوتا للقدوة. انتهى. وهو جيد.

وكيف كان فينبغي أن يعلم ان وجوب اشتراط المتابعة في الأفعال لا بمعنى أنه تبطل القدوة مع التقدم مطلقا بل الظاهر اختصاص البطلان بما إذا مضى في صلاته كذلك ، فلو تقدم ركوعا أو سجودا أو رفعا منهما فالمشهور استمراره أى بقاؤه على حاله حتى يلحقه الامام ، وعن الشيخ في المبسوط القول بالبطلان حيث قال : من فارق الامام لغير عذر بطلت صلاته.

وتفصيل الكلام في المقام على ما يستفاد من اخبارهم عليهم‌السلام هو أن يقال : لا ريب ان المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم هو أنه لو تقدم المأموم في الركوع أو السجود أو الرفع منهما ، فان كان عامدا استمر بمعنى انه لا يرجع وان كان ساهيا يرجع.

ومستندهم في ذلك الجميع بين رواية غياث الآتية الدالة على عدم الرجوع بحملها على العامد وبين الروايات الكثيرة الدالة على الرجوع بحملها على الساهي تبعا للشيخ (قدس‌سره) في ما ذكره من ذلك. ورد بعدم اشعار شي‌ء من روايات


المسألة بهذا التفصيل وإمكان حمل ما دل على الرجوع على الاستحباب.

وظاهر كلام الأصحاب في وجه هذا الحمل هو أنه مع الرجوع حال رفع رأسه عامدا يلزم زيادة الركن عمدا واما مع السهو فاللازم زيادته سهوا وهو مغتفر.

وفيه انهم قد صرحوا بأن زيادة الركن مبطلة عمدا وسهوا فلا وجه لهذا التفصيل حينئذ والواجب أولا نقل ما وقفنا عليه من أخبار المسألة ثم الكلام فيها بما وفق الله سبحانه لفهمه منها مستمدين منه تعالى الهداية إلى الصواب في هذا الباب وفي جميع الأبواب فنقول :

من الأخبار المذكورة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن المغيرة ـ وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ـ عن غياث بن إبراهيم الثقة البتري (1) قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الامام أيعود فيركع إذا أبطأ الامام ويرفع رأسه معه؟ قال لا».

وما رواه الشيخ في الموثق عن الحسن بن على بن فضال (2) قال : «كتبت الى ابى الحسن الرضا عليه‌السلام في الرجل كان خلف إمام يأتم به فركع قبل أن يركع الامام وهو يظن ان الامام قد ركع فلما رآه لم يركع رفع رأسه ثم أعاد الركوع مع الامام أيفسد ذلك صلاته أم تجوز له الركعة؟ فكتب يتم صلاته ولا يفسد ما صنع صلاته».

وعن محمد بن على بن فضال عن ابى الحسن عليه‌السلام (3) قال : قال : ««قلت له اسجد مع الامام وارفع رأسي قبله أعيد؟ قال أعد واسجد».

وعن على بن يقطين (4) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يركع مع الإمام يقتدي به ثم يرفع رأسه قبل الامام؟ قال يعيد ركوعه معه». ورواه في الفقيه عن محمد بن سهل الأشعري عن أبيه عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام مثله (5).

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 48 من صلاة الجماعة.

(5) الوسائل الباب 48 من صلاة الجماعة ورواه الشيخ أيضا في التهذيب ج 1 ص 259 عن محمد بن سهل عن أبيه عن الرضا (ع) ونقله عنه في الوسائل في نفس الباب.


وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن ربعي والفضيل ـ ورواه في الفقيه عن الفضيل بن يسار ـ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قالا : «سألناه عن رجل صلى مع إمام يأتم به فرفع رأسه من السجود قبل ان يرفع الإمام رأسه من السجود؟ قال فليسجد».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى الحسن عليه‌السلام (2) قال : «سألته عن الرجل يصلى مع امام يقتدى به فركع الامام وسها الرجل وهو خلفه لم يركع حتى رفع الإمام رأسه وانحط للسجود أيركع ثم يلحق بالإمام والقوم في سجودهم أو كيف يصنع؟ قال يركع ثم ينحط ويتم صلاته معهم ولا شي‌ء عليه».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان أخبار المسألة المذكورة لا تساعد على ما ذكروه من الكلام المنقول عنهم آنفا على إطلاقه ، وينبغي تفصيل ما يستفاد منها في صور :

الأولى ـ صورة تقدم المأموم في الرفع من الركوع وكذا من السجود ، والحكم فيه أنه يرجع وجوبا أو استحبابا عامدا كان أو ناسيا ، والوجه في ذلك دلالة صحيحة على بن يقطين وصحيحة ربعي والفضيل ورواية سهل وموثقة محمد بن على بن فضال على الرجوع ، وموردها الرفع من الركوع في بعض ومن السجود في بعض ، وظاهرها العموم لحالتي العمد والنسيان ، وموثقة غياث الدالة على عدم الرجوع وموردها مورد تلك الأخبار وهي مطلقة ايضا شاملة للعمد والنسيان ، والشيخ ومن تبعه كما هو المشهور بين الأصحاب وان جمعوا بينها وبين تلك الأخبار بحملها على العامد وحمل تلك الأخبار على الناسي إلا انه كما عرفت تحكم محض ، والأظهر أما طرحها لضعفها عن معارضة تلك الأخبار أو حملها على الجواز وحمل تلك الأخبار على الاستحباب ، ومن ثم حصل الترديد في العبارة المتقدمة بقولنا وجوبا أو استحبابا.

__________________

(1) الوسائل الباب 48 من صلاة الجماعة.

(2) الوسائل الباب 64 من صلاة الجماعة.


الثانية ـ صورة تقدم المأموم في الهوى للركوع والسجود ، والأظهر التفصيل بين العمد وعدمه ، فان تقدمه عمدا فالأحوط الإعادة للصلاة بعد إتمامها كما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم فانا لم نقف في النصوص على ما يدل على ما ذكره الأصحاب من ما قدمنا نقله عنهم من جعل الحكم هنا كالرفع ، ومورد الروايات التي ذكرناها في الصورة الأولى انما هو الرفع وهو غير الهوي البتة. وجملة من الأصحاب قد فصلوا في هذه الصورة بأنه ان كان تعمد المأموم الركوع حال قراءة الإمام فالظاهر بطلان الصلاة لوجوب الوقوف عليه والطمأنينة في تلك الحال ، وان كان بعد القراءة فنقلوا عن الشيخ في المبسوط بطلان الصلاة حيث ذهب الى ان من فارق الامام لغير عذر بطلت صلاته كما قدمنا نقله عنه. ومال جملة منهم الى العدم وان لزم الإثم خاصة. ورجح بعض أفاضل متأخري المتأخرين البطلان من حيث ان الفعل وقع منهيا عنه فيكون فاسدا غير مبرئ للذمة ، والرجوع اليه ثانيا يستلزم زيادة الركن والواجب عمدا وهو مبطل للصلاة. والتعليل المذكور وان كان لا يخلو من المناقشة إلا أن الأحوط ما ذكره لما قدمناه.

الثالثة ـ صورة تقدم المأموم سهوا أو ظنا منه بهوى الامام فيرجع في صورة الهوي للركوع لموثقة الحسن بن على بن فضال المذكورة ، وموردها الركوع والأصحاب عمموا الحكم في السجود ايضا ، وكأنهم بنوا على عدم ظهور الخصوصية بالركوع فعدوا الحكم الى السجود من باب تنقيح المناط القطعي كما هو المعمول عليه في جملة من الأحكام ، وهو غير بعيد إلا ان الأحوط قصر الحكم على مورد الرواية والاحتياط في الهوى للسجود بالإعادة بعد الإتمام كما ذكروه. ومورد الرواية أيضا وان كان الظن إلا أن النسيان ايضا يرجع اليه لاشتراك الجميع في عدم التعمد وحصول العذر ، ولهذا لم يفرق الأصحاب بينهما هنا وفي أكثر الأحكام.

قال في المدارك : وأما الرجوع مع النسيان فيدل عليه ما رواه الشيخ عن سعد عن ابى جعفر عن الحسن بن على بن فضال. ثم ساق الرواية حسبما قدمناه ،


ثم قال : وهذه الرواية لا تقصر عن الصحيح إذ ليس في رجالها من قد يتوقف في شأنه إلا الحسن بن على بن فضال ، وقد قال الشيخ انه كان جليل القدر عظيم المنزلة زاهدا ورعا ثقة في رواياته وكان خصيصا بالرضا عليه‌السلام واثنى عليه النجاشي وقال انه كان فطحيا ثم رجع الى الحق (رضى الله عنه) انتهى.

أقول : لا يخفى ما في تستره بما ذكره عن الخروج من قاعدة اصطلاحه من الوهن الناشئ عن ضيق الخناق في العمل بهذا الاصطلاح كما قدمنا الإشارة إليه في غير موضع ، وقد تقدم له في غير موضع ايضا رد اخبار إبراهيم بن هاشم التي هي في أعلى مراتب الحسن عند أصحاب هذا الاصطلاح بل عدها في الصحيح جملة منهم. وقد وقع له في كتاب الحج اضطراب في حديث على بن الحسن بن فضال فما بين ان يرده ويطعن عليه إذا لم يوافق اختياره وما بين أن يقبله إذا وافق مراده ، ويتستر بمثل هذا الكلام الذي ذكره علماء الرجال في حقه ومدحه والثناء عليه ، وكذا وقع له في مسمع بن عبد الملك ما بين أن يعد حديثه في الصحيح تارة وفي الحسن اخرى ويرده ثالثا ويرميه بالضعف ، ومجمل الكلام انه ان كان التوثيق موجبا للعمل بالخبر فإنه يجب العمل بالأخبار الموثقة حيثما كانت وفي أي حكم وردت ولا معنى لردها من هذه الجهة ، وإلا فلا معنى لهذا الكلام المنحل الزمام وأمثاله من ما جرى له في غير مقام. وهذا المدح لا يختص بهذا الرجل بل قد ذكر علماء الرجال في أمثاله من الواقفية والفطحية أمثال هذا الكلام كما لا يخفى على من لاحظ كتب الرجال مع انه يرد أحاديثهم غالبا. ونقل رجوعه إلى الحق سيما عند الموت كما هو المروي لا يفيد فائدة. والله العالم.

فروع

الأول ـ لو كان الامام ممن لا يقتدى به فرفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود قبله عامدا أو ناسيا استمر على حاله حتى يلحقه الامام ولا يعود اليه كما


ذكرنا في الصورة الأولى ، لأنه منفرد فيقع رفعه في موضعه ويلزم من رجوعه زيادة ركن في صلاته.

الثاني ـ لو ترك المأموم الرجوع بناء على القول بوجوبه عليه إما في صورة النسيان كما هو المشهور أو مطلقا كما هو أحد الاحتمالين في القول الآخر فهل تبطل صلاته أم لا؟ وجهان : أحدهما ـ نعم لان المتعبد به والمأمور به الرجوع ولم يأت به متعمدا فيبقى تحت عهدة الخطاب. وثانيهما ـ لا لأن الرجوع لقضاء حق المتابعة لا لكونه جزء من الصلاة ، ولأنه بترك رجوعه يصير في حكم المتعمد الذي عليه الإثم لا غير. والمسألة خالية من النص والاحتياط لا يخفى.

الثالث ـ قال في المنتهى : لو تقدم على الامام بركنين كما لو ركع قبل امامه ثم نهض قبله لم تبطل صلاته ولا ائتمامه بل الحكم ما قدمناه ، وقال الشافعي لو تقدم بركنين بطلت صلاته (1) انتهى.

أقول : قد عرفت ان تقدم المأموم في الركوع والسجود عمدا غير منصوص وقد عرفت وجه الإشكال في المسألة ، ولكنه (قدس‌سره) بناء على ما هو المشهور عندهم من اجراء التقدم في الركوع مجرى الرفع منه وكذا في السجود جعل الحكم في ما لو تقدم بركنين مثل الحكم في ما لو تقدم بركن. وفيه انه مع تسليم وجود الدليل في تلك المسألة والدلالة على جواز التقدم بركن فإلحاق الركنين به قياس مع الفارق.

الرابع ـ هل تبطل المتابعة وتنفسخ القدوة بالتأخر عن الامام بقدر ركن أم لا؟ ظاهر الشهيد في الذكرى في باب الجماعة العدم ، قال (قدس‌سره) : لو سبق الامام بعد انعقاد صلاته أتى بما وجب عليه والتحق بالإمام سواء فعل ذلك عمدا أو سهوا أو لعذر ، وقد مر مثله في الجمعة ، ولا يتحقق فوات القدوة بفوات ركن ولا أكثر عندنا ، وفي التذكرة توقف في بطلان القدوة بالتأخر بركن ، والمروي

__________________

(1) المهذب للشيرازي الشافعي ج 1 ص 95 والوجيز للغزالى ج 1 ص 35.


بقاء القدوة ، رواه عبد الرحمن عن ابى الحسن عليه‌السلام في من لم يركع ساهيا. ثم ذكر مضمون الخبر الذي قدمناه. انتهى.

أقول : لا يخفى ان الدليل أخص من المدعى فلا ينهض حجة على العموم ، وكذا ما أشار إليه انه مر مثله في الجمعة ، فإنه إشارة إلى صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى الحسن عليه‌السلام (1) «في رجل صلى في جماعة يوم الجمعة فلما ركع الإمام ألجأه الناس الى جدار أو أسطوانة فلم يقدر على أن يركع ولا ان يسجد حتى رفع القوم رؤوسهم أيركع ثم يسجد ثم يقوم في الصف؟ قال لا بأس». وموردها كما ترى حال الضرورة والعذر كالرواية المذكورة ، وقد تقدم منه (قدس‌سره) في باب صلاة الآيات ما يناقض هذا الكلام كما قدمنا ذكره ثمة وحققنا المقام بما يرفع عنه غشاوة الإبهام.

والظاهر عندي من تتبع النصوص في جملة من الموارد هو القول بوجوب المتابعة وعدم التخلف من الامام بركن :

ففي صحيحة معاوية بن وهب عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) «في الرجل يدرك آخر صلاته الامام وهي أول صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرأ فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال نعم».

وفي صحيحة زرارة في المسبوق ايضا (3) وستأتي بكمالها ان شاء الله تعالى في المسألة المذكورة ، قال فيها : «قرأ في كل ركعة من ما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب

__________________

(1) الوسائل الباب 17 من صلاة الجمعة. واللفظ في الفقيه ج 1 ص 170 ونحوه في التهذيب ج 1 ص 301 هكذا : «ثم يسجد ويلحق بالصف وقد قام القوم أم كيف يصنع؟ فقال يركع ويسجد ثم يقوم في الصف ولا بأس بذلك».

(2) الوسائل الباب 47 من صلاة الجماعة. واللفظ هكذا «قال : «سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل.».

(3) الوسائل الباب 47 من صلاة الجماعة.


وسورة فان لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب. الحديث».

والتقريب فيهما ان الظاهر من قوله في الأولة «فلا يمهله حتى يقرأ» ومن قوله في الثانية «فان لم يدرك السورة» انما هو باعتبار خوف فوت الركوع مع الامام بمعنى انه لو اشتغل بالقراءة تامة فاته الركوع مع الامام ، ولو جاز التخلف عنه ولو بركن كما يدعونه لم يكن لهذا الكلام معنى ، لانه يتم القراءة كملا وان لم يلحقه في الركوع لحقه في السجود أو بعد السجود كما يدعونه من عدم فوات القدوة بالإخلال بالمتابعة في ركنين.

ونحو هاتين الروايتين ايضا قوله عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (1) : «فإن سبقك الإمام بركعة أو ركعتين فاقرأ في الركعتين الأولتين من صلاتك الحمد وسورة فان لم تلحق السورة أجزأك الحمد».

وفي كتاب دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (2) قال : «إذا سبق أحدكم الإمام بشي‌ء من الصلاة فليجعل ما يدرك مع الإمام أول صلاته وليقرأ في ما بينه وبين نفسه ان أمهله الامام.».

وروى فيه ايضا عن ابى جعفر محمد بن على عليهما‌السلام (3) قال : «إذا أدركت الامام وقد صلى ركعتين فاجعل ما أدركت معه أول صلاتك فاقرأ لنفسك فاتحة الكتاب وسورة أن أمهلك الإمام أو ما أدركت أن تقرأ». والتقريب فيها ما عرفت. والله العالم.

المسألة العاشرة ـ من الشرائط في الجماعة توافق نظم الصلاتين في الأفعال لا في عدد الركعات ومرجعه الى اتحاد النوع ، أى أن تكون صلاة الامام والمأموم من نوع واحد ، فلو اختلفا نوعا كاليومية وصلاة الآيات أو العيدين أو بالعكس لم يجز الاقتداء. وأما اختلاف الصنف كالمفترض بالمتنفل وبالعكس والمقصر بالمتم

__________________

(1) ص 14.

(2 و 3) مستدرك الوسائل الباب 38 من صلاة الجماعة.


وبالعكس فلا مانع منه. ولا يشترط الاتحاد في عدد الركعات على الأشهر الأظهر وخلاف الصدوق (قدس‌سره) كما سيأتي نقله ان شاء الله تعالى في المقام شاذ.

وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع (الأول) ـ احتج شيخنا الشهيد في الذكرى على عدم جواز الاقتداء في اليومية بصلاة الكسوف وبالعكس ونحوه في العيدين بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) «إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به. الخبر». قال وهو غير حاصل مع الاختلاف.

أقول : قد عرفت آنفا ان هذا الخبر ليس من طريقنا وإنما هو من طريق العامة وان استسلقوه (رضوان الله عليهم في أمثال هذه المقامات سيما مع عدم الدليل من أخبار أهل البيت عليهم‌السلام.

والأظهر في الاستدلال على منع ذلك بان العبادة مبنية على التوقيف من صاحب الشريعة كيفية وكمية وصحة وبطلانا وفرادى وجماعة ونحو ذلك ، ولم يثبت عنهم عليهم‌السلام فتوى ولا فعلا صحة الاقتداء في موضع البحث فيجب الحكم بالمنع حتى يقوم الدليل عليه.

الثاني ـ المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم جواز اقتداء المفترض بمثله في فروض الصلاة اليومية وان اختلف العدد والكمية ، بل قال في المنتهى انه قول علمائنا أجمع.

ونقل عن الصدوق انه قال : لا بأس أن يصلى الرجل الظهر خلف من يصلى العصر ولا يصلى العصر خلف من يصلى الظهر إلا ان يتوهمها العصر فيصلي معه العصر ثم يعلم انها كانت الظهر فتجزئ عنه.

قال في الذكرى بعد نقل ذلك عنه : ولا أعلم مأخذه إلا أن يكون نظر الى ان العصر لا تصح إلا بعد الظهر فإذا صلاها خلف من يصلى الظهر فكأنه قد صلى العصر مع الظهر مع انها بعدها. وهو خيال ضعيف لان عصر المصلي مترتبة على ظهر نفسه لا على

__________________

(1) ارجع الى التعليقة 3 ص 134.


ظهر امامه. انتهى. وهو جيد.

إلا انه من المحتمل قريبا عدم ثبوت النقل المذكور عنه فانى لم أقف عليه في كتاب الفقيه ، وقد عرفت من ما ذكرنا في باب السهو والشك عدم صحة جملة من الأقوال المنقولة عنه في ذلك الباب وأوضحنا ذلك بإيضاح لا يزاحمه الشك والارتياب

ويؤيده أيضا ما ذكره في الذخيرة قال : وحكى عنه الشارح الفاضل اشتراط اتحاد الكمية مع انه صرح في الفقيه بجواز اقتداء المسافر بالحاضر وبالعكس. انتهى

وما ذكره أيضا في الذخيرة ـ من انه صرح في الفقيه بجواز اقتداء المسافر بالحاضر وبالعكس ـ لم أقف عليه في الكتاب المذكور بهذا النقل ، وانما روى فيه حديث داود بن الحصين (1) المشتمل على جواز ذلك على كراهية ، فلعله أراد ما ذكرناه حيث ان ما يرويه من الأخبار ينسب مذهبا اليه.

قال في المدارك : وربما استدل له بصحيحة على بن جعفر (2) «انه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه‌السلام عن امام كان في الظهر فقامت امرأة بحياله تصلى معه وهي تحسب انها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر؟ قال لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة صلاتها». وهو غير جيد ، لان مدلول الرواية مناف لما ذكره الصدوق. الى آخر ما ذكره.

أقول : قد قدمنا في المقدمة السادسة في المكان من مقدمات هذا الكتاب (3) ان الحكم بإعادة المرأة صلاتها انما هو لمحاذاة المرأة للإمام وتقدمها على الرجال مع تحريم ذلك كما أوضحناه ثمة ، لا لما ذكره في المدارك من حمل الإعادة على الاستحباب حيث انه يختار القول بكراهة المحاذاة دون التحريم ، وقد سبق البحث معه في ذلك في الموضع المشار اليه. وأما قوله ان مدلول الرواية مناف لما ذكره الصدوق فالوجه فيه ان الصدوق قد صرح بالصحة متى ظن المأموم ان تلك الصلاة صلاة العصر والحال ان الخبر صرح بأن المرأة ظنت كذلك ، فمقتضى كلام الصدوق هو الصحة في هذه الصورة لا البطلان

__________________

(1) ص 151.

(2) الوسائل الباب 53 من صلاة الجماعة.

(3) ج 7 ص 177.


كما صرحت به الرواية. وبالجملة فإن بطلان صلاة المرأة إنما استند الى ما ذكرناه.

وكيف كان فالعمل على القول المشهور لعموم أدلة الجماعة ، ويدل على جواز صلاة الظهر خلف من يصلى العصر ما رواه الشيخ عن حماد بن عثمان في الصحيح (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل امام قوم يصلى العصر وهي لهم الظهر؟ قال أجزأت عنه وأجزأت عنهم».

وروى الشيخ في الصحيح عن سليم الفراء (2) قال : «سألته عن الرجل يكون مؤذن قوم وامامهم يكون في طريق مكة أو غير ذلك فيصلي بهم العصر في وقتها فيدخل الرجل الذي لا يعرف فيرى انها الأولى أفتجزؤه انها العصر قال لا».

أقول : الظاهر ان المعنى في هذه الرواية ان الرجل نوى الظهر والحال ان الامام يصلى العصر في وقتها يعنى وقت الفضيلة لها فهل صلاته تكون صحيحة أو انه باعتبار كون الوقت وقتا للعصر تجزئه عن العصر وان لم ينوها؟ فأجاب عليه‌السلام بأنها لا تجزئ عن العصر لعدم نيتها. ومجرد كون الوقت للعصر لا يمنع من وقوع الظهر فيه

وعن ابى بصير في الموثق (3) قال : «سألته عن رجل صلى مع قوم وهو يرى انها الاولى وكانت العصر؟ قال فليجعلها الأولى وليصل العصر». ورواه الكليني عن احمد بن محمد مثله (4) ثم قال : وفي حديث آخر «فان علم انهم في صلاة العصر ولم يكن صلى الاولى فلا يدخل معهم».

أقول : حمل في الوسائل هذه الرواية المرسلة على التقية واحتمل حملها على الدخول بنية العصر. والأول أظهر.

ويدل على اقتداء المسافر بالحاضر وبالعكس وان كان على كراهية ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (5) «في المسافر يصلى خلف المقيم؟ قال يصلى ركعتين ويمضى حيث شاء». ورواه الشيخ في التهذيب في

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 53 من صلاة الجماعة.

(5) الوسائل الباب 18 من صلاة الجماعة.


الصحيح عن حماد (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المسافر. الحديث».

وما رواه في التهذيب عن محمد بن على (2) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل المسافر إذا دخل في الصلاة مع المقيمين؟ قال فليصل صلاته ثم يسلم وليجعل الأخيرتين سبحة».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن ابى العباس الفضل بن عبد الملك ـ ورواه في الفقيه عن الفضل بن عبد الملك ـ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «لا يؤم الحضري المسافر ولا المسافر الحضري ، فإن ابتلى بشي‌ء من ذلك فأم قوما حاضرين فإذا أتم الركعتين سلم ثم أخذ بيد بعضهم فقدمه فأمهم ، وإذا صلى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته ركعتين ويسلم ، وان صلى معهم الظهر فليجعل الأولتين الظهر والأخيرتين العصر». ورواه في الفقيه عن داود بن الحصين عنه عليه‌السلام (4) مثله الى قوله «ويسلم».

وروى في الفقيه عن العلاء عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (5) قال : «إذا صلى المسافر خلف قوم حضور. الحديث بتمامه».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن النعمان الأحول عن ابى عبد الله عليه‌السلام (6) قال : «إذا دخل المسافر مع أقوام حاضرين في صلاتهم فان كانت الأولى فليجعل الفريضة في الركعتين الأولتين وان كانت العصر فليجعل الأولتين نافلة والأخيرتين فريضة».

قال في التهذيب : وفقه هذا الحديث انه انما قال : «ان كانت الظهر فليجعل الفريضة في الركعتين الأولتين» لأنه متى فعل ذلك جاز له أن يجعل الركعتين الأخيرتين

__________________

(1 و 2 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 18 من صلاة الجماعة.

(3) الوسائل الباب 18 من صلاة الجماعة. ولم ينقل فيه رواية الفضل عن الفقيه كما لم تجدها في الفقيه في مظانها نعم في الوافي باب (ائتمام كل من المسافر والمقيم بالآخر) نقلها عن التهذيب والفقيه.


صلاة العصر وإذا كان صلاة العصر انما يجعل الركعتين الأخيرتين صلاته لأنه تكره الصلاة بعد صلاة العصر إلا على جهة القضاء.

وروى الشيخ عن ابى بصير في الصحيح (1) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام) لا يصلى المسافر مع المقيم فان صلى فلينصرف في الركعتين».

وقال في الفقيه (2) وقد روى «انه ان خاف على نفسه من أجل من يصلى معه صلى الركعتين الأخيرتين وجعلهما تطوعا». أقول : والوجه فيه ان المخالفين يتمون في السفر.

وعندي في المقام اشكال لم أر من نبه عليه ولا من تنبه اليه ، وهو ان ظاهر جملة من هذه الأخبار ـ وبه صرح هنا جملة من علمائنا الأبرار ـ جواز الائتمام في النافلة هنا لقوله عليه‌السلام) في رواية محمد بن على «وليجعل الأخيرتين سبحة» وفي رواية محمد بن النعمان «فليجعل الأولتين نافلة والأخيرتين فريضة» وقد عرفت دلالة كلام الشيخ على ما تضمنه الخبر المذكور مع ان الأظهر الأشهر كما تقدم تحقيقه انه لا يجوز الجماعة في النافلة إلا ما استثنى ولم يعدوا هذا الموضع من جملة ما خصوه بالاستثناء.

الثالث ـ قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض في ما لو صلى المسافر الصلاة الرباعية مع الحاضر انه يسلم إذا فرغ من أفعاله الموافقة لصلاة الإمام قبل الامام ، ولو تشهد معه ثم انتظره الى أن يكمل صلاته ويسلم معه كان أفضل. ولو انعكس الفرض تخير الحاضر عند انتهاء الفعل المشترك بين المفارقة في الحال والصبر حتى يسلم الامام فيقوم إلى الإتمام وهو أفضل. والأفضل للإمام أن ينتظر بالسلام فراغ المأموم ليسلم به فان علم المأموم بذلك قام بعد تشهد الامام. انتهى. ونحوه صرح الشهيد في الذكرى ايضا. وما ذكره (طاب ثراه) من الأفضلية في هذه

__________________

(1) الوسائل الباب 18 من صلاة الجماعة.

(2) الوسائل الباب 53 من صلاة الجماعة.


المواضع لم أقف فيه على دليل.

الرابع ـ المشهور عدم وجوب بقاء الامام المسافر في مجلسه الى أن يتم المأموم المقيم خلافا للمرتضى وظاهر ابن الجنيد.

قال المرتضى (رضى الله عنه) في الجمل على ما نقله في المختلف : لو دخل المقيم في صلاة مسافر وجب عليه أن لا ينتقل من الصلاة بعد سلامه إلا بعد ان يتم المقيم صلاته. واقتصر في المختلف على نقل خلاف المرتضى. واما ما نسبناه الى ظاهر ابن الجنيد فقد نقله شيخنا الشهيد الثاني في الروض.

ثم انه في المختلف اختار الاستحباب ونقله عن الشيخ وابن إدريس ، واحتج بأنه قد صلى فرضه فلا يجب عليه انتظار المأموم كالمأموم المسبوق.

أقول : يمكن أن يكون دليلهما ما رواه في الكافي عن ابى بصير في الموثق أو الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «أيما رجل أم قوما فعليه أن يقعد بعد التسليم ولا يخرج من ذلك الموضع حتى يتم الذين خلفه الذين سبقوا صلاتهم ، ذلك على كل امام واجب إذا علم ان فيهم مسبوقا ، فان علم ان ليس فيهم مسبوق بالصلاة فليذهب حيث شاء».

إلا ان مورد الرواية كما ترى انما هو المسبوق وقد ورد ما يدل على جواز القيام بالنسبة اليه وعدم الانتظار كما رواه الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلى بقوم فيدخل قوم في صلاته بعد ما قد صلى ركعة أو أكثر من ذلك فإذا فرغ من صلاته وسلم أيجوز له وهو إمام أن يقوم من موضعه قبل أن يفرغ من دخل في صلاته؟ قال نعم».

وقال في الروض على اثر الكلام المتقدم نقله عنه هنا ونقل خلاف المرتضى وابن الجنيد : وما ذكرناه من التفصيل آت في الصلاتين المختلفتين عددا وصلاة المسبوق وان لم يختلفا سفرا وحضرا ، فإذا اقتدى مصلى الصبح بالظهر فحكمه حكم

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 2 من التعقيب.


اقتداء المسافر بالحاضر ، ومثله اقتداء مصلى المغرب بالعشاء فإنه يجلس بعد الثالثة للتشهد والتسليم والأفضل له انتظاره به كما مر. وربما قيل بالمنع هنا لإحداثه تشهدا مانعا من الاقتداء بخلاف مصلى الصبح مع الظهر والمسافر مع الحاضر فإنه يتشهد مع الامام. ويضعف بان ذلك ليس مانعا من الاقتداء ومن ثم يتأخر المأموم المسبوق للتشهد مع بقاء القدوة. انتهى.

الخامس ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم كراهة ائتمام الحاضر بالمسافر وكذا بالعكس ، ذكره المفيد والمرتضى والشيخ في الخلاف وأبو الصلاح وابن إدريس والمحقق في المعتبر والعلامة ، ونقل في المختلف عن الشيخ على بن بابويه انه قال : لا يجوز امامة المتم للمقصر وبالعكس. وقال ابنه في المقنع : لا يجوز أن يصلى المسافر خلف المقيم. وجملة من الأصحاب كالشيخ في المبسوط والنهاية والجمل لم يعدوا في قسم المكروه ائتمام المسافر بالحاضر ، وكذا المحقق في الشرائع حيث اقتصر في عده المكروهات على ائتمام الحاضر بالمسافر ، وهو ظاهر سلار ايضا كما نقله في المختلف ، وظاهره في المختلف الميل الى عدم الكراهية في الصورة المذكورة.

وأنت خبير بأنه قد تقدم في موثقة الفضل بن عبد الملك المنع من امامة الحضري بالمسافر وبالعكس ، وأكثر الروايات المتقدمة كصحيحة حماد بن عثمان وصحيحة محمد بن مسلم وصحيحة محمد بن النعمان الأحول دلت على جواز ائتمام المسافر بالحاضر من غير كراهة وكذا رواية محمد بن على ، إلا ان غاية ما تدل عليه هو الجواز وان لم يتعرض فيها لذكر الكراهة ، وهو لا ينافي ما دل على الكراهة كالموثقة المذكورة ومثلها صحيحة أبي بصير ، فإنها دلت على انه لا يصلى المسافر مع المقيم.

وصاحب المختلف حيث اختار الجواز بلا كراهة رد موثقة الفضل بن عبد الملك بان في طريقها داود بن الحصين وهو واقفي.

وصاحب المدارك حيث اختار الكراهة اعتذر عن الموثقة المذكورة حيث


ان مذهبه كما عرفت نظم الموثق في قسم الضعيف فقال : وهذه الرواية معتبرة الإسناد إذ ليس في طريقها مطعون فيه سوى داود بن الحصين ، وقد وثقه النجاشي وقال انه كان يصحب أبا العباس الفضل بن عبد الملك وان له كتابا يرويه عدة من أصحابنا. لكن قال الشيخ وابن عقدة انه كان واقفيا. ولا يبعد ان يكون الأصل في هذا الطعن من الشيخ كلام ابن عقدة وهو غير ملتفت اليه لنص الشيخ والنجاشي على أنه كان زيديا جاروديا وانه مات على ذلك. انتهى.

أقول : انظر ما يتستر به (قدس‌سره) في الخروج عن اصطلاحه من هذا الكلام الضعيف والعذر السخيف (أما أولا) فإن ما ذكره من كون الشيخ إنما أخذ الطعن من ابن عقدة وتبعه فيه من غير أن يثبت عنده مع كونه مجرد تخرص غير مسموع ، إذ هو موجب للطعن في الشيخ (قدس‌سره) والقدح فيه من جهة أنه يقدح في الرواة وينسبهم الى خلاف المذهب الحق من غير أن يكون ذلك معلوما عنده ولا ثابتا لديه بل بمجرد التقليد لغيره وان كان ممن لا يعتمد عليه ، وهو مما لا ينبغي ظنه بالشيخ ولا نسبته اليه.

و (أما ثانيا) فلانا ان لم نقل بترجيح الجرح على التعديل لما ذكروه من اطلاع الجارح على ما لم يطلع عليه المعدل حيث ان بناء العدالة على الظاهر فلا أقل من الجمع بينهما بان يعد الحديث في الموثق الذي هو من قسم الضعيف عنده ، ولهذا ان العلامة في الخلاصة بعد نقل القولين المذكورين قال : والأقوى عندي التوقف في روايته. والمشهور بين أصحاب هذا الاصطلاح هو عد حديثه في الموثق.

وبالجملة فقد عرفت في غير موضع انه (قدس‌سره) لا رابطة له يرجع إليها ولا ضابطة يعتمد عليها بل كلامه يختلف باختلاف اختياراته وإراداته وان ناقض بعضه بعضا.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ما نقلوه هنا عن الشيخ على بن بابويه من العبارة المتقدمة مجملة غير منسوبة إلى رسالته ولا غيرها ، وصورة عبارته في الرسالة لم ينقلها


أحد في المقام ، وأنت قد عرفت من ما قدمناه في غير مقام ان أكثر عباراته في الرسالة إنما هو من كتاب الفقه الرضوي ، ومضمون هذه العبارة وان كان موجودا في الكتاب المذكور إلا ان بعدها ما يدل على انه ليس المراد بها ما يظهر منها من التحريم بل المراد بعدم الجواز تأكد الكراهة كما دلت عليه موثقة الفضل بن عبد الملك.

حيث قال عليه‌السلام (1) : واعلم ان المقصر لا يجوز له أن يصلى خلف المتم ولا يصلى المتم خلف المقصر ، وان ابتليت مع قوم لا تجد بدا من أن تصلى معهم فصل معهم ركعتين وسلم وامض لحاجتك لو تشاء. الى أن قال : وان كنت متما صليت خلف المقصر فصل معه ركعتين فإذا سلم فقم وأتمم صلاتك. انتهى.

وهو كما ترى طبق ما ذكر في موثقة الفضل المذكورة ، فإن صدر الكلام دال على التحريم إلا ان آخره من ما يكشف عن كون ذلك على جهة الكراهة المؤكدة.

ويمكن أن يكون ما نقلوه عن الشيخ على بن بابويه بناء على ما ذكرنا من أخذه غالبا من كتاب الفقه أخذوه من صدر العبارة من غير التفات الى آخرها فصار قولا مخالفا لما عليه الأصحاب في المسألة.

السادس ـ قد عرفت جواز اقتداء المفترض بمثله وان اختلف الفرضان عددا وكمية ، وأما اقتداء المتنفل بالمفترض فكاقتداء الصبي بالبالغ ومعيد صلاته جماعة بعد أن صلاها فرادى بمن لم يصل ، واقتداء المفترض بالمتنفل كمبتدئ الصلاة مع امام صلى منفردا وأراد الإعادة جماعة وفي الاقتداء بالصبي المميز على مذهب الشيخ وفي صلاة بطن النخل من صلوات الخوف كما سيأتي ذكره في محله ان شاء الله تعالى واقتداء المتنفل بالمتنفل كما في المعادة منهما معا عند بعض ، وفيه كلام يأتي ذكره ان شاء الله تعالى عند ذكر المسألة ، وكما في جماعة الصبيان والعيد المندوبة عند الأصحاب ، وفيه كلام قد تقدم ذكره في باب صلاة العيد ، والاستسقاء والغدير على قول تقدم ذكره.

__________________

(1) ص 16.


قال في الذكرى : الظاهر ان هذه الفروض إنما تتأتى في صورة الإعادة فلو صلى مفترض خلف متنفل نافلة مبتدأة أو قضاء لنافلة أو صلى متنفل بالراتبة خلف المفترض أو متنفل براتبة أو غيرها من النوافل فظاهر المتأخرين المنع. انتهى

أقول : وبهذه العبارة تعلق في المدارك في ما قدمنا نقله عنه في المسألة الأولى في عدم ثبوت الإجماع على تحريم الجماعة في النافلة.

وأنت خبير بما قدمناه في المسألة المذكورة من الأدلة الدالة على القول المشهور ومنه يظهر لك ضعف هذا الكلام وانه لا اعتماد عليه ولا ركون إليه في هذا المقام لما صرحت به اخبارهم عليهم‌السلام من التحريم الظاهر لذوي الأفهام ولكنهم (رضوان الله عليهم لقصور تتبعهم للاخبار يقعون في مثل هذه الأوهام.

فروع

الأول ـ قال العلامة في المنتهى : لو كان الامام حاضرا والمأموم مسافرا استحب للإمام ان يومئ برأسه إلى التسليم ليسلم المأموم ثم يقوم الامام فيتم صلاته ويجوز للمأموم أن يصلى معه فريضة أخرى لحديث الفضل.

الثاني ـ قال فيه ايضا : لو كان الامام مسافرا سلم ولا يتبعه المأموم فيه فإذا سلم قام المأموم فأتم صلاته. ويستحب للإمام أن يقدم من يتم الصلاة بهم وان لم يفعل قدم المأمومون. وهل يجوز أن يصلى الإمام فريضة أخرى وينوي المأموم الائتمام به في التتمة التي بقيت عليه؟ الذي يلوح من كلام الشيخ في الخلاف الجواز.

الثالث ـ هل يكره ائتمام المسافر بالمقيم وعكسه عند تساوى الفرضين أو تختص الكراهة بصورة الاختلاف؟ الذي صرح به المحقق في المعتبر الثاني نظرا الى انتفاء المفارقة المقتضية للكراهة. وهو غير بعيد. والله العالم.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *